Professional Documents
Culture Documents
أخلاق-المعية-1
أخلاق-المعية-1
أخلاق-المعية-1
أخالق ال َم ِع َّية
لجالل تذكر اعتنائي ،يُبرز أخالق العناية وتوصيفاتها على
ِ أخالق ال َم ِعيَّة هي سجايا قيمية حميدة
ت شساعاتِ الوجود ،وبوعي يحمل دالالت التأمل والفهم على
تعالقات اتصالية باإلنسان والكون وتوسيعا ِ
صنعها
فلسفة حضور استحضاري لمقامات العناية اإللهية La providence divineوتدبير ُ
جالل الصانع بإرشاده إلى فقه سننه وآياته ،في مسير ُموغل يجعل إنسان القرآن
ِ ال ُمتقن ،الذي يدل على
على اغتناء حياتي أ َق َد َر على الداللة البرهانية في سعاتها المجالية ،الممتدة على تمييز دوره المنوط
ص ِرفت فيه كل مشتقات اآليات Signesلتتآنس معه بميسم جواري يتوارد على
والموك ِل إليه في كون ُ
ف التواجد اإلنساني محموال على دالالت اشتغالية استباقية للخيرات، استمراريات مكثفة ،تجعل ِإل َ
وبمنجزات تُبقي على األثر السالك في نظيمة حياتية تلتف حول سؤال ال َمعية وأخالقياتها التي تمتد لتشمل
وألطاف االهتمام المصاحب ِة لإلنسان في أحوا ِل العمران والحضارة اإلنسانية،
ِ منسوب االعتناء والعناية
َ
االعتبار الذي ال يجعل اإلنسان منفكا أو معزوال عن السياقات الناظمة الشتغاالت الوجود وفلسفاتِ
ِ على
الترابط بين أشيائه وتمظهراته ،التي ت ُسائلنا على الدوام عن قصدياتِ تواجدنا وحاالتِ مكوثنا التي
ِ
نتص َّد ُر بها في مخاطبة هذا العالم وأطيافه اإلنسانية المستقرةِ في أمكنة التعدد.
كثيرا ما يكون الحافز اإلنساني على البقاء في عالم العيش مدعوا إلى تأمل ُمؤمالته واشتغاالته،
ت إقاماته الوجودية
باعتباره دلي َل اعتناء بالكيفيات االرتضائية التي يمكن أن يُؤثث بها اإلنسان فضاءا ِ
اللحظية ،نظرا لكونه إنسانَ التناهي ال ُممتد في أزمنة يتعرف على محيطه ويغادره بفَق ِد الموت ،وبدورات
البين ،أو ما بين
ِ تتعاقب منذ سنين غابرة م َّيزت تاريخ المجتمعات اإلنسانية؛ لكن ما بين
ُ إنسانية امتدادية
1
ُ
يفارق العالم ،يكون لسؤال المعنى المتصل ب ُحظ َو ِة العيش في دالل ِة الحضور إلى مسار آخر
البقاء
ِ منظور استثناء ينتزع ماهيةَ داللةَ
َ العالم والكيف Le styleصبغةَ التميز التي تجعل اإلنسان
وجب االلتفات إليه
َ وإرادة َ الحضور ،باعتباره عنوانَ دليل اهتمام والتفات منه للجدوى من حضور
ف عن ف مع أوضاع إنسانية جديرة بالبرهان الذي ال يتخلَّ ُ واالعتناء به ،و َحم ِل ِه على تالؤم َّ
معزز يتكيَّ ُ
اختياراته وشروطه الحياتية وتصريفاتها التي تتو َّجهُ في مناحي الحياة ،ذلك أن فلسفة الحضور اإلنساني
وقصديها التأسيسية شُي َدت بتكريم إلهي (ولقد كرمنا بني آدم) اإلسراء ،70 :وباعتناء متماسك لم يُداخله
منظور اعتناء تو َّجهَ إلى اإلنسان على
ِ ت السالكة االرتضائية ،وفي
زَ يغ وال تحريف عن الفطرة واأل َمارا ِ
ت ُرسُل ِه اإلصالحية ،وذلك تمكينا كفاية واستيفاء تدبيري وبلُطف إلهي ،أرشد إليه في سننه وبالغا ِ
خرت له أشياء الوجود بمقامات
ت وجود إسعادية تلتف وتحتفي باإلنسان ،الذي سُ ِ
لإلنسان من دالال ِ
تسخيرية خادمة بالوظيفة االعتنائية لقصديات يتوجه إليها ذهابا وعودة إلى هللا ،وبتخاطبات تعرفية
أكثريَّة على إنسان النَّظير والشبيه ال ُمماثل ،وما تمنحه ممكناتُ العيش من تشارك وتبادل .وهو ما يجعل
ُسعف اإلنسان على زيادة التعرف بذاته،
ُ إمكان االعتناء باإلنسان بنفسه داللة تفكريَّة ونداء حاجيا ي
ِ من
ضم حيازي ال بنظام قهر تَركي في غياه ِ
ب النسيان والمجافاة وغير مكترث بها؛ بل واستيفائها بجما ِل َ
أنُسا مصاحبا يفترض ِإلفا دائما .من هنا تأتي مركزية االعتناء بالنفس في التفكير اإلسالمي ،باعتبارها
صنعا إلهيا متقنا ،وتوددا اتصاليا وجب على اإلنسان أن يُبقي على شرائطه االشتغالية واالتصالية بنماء
ُ
بالظفر والتموقُع الريادي.
ِ وتعزيزات وتأييدات حالمة
2
ظى االضطهاد الذي مصائهرهم .وقد اعت ُبرت لحظة حرجة على ُجموعِ بني إسرائيل وهم يستشعرون لَ َ
شرع علىشعور فَقد ت َ َحس ِري ُم َّ
ِ ع َّبروا لموسى عن ذلك في
سيُنهي حياتهم وهم يستعدون لعبور البحر ،و َ
ا لجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كال إن معي خاتمة الموت فخاطبهم قائال( :فلما ترائ
ربي سيهدين) الشعراء ،62-61 :فكانت داللة المعية "معي" محمولة على روح استحضارية للعناية
اإللهية وتأييداتها الداعمة للوجدان اإليماني ،و َ
طمأنَتِ ِه على تجليات نورانية تذكريَّة أخذت بأسباب ال ِفعل
راح ال َّدع ِة وسلبيات الفُتور؛ بل إلى سعات تمكينية أرشدت المستضعفين إلى
واط ِ
ِ والتوكل على هللا،
ت التضييق واالعتساف ،واألمر كذلك يُلحظ مع اشتغاالت ومساعي تُغالب قدرا بقدرَ ،
وبمنزع يقاوم رجا ِ
في مساره الدعوي اإليماني ،حيث لم تسلم دعوته من ممانعات واعتراضات نبي اإلسالم محمد
الحد من أي امتداد ديني جديد يتعارض مع مصالحهم ،التي
ِ مع خصوم ُمشرك ِة قريش بسعيهم إلى
ت التقبل الترحيبي الذي أوجده دين اإلسالم عند ال ُمتلقين الجدد ،وهو األمر الذي
أضحت متهافتة بعد سعا ِ
لم يسلم من ُمصادرة دعوة اإلسالم وصاحبها واضطهاد ُمعتنقيها ،وهو ما سعى من خالله نبي اإلسالم
سعف على مدارات تخاطبية جديدة أريحية
ُ تلقي مغايرة للدعوة ،لعلها ت ُ
إلى البحث عن أمكن ِة ِ
للبالغ عن رب العالمين ،وفي طريق العبور إلى المدينة اضطر إلى االحتماء في غار ثور رفقة صاحبه
بوادر
ُ أبي بكر رضي هللا عنه ،وقد تتبع الخصوم آثار المسير الذي أوصلهم إلى الغار ،وكانت حينها
تستحضر جالل أمانها
ُ بأنوار معية إلهية الخوف ت ُلحظ على ُمحيَّا صاحبه ويطمئنه النبي محمد
اآلمن ال ُمطمئن (إال تنصروه فقد نصره هللا إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول
لطاف االعتناء اإللهي الذي
ِ لصاحبه ال تحزن إن هللا معنا) التوبة ،40 :وهي كلها دالالت شاهدة على أ َ
يتو َّجهُ به اعتناء ألصفيائه دون ترك أو تناسي؛ بل َم َددا وسندا وعونا وتوفيقا في أشجان الحياة
ُ
تتساوق مع إنسان اللج ِإ واغتراباتها وقتاماتها في األجواء االنسدادية ،إلى تغييرات وفتوحات
ت المعيش الحياتي ،باعتباره داللة شعورية عن حياة تتقدم بالمعنى
االستحضاري هلل سبحانه ،وفي مختلفا ِ
لف المصاحب هلل ومقاماته التعرفية والثقة به ،والديمومة على ذلك استحضارا لها،
اإل ِ
والزيادة لعنوان ِ
ومراعاة في تصريف اشتغالها على أثر ُممتد ،يجعل من أخالق المعية اإللهية َمعيَّ َة إنسان ألخيه اإلنسان،
وذلك من خالل منظور استحضاري يتعزز فيه العيش مع الخلق -عيال هللا ، -وكيف يصبح منظورها
االشتغالي على إيجاد إنساني جديد يقب ُل بمختلفا ِ
ت العيش مع الناس ومع األقران معAvec.. ..
Togetherعلى االعتبار الذي يُطلعنا معا أن االشتغال والحضور بالمعية عنوانَ دليل اقتراني لكل
يستحضر مشاغ َل الناس على التعاون والتآزر والتبادل.
ُ إسعاد إنساني
3
والضغائن والدسائس وسلطة األحكام الجاهزة Les préjugésواستيالءاتها المستبدة في التعرف
األريحي على الناس والقبول بمختلفاتهم ،وحملها على توسيعات واشتغاالت أكثر تقبال للفهم وتجويداتِ
ت النمائية للسلوكات والمواقف .ولهذا تك ُمن اعتباريةُ أخالق المعية في شروط المراعاة
االختيارا ِ
اإلنسانية وابتغاءاتها الخيرية ،وما تستدعيه من تالزمي ِة الحرص على الفعل الصالح وتزكية النفس
ت الحرص
وتهذيبها على أداءات أفضل ،وذلك بحملها على التفكير في الذات والذوات األخرى بدالال ِ
ت ال َّنزَ ِ
ق ال ُمتعسف على المرذولة وتشنيعاتها الفَ َّجة وجهاال ِ
الدؤوب والتِسآلي الذي يقطع مع الصفات َ
أحوال الناس؛ بل كيف يمكن حمل االشتغال بالمعية على األنس المصاحب للغير في الحضور والغياب:
ب صونا وحفظا وإِلفا امتداديا بالتود ِد اإلنساني ،في عالم بات
ي الجان ِ
استحضارا وتذكرا؟ بجعله َمر ِع َ
يُحصي قتاماتِ االبتعاد والنَّأي ِ عن الناس في عواز َل ومحدوديات احتباسية قاتلة ،ألهبتها سجون أنظمة
شبكات التواصل االجتماعي في منظورات اكتفائية لتبدل رهيب ،نزع نُزوعا إغراقيا في نظام تفاهة -
عرى خصوصيات األفراد بتلبيسات وتشعبات زايلت وحجبت إمكان
بتعبير المفكر الكندي آالن دونَ -
إلنسان المعية أو إنسان ال ُمكوث قبل ال ُخفوت ،ذلك أن ال َمعية االستحضارية لإلنسان
ِ االستحضار الفائق
قد تكون داللة فيصلية الستعادة ذواتنا ال ُمفارقة لنا حين نستعيدها على تطبيقات اشتغالية فاحصةُ ،مفكر
الحاضن للذات والختياراتها في ت َ َو ِ
قان الذهاب إلى األغيار. ِ فيها سلفا ،وغير منزوعة من أفضلية البقاء
رور
س ِفهي َمعية بالتآلف والتجاور ومن تموقعات مختلفة تسعى إلى تحييد عناصر االلتباس المانع ِة من ُ
ف على الناس باالحتواء
يتعر ُ
َّ اللقيا بالناس ،إلى انتقالية مغايرة تبتغي سعيا واصال وحرصا دؤوبا
واالطمئنان واإلنصات إليهم والمكوث معهم ،وتقريب مسالك العيش التجاوري ،ونُ ِ
شدان أفق مغايرة
اشتغالية حالمة وإسعادية تستدعي أخالق ال َم ِعي ِة قصد المسابقة في الخيرات ،وكذا بجعلها دليال هاديا
مقام تعرف ُمضاعف ،ودلي َل أمان وجودي.
لشروط اتصالية حوارية جديدة ،تجعل إمكان األنا ال ُمحاور َ
4