Professional Documents
Culture Documents
المدارس-اللسانية
المدارس-اللسانية
1
مقدمة
2
مقدمة:
شغل الدرس اللغوي الحديث اهتمام الدارسين ،وال سيما بعد محاضرات فرديناند
دي سوسير ،ولما كان مقياس اللسانيات العامة يحتكم إلى دروس جادة تحدد معالم
هذا الدرس وخصائصه وما يفرقه عن غيره من المقاييس ،كان من الالزم وجود
مقياس يحتكم هو اآلخر إلى دروس تحدد معالم المدارس التي ظهرت في هذا العلم
الحديث وبذلك جاءت محاضرات المدارس اللسانية لتزيد تفاصيل المقياس األول
تشريحا وتوضيحا كهدف رئيس من وجود هذه المحاضرات لهذا المقياس.
لإلجابة على هذه اإلشكالية حاولت اإللمام بجميع المحاضرات المقررة وعددها أربعة
عشر محاضرة ،مع مجموعة من النصوص التطبيقية ،معتمدا التأريخ لهذه
النظريات منبعا وتطو ار وتحديدا لخصائصها وأعالمها ،متخذا من المعاجم والمراجع
مصدر للمعارف العلمية التي حاولت تبسيطها قدر
ا األصول وال سيما الغربية
اإلمكان لتكون في متناول الطالب والباحث المبتدئ.
والنصوص التطبيقية حاولت من خاللها أن تكون وظيفية حتى تبسط بالتحليل الهادف
4
المحاضرة األولى
الحلقة:
تناولت المعاجم المتخصصة معنى مصطلح الحلقة ،ومن هذه معجم اللغة العربية
1
أن مصطلح َحَلَقة [مفرد] :ج َحَلقات ّ ى ير الذي المعاصرة ألحمد مختار عمر
وحَلق (على غير قياس) تختلف بنيتها وإن اشتركت في حروفها ِ
وحْلقات وحالَق َ
َ
شيء استدار "يمِثّل جهاز
ٍ كل ِ
فمعناها يختلف من مصطلح إلى آخر؛ فحَلقّ -1 :
ُّ
الشرطة حلقة جوهرّية في نظام أمننا"| َحْلقة المفاتيحَ /حَلقة المفاتيح :سلك معدني
ّ
تجسس:مستدير تعّلق به المفاتيحَ -حْلقة المالكمة :ميدان مباراة المالكمةَ -حْلقة ُّ
عصبة من الجواسيس -كالحلقة المفرغة ال ُيدرى أين طرفاها [مثل] :للداللة على
العلم في حلقة تع ّذر القطع في أمر -2 .جماعة يجلسون في شكل دائرة َّ
"تلقى
َ
يومياَ -حْلقة األسماك"| َحْلقة ال ِّذكرَ /حْلقات
ًّ فالن -تُعقد حلقة تعليم التجويد
الصوفية ابتهاالتهمَ -حْلقة يؤدي فيها بعض أعضاء الطرق ِ
ّ األذكار :مجالس الذكر ّ
اسيةَ -3 /حَلق؛ ُقرط (في األذن أو األنف)
القومَ /حَلقة القوم :دائرتهمَ -حْلَقة در ّ
"اتّخذت في أنفها حلقة كبيرة من الذهب"| َحْلقة األنف :حلقة تُوضع في أنف
فضة -5 .جزء من سلسلة " -وظيفة اللغة هي ّأنها حيوان -4 .خاتم من ذهب أو ّ
القوة َّ
المسلحة َحْلقة من َحَلقات َّ القوات
اإلنساني -فرد َّ حلقة في سلسلة النشاط
ّ
ِ
يؤدي اختفاؤه إلى تعقيد ٍ
أمر ما أو العسكرّية"| الحلقة المفقودة :عامل أو سبب ّ
التباسهَ -حْلقة ِاتّصالَ /حْلقة وصل :ما يصل بين طرفين أو أكثرَ -حْلقة بحث/
حَلقة بحث :مجموعة صغيرة من َّ
الطلبة الخريجين من جامعة أو مدرسة ُمنخرطة َ
في البحث العلمي أو الدراسة المكثَّفة تحت إشراف أستاذ َّ
معينَ -حْلقة من رواية:
ّ
1أحمد مختار عمر ،معجم اللغة العربية المعاصرة ،دط.القاهرة،2008:عالم الكتب ،ص .547-546بتصرف.
5
ائيا
تمثيليا كان أو رو ًّ
ًّ فصل أو جزء منها( -6 .دب) أحد أقسام السرد المسلسل،
تباعا في مجّلة
القصة التي تنشر ً
كحلقات التمثيليات المسلسلة في اإلذاعة وحلقات ّ
من المجالّت( -7 .سف) جملة أبحاث تدور حول موضوع واحد.
ِ
المتخصصين منصرفة إلى اسية :مجموعة صغيرة من طالب الجامعة
ّ َحَلَقة در ّ
دراسة موضوع من الموضوعات.
وفي اللسانيات (الدرس اللغوي الحديث) بتوظيف مصطلح الحلقة يشير إلى اجتماع
مجموعة من األساتذة لتناول قضايا النحو الجرماني ،وفي ذلك إشارة إلى حلقة براغ
التي استمرت استمرت اجتماعات أصحابه لتوحد جهودهم وتوجهها لدراسة ما له
عالقة بالدرس اللغوي .وقد تتطور الحلقة زمنيا لتكون مدرسة.
-المدرسة:
أسهبت المعاجم في تحديد معاني مصطلح المدرسة ومن ذلك معجم لسان العرب
البن منظور 1وغيره ،إذ القاسم المشترك بينها هو البعد التربوي لهذا المصطلح ،ولو
وقفنا عند معناها اللغوي لوجدنا مصطلح المدرسة" في عرفهم مشتق من الفعل
حفظه
اءتَه َلي َ الثالثي َد َر َس ،ودرس الشيء يعني َّ
كرَر قر َ
ود َرس الكتاب يعني ّ جزأهَُ ،
ويقال درس جز الدرس َلي ْس ُهل تعّل ُمه على أجزاءُ ، ويفهمه ،ودرس الدرس يعني ّأ َ
مدرسة فالن يعني ذلك ّأنه على رأيه ومذهبه. ِ فالن من
ويقال ٌ ط َحَن ُهُ ،
القمح أي َ
َ
أسسها
مفهوم المدرسة اصطالحاً هي مكان التّعليم والتّدريس ،فالمدرسة مؤسس ٌة ّ
بية وتعليم من يشترك فيها ،2مؤسسة نظامية وجدت للعمل بهدف تر ِ
ِ المجتمع وأنشأَها
ُ
معي ٍن من البرامج والمناهج المحددة. على تربية األفراد وإعدادهم في ٍ
إطار ّ
6
تحرص على توجيه العملية التعليمية التوجيه الصحيح وهذا أساس قوتها ،فهي لم
أن دورها األساسي في المحافظة على تراث المجتمع تعد كما كان معروفاً سابقاً ّ
الثقافي وقيمه ،ونقله من ٍ
جيل إلى آخر ،وتعليم الطالب القراءة والكتابة بالطرق
القديمة كالتلقين ،بل تطورت وأصبحت المدرسة هي المكان التربوي الذي يهتم
بتربية الطفل تربي ًة سليم ًة من الناحية الجسمية والعقلية ،والعاطفية ،بهدف تكوين
الشخصية المتزنة والمتوازنة .مؤسسة رسمية ،تم إنشاؤها لحاجة المجتمع لها ،وذلك
بتكوين العالقات االجتماعية داخلها ،للقيام بالوظائف التربوية المحددة لها ،والتي
تهدف إلى تنشئة الطالب من جميع الجوانب الضرورية ،وذلك من أجل المحافظة
جديد للتعّلم وإكمال
ٌ كل عا ٍم دراسي يدخل فوٌج على المجتمع وبقائه ففي بداية ّ
ّ
ض نه ُ ٍ
األساسية في المجتمع لخلق أجيال تَ َ ّ عليمية ،وبذلك فهي اللبنة
المسيرة الت ّ
مفهوم نجح ي حتى المدرسة عناصر ة.
ر الحضا و ر التطو
و العلم ب باألمة وتو ِ
اك
ُ َ َ َ ّ َ ُ ّ
المعلِمين، ف المدرس ُة من ِ
المدرسة َي ِج ُب أن تحتوي على
ّ أساسية ،وتتأّل ُ
ّ عناصر
َ
الدراسة ،وفي المدارس أيضاً تختلف ِ
المدرسية ،وأدوات ّ
ّ طالب ،والكتب ،والغرف وال ّ
الدراسة بالمرحلة االبتدائية عندما تبدأُ ّ ِ
األعمار؛ حيث َ ختَلف
الدارسية على ُم َ
ّ المراحل
مرحَل ِة المراهقة
اإلعدادية وهي َّ ثم المرحلة الطالب في مرحلة الطفولة ،ومن ّ ُ يكو ُن
وبمستوى أعلى من المرحلة ً ختلَِف ٍة ٍ
معلومات ُم َ ِ
باستقبال طالِ ِب حيث يبدأُ ُ
عقل ال ّ
الشباب وهي آخر المراحل البلوغ ،و ّ الثانوية وهي مرحلة ُّ ثم المرحلة االبتدائية ،ومن ّ
ّ
مسيرِت ِه
َ التعليمية أو
ّ مسيرِت ِه
َ
ِ
إلكمال إما
الطالب ّ
ُ يتوج ُه
الثانوية ّ
ّ الدارسية ،فبعد انتهاء
ّ
احل ُع ُم ِِره األولى. سان مر َ مكان يقضي فيه اإلن ُ الحياتية ،فالمدرس ُة ٌ
ّ
يتميز المدرسون ٍ
بقدر من الثقافة والعلم والمقومات األكاديمية ،وهم الذين يقومون
بعملية التعليم ،أما الفئة الثانية وهم التالميذ الذين يتلّقون التعليم ،وهذه الفئة تخضع
للعديد من االختبارات ،أما ما تبقى من أفراد في هذه المؤسسة كاإلداريين وغيرهم،
فهم في مقام الوسائل المساعدة على عملية التنظيم ،وتسهيل العملية التعليمية .يقوم
عمل المدرسة عن طريق التفاعل االجتماعي ،وذلك بالتمركز حول العملية
7
التعليمية ،وضرورة إلزام الطالب بالتقيد بما جاءت به المناهج الدراسية من تطبيق
مجموعة من الحقائق والمهارات والقيم األخالقية .تعتبر المدرسة النقطة المركزية
للعالقات االجتماعية العديدة المتفاعلة بعضها مع بعض كالتالميذ والمدرسين
والمجتمع الذي يعيشون فيه .يسود في المدرسة شعور بالفخر واالنتماء تجاه هذه
المؤسسة التعليمية ،وأن الفترة التي يقضونها في المدرسة هي أهم فترات حياتهم،
ٍ
بشكل واضح في المباريات التنافسية .تنتشر في المدرسة ثقاف ٌة ويظهر هذا الشعور
معينة تمثل جانباً أساسياً من أخالق الطلبة والمدرسين وسلوكهم ،ويكون لها ٌ
دور
إن وظيفة المدرسة ال
بارز في تقوية العالقات والروابط فيما بينهم .وظائف المدرسة ّ
ٌ
تقتصر على تعليم الطلبة بعضاً من العلوم والمعارف العلمية ،بل تتعدى وظيفتها
إلى أكثر من ذلك منها ،النقل الثقافي ،حيث تعمل المدرسة على نقل التراث الثقافي
ِ
تنقيحه وتطهي ِره من الخرافات وميسر بعد بأسلوب ٍ
سهل ٍ الموروث إلى الجيل الجديد
ّ
أن المجتمع يحتوي على العديد من التي كانت عالق ًة به .التكامل االجتماعي ،ذلك ّ
الجماعات المختلفة.
دور المدرسة:
-يأتي دور المدرسة ،إلزالة التناقضات التي قد توجد بين هذه الجماعات ،وتحقق
التكامل فيما بينها.
النمو الشخصي لطالب المدرسة فهي تعمل على رعايته داخل حدودها -
وخارجها ،وذلك بتكوين شخصيته القوية المتماسكة.
-تنمية أنماط سلوكية واجتماعية جديدة لدى الفرد ،والعمل على تنميتها على
ٍ
أسس علمية ومعرفية ،ليستطيع الطالب أن يتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه.
-تنمية القدرات اإلبداعية ،فالمدرسة تعمل على تنمية القدرات العلمية ،وترعى
األفكار اإلبداعية ،وتنمي لدى الطالب الفضول المعرفي الذي يدفعه للنجاح.
8
-توفير المناخ المناسب الذي يشجع الطالب على ممارسة حقه الديمقراطي،
ِ
المدرسة وخارجها. ِ
وعالقته اإلنسانية في
-تلتفت المدرسة إلى الصحة النفسية للطلبة تُعد فتحرص على البناء التربوي
قدمه منواالجتماعي السليم لألبناء ،والذي يحتل المرتبة الثانية بعد األسرة ،لما تُ ّ
بيئة تساهم في دعم الصحة النفسية واالجتماعية للطالب ،فهي لها أهمي ٌة كبيرةٌ في
أن دور األسرة هذه األيام لم يعد كما كان سابقاً ،نظ اًر ِ
توفير الرعاية لهم ،خاص ًة ّ
وعظم المسؤوليات التي يتوالها المربون. ِ
الوقتِ ، ِ
االنشغال باألعمال ،وضيق لكثرة
وينمي من قدرته على حل المشكالت كل ذلك يعمل على صقل شخصية الطالبُ ،
التي تواجهه ،وتحمل المسؤولية التي تقع على عاتقه ،فالمدرسة يأتي دورها ُمكمالً
لدور البيئة األولى للطالب وهي األسرة ،فهي تهدف لتربية ٍ
جيل ٍ
قوي سليمٍ ،تعلم
كيف يسعى للنجاح ،وكيف يقابل الفشل الذي يعترض طريقه ،وكيفية التوافق
ٍ
وتفاؤل وحماس. النفسي مع الظروف ،فيقبل على الحياة بكل ٍ
أمل ُ
لكن يتوسع مصطلح مدرسة إلى معان أخرى كلية أو لنقل مجازية كقولنا ( علمتني
مدرسة الحياة) ( كل من نتعلم منه فهو مدرسة) مثل مواقف بعض من نتعامل
معهم في قضايا حياتية مختلفة ( األم مدرسة) ليس بالضرورة أن تكون معلمة في
المدرسة أو أوتيت حظا من العلم ولو قليال.
أما في ميدان الدرس اللغوي فالمراد بالمدرسة هي مجموعة من المفكرين أتباع لفكر
معين قد يصطلح عليهم تراثيا بالمريدين وهم مجموعة من الدارسين يتبعون عالما
في فكره وتوجهاته ومجال تخصصه ،كقولنا المدرسة السوسيرية نسبة ألتباع دي
سوسير في الدرس اللساني.
9
-النظرية:
حرص
َ تبطت ِب َمفهو ِم النظرّية؛ إذ
الفلسفية وهي أول وأقدم النظرّيات التي ار ْ
ّ النظرّية
بط كافة الموضوعات ،والدراسات ،واألفكار الفالسفة في العصر اليوناني على ر ِ
ّ
الفلسفية ،وتُحولها
ّ قدم الدعم آلرائهمالتي صاغوها بمجموعة من النظريات التي تُ ُ
تعتمد على
ُ اقعية ،وهكذا أصبحت أغلب الدراسات في مجال الفلسفة إلى حقائق و ّ
اهتم العديد من الفالسفة
مجموعة من النظرّيات ،مثل :نظرّية نشأة األرض التي ّ
وتعتبر أغلب مجاالت العلوم، ِ تستخدم في العلمية وهي التي
ّ بدراستها .النظريات
ُ ُ
ِ
كونات الطبيعةمت بدراسة ُم ّنظرّية علم الطبيعة ِمن أول النظرّيات العلمية التي اهت ْ
المحتوية على أبحاث ِ ِ
العلمية ُ
ّ المالحظات ،والدراسات باالعتماد على مجموعة من ُ
العلمية في العديد من أنواع
ّ ظهور مجموعة ِمن النظرّياتِ واكتشافات ّأدت إلى
اض وطرق عالجها. الطبية التي تهتم بالبحث في األمر ِ ّ العلوم ،مثل :النظريات
ُ
ظهر من ُذ عصرالسياسي الذي َ اعتمدت على الفكر
ْ السياسية وهي التي
ّ النظريات
ّ
تطورها حتى
الميالدي ،واستمر ّ
ّ وتطورت في القرن التاسع عشرّ الفلسفية،
ّ النظرّيات
السياسية على اآلراء واألفكار التي
ّ وتعتمد النظرّيات
ُ نهاية القرن العشرين للميالد،
ِ
تأسيس أصبحت مع الوقت حقائق ّأدت إلى
ْ السياسيين ،و
ّ أطلقها عدد من الفالسفة و
مجموعة من المدارس الفكرية السياسية ،والتي أثرت في ِ
كافة دول العالم تقريباً، ّ ّ
أسمالية
اكية ،واألفكار الر ّ السياسية :األفكار االشتر ّ
ّ ومن األمثلة على النظريات
سياسية. احتوت على نظرّيات ِ
المجاالت الفكرّية التي بصفتهما من أشهر
ّ ْ
يتصوره
ّ العلمية هي الهيكل الفكر ّي المنتظم ّ
للنطاق الواسع ،الذي ّ النظرّية
ومنه ف ّ
الخيال البشر ّي ،ويشمل مجموعة من القوانين التّجر ّ
يبية التي تتعّلق باالنتظام
فالنظرية العلمية
تمت مالحظتها وافتراضها؛ ّ
الموجود في األشياء واألحداث ،التي ّ
النظم
هي البنية التي يتم اقتراحها من قبل هذه القوانين ،وهي موضوعة لشرح هذه ّ
11
تفسر فيها
النظرية الطريقة التي ّ
وعلمياً تعني كلمة ّ
ّ وعلمية،
ّ عقالنية
ّ بطريقة
الحقائق.
*المالحظة .
* الفرضية.
* التّجربة.
* تقارير القياس( القانون) :وإذا كانت تقارير القياس دقيقة ،فيمكن اعتبارها كقوانين
المستمرة بين األشياء أو الخصائص المالحظة ،ويمكن
ّ تعبر عن العالقات
تجريبية ّ
علمية لطرح تفسير مقنع لسبب حصول
ّ منهجية أو نظرّية
ّ للعالم أن يقدم خطة
بعض القوانين ،خاص ًة عندما تكشف هذه القوانين التجريبية عن النظام الحاصل في
سلوك األشياء أو األحداث.
العلمية كفرضية ،وتكون هذه الفرضية العلمية الحل المقترح لحدوثّ تبدأ النظرّية
فالفرضية
ّ حاالت غير مفسرة تتنافى وتتعارض مع النظرية العلمية المقبولة حالياً،
الفرضية،
ّ العملية هي الفكرة التي لم تثبت بعد ،وفي حال وجود أدّلة كافية لدعم
فإنها تنتقل إلى المرحلة اآلتية المعروفة باسم نظرية ،وتصبح بذلك التفسير المقبول
ّ
لظاهرة ما ،والعامل في ارتقائهل لمصاف النظرية هي التجربة .وعليه ال يمكن
تفسر فيها هذه النظريات
للحقائق أن تتغير ولكن يمكن للنظريات أو الطريقة التي ّ
أن تتغير ،ألن الحقيقة العلمية ثابتة.
12
أما في جانب الدرس اللساني فإن النظرية تحدد معالم فكرة لغوية ( -أصولها -
قواعدها – أهدافها -مجال تطبيقها )...وعادة ما تنسب النظرية إلى أصول المدرسة
التي أنتجتها كالنظرية الخليلية مثال.
13
المحاضرة الثانية
لسانيات دي سوسير
لم يكن الحديث عن الّلغة حديث العهد ،بل بدأ عندما بدأ اإلنسان يعي
أهَلها لتكون
نفسه ،ويفهم العالم من حوله حينئذ وجد الّلغة مالزمة له ،ولعل هذا ما َّ
العلمية 1لها،
ّ الدراسة
تأمالته وتخميناته لتقوده تساؤالته في األخير إلى ّ
موضوع ّ
بأي حال
أسسه وسعى في تطويره علماء ال يمكن ّ مستقل هو الّلسانياتّ ،
ّ ضمن علم
بالدراسة،
علمية عند تناولهم الّلغة ّ
قدموه للبشرّية من فتوحات ّ
من األحوال تجاوز ما ّ
ومن هؤالء:
يسجل تاريخ
ّ (فردناند دو سوسير :)Ferdinand de Saussure
النظر المتباينة
البحث الّلساني الحديث صفحات من ذهب -وبعيدا عن وجهات ّ
ّ
2
السويسري
ّ العالم به قام ذيلّا الجليل العمل فيها يذكر - العلم هذا ظهور لزمن
(فردناند دو سوسير )Ferdinand de Saussureوبشهادة أحد أقطاب هذا العلم
شكلت في تاريخ علمنا واحدة
أن سنوات 1916-1876قد ّ
بالقول " :من المحتمل ّ
أهمية اكتشاف
ّ حول كما يسميها (ويتني ،)Whitneyقد تضاهي من نقاط التّ ّ
3
النور
ّ أت
ر تي ل
ّا ةذّ الف سوسير) (دو أفكار إلى ة
ر إشا ذلك بعض وفي يتية "
السنسكر ّ
سانيات العامة ( Cours de linguistique
بعد نشر كتابه محاضرات في الّل ّ
1
- Emile Benveniste, Problèmes de linguistique générale, s éd. Paris : 1974,
Gallimard, T2 P 29.
السالم املسدي،اللّسانيات وأسسها املعرفيّة ،د ط .تونس1986 :م ،ال ّدار التّونسيّة للنّشر ،ص.23
-عبد ّ
2
- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, 17eme éd. Paris : 1971, Seghers, P 19.
3
- Georges Mounin, Histoire de la linguistique des origines aux XX eme siècle, s.éd.
Paris: 1985, P.V.F, P 225.
14
غير بها مجرى األفالك في علم الّلسانيات ،بداية بـ " ضرورة
) généraleواّلتي ّ
1
دراسة الّلغة لذاتها ،والحال ولحد اآلن تم تناولها تبعا ألشياء ووجهات نظر أخرى"
بذلك يكون قد قاد هذا العلم إلى االستقاللية *2عن العلوم األخرى .واستوجبت
3
الزمن عامال
متميزه ،فجعل من ّ
ّ منهجية
ّ استقاللية هذا العلم قيامه على أصول
ّ
الزمن الحقيقة
فـ" خارج ّ غوية ،بل أبعد من ذلك
ظاهرة الّل ّومهما في ال ّ
ّ رئيسا
4
تتجسد فيه
ّ د، محد
ّ زمن في ال
ّ إ سانية غير كاملة ،و ّأية نتيجة غير ممكنة "
الّل ّ
جتماعية تحتضن الّلغة
ّ الدوال ومدلوالتها ضمن مجموعة ا افقية بين ّالعالقات التّو ّ
أكده حين قال" :يجب وجود جماهير متكّلمة ( Une
وتضمن وجودها ،وهذا ما ّ
5
طابع االجتماعي لّلغة ،وإشارة
)masse parlanteلتوجد الّلغة" وهذا تأكيد على ال ّ
اصلية.
إلى وظيفتها التّو ّ
الباحثين في هذا الميدان ،جعل البعض يصفهالعلمي درب ّ أنار هذا الفتح
ّ
اإلنسانية قاطبة ،وهذا ما جعل
ّ بالثّورة الكوبرنيكية 6في الّلسانيات ،بل في العلوم
1
- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, édition critique préparé
par:
T. De Mouro. Paris: 1979. Payot, P 34.
2
-للتّعمق أكثر ينظر:
- Tsutumu Akamatsu et al, The linguistics encyclopedia, 2nd éd. New York: 2004
Routledge.
-3أمحد مومن،اللّسانيات النّشأة والتّطور ،ص.123
4
- Ferdinand de Saussure, Op Cit, p 113.
5
- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, P112.
-6للتعمق ينظر:
- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, P 25.
الراجحي وسامي عياد حنا ،مبادئ علم اللّسانيات احلديث ،د ط .القاهرة2003 :م ،دار املعرفة اجلامعيّة ص .45
-شرف ال ّدين ّ
15
أغلبيتهم إليه ينسبون مصطلح التّواصل ( )Communicationفي حيـن "سوسير لم
ّ
1
الكالم اّلتي ،أقامها على
بأية إحالة إلى التّواصل" الّلهم ما أشار إليه في دورة ّ
يقم ّ
3 2
الية:
ّ الت
ّ رسيمةالت
ّ حسب وب) (أ بين أساس تبادل العالمة
سمع نطق
م = المفهوم
صم صم
ص = الصورة السمعية
نطق سمع
-أ - -ب -
الكالم عند
المجسدة لدورة ّ
ّ يتبين من التّعليقات اّلتي صاحبت هذه التّرسيمة
ّ
(دو سوسير) مايلي:
-سلطة مركزّية تنتج المفهوم وتهتدي إليه ،ال يمكن أن تكون إال دماغا ،أو ما
ويؤدي دوره.
يقوم مقامهّ ،
1
- Christian Bachmann, et autres, Langage et communications sociales, s éd. Paris :
1991 Hatier/Didier, P 17.
- 2للتّعمق أكثر ينظر:
-Jeans Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique, s éd. Paris: 2002, Larousse.
3
- Ferdinand de Saussure, OP Cit, P 28.
16
السلطة المركزّية لـ (ب) من االهتداء
تمكن ّ -يرسو المفهوم بزّيه الجديد على صورة ّ
السلطة المركزّية لـ (أ).
إلى المفهوم اّلذي أنتجته ّ
ومن الشكل الذي أتى به سوسير يمكن أن نستلهم مفاهيم ذات صلة باللغة:
* اللغة ( )la langueخاصية بشرية ،وملكة إنسانية تتجسد في تلك القدرات التي
حبا بها هللا اإلنسان دون سواه من الكائنات ،يهتدي إلى توظيفها كلما دعت الحاجة
إلى ذلك وفق نظام عام أماله المجتمع ،وهي بذلك مجموعة من التواضعات التي
اطمأن إليها مجتمع ما ليحقق بها التواصل بين أفراده ،وهذا ما يجعل منها نظاما
مضبوطا مشتركا ،تحققه اليقوم دون تعاون أجزائه المكونة له.
*الكالم ( )La paroleهو األداء الفعلي للغة في الواقع ويقابله مصطلح اإلنجاز
يقوم به كل فرد من مجتمع معين؛ أي هو نشاط فردي ينزل باللغة منزلة التطبيق
والتوظيف واالستعمال الملموس لها ،وهو بذلك ما ينطقه الفرد من وحدات لغوية
باختالف أنواعها ومستوياتها تشترك كلها في كون مصدرها واحد هو المجتمع الذي
17
يعيش فيه هذا الفرد ويتقن لغته ،والكالم بهذا يتزيا بزي شخصي وفق ما ينتجه
المجتمع لتتعين خصوصية التأدية اللغوية والممارسة الفعلية للغة عند كل فرد من
هذا المجتمع.
-1جزء يتم في الذهن(الدماغ) باعتباره مركز دورة الكالم ،حيث ترتبط وتتطابق
عملية نفسية. الصورة الذهنية (الفكرة ) بالصورة السمعية
-2جزء يتم خارج مجال جسم اإلنسان ،وتقوم به الموجات الصوتية الموجودة في
عملية فيزيائية. الهواء عندما تنقل األصوات من المتكلم إلى السامع
-3ال يمكن لـ ( )1أن يتحقق وال لـ ( )2أن يتجسد إذا كانت األعضاء المنتجة
للصوت أو الناقلة له غير موجودة أو معطلة والمتمثلة في الرئتين والحنجرة واللسان
عملية عضوية. والشفتين وغيرها
-4تنتصب قدرة تنسيقية عندما يقوم المتواصل بتنظيم اللغة من حيث هي نظام
باعتبار وحداتها ليست عناصر منعزلة ،بهدف تحقيق النجاعة التواصلية وفق
النظام العام الذي يحكم لغة المجتمع الذي ينتمي إليه.
18
هذا التفرع الذي تنشطر إليه طبيعة مكونات اللغة يجعل منها شيئا معقدا
ليس من اليسير اإلهتداء إلى حقيقته ،لذا إخضاعه للدراسة العلمية أضحى ضرورة،
والسيما أن اللغة عنده شبكة واسعة من التراكيب تنتضد فيها العالمات اللغوية وفق
نظام عام قائم بذاته وهذا ما يشير إلى أن كل عنصر لغوي في الممارسة اللغوية ال
يكتسب قيمته إال من خالل عالقاته مع العناصر األخرى المستنفرة معه لتحقيق
التواصل ،ومن خالل الوظيفة التي يؤديها في التركيب ،فنشأ بذلك علم جديد هو
علم اللغة أو اللسانيات العامة.
19
لتدخل في دائرة اهتمام هذا العلم .وباعتماد المالحظة يتوصل إلى القوانين المتحكمة
في األداء اللغوي الفعلي لجماعة لغوية معينة.
نتج عن اعتبار دي سوسير اللغة نظام من الدالئل يعبر بها اإلنسان عن
أفكاره مجموعة من التصورات النظرية التي تميز هذا العلم ،حددها على شكل
ثنائيات يتعين على إثرها مجال علم اللغة ،وأسسه النظرية .وفي تناولها حري بنا أن
نقف عند بعض المصطلحات اللسانية التي ميزت طرح سوسير ألفكاره من بينها:
ومن خالل عناصر العالمة اللغوية تبرز إلى الوجود الثنائية األولى وهي
الدال والمدلول.
-1نور اهلدى لوشن ،مباحث علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ،دط .الشارقة ،2008 :الفتح للتجليد الفين ،ص.320
- 2أمحد مومن ،اللسانيات النشأة والتطور ،ص.129
21
بعالمات أخرى موجودة معه في تواصل معين؛ بمعنى قيمة العنصر الواحد ال
يمكن أن تتحدد بوجوده لوحده بل بتواجد قيم العناصر األخرى معه ،فقيمة منزل
شيد بقلب العاصمة ليست هي نفسها لبيت بني في ضواحيها أو في القرى الداخلية
ولو كانا من اللبنة نفسها ،والمساحة ذاتها والشكل الهندسي عينه ال لشيء إال ألن
األول استمد قيمته حتما الكبيرة من قيمة ما حوله من بيوت ومباني ذات صلة به
وبالمكان الذي يوجد فيه (العاصمة).
* اللغة نظام:يعتبر هذا المفهوم ركنا مكينا في الطرح الذي تقدم به سوسير ،فعندما
درس الدليل وخصائصه وجد أن اللغة تسير وفق نظام منظم بشكل عجيب ،إذا
اختل جزء منه اختل النظام كله ،وهذا ما جعله يصف اللغة بأنها على شكل لعبة
شطرنج ،فاللعبة تحتكم على مجموعة مختلفة من العناصر (األدوات) :البيادق،
المادة المصنوعة منها :الخشب ،البالستيك ،ولكل بيدق خاصية تميزه :الملك،
الملكة ،الجندي ،الحصان ،القلعة...الخ ،المكان األصلي لكل بيدق حسب ميزته
( على يمين الملك ،على يساره ،أمامه ،قريب منه ،بعيد عنه ،وكذا المجال الذي
يتحرك فيه البيدق حركة ألَكل بيدق المنافس أو حركة فقط) وفي األخير وظيفة كل
بيدق من البيادق .فقيمة البيدق ال تتحدد بنوعية المادة المصنوع منها بل بوظيفته
والمكان الذي يحتله مقارنة بمجموع البيادق الموجودة معه ،كذلك اللغة ال تتحرك
ومحدد .وبهذه األفكار وطريقة الطرح تم
ّ وجد منظم
جد دقيق ّ
عبثا ،وإنما وفق نظام ّ
تحول فيما بعد إلى تيار علمي لساني اصطلح
الكشف عن أساس هذا البناء الذي ّ
على تسميته بالبنوية (.)structuralisme
ثانيا :ثنائية اللغة والكالم :في إطار تحديد مصطلح (لغة) الذي هو موضوع
علم اللغة ،ميز سوسير بين ثالثة مصطلحات كما أسلفنا ،والشيء المميز بين اللغة
22
" "Langueوالكالم " "Paroleكما رسمه دي سوسير ألول مرة -يشمل عددا من
المميزات المستقلة:
وعلى أساس هذا التمييز بين طبيعة اللغة ،والتنوع الفردي للكالم ،رأى
سوسير أن نظام اللغة هو الموضوع الصحيح للدراسات اللغوية؛ ألنه يشتمل على
أنماط منتظمة وثابتة ،وهي بذلك المؤهلة لالكتشاف والوصف .كما رأى أن كل
لغة ينبغي أن تصور وتوصف على أنها نظام من العناصر المترابطة ،على
المستويات الداللية والنحوية والصوتية ،ال على أنه تراكم من كيانات قائمة بذاتها.
23
سبقتها أو تلتها في التركيب ذاته أو كالهما معا.كقولنا :فكر العالم نور؛ ففي هذه
الجملة عالقة تركيبية مركبة من ثالث وحدات لغوية هي:فكر+العالم+نور ،وقد
تتعمق العالقة نفسها بين عناصر الوحدة اللغوية الواحدة أال وهي األصوات ،نحو:
الوحدة اللغوية :فكر=ف+كـ+ر.وبهذا كما قال دي سوسير 1فالعالقة التركيبية هي
عالقة حضورية تجسدها عبارتان أو أكثر موجودة بالفعل في متتالية لغوية.
هذا على مستوى التركيب .واإلجراء نفسه قد يتجسد كآلية على مستوى
الكلمة ،وذلك باستبدال أحد أصواتها ليحل محله صوت آخر من وجهة نظر
استبدالية يمليها السياق وحيثياته؛ نحو :فكر ،فقر ،بكر....الخ .كما نبه دي سوسير
إلى نوع آخر من العالقات الترابطية يلخصها في الشيء المشترك الذي يجمعها
1
- DE Saussure, op.cit p 123.
24
فكرة كالجذر مثال أو البنية أو تشابه المدلوالت؛ نحوِ :فكر
الضياء العامل ،و :النور الطالب فكر...الخ ،و :العالم
ّ
الوضوح ،وبهذا فالعالقة الترابطية تجمع بين وحدات لغوية حاضرة في المتوالية
اللغوية الحاضرة وبين وحدات لغوية غائبة مستقلة بذاتها ،أو في متوالية لغوية
غائبة هي األخرى ،1وما ينطبق على الجملة وعناصرها ينطبق على الكلمة
وعناصرها.
سادت اللسانيات التاريخية قبل سوسير ردحا من الزمن ،وهي التي كانت تتناول
التغيرات التي تط أر على لغة ما عبر حقب متتالية ،وهذا ما جعل منهج الدراسة
يمتاز بالحركية والتطورية.وألهميته في االهتداء إلى حقائق علمية معينة عن اللغة
فإن دي سوسير لم يرفضه ولم يلغه ،بل كان يرى فيه قصو ار لالهتداء إلى حقائق
حقيقية عن اللغة ،فاقترح منهجا آخر يحصر دراسة أي لغة من اللغات دراسة
وصفية في نقطة زمنية معينة؛ أي دائرة الزمن فيه مغلقة وليست مفتوحة كما كانت
عند غيره ،وبهذا يكون دي سوسير قد أضاف شيئا جديدا في الدراسة اللغوية ّ
كمل
به ما كان سائدا ؛ فإذا كان المنهج السابق ( الزماني) يتتبع المسار اللغوي لظاهرة
لغوية معينة عبر الزمن من البداية إلى النهاية ويدرس التغييرات والتحويالت التي
تط أر على بنيتها في فترات متعاقبة وما يحيط بها من ظروف ومالبسات ظرفية،
وتحلل بناء على التطور الدائم الذي يمسها ،فإن الدراسة التي اقترحها سوسير
تدرس البنية اللغوية وتصف نظامها اللغوي بجزئياته في زمن معين ،وشتان بين
المنهجين لذا ال يجب إهمال أحدهما في دراسة اللغة أو الخلط بينهما عند تناولها
1
- DE Saussure, opcit. p 123
25
بالدراسة؛ ليس ألن لكل منهج مبادئه فحسب ،بل ألن لكل منهج هدفا يحققه ال
يستطيع تحقيقه المنهج اآلخر ،فإذا كان األول يدرس تاريخ اللغة فالثاني يدرس
حقيقة اللغة ،وهذا الذي يفتقر إليه الدرس اللغوي قبل سوسير .وحتى يبرهن على
صحة ما ذهب إليه ضرب لنا مثال المقطع العرضي والمقطع الطولي اللذان يحدثان
في غصن نبتة معينة1؛ فالمقطع الطولي ينقل معلومات جزئية عن النبتة باعتبار ما
قد تحجبه األلياف المتقدمة عن تلك الواقعة وراءها ،بخالف المقطع العرضي الذي
يمنح لنا فرصة إظهار األلياف وترتيبها الخاص والعالقة القائمة بينها؛ بمعنى
المقطع العرضي هو الذي يمنح لنا المعرفة الدقيقة للبنية النباتية في مرحلة معينة
من النمو وذلك بمقارنة مختلف األجزاء المكونة لها وعالقة بعضها ببعض
لتوضحها جميعا ،كذلك اللغة فالدراسة اآلنية أكثر كشفا عن اللغة وأدق نقال
لحقائقها والعالقة الرابطة بين أجزائها ،من هنا رأى أن موضوع علم اللغة هو
وصف كل شيء يرتبط بالجانب السكوني للغة في فترة زمنية معينة .وماكان دي
سوسير ليصل إلى جملة هذه المقترحات لوال دراسته الجادة والمتأنية لما سبقه من
درس لغوي وإلمامه بمراحله.
إذا وكما تقدم فالبحث اللساني الحديث بدأ مع العالم اللساني السويسري فرديناند دي
سوسير في كتابه المشهور( " )cours de linguistique généraleدروس في
اللسانيات العامة" ضم محاضرات في اللغة ،أشرف على نشرها وبيان مضمونها
1
- DE Saussure, Ibid. pp 87,88
26
تلمذاه " ألبارسيشهاي " و" تشارل بالي " .1وقد ألم بالمراحل الثالثة للدرس اللساني
الحديث وهي:
- 1ينظر مقدمة الكتاب ،والشروح والتعليقات يف آخره واليت مست الكثري من احلقائق املذكورة يف احملاضرات.
-2ينظر :أمحد حساين ،مباحث يف اللسانيات ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.1994 :
27
المحاضرة الثالثة
حلقة موسكو
بعد أن وقف المهتمون طويال عند عناصر التّواصل اّلتي أشار إليها دي
الصراحة رواد نظرّية اإلعالم واالتصال ،هناك من أمعن
سوسير وتناولها بكثير من ّ
النظر في تحديد وظائف هذه العناصر وحيثياتها ،وأبرز من استوقفهم الحال عند
ّ
ذلك هو رومان جاكسون ،فمن باب دراسة الّلغة بكامل ّ
تنوع وظائفها ،اتّخذ من
ائيا لذلك وضرورّيا لبلوغه انتهى به في آخر
تحديد عناصر التّواصل عمال إجر ّ
جسده في التّرسيمة
المطاف إلى تصميم مسار التّواصل الكالمي بعناصر جديدة ّ
التّالية:1
المرجع
المرسل................رسالة...................المرسل إليه
قن ــاة
سنن
لكل رسالة.
األول ّ
-1المرسل :هو ّأول من ينشئ التّواصل ،والمنبع ّ
*رومان أوسيبوفيتش جاكسبون Roman Ossipovitch Jaksbonلغوي روسي ،أدى دورا هاما في نشأة
مدرسة الشكالنيين الروس ،وساهم مساهمة فعالة في تأسيس حلقة براغ اللسانية ،1926من أهم ما جاء به نظرية
وظائف اللغة الست.
1
Roman Jaksbon, Essais de linguistique générale, tra Nicolat Ruet les èditions de
minuit, paris, 1963, p214.
28
المنشط للتّواصل ،فلواله ما وجد
-2المرسل إليه :هو المستقبل لرسالة المرسل ،و ّ
بالقوة بعد أن وجد بالفعل.
المرسل ّ
-3الرسالة :هي الحمولة اإلخبارّية لذاك التّواصل اّلذي جمع بين المرسل والمرسل
المفعلة له.
إليه ،و ّ
-4القناة :وهي الوسيلة اّلتي يختارها المرسل والمرسل إليه لتكون الحامل األمين
للرسالة اّلتي تنتقل بينهما.
ّ
-5السنن :هو نظام يعتمده المرسل في تركيب رسالته ،وعليه يعتمد المرسل إليه
الرسالة عند استقبالها ،حتّى يهتدي إلى الحمولة اإلخبارية اّلتي
في فك نفس ّ
تحتويها.
"الشخص
الرسالة في الواقع وعليه تنوب؛ بمعنى هو ّ
-6المرجع :وهو ما تومئ إليه ّ
نتحدث".1
أو الموضوع اّلذي عليه ّ
بأنها غير
حددها وحكم عليها ّ من خالل استقراء عناصر التّواصل الكالمي اّلتي ّ
متغيرة ،يمكن لنا أن نستخلص مجموعة من العناصر الجوهرّية منها:
ّ
أخذ جاكسبون عناصر من غيره ،والسيما سوسير عليها بنى دورة تواصله الكالمي،
المشغلة لهذه
ّ بداية بالقدرة على التّركيب ،واإلرسال ،واالستقبال ،والتّفكيك ،والعناصر
القدرة؛ إذ نجد عنده المرسل والمرسل إليه وبمصطلح سوسير (المتكلم والمستمع)،
المتحدث (أ)
ّ معية) المنطلقة من
الس ّ
(الصورة ّ
الرسالة أو ّ
العنصر الرابط بينهما وهو ّ
السامع (ب) وهكذا.إلى ّ
إذا كان تأثّر جاكبسون بسوسير غير ملفت لالنتباه ''فما الّلسانيات الوظيفية إالّ فرع
فإن المثير في األمر هو تأثّره بنظرّية اإلعالم واالتصال،
البنوية" ّ ،
ّ من فروع
الصريح لمصطلحاتها ،فمصطلح (،Emetteur ّ ويظهر ذلك في توظيفه
1
Jean Lohisse, la Communication de la trammission a la relation, Belgique, De Bock
Université 1ed, 2001, P47.
29
)Canal ،Code ،Récepteurهي أقرب ما تكون إلى حقل الفيزياء
بالرغم من نعت عمله
الرسالة ،وهذا ّ
تحدد طبيعة ّ
واإللكترونيك ،وفي الوقت نفسه ّ
بالتّواصل الكالمي ،وقد تكون في الوقت ذاته إشارة إلى توسيع من طبيعة ّ
الرسالة
متغيرة
بأنها ضرورة وغير ّ ولعل هذا ما جعله يصف هذه العناصر ّ
ّ موضوع البث،
عملية تواصل ،وليس هذا فحسب فيمكن أن نضيف تأثّره بمنهجيتهم فيّ لكل
ّ
الشك باليقين عند
ّ ذلك في نجاكسو قطع حين 1
التفكير كما ذهب إلى ذلك بعضهم
ياضية للتّواصل ونظرّية
النظرية الر ّ
إق ارره بذاك التّكامل المعرفي بين الّلسانيات و ّ
حدد عناصرها إالّالكالمية وما ّ
ّ أسس جاكسون دورة التّواصل اإلعالم .ولكن ما ّ
ليوضح وظيفة هذه العناصر في المجال التّواصلي؛ إذ يرى ّإنها "...تتكامل وتتالزم
ّ
تفوق
أهمية ّ
النقاد عنص ار من العناصر ّ ليحصل التّخاطب البشري ،لكن كلما أولى ّ
2
يبين
مركزة على ذلك العنصر البارز" وهذا ما ّ
ّ ما يولونه لغيره كانت وظيفة الكالم
معين أثناء
أن وظائف عناصر التّواصل تتمايز عن بعضها ،والتّركيز على عنصر ّ ّ
تنشيط الكالم من المرسل والمرسل إليه ،يجعل وظيفة ذاك العنصر هي اّلتي تطفو
على دورة التّخاطب.
بكل عنصر
وعليه أتمم تصميم عناصر التّواصل بتصميم الوظائف الخاصة ّ
الية تظهر ذلك:3
والترسيمة التّ ّ
1للتعمق أكثر ينظر :نور الدين رايص ،نظرية التواصل واللسانيات الحديثة.
2الهادي الجطالوي،مدخل إلى األسلوبية ،تنظيرا وتطبيقا ،ط .1الرباط ،1992 :عيون ،ص18
3
Roman Jakobson, Essais de linguistique générale,p220.
30
المرجعية
ّ الوظيفة
الوظيفة الشعرية
الوظيفة التوصيلية
الوظيفة ما فوق
لغوية
تقل
أهميتها ال ّ
متميزةّ ،
كل عنصر تواصلي يوّلد وظيفة لسانية ّ فحسب جاكسون ّ
فإن ّ
عن العنصر الموّلد لها .وقد جاءت عنده بحسب عدد العناصر وهي:
االنفعالية ()Emotive
ّ -1الوظيفة التّعبيرّية ( )Fonction Expressiveأو
وهي وظيفة تتمحور حول المرسل وعليه تركز ،ناقلة موقفه وعواطفه تجاه الموضوع
النطق مثال ،أو في أدوات تعبيرّية تفيد
المتحدث عنه" ،ويتجّلى ذلك في طريقة ّ
ّ
كالتأوه أو التعجب ،أو دعوات الثلب أو صيحات االستنفار" ،1ولّلغة
ّ االنفعال
ظ األوفر في تجسيد هذه التّعابير المتباينة ،لما توّفره من آليات تعبيرّية
المنطوقة الح ّ
المعبر بها
ّ في كثير من األحيان غائبة في الّلغة المكتوبة .ومهما كانت طبيعة الّلغة
فإن دور هذه األخيرة يتجّلى " في ضبط الميزات التعبيرّية
االنفعالية ّ
ّ عن المواقف
معين" ،2وبذلك لم تكن المواقف
المنسجمة مع طبيعة رسالة ما في وضع خطابي ّ
المحددة
ّ المعبرة عن ال ّذات المرسلة فحسب ،بل
ّ االنفعالية هي المنتجة للتعابير
ّ
الختالفاتها فـكما يقال فإن جوهر اإلنسان كامن في لغته ألنها المعبر عن أحاسيسه
1عبد السالم المسدي ،االسلوبية واألسلوب ،ط .2تونس1982 :م ،الدار العربية للكتاب ،ص.158
2الطاهر بن حسين بومزبر ،التواصل اللساني والشعرية ،مقاربة تحليلية لنظرية رزمان جاكبسون ،ط .1الجزائر2007 :م ،منشورات االختالف.
31
ومهما حاول جاهدا إخفاء عواطفه كشفتها نبرات صوته وتلوينات وجهه ،وهذه
تتنوع
األساليب ودالالتها قاسم مشترك بين المتواصلين من ثقافة واحدة؛ وبذلك ّ
وتتعين
ّ تتفرد ال ّذات الباثة
االنفعالية وبها ّ
ّ التلوينات
بتنوع ّالتلوينات التّعبيرّية ّ
الدال عليها "أنا".
بالضمير ّ
اإلفهامية( )Fonction Conativeأو التّأثيرّية(:)Impressive
ّ -2الوظيفة
وتميز الخطاب ،إذا كان
وهي وظيفة تتمحور حول المرسل إليه وتطفو على الكالم ّ
المكونة للتّواصل الكالمي ،ولما
ّ التركيز على موّلدها غالبا على العناصر األخرى
بالرسالة ،ال مناص أن تستنفر جميعكان اآلخر (المتلّقي للخطاب) هو المقصود ّ
العناصر األخرى لتتآزر مساهمة في تغيير سلوكه ونقله من هيئة إلى أخرى .وفي
ثانوية تقوم بدور الوسيط بينما العنصر
ّ هذه الحالة " فالعناصر الخمسة األخرى
الرئيسي في مثل هذه المسائل هو المرسل إليه ،1اّلذي ينتظر منه إنجا از يريده
النحوي األكثر صفاء في ّ
النداء واألمر الّلذين ّ يتحدد " تعبيره
المرسل بتلّقي خطاب ّ
صوتية في الغالب عن المقوالت
ّ وصرفية وحتّى
ّ تركيبية
ّ يبتعدان من وجهة نظر
الفعلية األخرى" 2لما تملكه من قوة تأثيرّية تكون ال محالة عامال من
االسمية و ّ
ّ
المتحدث عنه ،من خالل ذلكّ عوامل إظهار موقف المرسل إليه تجاه الموضوع
االنجاز اّلذي يعقب جملة األمر مثال .وحتى صيغة األمر نفسها فال تستمد داللتها
يحدد االستلزام الحواري للخطاب ،إلزاما كان أم
إالّ من المرسل إليه؛ إذ هو اّلذي ّ
التماسا أم دعاء أو غيرها.
االنتباهية :La Fonction phatiqueتتمحور هذه الوظيفة حول
ّ -3الوظيفة
1
ROMAN JAKOBSON.idem. p217
2عبد السالم المسدي ،األسلوبية و األسلوب،ص159
3عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ص160
4المرجع نفسه ،ص160
33
1
أي خطاب
ّ في قائمة الوظيفة كل من المرسل والمرسل إليه .وال تقوم لهذه
يتذوقها ّ
إذا لم نتذوق جمالية ّ
الرسالة.
كل
أن ّأن ذلك ال يعني ّمحدد " إالّ ّ
كل وظيفة مرتبطة بعنصر ّ
فإن ّ
ومما تقدم ّ
إن هذه الوظائف غالبا ما تكون متداخلة عبر
خاصة ...بل ّ
عنصر يستقل بوظيفة ّ
النصوص وعبر الخطابات ،وتبقى هيمنة وظيفة على عنصر دون آخر هي التي
تراعى في التصنيف" 3وبذلك فالتّواصل عند جاكبسون ال يقتصر على تحديد
عناصر التّواصل فحسب ،بل يكتمل بتوليد نفس العناصر لوظائف مختلفة تتكامل
نوعية الوظيفة
وتصنف وظيفة الكالم بحسب ّ
ّ فيما بينها وتتالزم ليحصل التّخاطب*،
المهيمنة لعنصر من العناصر.
ّ
لبنية
أهمية ،من باب ّأنه أضاف ّاإلنجاز الذي قام به جاكسون وال شك كان ذا ّ
فإنه لم
السابقة .لكن وبالرغم من ذلك ّ
البنيات ّ
التّخاطب عناصر كانت تفتقر إليها ّ
Cathrine Kerbra يسلم من االنتقادات ،وتعتبر كاترين كرب ار أوركيوني(
**
صور التّقليدي
"إن هذا التّ ّ
ططه بالقول ّ
من أبرز من انتقد مخ ّ ) Orecchioni
المرجع
Référant
خاصيات خاصيات
سيكيولوجية سيكيولوجية
لكن قائمة الوظائف التي فتحها جاكسون لم تتمكن كـ .أركيوني من غلقها؛ إذ ما
أضافته هي لتصميم جاكسون لقي هو اآلخر انتقادا من غيرها.
37
المحاضرة الرابعة والخامسة
مدرسة براغ
المتتبع لمسار الدرس اللساني سيدرك ال محالة أن عشرينيات القرن الماضي كانت
ثرية من حيث تناول اللغة بالدراسة ،وعلى سبيل المثال ال الحصر فقد شهد عام
1926م بروز نشاط فيالم ماثيسيوس( عالم في اللسانيات ،متضلع في اللغة واألدب
اإلنجليزي ،شغل منصب أستاذ اللغة اإلنجليزية في جامعة كارولين األمريكية من
بين أهم األبحاث التي قام بها استعمال الدراسة الوظيفية للتمييز بين النحو
واألسلوبية) وبعض مساعديه في تأسيس نادي براغ اللساني ،وهو نفسه الذي أشتهر
في ما بعد بمدرسة براغ ،أو المدرسة الوظيفية.
ولم ينكر الدارسون أن المرجعية اللغوية لهذه المدرسة هو كتاب محاضرات في
اللسانيات العامة لدي سوسير الذي كان له األثر البالغ على ظهور هذا النادي.
وقد انبنت دراسة هذه المدرسة للغة على نقطة جوهرية مفادها أن دراسة اللغة يجب
أن تدرس وفق نظام كلي يشمل مستوياتها المختلفة؛ الصوتية ،الصرفية،النحوية
والداللية ،من خالل ما تؤديه هذه العناصر من وظيفة .لذلك إذا كان دي سوسير
يرى أن اللغة نظام من العالمات فإن أقطاب هذه المدرسة ترى أن اللغة نظام من
الوظائف .فال عجب بعدها أن تظهر على مجهودات أقطابها مجاالت معرفية
بحثية أهمها :الصوتيات الوظيفية بنوعيها :اآلنية والتاريخية ،التحليل الوظيفي
والعروضي وتصنيف التضاد الفونولوجي ،األسلوبية اللسانية الوظيفية ،دراسة
الوظيفة الجمالية للغة ودورها في األدب والمجتمع والفنون .1ومن أقطاب هذه
38
المدرسة والتي كان لها األثر واألثر البالغ في رسم الخطوط العريضة لمسار
دراساتها المتميزة هم:
-اعتبار الفونيم مفهوم وظيفي ،وهو وحدة فونولوجية ال تقبل التجزيء إلى وحدة
أصغر منها في لغة معينة.
39
-أولى عناية هو والفريق الذي معه إلى العالقات االستبدالية بين الفونيمات في
لغة من اللغات وفي نقطة معينة من التركيب الفنولوجي معوضا بها العالقات
الركنية التي تحدد كيفية تنظيم الفونيمات في وحدة من وحدات اللغة ،متخذا من
المعنى مقياسا لتحديد طبيعة الفونيم من ذلك:
* -تبادل صوتين ولم يتغير المعنى :فهما صورتان اختياريتين في التأدية لفونيم
واحد نحو مسيطر تكتب بالسين وتنطق صادا .قلب تنطق عند البعض ألب أو
كلب ،لكن المعنى يبقى ثابتا ال يتغير بتغير األداء.
* -تبادل صوتين مع تغير في المعنى :فهما فونيمان مختلفين ال يستطيع أن يحل
أحدهما مكان اآلخر وإذا حدث يتغير المعنى؛ نحو- :جاء -ناء -باء.
ومن هذا تتبين لنا الوظيفة المميزة للفونيم التي سعى تروبتسكوي ورفاقه إظهارها.
يتخذ عمل بنفنست ركنا مكينا في المدرسة الوظيفية ،ليس من باب أنه دعم
ركائزها مؤسسا فحسب ،بل لكونه تجاوز المجال الذي إنبنى عليه الفكر الوظيفي
عند غيره من المؤسسين أنفسهم ،بحيث ربط بنفنست دراساته بالفلسفة اللغوية،
ويعتبر والسيما من خالل مقالة "الجهاز الشكلي للتلفظ( L’appareil Formale
1) de l’enonciatonأول من أسس نظرية التلفظ** ،إذ في ذات المقال عرض
* إميل بنفنست:لساني فرنسي من اهتماماته النحو المقارن ،المعجمية وكل ما له صلة باللسانيات .يعتبر عند
المختصين من مؤسسي لسانيات التلفظ.جمعت أعماله في أهم كتبه problème de linguistique générale :
في جزأين عام . 1966أعيد طبعه عدة مرات.
1
EMIL BENVINISTE problème de linguistique générale T2 Gallimard paris 1974 p79
** نظرية التلفظthéorie de l'énonciation :
هي نظرية حديثة النشأة تجاوزت في دراستها للغة التفريق بين اللغة والكالم .انصب اهتمامها على دراسة الكالم،
والمتكلمين المتفاعلين حال الخطاب وما يحيط بهم من ظروف اجتماعية ،ثقافية ،نفسية .استعانت بعلوم شتى
والسيما المرتبطة باإلنسان وعالقته بالمجتمع والعالم.
40
أفكارها وحدد أسسها ،ويكون بذلك قد دفع المهتمين باللغة إلى ضرورة االلتفات
*.
ظهر عليه اللغة أال وهو التلفظ.
ظهر تَتَ َم َ
بالدراسة إلى تَ َم ُ
فإذا كانت اللغة ظاهرة عامة ،وهي نظام من العالمات والصيغ؛ أي قوالب
ثابتة وعلى هذا األساس تناولتها اللسانيات البنوية بالدراسة ،فإن التلفظ ينفلت من
هذه الدائرة المغلقة ليتأسس حدثا فرديا وظاهرة خاصة يصعب على العلم الواحد
دراسته ،وفي هذا يؤكد دي سوسير" :إن نشاط المتكلم ينبغي أن يقوم بدراسته عدد
من العلوم وإن لم يكن لها مكان في علم اللغة إال بقدر عالقتها به" 1ألن التلفظ
يتحقق في صور ال حصر لها ،لدراسته من األحرى أن تتقاسمه علوم شتى ،لها
صلة بإنتاج الكالم وما يحيط به ،فإذا كان الكالم المنطوق مرتبطا بوجود اللغة
باعتبارها نظاما ونماذج ارتسمت في ذهن الجماعة التي تتكلم بها ،وبدونها ال وجود
ألي كالم " فإن الكالم يضمن الحياة لهذا النظام الذي هو اللغة " 2فبممارسة الكالم
تستمر اللغة من خالل ما يتداوله الناس يوميا لتأدية أغراضهم وهذا الفضل مدعاة
إلى إيالئه مكانة في الدراسة اللغوية التي مست النظام والنماذج ألنه "...ينبغي أن
يجسد نظام اللغة وال يمكن التوصل إلى معرفتها
نقتنع ونسلم أن الكالم هو الذي ّ
دون معالجة الكالم" 3وبذلك فالكالم أضحى وسيلة ال يمكن االستغناء عن دراستها
ومعرفتها إذا أردنا معرفة اللغة.
وبذلك يكون بنفنست قد فتح مجال البحث في لسانيات التلفظ بداية بتجاوز
اإلطار البنوي المقتصر على البنية والمتكلم المستمع المثالي المعزول عن األوضاع
االجتماعية والنفسية ،لينمو االهتمام بما ينتجه المتكلم العادي بحضور سامع
فعرف التلفظ بقوله " :التلفظ هي تلك
وموقف يستدعي الكالم ويحدد المتخاطبينّ .
وعليه فهناك اختالف جوهري بين اللغة كنسق من العالمات واالستعمال الفردي
لهذه اللغة " فحين يمتلك الفرد هذا النسق ويستعمله فإنه يتحول إلى خطاب ،وذلك
بإخضاع العمليات اللغوية لعمليات تحيين من طرف الذات المتكلمة ،في ظروف
4
عين العلم الذي يتناول التلفظ بالدراسة
ّ الكبير االختالف هذا زمانية ومكانية"
فتموقعت لسانيات التلفظ آلية متميزة عن اللسانيات بمعناها العام ،فعندما نذكر
لسانيات التلفظ " فإنما المقصود هو العناصر التي تنتمي إلى اللغة وتتنوع داللتها
5
وهي عناصر تكتسب دالالت من كالم آلخر مثل :أنا ،أنت ،هنا ،اآلن"...
بتعلقها بمواقع خطابية وقولية بعد أن فقدتها* خارجها ،في ذات الوقت شكل آلية
تحول اللغة إلى خطاب أي من مجموعة من األدلة الشكلية المنسقة في بنيات
ونظام إلى مظهر من مظاهر نشاط هذه العالمات في التواصل الحي ،ببساطة
1
E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,p80
2
JEAN LOHISSE, la communication,p175
3
E.BENVINISTE,idem,pp80-81
4ميلود حبيبي ،االتصال التربوي وتدريس األدب ،ص61
5
DUCROT ET TODOROV,dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, ed
du seuil, paris,1972,p405
* بخالف ما تراه أركيوني إنها أشكال فارغة في حقيقتها ،و ذلك من الناحية المرجعية فقط ،أما من الناحية الداللية
فلكل ضمير داللة يعيّنها األشخاص أثناء اإلشارة إلى أنفسهم أو إلى غيرهم أثناء الخطاب ،فلو ما كان للضمير
مفهوم كما لم يكن له موضوع لتعذرت الترجمة من لغة ألخرى .وهذا ما يؤكد وجودها في الواقع قبل أي تفعيل
خطابي.
42
تحويل اللغة إلى أن تسلك منحى وظيفيا ،وال يتحقق لها ذلك إال من خالل التلفظ
الذي ال يمكن دراسته إال من خالل دراسة المتلفظ ( ) L’énoncéكآلية إجرائية
باعتبار هذا األخير" هو الشيء الوحيد القابل للتناول "1من خالل ما يضمه من
آثار ذاك التلفظ والتي اعتبرها بنفنست عناصر ضرورية ال يمكن للتلفظ االستغناء
عنها ،منها:
– 1المرجع:
جعل بنفنست المرجع جزءا ال يتج أز من عملية التلفظ ،وهو ال يتحدد إال بواسطة
الخطاب الذي يفـّعله كل من المتكلم والمتلقي ،وهذا ما يستوجب تقاسم القدرة على
إدراك المرجع ذاته عند المتخاطبين في عالقتهما مع العالم الخارجي ،متجاوزين به
عالم األشياء إلى عالم الثقافة والتجربة بها ترسم المعالم الحقيقية للخطاب وتحدد
أبعاده ،وهذا ما يستوجب إيالء االعتبار التدريجي لفعل التلفظ نفسه ولألحوال التي
يتحقق فيها ولوسائل إنتاجه.
- 2المتكلم /المتلقي:
يجعل منهما بنفنست شرطا ضروريا لعملية التلفظ " فالكلمات ال تملك سلطة
خلق األشياء ،بل تمثلها ،على عكس ذلك ففعل نطق تلك الكلمات يمنح وجودا لمن
ينطقها " 2بمعنى أن المتكلم ال يتحقق وجوده إال من خالل عملية التلفظ التي تتميز
بكوها " عملية تمّلك ،فباعتبارها تحقيق فردي يعلن أثناءها المتكلم عن تموضعه
ينصب به
عبر عالمات خاصة من جهة ،وعمليات ملحقة من جهة أخرى ،إعالنا ّ
اآلخر مقابال له ،أيا كانت درجة الحضور التي يمنحها له (لآلخر) " ،3وبذلك
فعملية تموضع المتكلم ال تمنحه وجودا فحسب ،بل أهمية ألنه المتحكم األول في
الخطاب انطالقا من الملفوظ وما يخص به نفسه تفعيال لوجوده وتثبيتا لمنزلته ،وهو
1
JEAN LOHISSE, la communication ,p175
2
JEAN LOHISS, la communication,p177
3
E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,p82
43
من هذه الجهة صانع أقوال( ،) Locuteur cripteurومن جهة أخرى هو
صانع أشخاص ،وجوده أوجد اآلخرين معه (أنت ،هو )..وبتحديده متكلما يتحدد
المتلقي باعتباره هدفا ،وهذا هو اإلطار التمثيلي الذي يميز التلفظ "،فكل عملية
تلفظ هي حدث موجه مباشرة إلى ربط المستمع Auditeurبالمتكلم Locuteur
برباط بعض األحاسيس االجتماعية أو غيرها" ،1وبذلك يتحدد كل من المتكلم
والسامع عنصرين من العناصر المكونة لعملية التلفظ.
-3الوحدات اللسانية:
يحتكم الملفوظ إلى وحدات لسانية وصفها بنفنست بالرئيسية وهي التي تشكل
حسبه الجهاز الشكلي للتلفظ .لتحليلها من الضرورة بما كان العودة إلى المتكلم
والمتلقي من باب التشارك في الخطاب ،ومن بين هذه الوحدات:
أ -الضمائر :هي حاضرة باستمرار في التلفظ " فعالمة الشخص في ضمير (أنا)
(أنت) ال تنتج إال في التلفظ وبالتلفظ " 2وباجتماعهما في الخطاب فرصة ليتشكل
(الخطاب) في أدنى صوره ،فإذا كان (أنا) يشير إلى الفاعل األول للخطاب فإن
(أنت) يشير إلى المستمع المتلقي له ،في حال سجال في العملية التخاطبية ،أما
خارجها فهما مبهمان حسب بنفنست ،أما الضمير (هو) فعكسهما تماما ،إذ يتحدد
بغيابه عن الخطاب.
كل خطاب باعتباره حدثا ال يتشكل إال في زمن معين يميزه عن األحداث
األخرى ،والزمن عند بنفنست تناوله باالعتماد على عالقة المتكلم به .وقسمه إلى
ثالث أزمنة:
وهو زمن األحداث التي تحيط أيضا بحياتنا باعتبارها متوالية من األحداث،
يسجلها اإلنسان مؤرخا لحياته عبر الفواصل الزمنية التي مر بها من صفاته الذاتية
والموضوعية.
* الزمن اللغوي:
ال يمكن اختزاله في الزمن الطبيعي أو التاريخي ،ألنه يتفرد عنهما بكونه
مرتبطا بتأدية الكالم ،وإذ هو كذلك فإنه يتجلى في الحاضر "،فكل مرة يستعمل
متكلم ما صيغة نحوية دالة على الحاضر أو ما يجعل الحديث مزامنا لحال
الخطاب الذي يشير إليه " 1وليس هذا فحسب ،فحسب بنفنست كل األزمنة تنتظم
كليا بالنسبة للحاضر باعتباره النقطة المحورية في اللغة والمالزم على الدوام لها؛ إذ
والتعبير عن الزمن هو موضعة الحدث في مدار الزمن بالنسبة للحظة زمنية معينة
1
E.BENVINISTE,idem,p73
45
( ز) مأخوذة كمرجع وفي ذات الوقت يمكن للزمن أن يساهم في تحديد المكان
ليتآز ار وظيفيا في الخطاب مع ما تمنحه الضمائر وأسماء اإلشارة في هذا الصدد.
ويضيف بنفنست وحدات أخرى تعلن على حضور المتكلم في كنف قوله ،منها
صيغ االستفهام واألمر وما يصحبها من نبرة يؤدي بها الخطاب ،كلها مجتمعة يلجأ
إليها المتكلم حسب حاجته إليها ،للتأثير في سلوك المتلقي بالرغم من أنها تختلف
ليتحدد دورها حسب كـ.أركيوني 1في تحويل
ّ من مرسل آلخر أو نمط خطابي آلخر.
يتكون الموضوع َّ
ويتبين الفضاء الذي يتبلور فيه. اللغة إلى كالم ،وبفضلها َّ
46
المحاضرة السادسة:
مدرسة كوبنهاج
تعد مدرسة كوبنهاجن الدانمركية من المدارس التي تناولت دراسة اللغة دراسة علمية
بمنحى رياضي ،وهذا من بين العوامل التي أكسبها شهرة وبالرغم من أن بعض
اللغويين ال يرونها ترتقي إلى مصاف كونها مدرسة إال أن الكثير من اللسانيين
الدانمركيين قد تأثروا بها.
47
خالل أعماله يظهر أنه تأثر بعوامل عدة كونت شخصيته العلمية منها المنطق
الرياضي الذي أخذه عن والده ،والمناهج العلمية المنتشرة في زمانه .وتوج حياته
بمنصب أستاذ اللسانيات في جامعة كوبنهاجن وظل يحاضر هناك حتى خلف
بيدرسن سنة 1937في كرسي اللسانيات المقارنة.
نظرية الغلوسيماتيك:
وهذا ما جعل تأثيرها يتسع إلى لسانيين آخرين حتى خارج الدانمارك ،كالواليات
المتحدة األمريكية مثال.
وكما قلنا فإن هذه النظرية أسسها قد قامت على مبادئ رياضية ومنطقية ،وهذا ما
جعلها تتميز عن باقي النظريات بالتجريد بهدف وصف النصوص لفهمها من خالل
مقدمات منطقية.
ويامسالف نفسه يقر بأن نظريته ما هي إال امتداد طبيعي لنظرية سوسير وبلورتها
في قالب علمي رياضي جعل منها المتمم الحقيقي ألفكار هذا العالمة .ومن
مبادئ هذه النظرية :
-1مبدأ التجريب.
منهج الدراسة:
-2المبدأ التجريبي :الذي يعتمد على المالحظة واالختبار ويجمع بين ثالثة
الال تناقض – الوصف الشامل – التبسيط.
معاييرّ :
-4تحويل اللغة العلمية إلى علم الجبر :يبدأ بإقصاء كل الجمل الميتافيزيقية من
الخطاب العلمي ،ثم يحلل النص تدريجيا سواء كان مكتوبا أو منطوقا إلى وحدات
1أحمد مومن ،اللسانيات النشأة والتطور ،ص.165-164
49
دنيا؛ من النص الشامل إلى فصول ثم فقرات فجمل ومفردات وغلوسيمات وحروف
وأصوات.
وهذا ما يؤكد أن منهج التحليل ( الجلوسيماتي) عند يلمسالف يبدأ دائما بالوحدات
الكبرى ثم الصغرى فاألصغر وهكذا ...وهدفها هو إرساء قواعد كلية يستنبط من
خاللها الباحث قواعد خاصة بكل اللغات باعتماد إجراءات علمية لصياغة فرضيات
موضوعية وقوانين تجريبية ويبين في الوقت نفسه تباين اللغات وكما قال أشار
أن الطرح الذي تقدمت به هذه النظرية وبالكيفية التي تشير إليها تفاصيلها
بعضهم ّ
تجعل من قواعد منهجها ال يعتمد على أي علم آخر ،بل بالعكس فالعلوم األخرى
هي التي تحتاج إلى اللسانيات باعتبارها قاعدة أساسية.1
وحسب يلمسالف هناك خمس سمات أساسية تدخل في البنية األساسية لكل
جملة: 2
وبالرغم من تعدد المصطلحات الجديدة التي أغنى بها البدائل إال أن في حقيقتها
الكثير منها قال بها دي سوسير .وهذا ما لم ينفه يلمسالف نفسه في أكثر من
موضع عندما أقر تأثره به.
1
FrancisWhitfield, (( glossematics)) In Archibald Hill (ed)Linguistics, Voice of America Forum Lectures, 1969, p. 287.
2أحمد مومن ،اللسانيات النشأة والتطور ،ص 161 -160
50
المحاضرة السابعة:
* أندري مارتيني :1984-1908 André Martinet :لساني فرنسي معاصر اشتغل بالتدريس وفي نفس الوقت أتم
دراسته العليا مهتما باللغات كاالنجليزية والجرمانية .أقام عالقات علمية وطيدة مع أعضاء علماء نادي براغ اللساني
بمش اركات علمية منتظمة ،انتقل إلى الواليات المتحدة األمريكية وهناك تقلد عدة مسؤوليات منها إدارة مجلة الكلمة،
ورئاسة معهد اللسانيات بجامعة كولومبيا ،والجمعية العالمية للغة المساعدة ،من مؤلفاته:
1
André Martinet, Elément de l’inguistique générale paris.armand colin,1978,p09.
2
André Martinet, idem, p10
51
جهة أخرى فهذه المقولة تجعل مصطلح التّبادل ينتصب عنص ار مائ از للتّواصل؛ إذ
النظام الّلغوي الواحد اّلذي يجمع فاعلي التّواصل ،فبدونه
يوحي أكثر ما يوحي إلى ّ
تفاهما متبادال "إذن ال يمكن أن ننقل تجربة هذا
ً فهما وال
نتصور ً
ّ ال يمكن أن
الشخص إلى ذاك دون أن يكون لهما نفس ّ
1
أن
ّ إلى ة
ر إشا ذلك وفي النظام" ّ
أقل ما يكون بين اثنين مختلفين كذات ،وإلغاء للتعبير الفردي كما ذهب
التّواصل ّ
إلى ذلك األستاذ أحمد رايص .وبهذا تطفو وظيفة الّلغة بكونها وسيلة للتّبادل
يتجسد إالّ مع اآلخر؛ بمعنى حضور ضمائر مختلفة أقّلها (أنا، ّ الثّقافي ،وهذا ال
أنت) مع ّينة لل ّذوات المتّواصلة فيما بينها وفي ذلك تأكيد على فضل الّلغة على
ويؤكد األستاذ أحمد
الفكر وجودا ،وهي حقيقة حتما غائبة في حالة التّعبير الفرديّ .
إن "الّلغة وسيلة إبالغ ،يستطيع اإلنسان بها أن يحّلل
رايص في تعبير آخر بالقول ّ
أما الوحدات
خبرته إلى وحدات ،ولكن هذا التحليل يختلف من مجتمع إلى مجتمعّ ،
يثبت موقف
ّ يح
ر ص الت
ّ هذا في ن المتمع
ّ و 2
فهي ذات مضمون داللي وتعبير صوتي"
األساسية هي التّواصل ،ويقيمها في الوقت نفسه
ّ مارتيني من الّلغة بكون وظيفتها
ائية لما أتى به ،وبه عرف أال وهو التقطيع المزدوجDouble (3 آلية إجر ّ
ّ
) Articulationاّلذي يرى فيه ّ
أن تقطيع الّلغة إلى وحدات دنيا (الفونيمات،
*
ألن الوحدات الّلغوية ال حقيقة لها
كل وحدة ّ
ّ وظيفة به نظهر أن ينبغي ) المونيمات
أن لها وظيفة ،أي ّأنها تشارك بحضورها في تبليغ المعاني ،سواءلغويا إالّ إذا أثبت ّ
ّ
على مستوى التقطيع األ ّول وهو "ذلك المستوى اّلذي يقوم على اعتبار ّ
أن أي ظاهرة
أي حاجة يراد تعريف اآلخر بها ،تحّلل
من ظواهر التّجربة البشرّية يراد إبالغها أو ّ
صوتية ومعنى" 4وهي نتاج التّجربة
ّ لكل منها صورة
إلى سلسلة من الوحدات ّ
4
idem, p13.
52
معينة ،أو على مستوى التّقطيع الثّاني،
لغوية ّ
ّ لكل فرد من مجموعة
المشتركة ّ
الصوتية ذات معنى -المذكورة سلفا -إلىالصورة ّ
إمكانية إخضاع ّ
ّ ويتجّلى في
الصورة
تقطيع متتابع من الوحدات تفتقر إلى المعنى وإن شاركت في تعيين معنى ّ
المتتالية اّلتي توجد
ّ الصوتية .وعليه فقيمتها ليس من معناها ،و ّإنما من وظيفتها في
ّ
بأن الثّراء اإلعالمي لنظام ما مرتبط بعنصرين "نسجل ّ
ّ ويؤكد ذلك بقوله:
ّ بها،
كل واحدة منتجة مع هذا العدد" 1وليس متالزمين :العدد المرتفع للوحدات وقيمة ّ
أن المتّواصلين يتسابقون إلى توظيف أكبر عدد من الوحدات ّ
الصوتية معنى هذا ّ
بنوعيها لتحقيق الّفهم ،من باب "إذا زاد المبنى زاد المعنى" بل يجنحون إلى
االقتصاد في الكالم بقدر ما يوفي بالغرض؛ إذ "عندما يتكّلم الفرد ليجعل نفسه
2
أن القول قد بلغ منتهاه"
فإنه ال يتّفق إالّ بالقدر اّلذي يكفي ليبدو معه ّ
مفهوما ّ
فالنشاط
النشاط اإلنساني "ّ ...
تميز ّ
خاصية االقتصاد في الجهد سمة ّ ّ ليجعل
األقل جهدا اّلذي من خالله ال يجهد اإلنسان نفسه إالّ
ّ اإلنساني خاضع إلى قانون
طرها" 3ومن هذه المقولة وما سبقها يتّضح
بمقدار ما يمكن به بلوغ األهداف اّلتي س ّ
أن مارتيني من المتأثّرين بنظرّية اإلعالم واالتصال؛ إذ يتقاطع معها في كثير
لنا ّ
اإلعالمية اّلتي تحملها
ّ من المفاهيم سواء على مستوى االقتصاد في الّلغة أو القيمة
غوية ،وحتّى على مستوى المصطلح فالمتصّفح لكتابه ESSAIS DE الوحدات الّل ّ
عدة مصطلحات استعارها من "شانون"
LINGUISTIQUE GENERALEيجد ّ
وكل ماله عالقة بها:
و"ويفر" وحتّى "فينر" واستعملها في تحليل الّلغة ووظائفها ّ
ظف مصطلح غذية الراجعة ...الخ ،في حين و ّكالتشويش ،اإلطناب ،التّ ّ
السامع مقابال بهما المرسل والمرسل إليه في
Locuteurالمتكّلم وّ Auditeur
فإنما يدل على اهتمامه الواضح بالتّلفظ
دل ذلك على شيء ّ
نظرّية التّواصل وإن ّ
1
idem, p184.
2أندري مارتيني ،مبادئ في اللسانيات العامة ،ص .183
3
André Martinet, idem, pp 176, 177
53
1
ألن الكالم ماهو
Lénonciationإلى درجة أن ربط معرفة الّلغة بمعالجة الّلفظ ّ
إالّ تجسيد لنظام هذه الّلغة اّلتي ال يظهر وجودها إالّ من خالله.
انتصاب التواصل وظيفة أساسية للغة يجعل الوظيفة العامة لهذه اللغة
تبنى من وظيفة األجزاء المكونة لها .وهذا ما يدفع إلى البحث عن هذه األجزاء
الوظيفية ،فكان االهتداء إلى آلية تقطيع اللغة إلى وحدات دنيا ،ومن نتاجه
الوصول إلى تقطيعين تناول كل واحد منهما جزءا ثابتا من اللغة ،اصطلح على
تسميته بالتقطيع المزدوج كما أسلفنا الذكر نسبة لبنية األجزاء المكونة لهذه اللغة
التي تخضع للتقطيع إلى وحدات صغيرة فجاء التقطيع على مرحلتين ،نحصل في
كل واحدة منهما على نوع متماثل من الوحدات؛ وحدات المرتبة األولى هي
الكلمات ،والكلمات تحمل معان تسمى بـ(المونيمات) ،أما وحدات المرتبة الثانية
فهي الحروف التي ال معنى لها وتسمى بـ (الفونيمات) ،مثال ذلك:
فكل كلمة من الكلمات الثالثة إال وتحمل معنى قائما بذاته ،باجتماع هذه
الكلمات الثالثة تنتج جملة ذات معنى صالحة لتحقيق تواصل.
التقطيع الثاني ويمس الكلمة الواحدة من الجملة ويتم بتقطيعها إلى فونيمات
ال تحمل معان ،نحو:
1
idem, p 25.
54
-سؤاال :سـ /ؤ /ا /لـ /ا .
فكل وحدة صوتية ال تحمل معنى عندما تكون مستقلة عن غيرها من
الوحدات الصوتية الموجودة معها في المتوالية التي استدعتها .لكن عندما ترتب
معها وفق نظام لغوي معين تنشئ كلمة لها معنى من متوالية من الوحدات
الصوتية.
وكما للمونيم وظيفة -في عرف الوظيفيين – في الجملة بأن يحدد معنى
يستهدفه المتكلم ،كذلك للفونيم وظيفة تتلخص في القيمة الداللية التي يمنحها
وجوده في الكلمة باعتبار نوعيته أو ترتيبه في الجملة ،ولالستدالل على ذلك
نقول:
لو غيرنا حرف الحاء بحرف القاف لتَ َغَّي َر معنى الجملة في التواصل لتَ َغُّير
معنى الكلمة في المتوالية ،فينتج لنا مايلي:
-وتجدر اإلشارة هنا إلى عدم خلط هذه الحقيقة العلمية التي أقرها
الوظيفيون مع حقائق علمية أخرى وجدت قبل هذا الطرح أال وهي النطق المختلف
للصوت الواحد في اللغة الواحدة نحو:
55
-قلبي مجروح ،وهي الجملة األصلية يمكن أن ينطق أحد حروفها
بصور مختلفة عن األصل مثل:
57
المحاضرة الثامنة:
المدرسة السياقية
كان للمدرسة السياقية دواعي وجود منها نظرة كل من شومسكي و بياجي لالكتساب
اللغوي فيها على الترتيب إقصاء للجانب االجتماعي وعدم اهتمام كاف به ،وال ّ
سيما
خصائص البيئة ومميزات الوسط الذي يوجد فيه الفرد ،وهذا ما ألهم العالم الروسي
1 *
فأسسها على رفض
فيجوتسكي ) (L.S.VYGOTSKYبناء نظريته حول نمو الطفل ّ
**
وقدم
ّ التيارات النفسية المتعارضة حول الفكر البشري التي كانت منتشرة في عصره
أن الوظائف التي يقوم بها الفكر من ذاكرة وانتباه...إلخ ما هي إال
طرحا جديدا مؤاداه ّ
نتاج لعمليات اجتماعية في إطار التفاعالت ،تفاعالت اجتماعية بين األشخاص في
يبرر إيالءه الواقع االجتماعي والثقافي
نظام اتفاقات اجتماعية وثقافية ،وهذا ما ّ
ألن اللغة ليست تنظيما
والعالقات القائمة فيهما الدور المفقود سابقا في اكتساب اللغةّ .
عما حوله من أحداث ،بل قد تكون هي نفسها ُمحكما ُمنغلِقا على قواعده ومعزوال َّ
عد شيئا خطي ار
"أن تجاهل علم اللغة للمجتمع ُي ّ السبب في وجوده ونمائه ،وهذا ما ِّ
يؤكد ّ
حد ذاته" 2وبهذا فالدارس اللغوي حتى ينشد اإلحاطة الكاملة
بالنسبة لعلم اللغة في ّ
أن يضيف هذه الحلقة المفقودة الهتماماته .ولعل هذا ما أراد أن
بحقيقة اللغة ،يجب ْ
*فيجوتسكي : 1934-1896 : L.S.VYGOTSKYباحث روسي من المهتمين بالدراسات المؤسسة على علم النفس النمو ،وبالتربية،
المإركسية.
ّ وعلم النفس المرضي ،إليه يعود الفضل في بناء نظرية النمو اإلنساني تتقاطع مع توجهات
حفيظة تازروتي ،اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري ،ص 74وما بعدها. 1
**كالسلوكية مثال باعتبارها أقصت الوعي وتجاهلته في دراسة السلوك اإلنساني ،أو العقلية وآرائها في اكتساب اللغة.
د .هدسون ،علم اللغة االجتماعي ،تر :د :محمد عياد ،ط .2مصر ، 1990 :عالم الكتب ،ص.16 2
58
يثبته برونسيلو مالينوفسكي ) *(Bronislaw Malinovskyحين استخلص من جملة
"أن اللغة تعمل كأداة تواصل ضمن نشاط إنساني متعارف عليه" ،1وهذا ما يشير
أبحاثه ّ
أن الكلمة الواحدة
إلى وظيفة الكالم من باب ّأنه هو الذي يمنح الحياة للكلمات؛ بمعنى ّ
تَتََزَّيا بزي جديد عند كل استعمال جديد ،وجديد االستعمال هذا مرتبط أساسا بالسياق
أن "السياق ضروري لفهم الكلمات" ،2لكن مالينوفسكي
يؤكد ّ
) ،(Le Contexteوهذا ما ّ
أن
استعان بمفهوم سياق الموقف( (Contexte situationnelالذي يشير به إلى ّ
3
بالرجوع إلى معاينة الوظائف التي تؤديها في
ّ إال معاني المفردات والجمل ال تُستوعب
السياقات الموقفية الخاصة التي تُستعمل فيها.
ّ
آراء مالينوفسكي هذه كان لها صدى عند غيره من المفكرين ،ومن هؤالء جون
ريبرت فيرث ):1960-1980 (J.R.Firth
ظلت هذه األسس التي تضمنها كتابه :دليل اللغات الهندية األمريكية Hand book of American Indian by languagesسنة
1911مهيمنة على النظرية اللسانية ولم يثر بشأنها أي جدل حتى سنة 1957عندما ألفى شومسكي مؤلفه الشهير :البنى التركيبية،
وقد اعتمد في دراساته على اللغات المتطوقة وتوصل إلى أن اللغة أهم مظهر من مظاهر الثقافة.
أحمد مومن ،اللسانيات ،النشأة والتطور ،ص .188 2
جون إي جوزيف وآخرون ،أعالم الفكر اللغوي ،ج ،2ص .23 3
Edward Sapir, le langage, traduction de l’anglais par : S. M. Guillaumin, Paris, ed, payot et Rivages
4
2001, p15
60
بها ،بل المجتمع هو الذي يكسبها له وعلى هذا فالتباين*اللغوي للمجتمعات ناتج عن
التباين الثقافي لها.
فلكل لغة أقسامها الخاصة وأنماطها المتميزة ،وهذا ما أشرت إليه في الهامش عند تعريفنا بسابير وإشارتي إلى اللسانيات النسبية، *
المدرسة التوزيعية
*
بلوم فيلد :لساني أمريكي ولد بشيكاغو عام ،1887التحق بجامعة هارفرد في سنة ،1903ومن جامعة شيكاغو تحصل
على شهادة الدكتوراه عام ، 1909هاجر إلى أوروبا أين تمكن من متابعة محاضرات أعظم علماء اللسانيات المقارنة أمثال
لسكين » «Leskienوبروغمن » «Brugmanفبعد أن درس اللغة األلمانية قبل هجرته ،عاد ودرس الفبيلولوجيا
الجرمانية في جامعات عديدة بالواليات المتحدة األمريكية ،والسيما اللغات الهندية األلغونقوية إلى أن اعتنى أكثر فأكثر
باللسانيات الوصفية والبنوية متخذا موقفا لم ينتصر فيه للدراسة اللغوية التقليدية التي ظهرت قبل اللسانيات التاريخية ال
لشيء إال ألنها كانت استداللية ومعيارية ،وما كانت البتة وصفية واستقرائية ،وهذا ما جعلها تجانب العلمية في رأيه.
من مؤلفاته :مدخل إلى دراسة اللغة ،Introduction to study of languageاللغة .Languageويعد بلو مفيلد
بحق عراب السلوكية ،Behaviorismالتي نقلها بوفاء وجد إلى اللسانيات بوصفها إطارا نموذجيا لوصف اللغة .عاش
حياته العلمية حريصا على إثبات ذلك وداعيا إليه إلى أن وافته المنية عام .1949
أ
الفلسفة الوضعية : Positivisme :ترى بأن المعرفة مصدرها الخبرة وليس العقل ،وهذا ما يؤكد نفيها لكل تفكير
تجريدي وال تؤمن إال بالظواهر والوقائع اليقينية.
ب
الفلسفة التجريبية :Empiricisme :وهي أكثر ارتباطا بالعلوم الطبيعية .ترى أن كل معرفة حتى تكون علمية يجب
أن تخضع للتجربة والحقيقة عندها يجب أن تبنى على المالحظة واالختبار ال على العلم والعقل.
62
(جـ)
فيا
اجماتية ( ، )pragmatismفأضحت مرجعا معر ّ ( ،)Empiricismeوالبر ّ
المنهجية والفكرّية.
ّ وفلسفيا منه استوحت مبادئها
ّ
1
الدراسة الّلغوية اّلتي اعتمدها بلوم فليد،
ّ على أسقط العلوم لهذه المادي
ّ طابع
ال ّ
وقياسه
الشيء اّلذي يمكن مالحظته ّ أن
باآللية؛ إذ انطلق من مبدأ ّ
ّ فاتّسم منهجه
ّ
وكل ما خرج عن هذه للدراسة ّ التحكم فيه تعديال وتغيي ار هو وحده القابل ّ
ّ وبالتّالي
الشعور
الدارس ،وبذلك انتفى ّ الدائرة ال يعدو أن يكون موضوعا يقتحم اهتمام ّ ّ
علمية
ّ اسةر د عموضو ن لتكو تها أهلي
ّ من 2
الداخلية
الدوافع والحاجات ّالوعي وحتّى ّ و
ّ
القياس
موضوعية ،وهذا ليس نكرانا لوجودها و ّإنما الستحالة إخضاعها للمالحظة و ّ ّ
داخلية ،فطفت األشياء واألحداث الخارجّية باعتبارها قابلة ّ ألنها
لشيء إالّ ّ ال
ّ
العلمية والّلغة واحدة منها ،حيث جعلها
ّ للدراسة
نموذجيا ّ
ّ للمالحظة لتكون موضوعا
بلوم فيلد شكال من أشكال السلوك البشري وهي عنده "سلوك فيزيولوجي ّ
يتسبب في
4 3
وحيثياتها اّلتي استقاها من لقاء جيل وجاك
ّ األحداث ل ولع
ّ ، معين"
حدوثه مثير ّ
الذهنية ،واالهتمام فقط
ّ إليه من حيث عدم االهتمام بالجوانببرهان على ما ذهب ّ
ظاهري دون سواه، السلوك ال ّ
بما يمكن مالحظته مالحظة مباشرة باالعتماد على ّ
ظاهرة الّلغوية يكون بتحليل األشكال الّلغوية ال ّ
ظاهرة ،والمواقف وبذلك فتناول ال ّ
أن التّواصل
القصة نفسها تشير إلى ّ لغوي ّ
مميز .و ّ ّ المباشرة اّلتي أفرزتها في واقع
أقل ما يكون بين اثنين ويظهر ،هذا في صورة جيل وجاك ،وأن التّواصل نوع منّ
معينة ) (Stimulusتوّفرها البيئة
أنواع االستجابات ) (Reponsesلمثيرات ّ
) (Environmentاّلتي تجمع المتّواصلين .
جـ
البراجماتية النفعية :Pragmatisme :وهي فلسفة ترى إن معيار صدق اآلراء واألفكار في قيمة عواقبها
العملية ،والمعيار األوحد للحقيقة نجاحها ،وهي من المبادئ التي تشبعت بها الثقافة األنجلوساكسونية وال زالت.
1أحمد مؤمن ،اللسانيات النشأة والتطور ،ص .193
2حفيظة تازورتي ،اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري ،ط .1الجزائر 2003 :دار القصبة للنشر ،ص.51
3أحمد مومن ،اللسانيات النشأةوالتطور ،ص .195
4للتوسع ينظر:
-أحمد مومن ،المرجع نفسه ،ص.195
-جاكسون وآخرون ،التواصل ،نظريات ومقاربات ،تر :عز الدين الخطابي وزهور شوقي ،د ط .الدار البيضاء:
2007منشورات عالم التربية ،ص.84
-مازن الواعر ،المرجع نفسه.
63
الكالمية مرتبطة
ّ ألن االستجابة
وعليه فالتّواصل ال صلة له بالتّفكير(العقل) " ّ
ألن الّلغة في نظرهم ال
تدخل األفكار وذلك ّ
مباشرة بالحافز ،وال تتطّلب ّ
بصورة ّ
يكيفها حافز البيئة" 1وبذلك فالمرسل أو المتكّلم عند
صوتية ّ
ّ تعدو أن تكون عادات
معين من محيط البيئة اّلتي إنتاجه للملفوظ يكون قد استجاب استجابة ّ
نطقية لمثير ّ
نعبر عن ذلك كّله بالتّرسيمة المقترحة التّالية:
يوجد فيها ليس إالّ .ويمكن أن ّ
ب أ
ومما تقدم فقد اتخذ بلوم فيلد من مبدأ التوزيع ديدنا لدراسته ،وذلك بمعالجة مواقع
الوحدات اللغوية في لغة من اللغات باعتماد المالحظة والوصف اللذان يقودان إلى
عملية توصيف تنتهي بعملية تحديد توزيع الوحدات اللغوية في اإلنتاج اللغوي ،وهذا
ما يصطلح على تسميته بالمنهج التوزيعي ،اعتماده قاد بلومفيلد إلى إيالء الوحدات
الصرفية فالنحوية أهمية باعتبارها خاضعة للمالحظة والوصف ،وأبعد المعنى من
اهتماماته ألن خاصية المالحظة المتوفرة في الوحدات السابقة غائبة تماما فيه.
وبذلك فالعناصر اللغوية القابلة للمالحظة تتحدد عالقاتها في التركيب الواحد( أفعال
الكالم) بعالقاتها مع غيرها من الوحدات المكونة للفعل الكالمي .والتتالي السليم
( أي التوزيع) للوحدات اللغوية في الفعل الكالمي ينتج عنه تركيبا سليما باعتبار
العالقات اللغوية والمنطقية التي تحكمها.
بالرغم الجديد الذي جاءت بهذه األفكار إال أن الكثير انتقدها من الهتمين ال لشيء
إال ألنها استبعدت المعنى من الدراسة.
65
المحاضرة العاشرة والحادية عشر
الدرس
أن الثورة التي أحدثها سوسير على المناهج التي سبقته في ّ
ال ينكر أحد ّ
*
السلوكية
ّ و ةالبنوي
ّ على الّلغوي طاولتها ثورة نوام شومسكي()Noem Chomsky
البنوية
ّ الدراسات اّللسانية الحديثة؛ إذ رفضهما ،فانتقد
اّللتين كان لهما أثر بالغ في ّ
سطحيا للواقع الّلغوي،
ّ ألنها كانت تعتمد المنهج الوصفي التّنظيري اّلذي كان وصفا
ّ
ّ
في وقت التحليل الّلغوي كما يراه شومسكي ال يمكن أن يكون وصفا لما يقوله
للعمليات ال ّذهنية اّلتي من خاللها يمكن
ّ المتكّلم وما ينبغي له "و ّإنما شرح ،وتعليل
لإلنسان أن يتكّلم بجمل جديدة" 1بمعنى أن وراء القدرة اإلبداعية للغة اإلنسانية قوى
أعمق وأقوى أثر من الخطأ أن تهمل في دراسة اللغة.
التأدية:
-1الملكة و ّ
السطحية.
-2البنية العميقة و ّ
النحوية واالستحسان.
السالمة ّ
ّ -3
* معاني هذه األسس ،طرحت بعمق عند صالح بلعيد ،نظرية النظم ،ص 80وما بعدها.
1مازن الوعر ،قضايا أساسية في علم اللّسان الحديث ،ص .117
67
يتميز بهذه القدرة .من جهة أخرى ّبين ّ
أن البنية اّلتي تجعل اإلنسان ّ اإلنسانية
ّ
كافية ،فأضاف البنية
اهتم بها سوسير -غير ّ
(الوصف الخارجي) – التي ّ طحية
الس ّ
ّ
العميقة.
كما يقودنا الفهم العميق لهذا المنهج وأُسسه إلى استنتاج جوهري مفاده ّ
أن الّلغة ال
نهاية لها خالقة بطبيعتها ما دامت "...قادرة على إنشاء جمل غير متناهية العدد،
أن كل لغة تتكون 1
المعنوية وقواعدها محدودة" ،معنى هذا ّ
ّ وتية و
الص ّ
بينما وحداتها ّ
من مجموعة محدودة من األصوات والرموز الكتابية مع ذلك فإنها تنتج وتولد عددا
يجر إلى النقطة الجوهرّية في النظرية الّلغوية
ال متناهيا من الجمل ،وهذا الذي ّ
ميز ثورة شومسكي وقاربت به التحويلية عند شومسكي وهي ال نهاية اللغة .وهذا ما ّ
ثورة سوسير قيمة.
وما دامت األلفاظ حصون المعاني والمعاني ممتدة إلى غير نهاية – كما هو
متداول عند المختصين -فكثرة األلفاظ تتبع كثرة المعاني وبذلك فاللغة نتيجة من
نتائج الفكر ،وليس هذا فحسب بل "الكالم والفكر ينموان ويرتقيان معا" ،2وهذا ما
يؤكد الترابط الوثيق بين اللغة والفكر فال قيمة للغة إال قياسا بالمعاني المتصورة في
ألنها آلة ووسيلة
الذهن ،والمعاني ال وجود لها إال إذا أثبتت بواسطة اللغةّ ،
لتوضيحه وتحليله وهذا ما نشير به إلى عوامل اكتساب اللغة ،فالمتعلم يملك
يدعم بما يمكن أن يثري فكره بمعارف استعدادا فطريا لذلك لكن ال يكفي إذا لم ّ
وينشط لسانه بألفاظ بها يخرج تلك األفكار إلى الحياة ،وال يتأتى له ذلك دون طرائق
فاعلة وظيفية يكون الفكر فيها دافعا لتوظيف اللغة واللغة آلة نشطة لإلفصاح عن
ذاك الفكر .فالفكر دون لغة ال وجود له واللغة دون فكر ال معنى لها.
* قواعد الحذف :يمس الحذف إحدى الوحدات اللغوية المكونة للجملة أو أكثر
بشرط عدم اإلخالل بالمعنى األول.
* قواعد التعويض :وهو إمكانية إحالل كلمة ( خارج الجملة) مكان أخرى (في
الجملة) مع االحتفاظ بالمعنى األول قبل التعويض.
69
وإنزال النظرية إلى مجالها التطبيقي طريقتان:
األولى :تقوم على تحليل الجملة إلى عناصرها الجزئية المكونة لها أي إلى وحداتها
اللغوية التي تكونها:
األداة = ال.
الفعل = اشترى.
النظري اّلذي ال ينتظر أصحابه آراء غيرهموهذا ما من شأنه أن يكون إغناء للبحث ّ
يثمنوا أبحاثهم أو يراجعوها ،و ّإنما أبحاثهم
توصلوا إليه حتى ّمن العلماء فيما ّ
أسس نظرّيتهم ونتائج أبحاثهم.
التطبيقية كفيلة بتقويم ّ
ّ
* يقصد بالنّص كل فعل تواصلي يستعمل اللّغة (حوار ،رسالة ،نص أدبي)...،
** لسانيات النّص :علم من علوم اللّغة يدرس بنية ونظام النّصوص ويسعى إلى تأسيس لسانيات ال تكتفي بالجملة كوحدة أساسية بل
تنطلق من النّص ككل كوحدة أساسية للبحث .للتعمق أكثر ينظر عبد اللطيف الفاربي وآخرين ،المرجع نفسه ،ص .185
1صالح بلعيد ،دروس في اللّسانيات التطبيقية .الجزائر :دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،2000 ،ص .11
71
المحاضرة الثانية عشر:
وهي تحيل إلى الرغبات المادية التي يريد الطفل إشباعها أو األشياء المادية
وتتجسد مثال في عبارة" :أريد هذا الشيء".
ّ التي يرغب الحصول عليها،
وتتجسد في
ّ يوجه الطفل األوامر لألشخاص المحيطين به، وتتحّقق حينما
ما أطلبه منك ،لنلعب هذه اللعبة. عبارات مثل :أ ِ
َنج ْز
وتكون في الوضعيات التي تمنح للطفل فرصة اكتشاف محيطه ،وذلك بطرح
أسئلة عن أسماء األشياء المادية من حوله ،لتنمو بطرح أسئلة تستدعي أجوبة
متغيرة غير ثابتة ،يلخصها هاليداي بعبارة شاملةُ" :قل لي لماذا؟" و هذا ما من
ّ
التعرف على العناصر المنتمية إلى محيطه وتُش ِّكل جزءا
أن يمنح له فرصة ّ شأنه ْ
من حياته.
وما كان ذلك ليتحّقق لوال المحيط الذي نما فيه الطفل وما صاحبه من تفاصيل
السياقات اللغوية المتنوعة التي ساهمت بشكل أو بآخر في نمو لغة الطفل
ميزت ّ
ّ
إلى درجة تحقيق االندماج في محيطه والتأثير في األشخاص الذين من حوله
2
والتعليق على ما يالحظه ،وهذا ما يكشف عن تحقق وظيفتين في هذه المرحلة:
الوظيفة التداولية ) ،(Fonction pragmatiqueوالوظيفة التفسيرية (Fonction
( mathétiqueفي وقت قياسي تصاعدي .والعامل في إبرازها ،هي تلك "العبارات
الكاشفة عن الوظائف األداتية ،التنظيمية والتفاعلية ،كلها اآلن منتجة على زمن
تصاعدي ،تظهر ّأنها تستدعي إجابة على شكل حدث أو على شكل فعلي" 3تنبئ
شك بوجود قواعد تواصلية أخذت تُثَِّب ُت مواقعها في لغة الطفلُ .ليؤكد هاليداي
وال ّ
في موضع آخر على 4وصف تلك الوظائف الثالثة كشاهد على وظيفة أوسع هي
الوظيفة التداولية التي ما ُوجدت إالّ للتأثير في المحيط.
تحول الطفل من متأثر بمحيطه إلى ُمؤثر فيه ،لتكون هذه المرحلة
وهكذا ّ
مطية لـ:
وسابقتها َّ
1
M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage, p 125.
2
Christian bachman et autres, langage et communications sociales, p 97.
3
M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage, p 125.
4
Idem, p 125.
74
كل
تضم ّ
المرحلة الثالثة :تتوافق وسن الرشد الذي يبلغه الطفل ،وهي مرحلة ُ ت-
تَ ِ
نتصب بارزة على مستوى التفاعالت االجتماعية التي ينشئها الفرد الراشد مع
اآلخرين ،في تفاصيل حياته اليومية.
انسجامه
َ هي وظيفة لسانية محضة ،تمنح النص التواصلي المنتج اتساَقه و
يؤكد على اجتماعية الّلغة ،فال يمكن
الداخلي .وعليه فبالتعمق في هذه الوظائف ّ
تصور تَ َحُقق وظيفة واحدة من تلك الوظائف بمعزل عن المجتمع سواء في إنشائها
ّ
أو تطويرها.
1
Christian Bachman et autres, langage et communications sociales, 97
2
Kirstan Malmkjaer ; The linguistics encyclopedia, p 53.
75
يمكن بأي حال من األحوال تهميش ِ
أحدهما أو التقليل من قيمته في العملية ّ
التواصلية ،فالوظائف تَُف ِّعل العبارات الكاشفة عنها ،والعبارات ّ
تحدد الوظائف الدافعة
لوجودها في حقل تداولي يوِّفره المجتمع.
ومما تقدم من تعيين أنواع الوظائف حسب مراحل حياة الفرد الطبيعية ،يالحظ
تقّلص عدد الوظائف كّلما انتقل الفرد من فترة عمرية إلى أخرى ،لتُختزل وفي كل
اللغات الطبيعية إلى ثالث وظائف أساسية تقوم بها في الوقت نفسه هي" :الوظيفة
1
يؤكد سعي هاليداي إلى
التمثيلية" و"الوظيفة التعالقية" و"الوظيفة النصية" ،وهذا ما ّ
تعميق دراسة اللغة في اإلطار الذي يقتضيه التواصل ،باعتباره كال مركبا َك ْون
"اإلطار التواصلي يضم في وقت واحد محتوى الرسائل ،الوضعية المتبناة من طرف
المتكلم ،التأثير المطبق على المرسل إليه والبنية الحوارية" .2وبهذه المعطيات
المادية والمعنوية وما تحيل إليه اللغة من قوائم ثقافية واجتماعية مشتركة بين
الجملة
األنساق
موقف قضية
ّ صيغة الوظيفة نسق
المتكّلم من
توابع الصيغة محمول فاعل فضلة
عالقية ّ
ال ّت ّ
المخاطب
نحوية
بنية ّ
ّ
ومن الحدث
الّلغوي ذاته
كما يتضمن
مفهوم
الصيغة(
أمر )...
والجهة
(نفي ،يقين
77
إمكان )
نسق
دل في هذه الجملة على حدث ،وقد يدل على عمل أو حالة في تراكيب
المحمولّ :
أخرى :نحو :أكلت سكينة تفاحة (عمل) ،غيالس هادئ (حالة).
78
الجملة باعتبارها نصا :أي سلسلة من العناصر المنظمة طبقا للموقف التواصلي
الذي يمكن أن ننجر فيه.
ولو عدنا إلى تحليل هاليداي لوجدنا تركيزه فيما يعني وظائف اللغة ُو ِّجه إلى
الثالثة األخيرة ،بالرغم من كون وظائف اللغة غير محدودة وغير متناهية – بتعبير
ألن هذه الوظائف الثالثة 2تَ ْحتكم على خاصيتين غير موجودتين
بعض المهتمينّ -
في غيرها من الوظائف هي:
-1بعد عالقي
-2بعد توجيهي.
-3بعد إخباري
- 4بعد تعبيري
-5بعد استثاري.
بعضها منبثق من غيره من األبعاد المذكورة ،والبعض اآلخر يعتبر امتدادا لغيرها.
أن سيمون ديك يركز يتبين لنا ّ
تعدد هذه األبعاد واختالفها ّ ومهما يكن من أمر فمن ّ
في نظرته على كفاءة المتكلمين حتى ُيّوَّفقوا في إدراك هذه األبعاد ،2وهذا لم يمنعه
يتمكن
ّ حسب أحمد المتوكل من اعتبار التواصل نشاطا اجتماعيا، 3بواسطته
المصنفة إلى ثالثة أصناف هي:
ّ المتواصالن من تغيير معلوماتهما التداولية
(آنية) .
الم ْوقفية ّ
-2المعلومات َ
ِ
الس َياقية (سابقة).
-3المعلومات ّ
وعليه ،فحسبه التواصل ينتهي بإقامة معلومات تداولية جديدة عند المتواصلين،
حدد أبعاد التواصل،
ال تخرج عن نطاق أصناف المعلومات الثالثة السابقة ،بها تُ ّ
ِ
ض ُحه الشكل التالي:
سيو ّ
اضه كما َ
وتَُّوضح أغر ُ
يا لَِنج ِ
اح َك تعبير عن تعبيري
َ َ
إحساس
جاحك
َن ُ استثارة إحساس استثاري
َنج ِ
احي َ
81
حدد نظرة هاليداي إلى التواصل وشرح
أسقطت هذا الشكل على الشكل الذي ّ
ُ ولو
82
المحاضرة الثالثة عشر
مدرسة أوكسفورد
استثار االهتمام باللغة في االستخدام العديد من المهتمين ،فإذا كان بنفنست بجرأته
حول االهتمام إلى التلفظ
يشكل تمردا على التقليد الذي أقامته البنوية في دراسة اللغة بأن ّ
فإن "التلّفظ هو األساس الذي بنى عليه (أوستين)* نظرية األفعال اللغوية ومن بعده
ّ
()1
هذا االمتداد سيرل** ،بوصفه ممارسة المرسل لينجز فعال لغويا ،يتالءم مع السياق"...
تجسد في تناول التلّفظ في خضم ما يحيط به من ظروف يتم فيها ،وهوية
في الدراسة ّ
المتخاطبين ومقاصدهم.
أستاذ فلسفة األخالق بجامعة أوكسفورد ،وكان علما مشهورا في األوساط األكسفوردية وكذا في كمبردج وفي الجمعيات العلمية بانجلترا
والواليات المتحدة األمريكية ،يعد مؤسس تداولية أفعال الكالم ،من أهم أعماله مجموعة من المحاضرات 12محاضرة جمعها طلبته
ونشروها بعد وفاته.
** جون ريد سيرل :John Read Searl :من مواليد 1932يعتبر من أهم أق طاب الفلسفة األمريكية الحديثة ،يحتل موقع الصدارة بين أتباع
أوستين ومريديه ،إذ أعاد تناول نظريته أفعال الكالم وطور فيها بعدين من أبعادها الرئيسية هما :المقاصد والمواضعات.
1عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتجيات الخطاب ،ط .1لبنان ، 2004 :دار الكتاب الجديدة المتحدة ،ج، 1ص29
2طالب هاشم طبطبائي نظرية األفعال الكالمية مجلة عالم الفكر المعاصر،ع، 1992، 99، 98ص65
83
التحليلية ،وقد استغل أوستين الدراسة التي أقيمت حول أعمال الفيلسوف وليام
1 *
أن هناك
ّ باب من المبدأ ذا له فضه
ر ليعلن 1955 عام William James جيمس
جمال ليست استفهامية ( ،)non Interrogativesوال أمرية( ،)non Impératives
وال تعجبية ( ،)non Exclamativesال تصف شيئا وال يمكن الحكم عليها بمعيار
الصدق أو الكذب ،بمعنى ال تستعمل لوصف الواقع (الحقيقة) بل لتغييره " فهي ال تقول
تغيرها أو تسعى إلى تغييرها" 2ويسوق لنا
السابقةّ ،إنما ّ شيئا عن حالة الكون ّ
الراهنة أو ّ
أوستين في كتابه Quand dire c’est faire 3والسيما في المحاضرة األولى
مجموعة من الجمل ال ِ
نصف بها العالم ،وال واحدة منها صحيحة أو خاطئة في معيار
األحكام ،الجمل ال ِ
نصف بها العالم ،وال واحدة منها صحيحة أو خاطئة في معيار
األحكام **وبالرغم من ذلك فهي ليست استفهامية وال أمرية وال تعجبية وسماها بالجمل
***
ألن أفعالها تدل على تنفيذ فعل ما. اإلنشائية أو اإلنجازية ()Performatives
ويسمي هذه األفعال باألفعال اإلنجازية ) ،(Actes performatifsوبالرغم من أن هذه
الجمل ال تخضع لمعياري 4الصدق والكذب إال أنها تخضع لمعياري النجاح والفشل .وحتى
تكون ناجحة يجب أن تخضع لبعض الشروط 5بغياب هذه األخيرة تكون حتما فاشلة.
* فيلسوف أمريكي رائد التيار الفلسفي النفعي .والنفعية هي مذهب يتخذ القيمة العملية التطبيقية قياسا للحقيقة.
1آن روبول و جاك موشالر ،التداولية اليوم ،تر /سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني ،ط. 1لبنان ،2003 :دار الطليعة ،ص
ص30،29
المرجع نفسه ،ص.30 2
3
J.L. AUSTIN quand dire c'est faire trad et introduction de G.LANE ed seuil paris 1970
** من بينها :أعمدك BABTISERباسم األب واالبن والروح القدس ،آمرك ،أعدك ،أقسم.للتعمق أكثر ينظر كتابه:
QUAND DIR C'EST FAIREالمحاضرة األولى ص 41
1
J.L. AUSTIN idem p108
2
J.L.Austin Idem pp 109-137.
85
فإذا كان األول نشاط لغوي يعبر عن إنتاج قول وفق تركيب معين ،فإن الثاني ينجر
عنه تثبيت المعنى الصحيح المراد قوله في الخطاب كثي ار ما يتدخل القصد في تنفيذه،
وعليه يحتكم إلى قوة يطبقها على المتخاطبين يسميها بالقيمة اإلنجازية(Valeur 1
) illocutoireأما الثالث فيدل داللة واضحة على اآلثار التي يتركها فعل الكالم .وما
تتفرد به 2األقوال التأثيرية إمكانية تحديدها وتحقيق النجاح في بلوغها* دون الرجوع إلى
األلفاظ التعبيرية ،ودون توظيفها.
- 1حكمية )(Verdictifs
-2ممارستية )(Exercitifs
-3وعدية )(promissifs
-4سلوكاتية )(Comportatifs
وهذه األنواع متداخلة فيما بينها ،للسياق دور فاعل في جعلها مشتركة في هدف
معين.
وبذلك فلكل فعل نتيجة تعبيرية تكمن في التلفظ بالكلمات والعبارات ،ونتيجة
إنشائية\إنجازية دعامتها الوضع والعمل الناتج في التلفظ ،وأخي ار نتيجة تأثيرية تتجسد في
ردود األفعال ،وكل هذا في كنف الحيثيات الخاصة المحيطة بالفعل والتي تنتصب عوامل
1
J.L. AUSTIN idem p113
2
J.L. AUSTIN idem p124
* بالرغم من هذا االجتهاد الجاد في التمييز بين أنواع األفعال إال أنه يقر بانعدام معايير محددة وفارقة بين هذه األفعال .ليعود ويظهر
دور الظروف المحيطة بالخطاب لتحديد نوع الفعل.
3
J.L. AUSTIN idem 153
86
مؤثرة في عملية إنتاج األقوال ،هذه األقوال هي عنده أفعال كالمية تسهم بطريقة أو
بأخرى في الكشف عن آليات الخطاب التي قد تكون متنوعة في طرق صوغها.
انتقد أوستين نفسه في كثير من المواقف من بينها تداخل المراتب الخمس لألفعال
اإلنجازية.
وهو يبني فكره فيما يعني نظرية أفعال الكالم ،ولكن ذلك لم يؤخر انتقادات اآلخرين له
فيما ذهب إليه ،بل سمحت لهم إعادة بناء بعض المفاهيم التي سبقهم إليها واالنطالق
منها إلرساء مفاهيم جديدة ،أتمت تأسيس علم االستغناء عنه في تحليل العمليات التلفظية
ضرب من أضرب تجاهل العناصر الفاعلة في التأدية اللغوية ،ومن بين هؤالء سيرل " فقد
أعاد تناول نظرية أوستين وطور فيها بعدين من أبعادها الرئيسية هما المقاصد
والمواضعات" 1فلكل مخاطب مقصد وهدف يسعى إلى تحقيقه ،ولذلك يستنفر ما بحوزته
من آليات لغوية ،ويحرص أشد الحرص على اقتناء منها ما يعبر عن هدفه ومقصده بكل
وضوح ،فيخرج الخطاب بكيفية معينة معتمدا على اللغة بكونها المادة الرئيسية لذلك،
وبذلك تتحدد األعمال اللغوية والجمل التي أنجزت بواسطتها وسيلة تواضعية للتعبير عن
المقاصد وتحقيقها ،وتلك الكيفية التي يخرج بها الخطاب ال شك أنها وليدة إستراتيجية
يتبناها المخاطب دفعته إليها حيثيات الخطاب و" قد تنعكس إستراتيجية الخطاب في
مستويات الخطاب المعروفة ،من مستوى صرفي تركيبي داللي وصوتي ،من خالل أدوات
وآليات لغوية معينة " 2وإذا كان الحال كذلك ،يكون سيرل قد اعتبر العمل اللغوي في بعده
التواضعي جزءا من اللسان " الذي نتكلمه فنتبنى آليا شكال من أشكال السلوك القصدي
بعد هذا التصنيف أضاف سيرل تصنيف آخر للفعل اللغوي حدده في صنفين ،هما:
-1األفعال المباشرة
فإذا كانت األولى تحتكم إلى تطابق تام 4بين معنى الجملة المتلفظة والداللة اللغوية
التواضعية ،أي بين معنى القول ومعنى الجملة .فإن الثانية تجسيد لواقع آخر نسبي بتواتر
في المواقف التخاطبية وهي " الحاالت التي يكون فيها معنى القول منافي تماما لمعنى
الجملة بطرق وكيفيات مختلفة "5؛ إذ كثي ار ما يقتني المتكلم صيغا قولية متخذا من معناها
1
J.R.SEARL idem pp53-54
2
J.R.SEARL idem pp54-56
3
J.R.SEARL idem pp 56-60
4
J.R.SEARL idem p 71
5
J .R.SEARL idem p 71
89
المباشر مطية للوصول إلى المعنى غير مباشر؛ بمعنى أن هذه الصيغ القولية ال تدل
على معناها الذي تنشئه بل تدل على معنى مخالف لمعناها الظاهر ،لكن االهتداء إليه
ليس عملية سهلة ألن القائل 1في عمل لغوي غير مباشر ينجز عملين في آن واحد،
األول ينجزه بالجملة المصرح بها والثاني ما ينوي إنجازه بها .وتعتمد هذه األفعال على
توظيف أساليب في غير معناها الحقيقي ،التلميحات ،المجاز ،اإلشارات ...هذا ما مكنه
بعدها من التفريق بين الفعل اإلنجازي األول( ) Acte illocutoire primaireوالفعل
اإلنجازي الثانوي ( 2) Acte illocutoire secondaireوتحديد فصائل األفعال غير
مباشرة.
تلك إذا هي تصورات سيرل فيما يتعلق بأفعال الكالم ،والسيما الطرح الفكري
لألفعال غير مباشرة التي كرس بها الظروف الخارجية المحيطة بالخطاب ،والظروف
النفسية التي تختلج أثناءه المتكلم والمستمع.
ومما تقدم فاللغة ليست تمثيال للعالم فحسب ،بل إنجاز أفعال ضمن وضعية
تولي اهتماما للمقاصد وهوية المتكلمين ومزايا المكان والزمان ،أي إنجاز فعل معين
في سياق معين ،وبذلك تعد التداولية استطالة لسانية أخرى للسانيات التلفظ التي
دشنها بنفنست.3
3فرانسواز أرمنكو ،المقاربة التداولية/،تر :سعيد علوش ،د ط .الرباط ،1986:مركز اإلنماء القومي،ص9
90
المحاضرة الرابعة عشر:
المدرسة الخليلية.
المدرسة الخليلية إلى األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح تنسب كمؤسس لها وهو
من مواليد مدينة وهران في 8جويلية 1927م ،وهو من عائلة معروفة نزح أسالفها
من قلعة بني راشد المشهورة إلى وهران في بداية القرن التاسع عشر .درس في
المدارس الحكومية الفرنسية في فترة االستدمار الفرنسي ،وفي الوقت نفسه كان
دروسا بالعربية مساء في إحدى المدارس الحرة التي أنشأتها جمعية
ً يتلقى
العلماء المسلمين الجزائريين ،والتحق وهو ابن خمس عشرة سنة بحزب الشعب
الجزائري.
أتم تعليمه المدرسي ،بدأ في دارسة الطب وفي سنة 1954توجه إلى
وبعد أن ّ
ّ
مصر ليكمل دراسة التخصص في جراحة األعصاب ،ولما كان يتردد على جامع
األزهر وكان يحضر إلى بعض دروس اللغة العربية ،وإذا به يجد نفسه يعيد
فحول اهتمامه
اكتشاف ذاته من جديد ويتعرف على تراث اللغة العربية بوعي جديد؛ ّ
من حقل الطب إلى الدراسات اللغوية المعاصرة وهناك اكتشف أهمية التراث العلمي
طلع عليه من كتاب سيبويه ،واتضح له الفرق اللغوي العربي وال ّ
سيما من خالل ما ا ّ
الكبير الذي الحظه بين وجهات النظر الخاصة بالنحاة العرب األقدمين وما يقوله
مهما في حياته العلمية. المتأخرون منهم ،وكان هذا ً
دافعا ًّ
وبعد حصوله على التبريز في اللغة العربية أوكل إليه اإلخوة في المغرب
تدريس اللسانيات في كلية اآلداب بالرباط باللغة العربية في 1961م( 1962/ألول
مرة في المغرب العربي).
وعين في سنة
وبعد االستقالل قضى حياته أستا ًذا وباحثًا في جامعة الجزائرّ ،
عميدا لكلية اآلداب،
ً ئيسا لقسم اللغة العربية وقسم اللسانيات ،ثم انتخب
1964م ر ً
وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية 1968م .وفي سنة 1968كان أستاذا زائ اًر
بجامعة فلوريدا حيث التقى بالعالم اللساني آنذاك نعوم تشومسكي ،فجرت بينهما
مناظرة أفحمت هذا األخير .وتفرغ بعد ذلك للدراسة والبحث في علوم اللسان حيث
استطاع بمساعدة الدكتور أحمد طالب اإلبراهيمي (وزير التربية آنذاك) أن ينشئ
أيضا مجلة
وجهزه بأحدث األجهزة وأسس ً
كبير للعلوم اللسانية والصوتية ّ
معهدا ًا
ً
اللسانيات المشهورة .وفي هذا المعهد واصل األستاذ بحوثه بفضل المختبرات
المتطورة الموجودة فيه وأخرج تلك النظرية التي لقبت في الخارج "بالنظرية الخليلية
الحديثة"(وهي مطروحة في الرسالة التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من
جامعة السوربون في سنة 1979م).
وفي عام 1980م أنشأ ماجستير علوم اللسان وهو نسيج وحده ألنه متعدد
التخصصات ،وقد نوقشت عشرات الرسائل منذ أن أنشئ .وبقي معهد اللسانيات
92
صامدا يؤدي مهامه بفضل سهر األستاذ على النوعية العلمية
ً والصوتيات سابًقا
التي كان يهتم بتخريجها.
وقد تولدت لديه فكرة أطروحة الدكتوراه التي أنجزها بعد عناء عشر سنوات من
البحث والتنقيب حول أصالة النحو العربي ،واهتدى آنذاك إلى مشروع الذخيرة
اللغوية العربية عن طريق البرمجة الحاسوبية ،وكان أول عالم عربي يدعو إلى ذلك
المشروع ،كما كان أول الداعين إلى تبني المنهج البنيوي وإنشاء محرك بحث
عربي " قوقل googleعربي" وفي سنة 1988عين الدكتور عبد الرحمن حاج
عضوا عامالً به سنة
ً عضوا مراسالً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ،ثم انتخب
ً صالح
2003م في المكان الذي خال بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي ،وسبق ذلك أن ُعِّين
عمان
عضوا في مجمع دمشق في 1978م ،ومجمع بغداد (1980م) ومجمع ّ
ً
(1984م).
للدكتور الحاج صالح عديد البحوث والدراسات نشرت في مختلف المجالت العلمية
المتخصصة (بالعربية والفرنسية واإلنجليزية) منها:
" -علم اللسان العربي وعلم اللسان العام" (في مجلدين) ،الجزائر.
-أربع مقاالت :الخليل بن أحمد ،واألخفش ،وابن السراج ،والسهيلي ،في موسوعة
أعالم العرب (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم).
94
بالدراسات اللسانية المعاصرة ،ودفاعه عن أصالة النحو العربي ،وإجرائه مقارنات
علمية بين التراث ومختلف النظريات في هذا الموضوع ،فضال عن مشاركاته في
الدراسات اللسانية بحثاً وتقويماً وتعليماً ،وجهوده البارزة في حركة التعريب.
نشاطه المجمعي:
" -أصول تصحيح القراءة عند مؤلفي كتب القراءات وعلوم القرآن قبل القرن الرابع
الهجري"( .مجلة المجمع ج .)90
" -الجوانب العلمية المعاصرة لتراث الخليل وسيبويه"( .مجلة المجمع ج .)92
" -تأثير اإلعالم المسموع في اللغة العربية ،وكيفية استثماره لصالح العربية"( .مجلة
المجمع ج .)94
" -تأثير النظريات العلمية اللغوية المتبادل بين الشرق والغرب :إيجابياته وسلبياته".
(مجلة المجمع ج .)96
" -المعجم العربي واالستعمال الحقيقي للغة العربية"( .مجلة المجمع ج .)98
" -حوسبة التراث العربي واإلنتاج الفكري العربي في ذخيرة محوسبة واحدة،
كمشروع قومي"( .مجلة المجمع ج .)103
وتعبر النظرية الخليلية الحديثة لعبد الرحمن الحاج صالح من أبرز ما
يمثل لسانيات التراث في الفكر العربي المغاربي المعاصر لقيامها على أسس أصيلة
95
تميز النظرية من غيرها هي " األصالة ،والتحكم في المنهج االمتداد الزماني
1
والمكاني ،والتطور في المفاهيم وصالحها لكثير من اللغات ،ولها أتباع ومريدين"
ويشير صاحبها إلى أن موضوعها اعتمد على" ما وصل إلينا من تراث في ما
يخص ميدان اللغة ،وبخاصة ما تركه لنا سيبويه(180ه) وأتباعه ممن ينتمي إلى
المدرسة التي سماها بالخليلية وكل ذلك بالنظر في الوقت نفسه إلى ما توصلت إليه
اللسانيات الغربية " ،2ويتحدد بذلك موضوع هذه النظرية في مقارنة حصيلة
الدراسات اللغوية القديمة بنتائج اللسانيات ،وفي تصريح آخر يشير صاحب النظرية
إلى معالم المنهج المعتمد لتناول هذا الموضوع بالدراسة ،ويحدده في " قراءة جديدة
لما تركه الخليل بن أحمد الفراهيدي (170ه) وتلميذه سيبويه خاصة ،وجميع من
جاء بعدهما من النحاة الذين اعتمدوا في بحوثهم على كتاب سيبويه ،إلى غاية
القرن الرابع ،كشروح كتاب سيبويه وغيره أضف إلى ذلك البحوث التي كتبها بعض
الرضي
العباقرة من العلماء كالسهيلي (581ه) وعبد القادر الجرجاني(471ه) و ّ
األسترابادي (686ه) وغيرهم" 3في حين يفصح عن غاية هذه النظرية بالقول ":
تقويم النظرية اللغوية العربية التي كانت أساسا ألغلب ما يقوله سيبويه وشيوخه ،وال
سيما الخليل وكيفية مواصلة هذه الجهود األصيلة في الوقت الراهن ،ويبدأ بوصف
المبادئ المنهجية التي بنيت عليها هذه النظرية ،وذلك بالمقارنة بين المبادئ التي
تأسست عليها اللسانيات الحديثة وخاصة البنوية والنحو التوليدي التحويلي وبين هذه
2
-مفهوما اللفظة والعامل".
ونتج عن مفهوم االنفراد إظهار الحدود الحقيقية التي تحصل في الكالم فالمنطلق
الواقعي في ذلك هو اللفظة بخالف التوليديين الذين ينطلقون من الجملة .واللفظة
يمكن أن تنفصل ويمكن أن يبتدأ بها وهذا ما يجعلها تتسم بصفة االنفراد وبذلك
فهي األصل وما يمتد منها هو الفرع واألوجب أن يتم االنطالق من األصل أو لنقل
مما ينفصل ويبتدأ .والشكل الذي يقترحه العالمة كفيل من أقل ما ينطق به
1
بتوضيح ذلك:
زيادة مرتبة
#كتاب
فـــروع
#
كتاب # الــ #
د# مفي ن ــــ ُ كتاب ــــ #
# زيد هذا ــــ ُ كتاب ــــ #
زيد المفيد # ــــ ُ كتاب ــــ #
# ــــ المفيد كتابـ ـِــ الــ بـــ #
زيد الذي هو هنا # كتابـ ـِــ الــ بِـــ #
اســـم واحــد
1
املرجع نفسه ،ج،1ص.220
98
ونتج عن تحديد مفهوم الوضع اختالف النواة التي يمكن أن تكون اسمية أو
فعلية ،وحسب طبيعة النواة تتحدد مواضع العناصر اللغوية (الوحدات) وتتعين
مواضعها.
و مفهوم العالمة العدمية نتج في حقيقة األمر من مفهوم الوضع ،فخلو الموضع
من العناصر التفريعية التي تتفرع إليها النواة هو خلو من العالمة ،وهو ما سماه
بالعالمة العدمية(.)expression zero
الوقوف عند معنى اللفظة أدى إلى تحديد معنى الكلمة فاللفظة أعم من
الكلمة والكلمة جزء من اللفظة ومقياس تحديد مفهوم اللفظة عنده هو االنفصال
واالبتداء؛ فكل وحدة لغوية يمكن أن تنفصل عن غيرها وأن يبتدأ بها الكالم فهي
لفظة نحو :آدم ،محاضرة ،جامعة.فهي ذات معنى سواء وظفت مع غيرها في
االستعمال أو انفصلت عنها .وبهذا فالكلمة هي العالمة اللغوية التي ال تخضع
لهذين المقياسين (االبتداء واالنفصال في آن) نحو :الضمائر المتصلة في قولنا:
جامعتنا؛ فنون المتكلم التي هي ضمير متصل كلمة وليست لفظة باعتبار استحالة
البدء بها واالنفصال عن كلمة جامعة مع اإلبقاء على داللتها .والكالم نفسه ينطبق
على حروف الجر وآل التعريف.
أما مفهوم العامل فيأخذ مكانه في التركيب وطبيعة البناء الناتج من
األلفاظ المكونة له والعامل المؤثر في هذا البناء فالحظ النحاة أن الزوائد على
99
اليمين تغير اللفظ والمعنى بل تؤثر وتتحكم في بقية التركيب كالحركات اإلعرابية
1
مثال.بطريقة يبنها الشكل التالي:
يظهر الشكل أن العمود األول قد يدخل عليه عامل ( قد يكون كلمة أو
لفظة أو تركيبا) يؤثر على بقية التركيب ،وهذا ما أهله ليكون عامال .وقد نتج عن
هذا المفهوم مفهوم العامل (1م )1والعامل(2م)2؛ إذ ما وجد في العمود الثاني تبين
كون مع عامله زوجا مرتبا ( couple للنحاة استحالة تقدمه عن عامله لي ّ
،)ordonnéبخالف المعمول الثاني الذي قد يتقدم على كل العناصر إال في
حاالت ،أما السطر األول من الجدول فيظهر خلو موضع العامل من العنصر
الملفوظ مقارنة بمواضع األسطر الالحقة.
هذا أهم ما يمكن قوله عن النظرية الخليلية الحديثة جسد بها عبد الرحمن
الحاج صالح الموقف التراثي من الدرس اللغوي العربي وال سيما النحوي منه ويرى
فيه كفاءة علمية؛ تنظي ار يجب اإلشادة بسبقها وتطبيقا يجب إحياءها وتوظيفها في
ما يخدم اللغة العربية في العصر الحديث سواء على مستوى الحوسبة أم التعليم.
1
عبد الرمحن احلاج صاحل ،حبوث ودراسات يف اللسانيات العربية ،ج،1ص.223
100
101
النصوص التطبيقية
-1يستمد خطاب دي سوسري وجاهته من طرحه أعقد القضااي اليت واجهت التفكري يف اللسان
البشري منذ بداايته ،ومنها قضية حتديد موضوع اللسانيات ،وحصره وبيان طبيعته ،ومظاهره
األساسية.
املطلوب:
102
-انقش القول حملال القضااي املطروحة فيه ،مبينا عالقة اللسانيات ابجملاالت املعرفية األخرى.
-2ملا كان اللسان البشري ذا خصائص متميزة ،وطبيعة متفردة ،وله مظاهر أساسية خاصة به،
فهو يستوجب علوما مستقلة قائمة بذاهتا مستمدة من طبيعته وبنيته الداخلية ،واملؤثرات اخلارجية؛
ابلرغم من أن موضوعه اللسان البشري لذاته ومن أجل ذاته؛ أي دراسته يف ذاته واستنباط قوانينه
الداخلية بغية تفسري اشتغاله ووظائفه اليت ينهض هبا .لكن العلوم املستقلة كان هلا األثر البليغ يف
بروز تيارات فكرية يف احلقل اللغوي وسعت الدراسة وطبيعتها،ونقلتها خارج جمال اللغة.
103
المطلوب :
104
-4إن االستقاللية دعامة أساسية يف علمية اللسانيات دون أن حتول أو أن متنع من التشارك املعريف
بني اللسانيات والعلوم املتامخة هلا من قبل علم النفس وعلم االجتماع واألنثربولوجيا .اللسانيات ال
تتناقض مع العلوم األخرى بل تتفاعل معها ،وال ميكن هلا أن تتعارض معها يف إثبات مفاهيم،
ابلرغم من كون أن للسانيات منهجا خاصا وموضوعا خاصا هبا .فهي ال تستعري املناهج من العلوم
األخرى بل جند هلا وجهة نظر خاصة مادامت اللسانيات تدرس موضوعا فريدا يستوجب هذا
قيامها كعلم مستقل وعلى منهج مستقل.
105
المطلوب :حلل النص وناقشه مبينا كيف أسهمت العلوم المتاخمة للسانيات من
ظهور بعض المدارس اللسانية ذات الصلة.
-5تسعى النظرايت الصورية (البنيوية) للغات الطبيعية اىل تفسري اخلصائص الصورية للغة الطبيعية مبعزل عن
وظيفهتا التواصلية.
املطلوب :حلل القول وانقشه مبينا أوجه الاختالف بني التيارين البنيوي والوظيفي يف دراسة اللغة الطبيعية.
106
-6اهمتت البنيوية ابمللكة اللغوية ،يف حني الوظيفية اهمتت ابمللكة التواصلية.
المطلوب :تناول النص بالتحليل والنقد معتمدا المقارنة بين المدرستين اللسانيتين.
107
108
- 7يعد الرتكيب والرصف يف النظرايت البنيوية مس توى حموراي يف النحو ،أما ادلالةل والوظائف التداولية فال تقوم اال
بدور تأوييل ،يف حني النظرايت الوظيفية ترى أن املس توى التداويل ادلاليل حيتل داخل النحو مس توى مركزاي؛ من
ابب أن الفكرة أس بق من اللغة ،حيث يتوىل حتديد خصائص الرتكيب.
املطلوب:
109
-8عىل الرمغ من الرصامة اليت اتصفت هبا البنيوية اال أهنا أهدرت اجلانب ادلاليل التداويل.
حلل النص وفصل يف ما يشري اليه من تيارات لسانية قامئة بذاهتا من حيث الصول والقواعد.
110
غويّ .
فتحول للسلوك الّل ّ
اجتماعية ضابطة ّ
ّ تشكل قواعد
ألنها ّ
بل هي اّلتي أوجدتهاّ ،
فعلية لّلغة في إطارها
النشاط الخطابي باعتباره ممارسة ّ
المنطلق إلى التّركيز على ّ
االجتماعي ،وباعتباره كذلك فهو حقل ُي ْذ َكى فيه التّفاعل االجتماعي ،بتبادل
وهي فرصة إلظهار العالقة بين الّلغة وثقافة الفعالة
االجتماعية ّ
ّ العالقات
وكل هذا مدعاة لتعليم الّلغة وفق ثقافة المجتمع وعاداته ،وتقاليده،
المجتمعاتّ ،
المتميزة (.مالينوفسكي +فيرث +فرانس بواز+
ّ ويته
تفعيال لموروثه الثّقافي وإب ار از له ّ
سابير +قوفمان +صوفي مواران +هايمز)...
المطلوب:حلل النص محدد معالم المدرسة اللسانية التي يشير إليها النص.
ومجهودات أعالمها.
(( إذا كانت اللسانيات الصورية قد جعلت موضوع اشتغالها دراسة العالمات
أن نحو لغة ما هو
اللغوية ،فإن النحو التوليدي التحويلي اهتم بدراسة الجمل ،معتب ار ّ
111
مجموعة من القواعد المعبرة عن التقابالت الحاصلة بين األصوات والداللة الخاصة
بهذه اللغة وأن التوليد معناه القدرة على استيضاح هذه العالقات )).ص58
-11قالت صوفي مواران (( :المعرفة والقدرة على تفعيل قواعد النظام تظهر متكئة
بال هوادة على األنظمة النفسية واالجتماعية ،والثقافية للتواصل))
112
Sophie moirand, enseigner a communiquer en langue
étrangère, s éd.Paris:1982, Hachette, p17.
المطلوب :حلل القول وناقشه مفصال في مالمح المدارس اللسانية ذات الصلة في
تحقيق التواصل.
-12تبنى فيرث نظرية سياق الموقف ،وهي بالنسبة له حقل خصب من العالقات،
يفعلها أشخاص ويثرونها عند قيامهم باألدوار المسندة إليهم في المجتمع.
113
المطلوب :حلل القول مبينا المدرسة التي ينتمي إليها فيرث محددا مميزاتها مع
الشرح والتحليل.
(( -14فالفعل الذي هو من أهم أركان الكالم يدل على الحدث ،وكل حدث
يحصــــل بالضرورة في زمان معين ومكان معين .وأما الكالم كاسم مصدر لفعل
تكلّم فهو حدث.
115
فال ب ّد أن يكون لـــه زمان ومكان معينان .وبهذا يفـــترق الكـالم كفـعل
وكحـدث عن الجهاز الذي يستعمله المتكلم وهو اللغة؛ إذ هو أداة لتـبليغ
األغراض ،وبما أنها نظام من األدلة المتواضـــع عليها ال تــــراد لذاتها ،بل
لالنتـفاع بها كأداة تبليغ .فهي كيان مجرد لعموم استعمالها ولعدم اختصـاص كل
عنصر فيها؛ كأسماء األجناس واألفعال وحروف المعاني ،فهي صالحة
لالسـتعمال في كل مناسبة وفي أي وقت ،وال يختص استعمالــها بكالم قد يتكلم
به أو سيتكــلم به شــخص معين في ظروف معينة .فالكالم حدث واألحداث هي
أشياء جزئـــية ألنها تدرك بحــاسة السمع كأصـوات فلكل حدث خصوصية .أما
اللغة فهي من الكليات ألنـــها غير مــــدركة بالسمع كوضع كما أنها ليست
حدثا ،بل هي أداة مهيأة لالستعمال في كل األوقات وكل الظروف)).
العربية .ص43
اشرح النص مبينا قضاياه اللغوية ،موضحا األهميّة التي نالتها عند اللسانيين
فكانت
موضوع دراسة.
116
خامتة
خاتمة:
117
-محاضرات دي سوسير كان لها بالغ األثر في ما جاء بعده من طرح وأفكار
لسانية.
-بدأ الدرس اللساني الغربي االهتمام باللغة في ذاتها ولذاتها ،لكن إلماما بما له
عالقة بتوظيف اللغة امتد االهتمام إلى دراسة ما هو خارج اللغة لكن مؤثر فاعل
في توظيفها.
-بالرغم من اختالف المدارس في قواعدها المائزة إال أنها لو اجتمعت لدراسة اللغة
لتكاملت في ما بينها تكامال وظيفيا.
-كان للدرس اللساني الغربي تأثير ظاهر في الدرس اللغوي العربي الحديث.
118
قامئة املصادر واملراجع
-شكري المبخوث ،نظرية األعمال اللغوية ،ط .1تونس ،2008 :مسكلياني للنشر والتوزيع.
120
والنشر والتوزيع،
-
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ،مقاالت لغوية ،دط .الجزائر ،2004:دار هومة.
-ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ،نظرية النظم ،دط .الجزائر :دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع.2002 ،
-طالب هاشم طبطبائي نظرية األفعال الكالمية مجلة عالم الفكر المعاصر،ع، 99 - 98
.. 1992
-الطاهر بن الحسين بومزبر ،التواصل اللساني والشعرية ،مقاربة تحليلية لنظرية رومان
جاكبسون ،ط .1الجزائر ،2007:منشورات االختالف.
-عبد الرحمن الحاج صالح(( المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في
العالم العربي)) ،أعمال الندوة الجهوية التي عقدت بالرباط سنة :1987تقدم
اللسانيات في األقطار العربية ،منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)
ط .1بيروت ،1991:دار الغرب اإلسالمي.
-عبد الرحمن الحاج صالح ،النظرية الخليلية الحديثة :مفاهيمها األساسية ،د ط .
الجزائر ،2007 :مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية.
-عبد الرحمن الحاج صالح ،بحوث ودراسات في اللسانيات العربية ،د ط.الجزائر،2012:
موفم للنشر،ج.1
-عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ط .2تونس ،1982 :الدار العربية للكتاب.
للنشر.
ونسية ّ
الدار التّ ّ
المعرفية ،د ط .تونس1986 :مّ ،
ّ -ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ،الّلسانيات وأسسها
-عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتجيات الخطاب ،ط .1لبنان ، 2004 :دار الكتاب
الجديد المتحدة ،ج.1
-عبدو الراجحي ،اللغة وعلوم المجتمع ،ط .2لبنان 2004 :دار النهضة العربية.
-عمر بلخير ،تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية ،ط .1الجزائر 2003 :
منشورات االختالف.
121
-عبد اللطيف الفاربي وآخرين ،معجم علوم التربية،مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك،
ط .1الرباط ،1994 :دار الخطابي للطباعة والنشر ،ع .10-9
-فرديناند دي سوسير ،دروس في اللسانيات العامة /تر :صالح القرمدي و آخرون ،د ط.
تونس 1985:الدار العربية للكتاب.
-ف ارنسواز أرمنكو ،المقاربة التداولية ،تر :سعيد علوش ،د ط .الرباط ،1986 :مركز
اإلنماء القومي.
-ك .أركيوني ،فعل القول من الذاتية في اللغة ،تر:محمد نظيف،د ط .المغرب2007 :
إفريقيا الشرق.
-محمد الشاوش وآخرون ،أهم المدارس الّلسانية،دط .تونس ،1986:المعهد القومي
لعلوم التربية ،و ازرة التربية القومية.
-مازن الوعر ،قضايا أساسية في علم الّلسان الحديث ،مدخل ،ط .1دمشق،1988:
دار طالس للدراسات والترجمة والنشر.
-مازن الواعر(( ،النظريات النحوية والداللية في الّلسانيات التحويلية والتوليدية))،
مجلة الّلسانيات ،عدد 6الجزائر.1986 ،
-ميلود حبيبي ،االتصال التربوي و تدريس األدب ،ط.1الغرب 1993 :المركز الثقافي
العربي.
-نور الدين رايص ،نظرية التواصل واللسانيات الحديثة ،ط .1الرباط،2007 :
مطبعة سايس.
-نور الهدى لوشن ،مباحث علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ،دط .الشارقة،2008 :
الفتح للتجليد الفني.
122
. عالم الكتب، 1990 : مصر.2 ط، محمد عياد: تر، علم اللغة االجتماعي، هدسون-
-
Francis Whitfield, (( glossematics)) In Archibald Hill (ed)
Linguistics, Voice of America Forum Lectures, 1969.
-
J.L. AUSTIN quand dire c'est faire trad et introduction
de G.LANE ed seuil paris 1970.
-
J.R.SEARL sens et expression étude de théorie des
actes de language trad.et préface par JOELL PROUST
ed Minuit paris 1982.
-
Jean Lohisse, la Communication de la transmission
a la relation, Belgique, De Bock Université 1ed, 2001.
-Jeans Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique,
s éd. Paris: 2002, Larousse.
- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, 17eme éd. Paris :
1971, Seghers.
- Georges Mounin, Histoire de la linguistique des origines
eme
aux XX siècle, s.éd. Paris: 1985, P.V.F.
- M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage
ème
2 ed. piere Mardaga, editeur bruscelles-lieges 1981.
-
Roman Jaksbon, Essais de linguistique générale, tra Nicolat
Ruet les èditions de minuit, paris, 1963.
- Tsutumu Akamatsu et al, The linguistics encyclopedia,
124
2nd éd. New York: 2004 Routledge.
125
فهرس احملتوايت
مقدمة2.............................................................................................................................................. .........................:
المحاضرة األولى4 ..................................................................................................................................................
126
المحاضرة الثانية13.................................................................................................................................... ............
المحاضرة الثالثة27......................................................................................................................... ........................
المحاضرة الرابعة و الخامسة37 ......................................................................................................................
المحاضرة السادسة46 .................................................................................................................................. ..........
المحاضرة السابعة50 ...............................................................................................................................................
المحاضرة الثامنة57 ................................................................................................................................... ..............
المحاضرة التاسعة61 ...............................................................................................................................................
المحاضرة العاشرة والحادية عشر65................................................................................................................
المحاضرة الثانية عشر71 .......................................................................................................................... ...........
82 ........................................................................................................................ ............ المحاضرة الثالثة عشر
المحاضرة الرابعة عشر90 .......................................................................................................................... ...........
النصوص التطبيقية100 .................................................................................................................................... .....
الخاتمة116....................................................................................................................................................................
قائمة المصادر والمراجع118.................................................................................................................. .............
فهرس المحتويات125...................................................................................................................................... .......
127