وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطلاق

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

Journal of Islamic Sciences ‫مجلة العلوم اإلسالمية‬

Volume (2), Issue (5): 30 Sep 2019 ‫ م‬2019 ‫ سبتمبر‬30 :)5( ‫ العدد‬،)2( ‫املجلد‬
P: 123 - 140 140 - 123 :‫ص‬
ISSN: 2664- 4347

The centrality of the Quran in dealing with the phenomenon of divorce


Khaldia abdelkader benyamina
Faculty of Arts || Ahmed ben bella- 1- university oran || algeria
Abstract: I have tried through my studies to appreciate the efforts of researchers who dealt with the issue of divorce,
summarize the sum of their ideas in it or more remind us of our youth and those concerned with the danger of divorce,
which has become a strange phenomenon, and an unusual event razed the body of our Muslim society or nearly, despite
the existence of what it organizes and limits In the Holy Quran, which emphasized the moderation and moderation in the
management of human affairs and the universe, as the provisions and laws surrounded by the Koran divorce aims to
maintain human relations based on housing and affection and mercy, and restrict or narrowing the circle of divorce by
specifying the number Shots and staging them, and limit the causes and disobedience B who tamper with it and exceed the
limits of God, and follow him by restricting and paid by the provisions of the kit and the expense of mediation mediated by
divorce and made them a tool of reconciliation and treatment and review more than the tool of separation and division and
destruction, without arbitrariness in the kit prolongation of , And in the expense of the husband's insolvency to spend above
the cost itself, as well as that the Holy Quran was an average when equated between the parties to the marriage in the
request for divorce, and fought Nchuz which disturbs her life and leads to divorce, preventive steps and stages of reform
distancing the sex from The power of masculinity and the language of conflict, and remove women from humiliation and
humiliation, and maintain the relationship between parents Children.
The centrality of the Quran and the moderation of Islam in dealing with divorce are based on its miraculousness, which
does not leave a minor or a large one except that it is counted. He did not prohibit divorce so as not to be extreme, and he
did not give him absolute permission so as not to be unjust. He was between the custodian of the conditional marriage And
he maintained the sanctity of the human relationship in the event of separation between the spouses. He was merciful to
the man and he is marrying him, and he is also merciful to him, and he is authorized to divorce him, and he is merciful and
he hates this divorce.
Keywords: The holy Quran – Divorce- The kit –Eloping- Tradition- Magistrate.

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬


‫خالدية عبد القادر بن يمينة‬
ّ
‫ وهران || الجزائر‬-1 -‫كلية اآلداب والفنون || جامعة أحمد بن بلة‬
‫ وألخص مجموع أفكارهم فيه أو أزيد‬،‫أثمن مجهودات الباحثين الذين تناولوا موضوع الطالق‬ ّ ‫ لقد حاولت من خالل دراستي أن‬:‫امللخص‬
‫ بالرغم من‬،‫ وحدثا غير عادي نهش جسد مجتمعنا املسلم أو كاد‬،‫بتذكير شبابنا واملعنيين بخطورة الطالق الذي أضحى ظاهرة غريبة‬
ّ
‫ ذلك أن األحكام والقوانين‬،‫ويحد منه في القرآن الكريم الذي أكد على وسطيته واعتداله في تدبير شؤون اإلنسان والكون‬ ‫وجود ما ينظمه‬
‫ وتقيد أو تضيق من دائرة‬،‫التي أحاط بها القرآن الكريم الطالق تهدف إلى صون العالقات اإلنسانية املبنية على السكن واملودة والرحمة‬
‫ وإتباعه بما يقيده ويدفع به من‬،‫ وحصر أسبابه وعقاب من يعبث به ويتعدى حدود هللا‬،‫الطالق بتحديد عدد طلقاته والتدريج فيهما‬
‫ دون أن‬،‫العدة والنفقة التي توسط بهما الطالق وجعل منهما أداة صلح ومعالجة ومراجعة أكثر من أداة انفصال وفرقة وهالك‬ ّ ‫أحكام‬

DOI: https://doi.org/10.26389/AJSRP.Y010519 )123( Available at: https: //www.ajsrp.com


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫مدتها‪ ،‬وفي النفقة بإعسار الزوج على اإلنفاق فوق ما تكلف نفسه‪ ،‬فضال عن أن القرآن الكريم كان وسطيا‬ ‫يتعسف في العدة بإطالة ّ‬
‫ّ‬
‫حين ساوى بين طرفي الزوجية في طلب الطالق‪ ،‬وحارب فيهما النشوز الذي يعكر صفو حياتها ويؤدي إلى الطالق‪ ،‬بخطوات وقائية‬
‫ومراحل إصالحية تنأى بالجنسين عن سلطة الذكورة ولغة الصراع‪ ،‬وترفع عن املرأة الهون واإلذالل‪ ،‬وتحفظ عالقة التواصل بين اآلباء‬
‫واألبناء‪.‬‬
‫ّإن وسطية القرآن الكريم واعتدال اإلسالم في تعامله مع الطالق تنم على إعجازه الذي ال يغادر صغيرة أو كبيرة إال أحصاها‪ ،‬فهو لم يحرمّ‬
‫الطالق حتى ال يكون متطرفا‪ ،‬ولم يبحه إباحة مطلقة حتى ال يكون ظاملا‪ ،‬كان بين بين حافظ على قدسية الزواج املشروط بالرضا‬
‫والسكينة‪ ،‬وحافظ على قدسية العالقة اإلنسانية حال االنفصال بين الزوجين‪ ،‬لقد كان رحيما باإلنسان وهو ّ‬
‫يسن له الزواج‪ ،‬ورحيما‬
‫به أيضا وهو يرخص له الطالق‪ ،‬وأرحم وهو يبغض هذا الطالق‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬القرآن‪ ،‬الطالق‪ ،‬النشوز‪ ،‬تقييد‪ ،‬عرى الزوجية‪ .‬التدريج‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫الحمد هلل ّ‬
‫رب العاملين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف املرسلين‪ ،‬محمد خير البشرية املبعوث رحمة وهدى‬
‫للعاملين‪.‬‬

‫أهمية الدراسة وأهدافها‪:‬‬


‫إن األمة هي نسيج معارف وثقافات تتباين من خالل معادلة اإلنسان واملكان والتراب التي ال يمكن أن نشيد‬ ‫ّ‬
‫بها الحضارة إال إذا خضعت لتقييم شامل لهذه املعادلة‪ ،‬يبدأ أساسا بتكوين اإلنسان الرشيد‪ ،‬ومدى تحصيله‬
‫ملجموع املعارف واألفكار والسلوكيات‪ ،‬ليحقق مبدأ انتمائه الجماعي عبر حلقات التأثير والتأثر الوسطي‪.‬‬
‫وإذا كان الجنسان(الذكر واألنثى) يختلفان من حيث التركيب الفيزيولوجي والبسيكولوجي مما اصطلح عليه‬
‫علماء األحياء وأثبته املنطق‪ ،‬فإنه ال يعني إطالقا وجود تنافر في تأدية األدوار‪ ،‬وتنفيذ الوظائف وأثبات الحقوق‬
‫والواجبات‪ ،‬كما ال يعني البتة انتفاء التتمة في جنس البشر التي يفرضها الواقع البشري ويقرها الحق‪ ،‬بالرغم من‬
‫الجدليات العقيمة التي تجاهلت أن قيام مجتمع ال يكتمل إال بقيام املرأة‪ ،‬وقيام املرأة ال يكون إال بقوامة الرجل التي‬
‫ال بد أن يفهم معناها القرآني حتى ال تتفش ى فوض ى العالقات اإلنسانية سيما الزوجية‪.‬‬
‫فالزواج في القرآن الكريم يقوم على التواد والسكن والرحمة‪ ،‬وليس على املتعة الجسدية‪ ،‬واملرأة كائن منحه‬
‫هللا تعالى‪ :‬حقه الكامل في الوجود وحظه الوافر ماديا ومعنويا‪ ،‬وكرمه بالعناية واالهتمام بأن جعل له سورة من طوال‬
‫السور هي سورة النساء‪ ،‬وليست ورقة يكتب فيها الرجل ما يشاء‪ ،‬أو لعبة يعبث بها كما يشاء‪ ،‬أو أثاثا يبتاعه متى‬
‫يشاء بحجة الطالق أو التطليق‪.‬‬
‫ظاهرة الطالق التي استشرت في املجتمع العربي اإلسالمي‪ ،‬فتنازع أفراده وفشلوا في إقامة العالقات‬
‫اإلنسانية املبنية على املودة والرحمة والتكاثر‪ ،‬بالرغم مما جاء في الدين اإلسالمي من أحكام وتشريعات لو التزم بها‬
‫يقلد بل يتغنى ّ‬ ‫ّ‬ ‫مستقرة آمنة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫بحرية الغرب الذي زرع فيه الفتنة‬ ‫ولكنه بات‬ ‫اإلنسان الستطاع أن يقيم لنفسه حياة‬
‫ّ‬
‫والتهافت حول املادة‪ ،‬وإنكار البعث ويوم الحساب‪ ،‬والهروب مما سماه بالقفص الذهبي‪ ،‬ناسيا أن الزواج هو امليثاق‬
‫وأن الدين اإلسالمي هو الدين الوحيد عند هللا الذي تطمئن به القلوب‪،‬‬ ‫وأن الطالق أبغض الحالل إلى هللا‪ّ ،‬‬‫الغليظ‪ّ ،‬‬
‫وتتغدى العقول بآياته املعجزات ونظامه التعاملي والتكاملي والوسطي الذي يضمن الحد من استفحال ظاهرة‬
‫الطالق‪ ،‬ويدفع عن اإلنسان خطر النرجسيات القاتلة والحريات الكاذبة‪.‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)124‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫تعاني املجتمعات اإلسالمية؛ من تفش ي مظاهر التشتت والتمزق االجتماعي؛ ولعل أشدها فداحة ما وصلت‬
‫ً‬
‫وشعارا للحرية الكاذبة‪،‬‬ ‫إليه األسرة وما آلت إليه املجتمعات التي ّتدعي أنها مسلمة‪ ،‬وقد نصبت الطالق مفخرة‪،‬‬
‫وبجانب ذلك فهناك قصور وتساهل لدى معظم املجتمعات املسلمة حول أبغض الحالل إلى هللا؛ الطالق‪ ،‬وأن هللا ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكريما لإلنسان ورحمة به‪ ،‬وتقديسا للعالقة الزوجية التي يجب أن تتأسس على مبدأ األمن والطمأنينة‬ ‫أبغضه إال‬
‫ً‬ ‫والرضا الذي يقيمه القرآن الكريم ً‬
‫عالجا‪ ،‬ويحض عليه بلغة واضحة ال تحتاج تأويال‪.‬‬
‫تتحدد مشكلة هذا البحث في األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬ما موقف اإلسالم من الطالق؟‬
‫‪ -2‬كيف تعامل اإلسالم مع الطالق في إطار تقديسه للعالقة الزوجية؟‬
‫‪ -3‬ما هي التزامات الزوجين إزاء األحكام التي أحاط بها القرآن الكريم دائرة الطالق؟ وفيم تكمن وسطية القرآن‬
‫الكريم وهو يقيد ويسعى للحد من ظاهرة الطالق؟‬

‫أهداف البحث‪:‬‬
‫يهدف البحث إلى تحقيق اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬توضيح موقف اإلسالم من الطالق‪.‬‬
‫‪ .2‬بيان كيف تعامل اإلسالم مع الطالق في إطار تقديسه للعالقة الزوجية‪.‬‬
‫‪ .3‬تحديد التزامات الزوجين إزاء األحكام التي أحاط بها القرآن الكريم دائرة الطالق‪.‬‬
‫‪ .4‬إظهار وسطية القرآن الكريم وهو يقيد ويسعى للحد من ظاهرة الطالق‪.‬‬

‫أهمية البحث‪:‬‬
‫تبرز أهمية البحث من أهمية موضوعه‪ ،‬ومن قلة األبحاث التي تناولت املوضوع‪ ،‬وبذلك فمن املؤمل أن‬
‫تفيد نتائج البحث على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬قد تفيد في زيادة الوعي بأهم املوضوعات االجتماعية في اإلسالم‪ ،‬وخصوصا مسألة الطالق‪ ،‬كظاهرة عاملية‪،‬‬
‫وبيان أهمية الرجوع إلى قواعد الدين هللا اإلسالمي‪ ،‬إذ هو الكتاب الجامع املانع‪ ،‬الجامع ملعالم القوة‬
‫كرم بها وهي خالفة‬‫والرحمة والهدى‪ ،‬واملانع مما يحط من قيمة العالقة اإلنسانية‪ ،‬ومن رسالة اإلنسان التي ّ‬
‫هللا في األرض‪.‬‬
‫كرم الرجل بالقوامة إال ليصون املرأة ويحفظها‬ ‫ّ‬
‫‪ -2‬قد تفيد في بيان عظمة اإلسالم‪ ،‬والتأكيد على أن اإلسالم ما ّ‬
‫من االنزالق في براثن الهوى‪.‬‬
‫‪ -3‬من املؤمل أن يمثل البحث إضافة نوعية للمكتبة العربية؛ بما يفيد الباحثين في املوضوع وجميع املهتمين‪.‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫‪ -1‬استعنت في دراستي بقواعد املنهج التحليلي النقدي الذي يعنى بالتركيب والتفكيك والتحليل‪.‬‬
‫‪ -2‬التزمت في هذا املنهج بتعريف املصطلحات الفقهية اللغوية من مصادرها املعتمدة‪.‬‬
‫‪ -3‬توثيق املصادر واملراجع في الحواش ي‪ ،‬وفي فهرس البحث‪ ،‬مبتدئة باسم املؤلف ثم اسم الكتاب حسب الحروف‬
‫الهجائية‪.‬‬
‫‪ -4‬عزوت اآليات إلى مواقعها في السور بذكر اسم السورة ورقم اآلية‪.‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)125‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫‪ّ -5‬‬
‫خرجت األحاديث النبوية‪ ،‬وعزوتها إلى مصادرها‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تناول موضوع الطالق عدد كبير من الباحثين واملفسرين‪ ،‬وأسهبوا فيه ّأيما إسهاب‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬الدكتور أحمد شاكر في كتابه "نظام الطالق"‪.‬‬
‫‪ -2‬روحية مصطفى أحمد في كتابها "اآلثار املترتبة على مخالفة قيود الطالق السني"‪.‬‬
‫‪ -3‬الدكتور عادل صدقي في كتابه "الطالق ليس هو الحل"‪.‬‬
‫‪ -4‬الدكتور عماد عمر خلف هللا أحمد في بحثه "ظاهرة الطالق –أسبابها وأثرها وعالجها –في ضوء الهدي النبوي‬
‫ّ‬
‫والسنة النبوية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬سنة ‪2015‬م‪.‬‬ ‫"‪ ،‬من مجلة مركز بحوث القرآن الكريم‬
‫طيبة عن أهمية اللجوء إلى‬‫كونت لدى العقل االبشري فكرة ّ‬ ‫وغيرها من الدراسات والبحوث العلمية التي ّ‬
‫نظام القرآن في عالجه لظاهرة الطالق التي تعدت حدود هللا‪.‬‬

‫الجديد في طرح املوضوع‪:‬‬


‫تناولت املوضوع بلمستي الخاصة‪ ،‬وفي ناحية ربما تختلف عن النواحي التي ركنها غيري من الباحثين الذين‬
‫أقدر جهودهم‪ ،‬وأشاركهم فيها‪ ،‬من أجل التذكير باألدوات العالجية للحد من استفحال ظاهرة الطالق التي وجب‬ ‫ّ‬
‫التنوع واإلكثار من معالجتها لخطورة دائها‪ّ ،‬‬
‫وكل ذلك بوسطية القرآن الكريم‪ ،‬واعتداله‪ ،‬ورحمته‪.‬‬
‫فأزمتنا ليست أزمة أفكار ومنهج‪ ،‬إنها أزمة قراءة وتعامل مع النصوص‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫بنيت دراستي املتواضعة على مبحثين‪ ،‬تناولت في املبحث األول مفهوم الطالق بين اإلطالق والتقييد‪ ،‬قسمته‬
‫على ثالثة مطالب‪ ،‬بعد تمهيد خصصته للتعريف بالطالق لغة واصطالحا‪ ،‬وحكمه‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬تضمن املطلب األول‬
‫حصر أسباب الطالق‪ ،‬واملطلب الثاني التدريج في الطالق "الطالق مرتان" وحكمة القرآن‪ ،‬أما في املطلب الثالث‬
‫فوقفت على آيتي العدة والنفقة في الصلح‪ ،‬كما طرقت في املبحث الثاني إلى إعجاز القرآن في عالج ظاهرة النشوز عند‬
‫الزوج والزوجة‪ ،‬ألختم بنتائج ّتوجتها ببعض التوصيات‪.‬‬
‫وفي األخير أرجو أن يثمر عملي بما يفيد الفرد واملجتمع‪ ،‬فالسعادة أن ترى الفرحة في عيون اآلخرين‪ ،‬وتكون‬
‫أنت سبب هذه الفرحة‪ .‬وباهلل التوفيق والسداد‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الطالق بين اإلطالق والتقييد‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫لقد اختلف الفقهاء في تعريف الطالق‪ ،‬وإن كان يحمل لغة معنى "التخلية واإلرسال" ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بأنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫حيث ّ‬
‫"حل قيد النكاح"(‪ ،)2‬وعرفته الحنفية بأنه "رفع قيد النكاح الثابت شرعا في املآل‬ ‫عرفه الحنابلة‬
‫واملآل بلفظ مخصوص"(‪ ،)3‬أما املالكية فعرفوه بأنه "إزالة عصمة الزوجة بصريح لفظ‪ ،‬أو كناية ظاهرة‪ ،‬أو لفظ ما‬
‫حل عقدة النكاح بلفظ الطالق ونحوه"(‪.)5‬‬‫مع ّنية"(‪ ،)4‬كما عرفته الشافعية بأنه " ّ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ص‪138 .‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)126‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬


‫وجميع هذه التعريفات ترى الطالق فكا‪ ،‬وحال‪ ،‬وإزالة‪ ،‬ورفع قيد النكاح الصحيح بلفظ الطالق‪.‬‬
‫كما قسم الفقهاء الطالق حسب األثر إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬الطالق الرجعي‪ :‬وهو الطالق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي نكحها نكاحا صحيحا‪ ،‬ودخل بها‪ ،‬ويحق له‬
‫"الط َالق َم َّر َتان َف ْإم َساك َبم ْعروف َوت ْسريح ْ‬ ‫َ‬
‫بإح َسان"(‪.)6‬‬ ‫مراجعتها بين التطليقتين‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫‪ -2‬الطالق البائن‪ :‬وهو الطالق الذي ال يملك فيه الزوج حق مراجعة زوجته التي تبين منه بينونة صغرى أو كبرى؛‬
‫فالبينونة الصغرى هي التي يحق للزوج فيها مراجعة زوجته بعقد جديد‪ ،‬ومهر جديد عند اكتمال العدة وبلوغ‬
‫َ‬
‫حدود هللا"(‪،)7‬‬ ‫إن َظ ّن َا َأ ْن َ‬
‫يقيما‬ ‫هما َأ ْن َي َت َر َ‬
‫اج َعا ْ‬ ‫َ َ َ َ ََْ َ‬
‫األجل؛ أي بعد التطليقتين مصداقا لقول هللا تعالى‪" :‬فال جناح علي‬
‫ّ‬
‫أما البينونة الكبرى فال يملك فيها الزوج حق مراجعة زوجته ولو بعقد جديد‪ ،‬حتى تنكح رجال آخر وتتطلق منه‬
‫َ‬ ‫حل َله َح َّتى َت ْن َ‬
‫كح َز ْو َجا غ ْي َره"(‪.)8‬‬ ‫إن َط َّل َق َها َف َال َت ّ‬‫طالقا صحيحا‪ ،‬لقوله تعالى‪"َ :‬ف ْ‬
‫بأن "األصل فيه اإلباحة"‪ ،‬ويرى الكمال‬ ‫واختلف الفقهاء في حكم الطالق‪ ،‬ومشروعيته؛ حيث يرى القرطبي ّ‬
‫أن "األصل في الطالق الحذر والكراهة إال لرخصة التأديب"(‪ّ ،)9‬أما‬ ‫بن الهمام بأنه " الحظر لحاجة"‪ ،‬ويجد الكاساني ّ‬
‫الغزالي فيرى أنه "الحصر‪ ،‬إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل‪ ،‬ومهما طلقها فقد أذاها‪ ،‬وال يباح إيذاء الغير إال بجناية من‬
‫جانبها أو بضرورة من جانبه" (‪.)10‬‬
‫ّ‬
‫وعليه‪ ،‬ملا شاعت فوض ى العالقات اإلنسانية‪ ،‬وخطئ مفهوم الحرية‪ ،‬وتاهت املرأة في وحل املتعة الجسدية‬
‫ومدبره أن ينقذ اإلنسان من البدعة‬ ‫ّ‬ ‫واالحتقار الجنس ي‪ ،‬وضاع األبناء‪ ،‬شاء هللا سبحانه وتعالى‪ :‬خالق الكون‬
‫ً‬ ‫ورخص له الطالق‪ ،‬وكاد أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحرمه رحمة وتثبيتا‬ ‫فسن له الزواج وكاد أن يفرضه‪،‬‬ ‫والضاللة‪ ،‬ويهديه سواء السبيل‪،‬‬
‫لعالقة الزواج باعتباره دعامة الدين وأساس الكون‪.‬‬
‫شدد القرآن الكريم في أحكام الزواج التي تقوم على الرضا والسكن النفس ي وعدم تعدي حدود هللا‪،‬‬ ‫وإن ّ‬
‫فإنه شدد أيضا على الطالق بأحكام وتشريعات تنأى به عن املفهوم الخاطئ‪ ،‬وتصيب فيه هدف املودة والسكن الذي‬
‫نص عليه القرآن الكريم في خلق اإلنسان‪ ،‬وذلك حتى ال يطعن الزوج في قدسية الزواج فيطلق عنان الطالق ً‬
‫ناسيا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أنه أمام طالق وليس إطالق‪ ،‬إذ الطالق من الفعل طلق الذي يقتض ي املشاركة واملشاورة التي هي أساس العالقات‬
‫نظرا ملا ينتج عنه من أضرار ال حصر لها‪ ،‬فال عيب إن لم‬ ‫اإلنسانية واستمرارها‪ ،‬كما يحمل معنى املبالغة والكثرة ً‬
‫ينجح الطالق كعالقة زوجية‪ ،‬ولكن العيب أن ال ينجح كعالقة إنسانية‪.‬‬
‫حد بها القرآن الكريم الطالق‪ ،‬وضيق بها من دائرته ما سوف نفصله فيما يأتي‪:‬‬ ‫ومن األحكام التي ّ‬

‫املطلب األول‪ :‬حصر أسباب الطالق‬


‫من األسباب التي تؤدي إلى الطالق‪:‬‬

‫(‪ )2‬ابن قدامة موفق الدين‪ ،‬املغني على الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪1‬ص‪.82 .‬‬
‫(‪ )3‬الزعبلي‪ ،‬فخر الدين عثمان بن علي الحنفي‪ ،‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ح‪ 3‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )4‬النفراوي‪ ،‬الشيخ أحمد بن غنيمبن سالم بن مهنا‪ ،‬الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني‪ ،‬ج‪3‬ص‪57‬‬
‫(‪ )5‬الشربيني بن زكريا أحمد بن محمد فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪3‬ص‪420 .‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة‪229 . :‬‬
‫(‪ )7‬سورة البقرة‪230 . :‬‬
‫(‪ )8‬سورة البقرة‪230 . :‬‬
‫(‪ )9‬أحمد عبيد الكبيس ي‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫(‪ )10‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ص ‪87‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)127‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫‪ -1‬االختيار الخاطئ للطرف اآلخر الذي يؤلف معه رباط الزوجية؛ فال املرأة تختار الرجل الصالح الذي ترض ى‬
‫َّ‬ ‫دينه وخلقه مصداقا لقول الرسول عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ّ‬
‫فزوجوه إال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْتف َعلوه َت ْ‬
‫فت َنة في األ ْرض وف َساد كبير"(‪ ،)11‬وال الرجل يختار املرأة الصالحة لقول رسول هللا –صلى هللا عليه‬ ‫كن ْ‬
‫ْ‬ ‫"تن َكح املَ ْرأة ْ‬
‫وجمالها ولدينها فاظ َفر بذات الدين‬ ‫ألرَبع ملالها َ‬
‫ولح َسبها َ‬ ‫وسلم‪ -‬عن أبي هريرة‪ -‬رض ي هللا عليه‪ْ : -‬‬
‫َ‬
‫ت َربت يداك"(‪.)12‬‬
‫ْ َ َ ْ َّ َ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫هن بامل ْعروف"(‪ ،)13‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫هن مث ُل الذي علي‬ ‫‪ -2‬انتفاء مبدأ املعاشرة باملعروف بين الزوجين‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬و ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َّ َ‬ ‫إن َك ْ‬ ‫وهن باملَ ْع ُروف َف ْ‬
‫تموهن ف َع َس ى أ ْن تك َر ُهوا ش ْيئا َو َي ْج َعل هللا ُفيه خ ْيرا كثيرا"(‪.)14‬‬ ‫ره‬ ‫اشر َّ‬ ‫أيضا‪"َ :‬و َع ُ‬
‫رج َن‬ ‫بيوتهن َوال َي ْخ ْ‬
‫َّ‬ ‫رجوهن ْ‬
‫من‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ ْ‬
‫كم ال تخ‬ ‫مبينة‪ ،‬والخيانة الزوجية‪ ،‬لقوله تعالى‪"َ :‬و َّاتقوا هللا رب‬ ‫‪ -3‬اإلتيان بفاحشة ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قل َّإن َما َح َّر َم َ ّبي َ‬
‫مب ّي َنة "(‪ ،)15‬وقوله تعالى‪ :‬أيضا‪ْ " :‬‬ ‫َ َ ْ َْ ْ َ َ َ‬
‫احش َما ظ َه َر ْمن َها َو َما َبطن"(‪.)16‬‬ ‫الف َو َ‬ ‫ر‬ ‫احشة َ‬ ‫إال أن يأتين بف‬
‫‪ -4‬غياب شرط الرضا والباءة في الزواج لقول الرسول‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬عن عبد هللا بن مسعود‪" :‬من‬
‫فإنه له‬
‫َّ ْ َّ َ‬
‫طع ف َع ْليه بالصوم‬
‫ْ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫للف َرج‪ ،‬ومن لم يست‬ ‫صن َ‬ ‫أح َ‬ ‫صر‪َ ،‬و ْ‬ ‫للب َ‬‫فإنه َأ َّغض َ‬ ‫الباءة ْفل َيت َز َّو ْج‪َّ ،‬‬
‫منكم َ‬ ‫ْ‬ ‫اس َت َ‬
‫طاع‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫فسكم‬ ‫من أن‬ ‫وجاء"(‪ .)17‬والباءة هي القدرة النفسية واملادية على أداء واجب الزواج‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬وخلق لكم‬
‫َأ ْز َواجا َلت ْسكنوا َإل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ْ‬
‫كم َم َو َّدة َو َر ْح َمة"(‪.)18‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫"الرجال ق َّوامون َعلى‬ ‫‪ -5‬تقصير الزوج‪ ،‬أو إهماله لقوامته على شؤون زوجته‪ ،‬وصون كرامتها‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َْ َ ْ َ‬ ‫الن َساء َبما َف َّ‬ ‫ّ‬
‫هم َعلى َب ْعض َو َبما أن َفقوا(‪.")19‬‬ ‫ضل هللا بعض‬
‫العنة‪ ،‬الخصاء" (‪ .)20‬ويذهب‬ ‫‪ -6‬وجود عيب من العيوب النفسية (الجنون)‪ ،‬أو العيوب الجسدية مثل الجب‪ّ ،‬‬
‫ينفر الزوج لآلخر منه‪ ،‬وال يحصل معه مقصود الزواج من الرحمة‬ ‫أن " كل عيب ّ‬ ‫قيم في قياسه إلى ّ‬ ‫ابن ّ‬
‫(‪)21‬‬
‫واملودة يوجب الخيار"‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تلك األسباب وغيرها يحصرها القرآن الكريم جميعا في سبب واحد وهو أن اإلنسان نس ي في دوامة الطالق‬
‫َ َ‬
‫أن ّيتقي هللا‪ ،‬ويتمسك بكتاب هللا وسنته‪ ،‬وال يتخذ آيات هللا هزؤا حتى ال يضيع‪ ،‬لقوله تعالى‪"َ :‬و ال ت َّتخذوا َآيات هللا‬
‫بكل َش ْ‬‫اع َلموا َأ َّن هللا َ ّ‬ ‫عظكم به َو َّاتقوا هللا َ َو ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الكتاب َوالحك َمة َي‬ ‫من َ‬ ‫كم َ‬ ‫كم َو َما َأ ْن َز َل َع َل ْي ْ‬‫نع َم َة هللا َع َل ْي ْ‬ ‫هزوا َو ْاذكروا ْ‬ ‫َ‬
‫(‪)22‬‬
‫َعليم"‪.‬‬

‫(‪ )11‬الراوي أبو حاتم املزني‪ ،‬املحدث الترمذي‪ ،‬املصدر سنن الترمذي‪ ،‬الجزء أو الصفحة‪1085 :‬‬
‫(‪ )12‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب األكفاء في الدين‪ ،‬الجزء رقم‪3 .‬‬
‫(‪ )13‬سورة البقرة‪228 :‬‬
‫(‪ )14‬سورة النساء‪19 :‬‬
‫(‪ )15‬سورة األحزاب‪1 :‬‬
‫(‪ )16‬سورة األعراف‪.33 :‬‬
‫(‪ )17‬رواه البخاري‪ ،‬الراوي عبد هللا بن مسعود‪ ،‬أفق‪ ،4704 :‬العزو‪)5065( :‬‬
‫(‪ )18‬سورة الروم‪21 . :‬‬
‫(‪ )19‬سورة النساء‪34 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪ )20‬عبد الرحمن الجزيري‪ ،‬الفقه على املذاهب األربعة‪ ،‬ص‪* .246‬الجب‪ :‬هو قطع الذكر‪ ،‬وما بقي منه ال يكفي الجماع‪ .‬العنة‪ :‬هي عجز‬
‫سل الخصيتين‪ ،‬والذكر‪.‬‬‫الرجل عن الجماع ألسباب نفسية أو مرضة‪ .‬الخصاء‪ :‬هو ّ‬
‫(‪ )21‬أحمد عبيد الكبيس ي‪ ،‬األحوال الشخصية في الفقه والقضاء‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫(‪ )22‬سورة البقرة‪231 . :‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)128‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫فالقرآن الكريم جاء؛ لينظم ظاهرة الطالق بعدما كانت مجرد كلمة يتفوه بها الرجل‪ ،‬أو ورقة يعبث بها متى‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪:‬‬ ‫وكيفما شاء‪ ،‬ويحيطها بأحكام مزج فيها التشريع بالتربية األخالقية واألحكام العملية باآلداب النفسية؛ لقوله ّ‬
‫أن وجود املرأة مكمل لوجود‬‫يسرا"(‪ ،)24‬ويؤكد ّ‬‫من ْأمره ْ‬‫هللا َي ْج َع ْل َله ْ‬
‫يسرا"(‪َ " ،)23‬ومن َي َّتق َ‬ ‫يج َعل هللا َب ْع َد ْ‬
‫عسر ْ‬ ‫"س ْ‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫الرجل‪ ،‬وال ّ‬
‫يقل شأنا وفاعلية من دور الرجل " إن هللا سبحانه وتعالى‪ :‬لم يشأ أن يحرم املرأة على زوجها هفوة حتى ال‬
‫تأكل الحسرة قلبه‪ ،‬أو تطيح الندامة بفؤاده‪ ،‬فقد يكون الطالق قد وقع منه في غمرة من الغضب بال تقدير لعواقبه‬
‫وانتباه إلى سوء منقلبه‪ ،‬أو تكون املرأة قد ركبها شيطان عقلها واستولى عليها زيف هواها ّ‬
‫فسولت لها الوساوس إساءة‬
‫عشرة زوجها ليقوم بتطليقها‪ ،‬ثم رجعت إلى عقلها وفاءت إلى صوابها"(‪.)25‬‬

‫مرتان وحكمة القرآن‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الطالق ّ‬


‫َّ‬
‫رخص هللا سبحانه وتعالى‪ :‬للزوج الطالق‪ ،‬وأنعم عليه فيه بتضييق دائرته بتطليقتين لقوله تعالى‪ " :‬الطالق‬
‫َ‬
‫حدود‬ ‫إال َأ ْن َي َخ َافا أ َّال َ‬
‫يقيما‬
‫َّ َ ْ َّ‬ ‫َّ َ‬
‫مما آت ْيتموهن شيئا‬ ‫أن تأخذوا‬
‫ْ َ َ َ ّ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫فإم َساك َبم ْعروف أ ْو ت ْسريح بإحسان وال يحل لكم‬ ‫َم َّرتان ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ََ َ َ ْ‬ ‫ْ ْ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬
‫حدود‬ ‫فيما اف َت َد ْت به تل َك حدود َالله فال ت ْع َتدوه ــا َو َم ْن َي َت َع َّد‬ ‫يقيما حدود الله فال جناح عليهما‬ ‫أال َ‬ ‫الله فإن خفتم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فأول َ‬ ‫َ‬
‫ئك هم الظاملون"(‪.)26‬‬ ‫الله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث نهى الرجل أن يطلق دفعة واحدة‪ ،‬أو طلقة واحدة‪ ،‬وأعد له عقابا شديدا ًفي الطلقة الثالثة‪ ،‬وجعل‬
‫ً‬
‫بين التطليقتين مجاال لتهدئة النفوس وتضميد الجراح الثائرة‪.‬‬
‫مرة تكمن في الحفاظ على حق الرجل في الرجعة‪،‬‬ ‫مرة بعد ّ‬ ‫فتدرج القرآن الكريم في إرشاد الرجل أن يطلق ّ‬ ‫ّ‬
‫وصون كرامة املرأة‪ ،‬وتثبيت أواصر املودة‪ ،‬وتحقيق سالمة النسل‪ ،‬فإن تعدى الزوج هذه الرخصة والفسحة بين‬
‫ً‬
‫التطليقتين أخذ بجريرة نفسه وركب حموقته"‪ ،‬روي أن رجال جاء ابن عباس فقال له‪ :‬إنه طلق امرأته ثالثا‪ ،‬قال‬
‫مجاهد‪ :‬فسكت ابن عباس حتى ظننت أنه رادها إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يطلق أحدهم فيركب الحموقة‪ ،‬يقول‪ :‬يا بن عباس‬
‫َ ْ‬ ‫وإن هللا سبحانه وتعالى‪ :‬يقول َ(و َم ْن َي َّتق َ‬
‫هللا َي ْج َعل له َمخ َر َجا) وإنك لم تتق هللا فلم أجد لك مخرجا‪ ،‬عصيت ربك‬
‫وبانت منك امرأتك"(‪.)27‬‬
‫ّ‬
‫وبالرغم من ذلك لم يشدد هللا سبحانه وتعالى‪ :‬على اإلنسان‪ ،‬فأخذه بين وبين‪ ،‬عله يجد في زوج آخر سكنه‬
‫ّ‬
‫واستمراره‪ ،‬ولعل الطالق عملية بتر تستلزم اإلجراء الجتناب فساد الجسم كله‪ ،‬أو فرقة يعرف فيها الزوج قيمة زوجه‬
‫تقوض؛ ألن ّ الزواج الصحيح يقوم على‬ ‫(تعرف قيمة الش يء عند فقده)‪ ،‬وحري أن يرجعا ويشيدا في زواجهما ما ّ‬
‫حب اللقاء‪.‬‬ ‫تصدع البناء‪ ،‬وركب القلوب غبار العداء‪ ،‬وانتفى من النفوس ّ‬ ‫أساس اإليمان‪ ،‬فإدا استحال هذا الركن ّ‬
‫َ‬ ‫حل َله ْ‬
‫من َب ْعد َح َّتى َت ْن َ‬
‫كح َز ْو َجا غ ْي َره "(‪.)28‬‬ ‫إن َط َّل َق َها َف َال َت ّ‬‫قال تعالى‪َ " :‬ف ْ‬
‫فليتق هللا في‬ ‫بسنة الطالق‪ ،‬وأن من طلق اثنتين ّ‬ ‫فاملراد باآلية كما قال ابن عباس‪ ،‬وغيره " التعريف ّ‬
‫الثالثة"(‪.)29‬‬

‫(‪ )23‬سورة الطالق‪.07 :‬‬


‫(‪ )24‬سورة الطالق‪.04 :‬‬
‫(‪ )25‬بيضون تغاريد‪ ،‬املرأة والحياة االجتماعية في اإلسالم‪ .‬ص‪.125‬‬
‫(‪ )26‬سورة البقرة‪.229 :‬‬
‫(‪ )27‬الجصاص الحنفي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬ص‪.452‬‬
‫(‪ )28‬سورة البقرة‪.230 :‬‬
‫(‪ )29‬الثعالبي عبد الرحمن‪ ،‬الجواهر الحسان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪213‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)129‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫وهذا ما تبين من خالل قوله تعالى‪( :‬فإن طلقها) وهو شرط جازم يعقبه جواب شرط متصل بفاء الجزاء (فال‬
‫تحل له) التي تدل على ال حلية الزوجة بعد الطالق البائن لزوجها األول إال بعد بضعة وقت (من بعد) حين يتم‬
‫طالقها من الزوج اآلخر لتتحقق املراجعة الزوجية برضا الزوجة‪ ،‬وشرط إقامة حدود هللا وتقدير مسؤولية الزواج‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الله‪َ ،‬و َ‬
‫تلك حدود الله َيب ّي َنها لق ْوم َي ْعلمون"(‪.)30‬‬ ‫إن َظ َّنا َأ ْن َ‬
‫يقيما حدود‬ ‫هما َأ ْن َي َت َر َ‬
‫اج َعا ْ‬ ‫َ َ َ َ ََْ َ‬
‫لقوله تعالى‪ " :‬فال جناح علي‬
‫(‪)31‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العدة والنفقة آيتان للصلح‬
‫ً‬ ‫مرتان" ّ‬ ‫إذا كان "الطالق ّ‬
‫يحد من الفرقة بين الزوجين‪ ،‬ويفتح مجاال لتهدئة النفوس‪ ،‬وردع وساوسها‪،‬‬
‫العدة مرحلة أخرى تتقابل فيها كفتا الرجعة والبينونة‪ ،‬وفسحة تتوسط‬ ‫فإن ّ‬‫وتذكيرها بميثاق الزواج الغليظ‪ّ ،‬‬
‫معادلة االتصال واالنفصال‪ ،‬وتصل بينهما‪ ،‬ومرفأ تستقر فيه األنفس وتصطلح‪ ،‬بواسطة حكم تراعى فيه الحكمة‬
‫والرشاد التخاذ القرار الحصيف "فمتى كانا عدلين متجردين عن الهوى فإن رأيهما في إبقاء عالقة الزوجية أو فصمها‬
‫(‪)32‬‬ ‫ً‬
‫واجب التنفيذ‪ ،‬فقد استكشفا الحقيقة واختبر األمر‪ ،‬فحكمها غالبا هو الصواب"‬
‫مصداقا لقوله ّ‬
‫عز ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وجل‪:‬‬ ‫وال يتأسس هذا الصلح إال على قبول ورضا الزوجين بمراجعة العشرة الزوجية‪،‬‬
‫بإح َسان"(‪.)33‬‬ ‫فإم َساك َبم ْعروف َأ ْو َت ْسريح ْ‬ ‫َّ‬
‫"الط َالق َم َّرَتان ْ‬
‫فعبارة (إمساك بمعروف) الواردة في اآلية القرآنية كما يفسر الرازي تدل على وقوع الرجعة بالجماع؛ ألن‬
‫ّ‬
‫اإلمساك على النكاح إنما هو الجماع وتوابعه من اللمس والقبلة ونحوهما‪ ،‬والدليل عليه أن من يحرم عليه جماعها‬
‫فدل ذلك على أن اإلمساك على النكاح مختص بالجماع فيكون الجماع‬ ‫تحريما مؤبدا ال يصلح له عقد النكاح عليها‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫ممسكا لها‪ ،‬وكذلك اللمس والقبلة للشهوة والنظر على الفرج بشهوة"(‪.)34‬‬
‫أما (تسريح بإحسان) فهو إطالق سراح زوجته مع ضمان حقوقها املشروعة لقاء ما حصل عليه من متعة‬
‫َّ‬ ‫هن ْ‬ ‫أج َل َّ‬ ‫َ َ َّ ْ ْ ّ‬
‫الن َس َاء َف َب َل ْغ َن َ‬ ‫ً‬
‫سكوهن‬ ‫فام‬ ‫وتعويضا لكل ضرر ألحقه بزوجته ماديا كان أو معنويا‪ ،‬قال هللا تعالى‪" :‬وإذا طلقتم‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ََ َ‬
‫لك فق ْد ظل َم ن ْف َسه"(‪.)35‬‬ ‫ضر ًارا َلت ْع َتدوا ومن يفعل ذ‬ ‫َّ‬
‫سكوهن َ‬ ‫َ‬ ‫َبم ْعروف َأو َْس ّر َّ‬
‫حوهن َبم ْعروف وال ْتم‬
‫تلك هي القاعدة التي تبنى عليها الحياة الزوجية في القرآن الكريم "فإن محيت آية املعروف ّ‬
‫فدبت النفرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وساءت العشرة واتسع الصدع‪ ،‬وامتنع التوفيق سواء أكان سبيل ذلك الزوج‪ ،‬أم الزوجة‪ ،‬أوهما معا فما خير تلك‬
‫الحياة‪ ،‬وما فضل البقاء عليها؟ وقد جعل هللا الزواج مبعث الود والرحمة‪ ،‬ال سبيل التعس‪ ،‬وبؤس الحياة‪ .‬لذلك‬
‫أبيح الطالق"(‪.)36‬‬

‫(‪ )30‬سورة البقرة‪.230 :‬‬


‫(‪ّ )31‬‬
‫العدة‪ :‬أجل حدده الشرع للمرأة التي حصلت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب من األسباب تمتنع عن التزوج فيه بغير زوجها األول‪ .‬أو‬
‫هي مدة تتربص فيها املرأة ملعرفة براءة رحمها‪ ،‬أو لتفجعها على زوج‪ .‬من الشرح الصغير لعبد الرحمن بن قدامة املقدس ي‪.671/2 ،‬‬
‫أما النفقة فهي قدر الكفاية من اإلطعام‪ ،‬والكسوة‪ ،‬واملسكن‪ ،‬وما يحتاج إليه‪ .‬من" شرائع اإلسالم " للمحقق الحلي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.297‬‬
‫(‪ )32‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬األسرة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫(‪ )33‬سورة البقرة‪229 :‬‬
‫(‪ )34‬الرازي أبو بكر‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬ص‪.460‬‬
‫(‪ )35‬سورة البقرة‪231 :‬‬
‫(‪ )36‬في قضايا املرأة‪ ،‬لجنة من الباحثين‪ ،‬ص‪.236‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)130‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ َ َّ ْ ْ‬
‫فسهن ثالثة قروء‪.‬‬ ‫ص َن بأن‬ ‫وقد قدرت مدة تربص املرأة (العدة) من خالل سياق اآلية القرآنية "واملطلقات يترب‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ َّ ْ َّ ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َ َ ّ َ َّ ْ ْ‬
‫َ ّ َ ّ َّ (‪)37‬‬
‫تهن أحق بردهن" بثالثة أقراء‬ ‫بعول َّ‬ ‫والي ْوم اآلخر و‬‫بالله َ‬ ‫كن يؤمن‬ ‫أن َيك ْتم َن ما خل َق الله في أرحامهن إن‬ ‫وال يحل لهن‬
‫أو ثالث حيض إن كانت من ذوات الحيض‪ ،‬واستبراء الرحم لذوات الحمل‪.‬‬
‫واختلف في املراد بالقروء هنا‪ " ،‬فقال عمر وجماعة كثيرة‪ ،‬املراد بالقرء في اآلية الحيض‪ ،‬وقالت عائشة‪،‬‬
‫ْ‬
‫وجماعة من الصحابة‪ ،‬والتابعين ومن بعدهم املراد هو األطهار وهو قول مالك‪ ،‬واختلف املتأولون في قوله تعالى‪َ " :‬ما‬
‫َْ َ‬ ‫ََ‬
‫مهن" فقال ابن عمر ومجاهد‪ ،‬وغيرهما هو الحيض والحبل فيها‪ ،‬ومعنى النهي عن الكتمان‪ ،‬النهي عن‬ ‫حا َّ‬ ‫خل َق هللا في أر‬
‫وإثباتا"(‪ .)38‬في حين تقدر مدة تربص‬ ‫ً‬ ‫حقها في االرتجاع‪ ،‬فأمرن بالصدق نفيا‬ ‫اإلضرار بالزوج في إلزامه النفقة‪ ،‬وإذهاب ّ‬
‫األمة كما أخرج األئمة األربعة من خالل عموم اآلية السابقة "بقرأين ألنها على النصف من الحرة والقرء ال يتبعض‬
‫فكمل لها القرآن"(‪.)39‬‬
‫ولعل طول مدة التربص املحددة بثالثة قروء أو حيض يدل على "طول زمن املهلة واالختيار"(‪ ،)40‬حتى تفرغ‬
‫يعتد فيه طرفا الزوجية؛ ألن ما شاب الحياة الزوجية‬ ‫العقول وتفكر القلوب وتدبر األبصار‪ ،‬في حوار داخلي وخارجي ّ‬
‫من صراع وعاصفة يحتاج إلى جو من الهدوء والسكينة ملراجعة الوضع واختيار أحد الحلين؛ ّإما اإلمساك واملراجعة‬
‫القائمة على الرضا والصلح (املعروف)‪ ،‬أو التسريح الذي يتبعه اإلحسان وتعويض الضرر ماديا ومعنويا لقاء ما حصل‬
‫إن‬ ‫لك ْ‬ ‫دهن في َذ َ‬ ‫تهن َأ َح ّق َبر َّ‬ ‫وبعول َّ‬ ‫َ‬
‫وتقديرا ملا بذلته املرأة طيلة الحياة الزوجية‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬‬ ‫ً‬ ‫عليه الزوج من متعة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َّ ْ‬ ‫َ‬
‫(‪.)41‬‬
‫هن َد َر َجة َوهللا َعزيز َحكيم "‬ ‫للر َجال َعل ْي َّ‬‫هن بامل ْعروف َو ّ‬ ‫مثل الذي َعل ْي َّ‬ ‫أ َرادوا إصالحا ولهن‬
‫تحل الزوجة فيه لزوجها بعد انقضاء العدة إال بعقد جديد‪ ،‬وبعد نكاحها‬ ‫وإال يكون الطالق البائن الذي ال ّ‬
‫(‪)42‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من َب ْعد َح َّتى ت ْنكح ََز ْوجا غ ْي َره"‪.‬‬ ‫حل َله ْ‬ ‫قها َف َال َت ُ‬‫"فإن َط َّل َ‬ ‫من رجل آخر وطالقهما منه‪ ،‬قال تعالى‪ْ :‬‬
‫وإذا كان ضرر املرأة واقعا بالطالق فهو في تطليقها حال الحيض أشد وقعا؛ ذلك ألن في هذه الحالة تكون‬
‫(‪)43‬‬
‫الزوجة "راغبة تائقة إذا كان أصل املحبة ثابتا‪" .‬‬
‫ً‬
‫فضال عن أن وقوع الطالق في هذه الحال باعث على طول العدة‪ ،‬وبالتالي نفور الزوجة وتضررها‪ .‬فالطالق‬
‫زمن طهر الزوجة بعد الجماع هو قرينة يقين من نوع العدة (القرء أو الحمل)‪.‬‬
‫" إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة‪ ،‬حيث إن الحيضة التي طلقت فيها ال تحسب من العدة‪ ،‬وإذا‬
‫طاهرا بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه ال يعلم هل حملت من هذا الجماع‪ ،‬فتعتد‬ ‫ً‬ ‫طلقت‬
‫بالحمل‪ ،‬أو لم تحمل فتعتد بالقرء‪ ،‬فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطالق حتى يتبين األمر ومعنى في‬
‫َ‬
‫ذلك هو تضررها بطول مدة التربص‪ ،‬فإن زمن الحيض والنفاس لو طلقت فيه ال يحسب من العدة(‪ )44‬قال تعالى‪" :‬يا‬
‫َّ‬
‫رج َن إال‬ ‫بيوتهن َوال َي ْخ ْ‬
‫َّ‬ ‫من‬ ‫رجوهن ْ‬‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫العدة َو َّاتقوا الل َه َرَّبكم ْال َتخ‬
‫واحصوا َّ‬ ‫تهن ْ‬ ‫لعد َّ‬‫قوهن َّ‬‫الن َساء ََف َط ّل َّ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ َ َ َ َّ‬
‫الن ّبي إذا طل ْقتم‬ ‫أيها‬
‫َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مبينة وتلك حدود الله ومن َيت َعد َّحدود هللا فقد ْظلم َنف َسه ال تدري ل َع َّل هللا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َأ ْن َيأتين بفاحشة َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يحدث بعد ذلك أمرا‬

‫(‪ )37‬سورة البقرة‪.228 :‬‬


‫(‪ )38‬الثعالبي عبد الرحمن‪ ،‬م س ص‪212 .‬‬
‫(‪ )39‬ابن كثير الحافظ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫(‪ )40‬الصابوني محمد علي‪ ،‬صفوة التفاسير‪ ،‬ص‪.382‬‬
‫(‪ )41‬سورة البقرة‪.228 :‬‬
‫(‪ )42‬سورة البقرة‪230 . :‬‬
‫(‪ )43‬طبارة عفيف عبد الفتاح‪ ،‬روح الدين‪ ،‬ص‪.381‬‬
‫(‪ )44‬مربوينجر محمود نور الدين‪ ،‬الحيض والنفاس‪ ،‬ص‪.70‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)131‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫ثم يطلق بعد‬ ‫العدة مضارة للزوجة‪ ،‬وأن يراجعها قرب انقضاء األجل ّ‬ ‫"(‪ ،)45‬فالخطاب هنا فيه نهي الرجل أن يطيل ّ‬
‫ّ‬
‫اجعوهن‬ ‫ّ‬
‫امسكوهن) ر‬ ‫أجلهن" قاربن؛ ألنه بعد بلوغ األجل ال خيار له في اإلمساك‪ ،‬ومعنى(‬ ‫ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فمعنى "وبلغن‬
‫(‪)46‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫و(بمعروف) قيل هو اإلشهاد‪ ،‬و( ال تمسكوهن ) أي ال تراجعوهن( ضرار )" ‪.‬‬
‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بائنا يقع بالدخول وغيره‪ ،‬ويحفظ حقوق املرأة عند اكتمال‬ ‫إن الطالق في القرآن الكريم سواء كان ُرجعيا أم‬
‫النس َاء‬ ‫وإذا َط َّل ْقتم َّ‬ ‫َ‬
‫عدتها في املسكن واملبيت ما لم تأت بفاحشة‪ ،‬وذلك ابتغاء الصلح بين الطرفين لقوله تعالى‪" :‬‬
‫َّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ََ‬
‫حوهن َبم ْعروف وال ْتمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم‬
‫َ‬ ‫سكوهن َبم ْعروف َأ ْو َس ّر َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََ ْ َ َ َ َ ّ َ‬
‫هن ف ْام‬ ‫فبلغن أجل‬
‫َ‬
‫ن ْف َسه"(‪.)47‬‬
‫ففي إحسان الزوج إلى من كانت زوجته عن طريق اإلنفاق عليها بإتيان أجورها وكسوتها بالرضا واملعروف‬
‫تدل على حرص القرآن الكريم على إثمار التواصل بين الزوجين حال فصلهما لعرى الزوجية‪ ،‬وزرع الطمأنينة‬ ‫حكمة ّ‬
‫والسكن الذي غاب في رباط الزوجية من جديد حتى تصفى القلوب‪ ،‬ويأنس األبناء‪ ،‬وتقوم دعامة الكون في املودة‬
‫مم َا َآتاه ُ‬
‫هللا‬ ‫فق ّ‬ ‫قدر َع َل ْيه ر ْز ُقه َف ْل ْين ْ‬
‫من َس َعته َو َم ْن َ‬ ‫فق ذو َس َعة ْ‬ ‫لين ْ‬ ‫والتعارف الذي خلق اإلنسان ألجله‪ ،‬قال تعالى‪ْ " :‬‬
‫هن‬ ‫كس َو ُت َّ‬
‫هن َو ْ‬ ‫يس َرا"(‪ ،)48‬وقال أيضا‪"َ :‬و َع َلى املَ ْولود َله ر ْز ُق َّ‬ ‫عسر ْ‬ ‫هللا َب ْع َد ْ‬ ‫إال َما َأ َت َاها َس َي ْج َع ُل ُ‬
‫َ ْ ً َّ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫ال يكلف هللا ُنفسا‬
‫َّ َ‬
‫عوهن َعلى‬ ‫وجل‪َ " :‬و َم ّت‬ ‫عز ّ‬ ‫لدها َو َال َم ْو ُلود َبو َلده"(‪ ،)49‬كما قال ّ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫بامل ْعروف ال تكلف ن ْفس إال وسعها ال تضار والدة بو‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫َ (‪)50‬‬
‫املحسنين"َ‬ ‫اعا باملَ ْعروف َح ّقا َع َلى ْ‬ ‫املُوسع َق ْدره َو َع َلى ْ‬
‫املقتر َق ْدره َم َت َ‬
‫هذا عن املطلقة‪ ،‬أما املرأة املتوفى عنها زوجها (األرملة) فتقدير عدتها أربعة أشهر وعشر مصداقا لقوله تعالى‪:‬‬
‫فيما‬ ‫هن َف َال َجناح ََع َل ْيكم َ‬ ‫وع ْشرا فإذا َب َل ْغن ََأ َج َل َّ‬
‫فسهن َأ ْرَب َع َة َأ ْشهر َ‬
‫َّ‬ ‫َ ّ َ َ َ َّ ْ َن ْ َ َ َ َ َ ْ َو َ َ َ َّ ْ َ ْ‬
‫ص َن بأن‬ ‫" والذين يتوفو منكم ْويذرون أز اجا يترب‬
‫ْ َ َ ْ َ َن َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫فسهن بامل ْعروف والله بما تعملو خبير" ‪.‬‬
‫(‪)51‬‬
‫ف َعل َن في أن‬
‫تنم على إعجاز القرآن الكريم ووسطيته في تعامله مع الزوجين‪،‬‬ ‫ففي عدة املرأة املتوفى عنها زوجها حكمة ّ‬
‫وحفظ مودة املرأة لزوجها‪ ،‬وتقدير مسؤولية الزواج إن هي تصرفت في حياتها وتزوجت مرة ثانية‪ ،‬وفي كال الحالتين‬
‫ألن في تربصها تجمع عواطفها؛ لتتأكد من استعدادها ألداء واجب الزواج وقائمة السكن‬ ‫تحفظ قدسية الزواج؛ ّ‬
‫واملودة‪.‬‬
‫بالعدة والنفقة؛ فلم يرسل الطالق مرةّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومنه‪ ،‬نجد أن القرآن الكريم تدرج وتوسط في األحكام املتعلقة‬
‫يضر بالطرفين‪ ،‬كما لم يطلق مقدار النفقة فجعله على قدر سعة‬ ‫واحدة‪ ،‬ولم يطل الفسحة بين التطليقتين حتى ال ّ‬
‫تفرق‬ ‫الزوج‪ ،‬حتى يستطيع أن يؤدي واجب قوامته‪ ،‬ويضمن راحة واستقرار أبنائه وإحساسهم بالدفء العائلي وإن ّ‬
‫الزوجان‪.‬‬

‫(‪ )45‬سورة الطالق‪.01 :‬‬


‫(‪ )46‬الثعالبي عبد الرحمن‪ ،‬م س ص ‪.216‬‬
‫(‪ )47‬سورة البقرة‪.231 :‬‬
‫(‪ )48‬سورة األحزاب‪07 :‬‬
‫(‪ )49‬سورة البقرة‪233 :‬‬
‫(‪ )50‬سورة البقرة‪235 :‬‬
‫(‪ )51‬سورة البقرة‪234 :‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)132‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬إعجاز القرآن الكريم في عالجه لظاهرة النشوز‪:‬‬


‫ألن العشرة الزوجية قد تشوبها سوءات وعيوب سواء من جهة الزوجة أم الزوج يضطر الزوج في بعض‬
‫الحاالت إلى هجران زوجته عندما تزداد ضغوطات األسباب املنفرة‪ ،‬كما تضطر الزوجة إلى النفور من زوجها‪ .‬وحتى‬
‫يحد اإلسالم من أسباب إيقاع الطالق سعى إلى معالجة هذا النفور أو النشوز بين الزوجين بأحكام وسطية تحاور‬ ‫ّ‬
‫الطرفين‪ ،‬وتدعو إلى تحكيم العقل والقلب معا تحت بناء واحد وهو ثنائية السكن واملودة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬نشوز الرجل‬


‫يأخذ نشوز الرجل من زوجته عدة أشكال تؤثر في نفسية املرأة سلبا‪ ،‬كأن يحلف على عدم مباشرة زوجته‬
‫وجماعها باسم اإليالء(‪ )52‬الذي يختلف املفسرون في تعريفه‪ ،‬وإن كان يأخذ معنى الحلف على الزوجة بترك الجماع‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول الطبري‪" :‬اختالفهم في هذا من اختالفهم في تعريف اإليالء‪ ،‬فمن خصه بترك الجماع قال ال‬
‫يفيء إال بفعل الجماع ومن قال اإليالء الحلف على ترك كالم املرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم‬
‫يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه ال يفعله"(‪ .)53‬على أال يعد الزواج موليا إن حلف على أقل من‬
‫أربعة أشهر عند جمهور العلماء لقوله تعالى‪ " :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر"(‪.)54‬‬
‫ً‬
‫ونفاذ اإليالء في القرآن الكريم يشترط "أن يكون الزوج أهال إليقاع الطالق‪ ،‬وأن تكون املرأة محال للطالق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رجعيا كان موليا ًوعلى هذا ال يصح اإليالء‬ ‫فمن آلى من مطلقته ً طالقا بائنا لم يتحقق منه اإليالء‪ ،‬فإن كانت مطلقة‬
‫ً‬
‫طالقا ً‬
‫بائنا‬ ‫من الصبي واملجنون‪ ،‬ألنهما ليسا من أهل إيقاع الطالق‪ ،‬كما ال يصح إيالء الزوج من زوجته التي طلقها‬
‫"(‪.)55‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويرتبط أيضا بضرورة وحاجة ّ‬
‫"عالجا نافعا في بعض الحاالت للزوجة الشامسة‬ ‫ماسة دعت إليه كأن يكون‬
‫ً‬
‫املستكبرة املختالة بفتنتها على إغراء الرجل وإذالله أو إعانته‪ ،‬كما يكون فرصة للتنفيس عن عارض سأم‪ ،‬أو ثورة‬
‫غضب تعود بعده الحياة أنشط وأقوى"(‪.)56‬‬
‫َّ َ‬ ‫فإن َفاءوا َّ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َّ َ ْ َن ْ َ ْ َ‬
‫وإن َع َزموا الطال َق‬
‫هللا غفور َ حيم‪ْ ،‬‬
‫ر‬ ‫فإن َ‬ ‫أشهر ْ‬ ‫ائهم ت َرّبص أربعة‬ ‫قال تعالى‪ " :‬للذين يؤلو من نس‬
‫فإن َ‬
‫هللا َسميع َعليم"(‪.)57‬‬ ‫َّ‬
‫فالخطاب في هذه اآلية الكريمة موجه لألزواج الذين يهتمون بمسألة اإليالء‪ ،‬ويقضون بها بأن يجعلوا له‬
‫مدة أربعة أشهر عدة للزوج يكون فيها اختيار الرجعة أو العزم على الطالق؛ ألن هذه املدة "أكرم للزوجة وأعف‬
‫وأصون‪ ،‬وأروح للزوج كذلك وأجدى‪ ،‬وأقرب إلى العدل والحد في هذه العالقة التي أراد هللا بها امتداد الحياة ال‬
‫تجسيد الحياة "(‪.)58‬‬

‫(‪ )52‬اإليالء‪ :‬في اللغة الحلف‪ ،‬وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن يطأ زوجته وهو محرم‪ ،‬ألنه يمين على ترك واجب‪ .‬من "نيل‬
‫األوطار"‪ ،‬كتاب اإليالء‪ ،‬ملحمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬
‫(‪ )53‬محمد بن علي بن محمد الشوكاني‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )54‬سورة البقرة‪.226 :‬‬
‫(‪ )55‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬الزواج والطالق في اإلسالم‪ ،‬ص‪.416‬‬
‫(‪ )56‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫(‪ )57‬سورة البقرة‪.26 :‬‬
‫(‪ )58‬سيد قطب‪ ،‬مس ص ‪.358‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)133‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫وإذا كان اإليالء حلفا يقع على املرأة املطلقة طالقا رجعيا‪ ،‬كما يقع على املرأة غير املطلقة باتفاق العلماء‬
‫فمس الرجل لزوجته أيام التربص يبطل‬ ‫ّ‬ ‫عدا املعتدة من طالق بائن‪ ،‬فإنه ال تكفي عدة أربعة أشهر لنفاذ اإليالء‪،‬‬
‫اإليالء‪ ،‬ويوجب على الزوج كفارة اليمين(‪ )59‬فقد جاء "إن لألزواج الذين يحلفون على ترك قربان زوجاتهم أن ينتظروا‬
‫أربعة أشهر فإن فاءوا وعادوا إلى االتصال بزوجاتهم قبل مض ي املدة فعودهم هذا يكون توبة منهم عن الذنب الذي‬
‫اقترفوه في حق زوجاتهم‪ ،‬فاهلل يغفر لهم بالكفارة عنه‪ ،‬أما أصر األزواج على تنفيذ يمينهم واستمروا على هجر‬
‫زوجاتهم فلم يقربوهن حتى مضت املدة املذكورة (أربعة أشهر) فإن ذلك يكون منهم إصرار على الطالق فيكون‬
‫إيالؤهم طالقا"(‪.)60‬‬
‫لتعتد الزوجة املولى منها كما ذهب الجمهور" كسائر املطلقات ألنها مطلقة"(‪.)61‬‬
‫ومنه لم يطلق القرآن الكريم حبل اإليالء للزوج‪ ،‬بل بين له حكما مغايرا ملا كان في الجاهلية من تحريم‬
‫الزوج زوجته عليه تحريما مؤبدا يؤذيها به يضرها‪ ،‬وقيده بضرورة ملحة تستدعي حل الرباط الشرعي وتستحيل معها‬
‫الحياة الزوجية وأوضح أن حكم من لم يرجع عن يمينه ويعود إلى زوجته اإلثم في اآلخرة والحكم بالطالق أو‬
‫االنفصال في الدنيا‪.‬‬
‫كما يقع نشوز الزوج عن طريق الظهار الذي أنكره اإلسالم واعتبره يمينا مكفرة رحمة من هللا تعالى‪ ، :‬بعد‬
‫الالئي َت َّظ َاه َ‬
‫رون ْمن ْهم َّأم َه ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ََْ َ ْ َ‬
‫اتكم"(‪.)62‬‬ ‫ما كان طالقا في الجاهلية مصداقا لقوله تعالى‪" :‬وما جعل أزواجكم‬
‫ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫عرف ابن عرفة رحمه هللا الظهار بأ نه "تشبيه زوج زوجته ذي أمة حل وطؤه إياها بمحرم منه أو بظهر‬
‫أجنبية في تمتعه بهما والجزء كالكل واملعلق كالحاصل"(‪.)63‬‬
‫والظهار واقع على الزوجة املدخول بها أو غير املدخول بها‪ ،‬وال تحل الزوجة املظاهر منها لزوجها حتى يؤدي‬
‫كفارة حددها القرآن الكريم بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين‪ ،‬أو إطعام ستين مسكينا كغاية امتد إليها‬
‫إن َ‬
‫هللا‬ ‫اوركما َّ‬‫تح َ‬ ‫جها َوت ْش َتكي َإلى هللا َو ُ‬
‫هللا َي ْس َمع َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ ّ َ ُ‬
‫ادل َك في َز ْو َ‬ ‫تحريم القول‪ .‬قال هللا تعالى‪ " :‬قد سمع الله َقول التي تج‬
‫َسميع َبصير"(‪.)64‬‬
‫حيث روى أن خولة بنت دليج ظاهر منها زوجها‪ ،‬فأتت النبي صلى هللا عليه وسلم فسألته كذلك فقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬قد حرمت عليه‪ ،‬فرفعت رأسها إلي السماء‪ ،‬فقالت إلى هللا أشكو حاجتي إليه‪،‬‬
‫وعائشة تغسل شق رأسه األيمن‪ ،‬ثم تحولت إلى الشق اآلخر‪ ،‬وقد نزل عليه الوحي‪ ،‬فذهبت أن تعيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫عائشة‪ ،‬اسكتي‪ ،‬فإنه قد نزل الوحي‪ ،‬فلما نزل القرآن‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لزوجها‪ :‬اعتق رقبة‪ ،‬قال‪،‬‬
‫ال أحد‪ .‬قال صم شهرين متتابعين‪ ،‬قال‪ :‬إن لم آكل في اليوم ثالث مرات خفت أن يعشو بصري‪ ،‬قال‪ :‬فأطعم ستين‬
‫مسكينا‪ ،‬قال‪ :‬فأعني‪ ،‬فأعانه (بش يء)(‪.)65‬‬
‫إن‬ ‫هن َّأم َه ُات ْهم ْ‬‫ائهم َما َّ‬
‫نس ْ‬ ‫ْمن َ‬ ‫منكم ْ‬ ‫رون ْ‬‫الذين َي َظ َاه َ‬
‫َ‬ ‫و اختلف الفقهاء في معنى العود الوارد في قوله تعالى‪" :‬‬
‫َ‬
‫الق ْول َو ُزورا وإن هللا لغفور َرحيم‪ ،‬والذين يظاهرون َمن نس ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن ُ ْ ً َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َّ َ‬
‫ائهم َّ‬
‫ثم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هاتهم إال الالئي َول ْد َن ْهم َو َّإن ُه ْم ل َيقولو منكرا من‬ ‫أم‬

‫(‪ )59‬كفارة اليمين‪ :‬إذا فاء الزوج أي رجع عما حلف على ترك وطء زوجته‪ ،‬سواء كان فيؤه قبل األربعة أشهر أم بعدها؛ ّ‬
‫ألن اإليالء يمين‪.‬‬
‫(‪ )60‬أبو العينين بدران‪ ،‬الزواج والطالق في اإلسالم‪ ،‬ص‪.417‬‬
‫(‪ )61‬أحمد محمد عساف‪ ،‬األحكام الفقهية في املذاهب األربعة‪ ،‬ص‪.397‬‬
‫(‪ )62‬سورة األحزاب‪.04 :‬‬
‫(‪ )63‬جبير محمود الفضيالت‪ ،‬أحكام الظهار‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )64‬سورة املجادلة‪.01 :‬‬
‫(‪ )65‬الجصاص‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ ،513‬مصدر الحديث الشريف‪ :‬دخيرة الحفاظ‪ ،‬املحدث‪ :‬ابن القيسراني‪ ،‬الصفحة والرقم‪.2/638 :‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)134‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫صيام‬‫جد َف َّ‬ ‫وعظو َن به َوهللا َبما َت ْع َملو َن َخبير‪َ ،‬ف َم ْن َل ْم َي ْ‬ ‫اسا َذ ْ‬


‫لكم ُت َ‬ ‫من َق ْبل َأ ْن َي َت َم َ‬‫رير َر َق َبة ْ‬
‫عودو َن ملَا َقالوا َف َت ْح ُ‬ ‫َي ُ‬
‫صيام َش ْه َرْين ُم َت َت َ‬
‫ابع ْين‬ ‫جد َف َّ‬‫هللا َبما َت ْع َملو َن َخبير‪َ ،‬ف َم ْن َل ْم َي ْ‬
‫توع ُظو َن به َو ُ‬
‫لكم َ‬ ‫اسا َذ ْ‬ ‫من َق ْبل ْ‬
‫أن َي َت َم َ‬ ‫بعين ْ‬ ‫مت َتا َ‬
‫َش ْه َرْين َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َْ ْ ََ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ْ‬
‫للكا َ‬
‫فرين‬ ‫لك لتؤمنوا باهلل َورسوله َوتل َك حدود هللا و‬ ‫طع فإط َعام ستين مسكينا ذ‬ ‫من قبل أن يتماسا فمن لم يست‬
‫(‪)66‬‬ ‫َ َ‬
‫عذاب أليم"‪.‬‬
‫من‬‫رير َر َق َبة ْ‬ ‫فمنهم من قال "الوطء فإذا حنث فعليه الكفارة وهذا تأويل مخالف ألن هللا تعالى‪ :‬قال َ(ف َت ْح ُ‬
‫اسا)‪ ،‬وقد روى سفيان عن أبن أبي نجيح عن طاوس قال‪ ،‬إذا تكلم بالظاهر لزمه‪ ،‬وروى عن ابن عباس‬ ‫َق ْبل َأ ْن َي َت َم َّ‬
‫أنه إذا قال أنت علي كظهر أمي لم تحل له حتى يكفر‪ ،‬وروى عن ابن شهاب وقتادة إذا أراد جماعها لم يقر بها حتى‬
‫يكفر"(‪.)67‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬نشوز املرأة‪:‬‬


‫ّ‬
‫إذا كان القرآن الكريم قد رخص للرجل حق فسخ العالقة الزوجية لعيب من العيوب‪ ،‬فإن املرأة باعتبارها‬
‫طرفا أساسيا في عقد الزواج‪ ،‬لها الحق في طلب الطالق من زوجها‪ .‬هذا الحق الذي يسمى النشوز أو الخلع يقول‬
‫الدكتور عبد الناصر العطار‪ " :‬ومسلك الشريعة اإلسالمية في جعل الطالق بيد الزوج ال بيد القاض ي‪ ،‬في األصل‪،‬‬
‫أصح نظرا أو أولى بالعمل به لصالح املرأة ولصالح الرجل واألسرة‪ ،‬ذلك أن مفتاح بقاء الحياة الزوجية يجب أن يكون‬
‫بيد الزوج في األصل باعتباره هو الذي أنشأ األسرة وهو القيم عليها واملسؤول األول عنها‪ ،‬واملتكفل باإلنفاق عليها‪ ،‬فإذا‬
‫طلق فال يستساغ أن نفرض عليه زوجة ال يقبل التعاون معها‪ ،‬وبالتالي ال يتحقق في األسرة السكن واملودة والرحمة‪،‬‬
‫إذا أجبر القاض ي الزوج الكاره على أن يستمر في الحياة الزوجية‪ ،‬وسنرى أن الزوجة الكارهة ال تجبر كذلك على‬
‫االستمرار في الحياة الزوجية‪ ،‬وبهذا عدلت الشريعة اإلسالمية بينهما "(‪.)68‬‬
‫ولعل من بين األسباب التي تدفع املرأة إلى النشوز ما جاء في الشرح الكبير بما نصه " وجملة األمر أن املرأة‬
‫إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخشيت أن ال تؤدي حق هللا في طاعته جاز لها‬
‫أن تخالعه بعوض تفتدي نفسها منه "(‪.)69‬‬
‫واإلسالم ال يرخص للمرأة حق الخلع إال بناء على طرق إصالحية تدريجية تعني باستبقاء العالقة الزوجية‪،‬‬
‫هن‬ ‫إن َأ َط ْع َن ْ‬
‫كم َف َال َت ْب ُغوا َع َل َي َّ‬ ‫وهن َف ْ‬ ‫ضاجع َو ْ‬
‫اض ُرب َّ‬ ‫وه َّن في املَ َ‬
‫عظوهن َو ْاه ُج ُر ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ ُ ُ َ‬
‫قال هللا تعالى‪" :‬والالتي تخافون نشوز ُه َّن ف‬
‫ّ‬ ‫ْ َْ َ َْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ ًّ َ َ َ ْ ْ ْ َ‬
‫شق َ‬
‫إصال ًحا َيوفق‬ ‫من أ ْهله َو َحكما من أهلها أن يريدا‬ ‫اق َب ْي َن ُه َما ف ْاب َعثوا َحكما‬ ‫سبيال إن هللا كان عليا كبيرا‪ ،‬وإن خفتم‬
‫ليما َخ َ‬
‫بيرا "(‪.)70‬‬ ‫ان َع ً‬‫هللا َك َ‬
‫إن َ‬ ‫هللا َب ْي َن َهما َّ‬
‫فالخطاب هنا موجه إلى أولياء األمر (الرجال) الذين تتوفر فيهم القدرة على اإلصالح بأسلوب تدريجي يبدأ‬
‫بالعظة كمرحلة معنوية لتجنيد نفس ي الزوجين‪ ،‬ثم مرحلة الهجران كعقوبة نفسية تمس املرأة في الصميم ال على أنها‬
‫حرمان من لذة الجسد لبضعة أيام أو أسابيع " فاملرأة تعلم أنها ضعيفة إلى جانب الرجل‪ ،‬ولكنها ال تأس ى لذلك ما‬
‫علمت أنها فاتنة له‪ ،‬وأنه غالبته بفتنتها‪ ،‬وقادرة على تعويض ضعفها بما تبعثه فيه من شوق إليها ورغبة فيها "(‪.)71‬‬

‫(‪ )66‬سورة املجادلة‪.04 -02 :‬‬


‫(‪ )67‬الجصاص‪ ،‬نفسه ص ‪.516‬‬
‫(‪ )68‬عماد محمد عمارة يس‪ ،‬حركة تحرير املرأة في ميزان اإلسالم‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫(‪ )69‬عبد العزيز باز‪ ،‬مجموعة ثالث رسائل‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫(‪ )70‬سورة النساء‪.35 -34 :‬‬
‫(‪ )71‬العقاد عباس محمود‪ ،‬الفلسفة القرآنية‪ ،‬ص ‪.68 ،69‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)135‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫وأخيرا مرحلة الضرب إذا خاب رجاء الزوج في الصلح على أن يكون الضرب غير مبرح وال شائنا وذلك تأديبا‬ ‫ً‬
‫للزوجة الناشز‪ ،‬وصونا لكرامتها من الهون والظلم " والتأديب هنا ال يعد انتقاصا من حق املرأة بل حفاظا عليها في‬
‫أسرتها وحتى ال تكون أبسط األسباب سببا في الفراق استجابة لطلب املرأة التي قد يصدر كالمها في حاالت انفعالية‪،‬‬
‫بينما الرجل الذي أنفق وعليه الجهاز وكل املسائل من مهر وسواه سيتريث حكما على األقل من الناحية املصلحية‬
‫(‪.)72‬‬
‫"‬
‫فمشروعية ضرب النساء كما يرى صاحب تفسير املنار " ليست باألمر املستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج‬
‫إلى التأويل‪ ،‬فهو أمر يحتاج إليه في حال فساد البيئة وغلبة األخالق الفاسدة‪ ،‬وإنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع املرأة‬
‫عن نشوزها يتوقف عليه "(‪.)73‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫سكوهن َ‬
‫ضرارا‬ ‫وهذا الجتناب قدر املمكن ما ينتج عن الطالق من ضرر وضرار مصداقا لقوله تعالى‪"َ :‬وال ْتم‬
‫الكتاب‬‫ْمن َ‬ ‫الله َو َما َأ ْنزل َع َل ْيكم َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ََ َ‬
‫لك فق ْد ظلم َن ْف َسه َوال ت َّتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة‬ ‫لتعتدوا ومن يفعل ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫والحك َمة َيعظكم ْبه واتقوا الله َواعلموا أن هللا ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بكل ش ْيء عليم " ‪ .‬وقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في صحيح‬ ‫(‪)74‬‬

‫النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة هللا واستحللتم فروجهن بكلمة هللا ولكم عليهن أال يوطئن‬ ‫هللا في َّ‬ ‫اتقوا َ‬ ‫مسلم‪ُ " : -‬‬
‫ً‬ ‫فعلن ذلك ْ‬ ‫ْ‬
‫(‪)75‬‬ ‫غير ّ‬
‫مبرح "‪.‬‬ ‫ضربا َ‬ ‫فاضربوهن‬ ‫تكر ُهونه‪ ،‬فإن‬
‫فرشكم أحدا َ‬
‫هذه األمور الثالثة املتمثلة في املوعظة والهجران والضرب ينبغي أن يتدرج فيها‪ ،‬قال هللا تعالى‪"َ :‬فإن َْأ َط ْع َن ْ‬
‫كم‬
‫هن َسبيال"(‪ ،)76‬أي " فأزيلوا عنهم التعرض باألذى والتوبيخ والتجني وتوبوا عليهن واجعلوا ما كان منهن‬ ‫َف َال َت ْب ُغ ْوا َع ْلي َ‬
‫كأن لم يكن بعد رجوعهن إلى الطاعة واالنقياد وترك النشوز"(‪.)77‬‬
‫أن تدريجية القرآن الكريم في التعامل مع املرأة تستوفي مرحلة أخرى للصلح عن طريق بعث حكم‬ ‫فضال عن ّ‬
‫ْ َْ ْ ْ َ‬
‫صال َحا)‪ ،‬إال إذا وقع الخوف من أن ال يقيما‬ ‫رشيد من أهل الزوجين على أساس التراض ي بين الزوجين (إن يريدا إ‬
‫حدود هللا ويطيعاه إن استمرت الحياة الزوجية بينهما‪ ،‬فاستخفاف املرأة بحق زوجها وعدم طاعتها له تجاوز لحدود‬
‫هللا‪ ،‬روى البخاري عن ابن عباس‪ ،‬أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى هللا عليه وسلم فقالت‪َ " :‬يا َرسو َل هللا‬
‫َ ّ َْ ُ َْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلسالم"‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ثابت ْبن ق ْيس َما أ ْع َتب َعل ْيه ْفي خلق وال دين‪ ،‬ولكني أكره الكفر على‬
‫ْ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ً‬
‫الحديقة ََوطل ْق َها تطليقة"(‪.)78‬‬ ‫"اقبل‬
‫ويحل محل الخلع ما يسمى في الشريعة (املبارأة)(‪ )79‬وهو تنازل الزوجة عن صداقها مقابل طالقها إذا‬
‫شر ُ‬ ‫َ َ‬
‫وه ُّن‬ ‫عا ُ‬ ‫الحظت في زوجها إهمال واجباته الزوجية واإلضرار بها؛ ألن الزواج عشرة باملعروف‪ ،‬قال تعالى‪" :‬و‬
‫َ‬
‫بامل ْع ُروف"‪ ،‬لذا من حق الزوجة "أن تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها‪ ،‬وقد عرف الفقهاء املباراة بأنها فراق الرجل‬

‫(‪ )72‬رشيد رضا محمد‪ ،‬حقوق النساء في اإلسالم‪ ،‬ص‪.167‬‬


‫(‪ )73‬عمارة محمد‪ ،‬األعمال الكاملة ملحمد عبده‪ ،‬ص‪.210‬‬
‫(‪ )74‬سورة البقرة‪.231 :‬‬
‫(‪ )75‬الراوي‪ :‬جابر بن عبد هللا‪ ،‬املحدث‪ :‬ابن جرير الطبري‪ ،‬املصدر‪ :‬تفسير الطبري‪ ،‬الصفحة والرقم‪.3/2/ 392 :‬‬
‫(‪ )76‬سورة النساء‪.34 :‬‬
‫(‪ )77‬البيضاوي‪ ،‬تفسير البيضاوي‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫(‪ )78‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب الخلع‪ .‬الصفحة أو الرقم‪.5273 :‬‬
‫(‪ )79‬املبارأة‪" :‬لفظ املبارأة بالهمزة‪ ،‬وقد تقاب ألفا‪ ،‬وأصلها املفارقة"‪ .‬أنظر في كتاب "كفاية األحكام" للسبزاري‪ ،‬ج‪ ،2‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1 ،1423‬ه‪ ،‬ص‪.378‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هي أن تبرئه املرأة من حقوقها عليه ليخلي سبيلها‪ ،‬فيطلقها على هذا الشرط تطليقة واحدة في طهر بمحضر من رجلين مؤمنين‬
‫عدلين"‪ ،‬انظر في كتاب "أحكام النساء"‪ ،‬للمفيد‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬كنكرة جهاني هزاره‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.45‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)136‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫زوجته ببدل يحصل عليه‪ .‬ثم قال ابن تيمية‪ " :‬وهللا سبحانه لم يعين للفدية لفظ معين وطالق الفداء طالق مقيد‬
‫(‪)80‬‬
‫وال يدخل تحت أحكام الطالق املطلق‪ ،‬كما ال يدخل تحتها ثبوت الرجعة واالعتداد بثالثة قروء بالنسبة الثابتة"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالنشوز يعني االرتفاع على فطرة الزوجة وطبيعة تعاملها‪ ،‬ألنها "ترفعت على زوجها‪ ،‬وحاولت أن‬
‫تكون فوق رئيسها بل ترفعت أيضا عن طبيعتها وما يقتضيه نظام الفطرة في التعامل‪ ،‬فتكون كالناشز من األرض‬
‫الذي خرج عن االستواء"(‪.)81‬‬
‫ويعني أيضا أن القرآن الكريم ساوى بين املرأة والرجل في حق االنفصال‪ ،‬فجعل للرجل الطالق للخالص‪،‬‬
‫ً‬
‫وأعطى للمرأة رخصة الخلع للراحة درءا للمقت والضرر "فإذا كان الطالق حق الرجل للخالص من هذا الوضع‬
‫فالخلع حق املرأة للراحة منه وليس ألحد أن يكره املرأة‪ ،‬على البقاء في بيت مقتت صاحبه وأحست الضرر‬
‫بجواره"(‪.)82‬‬
‫نص القرآن الكريم على إبقاء الحياة الزوجية‪ ،‬وتقييد فرص االفتراق من الطرفين (الزوج والزوجة)‬ ‫وهكذا ّ‬
‫إال إذا استحال الصلح واتسعت الجفوة‪ ،‬وحصل الخلع الذي يكفي عدة حيضة واحدة للمختلعة كما حددتها‬
‫الشريعة اإلسالمية لبراءة رحمها من الحمل (االستبراء) على أساس عدم وجود رجعة بين الزوجين‪.‬‬
‫ولو أن الزوجة في األصل مطالبة بطاعة زوجها‪ ،‬ولحرص اإلسالم على أن يكون الزواج مبنيا على املودة‬
‫والتراض ي وااللتئام‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعالى‪ " :‬ملا شاء أن يسند النشوز إلى النساء إسنادا يدل على أن من شأنه أال‬
‫يقع‪ ،‬ففي هذا التعبير تنبيه لطيف إلى مكانة املرأة وما هو أولى في شأنها وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها‬
‫وحسن التلطف في معاملتها "(‪.)83‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تعدد الزوجات‬


‫ّ‬
‫لقد رخص هللا سبحانه وتعالى‪ :‬للرجل حال تفاقم النشوز بينه وبين زوجته سيما إذا نتج عن زواجهما أبناء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الي َتا َمى َف ْان ُ‬
‫خفتم َّْأال ْتقسطوا في َ‬
‫ْمن الن َساء َمث َنى وثالث‬ ‫اب لكم‬ ‫كحوا ما ط‬ ‫"وإن ْ‬ ‫تعدد الزوجات من خالل قوله تعالى‪ْ :‬‬
‫يحد من الطالق‪،‬‬ ‫لك َأ ْد َنى َّأال َت ُعولوا"(‪ ،)84‬ليكون حال وسطا ّ‬ ‫خفتم َّْأال َت ْعدلوا َف َ‬
‫واحدة ْأو َما َم َلك ْت ْأي َم ُان ُك ْم َذ َ‬ ‫ُور َباع ْ‬
‫فإن ْ‬
‫ويحافظ على رباط الزواج من االندثار شرط العدل بين الزوجات حتى ال يهرب من الطالق إلى الطالق‪.‬‬
‫ذلكم ما يدل على إعجاز القرآن الكريم في عالجه لظاهرة النشوز‪.‬‬

‫خاتمة الدراسة‪:‬‬
‫من النتائج التي توصلت إليها‪:‬‬
‫‪ -1‬لقد احتاج اإلنسان منذ البدء إلى إقامة عالقة إنسانية مستقرة‪ ،‬وكان يحن ّفي فوض ى النكاحات الباطلة‪،‬‬
‫والعالقات غير الشرعية إلى األمن والسكينة‪ ،‬فجاء اإلسالم لينقذه من هذه البدع والضالالت‪ ،‬ويبصره بطريق‬
‫النجاة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سن هللا تعالى‪ :‬لإلنسان الزواج ليؤمن به حياته ويوسعها‪ ،‬ويحصن فرجه ويخلصه من العقاب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫(‪ )80‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع فتاوي ابن تيمية‪ ،‬ص‪.155‬‬


‫(‪ )81‬محمد رشيد رضا‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪ )82‬محمد الغزالي‪ ،‬مائة سؤال عن اإلسالم‪ ،‬ص ‪.401‬‬
‫(‪ )83‬أحمد السحمراني‪ ،‬املرأة في التاريخ والشريعة‪ ،‬ص ‪.168‬‬
‫(‪ )84‬سورة النساء‪03 . :‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)137‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫ّ‬
‫متصدع‪.‬‬ ‫‪ -3‬إذا انتفى شرطا السكينة والتكاثر من الزواج ما فائدة أن نبني أجياال على أساس‬
‫ّ‬ ‫‪ -4‬ما فائدة أن نبعد في تفكيرنا بالطالق ّ‬
‫حل تعدد الزوجات‪ ،‬فلعله أهون من االنفصال‪.‬‬
‫ومعجزا‪ ،‬وحكمته وإعجازه في مجموع األحكام التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حكيما‬ ‫‪ -5‬لقد كان القرآن الكريم وهو يتعامل مع الطالق‬
‫لحد من الطالق‪ ،‬وتضييق دائرته‪ ،‬وحصر أسبابه فيما يوقع الضرر ويمنع حصول شرط األلفة‬ ‫أصدرها ل ّ‬
‫ّ‬
‫واملودة‪.‬‬
‫‪ -6‬كان القرآن الكريم وسطيا وحكيما أيضا في عالجه لظاهرة النشوز عند الزوجين بخطوات عالجية وقائية‪،‬‬
‫ومراحل غايتها الصلح بين الطرفين‪.‬‬
‫ّ‬
‫مرتان)‪ ،‬وفسحة العدة‪ ،‬ووجوب النفقة آيات إعجاز هللا تعالى‪ :‬في عالجه للطالق‪،‬‬ ‫‪ -7‬تحديد عدد الطلقات (الطالق ّ‬
‫وتنصيب العالقة اإلنسانية فوق أي اعتبار‪.‬‬
‫إن األصل في أحكام الطالق تعظيم الزواج وتقديسه‪ ،‬فإن التزم الزوجان وحافظا على هذه القدسية ال يمكن‬ ‫‪ّ -8‬‬
‫أن تؤول حياتهما إلى ثالثية الطالق والعدة والنفقة‪ّ ،‬‬
‫ألن هللا تعالى‪ :‬شاء أن تتكاثر املعمورة ال أن تتنافر‪.‬‬
‫‪ -9‬وسطية القرآن الكريم واعتداله تدعو إلى التأمل والتدبر في إبداع الخالق الالمتناهي‪ ،‬ورحمته التي وسعت كل‬
‫ش يء‪.‬‬
‫‪ -10‬لقد أخذت املرأة في تعامل القرآن الكريم مع ظاهرة الطالق حظها الوافر‪ ،‬ومكانها املرموق‪ ،‬فهي مكملة ملفعول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرجل في بناء الحضارة‪ ،‬وتشييد اإلنسان الذي علم األسماء كلها حتى ال يتيه في ظلمات الشيطان‪ .‬ترى املرأة‬
‫أداة فاعلة وكرامة ًمحفوظة ًوجسد األمة‪ ،‬فالعمل مشترك بين الجنسين الذين خلقهما هللا تعالى‪ :‬ليتكاثرا‬
‫ويتوادا ويسكن الواحد اآلخر‪ ،‬ال ليتصارعا في حلبة من هو األفضل‪ ،‬ذلك األفضل الذي تحتاجه كل أمة تسعى‬
‫لصنع جيل رشيد يحافظ على قدسية الزواج ومفتاح الجنة والوقاية من النار‪.‬‬

‫التوصيات واملقترحات‪:‬‬
‫ال بد على طرفي العالقة الزوجية وهما يختاران الطالق أن يسعيا إلى الصلح‪ ،‬فالصلح قائم بين الطرفين ال من‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬
‫طرف واحد ولو إلى حين‪ ،‬وكل إنسان خطاء‪.‬‬
‫واجب كل زوج أن يصلح زوجته ويصبر على إصالحها من أجل أن ينال الجنة‪ ،‬جنة هللا تعالى‪ :‬في تكوين عائلة‬ ‫‪-2‬‬
‫فاضلة‪ ،‬وولد صالح يدعو له‪ .‬فهل يوجد منا من ال يختار دخول الجنة التي خلق ابن آدم ألجلها‪.‬‬
‫إن السعادة الحقة حاصلة في الزواج الصحيح‪ ،‬الفي الصراع واألنانية‪ ،‬وقائمة فينا ونحن نفتش عنها‪ ،‬فإذا أردت‬ ‫‪-3‬‬
‫أن تتزوج فاختر الصالح‪ ،‬وإن كتب عليك مالم تحب فعس ى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن أخطأت اختيار امرأتك فأحسن اختيار أبنائك بتربيتهم‪ ،‬وفتش عن إصالح ما تراه خطأ في زوجك‪ ،‬ألن في كل‬ ‫‪-4‬‬
‫أجرا عظيما‪ ،‬فما الحياة الدنيا إال متاع غرور‪.‬‬‫نفس نسمة خير‪ ،‬ابحث عنها‪ ،‬وسر منها لتنال فيها ً‬
‫ّ‬
‫ويجمد‬ ‫ابتعد قدر اإلمكان عن الطالق املبغوض عند هللا العلي العظيم‪ ،‬ألنه يشتت األجساد وينهك النفوس‬ ‫‪-5‬‬
‫العقول‪ ،‬وال تترك لباب بيتك الروحي فراغا يلج منه الشيطان‪ ،‬وإن دخله فتغلب عليه بقوامتك‪ ،‬وتغلبي عليه‬
‫أيتها املرأة بحكمتك وحيائك‪ .‬ألنك أمام كتاب القرآن الكريم املعجزة اإللهية التي إن تمسكت بها لن تضل أبدا‪،‬‬
‫أحل الطالق وهو يبغضه‪ ،‬وجعل له أحكاما وقيودا رحمة لإلنسان‪ ،‬وحفاظا على حريته الحقيقية التي‬ ‫كتاب ّ‬
‫تكمن في تشييد حصن زوجي قائم على السكن والرحمة‪ ،‬وتعظيما ملكانة ابن آدم الذي ّ‬
‫كرمه هللا بخالفته‪.‬‬
‫مدبر الكون والقادر عليه‪ ،‬سبحانه في‬ ‫فلتحافظ أيها الزوج على هذه األمانة بتأديتها أحسن أداء‪ ،‬وطاعة هللا ّ‬ ‫‪-6‬‬
‫حكمه وملكوته‪ ،‬وعجبا من إنسان يهلك نفسه ويأبى رحمة هللا‪.‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)138‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫‪ ‬القرآن الكريم‬
‫‪ ‬الحديث الشريف‬
‫‪ -1‬ابن باز‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬مجموعة ثالث رسائل‪ ،‬ط‪2‬اململكة السعودية‪ ،‬مطابع التراث‪.1983‬‬
‫‪ -2‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬مجموع فتاوي ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن‬
‫محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة موفق الدين محمد عبد هللا أحمد بن محمد‪ ،‬املغني على الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪1‬دارالحديث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ -4‬ابن كثير الحافظ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1980 ،1‬‬
‫‪ -5‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬باب طلق‪ ،‬دار صابر‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬أبو العينين بدران‪ ،‬الزواج والطالق في اإلسالم‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬القاهرة‪.1985 .‬‬
‫‪ -7‬البيضاوي‪ ،‬تفسير البيضاوي‪ ،‬ج‪1‬مطبعة مصطفى محمود‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -8‬بيضون تغاريد‪ ،‬املرأة والحياة االجتماعية‪ ،‬في اإلسالم‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪.1985 ،‬‬
‫‪ -9‬الثعالبي عبد الرحمن‪ ،‬الجواهر الحسان‪ ،‬تحقيق عمار الطالبي‪ ،‬الجواهر الحسان‪ ،‬ج ‪ ،1‬املؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -10‬الجزيري عبد الرحمن‪ ،‬الفقه على املذاهب األربعة‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪1969 .‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬الجصاص الحنفي‪ ،‬أحكام القرآن‪ .‬ج‪ ،3‬التزام عبد الرحمن محمد‪ ،‬املطبعة البهية‪1347 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -12‬الدردير أحمد‪ ،‬الشرح الكبير على حاشية الدسوقي‪ ،‬عيس ى البابي الحلبي‪.‬‬
‫‪ -13‬الرازي أبو بكر بن علي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -14‬رشيد رضا محمد‪ ،‬حقوق النساء في اإلسالم‪ ،‬مكتبة التراث اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1985 ،2‬‬
‫‪ -15‬الزيلعي‪ ،‬فخر الدين عثمان بن علي الحنفي‪ ،‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ج‪3‬دار النشر‬
‫‪ -16‬السحمراني أحمد‪ ،‬املرأة في التاريخ والشريعة‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1984 .‬‬
‫‪ -17‬الشربيني‪ ،‬محمد الخطيب‪ ،‬مغني املحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ املنهاج‪ ،‬ج‪ ،3‬دار النشر املطبعة الكبرى األميرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1313 ،1 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -18‬الشوكاني محمد بن علي بن محمد‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -19‬الصابوني محمد علي‪ ،‬صفوة التفاسير‪ ،‬دار الصابوني للطبع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -20‬طبارة عفيف عبد الفتاح‪ ،‬روح الدين‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -21‬عبد الواحد مصطفى‪ ،‬األسرة في اإلسالم‪ ،‬مكتبة دار العروبة‪ .‬القاهرة ‪.1961‬‬
‫‪ -22‬عبد الواحد وافي علي‪ ،‬املرأة في اإلسالم‪ .‬مكتبة غريب‪ .‬القاهرة‬
‫‪ -23‬عساف أحمد محمد‪ ،‬األحكام الفقهية في املذاهب األربعة‪ ،‬م‪ 1‬دار إحياء العلوم‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -24‬العقاد عباس محمود‪ ،‬الفلسفة القرآنية‪ ،‬مكتبة رحاب‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -25‬علي محمد‪ ،‬الطالق في اإلسالم‪ .‬تر‪ :‬حبيبة يكن‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ .‬منشورات املكتبة العضوية‪.‬‬
‫‪ -26‬عمارة يس عماد محمد‪ ،‬حركة تحرير املرأة في ميزان اإلسالم‪ .‬دار اليقين للنشر والتوزيع‪ .‬املنصورة‪ .‬ط‪.2003 .1‬‬
‫‪ -27‬الغزالي أبو حامد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ 2‬ترجمة سيد إبراهيم‪ ،‬دار الحديث‪.‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)139‬‬ ‫بن يمينة‬


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلسالمية ــ المجلد الثاني ــ العدد الخامس ــ سبتمبر ‪ 2019‬م‬

‫‪ -28‬الغزالي محمد‪ ،‬مائة سؤال عن اإلسالم‪ .‬ط‪1‬الجزائر‪.1999 .‬‬


‫‪ -29‬الفضيالت جبير محمود‪ ،‬أحكام الظهار‪ ،‬شركة شهاب‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -30‬قطب سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪.1981 ،‬‬
‫‪ -31‬الكبيس ي أحمد علي‪ ،‬األحوال الشخصية في الفقه والقضاء‪ ،‬ج‪ .1‬مطبعة عصام‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪ -32‬لجنة من الباحثين‪ ،‬في قضايا املرأة‪ ،‬مؤسسة ناصر للثقافة‪ ،‬بيروت‪.1980 .‬‬
‫‪ -33‬مربوينجر محمد نور الدين مكي‪ .‬الحيض والنفاس‪ ،‬دار الكلم الطيب‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -34‬النفراوي‪ ،‬الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا‪ ،‬الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪،3‬‬
‫عيس ى البابي وشركاه‪ ،‬القاهرة‪1955 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬الهاشمي محمد فؤاد‪ ،‬األديان في كفة امليزان‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫وسطية القرآن الكريم في تعامله مع ظاهرة الطالق‬ ‫(‪)140‬‬ ‫بن يمينة‬

You might also like