Professional Documents
Culture Documents
الأستاذة ليندة خراب محاضرات السرديات العربية المعاصرة ماستر 1 مجموعة1 الأفواج 1و2
الأستاذة ليندة خراب محاضرات السرديات العربية المعاصرة ماستر 1 مجموعة1 الأفواج 1و2
-1يعرف مالك بن نبي الثقافة بأنّها تشمل":كل مقاييسنا الذاتية التي تتمثل في قولنا(هذا جميل) و( ذاك قبيح)أو (هذا خير) و(ذلك شر)؛هذه المقاييس هي التي تحدّد
سلوكنا االجتماعي في عمومه ،كما تحّدد موقفنا من المشكالت قبل أن تتدخل عقولنا ...إنّها تحدّد في الواقع المباني الشخصية للفرد كما تحدّد المباني االجتماعية،أو ما أطلقنا
عليه من قبل( أسلوب الحياة) ،أعني:خاصية الثقافة،وهي بهذا نفسه تحدّد رقعتها وحدودها".ينظر :الك بن نبي :مشكلة الثقافة ،ترجمة عبد الصبور شاهين،دار
الفكر،دمشق،سوريا،ط ،4894، 4ص.ص. 34-35
1
املتخيل سرديا ،هو ٌ
نسق جمالي ال يخضع ألحادية املنظورالثقافي، ّ إلى القول ّ
بأن العالم
ّ
النص مصنوع من وذلك ما يذهب إليه روالن با ت ) (Roland Barthesإذ يعتقد ّ
بأن» : ر
ّ
كتابات مضاعفة.وهو نتيجة لثقافات متعددة،تدخل كلها بعضها مع بعض في حوار
متعدد الهويات،وهو يتسربل بحواريةّ ،ومحاكاة ساخرة ،وتعارض 1 «.فالنص ألادبي
وساليب و منظور ٌ
ات ثقافية واجتماعية. ٌ ظاهرة،تتقاطع عبر نسيجها ٌ
لغات و
املرجعيات الثقافية في الرواية العربية/نماذج مختارة:
ّ
الثقافية،وقدمتها بأسلوب رمز شديد التقطت الرواية العربية السياقات
ّ إلايحاء والتكثيف ،فكان ّون اتخذ تخييلها شكل تيمات ظلت ّ
تتردد وتطرد داخل
النسيج السرد مثبتة ارتباط هذا املنجز الروائي بمرجعيته الثقافية ،وفيما يلي
وصف موجز ألهم هذه التيمات :
-1جدل الشرق والغرب :
ّ
متشبعة بمنظومة ّ
املتخيلة تحيل إلى ونساق ثقافية من املعلوم ّون السرديات
من القيم الروحية وألاعراف والتقاليد واملؤسسات ووساليب التفكير السائدة داخل
مجتمع ما،2دون ون يعني ذلك تنميط الهوية التي قد تكون ويضا هويات داخل املجتمع
الواحد،ومن ثم ينهض مفهوم الهويات الحضارية على فكرة لاختالف،وهذا بديهي
ّ
ألن » :الهوية على و مستوى-شخص ي،قبلي،عرقي،حضار -يمكن ون تعرف فقط في
عالقتها ب"آلاخر":شخص آخر ،قبيلة وخرى،جنس آخر ،حضارة وخرى«،3فإذا كان
البشر مختلفون في معتقداتهم وعاداتهم وونماط تفكيرهم وصناعاتهم،إال ّون ذلك ال
يقتض ي تهميش بعض الهويات الثقافية على حساب بعض،بل ّإن لاختالف إغناء
2
لألفق الثقافي،الذ غالبا ما يقود إلى قبول آلاخر واقتراح سبل للتعايش وتبادل
ّ
ات،ألن الحضارة،في وصل معناها،سيرورة متطورة،وهي ليست وقفية وال تعرف الخبر
بأن منطق صراع الحضا ات ليس حضا يا ّ
،ألن الحضارة نقر ّ
لاحتكار،وعلى هذا ّ
ر ر
كل زمان ّ
متجددة ومنفتحة على املنجز إلانساني في ّ إنسانية السمت واملقاصد،بل هي
ومكان.ولذلك شهدت ودبيات القرن العشرين وسردياته ونقوده في آن ،انعطافا
مقصودا من مقولة صراع الحضارات،إلى جدل آخر ذ صلة بلقاء وو حوار
الحضارات،وهو ما ينسجم مع جوهر مفهوم الحضارة،وما تتطلبه من قيم إنسانية
1
شاملة.
ومع ذلك ال نستبعد ون يتراجع هذا املعنى املثالي للحضارة في الواقع،كما في
مستوى املمارسة ألادبية التي وكدها مناوشة هذا الواقع وتجاوزه في آن،ومن ثمة فقد
تكفلت الرواية العربية الحديثة واملعاصرة بكشف اختالل التوازنات،وفضح بؤر ّ
تمثالت حضارية متعاكسة بين ألانا وآلاخر،والشرق ّ
الصراع،ووسهمت في صناعة
والغرب والذكورة وألانوثة،والوطن واملهجر،والقرية واملدينة ،واملاض ي والحاضر
،وقدمت نماذج تعكس مصائر هذا الحوار الحضار الذ بدوه،منذ عصر ّ
النهضة،رفاعة الطهطاو ()1081-1081في كتابه "تخليص إلابريز في تلخيص باريز"
الصادر عن مطبعة بوالق سنة 2، 1011ووتبعه علي مبارك ( 1081ـ )1081فدبج كتابه
"علم الدين"سنة ،1008وفيه قارن بين وحوال الشرق والغرب،ووجرى حوار
كل عقدة نقص وو شعور بالدونية،وهو ما جعله متكافئ،م ّ
تنزها عن ّ ُ الحضارات بشكل
يتصدى بالنقد لبعض مظاهر لانحراف السائدة في املجتمع الفرنساو ،مثل انغماس
بعض شبابه في امللذات واملالهي واملالعب وما يتبع ذلك من تبديد لألموال وإضرار
بالعقول وألاعراض3،وعلى مذهب هؤالء كتب دمحم املويلحي(" )1818-1080حديث
3
هشام،وضمنه مشاهدات بطله الباشا،الذ اب ُتعث من مرقده في زمن غير ّ عيس ى بن
شد الرحال رفقة صديقه و الراو إلى بتغير وخالق وهل العصر ،وقد ّ زمنه ليفاجأ ّ
التحول الذ طرو على وهل القاهرة،فجاء في فصل ّ الغرب،بهدف استكشاف وسباب
صديق الباشا قائال »:السبب الصحيح في ُ "املدنية الغربية"،تفسيرا لهذا الفساد ساقه
ذلك هو دخول املدنية الغربية بغتة في البالد الشرقية وتقليد الشرقيين للغربيين في
جميع وحوال معايشهم كالعميان ال يستنيرون ببحث وال يأخذون بقياس،وال يتبصرون
نظر،وال يلتفتون إلى ما هنالك من تنافر الطباع وتباين ألاذواق واختالف بحسن ٍ
ألاقاليم والعادات...،وتركوا لذلك جميع ما كان لديهم من ألاصول القويمة...واكتفوا
ّ ّ
الغرب،وإن بيننا بهذا الطالء الزائل من املدنية الغربية...وصرنا في الشرق كأننا من وهل
1
وبينهم في املعايش ُلبعد املشرق من املغرب « .
ّ
لقـ ــد تشـ ــكل الـ ــوعي الخـ ــاو بجـ ــدل الشـ ــرق والغرب،ولقـ ــاء الهويـ ــات الثقافيـ ــة،في
عمـا هـو عليـه فـي سـرديات القـرن العشـرين سرديات القرن التاسع عشر،بشكل مختلف ّ
الندي ــة تحك ــم هـ ـذه التمثالت،عل ــى ال ــرغم م ــن ألازم ــات لاجتماعي ــة وم ــا بع ــده،إذ كان ــت ّ
والسياســية ولاقتصــادية التــي شــهدتها املنطقــة العربيــة فــي تلــك الفتــرة ،ومــا فــي العصــر
ّ
الحــديث واملعاصر،فنحصـ ي عديــد الروايــات العربيــة الحديثــة التــي تمخضــت عــن رؤيــة
للواقــع ونقــد الــذات فــي مواجهــة آلاخــر ،ويمكننــا فــي هــذا الســياق ون نــذكر روايــة "زينــب"
ملحم ـ ــد حس ـ ــين هيك ـ ــل (،)1811وودي ـ ــب لط ـ ــه حس ـ ــين (،)1818و"عص ـ ــفور م ـ ــن الش ـ ــرق
لتوفيــق الحكــيم (،)1810وقنــديل وم هاشــم ليحــي حقــي(،)1811والحــي الالتينــي لســهيل
إدري ــس(،)1881وموس ــم الهج ــرة إل ــى الش ــمال للطي ــب ص ــالح(،)1898ورواي ــة ألاش ــجار
واغتيـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ــرزوق لعبـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ــرحمن منيـ ـ ـ ــف(،)1881واملرفوضـ ـ ـ ــون ب ـ ـ ـ ـراهيم سـ ـ ـ ــعد
(،)1801ونزيــف الرجــر بـراهيم الكــوني(،)1888وروايتــي":ضــميرالغائب-الشــاهد ألاخيــر
عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى اغتيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن البحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر"(،)1888و"كت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ألامير،مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالك وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب
الحديد"()8880لواسيني ألاعرج وغيرها.
4
في عصفور من الشرق ،لتوفيق الحكيم ،تترائء شخصية "محسن" متأز ّمة
وضائعة،إنها تقيم في املنطقة البينية ،حيث ال شرق وال غرب ،فمحسن يرفض الغربّ
ّ ّ
ويشكك في قيمة ما حققه اقتصاديا وعلميا فيقول »:إني وخش ى ون تكون وروربا
موشكة على دفع إلانسانية إلى هوةّ ...إنها لتستيقظ فيها الروح وحيانا ،فتشك في
ّ ويخيل إليها ّون مدنيتها الخالبة ليست إال بهرجا ّ
نفسهاّ ،
،وون علمها الحديث كله ،وهو
وحده الذ تتيه به على البشرية ،في مختلف تاريخها ،ليس من حيث القيمة العملية
للناس بعض الراحة في ومور قدمت ّ غير" لعب" من صفيح وزجاج ومعدن؛ ّ
معاشهم،ولكنها وخرت البشرية ،وسلبتها طبيعتها الحقيقية ،وشاعريتها،وصفاء ّ
ّ ّ
روحها « .1وما إذا تطلع محسن إلى شرقه ،فسرعان ما يتملكه اليأس بسبب تخلفه
هم ون يوضح لصديقه الروس ي وجهله وتقليده ألاعمى للغرب ،يقول محسن وقد ّ
إيفان حقيقة هذا الشرق » :نعم اليوم ال يوجد شرق! إنما هي غابة على وشجارها
قردة ،تلبس ز الغرب ،على غير نظام وال ترتيب وال فهم وال إدراك .لم يجرؤ "محسن"
ون يقول مثل هذا الكالم لصاحبه الروس ى؛ فقد ودرك ّون هذا الرجل،الذ لم يستطع
كل ومله في الشرق.وقد صنع ش ٌيء في الغرب ون يشفي نفسه القلقة الحائرة؛ قد وضع ّ
كل ومله الباقي ،وإن كشف الحقيقة لعينه آلان للشرق في روسه صورا عظيمة ،هي ّ
وفظع طعنة يقتل بها هذا املسكين ،فتركه في خياالته 2 « ...يبدو ّون توفيق الحكيم كان
ّ
سباقا إلى ابتكار هذه الطريقة املرآوية في تمثيل الهويات املتقابلة،إذ في الوقت الذ
ظل في مخياله منبعا للسحر والفضيلة والنقاوة ّ يهيم إيفان بالشرق،الذ
والطبيعة،كان "محسن" بدوره ما يزال يهيم بالغرب ،قبل ون يكشف له عن وجهه
املوغل في القبح .فينتهي إلى رفضه دون إدانته بشكل كامل .
تنضم رواية موسم الهجرة إلى الشمال إلى روايات الجدل الحضار ،
ففيهاولقت املرجعيات الثقافية بظاللها على مختلف مكونات السرد،من شخصيات
5
ومنظورات ووساليب سردية و لغات وومكنة ،وإن كان تخييل هذه البنى الثقافية قد
ّ
اتخذ شكل مجازات متقابلة ،تعيد مساءلة جدل ألانا في عالقته باآلخر ،فقد وفر
ّ
مصطفى سعيد ونموذجا للشرق ،وال نستغرب بعد ذلك ون تكون مالمحه شرقية إنه
كما يقول عن نفسه »:هذا ونا.وجهي عربي كصحراء الربع الخالي،وروس ي وفريقي يمور
شخصيات مسز ومستر روبنسون والبروفيسور ُ بطفولة شريرة « ،1في حين مثلت
ماكسويل وآن همند وجين موريس ونموذجا للغرب ،وفي هذه الرواية تنفتح قنوات
ستعمرا،فثمة تاريخ جديد ما ِ ستعمرا ،و بين غرب لم يعد ُم
الحوار بين شرق لم يعد ُم َ
ٍ
ّ
بعد كولونيالي ،راح خالله الشرق يفكك هوية آلاخر محاوال فهمه،بل إنه يتطلع إلى
غزوه »:وقد ونشأوا املدارس ليعلمونا ون نقول"نعم" بلغتهم...نعم يا سادتي جئتكم
غازيا في عقر داركم « 2في حين لم تكن غزوات مصطفى سعيد للغرب تتحقق إال
مجازيا من خالل مراودة نساء وروبا وإخضاعهن لتسريب فكرة قوة الشرق وتفوقه! .
وبعد هزيمة ،1898طروت على الساحة العربية تغييرات سوسيوثقافية ودت
إلى عودة الروائيين العرب إلى طرح قضية الجدل الحضار وتقديمها بشكل مختلف
ُ
الكتاب في هذه املرحلة على ،قليال وو كثيرا عن املحاوالت السابقة ،فقد استبقى
تجنيس العالقة بين الشرق والغرب ،فكان حضور املروة الغربية في السرد الجديد
كل التمييزات العميقة الفاصلة بين هاتين الهويتين املختلفتين ،وعنف يدل على ّ
ّ
العالقة بينهما،غير ّون هذه الروايات اتسمت بتجاوز عقدة النقص إزاء آلاخر،وعودة
ندية مرة وخرى لتحكم العالقة بين الشرق والغرب،كما انشغلت هذه الروايات ال ّ
كل تبعات التخلف بواقعها فراحت تسائله وتنتقده بقوة ،بدال من تحميل آلاخر ّ
والعطالة الحضارية.
من التجارب الروائية املنضوية تحت جدل الحضارات في فترة ما بعد الهزيمة،
نذكر رواية "ألاشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف ،وهي رواية تسرد سيرة
6
بطلها "منصور عبد السالم" الذ ترك الشرق باتجاه الغرب ليلتقي بكاترين ،فظن -
بادئ الرو ّ -ون خالصه من إرث الشرق سيكون على يديها 1،غير ّون منصور يحمل
وعيا كامال باستحالة العالقة بينهما ،وبهذا تعيد رواية" ألاشجار واغتيال مرزوق"
شعار "مصطفى سعيد" في موسم الهجرة إلى الشمال؛ "فالشرق شرق والغرب غرب"
،ومع ذلك ال يتورط بطلنا الشرقي في رفض الغرب وال إدانته ،كما ال يتورط في ّ
حبه
والهيام ب ّ
ه،ألن الرواية معنية بهجاء الشرق في مقام ّوول ،وهي تعيد إنتاج خطاب ثقافي
وإيديولوجي ساد خالل هذه الفترة لتكون بذلك »:في وحد وجوهها جزءا من حملة
النقد الذاتي،والتعرية الداخلية التي اجتاحت الوطن العربي في وعقاب هزيمة الحرب
الثالثة والتي ورادت نفسها ر ّدا على التضليل إلايديولوجي الذ مارسته " ألانظمة"
حينما صورت الهزيمة على ّونها نتيجة ملؤامرة وجنبية « 2لقد انخرطت رواية "ألاشجار
واغتيال مرزوق" في نقد واقع الشرق ،وفضح ما شاع فيه من بؤس وممارسات قمعية
ووود للحريات .وهذه سمة تنفرد بها هذه الرواية عن غيرها ،على الرغم من ّونها ال
تنكفئ على وطروحة الجدل الحضار وال تكتف بها وحدها.بخالف ما روينا في رواية
"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.
-8الرجل واملرأة:
ّ
وفرت ثنائية الرجل واملروة مجازا سرديا آخر ملساءلةاملرجعيات الثقافية ،
و إن كنا غير معنيين بتناول هذه الثنائية في عالقتها املباشرة باألدب النسو ونقده،
حتى وإن كانا ينتميان إلى حقل الدراسات الثقافية ،فما يهمنا في مقام ّوول هو رصد ّ
تم بها تجنيس العالقة بين الشرق والغرب في املنجز الروائي العربي ، الطريقة التي ّ
وتأمل الكيفية التي تم بها تحويل العالقة بين الرجل والروة إلى وسيط رمز ملناقشة ّ
ّ
تبينا ّون النقد الثقافي ،والدراسات النسوية على
قضايا الجدل الحضار ،بخاصة إذا ّ
-1عبد الرحمن منيف،األشجار واغتيال مرزوق،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،األردن،المكز الثقافي العربي،المغرب ،ط ،31،1111ص .111
-2جورج طرابيشي،شرق وغرب و رجولة وأنوثة -دراسة في أزمنة الجنس والحضارة في الرواية العربية،دار الطلية للطباعة والنشر،بيروت
ط،1،3997ص.387
7
وجه التحديد ،قد روت في صورة الرجل الوجه آلاخر للهيمنة املؤسساتية التي رفعت
من شأنه ونصبته مركزا ،في حين زحزحت املروة إلى هامش من الفعل والقول ،وبالطبع
سوف تنتقل مثل هذه ألانساق العرفية والثقافية إلى الرواية العربية ،لتنتظم
وطروحة الجدل الحضار بين غرب متمركز وشرق تابع له ،هذا وال نستبعد-حسب
تصورنا -ون يتعاور بعض هذه آلاراء املتبناة بقوة في الدراسات النسوية ش يء من
حتى يتفرغالشطط والدوغماتية ،وهوما كان يجب ون يتخلص منه النقد النسو ّ
ملشاريعه ألاكثر وجاهة.
صاغ املنجز الروائي العربي العالقة الصدامية بين الشرق والغرب ،في شكل
عالقة حب مستحيلة بين الرجل الشرقي واملروة الغربية ،ذلك ما يظهر في عديد
متيما بحب الروايات،ففي "عصفور من الشرق " ،يظهر بطل الرواية "محسن" ّ
"سوز ديبون" 1التي استغلت "عقده" الشرقية تجاه ألانثى ،لتعبث بمشاعره ،لذا
حبهما بفراق مؤلم مشفوع بسقوط ألانموذج الغربي-ممثال في سوز - تنتهي قصة ّ
بسبب فرط ونانيتها وماديتها ،وانسحاب ونموذج الشرق-ممثال في محسن ،الذ يفضل
لارتماء في وحضان الفن ،للتحرر من شرور العالم،شرقه وغربه.
ثمة روايات وخر منحت بطلها الشرقي فحولة كاملة ،وغني عن الذكر ون الفحل
كل حيوان ،والرجل الفحل هو النبيل و الشجاع والقو صفة موقوفة على الذكر من ّ
ّ
واملنجب ،وما املروة الفحلة فهي سليطة اللسان الغير . 2ينجح الرجل الشرقي كما
يرسمه املنجز الروائي العربي في إلايقاع بأنثاه الغربية وإخضاعها ،وبذلك ّ
يتحول فعل
امتالك البطل لجسد ونثاه الغربية تعبيرا وليغوريا،ومعه يغدو معجم الجنس والجسد
استعارات تنضح باالنتهاك العدائي وو لاستالب املتبادل بين الشرق والغرب ،كما
يمكن ون توفر إضاءات كافية ألزمة بطل شرقي ،يبحث عن إزاحة الغرب وو التفوق
غياب في مستوى الفعل الحضار .ولنا فيعليه رمزيا .وفي ذلك تعويض واضح عن ٍ
8
ّ ُ ّ
املدونة السردية العربية ومثلة ال تحص ى ،غير وننا نكتفي بالنماذج التي سقناها بين
طيات هذه املحاضرة؛ ففي موسم الهجرة إلى الشمال نقرو قول مصطفى سعيد الذ
جاء إلى لندن غازيا »:ونا الغاز الذ جاء من الجنوب،وهذا هو ميدان املعركة
ّ
الجليد الذ لن وعود منه ناجيا ، 1 « .وعلى هذا يبدو جليا ّون إخضاع البطل
ّ
ية،لكأن الشرقي للمروة الغربية ،غالبا ما يكون بهدف استرجاع توازنات الذات الحضار
الشرقي يرغب في الثأر لشرقيته وعقدة استعماره يوم جاءه الغرب غازيا بلدانه ناهبا
ثرواته مستبيحا وراضيه و خيراته .
الحب بين البطلّ لكن ،وكما تقرر في تاريخ السرديات العربية ،تؤول عالقة
تتحول عالقات الجسد إلى صراع الشرقي واملروة الغربية إلى وضعية لاستحالة ،ومعها ّ
مؤلم بين كيانين متنافرين تماما ،وفي هذا املستوى من عالقة الذكورة /ألانوثة ُ،يرى
مصطفى سعيد في ووج اندحاره كرجل شرقي »:كانت الحرب تنتهي بهزيمتي
دائما.وصفعها فتصفعني وتنشب وظافرها في وجهي ويتفجر في كيانها بركان من العنف
فتكسر كل ما تناله يدها من ووان وتمزق الكتب وألاوراق.كان هذا وخطر سالح
2
عندها.كل معركة تنتهي بتمزيق كتاب مهم وو حرق بحث وضعت فيه "وسابيع كاملة «
نلحظ هنا كيف يتحرك امللفوظ السرد مجازبا ،ففشل العالقة بين الزوجين
ّ
وافتراقهما غالبا ما يكون مأساويا بموت وحدهما ،وهو ما يشكل وقوى مظهر للتنافر؛
بل إن هذا الزواج يأخذ سمت املغامرة ،فاألنثى الغربية ،تتعاورها رغبة الكتشاف
الشرق ،والتعرف على آلاخر املختلف ،ويبحث الرجل الشرقي في ونثاه الغربية عن
ذات عاجزة عن الفعل ،لكن حين يفشل توازنات مفقودة ،محاوال روب تصدعات ٍ
ّ ّ
الحب ويعجز عن الجمع بين املتنافرين،شرق وغرب،نكون قد فككنا استعارة املجازات
الجسدية وثنائية الذكورة وألانوثة ،لنعود ويضا ودراجنا إلى وضعية لاستحالة التي
9
كل لقاء مرتقب كانت تلف بدء العالقة ومنتهاها..فبين الشرق والغرب حواجز تحبط ّ
بينهما.
ضمن هذا املحور من عالقة الذكورة وألانوثة،تنبثق كتلة من الدالالت التهجينية
املرصودة مسبقا للشرق؛وعلى هذا كان مصطفى سعيد ،تشخيصا لهذا الهجاء،فهو
ّ ّ متخلف،فال ريب ّونه ّّ
مكرس للصورة املضللة التي يتمثلها بدائي وعدواني وشهواني و
تخيلة للشرق في بعض ألادبيات الغرب عن الشرق،وقد ترسخت هذه الصورة املُ ّ
الحس واملادة،مستغال جسد ّ العربية حيث يستبد الرجل بسلطته ويستسلم لعالم
املروة ،وما النساء فجوار وحريم في خدمة الرجل ،ومثلهن نساء مصطفى سعيد
الغربيات،اللواتي شغفهن حبا ،فاستسلمن له ،وهكذا تسهم شبكة العالقات بين
ّ
الذكر وألانثى،في تسريب تمثالت ثقافية وحضارية خاطئة عن الشرق،وتكبر بذلك
ّ
يتعذر معها ّ
كل حوار ممكن بين هذين الكيانين مساحة الرفض وإلاقصاء،إلى درجة
املتنافرين؛ شرق وغرب.
نحمل مصطفى سعيد تبعات وخطائهّ -
املتخيلة مر سوى ون ّ وال نملك بعد الذ ّ
طبعا،فقد وثبت اندحاره القيمي من خالل إصراره على انتهاك جسد املروة
ّ
اودة،بأن مصطفى الغربية،والثأر لشرقيته املهانة،إذ نشعر ونحن نقرو مشاهد املر
سعيد ،تو ّرط في إعادة إنتاج الصورة املخملية عن الشرق ،شرق الحريم والثروة وكل
النفائس املبثوثة ،ولم تكن تأتيه النساء الغربيات سعيا وطمعا في اكتشاف عامله
الشرقي العجيب والجذاب،تسأله إيزابيال سيمور عن جنسه وهو وفريقي وم وسيو
فيقول لها »:ونا مثل عطيل عربي وفريقي « . 1كان مصطفى سعيد يتلذذ باختالق
الحكايات العجيبة عن شرقه املزعوم،وكان ذلك يندرج ضمن استراتيجية فعل املراودة
،فال نعجب ون تعيد رواية موسم الهجرة إلى الشمال إنتاج ولف ليلة وليلة،حين يغدو
مصطفى سعيد شهريارا آخر ،في مستوى فعل "الجسد"،لكنه يتولى ويضا سلطة القول
10
ّ
،ويسلب شهرزاد محكياتها ..إنه مثلها يجذب نساءه بحكاياته عن النيل ..عن مصر
وعن السودان وعن وهم وو بقايا وهم اسمه الشرق.
-3املركزوالهامش :
،إنهما مفهومان متالزمان قطعا،وهما يحيالن إلى طرح يقتض ي املركز وجود هامش ّ
سوسيوثقافي منبثق عن الدراسات الثقافية ،غير ّون نشأة هذين املصطلحين ترتبط
ّ
بمجموعات اجتماعية منبوذة اجتماعيا ،وهو ما وكده الباحث وحمد شراك إذ يقول ":
تعود نشأة هذه الحركات إلى املجتمع ألامريكي في العقد الثالث من القرن العشرين
( )1818-1888حيث استقطبت اهتمامات السوسيولوجيين ألامريكان مع مدرسة
شيكاغوّ .إنها املرحلة التاريخية(وو الزمنية على ألاصح)التي كثرت فيها ألادبيات
وألاحاديث حول مجموعات كيدس( )Kidsوالكانج( ،)gangsهذه املجموعات التي كانت
تنحدر من حركة الهجرة إلى ومريكا،هم وطفال املهاجرين الذين يعيشون في الشارع ألن
املجتمع واملراقبة التقليدية تتوارىّ .إنهم إيطاليون ويهود ووملان وبولونيون وإيرلنديون
ومكسيكيون وسود منحدرون من الجنوب.وقد انتعشت هذه الحركة لتعم بلدان
غربية وخرى كبريطانيا التي ظهرت فيها مجموعة "تيد بويس"()Teddy Boysوفرنسا
التي ظهرت فيها حركة"وصحاب الياقات السوداء"( 1.)Les blousons noirsفللهامش في
املجتمعات الغربية خلفيات سياسية واجتماعية وفكرية ،وهو ليس معارضا للنظام
كل السلط ،وال يعترف متمرد ،يتجاوز إكراهات ّّ السياس ي تحديدا ،بل هو شخص
كل تصنيف طبقي ، بمفهوم املؤسسة لاجتماعية والثقافية وحتى ألاسرية ،كما يناوئ ّ
ّ
بأنهّ »:
كل ما هو غير مركز ،وال يدخل في إطار النسق وقد عرف وحمد شراك املهمش
ّ
والتصورات وآلاراء وألاحكام ،كما ّون الهامش ال
ّ الثقافي السائد على صعيد التمثالت
2
يحيل إلى املعارضة باملعنى السياس ي،بل إلى التشاكس باملعنى الثقافي والفكر «.
-1أحمد شراك ،الهامش من الدالالت إلى النظرية"نظرية الكتابة"مجلة آفاق،اتحاد كتاب المغرب،العدد ،78-77يناير،1131ص.51-51
-2المرجع نفسه،ص.59
11
ال نتصور إذن ون يكون الهامش في مجتمعاتنا العربية،امتدادا للهامش
الغربي،فللمجتمعات العربية خصوصياتها الفكرية والثقافية وإلايديولوجية ،وألارجح
ون يقترن مفموم الهامش العربي بسياسات إلاقصاء والتهميش التي قد تطال فئة
املثقفين واملفكرين والسياسيين ،...الذين تؤرقهم قضايا مجمتعاتهم ،وربما وقع تعديل
هذا املفهوم ويضا ليدمج في سياق "ألانا والغيرية" ،ومعه يغدو الغرب نفسه مركزا
والشرق هامشا.
وما ودبيا فقد ونجزت الرواية العربية تمثيال آخر لتنوع املرجعيات الثقافية ،من
ّ
شخصت خالل ثنائية املركز والهامش واقترن ذلك غالبا بمجازات مكانية،فلطاملا
ُ
القرية الشر َق ّ
مهمشا وتابعا للغرب،فكان املدينة فكرة املركزية الغربية،في حين مثلت
مجاز آخر للجدل بين الشرق والغرب،ولقد اتخذت فكرة التمركز هذا التقابل بمثابة ٍ
الغربية لبوسا ثقافيا ُين َعت »:باملركزية الثقافية التي جعلت العالم يدور في قطب
ّ
التعددية واحد،وكل ما عدا ذالك املركز فهو بدائي ومتخلف«،1وألاولى إذن ون تكون ّ
الثقافية()Multiculturalismسياقا مناوئا للمركزية الثقافية ومتجاوزا لها في
ّ
آن،بخاصة وهي تناقش قضايا مختلفة من قبيل الهامش والنسوية والعنف والجسد
واملنفى واملهجر.
املتخيل بين املدينة الغربية والقرية الشرقية،وو بين املركز والهامش ، ّ ّإن التقابل
ّ
فاملهمش غالبا ما ينتقل يفض ي إلى اختالل القيم واتساع حجم الهوة بين ألانا وآلاخر،
مهمش مهاجرا بالضرورة ،فيحسن كل ّ رغما عنه للعيش في املدينة الغربية،ولكن ليس ّ
املهمش ميتافيزيقيا،وهو ما يؤكده إدوارد سعيد قائال» :وحتى إن الحديث عندئذ عن ّ
ّ ّ
الفعليين،يبقى في إمكانه ون يفكر كما يفكر لم يكن املرء من املهاجرين وو املغتربين
ويتحقق برغم الحواجز،وون يبتعد دوما عن السلطات ّ ّ
يتخيل الواحد منهم،وون
-1عبد هللا الغذامي:النقد الثقافي،قراءة في األنساق الثقافية العربية،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء ،المغرب،ط،5،4003ص.40
12
حق قدرها عادة عقو ٌل ال تسافر املُ َم َركزة قاصدا الهوامش،حيث ترى ومورا ال تقدرها ّ
1
وبدا إلى وبعد من املتعا َرف واملريح«.
املهمشين داخل مدد إذن مفهوم الهامش،فيترك جدل الحضارات،ليطال ّ ُي ّ
ُ
ووطانهم ،حينما يفقد إلانسان واملثقف على وجه التحديد قيم الحماية وتمارس عليه
إكراهات ُويسلب منه الحق في التعبير ولاختالف ،غير ّون تجربة ّ
املهمش في املدينة
ّ
،ولعل رواية الغربية تسترعي اهتمامنا ،وهي تنبثق كمأساة في عديد الروايات العربية
تشكل مثاال ّّ
جيدا في هذا السياق،وإن كانت النماذج "ألاشجار واغتيال مرزوق"
هامش املجتمع الغربي،وليس الهامش ِ مثقف ينتمي إلى
ٍ السابقة تصف جميعها وضعية
في هذه الروايات يتأتى من منظور طبقي،وال هو يطفح بدالالت الفقر والعوز والحرمان
ّ
والجهل لفئة املهمشين واملنبوذين اجتماعيا، ،وإنما هو هامش قياسا إلى اعتبار
وتتسع تجربة الهامش ّ
لتعبر عن املهمش ذاتا طارئة وغريبة عن املدينة الغربية،هذا ّ ّ
والحراق ،هو من :ّ تمزقات الذات وانشطارها بين عاملين،فاملهاجر واملغترب واملنفي
ّ
»يرى ألامور من حيث عالقتها بما خلفه وراءه،وبما هو ومامه آلان فعال على
السواء،فإن ّثمة منظورا مزدوجا ال يقدر مطلقا على رؤية ألاشياء بمعزل عن ّ
فكل مشهد وو وضع في املوطن الجديد يستحضر بالضروة نظيره في املوطن بعضهاّ .
ُ ّ
يعني،فكريا،ون و فكرة وو تجربة توازن دائما بأخرى،مما يجعلهما القديم.وهذا
2 تبدوان في صورة تكون وحيانا جديدة وال يمكن ّ
التكهن بها«.
املهمش في السرديات العربية الحديثة واملعاصرة وبعادا تأخذ تجربة املهاجرّ /
متشابكة،تبدو باالستقطاب وتمر بالتنافر والصدام لتنتهي بالنفي والطرد ّ
مجددا ،
املهمش باملدينة الغربية ،وتظل صورتها مثالية ،بل غالبا ما تتراىء وقد تسربلت ينبهر ّ
بكل مظاهر التمدن و الجمال ،وهو ما يمكن استكشافه في عصفور من الشرق ّ
وموسم الهجرة إلى الشمال ،على سبيل التمثيل ال الحصر ،لذلك غالبا ما تصور
-1إدوارد سعيد:صور المثقف -محاضرات ريث سنة ،4885نقله إلى العربية :غسان غصن،دار النهار،بيروت ،ط،4881، 5ص14
-2المرجع نفسه،ص.99
13
ّ
السرديات العربية بطلها وهو واقع تحت تأثير سحر هذه املدينة ،بل ويتضخم شعوره
منفر مثخن بالضآلة والدونية ومامها ،وما القرية الشرقية فهي بالقبح وولىّ ،إنها عالم ّ
ّ
بقيم سلبية مثل القحط والبدائية والفوض ى والتخلف،ففي رواية موسم الهجرة إلى
الشمال تطالعنا هذه الصورة املرصودة للقرية » :فها هي ذ بيوت القرية املتالصقة
ألنها شمت من الطين والطوب ألاخضر تشرئب بأعناقها ومامنا؛وحميرنا تحث السير ّ
بخياشيمها رائحة البلسيم والعلف واملاء.هذه بيوت على حوافى الصحراء...ومنطقة
ّ
صغيرة من هواء بارد رطب يأتي من ناحية النهر،وسط هجير الصحراء،كأنه نصف
حقيقة وسط عالم مليء باألكاذيب.وصوات الناس والطيور والحيوانات تتناهى ضعيفة
1
كأنها وساوس،طقطقة مكنة املاء املنتظم تقو إلاحساس باملستحيل«... إلى ألاذن ّ
املهمش مالذا،وو مجرد صورة نوستالجية عن الوطن ليست القرية بالنسبة إلى ّ
والهوية،إنها جرح لانتماء الذ ينزف باستمرار ،بل هي متاهة وخرى،وقس ى ّ والذاكرة
ربما من متاهة املدينة الغربية ،وبذلك غالبا ما يقوم السرد الجديد بتضخيم فضاء
ّ املهمش،ليلف عالم القرية الشرقية واملدينة الغربية معا،فغربة ّ ّ
املهمش تتضاعف ألنه
ّ ّ
فاملهمش ال يستطيع التخلص من وثر املدينة الغربية وال من وثر القرية سواء بسواء ،
كما وسلفنا بالقيل ،يعيش يختبر هذه البينية بكلذ وبعادهاّ ،إنها منطقة الضياع،التي ال
كل مهمش يجد نفسه باستمرار في إلى الشرق تنتمي وال إلى الغرب،وذلك هو وضع ّ
ّ
مفترق الطرق بين حضارتين،فيكون مضطرا ألنه »:يعيش في حالة وسطية،ال ينسجم
ُ ّ ّ
تماما مع املحيط الجديد،وال يتخلص كليا من عبء البيئة املاضية،تضايقه ونصاف
ّ التداخالت وونصاف لانفصاالت،وهو ُنوس َت ٌّ ّ
الجي وعاطفي من ناحية،ومقلد حاذق وو
2
منبوذ ال يعلم به وحد ،من ناحية وخرى. «...
املهمش ،ومعها يفقد كل إحساس تجاه ذاته ّإن مأساة ضياع الهوية مضاعفة بالنسبة إلى ّ
و تجاه آلاخرّ ،إنه ذات تعاني من ّ
تمزقات عنيفة داخل مركز ينبذه باستمرار ،وعلى هذا يبدو ون
تضيع في املدينة الغربية كما في القرية،معنى الوطن فقط،ومعه ّ
كل قيم الحماية الذات لم ّ
14
كفت عن ونالداخل،حتى ّ
ّ ّ
وإنسانيتها،وتغيرت من الخارج ومن والحميمية،وإنما خسرت ذاتها
تكون هي نفسها،وتلك هي الصورة ألاكثر سوداوية ألزمة فقدان الهوية في السرد العربي
الجديد.
-1زهور كرام :األدب الرقمي :أسئلة ثقافية و تأ ّمالت مفاهيمية ( دراسة) رؤية للنشر والتوزيع،القاهرة ،ط 1119 ،3ص .31
15
وسؤال التجنيس وسؤال املنهج ،هذا ويمكننا قبل بسط القول في هذه إلاشكاليات ون
سيوفق السرد الرقمي العربي في مواكبة الثورة الرقمية املتسارعة عامليا؟نتساءل :هل ُ
ّ
وهل يوفر الواقع التكنولوجي العربي ورضية مالئمة للنهوض بأدبيات رقمية عربية
حيز الثقافة الورقية واملكتوب ناحجة واستقطابية ؟ وماهي وشكال تحويل السرد من ّ
إلى فضاء الرقمنة الذ انفتح اليوم على وشكال تعبيرية جديدة ،يغلب عليها التشكيل
ألايقوني والسمعي البصر .
ألادب الرقمي و سرده /إشكالية املصطلح:
يستخدم الدارسون املهتمون باألدب الرقمي ونقده ،اصطالحات كثيرة من قبيل:
ألادب إلالكتروني Littérature électroniqueوألادب الرقمي littérature numérique
والنصالنص السيبرنطيقي ّ Cybertexte وألادب التفاعلي Littérature interactiveو ّ
املترابط Hypertexteوغيرها ،وهي تسميات تتداخل و تتكامل حينا وتتباين داللتها حينا
املعقد ،بحداثة هذا الحقل آخر ،و هذا طبيعي إذا ما قا نا هذا الوضع املصطلحي ّ
ر
ّ
الطارئ على ألادب العربي ونقده من جهة ،واختالف الترجمات التي تكون قد تبنت هذا
لاصطالح وو ذاك من جهة ثانية ،وهذا وضع شرحه دمحم وسليم مؤكدا ّون « :مرد هذه
«البلبلة املصطلحية» -إن جاز التعبير -كون اللقاء بين املعلوميات وألادب الزال ووليا،
ّ
والوضع لاعتبار لألدب الجديد الذ وثمره هذا اللقاء لم يتحدد بعد ،وإلانتاج لم
يبلغ درجة من التراكم تتيح التمييز بوضوح بين وجناس فرعية داخل النوع الجديد.
وبكلمة واحدة ،فإن هذا ألادب لم يؤسس نماذجه العليا ُ
بعد » .1
يستدعي مصطلح ألادب الرقمي صفة الرقمنة numérisationالتي عرفها سعيد
يقطين بأنها » :عملية نقل و صنف من الوثائق من النمط التناظر (و الورقي)* إلى
النمط الرقمي وبذلك يصبح النص و الصورة الثابتة وو املتحركة و الصوت وو امللف
-1دمحم وسليـم ،الرواية العربية الرقمية وقضية املصطلح ،موقع دمحم أسليم،إلاصدارالثالث،غشت،2112،
http://www.aslim.ma/site/articles.php?action=list&cat_id=14&start=20&page=2
* -التشديد من عندنا .
16
مشفرا الى ورقام ،ألن هذا التحويل هو الذ يسمح للوثيقة ،ويا كان نوعها ،بأن تصير
1
قابلة لالستقبال و لاستعمال بواسطة ألاجهزة املعلوماتية« .
فالرقمنة انعطاف تاريخي للممارسة ألادبية من عالم الشفاهية وو الكتابية إلى
النصوو إلى عالم مرئي وتتموقع على شاشة الحاسوب، عالم الرقمنة حيث ستنتقل ّ
النص والوسيط "و الحاسوب" ،غير ون وجودها محققة بذلك وهم شروطها ؛ توفر ّ ّ
ال يستغرق املعنى الكامل لألدب الرقمي ،فنحن بحاجة إلى شرط ثالث ،به ّ
تتحقق
للنص الرقمي ،بأن يكون موضوعا في نطاق التبادل الشبكي ،ليحوز الصفة الترابطية ّ
ألادب الرقمي بذلك صفته التفاعلية وهي تشمل » :جميع الفنون ألادبية التي نتجت
عن تقاطع ألادب مع التكنولوجيا الرقمية ،املتمثلة في جهاز الحاسوب الشخص ي
2 ّ
املتصل بشبكة ألانترنت« .
ص الرقمي لعالقات إلانتاج والتلقي ،ومعها تصبح الفضاء الترابطي ّ
الن َ ُ ُيخضع
متحققة بشكل ملموس من خالل ودبيات غرف الشات واملنتديات ومواقع ّ التفاعلية
التواصل لاجتماعي...وغيرها ،لذلك تستأنف فاطمة البريكي تعريف ألادب الرقمي على
» :ونه ألادب الذ يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في جنس ودبي جديد ،يجمع
بين ألادبية و إلالكترونية ،وال يمكن ون يتأتى ملتلقيه إال عبر الوسيط إلالكتروني و من
خالل الشاشة الزرقاء و ال يكون هذا ألادب تفاعليا إال إذا وعطى املتلقي مساحة
3
للنص«. تعادل ،وو تزيد عن مساحة املبدع ألاصلي ّ
ّ َ ُ ُ
ألادب إلالكتروني خاصية الرقمنة ،إال ونه يستأثر بسمات ألادب الرقمي يقاسم
كل ودب رقمي يمكن ون يكون وخرى هي الترابطية والتفاعلية ،وهذا ودعى إلى القول ّ
بأن ّ
إلكترونيا ،مع عكس غير صحيح؛ فاألدب إلالكتروني ،عند بعض النقاد ،هو مجرد
-1سعيد يقطين ،من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي ،المركز الثقافي العربي ،الدار
البيضاء ،المغرب ،بيروت لبنان ،ط ،1115 3ص .159
-2فاطمة البريكي،مدخل إلى ألادب التفاعلي ،التفافي العربي ،الدار البيضاء ،املغرب،ط18889و .18
- 3املرجع نفسه،و .18
-ينظر ويضا سعيد يقطين ،من النص الى النص املترابط و118 18118و181
17
تخزين للمواد ألادبية ونقلها من حالتها الورقية إلى حالتها الرقمية ،وو هو مجموع
النصوو املنشورة على صفحات الـ( ) Webوالتي تمت رقمنتها دون ون تخضع ّ
املعقدة ،وقريب من هذا ما ذهب إليه جميل حمداو في سياق للمعالجة البرمجية ّ
تمييزه بين القصيدة الرقمية والقصيدة إلالكترونية قائال » :وفي هذا الصدد ،نميز بين
القصيدة الرقمية والقصيدة إلالكترونية .فاألولى خاضعة لبرمجة حاسوبية دقيقة ،
و هندسة برمجية معقدة وصعبة .في حين ،ترتبط الثانية بالنشر إلالكتروني السطحي
املباشر .وقد يتخذ ألادب إلالكتروني عدة قنوات لتوصيل مختلف الرسائل ،مثل
إلايميالت (، )emailsوالرسائل( )SMSوالبلوجات ( )Blogsوالفالش ( )Flashوالبريد
1
(. «...)Les courriels
رجح فاطمة البريكي ون تغلب صفة الوسيط على مفهوم ألادب إلالكتروني ، ُت ّ
ومن ثمة فهي تؤكد املعنى الشمولي لألدب إلالكتروني الذ تنتقل مواده إلى الحاسوب
دون ون تأخذ الصفة الترابطية وو التفاعلية فتقول »:فال بد من إلاشارة إلى ّون
النص الذ يتجلى من خالل جهاز بالنص إلالكتروني في هذا الكتاب هو ّ املقصود ّ
2
الحاسوب،سواء اتصل بشبكة ألانترنت وم لم يتصل«.
يؤكد سعيد يقطين ضرورة وضع تمييزات دقيقة بين مختلف لاصطالحات
املتداولة في حقل ألادبيات الرقمية ،مفضال ترجمة مصطلح Hypertexteبالنص
املترابط معتبرا ّون »:النص املترابط خاو بالنص إلالكتروني الذ تتحقق فيه
ّ الروابط« 3وو هو كما جاء في تعريف جان كليمون (ّ )j.Clément
النص الذ »:يتشكل
-1جميل حمداو ،ألادب الرقمي بين النظرية والتطبيق( نحو املقاربة الوسائطية) ،الجزء ،1املستوى النظر ،شبكة ألالوكة www.allukah.netط،1
،8819و .18
-2فاطمة البريكي :مدخل إلى ألادب التفاعلي،املركز الثقافي العربينالدار البيضاء،املغرب،ط،1،8889و.18
-كان تيد نيلسون Ted Nelsonأول من استخدم مصطلح النص المترابط عام 3995ويعني به قراءة الحاسوب غير السطرية ّ
لكل تأليف منطقي
المفرع،ص.337 النص ّ سطري كالذي توفره القصص مثال.ينظر حسام الخطيب ،األدب والتكنولوجيا وجسر ّ
- 3سعيد يقطين،من النص إلى النص املترابط،مدخل إلى جماليات إلابدع التفاعلي،و1180
18
من مجموعة من البنيات غير املتراتبة ،والتي ّيتصل بعضها ببعض بواسطة روابط
1
يقوم القارئ بتنشيطها ،والتي تسمح له باالنتقال السريع بين كل منها«.
يعتقد سعيد يقطين ّون النص املترابط يختلف اختالفا بينا عن ألادب الرقمي وو
ألادب إلالكتروني،فهذه تسميات عامة تدل على نصوو ودبية وجدت طريقها إلى
معقد للروابط ،وعلىالحاسوب وو تمت قمنتها دون ون تكون مز ّودة ببرنامج تفاعلي ّ
ر
كل ودبي إلكتروني وو رقمي هو نص مترابط بالضرورة ،إذ يمكن إخراج كثير هذا ليس ّ
صنفها النقاد على ّونها نصوو مترابطة –رقمية وماهي كذلك ّ
ألنها من النصوو التي ّ
ّ
لم تستوف خصائص النص املترابط.من حيث هو » :نظام يتشكل من مجموعة من
النصوو ومن روابط ( )liensتجمع بينها ،متيحا بذلك للمستعمل إمكانية لانتقال من
2
نص إلى آخر حسب حاجياته«.
بدو ّون سمة الترابط النصية هي الوسم ألاكثر بروزا في النص إلالكتروني ،وهي
تميزه عن ألادب الورقي الذ ال يمكن ون يكون ترابطيا ،يقول سعيد يقطين »:وما التي ّ
النص إلالكتروني ،فالترابط النص ي يتجسد من خالل الروابط التي تتم من داخل في ّ
النص ،وفق ما تستدعيه عملية النص نفسه ،ويسمح لنا هذا باالنتقال من داخل ّ ّ
القراءة...ويتيح لنا "الترابط" في النص إلالكتروني ليس التحرك بين النصوو اللفظية
فقط ،ولكن ويضا لانتقال بين عالمات غير لفظية ،مثل الصوت ،وو الصورة ،وو
الخارطة ،وو اللوحة ،وو الصورة الحية وو املتحركة ،ويعرف هذا التوسيع بترابط
الوسائط ( .)Hypermédiaومعنى ذلك ّون مفهوم الترابط يتجاوز "اللفظي" إلى ونظمة
تم مع متعددة .وهذا الشكل من الترابط بمعنييه ما كان ليتحقق لوال التطور الذ ّ
3
استخدام النص إلالكتروني ،وتوظيف الوسائط املتعددة«.
-1سعيد يقطين،من النص إلى النص املترابط،مدخل إلى جماليات إلابدع التفاعلي ،و.180
-2املرجع نفسه ،و.181-188
-3املرجع نفسه ،ص .311
19
من املصطلحات املتداولة في حقل ألادبيات الرقمية ،مصطلح النص الفائق
الذ رضيه نبيل علي لترجمة مصطلح Hypertextويريد به وصف مختلف العمليات
التي ينفذها القارئ لتفعيل الروابط باستخدام الحاسوب،وو هو » :ألاسلوب الذ
يتيح للقارئ وسائل علمية عديدة لتتبع مسارات العالقات الداخلية بين ولفاظ النص
وجمله وفقراته ويخلصه من قيود خطية النص حيث يمكنه من التفرع من و موضع
داخله إلى و موضع الحق وو سابق بل ويسمح ويضا تكنيك النص الفائق للقارئ بأن
يمهر النص بمالحظاته واستخالصاته ،وون يقوم بفهرسة النص indexingوفقا لهواه
بأن يربط بين عدة مواضع في النص ربما يراها مترادفة وومترابطة تحت كلمة وو عدة
كلمات مفتاحية .Keywordإن تكنيك النص الفائق ينظر إلى النص ال كسلسلة
متالحقة من الكلمات بل كشبكة كثيفة من عالقات التداخل وهو ما دعا البعض إلى
اعتباره نظاما للسيطرة على حلقات الربط Links Management Systemال للسيطرة
على البيانات data management systemsكما هي الحال في نظم قواعد البيانات
1
التقليدية .« data base systems
النص الرقمي، يلتقي نبيل علي هنا مع سعيد يقطين في تحديد وهم خصائص ّ
وهي الالخطية ،وتلك إمكانية َيض َم ُن َها مفهوم إلابحار والترابطية،إذ يسمحان للمتلقي
للنص الفائق وضعا محفزا النصية ّ
ّ باالنتقال بحرية بين الروابط .كما تتخذ املعالجة
بتوجيه من املؤلفّ -
مصمم برنامج القراءة الترابطية -بدور حاسم في ٍ للقارئ،الذ يقوم
بناءما يسميه علي الراغب"فهرسة"للنص تصبح وشبه بكتابة على الكتابة،وو هي
ّ
بالتمدد للنصالنص الرقمي التفاعلي ،وهو ما يسمح ّ مجموع تدخالت القارئ على ّ
والتفرع .
النص النص املفرع hypertextو ّوما حسام الخطيب ،فيستخدم مصطلحي ّ
منوها بضرورة اعتراف املؤسسة ألادبية العربية بهذه ألاشكال املرفل ّ hypermédia
-1نبيل علي،العرب وعصر املعلومات ،سلسلة عالم املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون وآلاداب ،الكويت العدد،101و .801-808
20
ّ
ألادبية الجديدة الناتجة عن تقاطع ألادب والتكنولوجيا فيقول »:على ونه من
ُ َ النص املفرع (هايبرتكست) ّ املستحسن ون نضع في الذهن ّون عصر ّ
والنص املرفل
(هايبرميديا) يؤذن بانبثاق جماليات جديدة ،وهذا ومر طبيعي وغير مستبعد ،ومن
ألافضل توقعه والتهيؤ له بدال من تجاهله «. 1
ّ ثم يذهب حسام الخطيب إلى التمييز بين ّ
النصين املفرع واملرفل ،على الرغم
بأن وكثر الدارسين الغربيين ال يفرقون بينهما،مفضال في آلان نفسه من اعترافه ّ
النص املفرع ،ألن ّالنص الفائق الذ اقترحه نبيل علي ّ فرع على ّمصطلح النص امل ّ
بزعمه »:نص غير سطر ويتألف من إمكانات تفريع ال حصر لها وذلك بدال من الفائق
التي هي صفة تقييمية ال تحمل وية إشارة إلى طبيعة الهايبرتكست .وقد اشتققت
صفة مفرع من مصطلح فرع الدارج في فن الشروح والحواش ي عند العرب ،وهو وقرب
2
إلى املعنى العضو للهابرتكست« .
ّ ّ
فالنص املفرع ال يتجاوز كونه شبكة من نصوو تتقاطع مشكلة نوعا من
كل اتجاه ،ويتحقق ذلك من ّ
والتمدد في ّ التفاعلية النصية التي ال تتوقف عن لاغتناء
خالل تقنية ّ
النص املترابط وو لارتباط التشعبي ) (Hyperlinkبوصفها مجموع لانتقاالت التي
النص بحثا عن ارتباطات النص واستكشافا لحواشيه وشروحه املتضمنة،كأن ينفذها متصفح ّ
التعرف على شخصية وو مكان وو ّ ّ
يتزود املتصفح بمراجع مترابطة شبكيا لشرح مصطلح وو
بالنص ّ
املفرع. مما له صلة ّ
حدث ّ ،
النصللنص املفرع و مما جاء فيهّ » :ويورد "حسام الخطيب" تعريف موسوعة إنكا تا ّ
ر
ّ
املفرع HyperTextفي علم الحاسوب هو تسمية مجازيةلطريقة في تقيم املعلومات يترابط فيها
النص بالصور وألاصوات وألافعال معا في شبكة من الترابطات مركبة وغير تعاقبيةمما يسمح ّ
ّ
التقيد النص [ القارئ سابقا] ون يجول Browseفي املوضوعات ذات العالقةدون ملستعمل ّ
1
المفرع،ط، 1رام هللا ،1138،ص . 19-18
النص ّ -حسام الخطيب ،األدب والتكولوجيا وجسر ّ
-2المرجع نفسه،ص. 311
21
بالترتيب الذ بنيت عليه هذه املوضوعات ،وهذه الوصالت تكون غالبا من تأسيس مؤلف وثيقة
1 النص ّ
املفرع وو من تأسيس املستعمل ،حسبما يمليه مقصد الوثيقة. ّ
ّ في حين يعطي "حسام الخطيب" ّ
للنص املرفل معنى آخر وكثر من مجرد لامتداد
النص الذ (رفل) واغتنى بالوسائل السمعية والبصرية النص ي والتفريع،فهوّ »: ّ
والحركية ...قد رويت ّون الجذر (رفل) هو وقرب شيئ إلى مفهوم الهايبرميديا ملا يتضمنه
ّ
من حركة وزينة فضفاضة ،وآثرت صياغته من املض ّعف (مرفل) ليناسب مصطلح
ّ
(مفرع) « .فا ّلنص املرفل يمثل وقص ى حاالت استغالل ونظمة الحاسوب وبرمجيات
2
النصالنص الذ يقع إثراؤه بوسائط سمعية بصرية .وعلى هذا يعد ّ التكنولوجيا الرقميةّ ،إنه ّ
ّ ألنه فضال عن السرد اللغو ،يقوم ّّ املرفل امتدادا للنص ّّ
النص املرفل املفرع وهو وشمل منه،
على عمل وسائط وخرى مثل الفيديو واملوسيقى والتشخيص والتشكيل والحركة،بينما يكون
نصا ،وهما معا يدينان للمتصفح الذ يملك وحده خيارات تفعيل املفرع وميل ألن يكون ّ
النص ّ ّ
كل ّ
غيرمفعلة،مما يثبت تارة وخرى وهمية السمة التفاعلية في ّ هذه الروابط واملؤثرات وو تركها
ّ ّ من النصين؛ ّ
الخطية. املفرع واملرفل وخروجهما من دائرة القراءة
-2ألادب الرقمي وإشكالية تجنيس السرد املعاصر:
وفض ى ظهور ألادب الرقمي ،إلى مراجعة مفهوم الجنس ألادبي ،وإعادة النظر في
مختلف التصنيفات التراتبية املقترحة لألجناس ألادبية ،بخاصة تلك التي كانت تنظر
إلى ألاجناس في وضعها الخالص واملعزول عن بعضها البعضّ ،
فالنص ألادبي الرقمي
ّ ّ
يتسم بقدرته على احتواء عديد ألاجناس ألادبية وغير ألادبية ،وهو يشكل منطقة
تقاطع مختلف حقول العلم والتكنولوجيات الرقمية وألادب والفن والثقافة
ّ ّ والتشكيل؛ ففي ّ
كل ودب رقمي نلحظ تساند العالمات اللسانية وغير اللسانية
وألايقونات وألالوان وألاصوات والصور واملشاهد املمسرحة والفيلمية ومقاطع
النص املترابط إلى هجنة الفيديو...وغيرها ،وعلى هذا يؤد اجتماع هذا العالمات في ّ
1
المفرع ،ص.338
النص ّ -ينظر حسام الخطيب ،األدب والتكولوجيا وجسر ّ
-2المرجع نفسه ،ص.311
22
ّ
حقيقية ،استطاع النص املترابط من خاللها ون يشكل تجربة إبداعية متعالية على
التصنيف ألاجناس ي.
عرف ألادب الرقمي طريقه نحو بعث ألاجناس ألادبية الكالسيكية ،مثل الرواية
واملسرحية مع تهجينها بالدعامة الرقمية وتقنيات الوسائط املتفاعلة ،فغدت هذه
ألادبيات الرقمية موضوعا وثيرا في دراسات نقدية قامت بتوظيف بعض معطيات
املناهج واملدارس الكالسيكية ،كالتفكيكية والسرديات البنيوية و السيميائية و نظرية
القراءة والتلقي والتأويل والنقد الثقافي ومقوالت ما بحد الحداثة .غير ّون ذلك لم يمنع
من ظهور وجناس ودبية جديدة ،هي بمثابة نصوو ودبية رقمية ،تجريبية ما تزال قيد
ّ
النشأة وهي عرضة لتطوير بنيتها باستمرار ،ومثلها النص املترابط ،لذلك نتوقع ون
ّ
يأخذ النقد وقتا طويال قبل ون يتمكن من وصف معياريتها وتقنياتها وفهم طرائقها في
التمثيل .
يقوم ألادب الرقمي إذن على فرضية تهجين ألانواع ،لذلك لم يكن السرد
املعاصر بمنأى عن هذه الخاصية،حتى وصبح با مكان الحديث عن جنس خيالي
لكل وشكال السرد من رواية وقصة ودراما ، جديد،وهنا تبدو كلمة" الخيال"جامعة ّ
يتحقق في شكل منجز سرد تدعمه وغالبا ما ينحو هذا التخييل السرد املختلط ألن ّ
كل الصيغ السردية امللحمية والدرامية وتتساند عبره ّ
كل الروابط،و تتوحد فيه ّ
العالمات اللغوية وغير اللغوية.
ّ
وعلى الرغم من قوة وطروحة التهجين السابقة ،تمكن بعض النقاد من تمييز
بعض ألانواع السردية الجديدة ،مثل الرواية الرقمية والرواية التفاعلية والرواية
وصل واحد هو هذا الوسيط الترابطي(مؤلف من نبثق ي جميعها الترابطية ،غير ّ
ون
ٍ
ومؤلف مساعد-نص-دعامة رقمية-فضاء تشابكي-مستخدم) ،وحسبنا في هذا املقام
نقدم وصفا للرواية الترابطية التي يتحقق فيها معنى الترابط بشكل واضح فضال ون ّ
عن تمثلها ملفهوم التهجين الذ ذكرناه آنفا ،تبدو الرواية الترابطية وقرب إلى القصة
23
تكثيف و مقابلة ومفارقة ساخرة ٍ القصيرة ،وهي تستعير بعضا من خصائصها،من
وعجيب.
يغلب على الرواية الترابطية اعتماد شخصية واحدة تكون ناظمة ومولدة
للسرد،بحيث تصبح هذه الشخصية قطبا تنجذب إليه جميع الشذرات القصصية،
وإن كان شكل الرواية يظهر وحيانا باعتماد الروابط التي بهايتشعب السرد ،وتنجز
لانتقاالت الزمانية واملكانية ،وفي هذا النوع ال يستنكف املؤلف عن ترك مساحة
خطية،تختار تفعيل الروابط ّ تفاعلية للقارىء املبحر ليخوض مغامرة قراءة غير
اختيارا حرا وعشوائيا وحيانا ،وهو ما يفض ي إلى نسف خطية السردّ ،
ولعل وفضل
نموذج لهذا النوع رواية "صقيع "و"شات" ملحمد سناجلة،حيث تبنى هذه النصوو
وفق نمط الشخصية الواحدة الناظمة بين مفاصل السرد الروائي.
تقول لبيبة خمار مؤكدة تداخل ألاجناس في الرواية الترابطية،بخاصة بين
الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ،فيما تنعته وحيانا بالسرد املوجزّ »:إن
انفتاح الرواية على القصة القصيرة والقصيصة فيه ضمان لخصوبتها وتحقيق لشرط
تعززت باالنفتاح على الحامل استمراها ،وفيه إمكانات هائلة للتجريب والتجديد التي ّ
الرقمي .لكن هذا ال يعني ون على و كاتب /مبدع ون يكتب وبالضرورة بهذه
الطريقة،متبنيا الشكل املوجز فهذا ألاخير يمثل إمكانية من إلامكانات املتوفرة،وشكال
إضافيا يفرضه الوسيط الرقمي ،ثم املنظر السرد ،والوجود ،واملعرفي ّ ّ
إبداعيا
الذ ينطلق منه .دون إغفال ّون الكتابة عموما ،واملوجزة خصوصا تمجد الحرية
وتتغنى بها ،لذاك ال يمكن ون نخندق و كاتب ضمن هذا الشكل وو ذاك ألن الفكرة
1
حينما تعصف،تعصف ملتحفة بأسلوبها! «
يتولى السرد الرقمي املوجز في اصطالح لبيبة خمار الجمع بين درامية الرواية
بجملها السردية القصيرة ،وكثافة القصة القصيرة بومضاتها السريعة،ودهشة
-1لبيبة خمار ،النص املترابط -فن الكتابة الرقمية وآفاق التلقي،رؤية للنشر والتوزيع،مصر،ط،1،8810و.81
24
كل إمكاناتاملفارقات في القصة القصيرة جدا .وفي ذلك إغناء للتجربة باستثمار ّ
التعبير فضال عن التقنيات الجديدة التي توفرها الدعامة الرقمية.
-3ألادب الرقمي و سؤال املنهج:
جر انتشار استخدام التقنية في مجال الكتابة ألادبية إلى إشكاليات كثيرة تواجه
ّ
السواء،ولعل من وهم هذه إلاشكاليات غياب نظرية نقدية النظرية ألادبية والنقد على
النصتواكب الظاهرة وتصفها وتضبط قوانيها ،فضال عن استعصاء فعل قراءة ّ
النص كنا نواجه مفاهيم من قبيل ّ الرقمي نفسه ،وذلك وضع ملموس بخاصة إذا ّ
الفائق وو املترابط،حيث تكبر املتاهة التي تقود إليها الروابط والوسائط
املتفاعلة،فتتشعث مسالك القراء إ اءها ،وبذلك ّ
تتحقق فعال وطروحة ال نهائية املعنى ز
وظاهراتية فعل القراءة بالنسبة للسرد الرقمي ،إن نصوو القراءة التي تنكتب وكثر
نص الكاتب ألاول مجرد معقد؛ يغدو معه ّ من ون ُتحص ى في فضاء تفاعلي وتشابكي ّ
ٌ
مفهوم جديد للقارئ الكاتب خطاطة لنصوو وخرى ينجزها القراء ،هكذا يطالعنا
،وما الناقد فقد وصبح حضوره باهتا ،بل لقد ذهب إبراهيم وحمد ملحم إلى تأكيد
تطورات الكبيرة التي طالت املمارسة ألادبيةعزوف النقد ألاكاديمي عن متابعة ال ّ
الرقمية بقوله »:وتاح النشر الفور عبر مواقع التواصل لاجتماعي فرصة ون يكون
ألادب نتاج الذائقة إلابداعية التي تتفاعل مع عصرها...،وتلبي مطالب عملية التلقي
ّ ّ ّ
املتغيرة عن املاض ي ،فتوظف التقنيات التي توفرها هذه املواقع ملستخدميها ،وهي في
تطور مستمر وتنافس محموم فيما بينها،لكن غياب الناقد عن تناول التجارب ّ
إلابداعية ،وما يستجد من وشكال ،يعني بقاء مصير النظرية ألادبية متناميا ومتشعبا
يصعب السيطرة عليها في ظل تزايد سكان املجتمعات لافتراضية والفئات املبدعة
1
فيها« .
-1إبراهيم أحمد ملحم،نظرية األدب في مواقع التواصل االجتماعي،عالم الكتب الحديث ،إربد األردن،ط،3،1139ص.13
25
لقد تمثلت السرديات الرقمية مبدو تجاوز وعراف الكتابةالسائدةّ ،
وعدلت
مفاهيم الكاتب ّ
والنص والسرد والحكائيةوالقارئ والناقد والنوع ألادبي ...وغير ذلك ،
و هو ما يستدعي فعال ّ
تأمال نقديا لواقع هذا التجاوزّ ،
بكل وبعاده وبدائله ومنجزاته
غثها من سمينها .وتلك -بال شك -مهمة ينهض بها ناقد وكاديمي النصية،لفرز ّ ّ
متخصص. ّ
تعود وولى املحاوالت التنظيرية املهتمة بقضايا ألادب الرقمي مند نهاية
تم إصدار مجلتين إلكترونيتين الثمانينيات إلى بداية التسعينيات في فرنسا ،إذ ّ
،ثم مجلة ( )Kaosالصادرة ما بين-1888 تباعا؛هما مجلة ( )Alireالصادرة سنةّ 1808
،1881وفيهما نوقشت مختلف قضايا ألادب إلالكتروني وفكرة العالقة التفاعلية بين
ألادب والتكنولوجيات الرقمية . 1كما وجد ألادب الرقمي دفعا تنظيريا مهما بين ظهراني
متحمسين ومثال جورج النداو( (George Landowوميشال جويس ) (Michael Joyce ّ نقاد
وجون بيار بالب( )Jean-Pierre Balpeو فيليب بوطز ()Philippe Bootz؛ إذ استفاد هؤالء
مقوالت بنيوية وتفكيكية وسيميائية لتطوير نظرية ألادب الرقمي ونقده ،وووشكواٍ من
2 ُ ّ
ملنهج تكاملي يجمع بين مختلف هذه املعارف والتخصصات.ٍ نوامك ون ي
ويذهب باحثون عرب إلى تأكيد إمكانية دراسة ألادب الرقمي باستثمار معطيات
التحليل البنيوية ونظرية القراءة والتأويل ،يقول عبد القادر فهيم شيباني في هذا
السياقّ »:إن تراكب شبكة النص املترابط ،وفق قاعدة الداخلي والخارجي ،تمكننا من
النص ألادبي الرقمي على صعيدين دالليين .فعلى صعيد ألاشكال الداخلية تأمل ّ ّ
للدعامة التقنية ،تنسب املعطيات النصية املترابطة ،للدالالت البنوية ،وما على صعيد
فإن املعطيات تقيمألاشكال الخا جية ،و على صعيد وشكال التفاعالت مع القارئّ ،
ر
1
- Alain Vuillemin, Littérature et Informatique :de la poésie électronique au récits interactifs, Conférence faite
devant le Pen Club du Brésil, Rio-de-Janeiro au Brésil, le vendredi 21 mars 1997.in la revue de L’EPI, N94, 1999,
p52.
2
- Alain Vuillemin, Littérature et Informatique :de la poésie électronique au récits interactifs, p55.
26
معناها ،من خالل ممارسات فعل القراءة والتأويل 1 «.يبدو ّون العالقة بين ألادب
الرقمي والسرديات البنيوية تظهر في مستوى البنية السردية التي تتخذ مظهرا
ّ
سيميائيا ،فتتجاوز املعطى اللساني،في حين يستلزم نشاط القراءة انبثاق قصدية
املصمم ،فليست التفاعلية سوى ذلك البرنامج الذ ّ التفاعل بين القارئ واملؤلف
صممه املؤلف على ضوء ردود فعل القارئ ومختلف استجاباته تجاه ما يتلقاه من نصووّ
فإن التفاعلية-بحسب "دانيال بيرايا" Daniel Perayaهي على ضربين ويشرح ذلك قائال: ،لذا ّ
حد بعيد عملية »يشير هذا التوزيع إلى التمييز بين شكلين من وشكال التفاعلية التي تهم إلى ّ
توسط ،مع ألاخذ بعين لاعتبار وجهة نظر مصممي البرامج .يميز املؤلفون من خالل عملية ال ّ
اتصال" إلانسان /آلالة" التفاعلية التي تدير بروتوكول لاتصال بين املستخدم و آلالة -و
التفاعلية الوظيفية -عن التفاعلية التي تدير بروتوكول لاتصال بين املستخدم واملؤلف الغائب،
ّ ّ
لكنه حاضر عبر البرنامج -و التفاعلية القصدية -وبعبارة وخرى ،يتعلق الشكل ألاول من
ّ
التفاعلية بقدرة املتعلم على التفاعل مع آلالة والبرنامج الذ يستخدمه ،وبالتالي تعديل حالة
النظام .وتتميز التفاعلية القصدية،بإعادة بناء موقف التخاطب بين مؤلف غائب
جسديا،حاضر ببصمته التي يتركها في الوثيقة الوسيطة مهما يكن شكلها؛ بصمة املؤلف ،
لتوسط فيطريقة مساءلة املرسل إليه،التوجه إليه وتوريطه تمثل جميعها شكال وساسيا ل ّ
2
العالقة«.
يعول عليه بالنسبة إلى ّ
النص املترابط هو ون يرفع مستوى التفاعل إلى ّ فالذ
يتجه عبرها املؤلفّ -
املصمم إلى قارئ مستعد متعمدةّ ،
الدرجة املثلى ،فتكون التفاعلية ّ
للتعاون معه،فيتجاوب مع تعليماته ويكشف مقاصده املضمرة ،وينهض بجملة من
املهام التي وحص ى بيرايا بعضها،وعلى روسها إعادة بناء مقام التلفظية،ووشكال
التخاطب كالحوار،واستنطاق املحذوفات ،وتحر قصد املؤلف ،وال نجد في ّ
كل ما
-1عبد القادر فهيم شيباني ،سيميائيات املحكي املترابط(سرديات الهندسة الترابطية :نحو نظرية للرواية الرقمية)،عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع،
إربد ألاردن ،ط،1،8811و.81
2
- Daniel Peraya, Médiation et Médiatisation :Le campus Virtuel, La revue Hermès, CNRS, France, Editions, n
25,1999,p.156.
27
يبرر منطق التجاوز ُذكر من قواعد تأليفية و وعباء منوطة بفعل القراءة الرقمية ،ما ّ
التامة بين ألادب الورقي وألادب الرقمي؟!والقطيعة ّ
مما سلف ّون السرد الرقمي بمصطلحه وإجراءاته ونظريته هو وليد النقد نخلص ّ
الغربي الذ راكم معارف كثيرة في سبيل تطوير نظرية ودبية رقمية ،تحاول استكشاف
ّ ّ
هذه الظاهرة ألادبية الجديدة التي بدوت في التشكل في ووروبا منذ الخمسينيات ،وكأني
يلوح بحداثة وخرى ،شعارها النصية الجديدةّ -
ّ بالنقد الرقمي ،وقد اف ُتتن بنماذجه
تجاوز النظريات ألادبية والنقدية السائدة ،ومع ذلك راح النقد الرقمي يبحث عن
مرتكزات له في هذه النظريات واملناهج التي وسعفته بمفاتيح وولية ،مثل بالغات السرد
البنيوية و كفاءات التأويل وتداخل ألاجناس.
املحاضرة الثالثة :تقنيات السرد الرقمي
مقدمة:
يقوم السرد الرقمي على توظيف وسائط مختلفة ،لغوية وغير لغوية ،غالبا ما
طورة يوفرها النظام املعلوماتي ،وهو ما يقع تنفيذها في شكل تطبيقات و برامج م ّ
كل ممارسة يقتض ي التساؤل عن وهمية هذا الجانب التقني الذ يعد شرطا جماليا في ّ
للتعرف على ألادب الرقمي ،ومن ثمة السرد ّ ودبية رقمية ،وعليه فإن وفضل طريقة
تحققه وتقنياته حتى يتسنى لنا مبدئيا الحكم على هذا الرقمي ،هو استكشاف شروط ّ
الوافد الجديد.
ا
غير ون الالفت لالنتباه ون السرد الرقمي ليس كال متجانسا ،وهو يحتمل وشكاال
ّ
سردية جديدة ما تزال في طور التشكل ،ويمكننا هنا ون نتحدث عن الرواية الرقمية
والتفاعلية والترابطية ومثلها املسرح والقصة و القصة القصيرة جدا ،وقد ذهب بعض
النقاد ،ومثال لبيبة خمار ،إلى الحديث عن "سرد موجز" هو سرد رقمي يتمخض عن
كتابة رواية بأسلوب القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا والخبر،مثلما روينا وعاله،
كل نظرية نقدية وكدهادراسة هذه الظاهرة ّإن مثل هذه إلاشكاليات ستواجه حتما ّ
ألادبية الجديدة ومتابعة مستجدات السرد الرقمي،ووصف شروطه النظرية
28
وإلاجرائية،يقول دمحم سناجلة في سياق وصفه النظر لرواية الواقعية الرقميةالتي
يعدها واحدة من إلامكانات املتاحة غير املنتهية لكتابة سرد رقمي عربي مفتوح على زمن ّ
املغامرة والتجريب املستمرين» :رواية الواقعية الرقمية هي الروايةالقادمة ،ولن
تتوقف الرواية عندها ،لكن ما سيميز هذه الرواية عن غيرها هو قدرتها الدائمة على
اتخاذ وشكال مختلفة باستخدام الصيغ املختلفة للتقنيات الرقمية التي هي في تطور
1
مستمر" .
تقنيات السرد الرقمي:
يوظف السرد الرقمي مستحدثات العصر التكنولوجي وعلى روسها الحاسوب
املوصول بالشبكة العنكبوتية ،ويشترط في هذا الوسيط ون يكون مز ّودا بلغة برمجيات
النصدقيقة تسمح بتنفيذ جملة من التعليمات خالل عمليتي إنتاج و تلقي ّ
ّ
املترابط؛فتهيئة الوسيط و تزويده بمختلف إلامكانات التي توفرها البرمجيات
النص املترابط ،الذ يظل بحاجة إلى شروط softwareمسؤ والن عن محتوى ّ
و تقنيات ضرو ية ّ
لتحققه ،نذكر منها: ر
-1الوسيط املترابط :
كل سرد رقمي وظيفته عرض مجموعة من يعد الوسيط املترابط آلية مهمة في ّ
الروابط القابلة للتفعيل من طرف قارئ -مبحر ،سيتخذ من الروابط مناطق عبور إلى
كل رابط يتوارى نص آخر ،تقول زهور كرام شارحة طريقة العقد السردية ،إذ وراء ّ
عمل الرابط »:يشكل الرابط lieu /تقنية وساسية في تنشيط النص املترابط والدفع
حدده فنيفار بوش Vanevar Bushهو الذ يربط بين ّ
التحقق،والرابط كما ّ به نحو
2
معلومتين وهذا لارتباط هو الذ ينتج املعنى«.
ّ
قد يكون إلابحار عشوائيا وغير مخطط له من لدن قارئ مستعجل ،لذا فمن
ّ
يحدد املعنى وليس إلابحار في حد ذاته ، الطبيعي ون اختيار القارئ للرابط هو الذ
29
وتؤد الروابط وظيفة السرد والتعليق؛ فهي محرك للسرد وناظمة له في آن.كما يقترن
ظهور الروابط بعالمات ويقونية ولغوية وبصرية،كأن تكون وحيانا على شكل جملة وو
ّ
1
كلمة ُمسطرة وو مبرزة بلون مفارق وحيانا .
تنقلنا الروابط إلى فضاء النص الفائق وهو مستودع نصوو غائبة ووصوات
ولوحات وإشارات تتداخل جميعها وتتقاطع،وإن كانت عمليات الربط تتم على غير
انتظام إذ »:تتيح هذه الروابط ))Liensللمستعمل ون يتنقل بين موضوعات متنوعة
2
دون مراعاة النظام الذ تخضع له في ترتيبها « .يستطيع القارئ إذن ترك ر ٍ
ابط
وتفعيل غيره وهو ما يجعل السرد الرقمي يصطبغ بسمة التفاعلية،ف ُتقرو النصوو
بطرق شتى من لدن قراء يتفاوتون في طرائق تفعيلهم للروابط وكيفيات تتبعهم
ملساراتها.
يعود سعيد يقطين إلى وصف طريقة تفعيل الروابط فيقول »:إن معرفة ما
وسميناه بعملية إلانجاز في عملية الكتابة ضرورية في عملية القراءة ألنها تستند إلى
النص املترابط نص شذر ،وو شجر ،وتتحدد داخله قاعدة مركزية مفادها ّون ّ
ّ
النصية املختلفة بمجرد تنشيطها بالنقر عليها "معينات" تسمح باالنتقال إلى الشذرات
بواسطة الفأرة .وكلما قمنا بعملية التنشيط هذه وقفنا على بنيات نصية جديدة من
3
معينات تستدعي التنشيط « . خالل نوافذ جديدة ،وهي تتضمن بدورها ّ
النص السرديقتض ي ألامر إذن ون نتحدث عن عملية إبحار مدروسة عبر جسد ّ
حد تعبير سعيد يقطين،قارئ ينفذ تعليمات النص املترابط،ينهض بها قارئ كريم -على ّ
لكنه يصل النهاياتيفعل الراوابط ويستكشف النصوو الغائبة واملشاهد املتحركةّ ، ّ ،
بالبدايات ،وال يضيع في متاهة السرد الرقمي املترابط.
-1عبد القادر فهيم شيباني ،سيميائيات املحكي املترابط(سرديات الهندسة الترابطية :نحو نظرية للرواية الرقمية) ،ص.59
-2سعيد يقطين ،من النص إلى النص ااملترابط،و .181
–3املرجع نفسه،و.111
30
يترائ القارئ املبحر دائم النوسان بين الروابط والعقد السردية ،نوسانا يحقق
ّ
املعنى الدقيق للنص املترابط ،بوصفه» :وثيقة رقمية تتشكل من "عقد" من املعلومات
قابلة ألن ّيتصل بعضها ببعض بواسطة روابط « 1وعلى هذا يمكن ون نعد العقدة
( )Nœudنصا ظاهرا يحيل إليه رابط ما وو هي» :كيانات مستقلة ،تخضع في تأسيس
تعالقها البيني ،مالءات الروابط) ، (Les liensومن ثم فهي تندرج داخل بنية من
املجموعات عبر العالقات الجامعة للروابط ...فالرابط يصل بين عقدتين ضمن وجهة
2
محددة ،وبمجرد تفعيله ينقاد مستعمل الوسيط املترابط ،من عقدة إلى وخرى«. ّ
تمدد ا ّلنص السرد في ّ
كل تنتقل الروابط بين العقد السردية فيسفر ذلك عن ّ
وإن ذلك ليفض ي إلى إظهاراتجاه ،فثمة نص يحيل إلى آخر و هذا إلى ثالث ...وهكذاّ ،
النصوو املضمرة التي كانت تتوارى بالرجاب خلف ّ
كل رابط.
-8الوسائط املترابطة hypermédia:
يوظف النص املترابط وسائط متعددة )،(multimédiaتتخلل نسيج البنية
لكنه يؤد ويضا وظيفية تدشينية للسرد، السردية وتتداخل معها بواسطة الروابط ،و ّ
النص املترابط على مشاهد تمثيلية وصور ومؤثرات صوتية ،وهو ومن خالله ينفتح ّ
ما يعد ّ
تطورا مهما في مفهوم السرد الرقمي وإمكانياته التعبيرية.
ّ
يعتقد حسام الخطيب ّون ما يصطلح عليه بـ النص املرفل( )hypermédia
يتلخص في »:دمج الرسوم وألاصوات والفيديو ،وو تشكيل آخر في منظومة ترابطية
بشكل رئيس ي لخزن املعلومات واستدعائها ،3« ..في حين توكل مهمة بناء هذه التوليفة
ّ
املتحركة الخاصة بين السرد اللغو (املكتوب)والوثائق واملقاطع الشعرية واملشاهد
والصور وألاصوات ومقاطع الفيديو وغيرها ،...إلى القارئ املبحر ،فينتج عن ذلك كسرّ
النص املترابط بواسطةهذه الهجنة بين العالمات وهو ما يسبغ على النص ّ خطية
31
ّ
املرفل بعده السيميائي ،كما تذهب لبيبة خمار إلى ّون »:سمة النص الفائق تحيل على
الوسائط الفائقة ( )hypermédiaاملستخدمة للتعبير عن املعلومات وألافكار عن
طريق الترابط بين ال ّنص املكتوب ،والرسومات والصور ،ولقطات الفيديو ،مع إفساح
ّ
املجال للمبحر كي يتحكم بحرية في وسلوب العرض ،لكن يبقى الترابط والوصالت
(و الروابط) هما املعول عليهما في الربط بين وسائط لاتصال املتعددة والتفاعلية
1
هاته«.
املتعددة داخل النص املترابط يؤد إلى تشعبه ،لذلك يتعذر ّ ّإن عمل الوسائط
لاستحواذ عليه دفعة واحدة من طرف القارئ املبحر الذ غالبا ما ُيرى وهو يناور
بتفعيل الروابط بشكل غير منتظم بالخروج والدخول والنسخ والتخزين والحفظ
والعودة إلى البدء ...وهذا ما يسبغ على النص املترابط سمته التفاعلية التي ليست شيئا
آخر سوى ذلك التبادل غير املشروط بين املؤلف والقارئ املبحر.
تعود فاطمة كدو إلى تعريف النص الوسائطي فتقول» :وال بأس من إلاشارة إلى
ّ ّ
بالوسائطي،النص الذ ُيقرو على شاشة الحاسوب ،معتمدا على عدة وننا نقصد
وسائط تمكنه من اتخاذ صفته الوسائطية ،من خالل توظيف صور متحركة وثابتة
تضمنه مقاطع شعرية /مقاطع موسيقية وغنائية /وشرطة فيليمية ،با ضافة إلى ّ
النص الوسائطي سواء وكانت مقتطعة من /نثرية ،وهذه ألاخيرة بمجرد توظيفها داخل ّ
دواوين شعرية وم من روايات وقصص...قد فقدت صفتها الورقية وتوسلت بالجسر
يتميز بصفته التفاعلية إلالكتروني...كوسيط لتعانق قراءجددا،وهذا النص الوسائطي ّ
و ون القارئ يتفاعل من خالل الروابط "/ألاداة التقنية " ،التي يتم الضغط عليها من
2
وجل اختراق سكونية النص الظاهرية،للدخول والتجوال وإلابحار في بنيته«.
32
ّ فبمقتض ى شرط التفاعلية ُيقلد القارئ داخل ّ
النص املترابط مهمة وخرى؛إنه
كاتب -مشارك( ، 1)co-auteurيفض ي توليفه الحر للشذرات النصية إلى كتابة ثانية
على كتابة املؤلف ،وتجدر إلاشارة هنا إلى ّون معشر القراء ال يرتقون جميعهم إلى
مرتبة الكاتب املشارك،فبعضهم قد يكتف بالضغط على بعض الروابط و حين
يتم استكشاف يضجر من عمق متاهة النص السرد املترابط ،يتركها دون ون ّ
املتاهة،وال يعيد من ثمة بناء ما لم ينكتب في نص املؤلف.
-1السرد اللغو :
يتوفر السرد الرقمي على نصوو سردية لغوية،هي بمثابة ّ ّ
مكون رئيس من
قدم فكرةمكونات السرد الرقمي ،فبعد ون يكون املشهد التشخيص ي التمثيلي قد ّ ّ
العقدة السردية ،يعود السرد اللغو ليستأنف ما عبر عنه الوسيط املترابط سابقا
،وعلى هذا يصبح هذا التداخل بين هذين النوعين من السرد؛ الترابطي واللغو سمة
رئيسة في السرديات الرقمية.
يتم الربط بين السردين؛ اللغو والترابطي؟ قد تكون ولكن كيف ّ
الشخصية نقطة ارتكاز مشتركة بينهما ؛ ففي بعض النماذج السردية الرقمية العربية،
مثل رواية "صقيع" و"شات" ملحمد سناجلة و"حفنات جمر" سماعيل البويحياو
تظهر الشخصية بوصفها عنصرا واصال بين مفاصل النصوو املترابطة وعقدها
ألن هذا النوع من السرد الرقمي يكون وميل إلى لامتداد،وبذلك يصبح الكثيرة ،ذلك ّ
الخروج بواسطة الشخصية نفسها من كتابة الرواية إلى غيرها شكال من وشكال
تنضيد السرد الرقمي ،تفضل لبيبة خمار نعت هذا النوع من الشخصيات الواصلة
بالشخصية السياقية فتقول »:ومن بين لاستراتيجيات التي تجعل القاو يكتب
الرواية من خالل القصة القصيرة والقصيصات اعتماد الشخصية املركزية والسياقية
وحدة للقصص ،ووالتيمة املوحدة كدينامو مولد للسرد وهيكل تلتف حوله ّ
كل املـ ّ
33
ُ
القصيصات وعليه يستقيم بناؤها املاد والداللي شريطة ون تكتب بهاجس روائي وون
تكسر الخطية وتبتعد عن الحشو وتعانق الكثافة ....وتعتمد الروابط التي بها يتشعب
1
ويتفرع الحكي وتنبني املتاهة الزمانية واملكانية «.
تجمع الشخصية الواصلة بين الشذرات النصية في نص مترابط ،إذ كلما ّ
تم
تفعيل رابط جديد ،تطالعنا الشخصية ألاولى بسمات جديدة ،فالشخصية الواصلة
تؤد وظيفة إحالة على النصوو املترابطة السابقة.
من بين الوظائف املسندة إلى الشخصية وظيفة وسم الروابط ،إذ يكفي ون
تردد روابطنتأمل نماذج من نصوو سردية ترابطية عربية،لنكتشف نسبة ّ ّ
الشخصيات ،وهو ما يؤكده عبد القادر فهيم شيباني بقوله »:تؤد الشخصيات
داخل املحكي املترابط ،دورا مهما في ضمان انتظام الصفحات ونظم الوقائع السردية.
وإذا كانت الشخصية ،تنوء بحمل الفعل وتعطيه معنى،فإن رابط الشخصية،
تعدد تلك ألافعال واختالفاتها ،كما يمكن ون يكشف عن يستطيع ون يعكس بوضوح ّ
الخطاطة العامة لشبكة الشخصيات مجتمعة ،داخل املحكي الواحد،فيبين عن املهم
2
فاألهم داخل لعبة السرد« .
بما ون القطيعة بين السرد الرقمي و املناهج النقدية -وعلى روسها السرديات
البنيوية والسيميائية -لم تتم بشكل قطعي ،فهذا يعزز فرضية تحليل الشخصية
تبين ويضا من خالل متابعة ومتابعة ونظمة إحاالتها في النص السرد املترابط ،وقد ّ
املنجز السرد الرقمي ّون الشخصية ما تزال تتقدم موسومة وظيفيا على مستوى
يتم حجب مالمحها في بعض النصوو فيمنحها ذلك طابعا مجردا تصور،وو ّالفعل وال ّ
كل إنسان يعيش متقوقعا تتحول معه الشخصية إلى نموذج تبادلي يصلح تعميمه على ّ
ومهمشا ومذهوال بفتوحات عصر رقمي يكاد يتجاوزه. ومعزوال وبائسا ومستلبا ّ
1
النص المترابط فن كتابة الرقمية وآفاق التلقي،ص .85
-لبيبة خمارّ ،
-2عبد القادر فهيم شيباني ،سيميائيات المحكي المترابط ،ص. 319
34
املحاضرة الرابعة :استثمارالسرود السمعية البصرية في الرواية العربية املعاصرة
مقدمة:
تقيم الصورة-السمعية البصرية في قلب العالم وهي نبضه وبها يقيم حياته
ومناشطه ومعايشه وودبياته وطقوسه ،...حتى ألمكننا القول ّإن السمعي البصر هو
كل حركات الزمان؛ماض ي قانون هذا العصر وجماليته ،وبه وضحى ممكنا جمع ّ
وحاضر ومستقبل في مشهد واحد ،وهو ما يجعلنا نعاود الحديث عن موقع الصورة
ثم كيف تسنى توظيفها السمعية البصرية في محضن الفن السابع الذ نشأت فيه ّ ،
في السرد الروائي ،بخاصة بعد ون وصبحت السينما بفضل تطور نقدها وتقنياتها
صناعة متكاملة.
الرواية والفيلم /نحو رؤية متجددة لتكامل العلوم والفنون وآلاداب:
ّ
التخصص الدقيق ،بل وفض ى مفهوم تكامل املعارف إلى رفض التقوقع داخل وسوار
تخصص واحد مكتف بذاته ومستغن عما ّ ال يبدو ممكنا لاعتراف بوجود فن وو ودب وو علم وو
كل ممارسة ودبية و فنية و علمية ،هي التي تستوعبسواه ّ ،إن هذه املنطقة البينية التي تحكم ّ
نوع العالقة بين ألادب والسينما ،دون ون يكون التأثر والتأثير املتبادل بينهما سطحيا مع ذلك
ّ
البينية interdisciplinaritéيدالن على التفاعل ّ
التخصصية ،ألن مفهوم تكامل املعارف و
التخصصات ،بحيث ال يقف هذا التفاعل عند ّ
مجرد تجميع املعارف ّ العميق بين جملة من
1 ّ
التخصصات بعضها في بعض. املختلفة ،بل إنه اندماج كلي و تأثير جذر متبادل بين
وما العالقة بين الرواية العربية والسينما ،فقد ت ّبووت مكانة خاصة ّ
مردها إلى
وجود مبادالت جمالية ومعرفية بينهما ،وقد حفل التاريخ العربي بعديد التجارب
الروائية التي وقامت نسيجها السرد على وسلوب سينمائي بعناصره املختلفة ،من
مشاهد ولقطات وسرد الكاميرا،وقطع ،وكوالج ،...فال نستغرب إذن ون يكون انجذاب
1
- Piaget, Jean ( 1972), « l´épistémologie des relations interdisciplinaires », in :
L'interdisciplinarité: problèmes d´enseignement et de recherche dans les universités , Paris,
OCDE, 1972 [ version électronique réalisée par : fondation Jean Piaget .
35
الرواية نحو السينما بهدف التقاط وساليب جديدة ،مكفوال بقوة تكامل الفنون
واملعارف وانفتاح بعضها على بعض ،يقول صالح فضل ّون السينما »:لغة ثالثة تفيد
كل من اللغة الطبيعية والشعر والتشكيل واملوسيقى والطبيعة والفعل إلانساني من ّ
كل من الفن والعلم؛فأبوا عبرها ،فهي نتيجة لذلك ّ
متعددة ألابعاد ،ومع ّونها وليدة ّ
املباشر هو املسرح وومها التكنولوجيا ،إال ّونها تقدم جملة من الخصائص الجمالية
ّ
الحيوية الجديدة التي تعود لتثر الفنون القديمة ،وكم من وم تتعلم من ابنتها ،وهكذا
1
الرواية في موقفها من السينما«.
ّ
يشكل التفاعل بين الرواية والسينما،بين الكتابة والصورة-السمعية ،ملمحا من
مالمح التجريب،الذ قويت شوكته بعد هزيمة ،1898حينما تخندقت النخبة من
طالئع املثقفين والروائيين حول فكرة لاحتجاج وفضح سياسة التزييف و ّ
التمرد على
ّ ّ ّ
كل السلط ،فتمخض ذلك عن ميالد الرواية الجديدة التي وظفت مفردات السينما
عربي يوشك ون يتهافت،بسبب اجترار ٍ جسد رو ٍ
ائي ٍ بهدف ضخ روح جديدة في
موضوعاته وقوالبه وعجزه عن مالمسة الواقع،وذلك ما تناوئه الرواية الجديدة التي
لطاملا كانت -وما تزال -تقوم على التجريب بابتكار آساليب جديدة ،و ّ
التمرد على
قوانين ألاجناس ألادبية وصيغ التأليف املبتذلة ،وهذا ملمح تجسده الرواية الجديدة
تقد من الحاضر وزمنة للفعل التي قطعت صلتها بفعل السرد "كان -وو يحكى" وراحت ّ
وإلاخبار،ذلك ما يذهب إليه جهاد نعيسة قائالّ »:
تعد الرواية الجديدة التي انطلقت في
فرنسا في الخمسينيات املثال ألاكثر وضوحا الستلهام قضية الحضور السينمائي
،وذلك في زرع املغامرة (القصة) في هذا الحاضر ،بوصفها احتماال،إو إمكانا ،وو حلما،
فتح خالل العملية السردية نفسها ،وليس بوصفها منجزا واقعيا وو وو وهما ينشأ ويت ّ
2
تخييليا تستعيده هذه العملية السردية«.
36
تعود العالقة بين الرواية والسينما إلى وربعينيات القرن املاض ي ،وهو ما يقوم
ّ
حجة دامغة على ّون ألاعمال ألادبية وعلى روسها الرواية شكلت مادة خصيبة لصناعة
السينما العربية،ففي مصر وخرج دمحم كريم رواية "زينب" ،و مثله فعل صالح وبو سيف
في "بداية ونهاية" ،وكمال الشيخ في ميرامار 1،وهنا نلحظ كيف وسهم تحويل الرواية
إلى فيلم سببا في شهرة بعض الكتاب املغمورين مثل "إبراهيم وصالن" ،وتوسيع رقعة
انتشار البعض آلاخر مثل "نجيب محفوظ" الذ لم تبق شهرته وقفا على نخبة
كل فئات املجتمع املصر بفضل املشتغلين بالثقافة وألادب،بل تجاوزتها إلى ّ
يوهات للسينما. ُ
السينما،بخاصة وقد عرف عن نجيب محفوظ إقباله على كتابة سينار ٍ
وامتدت صناعة ألافالم الروائية إلى سوريا،وفيها وخرج "توفيق صالح" (رجال في
الشمس)،وفي الجزائر وخرج "عبد الرحمن بوقرموح" (الربوة املنسية)،ومثله فعل
"وحمد راشد " في (ألافيون والعصا) ملولود فوعون 2.ويعز في هذا املقام استكمال
تم اقتباسها وتحويلها إلى وفالم لقي بعضها رواجا كبيرا.قائمة الروايات التي ّ
ال سبيل إذن إلى نكران وهمية التأثر والتأثير بين الفنون وآلاداب،بين ألادب
والسينما على وجه التحديد ،على الرغم من اختالف لغتيهما ،ففي الوقت الذ
تستخدم فيه الرواية اللغة املكتوبة،توظف السينما «:اللغة السمعية البصرية ،التي
تخضع لبناء حركي – صوتي يقوم على استثمار ممكنات ثالثة للتجسيد الحركي :حركة
املمثلين والعناصر ألاخرى داخل الكادر،حركة الكاميرا،شكل التوليف املعتمد
ّ
(املونتاج)للقطات ،بالتوافق وو التضاد مع مفردات الشريط الصوتي وعناصره« 3.وإن
ّ
كان تأثير الرواية في السينما ليس هو ما يعنيا في مقام وول ،وإنما تشغلنا الكيفية التي
استثمرت بها الرواية العربية ودبيات السينما وتقنياتها ،ووبعاد هذا التوظيف الجمالية
-1إبراهيم عامر ،الرواية العربية والمونتاج السينمائي،دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع،األردن،ط، 3،1139ص15
-2ينظر تفاصيل أكثر حول صناعة السينما العربية وعالقتها باألدب،أحمد بجاوي وميشال سارسو وآخرون ،األدب والسينما العربية،منشورات
الشهاب ،1139،د.ط ،ص.11
-3جهادعطانعيسة،الرواية والسرود السمعية والبصرية-الرواية والسينما..مسارات مقارنة،ضمن كتاب الرواية العربية »..ممكنات السرد«،ص.118
37
والداللية ،فأولى لنا والحال هذه ون نلقي نظرة سريعة على وهم التقنيات السينمائية،
وإلاحاطةبطريقة تنفيذها في الرواية ،مع التنويه بضرورة النهوض بدراسة تطبيقية
مفصلة هي وحدها الجديرة بكشف مختلف سياقات توظيف الصورة السمعية في ّ
الرواية وتحر ألابعاد الداللية والجمالية لهذا التوظيف .
-1التركيب ( :)Le montageهو واحد من وهم التقنيات السينمائية،و يدل على
اللقطات ّ ّ
املفلمة وعناصر الشريط الصوتي بعضها بعد بعض بحسب الترتيب »:لصق
مفلمة من املجمع« .وو هو » :تقطيع مشهد إلى لقطات ّ
ّ ّ
الذ حدده املخرج باالتفاق مع ِ
ّ
مختلف نقاط النظر ،والذ يقيم عالقات سيميائية وشكالنية معا بين اللقطات
املتتالية عن طريق تناوب نقاط النظر (في الحقل والحقل املعاكس ،مثال) وعن طريق
1
الوصالت«.
ّ
يستدل بالتركيب على عملية ترتيب اللقطات السينمائية وتجميعها ضمن
سيناريو محكم هو بمثابة نظم ملشاهد كانت عند التقاطها مستقلة عن بعضها
ّ
لتكون
لقطات ترابطت ٍِ البعض ،واملشهد في لغة النقد السينمائية يضم »:سلسلة من
ّ كال ُينش ئ حدثا وو موقفا وو مأزقا ما ثم ّا
يطوره«2.فاللقطات هي بمثابة منظر وو سلسلة
ّ
من املناظر تؤلف بدورها مشهدا متكامال ،وتشتمل اللقطات على مؤشرات زمانية
صور حركات الشخصية وصفاتها بواسطة تقنية التجسيم ومكانية وتعرض ألاشياء و ت ّ
البصر .
كل مشهد روائي جملة من املناظر هي بمثابةوكما املشاهد السينمائية ،يتضمن ّ
ّ
وصفاته،لكنه يندغم كل منظر بموضوعه وحركاته ال ّلقطات في عرف السينما ،وينفرد ّ
مع املنظر الذ يليه في توليفة سردية منسوجة على نحو خاو،كما ال تستنكف
املشاهد عن تسريب وجهة نظر ما تشكل البعد الداللي الغائب الذ يجب ون ُيقرو
-1مار -تيريز جورنو ،معحم املصطلحات السينمائية ،منشورات وزارة الثقافة ،8888،و.98-90
-2نجوى الرياحي القسنطيني ،الوصف في الرواية العربية الحديثة ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس،ط،3،1117ص.171
38
تتبع لعبة إلاحاالت،إحالة الحاضر إلى الغائب والداخل ،ويستكشف من خالل ّ سياقيا ُ
إلى الخارج،وذلك ما سيأتي بيانه في العناصر ودناه.
قد تكون تقنية املشهد ونسب في افتتاحيات السرود ،حيث تميل بعض
الروايات إلى العمل وفق سرد سينمائي بانورامي ،تنحو فيه الكاميرا إلى تكديس
تفاصيل وكثر ،ومثال ذلك هذا املقطع » :استيقظ الشاعر مرعوبا ،على وصوات تمزق
سكون الليل املجروح باألنوار املنبثة في الشوراع...تساءل بصوت عال ،رغم وثوقه من
ّ
وونه ّ ّ
بكل بساطة ،ال يشاركه وحد في ونه ال يوجه سؤلا أل شخص آخر غيره ،ذلك
سكنه الكبير هذا ،وذلك منذ ُمنح له ،كسكن وظيفي ،من طرف املعهد الذ ُيد ّرس
فيه .لم تكن ألاصوات ملدافع ،ال وال حتى لدبابات ومجنزرات كما جرت العادة ،منذ
ّ
سنتين وو يزيد .إنه هدير بشر ،قو ()...وصاخ السمع لحظات ،ثم نهض وشق النافذة
ّ
املشرفة على الشارع ،وراح يطل من الفرجة الصغيرة ،يستوضح ماذا هناك...لم يكلف
ّ ّ
نفسه التثبت من الوقت فذلك يكلفه الخروج عن طقوسه وإيقاد النور،ثم إنه ال داعي
لذلك في هذه اللحظات املهم هو معرفة ما يجر في الخارج ...فتح الباب فداهمه نور
خافت...سحب الباب خلفه بقوة وانحنى ووال يغلق القفل السفلي...ونزل يقطع املسافة
القليلة بين باب الدار وباب الحديقة الصغيرة املهملة من جميع الوجوه...والحديقة
الغرس فيها سوى شجرة واحدة برية ...وزاح السلك ثم وعاده مع ذلك،كأنما في هذه
الليلة بالذات،شعر بضرورة لائتمان على داره.ولقى النظر على الجيران الذين يحتلون
1
الجزوين السفليين ألايمن وألايسر...والذين ال يعرف وسماءهم «.
ينضح هذا املشهد الطويل لافتتاحي بمناظر متتابعة يأخذبعضها برقاب بعض
وهي(:استيقظ-سكن وظيفي-الصوت -يطل من الفرجة -نزل -الحديقة-الجيران)...
فهذه مناظر تراكم تفاصيل كثيرة عن إلانسان والزمان واملكان،بل نشعر ّون عين
السارد كعين الكاميرا ترصد الحركات":استيقظ-نهض-شق -فتح-سحب –غلق"،كما
39
وكدست صفات م ّكنتنا من معلومات عن الشخص ،ومهنته ووضعيته لاجتماعية ّ ،
ملوصوفات"البيت(وظيفي-كبير)والحديقة(الصغيرة)..والجيران(الوعرف وسماءهم).. ٍ
ّ
هذا وقد كانت بعض اللقطات تنتظم فيما بينها تشاكليا،فتتراوح بين ون تكون وصواتا
بشرية ومثله الهدير البشر وو اصطناعية كأصوات املدافع والدبابات؛ فكالهما
صورة -سمعية ،كما تنتظم الصور ويضا عن طريق قانون تداعي ،فيستدعي الصوت
الحاضر "وصوات تمزق-هدير بشر "،الصوت الغائب"مدافع و دبابات ومزنجرات"
غير ّون هذه الصور املستدعاة الصلة لها بما يجر آلان ّ
،ألنها تحيل إلى وشياء تقع خارج
الحقل البصر للمشهد ،فالعشرية السوداء ،امتداد بالتأويل في هذا املشهد الذ
تتناغم لقطاته ومناظره حاضرة كانت وم غائبة،وبذلك تتساند املناظر الحركية
يتأوله بببساطة؛ فاملشهد شيد مدلوال غائبا،يمكن للقارئ ون ّ والفضائية والصوتية ،لت ّ
في عمومه يعالج قضيته بشكل مستتر وخلف حجاب بالغات السرد والصور السمعية
ّ
ذات تنسحب دوما إلى دهاليزها مكرهة،ألنها ذاقت طعم البصرية،إنه ينفذ إلى وعماق ٍ
الرعب و الخوف من املوت وفقدان ألامان في وطن" العشرية السوداء".
– 8إلاطار :يسهم إلاطار وظيفيا في اختيار مادة الفيلم املقتطعة من الواقع ،ومن ثمة
ّ
تحديد مضمون الصورة وضبط حقلها البصر ،إنه يتصل بموضوع الصورة املاثل
بأن إلاطار يختلف عن الحقل البصر وال يتطابق ومام وعيننا ،وهذا ودعى إلى القول ّ
بأنه » :الفسحة الواقعة ضمن إلاطار والتي ُترى ّ
معه ،يعرف الحقل البصر سينمائيا
في آن معا كمساحة مسطحة (هي مساحة الصورة املادية ذات البعدين) وفي حال
الصورة التمثيلية ،تبدو كجزء من املكان ثالثي ألابعاد (عمقا) ولكنه تخيلي .وما إلاطار
الذ يحده فيعمل كساترة (بازن ) Bazinبإخفائه املكان الواقع على الجوانب ،هذا
املكان الذ ال نراه ولكننا نتخيله ،وهذا هو" الخارج املجال " وو( خارج الحقل).إن
40
توهم العمق با ضافة إلى إدراك كون املكان يمتد إلى ما وراء الحدود ينتجان انطباعا
1
قويا بالواقعية الحقيقية«.
كل إطار للصورة بمجال ّ
معين قابل لالمتداد وو لانحسار ،وهو ما ينعته يرتبط ّ
نقاد السينما ب:ـ"داخل الحقل البصر " و"خارج الحقل" ،فأما داخل الحقل فيشمل
ُ ّ
كل عناصر الصورة التي ترى وتستحوذ على مجال الرؤية مباشرة،وما خارج الحقل
ُ
فيضم العناصر التي ال ترى؛ فهي غائبة عن مجال الصورة،ولكن ما يقع خارج الحقل
يمكن استحضاره ذهنيا،إذ من البديهي ون يحيل املرئي إلى غير املرئي و يدل الحاضر
تمدد حقل الصورة وفقيا وعموديا بتضافر املرئي على الغائب،وهو ما يؤد إلى ّ
حقل مفتوح وغير ثابت ،يعتمد على لعبة لانتقاالت واللعب والالمرئي؛فمجال الرؤية ٌ
تحدد إطار الصورة؛من قرب وبعد وداخل خارج وحاضر وغائب وإظهار باملسافات التي ّ
(جعل العنصر في صدر الصورة)وحجب(وضع العنصر في خلفية الصورة املتأخرة
والغامضة) ،وهو ما يسمى في لغة السينما بعمق املجال la profondeur du champ
إنها حركة بصرية -تخييلية تسمح بعبور العنصر غير املرئي الذ كان خارج الصورة إلى
داخلها مع عكس صحيح ويضا.وفي املثال الذ قدمنا وعاله ما يفي عالقات داخل
وخارج إطار الصورة تمثيال وتفسيرا.
يقوم إلاطار في الرواية مقام مادة الحكي ،التي يختار لها السارد طريقة ما في
التركيب ،وألارجح ون يعتمد السارد على عرض الصورة بتنفيذ انتقاالت مدروسة بين
ّ
املناظر واللقطات ،كما في السينما تماما ،فينتقل من منظر إلى آخر.وو من
عين"شخصية" ترصد إلى عين شخصية وخرى ترصد املنظر نفسه من الزاوية نفسها وو
من زاوية مختلفة ،هكذا يتم التنويع في إطار الصورة من خالل املراوحة املستمرة بين
ما يقع داخل إلاطار وما يقع خارجه ،ومن خالل تبديل زاوية التصوير ،وعلى هذا
نحسب ّون تقنية التأطير وتركيب املناظر واللقطات تعد واحدة من وهم تقنيات
41
تم توظيفها في عديد الروايات العربية لتطوير الحبكة وحفز صناعة السينما ،والتي ّ
ّتق ّدم سير الحكائية.
– 1من زاوية التصوير إلى زاوية النظر/وو سرد الكاميرا
تقتــرن زاويــة التصــوير-ســينمائيا -بحركــة الكــاميرا واتجاههــا قياســا إلــى املوضــوع املوصــوف،
فبحسـب مـار تيرريـز جورنـو »:تتوقـف زاويـة التصـوير علـى موضـع العدسـية الشـييية بالنسـبة
لحقـل التصـوير .فعنـدما تكـون الكـاميرا موضـوعة بشـكل وفقـي علـى ارتفـاع نظـر إنسـان ،تبـدو
الزاويـة" عاديـة"ويسـتطيع املخـرج ون يفلـم موضـوعه بطريقـة النـزول (و مـن فـوق إلـى تحـت –
املعرب) و بوضع الكاميرا فوقه ،وو بطريقة الصعود بوضعها تحته إما لإليحاء بنظرة نحو ألاعلى
وو ألادنى ،وإما لتشويه الرؤية ()...وعندما تتحرك الكاميرا لدى تصوير مشهد ما ،يحدث تغيير في
1
الزاوية«.
ُ
تنهض بين حركة الكاميرا وزاوية التصوير وشكال ال تحص ى من اللقطات التي وبدع نقاد
السينما التجريبيون في ابتكارها ،ولقد حاز د دابليو جريفيث ) )David Wark Griffithفضل
ّ
السبق في دراسة املونتاج وتنويع اللقطات وتقطيعها بتحريك الكاميرا في اتجاه املشهد فيفض ي
ذلك إلى وثر درامي ،فقد نفذ جريفيث تقنية قطع لقطة عامة إلى لقطة وقرب،كما قام بتحريك
جرب تقنية اللقطة العامة جدا 2.واستمر الكاميرا إلى لقطة قريبة ُمكبرة بمالمح واضحة،ثم ّ
جريفيث في تجريب مختلف وضعيات التقطيع ،فأسفر ذلك عن ابتكار عديد التقنيات التي
وضحت بمثابة مبادئ وولية في فن املونتاج الحقا.
ّ
بديهي والحال هذه ون يفيد الروائيون من إيقاعية تقطيع اللقطات وزاوية التصوير
وقد تمخض ذلك عن تطوير مفاهيم سردية من قبيل وجهة النظر point de vueوالرؤية
السردية وو التبئير focalisationتلك التي استأثرت بوصفها السرديات البنيوية في اشتغالها
إلاجرائي الدقيق على املتون السردية وعلى روسها الرواية ،غير ّون سرد الكاميرا،وذلك حظ
تتبع وضعيات العين التي ترى ولاهتمام بلعبة استحوذت عليه السينما -يذهب بعيدا في ّ
املسافات ولانتقاالت املمكنة من زاوية نظر إلى وخرى.
42
وما في الرواية،فسيطلق السارد بصره في مالحقة الصور؛ مستعيرا عين الكاميرا
كل لاتجاهات بغرض التي ستذرع املحكي جيئة وذهابا فوق تحت وسفل وعلى وفي ّ
تنويع زوايا التقاط الصورة السردية ،وإن كان ال ُيفترض ون يكون وضع الكاميرا متحركا
مطلقا ،فقد تكون في وضع ثابت ،وعليه فبحسب وضعية السارد من حيث الثبات
معينة لنقل الصور، والحركة واملسافة التي تفصله عن موضوعه ،تنبثق وضعيات ّ
وتأسيا بأنموذج جريفيث ،قامت نجوى الرياحي ا مشاكلة تماما للقطات السينمائية،
ُ ّ
القسنطيني بإحصاء وهم ونواع اللقطات التي تؤخذ من زوايا مختلفة،فيسفر ذلك عن
ّ
بكل ما يتخللها من ووصاف؛ فقد ُيعرض املنظر علىتشكيالت متباينة للصور السمعية ّ
شاكلة اللقطة الشاملة Panoramaوتنعتها الرياحي باللقطة العامة ( le plan
) généraleوهي لقطة كبيرة وبعيدة ،تقوم على مسح املنظر من زوايا متباينة؛ من
ألاسفل ووفقيا (من اليمين إلى اليسار)،فتكون الصورة امللتقطة من هذه الزاوية كاملة
ال يطغى فيها عنصر على آخر ،ومثل ذلك هذا املقطع »:رفعت روس ي وبصر البيوت ،
بعضها سقطت جدرانه،وآخر كانت وبوابه مخلوعة،طلبت منه ون ينعطف إلى شارع
ثم كنا هناك طالعت مدخلها )..(.على ورض الشوراع وجسام القصبة الكبيرّ ،
1 ّ
مة،ووان خزفية وقطع من النحاس والقماش والخشب « .
ٍ محط
تبدو زاوية الرؤية هنا بعيدة وكبيرة ( رفعت روس ي -هناك..طالعت، )-في حين
متساو دون التركيز على واحد منها ،وتترائ اللقطة املجموع
ٍ ترصد املوصوفات بشكل
) ) Le Plan d’ensembleلقطة عامة وبعيدة ،وإن كان السارد فيها ينعطف إلى تركيز
معين وكثر مما سواه ،ومثاله» لم وعتقد ّون املسافة بذلك الوصف على ش يء ّ
ّ
الطول،مثلما لم ودر كم ساعة مشيتها،خانتني رجال منتصف الطريق،وتوقفت
ّ بأمكنة عديدةّ ،
لكن ّ
الرغبة ظلت مشتعلة،إلى ون تراءت لي القلعة وعلى التل()...
2
تجاوزتها في عجلة ووسرعت تجاه البحر ،وحده البحر يهب النسيان«.
43
كبرة ملوضوع يستحوذ وفي اللقطة املقربة ( ) plan rapprochéتطالعنا صورة ُم ّ
على مجموع إطار الصورة ،كأن يظهر الشخص مثال بكامل قامته دون التركيز على
معين من املكبرة )gros plan( :ففيها ينظر السارد إلى جزء ّ
التفاصيل .ووما اللقطة ّ
املوضوع مستبعدا الصورة الكلية"القامة"،فيلجأ مثال إلى تكبير صورة الوجه وتقديمه
جدا( ) très gros planوكثر بمالمح واضحة في حين يضيق املجال في اللقطة املكبرة ا
قياسا إلى اللقطة املكبرة ،فيقف السار َد مليا ومام تفصيل دقيق دون كلية الصورة،
1
كاألنف من الوجه في مثال "الوجه" السابق.
تبينا بعدا وقربا وعمومية وخصوصية و كبرا تتفاوت زاويا التقاط الصورة كما ّ
ّ وصغرا ،وهو ما يضفي على السرد نسيجا إيقاعيا ّ
متغيرا ينتقل من مشهد كامل يتسم
ّ
بانفساح مجال الرؤية واتساعه إلى مشهد تضيق فيه ،كما قد يكون الداخل حاجزا
عن التقاط املنظر كامال بخالف الخارج،ووحيانا يضيق مجال الرؤية في مشهد،وو يأخذ
في لانحسار شيئا فشيئا باالنتقال من مساحة واسعة بمرئياتها ومناظرها إلى جزء منها
فقط.
ُ
نخلص إلى ّون طرائق تشكيل الصورة السمعية في السرد الروائي ق ّدت بشكل
ّ
واضح من مفردات النقد السينمائي ،ومع ذلك نحسب ون هندسة الصور واللقطات
جدا من تقدم بشكل مجتزو ومعزول في السرد كما في السينما،وواهم ّ السردية ال ّ
ّ
يعتقد ذلك ،بل بالعكس فكما ُيشرف املخرج السينمائي على إخراج اللقطات
واملشاهد مفعمة با يحاءات ووفق خطاطة سيناريو مدروسة بإتقان ،يلجأ الروائي إلى
النظم بين املشاهد واملناظر ضمن نسيج سرد واحد متناغم محبوك السبك ،ثم
يودعه من رؤاه ووجهة نظره ما يجعلنا نحدس ون ثمة قصدا يتوارى خلف تلك الصور
تم تركيبها على نحو ما في هذه الرواية وو تلك. السمعية البصرية التي ّ
44