Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 109

� n€a@

ÑÌäb �
� x� ã� õ�æa
ı� bflá€bi@

äá‰j€a@—�ÏÌ
‫جزء من كتاب‬
‫رضج بالدماء‬
‫التاريخ امل َّ‬

‫د‪ .‬يوسف البندر‬


‫‪2024‬‬
‫الفهرس‬
‫املقدمة‪3 .............................................................................................................‬‬
‫الضمري الحي والضمري امليت‪10 .............................................................................‬‬
‫رشيعة الضغينة وفقه الكراهية‪12 .........................................................................‬‬
‫يهود بني قينقاع‪14 ..............................................................................................‬‬
‫أبو العباس السفاح وبنو أمية ‪18 ...........................................................................‬‬
‫يزيد بن املهلب وخليفة املسلمني‪20 .....................................................................‬‬
‫خالد بن الوليد وأهل العراق ‪22 ............................................................................‬‬
‫عقبة بن نافع وشامل أفريقيا‪25 ............................................................................‬‬
‫الخليفة املهدي وابنه الرشيد‪28 .............................................................................‬‬
‫ارتداد العرب عن اإلسالم ‪30 ..................................................................................‬‬
‫معاذ بن جبل وأبو موىس األشعري‪33 ....................................................................‬‬
‫أبو عبيدة وبيت املقدس‪35 ..................................................................................‬‬
‫نهر الدم‪37 ..........................................................................................................‬‬
‫ثقافة قطع الرقاب ‪41 ...........................................................................................‬‬
‫الجزية‪ ..‬وظلم واضطهاد الشعوب ‪44 ....................................................................‬‬
‫بعد موت الصادق األمني‪46 ..................................................................................‬‬
‫النبي وحصون خيرب‪50 ..........................................................................................‬‬
‫كعب بن األرشف ‪53 .............................................................................................‬‬
‫مالك بن نويرة وخالد بن الوليد‪56 ........................................................................‬‬
‫التاريخ األسود الغربيب‪59 ....................................................................................‬‬
‫ثقافة حرق البرش‪61 .............................................................................................‬‬
‫برشين بالجنة ‪64 ....................................................................................‬‬ ‫ثروات امل ر‬
‫الحسن ‪ . .‬اإلمام املعصوم‪68 .................................................................................‬‬
‫أمري املؤمنني وأم املؤمنني‪70 ..................................................................................‬‬
‫اغتيال الشعراء‪74 .................................................................................................‬‬
‫قطع الرؤوس وصلب الجثث‪76 .............................................................................‬‬
‫السيف ‪ . .‬حجر أساس اإلسالم ‪78 ..........................................................................‬‬
‫قطع الطرق عىل القوافل‪81 ..................................................................................‬‬

‫‪1‬‬
‫تقطيع لحم األرسى ‪83 ..........................................................................................‬‬
‫النرض بن الحارث وعقبة بن أيب معيط‪86 ..............................................................‬‬
‫يهود بني النضري ‪88 ..............................................................................................‬‬
‫اغتيال أيب رافع ‪90 ................................................................................................‬‬
‫السلب والنهب‪ ..‬نهاراً جهارا ً‪93 .............................................................................‬‬
‫بني قريظة‪96 ......................................................................................................‬‬
‫بني املصطرلق‪99 ...................................................................................................‬‬
‫أم قرفة ‪102.........................................................................................................‬‬
‫رسايا وغزوات السنة السادسة للهجرة ‪105.............................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫املقدمة‬
‫إن هذا الكتاب‪ ،‬هو يف األصل مجموعة مقاالت كتبتها ونرشتها عىل مواقع‬
‫كتاب‬
‫التواصل اإلجتامعي‪ ،‬فاقرتح بعض القراء واملتابعني أنْ أجمعها يف ٍ‬
‫وأنرشها‪ ،‬خوفاً من فقدانها يف زحمة البيانات الرقمية الضخمة‪ ،‬وصفحات‬
‫اإلنرتنت املتشعبة‪ ،‬لتكون مرجعاً للقارئ ميكن العودة إليه‪ .‬فقمت‬
‫بتنقيحها وترتيبها لتكون أكرث وضوحاً‪ ،‬وأسهل فهامً‪.‬‬
‫لقد بدأت مهمتي هذه ومسرييت الصعبة املليئة باملواد القابلة لالشتعال‬
‫واالنفجار‪ ،‬املحاطة باأللغام الدينية واملتفجرات التاريخية‪ ،‬وأنا عىل يقني‬
‫أن هذه املنطقة وعر ٌة وخطرة‪ ،‬وعسري ٌة وعويصة‪ ،‬وشاق ٌة ومرهقة‪ ،‬ورمبا يف‬
‫يوم ما‪ ،‬سيحدث انفجا ٌر عظيم‪ ،‬يهز كل ما أملك‪ ،‬حيايت‪ ،‬عيشتي‪ ،‬عمري‪،‬‬
‫عائلتي‪ ،‬حارضي‪ ،‬مستقبيل!‬
‫لكن يف نفس الوقت‪ ،‬أعلم أن ما أقوم به من قراءة املخفي يف تلك الكتب‬
‫العفنة‪ ،‬والبحث ما بني سطور املجلدات اآلسنة‪ ،‬وتصفح أسفار التاريخ‬
‫املرضجة بالدماء‪ ،‬وصفحاته املليئة بالسيوف والرماح‪ ،‬وأوراقه املطرزة‬
‫بالرؤوس واألشالء‪ ،‬وعباراته املشحونة بالسبايا والعبيد‪ ،‬وكلامته امللطخة‬
‫جليل‬
‫ناجع مفي ٌد‪ ،‬ومه ٌم عظي ٌم ٌ‬
‫نافع ٌ‬ ‫بالعار والشنار! أعلم أن كل هذا ٌ‬
‫لألجيال القادمة‪ ،‬ألطفالنا وأبنائنا وأحفادنا‪ ،‬فكل ما أفعله يستحق الجهد‬
‫والتعب‪ ،‬والسهر والعناء‪ ،‬واإلرهاق واملشقة!‬
‫لهذا فقد سخرت كل طاقتي وقدريت‪ ،‬كل جهدي ومجهودي‪ ،‬كل همي‬
‫ووقتي‪ ،‬ألكتب ما قرأته‪ ،‬وأنرش ما وجدته‪ ،‬وأفضح ما اكتشفته! هديف من‬
‫هذا كله هو الحق والحقيقة‪ ،‬والصواب والسكينة‪ ،‬واإلطمئنان والطأمنينة!‬

‫‪3‬‬
‫أنا ال أدعي أين أملك الحقيقة املطلقة‪ ،‬وال أحتكر الحق والصواب‪ ،‬وال أستأثر‬
‫بالثابت اليقني‪ ،‬لكنني متأكد أين قرأت التاريخ وقلبت صفحاته بعق ٍل‬
‫ومنطق‪ ،‬وبيانٍ وحجة‪ ،‬وطالعت أسفاره بتفكري واستدالل‪ ،‬وتبرص‬
‫وإستنباط‪ ،‬بعيدا ً عن الغريزة والعاطفة واالنحياز‪ ،‬قريباً من املنطق والعقل‬
‫والحياد‪ ،‬ألمتكن من التمييز بني الخري والرش‪ ،‬والحق والباطل‪ ،‬والصدق‬
‫واإلفرتاء!‬
‫فليس لدي عدا ٌء وال نزا ٌع مع أحد‪ ،‬وال كر ٌه وال ضغينة‪ ،‬وال شجا ٌر وال‬
‫غض وال ثأر! فيا سيديت ويا سيدي‪ ،‬أنا أقوم بقراءة التاريخ‬ ‫خصومة‪ ،‬وال ب ٌ‬
‫والرتاث وأسفار الدين‪ ،‬بعيدا ً عن أكاذيب الشيوخ‪ ،‬وترهات الجوامع‪ ،‬ثم‬
‫أقدمه إليكم عىل طبقٍ من ذهب‪ ،‬بطريق ٍة سهل ٍة وبسيطة‪ ،‬وواضح ٍة‬
‫ورصيحة‪ ،‬فام أطلبه منكم‪ ،‬هو أن تقرأوا ما أنرشه برتوي‪ ،‬وتتصفحوا ما‬
‫أكتب ه بتأين‪ ،‬فكل ما أدونه هنا مدعوماً باملصادر‪ ،‬وموثقاً باملراجع‪.‬‬
‫لقد كنت مسلامً‪ ،‬متديناً‪ ،‬ملتزماً‪ ،‬ال اقرأ إال القرآن‪ ،‬وال أتلو إال الصالة‪ ،‬أنتمي‬
‫بلد يدين باإلسالم‪ ،‬وترعرعت فيه‪ ،‬وصليت يف‬ ‫ألرس ٍة مسلمة‪ ،‬ولدت يف ٍ‬
‫جوامعه‪ ،‬ودرست يف مدارسه وكلياته‪ ،‬فمنذ نعومة أظافري‪ ،‬تشبعت‬
‫بتعاليم اإلسالم ورشيعته‪ ،‬وفقه الدين وأصوله‪ ،‬فكل ثقافتي من تلك البيئة‪،‬‬
‫وكل عادايت من ذلك املحيط‪ ،‬وكل التقاليد واألعراف قد ورثتها كابرا ً عن‬
‫كابر‪ ،‬ومن جيلٍ إىل جيل!‬
‫فكنت منهمكاً يف قراءة القرآن يومياً‪ ،‬مواظباً عىل الصالة بكل جوارحي‪،‬‬
‫دؤوباً عىل الصيام بكل قواي‪ ،‬مثابرا ً‪ ،‬متوصالً‪ ،‬عاكفاً‪ ،‬فأتذكر أين ختمت‬
‫القرآن بأكمله أكرث من سبعني مرة خالل خمس سنوات فقط!‬

‫‪4‬‬
‫لكن يف بداية عام ‪ 2010‬جنحت إىل طريقٍ آخر‪ ،‬واتبعت منهجاً جديدا ً‪،‬‬
‫فقررت أن أبدأ يف قراءة تفسري القرآن‪ ،‬وأسفار التاريخ‪ ،‬وكتب السرية‪،‬‬
‫ومجلدات السنن‪ ،‬وصحاح الحديث! ألنني‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬واجهت صعوب ًة يف‬
‫فهم بعض كلامت القرآن‪ ،‬ومشق ًة يف تفسري جز ٍء من عباراته‪ ،‬وتعرسا ً يف‬
‫قسم من نصوصه‪ ،‬وكنت حينها جاهالً يف تاريخ الدين وتأسيسه‪،‬‬ ‫إدراك ٍ‬
‫وسرية الرسول وحياته‪ ،‬وسنة النبي وأصحابه!‬
‫فقررت يف تلك املرحلة من حيايت‪ ،‬أن اقرأ تاريخ أجدادي‪ ،‬تاريخ ديني‪،‬‬
‫السبي واإلماء‪ ،‬تاريخ‬
‫تاريخ قرآين‪ ،‬تاريخ نبيي‪ ،‬تاريخ الرق والجواري‪ ،‬تاريخ ر‬
‫املعارك والحروب‪ ،‬تاريخ الغزو واإلحتالل‪ ،‬تاريخ القتل والذبح‪ ،‬تاريخ‬
‫سست يف رمال الصحراء!‬
‫السلب والنهب‪ ،‬تاريخ تلك الدولة التي أ ْ‬
‫وكانت طريقتي يف القراءة‪ ،‬أ ْن أقرأ جزءا ً من كتابٍ ما‪ ،‬ثم أنتقل إىل جز ٍء‬
‫كتاب آخر‪ ،‬يف نفس اليوم‪ ،‬رمبا ثالثة إىل أربعة كتب! فكنت أقرأ مئة‬ ‫من ٍ‬
‫صفحة من كتاب تفسري القرآن للطربي يومياً‪ ،‬فأكملته بعد ستة أشهر‬
‫تقريباً‪ ،‬ويف نفس اليوم جزءا ً آخر من كتاب البداية والنهاية للمؤرخ ابن‬
‫كثري‪ ،‬وجزءا ً آخر من كتاب السرية للمؤرخ ابن هشام‪ ،‬حيث كان اليوم‬
‫بكتب أخرى! لقد‬
‫ٍ‬ ‫مقسامً عىل عدة كتب‪ ،‬حتى أنهي هذه الكتب‪ ،‬ألبدأ‬
‫احتجت الكثري من الوقت والعمل‪ ،‬والطاقة واملثابرة‪ ،‬والجهد واملواظبة‪،‬‬
‫واملشقة واملكابدة‪ ،‬إنه عمر وسنني‪ ،‬وشباب وشيب‪ ،‬وبياض شع ٍر وتجاعيد!‬
‫هكذا داومت عىل البحث يف أسفار التاريخ‪ ،‬وواصلت الليل بالنهار قراء ًة‬
‫وتنقيباً‪ ،‬وفحصاً وتدقيقاً‪ ،‬ونبشاً وتفتيشاً‪ ،‬فإستأنفت وإسرتسلت‬
‫وإستطردت‪ ،‬فكنت أقيض ما يقارب من خمس عرشة ساع ًة يومياً يف‬
‫تب وأوراق‪ ،‬وقراطيس‬ ‫القراءة‪ ،‬وعىل مدار سنوات‪ ،‬فصار يومي عبارة عن ك ٍ‬

‫‪5‬‬
‫تحولت إىل وجبتني فقط‪ ،‬لكسب‬
‫ْ‬ ‫وأقالم‪ ،‬حتى وجبات الطعام الثالثة قد‬
‫أصبحت عاد ًة مالزمة يل!‬
‫ْ‬ ‫الوقت‪ ،‬فتعودت عىل ذلك حتى‬
‫فتتبعت الكلامت واملعاين‪ ،‬وتقصيت العبارات والجمل‪ ،‬وتأملت فحوى‬
‫القول‪ ،‬وفكرت مبغزى الكالم‪ ،‬فلم أهم ْل صفح ًة‪ ،‬ومل أغف ْل ورق ًة‪ ،‬ومل أسته ْن‬
‫بحديث‪ ،‬ومل أتكاسل يوماً‪ ،‬ومل أتقاعس لحظ ًة!‬‫ٍ‬ ‫أستخف‬
‫ْ‬ ‫اب‪ ،‬ومل‬
‫بكت ٍ‬
‫ويت السنوات رسيعاً‪،‬‬
‫وإنقضت الليايل‪ ،‬وط ْ‬
‫ْ‬ ‫ومضت األيام‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فمرتْ الساعات‪،‬‬
‫وبانت األرسار والخفايا!‬
‫ْ‬ ‫فكشف املستور‪ ،‬وأفيش املكتوم‪ ،‬وأشيع املكنون‪،‬‬
‫فأصبح الكذب مكشوفاً‪ ،‬وأضحى الظلم جلياً‪ ،‬وبات الجور واضحاً! فعرفت‬
‫ما وراء الستار‪ ،‬وأدركت ما خلف الكواليس!‬
‫لقد شعرت وكأين كنت أعمى رضيرا ً‪ ،‬وطليساً كفيفاً‪ ،‬وكأين مل أكن أسمع‪،‬‬
‫فكنت أطرشاً أصامً‪ ،‬فتفاجئت إرتباكاً‪ ،‬وتحريت إضطراباً‪ ،‬وتوترت اختالجاً‪،‬‬
‫لقد أضعت أيامي‪ ،‬وخرست سنوايت‪ ،‬يف بهتانٍ وزورٍ‪ ،‬وغش وخداعٍ‪ ،‬ودج ٍل‬
‫ونفاقٍ !‬
‫إنها لعب ٌة كبرية‪ ،‬وخدع ٌة ودسيسة‪ ،‬وتواطؤ ومكيدة‪ ،‬وغسيل دما ٍغ‪ ،‬وتلقني‬
‫وإكراه! لقد قتلت املوضوع بحثاً وتنقيباً‪ ،‬ودرسته من جميع جوانبه‪،‬‬
‫وتعمقت فيه‪ ،‬فتبحرت‪ ،‬وتوسعت‪ ،‬وأوغلت‪ ،‬فلم أجد دليالً واحدا ً ألستند‬
‫دليل وال برهان‪ ،‬وال حج ٌة وال بيان‪،‬‬
‫دليل أرتكز عليه‪ ،‬ارتكن إليه‪ ،‬فال ٌ‬
‫إليه‪ٌ ،‬‬
‫يثبت أقوالهم أو يرسخ إدعاءهم‪.‬‬
‫أنا متأكد أين قرأت التاريخ بإمعانٍ ودقة‪ ،‬وبحثت فيه بإفر ٍاط وإتقان‪،‬‬
‫وفتشت فيه بإجاد ٍة وإحكام‪ ،‬فأدركت وإستخلصت وإستنبطت‪ ،‬مستخدماً‬
‫العقل واملنطق‪ ،‬ال القلب والعاطفة‪ ،‬يف تحليل احداثه البشعة‪ ،‬وإستخالص‬

‫‪6‬‬
‫حقائقه املؤملة‪ ،‬وإستنباط دروسه القاسية‪ ،‬ونقد شخصياته السمجة‪ ،‬وإ ْن‬
‫كانت مقدسة عند اآلخرين!‬
‫ْ‬
‫بعد أن أنهيت رحلتي بني هذا التاريخ وذاك التاريخ‪ ،‬صدمت مبئات األسئلة‬
‫التي اثريتْ ‪ ،‬وبدأتْ ترصخ وتستغيث‪ ،‬وتصيح صياحاً شديدا ً‪ ،‬مطالبة‬
‫ٍ‬
‫وتفسريات مقنعة‪ ،‬لجرائم هذا التاريخ‪ ،‬لكن بال جدوى‬ ‫بأجوب ٍة منطقية‪،‬‬
‫وال فائدة!‬
‫فقررت أن أكتب ما توصلت إليه‪ ،‬وأنرش الحقيقة الغائبة‪ ،‬والتاريخ املغيب‪،‬‬
‫وسأركز هنا يف هذا الكتاب عىل الغزو واإلحتالل‪ ،‬والقتل والذبح‪ ،‬والسلب‬
‫والنهب‪ ،‬والسبي واإلماء‪ ،‬والجواري وإستعباد البرش‪ ،‬وكيف تم قطع‬
‫الرؤوس‪ ،‬وبقر البطون‪ ،‬ومتزيق األشالء‪ ،‬عىس ولعل ما أذكره هنا يدفع بعض‬
‫البرش‪ ،‬أويل األلباب‪ ،‬للتأمل والتبرص‪ ،‬والتفكر والتدبر‪ ،‬والبحث والتقيص‪،‬‬
‫وإدامة النظر‪ ،‬وإعامل العقل!‬
‫يف أغلب األحيان‪ ،‬حينام يقرأ املسلم املغيب ما أكتبه بقلمي‪ ،‬من انتقاد‬
‫اإلسالم ورشيعته‪ ،‬وإظهار تاريخه‪ ،‬وإفشاء أرساره‪ ،‬وبيان مساوئه وتعاليمه‪،‬‬
‫وتوضيح حقيقة رسوله وخلفائه‪ ،‬وعرض همجية القرآن وفظاظته‪ ،‬وكشف‬
‫ظلم التاريخ وجوره‪ ،‬وإيضاح إجحاف الدين وطغيانه‪ ،‬بعد أن يقرأ كل‬
‫هذا‪ ،‬يعلق معرتضاً‪ ،‬ويكتب محتجاً‪ ،‬وينطق قائالً‪ :‬تل رْك أ َّم ٌة قر ْد رخل ْرت لر رها رما‬
‫ك ررسبر ْت رولركم َّما ك ررسبْت ْم رو رال ت ْسأرلو رن رع َّام كرانوا ير ْع رملونر!‬
‫ال يعلم هذا املسكني املغيب‪ ،‬أن تلك األمة مل تخلو‪ ،‬ومل متيض‪ ،‬ومل ترحل‪،‬‬
‫فام زالت تعيش بني ظهرانينا‪ ،‬إنها تأكل معنا‪ ،‬ترشب معنا‪ ،‬تتحدث معنا‪،‬‬
‫تخربنا‪ ،‬تأمرنا‪ ،‬تفرض علينا‪ ،‬تتدخل بكل صغرية وكبرية‪ ،‬مبأكلنا ومرشبنا‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫مبلبسنا وهيئتنا‪ ،‬بعاداتنا وتقاليدنا‪ ،‬حتى بكيفية دخولنا الحامم! إنها تقتلنا‬
‫بأفكارها‪ ،‬وتذبح أطفالنا‪ ،‬وتدمر حارضنا ومستقبلنا‪.‬‬
‫تلت يف سبتمرب عام ‪ 2022‬هي أقرب‬ ‫والفتاة اإليرانية "مهسا أميني" التي ق ْ‬
‫تلت هذه الفتاة بسبب‬ ‫خلت! ق ْ‬‫مثال عىل تأثري تلك األمة التي ت َّدعون إنها ْ‬
‫مالبسها‪ ،‬بسبب هيئة حجابها‪ ،‬فتلك األمة مل يعجبها شكل ووضعية‬
‫تلت‬
‫تلت بأوامر القرآن وسنة نبي القرآن‪ ،‬ق ْ‬ ‫بدم بارد! ق ْ‬
‫الحجاب‪ ،‬فتم قتلها ٍ‬
‫تلت بأيادي تلك األمة أيها الناس‪ ،‬األمة التي‬
‫بأوامر اإلله ورشيعة السامء‪ ،‬ق ْ‬
‫خلت!‬
‫ت َّدعون إنها قد ْ‬
‫مت عام ‪2014‬‬ ‫ورحلت‪ ،‬قا ْ‬
‫ْ‬ ‫ومضت‬
‫ْ‬ ‫تلك األمة‪ ،‬التي تظنون أنها قد خلت‬
‫وذبحت شبابها‪ ،‬من الديانة‬ ‫ْ‬ ‫فقتلت رجالها‬
‫ْ‬ ‫بغزو مدينة املوصل العراقية‪،‬‬
‫وسلبت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫واغتصبت فتياتها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وسبت نساءها‪ ،‬واستعبدتْ أطفالها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫األيزيدية‪،‬‬
‫وطحنت!‬
‫ْ‬ ‫وسحقت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫مت‪،‬‬ ‫بت‪ ،‬ودمرتْ ‪ ،‬وهش ْ‬‫ونهبت‪ ،‬وأحرقت‪ ،‬وخر ْ‬
‫ْ‬
‫خلت! أيها السادة‪ ،‬ابعدوا أمتكم‬
‫كل هذا وما زلتم تدعون إن تلك األمة قد ْ‬
‫هذه عن الناس‪ ،‬ابعدوا قرآنكم ونبيكم ورشيعتكم عن املجتمع! ابعدوا‬
‫همجيتكم ووحشيتكم ودعشنتكم عن البرش! حينها سنتأكد إنها أم ٌة قد‬
‫خلت‪ ،‬وسرنفع عنها أقالمنا‪ ،‬وسنتوقف عن نقدها‪ ،‬ونحجم عن ذكرها!‬ ‫ْ‬
‫منذ أربعة عرش قرناً‪ ،‬يكذبون‪ ،‬ميكرون‪ ،‬يدلسون‪ ،‬يزورون‪ ،‬يزيفون! دجلوا‬
‫علينا‪ ،‬تحايلوا علينا‪ ،‬دلسوا علينا‪ ،‬فكتبوا كذباً وتضليالً‪ ،‬وسطروا غشاً‬
‫وإفرتا ًء‪ ،‬ونقطوا مكرا ً ونفاقاً!‬

‫‪8‬‬
‫منذ أربعة عرش قرناً‪ ،‬يقتلون‪ ،‬يذبحون‪ ،‬يأرسون‪ ،‬يسلبون‪ ،‬ينهبون‪ ،‬يغنمون!‬
‫فغزوا األرايض‪ ،‬وقطعوا الرقاب‪ ،‬وبقروا البطون‪ ،‬ومزقوا األشالء‪ ،‬وسلبوا‬
‫البيوت‪ ،‬ونهبوا الناس‪ ،‬وحرقوا‪ ،‬وخربوا‪ ،‬ودمروا‪ ،‬وهدموا!‬
‫بيت‬
‫منذ أربعة عرش قرناً‪ ،‬يرسبون‪ ،‬ينكحون‪ ،‬يغتصبون‪ ،‬يستعبدون! فس ْ‬
‫يعت الجواري‪ ،‬واستعبد‬
‫كحت الرساري‪ ،‬وب ْ‬
‫غتصبت اإلماء‪ ،‬ون ْ‬
‫ْ‬ ‫النساء‪ ،‬وا‬
‫األطفال‪ ،‬فزاد العبيد‪ ،‬وكرث الرقيق!‬
‫لقد حرشوا يف عقول نا ما يريدون‪ ،‬منذ أن كنا أطفاالً‪ ،‬فال ندري‪ ،‬وال نشعر‪،‬‬
‫وال نعلم‪ ،‬وال نفهم‪ ،‬وال ندرك! فنقعوا عقولنا بإميانهم األعمى‪ ،‬وراحوا يبنون‬
‫قصورهم الواهنة وعروشهم الهزيلة‪ ،‬وأعلنوا أساطريهم وخزعبالتهم‬
‫وتفاهاتهم دينا ً ورشيع ًة وعقيدة!‬
‫فرنص رب كل واح ٍد منهم نفسه إماماً‪ ،‬حكيامً‪ ،‬خبريا ً‪ ،‬عليامً! فاهامً بكل يشء‪،‬‬
‫عارفاً بأي يشء‪ ،‬بصريا ً متضلعاً‪ ،‬فقيهاً محنكاً‪ ،‬فريدا ً متميزا ً! فكفاكم دجالً‬
‫وكفانا خنوعاً‪ ،‬فكم كنا مخدوعني‪ ،‬وكم كنا مغيبني! فسحقاً لكم‪ ،‬وتباً لكم‪،‬‬
‫وبعدا ً لكم!‬
‫يف الختام‪ ،‬أود أن أقول إن ما أكتبه يف هذا الكتاب‪ ،‬ما هو إال نبذة بسيطة‬
‫من الجرائم التي حدثت يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وكل ما أسطره هنا يف هذه‬
‫الصفحات‪ ،‬موجو ٌد يف أهم الكتب واملراجع اإلسالمية‪ ،‬التي تدرس للطلبة‬
‫يف الكليات والجامعات‪ ،‬والتي ينهل منها خطباء الجوامع وأمئة املساجد‬
‫علومهم وخطبهم‪ ،‬وأحاديثهم وأقوالهم‪.‬‬
‫يقول الكاتب الشهري دوستوفيسيك‪ :‬الكذب عىل أنفسنا ذو أث ٍر أعمق بكثري‪،‬‬
‫من الكذب عىل اآلخرين!‬

‫‪9‬‬
‫الضمري الحي والضمري امليت‬

‫حينام تتصفح أسفار التاريخ‪ ،‬وتقرأ ما حدث يف غزوات النبي محمد‪ ،‬وما‬
‫سلب ونهب‪ ،‬ورسق ٍة وسطو‪ ،‬وا ٍ‬
‫نتهاب وإبتزاز‪ ،‬وحينام‬ ‫فعل يف رساياه‪ ،‬من ٍ‬
‫تطالع سرية الصادق األمني‪ ،‬وتجدها مليئ ًة بالظلم واإلضطهاد‪ ،‬والجور‬
‫واإلجحاف‪ ،‬والقهر واإلستبداد‪ ،‬وبعد كل هذا‪ ،‬مل يتمكن ضمريك من‬
‫مصاب‬
‫ٌ‬ ‫استحسان الحسن‪ ،‬واستقباح القبيح‪ ،‬فاعلم حينها يا سيدي أنك‬
‫مبرض يدعى الالإنسانية!‬
‫حينام تقلب صفحات الكتب‪ ،‬وتتصفح أخبار التاريخ‪ ،‬وتدرك مفاهيم‬
‫وسبي‬
‫ٍ‬ ‫الجمل‪ ،‬وتفهم معاين الكلامت‪ ،‬وتقرأ ما حدث من قتلٍ وذبح‪،‬‬
‫واغتصاب‪ ،‬ورقٍ وإستعباد‪ ،‬وبعد كل هذا‪ ،‬متر مرور الكرام‪ ،‬وتقلب الصفحة‬
‫بال شعو ٍر وال إحساس‪ ،‬وال شفقة وال عاطفة‪ ،‬بال تأنيب ضمري‪ ،‬وال عذاب‬
‫ضمري‪ ،‬وال وجع ضمري‪ ،‬فا علم حينها يا سيدي أنك فاقد الضمري‪ ،‬معدوم‬
‫الضمري‪ ،‬ميت الضمري!‬
‫بت كبشاعة وشناعة ضمريك يا سيدي‪ ،‬وقباحة‬‫فبشاعة الجرائم التي أرتك ْ‬
‫خت أفكارك‪،‬‬
‫السلب والنهب كسامجة قلبك ودمامة شعورك‪ ،‬فقد مس ْ‬
‫ست رسيرتك‪ ،‬لقد فقدتر الذمة والوجدان يا‬
‫وهت مفاهيمك‪ ،‬وطم ْ‬ ‫وش ْ‬
‫سيدي‪ ،‬من حيث ال تعلم‪ ،‬وخرستر املهجة والنجوى من حيث ال تدري!‬
‫أرجو أن تبحث عن ضمريك‪ ،‬ستجد أنه ليس نقياً‪ ،‬ليس صادقاً‪ ،‬ليس يقظاً‪،‬‬
‫كرم‪ ،‬وال دماث ٍة‪ ،‬وال سامحة! وت رف رحص‬
‫وفتش عن أخالقك‪ ،‬ستجد أنها بال ٍ‬
‫نفسك‪ ،‬ستجد أنها بال روحٍ‪ ،‬وال سع ٍة‪ ،‬وستكتشف أنك تلفظ أنفاسك‬

‫‪10‬‬
‫األخرية‪ ،‬فأنت بال ضمريٍ‪ ،‬وال ذم ٍة‪ ،‬وال أخالق‪ ،‬يف الحقيقة أنت ٌ‬
‫ميت يا‬
‫سيدي‪ ،‬من حيث ال تعلم!‬
‫إن االحساس والشعور بالخوف أو التوجس‪ ،‬ميكن أن يجعلك مرتددا ً متحريا ً‪،‬‬
‫ومينعك من القيام بالكثري من األشياء‪ ،‬كالتفكري والتدبر‪ ،‬والبحث والتبرص‪،‬‬
‫والتقيص والتأمل‪ ،‬فالخوف يقيدك بسالسلٍ حديدية‪ ،‬وأصفا ٍد فوالذية‪،‬‬
‫وأغالل يف األعناق‪ ،‬وقيود وأقياد‪ ،‬تعيق حركتك‪ ،‬وتبطل سمعك‪ ،‬ومتنع‬ ‫ٍ‬
‫برصك‪ ،‬وتقيض عىل شعورك!‬
‫لكن مبجرد أن تتغلب عىل مخاوفك‪ ،‬وتهزم ذعرك‪ ،‬ستجد أنك قاد ٌر عىل‬
‫القيام بكل ما تريد‪ ،‬قاد ٌر عىل النقد واالعرتاض‪ ،‬عىل الرفض واإلحتجاج‪،‬‬
‫متمك ٌن من التصدي واإلستهجان‪ ،‬من الشجب واإلستنكار‪ ،‬رافضاً‬
‫أساطريهم‪ ،‬مستنكرا ً خزعبالتهم‪ ،‬تاركا ً خرافاتهم!‬
‫بالتايل ستصبح حرا ً طليقاً من كل هذه القيود واألغالل‪ ،‬تفكر بعقلك ال‬
‫بعقلهم‪ ،‬وتنطق بلسانك ال بلسانهم‪ ،‬وتكتب بقلمك ال بقلمهم‪ ،‬فال تكن‬
‫مكبالً مقيدا ً‪ ،‬وال عبد ا ً أسريا ً‪ ،‬وال رقيقا ً مملوكاً‪ ،‬وال سجينا ً حبيساً‪ ،‬وكن حرا ً‬
‫سيدا ً‪ ،‬عظيامً رشيفاً‪ ،‬عزيزا ً نجيباً‪ ،‬زعيامً وجيهاً‪.‬‬
‫فاقرأ وال تخىش أحدا ً‪ ،‬وابحث وإستقص الحقائق‪ ،‬وفتش ونقب أسفار‬
‫التاريخ‪ ،‬وافحص وتأمل سطورها‪ ،‬وتوغل يف أدغالها‪ ،‬وت رغل رغل يف أقاصيها‪،‬‬
‫واخرتق مناطقها املظلمة‪ ،‬ونر ْل منها نصيباً وافياً‪ ،‬عىس ولعلك تزيح الغبار‬
‫عن عينك‪ ،‬وتهزم خوفك‪ ،‬وتكرس شوكته‪ ،‬وتكتسح مخافتك املعرفية‪،‬‬
‫وتسحق توجسك وخشيتك!‬

‫‪11‬‬
‫رشيعة الضغينة وفقه الكراهية‬

‫ينص فقه الدين الذي جاء رحمة للعاملني عىل أن الجهاد يف سبيل الله‬
‫نوعان‪ :‬جهاد الطلب وجهاد الدفع! جهاد الطلب هو أنْ تطلب الكفار يف‬
‫عقر دارهم‪ ،‬وقتالهم إذا مل يقبلوا الخضوع إىل حكم اإلسالم!‬
‫وحث نبي الرحمة‪ ،‬النبي محمد‪ ،‬املسلمني عىل الجهاد‪ ،‬وشجعهم عىل‬
‫باب من أبواب الجنة ينجي‬
‫القتال‪ ،‬قائالً‪ :‬جاهدوا يف سبيل الله فإن الجهاد ٌ‬
‫الله به من الهم والغم!‬
‫وقال صاحب املقام املحمود وزعيم األمة‪ :‬إنَّ ذروة سنام اإلسالم الجهاد يف‬
‫سبيل الله‪ ،‬إمنا أمرت أنْ أقاتل الناس حتى يقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة‬
‫ويشهدوا أنَّ ال إله إال الله وأنَّ محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬فاذا فعلوا ذلك فقد‬
‫عصموا دماءهم وأموالهم!‬
‫وقال الصادق األمني‪ :‬إن أفضل عمل املؤمنني جها ٌد يف سبيل الله! وذكر إ َّن‬
‫سيد املرسلني قد قال‪ :‬إذا خرج الغازي يف سبيل الله جعلت ذنوبه جرسا ً‬
‫عىل باب بيته‪ ،‬فاذا خلفه‪ ،‬خلف ذنوبه كلها‪ ،‬فلم يبقى عليه منها مثل‬
‫جناح بعوضة!‬
‫ويروى إن خاتم األنبياء وخري البرش قال مفتخرا ً‪ :‬إن لكل أمة رهبانية‪،‬‬
‫ورهبانية هذه األمة الجهاد يف سبيل الله! وقال أيضاً‪ :‬رهبانية أمتي الرباط‬
‫يف نحور العدو!‬
‫ويذكر أن صاحب النسب األشهر‪ ،‬وصاحب الدين األظهر حث عىل الجهاد‬
‫قائالً‪ :‬الخيل معقو ٌد يف نواصيها الخري إىل يوم القيامة‪ ،‬ال تزالون بخري ما دام‬
‫‪12‬‬
‫جهادكم خرض! وقال الضحوك القتال‪ :‬رم ْن خرج غازياً فامت‪ ،‬كتب له أجر‬
‫الغازي إىل يوم القيامة!‬
‫فالحياة عند النبي محمد وإمام املتقني‪ ،‬مجرد غزو‪ ،‬وقتل‪ ،‬وذبح‪ ،‬والرباط‬
‫نهب‪ ،‬وسبي‪،‬‬
‫سلب‪ ،‬و ٍ‬
‫يف نحور العدو! وهدف الحياة من وجهة نظره سوى ٍ‬
‫وإما ٍء‪ ،‬وعبيد!‬
‫ملاذا جعل هذا الرجل الغزو والرسقة واللصوصية سنام اإلسالم؟ ملاذا رش ع‬
‫رضب رقاب البرش وتقطيع أشالءهم‪ ،‬واعت َّرب هذا الفعل ينجي من الهم‬
‫جعل أفضل أعامل املؤمنني ذبح االخرين وقطع رقابهم؟‬
‫والغم؟ ملاذا َّ‬
‫ملاذ دعا إىل ثقافة الكراهية والبغضاء‪ ،‬وفقه الحقد والضغينة‪ ،‬ورشيعة‬
‫املقت والعداوة؟ ملاذا حرض املسلمني عىل القتل‪ ،‬والنهب‪ ،‬والسلب‪،‬‬
‫واللصوصية‪ ،‬والبلطجة؟ حتى جعلهم يكرهون كل االديان وامللل‬
‫والشعوب! وانتهى بهم الحال إىل كره بعضهم بعضاً!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ /‬نور الدين الهيثمي‪ /‬باب الجهاد‪ /‬دار املأمون للرتاث‪/‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫تفسري الدر املنثور يف التفسري املأثور‪ /‬جالل الدين السيوطي‪ /‬دار الفكر‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫املعجم الكبري‪ /‬الحافظ أيب القاسم الطرباين‪ /‬مكتبة ابن تيمية للنرش‪ /‬القاهرة‪.‬‬
‫مسند أحمد‪ /‬اإلمام أحمد بن حنبل‪ /‬مؤسسة الرسالة‪ /‬بريوت‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يهود بني قينقاع‬

‫يف السنة الثالثة من الهجرة‪ ،‬وبعد انتصار املسلمني عىل قريش يف غزوة‬
‫بدر‪ ،‬جمع النبي محمد يهود بني قينقاع يف سوقهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا معرش‬
‫ٍ‬
‫بقريش من النقمة وأسلموا!‬ ‫اليهود‪ ،‬احذروا من الله مثل ما نزل‬
‫هنا يخري نبي الرحمة اليهود بني اإلسالم أو القتل! فهو يهددهم بالقتل‬
‫والذبح كام قتل أهل قريش يف بدر! وبدون أي سبب يذكر! السؤال هنا‪:‬‬
‫أين ذهبت اآلية "لرك ْم دينك ْم رو ريل دين" وأين اختفت اآلية "فر رمن شر ا رء‬
‫فرلْي ْؤمن رو رمن شر ا رء فرلْ ريكْف ْر"؟‬
‫فقالوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنك ترى أنا قومك! ال يغرنك أنك لقيت قوماً ال علم لهم‬
‫بالحرب‪ ،‬فأصبت منهم فرص ًة‪ ،‬إنا والله لنئ حاربناك لتعلمن أنا الناس‪.‬‬
‫مت لسوق بني قينقاع‪،‬‬
‫فحدث أن امرأةً‪ ،‬زوجة أحد املسلمني األنصار‪ ،‬قد ْ‬
‫وجلست إىل صائغ هناك منهم‪ ،‬فعمد الصائغ إىل طرف ثوبها فعقده إىل‬
‫رجل‬
‫فصاحت‪ ،‬فوثب ٌ‬
‫ْ‬ ‫قامت انكشفت سوأتها‪ ،‬فضحكوا منها‪،‬‬
‫ظهرها‪ ،‬فلام ْ‬
‫من املسلمني عىل الصائغ اليهودي فقتله‪ ،‬فشدتْ اليهود عىل املسلم‬
‫فقتلوه!‬
‫لو متعنا يف هذه الرواية لوجدنا أن اسلوبها يختلف عن الروايات اإلسالمية‬
‫األخرى! حيث مل تذكر اسم هذه املرأة‪ ،‬وال اسم زوجها االنصاري‪ ،‬وال اسم‬
‫الرجل املسلم‪ ،‬وال اسم الرجل اليهودي الذي قتل‪ ،‬وال اسم الصائغ! عكس‬
‫كل الروايات االخرى التي تذكر كل االسامء واأللقاب! أي إنها رواي ٌة زئبقية‪،‬‬
‫وحكاي ٌة غامضة‪ ،‬وقص ٌة مبهمة‪ ،‬رمبا قد تم فربكتها من قبل املسلمني إليجاد‬

‫‪14‬‬
‫حجة لغزو بني قينقاع‪ ،‬وقتل رجالهم‪ ،‬ونهب بيوتهم‪ ،‬وسلب أموالهم‪،‬‬
‫واغتصاب نسائهم !‬
‫فحارصهم النبي محمد خمس عرشة ليلة‪ ،‬حتى نزلوا عىل حكمه‪ ،‬فكتفوا‬
‫وهو يريد قتلهم‪ ،‬فقام إليه عبد الله بن أيب بن سلول فكلمه فيهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا محمد‪ ،‬أحسن يف موايل‪ ،‬وكانوا حلفاء الخزرج‪ ،‬فأعرض عنه زعيم األمة‪،‬‬
‫فأدخل ابن سلول يده يف جيب درع محمد‪ ،‬فمسكه بقو ٍة‪ ،‬فقال له محمد‪:‬‬
‫أرسلني‪ ،‬أي اتركني‪ ،‬وغضب سيد البرش حتى رأوا لوجهه ظلرالً‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك‬
‫أرسلني!‬
‫فلم يستجب ابن سلول‪ ،‬واستمر ماسكاً محمدا ً‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ال والله ال‬
‫رس وثالمثئة دارعٍ‪ ،‬قد منعوين من‬‫أرسلك حتى تحسن يف موايل‪ ،‬أربعمئة حا ٍ‬
‫األحمر واألسود‪ ،‬تحصدهم يف غدا ٍة واحد ٍة‪ ،‬إين والله امر ٌؤ أخىش الدوائر‪.‬‬
‫فقال له محمد‪ :‬هم لك‪ ،‬خلوهم‪ ،‬لعنهم الله‪ ،‬ولعنه معهم‪.‬‬
‫بعدها استوىل خاتم األنبياء والرسل يعاونه الصحابة األجالء ريض الله عنهم‬
‫أجمعني عىل كل أموال بني قينقاع وعىل بيوتهم ومتاعهم وأراضيهم! وأخذ‬
‫سالح كثري‪ ،‬وآلة صياغتهم‪ .‬وتم تهجريهم وإخراجهم من مدينة يرثب‬ ‫منهم ٌ‬
‫النبي الغنيمة بني أصحابه‬
‫بنسائهم وأطفالهم إىل أرض الشام‪ .‬فقسم ُّ‬
‫و رخمسها‪ ،‬وكان هذا أول خمس أخذه سيد الخلق أجمعني‪.‬‬
‫أراد القتال الضحوك أن يرضب أعناق سبعمئة رجلٍ يف ٍ‬
‫يوم واحد‪ ،‬ألن رجالً‬
‫ربط ثوب امرأة لظهرها‪ ،‬مع العلم أن هذا الرجل قد قتل من قبل أحد‬
‫املسلمني‪ .‬فلامذا ال يحاسب ذلك الرجل إنْ كان عىل قيد الحياة؟ وإ ْن كان‬
‫قد قتل‪ ،‬فقد انتهت املشكلة!‬

‫‪15‬‬
‫لقد احتضن أهل يرثب محمدا ً حينام كان هارباً‪ ،‬ضعيفاً‪ ،‬ذليالً‪ ،‬وعندما‬
‫جمع حوله الصعاليك وقاطعي الطرق‪ ،‬أصبح جائرا ً‪ ،‬ظاملاً‪ ،‬غادرا ً‪ .‬فذبح‬
‫قسامً من أهل يرثب‪ ،‬وهجر القسم اآلخر!‬
‫أهذا هو العدل الذي يتحدث به رجال الدين‪ ،‬ويتبجح به أمئة املساجد‪،‬‬
‫ويفتخر به معظم املسلمني املغيبني‪ .‬أم هذا هو القسط واإلنصاف الذي‬
‫يتغنى به الجهلة‪.‬‬
‫كيف تقتل قبيل ٌة كاملة‪ ،‬والسبب أن أحد رجالها إقرتف خطأً‪ ،‬أو أرج رر رم ذنباً‪،‬‬
‫فيذبح كل رجالها‪ ،‬وتسبى كل نسائها‪ ،‬ويستعبد كل أطفالها‪ .‬ثم يهجر كل‬
‫بني قينقاع من بيوتهم وأرض أجدادهم‪ ،‬فتم تشتيت شملهم‪ ،‬وتفريق‬
‫أمرهم‪.‬‬
‫قليل من الحق أيها الناس‪ ،‬ونتف ٌة من الوجدان أيها القوم‪ ،‬هل فقد الضمري‪،‬‬
‫ٌ‬
‫زعت الرحمة‪ ،‬وإستأصل الخري‪ ،‬وزرع الرش‪ ،‬وغرس السوء‪ .‬فمن الطبيعي‬ ‫ون ْ‬
‫أن يكون الحصاد غالً وحقدا ً‪ ،‬وبغضاء وضغينة!‬
‫هذا هو التاريخ الذي نخاف أن يطلع عليه اآلخرون! تاري ٌخ أسو ٌد قات ٌم‬
‫دامس‬
‫ٌ‬ ‫مطر ٌز بالفضائح‪ ،‬ومرص ٌع بالعار‪ ،‬وم ٌ‬
‫زخرف بالشنار! تاري ٌخ مظل ٌم‬
‫وغني بالقتل والذبح‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫طافح بالعيب والدناءة‪،‬‬
‫مليئ باملهانة والنقيصة‪ ،‬و ٌ‬
‫ٌ‬
‫ومفع ٌم بالوضاعة واإلنحطاط! فمن األفضل أن نتربأ منه‪ ،‬ونتخلص منه‪،‬‬
‫ونتنصل منه‪ ،‬ال أن نفتخر به‪ ،‬ونترشف به‪ ،‬ونتبجح به!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬محمد بن عمر الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل‬
‫الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثاين‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫أبو العباس السفاح وبنو أمية‬

‫أبو العباس السفاح‪ ،‬هو عبد الله بن محمد بن عيل بن عبد الله بن العباس‬
‫بن عبد املطلب‪ ،‬أول خلفاء بني العباس‪ ،‬توىل حكم الدولة اإلسالمية وهو‬
‫يف السادسة والعرشين من عمره‪ ،‬ويلتقي مع النبي محمد بن عبد الله يف‬
‫جده عبد املطلب‪.‬‬
‫كان شديد البطش والتنكيل يف خصومه‪ ،‬اتخذ من الكوفة عاصمة لدولته‬
‫يف بادئ األمر ثم تحول عنها إىل األنبار‪ ،‬ولكن خالفته مل تدم طويالً‪ ،‬حيث‬
‫توىف بالجدري عام ‪ 136‬للهجرة بعد أربعة أعوام من توليه الخالفة‪.‬‬
‫يف عام ‪ 132‬للهجرة أرسل الخليفة عمه عبد الله بن عيل إىل مدينة دمشق‪،‬‬
‫فحارصها أياماً‪ ،‬ثم دخلها وقتل من أهلها خلقاً كثريا ً‪ ،‬وأباحها ثالث ساعات‪،‬‬
‫وهدم سورها‪ ،‬حتى قيل إنه قتل نحو خمسني ألفاً‪.‬‬
‫ودخل عبد الله بن عيل مدينة دمشق فجعل مسجد جامعها سبعني يوماً‬
‫اصطبالً لدوابه وجامله‪ ،‬ثم نبش قبور بني أمية‪ ،‬فنبش قرب الخليفة األموي‬
‫معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬فلم يجد فيه إال خيطا ً أسودا ً‪ ،‬ونبش قرب الخليفة‬
‫عبد امللك بن مروان‪ ،‬فلم يجد منه سوى جمجمته فقط‪.‬‬
‫ونبش قرب الخليفة هشام بن عبد امللك‪ ،‬فوجده صحيحاً مل يب رل منه اال أرنبة‬
‫أنفه‪ ،‬فرضبه بالسياط وهو ميت‪ ،‬وصلبه أياماً‪ ،‬ثم أمر به فأحرق بالنار‪،‬‬
‫ري بالريح!‬
‫ودق رماد جثته‪ ،‬ثم نخ َّل وذ َّ‬
‫ثم تتبع من بني أمية من أوالد الخلفاء وغريهم‪ ،‬فأخذ منهم اثنني وتسعني‬
‫نفساً‪ ،‬فقتلهم عىل نهر بالرملة‪ ،‬وجمعهم وبسط عليهم األنطاع (بساط من‬
‫‪18‬‬
‫الجلد)‪ ،‬وجعل فوق األنطاع موائد عليها الطعام‪ ،‬وجلس هو و رم ْن معه‬
‫يأكل ويأكلون فوقهم‪ ،‬وهم يتحركون من تحت األنطاع!‬
‫منطق‬
‫ٌ‬ ‫ومازال البعض يرصخ بأعىل صوته ويقول‪ :‬اإلسالم دين السالم! أي‬
‫هذا أيها البرش! نبش القبور‪ ،‬وصلب الجثث‪ ،‬وقتل الناس‪ ،‬وتناول الطعام‬
‫اب‬
‫فوق القتىل‪ ،‬كل هذا ومازلنا ندعي السالم! أي جنون هذا‪ ،‬وإضطر ٌ‬
‫وخرف ولوث ٌة وهبل! ما هذا إال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إختبال‬ ‫وإرتجاج يف العقول! أي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وإختالل‬
‫وهرج ومرج!‬
‫ٌ‬ ‫وخلل يف التفكري‪،‬‬
‫فوىض يف التحليل‪ٌ ،‬‬
‫فإدعاؤنا أيها السادة‪ ،‬يخلو من الحكمة والذكاء‪ ،‬ويفتقر للرصانة والرزانة‪،‬‬
‫تضليل‬
‫ٌ‬ ‫وينقصه الفطنة والعقل! فشعار اإلسالم دين السالم‪ ،‬ما هو إال‬
‫ودجل ٌ‬
‫وإفك‬ ‫ٌ‬ ‫وتزييف وتلفيق‪ ،‬ومك ٌر ومخادعة‪ ،‬ونفاقٌ ومداهنة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وتزوير‪،‬‬
‫وبهتان! فأسفار التاريخ تشهد عىل القتل والذبح‪ ،‬وعىل غزواتنا املتعسفة‬
‫الظاملة‪ ،‬وتبني سلبنا ونهبنا وأعاملنا املجحفة‪ ،‬وتوضح سبينا النساء‪،‬‬
‫واستعبادنا األطفال‪ ،‬وإجتياحنا األرايض‪ ،‬واحتاللنا املدن! فكفانا تبجحاً‬
‫وصفاقة!‬
‫هذه هي الخالفة اإلسالمية التي ننادي بها‪ ،‬وهذا ما ندعو له ونؤيده! فهذا‬
‫هو تفكرينا‪ ،‬وهذا هو وجداننا‪ ،‬وهذه هي ضامئرنا‪ ،‬وهذه هي أخالقنا!‬
‫فدعونا نتربأوا من كل هذا الرش إنْ كنا صادقني!‬
‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء العارش‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق – سوريا‪.‬‬
‫كتاب تاريخ مدينة دمشق‪ /‬ابن عساكر‪ /‬الجزء الثالث والخمسون‪ /‬دار الفكر للنرش‬
‫‪ /1995‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫يزيد بن املهلب وخليفة املسلمني‬

‫يزيد بن املهلب بن رساق‪ ،‬أم ٌري وقائد عسكري‪ ،‬كان وايل خراسان بعد وفاة‬
‫أبيه املهلب بن أيب صفرة‪ .‬يف عام مئ ٍة واثنني للهجرة‪ ،‬خرج يزيد بن املهلب‬
‫وخلع خليفة املسلمني "يزيد بن عبد امللك"‪ ،‬واستحوذ عىل البرصة وما‬
‫يليها من فارس واألهواز‪ ،‬واستوىل عىل الحكم هناك‪.‬‬
‫فأرسل الخليفة‪ ،‬الذي كان مقره يف دمشق‪ ،‬جيشاً إىل البرصة‪ ،‬بقيادة كلٍ‬
‫من أخيه مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد لقتال ابن املهلب الذي كان‬
‫معه مئة وعرشون ألف مقاتل‪.‬‬
‫ونشبت الحرب‪ ،‬وتبارز الناس‪ ،‬وتقاتل القوم‪ ،‬وتناجزوا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فتواجه الجيشان‪،‬‬
‫وتصارعوا‪ ،‬وتواقعوا‪ ،‬ثم انهزم أهل البرصة وقتل يزيد بن املهلب‪ ،‬وتم أرس‬
‫حوايل ثالمثئة رجل‪ ،‬فأمر الخليفة بقتلهم!‬
‫بعدها تم إرسال النساء والرؤوس املقطوعة واألرسى من آل املهلب‪ ،‬ومن‬
‫ضمنهم رأس يزيد بن املهلب إىل أمري املؤمنني وخليفة املسلمني ومعه رأيس‬
‫املفضَّ ل وعبد امللك ابني املهلب‪ ،‬باإلضافة إىل تسع ٍة من الصبيان األحداث‪،‬‬
‫بت رؤوسهم بدمشق ثم أرسلها إىل مدينة حلب‬ ‫فأمر برضب أعناقهم‪ ،‬ونص ْ‬
‫بت هناك‪.‬‬
‫فنص ْ‬
‫قت‬
‫عت رؤوسهم‪ ،‬وبقرتْ بطونهم‪ ،‬ومز ْ‬ ‫املفارقة هنا‪ ،‬أنَّ كل الذين قط ْ‬
‫بت رؤوسهم‬ ‫أشالؤهم كانوا مسلمني! وقد تم قتلهم بسيوف املسلمني! ونص ْ‬
‫كانت بأوامر‬
‫حدثت ْ‬ ‫ْ‬ ‫وتم تعليقها بأيادي املسلمني! وكل هذه املجزرة التي‬
‫خليفة املسلمني! والجميع يرصخ الله أكرب‪ ،‬لقد أعزنا الله باإلسالم!‬

‫‪20‬‬
‫فهل كان القتال وسفك الدماء من أجل اإلسالم والدين‪ ،‬وهل كانت املعارك‬
‫والحروب للدفاع عن الله ورشيع ته‪ ،‬أم كان كل ذلك جهادا ً يف سيبيل الله!‬
‫السؤال املهم هو‪ :‬هل كان اإلنسان العر ُّيب وحشاً همجياً‪ ،‬وسفاحا ً سوقياً‪،‬‬
‫وسفاكاً مجرماً من األساس؟ أم إن الديانة التي اعتنقاها أثرتْ عليه‪ ،‬وغريتْ‬
‫فسببت كل هذا العنف والفتك والبطش‪ ،‬وكل هذه‬ ‫ْ‬ ‫لت طباعه‪،‬‬
‫سلوكه‪ ،‬وب َّد ْ‬
‫القسوة والغلظة والفظاظة؟‬
‫ورؤوس مرضجة بالدماء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات دموية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد كل ما سطره التاريخ من‬
‫وأشال ٍء ممزقة‪ ،‬مازال خطباء الجوامع‪ ،‬وأمئة املساجد يكذبون‪ ،‬ويخادعون‪،‬‬
‫وميكرون‪ ،‬متبجحني باآلية التي تقول " أرش َّداء رع رىل الْكفَّار ر رح رامء بر ْينره ْم"! ال‬
‫أظ ن أيها السادة الكرام‪ ،‬أنهم كانوا رحامء بينهم!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء السادس‪ /‬الطبعة الثانية‬
‫‪ /1967‬دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫كتاب البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء العارش‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق – بريوت‪.‬‬
‫كتاب الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت‬
‫– لبنان‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫خالد بن الوليد وأهل العراق‬

‫النبي محمد‬
‫خالد بن الوليد بن املغرية املخزومي‪ ،‬قائد عسكري‪ ،‬لقبه ُّ‬
‫بسيف الله املسلول‪ ،‬اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري وبراعته يف قيادة‬
‫الجيوش‪ ،‬وقد لعب دورا ً حيويا ً يف انتصار قريش عىل قوات املسلمني يف‬
‫غزوة أحد قبل إسالمه‪.‬‬
‫يف عام ‪ 12‬للهجرة بعث خليفة املسلمني أبو بكر إىل خالد بن الوليد أ ْن‬
‫يسري إىل العراق‪ ،‬وأنْ يتألف الناس فأن أجابوا وإال أخذ منهم الجزية‪ ،‬فان‬
‫امتنعوا عن ذلك قاتلهم! فليسمع أهل العراق كيف أصبحوا مسلمني‪،‬‬
‫اإلسالم أو الجزية أو القتل!‬
‫فنزل خال ٌد وجيشه منطقة الحرية‪ ،‬فخرج إليه أرشافها‪ ،‬فصالحوه عىل مئتي‬
‫الف درهم! وكانت أول جزية أخذت من العراق‪ ،‬فحملت إىل املدينة‬
‫دراهم ودنانري‪ ،‬وفضة‬
‫ٍ‬ ‫"يرثب"‪ .‬فقد قردم أهل الحرية أموالهم للمسلمني‪ ،‬من‬
‫وذهب‪ ،‬يك يحافظوا عىل حياتهم وحياة نسائهم وأطفالهم! ويف الحقيقة‪،‬‬
‫ال أعلم كيف نىس أبو بكر وخالد بن الوليد وجيش املسلمني اآلية التي‬
‫تقول‪" :‬لكم دينكم ويل دين"!‬
‫بعدها سار خالد إىل منطقة تدعى كاظمة بالقرب من البرصة‪ ،‬فحدثت‬
‫هناك غزوة ذات السالسل‪ ،‬وبلغ عدد القتىل ثالثني ألف سوى من غرق‪.‬‬
‫وبعد هذه املجزرة‪ ،‬سار ابن الوليد إىل موضع الجرس يف البرصة أيضاً‪ ،‬وبعث‬
‫األمراء ميينا ً وشامالً يحارصون حصوناً هنالك‪ ،‬فدخلوها عنو ًة وصلحاً‪،‬‬
‫وأخذوا منها أمواالً جمة‪ ،‬وغنامئاً وفرية‪ ،‬وسلبوا ونهبوا حتى امتألتْ جيوبهم‬
‫وخوت ضامئرهم‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ثم سار خالد حتى نزل عىل منطقة املذار (ميسان)‪ ،‬فاقتتلوا قتاالً شديدا ً‪،‬‬
‫وتصارعوا‪ ،‬وتقارعوا‪ ،‬فقتل املسلمون منهم ثالثني الفاً‪ ،‬وغرق الكثري منهم‬
‫بيت نساؤهم‪ ،‬فقسم خال ٌد سبي‬ ‫يف األنهار‪ ،‬فغنم املسلمون أموالهم وس ْ‬
‫الذراري وأربعة اخامس الغنيمة عىل املقاتلة وأرسل الخمس اآلخر إىل‬
‫خليفة رسول الله!‬
‫بعدها انتقل خال ٌد وجيشه إىل موضع يدعى الوليجة‪ ،‬واقتتلوا قتاالً شديدا ً‪،‬‬
‫أشد مام قبله! فقتل منهم سبعني الفاً‪ ،‬وقتل طائفة من بكر بن وائل‪ ،‬وأرس‬
‫من أرس من ذراري املقاتلة!‬
‫ثم كانت وقعة اليس يف نفس السنة‪ ،‬وبلغ عدد القتىل سبعني الفاً‪ ،‬وقيل‬
‫مئة وخمسني الفاً‪ ،‬وأرسوا الكثري‪ ،‬ثم وكل بهم رجاالً يرضبون أعناقهم يف‬
‫بت عنقه يف‬‫النهر‪ ،‬ففعل ذلك بهم يوماً وليلة‪ ،‬وكلام حرض منهم أح ٌد رض ْ‬
‫النهر‪ ،‬فسمي النهر بنهر الدم!‬
‫هكذا كانت الجيوش اإلسالمية تعامل أهل األرض التي تغزوها‪ ،‬قتالً وارساً‬
‫وسبياً ورضباً لألعناق! وهكذا كان الناس يعتنقون اإلسالم‪ ،‬قتالً وذبحاً‪ ،‬رضباً‬
‫بالسيوف وطعناً بالرماح! وهكذا كان املسلمون ينهبون ويسلبون ويسبون‬
‫ويغتصبون!‬
‫هذا ما مكتوب يف كتب الرتاث‪ ،‬وهذا هو التاريخ الذي مل يدرس لنا‪ ،‬وهذه‬
‫هي الحقيقة التي كتمت‪ ،‬واألخبار التي دفنت‪ ،‬واألحداث التي طمست!‬
‫لقد آىس العراق وأهله كثريا ً‪ ،‬ومازال يؤايس من جراء هذا الدين!‬
‫كيف كان يدرس لنا التاريخ‪ ،‬وكيف كنا نخدع‪ ،‬لقد كذبوا وإحتالوا علينا‪،‬‬
‫لقد داهنوا ودلسوا‪ ،‬وخادعوا ودجلوا‪ ،‬لقد زوروا التاريخ‪ ،‬وزيفوا األحداث‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫أهكذا كان الناس تنهب بيوتهم‪ ،‬وتسلب كرامتهم‪ ،‬وتغتصب نساؤهم‪،‬‬
‫ويستع ربد أطفالهم‪ ،‬أحقاً هذا الدين هو دين السالم‪ ،‬ورشيعة الله!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1967‬‬
‫دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫عقبة بن نافع وشامل أفريقيا‬

‫عقبة بن نافع الفهري‪ ،‬قائد عسكري ومن أبرز قادة الغزوات اإلسالمية‬
‫للمغرب‪ ،‬ووايل ما يسمى يف وقتها إفريقية مرتني‪ ،‬يف عهد الخليفة معاوية‬
‫بن أيب سفيان والخليفة يزيد بن معاوية‪ ،‬يلقب من قبل املسلمني بفاتح‬
‫إفريقية‪.‬‬
‫يف عام ‪ 50‬للهجرة استعمل الخليفة معاوية عىل إفريقية عقبة بن نافع‪،‬‬
‫الذي كان مقيامً يف مدينتي برقة وزويلة منذ أن غزاها واحتلها قبل سنوات‪.‬‬
‫فسري معاوية له عرشة آالف فارس‪ ،‬فدخل إفريقية‪ ،‬وانضاف إليه رمن أسلم‬
‫من الرببر (األمازيغ) فكرث جمعه‪ ،‬ووضع السيف يف أهل البالد! فبدأ يغزو‬
‫ويرسل الرسايا‪ ،‬فتغري وتنهب وتسلب! فدخل كث ٌري من الرببر يف اإلسالم!‬
‫وبعد موت معاوية‪ ،‬ويف عام ‪ 62‬للهجرة بالتحديد‪ ،‬استعمله الخليفة‬
‫الجديد‪ ،‬يزيد بن معاوية‪ ،‬عىل إفريقية مرة أخرى‪ ،‬فسار يف عسكر عظيم‬
‫حتى دخل مدينة باغاية (مدينة كبرية يف أقىص إفريقية) وقد اجتمع بها‬
‫خلق كثري من الروم‪ ،‬فقاتلوه قتاالً شديدا ً‪ ،‬وانهزموا عنه‪ ،‬وقتل فيهم قتالً‬
‫ذريعاً‪ ،‬وغنم منهم غنائم كثرية!‬
‫ثم سار إىل بالد الزاب‪ ،‬وهي بالد واسعة‪ ،‬فيها عدة مدن وقرى كثرية‪ ،‬فقصد‬
‫مدينتها العظمى (أ رربرة) فامتنع الروم واملسيحيون‪ ،‬فاقتتل املسلمون‬
‫معهم‪ ،‬واقتتلوا قتاالً شديدا ً‪ ،‬فهرب البعض‪ ،‬وأخذهم السيف‪ ،‬وكرث فيهم‬
‫القتل‪ ،‬وقتل الكثري من فرسانهم‪ ،‬وغنم املسلمون أموالهم ومتاعهم‬
‫وسالحهم!‬

‫‪25‬‬
‫السوس األدىن‪ ،‬وهي مغرب‬‫ثم سار حتى نزل عىل طنجة‪ ،‬وبعدها سار إىل ُّ‬
‫طنجة‪ ،‬فلقوه الرببر‪ ،‬فقتل فيهم قتالً ذريعاً‪ ،‬وبعث خيله وراءهم يف كل‬
‫السوس األقىص‪ ،‬وقتل املسلمون‬
‫مكانٍ هربوا إليه‪ ،‬وسار هو حتى وصل إىل ُّ‬
‫الرببر حتى ملوا‪ ،‬وسلبوا بيوتهم ونهبوا أموالهم‪ ،‬وغنموا منهم وسبوا سبياً‬
‫كثريا ً!‬
‫وزحف عقبة وجيشه إىل كسيلة بن ملزم الرببري‪ ،‬فقاتلوا الرببر‪ ،‬فتم قتل‬
‫املسلمني جميعاً يف هذه املعركة‪ ،‬مل يفلت منهم أحد! وقتل كسيلة عقبة‬
‫بن نافع‪ ،‬ودخل كسيلة القريوان واستوىل عىل إفريقية‪ ،‬وبها الذراري من‬
‫املسلمني‪ ،‬فطلبوا األمان من كسيلة فآمنهم!‬
‫ف ام سبب زحف الجيش اإلسالمي من صحراء الجزيرة إىل األرايض البعيدة‬
‫كتونس والجزائر واملغرب وليبيا وموريتانيا واإلستيالء عليها ونهب خرياتها‬
‫وسلب بيوتها وقتل أهلها وسبي نسائها واستعباد أطفالها؟ فام هذه إال‬
‫وتعسف وجور‪ ،‬وعدوا ٌن‬
‫ٌ‬ ‫جناي ٌة وجرمية‪ ،‬وإث ٌم وجريرة‪ ،‬وظل ٌم وإستبداد‪،‬‬
‫وحيف‪ ،‬وطغيانٌ وإجحاف!‬
‫فالقائد املسلم عقبة بن نافع الذي نفتخر به ليل نهار‪ ،‬وتتبجح به كتب‬
‫التاريخ‪ ،‬وتترشف به الناس‪ ،‬حاله حال القادة املغول مثل جنكيز خان‪،‬‬
‫وتويل خان‪ ،‬وهوالكو‪ ،‬الذين نعيب سلوكهم‪ ،‬ونذ ُّم أفعالهم‪ ،‬ونستقبح‬
‫عجب ألفكارنا‪،‬‬
‫أعاملهم‪ ،‬ونصفهم باإلجرام والعنف‪ ،‬والبطش والفتك! ف ٌ‬
‫وغراب ٌة لعقولنا! نفتخر باملجرمني القتلة‪ ،‬ونتبجح بسافيك الدماء‪ ،‬ونزهو‬
‫بقطاع الطرق!‬

‫‪26‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت –‬
‫لبنان‪.‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الثامن‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الخليفة املهدي وابنه الرشيد‬

‫املهدي بالله‪ ،‬هو محمد بن عبد الله املنصور‪ ،‬ثالث خلفاء الدولة العباسية‪،‬‬
‫و َّيل الخالفة بعد وفاة أبيه أيب جعفر املنصور عام ‪ 158‬للهجرة‪ .‬فأمر املهدي‬
‫بتتبع الزنادقة وإبادتهم‪ ،‬والبحث عنهم يف اآلفاق والقتل عىل التهمة!‬
‫ويف عهده كرثتْ الغزوات عىل أرض الروم‪ ،‬وتم إحتالل باربد من بالد الهند‪،‬‬
‫حيث حارصوها املسلمون من نواحيها‪ ،‬وضايقوا أهلها‪ ،‬فاحتمى أهلها بالبد‬
‫الذي لهم (بيت األصنام)‪ ،‬فأحرقه املسلمون عليهم‪ ،‬فاحرتق بعضهم‪ ،‬وقتل‬
‫الباقون!‬
‫ويف عام ‪ 162‬للهجرة وأثناء خالفة املهدي‪ ،‬غزا الحسن بن قحطبة يف مثانني‬
‫الفاً من املرتزقة‪ ،‬من غري املتطوعة‪ ،‬فدمر قرى الروم‪ ،‬واجتاح أراضيها‪،‬‬
‫وحرق بلداناً كثرية‪ ،‬وخرب أماكن‪ ،‬وأرس خلقاً من الذراري! ويف نفس‬
‫الوقت‪ ،‬غزا يزيد بن أسيد السلمي بالد الروم من جهة أرمينية فغنم وسبى‬
‫خلقاً كثريا ً‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 165‬بعث الخليفة ابنه الرشيد لغزو الروم ومعه جيش جرار‪ ،‬فقتل‬
‫الرشيد من الروم أربعة وخمسني ألفاً‪ ،‬وأرس من الذراري خمسة آالف‬
‫وستمئة وأربعني رأساً‪ ،‬وقتل من االرسى ألفي قتيل صربا ً‪ ،‬وغنم من الدواب‬
‫بادواتها عرشين ألف فرس‪ ،‬وذبح من البقر والغنم مئة ألف رأس! وبعدها‬
‫تم الصلح عىل ان تدفع الروم سبعني ألف دينار كل سنة!‬
‫وأرمينية بل ٌد جبيل تقع يف القوقاز‪ ،‬وهي أول املناطق التي اعتمدتْ‬
‫املسيحية دينا ً لها‪ ،‬يف السنوات األوىل من القرن الرابع امليالدي‪ .‬فالسؤال‬
‫الذي يطرحه أي قارئ لهذه األحداث‪ ،‬هل كانت أرمينية أرضاً تابعة‬
‫‪28‬‬
‫للجزيرة العربية؟ هل كانت هذه الغزوات وقتل الناس ومتزيق أشالئهم‪،‬‬
‫دفاعاً عن النفس؟ أم كان ذبح االرسى صربا ً وتقطيع أطرافهم دفاعاً عن‬
‫الحق والدين؟‬
‫هل تخريب القرى وحرق البلدان وتدمري البيوت هي األخالق التي نتغنى‬
‫بها نحن املسلمني اليوم؟ أم إن أرس الذراري وسبي النساء واإلغتصاب‬
‫واالختطاف هي الرحمة التي يتبجح بها الشيوخ وأمئة املساجد؟‬
‫هل السلب والنهب والسطو واللصوصية هي األمانة والطأمنينة التي‬
‫تتفاخر بها خري أمة أخرجت للناس؟ أم إن استالب الغنم وانتهاب البقر‬
‫وامتشان األموال هي الفروسية والشجاعة واإلقدام؟‬
‫فاحش‪ ،‬وقه ٌر‬
‫ٌ‬ ‫بل هذا اعتدا ٌء ساف ٌر أيها السادة‪ ،‬وطغيانٌ صار ٌخ‪ ،‬وظل ٌم‬
‫فاضح! وهذا هو اإلجحاف واإلستبداد‪ ،‬وذلك هو الجور والتعسف! أما زلنا‬ ‫ٌ‬
‫نسمي ما تقوم به هذه العصابات أوامرا ً مقدسة من السامء؟ أم ندعي إن‬
‫خلفاء رسول اإلسالم ال ميثلون اإلسالم! ف رمن هو الذي ميثل هذا الدين‪ ،‬و رم ْن‬
‫هو الذي يطبق تعاليم القرآن‪ ،‬و رم ْن هو الذي يقتفي أثر سنة رسول الله!‬

‫املصادر ‪:‬‬
‫الكامل يف التاريخ البن األثري‪ /‬الجزء الخامس‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت –‬
‫لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثامن‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء العارش‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ارتداد العرب عن اإلسالم‬
‫النبي محمد يف عام أحد عرش للهجرة‪ ،‬جاء الخرب بارتداد العرب‬ ‫بعد موت ُّ‬
‫عن اإلسالم عام ًة إال قريشا ً وثقيفاً‪ ،‬وبدأتْ القبائل برتك اإلسالم‪ ،‬كقبيلة أسد‬
‫وهوازن وغطفان وطيء وبني سليم! فإستعان خليفة املسلمني "أبو بكر"‬
‫برشيعة الله وحكم السامء التي تنص عىل "من بدل دينه فاقتلوه"‪.‬‬
‫ونشبت‬
‫ْ‬ ‫فأرسل الخليفة إىل أهل الياممة خالد بن الوليد‪ ،‬فحمي الوطيس‪،‬‬
‫قت‬ ‫طعت األعناق‪ ،‬ومز ْ‬
‫فكت الدماء‪ ،‬وق ْ‬
‫واشتعلت الصحراء‪ ،‬فس ْ‬
‫ْ‬ ‫الحرب‪،‬‬
‫األشالء‪ ،‬فقتل من املسلمني حينها أكرث من ٍ‬
‫ألف‪ ،‬ومن الطرف اآلخر نحو‬
‫عرشين ألف!‬
‫بعدها بعث أبو بكر‪ ،‬العالء بن الحرضمي إىل البحرين‪ ،‬فخرج إليهم هو‬
‫وأصحابه‪ ،‬فوضعوا فيهم السيوف‪ ،‬وطعنوا فيهم الرماح وقتلوهم رش قتلة‪،‬‬
‫وتفرقت الرؤوس‪ ،‬وتبعرثتْ األشالء‪ ،‬فاستولوا عىل الغنائم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فتناثرتْ الجثث‪،‬‬
‫ونهبوا البيوت‪ ،‬وسلبوا القتىل!‬
‫ثم سار العالء بن الحرضمي إىل منطقة تدعى دارين‪ ،‬فألتقوا واقتتلوا قتاالً‬
‫شديدا ً‪ ،‬وتحاربوا‪ ،‬وتناجزوا‪ ،‬فام تركوا بها أحدا ً‪ ،‬وسبوا الذراري واستاقوا‬
‫األموال والغنائم‪ ،‬فبلغ نفل الفارس ستة آالف‪ ،‬والراجل ألفني!‬
‫وبعث أبو بكر إىل عامن عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬وحذيفة بن محصن‪ ،‬وعرفجة‬
‫البارقي‪ ،‬فاستحروا القتل فيهم‪ ،‬وقتلوهم رش قتلة‪ ،‬بفظاعة وعنف وقسوة‪،‬‬
‫فقتلوا منهم عرشة آالف فأثخنوا فيهم‪ ،‬وسبوا الذراري‪ ،‬وقسموا السبي‬
‫واملغانم عىل املقاتلني‪ ،‬وبعثوا بالخمس إىل خليفة "رسول الله"!‬

‫‪30‬‬
‫ثم سار عكرمة بن أيب جهل ومن معه من املسلمني حتى اقتحم عىل رمهرة‬
‫بالدها‪ ،‬فقتلوا منهم ما شاءوا‪ ،‬وأصابوا ما شاءوا‪ ،‬فخ َّمس عكرمة الفيء‬
‫والغنائم‪ ،‬فبعث باألخامس إىل أيب بكر‪ ،‬وقسم األربعة أخامس عىل‬
‫املقاتلني!‬
‫فكتب أبو بكر إىل‬
‫ر‬ ‫وانتفضت كندة عىل زياد بن لبيد (وآيل حرضموت)‬
‫ْ‬
‫املهاجر بن أمية (وآيل صنعاء) أن يساعد زيدا ً‪ ،‬فسار إليه ولقوا املرتدين‬
‫فقتلوا منهم‪ ،‬وأصابوا الكثري‪ ،‬وسبوا نساءهم وذراريهم‪ ،‬وغنموا أموالهم‪،‬‬
‫ونهبوا بيوتهم‪ ،‬وسلبوا متاعهم!‬
‫بعدها أرسل أبو بكر "خليفة رسول الله" املدد إىل زياد بن لبيد‪ ،‬فأمر‬
‫عكرمة ومن معه أنْ يسريوا إىل أهل اليمن‪ ،‬وعندما لقوهم اقتتلوا قتاالً‬
‫شديدا ً‪ ،‬فأكرثوا القتل فيهم‪ ،‬وأزهقوا أرواحهم‪ ،‬وفتكوا بهم‪ ،‬وغنموا أموالهم‪،‬‬
‫وجمعوا الغنائم‪ ،‬ووزعوها فيام بينهم!‬
‫وتحصنت ملوك كندة يف الحصن وأغلقوا عليهم‪ ،‬فحارصهم عكرمة وزياد‬
‫واملهاجر‪ ،‬ثم استسلموا‪ ،‬فأمر زياد بكل من يف الحصن أن يقتلوا فقتلوا‬
‫جميعاً عن بكرة أبيهم‪ ،‬وكانوا سبعامئة رجلٍ ‪ ،‬وغنم أموالهم‪ ،‬وسبى‬
‫نساءهم وذراريهم!‬
‫فكل رم ْن ميلك ذر ًة من ضمريٍ حي سيتساءل مستنكرا ً‪ ،‬ويستفهم مستهجناً‪:‬‬
‫فكت؟ وما الدافع من قتل الناس وذبحهم؟‬‫ملاذا كل هذه الدماء التي س ْ‬
‫ملاذا كل هذا الفتك والبطش واإلبادة؟ ملاذا كل هذا السطو والسلب‬
‫والنهب؟ ملاذا كل هذه السبايا واإلماء والعبيد؟ ملاذا كل هذا الجور‬
‫والتعسف والطغيان؟‬

‫‪31‬‬
‫الناس رفضوا دينكم! رفضوا أخالقكم! تقطع رؤوسهم‪ ،‬ومتزق‬
‫مجرد أن ر‬
‫أشالؤهم‪ ،‬وتسلخ جلودهم‪ ،‬وتسبى نساؤهم‪ ،‬ويستعبد أطفالهم‪ ،‬وتنهب‬
‫أموالهم‪ ،‬وتسلب بيوتهم!‬
‫أية وقاحة هذه! وأية سفالة تلك! وأية خساسة ونذالة‪ ،‬وأية دناءة ورذالة!‬
‫متى يأيت اليوم لنخجل من تاريخكنا‪ ،‬وتعتذر لتلك الشعوب‪ ،‬ونعرتف‬
‫ببشاعة ديننا‪ ،‬وشناعة عقيدتنا‪ ،‬وقباحة رشيعتنا‪ .‬إىل متى سنبقى نتبجح‬
‫وندعي بكل صفاق ٍة ووقاح ٍة‪ ،‬إن داعش ال متثل اإلسالم! وتاريخ اإلسالم‬
‫يشهد عكس ذلك!‬

‫املصادر ‪:‬‬
‫كتاب تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية‬
‫‪ /1967‬دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫كتاب املنتظم يف تاريخ امللوك واالمم‪ /‬ابن الجوزي‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية‬
‫‪ /1995‬دار الكتب العلمية‪ /‬بريوت‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫معاذ بن جبل وأبو موىس األشعري‬

‫معاذ بن جبل‪ ،‬صحايب وفقيه وقارئ القرآن وراوي للحديث‪ ،‬من األنصار‪،‬‬
‫من بني جشم بن الخزرج‪ ،‬شهد بدرا ً وأحدا ً واملشاهد كلها مع النبي محمد‪،‬‬
‫واستبقاه النبي يف مكة بعد العام الثامن للهجرة‪ ،‬ليعلم الناس القرآن‬
‫ويفقههم‪ .‬ويف العام التاسع للهجرة‪ ،‬وبعد غزوة تبوك‪ ،‬بعثه النبي عامالً له‬
‫يف اليمن‪ .‬وشارك يف الغزوات بعد وفاة النبي‪.‬‬
‫وقال النبي يف أحد األيام‪ :‬خذوا القرآن من أربعة‪ ،‬من ابن مسعود‪ ،‬وأيب بن‬
‫كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وسامل موىل أيب حذيفة‪ .‬وتوىف معاذ هو وزوجتيه‬
‫وولديه يف األردن يف مرض الطاعون‪ ،‬الذي أصاب الكثري من املسلمني‪،‬‬
‫واملعروف بطاعون عمواس‪.‬‬
‫أما أبو موىس األشعري‪ ،‬هو عبد الله بن قيس األشعري‪ ،‬صحايب‪ ،‬واله النبي‬
‫عىل مدينة عدن يف اليمن‪ ،‬وواله عمر بن الخطاب عىل البرصة‪ ،‬وواله عثامن‬
‫بن عفان عىل الكوفة‪ ،‬وكان املحكم الذي اختاره عيل بن أيب طالب من بني‬
‫حزبه يف جلسة التحكيم التي لجأ إليها الفريقان بعد وقعة صفني‪ .‬وشارك‬
‫يف غزوات الشام بعد وفاة النبي‪ ،‬وقيل قد توىف عام ‪ 44‬للهجرة‪.‬‬
‫كل منهام جزءا ً من‬‫حينام كان معاذ بن جبل وأبو موىس األشعري يحكم ٌ‬
‫اليمن‪ ،‬سار معاذ يف أرضه قريباً من صاحبه أيب موىس‪ ،‬فجاء يسري عىل بغلته‬
‫رجل عنده‬‫جالس وقد اجتمع إليه الناس‪ ،‬وإذا ٌ‬ ‫حتى انتهى إليه‪ ،‬وإذا هو ٌ‬
‫معت يداه إىل عنقه‪ ،‬فقال له معاذ‪ :‬يا عبد الله بن قيس‪ ،‬أيُّ رم هذا؟‬
‫قد ج ْ‬
‫رجل كان يهوديا ً فأسلم‪ ،‬ثم راجع دينه دين السوء فتهود‪ ،‬فهو‬ ‫قال‪ :‬هذا ٌ‬
‫رجل كفر بعد إسالمه‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬ال أجلس حتى يقتل‪ ،‬قضاء الله ورسوله‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫قضاء الله ورسوله‪ ،‬قضاء الله ورسوله!‬

‫‪33‬‬
‫فانزل‪ ،‬قال‪ :‬ما أنزل حتى‬‫فقال أبو موىس األشعري‪ :‬إمنا جي رء به لذلك‪ْ ،‬‬
‫كل من البخاري ومسلم‬ ‫قتل‪ ،‬فأمر به فقتل‪ ،‬ثم ن رز رل! وقد ذكر هذه الرواية ٌ‬
‫ي ر‬
‫وأيب داود والنسايئ وأحمد بن حنبل! أي ال ميكن ألحد أنْ ينكرها!‬
‫فهذا هو قضاء الله ورسوله! وهذا ما تنص عليه رشيعة السامء! وهذا ما‬
‫يتبجح به املتبحون! أيقتل إنسانٌ ألنه رع ررف حقيقة الدين وأساطري‬
‫الرشيعة؟ أيذبح امر ٌؤ ألنه فكر وأعمل النظر‪ ،‬وبحث وتأمل‪ ،‬وتدبر وتبرص؟‬
‫أتقطع أشالؤه وترضب عنقه ألنه حقق ودقق‪ ،‬وتقىص وتروى‪ ،‬وتفكر وقرر؟‬
‫أمازلتم تعتربون هذه الجرائم ديناً من السامء‪ ،‬ورشيع ًة من اإلله؟ إنها‬
‫اإلجحاف والطغيان أيها السادة‪ ،‬والجور والعدوان يا أويل األلباب‪ ،‬والتحكم‪،‬‬
‫والتجرب‪ ،‬والتسلط‪ ،‬يا أصحاب العقول!‬
‫ما أروع العقل حينام يكون منفتحاً مفكرا ً‪ ،‬مبدعاً مدركاً‪ ،‬مستنبطاً فاهامً‪،‬‬
‫وما أقبحه حينام يكون متبعاً مقلدا ً‪ ،‬متخلفاً جاهالً‪ ،‬مغفالً ساذجاً! فدع‬
‫عقلك يفكر ويقرر‪ ،‬ويبحث ويفتش‪ ،‬ويفحص ويدقق‪ ،‬فال تتبع أحدا ً‪ ،‬وال‬
‫تقلد شيخاً!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب صحيح البخاري‪ /‬محمد بن اسامعيل البخاري‪ /‬كتاب املغازي‪ /‬الطبعة األوىل‬
‫‪ /2002‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق – بريوت‪.‬‬
‫كتاب املغني‪ /‬ابن قدامة‪ /‬الجزء الثاين عرش‪ /‬دار عامل الكتب‪ /‬الطبعة الثالثة ‪/1997‬‬
‫الرياض‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أبو عبيدة وبيت املقدس‬

‫أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري‪ ،‬صحايب وقائد عسكري‪،‬‬
‫ومن السابقني األولني إىل اإلسالم‪ ،‬لقبه النبي محمد بأمني األمة‪ .‬ويف عهد‬
‫أيب بكر‪ ،‬كان أبو عبيدة أحد القادة األربعة الذين عينهم أبو بكر لقيادة‬
‫الجيوش يف غزوات بالد الشام‪ ،‬فقد نجح يف اإلستيالء عىل مدينة دمشق‬
‫وغريها من مدن الشام وقراها‪ .‬ويف عام ‪ 18‬للهجرة تويف أبو عبيدة بسبب‬
‫طاعون عمواس يف األردن‪ ،‬ودفن هناك‪.‬‬
‫خرج أبو عبيدة الجراح مبن معه من املسلمني من دمشق حتى صار إىل‬
‫بالد األردن فعسكر بها‪ ،‬ثم كتب اىل أهل إلياء "بيت املقدس" كتاباً ذكر‬
‫فيه‪:‬‬
‫من أيب عبيدة بن الجراح إىل بطارقة أهل إيلياء وسكانها‪ ،‬أما بعد! فاين‬
‫آمركم أن تشهدوا أن ال اله اال الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬فاذا شهدتم‬
‫بذلك فقد حرمت علينا دماؤكم وأموالكم‪ ،‬وإنْ أبيتم ذلك فأقروا لنا بإعطاء‬
‫أحب‬
‫بقوم هم ُّ‬ ‫الجزية عن يد وانتم صاغرون‪ ،‬وإنْ أبيتم ذلك رست إليكم ٍ‬
‫للموت من رشب الخمر وأكل لحم الخنزير‪ ،‬ثم ال أرجع عنكم ابدا ً حتى‬
‫أقتل مقاتلتكم وأسبي ذريتكم وأقسم أموالكم‪ ،‬فاختاروا واحدة من اثنتني!‬
‫ملخص رسالة أيب عبيدة‪ :‬إما اعتناق اإلسالم وإما التنازل عن أموالكم! وإال‬
‫دخلنا مدينتكم‪ ،‬وقتلناكم‪ ،‬وسبينا نساءكم وأطفالكم‪ ،‬ونهبنا أموالكم‪،‬‬
‫وسلبنا بيوتكم!‬
‫فلام قرأ أهل إيلياء كتاب أيب عبيدة‪ ،‬أبوا ما عرض عليهم من اإلميان ومل‬
‫يجيبوه إىل يشء‪ ،‬فسار أبو عبيدة وجيشه حتى نزل بساحتهم‪ ،‬وخرج أهل‬
‫إيلياء للدفاع عن مدينتهم ونسائهم وأطفالهم وأموالهم‪ ،‬فاقتتلوا‪ ،‬وتحاربوا‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫وتواقعوا‪ ،‬ووقعت الهزمية عىل أهل إيلياء‪ ،‬فقتلهم املسلمون قتالً ذريعاً‬
‫حتى أدخلوهم مدينتهم‪.‬‬
‫ودامت الحرب بينهم أياماً كثرية‪ ،‬فلام مل يجدوا حيلة‪ ،‬ومل يكن لهم‬
‫باملسلمني طاقة‪ ،‬بعثوا إىل أيب عبيدة‪ :‬إنا قد أحببنا مصالحتكم‪ ،‬واكتبوا إىل‬
‫صاحبكم عمر بن الخطاب حتى يقدم‪ ،‬فيكون هو الذي يعطينا األمان‬
‫ويكتب لنا العهد!‬
‫ال أعلم ما الفرق بينهم وبني عصابة اللصوص والبلطجية! وما زال املسلمون‬
‫يتباكون ويولولون عىل مدينة إيلياء (القدس) وال يعلمون أنها ليست‬
‫مدينتهم بل هي مدينة تابعة ألهلها (أهل إيلياء) وتم اجتياحها واحتاللها‬
‫من قبل غزاة وقتلة‪ ،‬ومجرمني وسفاحني‪ ،‬وسافيك دماء‪ ،‬ومغتصبي أرايض‪،‬‬
‫وناهبي أموال‪ ،‬وسالبي بيوت‪ ،‬كام تذكر الكتب التاريخية االسالمية!‬
‫إىل متى يبقى املسلم املسكني مغفالً مغيباً‪ ،‬وساذجاً متخلفاً‪ ،‬وغريرا ً غافالً‪،‬‬
‫إىل متى تبقى جاهالً بالتاريخ‪ ،‬مخدوعاً باألساطري‪ ،‬مغشوشاً بالخرافات! أما‬
‫حان الوقت لتكون بصريا ً فهيامً‪ ،‬وحصيفا ً عاقالً‪ ،‬ولبيبا ً حاذقاً‪ ،‬أما حان وقت‬
‫االستيقاظ والصحوة‪ ،‬كفاك نوماً ورقودا ً‪ ،‬كفاك سباتا ً وغيبوبة!‬

‫املصادر ‪:‬‬
‫كتاب الفتوح‪ /‬ابن أعثم الكويف‪ /‬الجزء االول‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1991‬دار األضواء‬
‫للطباعة‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫كتاب الكامل يف التاريخ البن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت‬
‫– لبنان‪.‬‬
‫كتاب البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق – بريوت‪.‬‬
‫كتاب فتوح الشام‪ /‬محمد بن عبد الله االزدي‪ /‬مدينة كلكتة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫نهر الدم‬

‫يف السنة الثانية عرش بعد الهجرة‪ ،‬قام املسلمون وعىل رأسهم خالد بن‬
‫الوليد بالهجوم عىل أهل مدينة الولجة الواقعة يف العراق‪ ،‬وكانوا عرباً من‬
‫بكر بن وائل‪ ،‬يعتنقون الديانة املسيحية‪ ،‬فقتلوا الكثري منهم‪ ،‬قدر عددهم‬
‫سبعون ألفاً‪.‬‬
‫وبعد انتهاء املعركة‪ ،‬قام خالد يف الناس خطيباً‪ ،‬ثم خ َّمس الغنيمة‪ ،‬وقسم‬
‫أربعة أخامسها بني املقاتلني‪ ،‬وبعث الخمس إىل الخليفة‪ ،‬وأرس من أرس من‬
‫ذراري املقاتلة‪ ،‬النساء واألطفال‪ ،‬وأق َّر الفالحني بالجزية‪.‬‬
‫فأجتمع العرب يف تلك املناطق من قبائل عجل وتيم الالت وضبيعة وعرب‬
‫الضاحية من أهل الحرية ليثأروا لقتالهم وللدفاع عن مدنهم من غزو‬
‫املسلمني!‬
‫فاستعانوا بكرسى وطلبوا منه اإلمدادات‪ ،‬فالتقا الجيشان يف موضع يقال‬
‫له ألَّ يس عىل نهر الفرات (بالقرب من مدينة النجف العراقية) فاقتتلوا‬
‫قتاالً شديدا ً‪ .‬وقال خالد‪ :‬اللهم لك عيل إنْ منحتنا أكتافهم أن ال أستبقي‬
‫منهم أحدا ً أقدر عليه‪ ،‬حتى أجري نهرهم بدماءهم‪ ،‬فتمكن املسلمون‬
‫منهم‪ ،‬فأقبلت الخيول بهم أفواجاً يساقون سوقاً (أرسى)‪.‬‬
‫وقد وك َّل بهم رجاالً يرضبون أعناقهم يف النهر‪ ،‬ففعل ذلك بهم يوما ً وليلة‪،‬‬
‫ويطلبهم يف الغد ومن بعد الغد‪ ،‬وكلام حرض منهم أحد رضبت عنقه يف‬
‫النهر! فسال النهر دماً عبيطاً (دماً طريا ً)‪ .‬فسم َّي نهر الدم! وبلغ عدد‬
‫القتىل سبعني ألفاً وقيل مئة وخمسني ألفاً‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وكان أكرث من قتل يف هذه املعركة من بلد يقال لها أمغيشيا‪ ،‬فأمر خالد‬
‫بخرابها واس توىل عىل ما بها‪ ،‬فوجدوا بها مغنامً عظيامً‪ ،‬فقسم بني الغامنني‪،‬‬
‫فأصاب الفارس ألف وخمسمئة غري ما تهيأ له مام قبله‪.‬‬
‫وبعث خالد بالخمس من األموال والسبي مع رجل يقال له جندل من بني‬
‫عجل‪ ،‬فلام بلغ الخليفة الرسالة وسلم الغنائم‪ ،‬أثنى عليه أبو بكر وأجازه‬
‫من السبي‪ ،‬وقال خليفة املسلمني مفتخرا ً‪ :‬عجزتْ النساء أن يلد رن مثل‬
‫خالد!‬
‫ويذكر املؤرخ ابن كثري متبجحاً بجرائم خالد من قتلٍ وذبح وسلب ونهب‬
‫قائالً‪ :‬وكان خالد ال يكل وال ميل وال يحزن‪ ،‬بل كلام له يف قو ٍة ورصام ٍة‬
‫وشد ٍة وشهام ٍة‪ ،‬ومثل هذا إمنا خلقه الله عزا ً لإلسالم وأهله‪ ،‬وذالً للكفر‬
‫وشتات شملهم! فأي رأي‪ ،‬وأي منطق هذا الذي يتحدث به املؤرخ املسلم‪،‬‬
‫وكإنَّ هدف الله من خلق البرش هو قتل الناس وذبحهم‪ ،‬وسلب أموالهم‪،‬‬
‫ونهب بيوتهم‪ ،‬واغتصاب نساءهم‪ ،‬واستعباد أطفالهم!‬
‫ثم سار خالد فنزل الخورنق والسدير بالنجف (وهام قرصان يف منطقة‬
‫الح رية) وبث رساياه هاهنا وهاهنا‪ ،‬يحارصون الحصون من الحرية‪،‬‬
‫ويسرتقون أهلها قرسا ً وقهرا ً‪ ،‬وصلحاً ويرسا ً‪ ،‬فتمكن خالد بأطراف العراق‬
‫واستحوذ عىل الحرية وتلك البلدان‪ ،‬وأوقع بأهل ألَّيس والثني ما أوقع من‬
‫القتل الفظيع!‬
‫بعدها وافق أهل الحرية مضطرين أن يدفعوا الجزية‪ ،‬ليحافظوا عىل رمن‬
‫تبقى منهم‪ ،‬فصالحهم خالد عىل مائة وتسعني ألف‪ ،‬وقيل مئتني وتسعني‬
‫ألف‪ ،‬وأهدوا له هدايا‪ ،‬فبعث باألموال والهدايا إىل خليفة املسلمني أيب‬
‫بكر!‬

‫‪38‬‬
‫فقبل أبو بكر األموال والهدايا‪ ،‬وكتب لخالد أنْ يأخذ منهم بقية الجزية‪.‬‬
‫فأتته الدهاقني من كل النواحي (الدهاقني‪ :‬رؤوساء القرى والتجار)‬
‫فصالحهم خالد عىل ألف ألف وقيل ألفي ألف‪ ،‬وأقام خالد وجيشه بالحرية‪،‬‬
‫أي تم احتالل اململكة واالستيالء عليها بالكامل‪ ،‬أرضاً وشعباً وأمواالً!‬
‫هبت‬
‫حتلت أراضيهم‪ ،‬ون ْ‬
‫فهكذا قتل الناس‪ ،‬وذبح القوم‪ ،‬وسلبت بيوتهم‪ ،‬وا ْ‬
‫أموالهم‪ ،‬وارسل ْت إىل الخليفة! فصار جنوب العراق كله تقريباً محتالً من‬
‫قبل الجيوش اإلسالمية الغازية! هكذا كانت الشعوب تظلم ويعتدى عليها‬
‫من قبل خري أمة اخرجت للناس!‬
‫فبالرغم من كل هذا اإلجرام‪ ،‬من قتل األرسى‪ ،‬ورضب أعناق الناس‪،‬‬
‫والسلب والنهب‪ ،‬والتخريب والتدمري‪ ،‬والسبي واالغتصاب! ما زال البعض‬
‫اليوم سعيدا ً جدا ً بهذه الغزوات‪ ،‬مفتخرا ً بها‪ ،‬متبجحاً بصفاقة‪ ،‬متباهياً‬
‫بوقاحة‪ ،‬وضمريه مرتاح‪ ،‬هذا إ ْن كان هناك ضمري!‬
‫واليوم يدافع العراقيون عن اإلسالم بكل جوارحهم وقواهم‪ ،‬ويجاهدون‬
‫ويقارعون‪ ،‬ويتقاتلون فيام بينهم‪ ،‬سنة وشيعة‪ ،‬وال يعلمون هؤالء املساكني‬
‫إن املسلمني هم الذين اغتصبوا أرضهم‪ ،‬وقتلوا أجدادهم‪ ،‬ونهبوا ثرواتهم‪،‬‬
‫وسلبوا بيوتهم‪ ،‬وخربوا‪ ،‬وهدموا‪ ،‬وأتلفوا‪ ،‬وأفسدوا‪ ،‬ودمروا‪ ،‬وحطموا‪ ،‬ومل‬
‫يدركوا لحد اآلن‪ ،‬أن أجدادهم الذين بقوا عىل قيد الحياة مل يدخلوا اإلسالم‬
‫إال والسيوف عىل رقابهم!‬
‫بعد كل هذا الظلم والجور‪ ،‬والتعذيب والتعسف‪ ،‬والضيم والطغيان‪ ،‬مازال‬
‫سلب‬
‫البعض يتبجح بأفعال خالد وأوامر أيب بكر وما صنعه الصحابة من ٍ‬
‫ونهب‪ ،‬فيخرج علينا بني الحني واآلخر أحد هؤالء من كهفه‪ ،‬ويكلمنا عن‬
‫اإلنسانية والعدل والرحمة وعدم االعتداء! وهو ال يعلم أنَّ الصحابة األجالء‬

‫‪39‬‬
‫جعلوا مياه النهر أحمرا ً من كرثة الدماء‪ ،‬وأطلقوا عليه بكل صفاقة ووقاحة‬
‫اسم نهر الدم!‬

‫املصادر ‪:‬‬
‫كتاب البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق – بريوت‪.‬‬
‫كتاب الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت‬
‫– لبنان‪.‬‬
‫كتاب الفتوح‪ /‬ابن أعثم الكويف‪ /‬الجزء االول‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1991‬دار األضواء‬
‫للطباعة‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫كتاب تاريخ الطربي‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1967‬‬
‫دار املعارف‪ /‬مرص‬

‫‪40‬‬
‫ثقافة قطع الرقاب‬

‫أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذيل‪ ،‬صحايب وفقيه ومقرئ‬
‫ومحدث‪ ،‬وأحد رواة الحديث‪ ،‬وأحد السابقني إىل اإلسالم‪ ،‬وأول من جهر‬
‫بقراءة القرآن يف مكة‪ ،‬وقد توىل قضاء الكوفة وبيت مالها يف خالفة عمر‬
‫بن الخطاب وصدر من خالفة عثامن بن عفان‪.‬‬
‫وكان عبد الله بن مسعود يخدم النبي محمد‪ ،‬فكان يلبس النبي نعليه‪ ،‬ثم‬
‫مييش أمامه بالعصا‪ ،‬حتى إذا أىت مجلسه‪ ،‬نزع نعليه‪ ،‬فأدخلهام عبد الله يف‬
‫ذراعيه‪ ،‬وأعطاه العصا‪ ،‬وكان هو الذي يسرت النبي إذا اغتسل‪ ،‬ويوقضه إذا‬
‫نام‪ ،‬ويؤنسه إذا ميش! وأوىص ابن مسعود قبل وفاته أن يكفن يف حل ٍة‬
‫مبائتي درهم‪ ،‬وترك بعد أن تويف تسعني ألف درهم!‬
‫كل من معاذ بن عمرو بن‬ ‫يف غزوة بدر يف السنة الثانية للهجرة‪ ،‬تقابل ٌ‬
‫الجموح وأيب الحكم املعروف بأيب جهل‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬فجعلته من شأين‪ ،‬فلام‬
‫أمكنني حملت عليه‪ ،‬فرضبته رضب ًة أطنت قدمه بنصف ساقه‪ ،‬ورضبني‬
‫فتعلقت بجلدة من جثتي!‬
‫ْ‬ ‫ابنه عكرمة‪ ،‬فطرح يدي من عاتقي‪،‬‬
‫ثم مر بأيب جهل معوذ بن عفراء‪ ،‬فرضبه حتى أثبته‪ ،‬وتركه وبه رمق‪ ،‬ثم‬
‫مر به عبد الله بن مسعود‪ ،‬وقد أمر النبي محمد أن يلتمس يف القتىل‪،‬‬
‫فوجده بآخر رمق فعرفه‪ ،‬فوضع ابن مسعود رجله عىل عنق أيب الحكم‬
‫وقال‪ :‬هل أخزاك الله يا عدو الله؟ فقال أبو الحكم‪ :‬أخربين مل رن الدائرة؟‬
‫رتقى صعباً!‬
‫ويعني بذلك‪ ،‬رمن أنترص؟ ثم قال‪ :‬لقد ارتقيت يارويعي الغنم م ً‬
‫فقال ابن مسعود‪ :‬إين قاتلك‪ .‬فأجاب‪ :‬ما أنت بأول ٍ‬
‫عبد قتل سيده‪ ،‬فرضبه‬
‫عبد الله‪ ،‬وإحتز رأسه‪ ،‬فوقع رأسه بني رجليه‪ ،‬فحمله إىل النبي محمد‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫قائالً‪ :‬هذا رأس عدو الله‪ ،‬ثم ألقى الرأس بني يدي زعيم األمة‪ ،‬فحمد الله‪،‬‬
‫وسجد النبي شكرا ً لله!‬
‫خاتم األنبياء‪ ،‬وخري البرش‪ ،‬ورسول اإلنسانية‪ ،‬الذي ارسل رحمة للعاملني‪،‬‬
‫مرضج بالدماء! صاحب املقام املحمود‬
‫ٌ‬ ‫رأس مقطو ٌع‬
‫يحمد الله وبني يديه ٌ‬
‫وصحابته يحتزون الرؤوس‪ ،‬ويرضبون الرقاب‪ ،‬وميزقون األشالء‪ ،‬ويبقرون‬
‫البطون!‬
‫هذه هي ثقافة قطع الرؤوس‪ ،‬ورشيعة متزيق األشالء‪ ،‬وهذا هو فقه رضب‬
‫الرقاب‪ ،‬وتاريخ السرية الدموي‪ ،‬وهذه هي سامت الدين‪ ،‬وأركان اإلسالم!‬
‫فهل نحن فعالً قرأنا التاريخ‪ ،‬وتصفحنا أسفاره‪ ،‬وبحثنا أحداثه‪ ،‬وفتشنا‬
‫وثائقه! أم تم خداعنا‪ ،‬وتضليلنا‪ ،‬فقالوا كذباً وتزويرا ً‪ ،‬وكتبوا إفكا ً وتزييفاً‪.‬‬
‫فالبد أن نتوقف عن السري وراءهم كالقطيع‪ ،‬كالذي أغمض عينيه‪ ،‬وأطبق‬
‫جفنيه‪ ،‬نامئاً‪ ،‬هاجعاً‪ ،‬راقدا ً‪.‬‬
‫فهذا ما فعله الصحابة أيها السادة‪ ،‬وهذا ما صنعه نبي الرحمة أيها القوم!‬
‫ومازال البعض مخدوعاً‪ ،‬يسأل متحريا ً‪ ،‬ويستعلم مرتددا ً‪ ،‬ويستفهم متشككاً‪:‬‬
‫من أين أتت داعش!‬
‫داعش هي الصورة الحقيقية ملا فعله ابن مسعود وصحابة نبينا‪ ،‬داعش‬
‫أعادتْ تصوير التاريخ مجسامً‪ ،‬ملوناً‪ ،‬فبدا التاريخ واضحاً صارخاً‪ ،‬وساطعاً‬
‫أبلجاً‪ ،‬فكشف املستور‪ ،‬وفضح املكتوم!‬

‫املصادر ‪:‬‬
‫السرية النبوية‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد األول‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1995‬دار الصحابة للرتاث‪/‬‬
‫طنطا‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1967‬‬
‫دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫سري أعالم النبالء‪ /‬شمس الدين الذهبي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الحادية عرشة ‪/1996‬‬
‫مؤسسة الرسالة للطباعة‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‪/‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الجزية‪ ..‬وظلم واضطهاد الشعوب‬

‫يقول القايض أبو يوسف يف كتابه "الخراج" ‪ :‬الجزية واجبة عىل جميع أهل‬
‫الذمة‪ ،‬من اليهود والنصارى "املسيحيني" واملجوس والصابئني والسامرة‪،‬‬
‫وإمنا تجب الجزية عىل الرجال منهم دون النساء والصبيان‪ :‬عىل املورس‬
‫مثانية وأربعون درهامً‪ ،‬وعىل الوسط أربعة وعرشون‪ ،‬وعىل العامل بيده‬
‫اثنا عرش درهامً‪ ،‬يؤخذ ذاك منهم يف كل سنة‪.‬‬
‫و رمن مل يدفع الجزية يحبس حتى يؤدي ما عليه‪ ،‬وال يخرج من الحبس‬
‫تستويف منه الجزية‪ .‬وال يحل للوايل أن يدع أحدا ً من النصارى واليهود‬
‫واملجوس والسامرة إال أخذ منهم الجزية‪ ،‬ألن دماءهم وأموالهم امنا أحرزت‬
‫بأداء الجزية‪.‬‬
‫قوم قد اقيموا يف الشمس يف بعض أرض الشام‪،‬‬
‫فقد م َّر سعيد بن زيد عىل ٍ‬
‫فقال ما شأن هؤالء؟ فقيل له اقيموا يف الشمس من أجل الجزية! أي تم‬
‫تعذيبهم بحرارة الشمس الحارقة حتي يؤدوا ما عليهم ويدفعوا الجزية!‬
‫قوم‬
‫وقد م َّر عمر بن الخطاب أيضاً‪ ،‬وهو راجع يف مسريه من الشام‪ ،‬عىل ٍ‬
‫صب عىل رؤوسهم الزيت! فقال‪ :‬ما بال هؤالء؟‬ ‫قد اقيموا يف الشمس ي ُّ‬
‫فقالوا عليهم الجزية مل يؤدوها‪ ،‬فهم يعذبون حتى يؤدوها‪ .‬فقال عمر‪ :‬فام‬
‫يقولون وما يعتذرون به يف الجزية؟ قالوا‪ :‬يقولون ال نجد‪ ،‬قال‪ :‬فدعوهم‬
‫وأمر بهم وخىل سبيلهم!‬

‫‪44‬‬
‫خىل سبيلهم ألن عمر قد شاهدهم بالصدفة‪ ،‬بعد أنْ عذبوا‪ ،‬ونكلوا‪،‬‬
‫وأوجعوا رضباً‪ ،‬وأحرقوا بالزيت! فام مصري اآلالف الذين مل يشاهدهم عمر؟‬
‫مصريهم الشمس الحارقة امللتهبة‪ ،‬والزيت الساخن املتوقد!‬
‫هكذا كان يعذَّب رم ْن مل يدفع الجزية! هذه هي رشائع الله! وهذه هي‬
‫أحكام السامء! وهذه هي قوانني اإلسالم السمحة‪ ،‬التي سطرت يف بطون‬
‫تمت‬
‫فنت‪ ،‬وك ْ‬‫الكتب التي مل يتصفحها املسلمون‪ ،‬فكفنت الحقيقة ود ْ‬
‫مست‪ ،‬فهل هذه سامحة اإلسالم‬
‫األرسار وطمرتْ ‪ ،‬وأخفيت األخبار وط ْ‬
‫ومروءته‪ ،‬ونبل الدين وجوده‪ ،‬أم هذا هو العدل واإلنصاف‪ ،‬والقسط‬
‫والرحمة!‬
‫ٌ‬
‫إجحاف وإستبدا ٌد أيها املسلمون! وإضطها ٌد وتعسف‪،‬‬ ‫بل هذا ما هو إال‬
‫وجو ٌر وطغيان‪ ،‬وظل ٌم و رحيف! فأين ضامئركم؟ فال تأنيب ضمري‪ ،‬وال عذاب‬
‫ضمري‪ ،‬وال وخز ضمري! إىل متى يبقى الرشفاء واألخيار صامتني؟‬

‫املصدر ‪:‬‬
‫كتاب الخراج‪ /‬القايض أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم‪ /‬طبع عام ‪ /1979‬دار املعرفة‬
‫للطباعة والنرش‪ /‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫بعد موت الصادق األمني‬

‫محمد بن عبد الله بن عبد املطلب‪ ،‬ولد يف مكة عام الفيل ‪ 571‬للميالد‬
‫(‪ 53‬قبل الهجرة)‪ .‬نبي اإلسالم‪ ،‬ورسول الله‪ ،‬وخاتم األنبياء‪ ،‬ويؤمن‬
‫املسلمون أن الوحي نزل عليه‪ ،‬وأنه أرشف املخلوقات وسيد البرش‪،‬‬
‫ويعتقدون فيه العصمة‪.‬‬
‫ولد يتيامً‪ ،‬فامت أبوه وأمه آمنة بنت وهب حامل به‪ ،‬فرتىب يف كنف جده‬
‫عبد املطلب‪ ،‬ثم من بعده عمه أيب طالب‪ ،‬فعمل يف الرعي ثم التجارة‪،‬‬
‫تزوج من خديجة بنت خويلد‪ ،‬هاجر إىل مدينة يرثب عام ‪ 622‬للميالد‪،‬‬
‫وهو يف الثالثة والخمسني من عمره‪ ،‬قام بتوحيد العرب عىل ديانة واحدة‪،‬‬
‫تويف عام ‪ 632‬للميالد (‪ 11‬للهجرة)‪.‬‬
‫قبل ان توارى جثته‪ ،‬بدأ التنازع عىل السلطة والزعامة وامللك‪ ،‬وعىل الرئاسة‬
‫والقيادة والحكم! والجميع يعلم ما حدث يف السقيفة من مشادة وهرج‪،‬‬
‫وتوتر وخصومة‪ ،‬وعداوة ومشاجرة‪ ،‬ونزاع وإشتباك! فقال عمر بن الخطاب‬
‫إن بيعة أيب بكر كانت فلتة وقى الله رشها!‬
‫وبعد أن دفنت الجثة ارتد أغلب عرب الجزيرة! ونشبت املعارك‪ ،‬وحمي‬
‫الوطيس‪ ،‬وقامت الحرب عىل ساقٍ بني الصحابة العدول "حروب الردة"‬
‫وقطعت الرؤوس وبقرت البطون وتناثرت األشالء وأضحى الناس جثثاً‬
‫هامدة!‬
‫وبعض الرويات تذكر أن الخليفة "الراشدي" األول قتل مسموماً‪ ،‬فيا ترى‬
‫ملاذا سقى املسلمون خليفتهم سامً؟ ملاذا تخلص الصحابة منه بعد فرتة‬

‫‪46‬‬
‫قصرية من حكمه؟ قتل املبررش بالجنة ووالد أم املؤمنني وخليفة خاتم‬
‫األنبياء!‬
‫بعدها استلم الخليفة "الراشدي" الثاين الحكم والسلطة‪ ،‬وقد أخربونا أنه‬
‫فأمنت‬
‫ر‬ ‫فعدلت‬
‫ر‬ ‫"حكمت‬
‫ر‬ ‫كان عادالً منصفاً‪ ،‬رحيامً مقسطاً‪ ،‬فقيل له‬
‫مسموم من‬
‫ٍ‬ ‫فنمت"! والحقيقة أنه مل ينم ومل يرى األمان‪ ،‬فقد قتل بخنج ٍر‬
‫ر‬
‫قبل أحد العبيد الذين تم إستعبادهم من قبل عمر واملسلمني!‬
‫ويف عهد عثامنٍ ‪ ،‬ثار الصحابة عليه‪ ،‬بعد أن إشتد غضبهم وحنقهم‬
‫وسخطهم‪ ،‬وإمتعضوا من حكمه‪ ،‬فصب الناس حقدهم وبغضهم عليه‪،‬‬
‫ودخلوا دار الخالفة وطعنوه بالسيوف والخناجر‪ ،‬فمزق متزيقاً‪ ،‬وقطع إرباً‬
‫إرباً‪ .‬ومل تدفن جثته يف مقابر املسلمني! وبهذا مات الخليفة "الراشدي"‬
‫الثالث وأحد املبرشين بالجنة وذو النورين!‬
‫إندلعت معركة الجمل بني أمري املؤمنيني وأم املؤمنني‪ ،‬وقتل‬
‫ْ‬ ‫ويف عهد عيل‬
‫فيها املبرشون بالجنة "طلحة والزبري" باإلضافة إىل أكرث من مثانية عرش ألف‬
‫مسلم!‬
‫ٍ‬
‫بعدها دارتْ الحرب يف صفني‪ ،‬وهذه املرة بني عيل ومعاوية‪ ،‬فإستعرتْ ‪،‬‬
‫وإحتدمت‪ ،‬فقتل الناس‪ ،‬وذبح املسلمون‪ ،‬وتناثرت األشالء‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وإشتدتْ ‪،‬‬
‫وكانت الضحايا أكرث من سبعني ألف مسلم!‬
‫ثم قتل الخليفة الرابع وآخر الخلفاء "الراشدين" برضبة ٍ‬
‫سيف عىل رأسه‪،‬‬
‫من قبل أحد املسلمني الحافظني للقرآن! مات ابن عم الرسول‪ ،‬وزوج ابنته‪،‬‬
‫وأقرب املقربني‪ ،‬لقد قتل املسلمون رجالً يدور الحق معه حيث دار!‬

‫‪47‬‬
‫بعدها قتل ابن أمري املؤمنني‪ ،‬الحسن بن عيل "سيد شباب أهل الجنة"‬
‫وأحد سبطي "رسول الله" ومن أهل الكساء! فقد دس السم إليه يف األكل‬
‫من قبل زوجته بأمر من الخليفة معاوية! فها هم الصحابة يقتلون بعضهم‬
‫بعضاً‪ .‬إنها العداوة والبغضاء‪ ،‬والكره والخصام‪ ،‬واملقت والضغينة!‬
‫ويف معركة الطف عام ‪ 61‬للهجرة‪ ،‬قتل املسلمون أغلب أهل "بيت النبي"‬
‫داست الخيل‬
‫ْ‬ ‫وقطع رأس الحسني بن عيل ورؤوس أوالده وأصحابه‪ ،‬وقد‬
‫ملت‬
‫عىل جثثهم‪ ،‬ومزقتها السيوف والخناجر‪ ،‬وسبيت نساءهم‪ ،‬وح ْ‬
‫رؤوسهم عىل الرماح إىل دمشق "عاصمة الخالفة"!‬
‫ويف عام ‪ 63‬للهجرة‪ ،‬قام خليفة املسلمني "يزيد بن معاوية" بغزو مدينة‬
‫يرثب "املدينة املنورة"‪ ،‬وأمر بتخريبها وقتل الكثري من الصحابة وابناءهم‬
‫واغتصاب نساءهم!‬
‫ويف عام ‪ 73‬للهجرة‪ ،‬اجتاح الخليفة عبد امللك بن مروان مكة‪ ،‬ونصب‬
‫الحجاج بن يوسف الثقفي املنجنيق‪ ،‬فأحرق الكعبة وهدمها‪ ،‬وقتل أهلها‬
‫اآلمنني! وتم قطع رأس الخليفة عبد الله بن الزبري وصلبه وتعليق جثته‬
‫لسنوات!‬
‫وبعد أن استلم العباسيون السلطة‪ ،‬قاموا بقتل وإستئصال األمويني‬
‫وأبادوهم عن بكرة ابيهم‪ ،‬ونبشوا قبورهم‪ ،‬وقطعوا جثثهم وأحرقوها‪،‬‬
‫وطافت الرؤوس يف البالد!‬
‫ْ‬ ‫بدم بارد‪،‬‬
‫والحقوا كل من كان حياً منهم وذبحوه ٍ‬
‫هذا ما فعله املسلمون بأنفسهم‪ ،‬ومازالوا يذبحون بعضهم بعضاً! واليوم‬
‫يدعون إن القتال فيام بينهم وسبب مشاكلهم‪ ،‬ما هو إال مؤامرة يحوكها‬
‫العامل ضدهم!‬

‫‪48‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‬
‫كتاب السرية النبوية‪ /‬ابن هشام‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1995‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬طنطا‬
‫كتاب البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق –‬
‫بريوت‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‪ /‬القاهرة‪.‬‬
‫كتاب تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار‬
‫املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫النبي وحصون خيرب‬

‫تبعد خيرب أكرث من مئة وخمسني كيلو مرتا ً عن املدينة "يرثب"‪ ،‬وتعترب وال‬
‫تزال منذ أقدم العصور واحة واسعة ذات تربة خصبة معطاءة‪ ،‬وذات عيون‬
‫ومياه غزيرة‪ ،‬وتربتها تربة جيدة للغاية تصلح لزراعة الحبوب والفواكه‬
‫عىل اختالف أنواعها‪ ،‬كام أنها تعترب من أكرب واحات النخيل يف جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬ويكفي لصحة هذا القول أن املسلمني احصوا من النخيل املوجود‬
‫بالنطاه فقط (وهو أحد أودية خيرب الكبرية) فوجدوا بها أربعني ألف نخلة‪.‬‬
‫يف شهر محرم من عام سبعة للهجرة‪ ،‬أمر النبي محمد أصحابه بالتهيؤ لغزو‬
‫أهل خيرب‪ ،‬وتجلَّب رمن حوله يغزون معه‪ ،‬فنزل بني أهل خيرب وبني غطفان‬
‫بوا ٍد يقال له الرجيع‪ .‬فهجم عىل خيرب ليالً من دون علم أهلها‪ ،‬فخرجوا‬
‫عند الصباح إىل عملهم مبساحيهم فلام رأوه قالوا‪ :‬محم ٌد والخميس‬
‫"الجيش" فعادوا هاربني حتى رجعوا إىل حصونهم‪ ،‬فقال زعيم األمة ونبي‬
‫ربت خيرب!‬
‫الرحمة‪ :‬الله أكرب‪ ،‬خ ْ‬
‫فبدأ سيد الخلق باحتالل حصون خيرب حصنا ً حصناً‪ ،‬وأخذ األموال ماالً ماالً!‬
‫وكانت حصون اليهود فيها الطعام وال رو ردك واملاشية واملتاع‪ ،‬فكان أول‬
‫حصونهم التي دخلها حصن ناعم‪ ،‬ثم القموص‪ ،‬وأصاب منهم سبايا‪ .‬وفشت‬
‫السبايا من خيرب وقٌسمت بني املسلمني‪ ،‬وهرب الكثري من اليهود‪ ،‬أطفالهم‬
‫ونسائهم!‬
‫كربون‪ ،‬فيقول أحدهم‪ :‬لقد‬ ‫وصعد املسلمون عىل أحد الحصون وهم ي ر‬
‫وجدنا والله من األطعمة ما مل نظن أنه هناك‪ ،‬من الشعري‪ ،‬والتمر‪ ،‬والسمن‪،‬‬
‫والعسل‪ ،‬والزيت‪ .‬وكان أبو ثعلبة الخشني يقول‪ :‬وجدنا فيه آنية من نحاس‬
‫وفرخار كانت اليهود تأكل فيها وترشب‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وأخرج املسلمون من تلك الحصون غنامً كثريا ً‪ ،‬وبقرا ً وحمرا ً‪ ،‬وأخرجوا منها‬
‫آلة كثرية للحرب‪ ،‬ومنجنيقاً‪ ،‬ودبابات وعدة‪ .‬ووجدوا كذلك من البز عرشين‬
‫بسط ويجعل فيه املتاع ويشد) محزوم ًة من غليظ متاع‬ ‫عكامً (ثوب ي ر‬
‫اليمن‪ ،‬وألف وخمسامئة قطيفة‪ ،‬وعرشة أحامل خشب‪ ،‬فأخرج من الحصن‬
‫ثم أحرق‪ ،‬فمكث أياماً يحرتق!‬
‫وكان من ضمن السبايا‪ ،‬صفية بنت حيي بن أخطب (ابنة زعيم خيرب)‬
‫وهي زوجة كنانة بن الربيع‪ ،‬فتم ذبح زوجها‪ ،‬واصطفى أرشف الخلق وسيد‬
‫البرش صفي ة لنفسه‪ ،‬وتم اغتصابها يف طريق العودة إىل مدينة يرثب! وقد‬
‫وهب النبي ابنة عمها إىل أحد مساعديه‪ ،‬وهو دحية الكلبي!‬
‫شن غزو ًة عىل أهل خيرب‪ ،‬فقام‬
‫ذلك الرجل الذي جاء ليتمم مكارم األخالق َّ‬
‫بقطع الرؤوس وبقر البطون ومتزيق األشالء! واستمر أصحابه األجالء بطعن‬
‫الناس بالخناجر‪ ،‬ورضب األبرياء بالسيوف‪ ،‬ورمي املساكني بالرماح! ثم بدأ‬
‫الصحابة األخيار الرشفاء بسلب األموال ونهب البيوت واغتصاب النساء!‬
‫تبت بأيادي‬
‫عندما يقرأ املسلم هذه األحداث التاريخية يف كتبه‪ ،‬التي ك ْ‬
‫مؤرخني مسلمني‪ ،‬ويرى هذا اإلجحاف واإلضطهاد واإلستبداد‪ ،‬ويقرأ كل‬
‫هذا العدوان والتعسف والجور‪ ،‬ويستشف كل هذا القهر والظلم‬
‫واالغتصاب‪ ،‬ماذا تكون ردة فعله يا ترى؟‬
‫أي إنسان لديه ذرة من األخالق‪ ،‬يقرأ أن مجرماً قد غزا ونهب وسلب‪،‬‬
‫واغتصب امرأة متزوجة‪ ،‬وقسم النساء بني املسلمني الغتصابهن! البد أن‬
‫يستنكر هذه األعامل التي ال متت لألخالق بصلة!‬
‫ملاذا غزا محمد األرايض؟ ملاذا قتل وذبح محمد األبرياء؟ ملاذا نهب وسلب‬
‫محمد األموال؟ ملاذا سبى واغتصب محمد النسا رء؟ ملاذا استعبد وباع محمد‬

‫‪51‬‬
‫ر‬
‫األطفال؟ ملاذا كل هذه الجالفة والفظاظة‪ ،‬والسوقية والهمجية؟ ملاذا كل‬
‫هذا العنف والفتك‪ ،‬والقسوة والجهامة؟ هل لسؤايل من مجيب يا ترى؟‬

‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب املغازي‪ /‬محمد بن عمر الواقدي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل‬
‫الكتب‪ /‬لبنان – بريوت‪.‬‬
‫كتاب تاريخ الرسل وامللوك للطربي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار‬
‫املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫كتاب الكامل يف التاريخ البن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت‬
‫– لبنان‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫كعب بن األرشف‬

‫كعب بن األرشف‪ ،‬شاعر من بني النضري‪ ،‬وقيل كان أبوه من طيء وأمه من‬
‫يهود بني النضري‪ .‬بعد غزوة بدر‪ ،‬وقتل الكثري من زعامء قريش‪ ،‬قال كعب‬
‫أحق هذا؟ أترون محمدا ً قتل هؤالء! فهؤالء‬
‫بن األرشف حني بلغه الخرب‪ٌ :‬‬
‫أرشف العرب وملوك الناس‪ ،‬والله لنئ كان محم ٌد أصاب هؤالء القوم‪ ،‬لبطن‬
‫األرض خ ٌري من ظهرها‪.‬‬
‫خدمت من قبل النبي محمد للقضاء‬ ‫ْ‬ ‫االغتيال هو إحدى الوسائل التي أست‬
‫عىل معارضيه‪ ،‬فقال يوماً‪ :‬من يل بابن األرشف؟ وكان يقصد كعب بن‬
‫األرشف‪ ،‬زعيم يهود بني قريظة! فقال محمد بن مسلمة‪ :‬أنا به يا رسول‬
‫فافعل!‬
‫ْ‬ ‫الله‪ ،‬أنا أقتله! فقال خاتم النبيني وصاحب املقام املحمود‪:‬‬
‫فاجتمع محمد بن مسلمة ونف ٌر من األوس ومنهم أبو نائلة‪ ،‬وانطلقوا إليه‪،‬‬
‫فجلسوا وتكلموا معه‪ ،‬فقد تم خداعه ومل يكن يشك بهم ألن محمد بن‬
‫مسلمة وأيب نائلة كانا أخويه من الرضاعة!‬
‫فقال له أبو نائلة ويحك‪ ،‬ما أطيب عطرك هذا يا ابن األرشف! وكان ابن‬
‫األرشف جعدا ً جميالً‪ ،‬فسلسلت يدا أيب نائلة يف شعر ابن األرشف وأخذ‬
‫بقرون رأسه‪ ،‬وقال ألصحابه‪ :‬اقتلوا عدو الله‪ ،‬فرضبوه باسيافهم!‬
‫وقال محمد بن مسلمة‪ :‬فذكرت مغوالً معي (حديدة دقيقة لها حد ٍ‬
‫ماض)‬
‫كان يف سيفي فانتزعته فوضعته يف رسته‪ ،‬ثم تحاملت عليه فقططته حتى‬
‫انتهى إىل عانته‪ ،‬فصاح عدو الله صيحة ما بقى أطم (حصن) من آطام‬
‫اليهود إال قد أوقدتْ عليه نارا ً‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فلام فرغوا منه احتزوا رأسه ثم حملوه معهم‪ ،‬وقد أصيب أحد أصحابهم‬
‫(الحارث بن أوس) حينام كا نوا يرضبون ابن األرشف بسيوفهم! فحينام‬
‫بلغوا بقيع الغرقد كربوا‪ ،‬وكان الحبيب املصطفى وإمام املتقني يصيل‪ ،‬فلام‬
‫سمع تكبريهم‪ ،‬كرب وعرف أنهم قد قتلوه!‬
‫وحينام وصلوا وجدوا خري البرش وحبيب الله واقفاً عىل باب املسجد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أر ْ‬
‫فلحت الوجوه! فقالوا‪ :‬ووجهك يا رسول الله! ورموا برأسه بني يديه‪ ،‬فحمد‬
‫الله عىل قتله!‬
‫ما أعظمك يا رسول الله! فحينام يقرأ املسلم هذه الكلامت املطرزة‬
‫بالذهب‪ ،‬والعبارات الساحرة‪ ،‬بلسانٍ فصيح‪ ،‬وجملٍ بليغة "ورموا برأسه‬
‫بني يديه‪ ،‬فحمد الله عىل قتله"! ماذا يكون ردة فعله؟ هل سيتحرك ضمريه‬
‫سبات عميق؟ صاحب الشفاعة وسيد‬ ‫ٍ‬ ‫وينتفض؟ أم إن الضمري نائ ٌم يف‬
‫املرسلني يحمد الله عىل الرأس املقطوع واملرضج بالدماء الذي وضع بني‬
‫يديه!‬
‫هل لنا أن نتأمل هذه األحداث الفظيعة‪ ،‬ونتقىص األعامل الشنيعة‪ ،‬ونبحث‬
‫ونتدبر‪ ،‬ونحقق ونتبرص! فالواجب علينا أن نديم النظر يف أسفار التاريخ‪،‬‬
‫فنت‬
‫ونقرأ ونتصفح الكتب‪ ،‬ونطالع ونبحث عن الحقائق‪ ،‬الحقائق التي د ْ‬
‫خفيت قهرا ً‪.‬‬
‫جبت قرسا ً‪ ،‬وأ ْ‬
‫عمدا ً‪ ،‬وطمرتْ قصدا ً‪ ،‬وح ْ‬
‫ملاذا قتل ابن األرشف؟ ملاذا رضب بالسيوف؟ ملاذا مزقت أشالؤه؟ ملاذا قطع‬
‫رأسه؟ ملاذا يأمر نبي الرحمة بهكذا أعامل إجرامية؟ اغتيال زعامء القبائل‪،‬‬
‫وقتل شيوخها‪ ،‬وغدر رشفائها‪ ،‬هل عمليات االغتيال والقتل والغدر من‬
‫أخالق األنبياء؟ أم إنها من سامت الرسل القادمني من السامء!‬

‫‪54‬‬
‫فالبد لنا أن نعيد النظر فيام كتب‪ ،‬وفيام قرأ‪ ،‬ونستنتج الحقائق‪ ،‬ونستنبط‬
‫النتائج‪ ،‬البد لنا أن نفهم ونتفكر‪ ،‬ال أن نسري كالقطيع‪ ،‬ومنيش كالغنم‬
‫واملوايش‪ ،‬فلنا ٌ‬
‫عقول تفكر‪ ،‬ولنا عيو ٌن ترى‪ ،‬وآذا ٌن تسمع‪ ،‬فلنستخدم عقولنا‬
‫وتقدمت باألدب والفنون‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بنت الحضارات‪،‬‬‫أيها الناس‪ ،‬هذه العقول التي ْ‬
‫وأوصلت‬
‫ْ‬ ‫وإزدهرتْ بالعلم واملنطق‪ ،‬وأنتجت الطائرات والصواريخ‪،‬‬
‫وصنعت التكنولوجيا املتطورة‪ ،‬وطورتْ الحياة‬ ‫ْ‬ ‫اإلنسان إىل القمر‪،‬‬
‫واملجتمع‪.‬‬
‫فهل تعجز هذه العقول عىل فهم األحداث‪ ،‬ومتييز الصالح من الطالح‪،‬‬
‫وإدراك حقيقة األمر‪ ،‬ومعرفة اليقني‪ ،‬وإستيعاب ما حدث فعالً‪ ،‬وإستخالص‬
‫اتسعت‪ ،‬فازدادر اإلنسان‬
‫ْ‬ ‫نضجت‪ ،‬واألفكار قد‬‫ْ‬ ‫ما خفي حقاً‪ .‬فالعقول قد‬
‫ثقاف ًة وخرب ًة ودراي ًة‪ ،‬وت ر‬
‫رضاعف وعيا ً وعلامً وإملاماً‪.‬‬

‫املصدر‪:‬‬
‫املغازي‪ /‬م حمد بن عمر الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل‬
‫الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‬
‫– بريوت‪.‬‬
‫املنتظم يف تاريخ امللوك واألمم‪ /‬ابن الجوزي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1995‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مالك بن نويرة وخالد بن الوليد‬

‫أبو حنظلة‪ ،‬مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد الريبوعي التميمي‪ ،‬كان‬


‫يلقب بالجفول لكرثة شعره‪ ،‬وكان شاعرا ً معدودا ً يف فرسان بني يربوع‬
‫وأرشافهم‪ ،‬وصاحب رشف رفيع بني العرب‪ ،‬حتى رضب به املثل يف الشجاعة‬
‫والكرم واملبادرة إىل إسداء املعروف واألخذ بامللهوف‪.‬‬
‫كانت له الكلمة النافذة يف قبيلته‪ ،‬حتى أنه ملا أسلم ورجع إىل قبيلته‬
‫وأخربهم بإسالمه‪ ،‬أسلموا عىل يديه جميعاً‪ ،‬ومل يتخلف منهم رجل واحد‪.‬‬
‫وكان قد نال منزلة رفيعة لدى النبي محمد‪ ،‬حتى نصبه وكيالً عنه يف قبض‬
‫زكاة وصدقات قومه كلها‪.‬‬
‫بعد موت النبي محمد‪ ،‬قام أبو بكر بن أيب قحافة‪ ،‬خليفة املسلمني املعظم‪،‬‬
‫وتركت اإلسالم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بإرسال خالد بن الوليد لقتال القبائل العربية التي ارتدتْ‬
‫فرضب خالد عسكره بأرض بني متيم‪ ،‬وبث الرسايا يف البالد مينة ويرسة!‬
‫فوقعت رسية من تلك الرسايا عىل مالك بن نويرة فإذا هو يف بستان له‬
‫ْ‬
‫أحدقت‬
‫ْ‬ ‫ومعه امرأته وجامعة من بني عمه‪ ،‬فلم يرع مالك إال والخيل قد‬
‫به فأخذوه أسريا ً وكل من كان من بني عمه‪ ،‬وأخذوا امرأته معه وكانت‬
‫بها مسحة من جامل!‬
‫فأتوا بهم إىل خالد‪ ،‬فأمر يف البداية برضب أعناق بني عمه! فقال القوم‪ :‬إنا‬
‫مسلمون فعىل ماذا تأمر بقتلنا؟ فقال خالد‪ :‬والله ألقتلنكم! فقدمهم‬
‫فرضب أعناقهم عن آخرهم!‬
‫ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليرضب عنقه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أتقتلني وأنا مسلم!‬
‫فالتفت مالك إىل امرأته فنظر‬
‫ر‬ ‫منعت الزكاة!‬
‫ر‬ ‫كنت مسلامً ملا‬
‫فقال خالد‪ :‬لو ر‬

‫‪56‬‬
‫إليها ثم قال‪ :‬يا خالد‪ ،‬بهذه تقتلني؟ فقال خالد‪ :‬بل الله قتلك برجوعك‬
‫فرضب عنقه صربا ً‪.‬‬
‫ر‬ ‫عن دين اإلسالم‪ ،‬ومنعك إبل الصدقة! ثم قدمه خالد‬
‫وتزوج خالد امرأة مالك ودخل بها‪.‬‬
‫بعدها أمر خالد برأس مالك بن نويرة فجعل مع حجرين وطب رخ عىل الثالث‬
‫قدرا ً‪ ،‬فأكل منها خالد تلك الليلة لريهب بذلك األعراب! ويقال إن شر عر‬
‫مالك جعلت النار تعمل فيه إىل أن نضج لحم القدر ومل تفرغ الشعر‬
‫لكرثته!‬
‫الحقيقة مل أرى‪ ،‬ومل أسمع‪ ،‬ومل أقرأ إجراما ً مثل هذا اإلجرام الذي قام به‬
‫"سيف الله"! يقطع رؤوس الناس بالرغم من إنهم مسلمون! ويطبخ األكل‬
‫عىل هذه الرؤوس املقطوعة واملرضجة بالدماء‪ ،‬ثم ينزو عىل امرأة القتيل‬
‫كام قال عمر بن الخطاب!‬
‫ولو افرتضنا أنهم تركوا اإلسالم وارتدوا‪ ،‬فهل يذبح من ترك دينا ً أو عقيدة؟!‬
‫رضب عنق رم ْن إستنكر رشيعة‬
‫وهل تقطع رأس رم ْن يرفض فكرة ما؟! وهل ت ْ‬
‫الغزو واالغتصاب؟! ومازال البعض يتبجح بكل صفاقة وجه‪ ،‬ووقاحة عني‪،‬‬
‫بكرم اإلسالم‪ ،‬وسامحة الدين‪ ،‬ودماثة العقيدة‪ ،‬ونبل الرشيعة‪ ،‬وينعق‬
‫صادحاً " لرك ْم دينك ْم رو ريل دين"!‬
‫سفاه ٌة ووقاح ٌة وقلة أدب وحياء‪ ،‬واجرتاء عىل فعل واقرتاف القبائح‬
‫والجرائم والذنوب! أي ملة هذه‪ ،‬وأي رشيعة تلك! وبعد كل هذا يخرج‬
‫علينا أحد املغيبني املغفلني‪ ،‬مستيقظاً من سباته‪ ،‬مستفيقاً من غيبوبته‪،‬‬
‫مدعياً أن داعش ال متثل اإلسالم!‬
‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‬
‫– بريوت‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الفتوح‪ /‬ابن أعثم الكويف‪ /‬الجزء االول‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1991‬دار األضواء للطباعة‪/‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1967‬‬
‫دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫التاريخ األسود الغربيب‬

‫يف عام ‪ 104‬هجرية ويف عهد الخليفة يزيد بن عبد امللك‪ ،‬غزا الجراح بن‬
‫عبد الله الحكمي بالد الخزر من أرمينية‪ ،‬فبث رساياه يف النهب والغارة‬
‫عىل ما يجاوره‪ ،‬فغنموا وعادوا إليه‪.‬‬
‫ثم التقى املسلمون والخزر "أهل األرض" عند نهر الزاب‪ ،‬واقتتلوا قتا ًال‬
‫شديدا ً‪ ،‬فتناجزوا‪ ،‬وتواقعوا‪ ،‬واشتد القتال فهزم املسلمون الخزر‪ ،‬واتبعوهم‬
‫يقتلون ويأرسون‪ ،‬فقتل منهم خلق كثري‪ ،‬وأرسوا رقيقاً كثريا ً جدا ً‪ ،‬وأخذوا‬
‫أمواالً جزيلة‪ ،‬وغنم املسلمون جميع ما معهم‪ ،‬سالحهم‪ ،‬خيولهم‪ ،‬إبلهم‪،‬‬
‫أموالهم‪ ،‬متاعهم!‬
‫ثم سار قائد الجيش إىل أرض الرتك‪ ،‬والتحم القتال واشتد‪ ،‬وعظم األمر عىل‬
‫الجميع‪،‬حتى بلغت القلوب الحناجر‪ ،‬فاحتل الجراح بن عبد الله حصن‬
‫بلنجر‪ ،‬وهزم الرتك وغ َّرقهم وذراريهم يف املاء! وقتل منهم مقتلة عظيمة‪،‬‬
‫حصون‪ ،‬وسبى منهم خلقاً كثريا ً‪ ،‬وأجىل عامة أهلها‪،‬‬
‫خلق كث ٌري ال ي ر‬
‫وقتل فيها ٌ‬
‫فأصاب الفارس ثالمثائة دينار‪ ،‬وكانوا بضعة وثالثني ألفاً‪.‬‬
‫هذا هو التاريخ األسود باحداثه‪ ،‬واألحمر بدمائه‪ ،‬صفحاته مرضجة بالدماء‪،‬‬
‫وجمله ملطخة بالعار‪ .‬فلو تفحصنا العبارة التي نقلها لنا املؤرخون‬
‫"وغ َّرقهم وذراريهم يف املاء" أي تم إغراق األطفال والنساء! فإين ال أجد‬
‫إجحاف وجور‪ ،‬وظل ٌم وإستبداد‪ ،‬وإنحطا ٌط وخسة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وصفاً لهذا الفعل إال أنه‬
‫ودناء ٌة ورذالة!‬
‫واملصيبة الكربى‪ ،‬مل ينبس املسلم ببنت شف ٍة‪ ،‬ومل يعرتض عىل هذا اإلجرام!‬
‫وال حتى القادة وال االمراء وال الخليفة! فأين الرحمة التي يتغنى بها كهنة‬

‫‪59‬‬
‫الدين؟ وأين العدل الذي يتبجح به لصوص املعابد؟ وأين اإلحسان الذي‬
‫يتفاخر به الجهلة؟‬
‫والسؤال الذي حريين وأثار دهشتي‪ ،‬هو أن مدينة بلنجر تقع يف والية‬
‫داغستان‪ ،‬وهي جزء من روسيا اليوم‪ ،‬فهل كان احتالل هذه االرض وقتل‬
‫أهلها وسبي نساءها وإغراق أطفالها دفاعاً عن النفس؟ كام يتبجح بذلك‬
‫البعض ليل نهار!‬
‫أم ميكن لنا اعتبار ما فعله السلف الصالح ما هو إال لصوصية وبلطجة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫رؤوس‪،‬‬ ‫أرض‪ ،‬وقطع‬‫ونهب وإحتالل ٍ‬‫ٍ‬ ‫سلب‬
‫وسطو وإستالب‪ ،‬وعملية ٍ‬
‫ٍ‬
‫أطفال‪ ،‬وسبي نساء؟‬ ‫وتقطيع أشال ٍء‪ ،‬واسرتقاق‬
‫أمتنى أن نحكم عىل تاريخ األجداد بضمريٍ حي‪ ،‬وبصدقٍ وإنصاف‪ ،‬وعد ٍل‬
‫وإستقامة‪ ،‬وأال نكون فاقدي الضمري‪ ،‬معدومي الضمري‪ ،‬ندافع عن القتلة‬
‫املجرمني‪ ،‬سافيك الدماء‪ ،‬قاطعي الرؤوس‪ ،‬سارقي األموال‪ ،‬مغتصبي النساء!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنه اية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء العارش‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‬
‫– بريوت‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬محمد بن جرير الطربي‪ /‬الجزء السابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪/1967‬‬
‫دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثقافة حرق البرش‬

‫يف عام ‪ 11‬للهجرة ‪ ،‬ارتد عن اإلسالم اياس بن عبد الله املعروف بالفجاءة‪،‬‬
‫معت يداه إىل‬
‫فبعث خليفة املسلمني "أبو بكر" وراءه جيشاً‪ ،‬وتم أرسه‪ ،‬فج ْ‬
‫حطب كثري‪ ،‬ثم رمي‬
‫ٍ‬ ‫قفاه‪ ،‬فأمر أبو بكر فأوقد له نارا ً يف مصىل املدينة عىل‬
‫به فيها مقموطاً‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 38‬للهجرة‪ ،‬أرسل معاوية عامله عبد الله بن الحرضمي إىل البرصة‬
‫يل إىل البرصة‬
‫ليستويل عليها‪ ،‬حيث كانت تابعة لعيل بن أيب طالب‪ ،‬فبعث ع ٌّ‬
‫الكثري من الرجال يقودهم جارية بن قدامة‪ ،‬وملا وصلوا البرصة تحصن ابن‬
‫الحرضمي يف دا ٍر مع سبعني رجالً من أصحابه‪ ،‬فأحرق عليهم جارية الدار‬
‫وأحرقهم فيها جميعاً‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 40‬للهجرة‪ ،‬بعث الحسن بن عيل إىل عبد الرحمن بن ملجم‪ ،‬قاتل‬
‫عيل بن أيب طالب‪ ،‬فأخرجه من السجن ليقتله‪ ،‬فأجتمع الناس وقرروا أن‬
‫يحرقوه‪ ،‬فقال عبد الله بن جعفر والحسني بن عيل ومحمد بن الحنفية‪:‬‬
‫دعونا حتى نشفي أنفسنا منه‪ ،‬فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه‪،‬‬
‫ثم كحل عينيه مبسامر محمى‪ ،‬ثم قطعوا لسانه! ثم جعلوه يف قورصة‬
‫وأحرقوه بالنار!‬
‫ويف عام ‪ 66‬هجرية‪ ،‬بعث املختار الثقفي رجاله إىل بيت زيد بن رقاد‪،‬‬
‫فاقتحم الرجال عليه البيت‪ ،‬فخرج مصلتاً بسيفه‪ ،‬فرموه بالنبل ورجموه‬
‫بالحجارة‪ ،‬فسقط وأخرجوه وبه رمق‪ ،‬فدعوا بنا ٍر وأحرقوه وهو حي!‬

‫‪61‬‬
‫ويف عام ‪ 119‬هجرية‪ ،‬قبض خالد بن عبد الله القرسي أمري العراق عىل‬
‫بعض الخوارج وعىل رأسهم الوزير السختياين فحبسهم‪ ،‬فأرسل إليه الخليفة‬
‫هشام بن عبد امللك وأمره بقتله واحراقه‪ ،‬فاخذ وأصحابه إىل جامع الكوفة‪،‬‬
‫وأدخلت أطنان القصب فشدوا فيها‪ ،‬ورموا بالنريان فاضطربوا وجزعوا اال‬
‫زعيمهم‪ ،‬ومل يزل يتلو القران حتى مات‪.‬‬
‫حينام نقرأ هذه الحوادث يف تاريخنا املخجل‪ ،‬وماضينا املؤمل‪ ،‬وكتبنا‬
‫القبيحة‪ ،‬ونجد أن أسفار التاريخ قد طرزت بهذه الجرائم البشعة‪ ،‬وخطت‬
‫صفحاتها بحرق الناس وهم أحياء! البد لنا أن نقع يف حرية ودهشة‪ ،‬ونحس‬
‫بارتباك واختالط! والبد لنا أن نظهر استحيا ًء واحتشاماً! ونضطرب خجالً‬
‫وحيا ًء!‬
‫ترجرج وال تشوش!‬
‫ٌ‬ ‫اختالج وال تزعزع‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫لكن ما اراه عكس ما أتوقعه! فال‬
‫فأجد الغالبية تعتز بهذا التاريخ! وتتباهى بهذا املايض! وتفتخر بهذا‬
‫العمل! وتتبجح بهذا الصنع! والبعض يزهو مغرورا ً‪ ،‬ويشمخ متعجرفاً‪،‬‬
‫ويتعاىل متغطرساً‪ ،‬وال يعرتض مستهجناً‪ ،‬وال يشجب مستقبحاً‪ ،‬وال يحتج‬
‫رافضاً!‬
‫فام السبب الذي أوصل هذه األمة إىل هذا الحال؟ فتنازلت عن إنسانيتها‪،‬‬
‫وفقدتْ احساسها‪ ،‬وخرستْ شعورها! فهي تفكر بال منطق وال حجة‪،‬‬
‫وتتأمل بال دليل وال برهان‪ ،‬وتتدبر بال بينة وال قرينة! وتنظر لآلخر بحقد‬
‫وبغضاء‪ ،‬وسخط وكراهية‪ ،‬وعداوة وضغينة! فام سبب هذا البؤس الذي‬
‫أصابها‪.‬‬
‫فهل حقاً داعش ال متثل ماضينا‪ ،‬ال متثل غزواتنا‪ ،‬ال متثل أفعالنا‪ ،‬ال متثل‬
‫أفكارنا‪ ،‬ال متثل ثقافتنا؟ لنفكر قليالً‪ ،‬ونتأمل ونتبرص قبل أن نجيب!‬
‫‪62‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب تاريخ الرسل وامللوك للطربي‪ /‬األجزاء ‪ /7 ،6 ،5 ،3‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار‬
‫املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫كتاب البداية والنهاية البن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق – بريوت‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ /‬القاهرة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫برشين بالجنة‬
‫ثروات امل ر‬

‫كان للصحايب الجليل عثامن بن عفان "ذو النورين" عند خازنه يوم قتل‬
‫ثالثون ألف ألف وخمسامئة ألف درهم‪ ،‬وخمسون ومائة ألف دينار! وترك‬
‫ألف بعري بالربذة‪ ،‬وترك صدقات كان تصدق بها ببرئ أريس وخيرب ووادي‬
‫القرى قيمة مائتي ألف دينار!‬
‫وقد أصاب "الفاروق" عمر بن الخطاب أرضاً بخيرب! فقال‪ :‬أصبت أرضاً مل‬
‫أصب ماالً قط أنفر منه! وحينام كان "سيدنا" عمر يوزع أموال الغزوات‬
‫(النهب والسلب)‪ ،‬كانت حصته أربعة آالف‪ ،‬وحصة ابنه خمسة آالف! وقد‬
‫أوىص (رمبا بعد موته) ألمهات أوالده بأربعة آالف أربعة آالف لكل امرأة‬
‫منهن! وقد تزوج عمر أم كلثوم بنت عيل‪ ،‬عىل مهر أربعني ألفاً‪( .‬مهر أحد‬
‫زوجاته السبعة أربعون ألفاً! فكم هي ثروتك يا خليفة خليفة رسول الله)‪.‬‬
‫ويقول "أمري املؤمنني"عيل بن أيب طالب‪ :‬لقد رأيتني مع رسول الله وإين‬
‫ألربط الحجر عىل بطني من الجوع‪ ،‬وإن صدقة مايل لتبلغ اليوم أربعني‬
‫ألفاً! الصدقة فقط تبلغ أربعني الفاً‪ ،‬فكم هي ثروتك يا أبو تراب؟ من أين‬
‫لك هذا يا إمام‪ ،‬يا معصوم‪ ،‬يا يعسوب املؤمنني؟‬
‫أما قيمة ما تركه "حواري رسول الله" الزبري بن العوام‪ ،‬اثنني وخمسني ألف‬
‫ألف‪ .‬وكان للزبري مبرص خطط (أرايض) وباإلسكندرية خطط‪ ،‬وبالكوفة‬
‫خطط‪ ،‬وبالبرصة دور‪ ،‬وكانت له غالت ت رقدم عليه من أعراض املدينة! وقد‬
‫ذكر ابن كثري‪ ،‬أن ثروته قد بلغت تسعة وخمسني ألف ألف ومثامنائة ألف!‬

‫‪64‬‬
‫وتقول عائشة بنت "الصحايب الزاهد املتعفف" سعد بن أيب وقاص‪ :‬مات‬
‫أيب يف قرصه بالعتيق عىل عرشة أميال من املدينة‪ ،‬وترك يوم مات مائتي‬
‫ألف وخمسني ألف درهم!‬
‫أما قيمة ما تركه "طلحة الخري والجود" طلحة بن عبيد الله من العقار‬
‫واألموال ثالثني ألف ألف درهم‪ ،‬وترك من العني (النقد) ألفي ألف ومائتي‬
‫ألف دينار‪ ،‬والباقي عروض (األمتعة)! وقد ذكر ابن كثري أن غلة أموال‬
‫راهب‪ ،‬منقطع عن‬
‫ناسك ٌ‬ ‫طلحة بلغت ألف درهم كل يوم! كم أنت زاه ٌد ٌ‬
‫الدنيا!‬
‫برش بالجنة عبد الرحمن بن عوف "أحد الستة أهل الشورى" فقد‬ ‫أما امل َّ‬
‫ترك ألف بعري‪ ،‬وثالثة آالف شاة‪ ،‬ومائة فرس ترعى بالبقيع‪ ،‬وكان يزرع‬
‫بالجرف عىل عرشين ناضحا ً (بعريا ً)! وكان فيام ترك ذهباً‪ ،‬قطع بالفؤوس‬
‫حتى رمجلت أيدي الرجال منه وترك أربع نسوة‪ ،‬فكان لكل امرأة مثانني‬
‫ألفاً وقيل مائة ألف!‬
‫مع العلم أن هؤالء قد هاجروا من مكة قبل سنوات ال ميلك أحدهم سوى‬
‫مالبسه وشسع نعله! فمن أين لهم كل هذه الدنانري والدراهم‪ ،‬والقصور‬
‫واألرايض‪ ،‬والذهب الذي قطع بالفؤوس‪ ،‬والخيل واإلبل والشاء؟‬
‫إنها الغنائم التي سلبت‪ ،‬والبيوت التي نهبت‪ ،‬والعبيد والسبايا التي بيعت!‬
‫انها اللصوصية والرسقة‪ ،‬واإلجحاف والجور‪ ،‬وإنتزاع األموال قهرا ً‪ ،‬وإغتصاب‬
‫األرض كرهاً!‬
‫إنها الغزوات والغنائم أيها السادة! إنَّ مصدر هذا الرثاء هو السبي وسوق‬
‫النخاسة! ومنبع هذه القصور هو السطو والسلب والنهب! لقد مارس‬

‫‪65‬‬
‫الصحابة "ريض الله عنهم وأرضاهم" اإلبتزاز واإلستالب واإلغتصاب أيها‬
‫املؤمنون األحرار!‬
‫لقد إنتزعوا األموال قهرا ً أيها البرش‪ ،‬وإغتصبوا األرايض كرهاً أيها الرشفاء!‬
‫هل فعالً مازال هناك رشفاء ألتحدث إليهم‪ ،‬وأكتب إليهم! أم أسكت كاظامً‪،‬‬
‫وأصمت ماسكاً‪ ،‬واستعجم كامتاً!‬
‫البد أن نعيد قراءة تاريخنا أيها الناس! لقد كذبوا علينا لصوص املعابد‪،‬‬
‫واحتالوا علينا كهنة الدين‪ ،‬وداهنوا ودلسوا‪ ،‬ومكروا ودجلوا‪ .‬لقد خدعونا‬
‫أن املبرش بالجنة هو ذلك الرجل الزاهد العابد‪ ،‬والقانع التقي‪ ،‬واملتعفف‬
‫الورع‪ ،‬والقانت املتصوف‪ ،‬وحينام بحثنا يف الكتب‪ ،‬وفتشنا يف األسفار‪،‬‬
‫وجدناه مبذرا ً مرسفاً‪ ،‬ومبددا ً مبعرثا ً‪ ،‬ومتنعامً مرتفاً‪ ،‬ولصاً سارقاً!‬
‫كلام تعمق املرء يف دراسة هذا التاريخ الغريب العجيب‪ ،‬تثار أسئل ٌة قد‬
‫واحتجبت عن الباحث‪ ،‬واختبأت وتوارت عن شمس‬ ‫ْ‬ ‫استرتتْ عن القارئ‪،‬‬
‫الحقيقة! اخويت املسلمون‪ ،‬البد من قراءة التاريخ‪ ،‬ونبش مقابر الكتب‪،‬‬
‫واستخراج ما يف بطون األسفار "املقدسة"‪ ،‬والحفر والتفتيش‪ ،‬والتحري‬
‫واإلستقصاء‪ ،‬إن كنتم تريدون الحقيقة التاريخية لهؤالء الصحابة "ريض الله‬
‫عنهم وعنكم"!‬
‫أظن أ َّن األمر دبر بليل‪ ،‬وخطط له يف عتم ٍة وظالم!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‪/‬‬
‫القاهرة‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء السابع‪ /‬دار ابن كثري للنرش‪ /‬دمشق ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫تاريخ اليعقويب‪ /‬أحمد بن أيب يعقوب‪ /‬املجلد الثاين‪ /‬رشكة األعلمي للمطبوعات‪/‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ /2010‬بريوت‪.‬‬
‫سري أعالم النبالء‪ /‬شمس الدين الذهبي‪ /‬سري الخلفاء الراشدون ‪ /‬الطبعة الحادية‬
‫عرشة ‪ /1996‬مؤسسة الرسالة للطباعة‪ /‬بريوت‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الحسن ‪ . .‬اإلمام املعصوم‬

‫قردم "اإلمام املعصوم" الحسن بن عيل عىل "الخليفة وأمري املؤمنني" معاوية‬
‫بن أيب سفيان‪ ،‬فقال له معاوية‪ :‬ألجيزنَّك بجائزة ما أجزت بها أحدا ً قبلك‪،‬‬
‫وال أجيز بها أحدا ً بعدك‪ ،‬فأعطاه أربع مائة ألف درهم!‬
‫يف الحقيقة كل رم ْن يعرف شخصية هذا اإلمام الزاهد التقي‪ ،‬سيتوقع أنه‬
‫سريفض هذه األموال وال يأخذها‪ ،‬ألن مصدرها السلب والنهب‪ ،‬وألن‬
‫معاوية حاك ٌم ظامل‪ ،‬كام يدعي أهل البيت‪ ،‬وجميع الشيعة من بعدهم‪،‬‬
‫وأن كرامة اإلمام املجتبى ال تسمح له قبول هذه الرشوة‪ ،‬ودماثة أخالقه ال‬
‫ميكن أن تستجيب لهذا الحاكم الجائر وينقاد له!‬
‫لكن "سبط رسول الله" خيب ظني وظنكم‪ ،‬و رحملر األربعامئة ألف درهم‬
‫وعاد بها إىل املدينة‪ ،‬ليتزوج بالنساء ويتمتع بالجواري‪ ،‬فأكل أموال الناس‬
‫كذباً وبهتاناً‪ ،‬وظلامً وجورا ً!!‬
‫ويستمر ابن عس اكر ذاكرا ً يف تاريخه‪ :‬إن الحسن بن عيل كان يأيت كل سنة‬
‫إىل معاوية فيصله مبئة ألف درهم‪ ،‬فقعد سنة عنه ومل يبعث إليه معاوية‬
‫بيشء‪ ،‬فدعا بدواة ليكتب إليه‪ ،‬فأغفى قبل أن يكتب‪ ،‬فرأى النبي يف منامه‬
‫كأنه يقول‪ :‬يا حسن أتكتب إىل مخلوق تسأله حاجتك وتدع أن تسأل ربك؟‬
‫قال‪ :‬فام أصنع يا رسول الله وقد كرث ديني؟‬
‫ملاذا سأل الحسن الخليفة الظامل ومل يسأل ربه القادر عىل كل يشء؟ وملاذا‬
‫يصور لنا الشيعة بإن معاوية كان يضطهد أهل البيت؟ وهم يعيشون من‬
‫عطاياه‪ ،‬ويتمتعون من بيت مال املسلمني (مصدره‪ :‬سلب ونهب أموال‬

‫‪68‬‬
‫الناس)‪ .‬والسؤال املهم‪ ،‬ملاذا كرث ردين الحسن "كام يدعي" عندما توقف‬
‫معاوية عن إرسال االموال إليه؟ فامذا كان يعمل الحسن يف حياته؟ ما هو‬
‫حصل عىل كل هذه األموال التي‬
‫مصدر رزقه؟ ما هي وظيفته؟ من أين ر‬
‫مكنته من الزواج بأكرث من خمسني إمرأة (حسب الكتب الشيعية) أو‬
‫سبعني إمرأة (حسب املؤرخ الذهبي)‪.‬‬
‫كان أهل البيت وأقرباؤهم يعيشون عىل العطايا التي يبعثها لهم الخليفة!‬
‫التي مصدرها غزو البلدان اآلمنة وسلب ونهب أموال الناس املساكني!‬
‫ليأكل ويتنعم بها أهل البيت وزوجاتهم وأوالدهم!‬
‫كم كنا مخدوعني ومضحوكاً علينا‪ ،‬البد لنا أن نستيقظ من هذه الغيبوبة‬
‫وفقدان الوعي‪ ،‬ومن هذا السبات الطويل‪ ،‬لنضع النقاط عىل الحروف‪،‬‬
‫ونعرف حقيقة األمر وشأن هؤالء اللصوص‪ ،‬الذين رسقوا حتى الوجود!‬

‫املصدر‪:‬‬
‫تاريخ مدينة دمشق‪ /‬ابن عساكر‪ /‬الجزء الثالث عرش‪ /‬دار الفكر‪ /‬الطبعة األوىل‬
‫‪ /1995‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫أمري املؤمنني وأم املؤمنني‬

‫أبو الحسن‪ ،‬عيل بن أيب طالب الهاشمي‪ ،‬رابع الخلفاء "الراشدين" وأول‬
‫أمئة الشيعة‪ ،‬ابن عم النبي محمد وصهره‪ ،‬وأحد الصحابة‪ ،‬وأحد العرشة‬
‫املبرشين بالجنة‪ .‬ولد يف مكة يف جوف الكعبة‪ ،‬أمه فاطمة بنت أسد‪ ،‬وهو‬
‫أول رم ْن أسلم‪ ،‬ز رو رجه النبي ابنته فاطمة يف السنة الثانية للهجرة‪.‬‬
‫شارك عيل يف كل غزوات النبي‪ ،‬عدا غزوة تبوك‪ ،‬حيث خلفه فيها محمد‬
‫عىل املدينة "يرثب"‪ .‬وعرف بشدته وبراعته يف القتال‪ ،‬كان عيل موضع ثقة‬
‫النبي‪ ،‬فكان أحد كتاب القرآن‪ ،‬وأحد أهم سفرائه ووزرائه‪.‬‬
‫بويع بالخالفة سنة ‪ 35‬للهجرة يف مدينة يرثب‪ ،‬فلقب بأمري املؤمنني‪ ،‬وحكم‬
‫خمس سنوات وثالثة أشهر‪ ،‬ويعترب من أكرب فقهاء عرصه‪ ،‬إن مل يكن أكربهم‬
‫عىل اإلطالق كام يعتقد الشيعة وبعض السنة‪ ،‬وقتل عىل يد عبد الرحمن‬
‫بن ملجم عام ‪ 40‬للهجرة‪.‬‬
‫أما عائشة بنت أيب بكر التيمية‪ ،‬هي ثالث زوجات النبي محمد‪ ،‬وإحدى‬
‫أمهات املؤمنني‪ ،‬والتي مل يتزوج امرأة بكرا ً غريها‪ .‬وهي بنت الخليفة األول‪،‬‬
‫مت عائشة بالزنا‬
‫وتزوجها النبي بعد غزوة بدر‪ ،‬السنة الثانية للهجرة‪ ،‬اته ْ‬
‫رفت يف التاريخ اإلسالمي بحادثة اإلفك‪ ،‬وقد برأها القرآن بعد‬‫يف حادثة ع ْ‬
‫هذه الحادثة بشهر‪ ،‬وفق معتقد أهل السنة بشكل خاص‪.‬‬
‫ذكر املؤرخ الحاكم النيسابوري يف كتابه "املستدرك"‪ :‬إ َّن ربع أحكام‬
‫الرشيعة نقلت عن السيدة عائشة‪ .‬وكان أكابر الصحابة يسألونها فيام‬
‫استشكل عليهم‪ .‬فكانت من الفصاحة والبالغة ما جعل األحنف بن قيس‬

‫‪70‬‬
‫يقول‪ :‬ما سمعت الكالم من فم مخلوق‪ ،‬أفخم‪ ،‬وال أحسن منه من يف‬
‫عائشة‪.‬‬
‫رفت يف التاريخ اإلسالمي‬
‫حدثت معركة ع ْ‬‫ْ‬ ‫يف عام ٍ‬
‫ست وثالثني للهجرة‪،‬‬
‫مبوقعة الجمل‪ ،‬بني جيش يقوده أمري املؤمنني ويعسوب الدين‪ ،‬أبو تراب‪،‬‬
‫عيل بن ايب طالب‪ ،‬وجيش آخر تقوده أم املؤمنني‪ ،‬الحمرياء‪ ،‬وحبيبة رسول‬
‫برشين بالجنة‪ ،‬طلحة والزبري! فقد‬ ‫الله‪ ،‬عائشة بنت أيب بكر‪ ،‬ومعها امل ر‬
‫ميت‬
‫خرجت عائشة مع الجيش يف هودج من حديد عىل ظهر جمل‪ ،‬فس ْ‬ ‫ْ‬
‫املعركة بالجمل نسبة إىل ذلك الجمل‪ .‬قتل يف هذه املعركة حوايل مثانية‬
‫عرش ألفاً جميعهم من املسلمني!‬
‫أما معاوية بن أيب سفيان األموي‪ ،‬أحد الصحابة وكتاب القرآن‪ ،‬وسادس‬
‫الخلفاء يف اإلسالم‪ ،‬ومؤسس الدولة األموية يف الشام وأول خلفائها‪ .‬ولد‬
‫مبكة‪ ،‬وجعله عمر بن الخطاب أثناء خالفته وآلياً عىل األردن‪ ،‬ثم واله‬
‫دمشق‪ ،‬ثم واله عثامن بن عفان الشام كلها‪ ،‬وأصبح خليف ًة للمسلمني عام‬
‫‪ 41‬للهجرة بعد مقتل عيل وتنازل الحسن بن عيل عن الخالفة‪.‬‬
‫فت يف التاريخ اإلسالمي‬
‫حدثت معركة عر ْ‬‫ْ‬ ‫يف عام سبعٍ وثالثني للهجرة‪،‬‬
‫مبوقعة صفني‪ ،‬بني جيشني أحدهم يقوده أمري املؤمنني واإلمام املعصوم‬
‫وابن عم "رسول الله" عيل بن أيب طالب‪ ،‬واآلخر يقوده وآيل الشام معاوية‬
‫بن أيب سفيان‪ ،‬وصفني هي منطقة تعرف حالياً بالحدود العراقية السورية‪.‬‬
‫وانتهت باالتفاق عىل التحكيم بني‬
‫ْ‬ ‫وقد استمرتْ هذه املعركة تسعة أيام‪،‬‬
‫الطرفني‪ ،‬بعد رفع املصاحف عىل أسنة الرماح‪ ،‬إشارة إىل رضورة التحاكم‬
‫يل بالرحيل إىل الكوفة‪ ،‬وتحرك معاوية‬ ‫إىل القرآن‪ .‬فتوقف القتال وأذن ع ٌّ‬

‫‪71‬‬
‫بجيشه نحو الشام‪ .‬وقتل يف هذه املعركة سبعون ألفاً جميعهم من‬
‫املسلمني!‬
‫رفت يف التاريخ مبعركة‬
‫وقعت معركة أخرى‪ ،‬ع ْ‬‫ْ‬ ‫وبعد عام من تلك املذبحة‪،‬‬
‫وكانت بني جيشني‪ ،‬أحدهم يقوده "أمري املؤمنني" أيضاً‪ ،‬عيل بن‬
‫ْ‬ ‫النهروان‪،‬‬
‫أيب طالب‪ ،‬واآلخر يقوده عبد الله بن وهب الراسبي‪ ،‬من قبيلة األزد‬
‫اليمنية‪ ،‬وقد عرف هذا الجيش‪ ،‬بجيش الخوارج!‬
‫وبعد معركة حاسمة وقصرية‪ ،‬انتهت بانتصار جيش عيل وهزمية الخوارج‪،‬‬
‫وأسفرتْ هذه املعركة الخاطفة عن عدد كبري من القتىل يف صفوف‬
‫الخوارج‪ ،‬فكان القتىل بعضهم فوق بعض‪ ،‬كام يذكر املؤرخون‪ ،‬حيث قتل‬
‫يف هذه املعركة أربعة آالف‪ ،‬جميعهم من املسلمني!‬
‫اثنان وتسعون ألف قتيل خالل ثالث سنوات فقط! السؤال الذي يطرح‬
‫زقت‪ ،‬والرقاب‬
‫سالت‪ ،‬واألشالء التي م ْ‬
‫نفسه‪ :‬برقبة من كل هذه الدماء التي ْ‬
‫طعت! برقبة أمري املؤمنني؟ أم برقبة أم املؤمنني؟ أم برقبة خليفة‬
‫التي ق ْ‬
‫املسلمني؟‬
‫املسلمون يتطاحنون فيام بينهم ويذبحون بعضهم بعضاً‪ ،‬كام يتطاحنون‬
‫اليوم ويرصخون بأعىل صوتهم‪ :‬إنها مؤامرة! كفانا جهالً أيها الناس‪ ،‬كفانا‬
‫استغفاالً أيها البرش‪ ،‬كفانا خداعاً أيها القوم! أين اإلدراك والبصرية‪ ،‬وأين‬
‫مل منا الجهل والجنون‪ ،‬وسئم ْت منا البالهة‬ ‫الحصافة والحكمة‪ ،‬لقد َّ‬
‫والغرفلة!‬
‫ضحكت علينا‬
‫ْ‬ ‫إىل متى نبقى نؤمن بهكذا خرافات‪ ،‬ونتقاتل من أجلها‪ .‬لقد‬
‫رجل رشيد!‬
‫األمم‪ ،‬وسخرتْ منا الدول! أما حان وقت اليقظة‪ ،‬أليس منكم ٌ‬

‫‪72‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ /‬أبو الحسن املسعودي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ /2005‬املكتبة العرصية‪/‬بريوت‪.‬‬
‫الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‪/‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫اغتيال الشعراء‬

‫كان للشعراء يف عرص قريش تأث ٌري كبري ونفوذٌ عظيم عىل الناس ومقا ٌم‬
‫ومنزلة! وكان لهم مكان ٌة قوية‪ ،‬ولكالمهم حظوة وإعتبار! والعصامء بنت‬
‫مروان واحدة من هؤالء الشعراء التي أخافت محمدا ً وأرعبته كلامتها‪،‬‬
‫وفرزع من أشعارها‪ ،‬وهلع من صوتها‪ ،‬فقد كانت تفضح اإلسالم بقصائدها‪،‬‬
‫وسلب ونهب!‬
‫ٍ‬ ‫وتكشف املستور‪ ،‬وتعيب أفعال املسلمني من قتلٍ وذبح‪،‬‬
‫فحينام رجع املسلمون من غزوة بدر‪ ،‬طلب الصحايب الجليل والخاشع‬
‫العابد‪ ،‬عمري بن عدي‪ ،‬من نبي رحمة أن يأذن له بقتلها‪ ،‬ومبا أن النبي‬
‫محمد كان رؤوفاً حنوناً‪ ،‬رقيق القلب شغوفاً‪ ،‬فأذن له بقتلها وذبحها! ويف‬
‫رواية‪ ،‬إن محمدا ً قال‪ :‬أال رجل يكفينا هذه؟ يقصد عصامء بنت مروان‪،‬‬
‫فقال عمري بن عدي‪ :‬أنا لها!‬
‫التقي الورع‪ ،‬عمري بن عدي‪ ،‬يف جوف الليل حتى دخل‬ ‫فجاءها الصحايب ُّ‬
‫عليها بيتها‪ ،‬وحولها أطفالها نيام‪ ،‬منهم من ترضعه يف صدرها‪ ،‬فجسها بيده‪،‬‬
‫ونحى الصبي عنها‪ ،‬ووضع سيفه يف صدرها حتى أنفذه من ظهرها!‬
‫ثم عاد وصىل الصبح مع نبيه يف املدينة‪ ،‬وكان هذا يف شهر رمضان! فقال‬
‫له زعيم األمة وحبيب الله‪ :‬أقتلت ابنة مروان؟ قال‪ :‬نعم بأيب أنت يا رسول‬
‫الله! فهل عيل يف ذلك من شئ؟ فأجابه الصادق األمني‪ :‬ال ينتطح فيها‬
‫عنزان!‬
‫يدل عىل عدالة هذا الرجل‪ ،‬وإنصاف‬ ‫ال ينتطح فيها عنزان! كال ٌم من ذهب‪ُّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫عطوف يا رسول الله! وكم أنت حلي ٌم يا نبي األمة!‬ ‫هذا املخلوق‪ ،‬فكم أنت‬
‫حينام تقتل الناس إلنهم كتبوا شعرا ً‪ ،‬معرتضني عىل رضب الرقاب وقطع‬

‫‪74‬‬
‫الرؤوس‪ ،‬ومستنكرين سبي النساء واستعباد األطفال‪ ،‬ومسقبحني سلب‬
‫القوافل ونهب األموال! لقد صدق جربيل حينام قال‪ :‬روإن رَّك لر رع ر ٰ‬
‫ىل خلقٍ‬
‫رعظ ٍيم!‬
‫ومازال البعض املغيب يعرتض رافضاً‪ ،‬ويحتج مستنكرا ً عىل أعامل هتلر‬
‫وستالني وجنكيزخان! أيها القوم األجالء حاسبوا مجرميكم قبل أن تعرتضوا‬
‫عىل مجرمي الشعوب األخرى!‬
‫رم ْن يفتخر بهكذا تاريخ‪ ،‬ويتبجح بهكذا شخصيات‪ ،‬البد أن يكون قاتالً‬
‫مثلهم‪ ،‬وسارقاً‪ ،‬ناهباً‪ ،‬سالباً‪ .‬أما أنا فأضطرب حيا ًء من أسفار التاريخ‬
‫السوداء‪ ،‬وأكتب خجالً عن كتب السرية الحالكة املظلمة‪ ،‬وأشعر بالخزي‬
‫والعار من تلك الضامئر امليتة!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫أنساب األرشاف‪ /‬البالذري‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /1996‬دار الفكر للطباعة‪/‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫قطع الرؤوس وصلب الجثث‬

‫زيد بن عيل بن الحسني بن عيل بن أيب طالب الهاشمي‪ ،‬أخو اإلمام محمد‬
‫الباقر‪ ،‬ولد يف مدينة يرثب‪ ،‬ونشأ يف أحضان والده اإلمام زين العابدين‪،‬‬
‫يذكر املؤرخون أنه كان من أكابر الصلحاء وأعاظم أهل البيت عباد ًة وزهدا ً‬
‫وورعاً وديناً وخضوعاً‪ ،‬وكان معروفاً بفصاحة املنطق‪ ،‬وجزالة القول‪،‬‬
‫والوضوح يف البيان‪.‬‬
‫يف عام ‪ 122‬للهجرة‪ ،‬تم القضاء عىل ثورة زيد بن عيل‪ ،‬من قبل الجيش‬
‫الذي أرسل بأم ٍر من خليفة املسلمني هشام بن عبد امللك‪ ،‬وقد أصيب زي ٌد‬
‫وأثخن بالجراح‪ ،‬وقد أصابه سه ٌم يف جبهته‪ ،‬فطلبوا رمن ينزع النصل‪ ،‬فأىت‬
‫بطبيب فاستكتموه أمره‪ ،‬فأستخرج النصل‪ ،‬فامت من ساعته‪ ،‬فدفنوه يف‬
‫ساقية ماء‪ ،‬وجعلوا عىل قربه الرتاب والحشيش‪ ،‬وأجري املاء عىل ذلك‪.‬‬
‫بعد انتهاء املعركة‪ ،‬قام قائد الجيش "يوسف بن عمر الجرحي" بالبحث‬
‫عن زي ٍد بني القتىل‪ ،‬فنادى مناديه‪ ،‬أال رمن أخرب مبكان دفنه فله الجائزة‪،‬‬
‫فجاء الطبيب‪ ،‬فدله عىل موضع قربه‪ ،‬فنبش قربه‪ ،‬وأخرج زيدا ً‪ ،‬ثم صلبه‬
‫عىل خشبة عرياناً‪ ،‬ثم أنزل بعد ذلك وأحرق!‬
‫وتذكر كتب التاريخ إن زيدا ً أستخرج من قربه وقطع رأسه‪ ،‬وصل رب رجسده‪،‬‬
‫وبعث برأسه إىل الخليفة‪ ،‬فصلب هناك عىل باب مدينة دمشق‪ ،‬ثم أرسل‬
‫وبقي البدن مصلوباً إىل أنْ مات الخليفة‪ ،‬وو َّيل الوليد‪ ،‬فأمر‬
‫َّ‬ ‫إىل يرثب‪،‬‬
‫بانزاله وإحراقه!‬
‫سيدعي أحد املغيبني‪ ،‬إن كل هؤالء ال ميثلون اإلسالم‪ ،‬وال يطبقون تعاليم‬
‫القرآن‪ ،‬وال يتبعون سرية رسول الله! ال يا سيدي‪ ،‬عىل العكس‪ ،‬فكل ما فعله‬
‫‪76‬‬
‫هؤالء هو جوهر اإلسالم‪ ،‬وزبدة القرآن‪ ،‬ولب الرشيعة! فقطع الرؤوس‪،‬‬
‫امتثال ألوامر القرآن "إمنَّ را رج رزاء الَّذي رن‬ ‫ٌ‬ ‫وحز الرقاب‪ ،‬وصلب الجثث هو‬
‫ي رحاربونر اللَّ ره رو ررسولره روير ْس رع ْونر يف األْ ر ْرض ف ررسا ًدا أرن ي رق َّتلوا أر ْو ي رصلَّبوا"‪.‬‬
‫وقد رأى خليفة املسلمني إن زيدا ً هذا كان يسعى يف االرض فسادا ً‪ ،‬فتم‬
‫قتله‪ ،‬وذبحه‪ ،‬وصلبه‪ ،‬ثم تقطيعه‪ ،‬وإحراقه! فداعش اليوم أيها السادة‪،‬‬
‫تطبق الفقه والرشيعة‪ ،‬وتتمسك بالدين والناموس‪ ،‬وتنفذ أوامر الله‬
‫والقرآن‪ ،‬وتتبع سنة خاتم األنبياء‪ ،‬وتحتذي بأفعال الخلفاء‪ ،‬وتقتفي أثر‬
‫الصحابة!‬
‫فالذين نراهم اليوم‪ ،‬هم أحفاد القتال الضحوك‪ ،‬وأسباط الصحابة السابقني‬
‫األولني‪ ،‬وأوالد التابعني والسلف الصالح! تلقوا تعاليمهم من نفس املدرسة‪،‬‬
‫وإقتبسوا أفكارهم من نفس املنهج‪ ،‬ودستورهم القرآن والسنة! فهم‬
‫يقطعون الرؤوس‪ ،‬ويصلبون األجساد‪ ،‬وميزقون األشالء‪ ،‬ويحرقون الجثث‪،‬‬
‫كام فعل األجداد من قربل!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء العارش‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪/‬‬
‫دمشق–بريوت‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان ‪.‬‬
‫الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء السابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪ /‬مرص‪.‬‬
‫مروج الذهب‪ /‬عيل بن الحسني املسعودي‪ /‬الجزء الثالث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/2005‬‬
‫املكتبة العرصية‪ /‬بريوت‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫السيف ‪ . .‬حجر أساس اإلسالم‬

‫كتاب الكايف‪ ،‬من أبرز كتب الحديث عند الشيعة‪ ،‬ويعد عندهم أكرث الكتب‬
‫األربعة اعتبارا ً (كتاب الكايف‪ ،‬كتاب االستبصار‪ ،‬كتاب تهذيب األحكام‪ ،‬كتاب‬
‫رمن ال يحرضه الفقيه) مؤلفه هو محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬املتويف عام‬
‫‪ 329‬للهجرة‪ ،‬أحد كبار فقهاء ومحديث الشيعة‪ ،‬ومن أهم علامء الحديث‬
‫عندهم‪ ،‬لقب بثقة اإلسالم‪ .‬ولد يف النصف الثاين من القرن الثالث بقرية‬
‫كلرني‪ ،‬قرب مدينة ري الواقعة يف جنوب العاصمة طهران‪.‬‬
‫أما جعفر الصادق‪ ،‬هو جعفر بن محمد بن عيل بن الحسني بن عيل بن‬
‫أيب طالب‪ ،‬سادس األمئة عند الشيعة‪ ،‬وينسب إليه انتشار مدرستهم‬
‫الفقهية‪ ،‬ولد يف مدينة يرثب عام ‪ 80‬للهجرة‪ ،‬تزوج من نساء عديدات‪،‬‬
‫إحداهن كانت حميدة الرببرية (أ رم ٌة أندلسية يرجع أصلها إىل بربر املغرب)‬
‫وهي والدة اإلمام موىس الكاظم‪ .‬عرف عنه اطالعه الواسع وعلمه الغزير‬
‫(يف الفقه) حيث شهد له بذلك األكابر‪ ،‬منهم تلميذه اإلمام أبو حنيفة‪.‬‬
‫يذكر الكليني ناقالً عن اإلمام السادس لدى الشيعة اإلثنا عرشية‪ ،‬جعفر‬
‫بن محمد‪ ،‬امللقب بالصادق‪ ،‬قائالً‪ :‬لقد قال جدي رسول الله "الخري كله يف‬
‫الناس إال السيف‪ ،‬والسيوف مقاليد‬
‫السيف‪ ،‬وتحت ظل السيف‪ ،‬وال يقيم ر‬
‫الجنة والنار‪.‬‬
‫ويستمر حفيد رسول الله ناقالً عن جده خاتم الرسل واألنبياء‪ :‬ف رم ْن ترك‬
‫الجهاد ألبسه الله ذالً وفقرا ً يف معيشته‪ ،‬و رمحقاً يف دينه‪ ،‬أنَّ الله أغنى أمتي‬
‫بسنابك خيلها‪ ،‬ومراكز رمحها!‬

‫‪78‬‬
‫ومن أقوال هذا اإلمام العابد الناسك‪ ،‬والتقي الورع‪ :‬إنَّ الله بعثر رسوله‬
‫باإلسالم إىل الناس عرش سنني‪ ،‬فأبوا أنْ يقبلوا حتى أمره بالقتال‪ ،‬فالخري يف‬
‫السيف‪ ،‬وتحت السيف‪ ،‬واألمر يعود كام بدأ‪.‬‬
‫ف رم ْن يتأمل بهذه األحاديث‪ ،‬ويتبرص يف تلك األقوال‪ ،‬ويتفكر‪ ،‬ويرتوى‪ ،‬يجد‬
‫أنَّ الله يأمر املسلم بالغزو‪ ،‬والقتال‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وإال سيلبسه ذالً وفقرا ً!‬
‫وسيالحظ كل رم ْن طالع وتقىص وتحقق‪ ،‬أن رسول الله يأمر بالسيف‪،‬‬
‫والقتل‪ ،‬والذبح! وسريى كل رمن حق رَّق وأدام النظر أنَّ أمئة أهل البيت‬
‫يرفعون شعار "الخري بالسيف وتحت السيف"!‬
‫بعد كل هذا اإلجرام‪ ،‬والسيوف‪ ،‬والرماح‪ ،‬والخناجر‪ ،‬وسنابك الخيل‬
‫وحوافرها‪ ،‬يخرج علينا أحد املغيبني من املسلمني الشيعة‪ ،‬فيسأل متبجحاً‪،‬‬
‫ويستفهم مفتخرا ً‪ ،‬ويستوضح متكربا ً‪ :‬ما رأيكم بأهل البيت وعدالتهم؟‬
‫ٍ‬
‫وخالد‪ ،‬والخلفاء االمويني‬ ‫حالهم يا سيدي‪ ،‬حال أيب بك ٍر وعم ٍر وعثامنٍ‬
‫والعباسيني‪ ،‬فكلهم أمروا بالقتل والذبح والسلب والنهب‪ ،‬وسبي النساء‪،‬‬
‫واستعباد االطفال! وجميعهم اشرتكوا بهذه الجرائم البشعة‪ ،‬وحرضوا عليها‪،‬‬
‫وأكلوا حراماً‪ ،‬ورشبوا سحتاً‪ ،‬وكتب التاريخ تشهد عليهم‪ ،‬وأسفارها‬
‫تفضحهم!‬
‫ومازال البعض يعترب الدين هو أساس األخالق والفضيلة‪ ،‬وال يعلم أنه أساس‬
‫القتل والذبح‪ ،‬ومصدر السلب والنهب‪ ،‬وسبب السبي واإلستعباد‪ ،‬وأصل‬
‫التفرقة والعنرصية‪ ،‬ومبعث الحقد والبغضاء‪ ،‬ومنبع العداوة والضغينة‪،‬‬
‫وينبوع املقت والكراهية!‬
‫فهم‬
‫فمن الواجب علينا يا سيدي‪ ،‬أن ال نقرأ صفحات التاريخ ونقلربها بال ٍ‬
‫وال تحليل‪ ،‬وال ٍ‬
‫إدراك وال إستيعاب‪ ،‬بل عىل القارئ الذيك الحصيف‪ ،‬والفرطن‬

‫‪79‬‬
‫اللبيب‪ ،‬أن يستخلص العرب‪ ،‬ويستنبط الدروس‪ ،‬فيقرأ برتي ٍث وإتقان‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بإستعجال وإستخفاف‪ ،‬وال‬ ‫ويبحث بتمهلٍ وإحكام‪ ،‬ودق ٍة وإجادة‪ ،‬ال‬
‫ٍ‬
‫بإهامل وتقصري‪ ،‬وال بتكاسلٍ وتهاون‪.‬‬

‫املصدر‪:‬‬
‫كتاب الكايف‪ /‬محمد بن يعقوب الكليني‪ /‬الجزء الخامس‪ /‬الطبعة األوىل ‪/2007‬‬
‫منشورات الفجر‪ /‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫قطع الطرق عىل القوافل‬

‫يف السنة الثانية للهجرة‪ ،‬أرسل النبي محمد عبد الله بن جحش األسدي‪،‬‬
‫وبعث معه مثانية رجال من املهاجرين‪ ،‬ليس فيهم من األنصار أحد‪ ،‬وأمره‬
‫أن ينزل منطقة تدعى نخلة‪ ،‬بني مكة والطائف‪ ،‬ليرتصد بها قريشاً‪ ،‬ويعرف‬
‫أخبارهم‪.‬‬
‫فمرتْ به قافلة قريش تحمل زبيبا ً وأدماً (جلودا ً)‪ ،‬وتجارة من تجارة‬
‫قريش‪ ،‬فيها عمرو بن الحرضمي‪ .‬فلام رآهم القوم هابوهم‪ ،‬وقد نزلوا قريباً‬
‫منهم‪ ،‬فتشاور املسلمون فيام بينهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬والله لنئ تركتموهم هذه الليلة‬
‫ليدخلن أشهر الحرم‪ ،‬فلم نتمكن من قتلهم‪ ،‬فأجمعوا عىل قتل من قدروا‬
‫عليه!‬
‫بسهم‪ ،‬واستأرسوا اثنني‪ ،‬وأفلت اآلخر منهم‪ ،‬فعاد عبد‬
‫فقتلوا واحدا ً منهم ٍ‬
‫الله بن جحش وأصحابه بالعري (القافلة) واألسريين‪ ،‬فقال عبد الله ألصحابه‬
‫يف الطريق‪ :‬إن لرسول الله مام غنمنا الخمس‪ .‬فعزله وقسم الباقي بني‬
‫أصحابه‪ ،‬وذلك قبل أن يأمر القرآن بالخمس‪ .‬حتى وصلوا مدينة يرثب‪،‬‬
‫وكان بإنتظارهم الصادق األمني‪.‬‬
‫فواجه محم ٌد وأصحابه مشكلة األشهر الحرم‪ ،‬وهي أربعة أشهر‪ ،‬كان العرب‬
‫قبل اإلسالم ميتنعون عن القتال فيها‪ ،‬وكان الهدف من هذا التقليد عندهم‬
‫هو متكني الحجاح والراغبني يف الرشاء من الوصول آمنني إىل أماكن العبادة‬
‫واألسواق والعودة بسالم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فرفض النبي‪ ،‬يف بادئ األمر‪ ،‬أن يأخذ من الغنائم شيئاً‪ ،‬وقالت قريش‪ :‬قد‬
‫استحل محم ٌد وأصحابه الشهر الحرام‪ ،‬وسفكوا فيه الدم‪ ،‬وأخذوا فيه‬
‫األموال‪ ،‬وأرسوا فيه الرجال‪.‬‬
‫فلام أكرث الناس يف ذلك‪ ،‬جاء جربيل مرسعاً‪ ،‬النقاذ املسلمني ونبيهم من‬
‫هذا املوقف املحرج‪ ،‬حامالً بيده ٍ‬
‫آيات من السامء‪ ،‬وتعاليامً من اإلله‪ ،‬تنص‬
‫عىل تحليل القتال يف تلك األشهر‪ ،‬وأخذ الغنائم واألموال‪ ،‬وإباحة القتل‬
‫والذبح‪ ،‬والسلب والنهب‪.‬‬
‫فيذكر املؤرخون املسلمون‪ ،‬لقد فرح املسلمون‪ ،‬وفرج الله عنهم ما كانوا‬
‫فيه من الشفق والخوف‪ ،‬فأخذ خاتم األنبياء الغنائم‪ ،‬وقبض عىل العري‬
‫واألسريين‪ ،‬ف كانت أول غنيمة غنمها املسلمون‪ .‬ويف الحقيقة كانت أول‬
‫عملية سلب ونهب‪ ،‬وأول مهمة لقطع الطريق متت بنجاح‪.‬‬
‫فلو أبعدنا التقديس عن النبي والصحابة األجالء‪ ،‬وقرأنا هذه األحداث‬
‫مستخدمني عقولنا‪ ،‬ال عقولهم‪ ،‬وحكَّمنا ضامئرنا‪ ،‬ال ضامئرهم‪ ،‬لوجدنا أن‬
‫لصوص سارقون‪ ،‬وقطاع طرقٍ ناهبون‪ ،‬وعصاب ٌة‬
‫ٌ‬ ‫هؤالء الصحابة ما هم إال‬
‫من الصعاليك وذؤبان العرب‪ ،‬يقتلون الناس‪ ،‬ويأرسون التجار‪ ،‬ورئيسهم‬
‫وزعيمهم‪ ،‬الذي جاء ليتمم مكارم األخالق‪ ،‬ينهب قهرا ً‪ ،‬ويسلب غصباً‪،‬‬
‫ويغزو نهارا ً‪ ،‬ويهجم ليالً‪ ،‬ويقطع الرؤوس‪ ،‬ويحز الرقاب‪ ،‬ويبقر البطون‪،‬‬
‫وميزق األشالء‪.‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثاين‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫تقطيع لحم األرسى‬

‫أمية بن خلف بن وهب القريش‪ ،‬أحد رؤوس وسادات قريش وكبارهم‪ ،‬ولد‬
‫يف مكة‪ ،‬يكنى بأيب صفوان‪ ،‬أدرك دعوة محمد لكنه مل يسلم‪ ،‬وكان ٌ‬
‫بالل‬
‫عبدا ً له‪ ،‬فعذبه حينام رعل رم أن بالالً اعتنق اإلسالم‪ ،‬لهذا قام ٌ‬
‫بالل بقتل أمية‬
‫يف غزوة بدر‪.‬‬
‫لكن أكرث املسلمني يعتقدون أن بالالً بارز أمية يف املعركة وقتله‪ ،‬كام ظهر‬
‫ذلك واضحا ً يف فيلم الرسالة‪ ،‬لكن الحقيقة خالف ذلك‪ ،‬فأكرث أحداث هذا‬
‫الفيلم كانت كذبا ً وتظليالً‪ ،‬وإفرتا ًء وبهتاناً‪ ،‬فزوروا ولفقوا كثريا ً‪ ،‬وإختلقوا‬
‫وزوقوا غزيرا ً‪ .‬فال تقابل االثنان‪ ،‬وال تبارزا يف تلك املعركة‪ ،‬بل تم قتل أمية‬
‫وابنه حينام كانا أسريان‪ ،‬ال يحمالن سيفا ً وال خنجرا ً‪.‬‬
‫يف السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وبعد ا نتهاء غزو بدر‪ ،‬بدأ املسلمون يسلبون‬
‫مالبس القتىل وسيوفهم ودروعهم‪ ،‬ويأخذون األحياء منهم أرسى‪،‬‬
‫ليبادلونهم فيام بعد باملال‪.‬‬
‫فيذكر عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬الذي كان صديقا ً ألمية بن خلف‪ ،‬وهو يصف‬
‫ما حدث بعد غزوة بدر قائالً‪ :‬مررت بأمية‪ ،‬حيث كان واقفا ً مع ابنه‪ ،‬وهو‬
‫آخ ٌذ بيده‪ ،‬يف ساحة املعركة‪ ،‬فنادى عيل‪ ،‬وكنت حامالً أدرعاً قد استلبتها‪،‬‬
‫قائالً‪ :‬هل لك يفَّ‪ ،‬فأنا خ ٌري من هذه األدرع التي معك؟ وكان يقصد أن‬
‫يأخذه أسريا ً‪ ،‬ثم يفدي نفسه هو وابنه باملال‪ ،‬أفضل من تلك األدرع‬
‫الرخيصة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫فوافق عبد الرحمن‪ ،‬ويستمر بذكر الحادثة قائالً‪ :‬فطرحت األدرع من يدي‪،‬‬
‫وأخذت بيده وبيد ابنه‪ ،‬ثم خرجت أميش بهام‪ .‬فوالله إين ألقودهام إذ رآه‬
‫بالل معي‪ ،‬فقال بالل‪ :‬رأس الكفر أمية بن خلف‪ ،‬ال نجوت إن نجا‪ .‬فقال‬ ‫ٌ‬
‫عبد الرحمن‪ :‬أي بالل أسريي؟ يرتجى بالالً أن ال يقتله!‬
‫فقال بالل‪ :‬ال نجوت إن نجا‪ ،‬ثم رصخ بأعىل صوته‪ :‬يا أنصار الله‪ ،‬رأس‬
‫الكفر أمية بن خلف‪ ،‬ال نجوت إن نجا‪ .‬ويكمل عبد الرحمن قائالً‪ :‬فأحاطوا‬
‫بنا حتى جعلونا يف حلق ٍة كالسوار‪ ،‬فأنا أذ ُّب عنه‪ ،‬فرضب ررج ٌل منهم‬
‫بالسيف رجل ابنه فوقع‪ ،‬وصاح أمية صيح ًة ما سمعت مبثلها قطُّ!‬
‫فالتفت عبد الرحمن ألمية قائالً‪ :‬انج بنفسك وال نجاء‪ ،‬فوالله ما أغني عنك‬
‫ر‬
‫رجل ثقيالً‪ ،‬فلام أدركونا‪ ،‬قلت له‪ :‬ابرك‪ ،‬فربك فألقيت عليه‬
‫شيئاً‪ ،‬وكان أمية ٌ‬
‫نفيس ألمنعه‪ ،‬فتخللوه بالسيوف من تحتي‪ ،‬حتى قتلوه‪ ،‬فهربوهام‬
‫بأسيافهم حتى فرغوا منهام (قطَّعوا لحمهام قطعاً)‪.‬‬
‫لقد تم تقطيع األسريين قطعاً‪ ،‬ومتزيقهام إرباً إرباً‪ ،‬وبعرثت أشالؤهام‪،‬‬
‫ققت أعضاؤهام‪ .‬فقد هجم عليهام الهمج الرعاع‪،‬‬ ‫وكرستْ عظامهام‪ ،‬وش ْ‬
‫سيف وال درع‪ ،‬فرضبوهام بالسيوف‪ ،‬وطعنوهام بالخناجر!‬ ‫وهام عزل بال ٍ‬
‫أهؤالء هم الصحابة األجالء الكرام! أهؤالء هم الرشفاء األتقياء‪ ،‬والنبالء‬
‫النجباء! أهؤالء الذين صدعتم رؤوسنا بهم ليل نهار! وتبجحتم بهم‪،‬‬
‫وتفاخرتم بهم‪ ،‬وتباهيتم غرورا ً‪ ،‬وزهوتم تكربا ً‪ .‬حكرموا عقولكم‪ ،‬وف روضوا‬
‫قليل منها‪.‬‬
‫ضامئركم‪ ،‬وشاوروا وجدانكم‪ ،‬إن كان هناك ٌ‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثاين‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫النرض بن الحارث وعقبة بن أيب معيط‬

‫النرض بن الحارث بن علقمة القريش‪ ،‬سيد من أسياد قبيلة قريش ووجوهها‪،‬‬


‫رفض دعوة محمد للنبوة‪ ،‬وأنكرها وعارضها‪ ،‬فقال هو وبعض كبار قريش‪:‬‬
‫إنا والله ما نعلم رجالً من العرب أدخل عىل قومه مثل ما أدخلت عىل‬
‫قومك‪ ،‬لقد عبت الدين‪ ،‬وشتمت اآللهة‪ ،‬وسفهت األحالم‪ ،‬وفرقت الجامعة!‬
‫ذهب إىل الحرية فقرأ كتب الفرس‪ ،‬وقصصهم وأساطريهم‪ ،‬وخالط اليهود‬
‫واملسيحيني‪ ،‬وسافر إىل العراق والشام وفارس‪ ،‬فإذا عاد إىل مكة يحدث‬
‫الناس بهذه القصص‪ ،‬ثم يقول‪ :‬مباذا محمد أحسن حديثاً مني؟ أنا والله يا‬
‫معرش قريش‪ ،‬أحسن حديثاً منه‪ ،‬فهلُّم إ َّيل‪ ،‬فأنا أحدثكم أحسن من حديثه!‬
‫أما عقبة بن أيب معيط بن أيب عمرو بن أمية بن عبد شمس‪ ،‬فهو من وجهاء‬
‫وكبار قريش أيضاً‪ ،‬وكان رجالً حليامً‪ ،‬وكان يوما ً قد صنع وليمة فدعا إليها‬
‫قريشاً‪ ،‬ودعا محمدا ً‪ ،‬فأىب أن يأتيه إال أن يسلم‪ ،‬وكره عقبة أن يتأخر عن‬
‫طعامه أح ٌد‪ ،‬فأسلم ونطق الشهادتني‪ ،‬ثم عاد وكفر بعد ذلك!‬
‫بعد انتهاء غزوة بدر‪ ،‬ويف طريق العودة إىل مدينة يرثب‪ ،‬ويف منطقة تدعى‬
‫نبي الرحمة بقتل أحد األرسى‪ ،‬وهو النرض بن‬ ‫الصفراء بالحديد‪ ،‬أمر ُّ‬
‫الحارث‪ ،‬فقام عيل بن أيب طالب ورضب عنقه بالسيف‪ ،‬فقطع رأسه‪ ،‬كام‬
‫يفعل مسلمو داعش اليوم!‬
‫بعدها‪ ،‬ويف منطقة تدعى عرق الظُّبية‪ ،‬أمر زعيم األمة وخاتم األنبياء بقتل‬
‫أسريٍ آخر‪ ،‬وكان هذه املرة عقبة بن أيب معيط‪ ،‬فلام أرادوا قتله‪ ،‬ج رزع من‬
‫القتل وقال‪ :‬ما يل أسوة بهؤالء؟ يعني األرسى‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد رمن للصبية؟‬
‫أي رم ْن ألطفايل‪ ،‬فقال محمد‪ :‬النار! فقام عاصم بن ثابت‪ ،‬أحد الصحابة‬
‫الكرام‪ ،‬ورضب عنقه بالسيف‪ ،‬ففصل رأسه عن جسده!‬
‫‪86‬‬
‫فهكذا كان الصادق األمني يأمر بقتل األرسى‪ ،‬ورضب أعناقهم‪ ،‬بال رحمة وال‬
‫ريض الله عنهم وأرضاهم ينفذون أوامره‪،‬‬‫شفقة‪ ،‬وهكذا كان الصحابة َّ‬
‫فيقطعون الرؤوس بسيوفهم‪ ،‬وميزقون األشالء بخناجرهم‪ ،‬ويبقرون البطون‬
‫برماحهم!‬
‫فهل هذه هي األخالق التي جاء محم ٌد ليتمم مكارمها؟ وهل كان بالفعل‬
‫عىل خلقٍ عظيم؟ وهل حقاً كان الصحابة والسلف الصالح صالحني أتقياء‪،‬‬
‫وطاهرين رشفاء؟ فحقيقتهم أيها الناس‪ ،‬واضح ٌة وضوح الشمس‪ .‬لقد كان‬
‫الصحايب طالحاً فاسقاً‪ ،‬وسفَّاحاً سفَّاكاً‪ ،‬ومجرماً آمثاً‪ .‬بال ٍ‬
‫رشف وال نبلٍ‪ ،‬وال‬
‫نخو ٍة وال مروءة‪ ،‬وال دماث ٍة وال أخالق‪ ،‬يقطع طريق القوافل والتجار‪،‬‬
‫ويسطو عليها جهارا ً نهارا ً‪ ،‬ويسلبها وينهبها كاللصوص والصعاليك‪.‬‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثاين‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫يهود بني النضري‬

‫اختلف املؤرخون يف غزوة بني النضري‪ ،‬فمنهم رم ْن ذكرها يف السنة الثالثة‪،‬‬


‫ومنهم رمن ذكرها يف السنة الرابعة من الهجرة‪ .‬فقد ادعى النبي محمد أ َّن‬
‫الله أخربه عن طريق جربيل أن أحدا ً من بني النضري سيلقي عليه صخرةً‪،‬‬
‫جالس مع أصحابه جنب جدا ٍر من بيوت بني النضري‪ .‬فقام وخرج‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫راجعاً إىل مدينة يرثب‪.‬‬
‫فأرسل محم ٌد إليهم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده!‬
‫فبعثوا له أنهم ال يخرجون‪ ،‬فأمر زعيم األمة الناس بالتهيؤ لحربهم واملسري‬
‫إليهم‪ .‬فحارصهم خمس عرشة ليل ًة‪ ،‬وتحصنوا منه يف الحصون‪.‬‬
‫كنت تنهي‬
‫فأمر محمد بقطع النخيل والتحريق فيها‪ ،‬فنادوه‪ :‬يا محمد‪ ،‬قد ر‬
‫عن الفساد‪ ،‬وتعيبه عىل من صنعه‪ ،‬فام بال قطع النخيل وتحريقها؟ فبعد‬
‫أن طال الحصار عليهم‪ ،‬طلبوا من محمد أن يجليهم ويكف عن دمائهم‪،‬‬
‫حملت اإلبل من أموالهم‪ ،‬وأن ال يستصحبوا شيئا ً من‬‫ْ‬ ‫عىل أن لهم ما‬
‫السالح‪ ،‬إهان ًة لهم واحتقارا ً‪.‬‬
‫ف رقبل ذلك منهم‪ ،‬فأعطى كل ثالث ٍة منهم بعريا ً يعتقبونه‪ ،‬فاحتملوا من‬
‫أموالهم ما استقل ْت به اإلبل‪ ،‬فخرجوا إىل خيرب‪ ،‬وتركوا خلفهم النخيل‬
‫واملزارع‪ ،‬فاستوىل عليها رسول الرحمة‪ ،‬فوجد من األسلحة خمسني درعاً‪،‬‬
‫وكانت له خالص ًة‪ ،‬فلم يخمسها ومل يسهم منها‬ ‫ْ‬ ‫وثالمثائة وأربعني سيفاً‪،‬‬
‫ألحد‪ ،‬وقد أعطى ناساً من أصحابه‪.‬‬
‫لهذا جاءت آيات سورة "الحرش" لتقول إنَّ أموال ونخيل ومزارع بني النضري‬
‫كلها للرسول‪ ،‬فملكها الله لحبيبه محمد‪ ،‬فكانت مام أفاء الله عىل رسوله‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫فكانت ملحمد خاص ًة‪ ،‬فكان يعزل نفقة أهله سن ًة‪ ،‬ثم يجعل ما بقي يف‬
‫رشاء السالح‪.‬‬
‫وهكذا ترك بني النضري منازلهم خالية‪ ،‬وتنازلوا عن مزارعهم‪ ،‬وتخلوا عن‬
‫نخيلهم‪ ،‬وأجربوا عىل الرحيل‪ ،‬والخروج من مدينتهم قهرا ً‪ ،‬ومغادرة‬
‫أراضيهم عنو ًة‪ .‬هذا ما فعله الصحابة بهم‪ ،‬ريض الله عنهم وأرضاهم‪ ،‬هؤالء‬
‫هم السلف الصالح‪ ،‬األتقياء العابدين‪ ،‬والرشفاء الزاهدين‪.‬‬
‫هذا هو الجور واإلجحاف‪ ،‬واإلهانة واإلذالل‪ ،‬والتعسف واإلحتقار‪ .‬فهذا ما‬
‫فعلوه الذي أرسل رحمة للعاملني‪ ،‬وهذا ما قام به صاحب الخلق العظيم‬
‫والصادق األمني‪ ،‬غزا وهجر وأخذ األموال واستوىل عىل األرايض‪ .‬فهذه هي‬
‫ونهب‪ ،‬وسط ٌو‬
‫ٌ‬ ‫وسلب‬
‫ٌ‬ ‫الرسق ٌة جهارا ً نهارا ً‪ ،‬وأفعال اللصوص والصعاليك‪،‬‬
‫وغنيمة‪.‬‬
‫فأين اإلستقامة واألمانة‪ ،‬والصدق والنزاهة‪ ،‬التي يتحدث عنها املغيبون‪،‬‬
‫ويتبجح بها النامئون‪ ،‬ويفتخر بها الهاجعون‪ .‬كفاكم أيها الناس نوماً وسباتاً‪،‬‬
‫كفاكم نعاساً وغيبوب ًة‪ ،‬أما حان وقت النهوض‪ ،‬أما آ رن وقت اإلستيقاظ‪.‬‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثالث‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫كتاب الط بقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫اغتيال أيب رافع‬

‫أبو رافع‪ ،‬سالم بن أيب الحق ْيق‪ .‬ملا قتلت األوس كعب بن األرشف‪ ،‬قالت‬
‫الخزرج‪ :‬والله ال يذهبون بهذه فضالً علينا عند رسول الله‪ ،‬وكانا يتصاوالن‬
‫(يتفاخران) تصاول الفحلني‪ ،‬فتذاكر الخزرج رم ْن يعادي محمد‪ ،‬كابن‬
‫األرشف‪ ،‬فذكروا ابن أيب الحقيق‪ ،‬وهو بخيرب‪ ،‬فاستأذنوا محمدا ً يف قتله‪،‬‬
‫فأذن لهم‪ .‬وكان ذلك يف السنة الرابعة للهجرة‪.‬‬
‫فخرج إليه خمسة رجال من الخزرج عىل رأسهم عبد الله بن رعتيك‪ ،‬فأتوا‬
‫دار أيب رافع ليالً‪ ،‬فاستأذنوا عليه‪ ،‬فقالت امرأته‪ :‬ما شأنك؟ فأجاب ابن‬
‫عتيك‪ :‬لقد جئت أبا رافع بهدية‪ ،‬فأدخلتهم زوجته عليه‪ ،‬فلام دخلوا‪ ،‬قال‬
‫أحدهم‪ :‬أين أبو رافع؟ وإال رضبتك بالسيف! فقالت‪ :‬هو ذاك يف البيت‪.‬‬
‫فدخلوا عليه‪ ،‬فوجدوه عىل فراشه‪ ،‬وقالوا ما عرفناه إال ببياضه كأنه قبطية‬
‫ملقاة (القبطية‪ ،‬ثيال من كتان بيض رقاق)‪ .‬فعلوناه بأسيافنا‪ ،‬فرضبناه‪.‬‬
‫وتحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه يف بطنه حتى أنفذه‪ ،‬وجعل القوم‬
‫يرضبونه جميعاً‪ ،‬فصاحت املرأة‪ ،‬فجعل الرجل يريد قتلها‪ ،‬فتصايح أهل‬
‫الدار بعد ما قتل‪ ،‬فخرجوا من عنده‪.‬‬
‫فطلبتهم اليهود يف كل وجه‪ ،‬وخرجوا يف آثارهم‪ ،‬يطلبونهم بالنريان يف ش رعل‬
‫السعف‪ ،‬فلم يروهم‪ ،‬حتى إذا يئسوا‪ ،‬رجعوا إىل صاحبهم‪ .‬وعاد أحد‬
‫املسلمني ودخل يف الناس‪ ،‬ليتأكد من موت أيب رافع‪ ،‬فأقبلت امرأته معها‬
‫أحي أم ميت هو‪ ،‬فصاحت امرأته‬ ‫شعل ٌة من نار‪ ،‬ثم أحنت عليه تنظر ٌ‬
‫وقالت‪ :‬فاظ‪ ،‬وإله موىس‪ .‬فعاد إىل أصحابه وأخربهم الخرب‪.‬‬
‫فساروا حتى قدموا عىل النبي محمد‪ ،‬وهو عىل املنرب‪ ،‬فلام رآهم قال‪:‬‬
‫أر ْ‬
‫فلحت الوجوه! فقالوا‪ :‬أفلح وجهك يا رسول الله! قال‪ :‬أقتلتموه؟ قالوا‪:‬‬
‫‪90‬‬
‫نعم‪ .‬وقد اختلفوا يف قتله‪ ،‬كل وحد منهم يدعي قتله‪ ،‬فقال محمد لهم‪:‬‬
‫هاتوا أسيافكم‪ ،‬فجاؤوا بها‪ ،‬فنظر إليها‪ ،‬فقال لسيف عبد الله بن أنيس‪:‬‬
‫هذا قتله‪ ،‬أرى فيه أثر الطعام‪.‬‬
‫فقال الشاعر حسان بن ثابت‪ ،‬وهو يذكر قتل كعب بن األرشف وسالم ابن‬
‫أيب الحقيق‪:‬‬
‫يابن الحقيق وأنت يابن األرشق‬ ‫لله رد ُّر ع رصاب ٍة القيتهم‬
‫يرسون بالبيض الخفاف إليكم مرحاً ٍ‬
‫كأسد يف عرينٍ مغرف‬
‫فسقوكم حتفاً ٍ‬
‫ببيض ذفَّف‬ ‫محل بالدكم‬
‫حتى أتوكم يف ر‬
‫مستبرصين لنرص دين نبيهم مستضعفني لكل أم ٍر مجحف‬
‫سقطت ضحية أخرى من ضحايا رسول الله‪ ،‬فريس ٌة أخرى‪ ،‬ذبيح ٌة‬ ‫ْ‬ ‫وهكذا‬
‫أخرى‪ .‬قتل سالم بن أيب الحقيق بأيادي غادرة خبيثة‪ ،‬وخائنة ماكرة‪ .‬اغتيل‬
‫ٍ‬
‫بسيوف جبانة خائرة‪ ،‬وبخناج ٍر ذليلة عاجزة‪ .‬فهل هذه هي املودة‬ ‫أبو رافع‬
‫والرحمة الت ي يتبجح بها املتبجحون‪ ،‬أم هذا هو اإلنصاف والعدل الذي‬
‫يتفاخر به املتفاخرون!‬
‫لقد استأذن الصحابة الكرام األجالء من نبي الرحمة‪ ،‬لقد طلبوا اإلذن من‬
‫نفس آمنة يف بيتها‪،‬‬‫الذي جاء ليتمم مكارم أخالقهم‪ ،‬أرادوا رخص ًة لقتل ٍ‬
‫روحٍ نامئة يف رسيرها‪ ،‬يف مكانٍ بعيد عن مدينتهم‪ ،‬يف موضعٍ قيص مرت ٍام‬
‫عن شذوذهم وفجورهم‪ .‬فأذن لهم الصادق األمني‪ ،‬إمام املتقني‪ ،‬حبيب‬
‫الله‪ ،‬أذن لهم بقتل الضحية‪ ،‬بذبحها‪ ،‬ببقر بطنها‪ ،‬بتمزيق أشالئها‪.‬‬
‫وذنب‬
‫إنه جو ٌر وتعسف‪ ،‬وظل ٌم وإجحاف‪ ،‬وقه ٌر وطغيان‪ .‬إنه جر ٌم وجريرة‪ٌ ،‬‬
‫وخطيئة‪ ،‬وإث ٌم وجرمية‪ .‬وضاع ٌة ودناء ٌة هي‪ ،‬وإنحطاطٌ وحقار ٌة تلك‪،‬‬
‫وعجرف ٌة وعنجهية‪ ،‬وغطرس ٌة وغرور‪ .‬فال ٌ‬
‫رشف وال شموخ‪ ،‬وال عز ٌة وال‬
‫مروءة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‬
‫سرية النبي‪ /‬ابن هشام‪ /‬املجلد الثالث‪ /‬دار الصحابة للرتاث‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1995‬‬
‫مرص‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫السلب والنهب‪ ..‬نهارا ً جهاراً‬

‫يف السنة الثالثة للهجرة‪ ،‬قدم نعيم بن مسعود مدينة يرثب‪ ،‬وكان حينها‬
‫عىل دين قومه‪ ،‬دين قريش‪ ،‬واجتمع بكنانة بن أيب الحقريق يف بني النضري‪،‬‬
‫ومعهم سليط بن النعامن وكان قد أسلم‪ ،‬فرشبوا‪ ،‬وكان ذلك قبل أن تحرم‬
‫الخمر‪ ،‬فتحدث نعيم بن مسعود بقضية القافلة‪ ،‬التي سيخرج فيها صفوان‬
‫بن أمية‪ ،‬كقائ ٍد لها‪ .‬وأخربهم عن األموال التي يحملونها معهم‪ ،‬عالو ًة عىل‬
‫الفضة الكثرية‪.‬‬
‫حينها خافت قريش طريقهم التي كانوا يسلكون إىل الشام‪ ،‬حني كان من‬
‫وقعة بد ٍر ما كان‪ ،‬فقال صفوان بن أمية‪ :‬إن محمدا ً وأصحابه قد عوروا‬
‫علينا رمتجرنا‪ ،‬فام ندري كيف نصنع بأصحابه‪ ،‬ال يربحون الساحل‪ ،‬فام ندري‬
‫أين نسلك‪ .‬فقال له األسود بن املطللب‪ :‬خذ طريق العراق‪ .‬قال صفوان‪:‬‬
‫لست بها عارفاً‪ .‬قال له أبو زمعة‪ :‬فأنا أدلك عىل أخرب دليل بها‪ ،‬يسلكها‬
‫وهو مغمض العني‪ .‬فسلكوا طريق العراق‪ ،‬فخرج منهم تجا ٌر‪ ،‬فيهم أبو‬
‫سفيان بن حرب‪ ،‬ومعه فض ٌة كثرية‪ ،‬وزن ثالثني ألف درهم‪ ،‬وهي عظم‬
‫تجارتهم‪ .‬واستأجروا رجالً يقال له‪ :‬فرات بن حيان‪ ،‬ليدلهم عىل تلك‬
‫الطريق‪.‬‬
‫فخرج سليط بن النعامن فأعلم النبي محمد بقضية القافلة‪ ،‬فبعث محمد‬
‫مائة راكب من املسلمني ليقطعوا الطريق عليهم‪ ،‬يقودهم زيد بن حارثة‬
‫(ابن محمد بالتبني)‪ .‬وهي أول رسية خرج فيها زي ٌد أمريا ً‪ .‬فلقيهم عىل ما ٍء‬
‫ٍ‬
‫أموال‬ ‫يقال له‪ :‬ال رق رردة‪ .‬من مياه نجد‪ ،‬فأصاب تلك القافلة وما فيها من‬
‫وفضة‪ ،‬وأرسوا رجالً أو رجلني‪ ،‬ومتكن الباقون من الهرب‪ ،‬فقدم زيد بالقافلة‬
‫واألموال والفضة عىل خاتم األنبياء وزعيم األمة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫استلمها الصادق األمني‪ ،‬مرسورا ً سعيدا ً‪ ،‬ومبتهجاً مستبرشا ً‪ ،‬فأشاد بأصحابه‬
‫هبت‬
‫الغزاة‪ ،‬وأثنى عىل قائدهم زيد ثنا ًء عاطرا ً‪ .‬فخمس الغنيمة‪ ،‬التي ن ْ‬
‫لبت قهرا ً‪ .‬فبلغ خمسها عرشين ألفاً‪ ،‬وقسم أربعة‬ ‫من التجار عنوةً‪ ،‬وس ْ‬
‫الرسية‪.‬‬
‫أخامسها عىل ر‬
‫ونهب نهارا ً جهارا ً‪ ،‬وقطع طريق لرسقة القوافل والتجار‪ .‬إبتزا ٌز‬
‫ٌ‬ ‫سلب‬
‫ٌ‬
‫ونشل وانتهاب‪ ،‬وامتشانٌ‬‫ٌ‬ ‫وإستالب لئيم‪ ،‬وسط ٌو ولصوصية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫رخيص‪،‬‬
‫رشف وال ضمري‪ ،‬وال أخالقٌ وال‬‫وأعامل دنيئة‪ ،‬ال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫واختطاف‪ٌ .‬‬
‫أفعال حقرية‪،‬‬
‫مروءة‪ .‬هذا ما كان عليه هؤالء الصعاليك املتسكعون‪ ،‬اللصوص املترشدون‪،‬‬
‫فهلكت‬
‫ْ‬ ‫فقد صعلكهم الجدب والجفاف‪ ،‬وماتت فيهم الرجولة و النخوة‪.‬‬
‫وفطست رسيرتهم‪ ،‬وبارتْ دماثتهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ضامئرهم‪،‬‬
‫خالصة هذه الحادثة‪ ،‬وزبدة هذه القصة‪ ،‬أن هناك عصابة وحفنة من‬
‫رسل من الله‪ ،‬يقطعون الطريق بأمره‪،‬‬
‫الصعاليك‪ ،‬يقودهم رم ْن يدعي أنه م ٌ‬
‫ويسطون عىل القوافل بوصاياه‪ .‬يسلبون وينهبون‪ ،‬ويقتلون ويأرسون‪،‬‬
‫وير ْسبون ويغتصبون‪ .‬فقد قال زعيمهم "جعل رزقي تحت ظل رمحي‬
‫عل الذلة والصغار عىل من خالف أمري"‪.‬‬
‫وج ر‬
‫فرزقهم‪ ،‬مصدره قتل الناس بالسيوف والرماح‪ ،‬وسلب أموالهم‪ ،‬ونهب‬
‫بيوتهم‪ ،‬وسبي نسائهم‪ ،‬وبيع أطفالهم‪ .‬هذا ما علمهم به زعيمهم ونبيهم‪،‬‬
‫وهذه هي وصايا القتال الضحوك‪ ،‬كام وصف نفسه مترشفاً‪ .‬مفتخرا ً بقتل‬
‫الناس‪ ،‬متباهياً بنهب القوافل‪ ،‬متبجحاً بسلب األموال!‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫بني قريظة‬

‫يف السنة الخامسة بعد الهجرة‪ ،‬وبعيد غزوة الخندق‪ ،‬انرصف النبي محمد‬
‫راجعاً إىل مدينة يرثب ومعه املسلمون‪ ،‬ووضعوا السالح‪ ،‬فلام كانت الظهر‬
‫أىت جربيل‪ ،‬وقد عصب رأسه الغبار‪ ،‬معتجرا ً بعاممة من إستربق‪ ،‬عىل بغلة‬
‫وضعت‬
‫ر‬ ‫عليها ر رحال ٌة‪ ،‬عليها قطيفة من ديباج‪ .‬فقال‪ :‬غفر الله لك‪ ،‬أوقد‬
‫السالح يا رسول الله؟ فقام محم ٌد فزعاً‪ ،‬وقال‪ :‬نعم‪ .‬فقال جربيل‪ :‬ما وضعت‬
‫املالئكة السالح بع ٌد‪ ،‬وما رجعت اآلن إال من طلب القوم‪ ،‬إن الله يأمرك يا‬
‫محمد باملسري إىل بني قريظة‪ ،‬فإين عام ٌد إليهم مبن معي من املالئكة‪،‬‬
‫ألزلزل بهم الحصون‪.‬‬
‫فأمر النبي محمد مؤذناً فأذن يف الناس‪ :‬رم ْن كان سامعاً مطيعاً فال يصلرني‬
‫العرص إال يف بني قريظة‪ .‬فلبس الناس السالح‪ .‬وخرج نبي األمة‪ ،‬فمر‬
‫مبجالس بينه وبني بني قريظة‪ ،‬فقال‪ :‬هل م َّر بكم أحد؟ فقالوا‪ :‬م َّر علينا‬
‫دح رية الكلبي عىل بغلة شهباء‪ ،‬تحته قطيفة ديباج‪ .‬فقال‪ :‬ذلك جربيل‪،‬‬
‫أرسل إىل بني قريظة ليزلزلهم ويقذف يف قلوبهم الرعب‪.‬‬
‫فأمر محمد مبحارصة حصون بني قريظة‪ ،‬فناداهم‪ :‬يا أخوة القردة‬
‫والخنازير وعبدة الطواغيت‪ .‬فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬مل تكن فاحشاً‪.‬‬
‫فحارصهم خمساً وعرشين ليلة‪ ،‬فقال لهم املسلمون‪ :‬السيف بيننا وبينكم‪،‬‬
‫ال نربح حصنكم حتى متوتوا جوعاً‪ ،‬فاشتد عليهم الحصار‪ ،‬حتى جهدهم‪،‬‬
‫فنزلوا عىل حكم سعد بن معاذ‪ ،‬فحكم فيهم أن يقتل الرجال‪ ،‬وكل رمن‬
‫جرت عليه املوايس‪ ،‬وتقسم األموال‪ ،‬وتسبى الذراري والنساء‪ .‬فقال نبي‬
‫حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة!‬
‫ر‬ ‫الرحمة‪ :‬لقد‬

‫‪96‬‬
‫فأمر محمد بحبسهم باملدينة يف دار بنت الحارث‪ ،‬فكتفوا ونحوا ناحي ًة‪،‬‬
‫وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحي ًة‪ ،‬وجمع أمتعتهم وما وجد يف حصونهم‪،‬‬
‫فوجد فيها ألف وخمسامئة سيف وثالمثائة درع وألف رمح وألف‬
‫وخمسامئة ترس‪ ،‬ووجدوا جامالً وماشية كثرية‪.‬‬
‫ثم خرج إىل سوق املدينة‪ ،‬فخندق بها خنادق‪ ،‬ثم بعث إليهم فرضب‬
‫أعناقهم يف تلك الخنادق‪ ،‬فخرج بهم إليه أرساالً‪ ،‬فلم يزل ذلك ال َّدأب حتى‬
‫فرغ منهم‪ ،‬وهم ستمئة أو سبعمئة‪ ،‬واملكرث لهم يقول‪ :‬كانوا ما بني الثاممنئة‬
‫والتسعمئة‪.‬‬
‫كل رم ْن أنبت منهم‪ ،‬فروى عطية الكلبي قائالً‪ :‬كان‬
‫وأمر خاتم األنبياء بقتل ر‬
‫كل من أنبت منهم‪ ،‬وكنت‬ ‫رسول الله قد أمر أن يقتل من بني قريظة ُّ‬
‫غالماً‪ ،‬فوجدوين مل أنبت فخلوا سبييل‪.‬‬
‫بعدها قسم النبي محمد أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم عىل‬
‫املسلمني بعدما أخرج الخمس‪ ،‬وقسم للفارس ثالثة أسهم‪ .‬وبعث بسبايا‬
‫من بني قريظة إىل نجد بيد سعد بن زيد‪ ،‬فابتاع بها خيالً وسالحاً‪ ،‬وكان‬
‫نبي الله ورسول السامء قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو‪ ،‬وكان‬
‫فامتنعت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫عليها حتى توىف وهي يف ملكه‪ ،‬وقد عرض عليها محمد اإلسالم‬
‫فرفضت واختارت أن تستمر عىل‬ ‫ْ‬ ‫وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها‪،‬‬
‫ال ررق ليكون أسهل عليها‪.‬‬
‫رسول من الله يرضب أعناق مثامنئة إنسان بساع ٍة واحدة‪ ،‬ويدفن جثثهم‬ ‫ٌ‬
‫يف الخندق‪ .‬وأثناء عملية القتل والذبح ورضب األعناق‪ ،‬ودفن الجثث‬
‫واألشالء‪ ،‬قام قائد الجيش وزعيم األمة برتك كل هذه األمور‪ ،‬وانتقل ليختار‬

‫‪97‬‬
‫طعت رؤوسهم قبل قليل‪ ،‬فوقع‬
‫لنفسه امرأة من زوجات القتىل الذين ق ْ‬
‫اختياره عىل ريحانة‪.‬‬
‫أي نوع من البرش هذا الذي يرضب األعناق ويغتصب النساء يف نفس‬
‫الوقت! أي نوع من الكائنات هذا الذي يسفك الدماء‪ ،‬وميزق األشالء‪،‬‬
‫عنهن!‬
‫ويقطع الجثث‪ ،‬ويزين بالنساء كرهاً ورغامً َّ‬

‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫بني املصطرلق‬

‫بني املصطلق‪ ،‬قبيلة عربية من خزاعة‪ ،‬كانت أراضيهم عىل مقربة من‬
‫تعرضت هذه‬
‫ْ‬ ‫شاطئ البحر األحمر‪ .‬كان زعيمهم الحارث بن أيب رضار‪.‬‬
‫القبيلة إىل غزو من قبل املسلمني يف السنة الخامسة أو السادسة بعد‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫خرج النبي محمد يف سبعمئة من أصحابه إىل بني املصطلق‪ ،‬فدفع راية‬
‫املهاجرين إىل أيب بكر‪ ،‬وراية األنصار إىل سعد بن عبادة‪ .‬حتى لقيهم عىل‬
‫ما ٍء من مياههم يقال له‪ :‬املريسيع‪ ،‬وأنعامهم تسقى عىل املاء‪ ،‬فطلب‬
‫محمد من عمر بن الخطاب أن ينادي يف الناس‪ ،‬أن قولوا‪ ،‬ال إله إال الله‪،‬‬
‫متنعوا بها أنفسكم‪ ،‬وأموالكم‪ .‬فأبوا‪.‬‬
‫فتزاحم الناس‪ ،‬وتراموا بالنبل واقتتلوا قتاالً شديدا ً‪ ،‬فهزم بني املصطلق‪ ،‬فام‬
‫أفلت منهم رجل واحد‪ ،‬وقتل رمن قتل منهم‪ ،‬وأرس سائرهم‪ ،‬فأصيب من‬
‫ناس كثري‪ .‬وأخذ محمد أبناءهم عبيداً‪ ،‬ونساءهم‬ ‫بني املصطلق يومئذ ٌ‬
‫سبايا‪ ،‬واستوىل عىل كل أموالهم ومتاعهم‪ ،‬وال َّنعم والشاء‪ ،‬فأمر باألرسى‬
‫فكتفوا وجعلوا ناحي ًة‪ .‬وأمر ما وجد يف رحالهم من سال ٍح فجمع‪ ،‬وعمد إىل‬
‫النعم والشاء فسيق‪ .‬وجمع الذريَّة ناحي ًة‪ .‬فأخرج الخمس من جميع‬
‫املغ رنم‪ ،‬وقسم الباقي بني املسلمني‪.‬‬
‫وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أيب رضار‪،‬‬
‫ابنة زعيم بني املصطلق‪ ،‬وكانت امرأة حلوة مالحة‪ ،‬ال يراها أح ٌد إال أخذت‬
‫بنفسه‪ .‬قالت عائشة‪ ،‬زوجة محمد‪ :‬فوالله‪ ،‬ما هو إال رأيتها عىل باب‬
‫حجريت فكرهتها‪ ،‬وعرفت أن نبي األمة سريى منها ما رأيت‪ .‬ويذكر املؤرخ‬

‫‪99‬‬
‫ابن كثري معلقاً عىل كلمة عائشة "فكرهتها" قائالً‪ :‬والكره هنا من باب غرية‬
‫املرأة من املرأة‪ ،‬وخوفها منها عىل زوجها‪.‬‬
‫فدخلت جويرية عىل خاتم األنبياء فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا جويرية بنت‬
‫ْ‬
‫الحارث بن أيب رضار سيد قومه‪ ،‬وقد أصابني من البالء ما مل يخف عليك‪،‬‬
‫فوقعت يف السهم ألحد املسلمني‪ ،‬فكاتبته عىل نفيس‪ ،‬فجئتك أستعينك‬
‫قالت‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬أقيض‬
‫عىل كتابتي‪ .‬فقال‪ :‬فهل لك يف خري من ذلك؟ ْ‬
‫عنك كتابتك‪ ،‬وأتز َّوجك؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد فعلت!‬
‫أهذا ما أمر به الله؟ أهذا ما جاء به رسول الله؟ غز ٌو وإجتياح‪ ،‬وهجو ٌم‬
‫وسبي‪ ،‬واستعباد‪ .‬وسط ٌو واستيال ٌء عىل مال الناس‬
‫ونهب‪ٌّ ،‬‬ ‫وإكتساح‪ .‬وسل ٌب‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫إحرتاف للصوصية‪ ،‬وامتهانٌ‬ ‫بالقوة‪ ،‬والهجوم عليهم قهرا ً وبطشاً‪ .‬ما هذا إال‬
‫للرسقة‪ .‬فاتخذ الغزو عمالً لالكتساب واالرتزاق‪ ،‬وللمعيشة واملنفعة!‬
‫إناس يرفضون فكرة "ال إله إال الله" وال يعتنقون ديناً ما‪ ،‬ترضب أعناقهم‬
‫ٌ‬
‫بظلم وجور‪ .‬فيأخذ أطفالهم‬‫بدم بارد‪ ،‬بال رحمة وال شفقة‪ ،‬ومتزق أشالؤهم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عبيدا ً‪ ،‬يباعون يف األسواق‪ ،‬وتسبى نساؤهم وتغتصب جهارا ً نهارا ً‪ ،‬وتسلب‬
‫أموالهم وإبلهم وأغنامهم‪ ،‬وتنهب بيوتهم ومتاعهم وأراضيهم!‬
‫فأي دي ٌن هذا؟ وأية رشيع ٌة تلك؟ رم ْن هذا الذي يدعي أ َّن اإلسالم دين ٍ‬
‫سالم‬
‫خوف ورعب‪ ،‬وذع ٌر وحرب‪ ،‬وفز ٌع‬ ‫ومحبة‪ ،‬وطأمنين ٍة وسكينة! بل إنه ٌ‬
‫نبل‪ .‬دي ٌن‬
‫رمح‪ ،‬وكالمه ٌ‬‫سيف‪ ،‬وقلبه ٌ‬‫وكرب‪ .‬ما هذا الدين‪ ،‬الذي لسانه ٌ‬
‫رضج بالدماء‪ ،‬وملط ٌخ بالوحل!‬
‫م ٌ‬
‫املصادر‪:‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء األول‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫أم قرفة‬

‫أم قرفة‪ ،‬فاطمة بنت ربيعة الفزارية‪ ،‬من قبيلة فزارة‪ ،‬متزوجة من مالك‬
‫بن حذيفة‪ ،‬وولدتْ له ثالثة عرش ولدا ً‪ ،‬وقيل ثالثون ولدا ً‪ ،‬أكربهم قرفة وبه‬
‫كنيت‪ .‬وكان جميع أوالدها من الرؤساء يف قومهم‪ .‬وكانت أم قرفة شاعرة‬
‫من أعز العرب ممن يرضب بهم املثل يف العزة واملنعة‪ ،‬فيقال‪ :‬أعز من أم‬
‫قرفة!‬
‫يف رمضان من السنة السادسة بعد الهجرة‪ ،‬بعث النبي محمد ابنه بالتبني‬
‫"زيد بن حارثة" ومعه املسلمني لإلغارة عىل بني فزارة يف ناحية بوادي‬
‫القرى‪ ،‬عىل بعد سبع ٍ‬
‫ليال من مدينة يرثب‪.‬‬
‫فكمنوا النهار وساروا الليل‪ ،‬وحينام وصلوا كربوا وأحاطوا مبن حرض هناك‬
‫من فزارة‪ ،‬وأخذوا أم قرفة‪ ،‬وبنتها جارية بنت مالك‪ ،‬كانت يف بيت رشف‬
‫من قومها‪ ،‬فكان الذي أخذها رمسلمة ابن األكوع‪ ،‬حيث يقول‪ :‬وكانت‬
‫جارية من أحسن العرب‪.‬‬
‫حرس أو زيد بن حارثة إىل أم قرفة‪ ،‬وهي عجو ٌز كبري‪،‬‬ ‫وعمد قيس بن امل ر‬
‫فقتلها قتالً عنيفاً‪ .‬فقد ربط بني رجليها حبالً ثم ربطها بني بعريين‪ ،‬ثم‬
‫زجرهام فذهبا فقطعها‪ ،‬فشقها نصفني‪ ،‬وقتل النعامن وعبيد الله ابني‬
‫رمسعدة بن حكمة‪ .‬فعاد زيد إىل املدينة‪ ،‬والنبي محمد يف بيت عائشة‪،‬‬
‫فقرع الباب‪ ،‬فقام محم ٌد إليه عرياناً يج ُّر ثوبه‪ ،‬تقول عائشة‪ :‬ما رأيته عرياناً‬
‫قبلها‪ ،‬حتى اعتنقه وقبله وسأله‪ ،‬فأخربه مبا ظفروا به‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ويروي رمسلمة بن األكوع‪ ،‬الذي أخذ بنت أم قرفة سبي ًة قائالً‪ :‬غزونا ناساً‬
‫من بني فزارة‪ ،‬فشننا الغارة عليهم‪ ،‬فوردنا املاء فقتلنا به من قتلنا‪ .‬فأبرصت‬
‫جامعة من الناس وفيهم النساء والذراري‪ ،‬فجئت بهم أسوقهم‪ ،‬وفيهم‬
‫امرأة من بني فزارة‪ ،‬معها ابنة لها من أحسن العرب‪ .‬فقدمت املدينة‬
‫هب يل املرأة‪ .‬فقلت‪:‬‬ ‫فلقيت النبي بالسوق فقال يل‪ :‬يا أبا سلمة لله أبوك ْ‬
‫والله لقد أعجبتني‪ ،‬وما كشفت لها ثوباً‪ .‬فسكت عني‪ ،‬حتى إذا كان من‬
‫هب يل املرأة‪ ،‬فقلت‪ :‬والله ما‬ ‫الغد لقيني يف السوق‪ ،‬فقال‪ :‬لله أبوك! ْ‬
‫كشفت لها ثوباً‪ ،‬وهي لك‪ ،‬فأخذها زعيم األمة ورسول الله‪.‬‬
‫بدم‬
‫بلغت أقىص الكرب‪ ،‬يشق جسدها إىل نصفني ٍ‬ ‫امرأة عجوزٌ‪ ،‬رهرم ٌة جدا ً‪ْ ،‬‬
‫بارد‪ ،‬بال ضمري وال وجدان‪ .‬هكذا كان مي َّزق املرء‪ ،‬بغض النظر أهو غال ٌم‬
‫صغري‪ ،‬أم عجو ٌز كبري‪ ،‬ترضب عنقه‪ ،‬وتقطع رأسه‪ ،‬ومت َّزق أشالؤه‪ ،‬وتبعرث‬
‫أعضاؤه‪ .‬ثم تسبى البنات الصغريات‪ ،‬فتوزع عىل الصعاليك‪ ،‬فيصطفي‬
‫منهن خاتم األنبياء والرسل ما يشاء‪ ،‬بعدها تبدأ عملية االغتصاب الجامعي‪.‬‬
‫َّ‬
‫هكذا كانت الغزوات‪ ،‬قري ٌة تبعد سبعة أيام عن مدينة الرسول‪ ،‬ي رشن عليها‬
‫هجو ٌم مباغت‪ ،‬وإقتحا ٌم مفاجئ‪ ،‬ومداهم ٌة عىل حني غفلة‪ ،‬فتسبى النساء‪،‬‬
‫حل عليها‬
‫وتنهب األموال‪ ،‬وتسلب البيوت‪ ،‬هكذا كان حال القرى التي َّ‬
‫غضب رسول الرحمة‪ ،‬صاحب املقام املحمود‪.‬‬
‫وبطش وظل ٌم وطغيان‪ .‬هذه هي صفات‬‫ٌ‬ ‫وبأس وقساو ٌة وش َّدة‪ ،‬وفتْ ٌك‬
‫نف ٌ‬ ‫ع ٌ‬
‫الصحابة ونبيهم‪ ،‬هذه كانت حالتهم وسمتهم وميزتهم‪ .‬إنحطا ٌط وسامجة‪،‬‬
‫وفظاظ ٌة ووضاعة‪ .‬ال مروءة وال نخوة‪ ،‬وال نبل وال رجولة‪.‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫تاريخ الرسل وامللوك‪ /‬الطربي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /1967‬دار املعارف‪/‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫رسايا وغزوات السنة السادسة للهجرة‬

‫شن الصحابة األجالء عدة رسايا وغزوات بأمر‬ ‫يف السنة السادسة للهجرة‪َّ ،‬‬
‫النبي محمد‪ ،‬فكان أولها رسية عكاشة بن محصن األسدي إىل ال رغ ْمر يف‬
‫أربعني رجالً‪ ،‬فخرج رسيعاً‪ ،‬و رعلم به القوم فهربوا‪ ،‬ووجد الصحابة أثر ال َّنعم‬
‫فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعري‪ ،‬وساقوهم إىل املدينة وقدموا عىل‬
‫الرسول‪.‬‬
‫ثم بعث النبي محمد أبا عبيدة بن الجراح يف أربعني رجالً من املسلمني‪،‬‬
‫فمشوا إليهم حتى وافوا أرضا ً تدعى ذو القرصة يف ظلمة الصبح‪ ،‬فأغاروا‬
‫عليهم فأعجزوهم هربا ً يف الجبال‪ ،‬فأخذوا نرعام ً من نر رعمهم فاستاقوه‬
‫وقسم ما بقى عليهم‪.‬‬
‫وقدموا بذلك املدينة‪ ،‬فخمسه الصادق األمني‪َّ ،‬‬
‫ويف هذه السنة‪ ،‬أرسل النبي بعض الصحابة يقودهم زيد بن حارثة إىل بني‬
‫سلريم‪ ،‬فسار حتى ورد الجموم‪ ،‬فهجم عليهم‪ ،‬واندفع نحوهم فجأ ًة دون‬
‫ترقب‪ ،‬فأصاب الصحابة األجالء نرعامً وشا ًء وأرسى‪ ،‬واستولوا عىل الغنائم‬
‫عنو ًة وقهرا ً‪.‬‬
‫أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة‬‫ْ‬ ‫ثم بلغ النبي أن قافل ًة لقريش قد‬
‫مرة أخرى يف مئة وسبعني راكباً يتعرض لها‪ ،‬يف موضع يدعى العيص‪ ،‬حتى‬
‫هجموا عليها كذئاب برشية‪ ،‬قد نزعت منهم اإلنسانية‪ ،‬فأخذوها وما فيها‪،‬‬
‫وأخذوا يومئذ أمواالً وفض ًة كثرية‪ ،‬وأرسوا ناساً ممن كان يف القافلة‪ ،‬منهم‬
‫أبو العاص بن الربيع‪ ،‬زوج زينب بنت النبي محمد‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫بعدها بعث زيد بن حارثة من قبل زعيم األمة للمرة الثالثة إىل ماء يدعى‬
‫الطراف‪ ،‬فخرج إىل بني ثعلبة يف خمسة عرش رجالً‪ ،‬فانقض عىل الناس‬
‫اآلمنني املطمئنني بغت ًة وعىل غفلة منهم‪ ،‬فأغار وإقتحم‪ ،‬وصال وهجم‪،‬‬
‫وهربت األعراب وصبح زي ٌد بالنَّعم املدينة‪ ،‬وهي‬
‫ْ‬ ‫فأصاب نعامً وشا ًء‪،‬‬
‫عرشون بعريا ً‪ .‬ثم أرسل النبي أيضاً زيد بن حارثة للمرة الرابعة إىل وادي‬
‫القرى يف نفس العام‪.‬‬
‫نبي األمة وسيد املرسلني إىل بني سعد بفدك ابن عمه وزوج‬ ‫بعدها أرسل ُّ‬
‫ابنته عيل بن أيب طالب يف مئة رجل‪ ،‬فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى‬
‫إىل موضع يدعى ال ره رمج‪ ،‬وهو ماء بني خيرب وفدك‪ ،‬فأغاروا عليهم وأوقعوا‬
‫بهم ودفعوا عليهم الخيل‪ ،‬فأخذوا خمسمئة بعري‪ ،‬واستولوا عىل ألفي شاة‪،‬‬
‫وهربت بنو سعد بالظُّعن‪ ،‬حاملني نسائهم‪ ،‬مدبرين بأطفالهم‪ ،‬تاركني‬ ‫ْ‬
‫يل بن أيب‬
‫أرضهم وديارهم وأموالهم‪ .‬فعزل أمري املؤمنني ويعسوب الدين ع ٌّ‬
‫وقسم سائر الغنائم واملكاسب‪ ،‬ووزَّع‬‫طالب صفي النبي‪ ،‬ثم عزل الخمس‪َّ ،‬‬
‫السلب والنهب الذي تبقى عىل أصحابه األجالء وقدم املدينة‪.‬‬
‫ويف نهاية هذه السنة‪ ،‬خرج النبي محمد بنفسه غازياً الحديبية‪ ،‬معه ألف‬
‫وأربعمئة من الصحابه واملبرشين بالجنة‪ ،‬وقد استنفر من حوله من أهل‬
‫البوادي من األعراب ليخرجوا معه‪ ،‬فأبطؤوا عليه‪ ،‬فخرج مبن معه من‬
‫املهاجرين واألنصار ومبن لحق به من العرب‪ .‬واستخلف عىل املدينة عبد‬
‫الله بن أم كلثوم‪ ،‬ومل يخرج معه السالح إال السيوف‪.‬‬
‫هذه هي نبذة بسيطة ملا حدث يف السنة السادسة للهجرة‪ٌ ،‬‬
‫قتال وإجتياح‪،‬‬
‫وسلب ونهب‪ ،‬وقه ٌر‬
‫ٌ‬ ‫وهجوم وإكتساح‪ ،‬وسط ٌو وإستالب‪ ،‬وإبتزا ٌز وإغتصاب‪،‬‬
‫وغصب‪ ،‬وغز ٌو وإغارة‪ ،‬وك ٌر وفر‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫رؤوس‬
‫فلم كل هذا القتل والذبح؟ وما سبب سفك هذه الدماء وإراقتها؟ ٌ‬
‫زقت‪ ،‬وجثثٌ تناثرتْ ! أهذا هو الدين الذي‬
‫طعت‪ ،‬وبطونٌ بقرتْ ‪ ،‬وأشال ٌء م ْ‬ ‫ق ْ‬
‫نعتنقه تفاخرا ً‪ ،‬أهذا هو اإلسالم الذي نعتز به ترشفاً‪ ،‬أهذه هي الرحمة‬
‫التي نتبجح بها تكربا ً‪.‬‬
‫كفانا جهالً وتخلفاً‪ ،‬كفانا طيشاً وتهورا ً‪ ،‬كفانا كذبا ً عىل الناس وعىل أنفسنا‪،‬‬
‫يقتل الناس األبرياء‪ ،‬وتغتصب نساؤهم‪ ،‬وتباع أطفالهم‪ ،‬وتهدم بيوتهم‪،‬‬
‫وتنهب أموالهم‪ ،‬ويسلب متاعهم‪ ،‬من أجل أنْ يعبد اإلله!‬
‫أي إله هذا الذي يأمر بهكذا أعامل؟ أي إله هذا الذي يقبل بهكذا أفعال؟‬
‫أحقاً إنها أوامر من السامء؟ أفعالً إنها ترشيعات من ذلك اإلله الخفي‪،‬‬
‫املستور‪ ،‬املحتجب‪ ،‬املسترت‪ ،‬القابع يف عرشه‪ ،‬املنزوي فيه‪ ،‬املتواري عن‬
‫األنظار! كم نحن مخدوعون إنْ صدقنا هذا الهذيان والهراء‪ ،‬وكم نحن‬
‫مغفلون إنْ آمنا بهذه الحامقة وقلة العقل وفساده‪.‬‬

‫املصادر‪:‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ /‬ابن األثري‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬دار الكتاب العريب ‪ /2012‬بريوت – لبنان‪.‬‬
‫البداية والنهاية‪ /‬ابن كثري‪ /‬الجزء الرابع‪ /‬الطبعة الثانية ‪ /2010‬دار ابن كثري‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫املغازي‪ /‬الواقدي‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة الثالثة ‪ /1984‬دار عامل الكتب‪ /‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫سري أعالم النبالء‪ /‬شمس الدين الذهبي‪ /‬السرية النبوية‪ /‬الطبعة األوىل ‪/1996‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫كتاب الطبقات الكبري‪ /‬ابن سعد‪ /‬الجزء الثاين‪ /‬الطبعة األوىل ‪ /2001‬مكتبة الخانجي‬
‫للنرش‪ /‬القاهرة – مرص‪.‬‬

‫‪107‬‬

You might also like