Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫اليوم الثالث‪:‬‬

‫أحاديث‪ :‬ابن عباس (‪ )588 ،587 ،586 ،585‬رضي اهلل عنهما‪.‬‬


‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث الخامس والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه‬ ‫س َ‬ ‫سم ْع ُت َر ُ‬
‫‪َ -585‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنه‪ِ ،‬‬
‫َ‬
‫ول‪ََ « :‬ل َي ْخ ُل َو َّن َر ُج ٌل بِا ْم َر َأ ٍة إِ ََّل َو َم َعهَ ا ُذو ََمْ َرمٍ‪،‬‬‫ب َي ُق ُ‬ ‫وسلم َي ْخ ُط ُ‬
‫الم ْر َأ ُة إِ ََّل َم َع ِذي ََمْ َرمٍ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َو ََل ُت َساف ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله! إِ َّن ا ْم َر َأتي َخ َر َج ْت َح َّ‬
‫اج ًة‪َ ،‬وإِ ِّني‬ ‫س َ‬ ‫َف َق َام َر ُج ٌل َف َق َال‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ا ْك ُتتِ ْب ُت فِي َغ ْز َو ِة َك َذا َو َك َذا‪.‬‬
‫َق َال‪ :‬ا ْن َطلِ ْق‪َ ،‬ف ُح َّج َم َع ا ْم َر َأتِ َك» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪َ ،‬وال َّل ْف ُظ لِ ُم ْسلِمٍ‪.‬‬
‫الح ْمد لِل ِه َرب ال َعا َل ِمي َن‪َ ،‬والص ََلة‬ ‫يم‪َ ،‬‬ ‫بِ ْس ِم الل ِه الر ْح َم ِن الر ِح ِ‬
‫َوالس ََلم َع َلى َنبِينَا م َحم ٍد‪َ ،‬و َع َلى آل ِ ِه‪َ ،‬و َأ ْص َحابِ ِه َأ ْج َم ِعي َن‪0‬‬
‫ساق المصنف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أن من شروط‬
‫الم ْح َرم للمرأة‪.‬‬
‫االستطاعة يف الحج وجود َ‬
‫يجب عليها‪ ،‬فقوله عز‬‫فإذا مل يكن عند المرأة محرم؛ فإن الحج ال ِ‬
‫َ‬
‫ْ ََ َ َْ َ ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ه‬ ‫َ ه ََ‬
‫ن استطاع إََلهَ سبَيل﴾ [آل‬
‫تم َ‬ ‫وجل‪﴿ :‬و َّلِلَ لَع انل َ‬
‫اس حَج ابلي َ‬
‫عمران‪ ،]٩٧ :‬السبيل‪ :‬الزاد‪ ،‬والراحلة‪ ،‬والقدرة عىل الركوب عىل الراحلة‬
‫حرم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬
‫والوصول إىل المشاعر‪ ،‬وتزيد المرأة‪ :‬وجود َ‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫فلو أن امرأ ًة مقتدرةً‪ ،‬وعندها مال‪ ،‬وشابة‪ ،‬وتستطيع الركوب عىل‬


‫محرم‪ ،‬أو مل ْير َض َم ْح َرم بالسفر‬
‫الدابة أو ما يف حكمها‪ ،‬لكن ليس لديها َ‬
‫معها؛ نقول‪ :‬ال يجب الحج عليها‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنه) أي‪ :‬ابن عباس رضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫ول‪ََ « :‬ل) ( ََل) هنا‬ ‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم َي ْخ ُط ُب َي ُق ُ‬
‫س َ‬ ‫سم ْع ُت َر ُ‬
‫( ِ‬
‫َ‬
‫ناهية‪َ ( ،‬ي ْخ ُل َو َّن) من الخلوة‪ ،‬يعني‪ :‬ال َي ْخ َتلِي هبا‪َ ( ،‬ر ُج ٌل بِا ْم َر َأ ٍة إِ ََّل َو َم َعهَ ا‬
‫ُذو ََمْ َر ٍم)‪.‬‬
‫المرأة يف جلوسها مع الرجال لها أحوال‪:‬‬
‫أن تفعل ما شاءت‪.‬‬ ‫أن تكون مع زوجها؛ فلها ْ‬
‫األول‪ْ :‬‬
‫الحال َّ‬
‫محر ٍم؛ فتجلس عنده م ْح َت ِشمة‪ ،‬وإذا‬ ‫الحال الثان‪ْ :‬‬
‫أن تكون مع ذي َ‬
‫كان َم ْح َرمها ‪ -‬مثل‪ :‬أخيها من الرضاعة ونحو ذلك ‪ -‬فيه فتنة؛ فيجب‬
‫ِ‬
‫تحتجب عنه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫أن‬
‫الحال الثالث‪ :‬إذا كان الرجل أجنب ّي ًا؛ فيحرم ْ‬
‫أن تجلس معه إال مع‬
‫محرم لها‪.‬‬
‫َ‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪4‬‬

‫والمحرم لها هو زوجها‪ ،‬أو من تحرم عليه عىل التأبِيد مثل‪ :‬عمها‬
‫َ‬
‫والمصاه َرة‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بسبب مباحٍ مثل‪ :‬الرضاعة‬ ‫أو خالها‪ ،‬أو‬
‫بمحر ٍم لها‪.‬‬
‫َ‬ ‫فليس‬
‫المحرم‪ :‬البلوغ؛ ألنه هو الذي له قدرة عىل حفظ المرأة‬
‫َ‬ ‫ويشترط يف‬
‫وصيانتها‪ ،‬وعدم الخديعة هبا‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وكل موض ٍع تكون فيه فتنة من جلوس الرجل والمرأة لوحدمها‪ ،‬أو‬‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫عيادة‬ ‫ما يف حكم ذلك؛ فيعتبر خلوة‪ ،‬فمثَلً‪ :‬لو تجلس المرأة مع رجل يف‬
‫طب ٍ‬
‫ية ونحو ذلك لوحدمها؛ فهذه خلوة‪ ،‬ولو جلست المرأة مع رج ٍل‬
‫أجنبي يف سيارة‪ ،‬ولو كان الناس يشاهدوهنما‪ ،‬وهم يشاهدون الناس؛‬
‫ٍّ‬
‫فهذه خلوة؛ ألنه يستطيع التحدث معها وتتحدث معه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أن َتحدث فيه مفسدة؛‬ ‫ُّ‬
‫فكل موضع يخلو الرجل فيه بالمرأة يمكن ْ‬
‫أن ِ‬
‫يصل إليهما؛‬ ‫كأن ال يسمع أحد كَلمهما‪ ،‬أو ال يستطيع ْ‬
‫فهو خلوة‪ْ ،‬‬
‫فهذه تكون خلوة‪.‬‬
‫فمثَلً‪ :‬لو ِسر َداب طويل ورجل مع امرأة جلسا يف َط َرف الس ْر َداب؛‬
‫نقول‪ :‬حتى ولو كان طويَلً فهي تعتبر خلوة بالمرأة – يعني‪ :‬اخ َت َلى هبا‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫‪ ،-‬والن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم يف سنن الترمذي(‪ )1‬يقول‪َ :‬‬
‫«ال َي ْخل َون‬
‫الف َتن هو خلوة‬‫َان َثال ِ َثهما الشي َطان»‪ ،‬ومبدأ شرارة ِ‬
‫َرجل بِا ْم َر َأ ٍة؛ إِال ك َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫المرأة بالرجل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫موطن فيه رجل أو رجال ‪ -‬إذا مل‬ ‫و َيغلب أن المرأة ال تمكث يف‬

‫تكن عفيف ًة ومتدَ ين ًة مع وجود َ‬


‫محرمها ‪-‬؛ إال وتفسد ذلك المكان؛ ألن‬

‫«الم ْر َأة َع ْو َرة‪َ ،‬فإِ َذا َخ َر َجت ْ‬


‫است َْش َر َف َها‬ ‫النبي عليه الصَلة والسَلم قال‪َ :‬‬
‫الش ْي َطان»(‪)2‬؛ يعني‪ :‬ي َزينها يف َأ ْعين الرجال‪.‬‬
‫الم ْر َأ ُة إِ ََّل َم َع ِذي ََمْ َر ٍم) هذه الرواية م ْط َلقة‪ ،‬فَل‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ ( :‬و ََل ُت َساف ُر َ‬
‫محرم‪.‬‬ ‫تسافر حتى متر ًا واحد ًا إال مع ذي َ‬
‫بأزمنة؛ فَل مفهوم له‪ ،‬ال ينظر إليه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تقييد‬ ‫وما جاء يف الروايات من‬
‫لفظ‪َ « :‬م ِس َير َة َي ْو ٍم‬
‫ٍ‬ ‫«ال ت َسافِ ْر ا ْم َر َأة َم ِس َير َة َي ْو ٍم»(‪ ،)3‬ويف‬
‫فقد جاء‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬أبواب الرضاع‪ ،‬باب ما جاء يف كراهية الدخول عىل المغيبات‪ ،‬رقم (‪،)11٧1‬‬
‫من حديث عقبة بن عامر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫الترمذي‪ ،‬أبواب الرضاع‪ ،‬رقم (‪ ،)11٧3‬من حديث عبد الله بن‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫ُّ‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)٩٧41‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪6‬‬

‫لفظ‪َ « :‬م ِس َير َة َث ََل َث ِة‬


‫ٍ‬ ‫لفظ‪َ « :‬م ِس َير َة َي ْو َم ْي ِن»(‪ ،)2‬ويف‬
‫ٍ‬ ‫َو َل ْي َل ٍة»(‪ ،)1‬ويف‬
‫لفظ‪َ « :‬ف ْو َق َث ََل َث ِة َأيا ٍم»(‪ ،)4‬وهذه ال مفهوم لها‪ ،‬مثل لو قال‬ ‫َأيا ٍم»(‪ ،)3‬ويف ٍ‬

‫أن تسافر ال متر ًا وال مترين وال ثَلثة أمتار‪.‬‬


‫شخص‪ :‬ال يجوز للمرأة ْ‬
‫ومسيرة اليوم يف الزمن السابق يسيرة‪ ،‬يعني‪ :‬مسيرة اليوم هي‬
‫أربعون كيلو متر ًا‪ ،‬وهنى اإلسَلم عنها حتى لو بمتر واحد‪ ،‬فهذه األعداد‬
‫ال مفهوم لها‪ ،‬وإنما هي للتقريب لألذهان؛ ليبين أنه ال يجوز لها حتى‬
‫ْ َ ْ ْ َُ ْ َْ َ‬
‫حر ٍم‪ ،‬مثل قوله عز وجل‪﴿ :‬استغفَر لهم أو َل‬
‫ولو لحظة أن تسافر بَل َم َ‬
‫َ ْ َ ْ ْ َُ ْ ْ َ ْ َ ْ ْ َُ ْ َ ْ َ َ ها ََ ْ َ ْ َ هُ َ‬
‫اّلِل ل ُه ْم﴾‬ ‫تستغفَر لهم إَن تستغفَر لهم سبعَني مرة فلن يغفَر‬
‫[التوبة‪ ،]80 :‬فلو استغفر ثمانين مر ًة كذلك لن يغفر لهم‪.‬‬

‫الترمذي‪ ،‬أبواب الرضاع‪ ،‬باب ما جاء يف كراهية أن تسافر المرأة‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫وحدها‪ ،‬رقم (‪ ،)11٧0‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب جزاء الصيد ونحوه‪ ،‬باب حج النساء‪ ،‬رقم (‪،)1864‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب سفر المرأة مع محرم إىل حج وغيره‪ ،‬رقم (‪ ،)82٧‬من‬
‫ٍ‬
‫سعيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫حديث أبي‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)8564‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سعيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫(‪ )4‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)1140٩‬من حديث أبي‬
‫‪7‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫يحل لها ذلك‪ ،‬ويف‬ ‫سافرت المرأة مسيرة نصف يو ٍم ال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وهنا لو‬
‫ح ُّل ِالمر َأ ٍة ت ْؤمِن بِالل ِه واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر ت َسافِر َم ِس َير َة َي ْو ٍم‬ ‫«ال ي ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫الصحيح‪َ َ :‬‬
‫اآلخ ِر»‬‫و َلي َل ٍة إِال مع ِذي محر ٍم َع َليها»(‪ ،)1‬وقوله‪« :‬ت ْؤمِن بِ َالل ِه واليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫يدل عىل أن سفرها بدون محر ٍم كبيرة ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬من كبائر ُّ‬
‫الذنوب‪.‬‬
‫محرم‪ ،‬حتى ولو‬
‫والواقع يبين الضرر الناشئ من سفر المرأة بَل َ‬
‫محرمها ويستقبلها محرم آخر؛ ال‬ ‫بالطائرة‪ ،‬لو مدة ساعة‪ ،‬لو يودعها َ‬
‫يجوز‪ ،‬حتى لو أمِ َن الوصول تمام ًا‪ ،‬ومع ذلك ال يجوز‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله! إِ َّن ا ْم َر َأتي َخ َر َج ْت َح َّ‬
‫اج ًة‪َ ،‬وإِ ِّني‬ ‫س َ‬
‫( َف َق َام َر ُج ٌل َف َق َال‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ب اسمي‪( ،‬فِي َغ ْز َو ِة َك َذا َو َك َذا) «الكاف» للنس َبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْك ُتت ْب ُت) يعني‪ :‬كت َ‬
‫و«ذا» اسم إشارة يعني‪ :‬كتبت يف هذه الغزوة‪ ،‬ويف هذه الغزوة‪.‬‬
‫( َق َال‪ :‬ا ْن َطلِ ْق‪َ ،‬ف ُح َّج َم َع ا ْم َر َأتِ َك) يعني‪ :‬هذا منكر عظيم‪ ،‬اترك‬
‫محرم ًا لها‪.‬‬
‫واذهب مع امرأتك لتكون َ‬ ‫ْ‬ ‫الجهاد‪،‬‬
‫قال‪ُ ( :‬م َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪َ ،‬وال َّل ْف ُظ لِ ُم ْسلِ ٍم) ولفظ البخاري ِ‬
‫مقارب له‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب تقصير الصَلة‪ ،‬باب يف كم يقصر الصَلة‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)1088‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب سفر المرأة مع محرم إىل حج وغيره‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)133٩‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪8‬‬

‫وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل‪:‬‬


‫المسألة األولى‪ :‬قوله‪ََ ( :‬ل َي ْخ ُل َو َّن َر ُج ٌل بِا ْم َر َأ ٍة إِ ََّل َو َم َعهَ ا ُذو ََمْ َر ٍم)‬
‫يدل عىل وجوب الحذر من االختَلء بالمرأة‪ ،‬ويدخل يف هذا‬
‫الحديث‪ :‬االختَلء معها يف الهاتف مثَلً‪ ،‬أو ما هو من الوسائل الحديثة‬
‫بالكتابة‪ ،‬أو يف الكَلم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عظيمة يف الشرع‬ ‫ٍ‬
‫قاعدة‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬يدل هذا الحديث عىل‬
‫وهي‪َ :‬د ْرء المفاسد مقدم عىل َج ْلب المصالح‪ ،‬حتى لو كان يف الجلوس‬
‫حر ٍم‪.‬‬
‫مع المرأة مصلحة من العَلج ونحوه؛ ال بد من َم َ‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬هذا الحديث ال تفريق فيه بين الشابة وبين الكبيرة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫امرأة سواء كانا‬ ‫فكل رج ٍل ُّ‬
‫وكل‬ ‫وبين الشاب وبين الكبير يف السن‪ُّ ،‬‬
‫صغيرين أو كبيرين‪ ،‬ممن بلغ أو مل يبلغ ولكن يخشى من الفتنة؛ تحرم‬
‫الخلوة به‪.‬‬
‫المح َرم‪ ،‬وإذا كان‬
‫ْ‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬يدل عىل تعظيم اإلسَلم لشأن‬
‫المح َرم؛ يجب ْ‬
‫أن تقوم بما ألزمك به الشرع‬ ‫اإلسَلم قد عظمك أنت أ ُّيها ْ‬
‫محارمِك‪ ،‬ليس من مرافقتهن فقط؛ بل مِ ْن‪ :‬وجوب‬ ‫ِ‬ ‫من الحفاظ عىل‬
‫إلزامهن بالحجاب‪ ،‬والستر‪ ،‬والعفاف‪ ،‬والنهي عن الطيب‪ ،‬والت ُّبرج‪،‬‬
‫‪9‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫المح َرم فقط هو المرا َف َقة؛‬


‫ْ‬ ‫والزينة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فَل يكون المقصود من‬
‫ال‪ ،‬شأنه يف اإلسَلم أعظم‪.‬‬
‫الم ْر َأ ُة إِ ََّل َم َع ِذي ََمْ َر ٍم) يدل‬ ‫ِ‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬قوله‪َ ( :‬و ََل ُت َساف ُر َ‬
‫محر ٍم‪.‬‬
‫عىل تحريم سفر المرأة بدون َ‬
‫المسألة السادسة‪ :‬يدل هذا الحديث عىل ضعف المرأة‪ ،‬فَل تسافر‬
‫محرم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أو تخ َتلي إال مع َ‬
‫المسألة السابعة‪ :‬يدل أيض ًا هذا الحديث عىل تعظيم شأن اإلسَلم‬
‫كالملِ َكة ال تسافر‬
‫للمرأة‪ ،‬فَل تسافر إال مع رج ٍل يصونها ويحفظها؛ ألنها َ‬
‫إال مع حاشيتها‪ ،‬فهذه المرأة كبيرة معظمة لها قدر وشأن كبير‪ ،‬يسافر‬
‫المح َرم كالخادم والحافظ والراعي والصائن لها‪ ،‬لماذا؟ ألن مكانة‬
‫معها ْ‬
‫المح َرم للمرأة ليس انتقاص ًا لها؛ بل لتعظيمها‪.‬‬
‫المرأة عظيمة‪ ،‬فوجود ْ‬
‫فالزعيم ‪ -‬مثَلً ‪ -‬له سائق َيسوق به‪ ،‬لو أتى حاكم يقود سيارته أو‬
‫ٍ‬
‫وسائق‬ ‫ٍ‬
‫بحاشية‬ ‫رجل يسوق به أيهما أعظم؟ أعظم يف النُّفوس إذا أتى‬
‫يسوق به‪ ،‬وكذلك المرأة أعظم لها يف نفسها ويف الشأن إذا أتى معها من‬
‫يحفظها كالحاشية لها‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪10‬‬

‫المسألة الثامنة‪ :‬يدل عىل أنه ال يشترط يف الحج الواجب إ ْذن‬


‫ِ‬
‫اج ًة) فيفهم منه‪ :‬بغير إذنه‪.‬‬ ‫الزوج؛ لقوله‪( :‬إِ َّن ا ْم َر َأتي َخ َر َج ْت َح َّ‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬وإِ ِّني ا ْك ُتتِ ْب ُت فِي َغ ْز َو ِة َك َذا َو َك َذا) يدل عىل‬
‫ِع َظ ِم أعمال الصحابة رضي اهلل عنهم يف ال َغ ْزو‪ ،‬ونشر اإلسَلم‪ ،‬وغير‬
‫يمة العظيمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجس َ‬
‫ذلك من فضائلهم َ‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ق َال‪ :‬ا ْن َطلِ ْق‪َ ،‬ف ُح َّج َم َع ا ْم َر َأتِ َك) يدل عىل‬
‫ِع َظ ِم منكر سفر المرأة دون محرم‪.‬‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬يدل أيض ًا هذا الحديث عىل تقديم أمهية‬
‫المحرم مع المرأة‪ ،‬عىل إنقاص رج ٍل يف صف الجهاد يف سبيل‬
‫َ‬ ‫وجود‬
‫ٍ‬
‫عظيمة مع المرأة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمهمة‬ ‫الله؛ ألنه يقوم‬
‫‪11‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫الحديث السادس والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫س ِم َع‬ ‫‪َ -586‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام‪َ :‬‬
‫«أ َّن النَّبِ َّي صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫ال َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ل َّب ْي َك َع ْن ُش ْب ُر َم َة‪.‬‬ ‫َر ُج ً‬
‫يب لِي ‪.-‬‬
‫َق َال‪َ :‬م ْن ُش ْب ُر َم ُة؟ َق َال‪َ :‬أ ٌخ لِي ‪َ -‬أ ْو َقرِ ٌ‬
‫َق َال‪َ :‬ح َج ْج َت َع ْن َن ْف ِس َك؟ َق َال‪ََ :‬ل‪.‬‬
‫َق َال‪ُ :‬ح َّج َع ْن َن ْف ِس َك‪ُ ،‬ث َّم ُح َّج َع ْن ُش ْب ُر َم َة» َر َوا ُه َأ ُبو َد ُاو َد‪َ ،‬وا ْب ُن‬
‫اج ُح ِع ْن َد َأ ْح َم َد َو ْق ُف ُه‪.‬‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ْه‪َ ،‬و َص َّح َح ُه ا ْب ُن ح َّبانَ ‪َ ،‬و َّ‬
‫َم َ‬
‫ساق المصنف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أنه ال يجوز للشخص‬
‫أن يحج عن غيره إال بعد ْ‬
‫أن يكون قد حج عن نفسه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫س ِم َع‬ ‫قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام‪َ :‬‬
‫«أ َّن النَّبِ َّي صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫ال َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ل َّب ْي َك) يعني‪ :‬يف الحج‪َ ( ،‬ل َّب ْي َك) يعني‪ :‬إجاب ًة بعد إجابة‪،‬‬ ‫َر ُج ً‬
‫يعني‪ :‬يا ربنا أنا اآلن أجيبك‪ ،‬وسوف أجيبك مر ًة أخرى‪ ،‬وأنا َف ِرح‬
‫مسرور بأوامرك يا رب‪ ،‬هذا معنى لب ْيك‪.‬‬

‫( َع ْن ُش ْب ُر َم َة) يعني‪ :‬يا رب أنا ُّ‬


‫أحج عن ش ْبر َمة‪.‬‬
‫( َق َال‪َ :‬م ْن ُش ْب ُر َم ُة؟) ظن الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم أن ش ْبر َمة هو‬
‫نفسه‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪12‬‬

‫يب لِي ‪ )-‬هذا الش ُّك من الراوي‪.‬‬ ‫( َق َال‪َ :‬أ ٌخ لِي ‪َ -‬أ ْو َقرِ ٌ‬
‫( َق َال‪َ :‬ح َج ْج َت َع ْن َن ْف ِس َك؟ َق َال‪ََ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ح َّج َع ْن َن ْف ِس َك‪ُ ،‬ث َّم ُح َّج‬
‫َع ْن ُش ْب ُر َم َة)‪.‬‬
‫اج ْه‪َ ،‬و َص َّح َح ُه ا ْب ُن ِح َّبانَ ) وصححه‬
‫قال‪َ ( :‬ر َوا ُه َأ ُبو َد ُاو َد‪َ ،‬وا ْب ُن َم َ‬
‫اج ُح ِع ْن َد َأ ْح َم َد َو ْق ُف ُه) وكذلك رجح ابن المنذر‬ ‫الر ِ‬‫البيهقي‪َ ( ،‬و َّ‬
‫ُّ‬
‫والطحاوي و ْقفه‪ ،‬وممن صحح رفعه ابن خزيمة والنووي وابن حجر‬
‫وابن القطان‪ ،‬وغيرمها‪.‬‬
‫وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬يدل عىل فضيلة الت ْلبية‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬يدل عىل أنه يجوز إظهار النية يف الحج‪ ،‬سواء إذا‬
‫كان نائب ًا عن غيره يقول‪ :‬لبيك عن ش ْبرمة‪ ،‬أو يف إظهار النسك‬
‫مثل‪ :‬لبيك عمر ًة متمتع ًا هبا إىل الحج‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬هنا قال‪َ ( :‬ل َّب ْي َك َع ْن‬
‫ُش ْب ُر َم َة)‪.‬‬
‫وإذا كان الشخص حج عن غيره لكن ال َيعرف ما اسمه فتكفي‬
‫النية‪ ،‬وال يشترط إعَلن االسم‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫مجمل‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬يدل عىل أن المستفتي قبل ْ‬


‫أن ينكر عىل أمر َ‬
‫أن يكون هو نفسه‪ ،‬فهنا قال‪َ ( :‬م ْن ُش ْب ُر َم ُة؟)‪.‬‬ ‫يتبين‪ ،‬فيخشى ْ‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ق َال‪َ :‬ح َج ْج َت َع ْن َن ْف ِس َك؟ َق َال‪ََ :‬ل‪،‬‬
‫ِ‬
‫َق َال‪ُ :‬ح َّج َع ْن َن ْفس َك‪ُ ،‬ث َّم ُح َّج َع ْن ُش ْب ُر َم َة) يدل عىل أن من ناب عن ٍّ‬
‫حج‬
‫لغيره يشترط ْ‬
‫أن يكون حج عن نفسه أو ً‬
‫ال؛ ألن الواجبات المترتبة عليك‬
‫َأوىل من الواجبات المترتبة عىل غيرك‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪14‬‬

‫الحديث السابع والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه‬ ‫«خ َط َب َنا َر ُ‬
‫س ُ‬ ‫‪َ -587‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام َق َال‪َ :‬‬
‫وسلم َف َق َال‪ :‬إِ َّن ال َّل َه َك َت َب َع َل ْي ُك ُم َ‬
‫الح َّج‪.‬‬
‫ول ال َّل ِه؟‬
‫س َ‬ ‫ِ‬
‫س َف َق َال‪َ :‬أفي َك ِّل َعا ٍم َيا َر ُ‬ ‫أل ْق َر ُع ْب ُن َحابِ ٍ‬ ‫َف َق َام ا َ‬

‫الح ُّج َم َّر ٌة‪َ ،‬ف َام َزا َد َفهُ َو َت َط ُّو ٌع» َر َوا ُه َ‬
‫الخ ْم َس ُة‪،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ل ْو ُق ْل ُتهَ ا َل َو َج َب ْت‪َ ،‬‬
‫َغ ْي َر ال ِّت ْر ِم ِذ ِّي‪.‬‬
‫يث َأبِي ُه َر ْي َر َة رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫َو َأ ْص ُل ُه فِي مسلِ ٍم‪ِ :‬م ْن َح ِد ِ‬
‫ُْ‬
‫ساق المصنف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أن الحج ال ِ‬
‫يجب يف‬
‫تطوع‪ ،‬يعني‪ :‬ال يأثم الشخص‬
‫العمر سوى مرة واحدة‪ ،‬وأن ما زاد فهو ُّ‬
‫عىل فعله‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام) يعني‪ :‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم) جاء يف رواية أن هذه‬ ‫( َق َال‪َ :‬خ َط َب َنا َر ُ‬
‫س ُ‬

‫الخطبة قبل حجة الوداع(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬دلت بعض الروايات عىل أن هذه الخطبة قبل حجة الوداع؛ منها‪ :‬ما رواه‬
‫السنة‪( ،‬ص ‪ ،)40‬رقم (‪ ،)125‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫اإلمام المروزي يف ُّ‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫( َف َق َال‪ :‬إِ َّن ال َّل َه َك َت َب َع َل ْي ُك ُم َ‬


‫الح َّج) يعني‪ :‬فرض عليكم الحج‪ ،‬فهو‬
‫ركن من أركان اإلسَلم‪.‬‬
‫س) وهو أحد الصحابة رضي اهلل عنهم‪،‬‬ ‫أل ْق َر ُع ْب ُن َحابِ ٍ‬
‫( َف َق َام ا َ‬

‫ول ال َّل ِه؟) يعني‪ :‬نحج‪.‬‬


‫س َ‬ ‫ِ‬
‫( َف َق َال‪َ :‬أفي ُك ِّل َعا ٍم َيا َر ُ‬
‫( َق َال‪َ :‬ل ْو ُق ْل ُتهَ ا) أي‪ :‬لو قلت يف كل عام‪َ ( ،‬ل َو َج َب ْت) يعني‪ :‬لكان‬
‫الح ُّج َم َّر ٌة‪َ ،‬ف َام َزا َد َفهُ َو‬
‫شرع ًا واجب ًا عليكم‪ ،‬لكن ال أقول يف كل عام‪َ ( ،‬‬
‫َت َط ُّو ٌع) فمن بلغ وحج يكفيه هذا الحج إىل وفاته‪ ،‬فَل تجب عليه يف‬
‫اإلسَلم سوى حجة واحدة‪.‬‬
‫الخمس ُة‪َ ،‬غير ال ِّتر ِم ِذ ِّي‪َ ،‬و َأ ْص ُل ُه فِي مسلِ ٍم ِم ْن َح ِد ِ‬
‫يث‬ ‫ُْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫قال‪َ ( :‬ر َوا ُه َ ْ َ‬
‫«خ َط َبنَا َرسول الل ِه صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫َأبِي ُه َر ْي َر َة رضي اهلل عنه) وأصله‪َ :‬‬
‫الحج َفح ُّجوا‪َ ،‬ف َق َال َرجل‪َ :‬أكل‬ ‫َف َق َال‪َ :‬أ ُّي َها الناس‪َ ،‬قدْ َف َر َض الله َع َل ْيكم َ‬
‫ول الل ِه؟ َف َس َك َت‪َ ،‬حتى َقا َل َها َث ََلث ًا‪َ ،‬ف َق َال َرسول الل ِه صىل اهلل‬
‫َعا ٍم َيا َرس َ‬
‫عليه وسلم‪َ :‬ل ْو ق ْلت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ل َو َج َب ْت»(‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فرض الحج مرة يف العمر‪ ،‬رقم (‪.)133٧‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪16‬‬

‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم)‬ ‫المسألة األولى‪ :‬قوله‪َ ( :‬خ َط َب َنا َر ُ‬
‫س ُ‬

‫يدل عىل حرص الصحابة رضي اهلل عنهم عىل حفظ ما كان الن ُّبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم يقوله‪ ،‬ونقلوا الدين ِ‬
‫والعلم لنا‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬قوله‪( :‬إِ َّن ال َّل َه َك َت َب َع َل ْي ُك ُم َ‬
‫الح َّج) يدل عىل أن‬
‫الحج فرض‪ ،‬وهو الركن الخامس ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬من أركان‬
‫اإلسَلم‪.‬‬
‫س َف َق َال‪َ :‬أفِي ُك ِّل َعا ٍم َيا‬
‫أل ْق َر ُع ْب ُن َحابِ ٍ‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َق َام ا َ‬

‫أن َيسأل عن أمر ِدينه‪ ،‬فلما‬ ‫ول ال َّل ِه؟) يدل عىل أن الشخص ال بأس ْ‬ ‫س َ‬
‫َر ُ‬
‫سأل األقرع بن حابس رضي اهلل عنه‪ ،‬و َر َفع الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ال كبير ًا عن‬
‫الحرج عن هذه األمة‪ ،‬وبين أن الحج مر ًة واحد ًة‪ ،‬أزال إشكا ً‬
‫هذه األمة؛ بسبب هذا السؤال العظيم‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ل ْو ُق ْل ُتهَ ا َل َو َج َب ْت‪َ ،‬‬
‫الح ُّج َم َّر ٌة) يدل عىل يسر‬
‫شرع يف العمر سوى مرة واحدة‪.‬‬
‫اإلسَلم‪ ،‬حيث أن هذه الفريضة ال ت َ‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َام َزا َد َفهُ َو َت َط ُّو ٌع) يدل عىل كرم الله‬
‫يؤجر عليها‪ ،‬إال إذا َو َض َع‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‪ ،‬أن ما زاد عىل تلك الحجة؛ الشخص َ‬
‫اإلمام ترتيب ًا يف سنين معددة ال يحج الشخص إال بعدها‪ ،‬فيتبع يف ذلك؛‬
‫‪17‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫ٍ‬
‫معصية‪ ،‬وإذا مل يحج الشخص فهو‬ ‫ألن هذا من طاعة ويل األمر يف غير‬
‫مأجور‪ ،‬وعىل نيته‪ ،‬يثاب عىل ذلك‪ ،‬فهو من باب السياسة الشرعية التي‬
‫قرها الشرع وليس فيها م َحرم‪.‬‬
‫ي ُّ‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪18‬‬

‫اب الم َواقِ ِ‬


‫يت‬ ‫َب ُ َ‬
‫اب الم َواقِ ِ‬
‫يت)‪.‬‬ ‫قال رمحه اهلل‪َ ( :‬ب ُ َ‬
‫المواقيت تنقسم إىل قِسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬مواقيت زمانية؛ وهي‪ :‬شهر شوال‪ ،‬وشهر ذي‬ ‫ِ‬
‫القسم َّ‬
‫القعدة‪ ،‬وشهر ذي الحجة‪ ،‬والمقصود بشهر ذي الحجة‪ :‬هي العشر‬
‫األوىل منه‪ ،‬فهي من أشهر الحج‪.‬‬
‫يصح له ذلك؛ ألن هذا من أشهر‬
‫ُّ‬ ‫فمن اعتمر فيها ناوي ًا التمتع‬
‫الحج‪ ،‬ولو اعتَمر يف رمضان‪ ،‬ومكث يف مكة ناوي ًا عمرته تلك تم ُّتع ًا إىل‬
‫الحج؛ ال يصح؛ ألن عمرته وقعت يف غير أشهر الحج‪.‬‬
‫ِ‬
‫القسم الثان‪ :‬مواقيت مكانية‪ ،‬وهذه المواقيت المكانية مخسة‪ ،‬دائرة‬
‫عىل مكة المكرمة‪ ،‬ال أحد يريد الحج والعمرة‪ ،‬يتجاوزها إال وهو م ِ‬
‫حرم‪،‬‬
‫إذا تجاوزها عامد ًا يأثم وعليه َدم‪ ،‬وهذا من َت ْعظِيم وتشريف شعيرة‬
‫الحج والعمرة‪.‬‬
‫وهذه المواقيت بالوحي وليست باالجتهاد‪ ،‬منها ما هو قريب من‬
‫مكة‪ ،‬ومنها ما هو بعيد عنها‪ ،‬وربك العليم الحكيم يف قرهبا وبعدها‪ ،‬وهي‬
‫‪19‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫منتشرة يف جنوب وشمال وشرق‪ ،‬وشمال غرب مكة من جهة البحر عند‬
‫َرابِغ‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪20‬‬

‫الحديث الثامن والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫«أ َّن النَّبِ َّي صلى اهلل عليه‬ ‫اس رضي اهلل عنهام‪َ :‬‬ ‫‪َ -588‬ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬

‫أل ْه ِل‬ ‫الج ْح َف َة‪َ ،‬و ِ َ‬‫الشا ِم‪ُ :‬‬ ‫أل ْه ِل َّ‬ ‫الح َل ْي َف ِة‪َ ،‬و ِ َ‬
‫الم ِدي َن ِة‪َ :‬ذا ُ‬ ‫أل ْه ِل َ‬ ‫وسلم َو َّق َت ِ َ‬
‫از ِل‪َ ،‬و ِ َ‬
‫أل ْه ِل ال َي َم ِن‪َ :‬ي َل ْم َل َم‪.‬‬ ‫الم َن ِ‬ ‫ٍ‬
‫َن ْجد‪َ :‬ق ْرنَ َ‬
‫ِ‬
‫ُه َّن َلهُ َّن َولِ َم ْن َأ َتى َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َغ ْيرِ ِه َّن؛ ِم َّ ْن َأ َرا َد َ‬
‫الح َّج َوال ُع ْم َر َة‪.‬‬
‫َو َم ْن َكانَ ُدونَ َذلِ َك َف ِم ْن َح ْي ُث َأ ْن َش َأ‪َ ،‬ح َّتى َأ ْه ُل َمك ََّة ِم ْن َمك ََّة» ُم َّت َف ٌق‬
‫َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫اس رضي اهلل عنهام‪َ :‬‬
‫«أ َّن النَّبِ َّي صلى اهلل عليه‬ ‫قال‪َ ( :‬ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬

‫وسلم َو َّق َت) أي‪ :‬جعل الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم أمكن ًة لتلك المواقيت‬
‫اوز إال بإحرام‪ ،‬ممن أراد الحج والعمرة‪.‬‬ ‫التي ال ت َت َج َ‬
‫الح َل ْي َف ِة) يعني‪ :‬جعل ميقات أهل المدينة ومن‬
‫الم ِدي َن ِة‪َ :‬ذا ُ‬
‫أل ْه ِل َ‬ ‫( َِ‬

‫أتى إليها‪ ،‬جعل ميقاهتم ذا الح َل ْي َفة‪ ،‬وذو الح َل ْي َفة هي التي ت ْع َرف اآلن‬
‫بأب َيار عيل‪ ،‬وليست هذه النسبة منسوبة لعيل بن أبي طالب رضي اهلل عنه؛‬
‫ْ‬
‫سابقة اندثرت هناك‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قديمة‬ ‫وإنما سميت بأبيار عيل لوجود ٍ‬
‫أبيار‬ ‫ٍّ‬
‫الميقات هو أبعد المواقيت عن مكة‪ ،‬فيزيد عىل أربع مئة كيلو متر ًا‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫الج ْح َف َة) الج ْح َفة هي التي قال عنها الن ُّبي‬ ‫قال‪َ ( :‬و ِ َ‬
‫أل ْه ِل َّ‬
‫الشا ِم‪ُ :‬‬
‫اعنَا َوفِي مدنَا‪َ ،‬و َصح ْح َها‬
‫ار ْك َلنَا فِي ص ِ‬
‫َ‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬اللهم ب ِ‬
‫َ‬
‫اها إِ َلى الج ْح َف ِة»(‪ ،)1‬والج ْح َفة كانت مكان ًا لليهود فيها‬ ‫َلنَا‪َ ،‬وانْق ْل حم َ‬
‫نخيل‪ ،‬وهي اآلن َخ ِر َبة‪ ،‬وتبعد عن الطريق من جهة الشرق حوايل عشرة‬
‫حرم الناس اآلن من محاذاتِها جهة‬
‫كيلو متر ًا‪ ،‬ووضع فيها مسجد‪ ،‬وي ِ‬

‫الغرب يف َرابِغ‪.‬‬
‫والمراد بأهل الشام هم‪ :‬أهل األردن‪ ،‬ومصر‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬ولبنان‪،‬‬
‫فحدود الشام‪ :‬من الف َرات إىل ال َغ ْرب حتى ينتهوا إىل البحر‪ ،‬ومن صحراء‬
‫الجزيرة إىل البحر األبيض المتوسط من الجهة الشمالية‪ ،‬فمن يأيت من‬
‫هناك ‪ -‬كمن يخرج مثَلً من فلسطين أو من األردن ‪ ،-‬ويأيت عىل الطريق‬
‫الساحيل‪ ،‬إذا أتى رابِغ وهو بمحاذاة الج ْح َفة ي ِ‬
‫حرم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫قال‪َ ( :‬و ِ َ‬
‫نجد َتشمل ما هو من جنوب الجزيرة إىل شمال‬ ‫أل ْه ِل َن ْجد) ْ‬
‫الجزيرة قبل جهة الشام والمدينة‪ ،‬ومن شرقها إىل الغرب من جهة‬
‫الحجاز‪ ،‬هذه نجد من ناحية المواقيت‪ِ ،‬‬
‫فمن جهة البحر شرق ًا إىل‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب الدعاء برفع الوباء والوجع‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)63٧2‬من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪22‬‬

‫الحجاز هذه تسمى نجد‪ ،‬ومن جهة بحر َعدَ ن جنوب ًا إىل الشمال هذه‬
‫از ِل)‪.‬‬
‫الم َن ِ‬
‫نجد‪ ،‬ميقاهتم‪ :‬قال‪َ ( :‬ق ْرنَ َ‬
‫تسمى ك ُّلها ْ‬
‫ٍ‬
‫قرن المنازل‪ ،‬وهو موجود‬ ‫و( َق ْرنَ ) اسم واد أو جبل هناك يسمى ْ‬
‫الهدَ ا أو َك َرا‪ ،‬وج ِع َل ميقات آخر‬‫اآلن فيه الميقات‪ ،‬وهو الذي يسمى َ‬
‫واد فَل أحد يتجاوز هذا الوادي حتى‬ ‫بمحاذاته يف السيل الكبير؛ ألنه ٍ‬

‫ي ِ‬
‫حرم‪.‬‬
‫فالوادي فيه طريق من جهة َك َرا ال تتجاوزه حتى ت ِ‬
‫حرم‪ ،‬يسمى‬
‫السيل الصغير‪ ،‬ويف الجهة الشمالية منه امتداد الوادي‪ ،‬وضعوا أيض ًا‬
‫هناك مسجد ًا يسمى السيل الكبير‪ ،‬فأ ُّيهما أ ِ‬
‫حرم منه يكفي‪ ،‬المهم ال‬
‫يتجاوز الشخص هذا الوادي حتى ي ِ‬
‫حرم‪.‬‬
‫واد هناك‪ُّ ،‬‬
‫فكل من يأيت من‬ ‫ََ َ ْ َ َ ْ‬ ‫قال‪َ ( :‬و ِ َ‬
‫أل ْه ِل اليم ِن‪ :‬ي َلم َلم) ي َلم َلم اسم ٍ‬

‫الجنوب من جهة اليمن من الساحل؛ ال يتجاوز الميقات هذا حتى‬


‫ي ِ‬
‫حرم‪ ،‬وفيه مسجد هناك‪ ،‬ومبين فيه عَلمة الميقات‪ ،‬هذه هي المواطن‬
‫يف ال َبر‪.‬‬
‫يف جهة البحر‪ :‬من أتى من مصر‪ ،‬أو من جهة المغرب ما كان محاذي ًا‬
‫حرمون‪ ،‬فإذا أتت الباخرة وحاذت‬ ‫أن ِ‬
‫يصلوا إليه ي ِ‬ ‫لميقات رابِغ؛ قبل ْ‬
‫‪23‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫ميقات رابِغ؛ هنا نقول‪ :‬ال تتجاوزوا هذه الجهة حتى ت ِ‬


‫حرموا‪ ،‬ولو‬
‫أنزلتهم الباخرة مثَلً شمال رابِغ ‪ -‬مثَلً يف ِض َباء ‪ ،-‬فَل يتجاوزون رابِغ‬
‫حتى ي ِ‬
‫حرموا‪.‬‬
‫لذلك قال الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‪ُ ( :‬ه َّن) يعني‪ :‬المواقيت‪،‬‬
‫قرن المنازل‪،‬‬
‫ونجد ْ‬ ‫( َلهُ َّن) ألهلهن‪ ،‬يعني‪ :‬ميقات المدينة ذو الح َل ْي َفة‪ْ ،‬‬
‫يعني‪ :‬هذه المواقيت ألهلها‪َ ( ،‬ولِ َم ْن َأ َتى َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َغ ْيرِ ِه َّن) يعني‪ :‬حتى‬
‫ولو مل يكونوا من أهلها فهي ميقات لهم‪.‬‬
‫يعني‪ :‬لو أن رجَلً أتى من الشام‪ ،‬لك ْن ما أتى من الساحل من جهة‬
‫البحر‪ ،‬وإنما أتى بطريق آخر من جهة تبوك‪ ،‬أين ميقاته لما أتى المدينة؟‬
‫(ه َّن َلهُ َّن‬
‫ميقات أهل المدينة‪ ،‬لذلك قال الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫َولِ َم ْن َأ َتى َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َغ ْيرِ ِه َّن) فما نقول له‪ :‬اذهب إىل الج ْح َفة ميقاتك‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ميقات فهو ميقاته‪.‬‬ ‫فمن أتى إىل أي‬
‫ِ‬
‫وكذلك لو أن شخص ًا من أهل المدينة ذهب إىل ض َباء أو َ‬
‫الو ْجه‪ ،‬ثم‬
‫أن يعتمر‪ ،‬فهل نقول له‪ :‬تعود إىل المدينة ت ِ‬
‫حرم‪ ،‬أو يكون‬ ‫هناك رغب ْ‬
‫ميقاتك هو ميقات أهل الشام الج ْح َفة؟ نقول‪ :‬ميقاتك هو ميقات أهل‬
‫(ولِ َم ْن َأ َتى َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َغ ْيرِ ِه َّن)‪.‬‬
‫الشام؛ َ‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪24‬‬

‫ِ‬
‫قال‪ِ( :‬م َّ ْن َأ َرا َد َ‬
‫الح َّج َوال ُع ْم َر َة) يعني‪ :‬من أراد الحج أو العمرة ناوي ًا‬
‫ذلك؛ َيحرم عليه ْ‬
‫أن يتجاوز الميقات إال بإحرام‪.‬‬
‫وإذا مل ِ‬
‫ينو العمرة وإنما أراد تجار ًة يف مكة أو يف جدة أو بما هو بعد‬
‫المواقيت؛ نقول‪ :‬ما يلزمه اإلحرام؛ ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬
‫قال‪ِ( :‬م َّ ْن َأ َرا َد َ‬
‫الح َّج َوال ُع ْم َر َة)‪.‬‬
‫أن يذهب إىل جدة للنُّزهة ‪ -‬مثَلً ‪ -‬أو العمل‪،‬‬ ‫ولو أن شخص ًا أراد ْ‬
‫ويريد بعد ذلك العمل أو النُّزهة ْ‬
‫أن يعتمر؛ نقول‪ :‬يجب عليه اإلحرام‪.‬‬
‫ولو قال شخص‪ :‬أنا أريد ْ‬
‫أن أذهب إىل جدة ‪ -‬مثَلً ‪ -‬للعمل‬
‫وإن َب ِق َي وقت ذهبت إىل مكة ْ‬
‫وإن ما بقي لن أذهب إىل مكة؛‬ ‫وللنُّزهة‪ْ ،‬‬
‫نقول‪ :‬ما يلزمه اإلحرام؛ ألنه ما نوى ني ًة جازم ًة للعمرة‪ ،‬لذلك قال الن ُّبي‬
‫(ه َّن َلهُ َّن َولِ َم ْن َأ َتى َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َغ ْيرِ ِه َّن‪ِِ ،‬م َّ ْن َأ َرا َد‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫الح َّج َوال ُع ْم َر َة)‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‪َ ( :‬و َم ْن َكانَ ُدونَ َذلِ َك َف ِم ْن َح ْي ُث َأ ْن َش َأ) يعني‪ :‬من كان داخل‬
‫المواقيت‪ ،‬مثَلً‪ :‬شخص يسكن بعد ْأب َيار عيل جهة مكة بمئة كيلو‪ ،‬هل‬
‫نقول له‪ :‬ارجع إىل أبيار عيل و َأ ْحرم‪ ،‬أم من مكانك َأ ْح ِرم واذهب إىل‬
‫مكة؟ نقول‪ :‬من مكانك َأ ْح ِر ْم واذهب إىل مكة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث‬

‫(و َم ْن َكانَ ُدونَ َذلِ َك)‬


‫لذلك الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪َ :‬‬
‫يعني‪ :‬داخل المواقيت جهة مكة؛ ( َف ِم ْن َح ْي ُث َأ ْن َش َأ) يعني‪ :‬النية‪ ،‬حتى لو‬
‫تجاوز الميقات‪ ،‬ثم نوى‬
‫َ‬ ‫شخص ذهب إىل جدة وهو من أهل المدينة‬
‫العمرة يف جدة وهو مل يكن ناوي ًا من قبل‪ ،‬هل نقول له‪ :‬ارجع إىل المدينة‬
‫نويت العمرة من هناك؛ فمن‬
‫َ‬ ‫َأ ْح ِرم من هناك أو من جدة؟ نقول‪ :‬ألنك‬
‫جدة‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬ح َّتى َأ ْه ُل َمك ََّة ِم ْن َمك ََّة) يعني‪ :‬حتى أهل مكة يحرمون من‬
‫حرمون من مكة‪ ،‬فالشخص لو كان بيته‬ ‫مكة‪ ،‬وهذا يف الحج‪ ،‬أهل مكة ي ِ‬
‫يف مكة؛ ِ‬
‫فمن بيته ي ِ‬
‫حرم؛ َيلبس اإلحرام و َيذهب إىل عرفة‪.‬‬
‫أما يف العمرة‪ :‬يف الصحيحين(‪ )1‬الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم أمر عبد‬
‫أن ي ِ‬
‫عمر أخته عائشة رضي اهلل عنها‬ ‫الرمحن بن أبي بكر رضي اهلل عنهما ْ‬
‫من التنعيم‪ ،‬ففي العمرة‪ :‬أهل مكة يذهبون إىل أقرب ِ‬
‫الحل‪ ،‬ليس‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الحج عىل الرحل‪ ،‬رقم (‪ ،)1518‬من‬
‫حديث عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب بيان وجوه اإلحرام‪،‬‬
‫وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران‪ ،‬وجواز إدخال الحج عىل العمرة‪ ،‬ومتى‬
‫يحل القارن من نسكه‪ ،‬رقم (‪ ،)1213‬من حديث جابر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪26‬‬

‫الحل‪ ،‬وأقرب ِ‬
‫الحل من الحرم اآلن التنعيم‪،‬‬ ‫المواقيت؛ وإنما أقرب ِ‬
‫وأدنى الحل أيض ًا ِ‬
‫الج ْع َرانة‪ ،‬لكنها بعيدة قليَلً من جهة الغرب‪ ،‬لكن‬
‫أقرهبا التنعيم‪.‬‬
‫(ح َّتى َأ ْه ُل َمك ََّة ِم ْن َمك ََّة) يعني‪ :‬يف الحج‪ ،‬أما يف العمرة‬
‫لذلك قال‪َ :‬‬
‫فأتانا حديث آخر من أدنى الحل‪.‬‬
‫قال‪ُ ( :‬م َّت َف ٌق َع َل ْي ِه)‪.‬‬
‫والله أعلم‪ ،‬وصىل الله وسلم عىل نبينا محمد‪ ،‬وعىل آله وأصحابه‬
‫أمجعين‪.‬‬

‫***‬

You might also like