Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 127

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة محمد البشيراإلبراهيمي * برج بوعريريج *‬

‫قسم اللغة واألدب العربي‬ ‫كلية اآلداب واللغات‬

‫محاضرات مقياس املدارس اللسانية‬

‫السنة الثانية ليسانس تخصص لسانيات عامة‬

‫نظام ‪ :‬ل ‪.‬م ‪.‬د‬

‫إعداد الدكتور ‪ :‬بوبكرالصديق صابري‬

‫املوسم الجامعي‪2021/2020 :‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫شغل الدرس اللغوي الحديث اهتمام الدارسين‪ ،‬وال سيما بعد محاضرات فرديناند‬
‫دي سوسير‪ ،‬ولما كان مقياس اللسانيات العامة يحتكم إلى دروس جادة تحدد معالم‬
‫هذا الدرس وخصائصه وما يفرقه عن غيره من المقاييس‪ ،‬كان من الالزم وجود‬
‫مقياس يحتكم هو اآلخر إلى دروس تحدد معالم المدارس التي ظهرت في هذا العلم‬
‫الحديث وبذلك جاءت محاضرات المدارس اللسانية لتزيد تفاصيل المقياس األول‬
‫تشريحا وتوضيحا كهدف رئيس من وجود هذه المحاضرات لهذا المقياس‪.‬‬

‫وعليه نحاول من خالل هذه المحاضرات اإلجابة على اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫ما هي أهم المدارس اللسانية التي تناولت اللغة بالدراسة؟ ما أصولها‬


‫المعرفية؟ وماهي قواعدها؟ ومن هم أعالمها؟ وهل كان للمدارس الغربية‬
‫تأثير على الفكر اللغوي العربي الحديث؟‬

‫لإلجابة على هذه اإلشكالية حاولت اإللمام بجميع المحاضرات المقررة وعددها أربعة‬
‫عشر محاضرة‪ ،‬مع مجموعة من النصوص التطبيقية‪ ،‬معتمدا التأريخ لهذه‬
‫النظريات منبعا وتطو ار وتحديدا لخصائصها وأعالمها‪ ،‬متخذا من المعاجم والمراجع‬
‫مصدر للمعارف العلمية التي حاولت تبسيطها قدر‬
‫ا‬ ‫األصول وال سيما الغربية‬
‫اإلمكان لتكون في متناول الطالب والباحث المبتدئ‪.‬‬

‫وأهم هذه المراجع استغالال هي ‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد حساني‪ ،‬مباحث في اللسانيات‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر‪.1994 :‬‬


‫‪ -‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ط‪ .2‬لبنان ‪ ،2010 :‬دار الكتاب‬
‫الجديد المتحدة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫النشأة والتّطور‪ ،‬دط‪ .‬الجزائر‪ ،2002:‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد مومن‪،‬الّلسانيات ّ‬
‫‪ -‬أندري مارتيني‪ ،‬مبادئ في اللسانيات العامة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد الحمو‪ ،‬د ط‪ .‬دمشق‪،1985 :‬‬
‫المطبعة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ -‬آن روبول و جاك موشالر ‪ ،‬التداولية اليوم ‪ ،‬تر‪ /‬سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني‪،‬‬
‫ط‪. 1‬لبنان‪ ،2003 :‬دار الطليعة‪.‬‬
‫‪- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale,‬‬
‫‪édition critique préparé par: T. De Moro. Paris: 1979. Payot‬‬
‫‪-‬‬
‫‪Edward Sapir, le langage, traduction de l’anglais par :‬‬
‫‪S. M. Guillaumin, Paris, ed, payot et Rivages 2001.‬‬
‫‪des sciences du langage, ed du seuil, paris,1972.‬‬
‫‪- Emile Benveniste, Problèmes de linguistique générale,‬‬
‫‪s éd. Paris : 1974, Gallimard.‬‬

‫والنصوص التطبيقية حاولت من خاللها أن تكون وظيفية حتى تبسط بالتحليل الهادف‬

‫المدارس اللسانية المقررة‪ ،‬وصلتها بالدرس اللساني الحديث في أول ظهوره‪.‬‬

‫وهللا نسأل التوفيق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المحاضرة األولى‬

‫الحلقة ‪/‬المدرسة ‪ /‬النظرية‬

‫الحلقة‪:‬‬

‫تناولت المعاجم المتخصصة معنى مصطلح الحلقة‪ ،‬ومن هذه معجم اللغة العربية‬
‫‪1‬‬
‫أن مصطلح َحَلَقة [مفرد]‪ :‬ج َحَلقات‬ ‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ير‬ ‫الذي‬ ‫المعاصرة ألحمد مختار عمر‬
‫وحَلق (على غير قياس) تختلف بنيتها وإن اشتركت في حروفها‬ ‫ِ‬
‫وحْلقات وحالَق َ‬
‫َ‬
‫شيء استدار "يمِثّل جهاز‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫فمعناها يختلف من مصطلح إلى آخر؛ فحَلق‪ّ -1 :‬‬
‫ُّ‬
‫الشرطة حلقة جوهرّية في نظام أمننا"| َحْلقة المفاتيح‪َ /‬حَلقة المفاتيح‪ :‬سلك معدني‬
‫ّ‬
‫تجسس‪:‬‬‫مستدير تعّلق به المفاتيح‪َ -‬حْلقة المالكمة‪ :‬ميدان مباراة المالكمة‪َ -‬حْلقة ُّ‬
‫عصبة من الجواسيس‪ -‬كالحلقة المفرغة ال ُيدرى أين طرفاها [مثل]‪ :‬للداللة على‬
‫العلم في حلقة‬ ‫تع ّذر القطع في أمر‪ -2 .‬جماعة يجلسون في شكل دائرة َّ‬
‫"تلقى‬
‫َ‬
‫يوميا‪َ -‬حْلقة األسماك"| َحْلقة ال ِّذكر‪َ /‬حْلقات‬
‫ًّ‬ ‫فالن‪ -‬تُعقد حلقة تعليم التجويد‬
‫الصوفية ابتهاالتهم‪َ -‬حْلقة‬ ‫يؤدي فيها بعض أعضاء الطرق‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫األذكار‪ :‬مجالس الذكر ّ‬
‫اسية‪َ -3 /‬حَلق؛ ُقرط (في األذن أو األنف)‬
‫القوم‪َ /‬حَلقة القوم‪ :‬دائرتهم‪َ -‬حْلَقة در ّ‬
‫"اتّخذت في أنفها حلقة كبيرة من الذهب"| َحْلقة األنف‪ :‬حلقة تُوضع في أنف‬
‫فضة‪ -5 .‬جزء من سلسلة ‪" -‬وظيفة اللغة هي ّأنها‬ ‫حيوان‪ -4 .‬خاتم من ذهب أو ّ‬
‫القوة‬ ‫َّ‬
‫المسلحة َحْلقة من َحَلقات َّ‬ ‫القوات‬
‫اإلنساني‪ -‬فرد َّ‬ ‫حلقة في سلسلة النشاط‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫يؤدي اختفاؤه إلى تعقيد ٍ‬
‫أمر ما أو‬ ‫العسكرّية"| الحلقة المفقودة‪ :‬عامل أو سبب ّ‬
‫التباسه‪َ -‬حْلقة ِاتّصال‪َ /‬حْلقة وصل‪ :‬ما يصل بين طرفين أو أكثر‪َ -‬حْلقة بحث‪/‬‬
‫حَلقة بحث‪ :‬مجموعة صغيرة من َّ‬
‫الطلبة الخريجين من جامعة أو مدرسة ُمنخرطة‬ ‫َ‬
‫في البحث العلمي أو الدراسة المكثَّفة تحت إشراف أستاذ َّ‬
‫معين‪َ -‬حْلقة من رواية‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1‬أحمد مختار عمر‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬دط‪.‬القاهرة‪،2008:‬عالم الكتب‪ ،‬ص‪ .547-546‬بتصرف‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ائيا‬
‫تمثيليا كان أو رو ًّ‬
‫ًّ‬ ‫فصل أو جزء منها‪( -6 .‬دب) أحد أقسام السرد المسلسل‪،‬‬
‫تباعا في مجّلة‬
‫القصة التي تنشر ً‬
‫كحلقات التمثيليات المسلسلة في اإلذاعة وحلقات ّ‬
‫من المجالّت‪( -7 .‬سف) جملة أبحاث تدور حول موضوع واحد‪.‬‬

‫ِ‬
‫المتخصصين منصرفة إلى‬ ‫اسية‪ :‬مجموعة صغيرة من طالب الجامعة‬
‫ّ‬ ‫َحَلَقة در ّ‬
‫دراسة موضوع من الموضوعات‪.‬‬

‫وفي اللسانيات (الدرس اللغوي الحديث) بتوظيف مصطلح الحلقة يشير إلى اجتماع‬
‫مجموعة من األساتذة لتناول قضايا النحو الجرماني‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى حلقة براغ‬
‫التي استمرت استمرت اجتماعات أصحابه لتوحد جهودهم وتوجهها لدراسة ما له‬
‫عالقة بالدرس اللغوي‪ .‬وقد تتطور الحلقة زمنيا لتكون مدرسة‪.‬‬

‫‪ -‬المدرسة‪:‬‬

‫أسهبت المعاجم في تحديد معاني مصطلح المدرسة ومن ذلك معجم لسان العرب‬
‫البن منظور‪ 1‬وغيره‪ ،‬إذ القاسم المشترك بينها هو البعد التربوي لهذا المصطلح‪ ،‬ولو‬
‫وقفنا عند معناها اللغوي لوجدنا مصطلح المدرسة" في عرفهم مشتق من الفعل‬
‫حفظه‬
‫اءتَه َلي َ‬ ‫الثالثي َد َر َس‪ ،‬ودرس الشيء يعني َّ‬
‫كرَر قر َ‬
‫ود َرس الكتاب يعني ّ‬ ‫جزأهُ‪َ ،‬‬
‫ويقال درس‬ ‫جز الدرس َلي ْس ُهل تعّل ُمه على أجزاء‪ُ ،‬‬ ‫ويفهمه‪ ،‬ودرس الدرس يعني ّأ‬ ‫َ‬
‫مدرسة فالن يعني ذلك ّأنه على رأيه ومذهبه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فالن من‬
‫ويقال ٌ‬ ‫ط َحَن ُه‪ُ ،‬‬
‫القمح أي َ‬
‫َ‬
‫أسسها‬
‫مفهوم المدرسة اصطالحاً هي مكان التّعليم والتّدريس‪ ،‬فالمدرسة مؤسس ٌة ّ‬
‫بية وتعليم من يشترك فيها‪ ،2‬مؤسسة نظامية وجدت للعمل‬ ‫بهدف تر ِ‬
‫ِ‬ ‫المجتمع‬ ‫وأنشأَها‬
‫ُ‬
‫معي ٍن من البرامج والمناهج المحددة‪.‬‬ ‫على تربية األفراد وإعدادهم في ٍ‬
‫إطار ّ‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دط‪.‬بيروت‪ :‬دت‪،‬دار صادر مادة (د‪.‬ر‪.‬س)‬


‫‪2‬‬
‫تاريخ اإلطالع‪...2020/09/04:‬مفهوم_المدرسة_لغة‪mawdoo3.com/‬‬

‫‪6‬‬
‫تحرص على توجيه العملية التعليمية التوجيه الصحيح وهذا أساس قوتها‪ ،‬فهي لم‬
‫أن دورها األساسي في المحافظة على تراث المجتمع‬ ‫تعد كما كان معروفاً سابقاً ّ‬
‫الثقافي وقيمه‪ ،‬ونقله من ٍ‬
‫جيل إلى آخر‪ ،‬وتعليم الطالب القراءة والكتابة بالطرق‬
‫القديمة كالتلقين‪ ،‬بل تطورت وأصبحت المدرسة هي المكان التربوي الذي يهتم‬
‫بتربية الطفل تربي ًة سليم ًة من الناحية الجسمية والعقلية‪ ،‬والعاطفية‪ ،‬بهدف تكوين‬
‫الشخصية المتزنة والمتوازنة‪ .‬مؤسسة رسمية‪ ،‬تم إنشاؤها لحاجة المجتمع لها‪ ،‬وذلك‬
‫بتكوين العالقات االجتماعية داخلها‪ ،‬للقيام بالوظائف التربوية المحددة لها‪ ،‬والتي‬
‫تهدف إلى تنشئة الطالب من جميع الجوانب الضرورية‪ ،‬وذلك من أجل المحافظة‬
‫جديد للتعّلم وإكمال‬
‫ٌ‬ ‫كل عا ٍم دراسي يدخل فوٌج‬ ‫على المجتمع وبقائه ففي بداية ّ‬
‫ّ‬
‫ض‬ ‫نه ُ‬ ‫ٍ‬
‫األساسية في المجتمع لخلق أجيال تَ َ‬ ‫ّ‬ ‫عليمية‪ ،‬وبذلك فهي اللبنة‬
‫المسيرة الت ّ‬
‫مفهوم‬ ‫نجح‬ ‫ي‬ ‫حتى‬ ‫المدرسة‬ ‫عناصر‬ ‫ة‪.‬‬
‫ر‬ ‫الحضا‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫التطو‬
‫و‬ ‫العلم‬ ‫ب‬ ‫باألمة وتو ِ‬
‫اك‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫المعلِمين‪،‬‬ ‫ف المدرس ُة من‬ ‫ِ‬
‫المدرسة َي ِج ُب أن تحتوي على‬
‫ّ‬ ‫أساسية‪ ،‬وتتأّل ُ‬
‫ّ‬ ‫عناصر‬
‫َ‬
‫الدراسة ‪ ،‬وفي المدارس أيضاً تختلف‬ ‫ِ‬
‫المدرسية‪ ،‬وأدوات ّ‬
‫ّ‬ ‫طالب‪ ،‬والكتب‪ ،‬والغرف‬ ‫وال ّ‬
‫الدراسة بالمرحلة االبتدائية عندما‬ ‫تبدأُ ّ‬ ‫ِ‬
‫األعمار؛ حيث َ‬ ‫ختَلف‬
‫الدارسية على ُم َ‬
‫ّ‬ ‫المراحل‬
‫مرحَل ِة المراهقة‬
‫اإلعدادية وهي َ‬‫ّ‬ ‫ثم المرحلة‬ ‫الطالب في مرحلة الطفولة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ُ‬ ‫يكو ُن‬
‫وبمستوى أعلى من المرحلة‬ ‫ً‬ ‫ختلَِف ٍة‬ ‫ٍ‬
‫معلومات ُم َ‬ ‫ِ‬
‫باستقبال‬ ‫طالِ ِب‬ ‫حيث يبدأُ ُ‬
‫عقل ال ّ‬
‫الشباب وهي آخر المراحل‬ ‫البلوغ‪ ،‬و ّ‬ ‫الثانوية وهي مرحلة ُ‬‫ّ‬ ‫ثم المرحلة‬ ‫االبتدائية‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬
‫مسيرِت ِه‬
‫َ‬ ‫التعليمية أو‬
‫ّ‬ ‫مسيرِت ِه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إلكمال‬ ‫إما‬
‫الطالب ّ‬
‫ُ‬ ‫يتوج ُه‬
‫الثانوية ّ‬
‫ّ‬ ‫الدارسية‪ ،‬فبعد انتهاء‬
‫ّ‬
‫احل ُع ُم ِِره األولى‪.‬‬ ‫سان مر َ‬ ‫مكان يقضي فيه اإلن ُ‬ ‫الحياتية‪ ،‬فالمدرس ُة ٌ‬
‫ّ‬

‫يتميز المدرسون ٍ‬
‫بقدر من الثقافة والعلم والمقومات األكاديمية‪ ،‬وهم الذين يقومون‬
‫بعملية التعليم‪ ،‬أما الفئة الثانية وهم التالميذ الذين يتلّقون التعليم‪ ،‬وهذه الفئة تخضع‬
‫للعديد من االختبارات‪ ،‬أما ما تبقى من أفراد في هذه المؤسسة كاإلداريين وغيرهم‪،‬‬
‫فهم في مقام الوسائل المساعدة على عملية التنظيم‪ ،‬وتسهيل العملية التعليمية‪ .‬يقوم‬
‫عمل المدرسة عن طريق التفاعل االجتماعي‪ ،‬وذلك بالتمركز حول العملية‬

‫‪7‬‬
‫التعليمية‪ ،‬وضرورة إلزام الطالب بالتقيد بما جاءت به المناهج الدراسية من تطبيق‬
‫مجموعة من الحقائق والمهارات والقيم األخالقية‪ .‬تعتبر المدرسة النقطة المركزية‬
‫للعالقات االجتماعية العديدة المتفاعلة بعضها مع بعض كالتالميذ والمدرسين‬
‫والمجتمع الذي يعيشون فيه‪ .‬يسود في المدرسة شعور بالفخر واالنتماء تجاه هذه‬
‫المؤسسة التعليمية‪ ،‬وأن الفترة التي يقضونها في المدرسة هي أهم فترات حياتهم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل واضح في المباريات التنافسية‪ .‬تنتشر في المدرسة ثقاف ٌة‬ ‫ويظهر هذا الشعور‬

‫معينة تمثل جانباً أساسياً من أخالق الطلبة والمدرسين وسلوكهم‪ ،‬ويكون لها ٌ‬
‫دور‬
‫إن وظيفة المدرسة ال‬
‫بارز في تقوية العالقات والروابط فيما بينهم‪ .‬وظائف المدرسة ّ‬
‫ٌ‬
‫تقتصر على تعليم الطلبة بعضاً من العلوم والمعارف العلمية‪ ،‬بل تتعدى وظيفتها‬
‫إلى أكثر من ذلك منها‪ ،‬النقل الثقافي‪ ،‬حيث تعمل المدرسة على نقل التراث الثقافي‬
‫ِ‬
‫تنقيحه وتطهي ِره من الخرافات‬ ‫وميسر بعد‬ ‫بأسلوب ٍ‬
‫سهل‬ ‫ٍ‬ ‫الموروث إلى الجيل الجديد‬
‫ّ‬
‫أن المجتمع يحتوي على العديد من‬ ‫التي كانت عالق ًة به‪ .‬التكامل االجتماعي‪ ،‬ذلك ّ‬
‫الجماعات المختلفة‪.‬‬

‫دور المدرسة‪:‬‬

‫‪ -‬يأتي دور المدرسة‪ ،‬إلزالة التناقضات التي قد توجد بين هذه الجماعات‪ ،‬وتحقق‬
‫التكامل فيما بينها‪.‬‬

‫النمو الشخصي لطالب المدرسة فهي تعمل على رعايته داخل حدودها‬ ‫‪-‬‬
‫وخارجها‪ ،‬وذلك بتكوين شخصيته القوية المتماسكة‪.‬‬

‫‪ -‬تنمية أنماط سلوكية واجتماعية جديدة لدى الفرد‪ ،‬والعمل على تنميتها على‬
‫ٍ‬
‫أسس علمية ومعرفية‪ ،‬ليستطيع الطالب أن يتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪ -‬تنمية القدرات اإلبداعية‪ ،‬فالمدرسة تعمل على تنمية القدرات العلمية‪ ،‬وترعى‬
‫األفكار اإلبداعية‪ ،‬وتنمي لدى الطالب الفضول المعرفي الذي يدفعه للنجاح‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬توفير المناخ المناسب الذي يشجع الطالب على ممارسة حقه الديمقراطي‪،‬‬
‫ِ‬
‫المدرسة وخارجها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعالقته اإلنسانية في‬

‫‪ -‬تلتفت المدرسة إلى الصحة النفسية للطلبة تُعد فتحرص على البناء التربوي‬
‫قدمه من‬‫واالجتماعي السليم لألبناء‪ ،‬والذي يحتل المرتبة الثانية بعد األسرة‪ ،‬لما تُ ّ‬
‫بيئة تساهم في دعم الصحة النفسية واالجتماعية للطالب‪ ،‬فهي لها أهمي ٌة كبيرةٌ في‬
‫أن دور األسرة هذه األيام لم يعد كما كان سابقاً‪ ،‬نظ اًر‬ ‫ِ‬
‫توفير الرعاية لهم‪ ،‬خاص ًة ّ‬
‫وعظم المسؤوليات التي يتوالها المربون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوقت‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫االنشغال باألعمال‪ ،‬وضيق‬ ‫لكثرة‬
‫وينمي من قدرته على حل المشكالت‬ ‫كل ذلك يعمل على صقل شخصية الطالب‪ُ ،‬‬
‫التي تواجهه‪ ،‬وتحمل المسؤولية التي تقع على عاتقه‪ ،‬فالمدرسة يأتي دورها ُمكمالً‬
‫لدور البيئة األولى للطالب وهي األسرة‪ ،‬فهي تهدف لتربية ٍ‬
‫جيل ٍ‬
‫قوي سليمٍ‪ ،‬تعلم‬
‫كيف يسعى للنجاح‪ ،‬وكيف يقابل الفشل الذي يعترض طريقه‪ ،‬وكيفية التوافق‬
‫ٍ‬
‫وتفاؤل وحماس‪.‬‬ ‫النفسي مع الظروف‪ ،‬فيقبل على الحياة بكل ٍ‬
‫أمل‬ ‫ُ‬

‫لكن يتوسع مصطلح مدرسة إلى معان أخرى كلية أو لنقل مجازية كقولنا ( علمتني‬
‫مدرسة الحياة) ( كل من نتعلم منه فهو مدرسة) مثل مواقف بعض من نتعامل‬
‫معهم في قضايا حياتية مختلفة ( األم مدرسة) ليس بالضرورة أن تكون معلمة في‬
‫المدرسة أو أوتيت حظا من العلم ولو قليال‪.‬‬

‫أما في ميدان الدرس اللغوي فالمراد بالمدرسة هي مجموعة من المفكرين أتباع لفكر‬
‫معين قد يصطلح عليهم تراثيا بالمريدين وهم مجموعة من الدارسين يتبعون عالما‬
‫في فكره وتوجهاته ومجال تخصصه‪ ،‬كقولنا المدرسة السوسيرية نسبة ألتباع دي‬
‫سوسير في الدرس اللساني‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬النظرية‪:‬‬

‫ال شك أن أي مدرسة علمية إال ويصدر من رجاالتها مجموعة من النظريات تميز‬


‫فكر أصحابها وتحدد معالم هذه المدرسة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ظ َر‪،‬‬
‫الثالثية َن َ‬
‫ّ‬ ‫الكلمة‬ ‫من‬ ‫ة‬‫مشتق‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫لغ‬ ‫فهي‬ ‫‪،‬‬ ‫وعليه يجدر بنا تعريف النظرّية‬
‫أما اصطالحاً‪ :‬فتُعرف بقواعد ومبادئ‬ ‫التأمل أثناء التفكير بشيء ما‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ومعناها‬
‫لوصف شيء ما‪ ،‬سواء أكان علمياً‪ ،‬أم فلسفياً‪ ،‬أم معرفياً‪ ،‬أم أدبياً‪ ،‬وقد‬‫ِ‬ ‫ستخدم‬ ‫تُ‬
‫ُ‬
‫بناء فكر جديد‪ ،‬ومن التعريفات‬ ‫تثبت هذه النظرية حقيقة معينة‪ ،‬أو تسهم في ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ومنطقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عقالنية‬
‫ّ‬ ‫االصطالحية األخرى للنظرّية‪ :‬هي دراسة لموضوع معين دراسة‬
‫ّ‬
‫هم في تعزيز الفكرة‬ ‫الخالصات والنتائج التي تس ُ‬ ‫ُ‬ ‫استنتاج مجموعة من‬
‫ِ‬ ‫من أجل‬
‫ئيسية التي تُبنى عليها النظرّية‪ .‬تاريخ مفهوم النظرّية استُ ْخ ِد َم مفهوم النظرّية للمرة‬
‫الر ّ‬
‫تخالف‬
‫ُ‬ ‫المصطلحات‪ ،‬والمفاهيم التي‬ ‫اليونانية لإلشارة إلى ُ‬
‫ّ‬ ‫األولى في الفلسفة‬
‫اعتمد على‬
‫َ‬ ‫أول َم ْن‬
‫اليوناني أرسطو َ‬ ‫اقعية‪ ،‬واعتُبر الفيلسوف‬
‫العملية الو ّ‬
‫ّ‬ ‫التطبيقات‬
‫ّ‬
‫ثم أصبح‬‫فعلياً والنظريات الفكرّية‪ّ ،‬‬
‫المطبقة ّ‬ ‫تطبيق فكرة النظرّية للتفريق بين الحقائق ُ‬
‫ِ‬
‫العديد ِمن المجاالت‬ ‫ستخدم في‬ ‫المعرفية التي تُ‬ ‫المصطلحات‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫مصطلح النظرّية من ُ‬
‫العلمية أم غيرها‪ .‬في القرن السادس عشر للميالد أصبح مفهوم‬
‫ّ‬ ‫الفلسفية‪ ،‬أم‬
‫ّ‬ ‫سواء‬
‫اعتمدت على‬ ‫ِ‬
‫للداللة على العديد من أنواع الدراسات التي‬ ‫النظرّية أكثر استخداماً‬
‫ْ‬
‫مصادر ومراجع موثوقة‪ ،‬وقابلة للتحليل والتفسير‪ ،‬والتي ِمن الممكن تطبيقها ضمن‬
‫تحقيق إضافة متطورة إلى مجموعة من‬ ‫ِ‬ ‫وساهمت في‬
‫ْ‬ ‫المجال الخاص بها‪،‬‬
‫اإلنسانية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أصبحت النظرّيات ُجزءاً مهماً من الدراسات‬
‫ْ‬ ‫اسية‪ ،‬وهكذا‬
‫المجاالت الدر ّ‬
‫الفلسفية‪ ،‬والتي ُد ّرست في العديد من المدارس‬
‫ّ‬ ‫األدبية‪ ،‬و‬
‫الطبية‪ ،‬و ّ‬
‫العلمية‪ ،‬و ّ‬
‫و ّ‬
‫والجامعات‪.‬‬

‫‪ 1‬للتعمق أكثر ينظر‪:‬‬


‫أحمد مختار عمر‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫النظريات‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أنواع‬

‫حرص‬
‫َ‬ ‫تبطت ِب َمفهو ِم النظرّية؛ إذ‬
‫الفلسفية وهي أول وأقدم النظرّيات التي ار ْ‬
‫ّ‬ ‫النظرّية‬
‫بط كافة الموضوعات‪ ،‬والدراسات‪ ،‬واألفكار‬ ‫الفالسفة في العصر اليوناني على ر ِ‬
‫ّ‬
‫الفلسفية‪ ،‬وتُحولها‬
‫ّ‬ ‫قدم الدعم آلرائهم‬‫التي صاغوها بمجموعة من النظريات التي تُ ُ‬
‫تعتمد على‬
‫ُ‬ ‫اقعية‪ ،‬وهكذا أصبحت أغلب الدراسات في مجال الفلسفة‬ ‫إلى حقائق و ّ‬
‫اهتم العديد من الفالسفة‬
‫مجموعة من النظرّيات‪ ،‬مثل‪ :‬نظرّية نشأة األرض التي ّ‬
‫وتعتبر‬ ‫أغلب مجاالت العلوم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تستخدم في‬ ‫العلمية وهي التي‬
‫ّ‬ ‫بدراستها‪ .‬النظريات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫كونات الطبيعة‬‫مت بدراسة ُم ّ‬‫نظرّية علم الطبيعة ِمن أول النظرّيات العلمية التي اهت ْ‬
‫المحتوية على أبحاث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلمية ُ‬
‫ّ‬ ‫المالحظات‪ ،‬والدراسات‬ ‫باالعتماد على مجموعة من ُ‬
‫العلمية في العديد من أنواع‬
‫ّ‬ ‫ظهور مجموعة ِمن النظرّيات‬‫ِ‬ ‫واكتشافات ّأدت إلى‬
‫اض وطرق عالجها‪.‬‬ ‫الطبية التي تهتم بالبحث في األمر ِ‬ ‫ّ‬ ‫العلوم‪ ،‬مثل‪ :‬النظريات‬
‫ُ‬
‫ظهر من ُذ عصر‬‫السياسي الذي َ‬ ‫اعتمدت على الفكر‬
‫ْ‬ ‫السياسية وهي التي‬
‫ّ‬ ‫النظريات‬
‫ّ‬
‫تطورها حتى‬
‫الميالدي‪ ،‬واستمر ّ‬
‫ّ‬ ‫وتطورت في القرن التاسع عشر‬‫ّ‬ ‫الفلسفية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النظرّيات‬
‫السياسية على اآلراء واألفكار التي‬
‫ّ‬ ‫وتعتمد النظرّيات‬
‫ُ‬ ‫نهاية القرن العشرين للميالد‪،‬‬
‫ِ‬
‫تأسيس‬ ‫أصبحت مع الوقت حقائق ّأدت إلى‬
‫ْ‬ ‫السياسيين‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫أطلقها عدد من الفالسفة و‬
‫مجموعة من المدارس الفكرية السياسية‪ ،‬والتي أثرت في ِ‬
‫كافة دول العالم تقريباً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أسمالية‬
‫اكية‪ ،‬واألفكار الر ّ‬ ‫السياسية‪ :‬األفكار االشتر ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن األمثلة على النظريات‬
‫سياسية‪.‬‬ ‫احتوت على نظرّيات‬ ‫ِ‬
‫المجاالت الفكرّية التي‬ ‫بصفتهما من أشهر‬
‫ّ‬ ‫ْ‬

‫يتصوره‬
‫ّ‬ ‫العلمية هي الهيكل الفكر ّي المنتظم ّ‬
‫للنطاق الواسع‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫النظرّية‬
‫ومنه ف ّ‬
‫الخيال البشر ّي‪ ،‬ويشمل مجموعة من القوانين التّجر ّ‬
‫يبية التي تتعّلق باالنتظام‬
‫فالنظرية العلمية‬
‫تمت مالحظتها وافتراضها؛ ّ‬
‫الموجود في األشياء واألحداث‪ ،‬التي ّ‬
‫النظم‬
‫هي البنية التي يتم اقتراحها من قبل هذه القوانين‪ ،‬وهي موضوعة لشرح هذه ّ‬

‫‪11‬‬
‫تفسر فيها‬
‫النظرية الطريقة التي ّ‬
‫وعلمياً تعني كلمة ّ‬
‫ّ‬ ‫وعلمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عقالنية‬
‫ّ‬ ‫بطريقة‬
‫الحقائق‪.‬‬

‫طبيعة‪ ،‬تدعمها الحقائق‬


‫النظرّية إلى شرح شامل وتفسير لميزة هامة في ال ّ‬
‫وتشير ّ‬
‫النظريات للعلماء فرصة التنبؤ بالظواهر‬
‫التي تم جمعها مع مرور الوقت‪ ،‬وتتيح ّ‬
‫األخرى غير الملحوظة بعد‪.‬‬

‫آلية توظيف النظرية العلمية‪:‬‬

‫*المالحظة ‪.‬‬

‫* الفرضية‪.‬‬

‫* التّجربة‪.‬‬

‫* تقارير القياس( القانون)‪ :‬وإذا كانت تقارير القياس دقيقة‪ ،‬فيمكن اعتبارها كقوانين‬
‫المستمرة بين األشياء أو الخصائص المالحظة‪ ،‬ويمكن‬
‫ّ‬ ‫تعبر عن العالقات‬
‫تجريبية ّ‬
‫علمية لطرح تفسير مقنع لسبب حصول‬
‫ّ‬ ‫منهجية أو نظرّية‬
‫ّ‬ ‫للعالم أن يقدم خطة‬
‫بعض القوانين‪ ،‬خاص ًة عندما تكشف هذه القوانين التجريبية عن النظام الحاصل في‬
‫سلوك األشياء أو األحداث‪.‬‬

‫العلمية كفرضية‪ ،‬وتكون هذه الفرضية العلمية الحل المقترح لحدوث‬‫ّ‬ ‫تبدأ النظرّية‬
‫فالفرضية‬
‫ّ‬ ‫حاالت غير مفسرة تتنافى وتتعارض مع النظرية العلمية المقبولة حالياً‪،‬‬
‫الفرضية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العملية هي الفكرة التي لم تثبت بعد‪ ،‬وفي حال وجود أدّلة كافية لدعم‬
‫فإنها تنتقل إلى المرحلة اآلتية المعروفة باسم نظرية‪ ،‬وتصبح بذلك التفسير المقبول‬
‫ّ‬
‫لظاهرة ما‪ ،‬والعامل في ارتقائهل لمصاف النظرية هي التجربة‪ .‬وعليه ال يمكن‬
‫تفسر فيها هذه النظريات‬
‫للحقائق أن تتغير ولكن يمكن للنظريات أو الطريقة التي ّ‬
‫أن تتغير‪ ،‬ألن الحقيقة العلمية ثابتة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أما في جانب الدرس اللساني فإن النظرية تحدد معالم فكرة لغوية ( ‪ -‬أصولها ‪-‬‬
‫قواعدها – أهدافها‪ -‬مجال تطبيقها‪ )...‬وعادة ما تنسب النظرية إلى أصول المدرسة‬
‫التي أنتجتها كالنظرية الخليلية مثال‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المحاضرة الثانية‬

‫لسانيات دي سوسير‬

‫لم يكن الحديث عن الّلغة حديث العهد‪ ،‬بل بدأ عندما بدأ اإلنسان يعي‬
‫أهَلها لتكون‬
‫نفسه‪ ،‬ويفهم العالم من حوله حينئذ وجد الّلغة مالزمة له‪ ،‬ولعل هذا ما َّ‬
‫العلمية‪ 1‬لها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسة‬
‫تأمالته وتخميناته لتقوده تساؤالته في األخير إلى ّ‬
‫موضوع ّ‬
‫بأي حال‬
‫أسسه وسعى في تطويره علماء ال يمكن ّ‬ ‫مستقل هو الّلسانيات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ضمن علم‬
‫بالدراسة‪،‬‬
‫علمية عند تناولهم الّلغة ّ‬
‫قدموه للبشرّية من فتوحات ّ‬
‫من األحوال تجاوز ما ّ‬
‫ومن هؤالء‪:‬‬

‫يسجل تاريخ‬
‫ّ‬ ‫(فردناند دو سوسير ‪:)Ferdinand de Saussure‬‬
‫النظر المتباينة‬
‫البحث الّلساني الحديث صفحات من ذهب ‪ -‬وبعيدا عن وجهات ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫السويسري‬
‫ّ‬ ‫العالم‬ ‫به‬ ‫قام‬ ‫ذي‬‫ل‬‫ّ‬‫ا‬ ‫الجليل‬ ‫العمل‬ ‫فيها‬ ‫يذكر‬ ‫‪-‬‬ ‫العلم‬ ‫هذا‬ ‫ظهور‬ ‫لزمن‬
‫(فردناند دو سوسير ‪ )Ferdinand de Saussure‬وبشهادة أحد أقطاب هذا العلم‬
‫شكلت في تاريخ علمنا واحدة‬
‫أن سنوات ‪ 1916-1876‬قد ّ‬
‫بالقول‪ " :‬من المحتمل ّ‬
‫أهمية اكتشاف‬
‫ّ‬ ‫حول كما يسميها (ويتني ‪ ،)Whitney‬قد تضاهي‬ ‫من نقاط التّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫النور‬
‫ّ‬ ‫أت‬
‫ر‬ ‫تي‬ ‫ل‬
‫ّ‬‫ا‬ ‫ة‬‫ذ‬‫ّ‬ ‫الف‬ ‫سوسير)‬ ‫(دو‬ ‫أفكار‬ ‫إلى‬ ‫ة‬
‫ر‬ ‫إشا‬ ‫ذلك‬ ‫بعض‬ ‫وفي‬ ‫يتية "‬
‫السنسكر ّ‬
‫سانيات العامة ( ‪Cours de linguistique‬‬
‫بعد نشر كتابه محاضرات في الّل ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Emile Benveniste, Problèmes de linguistique générale, s éd. Paris : 1974,‬‬
‫‪Gallimard, T2 P 29.‬‬
‫السالم املسدي‪،‬اللّسانيات وأسسها املعرفيّة‪ ،‬د ط‪ .‬تونس‪1986 :‬م‪ ،‬ال ّدار التّونسيّة للنّشر‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ -‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬
‫‪- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, 17eme éd. Paris : 1971, Seghers, P 19.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Georges Mounin, Histoire de la linguistique des origines aux XX eme siècle, s.éd.‬‬
‫‪Paris: 1985, P.V.F, P 225.‬‬
‫‪14‬‬
‫غير بها مجرى األفالك في علم الّلسانيات‪ ،‬بداية بـ " ضرورة‬
‫‪ ) générale‬واّلتي ّ‬
‫‪1‬‬
‫دراسة الّلغة لذاتها‪ ،‬والحال ولحد اآلن تم تناولها تبعا ألشياء ووجهات نظر أخرى"‬
‫بذلك يكون قد قاد هذا العلم إلى االستقاللية ‪*2‬عن العلوم األخرى‪ .‬واستوجبت‬
‫‪3‬‬
‫الزمن عامال‬
‫متميزه‪ ،‬فجعل من ّ‬
‫ّ‬ ‫منهجية‬
‫ّ‬ ‫استقاللية هذا العلم قيامه على أصول‬
‫ّ‬
‫الزمن الحقيقة‬
‫فـ" خارج ّ‬ ‫غوية‪ ،‬بل أبعد من ذلك‬
‫ظاهرة الّل ّ‬‫ومهما في ال ّ‬
‫ّ‬ ‫رئيسا‬
‫‪4‬‬
‫تتجسد فيه‬
‫ّ‬ ‫د‪،‬‬ ‫محد‬
‫ّ‬ ‫زمن‬ ‫في‬ ‫ال‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫سانية غير كاملة‪ ،‬و ّأية نتيجة غير ممكنة "‬
‫الّل ّ‬
‫جتماعية تحتضن الّلغة‬
‫ّ‬ ‫الدوال ومدلوالتها ضمن مجموعة ا‬ ‫افقية بين ّ‬‫العالقات التّو ّ‬
‫أكده حين قال‪" :‬يجب وجود جماهير متكّلمة ( ‪Une‬‬
‫وتضمن وجودها‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫‪5‬‬
‫طابع االجتماعي لّلغة‪ ،‬وإشارة‬
‫‪ )masse parlante‬لتوجد الّلغة" وهذا تأكيد على ال ّ‬
‫اصلية‪.‬‬
‫إلى وظيفتها التّو ّ‬

‫الباحثين في هذا الميدان‪ ،‬جعل البعض يصفه‬‫العلمي درب ّ‬ ‫أنار هذا الفتح‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية قاطبة‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫ّ‬ ‫بالثّورة الكوبرنيكية‪ 6‬في الّلسانيات‪ ،‬بل في العلوم‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, édition critique préparé‬‬
‫‪par:‬‬
‫‪T. De Mouro. Paris: 1979. Payot, P 34.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬للتّعمق أكثر ينظر‪:‬‬
‫‪- Tsutumu Akamatsu et al, The linguistics encyclopedia, 2nd éd. New York: 2004‬‬
‫‪Routledge.‬‬
‫‪ -3‬أمحد مومن‪،‬اللّسانيات النّشأة والتّطور‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ferdinand de Saussure, Op Cit, p 113.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, P112.‬‬
‫‪ -6‬للتعمق ينظر‪:‬‬
‫‪- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, P 25.‬‬
‫الراجحي وسامي عياد حنا‪ ،‬مبادئ علم اللّسانيات احلديث‪ ،‬د ط‪ .‬القاهرة‪2003 :‬م ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعيّة ص ‪.45‬‬
‫‪ -‬شرف ال ّدين ّ‬
‫‪15‬‬
‫أغلبيتهم إليه ينسبون مصطلح التّواصل (‪ )Communication‬في حيـن "سوسير لم‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الكالم اّلتي‪ ،‬أقامها على‬
‫بأية إحالة إلى التّواصل" الّلهم ما أشار إليه في دورة ّ‬
‫يقم ّ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫الية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الت‬
‫ّ‬ ‫رسيمة‬‫الت‬
‫ّ‬ ‫حسب‬ ‫وب)‬ ‫(أ‬ ‫بين‬ ‫أساس تبادل العالمة‬

‫سمع‬ ‫نطق‬

‫م = المفهوم‬
‫صم‬ ‫صم‬
‫ص = الصورة السمعية‬

‫نطق‬ ‫سمع‬
‫‪ -‬أ ‪-‬‬ ‫‪ -‬ب ‪-‬‬

‫شكل يمثل دورة الكالم عند دو سوسير‬

‫الكالم عند‬
‫المجسدة لدورة ّ‬
‫ّ‬ ‫يتبين من التّعليقات اّلتي صاحبت هذه التّرسيمة‬
‫ّ‬
‫(دو سوسير) مايلي‪:‬‬

‫‪ -‬سلطة مركزّية تنتج المفهوم وتهتدي إليه‪ ،‬ال يمكن أن تكون إال دماغا‪ ،‬أو ما‬
‫ويؤدي دوره‪.‬‬
‫يقوم مقامه‪ّ ،‬‬

‫يتزيا المفهوم بز ّي جديد‪ ،‬يمكن له االنتقال من فم (أ) إلى أذن (ب)‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Christian Bachmann, et autres, Langage et communications sociales, s éd. Paris :‬‬
‫‪1991 Hatier/Didier, P 17.‬‬
‫‪ - 2‬للتّعمق أكثر ينظر‪:‬‬
‫‪-Jeans Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique, s éd. Paris: 2002, Larousse.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ferdinand de Saussure, OP Cit, P 28.‬‬
‫‪16‬‬
‫السلطة المركزّية لـ (ب) من االهتداء‬
‫تمكن ّ‬‫‪ -‬يرسو المفهوم بزّيه الجديد على صورة ّ‬
‫السلطة المركزّية لـ (أ)‪.‬‬
‫إلى المفهوم اّلذي أنتجته ّ‬

‫عكسية لّلتي وصل‬


‫ّ‬ ‫يتخذ هذا األخير صورة‬
‫‪ -‬إذا أراد (ب) أن ينقل مفهوما إلى (أ) ّ‬
‫بها‪ ،‬والمسار نفسه يسلكه لكن باتجاه معاكس‪ ،‬وهذا ما ينقل بصدق طبيعة العالمة‬
‫إن العالمة إذا‬
‫الدال؛ أي ّ‬
‫سمعية = المدلول ‪ّ +‬‬
‫ّ‬ ‫عند (دو سوسير) مفهوم ‪ +‬صورة‬
‫فإنها تتمظهر بصورة المدلول عند (ب) وهكذا‪.‬‬
‫الدال عند (أ) ّ‬
‫تمظهرت في صورة ّ‬
‫أن التّواصل ال يتحّقق بين (أ) و(ب) إالّ إذا كانت األعضاء المسهمة في‬
‫ويتأكد ّ‬
‫ّ‬
‫إنجازه سليمة‪ ،‬وحتى وإن كانت كذلك فالتّواصل ال يكون كوجود عيني إالّ إذا َّ‬
‫توفرت‬
‫تحركه‬
‫(الدماغ) وجود وظيفي ّ‬
‫السلطة المركزّية ّ‬
‫أن وجود ّ‬
‫يؤكد ّ‬
‫القصدية له‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ّ‬
‫قوى ّ‬
‫نفسية عديدة‪.‬‬

‫ومن الشكل الذي أتى به سوسير يمكن أن نستلهم مفاهيم ذات صلة باللغة‪:‬‬

‫* اللغة (‪ )la langue‬خاصية بشرية‪ ،‬وملكة إنسانية تتجسد في تلك القدرات التي‬
‫حبا بها هللا اإلنسان دون سواه من الكائنات‪ ،‬يهتدي إلى توظيفها كلما دعت الحاجة‬
‫إلى ذلك وفق نظام عام أماله المجتمع‪ ،‬وهي بذلك مجموعة من التواضعات التي‬
‫اطمأن إليها مجتمع ما ليحقق بها التواصل بين أفراده‪ ،‬وهذا ما يجعل منها نظاما‬
‫مضبوطا مشتركا‪ ،‬تحققه اليقوم دون تعاون أجزائه المكونة له‪.‬‬

‫*الكالم (‪ )La parole‬هو األداء الفعلي للغة في الواقع ويقابله مصطلح اإلنجاز‬
‫يقوم به كل فرد من مجتمع معين؛ أي هو نشاط فردي ينزل باللغة منزلة التطبيق‬
‫والتوظيف واالستعمال الملموس لها‪ ،‬وهو بذلك ما ينطقه الفرد من وحدات لغوية‬
‫باختالف أنواعها ومستوياتها تشترك كلها في كون مصدرها واحد هو المجتمع الذي‬
‫‪17‬‬
‫يعيش فيه هذا الفرد ويتقن لغته‪ ،‬والكالم بهذا يتزيا بزي شخصي وفق ما ينتجه‬
‫المجتمع لتتعين خصوصية التأدية اللغوية والممارسة الفعلية للغة عند كل فرد من‬
‫هذا المجتمع‪.‬‬

‫* اللسان (‪ ) le langage‬هو اجتماع اللغة والكالم؛ وهو بذلك ما أستودع في‬


‫أدمغة األشخاص الذين ينتمون إلى مجتمع واحد‪ ،‬يميز لغتهم وتأديتهم لها عن‬
‫لغات المجتمعات األخرى‪ ،‬وهذا ما يجعل منه نظاما عاما يقنن العالقة بين المعاني‬
‫المستهدفة والمقاطع الصوتية المعبرة عن هذه المعاني‪.‬‬

‫* عندما تمارس اللغة ممارسة فعلية نلمح فيها مايلي‪:‬‬

‫‪ -1‬جزء يتم في الذهن(الدماغ) باعتباره مركز دورة الكالم‪ ،‬حيث ترتبط وتتطابق‬
‫عملية نفسية‪.‬‬ ‫الصورة الذهنية (الفكرة ) بالصورة السمعية‬

‫‪ -2‬جزء يتم خارج مجال جسم اإلنسان‪ ،‬وتقوم به الموجات الصوتية الموجودة في‬
‫عملية فيزيائية‪.‬‬ ‫الهواء عندما تنقل األصوات من المتكلم إلى السامع‬

‫‪ -3‬ال يمكن لـ (‪ )1‬أن يتحقق وال لـ (‪ )2‬أن يتجسد إذا كانت األعضاء المنتجة‬
‫للصوت أو الناقلة له غير موجودة أو معطلة والمتمثلة في الرئتين والحنجرة واللسان‬
‫عملية عضوية‪.‬‬ ‫والشفتين وغيرها‬

‫‪ -4‬تنتصب قدرة تنسيقية عندما يقوم المتواصل بتنظيم اللغة من حيث هي نظام‬
‫باعتبار وحداتها ليست عناصر منعزلة‪ ،‬بهدف تحقيق النجاعة التواصلية وفق‬
‫النظام العام الذي يحكم لغة المجتمع الذي ينتمي إليه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫هذا التفرع الذي تنشطر إليه طبيعة مكونات اللغة يجعل منها شيئا معقدا‬
‫ليس من اليسير اإلهتداء إلى حقيقته‪ ،‬لذا إخضاعه للدراسة العلمية أضحى ضرورة‪،‬‬
‫والسيما أن اللغة عنده شبكة واسعة من التراكيب تنتضد فيها العالمات اللغوية وفق‬
‫نظام عام قائم بذاته وهذا ما يشير إلى أن كل عنصر لغوي في الممارسة اللغوية ال‬
‫يكتسب قيمته إال من خالل عالقاته مع العناصر األخرى المستنفرة معه لتحقيق‬
‫التواصل‪ ،‬ومن خالل الوظيفة التي يؤديها في التركيب‪ ،‬فنشأ بذلك علم جديد هو‬
‫علم اللغة أو اللسانيات العامة‪.‬‬

‫ومن خالل مفاهيم المصطلحات الثالثة المذكورة أعاله (اللغة ‪ +‬اللسان‪+‬‬


‫الكالم) أخرج دي سوسير الكالم من دائرة اهتمام هذا العلم ورفض أن يكون‬
‫موضوعا تدرسه اللسانيات وما ينبغي لها؛ ألن الكالم يميزه الطابع الفردي‪ ،‬هذا ما‬
‫قد يؤهله ليكون موضوعا لعلم خاص أو عدة علوم خاصة باعتبار النوازع النفسية‬
‫والوظائف البيولوجية التي تصاحب الممارسة اللغوية لدى الفرد عند كل كالم‬
‫وبتنوعها يتنوع الكالم وال يتحدد‪ .‬فما أهل للسانيات العامة كموضوع للدراسة إال‬
‫اللغة باعتبارها نظام من العالمات يشترك فيه كل المتكلمين وهذا ما يجعل منه‬
‫نموذجا جمعيا‪ ،‬وكونه كذلك يجعل منه موضوعا محددا‪ ،‬وهذا ما يؤهله ليكون‬
‫موضوعا للسانيات العامة‪.‬‬

‫‪ -‬اللسانيات‪ :‬تعتبر اللسانيات الدراسة العلمية للغة‪ ،‬حيث يعتمد اللسانيون‬


‫على الفحص الموضوعي للغة المدروسة‪ ،‬دون ميل إلى إطالق أحكام ذاتية على‬
‫أي ظاهرة لغوية‪ ،‬كاإلعالء من شأن لغة من اللغات أو الحط من شأن أخرى‪،‬‬
‫فينتفي بذلك مبدأ التفاضل بين اللغات وهذا ما يجعل أية لغة وأية لهجة مؤهلة‬

‫‪19‬‬
‫لتدخل في دائرة اهتمام هذا العلم‪ .‬وباعتماد المالحظة يتوصل إلى القوانين المتحكمة‬
‫في األداء اللغوي الفعلي لجماعة لغوية معينة‪.‬‬
‫نتج عن اعتبار دي سوسير اللغة نظام من الدالئل يعبر بها اإلنسان عن‬
‫أفكاره مجموعة من التصورات النظرية التي تميز هذا العلم‪ ،‬حددها على شكل‬
‫ثنائيات يتعين على إثرها مجال علم اللغة‪ ،‬وأسسه النظرية‪ .‬وفي تناولها حري بنا أن‬
‫نقف عند بعض المصطلحات اللسانية التي ميزت طرح سوسير ألفكاره من بينها‪:‬‬

‫* العالمة الّلغوية (‪ :)le signe linguistique‬هي اللفظة التي تكون ذات‬


‫طبيعة مركبة تجمع بين الصورة الصوتية (أو الكتابة) وتسمى الدال(‪)Signifiant‬‬
‫وبين المحتوى الداللي لهذه األخيرة ويسمى المدلول ( ‪ )Signifié‬فالعالمة الّلغوية‬
‫في نظر دي سوسير هي ما تكونت من ّدال ومدلول أو من لفظ ومعناه‪ ،‬فمثال‬
‫كلمة "قلم" مكونة من مجموعة األصوات هي ‪ :‬قـ‪ +‬ــَ‪+‬ل‪ +‬ـ ـَـ‪+‬م‪ +‬ــُ المتآلفة فيما بينها‬
‫وبمجرد رؤية هذه الكلمة مكتوبة أو سماعها منطوقة يتسارع إلى أذهاننا مفهومها‬
‫وصورتها وحتى شكلها‪.‬درجة التطابق بين الدال والمدلول تجعل إسقاط األول وجودا‬
‫يقتضي إسقاط اآلخر حدوثا‪ ،‬ودرجة التطابق بينهما كدرجة التطابق بين وجهي‬
‫الورقة الواحدة وجود وجه من وجهيها يقتضي وجود الوجه اآلخر هذا من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى استحالة فصل وجهي الورقة عن بعضهما البعض‪ ،‬والمثال نفسه‬
‫ينطبق على وجهي القطعة النقدية‪.‬‬

‫ومن خالل عناصر العالمة اللغوية تبرز إلى الوجود الثنائية األولى وهي‬
‫الدال والمدلول‪.‬‬

‫الدال والمدلول في العالمة‬


‫* االعتباطية"‪ :"Arbitraire‬وهي طبيعة العالقة بين ّ‬
‫الدال والمدلول من العناصر األساسية في هذا العلم عند‬
‫اللغوية‪ ،‬ويعتبر كل من ّ‬
‫‪20‬‬
‫سوسير؛ إذ يرى أن هذه العالقة التي تربط بين ّ‬
‫الدال والمدلول هي عالقة اعتباطية‬
‫وتظهر هذه العالقة في أن ّداال معيناً ُيطابق مدلوال معيناً في الواقع‪ 1‬وهذا التطابق‬
‫غير محكوم بضوابط وقوانين مهما كانت عوامله وبذلك فهي عالقة غير إلتزامية‬
‫بين هذين العنصرين؛ وهنا يظهر موقفه المخالف لرأي كل من أفالطون وسقراط‪.‬‬
‫ومن هنا فإن العالقة اللغوية ال تربط شيئا باسم‪ ،‬إنما تربط متصو ار ذهنيا (مدلول)‬
‫بصورة صوتية (دال)؛ أي إن الصورة السمعية ماهي إال بصمة نفسية للصوت‬
‫وبذلك فاللغة ليست عملية تسمية للعالم بل هي عملية ترميزية له‪ ،‬ولو كان هناك‬
‫ارتباط طبيعي لما اختلفت اللغات في تسمية األشياء‪ ،‬ولكانت مثال الكلمة التي تعبر‬
‫عن القلم في العربية هي ذاتها في غيرها من اللغات وإن تعددت‪.‬‬

‫* مبدأ القيمة اللغوية (‪:)la valeur‬تكمن قيمة العالمة اللغوية(الكلمة) في ميزتها‬


‫التي تمكنها من اإلحالة إلى فكرة معينة‪.‬فقطعة نقود من‪5‬فرنكات ال يمكن تحديد‬
‫قيمتها إال من خالل معرفة أنه يمكن تبديلها بكمية محددة من شيء آخر كالخبز‬
‫مثال‪ ،‬أو مقارنتها بقيمة مماثلة لها في النظام المصرفي ذاته كقطعة فرنك واحدة أو‬
‫بقطع نقود من نظام مصرفي آخر كالدوالر مثال‪ ،‬وهذه الكلمة قابلة ألن تستبدل‬
‫بشيء مغاير(فكرة) أو مشابه(كلمة أخرى) وإمكانية استبدالها يجعل منها غير ثابتة‪،‬‬
‫وباعتبارها جزءا من نظام فهي ال تتمتع بداللة فحسب بل بقيمة أيضا‪ ،2‬والقيمة‬
‫اللغوية للدليل ليست المعنى الذي يحيل إليه الدليل ذاته فحسب باعتبار قيمة الكلمة‬
‫تكمن في تمثيل فكرة معينة‪ ،‬بل القيمة اللغوية يستمدها دليل معين من العالقات‬
‫الترابطية‪ ،‬لنقل السياقية الناتجة من ارتباط عالمة لغوية معينة من نظام لغوي معين‬

‫‪ -1‬نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬دط‪ .‬الشارقة‪ ،2008 :‬الفتح للتجليد الفين ‪ ،‬ص‪.320‬‬
‫‪ - 2‬أمحد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪21‬‬
‫بعالمات أخرى موجودة معه في تواصل معين؛ بمعنى قيمة العنصر الواحد ال‬
‫يمكن أن تتحدد بوجوده لوحده بل بتواجد قيم العناصر األخرى معه‪ ،‬فقيمة منزل‬
‫شيد بقلب العاصمة ليست هي نفسها لبيت بني في ضواحيها أو في القرى الداخلية‬
‫ولو كانا من اللبنة نفسها‪ ،‬والمساحة ذاتها والشكل الهندسي عينه ال لشيء إال ألن‬
‫األول استمد قيمته حتما الكبيرة من قيمة ما حوله من بيوت ومباني ذات صلة به‬
‫وبالمكان الذي يوجد فيه (العاصمة)‪.‬‬

‫* اللغة نظام‪:‬يعتبر هذا المفهوم ركنا مكينا في الطرح الذي تقدم به سوسير‪ ،‬فعندما‬
‫درس الدليل وخصائصه وجد أن اللغة تسير وفق نظام منظم بشكل عجيب‪ ،‬إذا‬
‫اختل جزء منه اختل النظام كله‪ ،‬وهذا ما جعله يصف اللغة بأنها على شكل لعبة‬
‫شطرنج‪ ،‬فاللعبة تحتكم على مجموعة مختلفة من العناصر (األدوات)‪ :‬البيادق‪،‬‬
‫المادة المصنوعة منها‪ :‬الخشب‪ ،‬البالستيك‪ ،‬ولكل بيدق خاصية تميزه‪ :‬الملك‪،‬‬
‫الملكة‪ ،‬الجندي‪ ،‬الحصان‪ ،‬القلعة‪...‬الخ‪ ،‬المكان األصلي لكل بيدق حسب ميزته‬
‫( على يمين الملك‪ ،‬على يساره‪ ،‬أمامه‪ ،‬قريب منه‪ ،‬بعيد عنه‪ ،‬وكذا المجال الذي‬
‫يتحرك فيه البيدق حركة ألَكل بيدق المنافس أو حركة فقط) وفي األخير وظيفة كل‬
‫بيدق من البيادق‪ .‬فقيمة البيدق ال تتحدد بنوعية المادة المصنوع منها بل بوظيفته‬
‫والمكان الذي يحتله مقارنة بمجموع البيادق الموجودة معه‪ ،‬كذلك اللغة ال تتحرك‬
‫ومحدد‪ .‬وبهذه األفكار وطريقة الطرح تم‬
‫ّ‬ ‫وجد منظم‬
‫جد دقيق ّ‬
‫عبثا‪ ،‬وإنما وفق نظام ّ‬
‫تحول فيما بعد إلى تيار علمي لساني اصطلح‬
‫الكشف عن أساس هذا البناء الذي ّ‬
‫على تسميته بالبنوية (‪.)structuralisme‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ثنائية اللغة والكالم‪ :‬في إطار تحديد مصطلح (لغة) الذي هو موضوع‬
‫علم اللغة‪ ،‬ميز سوسير بين ثالثة مصطلحات كما أسلفنا‪ ،‬والشيء المميز بين اللغة‬
‫‪22‬‬
‫"‪ "Langue‬والكالم "‪ "Parole‬كما رسمه دي سوسير ألول مرة‪ -‬يشمل عددا من‬
‫المميزات المستقلة‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت اللغة نظام من المواضعات والعالمات(قوانين) ما يميزها أنها‬


‫مشتركة‪ ،‬فإن الكالم هو تلك المنطوقات الفعلية لتلك العالمات المشتركة؛ أي‬
‫التمثيل المادي اللفظي الفردي للغة‪.‬‬
‫‪ -2‬تتميز اللغة عن الكالم بتميز ما هو موجود بالقوة في الذهن عما هو موجود‬
‫بالفعل بالممارسة‪.‬‬
‫‪ -3‬اللغة نظام اجتماعي‪ ،‬وجوهري‪ ،‬ومجرد‪ ،‬ومستقل عن الفرد‪ ،‬بعكس الكالم الذي‬
‫هو نتاج إلرادة فردية‪ ،‬وهو وصفة مادية لذكائه‪.‬‬
‫‪ -4‬تتسم اللغة(القوانين) بالثبات‪ ،‬على عكس الكالم المتسم بالتنوع الفردي بتنوع‬
‫األفراد وأمزجتهم‪.‬‬

‫وعلى أساس هذا التمييز بين طبيعة اللغة‪ ،‬والتنوع الفردي للكالم‪ ،‬رأى‬
‫سوسير أن نظام اللغة هو الموضوع الصحيح للدراسات اللغوية؛ ألنه يشتمل على‬
‫أنماط منتظمة وثابتة‪ ،‬وهي بذلك المؤهلة لالكتشاف والوصف‪ .‬كما رأى أن كل‬
‫لغة ينبغي أن تصور وتوصف على أنها نظام من العناصر المترابطة‪ ،‬على‬
‫المستويات الداللية والنحوية والصوتية‪ ،‬ال على أنه تراكم من كيانات قائمة بذاتها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العالقات التركيبية والعالقات الترابطية‪:‬‬

‫أ‪ -‬العالقات التركيبية (‪ :)relations syntagmatiques‬باعتبار الكالم سلسلة‬


‫من الوحدات المتتالية‪ ،‬فالعالقات التركيبية بين هذه الوحدات تكون في العالقة التي‬
‫تجمع الوحدة اللغوية الواحدة مع الوحدات األخرى في المتتالية نفسها‪ ،‬ويظهر في‬
‫ما تضفيه كل وحدة من معنى إضافي على الكل بعد تقابلها مع الوحدات التي‬

‫‪23‬‬
‫سبقتها أو تلتها في التركيب ذاته أو كالهما معا‪.‬كقولنا ‪ :‬فكر العالم نور؛ ففي هذه‬
‫الجملة عالقة تركيبية مركبة من ثالث وحدات لغوية هي‪:‬فكر‪+‬العالم‪+‬نور‪ ،‬وقد‬
‫تتعمق العالقة نفسها بين عناصر الوحدة اللغوية الواحدة أال وهي األصوات‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫الوحدة اللغوية‪ :‬فكر=ف‪+‬كـ‪+‬ر‪.‬وبهذا كما قال دي سوسير ‪1‬فالعالقة التركيبية هي‬
‫عالقة حضورية تجسدها عبارتان أو أكثر موجودة بالفعل في متتالية لغوية‪.‬‬

‫ب‪ -‬العالقات الترابطية (‪ :)relations paradigmatiques‬إذا كانت العالقة‬


‫التركيبية تجسد العالقة الموجودة فعال بين عناصر المتوالية اللغوية ( وهذا ما‬
‫يجعلها حضورية) فإن العالقة الترابطية تجسد العالقة الموجودة بين عالمة لغوية‬
‫في متوالية لغوية حاضرة وعالمة لغوية أخرى غائبة عن المتوالية اللغوية األولى‬
‫فحضورها غير قائم إال في ذهن مستعمل اللغة الذي به تستغل فرصة استبدال‬
‫العالمة اللغوية الحاضرة بالعالمة اللغوية الغائبة نحو‪:‬‬

‫‪ -‬فكر العالم نور‪.‬‬

‫‪ -‬قول العالم نور‪.‬‬

‫‪ -‬عمل العالم نور‪.‬‬

‫هذا على مستوى التركيب‪ .‬واإلجراء نفسه قد يتجسد كآلية على مستوى‬
‫الكلمة‪ ،‬وذلك باستبدال أحد أصواتها ليحل محله صوت آخر من وجهة نظر‬
‫استبدالية يمليها السياق وحيثياته؛ نحو‪ :‬فكر‪ ،‬فقر‪ ،‬بكر‪....‬الخ‪ .‬كما نبه دي سوسير‬
‫إلى نوع آخر من العالقات الترابطية يلخصها في الشيء المشترك الذي يجمعها‬

‫‪1‬‬
‫‪- DE Saussure, op.cit p 123.‬‬
‫‪24‬‬
‫فكرة‬ ‫كالجذر مثال أو البنية أو تشابه المدلوالت؛ نحو‪ِ :‬فكر‬
‫الضياء‬ ‫العامل‪ ،‬و‪ :‬النور‬ ‫الطالب‬ ‫فكر‪...‬الخ‪ ،‬و‪ :‬العالم‬
‫ّ‬
‫الوضوح‪ ،‬وبهذا فالعالقة الترابطية تجمع بين وحدات لغوية حاضرة في المتوالية‬
‫اللغوية الحاضرة وبين وحدات لغوية غائبة مستقلة بذاتها‪ ،‬أو في متوالية لغوية‬
‫غائبة هي األخرى‪ ،1‬وما ينطبق على الجملة وعناصرها ينطبق على الكلمة‬
‫وعناصرها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ثنائية اآلنية والزمانية‪:‬‬

‫سادت اللسانيات التاريخية قبل سوسير ردحا من الزمن‪ ،‬وهي التي كانت تتناول‬
‫التغيرات التي تط أر على لغة ما عبر حقب متتالية‪ ،‬وهذا ما جعل منهج الدراسة‬
‫يمتاز بالحركية والتطورية‪.‬وألهميته في االهتداء إلى حقائق علمية معينة عن اللغة‬
‫فإن دي سوسير لم يرفضه ولم يلغه‪ ،‬بل كان يرى فيه قصو ار لالهتداء إلى حقائق‬
‫حقيقية عن اللغة‪ ،‬فاقترح منهجا آخر يحصر دراسة أي لغة من اللغات دراسة‬
‫وصفية في نقطة زمنية معينة؛ أي دائرة الزمن فيه مغلقة وليست مفتوحة كما كانت‬

‫عند غيره‪ ،‬وبهذا يكون دي سوسير قد أضاف شيئا جديدا في الدراسة اللغوية ّ‬
‫كمل‬
‫به ما كان سائدا ؛ فإذا كان المنهج السابق ( الزماني) يتتبع المسار اللغوي لظاهرة‬
‫لغوية معينة عبر الزمن من البداية إلى النهاية ويدرس التغييرات والتحويالت التي‬
‫تط أر على بنيتها في فترات متعاقبة وما يحيط بها من ظروف ومالبسات ظرفية‪،‬‬
‫وتحلل بناء على التطور الدائم الذي يمسها‪ ،‬فإن الدراسة التي اقترحها سوسير‬
‫تدرس البنية اللغوية وتصف نظامها اللغوي بجزئياته في زمن معين ‪ ،‬وشتان بين‬
‫المنهجين لذا ال يجب إهمال أحدهما في دراسة اللغة أو الخلط بينهما عند تناولها‬

‫‪1‬‬
‫‪- DE Saussure, opcit. p 123‬‬
‫‪25‬‬
‫بالدراسة؛ ليس ألن لكل منهج مبادئه فحسب‪ ،‬بل ألن لكل منهج هدفا يحققه ال‬
‫يستطيع تحقيقه المنهج اآلخر‪ ،‬فإذا كان األول يدرس تاريخ اللغة فالثاني يدرس‬
‫حقيقة اللغة‪ ،‬وهذا الذي يفتقر إليه الدرس اللغوي قبل سوسير‪ .‬وحتى يبرهن على‬
‫صحة ما ذهب إليه ضرب لنا مثال المقطع العرضي والمقطع الطولي اللذان يحدثان‬
‫في غصن نبتة معينة‪1‬؛ فالمقطع الطولي ينقل معلومات جزئية عن النبتة باعتبار ما‬
‫قد تحجبه األلياف المتقدمة عن تلك الواقعة وراءها‪ ،‬بخالف المقطع العرضي الذي‬
‫يمنح لنا فرصة إظهار األلياف وترتيبها الخاص والعالقة القائمة بينها؛ بمعنى‬
‫المقطع العرضي هو الذي يمنح لنا المعرفة الدقيقة للبنية النباتية في مرحلة معينة‬
‫من النمو وذلك بمقارنة مختلف األجزاء المكونة لها وعالقة بعضها ببعض‬
‫لتوضحها جميعا‪ ،‬كذلك اللغة فالدراسة اآلنية أكثر كشفا عن اللغة وأدق نقال‬
‫لحقائقها والعالقة الرابطة بين أجزائها‪ ،‬من هنا رأى أن موضوع علم اللغة هو‬
‫وصف كل شيء يرتبط بالجانب السكوني للغة في فترة زمنية معينة‪ .‬وماكان دي‬
‫سوسير ليصل إلى جملة هذه المقترحات لوال دراسته الجادة والمتأنية لما سبقه من‬
‫درس لغوي وإلمامه بمراحله‪.‬‬

‫مراحل تطور البحث اللساني‪:‬‬

‫إذا وكما تقدم فالبحث اللساني الحديث بدأ مع العالم اللساني السويسري فرديناند دي‬
‫سوسير في كتابه المشهور(‪ " )cours de linguistique générale‬دروس في‬
‫اللسانيات العامة" ضم محاضرات في اللغة‪ ،‬أشرف على نشرها وبيان مضمونها‬

‫‪1‬‬
‫‪- DE Saussure, Ibid. pp 87,88‬‬
‫‪26‬‬
‫تلمذاه " ألبارسيشهاي " و" تشارل بالي "‪ .1‬وقد ألم بالمراحل الثالثة للدرس اللساني‬
‫الحديث وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬مرحلة النحو" ‪ :"Grammaire‬يرى ديسوسير أن هذه المرحلة بدأت بتلك‬


‫الجهود المنسوبة إلى اليونان‪ ،‬ثم استكملت بجهود الفرنسيين‪ ،‬وال سيما ما نجده‬
‫واضحا وجليا في نحو" بور روايال" " ‪ ،"PorteRoyal‬هذه الدراسة األخيرة قائمة‬
‫وهي تنكب على اإلنجاز الفعلي للحدث‬ ‫على المنطق وإجراءاته التطبيقية‪،‬‬
‫الكالمي؛ أي على المنطوق بابراز العالقات النحوية الصحيحة من الخاطئة ‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة الفيلولوجيا " ‪ :"philologie‬ترتكز هذه الدراسة على دراسة وتفسير‬
‫النصوص القديمة المكتوبة باللغتين ( اليونانية‪ ،‬والالتينية)‪ ،‬ومن خالل هذا فهي‬
‫تهتم بالجانب المكتوب وتهمل المنطوق‪ ،‬وبهذا اللغة هنا ال تعتبر غاية بل وسيلة‪،‬‬
‫وبهذا تكون قد أهملت الجانب االجتماعي من اللغة وهو االستعمال وقواعده ‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة الفيلولوجيا المقارنة( ‪:)La philologie comparé‬وتبدأ هذه‬
‫المرحلة من خالل استكشاف األوروبيين العالئق الموجودة بين اللغات القديمة وهي‬
‫"السنسكريتية واليونانية والالتينية وغيرها"ومن ثم كان البحث اللساني هدفه الوحيد‬
‫البحث عن الصفات المشتركة الموجودة بين هذه اللغات الثالثة سواء ما يتعلق‬
‫األمر بالجانب الصوتي أم الصرفي أم التركيبي أم الداللي‪ ،2‬واستمر حال الدرس‬
‫اللغوي على هذا الحال إلى أن جاء دي سوسير بمقترحاته‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر مقدمة الكتاب‪ ،‬والشروح والتعليقات يف آخره واليت مست الكثري من احلقائق املذكورة يف احملاضرات‪.‬‬
‫‪-2‬ينظر‪ :‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر‪.1994 :‬‬
‫‪27‬‬
‫المحاضرة الثالثة‬

‫حلقة موسكو‬

‫‪ -‬رومان جاكسبون*‪:1981-1896 :(Roman Jakbson) :‬‬

‫بعد أن وقف المهتمون طويال عند عناصر التّواصل اّلتي أشار إليها دي‬
‫الصراحة رواد نظرّية اإلعالم واالتصال‪ ،‬هناك من أمعن‬
‫سوسير وتناولها بكثير من ّ‬
‫النظر في تحديد وظائف هذه العناصر وحيثياتها‪ ،‬وأبرز من استوقفهم الحال عند‬
‫ّ‬
‫ذلك هو رومان جاكسون‪ ،‬فمن باب دراسة الّلغة بكامل ّ‬
‫تنوع وظائفها‪ ،‬اتّخذ من‬
‫ائيا لذلك وضرورّيا لبلوغه انتهى به في آخر‬
‫تحديد عناصر التّواصل عمال إجر ّ‬
‫جسده في التّرسيمة‬
‫المطاف إلى تصميم مسار التّواصل الكالمي بعناصر جديدة ّ‬
‫التّالية‪:1‬‬

‫المرجع‬
‫المرسل‪................‬رسالة‪...................‬المرسل إليه‬

‫قن ــاة‬

‫سنن‬

‫يتكون من ستّة عناصر هي‪:‬‬


‫كل فعل تواصلي ّ‬
‫أن ّ‬
‫يتبين ّ‬
‫من المخطط ّ‬

‫لكل رسالة‪.‬‬
‫األول ّ‬
‫‪ -1‬المرسل‪ :‬هو ّأول من ينشئ التّواصل‪ ،‬والمنبع ّ‬

‫*رومان أوسيبوفيتش جاكسبون ‪ Roman Ossipovitch Jaksbon‬لغوي روسي‪ ،‬أدى دورا هاما في نشأة‬
‫مدرسة الشكالنيين الروس‪ ،‬وساهم مساهمة فعالة في تأسيس حلقة براغ اللسانية ‪ ،1926‬من أهم ما جاء به نظرية‬
‫وظائف اللغة الست‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Roman Jaksbon, Essais de linguistique générale, tra Nicolat Ruet les èditions de‬‬
‫‪minuit, paris, 1963, p214.‬‬
‫‪28‬‬
‫المنشط للتّواصل‪ ،‬فلواله ما وجد‬
‫‪ -2‬المرسل إليه‪ :‬هو المستقبل لرسالة المرسل‪ ،‬و ّ‬
‫بالقوة بعد أن وجد بالفعل‪.‬‬
‫المرسل ّ‬
‫‪ -3‬الرسالة‪ :‬هي الحمولة اإلخبارّية لذاك التّواصل اّلذي جمع بين المرسل والمرسل‬
‫المفعلة له‪.‬‬
‫إليه‪ ،‬و ّ‬
‫‪ -4‬القناة‪ :‬وهي الوسيلة اّلتي يختارها المرسل والمرسل إليه لتكون الحامل األمين‬
‫للرسالة اّلتي تنتقل بينهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -5‬السنن‪ :‬هو نظام يعتمده المرسل في تركيب رسالته‪ ،‬وعليه يعتمد المرسل إليه‬
‫الرسالة عند استقبالها‪ ،‬حتّى يهتدي إلى الحمولة اإلخبارية اّلتي‬
‫في فك نفس ّ‬
‫تحتويها‪.‬‬
‫"الشخص‬
‫الرسالة في الواقع وعليه تنوب؛ بمعنى هو ّ‬
‫‪ -6‬المرجع‪ :‬وهو ما تومئ إليه ّ‬
‫نتحدث"‪.1‬‬
‫أو الموضوع اّلذي عليه ّ‬

‫بأنها غير‬
‫حددها وحكم عليها ّ‬ ‫من خالل استقراء عناصر التّواصل الكالمي اّلتي ّ‬
‫متغيرة‪ ،‬يمكن لنا أن نستخلص مجموعة من العناصر الجوهرّية منها‪:‬‬
‫ّ‬

‫أخذ جاكسبون عناصر من غيره‪ ،‬والسيما سوسير عليها بنى دورة تواصله الكالمي‪،‬‬
‫المشغلة لهذه‬
‫ّ‬ ‫بداية بالقدرة على التّركيب‪ ،‬واإلرسال‪ ،‬واالستقبال‪ ،‬والتّفكيك‪ ،‬والعناصر‬
‫القدرة؛ إذ نجد عنده المرسل والمرسل إليه وبمصطلح سوسير (المتكلم والمستمع)‪،‬‬
‫المتحدث (أ)‬
‫ّ‬ ‫معية) المنطلقة من‬
‫الس ّ‬
‫(الصورة ّ‬
‫الرسالة أو ّ‬
‫العنصر الرابط بينهما وهو ّ‬
‫السامع (ب) وهكذا‪.‬‬‫إلى ّ‬

‫إذا كان تأثّر جاكبسون بسوسير غير ملفت لالنتباه ''فما الّلسانيات الوظيفية إالّ فرع‬
‫فإن المثير في األمر هو تأثّره بنظرّية اإلعالم واالتصال‪،‬‬
‫البنوية" ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫من فروع‬
‫الصريح لمصطلحاتها‪ ،‬فمصطلح (‪،Emetteur‬‬ ‫ّ‬ ‫ويظهر ذلك في توظيفه‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Lohisse, la Communication de la trammission a la relation, Belgique, De Bock‬‬
‫‪Université 1ed, 2001, P47.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ )Canal ،Code ،Récepteur‬هي أقرب ما تكون إلى حقل الفيزياء‬
‫بالرغم من نعت عمله‬
‫الرسالة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫تحدد طبيعة ّ‬
‫واإللكترونيك‪ ،‬وفي الوقت نفسه ّ‬
‫بالتّواصل الكالمي‪ ،‬وقد تكون في الوقت ذاته إشارة إلى توسيع من طبيعة ّ‬
‫الرسالة‬
‫متغيرة‬
‫بأنها ضرورة وغير ّ‬ ‫ولعل هذا ما جعله يصف هذه العناصر ّ‬
‫ّ‬ ‫موضوع البث‪،‬‬
‫عملية تواصل‪ ،‬وليس هذا فحسب فيمكن أن نضيف تأثّره بمنهجيتهم في‬‫ّ‬ ‫لكل‬
‫ّ‬
‫الشك باليقين عند‬
‫ّ‬ ‫ذلك‬ ‫في‬ ‫ن‬‫جاكسو‬ ‫قطع‬ ‫حين‬ ‫‪1‬‬
‫التفكير كما ذهب إلى ذلك بعضهم‬
‫ياضية للتّواصل ونظرّية‬
‫النظرية الر ّ‬
‫إق ارره بذاك التّكامل المعرفي بين الّلسانيات و ّ‬
‫حدد عناصرها إالّ‬‫الكالمية وما ّ‬
‫ّ‬ ‫أسس جاكسون دورة التّواصل‬ ‫اإلعالم‪ .‬ولكن ما ّ‬
‫ليوضح وظيفة هذه العناصر في المجال التّواصلي؛ إذ يرى ّإنها "‪...‬تتكامل وتتالزم‬
‫ّ‬
‫تفوق‬
‫أهمية ّ‬
‫النقاد عنص ار من العناصر ّ‬ ‫ليحصل التّخاطب البشري‪ ،‬لكن كلما أولى ّ‬
‫‪2‬‬
‫يبين‬
‫مركزة على ذلك العنصر البارز" وهذا ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ما يولونه لغيره كانت وظيفة الكالم‬
‫معين أثناء‬
‫أن وظائف عناصر التّواصل تتمايز عن بعضها‪ ،‬والتّركيز على عنصر ّ‬ ‫ّ‬
‫تنشيط الكالم من المرسل والمرسل إليه‪ ،‬يجعل وظيفة ذاك العنصر هي اّلتي تطفو‬
‫على دورة التّخاطب‪.‬‬

‫بكل عنصر‬
‫وعليه أتمم تصميم عناصر التّواصل بتصميم الوظائف الخاصة ّ‬
‫الية تظهر ذلك‪:3‬‬
‫والترسيمة التّ ّ‬

‫‪ 1‬للتعمق أكثر ينظر‪ :‬نور الدين رايص‪ ،‬نظرية التواصل واللسانيات الحديثة‪.‬‬
‫‪ 2‬الهادي الجطالوي‪،‬مدخل إلى األسلوبية‪ ،‬تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬ط‪ .1‬الرباط‪ ،1992 :‬عيون‪ ،‬ص‪18‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Roman Jakobson, Essais de linguistique générale,p220.‬‬
‫‪30‬‬
‫المرجعية‬
‫ّ‬ ‫الوظيفة‬
‫الوظيفة الشعرية‬

‫الوظيفة اإلفهامية‬ ‫الوظيفة التّعبيرّية‬

‫الوظيفة التوصيلية‬

‫الوظيفة ما فوق‬
‫لغوية‬

‫تقل‬
‫أهميتها ال ّ‬
‫متميزة‪ّ ،‬‬
‫كل عنصر تواصلي يوّلد وظيفة لسانية ّ‬ ‫فحسب جاكسون ّ‬
‫فإن ّ‬
‫عن العنصر الموّلد لها‪ .‬وقد جاءت عنده بحسب عدد العناصر وهي‪:‬‬

‫االنفعالية (‪)Emotive‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -1‬الوظيفة التّعبيرّية (‪ )Fonction Expressive‬أو‬
‫وهي وظيفة تتمحور حول المرسل وعليه تركز‪ ،‬ناقلة موقفه وعواطفه تجاه الموضوع‬
‫النطق مثال‪ ،‬أو في أدوات تعبيرّية تفيد‬
‫المتحدث عنه‪" ،‬ويتجّلى ذلك في طريقة ّ‬
‫ّ‬
‫كالتأوه أو التعجب‪ ،‬أو دعوات الثلب أو صيحات االستنفار"‪ ،1‬ولّلغة‬
‫ّ‬ ‫االنفعال‬
‫ظ األوفر في تجسيد هذه التّعابير المتباينة‪ ،‬لما توّفره من آليات تعبيرّية‬
‫المنطوقة الح ّ‬
‫المعبر بها‬
‫ّ‬ ‫في كثير من األحيان غائبة في الّلغة المكتوبة‪ .‬ومهما كانت طبيعة الّلغة‬
‫فإن دور هذه األخيرة يتجّلى " في ضبط الميزات التعبيرّية‬
‫االنفعالية ّ‬
‫ّ‬ ‫عن المواقف‬
‫معين"‪ ،2‬وبذلك لم تكن المواقف‬
‫المنسجمة مع طبيعة رسالة ما في وضع خطابي ّ‬
‫المحددة‬
‫ّ‬ ‫المعبرة عن ال ّذات المرسلة فحسب‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫االنفعالية هي المنتجة للتعابير‬
‫ّ‬
‫الختالفاتها فـكما يقال فإن جوهر اإلنسان كامن في لغته ألنها المعبر عن أحاسيسه‬

‫‪ 1‬عبد السالم المسدي‪ ،‬االسلوبية واألسلوب‪ ،‬ط‪ .2‬تونس‪1982 :‬م‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ 2‬الطاهر بن حسين بومزبر‪ ،‬التواصل اللساني والشعرية‪ ،‬مقاربة تحليلية لنظرية رزمان جاكبسون‪ ،‬ط‪ .1‬الجزائر‪2007 :‬م ‪ ،‬منشورات االختالف‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫ومهما حاول جاهدا إخفاء عواطفه كشفتها نبرات صوته وتلوينات وجهه‪ ،‬وهذه‬
‫تتنوع‬
‫األساليب ودالالتها قاسم مشترك بين المتواصلين من ثقافة واحدة؛ وبذلك ّ‬
‫وتتعين‬
‫ّ‬ ‫تتفرد ال ّذات الباثة‬
‫االنفعالية وبها ّ‬
‫ّ‬ ‫التلوينات‬
‫بتنوع ّ‬‫التلوينات التّعبيرّية ّ‬
‫الدال عليها "أنا"‪.‬‬
‫بالضمير ّ‬
‫اإلفهامية(‪ )Fonction Conative‬أو التّأثيرّية(‪:)Impressive‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬الوظيفة‬
‫وتميز الخطاب‪ ،‬إذا كان‬
‫وهي وظيفة تتمحور حول المرسل إليه وتطفو على الكالم ّ‬
‫المكونة للتّواصل الكالمي‪ ،‬ولما‬
‫ّ‬ ‫التركيز على موّلدها غالبا على العناصر األخرى‬
‫بالرسالة‪ ،‬ال مناص أن تستنفر جميع‬‫كان اآلخر (المتلّقي للخطاب) هو المقصود ّ‬
‫العناصر األخرى لتتآزر مساهمة في تغيير سلوكه ونقله من هيئة إلى أخرى‪ .‬وفي‬
‫ثانوية تقوم بدور الوسيط بينما العنصر‬
‫ّ‬ ‫هذه الحالة " فالعناصر الخمسة األخرى‬
‫الرئيسي في مثل هذه المسائل هو المرسل إليه‪ ،1‬اّلذي ينتظر منه إنجا از يريده‬
‫النحوي األكثر صفاء في ّ‬
‫النداء واألمر الّلذين‬ ‫ّ‬ ‫يتحدد " تعبيره‬
‫المرسل بتلّقي خطاب ّ‬
‫صوتية في الغالب عن المقوالت‬
‫ّ‬ ‫وصرفية وحتّى‬
‫ّ‬ ‫تركيبية‬
‫ّ‬ ‫يبتعدان من وجهة نظر‬
‫الفعلية األخرى"‪ 2‬لما تملكه من قوة تأثيرّية تكون ال محالة عامال من‬
‫االسمية و ّ‬
‫ّ‬
‫المتحدث عنه‪ ،‬من خالل ذلك‬‫ّ‬ ‫عوامل إظهار موقف المرسل إليه تجاه الموضوع‬
‫االنجاز اّلذي يعقب جملة األمر مثال‪ .‬وحتى صيغة األمر نفسها فال تستمد داللتها‬
‫يحدد االستلزام الحواري للخطاب‪ ،‬إلزاما كان أم‬
‫إالّ من المرسل إليه؛ إذ هو اّلذي ّ‬
‫التماسا أم دعاء أو غيرها‪.‬‬
‫االنتباهية ‪ :La Fonction phatique‬تتمحور هذه الوظيفة حول‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬الوظيفة‬

‫القناة وتتمظهر في السلوك الحواري ّ‬


‫لكل من المرسل والمرسل إليه وذلك باستعمال‬
‫أكد‬
‫اليومية هدفها تثبيت التّواصل والت ّ‬
‫ّ‬ ‫ألفاظ وتعابير بسيطة يكثر تواترها في الحياة‬
‫من استم ارره‪ ،‬استعمالها العفوي في مثل هذه المواقف يقّلل من حضور العقل في‬
‫ألنها‬
‫بالرسالة موضوع الخطاب‪ّ ،‬‬
‫اختيارها إلقامة التّواصل والحفاظ عليه مقارنة ّ‬

‫‪ 1‬الطاهر بومزبر‪ ،‬التواصل اللساني والشعرية ‪ ،‬ص‪43‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ROMAN JAKOBSON.idem.p216‬‬
‫‪32‬‬
‫الرسائل‪ ،‬من أجل‬
‫بالرغم من اختالف ّ‬
‫الصيغ والكيفيات ّ‬
‫ّ‬ ‫تحضر في الخطاب بنفس‬
‫ّ‬
‫مستمرة في‬
‫ّ‬ ‫الموجهة‬
‫ّ‬ ‫الرسائل‬
‫أن القناة سليمة وسلسلة ّ‬
‫التأكد من ّ‬
‫هدف واحد هو ّ‬
‫المرور كأن نقول "ألو‪ ،‬أتسمعني؟ ‪...‬قل أتسمعني؟"‪ 1‬وغيرها كثير في حياتنا‬
‫اليومية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فية‬
‫المرجعية (‪ )La Fonction Référentielle‬أو المعر ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4‬الوظيفة‬
‫كل رسالة منقولة من المرسل‬
‫أو اإليحائية(‪ّ :)Démotive‬‬ ‫(‪)Cognitive‬‬
‫كل رسالة من باب"‪...‬‬ ‫تميز ّ‬
‫المرجعية ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى المرسل إليه إالّ وقوامها الّلغة‪ ،‬والوظيفة‬
‫نتحدث عنها‪ ،‬وتقوم الّلغة بوظيفة الرمز‬
‫أن الّلغة فيها تحيلنا على أشياء وموجودات ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى تلك الموجودات واألحداث المبّلغة"‪ 2‬وتشير إليها تستحضرها في إيحاء لدى‬
‫المرسل والمرسل إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬وظيفة ما وراء الّلغة( ‪ :)La fonction métalinguistique‬وتتمحور هذه‬
‫النحوي‬
‫ّ‬ ‫اللغوية اّلتي نسج بها الكالم في جانبيه المعجمي و‬
‫ّ‬ ‫الوظيفة حول القوانين‬
‫‪،‬وما ينتج عنهما من متوالية تنتج بدورها مفهوما تدفع المرسل والمرسل إليه إلى‬
‫التأكد منه بالعبارات التّالية‪ " :‬ماذا تعني؟‪ ...‬هل‬
‫االستفسار عن المفهوم المراد و ّ‬
‫‪3‬‬
‫أن هدفها هو تعيين على وجه‬ ‫ّ‬ ‫بمعنى‬ ‫أنت تفهم عني ما أقول؟‪ ...‬أليس كذلك‪"...‬‬
‫الدقة ما يريده المرسل أن يثبتّه في ذهن المرسل إليه كمفهوم جراء غياب ذلك بعد‬ ‫ّ‬
‫األول‪ .‬لتصبح الّلغة ودون‬
‫الشحنة اإلخبارّية األولى اّلتي جاء بها النموذج التركيب ّي ّ‬
‫شعور هي موضوع التّحليل‪ ،‬فنجد المرسل والمرسل إليه يستفسران عنها عفويا من‬
‫الرسائل المتبادلة‪.‬‬
‫خالل ّ‬
‫‪ -6‬الوظيفة الشعرّية ( ‪ ) La Fonction Poétique‬تتمحور هذه الوظيفة حول‬
‫الرسالة من حيث هي كذلك‪ ،‬ومستهدفة لذاتها‪ ،‬فتكون بذلك "غاية في ّ‬
‫حد ذاتها ال‬ ‫ّ‬
‫الجمالية اّلتي‬
‫ّ‬ ‫بالدرس"‪ ،4‬بإظهار مميزاتها‬
‫المعنية ّ‬
‫ّ‬ ‫تعبر إالّ عن نفسها فتصبح هي‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ROMAN JAKOBSON.idem. p217‬‬
‫‪ 2‬عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية و األسلوب‪،‬ص‪159‬‬
‫‪ 3‬عبد السالم المسدي‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ص‪160‬‬
‫‪ 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪160‬‬
‫‪33‬‬
‫‪1‬‬
‫أي خطاب‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫قائمة‬ ‫الوظيفة‬ ‫كل من المرسل والمرسل إليه‪ .‬وال تقوم لهذه‬
‫يتذوقها ّ‬
‫إذا لم نتذوق جمالية ّ‬
‫الرسالة‪.‬‬

‫كل أنواع الخطاب‪ ،‬لكن‬


‫إمكانية حضورها في ّ‬
‫ّ‬ ‫نسجل‬
‫ّ‬ ‫ومن حيث هي وظيفة‬
‫تتفوق في درجة الحضور على وظائف‬
‫حضورها يتفاوت من خطاب آلخر؛ إذ ّ‬
‫العناصر األخرى دون أن تلغيها إذا كان الخطاب شع ار‪ ،2‬وهذا ما يستلزم منطقيا‬
‫وتحل محّلها وظيفة عنصر من‬
‫ّ‬ ‫تراجعها في غير الخطاب الشعري لتكون ثانوية‪،‬‬
‫اصلية اّلتي يكون عليها التّركيز دون سواها بغير إهمال للوظائف‬
‫العناصر التّو ّ‬
‫األخرى‪.‬‬

‫كل‬
‫أن ّ‬‫أن ذلك ال يعني ّ‬‫محدد " إالّ ّ‬
‫كل وظيفة مرتبطة بعنصر ّ‬
‫فإن ّ‬
‫ومما تقدم ّ‬
‫إن هذه الوظائف غالبا ما تكون متداخلة عبر‬
‫خاصة‪ ...‬بل ّ‬
‫عنصر يستقل بوظيفة ّ‬
‫النصوص وعبر الخطابات‪ ،‬وتبقى هيمنة وظيفة على عنصر دون آخر هي التي‬
‫تراعى في التصنيف"‪ 3‬وبذلك فالتّواصل عند جاكبسون ال يقتصر على تحديد‬
‫عناصر التّواصل فحسب‪ ،‬بل يكتمل بتوليد نفس العناصر لوظائف مختلفة تتكامل‬
‫نوعية الوظيفة‬
‫وتصنف وظيفة الكالم بحسب ّ‬
‫ّ‬ ‫فيما بينها وتتالزم ليحصل التّخاطب*‪،‬‬
‫المهيمنة لعنصر من العناصر‪.‬‬
‫ّ‬

‫لبنية‬
‫أهمية‪ ،‬من باب ّأنه أضاف ّ‬‫اإلنجاز الذي قام به جاكسون وال شك كان ذا ّ‬
‫فإنه لم‬
‫السابقة‪ .‬لكن وبالرغم من ذلك ّ‬
‫البنيات ّ‬
‫التّخاطب عناصر كانت تفتقر إليها ّ‬
‫‪Cathrine Kerbra‬‬ ‫يسلم من االنتقادات‪ ،‬وتعتبر كاترين كرب ار أوركيوني(‬
‫**‬
‫صور التّقليدي‬
‫"إن هذا التّ ّ‬
‫ططه بالقول ّ‬
‫من أبرز من انتقد مخ ّ‬ ‫‪) Orecchioni‬‬

‫‪ 1‬أحمد رايص‪،‬التواصل واللسانيات الحديثة‪،‬ص‪111‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ROMAN JAKOBSON.idem.p222‬‬
‫‪ 3‬ميلود حبيبي‪،‬االتصال التربوي و تدريس األدب‪ ،‬ط‪.1‬الغرب‪1993 :‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ص‪57‬‬
‫* تحديد هذه الوظائف؛ جاكبسون نفسه يقر بأنه أكمل ما جاء به بوهلر‪ ،‬للتعمق أكثر ينظر‪:‬‬
‫‪-ROMAN JAKOBSON.idem.p216‬‬
‫‪ -‬رومان جاكبسون ‪ ،‬قضايا الشعرية‪،‬ص‪30‬‬
‫**‬
‫كاترين كربرا أوركيوني ‪ :‬مفكرة يوغسالفية اهتمت بالتواصل وحيثياته ‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫خطية"‪ ،1‬هذا‬
‫ّ‬ ‫النمط التلغرافي‪ ،‬هو تصور أحادي الجانب وذو طبيعة‬
‫المأخوذ من ّ‬
‫أن جاكبسون لم يكتف بالتّأثّر بنظرّية اإلعالم‬
‫التّصريح من جهة إشارة إلى ّ‬
‫واالتّصال بل وقع أسي ار لها‪ ،‬ومن جهة ثانية إشارة إلى حقيقة الّلغة عنده اّلتي ال‬
‫الرموز المنتظمة وقائمة مغلقة من العالمات على‬ ‫تعدو أن تكون "إالّ مجموعة من ّ‬
‫الفرد أن يختار منها ما يناسبه حسب احتياجاته"‪ ،2‬والواقع خالف ذلك‪ ،‬فال يمكن‬
‫نتصور تحّقق فعل كالمي خارج نظام اجتماعي‪ ،‬ونفسي‪ ،‬ولغوي‪ ،‬أو عزل‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫للرسالة عن فاعليها‪ .‬وعنصر الثّبات اّلذي وصف به عناصر تواصله‬
‫تعسفي ّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫يحرر‬
‫ّ‬ ‫أو‬ ‫ينتج‬ ‫من‬ ‫هو‬ ‫دائما‬ ‫ليس‬ ‫الكالمي حقيقة ال يضمن ثباتها؛ إذ المرسل‬
‫كل‬
‫كالما‪ ،‬وإن كان كذلك في ظرف من الظروف‪ ،‬فهو ال يتكّلم بالطريقة نفسها ّ‬
‫السنن بين فاعلي القول ففي المسافة اّلتي تفصل‬
‫تغيرها دائم‪ .‬ومهما اتّحد ّ‬
‫الوقت بل ّ‬
‫أن المعنى يبقى هو هو ال‬ ‫السنن وتفكيكه ال شيء يضمن ّ‬ ‫بين عمليتي تكثيف ّ‬
‫"كل كلمة تعني ما أريد أن تدل عليه ولكن في نفس الوقت كل‬
‫يخضع لتغييرات؛ إذ ّ‬
‫‪4‬‬
‫أن فاعلي‬
‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫يشير‬ ‫ما‬ ‫وهذا‬ ‫كلمة تعني ما تريد أن تعني (لها معنى في اللغة)"‬
‫التواصل وإن التزما بنفس المعنى الّلغوي لكلمة ما في خطابهما‪ ،‬فليس معنى هذا‬
‫يستقر في ذهن المتلقي هو نفسه اّلذي يريده الباث‪ ،‬من باب‬ ‫ّ‬ ‫صور اّلذي‬
‫أن التّ ّ‬
‫ّ‬
‫الوظيفية؛ فاألول ينتج والثاني يؤول‪ ،‬وبذلك "‬
‫ّ‬ ‫القوة واالختالف في القدرة‬
‫التفاوت في ّ‬
‫حرة‪ ،‬هذا أو ذاك‬
‫أن المرسل شخص يختار بكيفية ّ‬ ‫نتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫ليس صحيحا إذن أن‬
‫من الوحدات المعجمية‪ ،‬هاته أو تلك من البنيات التركيبية في مخزونه من العناصر‬
‫اللغوية‪ ...‬بل هناك قيود تظهر وتشتغل مصافا‪ ،‬تحد من إمكانيات االختيار"‪ ،5‬قيود‬
‫ألن التواصل‬
‫تحدد أبعاده ومعالمه‪ّ ،‬‬‫ذات صلة بالخطاب ككل والسيما فاعليه ّ‬
‫البشري تميزه خاصية التعاونية "وهذا ما ّ‬
‫يؤكد على الطابع التبادلي للخطاب بين‬
‫‪ 1‬عمر بلخير ‪ ،‬تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية‪ ،‬ط‪ .1‬الجزائر ‪ 2003 :‬منشورات‬
‫االختالف‪ ،‬ص‪ 36‬نقال عن ‪:‬‬
‫‪C.K.ORECCEHIONI. énonciation de la subjectivité dans le language.pp11-31‬‬
‫‪ 2‬عمر بلخير ‪ ،‬تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية‪،‬ص‪36‬‬
‫‪3‬‬
‫‪BAYLON CHRISTIAN . XAVIER MIGNOT1999 la communication. Nathan. paris‬‬
‫‪.2édi .p80‬‬
‫‪ 4‬ك‪ .‬أركيوني‪،‬فعل القول من الذاتية في اللغة‪ /‬تر‪:‬محمد نظيف‪،‬د ط‪ .‬المغرب‪ 2007 :‬إفريقيا الشرق‪ ،‬ص‪20‬‬
‫‪ 5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪35‬‬
‫المتكلمين أو لنقل الطابع التبادلي للغات البشرية"‪ ،1‬وهذا ما من شأنه أن يمنح‬
‫التفاعل فرصة بالقوة حتى يتخذ لنفسه مكانا في التخاطب عند المتواصلين بكفاءات‬
‫لسانية أو خارج لسانية‪ ،‬تفاعل تغذيه‪2‬الخواص النفسية والكفاءات الثقافية المميزة‬
‫حد سواء‪ ،‬وعلى هذا أقامت كـ‪.‬أركيوني تعديلها لمخطط‬ ‫للباث والمتلقي على ّ‬
‫جاكسون مقترحة المخطط التالي‪:3‬‬

‫المرجع‬

‫‪Référant‬‬

‫كفاءة لسانية‬ ‫الكفاءة اللسانية‬


‫وخارج‪-‬لسانية‬ ‫والخارج لسانية‬

‫تفكيك‬ ‫االرسالية –‬ ‫تكثيف‬


‫المستقبل‬ ‫المرسل‬
‫السنن‬ ‫القناة‬ ‫السنن‬
‫‪Récepteur‬‬ ‫‪Emetteur‬‬
‫كفاءات‬ ‫‪Décodage‬‬ ‫‪Canal‬‬ ‫‪Encodage‬‬ ‫كفاءات‬
‫ايديولوجيا‬ ‫ايديولوجيا‬
‫وثقافية‬ ‫وثقافية‬

‫خاصيات‬ ‫خاصيات‬
‫سيكيولوجية‬ ‫سيكيولوجية‬

‫قيود مجال الخطاب‬ ‫قيود مجال الخطاب‬

‫نموذج التأويل‬ ‫نموذج االنتاج‬

‫مخطط التواصل عند ك‪ .‬أركيوني‪.‬‬

‫‪ 1‬ك‪. .‬أركيوني ‪ ،‬فعل القول من الذاتية في اللغة ‪ ،‬ص‪.23‬‬

‫‪ 2‬ك‪.‬أركيوني ‪ ،‬فعل القول من الذاتية في اللغة ‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪36‬‬
‫ويالحظ أن كـ‪ .‬أركيوني أمعنت االهتمام بفاعلي التواصل من حيث القدرة الذهنية‬
‫التي يمتلكانها‪ ،‬وتشعب مرجعياتها‪ ،‬وتوظيف كل ذلك في تكثيف السنن وتفكيكه‪،‬‬
‫واستعانهما بالعوامل اللغوية وغير لغوية في تنشيط الخطاب‪.‬‬

‫لكن قائمة الوظائف التي فتحها جاكسون لم تتمكن كـ‪ .‬أركيوني من غلقها؛ إذ ما‬
‫أضافته هي لتصميم جاكسون لقي هو اآلخر انتقادا من غيرها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫المحاضرة الرابعة والخامسة‬

‫مدرسة براغ‬

‫المتتبع لمسار الدرس اللساني سيدرك ال محالة أن عشرينيات القرن الماضي كانت‬
‫ثرية من حيث تناول اللغة بالدراسة‪ ،‬وعلى سبيل المثال ال الحصر فقد شهد عام‬
‫‪1926‬م بروز نشاط فيالم ماثيسيوس( عالم في اللسانيات‪ ،‬متضلع في اللغة واألدب‬
‫اإلنجليزي‪ ،‬شغل منصب أستاذ اللغة اإلنجليزية في جامعة كارولين األمريكية من‬
‫بين أهم األبحاث التي قام بها استعمال الدراسة الوظيفية للتمييز بين النحو‬
‫واألسلوبية) وبعض مساعديه في تأسيس نادي براغ اللساني‪ ،‬وهو نفسه الذي أشتهر‬
‫في ما بعد بمدرسة براغ ‪ ،‬أو المدرسة الوظيفية‪.‬‬

‫ولم ينكر الدارسون أن المرجعية اللغوية لهذه المدرسة هو كتاب محاضرات في‬
‫اللسانيات العامة لدي سوسير الذي كان له األثر البالغ على ظهور هذا النادي‪.‬‬

‫وقد انبنت دراسة هذه المدرسة للغة على نقطة جوهرية مفادها أن دراسة اللغة يجب‬
‫أن تدرس وفق نظام كلي يشمل مستوياتها المختلفة؛ الصوتية‪ ،‬الصرفية‪،‬النحوية‬
‫والداللية‪ ،‬من خالل ما تؤديه هذه العناصر من وظيفة‪ .‬لذلك إذا كان دي سوسير‬
‫يرى أن اللغة نظام من العالمات فإن أقطاب هذه المدرسة ترى أن اللغة نظام من‬
‫الوظائف‪ .‬فال عجب بعدها أن تظهر على مجهودات أقطابها مجاالت معرفية‬
‫بحثية أهمها‪ :‬الصوتيات الوظيفية بنوعيها ‪ :‬اآلنية والتاريخية‪ ،‬التحليل الوظيفي‬
‫والعروضي وتصنيف التضاد الفونولوجي‪ ،‬األسلوبية اللسانية الوظيفية‪ ،‬دراسة‬
‫الوظيفة الجمالية للغة ودورها في األدب والمجتمع والفنون‪ .1‬ومن أقطاب هذه‬

‫أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫المدرسة والتي كان لها األثر واألثر البالغ في رسم الخطوط العريضة لمسار‬
‫دراساتها المتميزة هم‪:‬‬

‫‪ -1‬نيكوالي تروبتسكوي‪ :‬ينحدر من عائلة النبالء الروس‪ ،‬نبغ وهو في ريعان‬


‫شبابه في الكتابة والتأليف في ما له عالقة باللغة وما ساعده على ذلك والده الذي‬
‫كان أستاذا فعميدا لجامعة موسكو ‪ ،‬تردده المستمر على حالقات العلم والمعرفة في‬
‫سن مبكرة وال سيما الجلسات الدراسية التي كانت تنظمها الجمعية اإلثنوغرافية‬
‫لموسكو‪ ،‬انتهى به المطاف أن نشر مقالين وهو في سن الخامسة عشر‪ ،‬وتوسعت‬
‫اهتماماته لتمتد إلى األثنولوجيا‪ ،‬علم اإلجتماع‪ ،‬الفلسفة والتاريخ‪ ،‬وبعد تدرجه‬
‫األكاديمي في العلم والمعرفة عين استاذا بجامعة موسكو بعد مناقشة أطروحته حول‬
‫مستقبل اللغة الهندو أوربية عام ‪1916‬م‪ ،‬وعند اندالع الحرب العالمية األولى انتقل‬
‫إلى عدة مدن روسيا وبعدها إلى القسطنطينية إلى أن استقر به المقام في فيينا‬
‫حيث عين في كرسي الفيلولوجيا السالفية حيث أتيحت له الفرصة ليكون عضوا‬
‫بار از في نادي براغ اللساني إلى أن وافته المنية عام ‪ 1938‬ومن بين أبرز ما ألف‬
‫كتاب قيم عن نظرية الحضارات باللغة الروسية‪ ،‬مبادئ الفونولوجيا‪.‬‬

‫ومن جملة آرائه العلمية‪:‬‬

‫‪ -‬اعتبار الفونيم مفهوم وظيفي‪ ،‬وهو وحدة فونولوجية ال تقبل التجزيء إلى وحدة‬
‫أصغر منها في لغة معينة‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة دور األصوات الكالمية في أداء الوظيفة التمثيلية للغة؛ وسماه‬


‫بالفونولوجيا‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة دور األصوات في أداء الوظيفة التعبيرية والوظيفة الندائية‪ ،‬وسماه‬


‫باألسلوبية الصوتية ويعني به دراسة الوظيفة التعبيرية لألصوات الكالمية‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -‬أولى عناية هو والفريق الذي معه إلى العالقات االستبدالية بين الفونيمات في‬
‫لغة من اللغات وفي نقطة معينة من التركيب الفنولوجي معوضا بها العالقات‬
‫الركنية التي تحدد كيفية تنظيم الفونيمات في وحدة من وحدات اللغة‪ ،‬متخذا من‬
‫المعنى مقياسا لتحديد طبيعة الفونيم من ذلك‪:‬‬

‫*‪ -‬تبادل صوتين ولم يتغير المعنى‪ :‬فهما صورتان اختياريتين في التأدية لفونيم‬
‫واحد نحو مسيطر تكتب بالسين وتنطق صادا‪ .‬قلب تنطق عند البعض ألب أو‬
‫كلب‪ ،‬لكن المعنى يبقى ثابتا ال يتغير بتغير األداء‪.‬‬

‫*‪ -‬تبادل صوتين مع تغير في المعنى‪ :‬فهما فونيمان مختلفين ال يستطيع أن يحل‬
‫أحدهما مكان اآلخر وإذا حدث يتغير المعنى؛ نحو‪- :‬جاء ‪ -‬ناء ‪ -‬باء‪.‬‬

‫ومن هذا تتبين لنا الوظيفة المميزة للفونيم التي سعى تروبتسكوي ورفاقه إظهارها‪.‬‬

‫‪ -2‬إميل بنفنست‪)1976 -1902(* (E.Benveniste) :‬‬

‫يتخذ عمل بنفنست ركنا مكينا في المدرسة الوظيفية‪ ،‬ليس من باب أنه دعم‬
‫ركائزها مؤسسا فحسب‪ ،‬بل لكونه تجاوز المجال الذي إنبنى عليه الفكر الوظيفي‬
‫عند غيره من المؤسسين أنفسهم‪ ،‬بحيث ربط بنفنست دراساته بالفلسفة اللغوية‪،‬‬
‫ويعتبر والسيما من خالل مقالة "الجهاز الشكلي للتلفظ( ‪L’appareil Formale‬‬
‫‪ 1) de l’enonciaton‬أول من أسس نظرية التلفظ**‪ ،‬إذ في ذات المقال عرض‬

‫* إميل بنفنست‪:‬لساني فرنسي من اهتماماته النحو المقارن ‪ ،‬المعجمية وكل ما له صلة باللسانيات ‪.‬يعتبر عند‬
‫المختصين من مؤسسي لسانيات التلفظ‪.‬جمعت أعماله في أهم كتبه ‪problème de linguistique générale :‬‬
‫في جزأين عام ‪ . 1966‬أعيد طبعه عدة مرات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪EMIL BENVINISTE problème de linguistique générale T2 Gallimard paris 1974 p79‬‬
‫** نظرية التلفظ‪théorie de l'énonciation :‬‬
‫هي نظرية حديثة النشأة تجاوزت في دراستها للغة التفريق بين اللغة والكالم ‪.‬انصب اهتمامها على دراسة الكالم‪،‬‬
‫والمتكلمين المتفاعلين حال الخطاب وما يحيط بهم من ظروف اجتماعية‪ ،‬ثقافية ‪ ،‬نفسية ‪.‬استعانت بعلوم شتى‬
‫والسيما المرتبطة باإلنسان وعالقته بالمجتمع والعالم‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫أفكارها وحدد أسسها‪ ،‬ويكون بذلك قد دفع المهتمين باللغة إلى ضرورة االلتفات‬
‫*‪.‬‬
‫ظهر عليه اللغة أال وهو التلفظ‪.‬‬
‫ظهر تَتَ َم َ‬
‫بالدراسة إلى تَ َم ُ‬

‫فإذا كانت اللغة ظاهرة عامة‪ ،‬وهي نظام من العالمات والصيغ؛ أي قوالب‬
‫ثابتة وعلى هذا األساس تناولتها اللسانيات البنوية بالدراسة‪ ،‬فإن التلفظ ينفلت من‬
‫هذه الدائرة المغلقة ليتأسس حدثا فرديا وظاهرة خاصة يصعب على العلم الواحد‬
‫دراسته‪ ،‬وفي هذا يؤكد دي سوسير‪" :‬إن نشاط المتكلم ينبغي أن يقوم بدراسته عدد‬
‫من العلوم وإن لم يكن لها مكان في علم اللغة إال بقدر عالقتها به"‪ 1‬ألن التلفظ‬
‫يتحقق في صور ال حصر لها‪ ،‬لدراسته من األحرى أن تتقاسمه علوم شتى‪ ،‬لها‬
‫صلة بإنتاج الكالم وما يحيط به‪ ،‬فإذا كان الكالم المنطوق مرتبطا بوجود اللغة‬
‫باعتبارها نظاما ونماذج ارتسمت في ذهن الجماعة التي تتكلم بها‪ ،‬وبدونها ال وجود‬
‫ألي كالم " فإن الكالم يضمن الحياة لهذا النظام الذي هو اللغة "‪ 2‬فبممارسة الكالم‬
‫تستمر اللغة من خالل ما يتداوله الناس يوميا لتأدية أغراضهم وهذا الفضل مدعاة‬
‫إلى إيالئه مكانة في الدراسة اللغوية التي مست النظام والنماذج ألنه "‪...‬ينبغي أن‬
‫يجسد نظام اللغة وال يمكن التوصل إلى معرفتها‬
‫نقتنع ونسلم أن الكالم هو الذي ّ‬
‫دون معالجة الكالم"‪ 3‬وبذلك فالكالم أضحى وسيلة ال يمكن االستغناء عن دراستها‬
‫ومعرفتها إذا أردنا معرفة اللغة‪.‬‬

‫وبذلك يكون بنفنست قد فتح مجال البحث في لسانيات التلفظ بداية بتجاوز‬
‫اإلطار البنوي المقتصر على البنية والمتكلم المستمع المثالي المعزول عن األوضاع‬
‫االجتماعية والنفسية‪ ،‬لينمو االهتمام بما ينتجه المتكلم العادي بحضور سامع‬
‫فعرف التلفظ بقوله‪ " :‬التلفظ هي تلك‬
‫وموقف يستدعي الكالم ويحدد المتخاطبين‪ّ .‬‬

‫* التلفظ‪:‬نشاط كالمي محقق من طرف المتخاطبين في اللحظة التي يتخاطبان فيها‪.‬‬


‫‪ 1‬فرديناند دي سوسير‪ ،‬دروس في اللسانيات العامة‪ /‬تر‪ :‬صالح القرمدي و آخرون‪ ،‬د ط‪ .‬تونس‪ 1985:‬الدار‬
‫العربية للكتاب‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ANRICO ARCAINI, principes de linguistique appliquée, bibliothèque scientifique, paris,1972,p59‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A.MARTINET,élément de linguistique générale,Armand colin,paris,1970,p25‬‬
‫‪41‬‬
‫اإلحالة الوظيفية للغة عن طريق فعل فردي في االستعمال"‪ 1‬وهو عنده آلية شاملة‬
‫ومستمرة تنتاب اللغة كلها‪ ،‬ضمن فعل تواصلي معين‪ ،‬وهو فعل فردي يحتوي على‬
‫مجموعة من العمليات التي يؤديها المتكلم" فالملفوظ شيء (المحتوى)‪ ،‬والتلفظ شيء‬
‫آخر (الكيفية التي نقول بها)"‪ 2‬وما ذاك إال إشارة إلى العالقة القائمة بين المتكلم‬
‫ولغته‪ .‬والتي تصورها بنفنست في مظاهر ثالثة هي‪:3‬‬

‫‪ -1‬تجسيد صوتي للغة‪.‬‬

‫‪ -2‬تحويل المعاني إلى كلمات‪.‬‬

‫‪ -3‬تحليل التلفظ في تحققه المحض‪.‬‬

‫وعليه فهناك اختالف جوهري بين اللغة كنسق من العالمات واالستعمال الفردي‬
‫لهذه اللغة " فحين يمتلك الفرد هذا النسق ويستعمله فإنه يتحول إلى خطاب‪ ،‬وذلك‬
‫بإخضاع العمليات اللغوية لعمليات تحيين من طرف الذات المتكلمة‪ ،‬في ظروف‬
‫‪4‬‬
‫عين العلم الذي يتناول التلفظ بالدراسة‬
‫ّ‬ ‫الكبير‬ ‫االختالف‬ ‫هذا‬ ‫زمانية ومكانية"‬
‫فتموقعت لسانيات التلفظ آلية متميزة عن اللسانيات بمعناها العام‪ ،‬فعندما نذكر‬
‫لسانيات التلفظ " فإنما المقصود هو العناصر التي تنتمي إلى اللغة وتتنوع داللتها‬
‫‪5‬‬
‫وهي عناصر تكتسب دالالت‬ ‫من كالم آلخر مثل‪ :‬أنا‪ ،‬أنت‪ ،‬هنا‪ ،‬اآلن‪"...‬‬
‫بتعلقها بمواقع خطابية وقولية بعد أن فقدتها* خارجها‪ ،‬في ذات الوقت شكل آلية‬
‫تحول اللغة إلى خطاب أي من مجموعة من األدلة الشكلية المنسقة في بنيات‬
‫ونظام إلى مظهر من مظاهر نشاط هذه العالمات في التواصل الحي‪ ،‬ببساطة‬
‫‪1‬‬
‫‪E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,p80‬‬
‫‪2‬‬
‫‪JEAN LOHISSE, la communication,p175‬‬
‫‪3‬‬
‫‪E.BENVINISTE,idem,pp80-81‬‬
‫‪ 4‬ميلود حبيبي ‪ ،‬االتصال التربوي وتدريس األدب‪ ،‬ص‪61‬‬
‫‪5‬‬
‫‪DUCROT ET TODOROV,dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, ed‬‬
‫‪du seuil, paris,1972,p405‬‬
‫* بخالف ما تراه أركيوني إنها أشكال فارغة في حقيقتها ‪،‬و ذلك من الناحية المرجعية فقط‪ ،‬أما من الناحية الداللية‬
‫فلكل ضمير داللة يعيّنها األشخاص أثناء اإلشارة إلى أنفسهم أو إلى غيرهم أثناء الخطاب ‪ ،‬فلو ما كان للضمير‬
‫مفهوم كما لم يكن له موضوع لتعذرت الترجمة من لغة ألخرى ‪ .‬وهذا ما يؤكد وجودها في الواقع قبل أي تفعيل‬
‫خطابي‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫تحويل اللغة إلى أن تسلك منحى وظيفيا‪ ،‬وال يتحقق لها ذلك إال من خالل التلفظ‬
‫الذي ال يمكن دراسته إال من خالل دراسة المتلفظ ( ‪ ) L’énoncé‬كآلية إجرائية‬
‫باعتبار هذا األخير" هو الشيء الوحيد القابل للتناول "‪1‬من خالل ما يضمه من‬
‫آثار ذاك التلفظ والتي اعتبرها بنفنست عناصر ضرورية ال يمكن للتلفظ االستغناء‬
‫عنها‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ – 1‬المرجع‪:‬‬

‫جعل بنفنست المرجع جزءا ال يتج أز من عملية التلفظ‪ ،‬وهو ال يتحدد إال بواسطة‬
‫الخطاب الذي يفـّعله كل من المتكلم والمتلقي‪ ،‬وهذا ما يستوجب تقاسم القدرة على‬
‫إدراك المرجع ذاته عند المتخاطبين في عالقتهما مع العالم الخارجي‪ ،‬متجاوزين به‬
‫عالم األشياء إلى عالم الثقافة والتجربة بها ترسم المعالم الحقيقية للخطاب وتحدد‬
‫أبعاده‪ ،‬وهذا ما يستوجب إيالء االعتبار التدريجي لفعل التلفظ نفسه ولألحوال التي‬
‫يتحقق فيها ولوسائل إنتاجه‪.‬‬

‫‪ - 2‬المتكلم ‪ /‬المتلقي‪:‬‬

‫يجعل منهما بنفنست شرطا ضروريا لعملية التلفظ " فالكلمات ال تملك سلطة‬
‫خلق األشياء‪ ،‬بل تمثلها‪ ،‬على عكس ذلك ففعل نطق تلك الكلمات يمنح وجودا لمن‬
‫ينطقها "‪ 2‬بمعنى أن المتكلم ال يتحقق وجوده إال من خالل عملية التلفظ التي تتميز‬
‫بكوها " عملية تمّلك‪ ،‬فباعتبارها تحقيق فردي يعلن أثناءها المتكلم عن تموضعه‬
‫ينصب به‬
‫عبر عالمات خاصة من جهة‪ ،‬وعمليات ملحقة من جهة أخرى‪ ،‬إعالنا ّ‬
‫اآلخر مقابال له‪ ،‬أيا كانت درجة الحضور التي يمنحها له (لآلخر) "‪ ،3‬وبذلك‬
‫فعملية تموضع المتكلم ال تمنحه وجودا فحسب‪ ،‬بل أهمية ألنه المتحكم األول في‬
‫الخطاب انطالقا من الملفوظ وما يخص به نفسه تفعيال لوجوده وتثبيتا لمنزلته‪ ،‬وهو‬

‫‪1‬‬
‫‪JEAN LOHISSE, la communication ,p175‬‬
‫‪2‬‬
‫‪JEAN LOHISS, la communication,p177‬‬
‫‪3‬‬
‫‪E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,p82‬‬
‫‪43‬‬
‫من هذه الجهة صانع أقوال( ‪ ،) Locuteur cripteur‬ومن جهة أخرى هو‬
‫صانع أشخاص‪ ،‬وجوده أوجد اآلخرين معه (أنت‪ ،‬هو‪ )..‬وبتحديده متكلما يتحدد‬
‫المتلقي باعتباره هدفا‪ ،‬وهذا هو اإلطار التمثيلي الذي يميز التلفظ ‪ "،‬فكل عملية‬
‫تلفظ هي حدث موجه مباشرة إلى ربط المستمع ‪ Auditeur‬بالمتكلم ‪Locuteur‬‬
‫برباط بعض األحاسيس االجتماعية أو غيرها"‪ ،1‬وبذلك يتحدد كل من المتكلم‬
‫والسامع عنصرين من العناصر المكونة لعملية التلفظ‪.‬‬

‫‪ -3‬الوحدات اللسانية‪:‬‬

‫يحتكم الملفوظ إلى وحدات لسانية وصفها بنفنست بالرئيسية وهي التي تشكل‬
‫حسبه الجهاز الشكلي للتلفظ‪ .‬لتحليلها من الضرورة بما كان العودة إلى المتكلم‬
‫والمتلقي من باب التشارك في الخطاب‪ ،‬ومن بين هذه الوحدات‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الضمائر‪ :‬هي حاضرة باستمرار في التلفظ " فعالمة الشخص في ضمير (أنا)‬
‫(أنت) ال تنتج إال في التلفظ وبالتلفظ "‪ 2‬وباجتماعهما في الخطاب فرصة ليتشكل‬
‫(الخطاب) في أدنى صوره‪ ،‬فإذا كان (أنا) يشير إلى الفاعل األول للخطاب فإن‬
‫(أنت) يشير إلى المستمع المتلقي له‪ ،‬في حال سجال في العملية التخاطبية‪ ،‬أما‬
‫خارجها فهما مبهمان حسب بنفنست‪ ،‬أما الضمير (هو) فعكسهما تماما‪ ،‬إذ يتحدد‬
‫بغيابه عن الخطاب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أسماء اإلشارة‪ :‬ال تختلف في طبيعتها عن الضمائر بكونها تشير في لحظة‬


‫تلفظها إلى شيء فـ " (هذا‪ ،‬هنا) مصطلحات تستدعي حركة لتعيين الشيء في‬
‫نفس اللحظة التي ينطق فيها ذات المصطلح "‪ ،3‬ومن خالل هذا التحديد فهي خارج‬
‫الخطاب ال تعدو أن تكون إال مبهمات؛ إذ يغيب الشيء المشار إليه بها بغياب‬
‫الخطاب الذي أوجدها هي‪ .‬وفي الخطاب ال تكتفي دالة على األشخاص واألشياء‬
‫‪1‬‬
‫‪E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,pp87-88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,82‬‬
‫‪3‬‬
‫‪E.BENVINISTE,problème de linguistique générale,T2,p82‬‬
‫‪44‬‬
‫المادية‪ ،‬بل قد تشير محددة المكان باعتبارها ظروفا )‪ (Adverbes‬أو أسماء‬
‫إشارة (‪ )Démonstratifs‬إذا كان الشيء المشار إليه بها داال عليه‪.‬‬

‫ج‪ -‬الزمن‪Le temps :‬‬

‫كل خطاب باعتباره حدثا ال يتشكل إال في زمن معين يميزه عن األحداث‬
‫األخرى‪ ،‬والزمن عند بنفنست تناوله باالعتماد على عالقة المتكلم به‪ .‬وقسمه إلى‬
‫ثالث أزمنة‪:‬‬

‫* الزمن الطبيعي‪:Le temps physique :‬‬

‫من صفاته االنتظام‪ ،‬الالنهائية‪ ،‬الخطية‪ ،‬كل شخص يشعر به ويقيسه‬


‫بحسب انفعاالته وإيقاع حياته الداخلية؛ أي إنه ذاتي وموضوعي في آن‪.‬‬

‫* الزمن التاريخي‪:Le temps Chronique :‬‬

‫وهو زمن األحداث التي تحيط أيضا بحياتنا باعتبارها متوالية من األحداث‪،‬‬
‫يسجلها اإلنسان مؤرخا لحياته عبر الفواصل الزمنية التي مر بها من صفاته الذاتية‬
‫والموضوعية‪.‬‬

‫* الزمن اللغوي‪:‬‬

‫ال يمكن اختزاله في الزمن الطبيعي أو التاريخي‪ ،‬ألنه يتفرد عنهما بكونه‬
‫مرتبطا بتأدية الكالم‪ ،‬وإذ هو كذلك فإنه يتجلى في الحاضر‪ "،‬فكل مرة يستعمل‬
‫متكلم ما صيغة نحوية دالة على الحاضر أو ما يجعل الحديث مزامنا لحال‬
‫الخطاب الذي يشير إليه "‪ 1‬وليس هذا فحسب‪ ،‬فحسب بنفنست كل األزمنة تنتظم‬
‫كليا بالنسبة للحاضر باعتباره النقطة المحورية في اللغة والمالزم على الدوام لها؛ إذ‬
‫والتعبير عن الزمن هو موضعة الحدث في مدار الزمن بالنسبة للحظة زمنية معينة‬

‫‪1‬‬
‫‪E.BENVINISTE,idem,p73‬‬
‫‪45‬‬
‫( ز) مأخوذة كمرجع وفي ذات الوقت يمكن للزمن أن يساهم في تحديد المكان‬
‫ليتآز ار وظيفيا في الخطاب مع ما تمنحه الضمائر وأسماء اإلشارة في هذا الصدد‪.‬‬

‫ويضيف بنفنست وحدات أخرى تعلن على حضور المتكلم في كنف قوله‪ ،‬منها‬
‫صيغ االستفهام واألمر وما يصحبها من نبرة يؤدي بها الخطاب‪ ،‬كلها مجتمعة يلجأ‬
‫إليها المتكلم حسب حاجته إليها‪ ،‬للتأثير في سلوك المتلقي بالرغم من أنها تختلف‬
‫ليتحدد دورها حسب كـ‪.‬أركيوني‪ 1‬في تحويل‬
‫ّ‬ ‫من مرسل آلخر أو نمط خطابي آلخر‪.‬‬
‫يتكون الموضوع َّ‬
‫ويتبين الفضاء الذي يتبلور فيه‪.‬‬ ‫اللغة إلى كالم‪ ،‬وبفضلها َّ‬

‫‪ 1‬ك‪. .‬أركيوني ‪ ،‬فعل القول من الذاتية في اللغة ‪ ،‬ص‪.83‬‬

‫‪46‬‬
‫المحاضرة السادسة‪:‬‬

‫مدرسة كوبنهاج‬

‫تعد مدرسة كوبنهاجن الدانمركية من المدارس التي تناولت دراسة اللغة دراسة علمية‬
‫بمنحى رياضي‪ ،‬وهذا من بين العوامل التي أكسبها شهرة وبالرغم من أن بعض‬
‫اللغويين ال يرونها ترتقي إلى مصاف كونها مدرسة إال أن الكثير من اللسانيين‬
‫الدانمركيين قد تأثروا بها‪.‬‬

‫والالفت لالنتباه أن أصحابها أمعنوا صوغ العناصر اللغوية في رموز جبرية‪،‬‬


‫وتراكيبها في معادالت رياضية‪ ،‬وهذا ما جعل دراساتهم تتزيا بمصطلحات غريبة‬
‫دفعت بالمختصين باختالف توجهاتهم العلمية وقناعاتهم الفلسفية إلى إحداث ردود‬
‫فعل كثيرة تجاه هذا الطرح الذي أدهش المنشغلين في الحقل اللساني‪.‬‬

‫قدمه أصحابها إال أن الكثير من‬


‫وما يجب اإلشارة إليه بالرغم من الجديد الذي ّ‬
‫المهتمين ال يرون فيها إال نظرية بطرح جديد تعرف باسم‪ :‬الغلوسيماتيك‬
‫)‪. (GLOSIMATICS‬‬

‫ويعد لويس يلمسالف )‪ (LOUIS HJELMESLEV‬أحد مؤسسيها(‪-1899‬‬


‫‪ ،1)1965‬ولعل تأثره العلمي بوالده كان بينا من خالل تفاصيل األسس التي أقيمت‬
‫عليها أفكاره؛ إذ كان والده أستاذا لمادة الرياضيات بجامعة كوبنهاجن التي تقلد‬
‫رئاستها بعد ذلك‪ .‬إلتحق يامسالف بجامعة كوبنهاجن عام ‪ ،1916‬بعدها غادر إلى‬
‫بلدان عديدة لمزاولة دراسته‪ ،‬حيث درس بلتوانيا عام ‪ 1921‬وببراغ عام ‪ ،1923‬ثم‬
‫باريس مكث بها عامين كاملين واتصل في هذه الفترة بأنتوان ميي وفندريس وتابع‬
‫محاضراتهما في اللسانيات من خاللها تعرف عن كثب على أفكار دي سوسير‬
‫ومناهجه وهذا ما ساعده على إرساء دعائم نظريته الجديدة الغلوسيماتيك‪ .2‬ومن‬

‫‪ 1‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص‪.157‬‬


‫‪ 2‬أحمد مومن ‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.157‬‬

‫‪47‬‬
‫خالل أعماله يظهر أنه تأثر بعوامل عدة كونت شخصيته العلمية منها المنطق‬
‫الرياضي الذي أخذه عن والده‪ ،‬والمناهج العلمية المنتشرة في زمانه‪ .‬وتوج حياته‬
‫بمنصب أستاذ اللسانيات في جامعة كوبنهاجن وظل يحاضر هناك حتى خلف‬
‫بيدرسن سنة‪ 1937‬في كرسي اللسانيات المقارنة‪.‬‬

‫نظرية الغلوسيماتيك‪:‬‬

‫خطت نظرية الجلوسيماتيك خطواتها األولى في المؤتمر الدولي الثالث للسانيات‬


‫الذي انعقد في كوبنهاجن عام ‪ ،1936‬بوضع مصطلح غلوسيماتيك للتداول(مأخوذة‬
‫يامسالف‬ ‫من جلوسام ومعناه اللغة بالالتنية)‪ ،‬ثم تبعتها خطوة أخرى بإنشاء‬
‫وم َؤِس َسة إلى أن‬
‫وبرندال مجلة عام ‪ ،1938‬وبدأت تتوالى بعده أعمال ُم َع ِرَفة ُ‬
‫وصلت النظرية إلى شكلها الحالي ومن بينها المؤلفات التالية‪:1‬‬

‫‪ -1‬مبادئ النحو العام‪.‬‬

‫‪ -2‬محاولة في نظرية المورفيمات‪.‬‬

‫‪ -3‬مقدمة في نظرية اللغة‪.‬‬

‫وهذا ما جعل تأثيرها يتسع إلى لسانيين آخرين حتى خارج الدانمارك‪ ،‬كالواليات‬
‫المتحدة األمريكية مثال‪.‬‬

‫وكما قلنا فإن هذه النظرية أسسها قد قامت على مبادئ رياضية ومنطقية‪ ،‬وهذا ما‬
‫جعلها تتميز عن باقي النظريات بالتجريد بهدف وصف النصوص لفهمها من خالل‬
‫مقدمات منطقية‪.‬‬

‫‪ 1‬أحمد مومن ‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.158‬‬


‫‪48‬‬
‫ومقارنة بغيرها من المدارس اللسانية فقد استبدلت عديد المصطلحات اللسانية عند‬
‫غيرها بمصطلحات أخرى؛ فمصطلح المورفام أو اللفظم أصبح يقابله حسب مدرسة‬
‫كوبنهاجن المضمون‪ ،‬وثنائية اللغة والكالم بــ‪ :‬النمط والنص‪.‬‬

‫ويامسالف نفسه يقر بأن نظريته ما هي إال امتداد طبيعي لنظرية سوسير وبلورتها‬
‫في قالب علمي رياضي جعل منها المتمم الحقيقي ألفكار هذا العالمة‪ .‬ومن‬
‫مبادئ هذه النظرية ‪:‬‬

‫‪ -1‬مبدأ التجريب‪.‬‬

‫‪ -2‬مبدأ اإلحكام والمالءمة‪.‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫تقوم دراسة اللغة وفق منهج تبنيه أسس قارة هي‪:1‬‬

‫‪ -1‬النزعة المضادة للميتافيزيقا‪ :‬الجمل الميتافيزقية ليست هي الجمل الخاطئة بل‬


‫تلك التي ال معنى لها‪.‬‬

‫‪ -2‬المبدأ التجريبي‪ :‬الذي يعتمد على المالحظة واالختبار ويجمع بين ثالثة‬
‫الال تناقض – الوصف الشامل – التبسيط‪.‬‬
‫معايير‪ّ :‬‬

‫‪ -3‬التركيز على الوصف التركيبي‪:.‬من بين ما يحققه التركيب وصف المضمون‪،‬‬


‫وهو نفسه ينشطر إلى أشياء قابلة للمالحظة واإلبالغ وإلى أخرى عكس ذلك تماما‪،‬‬
‫وأبلغ مثال نصوغه لذلك تباين إدراك مدلوالت األشياء عند أكثر من شخص كترجمة‬
‫األداءات اللغوية ونبراتها‪ ،‬األلوان ‪ ،‬التواريخ ‪ ،‬األماكن‪ ،‬أسماء األشخاص‪....‬‬

‫‪ -4‬تحويل اللغة العلمية إلى علم الجبر‪ :‬يبدأ بإقصاء كل الجمل الميتافيزيقية من‬
‫الخطاب العلمي ‪ ،‬ثم يحلل النص تدريجيا سواء كان مكتوبا أو منطوقا إلى وحدات‬
‫‪ 1‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص‪.165-164‬‬
‫‪49‬‬
‫دنيا؛ من النص الشامل إلى فصول ثم فقرات فجمل ومفردات وغلوسيمات وحروف‬
‫وأصوات‪.‬‬

‫وهذا ما يؤكد أن منهج التحليل ( الجلوسيماتي) عند يلمسالف يبدأ دائما بالوحدات‬
‫الكبرى ثم الصغرى فاألصغر وهكذا‪ ...‬وهدفها هو إرساء قواعد كلية يستنبط من‬
‫خاللها الباحث قواعد خاصة بكل اللغات باعتماد إجراءات علمية لصياغة فرضيات‬
‫موضوعية وقوانين تجريبية ويبين في الوقت نفسه تباين اللغات وكما قال أشار‬
‫أن الطرح الذي تقدمت به هذه النظرية وبالكيفية التي تشير إليها تفاصيلها‬
‫بعضهم ّ‬
‫تجعل من قواعد منهجها ال يعتمد على أي علم آخر‪ ،‬بل بالعكس فالعلوم األخرى‬
‫هي التي تحتاج إلى اللسانيات باعتبارها قاعدة أساسية‪.1‬‬

‫وحسب يلمسالف هناك خمس سمات أساسية تدخل في البنية األساسية لكل‬
‫جملة‪: 2‬‬

‫* مضمون وتعبير‪* .‬تتابع أي نص ونظام * يتصل المضمون بالتعبير اتصاال‬


‫وثيقا خالل عملية التواصل‪ *.‬تنتصب عالقات محددة ضمن التتابع والنظام* يفتقر‬
‫التعبير إلى التطابق التام بين المضمون والتعبير‪.‬‬

‫وبالرغم من تعدد المصطلحات الجديدة التي أغنى بها البدائل إال أن في حقيقتها‬
‫الكثير منها قال بها دي سوسير‪ .‬وهذا ما لم ينفه يلمسالف نفسه في أكثر من‬
‫موضع عندما أقر تأثره به‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪FrancisWhitfield, (( glossematics)) In Archibald Hill (ed)Linguistics, Voice of America Forum Lectures, 1969, p. 287.‬‬
‫‪ 2‬أحمد مومن ‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪161 -160‬‬
‫‪50‬‬
‫المحاضرة السابعة‪:‬‬

‫المدرسة الوظيفية الفرنسية‬

‫أندري مارتني*‪)André Martinet( :‬‬

‫الدءوب ألعمدته‪ ،‬مؤسسين بذلك منهجا أصيال‬ ‫بالنشاط ّ‬


‫ماانفك التّيار الوظيفي يبرز ّ‬
‫ّ‬
‫في دراسة وظيفة التّواصل الّلغوية‪ ،‬وما استطاعوا االنفراد بذلك إالّ من خالل البناء‬
‫وظيفيا‪ ،‬وظيفته تمكين البشر من التّواصل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على أصل واحد هو اعتبار الّلغة نظاما‬
‫األساسية هي‬
‫ّ‬ ‫بأن وظيفتها‬
‫اطمأنوا إلى الّلغة ّ‬
‫ّ‬ ‫أندري مارتني واحد من هؤالء اّلذين‬
‫‪1‬‬
‫الصـدارة لهذه الوظيفة في القائمة المفتوحة‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ي‪،‬‬‫البشر‬ ‫الجنس‬ ‫اد‬
‫ر‬ ‫أف‬ ‫بين‬ ‫التّواصل‬
‫بأن لّلغة وظائف أخرى وهذا ما أشار إليه‬
‫شك اعتراف ّ‬
‫لوظائف الّلغة‪ ،‬وفي ذلك وال ّ‬
‫في أكثر من موضع في كتابه‪ESSAIS DE LINGUISTIQUE (:‬‬
‫أن الّلغة من وظائفها استيعاب الحمولة المادية للفكر‪،‬‬
‫‪ ،)GENERALE‬منها ّ‬
‫فلوالها لما تعرفنا على منتوجه‪ ،‬وما تحققنا من وجوده أصال – الفكر– ولوال الّلغة‬
‫عبر‬
‫كل تواصل وتعبير‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫ما استطعنا االهتداء إلى العنصر الجمالي في ّ‬
‫عنه جاكسون ّ‬
‫بالشعرّية ولكن مارتيني يعتبرها ثانوية إذا ما قورنت بالوظيفة‬
‫اصلية‪ .‬وقد ألقى الضوء أكثر على هذه الوظيفة بقوله‪ ..." :‬إن التّواصل بمعنى‬
‫التّو ّ‬
‫التّفاهم المتبادل هو اّلذي يجب تثبيته على ّأنه الوظيفة المركزّية لهذه األداة اّلتي‬
‫‪2‬‬
‫وكأن بهذه الوظيفة تعتبر الوظائف األخرى محمولة على غايتها‪ ،‬وما‬ ‫هي الّلغة" ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أساسية هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫أهلها لتكون‬
‫وجدت إال لتخدمها‪ .‬هذا ما جعلها مركزّية و ّ‬

‫* أندري مارتيني‪ :1984-1908 André Martinet :‬لساني فرنسي معاصر اشتغل بالتدريس وفي نفس الوقت أتم‬
‫دراسته العليا مهتما باللغات كاالنجليزية والجرمانية‪ .‬أقام عالقات علمية وطيدة مع أعضاء علماء نادي براغ اللساني‬
‫بمش اركات علمية منتظمة‪ ،‬انتقل إلى الواليات المتحدة األمريكية وهناك تقلد عدة مسؤوليات منها إدارة مجلة الكلمة‪،‬‬
‫ورئاسة معهد اللسانيات بجامعة كولومبيا‪ ،‬والجمعية العالمية للغة المساعدة‪ ،‬من مؤلفاته‪:‬‬

‫‪-*A Functional View of language- Element de linguistique générale‬‬

‫‪1‬‬
‫‪André Martinet, Elément de l’inguistique générale paris.armand colin,1978,p09.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪André Martinet, idem, p10‬‬
‫‪51‬‬
‫جهة أخرى فهذه المقولة تجعل مصطلح التّبادل ينتصب عنص ار مائ از للتّواصل؛ إذ‬
‫النظام الّلغوي الواحد اّلذي يجمع فاعلي التّواصل‪ ،‬فبدونه‬
‫يوحي أكثر ما يوحي إلى ّ‬
‫تفاهما متبادال "إذن ال يمكن أن ننقل تجربة هذا‬
‫ً‬ ‫فهما وال‬
‫نتصور ً‬
‫ّ‬ ‫ال يمكن أن‬
‫الشخص إلى ذاك دون أن يكون لهما نفس ّ‬
‫‪1‬‬
‫أن‬
‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫ة‬
‫ر‬ ‫إشا‬ ‫ذلك‬ ‫وفي‬ ‫النظام"‬ ‫ّ‬
‫أقل ما يكون بين اثنين مختلفين كذات‪ ،‬وإلغاء للتعبير الفردي كما ذهب‬
‫التّواصل ّ‬
‫إلى ذلك األستاذ أحمد رايص‪ .‬وبهذا تطفو وظيفة الّلغة بكونها وسيلة للتّبادل‬
‫يتجسد إالّ مع اآلخر؛ بمعنى حضور ضمائر مختلفة أقّلها (أنا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الثّقافي‪ ،‬وهذا ال‬
‫أنت) مع ّينة لل ّذوات المتّواصلة فيما بينها وفي ذلك تأكيد على فضل الّلغة على‬
‫ويؤكد األستاذ أحمد‬
‫الفكر وجودا‪ ،‬وهي حقيقة حتما غائبة في حالة التّعبير الفردي‪ّ .‬‬
‫إن "الّلغة وسيلة إبالغ‪ ،‬يستطيع اإلنسان بها أن يحّلل‬
‫رايص في تعبير آخر بالقول ّ‬
‫أما الوحدات‬
‫خبرته إلى وحدات‪ ،‬ولكن هذا التحليل يختلف من مجتمع إلى مجتمع‪ّ ،‬‬
‫يثبت موقف‬
‫ّ‬ ‫يح‬
‫ر‬ ‫ص‬ ‫الت‬
‫ّ‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫المتمع‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫‪2‬‬
‫فهي ذات مضمون داللي وتعبير صوتي"‬
‫األساسية هي التّواصل‪ ،‬ويقيمها في الوقت نفسه‬
‫ّ‬ ‫مارتيني من الّلغة بكون وظيفتها‬
‫ائية لما أتى به‪ ،‬وبه عرف أال وهو التقطيع المزدوج‪Double (3‬‬ ‫آلية إجر ّ‬
‫ّ‬
‫‪) Articulation‬اّلذي يرى فيه ّ‬
‫أن تقطيع الّلغة إلى وحدات دنيا (الفونيمات‪،‬‬
‫*‬
‫ألن الوحدات الّلغوية ال حقيقة لها‬
‫كل وحدة ّ‬
‫ّ‬ ‫وظيفة‬ ‫به‬ ‫نظهر‬ ‫أن‬ ‫ينبغي‬ ‫)‬ ‫المونيمات‬
‫أن لها وظيفة‪ ،‬أي ّأنها تشارك بحضورها في تبليغ المعاني‪ ،‬سواء‬‫لغويا إالّ إذا أثبت ّ‬
‫ّ‬
‫على مستوى التقطيع األ ّول وهو "ذلك المستوى اّلذي يقوم على اعتبار ّ‬
‫أن أي ظاهرة‬
‫أي حاجة يراد تعريف اآلخر بها‪ ،‬تحّلل‬
‫من ظواهر التّجربة البشرّية يراد إبالغها أو ّ‬
‫صوتية ومعنى"‪ 4‬وهي نتاج التّجربة‬
‫ّ‬ ‫لكل منها صورة‬
‫إلى سلسلة من الوحدات ّ‬

‫‪ 1‬أحمد رايص‪ ،‬التواصل واللسانيات الحديثة‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ 2‬أندري مارتيني‪ ،‬مبادئ في اللسانيات العامة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد الحمو‪ ،‬د ط‪ .‬دمشق‪1985 :‬المطبعة الجديدة‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 3‬للتعمق أكثر‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫‪André Martinet, idem, Pp 13-15‬‬
‫* الفونيم‪ :‬أصغر وحدة صوتية غير دالة‪.‬‬
‫المونيم‪ :‬أصغر وحدة صوتية دالة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪idem, p13.‬‬
‫‪52‬‬
‫معينة‪ ،‬أو على مستوى التّقطيع الثّاني‪،‬‬
‫لغوية ّ‬
‫ّ‬ ‫لكل فرد من مجموعة‬
‫المشتركة ّ‬
‫الصوتية ذات معنى ‪ -‬المذكورة سلفا‪ -‬إلى‬‫الصورة ّ‬
‫إمكانية إخضاع ّ‬
‫ّ‬ ‫ويتجّلى في‬
‫الصورة‬
‫تقطيع متتابع من الوحدات تفتقر إلى المعنى وإن شاركت في تعيين معنى ّ‬
‫المتتالية اّلتي توجد‬
‫ّ‬ ‫الصوتية‪ .‬وعليه فقيمتها ليس من معناها‪ ،‬و ّإنما من وظيفتها في‬
‫ّ‬
‫بأن الثّراء اإلعالمي لنظام ما مرتبط بعنصرين‬ ‫"نسجل ّ‬
‫ّ‬ ‫ويؤكد ذلك بقوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بها‪،‬‬
‫كل واحدة منتجة مع هذا العدد"‪ 1‬وليس‬ ‫متالزمين‪ :‬العدد المرتفع للوحدات وقيمة ّ‬
‫أن المتّواصلين يتسابقون إلى توظيف أكبر عدد من الوحدات ّ‬
‫الصوتية‬ ‫معنى هذا ّ‬
‫بنوعيها لتحقيق الّفهم‪ ،‬من باب "إذا زاد المبنى زاد المعنى" بل يجنحون إلى‬
‫االقتصاد في الكالم بقدر ما يوفي بالغرض؛ إذ "عندما يتكّلم الفرد ليجعل نفسه‬
‫‪2‬‬
‫أن القول قد بلغ منتهاه"‬
‫فإنه ال يتّفق إالّ بالقدر اّلذي يكفي ليبدو معه ّ‬
‫مفهوما ّ‬
‫فالنشاط‬
‫النشاط اإلنساني "‪ّ ...‬‬
‫تميز ّ‬
‫خاصية االقتصاد في الجهد سمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليجعل‬
‫األقل جهدا اّلذي من خالله ال يجهد اإلنسان نفسه إالّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنساني خاضع إلى قانون‬
‫طرها"‪ 3‬ومن هذه المقولة وما سبقها يتّضح‬
‫بمقدار ما يمكن به بلوغ األهداف اّلتي س ّ‬
‫أن مارتيني من المتأثّرين بنظرّية اإلعالم واالتصال؛ إذ يتقاطع معها في كثير‬
‫لنا ّ‬
‫اإلعالمية اّلتي تحملها‬
‫ّ‬ ‫من المفاهيم سواء على مستوى االقتصاد في الّلغة أو القيمة‬
‫غوية‪ ،‬وحتّى على مستوى المصطلح فالمتصّفح لكتابه ‪ESSAIS DE‬‬ ‫الوحدات الّل ّ‬
‫عدة مصطلحات استعارها من "شانون"‬
‫‪ LINGUISTIQUE GENERALE‬يجد ّ‬
‫وكل ماله عالقة بها‪:‬‬
‫و"ويفر" وحتّى "فينر" واستعملها في تحليل الّلغة ووظائفها ّ‬
‫ظف مصطلح‬ ‫غذية الراجعة‪ ...‬الخ‪ ،‬في حين و ّ‬‫كالتشويش‪ ،‬اإلطناب‪ ،‬التّ ّ‬
‫السامع مقابال بهما المرسل والمرسل إليه في‬
‫‪ Locuteur‬المتكّلم و‪ّ Auditeur‬‬
‫فإنما يدل على اهتمامه الواضح بالتّلفظ‬
‫دل ذلك على شيء ّ‬
‫نظرّية التّواصل وإن ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪idem, p184.‬‬
‫‪ 2‬أندري مارتيني‪ ،‬مبادئ في اللسانيات العامة‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪3‬‬
‫‪André Martinet, idem, pp 176, 177‬‬
‫‪53‬‬
‫‪1‬‬
‫ألن الكالم ماهو‬
‫‪ Lénonciation‬إلى درجة أن ربط معرفة الّلغة بمعالجة الّلفظ ّ‬
‫إالّ تجسيد لنظام هذه الّلغة اّلتي ال يظهر وجودها إالّ من خالله‪.‬‬

‫انتصاب التواصل وظيفة أساسية للغة يجعل الوظيفة العامة لهذه اللغة‬
‫تبنى من وظيفة األجزاء المكونة لها‪ .‬وهذا ما يدفع إلى البحث عن هذه األجزاء‬
‫الوظيفية‪ ،‬فكان االهتداء إلى آلية تقطيع اللغة إلى وحدات دنيا‪ ،‬ومن نتاجه‬
‫الوصول إلى تقطيعين تناول كل واحد منهما جزءا ثابتا من اللغة‪ ،‬اصطلح على‬
‫تسميته بالتقطيع المزدوج كما أسلفنا الذكر نسبة لبنية األجزاء المكونة لهذه اللغة‬
‫التي تخضع للتقطيع إلى وحدات صغيرة فجاء التقطيع على مرحلتين‪ ،‬نحصل في‬
‫كل واحدة منهما على نوع متماثل من الوحدات؛ وحدات المرتبة األولى هي‬
‫الكلمات‪ ،‬والكلمات تحمل معان تسمى بـ(المونيمات)‪ ،‬أما وحدات المرتبة الثانية‬
‫فهي الحروف التي ال معنى لها وتسمى بـ (الفونيمات)‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬

‫* طرح الطالب سؤاال‪.‬‬

‫التقطيع األول ويمس الجملة ويتم بتقطيعها إلى كلمات(مونيمات) تحمل‬


‫معان‪ ،‬نحو‪ :‬طرح ‪ /‬الطالب ‪ /‬سؤاال‪.‬‬

‫فكل كلمة من الكلمات الثالثة إال وتحمل معنى قائما بذاته‪ ،‬باجتماع هذه‬
‫الكلمات الثالثة تنتج جملة ذات معنى صالحة لتحقيق تواصل‪.‬‬

‫التقطيع الثاني ويمس الكلمة الواحدة من الجملة ويتم بتقطيعها إلى فونيمات‬
‫ال تحمل معان‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫‪ -‬طرح‪ :‬ط ‪ /‬ر ‪ /‬ح‪.‬‬

‫‪ -‬الطالب‪ :‬ا ‪ /‬لـ ‪ /‬ط ‪ /‬ا ‪ /‬لـ ‪ /‬ب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪idem, p 25.‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬سؤاال‪ :‬سـ ‪ /‬ؤ ‪ /‬ا ‪ /‬لـ ‪ /‬ا ‪.‬‬

‫فكل وحدة صوتية ال تحمل معنى عندما تكون مستقلة عن غيرها من‬
‫الوحدات الصوتية الموجودة معها في المتوالية التي استدعتها‪ .‬لكن عندما ترتب‬
‫معها وفق نظام لغوي معين تنشئ كلمة لها معنى من متوالية من الوحدات‬
‫الصوتية‪.‬‬

‫وكما للمونيم وظيفة ‪ -‬في عرف الوظيفيين – في الجملة بأن يحدد معنى‬
‫يستهدفه المتكلم‪ ،‬كذلك للفونيم وظيفة تتلخص في القيمة الداللية التي يمنحها‬
‫وجوده في الكلمة باعتبار نوعيته أو ترتيبه في الجملة‪ ،‬ولالستدالل على ذلك‬
‫نقول‪:‬‬

‫لو غيرنا حرف الحاء بحرف القاف لتَ َغَّي َر معنى الجملة في التواصل لتَ َغُّير‬
‫معنى الكلمة في المتوالية‪ ،‬فينتج لنا مايلي‪:‬‬

‫طرق الطالب سؤاال‪.‬‬ ‫‪ * -1‬طرح الطالب سؤاال‬

‫‪ -‬فلحرف القاف وظيفة في الفعل طرق تتجلى في المعنى الجديد الذي‬


‫أُلبس به مدلول الفعل طرق مقارنة بمدلول الفعل طرح‪ ،‬أماله عنصر االقتناء الذي‬
‫يلجأ إليه المتكلم‪ .‬هذه الوظيفة للفونيم تتضح بقوة في الجملة نفسها عندما نستبدل‬
‫الفعل طرح بالفعل طرق؛ إذ المعنى العام للجملة يتغير جذريا‪ ،‬هذا التغير أنتجته‬
‫الوظيفة التي وفرها وجود الفعل طرق عوض طرح‪ ،‬هذا االستبدال ما وجد إال‬
‫لتتناسب العناصر اللغوية المكونة للظاهرة اللغوية مع التصورات الذهنية التي‬
‫يكونها المعني عن السياق العام للتواصل‪.‬‬

‫‪ -‬وتجدر اإلشارة هنا إلى عدم خلط هذه الحقيقة العلمية التي أقرها‬
‫الوظيفيون مع حقائق علمية أخرى وجدت قبل هذا الطرح أال وهي النطق المختلف‬
‫للصوت الواحد في اللغة الواحدة نحو‪:‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬قلبي مجروح‪ ،‬وهي الجملة األصلية يمكن أن ينطق أحد حروفها‬
‫بصور مختلفة عن األصل مثل‪:‬‬

‫‪ -2‬كلبي مجروح‪.‬‬ ‫‪ -1‬ألبي مجروح‪.‬‬

‫غير من معنى الجمل‬ ‫فتلفظ الجملتين المتأخرتين بصوتين مختلفين ال ُي ّ‬


‫الثالثة بل يحقق معنى واحد ال يختلف تماما عن المعنى الذي أنشأته الجملة‬
‫األولى‪ .‬هذه الظاهرة اللغوية ال تنم عن وظيفة الفونيم بقدر ما تنقل النطق‬
‫المختلف لعنصر لغوي من لغة واحدة ألبناء اللغة الواحدة‪ .‬والمتحكم األوحد في‬
‫ذلك عناصر خارجة عن اللغة لكن مؤثرة في تأديتها‪ ،‬والبيئة الجغرافية واحدة منها‪،‬‬
‫والدليل على ذلك أن التواصل يتحقق بالمدلول نفسه‪ ،‬ويستقر بالتأثير ذاته إذا‬
‫تطابقت سياقات استدعاء الجملة وتوظيفها في ما تمليه طبيعة التواصل بأية صورة‬
‫نطق بها الصوت (ق) ‪ .‬في حين الجملة األخيرة مقارنة باألولى يمكن أن تُ ّبين‬
‫وظيفة الفونيم إذا قصدنا تغيير معنى الجملة األولى‪ ،‬فبعد أن كان المجروح قلب‬
‫إنسان‪ ،‬أصبح المجروح حيوانا‪ ،‬وشتان بين الجرح المادي( كـ(ق)ـلبي مجروح)‬
‫والجرح المعنوي المستهدف في الجملة األولى (قلبي مجروح)‪ ،‬لذلك يكون كل من‬
‫(ح) و (ط) فونيما في المثال األول‪ ،‬بينما ال يكون (ق) و(أ) إال صوتان في‬
‫المثال الثاني‪.‬‬

‫‪ -‬فإذا كان للفونيم قيمة باعتبار وظيفته في اإلنتاج اللغوي(التواصل)‪،‬‬

‫فإن الصوت ال وظيفة له في النطاق اللغوي باعتبار ّ‬


‫تغير هيئة نطقه ألنها ال‬ ‫ّ‬
‫تغير شيئا في اإلنتاج اللغوي(التواصل)‪.‬‬

‫‪ -‬استمداد الفونيم قيمة لغوية ووظيفة استعمالية من هيئته األصيلة يجعل‬


‫وجوده متمي از لتفرده عن غيره من الفونيمات في المونيمات‪ ،‬أو بين كل الفونيمات‬
‫التي تمتلكها لغة من اللغات‪ ،‬وهذا ما يجعل عدد الفونيمات محصو ار في أي لغة‪،‬‬
‫بخالف األصوات التي يتوقع أن يتكاثر عددها مقارنة بالفونيمات‪ ،‬وقد يتطابق‬
‫‪56‬‬
‫عددها مع ما ينتج من المؤثرات الخارجة عن نطاق اللغة وما أكثرها ! إذ تتوالد‬
‫صور نطق الصوت الواحد وتتضاعف هيئاته بتضاعف صور نطقه في‬
‫االستعمال‪ ،‬وضع تمليه العوامل الخارجة عن اللغة والمؤثرة في اللغة ذاتها‪ ،‬هذا ما‬
‫يجعل عدد األصوات في اللغة الواحدة غير قابل للحصر‪ ،‬وهذا من شأنه أن ينتج‬
‫عددا من األصوات يفوق بكثير عدد الفونيمات في اللغة الواحدة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المحاضرة الثامنة‪:‬‬

‫المدرسة السياقية‬

‫كان للمدرسة السياقية دواعي وجود منها نظرة كل من شومسكي و بياجي لالكتساب‬

‫اللغوي فيها على الترتيب إقصاء للجانب االجتماعي وعدم اهتمام كاف به‪ ،‬وال ّ‬
‫سيما‬
‫خصائص البيئة ومميزات الوسط الذي يوجد فيه الفرد‪ ،‬وهذا ما ألهم العالم الروسي‬
‫‪1‬‬ ‫*‬
‫فأسسها على رفض‬
‫فيجوتسكي )‪ (L.S.VYGOTSKY‬بناء نظريته حول نمو الطفل ّ‬
‫**‬
‫وقدم‬
‫ّ‬ ‫التيارات النفسية المتعارضة حول الفكر البشري التي كانت منتشرة في عصره‬
‫أن الوظائف التي يقوم بها الفكر من ذاكرة وانتباه‪...‬إلخ ما هي إال‬
‫طرحا جديدا مؤاداه ّ‬
‫نتاج لعمليات اجتماعية في إطار التفاعالت‪ ،‬تفاعالت اجتماعية بين األشخاص في‬
‫يبرر إيالءه الواقع االجتماعي والثقافي‬
‫نظام اتفاقات اجتماعية وثقافية‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ألن اللغة ليست تنظيما‬
‫والعالقات القائمة فيهما الدور المفقود سابقا في اكتساب اللغة‪ّ .‬‬
‫عما حوله من أحداث‪ ،‬بل قد تكون هي نفسها‬ ‫ُمحكما ُمنغلِقا على قواعده ومعزوال َّ‬
‫عد شيئا خطي ار‬
‫"أن تجاهل علم اللغة للمجتمع ُي ّ‬ ‫السبب في وجوده ونمائه‪ ،‬وهذا ما ِّ‬
‫يؤكد ّ‬
‫حد ذاته"‪ 2‬وبهذا فالدارس اللغوي حتى ينشد اإلحاطة الكاملة‬
‫بالنسبة لعلم اللغة في ّ‬
‫أن يضيف هذه الحلقة المفقودة الهتماماته‪ .‬ولعل هذا ما أراد أن‬
‫بحقيقة اللغة‪ ،‬يجب ْ‬

‫*فيجوتسكي‪ : 1934-1896 : L.S.VYGOTSKY‬باحث روسي من المهتمين بالدراسات المؤسسة على علم النفس النمو‪ ،‬وبالتربية‪،‬‬
‫المإركسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وعلم النفس المرضي‪ ،‬إليه يعود الفضل في بناء نظرية النمو اإلنساني تتقاطع مع توجهات‬
‫حفيظة تازروتي‪ ،‬اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري‪ ،‬ص ‪ 74‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫**كالسلوكية مثال باعتبارها أقصت الوعي وتجاهلته في دراسة السلوك اإلنساني‪ ،‬أو العقلية وآرائها في اكتساب اللغة‪.‬‬
‫د‪ .‬هدسون‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬تر‪ :‬د‪ :‬محمد عياد‪ ،‬ط ‪ .2‬مصر‪ ، 1990 :‬عالم الكتب‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪58‬‬
‫يثبته برونسيلو مالينوفسكي )‪ *(Bronislaw Malinovsky‬حين استخلص من جملة‬
‫"أن اللغة تعمل كأداة تواصل ضمن نشاط إنساني متعارف عليه"‪ ،1‬وهذا ما يشير‬
‫أبحاثه ّ‬
‫أن الكلمة الواحدة‬
‫إلى وظيفة الكالم من باب ّأنه هو الذي يمنح الحياة للكلمات؛ بمعنى ّ‬
‫تَتََزَّيا بزي جديد عند كل استعمال جديد‪ ،‬وجديد االستعمال هذا مرتبط أساسا بالسياق‬
‫أن "السياق ضروري لفهم الكلمات"‪ ،2‬لكن مالينوفسكي‬
‫يؤكد ّ‬
‫)‪ ،(Le Contexte‬وهذا ما ّ‬
‫أن‬
‫استعان بمفهوم سياق الموقف( ‪ (Contexte situationnel‬الذي يشير به إلى ّ‬
‫‪3‬‬
‫بالرجوع إلى معاينة الوظائف التي تؤديها في‬
‫ّ‬ ‫إال‬ ‫معاني المفردات والجمل ال تُستوعب‬
‫السياقات الموقفية الخاصة التي تُستعمل فيها‪.‬‬
‫ّ‬

‫آراء مالينوفسكي هذه كان لها صدى عند غيره من المفكرين‪ ،‬ومن هؤالء جون‬
‫ريبرت فيرث )‪:1960-1980 (J.R.Firth‬‬

‫لغوي بريطاني درس التاريخ‪ ،‬تعّلم بعض اللغات الشرفية وال ّ‬


‫سيما عند استق ارره بالهند‪،‬‬
‫حيث عمل أستاذا للغة اإلنجليزية‪ ،‬وفي عام ‪ 1928‬عاد إلى لندن ليشتغل أستاذا بمعهد‬
‫الصوتيات‪ ،‬وفي عام ‪ 1938‬انتقل إلى قسم اللغة في كلية الدراسات الشرقية و اإلفريقية‬
‫حتّى تقاعده‪.‬‬
‫بأن "اللغة شكل من أشكال الحياة اإلنسانية وليست مجرد مجموعة من‬ ‫أقر ّ‬
‫وهو الذي ّ‬
‫‪4‬‬
‫أن إقصاء الجانب االجتماعي في‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫منه‬ ‫تأكيد‬ ‫وهذا‬ ‫اإلشارات والرموز االعتباطية"‬
‫سياق‬
‫دراسة اللغة هو إقصاء غير مبرر وفق هذا المنظور للغة تبنى فيرث نظرية ّ‬
‫*برونسيلو مالينوفسكي ‪ :1942-1884Bronislaw Malinovsky‬أنثروبولوجي بولندي‪ ،‬عمل أستاذا بمدرسة العلوم االقتصادية‬
‫أن الّلغة تستغل كأداة تواصل‪ ،‬وإليه‬ ‫بلندن عام ‪ ، 1927‬أجرى عدة أبحاث لغوية ميدانية على قبائل بدائية‪ّ ،‬‬
‫توصل بها إلى حقيقة ّ‬
‫سياق الموقف ‪contexte situationnel‬‬ ‫يعود الفضل في ابتكار مفهوم ّ‬
‫‪1‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Tsutumu Akamatsu et al, The linguistics encyclopedia, 2nd éd. New York: 2004 Routledge. P157.‬‬
‫‪3‬للتعمق أكثر ينظر‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ -‬عبدو الراجحي‪ ،‬اللغة وعلوم المجتمع‪ ،‬ط‪ .2‬لبنان‪ 2004 :‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪4‬جون إي جوزيف وآخرون‪ ،‬أعالم الفكر اللغوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.104‬‬
‫‪59‬‬
‫الموقف‪ ،‬وهي بالنسبة له حقل خصب من العالقات‪ِ 1‬‬
‫يفعلها أشخاص ويثرونها عند قيامهم‬
‫ّ‬
‫باألدوار المسندة إليهم في المجتمع حسب طبيعة الحوادث واألشياء المرتبطة بهم‪ ،‬وبهذا‬
‫فإن فيرث لم يلتق مع مالينوفسكي في تثمين الجانب االجتماعي للغة فحسب باعتبار اللغة‬
‫ّ‬
‫تحيا وتنمو في سياق اجتماعي معين‪ ،‬وأبعد من هذا نجد موقف فرانز بوعز ‪(Franz‬‬
‫*)‪ Boas‬حيال اللغة فهو لم يربط اللغة بالمحيط بل بالثقافة‪" ،‬فالمجتمع حسب بوعز ال‬
‫يمكن فهمه من خالل بيئته بل من خالل ثقافته‪ ،‬وال يمكن فهم ثقافته إالّ من خالل لغته"‪,2‬‬
‫أفكار‬ ‫ليستقر اهتمامه على عامل الثقافة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبذلك يكون قد تجاوز عامل البيئة والمحيط‬
‫‪3‬‬
‫صلتُها بالثقافة لم تذهب إلى واد‪ ،‬بل وجدت من تأثّر بها‬ ‫فرانز بوعز حول اللغة و ِ‬
‫وحاول استثمارها في أطروحاته‪ ،‬ومن هؤالء إدوارد سابير)‪-1884 (Edward Sapir‬‬
‫‪ :1939‬ولد بألمانيا ثم هاجر إلى أمريكا‪ ،‬تخصص في الدراسات الفيلولوجية‪ ،‬اتصل‬
‫انكب على دراسة اللغات‬
‫بفرانز بوعز ‪ 1904‬فتأثر به و اتجه إلى الدراسة الميدانية‪ ،‬و ّ‬
‫الهندية األمريكية‪ ،‬درس اللغة مرك از على الجانب اإلنساني لها وبعدها الثقافي‪ ،‬أنشأ مع‬
‫أن لغة المرء‬
‫ب‪ ،‬ل وورف ‪ B.L.worf‬ما يعرف بفرضية سابيرو ورف والتي مفادها ّ‬
‫يميزها االختالف في بنياتها‬
‫أن اللغات ّ‬
‫تؤثّر في تفكيره الحتمية اللغوية ورؤيته لألشياء و ّ‬
‫النسبية اللغوية من مؤلفاته كتاب اللغة عام ‪.1921‬‬
‫أن‬
‫توصل إلى ّ‬
‫فبعد الدراسات الميدانية التي أجراها على اللغة بالنزول إلى متكلميها‪ّ ،‬‬
‫"اللغة هي أداة تواصل إنسانية محضة وغير فطرية )‪ 4"(instinctif‬ال يولد المرء مزودا‬

‫للتعمق أكثر ينظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبده الراجحي‪ ،‬اللغة وعلوم المجتمع‪ ،‬ص ‪ 26‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫فرانز بوعز‪ : 1942-1858 Franz Boas‬من المهاجرين األلمان إلى أمريكا وهو أول من أسس اللسانيات الوصفية في و‪.‬م‪.‬أ‪ .‬وقد‬ ‫*‬

‫ظلت هذه األسس التي تضمنها كتابه‪ :‬دليل اللغات الهندية األمريكية ‪ Hand book of American Indian by languages‬سنة‬
‫‪ 1911‬مهيمنة على النظرية اللسانية ولم يثر بشأنها أي جدل حتى سنة ‪ 1957‬عندما ألفى شومسكي مؤلفه الشهير‪ :‬البنى التركيبية‪،‬‬
‫وقد اعتمد في دراساته على اللغات المتطوقة وتوصل إلى أن اللغة أهم مظهر من مظاهر الثقافة‪.‬‬
‫أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.188‬‬ ‫‪2‬‬

‫جون إي جوزيف وآخرون‪ ،‬أعالم الفكر اللغوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Edward Sapir, le langage, traduction de l’anglais par : S. M. Guillaumin, Paris, ed, payot et Rivages‬‬
‫‪4‬‬

‫‪2001, p15‬‬
‫‪60‬‬
‫بها‪ ،‬بل المجتمع هو الذي يكسبها له وعلى هذا فالتباين*اللغوي للمجتمعات ناتج عن‬
‫التباين الثقافي لها‪.‬‬

‫ولعل هذا ما جمع سابير بـ‪ :‬بنجامين لي وورف ( ‪ :1941-1897 B.L.Woorf‬مفكر‬


‫أمريكي‪ ،‬بعد أن حصل على درجة جامعية أولية في الهندسة الكيميائية‪ ،‬اشتغل مفتشا‬
‫مختصا في الوقاية من الحرائق في شركة تأمين‪ .‬ارتبط اسمه بسابير‪ ،‬وقد ذاع صيته‬
‫بسبب ما يعرف بفرضية سابير وورف التي تشير إلى أن طريقة تفكيرنا تصوغها اللغة‬
‫أن الطريقة التي‬‫التي نتحدث بها‪ ).‬فيما يعرف بفرضية سابير وورف "‪...‬والتي تشير إلى ّ‬
‫‪1‬‬
‫أن للغة تأثي ار‬
‫يؤكد ّ‬
‫نتحدث بها" وهذا ما ّ‬
‫نفكر بها تصوغها – أو تحددها ‪ -‬الّلغة التي ّ‬
‫أن ّأية لغة إالّ وتفرض على أبنائها والناطقين بها طريقة‬
‫حاسما في رسم معالم تفكيرنا‪ ،‬و ّ‬
‫‪2‬‬
‫"إن اللغة كما يقول وورف‬
‫تميز لغويا‪ ،‬إذ ّ‬
‫يتميز فكريا إذا ّ‬‫خاصة في تفكريهم‪ ،‬وعليه فالفرد ّ‬
‫‪3‬‬
‫تسيطر على فهم المرء للواقع"‬

‫فلكل لغة أقسامها الخاصة وأنماطها المتميزة‪ ،‬وهذا ما أشرت إليه في الهامش عند تعريفنا بسابير وإشارتي إلى اللسانيات النسبية‪،‬‬ ‫*‬

‫للتعمق أكثر ينظر‪:‬‬


‫‪ -‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪1‬جون إيف جوزيف وآخرون‪ ،‬أعالم الفكر اللغوي ج‪ ،2‬ص ‪.83‬‬
‫‪2‬أحمد مؤمن‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪3‬جون إيف جوزيف وآخرون‪ ،‬أعالم الفكر اللغوي ج‪ ،2‬ص ‪.87‬‬
‫‪61‬‬
‫المحاضرة التاسعة‪:‬‬

‫المدرسة التوزيعية‬

‫بلوم فيلد*‪) BLOOME FIELD (:‬‬

‫بالرغم من اختالف مقومات الدرس اللساني األمريكي عن مثيله األوروبي في‬


‫الدرس الّلغوي األمريكي‬
‫أن ّ‬
‫طبيعة المدونة ‪ Corpus‬التي أقاما عليها درسيهما‪ ،‬إال ّ‬
‫الدرس الّلغوي األوروبي األخير في تناول الّلغة ومحاولة دراستها لذاتها‪،‬‬
‫لم يشذ عن ّ‬
‫فهية لّلغة موضوع‬
‫الش ّ‬
‫وما زاد من وفاء علماء األمريكان لهذا المبدأ‪ ،‬الطبيعة ّ‬
‫أن كان الوصف واالستقراء منهجين‪ ،‬بل مطلبين سعت إلى‬ ‫الدراسة؛ فال مراء ْ‬
‫ّ‬
‫السعي لم يكن في منأى عن‬
‫يكية‪ ،‬لكن هذا ّ‬‫الدراسات الّلغوية األمر ّ‬
‫تحقيقهما بعض ّ‬
‫الدراسة في تناول الّلغة؛ إذ الجهود اّلتي بذلها‬
‫تأثير بعض العلوم اّلتي رافقت هذه ّ‬
‫الساحة‬
‫تلونت بمبادئ تلك العلوم اّلتي اكتسحت ّ‬ ‫بعض الّلغويين من بينهم بلوم فيلد‪ّ ،‬‬
‫(ب)‬ ‫(أ)‬
‫يبية‬
‫(‪ ،)positivism‬والتّجر ّ‬ ‫الوضعية‬
‫ّ‬ ‫العلمية ومن بينها الفلسفة‬
‫ّ‬

‫*‬
‫بلوم فيلد‪ :‬لساني أمريكي ولد بشيكاغو عام ‪ ،1887‬التحق بجامعة هارفرد في سنة ‪ ،1903‬ومن جامعة شيكاغو تحصل‬
‫على شهادة الدكتوراه عام ‪ ، 1909‬هاجر إلى أوروبا أين تمكن من متابعة محاضرات أعظم علماء اللسانيات المقارنة أمثال‬
‫لسكين »‪ «Leskien‬وبروغمن »‪ «Brugman‬فبعد أن درس اللغة األلمانية قبل هجرته‪ ،‬عاد ودرس الفبيلولوجيا‬
‫الجرمانية في جامعات عديدة بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والسيما اللغات الهندية األلغونقوية إلى أن اعتنى أكثر فأكثر‬
‫باللسانيات الوصفية والبنوية متخذا موقفا لم ينتصر فيه للدراسة اللغوية التقليدية التي ظهرت قبل اللسانيات التاريخية ال‬
‫لشيء إال ألنها كانت استداللية ومعيارية‪ ،‬وما كانت البتة وصفية واستقرائية‪ ،‬وهذا ما جعلها تجانب العلمية في رأيه‪.‬‬

‫من مؤلفاته ‪ :‬مدخل إلى دراسة اللغة ‪ ،Introduction to study of language‬اللغة ‪ .Language‬ويعد بلو مفيلد‬

‫بحق عراب السلوكية ‪ ،Behaviorism‬التي نقلها بوفاء وجد إلى اللسانيات بوصفها إطارا نموذجيا لوصف اللغة‪ .‬عاش‬
‫حياته العلمية حريصا على إثبات ذلك وداعيا إليه إلى أن وافته المنية عام ‪.1949‬‬

‫أ‬
‫الفلسفة الوضعية‪ : Positivisme :‬ترى بأن المعرفة مصدرها الخبرة وليس العقل‪ ،‬وهذا ما يؤكد نفيها لكل تفكير‬
‫تجريدي وال تؤمن إال بالظواهر والوقائع اليقينية‪.‬‬

‫ب‬
‫الفلسفة التجريبية‪ :Empiricisme :‬وهي أكثر ارتباطا بالعلوم الطبيعية‪ .‬ترى أن كل معرفة حتى تكون علمية يجب‬
‫أن تخضع للتجربة والحقيقة عندها يجب أن تبنى على المالحظة واالختبار ال على العلم والعقل‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫(جـ)‬
‫فيا‬
‫اجماتية (‪ ، )pragmatism‬فأضحت مرجعا معر ّ‬ ‫(‪ ،)Empiricisme‬والبر ّ‬
‫المنهجية والفكرّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وفلسفيا منه استوحت مبادئها‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الدراسة الّلغوية اّلتي اعتمدها بلوم فليد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫أسقط‬ ‫العلوم‬ ‫لهذه‬ ‫المادي‬
‫ّ‬ ‫طابع‬
‫ال ّ‬
‫وقياسه‬
‫الشيء اّلذي يمكن مالحظته ّ‬ ‫أن‬
‫باآللية؛ إذ انطلق من مبدأ ّ‬
‫ّ‬ ‫فاتّسم منهجه‬
‫ّ‬
‫وكل ما خرج عن هذه‬ ‫للدراسة ّ‬ ‫التحكم فيه تعديال وتغيي ار هو وحده القابل ّ‬
‫ّ‬ ‫وبالتّالي‬
‫الشعور‬
‫الدارس‪ ،‬وبذلك انتفى ّ‬ ‫الدائرة ال يعدو أن يكون موضوعا يقتحم اهتمام ّ‬ ‫ّ‬
‫علمية‬
‫ّ‬ ‫اسة‬‫ر‬ ‫د‬ ‫ع‬‫موضو‬ ‫ن‬ ‫لتكو‬ ‫تها‬ ‫أهلي‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫‪2‬‬
‫الداخلية‬
‫الدوافع والحاجات ّ‬‫الوعي وحتّى ّ‬ ‫و‬
‫ّ‬
‫القياس‬
‫موضوعية‪ ،‬وهذا ليس نكرانا لوجودها و ّإنما الستحالة إخضاعها للمالحظة و ّ‬ ‫ّ‬
‫داخلية‪ ،‬فطفت األشياء واألحداث الخارجّية باعتبارها قابلة‬ ‫ّ‬ ‫ألنها‬
‫لشيء إالّ ّ‬ ‫ال‬
‫ّ‬
‫العلمية والّلغة واحدة منها‪ ،‬حيث جعلها‬
‫ّ‬ ‫للدراسة‬
‫نموذجيا ّ‬
‫ّ‬ ‫للمالحظة لتكون موضوعا‬

‫بلوم فيلد شكال من أشكال السلوك البشري وهي عنده "سلوك فيزيولوجي ّ‬
‫يتسبب في‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫وحيثياتها اّلتي استقاها من لقاء جيل وجاك‬
‫ّ‬ ‫األحداث‬ ‫ل‬ ‫ولع‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫معين"‬
‫حدوثه مثير ّ‬
‫الذهنية‪ ،‬واالهتمام فقط‬
‫ّ‬ ‫إليه من حيث عدم االهتمام بالجوانب‬‫برهان على ما ذهب ّ‬
‫ظاهري دون سواه‪،‬‬ ‫السلوك ال ّ‬
‫بما يمكن مالحظته مالحظة مباشرة باالعتماد على ّ‬
‫ظاهرة الّلغوية يكون بتحليل األشكال الّلغوية ال ّ‬
‫ظاهرة‪ ،‬والمواقف‬ ‫وبذلك فتناول ال ّ‬
‫أن التّواصل‬
‫القصة نفسها تشير إلى ّ‬ ‫لغوي ّ‬
‫مميز‪ .‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫المباشرة اّلتي أفرزتها في واقع‬
‫أقل ما يكون بين اثنين ويظهر‪ ،‬هذا في صورة جيل وجاك‪ ،‬وأن التّواصل نوع من‬‫ّ‬
‫معينة )‪ (Stimulus‬توّفرها البيئة‬
‫أنواع االستجابات )‪ (Reponses‬لمثيرات ّ‬
‫)‪ (Environment‬اّلتي تجمع المتّواصلين ‪.‬‬
‫جـ‬
‫البراجماتية النفعية‪ :Pragmatisme :‬وهي فلسفة ترى إن معيار صدق اآلراء واألفكار في قيمة عواقبها‬
‫العملية‪ ،‬والمعيار األوحد للحقيقة نجاحها ‪ ،‬وهي من المبادئ التي تشبعت بها الثقافة األنجلوساكسونية وال زالت‪.‬‬
‫‪ 1‬أحمد مؤمن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ 2‬حفيظة تازورتي‪ ،‬اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري‪ ،‬ط‪ .1‬الجزائر‪ 2003 :‬دار القصبة للنشر‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 3‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأةوالتطور‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ 4‬للتوسع ينظر‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد مومن‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ -‬جاكسون وآخرون‪ ،‬التواصل‪ ،‬نظريات ومقاربات‪ ،‬تر‪ :‬عز الدين الخطابي وزهور شوقي‪ ،‬د ط‪ .‬الدار البيضاء‪:‬‬
‫‪ 2007‬منشورات عالم التربية‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪ -‬مازن الواعر ‪ ،‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫الكالمية مرتبطة‬
‫ّ‬ ‫ألن االستجابة‬
‫وعليه فالتّواصل ال صلة له بالتّفكير(العقل) " ّ‬
‫ألن الّلغة في نظرهم ال‬
‫تدخل األفكار وذلك ّ‬
‫مباشرة بالحافز‪ ،‬وال تتطّلب ّ‬
‫بصورة ّ‬
‫يكيفها حافز البيئة"‪ 1‬وبذلك فالمرسل أو المتكّلم عند‬
‫صوتية ّ‬
‫ّ‬ ‫تعدو أن تكون عادات‬
‫معين من محيط البيئة اّلتي‬ ‫إنتاجه للملفوظ يكون قد استجاب استجابة ّ‬
‫نطقية لمثير ّ‬
‫نعبر عن ذلك كّله بالتّرسيمة المقترحة التّالية‪:‬‬
‫يوجد فيها ليس إالّ‪ .‬ويمكن أن ّ‬

‫الحدث الكالمي (الملفوظ)‬


‫وقائع ناتجة‬ ‫وقائع سابقة‬
‫عن الحدث‬ ‫عن الحدث‬
‫الكالمي‬ ‫الكالمي‬

‫ب‬ ‫أ‬

‫فالتّرسيمة هذه تظهر‪:‬‬

‫‪ -1‬التّواصل محقق بين اثنين (أ‪ ،‬ب)‪.‬‬


‫‪ -2‬وجود وقائع سابقة عن الحدث الكالمي (الملفوظ)‪.‬‬
‫‪ -3‬وجود وقائع ناتجة عن الحدث الكالمي‪.‬‬
‫‪ -4‬الحدث الكالمي كوجود عيني حاضر بين ( أ ) و ( ب) لكن صورته عند ( أ )‬
‫تختلف كوجود عند ( ب)‪ .‬فعند ( أ ) ما هو إالّ استجابة‪ ،‬وعند ( ب) ما هو إالّ‬
‫منبه‪.‬‬
‫القبلية للحدث الكالمي عند ( أ ) تطابق الحدث الكالمي عند ( ب)‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬الوقائع‬
‫منبه‪.‬‬
‫فكالهما ّ‬
‫البعدية عند ( ب) فكالهما استجابة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -6‬الحدث الكالمي عند ( أ ) يطابق الوقائع‬
‫‪ -7‬التواصل كوجود فعلي مبني على أساس مثير فاستجابة وهكذا‪...‬‬

‫‪ 1‬أحمد حساني‪ ،‬مباحث في اللسانيات‪ ،‬ط‪.1‬الجزائر‪ 1994:،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪.152‬‬


‫‪64‬‬
‫وعليه فاالستجابة محّققة ولو تجاوزنا الحدث الكالمي‪ ،‬ويكفي تلك الوقائع اّلتي‬
‫ويتجسد هذا في حال‬
‫ّ‬ ‫السلوك (استجابة)‬ ‫استثارت هذا األخير حتّى يكون ّ‬
‫تغير في ّ‬
‫التّواصل ال ّذاتي كأن يكون جاك هو من شعر ّ‬
‫بالجوع وهو من قطف التّفاحة لنفسه‪،‬‬
‫وإذا كان هذا االستنتاج منطقيا‪ ،‬أال يمكن اعتبار الحدث الكالمي قد اتّخذ موقعا‬
‫التغير في السلوك موقعا بديال للحدث الكالمي؟‬‫ّ‬ ‫بديال لمثيره‪ ،‬تماما كما اتّخذ‬
‫أن هذا يتّضح أكثر في حال تحّقق التّواصل بين اثنين فأكثر‪ ،‬كما وجد في‬‫وحسبي ّ‬
‫صورة جاك وجيل‪.‬‬

‫ومما تقدم فقد اتخذ بلوم فيلد من مبدأ التوزيع ديدنا لدراسته‪ ،‬وذلك بمعالجة مواقع‬
‫الوحدات اللغوية في لغة من اللغات باعتماد المالحظة والوصف اللذان يقودان إلى‬
‫عملية توصيف تنتهي بعملية تحديد توزيع الوحدات اللغوية في اإلنتاج اللغوي‪ ،‬وهذا‬
‫ما يصطلح على تسميته بالمنهج التوزيعي‪ ،‬اعتماده قاد بلومفيلد إلى إيالء الوحدات‬
‫الصرفية فالنحوية أهمية باعتبارها خاضعة للمالحظة والوصف‪ ،‬وأبعد المعنى من‬
‫اهتماماته ألن خاصية المالحظة المتوفرة في الوحدات السابقة غائبة تماما فيه‪.‬‬
‫وبذلك فالعناصر اللغوية القابلة للمالحظة تتحدد عالقاتها في التركيب الواحد( أفعال‬
‫الكالم) بعالقاتها مع غيرها من الوحدات المكونة للفعل الكالمي‪ .‬والتتالي السليم‬
‫( أي التوزيع) للوحدات اللغوية في الفعل الكالمي ينتج عنه تركيبا سليما باعتبار‬
‫العالقات اللغوية والمنطقية التي تحكمها‪.‬‬

‫بالرغم الجديد الذي جاءت بهذه األفكار إال أن الكثير انتقدها من الهتمين ال لشيء‬
‫إال ألنها استبعدت المعنى من الدراسة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫المحاضرة العاشرة والحادية عشر‬

‫المدرسة التوليدية التحويلية‬

‫الدرس‬
‫أن الثورة التي أحدثها سوسير على المناهج التي سبقته في ّ‬
‫ال ينكر أحد ّ‬
‫*‬
‫السلوكية‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ة‬‫البنوي‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫الّلغوي طاولتها ثورة نوام شومسكي(‪)Noem Chomsky‬‬
‫البنوية‬
‫ّ‬ ‫الدراسات اّللسانية الحديثة؛ إذ رفضهما‪ ،‬فانتقد‬
‫اّللتين كان لهما أثر بالغ في ّ‬
‫سطحيا للواقع الّلغوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألنها كانت تعتمد المنهج الوصفي التّنظيري اّلذي كان وصفا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫في وقت التحليل الّلغوي كما يراه شومسكي ال يمكن أن يكون وصفا لما يقوله‬
‫للعمليات ال ّذهنية اّلتي من خاللها يمكن‬
‫ّ‬ ‫المتكّلم وما ينبغي له "و ّإنما شرح‪ ،‬وتعليل‬
‫لإلنسان أن يتكّلم بجمل جديدة"‪ 1‬بمعنى أن وراء القدرة اإلبداعية للغة اإلنسانية قوى‬
‫أعمق وأقوى أثر من الخطأ أن تهمل في دراسة اللغة‪.‬‬

‫ألنه نزل باإلنسان إلى مستوى الحيوان أو اآللة‪ ،‬ألن الّلغة‬


‫السلوكي ّ‬
‫وانتقد المذهب ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصواب والخطأ"‬ ‫عنده "تكتسب عن طريق التّعزيز واالستجابة وتتعّلم عن طريق ّ‬
‫العمليات‬
‫ّ‬ ‫السلوك الخارجي لإلنسان‪ ،‬ملغيا‬ ‫وبذلك يكون هذا المنهج قد ّ‬
‫ركز على ّ‬
‫فعالة غريزية‬
‫ألن الّلغة في الحقيقة "قدرة ّ‬
‫تتم في دماغه‪ّ .‬‬
‫الداخلية اّلتي ّ‬
‫ال ّذهنية ّ‬
‫مختصة بالفصيلة اإلنسانية وحدها‪ ،‬من هنا فقد‬
‫ّ‬ ‫الفعالة الغريزّية‬
‫وفطرّية‪ .‬هذه القدرة ّ‬
‫الداخل وليس من‬‫أراد شومسكي من التحليل الّلساني أن يشرح الّلغة وأن يعّللها من ّ‬
‫‪3‬‬
‫متميزة‪ ،‬ودراسة مظهرها الخارجي‬
‫أن الّلغة عنده فصيلة إنسانية ّ‬‫الخارج" ؛ بمعنى ّ‬
‫فقط قصور‪ ،‬بل التحليل العلمي للحدث الّلغوي يجب أن ينطلق من جانبه الداخلي‬
‫حيث الظواهر الفيزيائية والبيولوجية واآللية والنفسية التي في الدماغ البشري دون‬
‫سواه‪ ،‬وبذلك يكون قد كشف عن حقيقة الّلغة وعن إنسانية اإلنسان‪ .‬وعلى عيوب‬
‫* نوام شومسكي (‪ )1928‬لغوي أمريكي‪ ،‬صاحب اللّسانيات التوليدية التحويلية الّتي كان لها أثر عميق في علم اللّسان الحديث‪ ،‬ظهرت‬
‫مالمحها الكبرى في كتاب له سنة ‪ 1957‬الموسوم‪( :‬البنى التركيبية= ‪ )Structures syntaxiques‬واكتملت في كتاب ثان له سنة‬
‫‪ 1965‬والموسوم النظريات التركيبية = (‪.)Aspects de la théorie syntaxique‬‬
‫‪ 1‬مازن الواعر‪(( ،‬النظريات النحوية والداللية في اللّسانيات التحويلية والتوليدية))‪ ،‬مجلة اللّسانيات‪ ،‬عدد ‪ 6‬الجزائر‪ ،1986 ،‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫‪ 2‬صالح بلعيد‪ ،‬نظرية النظم‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 3‬مازن الوعر‪ ،‬قضايا أساسية في علم اللّسان الحديث‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪66‬‬
‫ونقائص هذه المناهج أو تلك‪ ،‬أقام شومسكي منهجه التوليدي التحويلي اّلذي من‬
‫أسسه*‪:‬‬
‫ّ‬

‫التأدية‪:‬‬
‫‪-1‬الملكة و ّ‬

‫السطحية‪.‬‬
‫‪-2‬البنية العميقة و ّ‬

‫النحوية واالستحسان‪.‬‬
‫السالمة ّ‬
‫‪ّ -3‬‬

‫توليدي تحويلي للجملة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪-4‬تحليل‬
‫ّ‬
‫والملكة عنده هي معرفة المتكّلم الباطنية لقواعد اللغة الموجودة في ذهنه‪ ،‬تسمح له‬
‫بتوليد مجموعة من الجمل لم يسمعها من قبل‪ .‬أما التأدية فهي الكيفية األدائية‬
‫للملكة اللغوية في تبليغ األغراض وهذه الكيفية ليست دائما سليمة‪ ،‬لهذا وضع‬
‫مبدأين آخرين وهما السالمة النحوية واالستحسان‪ .‬فالسالمة النحوية هي قياس‬
‫لقواعد اللغة في ضبط األداء والكالم حتى ال ينحرف‪ ،‬أما االستحسان فرَبطه باألداء‬
‫والمتكلم‪ ،‬وبذلك فالسالمة النحوية مرتبطة بالملكة‪ ،‬واالستحسان مرتبط بالتأدية‪ .‬وقد‬
‫دفعه هذا إلى وضع أساس ثالث هو البنية السطحية والبنية العميقة؛ فالبنية‬
‫السطحية هي البنية الظاهرة عند تتابع األصوات أي جانب األداء اللغوي الفعلي‬
‫وهو الجانب الشكلي الخارجي للغة باعتبارها أصواتا ملفوظة‪ ،‬أما البنية العميقة فهي‬
‫القواعد التي أوجدت تتابع األصوات وهي الجانب الداخلي للغة‪.‬‬

‫ُسس منهجه ومعانيها وتمييزه ال ّدقيق بينها نقول‪:‬‬


‫ومن أ ّ‬

‫الباحث الّلغوي عنده عليه أن "‪...‬يقترب أكثر فأكثر من‬ ‫ألن ّ‬


‫من جهة اهتم بالمتكّلم ّ‬
‫الناطقين بلغتهم وذلك لسبر الكفاءة أو القدرة الّلغوية الفاعلة والمنفعلة في‬
‫المتكّلمين ّ‬
‫‪1‬‬
‫ألن الهدف من التّحليل الّلغوي هو معرفة القوانين والقواعد‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ال ّذهن البشري"‬

‫* معاني هذه األسس‪ ،‬طرحت بعمق عند صالح بلعيد‪ ،‬نظرية النظم‪ ،‬ص ‪ 80‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 1‬مازن الوعر‪ ،‬قضايا أساسية في علم اللّسان الحديث‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪67‬‬
‫يتميز بهذه القدرة‪ .‬من جهة أخرى ّبين ّ‬
‫أن البنية‬ ‫اّلتي تجعل اإلنسان ّ‬ ‫اإلنسانية‬
‫ّ‬
‫كافية‪ ،‬فأضاف البنية‬
‫اهتم بها سوسير‪ -‬غير ّ‬
‫(الوصف الخارجي) – التي ّ‬ ‫طحية‬
‫الس ّ‬
‫ّ‬
‫العميقة‪.‬‬

‫كما يقودنا الفهم العميق لهذا المنهج وأُسسه إلى استنتاج جوهري مفاده ّ‬
‫أن الّلغة ال‬
‫نهاية لها خالقة بطبيعتها ما دامت "‪...‬قادرة على إنشاء جمل غير متناهية العدد‪،‬‬
‫أن كل لغة تتكون‬ ‫‪1‬‬
‫المعنوية وقواعدها محدودة" ‪ ،‬معنى هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫وتية و‬
‫الص ّ‬
‫بينما وحداتها ّ‬
‫من مجموعة محدودة من األصوات والرموز الكتابية مع ذلك فإنها تنتج وتولد عددا‬
‫يجر إلى النقطة الجوهرّية في النظرية الّلغوية‬
‫ال متناهيا من الجمل‪ ،‬وهذا الذي ّ‬
‫ميز ثورة شومسكي وقاربت به‬ ‫التحويلية عند شومسكي وهي ال نهاية اللغة‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫ثورة سوسير قيمة‪.‬‬

‫وما دامت األلفاظ حصون المعاني والمعاني ممتدة إلى غير نهاية – كما هو‬
‫متداول عند المختصين‪ -‬فكثرة األلفاظ تتبع كثرة المعاني وبذلك فاللغة نتيجة من‬
‫نتائج الفكر‪ ،‬وليس هذا فحسب بل "الكالم والفكر ينموان ويرتقيان معا"‪ ،2‬وهذا ما‬
‫يؤكد الترابط الوثيق بين اللغة والفكر فال قيمة للغة إال قياسا بالمعاني المتصورة في‬
‫ألنها آلة ووسيلة‬
‫الذهن‪ ،‬والمعاني ال وجود لها إال إذا أثبتت بواسطة اللغة‪ّ ،‬‬
‫لتوضيحه وتحليله وهذا ما نشير به إلى عوامل اكتساب اللغة‪ ،‬فالمتعلم يملك‬
‫يدعم بما يمكن أن يثري فكره بمعارف‬ ‫استعدادا فطريا لذلك لكن ال يكفي إذا لم ّ‬
‫وينشط لسانه بألفاظ بها يخرج تلك األفكار إلى الحياة‪ ،‬وال يتأتى له ذلك دون طرائق‬
‫فاعلة وظيفية يكون الفكر فيها دافعا لتوظيف اللغة واللغة آلة نشطة لإلفصاح عن‬
‫ذاك الفكر‪ .‬فالفكر دون لغة ال وجود له واللغة دون فكر ال معنى لها‪.‬‬

‫المتتبع لمسار ظهور النظرية التوليدية التحويلية الشك سيدرك أنها لم ِ‬


‫تستو كاملة‬
‫منذ أول ظهور لها‪ ،‬بل مرت بمراحل؛ فإذا كان أول ظهور لها عام ‪ 1956‬بظهور‬

‫‪ 1‬محمد الشاوش وآخرون‪ ،‬أهم المدارس اللّسانية‪ ،‬ص ‪.76‬‬


‫‪ 2‬جميل صليبة‪ ،‬علم النفس‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪ ،1981 ،3‬ص ‪.518‬‬
‫‪68‬‬
‫ك تاب (التراكيب النحوية) لشومسكي فإن المرحلة النموذجية بدأت بظهور كتاب ثان‬
‫له عام‪ 1965‬بعنوان (مظاهر النظرية النحوية) هذه المرحلة التي أولت اهتماما إلى‬
‫المكون الداللي واستمرت نافذة إلى غاية ‪ 1970‬فبعد هذه السنة وجه االهتمام إلى‬
‫معالجة المصاعب المتولدة عن فكرة النحو العالمي‪ .‬ولعل لطفو بعض االنتقادات‬
‫آلارائه اللغوية في ما يعني نظريته وال سيما أن الفترة ظهرت بوادر لتطور علوم‬
‫ذات صلة باللغة واستعماالتها جعلت شومسكي ينكب على تطوير نظريته وإصالح‬
‫ما غفل عنه من نقائص في بداية ظهورها‪.‬‬

‫مميزات المنهج التحويلي في تناول اللغة‪:‬‬

‫‪ -‬التركيز على الجملة وهي موضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪ -‬تمس اللغة مظاهر تحويل متنوعة ومختلفة تسمى عناصر التحويل‪:‬‬

‫* التحويل يمس الحركة اإلعرابية في إحدى الوحدات اللغوية المكونة للجملة‪:‬‬


‫النصب – الرفع – الجر‪ -‬السكون‪.‬‬

‫* قواعد الحذف‪ :‬يمس الحذف إحدى الوحدات اللغوية المكونة للجملة أو أكثر‬
‫بشرط عدم اإلخالل بالمعنى األول‪.‬‬

‫* قواعد الزيادة‪ :‬هي عكس قواعد الحذف وتخضع لشروطها‪.‬‬

‫* قواعد التعويض‪ :‬وهو إمكانية إحالل كلمة ( خارج الجملة) مكان أخرى (في‬
‫الجملة) مع االحتفاظ بالمعنى األول قبل التعويض‪.‬‬

‫* قواعد إعادة الترتيب‪ :‬بحسب عالقة الوحدات اللغوية في ما بينها في الجملة‬


‫الواحدة يمكن أن تخضع هذه الوحدات إلى إعادة ترتيب مع االحتفاظ بالمعنى‬
‫األول‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وإنزال النظرية إلى مجالها التطبيقي طريقتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬تقوم على تحليل الجملة إلى عناصرها الجزئية المكونة لها أي إلى وحداتها‬
‫اللغوية التي تكونها‪:‬‬

‫كقولنا‪ /- :‬أكل زكريا تفاحة‪ (.‬جملة اسمية)‬

‫فتحليل هذه الجملة يكون كمايلي‪:‬‬

‫الجملة = مركب اسمي‪.‬‬

‫مركب اسمي= اسم ‪ +‬مركب فعلي‪.‬‬

‫مركب فعلي= فعل ‪+‬اسم‪.‬‬

‫‪ /-‬وقولنا= اشترى زكريا محفظة‪.‬‬

‫الجملة= مركب فعلي ‪ +‬مركب فعلي‪.‬‬

‫المركب الفعلي = فعل ‪ +‬مركب اسمي‪.‬‬

‫المركب االسمي = أداة ‪ +‬اسم‪.‬‬

‫األداة = ال‪.‬‬

‫االسم= زكريا ‪ ،‬محفظة‪.‬‬

‫الفعل = اشترى‪.‬‬

‫وهذا ما يسمى عند المهتمين بالعملية التشجيرية‪.‬‬

‫وتمادي شومسكي في االهتمام بالجملة واتخاذها وحدة محورّية في التّحليل الّلغوي‬


‫نتجت عنه أفكار جديدة عند غيره‪ ،‬فمن الّلسانيين من ينادي بتجاوز الجملة إلى‬
‫‪70‬‬
‫*‬
‫بلسانيات‬
‫ّ‬ ‫النص وجعله مجاال للبحث الّلغوي العميق و ّ‬
‫الدقيق‪ ،‬وهذا ما يسمى‬ ‫ّ‬
‫**‬
‫الربط بين مختلف أبعاد‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫"عجزت‬ ‫ابقة‬‫الس‬
‫ّ‬ ‫اسات‬
‫ر‬ ‫الد‬
‫ّ ّ‬ ‫ألن‬ ‫إال‬ ‫لشيء‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫النص‬
‫ّ‬
‫الربط‬
‫النص كفيل بتحقيق هذا ّ‬ ‫ظاهرة الّلغوية البنوي و ّ‬
‫الداللي والتداولي"‪ 3‬و ّ‬ ‫ال ّ‬
‫واالنسجام اّلذي تفتقر إليه الجملة‪.‬‬

‫مجرد أفكار ال تعدو أن‬


‫تميزها تبقى ّ‬
‫أسسها والمبادئ اّلتي ّ‬‫النظرّيات الّلغوية و ّ‬
‫وهذه ّ‬
‫وتتعدد بها االكتشافات نناصر فيها نظرّية‬
‫ّ‬ ‫تكون إالّ فلسفة تتصارع فيها المناهج‬
‫وندحض أخرى ال لشيء إال ّ‬
‫ألنها جديدة أو أكثر عمقا من سابقتها‪.‬‬

‫النظرّيات وصواب مواقفنا تجاهها هو المجال التطبيقي‬


‫لصحة هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫المحك الحقيقي‬
‫و ّ‬
‫ّ‬
‫قوي‬
‫بأمس الحاجة إليه ال لما ذكر فحسب‪ ،‬بل حتى ُيعطى لها دفع ّ‬ ‫ّ‬ ‫لها‪ ،‬وهي‬
‫كلية فيها إذا‬
‫النظر ّ‬
‫الصواب وتقويم الخطأ فيها وحتى إعادة ّ‬
‫لتعميق البحث بتعزيز ّ‬
‫تطّلب األمر ذلك‪.‬‬

‫النظري اّلذي ال ينتظر أصحابه آراء غيرهم‬‫وهذا ما من شأنه أن يكون إغناء للبحث ّ‬
‫يثمنوا أبحاثهم أو يراجعوها‪ ،‬و ّإنما أبحاثهم‬
‫توصلوا إليه حتى ّ‬‫من العلماء فيما ّ‬
‫أسس نظرّيتهم ونتائج أبحاثهم‪.‬‬
‫التطبيقية كفيلة بتقويم ّ‬
‫ّ‬

‫يقومه‪ ،‬والبحث التطبيقي ال‬


‫تطبيقي ّ‬ ‫النظري ال معنى له دون بحث‬
‫وبهذا‪ ،‬فالبحث ّ‬
‫ّ‬
‫أهمية‬
‫نتبين ّ‬‫الجدلية بينهما ّ‬
‫ّ‬ ‫وجود له دون بحث نظر ّي ينهل منه‪ .‬وبهذه العالقة‬
‫الزمن والمجهود اّللذين‬
‫النتائج اّلتي كان باإلمكان التوصل إليها – وناهيك عن ّ‬‫ّ‬
‫يتأخر ظهور علم اّللغة التطبيقي إلى غاية ‪.11946‬‬
‫يمكن اختزالهما – لو لم ّ‬

‫* يقصد بالنّص كل فعل تواصلي يستعمل اللّغة (حوار‪ ،‬رسالة‪ ،‬نص أدبي‪)...،‬‬
‫** لسانيات النّص‪ :‬علم من علوم اللّغة يدرس بنية ونظام النّصوص ويسعى إلى تأسيس لسانيات ال تكتفي بالجملة كوحدة أساسية بل‬
‫تنطلق من النّص ككل كوحدة أساسية للبحث‪ .‬للتعمق أكثر ينظر عبد اللطيف الفاربي وآخرين‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ 1‬صالح بلعيد‪ ،‬دروس في اللّسانيات التطبيقية‪ .‬الجزائر‪ :‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،2000 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪71‬‬
‫المحاضرة الثانية عشر‪:‬‬

‫المدرسة الوظيفية األمريكية‬

‫تداعيات ما سبق من آراء فتح المجال آلراء أخرى وسعت من الوظيفة‬


‫االجتماعية للغة‪ ،‬ومن ذلك أن آراء مالينوفسكي لم تتوقف عند فيرث‪ ،‬بل امتدت‬
‫*‬
‫يؤكد صراحة تعلقه بما‬
‫حتى إلى م‪.‬أ‪.‬ك‪ .‬هاليداي )‪(M.A.K.Halliday‬الذي ّ‬
‫توصل إليه ‪1‬مالينوفسكي فيما يعني "الوظيفة االجتماعية لّلغة" فهي حسبه تنعكس‬
‫في التنظيم الداخلي للنظام اللغوي‪ ،‬والبحث عن هذه اآلثار الوظيفية الحاضرة في‬
‫بنيات اللغة انتصبت موضوعا ِانكب على دراسته‪ ،‬آخذا لغة الطفل نقطة انطالق‬
‫عمله‪ُ ،‬محّلِال كيف يتطور التواصل عنده حتى مرحلة الرشد؟ َّ‬
‫فتبينت له في نمو‬
‫‪2‬‬
‫وظائف اللغة ثالث مراحل‪ ،‬لكل مرحلة وظائف تميزها‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫أن الطفل الصغير أثناء اعتماده اللغة ُيحِّقق الوظائف التالية‪:‬‬


‫الحظ ّ‬

‫‪ -1‬الوظيفية األداتية‪( Fonction instrumentale) :‬‬

‫وهي تحيل إلى الرغبات المادية التي يريد الطفل إشباعها أو األشياء المادية‬
‫وتتجسد مثال في عبارة‪" :‬أريد هذا الشيء"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التي يرغب الحصول عليها‪،‬‬

‫* م‪.‬أ‪.‬ك‪ .‬هاليداي( ‪:) M.A.K. Haliday‬‬


‫لساني أسترالي ولد ببريطانيا‪ ،‬طور التأثير العالمي للسانيات النسقية الوظيفية‪ ،‬واللغة عنده نظام سميائي م‪.‬أ‪.‬ك‪ .‬هاليداي‬
‫‪1‬‬
‫‪Christian Bachmanet autres, langues et communications sociales, p96.‬‬
‫‪ -2‬للتعمق ينظر‪:‬‬
‫‪- M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage 2‬‬ ‫‪ème‬‬
‫‪ed. piere Mardaga, editeur‬‬
‫‪bruscelles-lieges 1981, pp 123, 124.‬‬
‫‪- Christian bachman et autres, langage et communications sociales, p 96.‬‬
‫‪ -‬ميلود حبيبي‪،‬االتصال التربوي وتدريس األدب‪ ،‬ط‪. 1‬المغرب‪ ، 1993:‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ -2‬الوظيفة التنظيمية‪:(Fonction regulatoire) :‬‬

‫وتتجسد في‬
‫ّ‬ ‫يوجه الطفل األوامر لألشخاص المحيطين به‪،‬‬ ‫وتتحّقق حينما‬
‫ما أطلبه منك‪ ،‬لنلعب هذه اللعبة‪.‬‬ ‫عبارات مثل‪ :‬أ ِ‬
‫َنج ْز‬

‫‪ -3‬الوظيفة التفاعلية‪( Fonction Interactionelle) :‬‬

‫تسمح بتبادل األفكار والمشاعر وإنشاء عالقات مع اآلخر‪.‬‬

‫‪ -4‬الوظيفة الشخصية‪( Fonction Personelle) :‬‬

‫وتظهر عندما تُمنح للطفل فرصة التعبير عن الذات‪ :‬باإلفصاح عن األحاسيس‬


‫الخاصة به‪ ،‬أهدافه لذاته‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ -5‬الوظيفة االستكشافية‪( Fonction Heuristique) :‬‬

‫وتكون في الوضعيات التي تمنح للطفل فرصة اكتشاف محيطه‪ ،‬وذلك بطرح‬
‫أسئلة عن أسماء األشياء المادية من حوله‪ ،‬لتنمو بطرح أسئلة تستدعي أجوبة‬
‫متغيرة غير ثابتة‪ ،‬يلخصها هاليداي بعبارة شاملة‪ُ" :‬قل لي لماذا؟" و هذا ما من‬
‫ّ‬
‫التعرف على العناصر المنتمية إلى محيطه وتُش ِّكل جزءا‬
‫أن يمنح له فرصة ّ‬ ‫شأنه ْ‬
‫من حياته‪.‬‬

‫الوظيفة التَّ َخُّيلَِّية‪( Fonction imaginative) :‬‬

‫وتكون عندما يتيح لنفسه فرصة تَ ُّ‬


‫صور عالم خاص به‪ ،‬كأن يتظاهر بحالة ما أو‬
‫موقف معين ال يتطابق والحقائق الواقعية‪ .‬وبذلك فمن رام دراسة اللغة حري به‬
‫وضعها في اإلطار الذي يقتضيه التواصل من معطيات مادية ومعنوية تحيط‬
‫ِ‬
‫طور كيفياته‪.‬‬ ‫فعل تواصله وتُ ِّ‬
‫وج ُهه‪ ،‬وأكثر من هذا تَُنِّوع أداءاته وتُ ِّ‬ ‫بالشخص‪ ،‬وتُ ّ‬
‫‪73‬‬
‫هذا ما سيتأكد في‪:‬‬

‫تتميز بتضاعف مفاجئ لقائمة‬


‫حددها هاليداي‪ ،‬فهي حسبه " ّ‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬التي ّ‬ ‫ب‪-‬‬

‫السابقة‪ ،‬وكثير من اإلنتاجات‬


‫العبارات التي أصبح يمتلكها الطفل مقارنة بالمرحلة ّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫الصبيانية تُشبه اآلن كلمات بارزة في معجم ال ارشد"‬

‫وما كان ذلك ليتحّقق لوال المحيط الذي نما فيه الطفل وما صاحبه من تفاصيل‬
‫السياقات اللغوية المتنوعة التي ساهمت بشكل أو بآخر في نمو لغة الطفل‬
‫ميزت ّ‬
‫ّ‬
‫إلى درجة تحقيق االندماج في محيطه والتأثير في األشخاص الذين من حوله‬
‫‪2‬‬
‫والتعليق على ما يالحظه‪ ،‬وهذا ما يكشف عن تحقق وظيفتين في هذه المرحلة‪:‬‬
‫الوظيفة التداولية )‪ ،(Fonction pragmatique‬والوظيفة التفسيرية ‪(Fonction‬‬
‫(‪ mathétique‬في وقت قياسي تصاعدي‪ .‬والعامل في إبرازها‪ ،‬هي تلك "العبارات‬
‫الكاشفة عن الوظائف األداتية‪ ،‬التنظيمية والتفاعلية‪ ،‬كلها اآلن منتجة على زمن‬
‫تصاعدي‪ ،‬تظهر ّأنها تستدعي إجابة على شكل حدث أو على شكل فعلي"‪ 3‬تنبئ‬
‫شك بوجود قواعد تواصلية أخذت تُثَِّب ُت مواقعها في لغة الطفل‪ُ .‬ليؤكد هاليداي‬
‫وال ّ‬
‫في موضع آخر على‪ 4‬وصف تلك الوظائف الثالثة كشاهد على وظيفة أوسع هي‬
‫الوظيفة التداولية التي ما ُوجدت إالّ للتأثير في المحيط‪.‬‬

‫تحول الطفل من متأثر بمحيطه إلى ُمؤثر فيه‪ ،‬لتكون هذه المرحلة‬
‫وهكذا ّ‬
‫مطية لـ‪:‬‬
‫وسابقتها َّ‬

‫‪1‬‬
‫‪M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage, p 125.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Christian bachman et autres, langage et communications sociales, p 97.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage, p 125.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Idem, p 125.‬‬
‫‪74‬‬
‫كل‬
‫تضم ّ‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬تتوافق وسن الرشد الذي يبلغه الطفل‪ ،‬وهي مرحلة ُ‬ ‫ت‪-‬‬

‫المتعددة في وظائف جامعة ُمنحصرة في ثالث وظائف هي‪:1‬‬


‫ّ‬ ‫الوظائف السابقة‬

‫‪ -1‬الوظيفة الفكرية‪)La Fonction idéationnelle( :‬‬

‫يعبر بها عن التجربة ال ّذاتية التي اكتسبها من العالم المادي‬


‫حتى ّ‬ ‫يلجأ إليها الراشد‬
‫ّ‬
‫واالجتماعي‪.‬‬

‫‪ -2‬الوظيفة ما بين األشخاص‪(La fonction interpersonnelle) :‬‬

‫تَ ِ‬
‫نتصب بارزة على مستوى التفاعالت االجتماعية التي ينشئها الفرد الراشد مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬في تفاصيل حياته اليومية‪.‬‬

‫‪ -3‬الوظيفة النصية‪(La fonction textuelle) :‬‬

‫انسجامه‬
‫َ‬ ‫هي وظيفة لسانية محضة‪ ،‬تمنح النص التواصلي المنتج اتساَقه و‬
‫يؤكد على اجتماعية الّلغة‪ ،‬فال يمكن‬
‫الداخلي‪ .‬وعليه فبالتعمق في هذه الوظائف ّ‬
‫تصور تَ َحُقق وظيفة واحدة من تلك الوظائف بمعزل عن المجتمع سواء في إنشائها‬
‫ّ‬
‫أو تطويرها‪.‬‬

‫يميز وظيفة عن أخرى‪ .‬و‬ ‫ٍ‬


‫خاص ّ‬ ‫أن هذه الوظائف تتمظهر في نسق لغوي‬ ‫كما ّ‬
‫يميزها‪ ،‬والنسيج اللغوي ال ي َّ‬
‫ط َرُز‬ ‫فكل وظيفة ال تتحّقق إالّ بتحقق نسيج لغوي ّ‬
‫ُ‬ ‫عليه ّ‬
‫تعين مجموع االختيارات‬ ‫ط ِر َيزهِ وْفق شبكة من األنظمة ّ‬
‫تحدد تَ ْ‬
‫خاصة ّ‬
‫ّ‬ ‫دون وظيفة‬
‫يفرق بين‬
‫التي يمكن توظيفها في نقطة معينة من البنية اللغوية‪ .‬وعليه فهاليداي "ال ّ‬
‫النحو والكفاءة التداولية (‪ )...‬فالمعنى الممكن تتقاسمه اللغة والمتحدث بها"‪ 2‬وال‬

‫‪1‬‬
‫‪Christian Bachman et autres, langage et communications sociales, 97‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Kirstan Malmkjaer ; The linguistics encyclopedia, p 53.‬‬
‫‪75‬‬
‫يمكن بأي حال من األحوال تهميش ِ‬
‫أحدهما أو التقليل من قيمته في العملية‬ ‫ّ‬
‫التواصلية‪ ،‬فالوظائف تَُف ِّعل العبارات الكاشفة عنها‪ ،‬والعبارات ّ‬
‫تحدد الوظائف الدافعة‬
‫لوجودها في حقل تداولي يوِّفره المجتمع‪.‬‬

‫ومما تقدم من تعيين أنواع الوظائف حسب مراحل حياة الفرد الطبيعية‪ ،‬يالحظ‬
‫تقّلص عدد الوظائف كّلما انتقل الفرد من فترة عمرية إلى أخرى‪ ،‬لتُختزل وفي كل‬
‫اللغات الطبيعية إلى ثالث وظائف أساسية تقوم بها في الوقت نفسه هي‪" :‬الوظيفة‬
‫‪1‬‬
‫يؤكد سعي هاليداي إلى‬
‫التمثيلية" و"الوظيفة التعالقية" و"الوظيفة النصية"‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫تعميق دراسة اللغة في اإلطار الذي يقتضيه التواصل‪ ،‬باعتباره كال مركبا َك ْون‬
‫"اإلطار التواصلي يضم في وقت واحد محتوى الرسائل‪ ،‬الوضعية المتبناة من طرف‬
‫المتكلم‪ ،‬التأثير المطبق على المرسل إليه والبنية الحوارية"‪ .2‬وبهذه المعطيات‬
‫المادية والمعنوية وما تحيل إليه اللغة من قوائم ثقافية واجتماعية مشتركة بين‬

‫أن يكون ناجحا‪ ،‬من باب ّ‬


‫أن "الوظيفة التمثيلية‬ ‫توسم من التواصل ْ‬
‫المتواصلين‪ُ ،‬ي ّ‬
‫هي وظيفة التعبير عن تجربة المتكلم بالنسبة للواقع ونقل هذا الواقع إلى تصورات‬
‫أو تمثالت ذهنية‪ .‬والوظيفة التعالقية هي وظيفة التعبير عن الدور الذي يتَّخذه‬
‫أما الوظيفة النصية فهي‬
‫المتكلم تجاه مخاطبه وموقفه إزاء "النص" الذي ُينجزه‪ّ .‬‬
‫المنجز حسبما يقتضيه مقام إنجازه"‪ 3.‬لكن هاليداي لم يقف عند‬
‫النص ُ‬
‫وظيفة تنظيم ّ‬
‫التعدية"‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حدود هذه الوظائف‪ ،‬بل أتبعها بثالثة أنساق لغوية تُقابلها هي‪" :‬نسق‬
‫"نسق الصيغة" و"نسق المحور"‪ .4‬كّلها تعكس الوظائف الثالثة بالتتابع‪ ،‬ولكل نسق‬

‫‪ 1‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ص ‪.36‬‬


‫‪2‬‬
‫‪M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage, p 128.‬‬
‫‪3‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية ‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪4‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة ‪.37‬‬
‫‪76‬‬
‫تحدد مستويات التحليل ُيوضحها الشكل الموالي‪:‬‬
‫بنيات ّ‬

‫الجملة‬

‫البنية مالحظات‬ ‫الوظيفة تعبير‬


‫بالحجة نوع ّ‬
‫ّ‬ ‫زكريا الحضور اليوم‬ ‫أفحم‬
‫عن‬
‫حدث‬

‫األنساق‬

‫مفاهيم‬ ‫ظروف الحدث داللة‬ ‫المشاركان‬ ‫الوظيفة نسق‬


‫داللية‬ ‫البنية‬ ‫عدية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫زمان أداة‬ ‫متقبل‬ ‫حدث منّفذ‬ ‫مثيلية التّ ّ‬
‫ال ّت ّ‬

‫موقف‬ ‫قضية‬
‫ّ‬ ‫صيغة‬ ‫الوظيفة نسق‬
‫المتكّلم من‬
‫توابع‬ ‫الصيغة محمول فاعل فضلة‬
‫عالقية ّ‬
‫ال ّت ّ‬
‫المخاطب‬
‫نحوية‬
‫بنية ّ‬
‫ّ‬
‫ومن الحدث‬
‫الّلغوي ذاته‬
‫كما يتضمن‬
‫مفهوم‬
‫الصيغة(‬
‫أمر ‪)...‬‬
‫والجهة‬
‫(نفي‪ ،‬يقين‬

‫‪77‬‬
‫إمكان )‬

‫عالقات‬ ‫محور تعليق‬ ‫الوظيفة نسق‬


‫ذات طابع‬ ‫بنية‬ ‫المحور‬
‫تداولي‬ ‫وظيفية‬ ‫باعتبار‬
‫ّ‬ ‫صية‬
‫الّن ّ‬
‫الجملة‬
‫نصا‬

‫نسق‬

‫جديد‬ ‫المحور معطى‬


‫باعتبار‬
‫الجملة‬
‫حمولة‬
‫إخبارّية‬

‫المحددة لمستويات ال ّتحليل عند هاليداي‬


‫ّ‬ ‫يجسد بنية األنساق‬
‫جدول ّ‬
‫المحور‪ :‬موضوع الحديث ‪ +‬المعلومة المشتركة بين المتخاطبين حول موضوع‬
‫الحديث‪.‬‬

‫التعليق‪ :‬هو المعلومة الجديدة ونبر الجملة المعبر عنها‪.‬‬

‫دل في هذه الجملة على حدث‪ ،‬وقد يدل على عمل أو حالة في تراكيب‬
‫المحمول‪ّ :‬‬
‫أخرى‪ :‬نحو‪ :‬أكلت سكينة تفاحة (عمل)‪ ،‬غيالس هادئ (حالة)‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الجملة باعتبارها نصا‪ :‬أي سلسلة من العناصر المنظمة طبقا للموقف التواصلي‬
‫الذي يمكن أن ننجر فيه‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك االلتحام الثابت بين الوظائف واالنعكاسات الصورية لتلك‬


‫أن ذلك لم يمنع من بروز ذاك التمايز بين ما هو لغوي منها وما هو‬
‫الوظائف‪ ،‬إال ّ‬
‫حيز اللغة ليكون موضوع الدرس اللغوي ال لشيء إالّ‬
‫فأهل ما كان في ّ‬
‫غير لغوي‪ّ .‬‬
‫الخصائص البنيوية للغة باعتبارها انعكاسا لما هو خارج اللغة‪.‬‬ ‫ألنه يظهر‬
‫ّ‬
‫والتحليل التركيبي لهذه االنعكاسات الصورية هو ما يعرف بالقواعد النظامية أو‬
‫المتعددة التي‬
‫ّ‬ ‫النسقية )‪ (Systemic grammar‬وهي " تُ ْعنى بطبيعة االختيارات‬
‫ّ‬
‫معينة من بين الجمل‬
‫يستخدمها الشخص شعوريا أو ال شعوريا‪ ،‬عندما يلفظ جملة ّ‬
‫يستقر عليه حسب‬
‫ّ‬ ‫غير المتناهية التي تتوفر عليها لغته"‪1‬؛ إذ طبيعة االختيار الذي‬
‫المقام تمليه عليه طبيعة الوظيفة السابقة لالختيار‪ .‬وبهذا يكون هاليداي قد أقام وزنا‬
‫لّلسياق االجتماعي وللمستوى الداللي وللنظام اللغوي‪ ،‬ويعتبرها عناصر أساسية‬
‫ِ‬
‫فعلة لكل تواصل ناجح‪.‬‬
‫فاعلة و ُم ّ‬

‫ولو عدنا إلى تحليل هاليداي لوجدنا تركيزه فيما يعني وظائف اللغة ُو ِّجه إلى‬
‫الثالثة األخيرة‪ ،‬بالرغم من كون وظائف اللغة غير محدودة وغير متناهية – بتعبير‬
‫ألن هذه الوظائف الثالثة‪ 2‬تَ ْحتكم على خاصيتين غير موجودتين‬
‫بعض المهتمين‪ّ -‬‬
‫في غيرها من الوظائف هي‪:‬‬

‫‪ُ -1‬ورودها بجميع اللغات الطبيعية‪.‬‬

‫‪ -2‬تَحديدها لبنية اللغة‪.‬‬

‫‪1‬أحمد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ص ‪.185‬‬


‫‪2‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ص ص ‪.52،53‬‬
‫‪79‬‬
‫لتأكد لنا إنسانية اللغة واجتماعيتها هذا‬
‫التمعن في هاتين الخاصيتين ّ‬
‫ّ‬ ‫ولو حاولنا‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى َل َوَقفنا عند درجة الوعي الذي يصاحب استعمالها‪ .‬وتأكيد‬
‫أحمد المتوكل على استقاللية الوظائف الثالثة عن بعضها البعض بحكم تمايز‬
‫الواحدة عن األخرى ال يعني البتة تنافرها‪ ،‬وعدم تكاملها في العملية التواصلية‪ ،‬بل‬
‫هي متكاملة ومتآزرة من أجل غاية واحدة هي التواصل‪ 1،‬مستندا في ذلك على رأي‬

‫سيمون ديك حين ّبين ّ‬


‫أن للتواصل أبعادا مختلفة‪ ،‬تتكامل كّلها لتأدية وظيفة‬
‫النسقية الثالث وهذه األبعاد هي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التواصل‪ ،‬شأنها في ذلك شأن الوظائف‬

‫‪ -1‬بعد عالقي‬

‫‪ -2‬بعد توجيهي‪.‬‬

‫‪ -3‬بعد إخباري‬

‫‪ - 4‬بعد تعبيري‬

‫‪ -5‬بعد استثاري‪.‬‬

‫بعضها منبثق من غيره من األبعاد المذكورة‪ ،‬والبعض اآلخر يعتبر امتدادا لغيرها‪.‬‬
‫أن سيمون ديك يركز‬ ‫يتبين لنا ّ‬
‫تعدد هذه األبعاد واختالفها ّ‬ ‫ومهما يكن من أمر فمن ّ‬
‫في نظرته على كفاءة المتكلمين حتى ُيّوَّفقوا في إدراك هذه األبعاد‪ ،2‬وهذا لم يمنعه‬
‫يتمكن‬
‫ّ‬ ‫حسب أحمد المتوكل من اعتبار التواصل نشاطا اجتماعيا‪، 3‬بواسطته‬
‫المصنفة إلى ثالثة أصناف هي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المتواصالن من تغيير معلوماتهما التداولية‬

‫‪1‬أحمد المتوكل‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Kirsten Malmkjar, the linguistics encyclopedia, p530.‬‬
‫‪3‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ -1‬المعلومات العامة‪.‬‬

‫(آنية) ‪.‬‬
‫الم ْوقفية ّ‬
‫‪ -2‬المعلومات َ‬
‫ِ‬
‫الس َياقية (سابقة)‪.‬‬
‫‪ -3‬المعلومات ّ‬

‫وعليه‪ ،‬فحسبه التواصل ينتهي بإقامة معلومات تداولية جديدة عند المتواصلين‪،‬‬
‫حدد أبعاد التواصل‪،‬‬
‫ال تخرج عن نطاق أصناف المعلومات الثالثة السابقة‪ ،‬بها تُ ّ‬
‫ِ‬
‫ض ُحه الشكل التالي‪:‬‬
‫سيو ّ‬
‫اضه كما َ‬
‫وتَُّوضح أغر ُ‬

‫مثال‬ ‫التفصيل في‬ ‫نوع‬ ‫العامل في تحديد‬


‫نوع التواصل‬ ‫التواصل‬ ‫نوع التواصل‬

‫عالقة بين‬ ‫عالقي‬ ‫بالنظر إلى العالقة‬


‫أب وابنه‬ ‫بين المتكلم‬
‫والمخاطب‬

‫ِا ْن َج ْح‬ ‫المطلوب عمل‬ ‫توجيهي‬

‫هل نجحت‬ ‫المطلوب قول‬

‫َن َج ْح ُت‬ ‫القصد اإلخبار‬ ‫إخباري‬ ‫بالنظر إلى محتوى‬

‫عن شيء‬ ‫الخطاب‬

‫يا لَِنج ِ‬
‫اح َك‬ ‫تعبير عن‬ ‫تعبيري‬
‫َ َ‬
‫إحساس‬

‫جاحك‬
‫َن ُ‬ ‫استثارة إحساس‬ ‫استثاري‬
‫َنج ِ‬
‫احي‬ ‫َ‬

‫‪81‬‬
‫حدد نظرة هاليداي إلى التواصل وشرح‬
‫أسقطت هذا الشكل على الشكل الذي ّ‬
‫ُ‬ ‫ولو‬

‫أن نظرة سيمون ديك ّ‬


‫تبنت نفس البناء الذي‬ ‫لتبين لي ّ‬
‫بناء الوظائف الثالث عنده ّ‬
‫التوسع‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أقامه هاليداي‪ ،‬لكن بشيء من‬

‫‪82‬‬
‫المحاضرة الثالثة عشر‬

‫مدرسة أوكسفورد‬

‫استثار االهتمام باللغة في االستخدام العديد من المهتمين‪ ،‬فإذا كان بنفنست بجرأته‬
‫حول االهتمام إلى التلفظ‬
‫يشكل تمردا على التقليد الذي أقامته البنوية في دراسة اللغة بأن ّ‬
‫فإن "التلّفظ هو األساس الذي بنى عليه (أوستين)* نظرية األفعال اللغوية ومن بعده‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫هذا االمتداد‬ ‫سيرل**‪ ،‬بوصفه ممارسة المرسل لينجز فعال لغويا‪ ،‬يتالءم مع السياق‪"...‬‬
‫تجسد في تناول التلّفظ في خضم ما يحيط به من ظروف يتم فيها‪ ،‬وهوية‬
‫في الدراسة ّ‬
‫المتخاطبين ومقاصدهم‪.‬‬

‫والمستقرئ لجهود الفالسفة منذ األزل يجد ّ‬


‫أن علماء المنطق عكفوا على‬
‫أما‬
‫الصيغ الخبرّية عن غير الخبرّية‪ّ "،‬‬
‫ّ‬ ‫دراسة الّلغة‪ ،‬وأقسام الكالم‪ ،‬فتوصلوا إلى تمييز‬
‫خاصية القبول والكذب‪ ،‬جاعلة‬
‫ّ‬ ‫القضية‪ ،‬لها‬
‫ّ‬ ‫الصيغ الخبرّية واّلتي هي التّعبير الّلفظي عن‬
‫ّ‬
‫الصيغ األخرى التي ألحقها أرسطو‬
‫ّ‬ ‫للخبر ميزة كونه موضوعا للدراسة المنطقية‪ ،‬في مقابل‬
‫(‪)2‬‬
‫أسا للفلسفة‬
‫ّ‬ ‫وتموضع‬ ‫اقع‪.‬‬
‫و‬ ‫ال‬ ‫وصف‬ ‫هدفها‬ ‫غة‬‫ل‬‫ّ‬‫ال‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫االعتقاد‬ ‫فساد‬ ‫‪،‬‬ ‫بعلم البالغة "‬

‫* جون لونجشير أوستين‪:1960-1911 :John Langshir Austin :‬‬

‫أستاذ فلسفة األخالق بجامعة أوكسفورد‪ ،‬وكان علما مشهورا في األوساط األكسفوردية وكذا في كمبردج وفي الجمعيات العلمية بانجلترا‬
‫والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬يعد مؤسس تداولية أفعال الكالم‪ ،‬من أهم أعماله مجموعة من المحاضرات ‪ 12‬محاضرة جمعها طلبته‬
‫ونشروها بعد وفاته‪.‬‬
‫** جون ريد سيرل‪ :John Read Searl :‬من مواليد ‪ 1932‬يعتبر من أهم أق طاب الفلسفة األمريكية الحديثة‪ ،‬يحتل موقع الصدارة بين أتباع‬
‫أوستين ومريديه‪ ،‬إذ أعاد تناول نظريته أفعال الكالم وطور فيها بعدين من أبعادها الرئيسية هما‪ :‬المقاصد والمواضعات‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتجيات الخطاب ‪،‬ط‪ .1‬لبنان‪ ، 2004 :‬دار الكتاب الجديدة المتحدة‪ ،‬ج‪، 1‬ص‪29‬‬
‫‪ 2‬طالب هاشم طبطبائي نظرية األفعال الكالمية مجلة عالم الفكر المعاصر‪،‬ع‪، 1992، 99، 98‬ص‪65‬‬
‫‪83‬‬
‫التحليلية‪ ،‬وقد استغل أوستين الدراسة التي أقيمت حول أعمال الفيلسوف وليام‬
‫‪1‬‬ ‫*‬
‫أن هناك‬
‫ّ‬ ‫باب‬ ‫من‬ ‫المبدأ‬ ‫ذا‬ ‫له‬ ‫فضه‬
‫ر‬ ‫ليعلن‬ ‫‪1955‬‬ ‫عام‬ ‫‪William‬‬ ‫‪James‬‬ ‫جيمس‬
‫جمال ليست استفهامية (‪ ،)non Interrogatives‬وال أمرية( ‪،)non Impératives‬‬
‫وال تعجبية (‪ ،)non Exclamatives‬ال تصف شيئا وال يمكن الحكم عليها بمعيار‬
‫الصدق أو الكذب‪ ،‬بمعنى ال تستعمل لوصف الواقع (الحقيقة) بل لتغييره " فهي ال تقول‬
‫تغيرها أو تسعى إلى تغييرها"‪ 2‬ويسوق لنا‬
‫السابقة‪ّ ،‬إنما ّ‬ ‫شيئا عن حالة الكون ّ‬
‫الراهنة أو ّ‬
‫أوستين في كتابه ‪ Quand dire c’est faire 3‬والسيما في المحاضرة األولى‬
‫مجموعة من الجمل ال ِ‬
‫نصف بها العالم‪ ،‬وال واحدة منها صحيحة أو خاطئة في معيار‬
‫األحكام‪ ،‬الجمل ال ِ‬
‫نصف بها العالم‪ ،‬وال واحدة منها صحيحة أو خاطئة في معيار‬
‫األحكام **وبالرغم من ذلك فهي ليست استفهامية وال أمرية وال تعجبية وسماها بالجمل‬
‫***‬
‫ألن أفعالها تدل على تنفيذ فعل ما‪.‬‬ ‫اإلنشائية أو اإلنجازية (‪)Performatives‬‬
‫ويسمي هذه األفعال باألفعال اإلنجازية )‪ ،(Actes performatifs‬وبالرغم من أن هذه‬
‫الجمل ال تخضع لمعياري‪ 4‬الصدق والكذب إال أنها تخضع لمعياري النجاح والفشل‪ .‬وحتى‬
‫تكون ناجحة يجب أن تخضع لبعض الشروط‪ 5‬بغياب هذه األخيرة تكون حتما فاشلة‪.‬‬

‫* فيلسوف أمريكي رائد التيار الفلسفي النفعي ‪ .‬والنفعية هي مذهب يتخذ القيمة العملية التطبيقية قياسا للحقيقة‪.‬‬
‫‪ 1‬آن روبول و جاك موشالر ‪ ،‬التداولية اليوم ‪،‬تر‪ /‬سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني ‪ ،‬ط‪. 1‬لبنان‪ ،2003 :‬دار الطليعة ‪ ،‬ص‬
‫ص‪30،29‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.30‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪J.L. AUSTIN quand dire c'est faire trad et introduction de G.LANE ed seuil paris 1970‬‬
‫** من بينها ‪:‬أعمدك‪ BABTISER‬باسم األب واالبن والروح القدس ‪،‬آمرك ‪ ،‬أعدك‪ ،‬أقسم‪.‬للتعمق أكثر ينظر كتابه‪:‬‬
‫‪ QUAND DIR C'EST FAIRE‬المحاضرة األولى ص ‪41‬‬

‫*** قابل بها الجمل الوصفية أو التقريرية‪CONSTATIVES‬‬


‫‪4‬‬
‫‪J.L.AUSTIN quand dire c'est faire pp51-52‬‬
‫‪5‬‬
‫‪DJILALI dallache introduction a la pragmatique linguistique Algerie O.P.U 1993 p22‬‬
‫‪84‬‬
‫كما يشير أوستين إلى أن كل جملة تامة مؤداة يقابلها إنجاز عمل‪ ،‬وهذا ما يتضح لنا من‬

‫خالل تصوره وتحليله للفعل اللغوي؛ إذ يرى ّ‬


‫أن كل قول عبارة عن إنجاز عمل ما‪،‬‬
‫فاستوقفته األعمال اللغوية وميز منها ثالثة‪:1‬‬

‫العمل الصوتي‪:Acte Phonétique :‬‬ ‫‪-1‬‬


‫هو عمل قول شيء ما‪ ،‬ويتحقق بإنتاج سلسلة من األصوات المتتابعة يصدرها‬
‫الجهاز الصوتي لإلنسان‪.‬‬

‫العمل التبليغي‪:Acte phatique :‬‬ ‫‪-2‬‬


‫وهي الهيئة التي تكون عليها تلك األصوات المنتمية إلى لغة معينة والخاضعة‬
‫لقواعدها النحوية ويتحقق هذا العمل بقولنا شيئا ما‪ .‬والتلفظ هنا أضحى عمل إنتاج وحدة‬
‫تبليغية (‪.)Un phème‬‬

‫الفعل البالغي‪:Acte Rethique :‬‬ ‫‪-3‬‬


‫ويتحقق باستعمال األلفاظ والعبارات في معاني معينة باالعتماد على المرجع‬
‫األساس ما من شأنه أن تكون لها قوة تأثيرية في مشاعر المتخاطبين وأفكارهم‪ ،‬وهو عمل‬
‫يتحقق كنتيجة لقول شيء ما‪ .‬وعليه فالعمل اللغوي يتحدد في مجموع األفعال الثالثة‬
‫(الصوتي‪ ،‬التبليغي‪ ،‬البالغي)‪ .‬ولكن أوستين لم يقف عند هذا فحسب بل ميز كذلك بين‬
‫ثالثة أفعال عند استعمال الخطاب هي‪:2‬‬

‫‪ -1‬الفعل الكالمي )‪(Acte locutoire‬‬

‫‪ -2‬الفعل اإلنشائي\اإلنجازي )‪.(Acte illocultoire‬‬

‫‪ -3‬الفعل التأثيري (‪.)Acte perlocutoire‬‬

‫‪1‬‬
‫‪J.L. AUSTIN idem p108‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.L.Austin Idem pp 109-137.‬‬
‫‪85‬‬
‫فإذا كان األول نشاط لغوي يعبر عن إنتاج قول وفق تركيب معين‪ ،‬فإن الثاني ينجر‬
‫عنه تثبيت المعنى الصحيح المراد قوله في الخطاب كثي ار ما يتدخل القصد في تنفيذه‪،‬‬
‫وعليه يحتكم إلى قوة يطبقها على المتخاطبين يسميها بالقيمة اإلنجازية‪(Valeur 1‬‬
‫‪ ) illocutoire‬أما الثالث فيدل داللة واضحة على اآلثار التي يتركها فعل الكالم‪ .‬وما‬
‫تتفرد به‪ 2‬األقوال التأثيرية إمكانية تحديدها وتحقيق النجاح في بلوغها* دون الرجوع إلى‬
‫األلفاظ التعبيرية‪ ،‬ودون توظيفها‪.‬‬

‫قسم األفعال اإلنجازية إلى مراتب‪:3‬‬


‫وفي المحاضرة األخيرة ّ‬

‫‪ - 1‬حكمية )‪(Verdictifs‬‬

‫‪ -2‬ممارستية )‪(Exercitifs‬‬

‫‪ -3‬وعدية )‪(promissifs‬‬

‫‪ -4‬سلوكاتية )‪(Comportatifs‬‬

‫وهذه األنواع متداخلة فيما بينها‪ ،‬للسياق دور فاعل في جعلها مشتركة في هدف‬
‫معين‪.‬‬

‫وبذلك فلكل فعل نتيجة تعبيرية تكمن في التلفظ بالكلمات والعبارات‪ ،‬ونتيجة‬
‫إنشائية\إنجازية دعامتها الوضع والعمل الناتج في التلفظ‪ ،‬وأخي ار نتيجة تأثيرية تتجسد في‬
‫ردود األفعال‪ ،‬وكل هذا في كنف الحيثيات الخاصة المحيطة بالفعل والتي تنتصب عوامل‬

‫‪1‬‬
‫‪J.L. AUSTIN idem p113‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.L. AUSTIN idem p124‬‬
‫* بالرغم من هذا االجتهاد الجاد في التمييز بين أنواع األفعال إال أنه يقر بانعدام معايير محددة وفارقة بين هذه األفعال ‪ .‬ليعود ويظهر‬
‫دور الظروف المحيطة بالخطاب لتحديد نوع الفعل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J.L. AUSTIN idem 153‬‬
‫‪86‬‬
‫مؤثرة في عملية إنتاج األقوال‪ ،‬هذه األقوال هي عنده أفعال كالمية تسهم بطريقة أو‬
‫بأخرى في الكشف عن آليات الخطاب التي قد تكون متنوعة في طرق صوغها‪.‬‬

‫سيرل وأفعال الكالم‪:‬‬

‫انتقد أوستين نفسه في كثير من المواقف من بينها تداخل المراتب الخمس لألفعال‬
‫اإلنجازية‪.‬‬
‫وهو يبني فكره فيما يعني نظرية أفعال الكالم‪ ،‬ولكن ذلك لم يؤخر انتقادات اآلخرين له‬
‫فيما ذهب إليه‪ ،‬بل سمحت لهم إعادة بناء بعض المفاهيم التي سبقهم إليها واالنطالق‬
‫منها إلرساء مفاهيم جديدة‪ ،‬أتمت تأسيس علم االستغناء عنه في تحليل العمليات التلفظية‬
‫ضرب من أضرب تجاهل العناصر الفاعلة في التأدية اللغوية‪ ،‬ومن بين هؤالء سيرل " فقد‬
‫أعاد تناول نظرية أوستين وطور فيها بعدين من أبعادها الرئيسية هما المقاصد‬
‫والمواضعات"‪ 1‬فلكل مخاطب مقصد وهدف يسعى إلى تحقيقه‪ ،‬ولذلك يستنفر ما بحوزته‬
‫من آليات لغوية‪ ،‬ويحرص أشد الحرص على اقتناء منها ما يعبر عن هدفه ومقصده بكل‬
‫وضوح‪ ،‬فيخرج الخطاب بكيفية معينة معتمدا على اللغة بكونها المادة الرئيسية لذلك‪،‬‬
‫وبذلك تتحدد األعمال اللغوية والجمل التي أنجزت بواسطتها وسيلة تواضعية للتعبير عن‬
‫المقاصد وتحقيقها‪ ،‬وتلك الكيفية التي يخرج بها الخطاب ال شك أنها وليدة إستراتيجية‬
‫يتبناها المخاطب دفعته إليها حيثيات الخطاب و" قد تنعكس إستراتيجية الخطاب في‬
‫مستويات الخطاب المعروفة‪ ،‬من مستوى صرفي تركيبي داللي وصوتي‪ ،‬من خالل أدوات‬
‫وآليات لغوية معينة "‪ 2‬وإذا كان الحال كذلك‪ ،‬يكون سيرل قد اعتبر العمل اللغوي في بعده‬
‫التواضعي جزءا من اللسان " الذي نتكلمه فنتبنى آليا شكال من أشكال السلوك القصدي‬

‫‪ 1‬آن روبول وجاك موشالر ‪ ،‬التداولية اليوم ‪ ،‬ص‪33‬‬


‫‪ 2‬عبد الهادي بن ظافر الشهري ‪ ،‬استراتجيات الخطاب‪،‬ج‪ ،1‬ص‪167‬‬
‫‪87‬‬
‫المسير بنظام من القواعد "‪ 1‬وهذا ما يؤكد أنه أولى اهتماما للعمل التبليغي مقارنة بالعملين‬
‫اآلخرين اللذين حددهما أوستين‪ ،‬وهي مجتمعة يرى سيرل أنها غير كافية الكتشاف‬
‫الكيفيات التي تستعمل فيها اللغة؛ إذ " إنه ألسباب مختلفة نكتشف أن هناك خمس طرق‬
‫الستعمال اللغة‪ ،‬خمسة أصناف الستعمال الفعل اإلنشائي‪ ،‬كأن نقول لآلخرين كيف هي‬
‫األمور (اإلثبات)‪ ،‬ونحاول القيام بأشياء لآلخرين (التوجيه) ونلتزم بفعل أشياء (الوعد) كما‬

‫ونْقدم على القيام بتغييرات في العالم عن طريق‬


‫نعبر عن مشاعرنا ومواقفنا (التعبير)‪ُ ،‬‬
‫ملفوظات أي (اإلعالن)"‪ 2‬وعليه تتنوع االستعماالت اللغوية وتتفرع من تنوعها خمس‬
‫فصائل تمثل عنده الطرق الممكنة الستعمال لسان من األلسنة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أفعال إثباتية‪(Actes Assertifs (:3‬‬ ‫‪-1‬‬


‫غايتها التزام المتكلم بوجود أوضاع جديدة لالستياء تجعله ينخرط في حقيقة القضايا‬
‫المعبر عنها‪ ،‬لتعين قيم الحقيقي والخاطئ‪ ،‬وهكذا تجهد الكلمات نفسها لمطابقة الواقع‪،‬‬
‫وتشمل أفعال الوصف والتحديد والتأكيد‪.‬‬

‫أفعال توجيهية‪:(Actes Directifs) :‬‬ ‫‪-2‬‬


‫وغايتها دفع المتكلم المخاطب إلى القيام بشيء ما‪ ،‬قد يبدأ بأدناها غلظة كطريقة‬
‫للطلب‪ ،‬لينتهي بأقصاها؛ أي من النصح واإلرشاد والتوجيه إلى المطالبة اإلجبارية على‬
‫وجه اإللزام‪ ،‬وتشمل هذه األفعال‪ :‬النصح‪ ،‬الترجي‪ ،‬االلتماس‪ ،‬النهي‪ ،‬األمر‪ ،‬الطلب‪.‬‬

‫‪ 1‬شكري المبخوث ‪ ،‬نظرية األعمال اللغوية ‪،‬ص‪187‬‬


‫‪2‬‬
‫‪J.R.SEARL sens et expression étude de théorie des actes de language trad.et préface par :JOELL‬‬
‫‪PROUST ed Minuit paris 1982 p32.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J.R.SEARL idem pp52-53‬‬
‫‪88‬‬
‫أفعال وعدية‪(Actes Commissaires) :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الغاية منها أخذ التزام من المتكلم بتبني سلوك أو القيام بفعل ما‪ 1‬في المستقبل وهذه‬
‫األفعال‪ :‬التزام‪ ،‬تعهد وافق‪ .‬وفي ذلك لم يخرج سيرل عن تعريف أوستين لهذا النوع من‬
‫األفعال‪.‬‬

‫أفعال إفصاحية‪:(Actes Expressifs) :‬‬ ‫‪-4‬‬


‫الهدف منه هو التعبير واإلفصاح عن حالة نفسية معينة تشمل أفعال‪ :‬الشكر‪،‬‬
‫التهنئة‪ ،‬االعتذار‪،‬التعزية‪ ،‬التأسف‪ ،‬الترحيب‪.2‬‬

‫أفعال إعالنية‪:)Actes Déclaratives( :‬‬ ‫‪-5‬‬


‫تسعى هذه األفعال‪ 3‬إلى غاية مفادها إحداث تغيرات عن طريق اإلعالن وتشمل‪:‬‬
‫اإلعالن‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬اإلخطار‪ ...‬وتتجلى هذه األفعال عند إنجازنا لها بنجاح وال يتحقق لنا‬
‫ذلك إال بتوفر شروط خاصة‪.‬‬

‫بعد هذا التصنيف أضاف سيرل تصنيف آخر للفعل اللغوي حدده في صنفين‪ ،‬هما‪:‬‬

‫‪ -1‬األفعال المباشرة‬

‫‪ -2‬األفعال غير المباشرة‪.‬‬

‫فإذا كانت األولى تحتكم إلى تطابق تام‪ 4‬بين معنى الجملة المتلفظة والداللة اللغوية‬
‫التواضعية‪ ،‬أي بين معنى القول ومعنى الجملة‪ .‬فإن الثانية تجسيد لواقع آخر نسبي بتواتر‬
‫في المواقف التخاطبية وهي " الحاالت التي يكون فيها معنى القول منافي تماما لمعنى‬
‫الجملة بطرق وكيفيات مختلفة "‪5‬؛ إذ كثي ار ما يقتني المتكلم صيغا قولية متخذا من معناها‬

‫‪1‬‬
‫‪J.R.SEARL idem pp53-54‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.R.SEARL idem pp54-56‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J.R.SEARL idem pp 56-60‬‬
‫‪4‬‬
‫‪J.R.SEARL idem p 71‬‬
‫‪5‬‬
‫‪J .R.SEARL idem p 71‬‬
‫‪89‬‬
‫المباشر مطية للوصول إلى المعنى غير مباشر؛ بمعنى أن هذه الصيغ القولية ال تدل‬
‫على معناها الذي تنشئه بل تدل على معنى مخالف لمعناها الظاهر‪ ،‬لكن االهتداء إليه‬
‫ليس عملية سهلة ألن القائل‪ 1‬في عمل لغوي غير مباشر ينجز عملين في آن واحد‪،‬‬
‫األول ينجزه بالجملة المصرح بها والثاني ما ينوي إنجازه بها‪ .‬وتعتمد هذه األفعال على‬
‫توظيف أساليب في غير معناها الحقيقي‪ ،‬التلميحات‪ ،‬المجاز‪ ،‬اإلشارات‪ ...‬هذا ما مكنه‬
‫بعدها من التفريق بين الفعل اإلنجازي األول(‪ ) Acte illocutoire primaire‬والفعل‬
‫اإلنجازي الثانوي ( ‪ 2) Acte illocutoire secondaire‬وتحديد فصائل األفعال غير‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫تلك إذا هي تصورات سيرل فيما يتعلق بأفعال الكالم‪ ،‬والسيما الطرح الفكري‬
‫لألفعال غير مباشرة التي كرس بها الظروف الخارجية المحيطة بالخطاب‪ ،‬والظروف‬
‫النفسية التي تختلج أثناءه المتكلم والمستمع‪.‬‬

‫ومما تقدم فاللغة ليست تمثيال للعالم فحسب‪ ،‬بل إنجاز أفعال ضمن وضعية‬
‫تولي اهتماما للمقاصد وهوية المتكلمين ومزايا المكان والزمان‪ ،‬أي إنجاز فعل معين‬
‫في سياق معين‪ ،‬وبذلك تعد التداولية استطالة لسانية أخرى للسانيات التلفظ التي‬
‫دشنها بنفنست‪.3‬‬

‫‪ 1‬آن روبول ‪،‬جاك موشالر‪ ،‬التداولية اليوم‪،‬ص ص‪58،59‬‬


‫للتعمق اكثر ينظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪J.R.SEARL idem, pp 75-100.‬‬

‫‪ 3‬فرانسواز أرمنكو‪ ،‬المقاربة التداولية‪/،‬تر‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬د ط ‪.‬الرباط‪ ،1986:‬مركز اإلنماء القومي‪،‬ص‪9‬‬
‫‪90‬‬
‫المحاضرة الرابعة عشر‪:‬‬

‫المدرسة الخليلية‪.‬‬

‫المدرسة الخليلية إلى األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح تنسب كمؤسس لها وهو‬
‫من مواليد مدينة وهران في ‪ 8‬جويلية ‪1927‬م‪ ،‬وهو من عائلة معروفة نزح أسالفها‬
‫من قلعة بني راشد المشهورة إلى وهران في بداية القرن التاسع عشر‪ .‬درس في‬
‫المدارس الحكومية الفرنسية في فترة االستدمار الفرنسي‪ ،‬وفي الوقت نفسه كان‬
‫دروسا بالعربية مساء في إحدى المدارس الحرة التي أنشأتها جمعية‬
‫ً‬ ‫يتلقى‬
‫العلماء المسلمين الجزائريين‪ ،‬والتحق وهو ابن خمس عشرة سنة بحزب الشعب‬
‫الجزائري‪.‬‬

‫أتم تعليمه المدرسي‪ ،‬بدأ في دارسة الطب وفي سنة ‪1954‬توجه إلى‬
‫وبعد أن ّ‬
‫ّ‬
‫مصر ليكمل دراسة التخصص في جراحة األعصاب‪ ،‬ولما كان يتردد على جامع‬
‫األزهر وكان يحضر إلى بعض دروس اللغة العربية‪ ،‬وإذا به يجد نفسه يعيد‬
‫فحول اهتمامه‬
‫اكتشاف ذاته من جديد ويتعرف على تراث اللغة العربية بوعي جديد؛ ّ‬
‫من حقل الطب إلى الدراسات اللغوية المعاصرة وهناك اكتشف أهمية التراث العلمي‬
‫طلع عليه من كتاب سيبويه‪ ،‬واتضح له الفرق‬ ‫اللغوي العربي وال ّ‬
‫سيما من خالل ما ا ّ‬
‫الكبير الذي الحظه بين وجهات النظر الخاصة بالنحاة العرب األقدمين وما يقوله‬
‫مهما في حياته العلمية‪.‬‬ ‫المتأخرون منهم‪ ،‬وكان هذا ً‬
‫دافعا ًّ‬

‫ولم يستطع أن يكمل دراسته في مصر فالتحق بجامعة بوردو (‬


‫‪ ) BORDEAUX‬بفرنسا بعد أن ساهم في ثورة أول نوفمبر لمدة سنوات‪ ،‬ثم نزل‬
‫‪91‬‬
‫بالمملكة المغربية والتحق بثانوية "موالي يوسف" في الرباط كأستاذ اللغة العربية‪،‬‬
‫أيضا حادث أثَّر‬
‫واغتنم الفرصة لمواصلة دراسة الرياضيات في كلية العلوم‪ ،‬وهذا ً‬
‫وقرَبه أكثر من اللغوي العبقري الخليل بن أحمد‪.‬‬
‫في حياته الثقافية‪َّ ،‬‬

‫وبعد حصوله على التبريز في اللغة العربية أوكل إليه اإلخوة في المغرب‬
‫تدريس اللسانيات في كلية اآلداب بالرباط باللغة العربية في ‪1961‬م‪( 1962/‬ألول‬
‫مرة في المغرب العربي)‪.‬‬

‫وعين في سنة‬
‫وبعد االستقالل قضى حياته أستا ًذا وباحثًا في جامعة الجزائر‪ّ ،‬‬
‫عميدا لكلية اآلداب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ئيسا لقسم اللغة العربية وقسم اللسانيات‪ ،‬ثم انتخب‬
‫‪1964‬م ر ً‬
‫وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية ‪1968‬م‪ .‬وفي سنة ‪ 1968‬كان أستاذا زائ اًر‬
‫بجامعة فلوريدا حيث التقى بالعالم اللساني آنذاك نعوم تشومسكي‪ ،‬فجرت بينهما‬
‫مناظرة أفحمت هذا األخير‪ .‬وتفرغ بعد ذلك للدراسة والبحث في علوم اللسان حيث‬
‫استطاع بمساعدة الدكتور أحمد طالب اإلبراهيمي (وزير التربية آنذاك) أن ينشئ‬
‫أيضا مجلة‬
‫وجهزه بأحدث األجهزة وأسس ً‬
‫كبير للعلوم اللسانية والصوتية ّ‬
‫معهدا ًا‬
‫ً‬
‫اللسانيات المشهورة‪ .‬وفي هذا المعهد واصل األستاذ بحوثه بفضل المختبرات‬
‫المتطورة الموجودة فيه وأخرج تلك النظرية التي لقبت في الخارج "بالنظرية الخليلية‬
‫الحديثة"(وهي مطروحة في الرسالة التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من‬
‫جامعة السوربون في سنة ‪1979‬م)‪.‬‬

‫وفي عام ‪1980‬م أنشأ ماجستير علوم اللسان وهو نسيج وحده ألنه متعدد‬
‫التخصصات‪ ،‬وقد نوقشت عشرات الرسائل منذ أن أنشئ‪ .‬وبقي معهد اللسانيات‬

‫‪92‬‬
‫صامدا يؤدي مهامه بفضل سهر األستاذ على النوعية العلمية‬
‫ً‬ ‫والصوتيات سابًقا‬
‫التي كان يهتم بتخريجها‪.‬‬

‫وقد تولدت لديه فكرة أطروحة الدكتوراه التي أنجزها بعد عناء عشر سنوات من‬
‫البحث والتنقيب حول أصالة النحو العربي ‪ ،‬واهتدى آنذاك إلى مشروع الذخيرة‬
‫اللغوية العربية عن طريق البرمجة الحاسوبية‪ ،‬وكان أول عالم عربي يدعو إلى ذلك‬
‫المشروع‪ ،‬كما كان أول الداعين إلى تبني المنهج البنيوي وإنشاء محرك بحث‬
‫عربي " قوقل ‪ google‬عربي" وفي سنة ‪1988‬عين الدكتور عبد الرحمن حاج‬
‫عضوا عامالً به سنة‬
‫ً‬ ‫عضوا مراسالً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬ثم انتخب‬
‫ً‬ ‫صالح‬
‫‪2003‬م في المكان الذي خال بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي‪ ،‬وسبق ذلك أن ُعِّين‬
‫عمان‬
‫عضوا في مجمع دمشق في ‪1978‬م‪ ،‬ومجمع بغداد (‪1980‬م) ومجمع ّ‬
‫ً‬
‫(‪1984‬م)‪.‬‬

‫أيضا في لجنة تحرير المجلة‬


‫وهو عضو في عدة مجالس علمية دولية وعضو ً‬
‫األلمانية التي تصدر ببرلين‪.‬‬

‫اإلنتاج العلمي والمنشورات‪:‬‬

‫للدكتور الحاج صالح عديد البحوث والدراسات نشرت في مختلف المجالت العلمية‬
‫المتخصصة (بالعربية والفرنسية واإلنجليزية) منها‪:‬‬

‫‪" -‬معجم علوم اللسان"‪( ،‬بالمشاركة)‪ ،‬مكتب تنسيق التعريب‪1992،‬م‪.‬‬

‫‪" -‬علم اللسان العربي وعلم اللسان العام" (في مجلدين)‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -‬مقالة "لغة" و مقالة "معارف" في دائرة المعارف اإلسالمية الطبعة الجديدة‪.‬‬


‫‪93‬‬
‫‪" -‬بحوث ودراسات في علوم اللسان"‪( ،‬عربية وفرنسية وإنجليزية) بالجزائر‪.2012‬‬
‫يضم الكتاب سلسلة من البحوث والدراسات نشرت في مجلة ((اللسانيات في تاريخ‬
‫علم اللسان من أقدم العصور)) ويحتوي أيضا على بحوث نشرت في مختلف‬
‫المجالت الدولية في علوم اللسان باللغة األجنبية‪ ،‬والسيما الدراسات المخبرية‪.‬‬

‫‪ -‬بحوث ودراسات في اللسانيات العربية في جزأين الجزائر‪.2012‬يضم مجموعة‬


‫من الدراسات تخص اللسانيات العربية والكثير منها كان أصله بحثا قدمه العالمة‬
‫في مؤتمر علمي دولي مثل المؤتمرات الدورية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة وغيرها‬
‫(من‪ 1965‬إلى‪ )2005‬ومن أهم ما جاء فيها البحوث التي تعالج النظرية الخليلية‬
‫الحديثة‪.‬‬

‫‪ -‬الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع واالستعمال العربية‪ ،‬الجزائر ‪ .2012‬وفيه‬


‫وضح المفاهيم العلمية التي تخص الكالم كحدث في مقابل اللغة كنظامفي إطار‬
‫نظرية الوضع واالستعمال العربية وبصفة خاصة ما يتعلق بالخطاب وظواهر‬
‫التخاطب وأوصافه وأصوله‪.‬‬

‫‪ -‬السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة‪ .‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -‬أربع مقاالت‪ :‬الخليل بن أحمد‪ ،‬واألخفش‪ ،‬وابن السراج‪ ،‬والسهيلي‪ ،‬في موسوعة‬
‫أعالم العرب (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)‪.‬‬

‫ئيسا للمجمع الجزائري‬


‫وتكرم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بتعيينه ر ً‬
‫للغة العربية سنة ‪2000‬م‪ ،‬وقد تحصل على جائزة الملك فيصل عام ‪2010‬‬
‫تقدي اًر لجهوده العلمية المتميزة في تحليله النظرية الخليلية النحوية وعالقتها‬

‫‪94‬‬
‫بالدراسات اللسانية المعاصرة‪ ،‬ودفاعه عن أصالة النحو العربي‪ ،‬وإجرائه مقارنات‬
‫علمية بين التراث ومختلف النظريات في هذا الموضوع‪ ،‬فضال عن مشاركاته في‬
‫الدراسات اللسانية بحثاً وتقويماً وتعليماً‪ ،‬وجهوده البارزة في حركة التعريب‪.‬‬

‫نشاطه المجمعي‪:‬‬

‫عضوا بالمجمع وهو يشارك في‬


‫ً‬ ‫منذ أن عين الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح‬
‫مؤتمرات المجمع باألبحاث وبإلقاء المحاضرات‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪" -‬أصول تصحيح القراءة عند مؤلفي كتب القراءات وعلوم القرآن قبل القرن الرابع‬
‫الهجري"‪( .‬مجلة المجمع ج ‪.)90‬‬

‫‪" -‬الجوانب العلمية المعاصرة لتراث الخليل وسيبويه"‪( .‬مجلة المجمع ج ‪.)92‬‬

‫‪" -‬تأثير اإلعالم المسموع في اللغة العربية‪ ،‬وكيفية استثماره لصالح العربية"‪( .‬مجلة‬
‫المجمع ج ‪.)94‬‬

‫‪" -‬تأثير النظريات العلمية اللغوية المتبادل بين الشرق والغرب‪ :‬إيجابياته وسلبياته"‪.‬‬
‫(مجلة المجمع ج ‪.)96‬‬

‫‪" -‬المعجم العربي واالستعمال الحقيقي للغة العربية"‪( .‬مجلة المجمع ج ‪.)98‬‬

‫‪" -‬حوسبة التراث العربي واإلنتاج الفكري العربي في ذخيرة محوسبة واحدة‪،‬‬
‫كمشروع قومي"‪( .‬مجلة المجمع ج ‪.)103‬‬

‫وتعبر النظرية الخليلية الحديثة لعبد الرحمن الحاج صالح من أبرز ما‬
‫يمثل لسانيات التراث في الفكر العربي المغاربي المعاصر لقيامها على أسس أصيلة‬
‫‪95‬‬
‫تميز النظرية من غيرها هي " األصالة‪ ،‬والتحكم في المنهج االمتداد الزماني‬
‫‪1‬‬
‫والمكاني‪ ،‬والتطور في المفاهيم وصالحها لكثير من اللغات‪ ،‬ولها أتباع ومريدين"‬
‫ويشير صاحبها إلى أن موضوعها اعتمد على" ما وصل إلينا من تراث في ما‬
‫يخص ميدان اللغة‪ ،‬وبخاصة ما تركه لنا سيبويه(‪180‬ه) وأتباعه ممن ينتمي إلى‬
‫المدرسة التي سماها بالخليلية وكل ذلك بالنظر في الوقت نفسه إلى ما توصلت إليه‬
‫اللسانيات الغربية "‪ ،2‬ويتحدد بذلك موضوع هذه النظرية في مقارنة حصيلة‬
‫الدراسات اللغوية القديمة بنتائج اللسانيات‪ ،‬وفي تصريح آخر يشير صاحب النظرية‬
‫إلى معالم المنهج المعتمد لتناول هذا الموضوع بالدراسة‪ ،‬ويحدده في " قراءة جديدة‬
‫لما تركه الخليل بن أحمد الفراهيدي (‪170‬ه) وتلميذه سيبويه خاصة‪ ،‬وجميع من‬
‫جاء بعدهما من النحاة الذين اعتمدوا في بحوثهم على كتاب سيبويه‪ ،‬إلى غاية‬
‫القرن الرابع‪ ،‬كشروح كتاب سيبويه وغيره أضف إلى ذلك البحوث التي كتبها بعض‬
‫الرضي‬
‫العباقرة من العلماء كالسهيلي (‪581‬ه) وعبد القادر الجرجاني(‪471‬ه) و ّ‬
‫األسترابادي (‪686‬ه) وغيرهم"‪ 3‬في حين يفصح عن غاية هذه النظرية بالقول ‪":‬‬
‫تقويم النظرية اللغوية العربية التي كانت أساسا ألغلب ما يقوله سيبويه وشيوخه‪ ،‬وال‬
‫سيما الخليل وكيفية مواصلة هذه الجهود األصيلة في الوقت الراهن‪ ،‬ويبدأ بوصف‬
‫المبادئ المنهجية التي بنيت عليها هذه النظرية‪ ،‬وذلك بالمقارنة بين المبادئ التي‬
‫تأسست عليها اللسانيات الحديثة وخاصة البنوية والنحو التوليدي التحويلي وبين هذه‬

‫‪ 1‬صاحل بلعيد‪ ،‬مقاالت لغوية‪،‬دط‪.‬اجلزائر‪،2004:‬دار هومة‪،‬ص‪.53‬‬


‫‪ 2‬عبد الرمحن احلاج صاحل(( املدرسة اخلليلية احلديثة والدراسات اللسانية احلالية يف العامل العريب))‪ ،‬أعمال الندوة اجلهوية اليت عقدت‬
‫ابلرابط سنة‪ : 1987‬تقدم اللسانيات يف األقطار العربية‪ ،‬منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة (يونسكو) ط‪ .1‬بريوت‪،1991:‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ص ص ‪.367،368‬‬
‫‪ 3‬عبد الرمحن احلاج صاحل‪ ،‬النظرية اخلليلية احلديثة‪ :‬مفاهيمها األساسية ‪ ،‬د ط ‪ .‬اجلزائر‪ ،2007 :‬مركز البحث العلمي والتقين لتطوير‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪96‬‬
‫النظرية"‪ 1‬مبديا والءه المطلق للنظرية اللغوية العربية الذي يشكل التراث الرافد‬
‫األصيل لها‪ ،‬وجاءت بأسس إجرائية حددت به المفاهيم وفق منطق علمي رياضي‬
‫بنيت عليه‪ ،‬وهذا ما أهلها لتكون أعم وأشمل من النظرية اللسانية البنوية والنظرية‬
‫اللسانية التوليدية التحويلية‪ ،‬نقاط فارقة جعلتها مدعاة لتسليط الضوء عليها ومقارنتها‬
‫مع النظريات اللسانية الحديثة‪ .‬وبالعودة إلى التراث اللغوي العربي والتعمق في ما‬
‫تركه السلف تمكن العالمة من استخالص مقاييس النظرية النحوية العربية وبنى‬
‫عليه نموذج لساني حديث مؤهل إلثراء اللغة العربية على مستوى التنظير وخدمتها‬
‫على مستوى التطبيق هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى إلظهار قيمتها وانفرادها‬
‫بالسبق في الطرح مقارنتها بغير ها من النظريات اللسانية الغربية التي برزت عند‬
‫الغرب أضحى إجراء البد منه‪ .‬وفي موضع آخر يشير إلى المفاهيم األساسية التي‬
‫بنيت عليها النظرية وكيفية استغاللها حيث يقول‪ ":‬اعتمد العلماء العرب‪ -‬وزعيمهم‬
‫في ذلك الخليل‪ -‬على عدد من المفاهيم والمبادئ لتحليل اللغة وأهمها هي‪- :‬‬
‫مفهوم االستقامة وما إليها وما يترتب على ذلك من التفريق المطلق بين ما يرجع‬
‫إلى اللفظ وبين ما هو خاص بالمعنى‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم االنفراد في التحليل وما يتفرع من هذا المفهوم‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوما الموضع والعالمة العدمية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬مفهوما اللفظة والعامل‪".‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫‪ 2‬عبد الرمحن احلاج صاحل‪ ،‬حبوث ودراسات يف اللسانيات العربية‪ ،‬د ط‪.‬اجلزائر‪ ،2012:‬موفم للنشر‪،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪.218-217‬‬
‫‪97‬‬
‫نتج عن مفهوم االستقامة التمييز بين اللفظ والمعنى‪ ،‬وتحديد العلمين اللذين‬
‫يدرسانهما فإذا كان األول موضوعا للنحو فالثاني مؤهل ليكون موضوعا للبالغة‪.‬‬

‫ونتج عن مفهوم االنفراد إظهار الحدود الحقيقية التي تحصل في الكالم فالمنطلق‬
‫الواقعي في ذلك هو اللفظة بخالف التوليديين الذين ينطلقون من الجملة‪ .‬واللفظة‬
‫يمكن أن تنفصل ويمكن أن يبتدأ بها وهذا ما يجعلها تتسم بصفة االنفراد وبذلك‬
‫فهي األصل وما يمتد منها هو الفرع واألوجب أن يتم االنطالق من األصل أو لنقل‬
‫مما ينفصل ويبتدأ‪ .‬والشكل الذي يقترحه العالمة كفيل‬ ‫من أقل ما ينطق به‬
‫‪1‬‬
‫بتوضيح ذلك‪:‬‬

‫ح ّد االسم ( تحديده اإلجرائي)‬

‫زيادة مرتبة‬

‫أصغر قطعة‬ ‫األصل‬


‫متمكنة‬ ‫اسم‬
‫زيادة قبل األصل‬
‫زيادة بعد األصل‬
‫تصاريف بالزيادة والتعاقب‬

‫‪ #‬كتاب‬
‫فـــروع‬

‫‪#‬‬
‫كتاب ‪#‬‬ ‫الــ‬ ‫‪#‬‬
‫د‪#‬‬ ‫مفي‬ ‫ن‬ ‫ــــ ُ‬ ‫كتاب‬ ‫ــــ‬ ‫‪#‬‬
‫‪#‬‬ ‫زيد هذا‬ ‫ــــ ُ‬ ‫كتاب‬ ‫ــــ‬ ‫‪#‬‬
‫زيد المفيد ‪#‬‬ ‫ــــ ُ‬ ‫كتاب‬ ‫ــــ‬ ‫‪#‬‬
‫‪#‬‬ ‫ــــ المفيد‬ ‫كتابـ ـِــ‬ ‫الــ‬ ‫بـــ‬ ‫‪#‬‬
‫زيد الذي هو هنا ‪#‬‬ ‫كتابـ ـِــ‬ ‫الــ‬ ‫بِـــ‬ ‫‪#‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫اســـم واحــد‬

‫جدول يمثل الحدود الحقيقية للكالم انطالقا من اللفظة‬

‫‪1‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.220‬‬
‫‪98‬‬
‫ونتج عن تحديد مفهوم الوضع اختالف النواة التي يمكن أن تكون اسمية أو‬
‫فعلية‪ ،‬وحسب طبيعة النواة تتحدد مواضع العناصر اللغوية (الوحدات) وتتعين‬
‫مواضعها‪.‬‬

‫و مفهوم العالمة العدمية نتج في حقيقة األمر من مفهوم الوضع‪ ،‬فخلو الموضع‬
‫من العناصر التفريعية التي تتفرع إليها النواة هو خلو من العالمة‪ ،‬وهو ما سماه‬
‫بالعالمة العدمية(‪.)expression zero‬‬

‫إن الجو بارد‪ ،‬تقابلها العبارة ‪ 0 :‬الجو بارد أو ‪0‬‬


‫فعبارة ‪ :‬كان الجو باردا أو ّ‬
‫إن) فارغ ال وجود فيه ألية‬
‫الجو بارد؛ أي مكان العالمة اللغوية العاملة (كان أو ّ‬
‫عالمة لغوية‪.‬‬

‫الوقوف عند معنى اللفظة أدى إلى تحديد معنى الكلمة فاللفظة أعم من‬
‫الكلمة والكلمة جزء من اللفظة ومقياس تحديد مفهوم اللفظة عنده هو االنفصال‬
‫واالبتداء؛ فكل وحدة لغوية يمكن أن تنفصل عن غيرها وأن يبتدأ بها الكالم فهي‬
‫لفظة نحو‪ :‬آدم‪ ،‬محاضرة‪ ،‬جامعة‪.‬فهي ذات معنى سواء وظفت مع غيرها في‬
‫االستعمال أو انفصلت عنها‪ .‬وبهذا فالكلمة هي العالمة اللغوية التي ال تخضع‬
‫لهذين المقياسين (االبتداء واالنفصال في آن) نحو‪ :‬الضمائر المتصلة في قولنا‪:‬‬
‫جامعتنا؛ فنون المتكلم التي هي ضمير متصل كلمة وليست لفظة باعتبار استحالة‬
‫البدء بها واالنفصال عن كلمة جامعة مع اإلبقاء على داللتها‪ .‬والكالم نفسه ينطبق‬
‫على حروف الجر وآل التعريف‪.‬‬

‫أما مفهوم العامل فيأخذ مكانه في التركيب وطبيعة البناء الناتج من‬
‫األلفاظ المكونة له والعامل المؤثر في هذا البناء فالحظ النحاة أن الزوائد على‬
‫‪99‬‬
‫اليمين تغير اللفظ والمعنى بل تؤثر وتتحكم في بقية التركيب كالحركات اإلعرابية‬
‫‪1‬‬
‫مثال‪.‬بطريقة يبنها الشكل التالي‪:‬‬

‫قائم‬ ‫زيد‬ ‫‪0‬‬


‫قائم‬ ‫زيدا‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫قائما‬ ‫زيدا‬ ‫كان‬
‫قائما‬ ‫زيدا‬ ‫حسبت‬
‫قائما‬ ‫زيدا‬ ‫أعلمت عم ار‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫يظهر الشكل أن العمود األول قد يدخل عليه عامل ( قد يكون كلمة أو‬
‫لفظة أو تركيبا) يؤثر على بقية التركيب‪ ،‬وهذا ما أهله ليكون عامال‪ .‬وقد نتج عن‬
‫هذا المفهوم مفهوم العامل ‪(1‬م‪ )1‬والعامل‪(2‬م‪)2‬؛ إذ ما وجد في العمود الثاني تبين‬
‫كون مع عامله زوجا مرتبا ( ‪couple‬‬ ‫للنحاة استحالة تقدمه عن عامله لي ّ‬
‫‪ ،)ordonné‬بخالف المعمول الثاني الذي قد يتقدم على كل العناصر إال في‬
‫حاالت‪ ،‬أما السطر األول من الجدول فيظهر خلو موضع العامل من العنصر‬
‫الملفوظ مقارنة بمواضع األسطر الالحقة‪.‬‬

‫هذا أهم ما يمكن قوله عن النظرية الخليلية الحديثة جسد بها عبد الرحمن‬
‫الحاج صالح الموقف التراثي من الدرس اللغوي العربي وال سيما النحوي منه ويرى‬
‫فيه كفاءة علمية؛ تنظي ار يجب اإلشادة بسبقها وتطبيقا يجب إحياءها وتوظيفها في‬
‫ما يخدم اللغة العربية في العصر الحديث سواء على مستوى الحوسبة أم التعليم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرمحن احلاج صاحل‪ ،‬حبوث ودراسات يف اللسانيات العربية‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.223‬‬

‫‪100‬‬
101
‫النصوص التطبيقية‬

‫‪ -1‬يستمد خطاب دي سوسري وجاهته من طرحه أعقد القضااي اليت واجهت التفكري يف اللسان‬
‫البشري منذ بداايته‪ ،‬ومنها قضية حتديد موضوع اللسانيات‪ ،‬وحصره وبيان طبيعته‪ ،‬ومظاهره‬
‫األساسية‪.‬‬

‫املطلوب‪:‬‬
‫‪102‬‬
‫‪ -‬انقش القول حملال القضااي املطروحة فيه‪ ،‬مبينا عالقة اللسانيات ابجملاالت املعرفية األخرى‪.‬‬

‫‪ -2‬ملا كان اللسان البشري ذا خصائص متميزة‪ ،‬وطبيعة متفردة‪ ،‬وله مظاهر أساسية خاصة به‪،‬‬
‫فهو يستوجب علوما مستقلة قائمة بذاهتا مستمدة من طبيعته وبنيته الداخلية‪ ،‬واملؤثرات اخلارجية؛‬
‫ابلرغم من أن موضوعه اللسان البشري لذاته ومن أجل ذاته؛ أي دراسته يف ذاته واستنباط قوانينه‬
‫الداخلية بغية تفسري اشتغاله ووظائفه اليت ينهض هبا‪ .‬لكن العلوم املستقلة كان هلا األثر البليغ يف‬
‫بروز تيارات فكرية يف احلقل اللغوي وسعت الدراسة وطبيعتها‪،‬ونقلتها خارج جمال اللغة‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫المطلوب ‪:‬‬

‫حلل النص مبر از أفكاره‪ ،‬مع الشرح والتعليل‪.‬‬

‫‪ -3‬اتخذ جاكبسون من تحديد عناصر التواصل عمال إجرائيا وضروريا لبلوغ‬


‫دراسة اللغة بكامل تنوع وظائفها‪ ،‬انتهى به المطاف إلى تصميم مسار التواصل‬
‫الكالمي بعناصر جديدة‪.‬‬

‫المطلوب‪ :‬أنشئ المسار التواصلي لجاكبسون مبينا عناصره ووظائفها مع التعليق‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -4‬إن االستقاللية دعامة أساسية يف علمية اللسانيات دون أن حتول أو أن متنع من التشارك املعريف‬
‫بني اللسانيات والعلوم املتامخة هلا من قبل علم النفس وعلم االجتماع واألنثربولوجيا‪ .‬اللسانيات ال‬
‫تتناقض مع العلوم األخرى بل تتفاعل معها‪ ،‬وال ميكن هلا أن تتعارض معها يف إثبات مفاهيم‪،‬‬
‫ابلرغم من كون أن للسانيات منهجا خاصا وموضوعا خاصا هبا‪ .‬فهي ال تستعري املناهج من العلوم‬
‫األخرى بل جند هلا وجهة نظر خاصة مادامت اللسانيات تدرس موضوعا فريدا يستوجب هذا‬
‫قيامها كعلم مستقل وعلى منهج مستقل‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫المطلوب ‪ :‬حلل النص وناقشه مبينا كيف أسهمت العلوم المتاخمة للسانيات من‬
‫ظهور بعض المدارس اللسانية ذات الصلة‪.‬‬

‫‪ -5‬تسعى النظرايت الصورية (البنيوية) للغات الطبيعية اىل تفسري اخلصائص الصورية للغة الطبيعية مبعزل عن‬
‫وظيفهتا التواصلية‪.‬‬

‫املطلوب‪ :‬حلل القول وانقشه مبينا أوجه الاختالف بني التيارين البنيوي والوظيفي يف دراسة اللغة الطبيعية‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ -6‬اهمتت البنيوية ابمللكة اللغوية‪ ،‬يف حني الوظيفية اهمتت ابمللكة التواصلية‪.‬‬

‫المطلوب‪ :‬تناول النص بالتحليل والنقد معتمدا المقارنة بين المدرستين اللسانيتين‪.‬‬

‫‪107‬‬
108
‫‪ - 7‬يعد الرتكيب والرصف يف النظرايت البنيوية مس توى حموراي يف النحو‪ ،‬أما ادلالةل والوظائف التداولية فال تقوم اال‬
‫بدور تأوييل‪ ،‬يف حني النظرايت الوظيفية ترى أن املس توى التداويل ادلاليل حيتل داخل النحو مس توى مركزاي؛ من‬
‫ابب أن الفكرة أس بق من اللغة‪ ،‬حيث يتوىل حتديد خصائص الرتكيب‪.‬‬

‫املطلوب‪:‬‬

‫‪ -‬ارشح القول وانقش أفاكره‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ -8‬عىل الرمغ من الرصامة اليت اتصفت هبا البنيوية اال أهنا أهدرت اجلانب ادلاليل التداويل‪.‬‬

‫حلل النص وفصل يف ما يشري اليه من تيارات لسانية قامئة بذاهتا من حيث الصول والقواعد‪.‬‬

‫ألنها تدرس الّلغة في عالقتها‬


‫اجتماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -9‬يعتبر التّيار االجتماعي الّلغة ظاهرة‬
‫اجتماعية نمت وترعرعت فيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تصوره خارج سياقات‬
‫بالمجتمع‪ ،‬واكتسابها ال يمكن ّ‬

‫‪110‬‬
‫غوي‪ّ .‬‬
‫فتحول‬ ‫للسلوك الّل ّ‬
‫اجتماعية ضابطة ّ‬
‫ّ‬ ‫تشكل قواعد‬
‫ألنها ّ‬
‫بل هي اّلتي أوجدتها‪ّ ،‬‬
‫فعلية لّلغة في إطارها‬
‫النشاط الخطابي باعتباره ممارسة ّ‬
‫المنطلق إلى التّركيز على ّ‬
‫االجتماعي‪ ،‬وباعتباره كذلك فهو حقل ُي ْذ َكى فيه التّفاعل االجتماعي‪ ،‬بتبادل‬
‫وهي فرصة إلظهار العالقة بين الّلغة وثقافة‬ ‫الفعالة‬
‫االجتماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫العالقات‬
‫وكل هذا مدعاة لتعليم الّلغة وفق ثقافة المجتمع وعاداته‪ ،‬وتقاليده‪،‬‬
‫المجتمعات‪ّ ،‬‬
‫المتميزة‪ (.‬مالينوفسكي‪ +‬فيرث‪ +‬فرانس بواز‪+‬‬
‫ّ‬ ‫ويته‬
‫تفعيال لموروثه الثّقافي وإب ار از له ّ‬
‫سابير ‪ +‬قوفمان ‪ +‬صوفي مواران ‪ +‬هايمز‪)...‬‬

‫المطلوب‪:‬حلل النص محدد معالم المدرسة اللسانية التي يشير إليها النص‪.‬‬
‫ومجهودات أعالمها‪.‬‬

‫‪ - 10‬قال ميلود حبيبي في كتابه االتصال التربوي وتدريس األدب‪:‬‬

‫(( إذا كانت اللسانيات الصورية قد جعلت موضوع اشتغالها دراسة العالمات‬
‫أن نحو لغة ما هو‬
‫اللغوية‪ ،‬فإن النحو التوليدي التحويلي اهتم بدراسة الجمل‪ ،‬معتب ار ّ‬
‫‪111‬‬
‫مجموعة من القواعد المعبرة عن التقابالت الحاصلة بين األصوات والداللة الخاصة‬
‫بهذه اللغة وأن التوليد معناه القدرة على استيضاح هذه العالقات‪ )).‬ص‪58‬‬

‫المطلوب‪ :‬حلل القول وقارن بين المدرستين اللسانيتين‪.‬‬

‫‪ -11‬قالت صوفي مواران‪ (( :‬المعرفة والقدرة على تفعيل قواعد النظام تظهر متكئة‬
‫بال هوادة على األنظمة النفسية واالجتماعية‪ ،‬والثقافية للتواصل))‬

‫‪112‬‬
‫‪Sophie moirand, enseigner a communiquer en langue‬‬
‫‪étrangère, s éd.Paris:1982, Hachette, p17.‬‬

‫المطلوب‪ :‬حلل القول وناقشه مفصال في مالمح المدارس اللسانية ذات الصلة في‬
‫تحقيق التواصل‪.‬‬

‫‪ -12‬تبنى فيرث نظرية سياق الموقف‪ ،‬وهي بالنسبة له حقل خصب من العالقات‪،‬‬
‫يفعلها أشخاص ويثرونها عند قيامهم باألدوار المسندة إليهم في المجتمع‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫المطلوب‪ :‬حلل القول مبينا المدرسة التي ينتمي إليها فيرث محددا مميزاتها مع‬
‫الشرح والتحليل‪.‬‬

‫التلّفظ هو األساس اّلذي بنى عليه (ج‪.‬ل‪.‬أوستين ‪ ) J. L. Austin‬نظرّية األفعال‬


‫‪ّ -13‬‬
‫غوية ومن بعده (ج‪.‬ر‪.‬سيرل ‪ )J. R. Searl‬بوصفه ممارسة المرسل لينجز فعال لغويا‬
‫الّل ّ‬
‫التلّفظ في خضم ما يحيط به‬‫تجسد في تناول ّ‬ ‫ِ‬
‫الدراسة ّ‬
‫السياق‪ ،‬هذا االمتداد في ّ‬
‫يتالءم مع ّ‬
‫من أغراض ومقاصد‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫‪ -‬المطلوب‪ :‬حلل النص مبينا المدرسة التي يتحدث عنها‪ ،‬ملخصا األساسيات التي‬
‫أتت بها‪.‬‬

‫‪ (( -14‬فالفعل الذي هو من أهم أركان الكالم يدل على الحدث‪ ،‬وكل حدث‬
‫يحصــــل بالضرورة في زمان معين ومكان معين‪ .‬وأما الكالم كاسم مصدر لفعل‬
‫تكلّم فهو حدث‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫فال ب ّد أن يكون لـــه زمان ومكان معينان‪ .‬وبهذا يفـــترق الكـالم كفـعل‬
‫وكحـدث عن الجهاز الذي يستعمله المتكلم وهو اللغة؛ إذ هو أداة لتـبليغ‬
‫األغراض‪ ،‬وبما أنها نظام من األدلة المتواضـــع عليها ال تــــراد لذاتها‪ ،‬بل‬
‫لالنتـفاع بها كأداة تبليغ‪ .‬فهي كيان مجرد لعموم استعمالها ولعدم اختصـاص كل‬
‫عنصر فيها؛ كأسماء األجناس واألفعال وحروف المعاني‪ ،‬فهي صالحة‬
‫لالسـتعمال في كل مناسبة وفي أي وقت‪ ،‬وال يختص استعمالــها بكالم قد يتكلم‬
‫به أو سيتكــلم به شــخص معين في ظروف معينة‪ .‬فالكالم حدث واألحداث هي‬
‫أشياء جزئـــية ألنها تدرك بحــاسة السمع كأصـوات فلكل حدث خصوصية‪ .‬أما‬
‫اللغة فهي من الكليات ألنـــها غير مــــدركة بالسمع كوضع كما أنها ليست‬
‫حدثا‪ ،‬بل هي أداة مهيأة لالستعمال في كل األوقات وكل الظروف))‪.‬‬

‫عبد الرحمان الحاج صالح‬

‫الخطاب والتخاطب في نظرية الوضع واالستعمال‪.‬‬

‫العربية‪ .‬ص‪43‬‬

‫اشرح النص مبينا قضاياه اللغوية‪ ،‬موضحا األهميّة التي نالتها عند اللسانيين‬
‫فكانت‬

‫موضوع دراسة‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫خامتة‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل ما تقدم من عمل خلصت إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ -‬محاضرات دي سوسير كان لها بالغ األثر في ما جاء بعده من طرح وأفكار‬
‫لسانية‪.‬‬

‫‪ -‬تعدد المدارس سببه تعدد المرجعيات المعرفية ألصحابها‪.‬‬

‫‪ -‬كل مدرسة إال وتتميز عن غيرها من المدارس سواء في المنابع واألصول‬


‫المعرفية أو في القواعد المائزة‪.‬‬

‫‪ -‬بدأ الدرس اللساني الغربي االهتمام باللغة في ذاتها ولذاتها‪ ،‬لكن إلماما بما له‬
‫عالقة بتوظيف اللغة امتد االهتمام إلى دراسة ما هو خارج اللغة لكن مؤثر فاعل‬
‫في توظيفها‪.‬‬

‫‪ -‬بالرغم من اختالف المدارس في قواعدها المائزة إال أنها لو اجتمعت لدراسة اللغة‬
‫لتكاملت في ما بينها تكامال وظيفيا‪.‬‬

‫‪ -‬كان للدرس اللساني الغربي تأثير ظاهر في الدرس اللغوي العربي الحديث‪.‬‬

‫‪ -‬أسهمت المدارس اللسانية الغربية في ظهور لسانيين عرب باختالف مشاربهم‬


‫العلمية‪ ،‬ومرجعياتهم المعرفية‪.‬‬

‫هللا أسأل التوفيق في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫قامئة املصادر واملراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬


‫‪ -1‬المراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد حساني‪ ،‬مباحث في اللسانيات‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر‪.1994 :‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ -‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ط‪ .2‬لبنان ‪ ،2010 :‬دار الكتاب‬
‫الجديد المتحدة‪.‬‬
‫النشأة والتّطور‪ ،‬دط‪ .‬الجزائر‪ ،2002:‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد مومن‪،‬الّلسانيات ّ‬
‫‪ -‬أندري مارتيني‪ ،‬مبادئ في اللسانيات العامة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد الحمو‪ ،‬د ط‪ .‬دمشق‪،1985 :‬‬
‫المطبعة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ -‬آن روبول و جاك موشالر ‪ ،‬التداولية اليوم ‪،‬تر‪ /‬سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني‪،‬‬
‫ط‪. 1‬لبنان‪ ،2003 :‬دار الطليعة‪.‬‬
‫‪ -‬حفيظة تازروتي‪ ،‬اكتساب اللغة العربية عند الطفل الجزائري‪ ،‬دط‪ .‬الجزائر‪2003 :‬م‪،‬‬
‫دار القصبة للنشر‪.‬‬
‫‪ -‬جاكسون وآخرون‪ ،‬التواصل‪ ،‬نظريات ومقاربات‪ ،‬تر‪ :‬عز الدين الخطابي‬
‫وزهور شوقي‪ ،‬د ط‪ .‬الدار البيضاء‪ ،2007 :‬منشورات عالم التربية‪.‬‬
‫‪ -‬جميل صليبة‪ ،‬علم النفس‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪.1981 ،3‬‬
‫‪ -‬جون إي جوزيف وآخرون‪ ،‬أعالم الفكر اللغوي‪ ،‬التقليد الغربي في القرن العشرين‪،‬‬
‫تر‪ :‬أحمد شاكر الكالبي‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪ ،2006 :‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬ج‪.2‬‬
‫‪ -‬رومان جاكبسون‪،‬قضايا الشعرية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الولي ومبارك‪ ،‬ط‪ ،1‬المغرب‪،1988:‬‬
‫مكتبة األدب المغربي‪.‬‬
‫الراجحي وسامي عياد حنا‪ ،‬مبادئ علم الّلسانيات الحديث‪ ،‬د ط‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫الدين ّ‬
‫‪ -‬شرف ّ‬
‫الجامعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪2003‬م ‪ ،‬دار المعرفة‬

‫‪ -‬شكري المبخوث ‪ ،‬نظرية األعمال اللغوية‪ ،‬ط‪ .1‬تونس ‪ ،2008 :‬مسكلياني للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪ -‬صالح بلعيد‪ ،‬دروس في الّلسانيات التطبيقية‪ .‬الجزائر‪ 2000:‬دار هومة للطباعة‬

‫‪120‬‬
‫والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪-‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ‪ ،‬مقاالت لغوية‪ ،‬دط‪ .‬الجزائر‪ ،2004:‬دار هومة‪.‬‬
‫‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،‬نظرية النظم‪ ،‬دط‪ .‬الجزائر‪ :‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪.2002 ،‬‬
‫‪ -‬طالب هاشم طبطبائي نظرية األفعال الكالمية مجلة عالم الفكر المعاصر‪،‬ع‪، 99 - 98‬‬
‫‪.. 1992‬‬
‫‪ -‬الطاهر بن الحسين بومزبر‪ ،‬التواصل اللساني والشعرية‪ ،‬مقاربة تحليلية لنظرية رومان‬
‫جاكبسون‪ ،‬ط‪ .1‬الجزائر‪ ،2007:‬منشورات االختالف‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن الحاج صالح(( المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في‬
‫العالم العربي))‪ ،‬أعمال الندوة الجهوية التي عقدت بالرباط سنة‪ :1987‬تقدم‬
‫اللسانيات في األقطار العربية‪ ،‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)‬
‫ط‪ .1‬بيروت‪ ،1991:‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن الحاج صالح‪ ،‬النظرية الخليلية الحديثة‪ :‬مفاهيمها األساسية ‪ ،‬د ط ‪.‬‬
‫الجزائر‪ ،2007 :‬مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن الحاج صالح‪ ،‬بحوث ودراسات في اللسانيات العربية‪ ،‬د ط‪.‬الجزائر‪،2012:‬‬
‫موفم للنشر‪،‬ج‪.1‬‬
‫‪ -‬عبد السالم المسدي‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ط‪ .2‬تونس‪ ،1982 :‬الدار العربية للكتاب‪.‬‬
‫للنشر‪.‬‬
‫ونسية ّ‬
‫الدار التّ ّ‬
‫المعرفية‪ ،‬د ط‪ .‬تونس‪1986 :‬م‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪،‬الّلسانيات وأسسها‬
‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتجيات الخطاب ‪،‬ط‪ .1‬لبنان‪ ، 2004 :‬دار الكتاب‬
‫الجديد المتحدة‪ ،‬ج‪.1‬‬

‫‪ -‬عبدو الراجحي‪ ،‬اللغة وعلوم المجتمع‪ ،‬ط‪ .2‬لبنان‪ 2004 :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬عمر بلخير ‪ ،‬تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية‪ ،‬ط‪ .1‬الجزائر ‪2003 :‬‬
‫منشورات االختالف‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -‬عبد اللطيف الفاربي وآخرين‪ ،‬معجم علوم التربية‪،‬مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك‪،‬‬
‫ط‪ .1‬الرباط‪ ،1994 :‬دار الخطابي للطباعة والنشر‪ ،‬ع ‪.10-9‬‬
‫‪ -‬فرديناند دي سوسير‪ ،‬دروس في اللسانيات العامة‪ /‬تر‪ :‬صالح القرمدي و آخرون‪ ،‬د ط‪.‬‬
‫تونس‪ 1985:‬الدار العربية للكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬ف ارنسواز أرمنكو‪ ،‬المقاربة التداولية‪ ،‬تر‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬د ط‪ .‬الرباط‪ ،1986 :‬مركز‬
‫اإلنماء القومي‪.‬‬
‫‪ -‬ك‪ .‬أركيوني‪ ،‬فعل القول من الذاتية في اللغة‪ ،‬تر‪:‬محمد نظيف‪،‬د ط‪ .‬المغرب‪2007 :‬‬
‫إفريقيا الشرق‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الشاوش وآخرون‪ ،‬أهم المدارس الّلسانية‪،‬دط‪ .‬تونس‪ ،1986:‬المعهد القومي‬
‫لعلوم التربية‪ ،‬و ازرة التربية القومية‪.‬‬
‫‪ -‬مازن الوعر‪ ،‬قضايا أساسية في علم الّلسان الحديث‪ ،‬مدخل‪ ،‬ط‪ .1‬دمشق‪،1988:‬‬
‫دار طالس للدراسات والترجمة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬مازن الواعر‪(( ،‬النظريات النحوية والداللية في الّلسانيات التحويلية والتوليدية))‪،‬‬
‫مجلة الّلسانيات‪ ،‬عدد ‪ 6‬الجزائر‪.1986 ،‬‬
‫‪ -‬ميلود حبيبي‪ ،‬االتصال التربوي و تدريس األدب‪ ،‬ط‪.1‬الغرب‪ 1993 :‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ -‬نور الدين رايص‪ ،‬نظرية التواصل واللسانيات الحديثة‪ ،‬ط‪ .1‬الرباط‪،2007 :‬‬
‫مطبعة سايس‪.‬‬

‫‪ -‬نور الهدى لوشن‪ ،‬مباحث علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬دط‪ .‬الشارقة‪،2008 :‬‬
‫الفتح للتجليد الفني‪.‬‬

‫‪122‬‬
.‫ عالم الكتب‬، 1990 :‫ مصر‬.2 ‫ ط‬،‫ محمد عياد‬:‫ تر‬،‫ علم اللغة االجتماعي‬،‫ هدسون‬-

:‫ المراجع باللغة األجنبية‬-2


-
André Martinet, Elément de l’inguistique générale paris.armand
colin,1978.
-
A.MARTINET,élémentde linguistique générale,Armand colin,
paris,1970.
-
ANRICO ARCAINI, principes de linguistique appliquée,
bibliothèque scientifique, paris,1972.
-BAYLON CHRISTIAN . XAVIERMIGNOT1999 la communication.
Nathan. paris.2édi.
-
Christian Bachmann, et autres, Langage et communications
sociales, s éd. Paris : 1991 Hatier/Didier.
-
DJILALI dallache introduction a la pragmatique linguistique
Algerie O.P.U 1993.
-
DUCROT ET TODOROV,dictionnaire encyclopédique des
sciences du langage, ed du seuil, paris,1972.
-
Edward Sapir, le langage, traduction de l’anglais par :
S. M. Guillaumin, Paris, ed, payot et Rivages 2001.
des sciences du langage, ed du seuil, paris,1972.

- Emile Benveniste, Problèmes de linguistique générale,


s éd. Paris : 1974, Gallimard.
- Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale,
123
édition critique préparé par: T. De Moro. Paris: 1979. Payot.

-
Francis Whitfield, (( glossematics)) In Archibald Hill (ed)
Linguistics, Voice of America Forum Lectures, 1969.
-
J.L. AUSTIN quand dire c'est faire trad et introduction
de G.LANE ed seuil paris 1970.
-
J.R.SEARL sens et expression étude de théorie des
actes de language trad.et préface par JOELL PROUST
ed Minuit paris 1982.
-
Jean Lohisse, la Communication de la transmission
a la relation, Belgique, De Bock Université 1ed, 2001.
-Jeans Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique,
s éd. Paris: 2002, Larousse.
- Georges Mounin, clefs pour la linguistique, 17eme éd. Paris :
1971, Seghers.
- Georges Mounin, Histoire de la linguistique des origines
eme
aux XX siècle, s.éd. Paris: 1985, P.V.F.
- M.L. Moreau ; et M.Richelle, l’acquisition du langage
ème
2 ed. piere Mardaga, editeur bruscelles-lieges 1981.

-
Roman Jaksbon, Essais de linguistique générale, tra Nicolat
Ruet les èditions de minuit, paris, 1963.
- Tsutumu Akamatsu et al, The linguistics encyclopedia,

124
2nd éd. New York: 2004 Routledge.

125
‫فهرس احملتوايت‬

‫مقدمة‪2.............................................................................................................................................. .........................:‬‬
‫المحاضرة األولى‪4 ..................................................................................................................................................‬‬
‫‪126‬‬
‫المحاضرة الثانية‪13.................................................................................................................................... ............‬‬
‫المحاضرة الثالثة‪27......................................................................................................................... ........................‬‬
‫المحاضرة الرابعة و الخامسة‪37 ......................................................................................................................‬‬
‫المحاضرة السادسة‪46 .................................................................................................................................. ..........‬‬
‫المحاضرة السابعة‪50 ...............................................................................................................................................‬‬
‫المحاضرة الثامنة‪57 ................................................................................................................................... ..............‬‬
‫المحاضرة التاسعة‪61 ...............................................................................................................................................‬‬
‫المحاضرة العاشرة والحادية عشر‪65................................................................................................................‬‬
‫المحاضرة الثانية عشر‪71 .......................................................................................................................... ...........‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪........................................................................................................................ ............‬‬ ‫المحاضرة الثالثة عشر‬
‫المحاضرة الرابعة عشر‪90 .......................................................................................................................... ...........‬‬
‫النصوص التطبيقية‪100 .................................................................................................................................... .....‬‬
‫الخاتمة‪116....................................................................................................................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪118.................................................................................................................. .............‬‬
‫فهرس المحتويات‪125...................................................................................................................................... .......‬‬

‫‪127‬‬

You might also like