Professional Documents
Culture Documents
مذكرة الفقه المقارن 451 لطالبات الانتساب
مذكرة الفقه المقارن 451 لطالبات الانتساب
اعداد
د /عواطف تحسين البوقري
لطالبات االنتساب
للفصل الدراسي الثاني
1438 – 1437هـ
ـ2ـ
د /عواطف تحسين البوقري
ـ9ـ
د/عواطف تحسين البوقري
يخطب امرأة يأتي وليها فقط .
ثانيا من السنة 1 :ـ عن أبي هريرة رضي هللا عنه .قال " :ال تزوج المرأة
المرأة ،وال تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " .
وجه الداللة :ان النبي صلى هللا عليه وسلم نهى المرأة أن تزوج نفسها فدل
ذلك على فساد نكاحها ؛ ألن النهي إذا رجع إلى ذات الفعل يدل على الفساد ويؤيده
قوله في آخر الحديث :فإن الزانية هي التي تزوج نفسها .
المناقشة :قيل لهم في الحديث ان ابن كثير قال فيه :الصحيح وقفه على ابي
هريرة .وعلى تسليم رفعه فغايته التنفير من استبداد المرأة بنفسها في النكاح .
الرد :ردوا وقالوا بأننا ال نسلم أن الحديث غير مرفوع ،بل هو مرفوع ،وقد
حكي رفعه يحيى بن معين ،وليس المراد منه التنفير كما قيل ؛ ألن النهي ظاهر في
عدم الصحة .
2ـ عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم .قال:
" ال نكاح إال بولي " .
وجه الداللة :هذا الحديث صريح في أن النكاح ال يصح بدون ولي .
المناقشة ُ :أعترض علهم بأنه حديث ضعيف مضطرب في إسناده .فقد روي
موصوال ومنقطعا ومرسال .فال تقوم به حجة على أصلكم .وعلى تسليم صحة
االحتجاج به بناء على تقديم الوصل على االنقطاع عند التعارض .فغايته أنه حسن،
وهو ال يعارض الحديث الصحيح وهو حديث " :األيم أحق بنفسها. "...
الرد :بأن الحديث صححه ابن حبان والحاكم ،وذكر له الحاكم طرقا .وقال :
صحت فيه الرواية عن أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم .عائشة وأم سلمة ،
وزينب بنت جحش .ثم ذكر تمام ثالثين صحابيا ،وقد قال المروزي :سألت أحمد
ويحيى عن حديث " ال نكاح إال بولي " .فقاال :صحيح ،و ال نسلم معارضته
لحديث " األيم أحق بنفسها "...وذلك لما قلناه في معناه من أن المراد أنها أحق
بنفسها في أن ال يعقد عليها الولي إال برضاها ؛ ألنها أحق بنفسها في أن تعقد على
ـ 10ـ
د/عواطف تحسين البوقري
نفسها بدون وليها .
3ـ عن عائشة رضي هللا عنها أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :أيما امرأة
نكحت نفسها بدون إذن وليها فنكاحها باطل ،باطل ،باطل .فإن دخل بها فلها
المهر بما استحل من فرجها ،فإن تشاجروا فالسلطان ولي من ال ولي له " .
وجه الداللة :أن النبي صلى هللا عليه وسلم حكم على نكاحها نفسها بدون إذن
وليها بالبطالن ،وكرر ذلك ثالثا لتأكيد بطالنه ،فهو قاض باشتراط الولي في
صحة النكاح .
المناقشة :أوًال ـ إن هذا الحديث روي من جملة طرق مدارها على ابن شهاب
الزهري ،فبعضها من رواية ابن جريج ،وبعضها من رواية الحجاج بن أرطأة ،
وبعضها من رواية ابن لهيعة ،وابن لهيعة معروف ،والحجاج ضعيف ،ولم يثبت
سماعه من الزهري فهو موقوف ،وأما رواية ابن جريج فقد أخبر ابن علية ان ابن
جريج قال :لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره .
الرد :بأن المخالف يحتج برواية كل من ابن لهيعة والحجاج .فكيف ال يحتج بها
عند االجتماع .
وأما رواية ابن جريج إنكار الزهري لرواية سليمان بن موسى ،فقد ضعفها ابن
معين ،فقد أخرج عنه البيهقي من طرق منها :أن جعفر الطيالسي قال :سمعت ابن
معين يوهن رواية ابن علية ،وانما سمع ابن علية من ابن جريج سماعا ليس بذاك .
ولو ثبت هذا عن الزهري لم يكن في ذلك حجة ؛ ألنه قد نقله عنه ثقات منهم
سليمان بن موسى .وهو إمام ثقة ،وجعفر بن ربيعة ،فلو نسبه الزهري لم يضره
ذلك .فإن من حفظ حجة على من نسي .فإذا َر َو ى الحديث ثقة ،فال يضره نسيان
نسيه .
ثانيا :ونوقش أيضا ان هذا الحديث ُر وي عن عائشة ،وقد زوجت حفصة بنت
عبد الرحمن ،وقد كان غائبا .
الرد :يجاب عن ذلك بما قاله البيهقي ونحن نحمل قوله :زوجت ،أي مهدت
أسباب التزويج ،وُأضيف النكاح إليها الختيارها ذلك ،وإذنها فيه .ثم أشارت على
ـ 11ـ
د/عواطف تحسين البوقري
من ولي أمرها عند غيبة أبيها ،حتى عقد النكاح .ويؤيد هذا ما رواه ابن جريج عن
عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة أنها نكحت رجال هو المنذر
بن الزبير امرأة من بني أخيها ،فضربت بينهم بستر ثم تكلمت .حتى إذا لم يبق إال
العقد أمرت رجال فأنكح .ثم قالت :فإن المرأة ال تلي عقد النكاح .
فالوجه أن عائشة قررت المهر وأحوال النكاح ،وتولى العقد أحد عصبتها ،ونسب
العقد إليها لما كان تقريره إليها .
ثالثا :ونوقش أيض إنه يخالف مذهب الجمهور ،فإن مفهومه وهم يحتجون
بالمفهوم يدل على صحة النكاح إذا باشرته المرأة بإذن وليها .
ثالثا المعقول :وأما المعقول :فقد قالوا :إن النكاح له مقاصد شتى وهو رباط بين
األسر .والمرأة ال تحسن االختيار لقلة ما لديها من االختيار ،السيما أنه تخضع
لحكم العاطفة التي تطغى عليها جهة المصلحة .فتحصيال لهذه المقاصد على الوجه
األكمل قلنا بمنعها من مباشرة العقد .
المناقشة :قيل لهم فيه :ان تحصيل المقاصد المذكورة ال يتوقف على مباشرة
الولي العقد بنفسه ،بل يكفي أن يأذن لها .وليباشر العقد بعد ذلك من يباشره .
الرد :أجابوا على المناقشة بأن مباشرة المرأة للعقد تتنافى ومحاسن الشريعة
اإلسالمية وآدابها ،فإن المرأة تنسب إلى الوقاحة ،والخروج عن مألوف العادات ،
وكيف يقوم هذا ؟ وقد قامت األدلة القوية على أن المرأة ممنوعة من مباشرة العقد
بنفسها .
وهو مذهب إلمام أبو حنيفة ومن وافقه فقد استدلوا بالكتاب أدلة المذهب الثاني :
والسنة والمعقول :
أوال من الكتاب :
أ) قال تعالى ( فإن طلقها فال تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .
ب) قال تعالى ( :فال تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا ترضوا بينهم بالمعروف ) .
ـ 12ـ
د/عواطف تحسين البوقري
ج) قال تعالى ( :فإذا بلغن أجلهن فال جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف )
وجه الداللة من اآليات :ان هللا سبحانه تعالى أسند النكاح في اآلية األولى
والثانية إلى المرأة ،واألصل في االسناد أن يكون إلى الفاعل الحقيقي ،فدل ذلك
على صحة النكاح عند مباشرتها العقد بنفسها من غير مباشرة الولي أو إذنه .وأما
في اآلية الثالثة ،فإن قوله تعالى ( :فيما فعلن في أنفسهن ) صريح في أنها هي
التي تفعل في نفسها ما تشاء ،ومن ذلك أن تباشر عقد نكاحها .
المناقشة :وقد نوقش ذلك بأن اآليات التي أضيف فيها النكاح إلى المرأة أن
االضافة فيها على طريق االسناد المجازي والعالقة المحلية ،وأيضا فإن ال يكون
نصا في جواز مباشرتها العقد بنفسها ،وإنما هو نص في تحصيل العقد لكن
بمباشرة من ؟ هذا مسكوت عنه .وقد بينت السنة أن ال يصح للمرأة ان تباشر
النكاح وأنها إذا باشرته كان فاسدا كما في حديث عائشة رضي هللا عنها حيث ردت
أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها
فنكاحها باطل ،باطل ،باطل ".....الحديث .
وأما قوله تعالى ( :فيما فعلن في أنفسهن ) فسياق اآلية يقتضي بأن هذا في غير
النكاح إذ اآلية قبلها في عدة الوفاة ،والمرأة فيها ممنوعة من الزينة والخروج ،
مأمورة باإلحداد ،فرفع هللا عنها هذه القيود التي التزمتها في العدة بقوله ( :فال
جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ) .
ثانيا من السنة :
ما رواه الجماعة إال البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه قال :قال : أ)
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " األيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في
نفسها ،وصماتها إقرارها " وفي لفظ مسلم " :وإذنها صماتها " وفي لفظ آخر
" البكر تستأمر وإذنها سكوتها " .
وجه الداللة :في هذا الحديث الشريف أن النبي صلى هللا عليه وسلم شارك بينها
وبين الولي ،ثم قدمها عليه بقوله " :أحق بنفسها " وقد صح العقد من الولي
فصحته منها أولى ،هذا من جهة .ومن جهة أخرى فإن الحديث برواياته يدل
ـ 13ـ
د /عواطف تحسين البوقري
صراحة على توقف العقد على رضا المرأة ،وليس من المعقول وال من المعهود
شرعا أن يقيد رضا شخص في صحة تصرف ،ثم يحكم عليه بالفساد إذا باشره
بنفسه .
ما ورد في تزوجه صلى هللا عليه وسلم أم سلمة لما بعث إليها يخطبها .قالت : ب)
" ليس أحد من أوليائي شاهد " فقال صلى هللا عليه وسلم " :ليس أحد من
أوليائك شاهد وال غائب يكره ذلك " .
وجه الداللة :أنهلم يحضر أحد من أولياء أم سلمة هذا العقد ،وهي التي
باشرته بنفسها ،فدل ذلك على صحة النكاح بمباشرة المرأة العقد ،وهو يدل من
جهة أخرى على أنه ليس لألولياء حق االعتراض ؛ إذا كلن كفئا .
المناقشة :يقال لهم في حديث أم سلمة رضي هللا عنها :أنه محمول على
الخصوصية فقد عهد اختصاص النبي صلى هللا عليه وسلم في باب النكاح بأمور
كثيرة إذ إننا إنما نحتاج للولي لرعاية المصلحة إذ إن المرأة لنقصان عقلها قد ُتخدع
والنبي صلى هللا عليه وسلم خير زوج فال يصح إلنسان أن ينظر بعد نظره .
ثالثا من المعقول :إن المرأة عند مباشرتها العقد بنفسها ،إنما تصرفت في
خالص حقها وهي من أهل التصرف ؛ إذ إنها بالغة عاقلة .ولهذا كان لها التصرف
في المال ،ولها اختيار األزواج باالتفاق ،وكل تصرف هذا شأنه فهو صحيح ،
وإنما يطلب الولي بالتزويج كيال تنسب المرأة إلى الوقاحة .
المناقشة :يقال لهم فيما استدلوا به من المعقول :ال نسلم أنها عند مباشرتها
العقد تكون قد تصرفت في خالص حقها ،بل تصرفت في أمر تعلق به حق
األولياء ،وما من شك في أن مشروعية النكاح على األصالة إنما هي بناء األسر ،
والمحافظة على األعراض التي ال يصونها إال ولي خاص يؤمن على العرض من
تلويثه .
أدلة المذهب الثالث ومناقشتها :وإليه ذهب الشعبي والزهري في التفريق في
صحة النكاح لو زوجت المرأة نفسها لكفء ؛ وعدم صحته لو زوجت نفسها لغير
ـ 14ـ
د /عواطف تحسين البوقري
الكفء .استدلوا من السنة لما ذهبوا إليه .
استدلوا بحديث أم سلمة بقول النبي صلى هللا عليه وسلم " :ليس أحد من
أوليائك شاهد وال غائب يكره ذلك " .جوابا لقولها " :ليس أحد من أوليائي شاهدا "
وجه الداللة :فإنه يدل على صحة العقد من المرأة ،حيث ال يكون هناك موجب
لكراهة األولياء ،بأن توفرت الكفاءة ،ويدل بمفهومه على خالف هذا .
المناقشة :وقد نوقش هذا االستدالل بما نوقش استدالل الحنفية بهذا الحديث
سابقا عند مناقشة أدلة الحنفية .
أدلة المذهب الرابع :وهم القائلون بأن المرأة إذا زوجت نفسها فإن نكاحها
موقوفا على إجازة الولي .استدلوا لما ذهبوا إليه من السنة .
عن عائشة رضي هللا عنها أنها قالت :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
" أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " .
وجه الداللة :ان الحديث يدل بمنطوقه على أن المرأة إذا نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل ،ويدل بمفهومه على أنها إذا نكحت نفسها بإذن وليها فنكاحها
صحيح .ويقول :إن اإلذن اعم من أن يكون سابقا أو الحقا .
المناقشة :إن في االستدالل بالحديث استدالل بالمفهوم .وأن هذا الفريق ال
يقول به .
كما ان المفهوم إنما يستدل به إذا لم يخرج الكالم مخرج الغالب .كما أن إذن
الولي ال يصح إال لمن ينوب عنه ،والمرأة ال تنوب عنه في ذلك ؛ ألن الحق لها ،
ولو َأِذَن لها في إنكاح نفسها صارت كمن َأِذَن لها في البيع من نفسها وال يصح
وهنا كذلك .
أدلة المذهب الخامس :وهو ما ذهب إليه داود الظاهري إلى اشتراط الولي
في نكاح البكر .وعدم اشتراطه في نكاح الثيب وقد استدل لما ذهب إليه
من السنة " :الثيب أحق بنفسها من وليها ،والبكر تستأمر في نفسها وإذنها
ـ 15ـ
د/عواطف تحسين البوقري
صماتها " .
وجه الداللة :ان الحديث الشريف صريح في أن الثيب أحق بنفسها من وليها
وذلك أن تباشر عقد نكاحها .
المناقشة :نوقش استداللهم هذا بأن النبي صلى هللا عليه وسلم أثبت لها حقا،
ومعناه أنها أحق بنفسها في ان ال يعقد عليها الولي إال برضاها ؛ ألنها أحق بنفسها
في ان تعقد على نفسها .على أن داود كما قال النووي :قد ناقض مذهبه في شرط
الولي في البكر دون الثيب ؛ ألنه إحداث قول في مسألة مختلف فيها ،ولم يسبق
إليه ،ومذهبه أنه ال يجوز إحداث مثل هذا .
ـ 16ـ
د/عواطف تحسين البوقري
من شروط النكاح الرضا ما بين المتعاقدين ،ولكن إذا زوج الولي موليته من غير
رضاها ؛ فال خالف ما بين الفقهاء ان لألب تزويج ابنته البكر الصغيرة مع
كراهيتها وامتناعها وذلك إذا زوجها من كفء .وقد نقل هذا االجماع ابن المنذر .
وقال :أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم .
ولكن هل لألب اجبار البكر البالغة على النكاح أم ال ؟ ذهب الفقهاء في ذلك
إلى مذهبين :
المذهب األول :ذهب الجمهور من شافعية ومالكية واإلمام أحمد في رواية إلى أن
لألب إجبار البكر البالغة على النكاح .إال انهم مع اتفاقهم في ذلك إال ان الشافعية
قالوا :ان لألب وأب األب له والية اإلجبار على البكر البالغة ؛ وقال اإلمام مالك في
أظهر الروايتين عنه أن والية االجبار لألب فقط دون الجد .وقال :أما البكر
المعنسة وهي التي طال مكثها في بيت أبيها فإن لألب عليها والية اإلجبار .أما
الحنابلة فقالوا :ان لألب والية اإلجبار عليها ؛ إال انه يستحب إذنها .
كما أن والية االجبار لألب عند األئمة الثالثة مقيدة بأن يكون النكاح حظا لها وبمهر
ال يقل عن مهر مثلها ؛ وال يجوز إذا كان نقصا لها أو اضرار بها ؛ ومقيد كذلك بأال
يكون بينها وبين أبيها عداوة ظاهرة .
المذهب الثاني :ذهب الحنفية والظاهرية واإلمام مالك واالمام أحمد في رواية
عنهما إلى انه ال يجوز إجبار البكر البالغ على النكاح .
سبب الخالف :معارضة دليل الخطاب للعموم .وذلك أن ما روي عنه صلى هللا
عليه وسلم من قوله " :ال تنكح اليتيمة إال بإذنها " ،وقوله ُ " :تستأمر اليتيمة في
نفسها " .والمفهوم منه بدليل الخطاب أن ذات األب بخالف اليتيمة .وقوله صلى
هللا عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي هللا عنهما المشهور " :والبكر ُتستأمر "
يوجب بعمومه استئمار كل بكر ،والعموم أقوى من دليل الخطاب ؛ مع انه خرج
مسلم في حديث ابن عباس رضي هللا عنهما زيادة ،وهو أنه قال صلى هللا عليه
ـ 17ـ
د/عواطف تحسين البوقري
وسلم " والبكر يستأذنها أبوها " وهو نص في موضع الخالف .
األدلة :أدلة أصحاب المذهب األول وهم الجمهور القائلون بأن لألب والية
االجبار على البكر البالغة على حسب ما سبق بيانه .فقد استدلوا لما ذهبوا إليه من
السنة واألثر والمعقول .
أوال من السنة :أ) قال صلى هللا عليه وسلم " :األيم أحق بنفسها من وليها ،
والبكر ُت ستأذن في نفسها " صحيح رواه مسلم .
وجه الداللة :أنه فّر ق بين البكر والثيب ؛ فجعل األيم أحق بنفسها من وليها ،
فأفهم ذلك أن البكر ليست أحق بنفسها من وليها ،أي أن الولي أحق بنفسها منها ؛
وإال لم يكن لتخصيص األيم بذلك معنى .
المناقشة :ان هذا استدالل بطريق المفهوم وهو ليس حجة متفقا عليها ،ثم إن
ثبت كونه حجة ،فهو معارض بالمنطوق الصريح وهو قوله صلى هللا عليه وسلم :
" ال تنكح األيم حتى تستأمر ،وال تنكح البكر حتى تستأذن " وهو حديث صحيح
رواه البخاري ومسلم .فيسقط ما استدللتم به .
ب) استدلوا أيضا بحديث " الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها
وإذنها صماتها " .
وجاء في رواية ثانية " :تستأمر النساء في أبضاعهن .فقالت عائشة رضي هللا
عنها :ان البكر تستحي .فقال :إذنها صماتها .وروي سكوتها رضاها .وروي
سكوتها اقرارها .
وجه الداللة :ان النبي صلى هللا عليه وسلم فرق بينهما في صفة اإلذن ،فجعل
إذن الثيب النطق .وإذن البكر الصمت .قالوا :وهذا يدل على عدم اعتبار رضاها
ثانيا من األثر :روي أن النبي صلى هللا عليه وسلم زوج بناته ولم يستأذنهن.
المناقشة :نوقش استداللهم هذا بأن هذا ال ُيعرف في شيء من اآلثار .بل قد
جاءت آثار مرسلة بأنه صلى هللا عليه وسلم كان يستأمرهن .
ـ 18ـ
د/عواطف تحسين البوقري
ثالثا من المعقول :أنه ثبت أنه لألب جواز انكاحه للبكر وهي صغيرة ؛ فهي على
ذلك بعد الكبر .
المناقشة :ان هذا ال شيء مما ذكروه لوجهين :
أحدهما :أن النص فرق بين الصغير والكبير من قوله صلى هللا عليه وسلم ُ " :رفع
القلم عن ثالثة "....فذكر الصغير حتى يكبر .
الثاني :أن هذا قياس والقياس كله فاسد ـ وهذا عند الظهرية أي فساد القياس ـ وإذا
صححوا قياس البالغة على غير البالغة فيلزمهم أن يقيسوا الجد في ذلك على األب
وسائر األولياء على األب أيضا ،وإال فقد تناقضوا في قياسهم ويكفي من ذلك
النصوص التي أوردنا في رد انكاح البكر بغير إذنها .
أدلة المذهب الثاني :وهم القائلون بأنه ليس لألب إجبار ابنته البكر البالغة على
النكاح وقد استدلوا لما ذهبوا إليه بالسنة واألثر والمعقول .
أوال من السنة :أ) قال صلى هللا عليه وسلم " :ال تنكح األيم حتى تستأمر ،وال
تنكح البكر حتى تستأذن " .
وجه الداللة :ان في الحديث الشريف التصريح بأن البكر ال تنكح حتى يطلب إذنها
ب) ما رواه اإلمام مسلم " عن عائشة رضي هللا عنها قالت :سألت رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم عن الجارية ُينكحها أهلها ،أتستأمر أم ال ؟ فقال لها رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم :نعم تستأمر " .
وهذا أيضا صريح في استئذانها .
ج) عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن جارية بكرا أتت النبي صلى هللا عليه وسلم ،
فذكرت له ان أباها زوجها وهي كارهة ،فخيرها النبي صلى هللا عليه وسلم .
المناقشة :ان هذا الحديث أعله البعض باإلرسال .
ـ 19ـ
د/عواطف تحسين البوقري
الرد :إن هذه علة غير مؤثرة ،فإنه روي مسندا ومرسال ،والذي أسنده ثقة ثبت ،
وزيادة الثقة مقبولة .
ثانيا من األثر :أ) أن عثمان بن عفان رضي هللا عنه كان إذا أراد أن ينكح إحدى
بناته قعد إلى خدرها فأخبرها أن فالنا يخطبها .
ب) كان ابن عمر رضي هللا عنهما يستأمر بناته في نكاحهن .
ثالثا من المعقول :أ) أن البكر البالغة جائزة التصرف في مالها فلم يجز اجبارها
كالثيب والرجل .
ب) قالوا :وهذا الحكم من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم موافق لقواعد شرعه ؛
فإن البكر البالغة العاقلة الرشيدة ،ال يتصرف أبوها في اقل شيء من مالها إال
برضاها فكيف يجوز أن ُيِر َّقها ،ويخرج ُبْض َع ها منها بغير رضاها إلى من يريده
هو ،وهي من أكره الناس فيه ،وهو من أبغض شيء إليها ،ومعلوم أن اخراج
مالها كله ـ بغير رضاها ـ أهون عليها من تزويجها بمن ال تختاره بغير رضاها .
ج) قالوا :وهذا الحكم موافق ـ كذلك ـ لمصالح األمة ،فال تخفى مصلحة البنت في
تزويجها بمن تختاره وترضاه ،وحصول مقاصد النكاح لها به ،وحصول ضد ذلك
بمن تبغضه وتنفر منه .فلو لم تأِت السنة الصريحة بهذا القول ،لكان القياس
الصحيح وقواعد الشريعة ال تقتضي غيره .
د) وقالوا :والشارع لم يجعل البكارة سببا للحجر في موضع من المواضع المتفق
عليها ،فتعليل الحجر بذلك تعليل يوصف ال تأثير له في الشرع .
الراجح :وبعد النظر في أدلة الفريقين واستدالالتهم ،يتبين أن قول الحنفية ومن
وافقهم هو الراجح والجدير بالقبول .وهللا تعالى أعلم .
ـ 20ـ
د /عواطف تحسين البوقري
المسألة الثالثة /الرضاع المحرم
ويشمل مقدار الرضاع المحرم ومدته
تمهيد :
للرضاع تأثير في تحريم النكاح ،وفي ثبوت الحرمة ،وفي جواز النظر والخلوة .
واألصل فيه :قوله تعالى ( :حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله تعالى ( :وأمهاتكم
الالتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فذكر هللا في جملة األعيان المحرمات :
األم المرضعة ،واألخت من الرضاعة ،فدل على أن له تأثير في التحريم .
وروت السيدة عائشة رضي هللا عنها :أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :يحرم
من الرضاع ما يحرم من الوالدة " .
وروى سعيد بن المسيب ،عن علي رضي هللا عنه :أنه قال :قلت يا رسول هللا ،
هل لك في ابنة عمك حمزة ؛ فإنها أجمل فتاة في قريش ؟ فقال " :أما علمت أن
حمزة أخي من الرضاع ،وأن هللا حّر م من الرضاعة ما حَّر م من النسب ؟ " .إلى
غير ذلك من األدلة .
الرضاع لغة :الرضاع ـ بفتح الراء وكسرها ـ فيقال َ :ر ِض ع يرضع رضعا
وَر ضاعا .وهو اسم لمِّص الضرع والثدي مع شرب لبنه في وقت محدد .
الرضاع شرعا :اختلف الفقهاء في التعريف الشرعي للرضاع اختالفات يسير وبناء
على ذلك من جعل لبن الرجل يحرم لو ثار له لبن ومنهم من جعله غير محرم
ومنهم من جعل لبن المرأة الميتة ينشر الحرمة ومنهم من قال بعكس ذلك إلى غير
ذلك من االختالفات التي وردت في التعريف الشرعي في كل نذهب وإليك ما
يترتب على تلك االختالفات باختصار :
شروط الرضاع المحِّر م عند الفقهاء :اشترط الفقهاء للتحريم بالرضاع الشروط
الستة اآلتية :
1ـ أن يكون لبن امرأة آدمية ،سواء أكانت عند الجمهور بكرا أم متزوجة أم بغير
ـ 21ـ
زوج :فال تحريم بتناول غير اللبن كامتصاص ماء أصفر أو دم أو قيح ،وال بلبن
الرجل أو الخنثى المشكل أو البهيمة ،فلو رضع صغيران من شاة مثال ،لم يثبت
بينهما أخوة ،فيحل زواجهما ؛ ألن األخوة فرع األمومة ،فإذا لم يثبت األصل لم
يثبت الفرع .
واشترط الحنابلة أن يكون بلبن امرأة ثار لها لبن من الحمل ،فلو طلق رجل
زوجته وهي ترضع من لبن ولده ،فتزوجت بصبي رضيع ،فأرضعته ،حرمت
عليه ؛ ألن الرضيع يصير ابنا للرجل الذي ثاب اللبن بوطئه .
واشترط الشافعية في المرأة أن تكون حية حياة مستقرة حال انفصال اللبن منها ،
بلغت تسع سنين قمرية تقريبا ،وإن لم يحكم ببلوغها بذلك ،فال تحريم برضاع
المرأة الميتة والصغيرة ،أي أن لبن الميتة والصغيرة ال يحرم .لكن لو حلبت
المرأة لبنها قبل موتها ،وشربه الطفل بعد موتها ،حرم في األصح ،النفصاله منها
وهو حالل محترم .
ولم يشترط الجمهور هذا الشرط ،فلبن الميتة ،والصغيرة التي لم تطق الوطء ،
إن قدر أن بها لبنا ،يحِّر م ؛ ألنه ينبت اللحم ؛ وألن اللبن ال يموت .
2ـ أن يتحقق من وصول اللبن إلى معدة الرضيع ،سواء باالمتصاص من الثدي ،
أم بشربه من اإلناء أو الزجاجة .وهذا شرط عند الحنفية ،فإن لم يتحقق من
الوصول إلى المعدة بأن التقم الثدي ،ولم يعلم أرضع أم ال ،فال يثبت التحريم ،
للشك في وجود سبب التحريم وهو الرضاع ،واألحكام ال تثبت بالشك .
واكتفى المالكية باشتراط وصول اللبن تحقيقا أو ظنا أو شكا الجوف من الفم
برضاع الصغير ،فيثبت التحريم ولو مع الشك ،عمال باالحتياط ،وال يثبت
التحريم على المشهور بمجرد الوصول إلى الحلق فقط .واشترط الشافعية والحنابلة
وجود خمس رضعات متفرقات ـ على ما سيأتي بيانه ـ والمرجع في معرفة
الرضعة إلى العرف ،والبد من وصول اللبن إلى الجوف .
3ـ أن يحصل اإلرضاع بطريق الفم أو األنف :فقد اتفق أئمة المذاهب على أن
التحريم يحصل بالوجور ـ وهو صب اللبن في الحلق ـ لحصول التغذية به
كاالرتضاع ،وبالَّس عوط ـ وهو صب اللبن في األنف ليصل الدماغ ـ لحصول
ـ 22ـ
التغذي به ؛ ألن الدماغ جوف له كالمعدة ،بل ال يشترط التغذي بما وصل من منفذ
عال ،بل مجرد وصوله للجوف كاف في التحريم .
وال يحصل التحريم عند الحنفية والشافعية في األظهر ،والحنابلة في منصوص
اإلمام أحمد بالحقنة ،أو بتقطير اللبن في العين أو األذن أو الجرح في الجسم ؛ ألن
هذا ليس برضاع وال في معناه ،فلم يجز إثبات حكمه فيه ،والنتفاء التغذي .
وقال المالكية :يحصل التحريم بحقنة تغذي أي تكون غذاء ،ال مجرد وصول اللبن
للجوف عن طريق الحقنة .وحينئذ يختلف ما وصل من منفذ عال ،فال يشترط فيه
الغذاء ،وما وصل من منفذ سفلي ونحوه فيشترط فيه التغذي .
4ـ أال يخلط اللبن بغيره :وهذا شرط عند الحنفية والمالكية .فإن ُخ لط بمائع آخر ،
فالعبرة عند الحنفية والمالكية للغالب ،فإن غلب اللبن حَّر م ،وإن غلب غير اللبن
عليه ،حتى لم يبق له عند المالكية طعم وال أثر مع الطعام ونحوه ،فال يحرم ؛ ألن
الحكم لألغلب ،وألنه بالخلط يزول االسم والمعنى المراد به ،وهو التغذي ،فال
يثبت به الحرمة .وال فرق عند المالكية بين الخلط بالمائع أو بالطعام .
واعتبر الشافعية في األظهر والحنابلة في الراجح اللبن المشوب ـ المختلط بغيره ـ
كاللبن الخالص الذي ال يخالطه سواه ،سواء ِش يب بطعام أو شراب أو غيره ،
لوصول اللبن إلى الجوف ،وحصوله في بطنه .
ورأى أبو حنيفة خالفا للصاحبين أن اللبن المخلوط بالطعام ال يحرم عنده بحال
سواء أكان غالبا أو مغلوبا ؛ ألن الطعام وإن كان أقل من اللبن ،فإنه يسلب قوة
اللبن ويضعفه ،فال تقع الكفاية به في تغذية الصبي ،فكان اللبن مغلوبا معنى ،وإن
كان غالبا صورة .
وإذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى :فالحكم للغالب عند أبي حنيفة وأبي يوسف
فإن تساويا ثبت التحريم من المرأتين جميعا لالختالط .
وقال المالكية ومحمد وزفر من الحنفية :يثبت التحريم من المرأتين جميعا ،
سواء تساوى مقدار اللبنين أو غلب أحدهما اآلخر ،وهذا هو الراجح ؛ ألن اللبنين
من جنس واحد ،والجنس ال يغلب الجنس .
ـ 23ـ
5ـ مقدار اللبن المحرم فمن الفقهاء من اشترط عددا من الرضاعات كخمس
رضعات أو ثالث أو عشر .ومنهم من لم يشترط ذلك فذهب أن قليل الرضاع يحرم
ككثيرة وهذه مسألة يأتي بحثها .
6ـ مدة أو زمن الرضاع فمن الفقهاء من اشترط أن يكون الرضاع في زمن الصغر
وهم أصحاب المذاهب األربعة ـ وإن كان بينهم اختالف بسيط في تحديد زمن
الصغر ـ
وذهب الظاهرية والسيدة عائشة رضي هللا عنها أن رضاع الكبير يحرم وسيأتي
بسط هذه المسألة أيضا .
ـ 24ـ
تابع الرضاع المحرم
أ /مقدار اللبن المحرم
اختلف الفقهاء في مقدار اللبن الذي يحرم فقد ذهبوا في ذلك إلى مذهبين
المذهب األول :ذهب إلى عدم التحديد وقالوا إن كثير الرضاع وقليله يحرم وهو
مذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه واإلمام أحمد في رواية وهو قول ابن
عمر وابن عباس في أحد قوليه وروي عن علي وابن مسعود رضي هللا عنهم وقول
الثوري واألوزاعي والليث ـ وزعم الليث :ان المسلمين أجمعوا على أن قليل
الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم ـ وهو اجماع لم يرد .
واستدل أصحاب هذا المذهب بالكتاب والسنة واألثر والمعقول .
المذهب الثاني :ذهب إلى أن مقدار اللبن المحرم البد أن يشتمل على عدد من
الرضعات وبالرغم من اتفاق أصحاب هذا المذهب في ذلك إال أنهم اختلفوا في العدد
المحرم ،وقد ذهبوا في ذلك كما يأتي :
الفريق األول :ذهب اإلمام الشافعي وفي الصحيح من المذهب الحنبلي
وبعض الظاهرية وروي عن السيدة عائشة وابن الزبير رضي هللا عنهم
،وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والليث بن سعد .إلى انه يثبت
التحريم بخمس رضعات فأكثر واستدلوا لما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة .
الفريق الثاني :ذهب داود الظاهري وبعض الظاهرية وفي رواية ثالثة
عن اإلمام أحمد
إلى أنه يثبت التحريم بثالث رضعات وبه قال من الصحابة :زيد بن
ثابت رضي هللا عنه .ومن الفقهاء أبو ثور داود وابن المنذر .واستدلوا
لما ذهبوا إليه من السنة .
الفريق الثالث :ذهب إلى ان عدد الرضاع المحرم عشر رضعات
سبب الخالف :وسبب اختالف الفقهاء في مقدار ما يحرم من الرضاع كما جاء في
بداية المجتهد ونهاية المقتصد قال " :والسبب في اختالفهم في هذه المسألة :
معارضة عموم الكتاب لألحاديث الواردة في التحديد ومعارضة األحاديث في ذلك
ـ 25ـ
بعضها بعضا .
فأما عموم الكتاب فقوله تعالى ( :وامهاتكم الالتي أرضعنكم ) وهذا يقتضي ما
ينطلق عليه اسم اإلرضاع ،واألحاديث المتعارضة في ذلك راجعة إلى حديثين في
المعنى :أحدهما حديث عائشة وما في معناه ،أنه قال صلى هللا عليه وسلم ( :ال
تحرم المصة وال المصتان أو الرضعة والرضعتان ) .خرجه مسلم من طريق
عائشة ومن طريق أم الفضل ،ومن طريق ثالث ،وفيه قال :قال رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ( :ال تحرم اإلمالجة وال اإلمالجتان ) .والحديث الثاني حديث سهلة
في سالم أنه قال لها النبي صلى هللا عليه وسلم ( :أرضعيه خمس رضعات ) .
وحديث عائشة في هذا المعنى أيضا قالت :كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات
معلومات ثم نسخن بخمس معلومات ،فتوفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهن
مما ُيقرأ من القرآن .
فمن رجح ظاهر القرآن على هذه األحاديث قال :تحرم المصة والمصتان ،ومن
جعل األحاديث مفسرة لآلية وجمع بينهما وبين اآلية ورجح مفهوم دليل الخطاب في
قوله صلى هللا عليه وسلم ( :ال تحرم المصة والمصتان ) على مفهوم دليل الخطاب
في حديث سالم قال :الثالثة فما فوقها هي التي تحرم ،وذلك أن دليل الخطاب في
قوله ( :ال تحرم المصة وال المصتان ) يقتضي أن ما فوقها يحرم ،ودليل الخطاب
في قوله ( :أرضعيه خمس رضعات ) يقتضي أن ما دونها ال يحرم ،والنظر في
ترجيح أحد دليلي الخطاب " .
األدلة :
أدلة المذهب األول النافي للعدد أي القائلون بعدم التحديد أن كثير الرضاع
وقليله يحرم وقد استدلوا لما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة والقياس
أوال من الكتاب :قال تعالى ( :وأمهاتكم الالتي أرضعنكم )
وجه الداللة :مطلقا عن القدر ،أي من أرضعت مرة واحدة يطلق على فعلها هذا
االسم " الرضاعة " .ويقال لها أم أرضعت فتدخل في عموم اآلية .وبهذا احتج ابن
عمر على الزبير رضي هللا عنهم حين قال :ال تحريم إال بخمس رضعات .فقال :
كتاب هللا أولى من قضاء ابن الزبير .
وروي أنه لما بلغه أن عائشة رضي هللا عنها تقول :ال تحرم المصة والمصتان
ـ 26ـ
فقال :حكم هللا تعالى أولى وخير من حكمها .وأما حديث عائشة رضي هللا عنها ،
فقد قيل اته لم يثبت عنها ،وهو الظاهر فانه روي أنها قالت :توفي النبي صلى هللا
عليه وسلم وهو مما ُيتلى في القرآن فما الذي نسخه ؟ وال نسخ بعد وفاة النبي صلى
هللا عليه وسلم ،وال يحتمل أن يقال :ضاع شيء من القرآن ،ولهذا ذكر الطحاوي
في اختالف العلماء ان هذا حديث منكر وأنه من صيارفة الحديث ،ولئن ثبت
فيحتمل أنه كان في رضاع الكبير ،فنسخ العدد بنسخ رضاع الكبير .
وأما حيث المصة والمصتين فقد ذكر الطحاوي :أن في اسناده اضطرابا ؛ ألن
مداره عروة بن الزبير عن عائشة رضي هللا عنها ،وروي أنه سئل عروة عن
الرضاعة فقال :ما كان في الحولين وإن كان قطرة واحدة تحرم ،والراوي إذا
عمل بخالف ما روى أوجب ذلك ،وهنا في ثبوت الحديث ألنه لو ثبت عنده لعمل
به على أنه ان ثبت فيحتمل ان الحرمة لم تثبت لعدم القدر المحرم ،ويحتمل أنها لم
تثبت ؛ ألنه ال يعلم ان اللبن وصل إلى جوف الصبي ؟ أم ال ؟ وما لم يصل ال يحرم
فال يثبت لعدم القدر المحترم ،وال تثبت الحرمة بهذا الحديث باالحتمال ،ولهذا قال
ابن عباس رضي هللا عنهما :إذا عقى الصبي فقد حرم حين سئل عن الرضعة
الواحدة هل تحرم ؟ ؛ ألن العقى اسم لما يخرج من بطن الصبي حين يولد أسود
لزج إذا وصل اللبن إلى جوفه ،يقال :هل عقبتم صبيكم ؟ أي هل سقيتموه عسال
ليسقط عنه عقيه ،إنما ذكر ذلك ليعلم أن اللبن قد صار في جوفه ؛ ألنه ال يعقى من
ذلك اللبن حتى يصير في جوفه ،ويحتمل أنه كان ذلك في ارضاع الكبير حين كان
محرما ثم نسخ .
المناقشة :نوقش استداللهم هذا أن اآلية مطلقها مقيد باألحاديث الدالة على اعتبار
الخمس ،وال مانع من تقييد السنة للكتاب ،وتقييد المطلق بيان ال نسخ وال
تخصيص ،قال تعالى ( :لتبين للناس ما ُن زل إليهم ) وبهذا تعلم الجواب عن قول
ابن عمر البن الزبير ؛ ألن ابن الزبير لم يقصد برأيه ،بل التوقيف .
قال المزني :قلت للشافعي :اسمع ابن الزبير من النبي صلى هللا عليه وسلم ؟
قال :نعم َ ،سِمَع ،وله تسع سنين ،ومن له تسع سنين يصح نقله وروايته ؛ ألنه
يضبط ما يسمعه .
ثانيا من السنة:
فمنها فوله صلى هللا عليه وسلم َ " :ي ْح ُر ُم من الرضاع ما يحرم من النسب " أ)
ـ 27ـ
.
وجه الداللة :فأطلق ولم يقيد بعدد .
المناقشة :أن األخبار التي وردت في شأن الرضاع على نوعين :
األول :ما كان المقصود منها الحكم وهو التحريم .
الثاني :بيان العدد المحرم ،ولكل مقام ،وهذا الحديث من النوع األول على أن
إطالقه مقيد بما ذكر .
قوله صلى هللا عليه وسلم " :الرضاعة من المجاعة " ب)
وجه الداللة :وال شك أن الرضعة الواحدة تسد الجوعة .
المناقشة :أن الرضعة الواحدة ال تسد الجوعة ،خصوصا إذا لم يصل إلى جوفه
غير قطرة
الرد :يرد عليهم بما ورد في االستدالل عن عقي المولود الذي سبق ذكره .
ج) ما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي
إهاب ،فجاءت امرأة سوداء فقالت :قد أرضعتكما ،قال :فذكرت ذلك لرسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ،فأعرض عني ،قال :فتنحيت ،فذكرت ذلك له ،فقال :
"وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما " فنهاه عنها ،وفي رواية " :دعها عنك "
وجه الداللة :فلو لم يكن مطلق الرضاع محرما لسأله عن العدد ولكنه قد أمره
بتركها بادئ األمر .
المناقشة :انه يحمل مطلقه على المقيد دفعا إلهمال أحد الدليلين ،ولم يقم ما يدل
على النسخ على أنه يحتمل أن يكون ترك االستفصال اعتمادا على بيانه من قبل وال
حجة مع االحتمال .
كما انه اعترض عليهم بحديث :الذي معناه ان الرضاع انما يحرم لكونه منبتا
للحم منشزا للعظم .
الرد :قالوا :ان القليل ينبت وينشز بقدره فوجب ان يحرم بأصله وقدره ،على أن
ـ 28ـ
هذه األحاديث ان ثبتت فهي مبيحة وما استدللنا به أي اآلية السابقة محرم ،
والمحرم يقضي على المبيح احتياطا .كما ان الجرعة الكبيرة عند البعض ال تحرم،
ومعلوم ان الجرعة الواحدة الكثيرة في انبات اللحم وانشاز العظم فوق خمس
رضعات صغار فدل أنه ال مدار على هذا .
ثالثا من القياس :فأمثلته كثيرة منها :
قياسه على الوطء بشبهة وعقد النكاح بجامع أن كًال يفيد التحريم المؤبد ، أ)
فسيعطي حكمه من عدم اعتبار العدد .
المناقشة :أنه قياس مع الفارق ؛ ألن األصل لم يعر عن جنس االستباحة بخالف
النوع .
القياس على اإلفطار في رمضان بجامع الوصول إلى الجوف ،فيعطي ب)
حكمه .
المناقشة :أن العلة ،والحكمة التي كان ألجلها التحريم في الرضاع لم تتحقق في
االفطار ،وهي التغذية ،فهو قياس مع الفارق أيضا .
ج) ومنها القياس على حد الخمر بجامع أن كًال متعلق بالشرب ،فال يناط بالعدد .
المناقشة :أنه يمنع من االلحاق ؛ ألن الشارع حرم المسكر بدون تقييد بعدد ،قال
تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم ُت فلحون ) وال كذلك الرضاع ،فإنه نص على العدو
المحرم ،وال قياس مع النص .
أدلة المذهب الثاني :وهم المثبتون للعدد أي القائلون بأن الرضاع الذي يحرم البد
أن يكون له عدد معين من الرضعات .
أدلة الفريق األول :القائلون بأن عدد الرضعات المحرمة خمس رضعات وقد
استدلوا لما ذهبوا إليه بالسنة والقياس .
أوال من السنة :أ) عن عائشة رضي هللا عنها قالت " :كان فيما نزل من القرآن
عشر رضعات معلومات يحرمن ،ثم نسخ بخمس معلومات فتوفي رسول هللا صلى
ـ 29ـ
هللا عليه وسلم وهن فيما ُيقرأ "
ب ) وروت أيضا رضي هللا عنها أنها كانت تقول " :نزل القرآن بعشر
رضعات معلومات ُيحرمن ،ثم ُصِّيْر َن إلى خمس يحرمن ،فكان ال يدخل على
عائشة إال من استكمل خمس رضعات " .
وجه الداللة :فهذه الرواية صريحة في إناطة التحريم بخمس رضعات ،وأنها
ناسخة لغيره ،وأن األمر قد استقر على ذلك ،فلو لم تكن هي مناط الحكم ؛ لما
كانت ناسخة لغيرها .
المناقشة :اعترض المخالفون على هذا الدليل فقالوا :نمنع كون ما نقل عن أم
المؤمنين قرآنا لعدم توتره ،وعدم إثباته في المصاحف ،
الرد أجيب بأن عدم التواتر ال يمنع من وجوب العمل فإنه يكفي فيه الظن ،وقد
احتج األئمة بخبر الواحد في مواضع كثيرة منها :احتج اإلمام الشافعي واإلمام
أحمد رحمهما هللا في هذا الموضع .واحتج اإلمام أبو حنيفة به في وجوب
التتابع في صيام كفارة اليمين ،وال سند له إال قراءة ابن مسعود رضي هللا عنه
[ فصيام ثالثة أيام متتابعات ] .واحتج به اإلمام مالك والصحابة قبله رضي هللا
عنهم في فرض السدس للواحد من ولد األم [ وله أخ أو أخت من أم ] في قراءة
ُأَب ّي ،وقد أجمع على هذا ،وليس له سند سوى هذه القراءة .وبالجملة فعدم
القرآنية لعدم التواتر ال ينافي وجوب العمل ؛ ألن القرآنية ال يلزمها إال انعقاد
الصالة به ،وتحريم مّس ه على المحدث ،وقراءته على الجنب ،والتعبد بتالوته
والتحدي به ،وليس من لوازمها الخاصة بها عدم وجوب العمل ؛ ألن وجوب
العمل قد يثبت باآلحاد الذي ليس بقرآن ،وقول المعترض سندا لمنعه ـ لعدم
إثباته في المصحف ـ ممنوع ؛ ألنه ال يثبت في المصاحف إال ما بقيت تالوته
سواء نسخ حكمه أم بقي ،بخالف ما نسخت تالوته ،فال يثبت فيها سواء نسخ
حكمه أيضا أو بقي فالمدار في اإلثبات في المصاحف على بقاء التالوة فقط .
وظهر من هذا أن القرآن له جهة تالوة وجهة حكم ،وكل منهما إما منسوخ أو
باق ،فاألقسام أربعة :باقي التالوة والحكم كما في قوله تعالى [ :وهلل على الناس
حج البيت] وهو كثير ،ومنسوخ التالوة والحكم كقول السيدة عائشة رضي هللا
عنها " :عشر رضعات معلومات يحرمن " .ومنسوخ التالوة دون الحكم كما
روي عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أنه قال " :كان فيما أنزل هللا الشيخ
ـ 30ـ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكاال من هللا " وكان يقول " :لوال أن يقول
الناس زاد عمر في القرآن لكتبتها في حاشية المصحف " وهذا النوع منسوخ
التالوة دون الحكم ،يحفظه هللا في صدور األمة ويتوارثونه جيال بعد جيل .
ومنسوخ الحكم دون التالوة كما في قوله تعالى [ :والذين ُيتوفون منكم ويذرون
أزواجا وصية ألزواجهم ]...فإنها نسخت بآية [والذين ُيتوفون منكم ويذرون
أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا] ،وكآية الوصية ُنسخت بآية
المواريث .
واعترض عليهم :من المعروف ان الحكم إنما يعرف من اللفظ فإذا نسخ اللفظ
فمن أين ُيعرف وهذا اعتراض الحنفية :
الرد :أجيب بأن نسخ التالوة ال يستلزم إال نفي لوازمها ،كصحة الصالة بها ،
وإثباتها في المصاحف ،وال يستلزم نفي الحكم لجواز حفظه في صدور األمة .
واعترض عليهم :وهو اعتراض الحنفية أيضا قالوا :كيف ساغ االستدالل
بهذا مع أنه لم ينقل نقل األخبار بل ُن قل نقل القرآن ولم يثبت به لعدم تواتره .
الرد ُ :أجيب بمنع أنه ليس بقرآن بأننا نلتزم أنه قرآن ،وال يشترط التواتر إال
فيما بقيت تالوته بخالف ما نسخت تالوته كما هما سلمنا أنه ليس بقرآن ،ولكن
انتفاء قرآنيته ال يستلزم نفي حجيته ؛ ألنه يكفي فيها الظن كما تقدم .كما أننا
نقول أنه سنة كما قال الشوكاني ؛ لكونه مروي صحابي ،وهو يستلزم التوقيف
عنه صلى هللا عليه وسلم وذلك كاف في الحجية .
واعترض عليهم :أي اعترض النافون للعدد قالوا :ان تسليم هذا االستدالل
يؤدي إلى إثبات النسخ بعد زمن الرسول صلى هللا عليه وسلم ؛ لقول السيدة
عائشة رضي هللا عنها " فتوفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهي فيما ُيقرأ
من القرآن .
الرد :وأجيب بان المراد بقولها رضي هللا عنها " فتوفي "...أن النسخ قد تأخر
إنزاله إلى قرب وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم حتى إن من لم يبلغه النسخ
لقرب عهده باإلسالم أو بعد داره كان يقرؤها ،فلما بلغه رجع فصار إجماعا
على أنه ال يتلى فال نسخ بعد زمنه صلى هللا عليه وسلم .
ـ 31ـ
واعترض على هذا الدليل أيضا :أن االستدالل بهذا يؤدي إلى اثبات النسخ
بخبر الواحد ،وهو ال يثبت إال بالتواتر .
الرد :أجيب بأنه ليس بنسخ بخبر الواحد إنما هو نقل نسخ به وشتان بينهما .
اعترض آخر :قالت اسيدة عائشة رضي هللا عنها " :كان تحريم الرضاع في
صحيفة ،فلما توفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تشاغلنا بغسله فدخل داجن
الحي فأكلها " فلو كان قرآنا لكان محفوظا ؛ لقوله تعالى [ :إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون] .
الرد :أجاب الماوردي بما حاصله أن داجن الحي أكل الصحيفة التي فيها
رضاع الكبير ،وهو منسوخ ،ولم يأكل ما يدل على العدد ،ولئن سلمنا ذلك
فيكفي الحفظ في الصدور ،وقد وهبهم هللا تعالى حافظة قوية ،قال صلى هللا
عليه وسلم " :أناجيل أمتي في صدورها " على أن المعتبر حفظ الحكم وهو
محفوظ منقول إلينا .
ج) عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " أمر امرأة
أبي حذيفة ،فأرضعت سالما خمس رضعات ،وكان يدخل عليها بتلك
الرضاعة"
د) جاءت سهلة بنت سهيل فقالت :يا رسول هللا كنا نرى سالما ولدا ،وكان
يأوي معي ومع أبي حذيفة ،ويراني فضلى ،وقد أنزل هللا عز وجل فيه ما قد
علمت .فقال " :أرضعيه خمس رضعات " فكان بمنزلة ولده من الرضاعة .
وجه الداللة :فهذا صريح في ربط التحريم بالخمس ،إذ لو كان األقل كافيا لما
كان لذكر الخمس فائدة .خصوصا وأن إرضاع سهلة لضرورة والضرورة تقدر
بقدرها .
المناقشة :اعترض النافي للعدد على هذا الدليل بقوله :هذا لدليل تحريم
رضاعة الكبير ،وهو منسوخ فال يتمسك به في إثبات العدد لغير الكبير .
الرد :أجيب بأن الحديث قد اشتمل على حكمين :رضاعة الكبير ،واثبات
العدد ،ونسخ أحد الحكمين ال يستلزم نسخ اآلخر الشتماله على المصلحة ،
ـ 32ـ
ونظير هذا قوله تعالى [ :والالتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن
أربع منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت أو يجعل هللا
لهن سبيال] .فقد اشتملت هذه اآلية على حكمين :العدد المثبت للزنا ،وحده
وهو اإلمساك في البيوت ،وقد نسخ هذا األخير مع بقاء األول .
وأجيب أيضا :بأن رضاع الكبير لم ينسخ ،بل هو غير محرم لعدم سببه
ومقتضيه ،وذلك ألن رضاع الكبير إنما حرم بسبب سبق التبني المباح ،فلما
حرم التبني ،وفسخ هللا حكمه بقوله تعالى [ادعوهم آلبائهم ]...سقط ما تعلق به
من تحريم رضاع الكبير .ولهذا نظائر كثيرة .
هـ) استدلوا بما استدل به أصحاب من نفي التحريم بالرضعة والرضعتين :
منها :
عن عائشة رضي هللا عنها أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :ال
تحرم المصة وال المصتان "
عن أم الفضل رضي هللا عنها أن رجال سأل النبي صلى هللا عليه وسلم
أتحرم المصة ؟ فقال " :ال تحرم الرضعة والرضعتان والمصة
والمصتان " .وفي رواية أخرى دخل أعرابي على نبي هللا صلى هللا
عليه وسلم وهو في بيتي فقال :يا نبي هللا إني كانت لي امرأة ،فتزوجت
عليها أخرى ،فزعمت امرأتي األولى أنها أرضعت الحدثى رضعة أو
رضعتين فقال البي صلى هللا عليه وسلم " :ال تحرم االمالجة وال
االمالجتان " .
وجه الداللة :فهذه األحاديث صريحة في نفي التحريم بالرضعة والرضعتين ،فال
يتعلق التحريم بقليل الرضاع وكثيره ،كما هو مذهب الحنفية ،وال يؤخذ بمفهومها،
وهو التحريم بالثالث كقول داود لألحاديث الدالة على حصر التحريم بالخمس .
المناقشة :هذا استدالل بمفهوم العدد ،والعدد ال مفهوم له .
الرد :أجيب بأنه ال يؤخذ بمفهوم العدد إال إن دلت قرينة ،هاهنا قائمة من نسخ
العشر بالخمس وإال لم يكن لذكرها فائدة وأيضا األحاديث المفيدة لحصر التحريم
في الخمس .
ـ 33ـ
واعترض أيضا بأن هذه األحاديث محمولة على ما إذا لم يصل اللبن إلى الجوف .
الرد :أجيب بأن الرضعة ال تطلق إال على ما وصل إلى الجوف بالمص
واالزدراد ،وأيضا على هذا لم يكن لذكر الرضعة فائدة ؛ ألن الرضعة والمائة في
نفي التحريم سواء .
واعترض الحنفية والمالكية عليهم فقالوا :إن مفهوم هذه األحاديث يدل على
التحريم بالثالث ،فكما أن منطوقه حجة علينا فمفهومه حجة عليكم .
الرد :أ جيب بأن المفهوم مقيد بمنطوق األحاديث الدالة على ربط التحريم بالخمس .
ثانيا من القياس :فقد قاسوا ما ذهبوا إليه على اللعان بجامع أن كال سبب للتحريم
المؤبد وعرى عن جنس االستباحة فال يرد الوطء بشبهة مثال ،فإنه لم يعر عن
جنس االستباحة ،فلهذا لم يفتقر إلى العدد .
أدلة القائلون بأن الرضاع المحرم هو ثالث رضعات :
استدلوا بقوله صلى هللا عليه وسلم " :ال تحرم المصة وال المصتان ،وال أ)
الرضعة وال الرضعتان " ونحوه من كل مادل على نفي التحريم بالرضعة
وباالثنتين ،
وجه الداللة :دلت هذه األحاديث بمفهومها على تحريم الثالث
المناقشة :إن مفهوم هذه األحاديث مقيد باألحاديث الصريحة الدالة على اعتبار
الخمس ،وقد جرى قوله صلى هللا عليه وسلم " :ال تحرم الرضعة ،وال الرضعتان
وال المصة وال المصتان " مجرى قوله صلى هللا عليه وسلم " :إنما الربا في
النسيئة " فإن مفهومه هو جواز الربا في المنجز ،إذا كان مقايضة ،وليس كذلك
للنصوص األخرى الدالة على جريان الربا فيه .أو نقول :بأن هذه األحاديث التي
تمسكتم بها واردة على سؤال خاص ،ورواية أم الفضل رضي هللا عنها مصرحة
بلفظ السؤال فال يدل على إثبات الحكم ،فيما عدا هذا السؤال .
واستدلوا أصحاب هذا المذهب ،أي قالوا إن ما يعتبر فيه العدد والتكرار ب)
يعتبر فيه الثالث .
ج) وقالوا أيضا :إن هذا العدد هو أول مراتب الجمع .
المناقشة :أن النص دافع لهذه االحتماالت .
ـ 34ـ
د عواطف تحسين البوقري
تابع الرضاع المحرم
ب) مدة أو زمن الرضاع المحرم
ذهب الفقهاء بالنسبة لمدة الرضاع المحرم إلى مذهبين :
األول :أن الرضاع المحرم هو ما كان في الصغر ،وهو قول جمهور الفقهاء .
الثاني :أنه ال زمن للرضاع وفي أي وقت حصل حرم ،وهو رأي أم المؤمنين
عائشة رضي هللا عنها ويروى عن علي رضي هللا عنه ،وعروة بن الزبير ،
وعطاء بن أبي رباح وهو قول الليث بن سعد والظاهرية :أي أن رضاع الكبير
يحرم ولو أنه شيخا كبيرا كما يحرم رضاع الصغير .
وبالنسبة لمن قال :أن زمن الرضاع المحرم هو في الصغر ،اختلفوا في تحديد
الصغر إلى أربعة مذاهب .
أوال :المراد بالصغر ما كان في الحولين فقط ،وهو ما ذهب إليه الشافعية
والحنابلة والصاحبين من الحنفية .
ثانيا :أن المراد بالصغر هو حصول الرضاع في الحولين ،أو حصول
الرضاع بعدهما بشهر أو شهرين ،أو ثالث .وذهب إلى ذلك المالكية .
ثالثا :ان المراد بالصغر ما كان في الحولين وبعدهما ستة أشهر أي ثالثون
شهرا ،وذهب إليه أبو حنيفة رحمه هللا .
رابعا :أن المراد بالصغر هو حصول الرضاع في الحولين وبعدهما بسنة ،
أي في ثالث سنوات تثبت به الحرمة ،وهو قول :زفر من الحنفية .
استدل القائلون بأن الرضاع المحرم هو ما كان في الحولين بما يأتي :
1ـ بالكتاب :قال تعالى { :والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين } .
وجه الداللة :أنه بعد الحولين يستغني الطفل عن الرضاع ،وأن انتفاع جسمه بلبن
المرضع إنما يكون في الحولين ،أما بعد الحولين فالمنمي والمفيد لجسمه غير ذلك،
فالطفل الرضيع يسد اللبن جوعه ؛ ألن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه
فيصير جزء من المرضعة .
ـ 35ـ
د/عواطف تحسين البوقري
2ـ من السنة:
( أ ) ما روي عن السيدة عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم قال " :إنما الرضاعة من المجاعة " .
( ب ) عن أم سلمة رضي هللا عنها قالت :قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم " :ال يحرم من الرضاعة إال ما فتق األمعاء من الثدي ،وكان قبل
الفطام " قال أو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
( ج ) وعن أبي عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال :قال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم " :ال رضاع إال ما كان في الحولين " رواه الدار
قطني ،وقال :لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ .
إلى غير ذلك من األحاديث التي جاءت به1ا المعنى واختلفت ألفاظها .
وجه الداللة :هذه األحاديث بمجموعها تفيد بأن الرضاع المحرم هو المفتق
لألمعاء وأن اللبن الذي يحصل به فتق لألمعاء هو ما كان في الحولين " ال رضاع
إال ما كان في الحولين " واالستثناء يفيد الحصر أي أن أي رضاع بعدهما ال حرمة
منه .ويزيده وضوحا ما في الرواية األخرى قوله " :إنما الرضاعة من المجاعة "
قال أبو عبيد :معناه أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع هو
الصبي ال حيث يكون الغذاء بغير رضاع ......
يعني وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه ال عن مجاعة ؛ ألن في الطعام والشراب
ما يسد جوعته ،بخالف الطفل الذي ال يأكل الطعام ،وفي مثل هذا المعنى حديث
"ال رضاع إال ما أنشز العظم " فإن انشاز العظم وانبات اللحم إنما يكون لمن كان
غذاؤه اللبن .
فكل هذه النصوص استدل بها القائلون بأن الرضاع ال يكون إال في الصغر وال
تخرج عنها .وإنما كان االختالف بينهم في التوجيه .
ثانيا المالكية :قالوا إن حصل في الحولين أو بزيادة الشهرين ...يعني أن شرط
نشر الحرمة بالرضاع أن يحصل الوصول للجوف في الحولين من والدته ،أو
بزيادة ما قرب منهما مما له حكمه كالشهر والشهرين وقيل :الثالثة األشهر ،وهذا
ما دام مقصورا على الرضاع أو يأكل معه ما يضر به االقتصار عليه ،فلو ُفطم ،
ـ 36ـ
د /عواطف تحسين البوقري
ثم أرضعته امرأة بعد فصاله بيم أو يومين أو ما أشبه ذلك حرم ؛ ألنه لو ُأعيد للبن
لكان قوة في غذائه وعشاءه ،فلو فصل فصال بينا فال اعتبار بما يحصل له من
اللبن بعد ذلك .
وعللوا ذلك ان الصبي عادة ال يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في ايام قليالت,
فلأليام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين.
واستدلوا لذلك بأدلة القائلين ان مدة الرضاع حوالن وذلك لقول ابن القاسم صاحب
مالك :لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم تحرم عليه لقوله صلى هللا عليه
وسلم ":وكان قبل الفطام" ,فالعبرة عندهم بالفطام وعند االولين بالعامين.
ثالثا :مذهب الحنفية ,ويمكن تقسيمه الى ثالثة اقسام:
( أ ) االمام ابو حنيفة يرى ان مدته ثالثون شهرا.
( ب ) الصاحبان محمد وابو يوسف مثل رأي الشافعية والحنابلة و وتقدم توضيحه.
( ج ) زفر القائل بأن مدة الرضاع ثالث سنوات.
استدل االمام ابو حنيفة على مذهبه بقوله تعالى {:وحمله وفصاله ثالثون شهرا}.
وجه الداللة :ان هللا سبحانه وتعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكانت لكل واحد
منها بكمالها كاألجل المضروب للدينين على شخصين بأن قال :احلت الدين الذي لي
على فالن ,والدين الذي لي على فالن سنة ,يفهم منه ان السنة بكاملها لكٍل ...اال
انه قام المنقص في احدهما يعني في مدة الحمل وهو قول عائشة رضي هللا عنها :
( الولد ال يبقى في بطن امه اكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل) وفي رواية "
وفي رواية " ولو بقدر ظل مغزل " ومثله ال يقال اال سماعا ؛ ألن المقدرات ال
يهتدي العقل اليها ,روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم " :الولد ال يبقى في بطن
امه اكثر من سنتين" فتبقى مدة الفصال على ظاهرها.
واستدل باآلية من وجه اخر :قال ويحتمل ان يكون المراد من الحمل :الحمل
باليد والحجر فيقتضي ان يكون الثالثون مدة الحمل والفصال جميعا ألنه يحمل باليد
والحجر في هذه المدة غالبا ال ان يكون نقص هذه المدة مدة الحمل وبعضها مدة
ـ 37ـ
د/عواطف تحسين البوقري
الفصال ؛ ألن إضافة السنتين الى الوقت ال تقتضي قسمة الوقت عليهما بل تقتضي
ان يكون جميع ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما ,كقول القائل صومك وزكاتك في
شهر رمضان هذا ال يقتضي قسمة الشهر عليهما بل يقتضي كون الشهر كله وقتًا
لكل واحد منهما ,فيقتضي ان يكون ثالثون شهرا مدة الرضاع وكذا الحمل
والفصال.
واما االحاديث التي استدل بها القائلون بالرضاع في الحولين فقط فقد ُرد
عليها ,ووجهت توجيهات تظهر فيها الكلفة كقولهم :ان الرضاع الموجب للنفقة هو
ما كان في الحولين وما بعدهما ال اجرة للمرضع عليه ,وان الستة اشهر كي يتعود
ويتحول الى الطعام ,وكانت ستة النها اقل مدة للحمل.
المناقشة :ورد على قولهم اعتراضات كثيرة وسوف نذكرها باختصار ,انه اجتهاد
مع النص ,وان ذلك ممنوع كما ان في هذا التوجيه تكلف ظاهر كما ان ادلة
الشافعية والحنابلة وهو ان الرضاع المحرم عامين صريحة الداللة.
رأي زفر :وهو القائل بأن مدة الرضاع ثالث سنوات كي يتعود فيها الطفل من
اللبن الى الطعام.
المناقشة :هو ما اعترض به على أبي حنيفة ,وهو هنا يعد من باب اولى فاذا
اعترض على الستة اشهر فمن باب اولى يعترض على من قال زيادة عام.
من هذا كله نرى ان جمهور الفقهاء اجمعوا على ان الرضاع المحرم هو ما كان في
الصغر والختالفهم في تفسير مدلوالت النصوص القرآنية و االحاديث النبوية
الشريفة ,أدى الى اختالفهم في تفسير الصغر.
هل العبرة تكون بالمدة ام بالفصل؟ نرى ان الجمهور اعتبروا ذلك بالمدة فطم
الصبي ام لم يفطم ,استغنى ام لم يستغن عن الطعام فقصروا الحرمة على السنتين,
فالعبرة بالمدة بخالف المالكية ,فاعتبروها بالفصال ,فإذا فصل الصبي قبل الحولين,
او استغنى بالفطام عن الرضاع فما ارتضع بعد ذلك لم يكن لإلرضاع حرمة.
الراجح- :وهللا اعلم -هو قول الجمهور الذين قصروا الحرمة على العامين ,سواء
ـ 38ـ
د/عواطف تحسين البوقري
فصل ام لم يفصل لحديث " :انما الرضاعة من المجاعة " ؛ ألنها في تلك يكون
انشاز العظم وانبات اللحم.
رضاع الكبير
ذهب الفقهاء في رضاع الكبير الى فريقين:
الفريق االول :يقول :يثبت به التحريم وذهب الى ذلك السيدة عائشة رضي هللا عنها
والظاهرية.
الفريق الثاني :يقول :ان رضاع الكبير ال يحرم ,وذهب اليه جمهور الفقهاء كما
مر معنا.
ادلة الفريق االول:
-1من الكتاب :قال تعالى {:و أمهاتكم الالتي ارضعنكم}
وجه الداللة :انه مطلق غير مقيد بوقت ,واآلية الثانية ان العامين فيها لباين ان
الرضاعة الموجبة لألجرة هو ما كان في لسنتين ,اما التي بعدهما فال اجرة فيها
ولكنها محرمة.
-2من السنة :عن زينب بنت ام سلمة قالت :ام سلمة لعائشة انه يدخل عليك الغالم
االيفع الذي ما احب ان يدخل علّي ,فقالت عائشة :اما لك في رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم اسوة حسنة ,قالت ان امرأة أبي حذيفة قالت :يا رسول هللا ان سالما
يدخل علّي وهو رجل و في نفس ابي حذيفة منه شيء ,فقال رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم ":ارضعيه حتى يدخل عليك " رواه مسلم.
وجه الداللة :ان هذا استدالل بعفل ام المؤمنين السيدة عائشة رضي هللا عنها ,حيث
كان يدخل عليها الغالم الكبير ,كما ان الرسول صلى هللا عليه وسلم ,امر سهلة
بإرضاع سالم وهو كبير يحرم عليها ويراها فضلى في ثياب مهنتها
وبحديث السيدة عائشة رضي هللا عنها ,ان النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :يحرم
ـ 39ـ
د /عواطف تحسين البوقري
من الرضاعة ما يحرم من و الوالدة " .متفق عليه.
وجه الداللة :ان السيدة عائشة رضي هللا عنها اخذت بهذا الحديث اذا ان يدخل عليها
احد امرت بنات اخيها بإرضاعه خمسا.
المناقشة :اعترض المخالفين على ذلك بعدة احاديث قد سبق ذكرها عند الكالم ان
رضاع الصغير هو المحرم.
بحديث ام سلمة " ال رضاع اال ما فتق االمعاء" ,وهو حديث صححه الترمذي
وسبق ذكره ,وحديث ابن عباس " ال رضاع اال ما كان في الحولين" ,رواه
الدارقطني ,ايضا قد مر ذكره.
وجه الداللة :ان الرسول صلى هللا عليه وسلم بين ان الرضاع الذي يتعلق به
التحريم هو ما كان في الصغر الذي ينشز العظم وينبت اللحم حتى يكون هو الغذاء
المعتمد للطفل ,اما ما لم يكن غذائه اللبن بعد الحولين ال حرمة فيه ,اذ اآلية صريحة
ان من اراد ان يكمل الرضاع يكون خالل سنتين ,وما بعدهما فال يفيد جسمه فال بد
له من طعام بعد ذلك يقوي به جسمه فال تثبت به الحرمة ألنه لم يكن عن مجاعة.
اتعرض ايضا :في قصة سالم وقالوا انها خصوصية ,كما ثبت ذلك عن زوجات
الرسول صلى هللا عليه وسلم ,حيث كن يرين ان تلك خصوصية ورخصة.
واما قولهم :ان السيدة عائشة رضي هللا عنها قالت ألم سلمة :اما لك في رسول هللا
اسوة حسنة ؟ ,فسكتت ام سلمة .
نقول :بل لنا جميعا في رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اسوة حسنة ان نقر ذلك على
السيدة عائشة رضي هللا عنها و ارضاها فلنا في رسول هللا االسوة الحسنة ويكون
ذلك اقرار ان ذلك رخصة لها.
اجاب على ذلك اصحاب هذا المذهب بما يأتي :انه لو كان خاصا لبينه الرسول
صلى هللا عليه وسلم كما بين اختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين,
ـ 40ـ
د/عواطف تحسين البوقري
واختصاص ابي بردة بالتضحية بالجذع من المعز ...وغير ذلك.
اعتراض المخالفين :بأن السيدة عائشة رضي هللا عنها روت ما يخالف فعلها وهي
التي روت حديث " و انما الرضاعة من المجاعة" وهو حديث صحيح وقد سبق
ذكره .
و ايضا من قصة سالم انه ال يتصور ان سهلة ارضعته بثديها حيث انه قبل
االرضاع يحرم مسها ,فال بد ان يكون قد سقته اللبن فال يستلزم من السقي ان يكون
من الثدي مباشرة بل بحلبه في اناء ثم يشربه وهذا يكون بوجور او سعوط ونحوه ,
والظاهرية ممن يرون انه ال يكون التحريم بالوجور ونحوه ,وانما بمص الثدي ....
واذا حصل ذلك يعني ارتكاب الكثير لألمر المحرم ,فال يمكن ان تكشف المرأة عن
عورتها للكبير ,وما على الظاهرية اال يقولوا ان هذه خصوصية ان قال ان سهلة
باشرته باإلرضاع وهو سالم ؛ الن االرضاع عند الظاهرية يكون بمص الثدي
مباشرة.
الرد :ان الظاهرية اسقطوا االحاديث التي استدل بها القائلون بأن الرضاع المحرم
هو ما كان في الصغر ,وقالوا :انها فيها مقال .
واما بالنسبة لآليات { :وفصاله في عامين} ... { ,حولين كاملين} قالوا انه يصار
اليه لو لم يأت نص غير هذا الكن قد جاء في ذلك حديث سهلة وسالم مولى ابو
حذيفة ايضا مما اعترض به المخالفين لرأي السيدة عائشة والظاهرية من لألحاديث
الدالة على ان زمن الرضاعة في الحولين التي سبق بسطها.
وجه اداللة :ان الرضاع هو ما كان في الحولين وما عداه ال يلتفت اليه ,واما القول
بأن كلمة الحولين انما دلة على الحكم الواجب على النفقة ال على مدة الرضاع فأنه
مردود ....اذ هذا ال ينافي ايضا انها لبيان زمان الرضاعة بل جعله هللا تعالى زمان
من اراد تمام الرضاعة ,وليس بعد التمام ما يدخل في حكم ما حكم الشارع بانه قد
تم.
ثم ان هناك كثير من االدلة التي استدل بها الظاهرية واعترض عليهم الجمهور,
ـ 41ـ
د/عواطف تحسين البوقري
كرجوع ابن موسى عن فتياه في تحريم رضاع الكبير.
وهناك رأي حاول ان يجمع بين رأي الجمهور و رأي السيدة عائشة رضي هللا عنها
و الظاهرية ,كما جاء عن الشوكاني صاحب نيل االوطار والصنعاني صاحب سبل
السالم ,و الدكتور سيد سابق صاحب كتاب قفه السنة ,فهم يميلون الى التوفيق
الذي ذهب اليه ابن تيمية( :انه يعتبر الصغر في الرضاعة اال اذا دعت اليه الحاجة,
كرضاع الكبير الذي ال يستغني عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه ,كحال
سالم مع امرأة ابي حذيفة ,فمثل هذا الكبير الذي ارضعته للحاجة اثر رضاعه ,
واما من عداه فال بد من الصغر.
ثم يقول صاحب سبل السالم ( :فأنه جمع بين االحاديث حسن و أعمال لها من غير
مخالفة لظاهرها باالختصاص ,وال نسخ وال الغاء لمى اعتبرته اللغة ودلت له
االحاديث).
الراجح :والذي يترجح و هللا اعلم هو رأي الجمهور وهو عدم تحريم رضاع الكبير
وذلك:
اوال :لقوة ادلة الجمهور.
ثانيا :لتغير الزمان ,وتغير احوال الناس ,ففي العصور االولى لإلسالم حيث كان
ذلك في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم وهو خير القرون ثم الذي يليه ثم الذي
يليه ,وما بالنا ونحن في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وقل الورع في بعض
القلوب وان لم يزل في امة محمد صلى هللا عليه وسلم الخير الى قيام الساعة ولعلها
كانت تلك رخصة لما عرف عن الصحابة شدة الورع وكذلك رخصة لسيدة عائشة
رضي هللا عنها ,لما لها من المكانة العلمية ,حيث كانت تشد لها الرحال من اجل
طلب العلم منها ,فرأى من خالف لما ذهب اليه االربعة العلماء االجالء الشوكاني
والصنعاني وابن تيمية ودكتور سيد سابق وذلك في وقتنا الحاضر الن ذلك اعتبره
تحقيقا لقواعد الشريعة سد الذرائع ...وهللا سبحانه وتعالى اعلم.
ـ 42ـ
أوًال:حقيقة التسعير
التس عري لغ ة :يق ال:س َّعر الن ار واحلرب:يس عرها وأس عرها،وس عرها مبع ىن:هيجه ا وأهلبه ا ،ومن ه قول ه
تع اىل{:وإذا الجحيم ُس عرت}(التك وير،)12:وقول ه{:وكفى بجهنم سعيرا}(النس اء ،)55:ويق ال
سعر السلعة أي جعل هلا مثن ًا وحدد هلا سعرًا ،وسعرت الشيء تسعريا:جعلت له سعرا معلوما ينتهي
إليه ،وسعروا تسعريا:اتفقوا على السعر ،والسعر:الذي يقوم عليه الثمن،وسعر السوق :احلالة اليت ميكن
أن نشرتي هبا الوحدة وما شاهبها يف وقت ما ،وسعر الصرف:سعر السوق بالنسبة للنقود.
التسعري يف االصطالح:
وردت عدة تعاريف للتسعري عند الفقهاء بألفاظ خمتلفة للداللة على معناه وفيما يلي بعض
النصوص من كالم الفقهاء يف تعريف التسعري :
عرفه الباجي من املالكية بقوله":هو أن حيدد ألهل السوق سعر ليبيعوا عليه فال يتجاوزونه".
وعند الشافعية":أن يأمر الوايل السوقة أن ال يبيعوا أمتعتهم إال بكذا ".
وتدل هذه التعريفات يف جمموعها:أن التسعري سياسة شرعية بيد ويل األمر أو من يقوم مقامه عند توفر
دواعيه ملصلحة العامة ،وبالنظر إىل هذه التعريفات كذلك ميكن اخلروج بالتصور التايل :
أوًال :أن تقدير الثمن البد أن يكون ممن ميلك سلطة التقدير ،كاحلاكم أو من يقوم مقامه يف مثل هذا
الشأن.
ثاني ًا :أن تقدير السلع جيب أن يكون تقديرًا عادًال ليس فيه إجحاف باملنتج أو املستهلك وإال كان
نوعًا من الظلم.
ثالث ًا :أن تق دير الس لع جيب أن يك ون ملزم ًا جلمي ع الن اس بال اس تثناء من غ ري زي ادة أو نقص ان عن
السعر احملدد.
ثانًيا :حاالت التسعري وأحكامها
بعد االطالع على ما ُك تب يف التسعري ميكن القول أن التسعري له حالتان:
:الحالة األولى التسعير في األحوال العادية التي ال غالء فيها
:
فقد ذهب مجهور العلماء من احلنفية ،واملالكية ،والشافعية ،واحلنابلةإىل أن األصل عدم جواز التسعري
يف
ـ 43ـ
هذه احلالة ،ملا يأيت من األدلة:
.1ق ول اهلل س بحانه وتع اىلِ ...{:إَّال َأن َتُك وَن ِتَج اَر ًة َعن َتَر اٍض ِّم نُك ْم (}...النس اء.)29:وج ه
الداللة:أن اهلل تعاىل جعل الرتاضي شرًطا إلباحة التجارات،والتسعري يف األحوال العادية اليت ال غالء
فيها يفوت ذلك ،إذ إنه يتضمن إلزام أصحاب السلع واخلدمات أن يبيعوا مبا ال يرضون.
.2قول النيب النيب صلى اهلل عليه وسلم":إنما البيع عن تراض".
.3قول النيب النيب صلى اهلل عليه وسلم":ال يحل المرئ من مال أخيه شيء إال بطيب نفس منه".
وجه الداللة:أن التسعري يتضمن أخذ األموال من غري طيب نفس من أصحاهبا فتدخل يف عموم ما هنى
عنه الرسول النيب صلى اهلل عليه وسلم .
.4م ا ج اء عن أنس بن مال ك رض ي اهلل عن ه ق ال:غال الس عر على عه د رس ول اهلل الن يب ص لى اهلل علي ه
وسلم ،فقالوا:يا رسول اهلل سِّعر لنا.فقال رسول اهلل النيب صلى اهلل عليه وسلم":إن اهلل هو الُمَس ِّعر،
الق ابض ،الباسط ،ال رزاق ،وإني ألرج و أن ألقى ربي ،وليس أح د منكم يطلب ني بمظلم ة في دم
وال مال".
وج ه الدالل ة:أن الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم،امتن ع من التس عري وجعل ه مظلم ة يرج و أال يلقى اهلل هبا.
ووج ه الظلم يف التس عري أن الن اس مس لطون على أم واهلم ،والتس عري يف األح وال العادي ة ال يت ال غالء
فيها حجر عليهم ،وإجبار هلم على ما ال يرضون وهذا ظلم هلم.
.5أن التسعري يف األحوال العادية اليت ال غالء فيها قد يفضي إىل اختالل قانون العرض والطلب،فيحصل
ب ذلك خل ل يف األنش طة االقتص ادية.ومن أب رز ذل ك غالء األس عار وارتفاعه ا؛ألن ك ثرة القي ود على
التجارة واالستثمار ُيؤدي غالبًا إىل صرف التجار واملستثمرين إىل أسواق أقل قيودًا ،فيطلبون لسلعهم
أسواقًا ال يكرهون فيها على البيع بغري ما يريدون،وهذا ُيؤدي إىل قلة العرض فريتفع السعر .وكذلك
ق د حيم ل التس عري يف األح وال العادي ة ال يت ال غالء فيه ا أص حاب الس لع واخلدمات إىل أن ميتنع وا من
بيعها ,بل يكتموهنا فيطلبها املس تهلكون فال جيدوهنا إال قليًال ,فريفعون يف مثنها؛ ليص لوا إليها ,فتغلو
بذلك األسعار.وحيصل اإلضرار باجلانبني:جانب املالك يف منعهم من بيع أمالكهم ,وجانب املشرتي
يف منعه من الوصول إىل غرضه.
الحالة الثانية التسعير في حالة الغالء وارتفاع األسعار
: :
الق ول األول:جيوز ل ويل األم ر واجله ات ذات االختص اص التس عري،وحتدي د أس عار الس لع
واخلدمات إذا اقتض ى ذل ك مص لحة العام ة .وه ذا ه و م ذهب احلنفي ة ،واملالكي ة ،ووج ه عن د
احلنابلة.ومما
ـ 44ـ
استدلوا به ما يلي:
.1ح ديث عب د اهلل بن عم ر -رض ي اهلل عنهم ا -أن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم ق ال":من أعت ق
ِش ْر كًا ل ه في عب د ،فك ان ل ه مال يبل غ ثمن العب د ُقِّو م العب د علي ه قيم ة عدل ،ف أعطى ش ركاءه
حصصهم ،وعتق عليه العبد".
وجه الداللة:أن هذا احلديث ُيعُّد أصًال يف جواز إخراج الشيء من ملك صاحبه قهرًا بثمنه ,للمصلحة
الراجحة.واملقصود:أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه بعوض املثل؛ ملصلحة
تكمي ل العت ق,ومل ميكن املال ك من املطالب ة بالزي ادة على القيم ة ,فكي ف إذا ك انت احلاج ة بالن اس إىل
التملك أعظم ,وهم إليها أحوج؟مثل حاجة املضطر إىل الطعام والشراب واللباس وغريه .وهذا الذي
أمر به النيب رضي اهلل عنه -من تقومي اجلميع قيمة املثل:هو حقيقة التسعري.
.2قص ة عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه -م ع ح اطب بن أيب بلتع ة رض ي اهلل عن ه -حيث وج ده ي بيع
الزبيب باملدينة ،فقال :كيف تبيع يا حاطب؟فقالُ:مَّديِن بدرهم.فقال:تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا
وتقطع ون يف رقابن ا ،مث ت بيعون كي ف ش ئتم! ب ع ص اعًا،و إال فال تب ع يف س وقنا .وج ه الدالل ة:أن أم ر
عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ،حلاطب بن أيب بلتعة رضي اهلل عنه ،بأن يبيع الصاع بدرهم نوع من
التس عري ،فهي س نة من عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه ،وي دخل يف ق ول الن يب -ص لى اهلل علي ه
وسلم":فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ،وعضوا عليها بالنواجذ".
.3أن التس عري يف ح ال الغالء من الوس ائل املهم ة ال يت يس تعني هبا والة أم ور املس لمني يف حتقي ق الع دل
وحتص يل املص احل العام ة؛ ذل ك أن إطالق حري ة التج ارة دون حتدي د لألس عار ق د يفض ي إىل
االحتكارطلًب ا الرتفاع أكرب لألسعار .قال ابن تيمية –رمحه اهلل":-وإذا تضمن-أي :التسعري يف حال
الغالء -العدل بني الناس مثل:إكراههم على ما جيب عليهم من املعاوضة بثمن املثل ،ومنعهم مما حيرم
عليهم من أخ ذ زي ادة على ع وض املث ل ،فه و ج ائز; ب ل واجب.وإذا ك ان ك ذلك ف إن الوس ائل هلا
أحكام املقاصد.
الق ول الث اني:ال جيوز ل ويل األم ر،أو اجله ات ذات االختص اص التس عري،وحتدي د أس عار الس لع
واخلدمات ،ولو اقتضى ذلك مصلحة عامة .وهذا هو مذهب الشافعيةواحلنابلة.ومما استدلوا به األدلة
اليت تقدم ذكرها يف أن األصل عدم جواز التسعري.
المناقشات والردود:
بعض ما ورد من ردود على أدلة القول الثاني القائلون بعدم جواز التسعير حال غالء األسعار:
اس تدالهلم على ع دم ج واز التسعري ب أن التسعري يف ّو ت الرتاض ي ال ذي جعله اهلل مبيًح ا للتج ارة،وأنه .1
أخذ
.2
.3
ـ 45ـ
.4
.5
ـ 46ـ
إىل يومنا هذا -مبا يلي:
•ال واجب على املس لم يف مث ل ه ذه الظ روف االلتج اء إىل اهلل ،والرج وع إلي ه،والتوب ة،
واالستغفار،وسؤال اهلل تعاىل الرمحة به ،و أن يلطف حباله.
•وأن يعلم املس لم أن معي ار الغ ىن احلقيقي ليس ه و ك ثرة املال ووفرت ه و إمنا ه و غ ىن النفس كم ا
قال -صلى اهلل عليه وسلم" :ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس".
كما علينا نشر الوعي بأمهية االقتصاد يف االستهالك و معرفة ما حنتاج و ما ال حنتاج.
•كما على ّجتار املسلمني و من له يد يف هذا املوضوع الرفق بالّن اس و إجياد حل موائم هلم ،وال حيل
للتجار أن يستغلوا هذه املوجة يف ارتفاع األسعار لريفع أسعار بضاعتهم بدون مربر ،وللتجار أسوة
بنيب اهلل يوسف عليه السالم حينما توىّل خزائن مصر و رفق بالناس حىت كانوا يقصدونه من كل
مكان.
ـ 47ـ
9الجامع ألحكام القرآن :جـ ، 12صـ 34طبعة دار الكتب المصرية .
إن االحتكار من الظلم وداخل حتته ىف الوعيد. 10
وما ذهب إليه الغزاىل ىف بيان وجه الداللة هو القول الراجح إذ أن مدلول اآلية عام
ويدخل حتت النهى كل من أراد حمرمًا وال شك أم االحتكار داخل حتت نطاق هذا
العموم الشامل لالحتكار وغريه ،فإن قيل إن اآلية نزلت بسبب غري النهى عن االحتكار
قلنا إن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب. 11
وأما السنة :فقد دلت أحاديث كثرية ىف السنة النبوية على حترمي االحتكار ومنها :
-1ما روى عن سعيد بن املسيب عن معمر بن عبد اهلل العدوى أن النىب قال ( :ال
حيتكر إال خاطئ ). 12
قال اإلمام الشوكاىن رمحة اهلل ىف كتابه " نيل األوطار " : 13والتصريح بأن احملتكر خاطئ
كاف ىف إفادة عدم اجلواز ألن اخلاطئ املذنب العاصى .
وقال الصنعاىن رمحة اهلل : 14اخلاطئ هو العاصى اآلمث ،وىف الباب أحاديث دالة على
حترمي االحتكار .
-2ما روى عن معقل بن يسار قال :قال رسول اهلل ( : من دخل ىف شئ من أسعار
املسلمني ليغلبه عليهم كان حقًا على اهلل أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ). 15
وجه الداللة من احلديث :
ـ 50ـ
دل هذا احلديث على معاقبة من يقدم على ذلك مبكان ىف النار ،وال يكون ذلك إال
الرتكابه احملرم. 16
-3ماروى عن أىب هريرة رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ( : من احتكر حكرة
يريد أن يغلى هبا على املسلمني فهو خاطئ ). 17
10إحياء علوم الدين :جـ ، 4صـ ، 775طبعة دار الشعب .
11المنافسة واالحتكار :رسالة دكتوراه للباحث محمد متولى محمد عبد الجواد بمكتبة كلية الشريعة بالقاهرة برقم ( . ) 1294
12أخرجه أحمد ( ) 6/400ومسلم ( ) 1605وأبوداوود ( ) 3447
13نيل األوطار :جـ ، 5صـ ، 267طبعة مكتبة اإليمان بالمنصورة .
14سبل السالم :جـ ، 3صـ ، 44طبعة دار العقيدة بالقاهرة .
15ذكره الشوكانى فى نيل األوطار جـ ، 5صـ ، 266ثم قال :وحديث معقل أخرجه الطبرانى فى الكبير واألوسط وفى إسناده زيد بن مرة أبوالمعلى
قال فى مجمع الزوائد :ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله رجال الصحيح .
16االحتكار والتسعير الجيرى :للدكتور محمد عبد الستار الجبالى صـ. 12
17أخرجه الحاكم وزاد " وقد برئت منه " وفى إسناد حديث أبوهريرة أبومعشر وهو ضعيف وقد وثق ( نيل األوطاز جـ ، 5صـ. ) 266
-4ما رواه ابن عمر رضى اهلل عنه أن النىب قال ( :من احتكر طعامًا أربعني ليلة فقد
برئ من اهلل وبرئ اهلل منه ،وأميا أهل عرصة 18أصبح فيهم امرؤ جائعًا فقد برئت منهم
ذمة اهلل ). 19
-5ومنها ما رواه عمر رضى اهلل عنه أن النىب قال ( :من احتكر على املسلمني
طعامهم ضربه اهلل باجلذام واإلفالس ) رواه ابن ماجة .
-6وعن عمر بن اخلطاب رضى اهلل عنه أن النىب قال ( :اجلالب مرزوق واحملتكر
20
ملعون )
وجه الداللة من هذه األحاديث :
قال اإلمام الشوكاىن رمحة اهلل :وال شك أن أحاديث الباب تنتهض مبجموعها لالستدالل
على عدم جواز االحتكار ،ولو فرض عدم ثبوت شئ منها ىف الصحيح فكيف وحديث
معمر مذكور ىف صحيح مسلم ؟ ( نيل األوطار جـ ، 5صـ . ) 267
وأما األثر :فمنه :
-1ماروى عن عمر بن اخلطاب رضى اهلل عنه أنه قال " :ال حكرة ىف سوقنا ،ال يعمد
رجال بأيديهم فضول من أذهاب إىل رزق اهلل نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ،ولكن أميا
ـ 51ـ
جالب جلب على عمود كبده ىف الشتاء والصيف ، 21فذلك ضيف عمر ،فليبع كيف
22
شاء اهلل وليمسك كيف شاء اهلل "
-2ما روى أن عثمان رضى اهلل عنه كان ينهى عن احلكرة .
18عرصة :البقعة الواسعة التى ليس فيها بناء ،وعرصة الدار ساحتها أى جهة .
19أخرجة أحمد والحاكم وابن أبى شيبة وأبو يعلى ( نيل األوطار جـ ، 5صـ. ) 266
20سنن ابن ماجة ( ) 2/728
21هذا القول يعىن أن اجلالب قد محل ما جلبه على ظهره ،أو على دابته ،وحتمل ىف سبيل ذلك برد الشتاء وحر الصيف ،انظر املنتقى ، 5/17الزرقاىن على
املوطأ . 4/252
22املنتقى جـ / 5صـ 15نقًال عن االحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب حبوث فقهية ىف قضايا اقتصادية جـ ، 2صـ. 473
-3ما روى عن على رضى اهلل عنه أنه قال " :من احتكر الطعام أربعني يومًا قسا قلبه
".
23
-4ما روى عن على رضى اهلل عنه أنه أحرق طعامًا حمتكرًا بالنار .
وجه الداللة من هذه اآلثار :
واضح من هذه اآلثار النهى عن احلكرة ،والنهى يفيد التحرمي ،ما مل تأت قرينة تصرفة
إىل غري التحرمي ،وال قرينة فإن هذه اآلثار تفيد ما أفادته األحاديث السابقة .
وأم املعقول :
فقد حكاه الكاساىن بقوله :وألن االحتكار من باب الظلم ألن ما بيع ىف املصر فقد تعلق
به حق العامة ،فإذا امتنع املشرتى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم ،
ومنع احلق عن املستحق ظلم وحرام ،يستوى ىف ذلك قليل املدة وكثريها ،لتحقق
24
الظلم .
أدلة المذهب الثانى :
استدل القائلون بكراهة االحتكار باآلتى :
- 1قصور الروايات الواردة ىف تعداد ما جيرى ىف االحتكار من ناحية السند والداللة ال
تقوى بالتحرمي ،كما ال تنتهض ألن تكون دليًال عليه .
أجيب عن هذا :بأن الروايات غري قاصرة ىف داللتها على التحرمي لرتتبه على اللعن
والوعيد الوارد فيها كما أن االختالف ىف التعداد ال يعىن الكراهة دون حترمي .
فضًال عن ذلك :فتصريح احلنفية بالكراهة على سبيل اإلطالق ينصرف إىل الكراهة
التحرميية وفاعل املكروة حترميًا عندهم يستحق العقاب ،كفاعل احلرام 2.
52
-2أن الناس سلطون على أمواهلم وحترمي التصرف حجر عليهم .
أجيب عن هذا :بأن حرية املالك ىف ملكه مطلقة ما مل يرتتب على ذلك إضرارًا باآلخرين
إذ ال ضرر وال ضرار ،والضرر يزال ،ودر املفاسد مقدم على جلب املصاحل . 25
25باختصار من حبث :االحتكار والتسعري اجلربى للدكتور /حممد عبد الستار اجلباىل صـ. 14
املذهب املختار :
وبعد عرض مذاهب الفقهاء ىف حكم االحتكار وأدلة كل مذهب فإن جمموع األدلة
ترجح رأى مجهور الفقهاء القائل بتحرمي االحتكار وذلك لقوة أدلته وسالمتها من املناقشة
.
المطلب الثانى :الحكمة من تحريم االحتكار
يتفق الفقهاء على أن احلكمة ىف حترمي االحتكار رفع الضرر عن عامة الناس ،ولذا فقد
أمجع العلماء على أنه لو احتكر إنسان شيئًا ،واضطر الناس إليه ،ومل جيدوا غريه ،وأجرب
على بيعه ،دفعًا لضرر الناس ،وتعاونًا حصول العيش . 26
وىف هذا املعىن يقول أفمام مالك رمحة اهلل " :احلكرة ىف كل شئ ىف السوق من الطعام
والزيت والكتان ومجيع األشياء والصوف ،وكل ما أضر بالسوق ...فإن كان ال يضر
بالسوق فال بأس بذلك " . 27
المطلب الثالث :الموقف من المحتكر:
مذهب احلنفية :
يقول اإلمام الكاساىن ىف بدائع الصنائع :
" إن من أحكام االحتكار أن يؤكر احملتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إمنا يؤمر ببيع ما فضل
عن قوته ،وقوت أهله ،فإن مل يفعل وأصر على االحتكار ورفق إىل اإلمام مرة أخرى
وهو مصر عليه فإن اإلمام يعظه ويهدده ،فإن مل يفعل ورفع إليه مرة ثالثة حيبسه ويعزره
زجرًا له عن سوء صنعه وال جيرب على البيع "
وقال حممد " :جيرب عليه ،وهذا يرجع إىل مسألة احلجر على احلر ألن اجلرب على البيع ىف
28
معىن احلجر "
ـ 53ـ
مذهب املالكية :
39
ـ 56
ـ 57ـ
مبقصود النكاح األصلي.
ومن هذه الشروط أن تشرتط املرأة على زوجها أال تطيعه ،أو أن خترج من غري إذنه ،أو
أال يقسم لضرائرها ،وال ينفق عليهن ،وحنو ذلك ،أو يشرتط عليها أال مهر هلا.
ومثل ذلك أن تشرتط عليه ما ينايف املقصود األصلي للنكاح ،وهو املعاشرة الزوجية()،
كأن تشرتط عليه أن ال يطأها ،أو يطأها يف العمر أو يف العام مرة واحدة ،فإن هذه
الشروط ال جتوز حبال.
حكم العقود التي اشترط فيها الشروط الفاسدة:
اتفق أهل العلم على بطالن الشروط الفاسدة ،واختلفوا يف إبطال هذه الشروط للعقود اليت
اشرتطت فيها.
-1فذهب مجع من أهل العلم على بطالن العقود اليت اشرتطت فيها.
-2وذهب احلنفية إىل أن الشروط الفاسدة ال تبطل النكاح إال إذا اشرتطت التأقيت يف
العقد ،يقول الكاساين« :النكاح املؤبد الذي ال توقيت فيه ال تبطله الشروط الفاسدة»().
وعلى ذلك فإن األنكحة املنهي عنها عند احلنفية صحيحة كنكاح الشغار ونكاح التحليل
إذا أبطلت منها الشروط الفاسدة ،وال يفسد من األنكحة املشرتط فيها شرط فاسد إال
نكاح املتعة والنكاح املؤقت.
-3وذهب مجع من أهل العلم منهم الشافعية واحلنابلة إىل أن «من شروط النكاح ما
يبطل الشرط ويصح العقد ،ومنها ما يبطل العقد من أصله»().
النوع الثالث :الشروط الجائزة:
وهي الشروط اليت ال تنايف مقصود النكاح ،وال ختالف ما قرره الشرع ،مثل أن يشرتط
على الزوج أال خيرجها من دارها ،أو بلدها ،أو ال يسافر هبا ،أو ال يتزوج عليها ،أو
تستمر يف عملها الذي تبيحه الشريعة وحنو ذلك.
مذاهب العلماء يف املسألة
اختلف العلماء في هذا النوع من الشروط على ما يلي:
ـ 58ـ
-1فذهب احلنابلة إىل القول بصحتها ووجوب الوفاء هبا ،فإن مل يِف املشرتط عليه هبا
فإن للطرف اآلخر حق فسخ النكاح().
-2وذهب مجهور العلماء إىل بطالن هذه الشروط.
أسباب اختالف العلماء يف هذه املسألة :
يعود اختالف العلماء في هذه المسألة إلى عدة أسباب:
السبب األول :اختالفهم في الشروط في العقود هل األصل فيها الحظر أم اإلباحة؟
فالذين صححوا هذا النوع من الشروط قالوا :األصل يف الشروط اإلباحة ،فال حيظر منها
إال ما جاءت النصوص دالة على بطالنه ،والذين أبطلوها قالوا :األصل فيها احلظر إال ما
جاءت النصوص مبيحة له.
والذي حققه شيخ اإلسالم أن األصل يف العقود والشروط عدم التحرمي ،ألهنا من باب
األفعال العادية ،فيستصحب فيها عدم التحرمي حىت يدل دليل على التحرمي ،كما أن
األصل يف األعيان عدم التحرمي.
وقرر رمحه اهلل أنه مل يرد يف الشرع ما يدل على حترمي جنس العقود والشروط ،فإذا انتفى
دليل التحرمي ،دّل على عدم التحرمي.
وقرر أن غالب ما يستدل به على أن األصل يف األعيان عدم التحرمي من النصوص العامة
واألقيسة الصحيحة واالستصحاب العقلي يستدل به على عدم حترمي العقود والشروط
فيها().
وقد بنّي رمحه اهلل تعاىل أن النصوص من الكتاب والسّنة قد دلت على إباحة العقود
والشروط فيها ،ومل تأت حمرمة هلا ،إال إذا كان املشروط خمالفًا لكتاب اهلل وشرطه ،فإذا
كان الشرط خمالفًا لكتاب اهلل وشرطه كان الشرط باطًال().
وأورد من الكتاب والسّنة كثيرًا من النصوص اآلمرة بالوفاء بالعهود والشروط واملواثيق
والعقود ،وأداء األمانة ،والناهية عن الغدر ونقض العهود واخليانة().
ـ 59ـ
فمن األحاديث اليت أوردها حديث الصحيحني الذي يقول فيه الرسول ﷺ( :أربع
من كّن فيه كان منافقًا خالصًا) ويف احلديث (وإذا وعد أخلف) ،وأورد كثريًا من
األحاديث احملرمة للغدر .وحديث الصحيحني (إن أحق الشروط أن تفوا به ما استحللتم
به الفروج).
وقد خلص إىل القول بعد إيراده لتلك النصوص« :إذا كان الوفاء ورعاية العهد مأمورًا به
علم أن األصل صحة العقود والشروط ،إذ ال معىن للتصحيح إال ما ترتب عليه أثره،
وحصل به مقصوده ،ومقصود العقد هو الوفاء به .فإذا كان الشارع قد أمر مبقصود
العهود دّل أن األصل فيها الصحة واإلباحة»().
السبب الثاني :اختالف أهل العلم في فقه قوله ﷺ ( :ما بال رجال يشترطون
شروطًا ليست في كتاب اهلل؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب اهلل فهو باطل ،شرط
اهلل أحق وأوثق).
وهذا املقال من الرسول ﷺ نص خطبة خطبها ﷺ يف أصحابه ،وكان سبب
مقاله هذا أن عائشة رضي اهلل عنها أرادت أن تشرتي أمة تدعى بريرة لتعتقها ،فأىب أهلها
بيعها إال أن يكون والؤها هلم ،فقال الرسول ﷺ هلا« :اشرتيها فأعتقيها ،فإمنا
الوالء ملن أعتق» ،مث قام يف الصحابة ،وخطب فيهم مبا ذكرته أوًال().
فقه الذين أبطلوا الشروط للحديث:
قال ابن عبدالرب« :احتج من مل يَر الشروط شيئًا حبديث عائشة ،أن رسول اهلل ﷺ
قال( :كل شرط ليس يف كتاب اهلل عز وجل فهو باطل) .ومعىن قوله هنا( :يف كتاب اهلل)
أي :يف حكم اهلل ،وحكم رسوله ،أو يف ما دّل عليه الكتاب والسّنة فهو باطل.
والله قد أباح نكاح أربع نسوة من الحرائر ،وما شاء مما ملكت أيمانكم ،وأباح له أن
يخرج بامرأته حيث شاء ،وينتقل بها حيث انتقل ،وكل شرط يخرج المباح باطل»().
قالوا :فالشروط والعقود اليت مل تشرع َتَعٍّد حلدود اهلل ،وزيادة يف الدين»().
فقه الذين أجازوا الشروط للحديث:
والذين ذهبوا إىل تصحيح الشروط اجلائزة يف العقود فهموا من قول الرسول ﷺ :
(من اشرتط شرطًا ليس يف كتاب فهو باطل) أحد وجهني:
ـ 60ـ
( -1ليس يف كتاب اهلل) أي :ليس فيه نفيه ،فإن كان يف كتاب اهلل حترميه وإبطاله فهو
شرط باطل ،وإن مل يوجد يف كتاب اهلل ما يدل على بطالنه فإنه يكون صحيحًا.
-2املراد بكونه يف كتاب اهلل ،أي :أن الشارع أباحه ،فإن كان املشروط فعًال أو حكمًا
أباحه اهلل جاز اشرتاطه ،ووجب بذلك الشرط ،وإن مل يبحه اهلل مل جيز اشرتاطه.
فاشرتاط املرأة وأوليائها على الزوج عدم السفر هبا ،وأن يسكنها يف دويرة أهلها ،وأن
تعمل فيما جيوز عملها فيه شروط صحيحة ،فكتاب اهلل يبيح السفر بالزوجة وعدمه،
ويبيح هلا أن تسكن يف دويرة أهلها وأن تنتقل منها ،ويبيح هلا العمل إذا حتققت شروطه().
القول الراجح يف املسألة:
القول الراجح هو صحة الشروط الجائزة في عقد النكاح ،ويدل على صحة هذا
القول أمور:
-1قوله ﷺ فيما رواه عنه عقبة بن عامر اجلهين( :أحق ما أوفيتم من الشروط أن
توفوا به ما استحللتم به الفروج) () .وهذا يدل على أن الوفاء بالشروط يف النكاح أوىل
منها يف البيع.
قال ابن حجر يف شرحه« :أحُّق الشروط بالوفاء شروط النكاح ،ألن أمره أحوط وبابه
أضيق»().
-2واستدلوا بالنصوص اليت أجازت مثل هذه الشروط يف غري النكاح ،فالعقود باب
واحد ،ويف كتب السّنة عدة أحاديث ثبت فيها أن الرسول ﷺ أجاز فيها االشرتاط
يف العقود ،ومن هذه األحاديث قوله ﷺ ( :من باع خنًال قد أبرت ،فثمرهتا للبائع
إال أن يشرتط املبتاع) رواه البخاري().
فلو كان الشرط ال يصح فإن املبتاع ال جيوز له اشرتاط الثمر.
وروى البخاري أن جابر بن عبداهلل باع للرسول ﷺ مجله الذي كان يركبه،
وشرط ظهره إىل املدينة() ،ولو كان الشرط باطًال ملا رضي الرسول ﷺ بشرط
جابر.
وقد ترجم البخاري على بعض األحاديث الدالة على جواز الشروط بقوله« :باب ما جيوز
من الشروط يف اإلسالم واألحكام واملبايعة»().
ـ 61ـ
-3واحتج ابن تيمية على صحة الشروط بقوله ﷺ ( :الصلح جائز بني املسلمني
إال صلحًا حرم حالًال ،وأحَّل حرامًا ،واملسلمون على شروطهم إال شرطًا حرم حالًال ،أو
أحَّل حرامًا) رواه الرتمذي .وقال :حديث حسن صحيح().
-4ويدل على صحة هذا القول أنه الفقه الذي فقهه الصحابة ،وأفتوا وحكموا به .ففي
صحيح البخاري تعليقًا عن ابن عمر أو عمر «كل شرط خالف كتاب اهلل فهو باطل،
وإن اشرتط مائة شرط»().
ويف الصحيح عن عمر بن اخلطاب تعليقًا« :إن مقاطع احلقوق عند الشروط ،ولك ما
شرطت»().
واحلديث عن عمر وصله عبدالرزاق يف مصنفه عن أيوب عن إمساعيل بن عبيد اهلل عن
عبدالرمحن بن غنم قال« :شهدت عمر بن اخلطاب ،واختصم إليه يف امرأة شرط هلا
زوجها أن ال خيرجها من دارها .قال عمر :هلا شرطها ،قال رجل :ألن كان هكذا ال
تشاء امرأة تفاق زوجها إال فارقته ،فقال عمر :املسلمون عند مشارطهم ،عند مقاطع
حقوقهم»().
وذكره ابن عبدالبر باإلسناد نفسه ،ولفظه« :والمسلمون عند شروطهم ،ومقاطع احلقوق
عند الشروط»().
وخالصة القول في المسألة أن الشروط تكون باطلة فاسدة ألحد أمرين:
األول :منافاهتا حلكم اهلل وشرعه ،كاشرتاط الوالء لغري املعتق ،فهذا الشرط ال ينايف
مقصود العقد وال مقتضاه ،وإمنا ينايف كتاب اهلل وشرطه ،فالذي يف حكم اهلل وشرعه أن
الوالء ملن أعتق.
والثاني :منافاة الشرط ملقاصد العقد كمن عقد على زوجه واشرتطت عليه الطالق ،فهذا
الشرط يناقض مقصود العقد ،ويصبح العقد به لغوًا.
فإذا مل يشتمل الشرط على واحد من هذين األمرين ،فال وجه لتحرميه ،ألنه عمل مقصود
للناس ،حيتاجون إليه ،إذ لوال حاجتهم إليه مل يفعلوه().
ـ 62ـ
ـ 66ـ
-ما رواه أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب أن رسول اهلل هنى عن بيع وشرط .هذا
احلديث هو عمدة اإلمام أيب حنيفة رمحه اهلل ،وعليه مدار مذهبه يف الشروط مع حديث
النهي عن صفقتني يف صفقة ،فمنع كل بيع وشرط إذا مل يكن الشرط مما يقتضيه العقد
وكانت فيه منفعة زائدة ألحد العاقدين أو لغريمها ،وبه جعل احلنفية األصل يف الشروط
املقارنة للبيع الفساد ،ومل يستثنوا منها إال ما اسُتثيِن بنص أو استحسان ،يقول الكاساين:
"...أن رسول اهلل هنى عن بيع وشرط ،والنهي يقتضي فساد املنهي فيدل على فساد كل
بيع وشرط إال ما خص من عموم النص " ،وقريب منه مذهب الشافعي .أما املالكية فمع
عملهم هبذا احلديث إال أهنم مل يأخذوه على إطالقه ،بل نظروا فجدوا آثارا صحيحة قد
وردت جبواز اجتماع بيع وشرط ،فصارت معارضًة هلذا احلديث ،باإلضافة إىل كوهنا
أصح منه ،ففسروا الشرط املنهي عن اجتماعه مع بيع بالشرط الذي يناقض مقتضى العقد
ومقصوده ،أما اإلمام أمحد فلم يصحح هذا احلديث ،وبالتايل مل يعمل به ،وصح عنده ما
يعارضه وهو حديث النهي عن شرطني يف بيع ،فمنع اجتماع شرطني يف عقد ،وأجاز
البيع مع شرط ،ويف ذلك يقول ابن قدامة " :ومل يصح أن النيب هنى عن بيع وشرط ،إمنا
الصحيح أن النيب عليه السالم هنى عن شرطني يف بيع ،كذا ذكره الرتمذي .وهذا دال
مبفهومه على جواز الشرط الواحد .قال أمحد :إمنا النهي عن شرطني يف بيع ،أما الشرط
الواحد فال بأس به ".
-ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده tأن رسول اهلل rقال" :ال حيل سلف
وبيع ،وال شرطان يف بيع ،وال ربح ما مل يضمن ،وال بيع ما ليس عندك " .وحمل
االستدالل يف هذا احلديث قوله " :وال شرطان يف بيع " فالذين أخذوا حبديث النهي عن
بيع وشرط ،مينعون اجتماع بيع وشرطني من باب أوىل ،أما احلنابلة الذين مل يصححوا
حديث النهي عن بيع وشرط ،فاعتمدوا هذا احلديث كما ذكرت سابقا.
.4ما رواه جابر بن عبد اهلل أنه كان على مجل له قد أعىي فأراد أن يسيبه ،قال :فلحقين
النيب rفدعا يل وضربه .فسار سريا مل يسر مثله ،فقال" :بعنيه بأوقية " قلت :ال ،مث
قال " :بعنيه " فبعته بأوقية ،واشرتطت محالنه إىل أهلي فلما بلغت أتيته باجلمل ،فنقدين
مثنه ،مث رجعت فأرسل يف أثري ،فقال :أتراين ماكستك آلخذ مجلك ؟ خذ مجلك
ودرامهك فهو لك
"ـ 67ـ
هذا احلديث هو عمدة احلنابلة واملالكية فيما صححوه من الشروط املقارنة للعقود ،فبناء
عليه صحح احلنابلة اشرتاط منفعة البائع يف املبيع ،بشرط أن تكون املنفعة معلومة ،كما
صححوا اشرتاط البائع نفع املبيع مدة معلومة ،كأن يبيع دارا ويستثين سكناها شهرا،
وكذلك فعل املالكية ،فأجازوا الشرط الذي فيه منفعة معقولة ألحد املتعاقدين مادام
الشرط ال يناقض مقتضى العقد مناقضة صرحية ،أما احلنفية فرجحوا حديث النهي عن بيع
وشرط ومل يعملوا حبديث جابر هذا ،وعللوا ذلك بأن ما مت بني جابر والرسول rمل يكن
بيعا حقيقة ،وإمنا كان من حسن الصحبة والعشرة ،يقول السرخسي " :وتأويل حديث
جابر tأن ذلك مل يكن شرطا يف البيع ،على أن ما جرى بينهما مل يكن بيعا حقيقة ،وإمنا
كان من حسن العشرة والصحبة يف السفر ،الدليل على ذلك قصة احلديث"...
-من أسباب اخلالف أيضا اخلالف يف تقدير الغرر ،حيث وردت نصوص كثرية تنهى
عن الغرر ،باعتباره واحدا من أهم مفسدات العقود .والفقهاء مجيعا متفقون على أن الغرر
الفاحش مفسد للعقد ،وأن الغرر اليسري الذي يتسامح يف مثله عادة ال يفسد العقد؛ إذ
قليلة هي العقود اليت تتمحض للمنفعة وختلو من الغرر ،إال أنه ملا كان الغرر أمرا تقديريا
فقد اختلفت يف تقديره اجتهادات الفقهاء :ما هو احلد الفاصل بني الغرر اليسري املعفو عنه
والغرر الفاحش؟ هذا مناط اخلالف ،وكل اجتهد يف التقدير ،وحكم على الشرط الذي
فيه غرر ،صحة وبطالنا ،بناء على اجتهاده.
ـ 68ـ
عزيزتي الطالبة
ولتبسيط ولتسهيل فهم مسألة الشروط في عقد النكاح اقرئي من
كتاب المغني لإلمام عبدهللا بن أحمد بن قدامة المقدسي .كتاب
النكاح مسالة قال ( وإذا تزوجها وشرط لها أن ال يخرجها من
دارها أو بلدها فلها شرطها لما روي عن النبي صلى هللا عليه
وسلم أنه قال {:احق ما أوفيتم به من الشروط }........إلى قوله
وال يجوز وقفه على شرط .وهذا قول الشافعي ،ونحوه عن
مالك ،وأبي عبيد .
ولتبسيط ولتسهيل فهم مسألة حكم الشروط المقترنة بالعقود في
الفقه اإلسالمي ،أي الشروط في عقد البيع الشروط الصحيحة
والفاسدة .أقرئي من كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد .لإلمام
ابن رشد القرطبي .كتاب البيوع الباب الرابع في بيوع الشروط
والثنيا من األول .إلى قوله :وكان زيد يقول :أجازه رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم .وقال أهل الحديث .ذلك غير معروف عن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم