Professional Documents
Culture Documents
يا ابني
يا ابني
2
طبعة جديدة
راجعها وصححها وعلق عليها حفيد املؤلف
3
حقوق الطبع حمفوظة
4
المقدمة
بسم اهلل ،والحمد هلل دائم ًا ،والصالة
والسالم على رسول اهلل.
6
أسأل اهلل أن ينفع بها وأن يثيبني ويثيب ولدي
وصهري محمد نادر حتاحت (الذي ينشرها
اليوم) عليها.
علي الطنطاوي
مكة المكرمة 1 :ربيع األول 1406
7
8
()1
يا ابني
إلى السيد >م .أ< من
اإلسماعيلية بمصر الذي
كتب إلي واستحلفني أن
أقرأ كتابه ،وأن أرد عليه.
9
داءك وحدك ولكنه >داء الشباب<، تشكو َ
وقد كتبت فيه قديم ًا وحديث ًا ،ولوال أني
ال أحب الحديث المعاد وال أقتني (مع
األقل من مقاالتي القديمةّ األسف) إال
لنقلتها إليك أو ألحلتك عليها .ولئن َّأرقك
هذا الذي تجد وأنت في السابعة عشرة،
فلطالما ّأر َق كثيرين غيرك صغاراً وكباراً،
ولطالما نفى عن عيونهم لذيذ الكرى،
ولطالما صرف عن درسه التلميذَ وعن عمله
التاجر .وما الحب الذي
َ العامل وعن تجارته
َ
افتن في وصفه الشعراء وفي تحليله األدباءَّ
ال ما تجده أنت سواء بسواء ،ولكنك أخذته إ ّ
مجرداً مكشوف ًا فعرفه الناس فلم ُيخدعوا
عنه ،وأخذوه فل ّفوه بمثل ورق (الشكالطة)
ليخدعوا عن حقيقته الناس .وشربت بفيك
10
من الينبوع ،وشربوا بالكأس المذهبة
الحواشي .والماء في كأس أبي نواس التي
أقام في قرارتها كسرى( )1كالماء في ساقية،
إلي كالشهوة فيوالشهوة في رسالتك ّ
غزل الشعراء ،وشعر الغزليين ،ولوحات
المصورين ،وألحان المغنين ،ولكن الضمير
ها هنا بارز ظاهر والضمير هنالك مستتر
خفي ،وشر الداء ما خفي واستتر!
إنه ما أشرف على مثل سنك أحد إال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11
حره
فأحس ّّ تو ّقد في نفسه شيء كان خامداً،
في أعصابه ،وتبدلت في عينه الدنيا غير الدنيا
والناس غير الناس ،فلم يعد يرى المرأة على
حقيقتها إنسان ًا من لحم ودم ،له ما لإلنسان
من المزايا وفيه ما فيه من العيوب ،ولكن
وأمنية فيها تلتقي
ّ ال فيه تجتمع اآلمال كلها
أم ً
ويلبسها من خيال غريزته ثوب ًا ُيخفي األمانيُ ،
ال للخير عيوبها ويستر نقائصها ويبرزها تمثا ً
المحض والجمال الكامل ،ويعمل منها ما
يعمل الوثني من الحجر :ينحته بيده صنم ًا ثم
يعبده بطوعه رب ًا! إن الصنم للوثني رب من
حجر ،والمرأة للعاشق وثن من خيال!
كل هذا طبيعي( )1معقول ،ولكن الذي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12
ال أن يحس ال يكون أبداً طبيعي ًا وال معقو ً
الفتى بهذا كله في سن خمس عشرة أو ست
عشرة سنة ،ثم يضطره أسلوب التعليم إلى
البقاء في المدرسة إلى سن العشرين أو
خمس وعشرين.
هذه هي المشكلة!
13
على نفسك ،على أوهام غريزتك وأحالم
شهوتك ،تدأب على التفكير فيها وتغذيها
بالروايات الداعرة واألفالم الفاجرة والصور
العاهرة ،حتى تمأل وحدها نفسك وتستأثر
بسمعك وبصرك ،فال ترى حيثما نظرت
إال صور الغيد الفواتن ،تراهن في كتاب
الجغرافيا إن فتحته ،وفي طلعة البدر إن
لمحته ،وفي حمرة الشفق وفي سواد الليل،
وفي أحالم اليقظة وفي رؤى المنام.
أريد ألنسى ِذ َ
كرها فكأنما ُ
سبيل
ِ تم ّث ُل لي ليلى بكل
14
وإما أن تعمد إلى ما يسمونه اليوم
>االستمناء< (وقد كان يسمى قديم ًا غير
هذا) ،وقد تكلم في حكمه الفقهاء وقال
فيه الشعراء ،وكان له في كتب اآلداب باب
ال أحب أن أدل عليه أو أرشد إليه .وهو وإن
ضراً( ،)1ولكنه
كان أقل الثالثة شراً وأخفها ّ
إن جاوز حده ركب النفس بالهم والجسم
ال محطم ًا
بالسقم ،وجعل صاحبه الشاب كه ً
كئيب ًا مستوحش ًا ،يفر من الناس ويجبن عن
لقائهم ويخاف الحياة ويهرب من تبعاتها،
وهذا حكم على المرء بالموت وهو في رباط
الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لست أدعو إليه ولكن أقرر حقيقة قررها كثير من
كبار األطباء ووافقوا فيها رأي الفقهاء من الحنفية
في الجملة.
15
وإما أن تغرف من حمأة اللذة المحرمة
وتسلك سبل الضالل وتؤم بيوت الفحش،
تبذل صحتك وشبابك ومستقبلك ودينك
في لذة عارضة ومتعة عابرة ،فإذا أنت قد
خسرت الشهادة التي تسعى إليها و>الوظيفة<
التي تحرص عليها والعلم الذي َّأملت فيه،
وفتوتك ما تضرب بهقوتك ّ ولم يبق لك من َّ
الحر.
لج العمل ّفي ّ
-بعد -أنك تشبع؛ ال ،إنك ُ وال تحسب
كلما واصلت واحدة زادك الوصال نهم ًا،
كشارب الماء الملح( )1ال يزداد شرب ًا إال ازداد
عطش ًا .ولو أنك عرفت آالف ًا منهن ثم رأيت
أخرى متمنعة عليك معرضة عنك لرغبت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16
فيها وحدها ،وأحسست من األلم لفقدها
مثل الذي يحسه َمن لم يعرف امرأة قط.
الرباع.
الربع رفع األثقال ،وصاحبه ّ
(ّ )1
17
مع الرذيلة عقابها :االنحطاط والمرض(.)1
-مما جار
و َل ُر ّب رجل ما جاوز الثالثين يبدو ّ
على نفسه -كابن ستين ،وابن ستين يبدو
من العفاف كشاب في الثالثين .ومن أمثال
اإلفرنج التي سمعناها وهي حق وصدق:
>من حفظ شبابه حفظ له شيخوخته<.
( )1يبعث اهلل ال ُّن ُذر لمن أراد أن يعتبر ،ومن ذلك
األطباء
َ جد اآلن وأعياالمرض الخبيث الذي ّ ُ
وعز عليهم دواؤه ،الذي ال يأتي إال من ّ ه عالج
ُ
الفسوق وارتكاب الفواحش ،وهو >اإليدز<.
ولو هداهم اهلل إلى معرفة دوائه ألرسل لهم نذيراً
غيره ،ثم تأتي الطامة الكبرى التي ال يملك لها
أحد دفع ًا وال منع ًا ،يوم القيامة ويوم تبرز الجحيم
ٌ
فتلتقم كل َك ّفار أثيم والعياذ باهلل.
18
وتكشف النساء وشيوع الفاحشة ،لما هاجت ّ
به الغريزة إال مرة أو مرتين في الشهر
والشهرين ،ألن من القواعد الثابتة في العلم
أنه كلما ارتقى الحيوان (واإلنسان هنا حيوان)
السفاد وطالقل عنده ِّ في سلّم التطور ّ
الحمل .فالديك والدجاجة يتسافدان كل يوم
ألن مدة الحمل (بالبيضة) يوم واحد ،أما
القط (وهو من ذوات األثداء) فيسافد القطة
مرة أو مرتين في السنة ألنها تحمل مرة في
السنة أو مرتين .وأظن أن اإلنسان أرقى من
القط ،فلماذا يكون للقط موسم واحد (هو
عندنا شباط) وتكون شهور السنة كلها شباط
عند بعض الناس؟ لهذه المغريات!
20
سيقانهن وأفخاذهن للعبة بكرة السلة أو
لعرض في حفلة الرياضة أو الصطياف على
ومن شايعهالساحل .ولو ُبعث قاسم أمين َ
إالم
على دعوته من رؤوس الفتنة ،ورأوا َ
انتهت إليه المرأة بدعوتهم (التي أرادوا بها
الص ْعقة!
غير هذا) ألخذتهم ّ
وأؤكد لك أن >ذلك األمر< في حقيقته
أتفه وأهون مما تظن ،وأن الحديث عنه
أعظم منه ووصفه أكبر أثراً في النفس من
فعله .ولوال هذا الفن :فن الشعر والقصة
يجمل
ّ والتصوير والغناء ،ولوال هذا الذي
ويحسن الحب ،لما رأيت لتلك ّ المرأة
>الصلة الجسمية< في نفسك وال نفس غيرك
شر ِمعشار ما ّ
تحسه اليوم .إنها من الشباب ُع َ
عملية كالعمليات الطبية كلها ،ولكنها قذرة
21
حق ًا ،لذلك وضع اهلل لها هذا >البنج< الذي
القبح فيها ،وهذا
َ المرء
ُ ويصم فال يرى
ّ ُيعمي
البنج هو الشهوة ،ولو فكر المرء فيها هادئ ًا،
لو فكر فيها بعقل رأسه ال بعقل أعصابه لما
رآها إال كما أقول.
22
الدواء أن نعود إلى سنة اهلل وطبائع
حر َم شيئ ًا
األشياء التي طبعها عليها .إن اهلل ما ّ
حرم المراباة وأحل أحل شيئ ًا مكانه؛ ّّ إال
وحرم الزنا وأحل الزواج ،فالدواء التجارةّ ،
هو الزواج.
الزواج وحده طريق اإلصالح .وأنا
أقترح على الجمعيات اإلسالمية والنوادي
يرغباإلصالحية أن تؤسس قسم ًا جديداً ّ
الشبان في الزواج ويدعوهم إليه ويسهله
عليهم ،ويدل الخاطب على الفتاة التي
تصلح له ويصلح لها ،ويقرضه المال إن كان
معسراً .ولهذا االقتراح تفصيالت وذيول،
َمن استجاب له وأراد العمل به شرحت له
تفصيالته.
يتيسر لك الزواج ولم ُت ِرد
ّ فإذا لم
23
الفاحشة فليس إال التسامي .وأنا ال أريد أن
أع ّقد هذا الفصل الذي أكتبه ليكون مفهوم ًا
واضح ًا بمصطلحات علم النفس ،لذلك
أعمد إلى مثال أم ّثل ُه لك :أترى إلى إبريق
الشاي الذي يغلي على النار؟ إنك إن سددته
البخار
ُ فج َر ُه
سده وأوقدت عليه ّ
فأحكمت َّ
المحبوس ،وإن خرقته سال ماؤه فاحترق
اإلبريق ،وإن وصلت به ذراع ًا كبيراً كذراع
وسير القطار وعمل القاطرة أدار لك المصنع ّ
األعاجيب.
فاألولى حالة َمن يحبس نفسه عن
شهوته يفكر فيها ويعكف عليها ،والثانية
حال من يتبع سبل الضالل ويؤم مواطن اللذّ ة
المحرمة ،والثالثة حال المتسامي.
ّ
فالتسامي هو أن تن ّفس عن نفسك بجهد
24
روحي أو عقلي أو قلبي أو جسدي يستنفد
ويخرج هذه الطاقة الم َّدخرة ُ
هذه القدرة ُ
المحبوسة :بااللتجاء إلى اهلل واالستغراق في
العبادة ،أو باالنقطاع إلى العمل واالنغماس
في البحث ،أو بالتفرغ للفن والتعبير عن هذه
الصور التي تصورها لك غريزتك باأللفاظ
شعراً ،أو باأللوان لوحة ،أو باأللحان
نغم ًا ،أو بالجهد الجسدي واإلقبال على
الرياضة والعناية بالتربية البدنية أو بالبطولة
الرياضية .واإلنسان -يا ابني -محب لنفسه
ال يقدم أحداً عليها ،فإذا وقف أمام المرآة
ورأى استدارة كتفيه ومتانة صدره وقوة
يديه ،كان هذا الجسم الرياضي المتناسق
كل جسد أنثى ،ولم أحب إليه من ّ َّ القوي
ويذهب قوته ويعصر يضحي به ُ ّ يرض أن
َ
25
عضالته ويعود به جلداً على عظم من أجل
سواد عي َني فتاة ،وال من أجل زرقتهما!
* * *
هذا هو الدواء :الزواج ،وهو العالج
الكامل ،فإن لم يمكن فالتسامي ،وهو مسكّ ن
مؤقت ولكنه مسكّ ن قوي ينفع وال يؤذي.
26
أما >المحالت العمومية< فإننا إذا أقررناها
نوسعها حتى تكفي الشبان جميع ًا، وجب أن ّ
وإذن فينبغي أن يكون في القاهرة أكثر من
بغي ألن في القاهرة (من أصل عشرة آالف ّ
()1
المليونين ونصف المليون من سكانها)
مئ َتي ألف شاب على األقل ...وإذا نحن
َج ّو ْزنا للشباب ارتيادها فاستغنوا بذلك عن
الزواج فماذا نصنع بالبنات؟ هل نفتح لهن
محالت عمومية فيها >بغايا< من الذكور؟!
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
27
كالم فارغ يا ابني واهلل ،وما تقوله
عقولهم ولكن غرائزهم ،وما يريدون إصالح
األخالق وال تقدم المرأة وال نشر المدنية وال
الروح الرياضية وال الحياة الجامعية ...إنما
هي ألفاظ يتلمظون بها ،ويبتدعون كل يوم
ويروجون
ّ جديداً منها يهولون به على الناس
به لدعوتهم ،وما يريدون إال أن نخرج
لهم بناتنا وأخواتنا ليستمتعوا برؤية الظاهر
والمخفي من أجسادهن ،وينالوا الحالل
والحرام من المتعة بهن ،ويصاحبوهن
منفردات في األسفار ويراقصوهن متجمالت
في الحفالت ...وينخدع -مع ذلك -بعض
فيضحون بأعراض بناتهن ُليقال إنهم ّ اآلباء
من المتمدنين!
إلي
وبعد يا ابني ،فال تتردد في الكتابة ّ
28
تستح ِي
ْ رضك هذا الجواب ،وال إن لم ُي ِ
ركبها مما تجد من َح ّر هذه الشهوة التي ّ
اهلل في النفس؛ إنها عالمة القوة واأل َْيد
والشباب ،وعليك بالزواج ،ولو أنك طالب
ال تزال .فإن لم تستطعه فاعتصم بخوف اهلل
واالنغماس في العبادة والدرس واالشتغال
بالفن ،وعليك بالرياضة فإنها نعم العالج.
* * *
29
من آثار المؤلف
30
1960 -12هتاف المجد
1960 -13من حديث النفس
1960 -14الجامع األموي
1960 -15في أندونيسيا
1960 -16فصول إسالمية
1960 -17صيد الخاطر البن الجوزي
(تحقيق وتعليق)
1960 -18فكر ومباحث
1960 -19مع الناس
1960 -20بغداد :مشاهدات وذكريات
1970 -21تعريف عام بدين اإلسالم
1985 -22فتاوى علي الطنطاوي
-23ذكريات علي الطنطاوي ()8-1
1989-1985
31
2001 -24فتاوى علي الطنطاوي ج2
2002 -25فصول اجتماعية
-26سيد رجال التاريخ (محمد ’) 2002
2006 -27نور وهداية
2007 -28فصول في الثقافة واألدب
2008 -29فصول في الدعوة واإلصالح
2009 -30البواكير
2011 والص َور
-31الذكريات :الفهارس ُّ
2016 -32كلمات صغيرة
2019 -33أعالم من التاريخ
* * *
32