Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة (6)-1
المحاضرة (6)-1
تتحدد معالم علم النفس في هذه المرحلة (القرن )20من تطوره في الدراسة العلمية لمختلف
أوجه النشاط اإلنساني سواء السلوكات الظاهرة أو الباطنية ،الشعورية أو الالشعورية.
فالباحثون في الحقل السيكولوجي عملوا على تفسير السلوك اإلنساني باالعتماد على قوانين
ومبادئ عامة ،فأصبح البحث السيكولوجي حاضرا في مجاالت أو ميادين الحياة وفي تقدم
مستمر تحت شعار البحث العلمي المنظم الذي يعتمد على المالحظة والتجربة حيث أخذت
تظهر بعض النظريات أو المدارس التي تختلف في نظرتها إلى بعض الظواهر السيكولوجية
وتنوعت آفاق ممارسة السيكولوجية فلم يبق ميدان من ميادين الحياة إال تناوله علم النفس
بالبحث والدراسة ،حيث انتشر العاملون في مجال علم النفس في المؤسسات (األسرة،
المدرسة ،والمصنع...،وغيرها) يبحثون ويدرسون المشكالت التي تواجه تلك المؤسسات
ويحاولون تحسين اإلنتاج والعمل فيها.
هكذا تميزت هذه المرحلة بظهور مجموعة من المدارس أو التيارات النظرية في علم النفس
من أبرزها :التحليل النفسي ،والمدرسة السلوكية والجشطلتية والمعرفية واالتجاه البيوعصبي
وغيرها.
-أوال -مدرسة التحليل النفسي:
في نهاية القرن 20ظهرت مدرسة التحليل النفسي على يد الطبيب والعالم النمساوي سيجموند
فرويد ومجموعة من الباحثين مثل "أدلر وبونج وبروير" ،قضى فرويد سنوات عديدة في بناء
التحليل النفسي على أسس علمية موضوعية .ومن خالل أبحاثه ودراسته وممارسته
اإلكلينيكية ،تمكن فرويد من اكتشاف مفهوم "الالشعور" الذي يعتبر قفزة نوعية في مجال
الدراسات النفسية ،وبفضل هذا االكتشاف العلمي قام فرويد بتقديم مجموعة من االنتقادات
على المدرسة الشعورية التي كانت سائدة خالل نهاية القرن 19وبداية القرن 20حيث اعتبر
فرويد أن الشعور يمثل جزءا صغيرا من شخصية اإلنسان حيث شبه الحياة النفسية بجبل
جليد ،فالشعور يمثل ا لجزء الصغير الذي يطفو على سطح الماء في حين يمثل الالشعور
الجزء األكبر الموجود في العماق ،ولهذا تسمى مدرسة التحليل النفسي أحيانا بسيكولوجية
األعماق .وفي هذه المنطقة من الالشعور توجد الدوافع األولية والرغبات والمشاعر المكبوثة
وهكذا انتهي س .فرويد إلى القول أن االقتصار على الشعور غير كاف لفهم الدوافع الكامنة
وراء السلوك اإلنساني.
وبالتالي ،أصبح تأثير التحليل النفسي واضحا في إعادة النظر في مفاهيم كثيرة مثل :النفس
والعقل والوعي وغيرها ،وكذلك أصبح حاضرا في مجاالت كثيرة :التاريخ والسياسة واألدب
والفن وغيرها.
-1العوامل التي أسهمت في ظهور التحليل النفسي:
أسهمت مجموعة من العوامل في ظهور مدرسة التحليل النفسي ،من أهمها ما يلي:
-1-1تطور علم البيولوجيا وظهور نظرية داروين في التطور:
لقد تميز القرن التاسع عشر بسيطرة الفلسفة الوضعية والفكر المادي وذلك بفعل تقدم العلوم
الطبيعية وخصوصا البيولوجيا والطب وظهور نظرية داروين في التطور وذلك بفعل التغير
الذي حدث حول مفهوم اإلنسان.
-2-1المدرسة الترابطية:
لقد تأثر التحليل النفسي باالتجاه الترابطي الذي كان سائدا خالل القرن الثامن والتاسع عشر
على يد مجموعة من المفكرين الفالسفة اإلنجليز مثل د.هيوم وبيركلي وهرتلي وغيرهم ،حيث
قدمت السيكولوجيا الترابطية نسقا فكريا لفهم الحياة النفسية.
-3-1التنويم المغناطيسي وتطور علم األعصاب:
التنويم المغناطيسي هو تقنية عالجية تستند إلى اإليحاء الشديد بالنوم ،ويعتبر طبيب األعصاب
الفرنسي شاركو 1893-1825من أبرز األسماء التي اشتهرت بتطبيق التنويم المغناطيسي
في العالج النفسي وتعلم فرويد منه تقنية التنويم المغناطيسي.
كما تطور علم األعصاب وأصبحت الخطوط العريضة حول الجهاز العصبي معروفة لدى
الباحثين.
-4-1تطور الطب العقلي والعصبي:
ساهمت الممارسة العالجية التي كان يقوم بها بعض أطباء األعصاب في مجال األمراض
النفسية وخصوصا الهيستيريا في ازدهار حركة العالج النفسي والطبي لألمراض العقلية.
وكانت هذه الحركة بمثابة اختبار وتأكيد لبعض معطيات التحليل النفسي الجديدة.
-5-1اكتشاف طريقة التداعي الحر:
توصل فرويد إلى اكتشاف تقنية جديدة في العالج النفسي تسمى بالتداعي الحر أو الطليق،
وباستعمال هذه الوسيلة الجديدة توصل فرويد إلى شفاء كثير من الحاالت المرضية وإعادتها
إلى حالتها الطبيعية .ومن خالل عالقة فرويد العلمية وتعاونه مع الطبيب النمساوي "جوزيف
بروير" اكتشف وسيلة أخرى للعالج عرفت بطريقة التحدث .لقد توصل الباحثان معا إلى أن
بعض المرضى العقليين يشعرون بالراحة النفسية وتحسن حالتهم العقلية حينما يسمح لهم
بالتحدث عن مشاكلهم العاطفية وذكرياتهم المنسية ،وكل ما يخطر ببالهم.
وهكذا عمل فرويد على تطوير هذه الطريقة التي أطلق عليها "التداعي الحر أو الطليق" وأخذ
يطبقها عوض تنويم المريض حيث يكتفي بمطالبة المضطرب أوالمريض باالضطجاع
واالسترخاء ثم الحديث عن متاعبه النفسية وكل ما يخطر بباله .لقد كا فرويد يطلب من
المريض أن يذكر كل ما يخطر على باله دون تفكير أو تمعن ،وغرض فرويد من هذه التقنية
هو أن يجعل المريض ثم يجعل المضطرب أوالمريض ال يفكر كثيرا ويترك المجال لذهنه
ووجدانه كي يتحرر من كل القيود التي تمنعه من التعبير عن رغباته المكبوتة وانفعاالته
المخزونة في الالشعور وبالتالي الوصول إلى الذكريات العميقة في الشعوره.
-6-1تفسير الحالم وتأويلها:
استعان فرويد كذلك بتفسير األحالم (المضطرب أوالمريض) وتأويلها لدراسة الالشعور
والتعرف على أسباب المتاعب التي يحس بها الفرد كما أنها تعين على العودة إلى المرحلة
األولى من شخصيته .وتحليل األحالم في نظر فرويد تقنية فعالة وسريعة في دراسة الالشعور،
لهذا أخذ يطلب من المرضى التحدث عن أحالمهم ثم يعمل على تحليلها والتعليق عليها
ومناقشتها .ومن خالل تجربته اإلكلينيكية في تفسير األحالم وتطبيقاتها العملية مع المضطربين
أوالمرضى توصل فرويد إلى تأليف كتاب "تفسير األحالم" الذي نشر سنة 1900م ،واألحالم
حسب فرويد هي عبارة عن تحقيق الرغبات المكبوتة ،هذه الرغبات التي تعبر عن نفسها في
الحلم بشكل رمزي.
-7-1االهتمام بفلتات اللسان وزالت القلم والنساين:
توصل فرويد إلى تقنية أخرى في العالج تعرف بفلتات اللسان والنسيان وغيرها من األمور
التي يتعرض لها الفرد في حياته اليومية والتي تبدو طبيعية أو عادية لكنها في حقيقة األمر
نتيجة دوافع أو رغبات الشعورية مكبوثة .يرى فرويد أن كل سلوك يقوم به اإلنسان هو نتاج
عن سبب معين ،فهفوات اللسان وزالت القلم والنسيان ال تحدث إلى في مناسبات معينة لها
معنى في حياة الفرد النفسية ،فكل هفوة ترضي أمنية معينة بالنسبة لإلنسان.
-2مراحل تطور التحليل النفسي:
يمكن النظر إلى تطور التحليل النفسي من خالل أربعة مراحل تاريخية:
-2-1مرحلة اكتشاف العصاب وبداية ممارساته اإلكلينيكية من سنة 1886إلى ،1895حينما
أصدر فرويد دراسة حول الهيستيريا.
-2-2مرحلة تحليل فرويد لذاته (نفسه) من سنة 1895إلى 1899م .قام فرويد بتخصيص
نصف ساعة من كل يوم لتحليل نفسه ،أسهم التحليل الذاتي في اكتشاف أسس التحليل النفسي.
-3-2سيكولوجية الهو :في هذه المرحلة بدأ فرويد في بناء نظريته في التحليل النفسي حيث
أصدر كتابين :تفسير الحالم ،1900وكتاب ثالث نظريات في الجنس .1905وفي هذه
المرحلة تحدث فرويد عن الالشعور وعرض أفكاره حول "اللبيدو" والتحويل والمقاومة
كأساس للعالج النفسي ،وغيرها.
-4-2المرحلة الرابعة وتمتد من 1914إل وفاته :1939وفي هذه المرحلة تطورت نظرية
التحليل النفسي وخصوصا نظريته في "األنا".
-3األسس النظرية لمدرسة التحليل النفسي:
-1-3الدافعية :يعتبر الدافع الالشعوري السبب الرئيس في كل سلوك يسلكه اإلنسان في حياته،
ويمكن االستدالل عليه من خالل األحالم وفلتات اللسان ونسيان األفراد لبعض األمور.
-2-3أهمية السنوات األولى في حياة اإلنسان الراشد :أكدت مدرسة التحليل النفسي على
أهمية الطفولة المبكرة أو السنوات الخمس األولى من حياة الفرد وأثر هذه المرحلة في حياته
كلها ،وخاصة عالقة الطفل بوالديه وأثرها في تكوين شخصيته وتشكيل فكرته عن نفسه
وتشبعه بثقافة األسرة .توصل فرويد من خالل تحليل بعض المصابات الهستيريا أن هناك
ذكريات منسية ناتجة عن صدمات عاطفية حدثت لهن في سن الطفولة ،وهذه الذكريات هي
التي تسبب الضيق لهؤالء المضطربات.
-3-3إعطاء أهمية كبيرة لمفهوم الغريزة الجنسية :يعتقد فرويد بوجود نوعين من الغرائز:
غرائز الحياة وغرائز الموت ،أولها غرضها الحفاظ على حياة الفرد وتكاثر الجنس البشري
(الجوع والعطش والجنس) ويطلق على صورة الطاقة التي تستخدمها غرائز الحياة في أداء
وظيفتها األساسية اسم "البيدو" وقد أعطى فرويد أهمية بالغة للغريزة الجنسية ( وهي حسب
فرويد لها معنى واسع يشمل تحقيق اللذة) ،وعالقتها باالضطرابات السلوكية.
-4-3التأكد على وحدة اإلنسان :يؤكد فرويد أن حياة اإلنسان النفسية ينبغي أن تدرس كوحدة
غير قابلة للتجزئة ،وفي هذا اإلطار حاول فرويد أن يدرس الشخصية ككل موحد وليس
كأجزاء ،فالشخصية في نظره تتكون من أجزاء ثالثة :الهو واألنا واألنا األعلى.
-4-3الالشعور :يتكون من الرغبات المكبوتة والذكريات والمشاعر التي ترجع إلى الطفولة،
ووظيفة التحليل النفسي هو سبر أغوار هذه المنطقة (الالشعور) وإخراج محتويات الالشعور
إلى حيز الشعور لكي يتعرف الفرد على حقيقة دوافعه ومشاعره وبذلك تنحل كثير من "العقد
النفسية" التي كانت تؤثر في سلوكه.
-4مناقشة مدرسة التحليل النفسي:
تعرضت مدرسة التحليل النفسي لكثير من االنتقادات وواجهت هجومات عنيفة من طرف
مجموعة من العلماء والباحثين في مجال الدراسة النفسية من بينها ما يلي:
-عدم استخدام التحليل النفسي األساليب التجريبية أو المالحظة المضبوطة في دراساته.
-المغاالة في االهتمام بالدافع الجنسي وجعه كأساس لسلوك اإلنسان وسبب في كثير من
االضطرابات النفسية.
-االعتماد في حاالت مرضية أو منحرفة في استنتاج كثير من المبادئ النفسية التي يعممها
على األفراد اآلخرين.
-عدم استخدام االختبارات النفسية أو صور من صور القياس لتصحيح بعض المفاهيم أو
تحقيق بعض اآلراء والمعتقدات والتأكد من صحتها.
-6الرد على االنتقادات:
-استعان فرويد بمنهج نقدي يسمى "منهج الثبات الداخلي" اصطنعه ليحل به المعطيات التي
يتوصل إليها عن طريق التداعي الحر أو األحالم أو غيره.
-عمل فرويد على مراجعة آرائه مرات عديدة طبقا لدراسة حاالت متعددة وال يضع أي مبدأ
أو فكره إال بعد أن يتأكد من صدقها ووجودها في حاالت متعددة.
-سبب اهتمام فرويد بالحاالت المرضية يرجع إلى تخصصه في طب األعصاب ومحاولة
تركيز جميع مجهوداته لتطوير عالج األمراض النفسية.
-سبب تعميم فرويد النتائج المتوصل إليها من الحاالت المرضية على حاالت سوية يرجع
باألساس إلى أن هؤالء المرضى كانوا في يوم من أسوياء كما يمكن عودتهم إلى حالتهم
السوية بعد العالج.
-يقصد فرويد بالجنس كل ما يحقق اللذة بصفة عامة وليس ما يتعلق بالعملية الجنسية التي
ليست سوى مظهر من مظاهر الجنس.