Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 161

‫بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخبار‬

‫تأليف الشيخ‬
‫عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬
‫الحديث األول‬
‫يقول‪" :‬إنما األعمال بالنيات‪ .‬وإنما لكل امرئ ما نوى‬ ‫عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪‬‬
‫فمن كانت هجرته إلى هللا ورسوله فهجرته إلى هللا ورسوله‪ .‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها‪ .‬فهجرته إلى ما هاجر‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫إليه"‬

‫النية‪ :‬فهي القصد للعمل تقرباً إلى هللا‪ ،‬وطلباً لمرضاته والتلفظ بها بدعه وتكون محلها القلب‪.‬‬

‫أقسام النيه‬
‫‪ -2‬نيه مستحبه‬ ‫‪ -1‬نيه مفروضه (الواجبه)‬
‫لتحصيل األجر والثواب‪ ،‬يغفل عنها بعض الناس‪ ،‬وهي استحضار‬
‫وال تصح العباده اال بها كالصالة الصيام والوضوء والحج‬
‫النية في المباحات‪ ،‬كأن يأكل ويشرب وينام بنية التقوي على الطاعة‬

‫قيس‪.‬‬ ‫سبب ورود الحديث ‪ :‬أن رجالً هاجر من مكة إلى المدينة ليتزوج امرأة يقال لها‪ :‬أم قيس‪ ،‬ال يريد بذلك فضيلة الهجرة فكان يقال له‪ :‬مهاجر أم‬
‫الحديث الثاني (حفظ)*‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫‪:‬‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه – وفي رواية‪ :‬من عمل عمالً ليس عليه أمرنا – فهو رد" متفق عليه‪.‬‬

‫أحدث ‪ /‬زاد – أضاف‬


‫أمرنا ‪ /‬الدين‬
‫رد ‪ /‬مردوده الى صاحبها ال يقبلها هللا منه‬

‫هذان الحديثان العظيمان يدخل فيهما الدين كله‪ ،‬أصوله وفروعه‪ ،‬ظاهره وباطنه‪ .‬فحديث عمر ميزان لألعمال الباطنة‪ ،‬وحديث عائشة ميزان األعمال الظاهرة‪.‬‬
‫ففيهما اإلخالص للمعبود‪ ،‬والمتابعة للرسو ووول اللذان هما لو وورل لكل قول وعمل‪ ،‬ظاهر وباطن‪ .‬فمن أخلص أعماله هلل متبعاً في ذلك رسو ووول هللا ‪ ‬فهذا الذي عمله مقبول‪ .‬ومن فقد األمرين أو أحدهما‬
‫َح َسو و ُن ِد ًينا َِم َّم ْن أَ ْسو وَل َهلل َو ْج َه ُه هلل َو ُه َو ُم ْح ِسو ون}‪ 2‬اآلية َ{بَلى َم ْن أَ ْسو وَل َهلل‬
‫{و َم ْن أ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫{وَقد ْم َنا ِإَلى َما َعملُوا م ْن َع َمل َف َج َعْل َناهُ َهَباء َّمنثُ ً‬
‫ورا} والجامع للوصو ووفين داخل في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪1‬‬ ‫فعمله مردود‪ ،‬داخل في قول هللا تعالى‪ِ :‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ون} ‪.‬‬‫َج ُرهُ ِع َند َرَبِه َوالَ َخ ْوف َعَل ْي ِه ْهلل َوالَ ُه ْهلل َي ْح َزُن َ‬ ‫ِ‬
‫َو ْج َه ُه َلِل َو ُه َو ُم ْحسن َفَل ُه أ ْ‬
‫‪3‬‬

‫أما النية‪ :‬فهي القصد للعمل تقرباً إلى هللا‪ ،‬وطلباً لمرضاته وثوابه‪ .‬فيدخل في هذا‪ :‬نية العمل‪ ،‬ونية المعمول له‪.‬‬
‫أما نية العمل‪ :‬فال تصو ووط الطهارة بأنواعها‪ ،‬وال الصو ووالة والزكاة والصو وووع والحا وجميع الصبادات إال بقصو وودها ونيتها‪ ،‬فينوي تلك الصبادة المعينة‪ .‬وإذا كانت الصبادة تحتوي على أجناس وأنواع‪ ،‬كالصو ووالة‪،‬‬
‫فال بد مع نية الصالة أن ينوي ذلك المعين‪ .‬وهكذا بقية الصبادات‪.‬‬ ‫منها الفرض‪ ،‬والنفل المعين‪ ،‬والنفل المطلق‪ .‬فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصالة‪ .‬وأما المعين من فرض أو نفل معين – كوتر أو راتبة –‬
‫وال بد أيض واً أن يميز العادة عن الصبادة‪ .‬فمثالً االاتس ووال يقع نظافة أو تبرداً‪ ،‬ويقع عن الحدث األعبر‪ ،‬وعن اس وول الميت‪ ،‬وللجمعة ونحوها‪ ،‬فال بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغس وول المس ووتحب‪.‬‬
‫وكذلك يخرج اإلنسان الدراههلل مثالً للزكاة‪ ،‬أو للكفارة‪ ،‬أو للنذر‪ ،‬أو للصدقة المستحبة‪ ،‬أو هدية‪ .‬فالعبرة في ذلك كله على النية‪.‬‬
‫ومن هذا‪ :‬حيل المعامالت إذا عامل معاملة ظاهرها وصو ووورتها الصو ووحة‪ ،‬ولكنه يقصو وود بها التوسو وول إلى معاملة ربوية‪ ،‬أو يقصو وود بها إسو ووقال واجب‪ ،‬أو توس و والً إلى محرع‪ .‬فين العبرة بنيته وقصو وودهن ال‬
‫بظاهر لفظه؛ فينما األعمال بالنيات‪ .‬وذلك بأن يضهلل إلى أحد المعوضين ما ليس بمقصود‪ ،‬أو يضهلل إلى العقد عقداً اير مقصود‪ .‬قاله ليخ اإلسالع‪.‬‬
‫وكذلك لرل هللا في الرجعة وفي الوصية‪ :‬أال يقصد العبد فيهما المضارة‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها؛ فين الوسائل لها أحكاع المقاصد‪ ،‬صالحة أو فاسدة‪ .‬وهللا يعلهلل المصلط من المفسد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة الفرقان – آية ‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.125‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.112‬‬
‫ص}‪.5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمروا ِإال لِيعبدوا َّ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ين اْل َخال ُ‬
‫الد ُ‬
‫ين} وقال‪{ :‬أَال َّلِل َ‬
‫الد َ‬
‫ين َل ُه َ‬
‫َّللاَ ُم ْخلص َ‬ ‫{و َما أ ُ‬
‫وأما نية المعمول له‪ :‬فهو اإلخالص هلل في كل ما يأتي العبد وما يذر‪ ،‬وفي كل ما يقول ويفعل‪ .‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪4‬‬
‫َ ْ ُُ‬
‫وذلك أن على العبد أن ينوي نية كلية لو وواملة ألموره كلها‪ ،‬مقصو وووداً بها وجه هللا‪ ،‬والتقرب إليه‪ ،‬وطلب ثوابه‪ ،‬واحتسو وواب أجره‪ ،‬والخوف من عقابه‪ .‬ثهلل يسو ووتصو ووحب هذه النية في كل فرد من أفراد أعماله‬
‫وأقواله‪ ،‬وجميع أحواله‪ ،‬حريص واً فيه على تحقيق اإلخالص وتكميله‪ ،‬ودفع كل ما يضوواده‪ :‬من الرياء والسوومعة‪ ،‬وقصوود المحمدة عند الخلق‪ ،‬ورجاء تعظيمههلل‪ ،‬بل إن حصوول لوويء من ذلك فال يجعله العبد قصووده‪،‬‬
‫وااية مراده‪ ،‬بل يكون القص وود األص وويل منه‪ :‬وجه هللا‪ ،‬وطلب ثوابه من اير التفات للخلق‪ ،‬وال رجاء لنفعههلل أو مدحههلل‪ .‬فين حص وول ل وويء نهلل ذلك من دون قص وود من العبد لهلل يض وره ل ووي اً‪ ،‬بل قد يكون من عاجل‬
‫بشرى المؤمن‪.‬‬
‫‪" :‬إنما األعمال بالنيات" أي‪ :‬إنها ال تحصو و وول وال تكون إال بالنية‪ ،‬وأن مدارها على النية‪ .‬ثهلل قال‪" :‬وإنما لكل امرئ ما نوى" أي‪ :‬إنها تكون بحسو و ووب نية العبد صو و ووحتها أو فسو و ووادها‪ ،‬كمالها أو‬ ‫فقوله ‪‬‬
‫فله من الثواب والجزاء الجزاء الكامل األوفى‪ .‬ومن نقصوت نيته وقصوده نقص ثوابه‪ .‬ومن توجهت نيته إلى اير هذا المقصود‬ ‫نقصوانها‪ ،‬فمن نوى فعل الخير وقصود به المقاصود العليا – وهي ما يقرب إلى هللا –‬
‫مثاالً ليقاس عليه جميع األمور‪ ،‬فقال‪" :‬فمن كانت هجرته إلى هللا ورسوووله فهجرته إلى هللا ورسوووله" أي‪ :‬حصوول له‬ ‫الجليل فاته الخير‪ ،‬وحصوول على ما نوى من المقاصوود الدني ة الناقصووة‪ .‬ولهذا ضوورب النبي ‪‬‬
‫موا نوى‪ ،‬ووقع أجره على هللا "ومن كوانوت هجرتوه لودنيوا يصو و و و و و وويبهوا أو امرأة ينكحهوا فهجرتوه إلى موا هواجر إليوه" خص فيوه المرأة التي يتزوجهوا بعود موا عهلل جميع األمور الودنيويوة لبيوان أن جميع ذلوك اوايوات دني وة‪،‬‬
‫"أي ذلك في سوبيل هللاف" فقال‪" :‬من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو في سوبيل هللا" وقال تعالى‬ ‫ومقاصود اير نافعة‪ ،‬وكذلك حين سو ل ‪ ‬عن الرجل يقاتل لوجاعة‪ ،‬أو حمية‪ ،‬أو ُلي َرى مقامه في صوا القتال ذ‬
‫الِلِ َوالَ ِباْلَي ْو ِع اآل ِخ ِر}‪ 7‬وهكذا جميع‬
‫ون ِب َ‬
‫اس َوالَ ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫الن ِ‬ ‫ين ُي ِنفُق َ‬
‫ون أ َْم َواَل ُه ْهلل ِرَئو و و و و و و وواء َّ‬ ‫ات َّللاِ وتَ ْثِبيتًا ِمن أَنُف ِسو ِههلل َكمَث ِل جَّن ٍة ِبربوٍة}‪ 6‬وقال‪ِ َّ :‬‬
‫{والذ َ‬‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ون أَمواَلههلل ابِت َغاء مرضو ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫ين ُينفُق َ ْ َ ُ ُ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫{و َمَث ُل الذ َ‬
‫في اختالف النفقة بحسوب النيات َ‬
‫األعمال‪..‬‬
‫يلتحق صو وواحبها‬ ‫واألعمال إنما تتفاضو وول ويعظهلل ثوابها بحسو ووب ما يقوع بقلب العامل من اإليمان واإلخالص‪ ،‬حتى إن صو وواحب النية الصو ووادقة – وخصو وووص و واً إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل –‬
‫َّللاِ}‬
‫َج ُرهُ َعلى َ‬
‫‪8‬‬ ‫ِ‬ ‫بالعامل‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ومن يخرج ِمن بيِت ِه مها ِج ار ِإَلى ِ‬
‫َّللا َوَرُسولِه ثُ َّهلل ُي ْد ِرْك ُه اْل َم ْو ُت َفَق ْد َوَق َع أ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ َ ً‬ ‫َ َ َ ُْ ْ‬
‫وفي الصوحيط مرفوعاً "إذا مرض العبد أو سوافر كتب له ما كان يعمل صوحيحاً مقيماً"‪" ،‬إن بالمدينة أقواماً ما ِسو ْرتُهلل مسوي اًر‪ ،‬وال قطعتهلل وادياً إلى كانوا معكهلل – أي‪ :‬في نياتههلل وقلوبههلل وثوابههلل – حبسوههلل‬
‫ير‬‫العذر" وإذا ههلل العبد بالخير ثهلل لهلل يقدر له العمل كتبت ِه َّمته ونيته له حس و وونة كاملة‪ .‬واإلحس و ووان إلى الخلق بالمال والقول والفعل خير وأجر وثواب عند هللا‪ .‬ولكنه يعظهلل ثوابه بالنية‪ .‬قال تعالى‪{ :‬الَّ َخ ْي َر ِفي َكِث ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِ‬ ‫اس}‪ 9‬أي‪ :‬فينه خير‪ ،‬ثهلل قال‪{ :‬ومن يْفعل َذِلك ابتَ َغاء مرض و ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اههلل ِإالَّ م ْن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما}‪ 10‬فرتب األجر العظيهلل على فعل ذلك ابتغاء مرضوواته‪.‬‬ ‫ف ُن ْؤِتيه أ ْ‬
‫َج ًار َعظ ً‬ ‫َّللا َف َس و ْو َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ََ َ َْ َ ْ‬ ‫الن ِ‬
‫ص والَ ٍ َب ْي َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ص و َد َقة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إ ْ‬
‫َم َر ب َ‬
‫َ َ‬ ‫َمن َّن ْج َو ُ ْ‬
‫أداءها َّأداها هللا عنه‪ .‬ومن أخذها يريد إتالفها أتلفه هللا" فانظر كيف جعل النية الصالحة سبباً قوياً للرزق وأداء هللا عنه‪ ،‬وجعل النية السي ة سبباً للتلا واإلتالف‪.‬‬ ‫وفي البخاري مرفوعاً "من أخذ أموال الناس يريد َ‬

‫‪4‬‬
‫سورة البينة – آية ‪.5‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة الزمر – آية ‪.3‬‬
‫‪6‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.265‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.38‬‬
‫‪8‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.100‬‬
‫‪9‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.114‬‬
‫‪10‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.114‬‬
‫وكذلك تجري النية في المباحات واألمور الدنيوية‪ .‬فين من قصود بكسوبه وأعماله الدنيوية والعادية االسوتعانة بذلك على القياع بحق هللا وييامه بالواجبات والمسوتحبات‪ ،‬واسوتصوحب هذه النية الصوالحة في‬
‫أعله ولوربه ونومه وراحاته ومكاسوبه‪ :‬انقلبت عاداته ابادات‪ ،‬وبارهللا هللا للعبد في أعماله‪ ،‬وفتط له من أبواب الخير والرزق أمو اًر ال يحتسوبها وال تخطر له على بال‪ .‬ومن فاتته هذه النية الصوالحة لجهله أو تهاونه‬
‫فال يلومن إال نفسه‪ .‬وفي الصحيط عنه ‪ ‬أنه قال "إنك لن تعمل عمالً تبتغي به وجه هللا إال أجرت عليه‪ ،‬حتى ما تجعله في في امرِأتك"‪.‬‬
‫َ‬
‫فعلهلل بهذا‪ :‬أن هذا الحديث جامع ألمور الخير كلها‪ .‬فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها أن يفههلل معنى هذا الحديث‪ ،‬وأن يكون العمل به نصيب عينيه في جميع أحواله وأوقاته‪.‬‬
‫أو من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد" فيدل بالمنطوق وبالمفهوع‪.‬‬ ‫وأما حديث عائشة‪ :‬فين قوله ‪" : ‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد –‬
‫أما منطوقه‪ :‬فينه يدل على أن كل بدعة أحدثت في الدين ليس لها أصو و و و وول في الكتاب وال في السو و و و وونة‪ ،‬سو و و و وواء كانت من البدع القولية الكالمية‪ ،‬كالتجههلل والرفض واالعتزال وايرها‪ ،‬أو نهلل البدع العملية‬

‫عالتعبد هلل بصبادات لهلل يشورعها هللا وال رسووله‪ .‬فين ذلك كله مردود على أصوحابه‪ .‬وأهله مذمومون بحسوب بدعههلل ُ‬
‫وبعدها عن الدين‪ .‬فمن أخبر بغير ما أخبر هللا به ورسووله‪ ،‬أو تعبد بشويء لهلل يأذن لهلل يأذن هللا به‬
‫ورسوله ولهلل يشرعه‪ :‬فهو مبتدع‪ .‬ومن حرَّع المباحات‪ ،‬أو تعبد بغير الشرايات‪ :‬فهو مبتدع‪.‬‬
‫وهو التعبد هلل بالعقائد الصحيحة‪ ،‬واألعمال الصالحة‪ :‬من واجب ومستحب‪ :‬فعمله مقبول‪ ،‬وسصيه مشكور‪.‬‬ ‫وأما مفهوع هذا الحديث‪ :‬فين من عمل عمالً‪ ،‬عليه أمر هللا ورسوله –‬
‫ويستدل بهذا الحديث على أن كل ابادة فعلت على وجه منهي عنه فينها فاسدة؛ ألنه ليس عليها أمر الشارع‪ ،‬وأن النهي يقتضي الفساد‪ .‬وكل معاملة نهى الشارع عنها فينها الغية ال يعتد بها‪.‬‬
‫الحديث الثالث*‬
‫‪ " :‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‪ .‬قالوا‪ :‬لمن يا رسول هللاف‬ ‫عن تميهلل الداري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬هلل‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬وألئمة المسلمين وعامتههلل"‬

‫منحصر في النصيحة‪.‬‬ ‫عرر النبي ‪ ‬هذه الكلمة اهتماماً للمقاع‪ ،‬وإرلاداً لألمة أن يعلموا حق العلهلل أن الدين كله – ظاهره وباطنه –‬
‫ومعنى الدين النصيحه‪( :‬وهي أن الدين له حقوق وواجبات يجب أن تؤدى)‬

‫فالنصويحة هلل‪ :‬االعتراف بوحدانية هللا‪ .‬وتفرده بصوفات الكمال على وجه ال يشواركه فيها مشوارهللا بوجه من الوجوه‪ ،‬والقياع بعبوديته ظاه اًر وباطناً‪ ،‬واإلنابة إليه كل وقت بالعبودية‪ ،‬والطلب رغبة ورهبة مع‬
‫التوبة واالستغفار الدائهلل؛ ألن العبد ال بد له من التقصير من ليء نهلل واجبات هللا‪ ،‬أو التجرؤ على بعض المحرمات‪ .‬وبالتوبة المالزمة واالستغفار الدائهلل ينجبر نقصه‪ ،‬ويتهلل عمله وقوله‪.‬‬
‫وأما النصيحة لكتاب هللا‪ :‬فبحفظه وتدبره‪ ،‬وتعلهلل ألفاظه ومعانيه واالجتهاد في العمل به في نفسه وفي ايره‪.‬‬
‫وأما النصيحة للرسول‪ :‬فهي اإليمان به ومحبته‪ ،‬وتقديمه فيها على النفس والمال والولد‪ ،‬واتبا عه في أصول الدين وفروعه‪ ،‬وتقديهلل قوله على قول كل أحد‪ ،‬واالجتهاد في االهتداء بهديه‪ ،‬والنصر لدينه‪.‬‬
‫وههلل والتها‪ ،‬من اإلماع األعظهلل إلى األمراء والقضوواة إلى جميع من لههلل والية عامة أو خاصووة ‪ :-‬فباعتقاد واليتههلل‪ ،‬والسوومع والطاعة لههلل‪ ،‬وحث الناس على ذلك‪ ،‬وبذل‬ ‫وأما النصوويحة ألئمة المسوولمين –‬
‫ما يستطيعه من إرلادههلل‪ ،‬وتنبيهههلل إلى كل ما ينفعههلل وينفع الناس‪ ،‬وإلى القياع بواجبههلل‪.‬‬
‫‪ -1‬السمع والطاعة لههلل‬
‫‪ -2‬نصحههلل اذا كانوا على خطأ‬
‫وأما النصيحة لعامة المسلمين‪ :‬فبأن يحب لههلل ما يحب لنفسه ويكره لههلل ما يكره لنفسه‪ ،‬ويسعى في ذلك بحسب اإلمكان‪ ،‬فين من أحب لي اً سعى له‪ ،‬واجتهد في تحقيقه وتكميله‪.‬‬
‫فسور النصويحة بهذه األمور الخمسوة التي تشومل القياع بحقوق هللا‪ ،‬وحقوق كتابه‪ ،‬وحقوق رسووله‪ ،‬وحقوق جميع المسولمين على اختالف أحوالههلل وطبقاتههلل‪ .‬فشومل ذلك الدين كله‪ ،‬ولهلل يبق منه‬ ‫فالنبي ‪‬‬
‫ليء إال دخل في هذا الكالع الجامع المحيط‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الرابع‬
‫ِ‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال "أتى أعرابي النبي ‪ ، ‬فقال‪ُ :‬دَّلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة‪ .‬قال‪ :‬تعبد هللا وال تشرهللا به لي اً‪ ،‬وتقيهلل الصالة المكتوبة‪ ،‬وتُ َ‬
‫ؤدي‬
‫ص منه‪ .‬فلما َوَّلى‪ ،‬قال النبي ‪: ‬‬ ‫الزكاة المفروضة‪ ،‬وتصوع رمضان‪ .‬قال‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ال أزيد على هذا لي اً وال ْأنُق ُ‬
‫م ْن س َّره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" متفق عليه‪.‬‬
‫َ َ‬
‫دل عليه الحديث‪ .‬ومدلولها كلها متفق أو متقارب على أن من أدى ما فرض هللا عليه بحسب الفروض المشتركة والفروض المختصة باألسباب التي‬ ‫قد وردت أحاديث كثيرة في هذا األصل الكبير الذي َ‬
‫من وجدت فيه وجبت عليه‪ .‬فمن أدى الفرائض واجتنب المحرمات اسوتحق دخول الجنة‪ ،‬والنجاة من النار‪ .‬ومن اتصوا بهذا الوصوا فقد اسوتحق اسوهلل اإلسوالع واإليمان‪ ،‬وصوار من المتقين المفلحين‪ ،‬وممن سولك‬
‫الصرال المستقيهلل‪.‬‬
‫معاني الكلمات‪:‬‬
‫دَلني ‪ /‬أرلدني‬
‫وَلى ‪ /‬ذهب‬
‫سره ‪ /‬أحبه أو أعجبه‬
‫َ‬
‫‪ -1‬هذا الحديث فيه بشاره لمن َأدى الواجبات بدخول الجنه‪.‬‬
‫‪ -2‬أقسهلل بالِل الذي روجه بيده على أال يزيد على الفرائض بشي من النوافل وال يترهللا لي من الواجبات‪.‬‬
‫الحديث الخامس*‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫عن سفيان بن عبد هللا الثَّقفي قال‪ :‬قلت "يا رسول هللا‪ ،‬قل لي في اإلسالع قوالً ال أسأل عنه أحداً بعدهللا‪ .‬قال‪ :‬قل‪ :‬آمنت بالِل‪ ،‬ثهلل استقهلل"‬

‫الحديث لكل على عمل قلبي وعمل الجوار‬


‫االستقامة ‪ /‬الثبات على الدين بفعل الطاعات وترهللا المحرمات‬

‫اعتقاده‪ :‬من عقائد اإليمان‪،‬‬


‫ُ‬ ‫فهذا الرجل طلب من النبي ‪ ‬كالماً جامعاً للخير نافعاً‪ ،‬موصو و و و والً صو و و و وواحبه إلى الفال ‪ .‬فأمره النبي ‪ ‬باإليمان بالِل الذي يشو و و و وومل ما يجب‬
‫وأصوله‪ ،‬وما يتبع ذلك‪ :‬من أعمال القلوب‪ ،‬واالنقياد واالستسالع هلل‪ ،‬باطناً وظاه اًر‪ ،‬ثهلل الدواع على ذلك‪ ،‬واالستقامة عليه إلى الممات‪.‬‬
‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اموا تَتََن َّزُل َعَل ْي ِه ُهلل اْل َم َالئ َكةُ أَال تَ َخاُفوا َوال تَ ْح َزُنوا َوأ َْبشو و ُروا ِباْل َجَّنة التي ُكنتُ ْهلل تُ َ‬
‫وع ُدو َن}‪ .11‬فرتب على اإليمان واالس ووتقامة‪:‬‬ ‫َّللاُ ثُ َّهلل ا ْسو وتََق ُ‬ ‫وهو نظير قوله تعالى‪ِ{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َقالُوا َرب َذنا َّ‬
‫السالمة من جميع الشرور‪ ،‬وحصول الجنة وجميع المحاب‪.‬‬
‫وقد دلت نصووص الكتاب والسونة الكثيرة على أن اإليمان يشومل ما في القلوب من العقائد الصوحيحة‪ ،‬وأعمال القلوب‪ :‬من الرغبة في الخير‪ ،‬والرهبة من الشور‪ ،‬وإرادة الخير‪،‬‬
‫وكراهة الشر‪ .‬ومن أعمال الجوار ‪ .12‬وال يتهلل ذلك إال بالثبات عليه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫سورة فصلت – آية ‪.30‬‬
‫‪12‬‬
‫األعضاء‪.‬‬
‫الحديث السادس*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪": ‬المسلهلل من سلهلل المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر ما نهى هللا عنه"‬
‫وزاد الترمذي والنسائي‪" :‬والمؤمن من ِ‬
‫أمَنه الناس على دمائههلل وأموالههلل"‬
‫وزاد البيهقي‪" :‬والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة هللا"‪.‬‬
‫من هاجر ‪ /‬أي من ترهللا‬
‫دماء ‪ /‬االنفس‬
‫ذكر في هذا الحديث كمال هذه األسو ووماء الجليلة‪ ،‬التي رتب هللا ورسو وووله عليها سو ووعادة الدنيا واآلخرة‪ .‬وهي اإلسو ووالع واإليمان‪ ،‬والهجرة والجهاد‪ .‬وذكر حدودها بكالع جامع لو ووامل‪ ،‬وأن المسو وولهلل من سو وولهلل‬
‫المسلمون من لسانه ويده‪.‬‬
‫وذلك أن اإلسووالع الحقيقي‪ :‬هو االسووتالع هلل‪ ،‬وتكميل عبوديته والقياع بحقوقه‪ ،‬وحقوق المسوولمين‪ .‬وال يتهلل اإلسووالع حتى يحب للمسوولمين ما يحب لنفسووه‪ .‬وال يتحقق ذلك إال بسووالمتههلل من لوور لسووانه ولوور‬
‫يده‪ .‬فين هذا أص و وول هذا الفرض الذي عليه للمس و وولمين‪ .‬فمن لهلل يس و وولهلل المس و وولمون من لس و ووانه أو يده كيف يكون قائماً بالفرض الذي عليه إلخوانه المس و وولمينف فس و ووالمتههلل من ل و وره القولي والفعلي عنوان على كمال‬
‫إسالمه‪.‬‬
‫وفس و و وور المؤمن بأنه الذي يأمنه الناس على دمائههلل وأموالههلل؛ فين اإليمان إذا دار في القلب وامتأل به‪ ،‬أوجب لص و و وواحبه القياع بحقوق اإليمان التي من أهمها‪ :‬رعاية األمانات‪ ،‬والص و و وودق في المعامالت‪،‬‬
‫والورع عن ظلهلل الناس في دمائههلل وأموالههلل‪ .‬ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه‪ ،‬وأمنوه على دمائههلل وأموالههلل‪ .‬ووثقوا به‪ ،‬لما يعلمون منه من مراعاة األمانات‪ ،‬فين رعاية األمانة من أخص واجبات اإليمان‪ ،‬كما‬
‫‪" :‬ال إيمان لمن ال أمانة له"‪.‬‬ ‫قال ‪‬‬
‫الهجرة التي هي فرض عين على كل مسلهلل بأنها هجرة الذنوب والمعاصي ‪ .‬وهذا الفرض ال يسقط عن كل مكلا في كل حال من أحواله؛ فين هللا حرع على اباده انتهاهللا المحرمات‪ ،‬واإلقداع‬ ‫وفسر ‪‬‬
‫على المعاصي‪ .‬والهجرة الخاصة التي هي االنتقال من بلد الكفر أو البدع إلى بلد اإلسالع‪ ،‬والسنة جزء من هذه الهجرة‪ ،‬وليست واجبة على كل أحد‪ ،‬وإنما تجب بوجود أسبابها المعروفة‪.‬‬
‫وفسو وور المجاهد بأنه الذي جاهد نفسو ووه على طاعة هللا؛ فين النفس َميَّالة إلى الكسو وول عن الخيرات‪ ،‬أمارة بالسو وووء‪ ،‬س و وريعة التأثر عند المصو ووائب‪ ،‬وتحتاج إلى صو ووبر وجهاد في إلزامها طاعة هللا‪ ،‬وثباتها‬
‫عليها‪ ،‬ومجاهدتها عن معاصي هللا‪ ،‬وردعها عنها‪ ،‬وجهادها على الصبر عند المصائب‪ .‬وهذه هي الطاعات‪ :‬امتثال المأمور‪ ،‬واجتناب المحظور‪ ،‬والصبر على المقدور‪.‬‬
‫فالمجاهد حقيقة‪ :‬من جاهدها على هذه األمور؛ لتقوع بواجبها ووظيفتها‪.‬‬
‫ومن ألرف هذا النوع وأجَِله‪ :‬مجاهدتُها على قتال األعداء‪ ،‬ومجاهدتههلل بالقول والفعل؛ فين الجهاد في سبيل هللا ذروة سناع الدين‪.‬‬
‫دل عليه فقد قاع بالدين كله‪" :‬من سو و وولهلل المسو و وولمون من لسو و ووانه ويده‪ ،‬وأمنه الناس على دمائههلل وأموالههلل‪ ،‬وهجر ما نهى هللا عنه‪ ،‬وجاهد نفسو و ووه على طاعة هللا"‪ ،‬فينه لهلل يبق من‬
‫فهذا الحديث من قاع بما َ‬
‫الخير الديني والدنيوي الظاهري والباطني لي اً إال فعله‪ ،‬وال من الشر لي اً إال فعله‪ ،‬وال من الشر لي اً إال تركه‪ .‬وهللا الموفق وحده‪.‬‬
‫الحديث السابع*‬
‫عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬أربع من ُك َّن فيه كان منافقاً خالصاً‪ .‬ومن كانت فيه َخصلة منهن كانت فيه خصلة‬
‫من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا ائتُ ِم َن خان‪ ،‬وإذا َ‬
‫حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد ادر‪ ،‬وإذا خاصهلل فجر" متفق عليه‪.‬‬
‫َ‬

‫نفاق اعتقادي ‪ /‬يعتقد بالكفر ويؤمن به ولكن يظهر اإلسالع‬


‫نفاق عملي ‪ /‬صفات يتحلى بها المنافق وهو المقصود في هذا الحديث‪.‬‬
‫حَدث ‪ /‬تكلهلل‬

‫النفاق أس و وواس الش و وور‪ .‬وهو أن يظهر الخير‪ ،‬ويبطن الش و وور‪ .‬هذا الح ذد يدخل فيه النفاق األعبر االعتقادي‪ ،‬الذي يظهر ص و وواحبه اإلس و ووالع ويبطن الكفر‪ .‬وهذا النوع ُمخرج من الدين بالكلية‪ ،‬وص و وواحبه في‬
‫َّ‬
‫الد ْرهللا األسو ووفل من النار‪ .‬وقد وصو ووا هللا هؤالء المنافقين بصو ووفات الشو وور كلها‪ :‬من الكفر‪ ،‬وعدع اإليمان‪ ،‬واالسو ووتهزاء بالدين وأهله‪ ،‬والسو وخرية منههلل‪ ،‬والميل بالكلية إلى أعداء الدين؛ لمشو وواركتههلل لههلل في عداوة دين‬
‫اإلسالع‪ .‬وههلل موجودون في كل زمان‪ ،‬وال سيما في هذا الزمان الذي طغت فيه المادية واإللحاد واإلباحية‪.‬‬
‫فين دهليز الكفر‪ ،‬ومن اجتمعت فيه هذه الخصووال األربع فقد اجتمع فيه‬ ‫والمقصووود هنا‪ :‬القسووهلل الثاني من النفاق الذي ذكر في هذا الحديث فهذا النفاق العملي – وإن كان ال يخرج من الدين بالكلية –‬
‫الشوور‪ ،‬وخلصووت فيه نعوت المنافقين‪ ،‬فين الصوودق‪ ،‬والقياع باألمانات‪ ،‬والوفاء بالعهود‪ ،‬والورع عن حقوق الخلق هي جماع الخير‪ ،‬ومن أخص أوصوواف المؤمنين‪ .‬فمن فقد واحدة منها فقد هدع فرض واً من فروض‬
‫اإلسالع واإليمان‪ ،‬فكيف بجميعهاف‬
‫يش و وومل الحديث عما يخبر به من‬ ‫َّللاِ اْل َك ِذ َب}‬
‫‪13‬‬
‫ظَل ُهلل ِم َّم ِن ا ْفتََرى َعَلى َّ‬
‫فالكذب في الحديث يش و وومل الحديث عن هللا والحديث عن رسو و وول هللا ‪ ‬الذي من كذب عليه معتمداً فليتبوأ مقعده من النار { َو َم ْن أَ ْ‬
‫الوقائع الكلية والجزئية‪ .‬فمن كان هذا لو و ووأنه فقد لو و ووارهللا المنافقين في أخص صو و ووفاتههلل‪ ،‬وهي الكذب الذي قال فيه النبي ‪" : ‬إياعهلل والكذب‪ ،‬فين الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار‪ .‬وال يزال‬
‫ويتحرى الكذب حتى يكتب عند هللا كذاباً" ومن كان إذا ائتمن على األموال والحقوق واألس و ورار خانها‪ ،‬ولهلل يقهلل بأمانته‪ ،‬فأين إيمانهف وأين حقيقة إسو ووالمهف وكذلك من ينكث العهود التي بينه وبين هللا‪،‬‬
‫َ‬ ‫الرجل يكذب‬
‫والعهود التي بينه وبين الخلق متصوا بصوفة خبيثة من صوفات المنافقين‪ .‬وكذلك من ال يتورع عن أموال الخلق وحقوقههلل‪ ،‬ويغتنهلل فرصوها‪ ،‬ويخاصوهلل فيها بالباطل ليثبت باطالً‪ ،‬أو يدفع حقاً‪ .‬فهذه الصوفات ال تكاد‬
‫تجتمع في لخص ومعه من اإليمان ما يجزي أو يكفي‪ ،‬فينها تنافي اإليمان ألد المنافاة‪.‬‬
‫واعلهلل أن من أصوول أهل السونة والجماعة‪ :‬أنه قد يجتمع في العبد خصوال خير وخصوال لور‪ ،‬وخصوال إيمان وخصوال كفر أو نفاق‪ .‬ويسوتحق من الثواب والعقاب بحسوب ما قاع به من موجبات ذلك وقد‬
‫دل على هذا األصل نصوص كثيرة من الكتاب والسنة‪ .‬فيجب العمل بكل النصوص‪ ،‬وتصديقها كلها‪ .‬وعلينا أن نتب أر من مذهب الخوارج الذين يدفعون ما جاءت به النصوص‪ :‬من بقاء اإليمان وبقاء الدين‪ ،‬ولو‬ ‫َ‬
‫فعل اإلنسوان من المعاصوي ما فعل‪ ،‬إذا لهلل يفعل لوي اً من المنكرات التي تخرج صواحبها من اإليمان‪ .‬فالخوارج يدفعون ذلك كله‪ ،‬ويرون من فعل لوي اً من الكبائر ومن خصوال الكفر أو خصوال النفاق خارجاً من‬
‫الدين‪ ،‬مخلداً في النار‪ .‬وهذا مذهب باطل بالكتاب والسنة‪ ،‬وإجماع سلا األمة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫سورة الصف – آية ‪.7‬‬
‫الحديث الثامن*‬
‫‪" :‬يأتي الشيطان أحدكهلل فيقول‪ :‬من خلق كذاف من خلق كذاف حتى يقول‪ :‬من خلق هللاف فيذا‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫بلغه فليستعذ بالِل‪َ ،‬وْلَي ْنتَ ِه"‪ .‬وفي لفظ "فليقل‪ :‬آمنت بالِل ورسله" متفق عليه‪ .‬وفي لفظ "ال يزال الناس يتساءلون حتى يقولون‪ :‬من خلق هللاف"‪.‬‬

‫احتوى هذا الحديث على أنه ال بد أن يلقي الش وويطان هذا اإليراد الباطل‪ :‬إما وس وووس ووة محض ووة‪ ،‬أو على لس ووان ل ووياطين اإلنس ومالحدتههلل‪ .‬وقد وقع كما أخبر‪ ،‬فين األمرين وقعا‪ ،‬ال يزال الش وويطان يدفع‬
‫إلى قلوب من ليست لههلل بصيرة هذا السؤال الباطل‪ ،‬وال يزال أهل اإللحاد يلقون هذه الشبهة التي هي أبطل الشبه‪ ،‬ويتكلمون عن العلل وعن مواد العلهلل بكالع سخيف معروف‪.‬‬
‫وقد أرلد النبي ‪‬‬
‫في هذا الحديث العظيهلل إلى دفع هذا السؤال بأمور ثالثة‪ :‬باالنتهاء )التوقا عن التفكير والسؤال)‪ ،‬والتعوذ من الشيطان‪ ،‬وباإليمان‪.‬‬
‫أما االنتهاء – وهو األمر األول ‪ :-‬فين هللا تعالى جعل لألفكار والعقول حداً تنتهي إليه‪ ،‬وال تتجاوزه‪ .‬ويسووتحيل لو حاولت مجاوزته أن تسووتطيع‪ ،‬ألنه محال‪ ،‬ومحاولة المحال من الباطل والسووفه‪ ،‬ومن‬
‫أمحل المحال التسوولسوول في المؤثرين والفاعلين‪ .‬فين المخلوقات لها ابتداء‪ ،‬ولها انتهاء‪ .‬وقد تتسوولسوول في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى هللا الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصووفات والمواد والعناصوور { َوأ َّ‬
‫َن إلى‬
‫فأوليته تعالى ال مبتدأ لها مهما فرض و و ووت األزمان واألحوال‪ .‬وهو الذي أوجد‬‫الم ْنتَ َهى} فيذا وص و و وولت العقول إلى هللا تعالى وقفت وانتهت‪ ،‬فينه األول الذي ليس قبله ل و و وويء‪ ،‬واآلخر الذي ليس بعده ل و و وويء‪َ .‬‬
‫‪14‬‬
‫ِك ُ‬‫َرَب َ‬
‫األزمان واألحوال والعقول التي هي بعض قوى اإلنسان‪ .‬فكيف يحاول العقل أن يتشبث في إيراد هذا السؤال الباطل‪ .‬فالفرض عليه المحتهلل في هذه الحال‪ :‬الوقوف‪ ،‬واالنتهاء‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬التعوذ بالِل من الش وويطان‪ .‬فين هذا من وس ووا وس ووه وإلقائه في القلوب؛ ليش ووكك الناس في اإليمان بربههلل‪ .‬فعلى العبد إذا وجد ذلك‪ :‬أن يس ووتعيذ بالِل منه‪ ،‬فمن تعوذ بالِل بص وودق وقوة أعاذه هللا‬
‫وطرد عنه الشيطان‪ ،‬واضمحلت وساوسه الباطلة‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬أن يدفعه بما يضاده من اإليمان بالِل ورسله‪ ،‬فين هللا ورسله أخبروا ب أنه تعالى األول الذي ليس قبله ليء‪ ،‬وأنه تعالى المتفرد بالوحدانية‪ ،‬وبالخلق واإليجاد للموجودات السابقة والالحقة‪.‬‬
‫فهذا اإليمان الصحيط الصادق اليقيني يدفع جميع ما يضاده من الشبه المنافية له‪ ،‬فين الحق يدفع الباطل‪ .‬والشكوهللا ال تعارض اليقين‪.‬‬
‫تبطل هذه الشو و ووبه التي ال تزال على ألسو و وونة المالحدة‪ ،‬يلقونها بصبارات متنوعة‪ .‬فأمر باالنتهاء الذي يبطل التسو و وولسو و وول الباطل‪ ،‬وبالتعوذ من الشو و وويطان الذي هو‬ ‫فهذه األمور الثالثة التي ذكرها النبي ‪‬‬
‫الملقي لهذه الشوبهة‪ ،‬وباإليمان الصوحيط الذي يدفع كل ما يضواده من الباطل‪ .‬والحمد هلل فباالنتهاء‪ :‬قطع ا لشور مبالورة‪ .‬وباالسوتعاذة‪ :‬قطع السوبب الداعي إلى الشور‪ .‬وباإليمان اللجأ واالعتصواع باالعتقاد الصوحيط‬
‫اليقيني الذي يدفع كل معارض‪.‬‬
‫وهذه األمور الثالثة هي جماع األس و ووباب الدافعة لكل ل و ووبهة تعارض اإليمان‪ .‬فينبغي العناية بها في كل ما عرض لبيمان من ل و ووبهة وال و ووتباه يدفعه العبد مبالو و ورة بالبراهين الدالة على إبطاله‪ ،‬وبيثبات‬
‫ضوده وهو الحق الذي ليس بعده إال الضوالل‪ ،‬وبالتعوذ بالِل من الشويطان الذي يدفع إلى القلوب فتن الشوبهات‪ ،‬وفتن الشوهوات‪ ،‬ليزلزل إيمانههلل‪ ،‬ويوقعههلل بأنواع المعاصوي‪ .‬فبالصوبر واليقين‪ :‬ينال العبد السوالمة من‬
‫فتن الشهوات‪ ،‬ومن فتن الشبهات‪ .‬وهللا هو الموفق الحافظ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫سورة النجم – آية ‪.42‬‬
‫الحديث التاسع‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫الك ْيس"‬
‫الع ْجز و َ‬
‫بقدر حتى َ‬
‫"عل ليء َ‬ ‫عن عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫العجز‪ /‬الضعا والكسل‬
‫الكيس‪ /‬الذكاء والنشال‬
‫ليختبرههلل‬
‫هذا الحديث متضومن ألصول عظيهلل من أصوول اإليمان السوتة‪ .‬وهو اإليمان بالقدر خيره ولوره‪ ،‬حلوه ومره‪ ،‬عامه وخاصوه‪ ،‬سوابقه والحقه‪ ،‬بأن يعترف العبد أن علهلل هللا محيط‬
‫َّللاَ َي ْعَلهلل ما ِفي ال َّس و وماء واأل َْر ِ‬
‫ض ِإ َّن َذلِ َك‬ ‫بكل ل و وويء‪ ،‬وأنه علهلل أعمال الصباد خيرها ول و وورها‪ ،‬وعلهلل جميع أمورههلل وأحوالههلل‪ ،‬وكتب ذلك في اللو المحفو ‪ .‬كما قال تعالى {أََل ْهلل تَ ْعَل ْهلل أ َّ‬
‫َ َ‬ ‫َن َّ ُ َ‬
‫َّللاِ َي ِس وير}‪ 15‬ثهلل إن هللا ينفذ هذه األقدار في أوقاتها بحسووب ما تقتضوويه حكمته ومشووي ته‪ ،‬الشوواملتان لكل ما كان وما يكون‪ ،‬الشوواملتان للخلق واألمر‪ ،‬وأنه مع‬ ‫ِفي ِكتَ ٍ‬
‫اب ِإ َّن َذلِ َك َعَلى َّ‬
‫ذلك‪ ،‬ومع خلقه للصباد وأفعالههلل وص و ووفاتههلل‪ ،‬فقد أعطاههلل قدرة وإرادة تقع بها أفعالههلل بحس و ووب اختيارههلل‪ ،‬لهلل يجبرههلل عليها‪ .‬وهو الذي خلق قدرتههلل ومش و ووي تههلل‪ .‬وخالق الس و ووبب التاع خالق‬
‫للمسبب‪ .‬فأفعالههلل وأقوالههلل تقع بقدرتههلل ومشي تههلل اللتين خلقهما هللا فيههلل‪ ،‬كما خلق بقية قواههلل الظاهرة والباطنة‪ .‬ولكنه تعالى َي َّس َر كالً لما خلق له‪.‬‬
‫وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬وجعله من الرالدين‪ ،‬فتمت عليه نعهلل هللا من كل وجه‪.‬‬ ‫فمن َو َّجه وجهه وقصده لربه‪ :‬حبب إليه اإليمان وزينه في قلبه‪َ ،‬‬
‫ض و و و َّل واوى وليس له على ربه حجة‪ ،‬فين هللا‬ ‫َّ‬
‫وجه وجهه لغير هللا‪ ،‬بل تولى عدوه الشو و وويطان‪ :‬لهلل ييس و و وره لهذه األمور‪ ،‬بل َواله هللا ما تولى‪ ،‬وخذله‪ ،‬ووكله إلى نفسو و ووه‪ ،‬ف َ‬ ‫ومن َ‬
‫ِ‬
‫ض والََل ُة ِإَّن ُه ُهلل اتَّ َخ ُذوا ال َّش و َياط َ‬
‫ين‬ ‫أعطاه جميع األسووباب التي يقدر بها على الهداية‪ ،‬ولكنه اختار الضوواللة على الهدى‪ ،‬فال يلومن إال نفسووه‪ .‬قال تعالى‪َ{ :‬ف ِريًقا َه َدى َوَف ِريًقا َح َّق َعَل ْي ِه ُهلل ال َّ‬
‫ال ذم ْسو وتَ ِقي ٍهلل}‪ 17‬وهذا القدر يأتي على جميع أحوال‬ ‫صو ور ٍ‬
‫ِ‬ ‫ات ِإَلى الذن ِ ِ ِ ِ‬ ‫أَولِياء ِمن دو ِن َّللاِ}‪ 16‬وقال‪{ :‬يه ِدي ِب ِه َّللا م ِن اتَّبع ِرضو ووانه سو وبل ال َّسو والَ ِع وي ْخ ِرجههلل ِم ِن ذ‬
‫الظلُم ِ‬
‫ور ِبِي ْذنه َوَي ْهدي ِه ْهلل ِإَلى َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُُ َ‬ ‫َُ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫العبد وأفعاله وصو و ووفاته‪ ،‬حتى العجز والكيس‪ .‬وهما الوصو و ووفان المتضو و ووادان الذي ينال باألول منهما – وهو العجز ‪ :-‬الخيبة والخسو و وران‪ ،‬وبالثاني – وهو الكيس ‪ :-‬الجد في طاعة‬
‫الرحمن‪ .‬والمراد هنا‪ :‬العجز الذي يالع عليه العبد‪ ،‬وهو عدع اإلرادة‪ ،‬وهو الكسل‪ ،‬ال العجز الذي هو عدع القدرة‪ .‬وهذا هو معنى الحديث اآلخر "اعلموا؛ فكل ُم َي َّسر لما ُخلِق له"‪.‬‬
‫أما أهل السعادة‪ :‬فييسرون لعلهلل السعادة‪ ،‬وذلك بكيسههلل وتوفيقههلل ولطا هللا بههلل‪ .‬والكيس والعاجز هما المذكوران في قوله ‪" : ‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني"‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫سورة احلج – آية ‪.70‬‬
‫‪16‬‬
‫سورة األعراف – آية ‪.30‬‬
‫‪17‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪.16‬‬
‫الحديث العالر*‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬من دعا إلى ُه َدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه‪ ،‬ال ينقص ذلك من أجورههلل لي اً‪.‬‬
‫ومن دعا إلى ضاللة كان عليه من اإلثهلل مثل آثاع من تبعه‪ ،‬ال ينقص ذلك من آثامههلل لي اً" رواه مسلهلل‪.‬‬

‫حث‬
‫من دعى ‪ :‬من أرلد أو من نصط أو َ‬
‫والهدى‪ :‬هو العلهلل النافع‪ ،‬والعمل الصالط‪.‬‬
‫ضالله‪ :‬المعصيه‬

‫فيه‪ :‬الحث على الدعوة إلى الهدى والخير‪ ،‬وفضو و و و و وول الداعي‪ ،‬والتحذير من الدعاء إلى الضو و و و و وواللة والغي‪ ،‬وعظهلل جرع الداعي‬ ‫هذا الحديث – وما ألو و و و و ووبهه من األحاديث –‬
‫َ‬
‫وعقوبته‪.‬‬
‫فكل من علهلل علماً لو َو َّجه المتعلمين إلى سلوهللا طريقة يحصل لههلل فيها علهلل‪ :‬فهو داع إلى الهدى‪.‬‬
‫وكل من دعاء إلى عمل صالط يتعلق بحق هللا‪ ،‬أو بحقوق الخلق العامة والخاصة‪ :‬فهو داع إلى الهدى‪.‬‬
‫وكل من أبدى نصيحة دينية أو دنيوية يتوسل بها إلى الدين‪ :‬فهو داع إلى الهدى‪.‬‬
‫وكل من اهتدى في علمه أو عمله‪ ،‬فاقتدى به ايره‪ :‬فهو داع إلى الهدى‪.‬‬
‫وكل من تقدع ايره بعمل خيري‪ ،‬أو مشروع عاع النفع‪ :‬فهو داخل في هذا النص‪.‬‬
‫وعكس ذلك كله‪ :‬الداعي إلى الضاللة‪.‬‬
‫فالداعون إلى الهدى‪ :‬ههلل أئمة المتقين‪ ،‬وخيار المؤمنين‪.‬‬
‫والداعون إلى الضاللة‪ :‬ههلل األئمة الذين يدعون إلى النار‪.‬‬
‫وكل من عاون ايره على البر والتقوى‪ :‬فهو من الداعين إلى الهدى‪.‬‬
‫وكل من أعان ايره على اإلثهلل والعدوان‪ :‬فهو من الداعين إلى الضاللة‪.‬‬
‫الحديث الحادي عشر "حفظ"*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪" :‬من يرد هللا به خي اًر يفقهه في الدين"‬ ‫عن معاوية رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫هذا الحديث من أعظهلل فضائل العلهلل‪ ،‬وفيه‪ :‬أن العلهلل النافع عالمة على سعادة العبد‪ ،‬وأن هللا أراد به خي اًر‪.‬‬
‫والفقه في الدين يشوومل الفقه في أصووول اإليمان‪ ،‬ولورائع اإلسووالع واألحكاع‪ ،‬وحقائق اإلحسووان‪ .‬فين الدين يشوومل الثالثة كلها‪ ،‬كما في حديث جبريل لما‬
‫بحدودها‪ .‬ففسر اإليمان بأصوله الستة‪ .‬وفسر اإلسالع بقواعده الخمس‪ .‬وفسر اإلحسان ب و "أن تعبد‬ ‫سأل النبي ‪ ‬عن اإليمان واإلسالع واإلحسان‪ ،‬وأجابه ‪‬‬
‫هللا كأنك تراه‪ ،‬فين لهلل تكن تراه فينه يراهللا" فيدخل في ذلك التفقه في العقائد‪ ،‬ومعرفة مذهب السو و وولا فيها‪ ،‬والتحقق به ظاه اًر وباطناً‪ ،‬ومعرفة مذاهب المخالفين‪،‬‬
‫وبيان مخالفتها للكتاب والسنة‪.‬‬
‫ودخل في ذلك‪ :‬علهلل الفقه‪ ،‬أصوله وفروعه‪ ،‬أحكاع الصبادات والمعامالت‪ ،‬والجنايات وايرها‪.‬‬
‫ودخل في ذلك‪ :‬التفقه بحقائق اإليمان‪ ،‬ومعرفة السير والسلوهللا إلى هللا‪ ،‬الموافقة لما دل عليه الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وكذلك يدخل في هذا‪ :‬ذ‬
‫تعلهلل جميع الوسائل المعينة على الفقه في الدين كعلوع العربية بأنواعها‪.‬‬
‫فمن أراد هللا به خي اًر فقهه في هذه األمور‪ ،‬ووفقه لها‪.‬‬
‫ودل مفهوع الحديث على أن من أعرض عن هذه العلوع بالكلية فين هللا لهلل يرد به خي اًر‪ ،‬لحرمانه األسباب التي تنال بها الخيرات‪ ،‬وتكتسب بها السعادة‪.‬‬
‫َ‬
‫الحديث الثاني عشر*‬
‫ٍ‬
‫كل خير‪ .‬احرص على ما‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬المؤمن القوي خير‪ ،‬وأحب إلى هللا من المؤمن الضصيف‪ ،‬وفي َ‬
‫ينفعك‪ ،‬واستعن بالِل وال تَ ْع َجز‪ .‬وإن أصابك ليء فال تَُقل‪ :‬لو أني فعلت كذا‪ ،‬كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪َّ :‬‬
‫قدر هللا‪ ،‬وما لاء فعل‪ ،‬فين َل ْو تفتط عمل الشيطان"‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬

‫المؤمن القوي‪ /‬أشد عزيمة في األمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬والصبر على األذى وأرغب في الصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واألذكار‪ ،‬وسائر العبادات‪ ،‬وأنشط طلبًا لها‪،‬‬
‫ومحافظةً عليها‪.‬‬
‫وفي كل خير‪ /‬ألن المؤمن وإن كان ضصيفاً في بدنه‪ ،‬أو عاج اًز فينه ال يخلو من خير‬
‫احرص على ما ينفعك‪ /‬أي‪( :‬تمسك أو االهتماع) على األسباب التي تنفعك في أمور الدين وأمور الدنيا‪.‬‬
‫استعن بالِل‪ /‬توكل على هللا مع فعل األسباب‬
‫ال تعجز‪ /‬ال تكسل أو تضعا أو تحزن‬

‫هذا الحديث التمل على أصول عظيمة كلمات جامعة‪.‬‬


‫ودل على أنها تتعلق بيرادته ومش ووي ته‪ ،‬وأيضو واً تتفاض وول‪ .‬فمحبته للمؤمن القوي أعظهلل من محبته للمؤمن‬
‫فمنها‪ :‬إثبات المحبة ص ووفة هلل‪ ،‬وأنها متعلقة بمحبوباته وبمن قاع بها َ‬
‫الضصيف‪.‬‬
‫ودل الحديث على أن اإليمان يش وومل العقائد القلبية واألقوال واألفعال‪ ،‬كما هو مذهب أهل الس وونة والجماعة فين اإليمان بض ووع وس ووبعون ل ووصبة‪ ،‬أعالها‪ :‬قول‪" :‬ال إله إال هللا"‬ ‫َ‬
‫وك َّمل نفسو و ووه بالعلهلل النافع‬
‫وأدناها‪ :‬إماطة األذى عن الطريق‪ .‬والحياء لو و ووصبة منه‪ .‬وهذه الشو و ووعب التي ترجع إلى األعمال الباطنة والظاهرة كلها من اإليمان‪ .‬فمن قاع بها حق القياع‪َ ،‬‬
‫وكمل ايره بالتواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر‪ :‬فهو المؤمن القوي الذي حاز أعلى مراتب اإليمان‪ .‬ومن لهلل يصل إلى هذه المرتبة‪ :‬فهو المؤمن الضصيف‪.‬‬
‫والعمل الصالط‪َّ ،‬‬
‫وهذا من أدلة السلا على أن اإليمان يزيد وينقص‪ .‬وذلك بحسب علوع اإليمان ومعارفه‪ ،‬وبحسب أعماله‪.‬‬
‫دل عليه الكتاب والسنة في مواضع كثيرة‪:‬‬
‫وهذا األصل قد َ‬
‫بين المؤمنين قويههلل وضصيفههلل خشي من توههلل القد في المفضول‪ ،‬فقال‪" :‬وفي كل خير" وفي هذا االحتراز فائدة نفيسة‪ ،‬وهي أن على من فاضل بين‬ ‫ولما فاضل النبي ‪‬‬
‫األل ووخاص أو األجناس أو األعمال أن يذكر وجه التفض وويل‪ ،‬وجهة التفض وويل‪ .‬ويحترز بذكر الفض وول المش ووترهللا بين الفاض وول والمفض ووول‪ ،‬ل ال يتطرق القد إلى المفض ووول وكذلك في‬
‫الجانب اآلخر إذا ذكرت مراتب الشر واأللرار‪ ،‬وذكر التفاوت بينهما‪ .‬فينبغي بعد ذلك أن يذكر القدر المشترهللا بينهما من أسباب الخير أو الشر‪ .‬وهذا كثير في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫{ولِ ُكو ٍَل َد َر َجوات َِم َّموا َع ِملُوْا}‪ 18‬ويجمعههلل ثالثوة أقسو و و و و و وواع‪ :‬السو و و و و و ووابقون إلى‬
‫وفي هوذا الحوديوث‪ :‬أن المؤمنين يتفواوتون في الخيريوة‪ ،‬ومحبوة هللا والقيواع بودينوه‪ ،‬وأنههلل في ذلوك درجوات َ‬
‫الخيرات‪ ،‬وههلل الذين قاموا بالواجبات والمسووتحبات‪ ،‬وتركوا المحرمات والمكروهات‪ ،‬وفضووول المباحات وكملوا ما بالووروه من األعمال‪ ،‬واتصووفوا بجميع صووفات الكمال‪ .‬ثهلل المقتصوودون‬

‫الذين اقتصروا على القياع بالواجبات وترهللا المحظورات‪ .‬ثهلل الظالمون ألنفسههلل‪ ،‬الذين خلطوا عمالً صالحاً وآخر َِ‬
‫سي اً‪.‬‬
‫وقوله ‪" : ‬احرص على ما ينفعك واستعن بالِل" كالع جامع نافع‪ ،‬م ِح ٍ‬
‫تو على سعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واألمور النافعة قس وومان‪ :‬أمور دينية‪ ،‬وأمور دنيوية‪ .‬والعبد محتاج إلى الدنيوية كما أنه محتاج إلى الدينية‪ .‬فمدار س ووعادته وتوفيقه على الحرص واالجتهاد في األمور النافعة‬
‫منهما‪ ،‬مع االسووتعانة بالِل تعالى‪ ،‬فمتى حرص العبد على األمور النافعة واجتهد فيها‪ ،‬وسوولك أسووبابها وطرقها‪ ،‬واسووتعان بربه في حصووولها وتكميلها‪ :‬كان ذلك كماله‪ ،‬وعنوان فالحه‪.‬‬
‫ومتى فاته واحد من هذه األمور الثالثة‪ :‬فاته من الخير بحسو و ووبها‪ ،‬فمن لهلل يكن حريص و و واً على األمور النافعة‪ ،‬بل كان كسو و ووالناً لهلل يدرهللا لو و ووي اً‪ .‬فالكسو و وول هو أصو و وول الخيبة والفشو و وول‪.‬‬
‫فالكسو و ووالن ال يدرهللا خي اًر‪ ،‬وال ينال مكرمة‪ ،‬وال يحظى بدين وال دنيا‪ ،‬ومتى كان حريصو و واً‪ ،‬ولكن على اير األمور النافعة‪ :‬إما على أمور ضو و ووارة‪ ،‬أو مفوتة للكمال كان ثمرة حرصو و ووه‬
‫الخيبة‪ ،‬وفوات الخير‪ ،‬وحصول الشر والضرر‪ ،‬فكهلل من حريص على سلوهللا طرق وأحوال اير نافعة لهلل يستفد من حرصه إال التعب والعناء والشقاء‪.‬‬

‫ثهلل إذا سولك العبد الطرق النافعة‪ ،‬وحرص عليها‪ ،‬واجتهد فيها‪ :‬لهلل تتهلل له إال بصودق اللجأ إلى هللا‪ ،‬واالسوتعانة به على إدراعها وتكميلها وأال يتكل على نفسوه َ‬
‫وح ْوله وقوته‪ ،‬بل‬
‫يكون اعتماده التاع بباطنه وظاهره على ربه‪ .‬فبذلك تهون عليه المص و وواعب‪ ،‬وتتيس و وور له األحوال محتاج – بل مض و ووطر ااية االض و ووطرار – إلى معرفة األمور التي ينبغي الحرص‬
‫عليها‪ ،‬والجد في طلبها‪.‬‬
‫فاألمور النافعة في الدين ترجع إلى أمرين‪ :‬علهلل نافع‪ ،‬وعمل صالط‪.‬‬
‫من حديث وتفس و و و ووير وفقه‪ ،‬وما يعين على ذلك من علوع العربية‬ ‫‪ ،‬المثمر لس و و و ووعادة الدارين‪ .‬وهو ما جاء به الرس و و و ووول ‪‬‬ ‫أما العلهلل النافع‪ :‬فهو العلهلل المزكي للقلوب واألروا‬
‫بحسوب حالة الوقت والموضوع الذي فيه اإلنسوان‪ ،‬وتعيين ذلك يختلا باختالف األحوال‪ .‬والحالة التقريبية‪ :‬أن يجتهد طالب العلهلل في حفظ مختصور من مختصورات الفن الذي يشوتغل‬
‫فيه‪ .‬فين تعذر أو تعس وور عليه حفظه لفظاً‪ ،‬فليكرره كثي اًر‪ ،‬متدب اًر لمعانيه‪ ،‬حتى ترس ووخ معانيه في قلبه‪ .‬ثهلل تكون باقي كتب هذا الفن كالتفس ووير والتوض وويط والتفريع لذلك األص وول الذي‬
‫عرفه وأدركه‪ ،‬فين اإلنسان إذا حفظ األصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها‪ :‬صغارها وكبارها‪ .‬ومن ضيع األصول حرع الوصول‪.‬‬
‫فمن حرص على هذا الذي ذكرناه‪ ،‬واستعان بالِل‪ :‬أعانه هللا‪ ،‬وبارهللا في علمه‪ ،‬وطريقه الذي سلكه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫سورة األحقاف – آية ‪.19‬‬
‫ومن س و وولك في طلب العلهلل اير هذه الطريقة النافعة‪ :‬فاتت عليه األوقات‪ ،‬ولهلل يدرهللا إال العناء‪ ،‬كما هو معروف بالتجربة‪ .‬والواقع يش و ووهد به‪ ،‬فين يس و وور هللا له معلماً يحس و وون‬
‫طريقة التعليهلل‪ ،‬ومسالك التفهيهلل‪ :‬تهلل له السبب الموصل إلى العلهلل‪.‬‬
‫وهو العمل الصووالط ‪ :-‬فهو الذي جمع اإلخالص هلل‪ ،‬والمتابعة للرسووول ‪ ،‬وهو التقرب إلى هللا‪ :‬باعتقاد ما يجب هلل من صووفات الكمال‪ ،‬وما يسووتحقه‬ ‫وأما األمر الثاني –‬
‫على اباده من العبودية‪ ،‬وتنزيهه عما ال يليق بجالله‪ ،‬وتصو ووديقه وتصو ووديق رسو وووله في كل خبر أخب ار به عما مضو ووى‪ ،‬وعما يسو ووتقبل عن الرسو وول‪ ،‬والكتب والمالئكة‪ ،‬وأحول اآلخرة‪،‬‬
‫والجنة والنار‪ ،‬والثواب والعقاب واير ذلك ثهلل يسووعى في أداء ما فرضووه هللا على اباده‪ :‬من حقوق هللا‪ ،‬وحقوق خلقه ويكمل ذلك بالنوافل والتطوعات‪ ،‬خصوووص واً المؤكدة في أوقاتها‪،‬‬
‫مسوتعيناً بالِل على فعلها‪ ،‬وعلى تحقيقها وتكميلها‪ ،‬وفعلها على وجه اإلخالص الذي ال يشووبه ارض من األاراض النفسوية‪ .‬وكذلك يتقرب إلى هللا بترهللا المحرمات‪ ،‬وخصووصواً التي‬
‫تدعو إليها النفوس‪ ،‬وتميل إليها‪ .‬فيتقرب إلى ربه بتركها هلل‪ ،‬كما يتقرب إليه بفعل المأمورات‪ ،‬فمتى وَفق العبد بسو و و و وولوهللا هذا الطريق في العمل‪ ،‬واسو و و و ووتعان هللا على ذلك أفلط ونجط‪.‬‬
‫وكان كماله بحسب ما قاع به من هذه األمور‪ ،‬ونقصه بحسب ما فاته منها‪.‬‬
‫وأما األمور النافعة في الدنيا‪ :‬فالعبد ال بد له من طلب الرزق‪ .‬فينبغي أن يس وولك أنفع األس ووباب الدنيوية الالئقة بحاله‪ .‬وذلك يختلا باختالف الناس‪ ،‬ويقص وود بكس ووبه وس ووصيه‬
‫القياع بواجب نفس ووه‪ ،‬وواجب من يعوله ومن يقوع بمؤنته‪ ،‬وينوي الكفاف واالس ووتغناء بطلبه عن الخلق‪ .‬وكذلك ينوي بس ووصيه وكس ووبه تحص وويل ما تقوع به العبوديات المالية‪ :‬من الزكاة‬
‫والصو و وودقة‪ ،‬والنفقات الخيرية الخاصو و ووة والعامة مما يتوقا على المال‪ ،‬ويقصو و وود المكاسو و ووب الطيبة‪ ،‬متجنباً للمكاسو و ووب الخبيثة المحرمة‪ .‬فمتى كان طلب العبد وسو و ووصيه في الدنيا لهذه‬
‫المقاصوود الجليلة‪ ،‬وسوولك أنفع طريق يراه مناسووباً لحاله كانت حركاته وسووصيه قربة يتقرب إلى هللا بها‪ .‬ومن تماع ذلك‪ :‬أال يتكل العبد على حوله وقوته وذكائه ومعرفته‪ ،‬وحذقه بمعرفة‬
‫األسوباب وإدارتها‪ ،‬بل يسوتعين بربه متوكالً عليه‪ ،‬راجياً منه أن ييسوره أليسور األمور وأنجحها‪ ،‬وأقربها تحصويالً لمراده‪ .‬ويسوأل ربه أن يبارهللا له في رزقه‪ ،‬فأول بركة الرزق‪ :‬أن يكون‬
‫مؤسو وسو واً على التقوى والنية الصو ووالحة‪ .‬ومن بركة الرزق‪ :‬أن يوفق العبد لوضو ووعه في مواضو ووعه الواجبة والمسو ووتحبة‪ ،‬ومن بركة الرزق‪ :‬أال ينسو ووى العبد الفضو وول في المعاملة‪ ،‬كما قال‬
‫‪19‬‬
‫بالتيسير على الموسرين‪ ،‬وإنظار المعسرين‪ ،‬والمحاباة عند البيع والشراء‪ ،‬بما تيسر من قليل أو كثير‪ .‬فبذلك ينال العبد خي اًر كثي اًر‪.‬‬ ‫ض َل َب ْي َن ُك ْهلل}‬
‫نس ُوْا اْلَف ْ‬
‫{والَ تَ َ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫فين قيل‪ :‬أي المكاسب أولى وأفضلف‬
‫قيل‪ :‬قد اختلا أهل العلهلل في ذلك‪ .‬فمنههلل من فضوول الزراعة والحراثة‪ .‬ومنههلل من فضوول البيع والش وراء‪ .‬ومنههلل من فضوول القياع بالصووناعات والحرف ونحوها‪ .‬وكل منههلل أدلى‬
‫قال‪" :‬احرص على ما ينفعك‪ ،‬واس ووتعن بالِل" والنافع من ذلك معلوع أنه يختلا باختالف األحوال واألل ووخاص‪ .‬فمنههلل من‬ ‫بحجته‪ .‬ولكن هذا الحديث هو الفاص وول للنزاع‪ ،‬وهو أنه ‪‬‬
‫تكون الحراثة والزراعة أفضل في حقه‪ ،‬ومنههلل من يكون البيع والشراء والقياع بالصناعة التي يحسنها أفضل في حقه‪ .‬فاألفضل من ذلك وايره األنفع‪.‬‬
‫فصلوات هللا وسالمه على من أعطي جوامع الكلهلل ونوافعها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.237‬‬
‫حض على الرضا بقضاء هللا وقدره‪ ،‬بعد بذل الجهد‪ ،‬واستفراغ الوسع في الحرص على النافع‪ .‬فيذا أصاب العبد ما يكرهه فال ينسب ذلك إلى ترهللا بعض األسباب‬ ‫ثهلل إنه ‪َ ‬‬
‫التي يظن نفعها لو فعلها‪ ،‬بل يسووكن إلى قضوواء هللا وقدره ليزداد إيمانه‪ ،‬ويسووكن قلبه وتسووتريط نفسووه؛ فين " لو " في هذه الحال تفتط عمل الشوويطان بنقص إيمانه بالقدر‪ ،‬واعت ارضووه‬
‫هي أعظهلل الطرق لراحة القلب‪ ،‬وأدعى لحص و ووول القناعة والحياة الطيبة‪ ،‬وهو الحرص على‬ ‫عليه‪ ،‬وفتط أبواب الههلل والحزن والمض و ووعا للقلب‪ .‬وهذه الحال التي أرل و وود إليها النبي ‪‬‬
‫األمور النافعة‪ ،‬واالجتهاد في تحصيلها‪ ،‬واالستعانة بالِل عليها‪ ،‬ولكر هللا على ما يسره منها‪ ،‬والرضى عنه بما فات‪ ،‬ولهلل يحصل منها‪.‬‬
‫واعلهلل أن اسو ووتعمال " لو " يختلا باختالف ما قصو وود بها‪ .‬فين اسو ووتعملت في هذه الحال التي ال يمكن اسو ووتدراهللا الفائت فيها فينها تفتط على العبد عمل الشو وويطان‪ ،‬كما تقدع‪.‬‬
‫وكذلك لو استعملت في تمني الشر والمعاصي فينها مذمومة‪ ،‬وصاحبها آثهلل‪ ،‬ولو لهلل يبالر المعصية‪ .‬فينه تمنى حصولها‪.‬‬
‫يشمل استعماله واألمر به في األمور‬ ‫وهذا األصل الذي ذكره النبي ‪ - ‬وهو األمر بالحرص على األمور النافعة‪ ،‬ومن الزمه اجتناب األمور الضارة مع االستعانة بالِل –‬
‫الجزئية المختصو و ووة بالعبد ومتعلقاته‪ ،‬ويشو و وومل األمور الكلية المتعلقة بعموع األمة‪ .‬فعليههلل جميعاً أن يحرص و و ووا على األمور النافعة‪ .‬وهي المصو و ووالط الكلية واالسو و ووتعداد ألعدائههلل بكل‬
‫مسو ووتطاع مما يناسو ووب الوقت‪ ،‬من القوة المعنوية والمادية‪ ،‬ويبذلوا ااية مقدورههلل في ذلك‪ ،‬مسو ووتعينين بالِل على تحقيقه وتكميله‪ ،‬ودفع جميع ما يضو وواد ذلك‪ .‬ولو وور هذه الجملة يطول‬
‫وتفاصيلها معروفة‪.‬‬
‫دل عليهما الكتاب والسوونة في مواضووع كثيرة‪ .‬وال يتهلل الدين إال‬
‫وقد جميع النبي ‪ ‬في هذا الحديث بين اإليمان بالقضوواء والقدر‪ ،‬والعمل باألسووباب النافعة‪ ،‬وهذان األصووالن َ‬
‫بهموا‪ .‬بول ال تتهلل األمور المقصو و و و و و ووودة كلهوا إال بهموا‪ ،‬ألن قولوه "احرص على موا ينفعوك" أمر بكول سو و و و و و وبوب ديني ودنيوي‪ ،‬بول أمر بوالجود واالجتهواد فيوه والحرص لصيوه‪ ،‬نيوة وهموة‪ ،‬فعالً‬
‫وتدبي اًر‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬واس ووتعن بالِل" إيمان بالقض وواء والقدر‪ ،‬وأمر بالتوكل على هللا الذي هو االعتماد التاع على حوله وقوته تعالى في جلب المص ووالط ودفع المض ووار‪ ،‬مع الثقة التامة بالِل‬
‫يتعين عليه أن يتوكل على هللا في أمر دينه ودنياه‪ ،‬وأن يقوع بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته وهللا المستعان‪.‬‬ ‫ذلك‪ .‬فالمتبع للرسول ‪‬‬ ‫في نجا‬
‫الحديث الثالث عشر*حفظ‬

‫الحث منه على مراعاة هذا األصو و و و و وول‪ .‬وأن يكونوا إخواناً متراحمين متحابين‬
‫َ‬ ‫هذا حديث عظيهلل‪ ،‬فيه الخبر من النبي ‪ ‬عن المؤمنين أنههلل على هذا الوصو و و و و ووا‪ .‬ويتضو و و و و وومن‬
‫متعاطفين‪ ،‬يحب كل منههلل لآلخر ما يحب لنفسووه‪ ،‬ويسووعى في ذلك‪ ،‬وأن عليههلل مراعاة المصووالط الكلية الجامعة لمصووالحههلل كلههلل‪ ،‬وأن يكونوا على هذا الوصووا فين البنيان المجموع‬
‫من أس وواس ووات وحيطان محيطة كلية وحيطان تحيط بالمنازل المختص ووة‪ ،‬وما تتض وومنه من س ووقوف وأبواب ومص ووالط ومنافع‪ .‬كل نوع من ذلك ال يقوع بمفرده حتى ينض ووهلل بعض ووها إلى‬
‫يقوع ذلك ويقويه‪ ،‬ويزيل موانعه وعوارضه‪.‬‬ ‫بعض‪ .‬كذلك المسلمون يجب أن يكونوا كذلك‪ .‬فيراعوا يياع دينههلل ولرائعه وما َِ‬
‫فالفروض العينية‪ :‬يقوع بها كل مكلا‪ ،‬ال يسو و ووع مكلفاً قاد اًر تركها أو اإلخالل بها‪ .‬وفروض الكفايات‪ :‬يجعل في كل فرض منها من يقوع به من المسو و وولمين‪ ،‬بحيث تحصو و وول‬
‫ين َولِ ُين ِوذ ُروْا َق ْو َم ُه ْهلل}‪ ،20‬وقوال‬ ‫ان اْل ُم ْؤ ِم ُنو َن لِ َي ِنف ُروْا َكوةَّفو ًة َفَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُكو َِل ِف ْرَقو ٍة َِم ْن ُه ْهلل َ‬
‫طو ِةئَفوة َلِ َيتََفَّق ُهوْا ِفي ال َِود ِ‬ ‫بههلل الكفوايوة‪ ،‬ويتهلل بههلل المقصو و و و و و ووود المطلوب‪ .‬قوال تعوالى في الجهواد‪َ { :‬و َموا َكو َ‬
‫نك ِر}‪ 21‬وأمر تعالى بالتعاون على البر والتقوى فالمسوولمون قصوودههلل ومطلوبههلل واحد‪ ،‬وهو يياع مصووالط‬ ‫ُمة ي ْدعو َن ِإَلى اْلخي ِر ويأْمرو َن ِباْلمعر ِ‬
‫وف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم َ‬ ‫تعالى‪َ { :‬وْلتَ ُكن َِم ُ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ ْ َ َ ُُ‬ ‫نك ْهلل أ َّ َ ُ‬
‫دينههلل ودنياههلل التي ال يتهلل الدين إال بها‪ .‬وكل طائفة تسووعى في تحقيق مهمتها بحسووب ما يناسووبها ويناسووب الوقت والحال‪ .‬وال يتهلل لههلل ذلك إال بعقد المشوواورات والبحث عن المصووالط‬
‫الكلية‪ .‬وبأي وسو و وويلة تدرهللا‪ ،‬وكيفية الطرق إلى سو و وولوكها‪ ،‬وإعانة كل طائفة لألخرى في رأيها وقولها وفعلها وفي دفع المعارضو و ووات والمعوقات عنها‪ ،‬فمنههلل طائفة تتعلهلل‪ .‬وطائفة تعلهلل‪،‬‬
‫ومنههلل طائفة تخرج إلى الجهاد بعد تعلمها لفنون الحرب‪ .‬ومنههلل طائفة ترابط‪ ،‬وتحافظ على الثغور‪ ،22‬ومسوالك األعداء‪ .‬ومنههلل طائفة تشوتغل بالصوناعات المخرجة لألسولحة المناسوبة‬

‫‪20‬‬
‫سورة التوبة – آية ‪. 122‬‬
‫‪21‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪. 104‬‬
‫‪22‬‬
‫حدود األعداء لتمنع هجومهم على بالد اإلسالم‪.‬‬
‫لكل زمان بحسووبه‪ .‬ومنههلل طائفة تشووتغل بالحراثة والزراعة والتجارة والمكاسووب المتنوعة‪ ،‬والسووعي في األسووباب االقتصووادية‪ ،‬ومنههلل طائفة تشووتغل بدرس السووياسووة وأمور الحرب والسوولهلل‪،‬‬
‫وما ينبغي عمله مع األعداء مما يعود إلى مص وولحة اإلس ووالع والمس وولمين‪ ،‬وترجيط أعلى المص ووالط على أدناها‪ ،‬ودفع أعلى المض ووار بالنزول إلى أدناها‪ ،‬والموازنة بين األمور‪ ،‬معرفة‬
‫حقيقة المصالط والمضار ومراتبها‪.‬‬
‫وبالجملة‪ ،‬يسعون كلههلل لتحقيق مصالط دينههلل ودنياههلل‪ ،‬متساعدين متساندين‪ ،‬يرون الغاية واحدة‪ ،‬وإن تباينت الطرق‪ ،‬والمقصود واحد‪ ،‬وإن تعددت الوسائل إليه‪.‬‬
‫فما أنفع العمل بهذا الحديث العظيهلل الذين أرلود فيه هذا النبي الكريهلل أمته إلى أن يكونوا كالبنيان يشود بعضوه بعضواً‪ ،‬وكالجسود الواحد إذا الوتكى منه عضوو تداعى له سوائر‬
‫الجسو و وود بالحمى والسو و ووهر‪ .‬ولهذا حث الشو و ووارع على لك ما يقوي هذا األمر‪ ،‬وما يوجب المحبة بين المؤمنين‪ ،‬وما به يتهلل التعاون على المنافع‪ ،‬ونهى عن التفرق والتعادي‪ ،‬وتشو و ووتيت‬
‫الكلمة في نصوص كثيرة حتى عد هذا أصالً عظيماً من أصول الدين تجب مراعاته واعتباره وترجيحه على ايره والسعي إليه بكل ممكن‪.‬‬
‫فنسأل هللا تعالى أن يحقق للمسلمين هذا األصل ويؤلا بين قلوبههلل‪ ،‬ويجعلههلل يداً واحدة على من ناوأههلل وعاداههلل‪ ..‬إنه كريهلل‪.‬‬
‫الحديث الرابع عشر* حفظ‬
‫كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة‪ ،‬قال‪" :‬الفعوا فلتؤجروا‪ ،‬ويقضي هللا على لسان رسوله ما لاء"‬ ‫عن أبي موسى رضي هللا عنه "أن النبي ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫الشفاعه ‪ /‬هي التوسط في جلب منفعه او دفع ضر‬
‫وهذا الحديث متضمن ألصل كبير‪ ،‬وفائدة عظيمة‪ ،‬وهو أنه ينبغي للعبد أن يسعى في أمور الخير سواء أثمرت مقاصدها ونتائجها أو حصل بعضها‪ ،‬أو لهلل يتهلل منها ليء‪.‬‬
‫فيفوت على نفسوه خي اًر كثي اًر‬
‫وذلك كالشوفاعة ألصوحاب الحاجات عند الملوهللا والكبراء‪ ،‬ومن تعلقت حاجاتههلل بههلل فين كثي اًر من الناس يمتنع من السوعي فيها إذا لهلل يعلهلل قبول لوفاعته‪َ .‬‬
‫من هللا‪ ،‬ومعروفاً عند أخيه المسو وولهلل‪ .‬فلهذا أمر النبي ‪ ‬أصو ووحابه أن يسو وواعدوا أصو ووحاب الحاجة بالشو ووفاعة لههلل عنده ليتعجلوا األجر عند هللا‪ ،‬لقوله‪" :‬الو ووفعوا تؤجروا" فين الشو ووفاعة‬
‫صو ويب َِم ْن َها}‪ 23‬ومع تعجله لألجر الحاض وور فينه أيضو واً يتعجل اإلحس ووان وفعل المعروف مع أخيه‪،‬‬ ‫الحس وونة محبوبة هلل‪ ،‬ومرض ووية له‪ .‬قال تعال‪َّ { :‬من ي ْشو وَفع َلو وَفاع ًة حسو ون ًة ي ُكن َّله ن ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ويكون له بذلك عنده يد‪.‬‬
‫وأيض واً‪ ،‬فلعل لووفاعته تكون سووبباً لتحصوويل مراده من المشووفوع له أو لبعضووه‪ ،‬ما هو الواقع‪ .‬فالسووعي في أمور الخير والمعروف التي يحتمل أن تحصوول أو ال تحصوول خير‬
‫عاجل‪ ،‬وتعويد للنفوس على اإلعانة على الخير‪ ،‬وتمهيد للقياع بالشفاعات التي يتحقق أو ُيظن قبولها‪.‬‬
‫وفيه من الفوائد‪ :‬السو و ووعي في كل ما يزيل اليأس‪ ،‬فين الطلب والسو و ووعي عنوان على الرجاء والطمع في حصو و ووول المراد‪ ،‬وضو و ووده بضو و ووده‪ ،‬وفي الحديث دليل على الترايب في‬
‫توجيه الناس إلى فعل الخير‪ ،‬وأن الشووفاعة ال يجب على المشووفوع عنده قبولها إال أن يشووفع في إيصووال الحقوق الواجبة‪ ،‬فين الحق الواجب يجب أداؤه وإيصوواله إلى مسووتحقه‪ ،‬ولو لهلل‬
‫يشفع فيه‪ .‬ويتأعد ذلك مع الشفاعة‪.‬‬
‫‪ ،‬فين جميع الخير والمنافع العامة والخاصة لهلل‬ ‫وفيه أيضاً‪ :‬رحمة النبي ‪ ‬في حصول الخير ألمته بكل طريق‪ .‬وهذا فرد من آالف مؤلفة تدل على كمال رحمته ورأفته ‪‬‬
‫تنلها األمة إلى على يده وبوسواطته وتعليمه وإرلواده‪ ،‬كما أنه أرلودههلل لدفع الشورور واألضورار العامة والخاصوة بكل طريق‪ .‬فلقد َّبل و َّأدى األمانة‪ ،‬ونصوط األمة صولوات هللا وسوالمه‬
‫وبركته عليه وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قوله‪" :‬ويقضو ووي هللا على لسو ووان نبيه ما لو وواء" قضو وواؤه تعالى نوعان‪ :‬قضو وواء قدري‪ ،‬يشو وومل الخير والشو وور والطاعات والمعاصو ووي‪ ،‬بل يشو وومل جميع ما كان وما يكون‪ ،‬وجميع‬
‫عبد رس ووول‪ ،‬قد‬‫أخص منه القض وواء القدري الديني الذي يختص بما يحبه هللا ويرض وواه‪ ،‬وهذا الذي يقض ووي على لس ووان نبيه من القس ووهلل الثاني؛ إذ هو ‪‬‬
‫الحوادث الس ووابقة والالحقة‪ .‬و َ‬
‫وفى مقاع العبودية‪ ،‬وكمل مراتب الرس و و ووالة‪ ،‬فكل أقواله وأفعاله وهديه وأخالقه عبودية هلل متعلقة بمحبوبات هللا تعالى‪ .‬ولهلل يكن في حقه ‪ ‬ل و و وويء مبا محض ال ثواب فيه وال أجر‬‫َّ‬
‫فضالً عما ليس بمأمور‪ .‬وهذا لأن العبد الرسول الذي اختار ‪ ‬هذه المرتبة التي هي أعلى المراتب حين خير بين أن يكون رسوالً ملكاً‪ ،‬أو عبداً رسوالً‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.85‬‬
‫الحديث الخامس عشر‬
‫رواه أبو داود‪.‬‬ ‫قال‪" :‬أنزلوا الناس منازلههلل"‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أن النبي ‪‬‬
‫منازلههلل ‪ /‬أي مكانتههلل‬
‫الحق العاع ‪ /‬لجميع الناس بأن يحب لههلل ما يحب لنفسه ويكره لههلل ما يكره لنفسه‬

‫يا له من حديث حكيهلل‪ .‬فيه الحث ألمته على مراعاة الحكمة‪ .‬فين الحكمة وضو ووع األلو ووياء مواضو ووعها‪ ،‬وتنزيلها منازلها‪ .‬وهللا تعالى حكيهلل في خلقه وتقديره‪ ،‬وحكيهلل في لو وورعه‬
‫وإرلاداته كلها تدور على الحكمة‪.‬‬ ‫وأمره ونهيه وقد أمر اباده بالحكمة ومراعاتها في كل ليء وأوامر النبي ‪‬‬
‫فمنها‪ :‬هذا الحديث الجامع‪ ،‬إذ أمر أن ننزل الناس منازلههلل‪ .‬وذلك في جميع المعامالت‪ ،‬وجميع المخاطبات‪ .‬والتعلهلل والتعليهلل‪.‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬أن الناس قسمان‪ :‬قسهلل لههلل حق خاص‪ ،‬كالوالدين واألوالد واألقارب‪ ،‬والجيران واألصحاب والعلماء‪ ،‬والمحسنين بحسب إحسانههلل العاع والخاص‪ .‬فهذا القسهلل تنزيلههلل‬
‫منازلههلل‪ :‬القياع بحقوقههلل المعروفة لرعاً وعرفاً‪ ،‬من البر والصلة واإلحسان والتوقير والوفاء والمواساة‪ ،‬وجميع ما لههلل من الحقوق‪ ،‬فهؤالء يميزون عن ايرههلل بهذه الحقوق الخاصة‪.‬‬
‫وقسووهلل ليس لههلل مزية اختصوواص بحق خاص‪ ،‬وإنما لههلل حق اإلسووالع وحق اإلنسووانية (الحق العاع)‪ .‬فهؤالء حقههلل المشووترهللا‪ :‬أن تمنع عنههلل األذى والضوورر بقول أو فعل‪ ،‬وأن‬
‫تحب للمسلمين ما تحب لنفسك من الخير وتكره لههلل ما تكره لها من الشر‪ .‬بل يجب منع األذى عن جميع نوع اإلنسان وإيصال ما تقدر عليه لههلل من اإلحسان‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا‪ :‬أن يعالوور الخلق بحسووب منازلههلل‪ .‬فالكبير له التوقير واالحتراع‪ .‬والصووغير يعامله بالرحمة والرقة المناسووب لحاله‪ ،‬والنظير يعامله بهلل يحب أن يعامله به‪.‬‬
‫ولألع حق خاص بها‪ ،‬وللزوجة حق آخر‪ ،‬ويعامل من ُيدل عليه ويثق به‪ ،‬ويتوسووع معه‪ ،‬ما ال يعامل به من ال يثق به وال يدل عليه‪ .‬ويتكلهلل مع الملوهللا وأرباب الرئاسووة بالكالع اللين‬
‫ط َغى‪َ ،‬فُقوَال َل ُه َق ْوالً َّلَِي ًنا َّل َعَّل ُه َيتَ َذ َّع ُر أ َْو َي ْخ َشو و وى}‪ 24‬ويعامل العلماء بالتوقير واإلجالل والتعلهلل‪ ،‬والتواضو و ووع‬
‫المناسو و ووب لمراتبههلل‪ .‬ولهذا قال تعالى لموسو و ووى وهارون‪{ :‬ا ْذ َه َبا ِإَلى ِف ْرَع ْو َن ِإَّن ُه َ‬
‫لههلل‪ ،‬وإظهار االفتقار والحاجة إلى علمههلل النافع‪ ،‬وكثرة الدعاء لههلل‪ ،‬خصوصاً وقت تعليمههلل وفتواههلل الخاصة والعامة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أمر الصو ووغار بالخير‪ ،‬ونهيههلل عن الشو وور بالرفق والترايب‪ ،‬وبذل ما يناسو ووب من الدنيا لتنشو وويطههلل وتوجيهههلل إلى الخير‪ ،‬واجتناب العنا القولي والفعلي‪ .‬ولهذا قال‬
‫ما يحصول به التأليف‪ ،‬ويترتب عليه‬ ‫‪"ُ : ‬مروا أوالدكهلل بالصوالة لسوبع سونين‪ ،‬واضوربوههلل عليها لعشور" وكذلك سولك رسوول هللا ‪ ‬مع المؤلفة قلوبههلل – من العطاء الدنيوي الكثير –‬
‫من المصالط‪ .‬ولهلل يفعل ذلك مع من هو معروف باإليمان الصادق تنزيالً للناس منازلههلل‪.‬‬
‫وكذلك مخاطبة الزوجة واألوالد الصغار بالخطاب الالئق بههلل الذي فيه بسطههلل‪ ،‬وإدخال السرور عليههلل‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫سورة طه – اآليتان ‪.44 ،43‬‬
‫وكوذلوك من تنزيول النواس منوازلههلل‪ :‬أن تجعول الوظوائا الودينيوة والودنيويوة والممتزجوة منهموا لألعفواء المتميزين‪ ،‬الوذين يفضو و و و و و وولون ايرههلل في واليوة تلوك الوظيفوة‪ .‬فمعلوع أن واليوة‬
‫مشو و وواورة أهل الحل والعقد في تولية نهلل يصو و وولط لها ممن جميع بين القوة والشو و ووجاعة والحلهلل‪ ،‬ومعرفة السو و ووياسو و ووة الداخلية‬ ‫الملك‪ :‬أن الواجب فيها خصو و وووص و و واً – وفي ايرها عموماً –‬
‫والخارجية‪ ،‬ومن له القوة الكافية لتنفيذ العدل‪ ،‬وإيصال الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وردع الظلمة والمجرمين‪ ،‬واير ذلك مما يدخل في الوالية‪.‬‬
‫وكذلك والية القضاء‪ :‬يختار لها األعلهلل بالشرع وبالواقع‪ ،‬األفضل ي دينه وعقله وصفاته الحميدة‪.‬‬
‫وكوذلوك واليوة ييوادة الجيوخ‪ :‬يختوار لهوا أهول القوة‬ ‫وكوذلوك واليوة اإلمواموة في المسو و و و و و وواجود في الجمعوة والجمواعوة‪ :‬يختوار لهوا األعلهلل بوأحكواع الصبوادات األتقى‪ ،‬ثهلل األمثول فوالمثول –‬
‫والش و و و و و ووجاعة والرأي والنص و و و و و ووط‪ ،‬والمعرفة لفنون الحرب وأدواتها‪ ،‬وما يتبع ذلك مما تتوقا عليه هذه الوظيفة المهمة التي هي من أههلل الوظائا وأخطرها‪ ،‬إلى اير ذلك من الواليات‬
‫َهلِ َهوا}‪ 25‬وهوذه الواليوات من أعظهلل األموانوات‪ .‬فيتعين أن تؤدى إلى أهلهوا‪ ،‬وأن يوظا فيهوا أهل‬ ‫ِ‬
‫ْم ُرُع ْهلل أَن تُؤذدوْا األَ َموا َنوات ِإَلى أ ْ‬ ‫الكبوار والصو و و و و و وغوار‪ .‬فوينهوا داخلوة في قولوه تعوالى‪ِ{ :‬إ َّن َ‬
‫َّللاَ َيوأ ُ‬
‫الكفاءة بها‪ .‬وكل وظيفة لها أعفاء مختصون‪ .‬وهو داخل في هذا الحديث الشريف‪.‬‬
‫وكذلك يدخل في ذلك معاملة العصواة والمجرمين‪ .‬فمن رتب الشوارع على جرمه عقوبة من َح ٍَد ونحوه تعين ما عينه الشوارع‪ ،‬ألنه هو عين المصولحة العامة الشواملة‪ .‬ومن لهلل‬
‫يعين له عقوبة ُع َِزر بحسب حاله ومقامه‪ .‬فمنههلل من يكفيه التوبيخ والكالع المناسب لفعلته‪ ،‬ومنههلل من ال يردعه إال العقوبة البليغة‪.‬‬
‫العْيلة بعد المغني‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وكذلك في الصو و و و وودقة والهدية‪ ،‬ليس عطية الطواف الذي يدور على الناس فتكفيه التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان كعطية الفقير المتعفا الذي أصو و و و ووابته َ‬
‫وفي األثر (ارحموا عزيز قوع ذل)‪.‬‬
‫وكذلك يميز من له آثار وسوابق واناء ونفع للمسلمين على من ليس كذلك‪.‬‬
‫فهذه األمور وما ألبهها داخلة في هذا الكالع الجامع الذي تواطأ عليه الشرع والعقل‪ .‬وما رآه المسلمون حسناً فهو عند هللا حسن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.58‬‬
‫الحديث السادس عشر‬
‫شاق ي َشا َّق هللا عليه " رواه الترمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫ضار ضار هللا به ومن ي َّ‬
‫‪" :‬من َّ‬ ‫‪‬‬ ‫عن أبي ِ‬
‫ص ْرَم َة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫الضرر ‪ /‬األذى‬
‫المشَقه‪ /‬التعسير أو أعلا المسلهلل فوق طاقته‬
‫دل على أصلين من أصول الشريعة‪:‬‬‫هذا الحديث َ‬
‫أحدهما‪ :‬أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر‪ .‬وهذا من حكمة هللا التي يحمد عليها‪ .‬فكما أن من عمل ما يحبه هللا أحبه هللا‪ .‬ومن عمل ما يبغضه أبغضه هللا‪ ،‬ومن‬
‫فرج هللا عنه كربة من كرب يوع القيامة‪ .‬وهللا في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة‬
‫فرج عن مؤمن كرب من كرب الدنيا َ‬
‫يس و و وور على مس و و وولهلل يس و و وور هللا عليه في الدنيا واآلخرة‪ .‬ومن َ‬
‫أخيه‪ ،‬كذلك من ضار مسلماً ضره هللا‪ ،‬ومن َم َكر به مكر هللا به‪ ،‬ومن لق عليه لق هللا عليه‪ ،‬إلى اير ذلك من األمثلة الداخلة في هذا األصل‪.‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬منع الضرر والمضارة‪ ،‬وأنه "ال ضرر وال ضرار"‪ .‬وهذا يشمل أنواع الضرر كله‪.‬‬
‫والضوورر يرجع إلى أحد أمرين‪ :‬إما تفويت مصوولحة‪ ،‬أو حصووول مض ورة بوجه من الوجوه‪ .‬فالضوورر اير المسووتحق ال يحل إيصوواله وعمله مع الناس‪ ،‬بل يجب على اإلنسووان‬
‫أن يمنع ضرره وأذاه عنههلل من جميع الوجوه‪.‬‬
‫فيدخل في ذلك‪ :‬التدليس والغش في المعامالت وكتهلل العيوب فيها‪ ،‬والمكر والخداع والنجش‪ ،‬وتلقي الركبان وبيع المسوولهلل على بيع أخيه والشوراء على لورائه‪ ،‬ومثله اإلجارات‪،‬‬
‫طبة الوظائا التي فيها أهل لها قائهلل بها‪ .‬فكل هذا من المضارة المنهي عنها‪.‬‬ ‫طبة أخيه‪ِ ،‬‬
‫وخ ْ‬ ‫طبة على ِخ ْ‬ ‫وجميع المعامالت‪ ،‬و ِ‬
‫الخ ْ‬
‫ترحل عنه الخير‪ ،‬وتوجه إليه الشر‪ ،‬وذلك بما كسبت يداه‪.‬‬
‫ضاره هللا‪ ،‬ومن ضاره هللا َ‬
‫ضار مسلماً َ‬
‫وكل معاملة من هذا النوع فين هللا ال يبارهللا فيها‪ ،‬ألنه من َّ‬
‫ويدخل في ذلك‪ :‬مضارة الشريك لشريكه‪ ،‬والجار لجاره‪ ،‬بقول أو فعل‪ ،‬حتى إنه ال يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره‪ ،‬فضالً عن مبالرة اإلضرار به‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك‪ :‬مضوارة الغريهلل لغريمه‪ ،‬وسوصيه في المعامالت التي تضور بغريمه‪ ،‬حتى إنه ال يحل له أن يتصودق ويترهللا ما وجب عليه من الدين إال بيذن اريمه‪ ،‬أو برهن‬
‫موجوداته أحد ارمائه دون الباقين‪ ،‬أو يقا‪ ،‬أو يعتق ما يضر بغريمه‪ ،‬أو ينفق أعثر من الالزع بغير إذنه‪.‬‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ةر}‪ 26‬بأن يخص أحد ورثته بأعثر مما له‪ ،‬أو ينقص الوارث‪ ،‬أو يوصي لغير وارثه‬ ‫وصى ِب َهة أ َْو َد ْي ٍن َا ْي َر ُم َ‬
‫ض ٍَ‬ ‫عذلك الضرر في الوصايا‪ :‬كما قال تعالى‪{ :‬من َب ْعد َوصيَّة ُي َ‬
‫بقصد اإلضرار بالورثة‪.‬‬
‫وكذلك ال يحل إض و ورار الزوج بزوجته من وجوه كثيرة‪ ،‬إما أن يعضو وولها (يمنعها من الزواج) ظلماً لتفتدى منه‪ ،‬أو يراجعها لقصو وود اإلض و ورار‪ ،‬أو يميل إلى إحدى زوجتيه ميالً‬
‫يضر باألخرى‪ ،‬ويجعلها كالمعلقة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪26‬‬
‫سرة النساء – آية ‪.12‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الحيف(التراجع) في األحكاع والش ووهادات والقس وومة وايرها على أحد الش ووخص ووين لنفع اآلخر‪ .‬فكل هذا داخل في المض ورة‪ .‬وفاعله مس ووتحق للعقوبة‪ ،‬وأن يض ووار هللا‬
‫به‪.‬‬
‫وألو و و و و و وود من ذلوك‪ :‬الوييعوة في النواس عنود الوالة واألمراء‪ ،‬ليغريههلل بعقوبتوه أو أخوذ موا لوه‪ ،‬أو منعوه من حق هو لوه‪ ،‬فوين من عمول هوذا العمول فوينوه بوا ٍغ‪ ،‬فليتوقع العقوبوة العواجلوة‬
‫واآلجلة‪.‬‬
‫ص َط" لما في ذلك من الضرر‪.‬‬ ‫ومن هذا‪ :‬نهى النبي ‪" ‬أن يورد مم ِرض على م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَوا ًنوا َوإِ ْث ًموا ذمِبي ًنوا}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َواْل ُم ْؤ ِم َنوات ِب َغ ْي ِر َموا ا ْعتَ َسو و و و و و و ُبوا َفَقود ْ‬
‫ين ُي ْؤُذو َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫‪27‬‬
‫وكوذلوك نهى الجو ْذ َمى ونحوههلل عن مخوالطوة النواس‪ ،‬وهوذا وايره داخول في قولوه تعوالى‪َ { :‬والوذ َ‬
‫ونهى ‪ ‬عن ترويع المسلهلل‪ ،‬ولو على وجه المز ‪.‬‬
‫ومن هذا السخرية بالخلق‪ ،‬واالستهزاء بههلل‪ ،‬والوييعة في أعراضههلل‪ ،‬والتحريش بينههلل‪ .‬فكله داخل في المضارة والمشاقة الموجب للعقوبة‪.‬‬
‫يدل على‪ :‬أن من أزال الضوورر والمشووقة عن المسوولهلل فين هللا يجلب له الخير‪ ،‬ويدفع عنه‬
‫وق عليه‪ ،‬فين مفهومه َ‬
‫وار ولوواق ضو َّوره هللا ولو َّ‬
‫وكما يدل الحديث بمنطوقه‪ :‬أن من ضو َ‬
‫الضرر والمشاق‪ ،‬جزاء وفاقاً‪ ،‬سواء كان متعلقاً بنفسه أو بغيره‪.‬‬

‫الحديث السابع عشر‬

‫‪27‬‬
‫سورة األحزاب – آية ‪.58‬‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي ذر الغفاري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه اإلماع أحمد والترمذي‪.‬‬ ‫" اتق هللا حيثما كنت‪ .‬وأتبع السي ة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن"‬
‫اتق ‪ /‬التقوى هي اإلتباع والترهللا والخوف‬
‫حيثما كنت ‪ /‬في أي مكان‬
‫وأتبع ‪ /‬ألحق‬
‫تمحها ‪ /‬تزيلها‬
‫وخالق ‪ /‬عامل‬
‫حق تُقاته‪ .‬فيتَقوا سخطه وعذابه باجتناب المنهيات وأداء الواجبات‪.‬‬ ‫فحق هللا على اباده‪ :‬أن يتقوه َ‬ ‫هذا حديث عظيهلل جمع فيه رسول هللا ‪ ‬بين حق هللا وحقوق الصباد‪َ .‬‬
‫وهذه الوصية هي وصية هللا لألولين واآلخرين‪ ،‬ووصية كل رسول لقومه أن يقول‪" :‬اعبدوا هللا واتقوه"‪.‬‬
‫ال‬ ‫النِبَِي َ‬
‫اب َو َّ‬‫آلئ َك ِة واْل ِكتَ ِ‬ ‫ِق واْلم ْغ ِر ِب وَل و و و و و ِوك َّن اْلِب َّر م ْن آمن ِبالِلِ واْليو ِع ِ‬
‫اآلخ ِر واْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬
‫وقد ذكر هللا خصال التقوى في قوله تعالى‪{ :‬ل ْي َس اْلِب َّر أَن تَُولوْا ُو ُج َ‬
‫ين َوآتَى اْل َم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫وه ُك ْهلل قَب َل اْل َم ْشر َ َ‬
‫ين اْل َبأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي اْل َب ْأ َسو واء وال َّ‬
‫صو واِب ِر َ‬
‫ِِ‬
‫اة َواْل ُموُفو َن ِب َع ْهده ْهلل ِإ َذا َع َ‬ ‫الة وآتَى َّ‬ ‫ين وِفي َِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْس‬ ‫ضو و َّراء َوح َ‬ ‫اه ُدوْا َوال َّ‬ ‫الزَع َ‬ ‫صو و َ َ‬ ‫اع ال َّ‬ ‫الرَقاب َوأََق َ‬ ‫ين َو ْاب َن ال َّسو وبيل َوال َّسو وةئل َ َ‬ ‫َعَلى ُحَبه َذوي اْلُق ْرَبى َواْل َيتَ َ‬
‫امى َواْل َم َسو واع َ‬
‫ين ُي ِنفُقو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ص َدُقوا َوأُوَل و و و وِ َك ُههلل اْل ُمتَُّقو َن}‪ 28‬وفي قوله‪َ { :‬و َس ِ‬
‫ار ُعوْا ِإَلى َم ْغ ِف َرٍة َِمن َّرَب ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين} ثهلل ذكر خصال التقوى فقال‪{ :‬الذ َ‬ ‫ض أُع َّد ْت لْل ُمتَّق َ‬ ‫ِك ْهلل َو َجَّنة َع ْر ُ‬
‫‪29‬‬
‫ات َواأل َْر ُ‬‫الس َم َاو ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫ُ‬ ‫ين َ‬‫أُوَل و و و و َك الذ َ‬
‫ين}‪.30‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬‫ين َع ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِفي َّ‬
‫الس َّراء َو َّ‬
‫َّللاُ ُيح ذب اْل ُم ْحسن َ‬ ‫اس َو َ‬ ‫ظ َواْل َعاف َ‬
‫ين اْل َغ ْي َ‬
‫الض َّراء َواْل َكاظم َ‬
‫فوصوا المتقين باإليمان بأصووله وعقائده وأعماله الظاهرة والباطنة وبأداء الصبادات البدنية والصبادات المالية‪ ،‬والصوبر في البأسواء والضوراء وحين البأس‪ ،‬وبالعفو عن الناس‪،‬‬
‫ووص ووى بمالزمة التقوى حيثما كان العبد في كل وقت وكل مكان‪ ،‬وكل‬ ‫واحتمال أذاههلل‪ ،‬واإلحس ووان إليههلل‪ ،‬وبمبادرتههلل إذا فعلوا فاحش ووة أو ظلموا أنفس ووههلل باالس ووتغفار والتوبة‪ ،‬فأمر ‪‬‬
‫حالة من أحواله‪ ،‬ألنه مضطر إلى التقوى ااية االضطرار‪ ،‬ال يستغني عنها في كل حالة من أحواله‪.‬‬
‫بما يدفع ذلك ويمحوه‪ .‬وهو أن يتبع الحسنة السي ة "والحسنة" اسهلل جامع لكل ما يقرب إلى‬ ‫ثهلل لما كان العبد ال بد أن يحصل منه تقصير في حقوق التقوى وواجباتها أمر ‪‬‬
‫هللا تعالى‪ :‬وأعظهلل الحس و وونات الدافعة للس و ووي ات التوبة النص و ووو واالس و ووتغفار واإلنابة إلى هللا بذكره وحبه‪ ،‬وخوفه ورجائه‪ ،‬والطمع فيه وفي فض و ووله كل وقت‪ .‬ومن ذلك الكفارات المالية‬
‫والبدنية التي حددها الشارع‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.177‬‬
‫‪29‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪.133‬‬
‫‪30‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪.134‬‬
‫ومن الحسو وونات التي تدفع السو ووي ات‪ :‬العفو عن الناس‪ ،‬واإلحسو ووان إلى الخلق من اآلدميين وايرههلل‪ ،‬وتفريا الكربات‪ ،‬والتيسو ووير على المعس و ورين‪ ،‬وإزالة الضو وورر والمشو ووقة عن‬
‫السو و ِوي َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات}‪ 31‬وقال ‪" : ‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" وكهلل‬ ‫جميع العالمين‪ .‬قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن اْل َح َس َنات ُي ْذه ْب َن َّ َ‬
‫في النصوص من ترتيب المغفرة على كثير من الطاعات‪.‬‬
‫ومما يكفر هللا به الخطايا‪ :‬المص و و و ووائب؛ فينه ال يص و و و وويب المؤمن من َه ٍَهلل وال اهلل وال أذى‪ ،‬حتى الش و و و وووكة يش و و و وواعها‪ ،‬إال كفر هللا عنه بها خطاياه‪ .‬وهي إما فوات محبوب‪ ،‬أو‬
‫حصول مكروه بدني أو قلبي‪ ،‬أو مالي‪ ،‬داخلي أو خارجي‪ ،‬لكن المصائب بغير فعل العبد‪ .‬فلهذا أمره بما هو من فعله‪ ،‬وهو أن يتبع السي ة الحسنة‪.‬‬
‫قال "وخالق الناس بخلق حسن"‪.‬‬ ‫ثهلل لما ذكر حق هللا – وهو الوصية بالتقوى الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة والظاهرة –‬
‫وأول الخلق الحسن‪ :‬أن تكا عنههلل أذاهللا من كل وجه‪ ،‬وتعفو عن مساوئههلل وأذيتههلل لك‪ ،‬ثهلل تعاملههلل باإلحسان القولي واإلحسان الفعلي وأخص ما يكون بالخلق الحسن‪ :‬سعة‬
‫الحلهلل على الناس‪ ،‬والصووبر عليههلل‪ ،‬وعدع الضووجر منههلل‪ ،‬وبشووالووة الوجه‪ ،‬ولطا الكالع والقول الجميل المؤنس للجليس‪ ،‬المدخل عليه السوورور‪ ،‬المزيل لوحشووته ومشووقة حشوومته‪ .‬وقد‬
‫يحسن المز أحياناً إذا كان فيه مصلحة‪ ،‬لكن ال ينبغي اإلعثار منه وإنما المز في الكالع كالملط في الطعاع‪ ،‬إن عدع أو زاد على الحد فهو مذموع‪.‬‬
‫ومن الخلق الحسن‪ :‬أن تعامل كل أحد بما يليق به‪ ،‬ويناسب حاله من صغير وكبير‪ ،‬وعاقل وأحمق‪ ،‬وعالهلل وجاهل‪.‬‬
‫فمن اتقى هللا‪ ،‬وحقق تقواه‪ ،‬وخالق الناس على اختالف طبقاتههلل بالخلق الحس وون فقد حاز الخير كله؛ ألنه قاع بحق هللا وحقوق الصباد وألنه كان من المحس وونين في ابادة هللا‪،‬‬
‫المحسنين إلى اباد هللا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫سورة هود – آية ‪.114‬‬
‫الحديث الثامن عشر‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪" :‬الظلهلل ظلمات يوع القيامة"‬ ‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫الظلهلل ضده العدل‪ ،‬وهو وضع الشيء في غير محله‪ ،‬ومجاوزة الحق والتعدي على اآلخرين في أموالهم أو أعراضهم‬

‫ِ ِ ‪32‬‬
‫ْم ُر‬ ‫َم َر َرَبِي ِباْلق ْسو وط} ‪ِ{ ،‬إ َّن َ‬
‫َّللاَ َيأ ُ‬ ‫هذا الحديث فيه التحذير من الظلهلل‪ ،‬والحث على ض ووده وهو العدل‪ .‬والشو وريعة كلها عدل‪ ،‬آمرة بالعدل‪ ،‬ناهية عن الظلهلل‪ .‬قال تعالى‪ُ{ :‬ق ْل أ َ‬
‫ظْل ٍهلل أ ُْوَلو و و و و و و وِ َك َل ُه ُهلل األ َْم ُن َو ُههلل ذم ْهتَ ُدو َن}‪ 34‬فين اإليمان – أصووله وفروعه‪ ،‬باطنه وظاهره – كله عدل‪ ،‬وضوده ظلهلل‪ .‬فأعدل العدل وأصوله‪:‬‬ ‫‪ِ َّ 33‬‬
‫يم َان ُههلل ِب ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫آم ُنوْا َوَل ْهلل َيْلب ُسووْا إ َ‬ ‫ِباْل َع ْد ِل} ‪{ ،‬الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ظْلهلل َع ِظيهلل}‪ 35‬وذلك‬ ‫االعتراف وإخالص التوحيد هلل‪ ،‬واإليمان بص ووفاته وأس وومائه الحس وونى‪ ،‬وإخالص الدين والصبادة له‪ .‬وأعظهلل الظلهلل‪ ،‬وأل ووده الش ورهللا بالِل‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن ال َِش و ْر َهللا َل ُ‬
‫أن العدل وضوع الشويء في موضوعه‪ ،‬والقياع بالحقوق الواجبة‪ .‬والظلهلل عكسوه فأعظهلل الحقوق‪ .‬وأوجبها‪ :‬حق هللا على اباده‪ :‬أن يعرفوه ويعبدوه‪ ،‬وال يشوركوا به لوي اً‪ ،‬ثهلل القياع بأصوول‬
‫اإليمان‪ ،‬ولرائع اإلسالع من إقاع الصالة وإيتاء الزكاة وصياع رمضان‪ ،‬وحا البيت الحراع‪ ،‬والجهاد في سبيل هللا قوالً وفعالً‪ ،‬والتواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر‪.‬‬
‫من اإليمان به ومحبته‪ ،‬وتقديمها على محبة الخلق كلههلل‪ ،‬وطاعته وتوقيره وتبجيله‪ ،‬وتقديهلل‬ ‫ومن الظلهلل‪ :‬اإلخالل بشو و وويء من ذلك‪ ،‬كما أن من العدل‪ :‬القياع بحقوق النبي ‪‬‬
‫أمره وقوله على أمر ايره وقوله‪.‬‬
‫الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفس و ووههلل‪ ،‬وأرحهلل بههلل وأرأف بههلل من كل أحد من الخلق‪ ،‬وهو الذي لهلل يص و وول إلى‬ ‫ومن الظلهلل العظيهلل‪ :‬أن يخل العبد بش و وويء من حقوق النبي ‪‬‬
‫أحد خير إال على يديه‪.‬‬
‫ومن العدل‪ :‬بر الوالدين‪ ،‬وصلة األرحاع‪ ،‬وأداء حقوق األصحاب والمعاملين‪ .‬ومن الظلهلل‪ :‬اإلخالل بذلك‪.‬‬
‫ومن العدل‪ :‬يياع كل من الزوجين بحق اآلخر‪ .‬ومن أخل بذلك منهما فهو ظالهلل‪.‬‬
‫في خطبته في حجة الوداع‪" :‬إن دماءعهلل وأموالكهلل وأعراضكهلل عليكهلل حراع كحرمة يومكهلل هذا في لهركهلل هذا في بلدكهلل هذا"‪.‬‬ ‫وظلهلل الناس أنواع كثيرة‪ ،‬يجمعها قوله ‪‬‬
‫فالظلهلل كله بأنواعه ظلمات يوع القيامة‪ ،‬يعاقب أهلها على قدر ظلمههلل‪ ،‬ويجازى المظلومون من حس و و و و وونات الظالمين‪ .‬فين لهلل يكن لههلل حس و و و و وونات أو فنيت‪ ،‬أخذ من س و و و و ووي اتههلل‬
‫فطرحت على الظالمين‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫سورة األعراف – آية ‪.29‬‬
‫‪33‬‬
‫سورة النحل – آية ‪.90‬‬
‫‪34‬‬
‫سورة األنعام – آية ‪.82‬‬
‫‪35‬‬
‫سورة لقمان – آية ‪.13‬‬
‫ورُههلل َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْهلل َوبِأ َْي َم ِان ِههلل ُب ْش َر ُ‬
‫اع ُهلل اْل َي ْوَع َجَّنات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َه ُار}‬ ‫ِ‬
‫ين َواْل ُم ْؤ ِم َنات َي ْس َعى ُن ُ‬
‫ِ‬
‫والعدل كله نور يوع القيامة { َي ْوَع تَ َرى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫‪36‬‬

‫حرع الظلهلل على نفسوه‪ ،‬وجعله بين اباده محرماً‪ .‬فالِل تعالى على صورال مسوتقيهلل في أقواله وأفعاله وجزائه‪ .‬وهو العدل‪ .‬وقد نصوب لصباده الصورال المسوتقيهلل الذي‬ ‫وهللا تعالى َ‬
‫يرجع إلى العدل‪ ،‬ومن عدل عنه عدل إلى الظلهلل والجور الموصل إلى الجحيهلل‪.‬‬
‫والظلهلل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫َّللاَ الَ َي ْغ ِف ُر أَن ُي ْش َر َهللا ِب ِه}‬
‫‪37‬‬
‫نوع ال يغفره هللا‪ ،‬وهو الشرهللا بالِل {ِإ َّن َ‬
‫ونوع ال يترهللا هللا منه لي اً‪ ،‬وهو ظلهلل الصباد بعضههلل لبعض‪ .‬فمن كمال عدله‪ :‬أن يقص الخلق بعضههلل من بعض بقدر مظالمههلل‪.‬‬
‫ونوع تحت مشي ة هللا‪ :‬إن لاء عاقب عليه‪ ،‬وإن لاء عفا عن أهله‪ .‬وهو الذنوب التي بين الصباد وبين ربههلل فيما دون الشرهللا‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫سورة احلديد – آية ‪.12‬‬
‫‪37‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.48‬‬
‫الحديث التاسع عشر‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫"انظروا إلى من هو أسفل منكهلل‪ .‬وال تنظروا إلى من هو فوقكهلل؛ فهو أجدر أن ال تَ ْزدروا نعمة هللا عليكهلل"‬

‫أسفل ‪ /‬أقل‬
‫فوقكهلل ‪ /‬أفضل أو أعثر‬
‫أجدر ‪ /‬أفضل‬
‫اإلزدراء ‪ /‬اإلستحقار واإلستهزاء والتنقيص من النعهلل‪.‬‬

‫يا لها من وص ووية نافعة‪ ،‬وكلمة ل ووافية وافية‪ .‬فهذا يدل على الحث على ل ووكر هللا باالعتراف بنعمه‪ ،‬والتحدث بها‪ ،‬واالس ووتعانة بها على طاعة المنعهلل‪ ،‬وفعل جميع األس ووباب‬
‫المعينة على الشو و ووكر‪ .‬فين الشو و ووكر هلل هو رأس الصبادة‪ ،‬وأصو و وول الخير‪ ،‬و ْأو َج ُبه على الصباد؛ فينه ما بالصباد من نعمة ظاهرة وال باطنة‪ ،‬خاصو و ووة أو عامة إال من هللا‪ .‬وهو الذي يأتي‬
‫بالخير والحسنات‪ ،‬ويدفع السوء والسي ات‪ .‬فيستحق أن يبذل له الصباد من الشكر ما تصل إليه قواههلل‪ ،‬وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر‪.‬‬
‫إلى هذا الدواء العجيب‪ ،‬والس ووبب القوي لش ووكر نعهلل هللا‪ .‬وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنس ووب والمال وأص ووناف النعهلل‪ .‬فمتى اس ووتداع‬ ‫وقد أرلوود ‪‬‬
‫هذا النظر اض ووطره إلى كثرة ل ووكر ربه والثناء عليه‪ .‬فينه ال يزال يرى خلقاً كثي اًر دونه بدرجات في هذه األوص وواف‪ ،‬ويتمنى كثير منههلل أن يص وول إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال‬
‫علي وفضلني على كثير ممن خلق تفضيالً‪.‬‬ ‫وخُلق‪ ،‬فيحمد هللا على ذلك حمداً كثي اًر‪ ،‬ويقول‪ :‬الحمد هلل الذي أنعهلل َّ‬ ‫وخْلق ُ‬‫ورزق‪َ ،‬‬
‫ينظر إلى خلق كثير ممن س وولبوا عقولههلل‪ ،‬فيحمد ربه على كمال العقل‪ ،‬ويش وواهد عالماً كثي اًر ليس لههلل قوت مدخر‪ ،‬وال مس وواعن يأوون إليها‪ ،‬وهو مطم ن في مس ووكنه‪ ،‬موس ووع‬
‫عليه رزقه‪.‬‬
‫ابتلوا ببالء أفظع من ذلك‪ ،‬بانحراف الدين‪ ،‬والوقوع‬ ‫ويرى خلقاً كثي اًر قد ُ‬
‫ابتلُوا بأنواع األمراض‪ ،‬وأصووناف األسووقاع وهو ُمعافى من ذلك‪ُ ،‬م َسو ْربل بالعافية‪ .‬ويشوواهد خلقاً كثي اًر قد ُ‬
‫في قاذورات المعاصي‪ .‬وهللا قد حفظه منها أو من كثير منها‪.‬‬
‫ويتأمل أناسواً كثيرين قد اسوتولى عليههلل الههلل‪ ،‬وملكههلل الحزن والوسواوس‪ ،‬وضويق الصودر‪ ،‬ثهلل ينظر إلى عافيته من هذا الداء‪ ،‬ومنة هللا عليه براحة القلب‪ ،‬حتى ربما كان فقي اًر‬
‫كثي اًر من األانياء‪.‬‬ ‫يفوق بهذه النعمة – نعمة القناعة وراحة القلب –‬
‫ثهلل من ابتلي بشو وويء من هذه األمور يجد عالماً كثي اًر أعظهلل منه وألو وود مصو وويبة‪ ،‬فيحمد هللا على وجود العافية وعلى تخفيف البالء‪ ،‬فينه ما من مكروه إال ويوجد مكروه أعظهلل‬
‫منه‪.‬‬
‫لهلل يزل ل ووكره في قوة ونمو‪ ،‬ولهلل تزل نعهلل هللا عليه تترى وتتوالى‪ .‬ومن عكس القض ووية فارتفع نظره وص ووار ينظر إلى‬ ‫فمن وفق لالهتداء بهذا الهدي الذي أرل وود إليه النبي ‪‬‬
‫من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك‪ ،‬فينه ال بد أن يزدري نعمة هللا‪ ،‬ويفقد لوكره‪ .‬ومتى فقد الشوكر ترحلت عنه النعهلل وتسوابقت إليه النقهلل‪ ،‬وامتحن بالغهلل المالزع‪ ،‬والحزع‬
‫الدائهلل‪ ،‬والتسخط لما هو فيه من الخير‪ ،‬وعدع الرضى بالِل رباً ومدب اًر‪ .‬وذلك ضرر في الدين والدنا وخسران مبين‪.‬‬
‫واعلهلل أن من تفكر في كثرة نعهلل هللا‪ ،‬وتفطن آلالء‪ 38‬هللا الظاهرة والباطنة‪ ،‬وأنه ال وسو و و وويلة إليها إال محض فضو و و وول هللا وإحسو و و ووانه‪ ،‬وأن جنسو و و واً من نعهلل هللا ال يقدر العبد على‬
‫إحصائه وتعداده‪ ،‬فضالً عن جميع األجناس‪ ،‬فضالً عن لكرها‪ .‬فينه يضطر إلى االعتراف التاع بالنعهلل‪ ،‬وكثرة الثناء على هللا‪ ،‬ويستحي من ربه أن يستعين بشيء من نعمه على ما‬
‫ال يحبه ويرضاه‪ ،‬وأوجب له الحياء من ربه الذي هو من أفضل لعب اإليمان فاستحيى من ربه أن يراه حيث نهاه‪ ،‬أو يفقده حيث أمره‪.‬‬
‫لمعاذ بن جبل‪" :‬إني أحبك‪ ،‬فال تدعن أن تقول دبر كل ص ووالة مكتوبة‪ :‬اللههلل أعني على ذكرهللا ول ووكرهللا وحس وون ابادتك"‬ ‫ولما كان على الش ووكر مدار الخير وعنوانه قال ‪‬‬
‫لكا اًر‪ ،‬لك َذ َّعا اًر‪ .‬اللههلل اجعلني أعظهلل لكرهللا‪ ،‬وأعثر ذكرهللا‪ ،‬وأتبع نصحك‪ ،‬وأحفظ وصيتك"‪.‬‬
‫وكان يقول‪" :‬اللههلل اجعلني لك َّ‬
‫‪" :‬ال أحصي ثناء عليك‪ ،‬أنت كما أثنيت على نفسك" وهللا أعلهلل‪.‬‬ ‫وقد اعترف أعظهلل الشاعرين بالعجز عن لكر نعهلل هللا‪ ،‬فقال ‪‬‬

‫‪38‬‬
‫نعمه‪.‬‬
‫الحديث العشرون حفظ*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫حتى يتوضأ"‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬ال يقبل هللا صالة أحدكهلل – إذا أحدث –‬
‫أحدث ‪ /‬أتى بشيء من نواقض الوضوء‬
‫مبطالت الوضوء‬
‫الحدث األصغر (الوضوء)‬ ‫الحدث األعبر (اإلاتسال)‬
‫النوع المستغرق‬ ‫الحيض‬
‫قضاء الحاجه ولمس الفرج‬ ‫النفاس‬
‫لحهلل اإلبل‬ ‫الجماع‬
‫زوال عقل اإلنسان من إاماء أو سكر‬
‫سيالن الدع الكثير‬

‫يدل الحديث بمنطوقه‪ :‬أن من لهلل يتوض و و ووأ إذا أحدث فص و و ووالته اير مقبولة‪ :‬أي اير ص و و ووحيحة‪ ،‬وال مجزئة‪ ،‬وبمفهومه‪ :‬أن من توض و و ووأ قبلت ص و و ووالته‪ :‬أي مع بقية ما يجب‬
‫ويشوترل للصوالة؛ ألن الشوارع يعلق كثي اًر من األحكاع على أمور معينة ال تكفي وحدها لترتب الحكهلل‪ ،‬حتى ينظهلل إليها بقية الشورول‪ ،‬وحتى تنتفي الموانع‪ .‬وهذا األصول الشورعي متفق‬
‫ال يش ووترل أن تجمع أحكامها في كالع الش ووارع في موض ووع واحد‪ ،‬بل يجمع جميع ما ورد فيها من‬ ‫عليه بين أهل العلهلل؛ ألن الصبادة التي تحتوي على أمور كثيرة – كالص ووالة مثالً –‬
‫األحكاع‪ ،‬فيؤخذ مجموع أحكامها من نصووص متعددة‪ .‬وهذا من أعبر األسوباب لوضوع الفقهاء علوع الفقه واألحكاع‪ ،‬وترتيبها وتبويبها‪ ،‬وضوهلل األجناس واألنواع بعضوها لبعض للتقريب‬
‫على ايرههلل‪ .‬فلههلل في ذلك اليد البيضاء فجزاههلل هللا عن اإلسالع والمسلمين خير الجزاء‪.‬‬
‫وهذا األصل ينبغي أن تعتبره في كل موضع‪ .‬وهو أن األحكاع ال تتهلل إال باجتماع لروطها ولوازمها‪ ،‬وانتفاء موانعها‪.‬‬
‫والحديث يشو وومل جميع نواقض الوضو وووء‪ .‬فيدخل فيه الخارج من السو ووبيلين‪ ،‬والنوع الناقض للوضو وووء‪ ،‬والخارج الفاحش من بقية البدن إذا كان نجس و واً‪ ،‬وأعل لحهلل اإلبل‪ ،‬ولمس‬
‫المرأة لشهوة‪ ،‬ولمس الفرج باليد‪ .‬وفي بعضها خالف‪.‬‬
‫فكل من وجه منه لويء من هذه النواقض لهلل تصوط صوالته‪ ،‬حتى يتوضوأ الوضووء الشورعي‪ .‬فيغسول األعضواء التي نص هللا عليها في سوورة المائدة‪ ،‬مع الترتيب والمواالة‪ ،‬أو‬
‫يتطهر بالتراب بدل الماء عند تعذر استعمال الماء‪ :‬إما لعدمه‪ ،‬وإما لخوفه باستعماله الضرر‪.‬‬
‫وفي هذا دليل على أنه لو صو وولى ناسو ووياً أو جاهالً حدثه فعليه اإلعادة لعموع الحديث‪ ،‬وهو متفق عليه‪ .‬فهو وإن كان مثاباً على فعله صو ووورة الصو ووالة ما فيها من الصبادات‪،‬‬
‫لكن عليه اإلعادة إلبراء ذمته‪ .‬وهذا بخالف من تطهر ونسو و ووي ما على بدنه أو ثوبه من النجاسو و ووة فينه ال إعادة عليه على الصو و ووحيط؛ ألن الطهارة من باب فعل األمور الذي ال تب أر‬
‫الذمة إال بفعله‪ .‬وأما اجتناب النجاسة فينه من باب اجتناب المحظور الذي إذا فعل واإلنسان معذور‪ ،‬فال إعادة عليه‪.‬‬
‫الحديث الحادي والعشرون‬
‫‪" :‬عشر من الفطرة‪ :‬قص الشارب وإعفاء اللحية‪ ،‬والسواهللا‪ ،‬واستنشاق الماء‪ ،‬وقص األظافر‪،‬‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫واسل البراجهلل‪ ،‬ونتا اإلبط‪ ،‬وحلق العانة‪ ،‬وانتقاص الماء‪ ،‬يعني االستنجاء" قال الراوي‪ :‬ونسيت العالرة إلى أن تكون المضمضة‪.‬‬

‫"الفطرة" هي الخلقة التي خلق هللا اباده عليها‬


‫إعفاء اللحيه‪ /‬تركها‬
‫واستنشاق الماء‪ /‬سحب الماء إلى األنا‬
‫اسل البراجهلل ‪ /‬المفاصل والعقد التي تكون بين على ظهر أصابع اليد‬
‫انتقاص الماء‪ /‬اإلستنجاء ( مسح الخارج من السبيلين بالماء ونحوه)‬

‫"الفطرة" هي الخلقة التي خلق هللا اباده عليها‪ ،‬وجعلههلل مفطورين عليها‪ :‬على محبة الخير وإيثاره‪ ،‬وكراهة الش و و وور ودفعه‪ ،‬وفطرههلل حنفاء مس و و ووتعدين‪ ،‬لقبول الخير واإلخالص‬
‫هلل‪ ،‬والتقرب إليه‪ ،‬وجعل تعالى لرائع الفطرة نوعين‪.‬‬
‫َّللاِ َّالِتي َف َ‬
‫ط َر الَّنو َ‬
‫اس َعَل ْي َهوا َال‬ ‫ط َرَة َّ‬ ‫أحودهموا‪ :‬يطهر القلوب والرو ‪ ،‬وهو اإليموان بوالِل وتوابعوه‪ :‬من خوفوه ورجوائوه‪ ،‬ومحبتوه واإلنوابوة إليوه‪ .‬قوال تعوالى‪َ{ :‬فوأ َِق ْهلل َو ْج َهو َك لِل َِود ِ‬
‫ين َحِنيًفوا ِف ْ‬
‫ين}‪ 39‬فهذه تزكي النفس‪ ،‬وتطهر القلب وتنميه‪ ،‬وتذهب عنه‬ ‫ِ‬
‫ونوا م َن اْل ُم ْشو و و و ِرِك َ‬
‫صو و و و َال َة َوَال تَ ُك ُ‬
‫يموا ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫اس ال َي ْعَلمو َن ‪ ،‬مِنيِب َ ِ ِ َّ‬ ‫ين اْل َقَيِهلل َوَل ِك َّن أَ ْعثَ َر َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تب ِديل لِخْل ِق َّ ِ‬
‫َّللا َذلِ َك َ‬
‫ين إَل ْيه َواتُقوهُ َوأَي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الد ُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اآلفات الرذيلة‪ ،‬وتحليه باألخالق الجميلة‪ ،‬وهي كلها ترجع إلى أصول اإليمان وأعمال القلوب‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته‪ ،‬ودفع األوس و و وواا واألقذار عنه‪ ،‬وهي هذه العش و و ورة‪ ،‬وهي نهلل محاس و و وون الدين اإلس و و ووالمي؛ إذ هي كلها تنظيف لألعض و و وواء‪،‬‬
‫وتكميل لها‪ ،‬لتتهلل صحتها وتكون مستعدة لكل ما يراد‪ 40‬منها‪.‬‬
‫فأما المضوومضووة واالسووتنشوواق‪ :‬فينهما مشووروعان في طهارة الحدث األصووغر واألعبر باالتفاق‪ .‬وهما فرضووان فيهما من تطهير الفهلل واألنا وتنظيفهما‪ ،‬ألن الفهلل واألنا يتوارد‬
‫عليهما كثير من األوس و وواا واألبخرة ونحوها‪ .‬وهو مضو و و طر إلى ذلك وإزالته‪ .‬وكذلك السو و وواهللا يطهر الفهلل‪ .‬فهو "مطهرة للفهلل مرض و وواة للرب" ولهذا يش و وورع كل وقت ويتأعد عند الوض و وووء‬
‫والصالة واالنتباه من النوع‪ ،‬وتغير الفهلل‪ ،‬وصفرة األسنان ونحوها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫سورة الروم – اآليتان ‪.31 ،30‬‬
‫‪40‬‬
‫يف األصل "يراه" والصحيح ما أثبتناه‪.‬‬
‫قص الشوارب أو َحذفه حتى تبدو ال َّشوَّفة‪ ،‬فلما في ذلك من النظافة‪ ،‬والتحرز مما يخرج من األنا‪ ،‬فين لوعر الشوارب إذا تدلى على الشوفة بالور به ما يتناوله من مأعول‬ ‫وأما َ‬
‫ومش ووروب‪ ،‬مع تش ووويه الخلقة بوفرته‪ ،‬وإن اس ووتحس وونه من ال يصبأ به‪ .‬وهذا بخالف اللحية‪ ،‬فين هللا جعلها وقا اًر للرجل وجماالً به‪ .‬ولهذا يبقى جماله في حال كبره بوجود ل ووعر اللحية‪.‬‬
‫واعتبر ذلك بمن يعصوي الرسووول ‪ ‬فيحلقها‪ ،‬كيف يبقى وجهه مشوووهاً قد ذهب محاسوونه‪ ،‬وخصوووصواً وقت الكبر‪ .‬فيكون كالمرأة العجوز إذا وصوولت إلى هذا السوون ذهبت محاسوونها‪،‬‬
‫ولو كانت في صباها من أجمل النساء‪ .‬وهذا محسوس‪ ،‬ولكن العوائد والتقليد األعمى يوجب استحسان القبيط‪ ،‬واستقبا الحسن‪.‬‬
‫فلها من التنظيف وإزالة المؤذيات ما ال يمكن جحده‪ ،‬وكذلك حلق العانة‪.‬‬ ‫وأما قص األظافر ونتا اإلبط‪ ،‬واسل البراجهلل‪ ،‬وهي مطاوي البدن التي تجتمع فيها األوساا –‬
‫وأما االستنجاء – وهو إزالة الخارج من السبيلين بماء أو حجر – فهو الزع ولرل من لرول الطهارة‪.‬‬
‫فعلمت أن هذه األلياء كلها‪ ،‬تكمل ظاهر اإلنسان وتطهره وتنظفه‪ ،‬وتدفع عنه األلياء الضارة والمستقبحة‪ ،‬والنظافة من اإليمان‪.‬‬
‫والمقصود‪ :‬أن الفطرة هي لاملة لجميع الشريعة‪ ،‬باطنها وظاهرها؛ ألنها تنفي الباطن من األخالق الرذيلة‪ ،‬وتحَليه باألخالق الجميلة التي ترجع إلى عقائد اإليمان والتوحيد‪،‬‬
‫طر اإليمان" وقال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن َ‬
‫َّللاَ‬ ‫واإلخالص هلل واإلنابة إليه‪ ،‬وتنقي الظاهر من األنجاس واألوسواا وأسوبابها‪ .‬وتطهره الطهارة الحسوية والطهارة المعنوية‪ .‬ولهذا قال ‪" : ‬الطهور َلو ْ‬
‫ين َوُي ِح ذب اْل ُمتَ َ‬
‫ط َِه ِر َ‬
‫ين}‪.41‬‬ ‫ِ‬
‫ُيح ذب التََّّواِب َ‬
‫فالشريعة كلها طهارة وزكاء وتنمية وتكميل‪ ،‬وحث على معالي األمور‪ ،‬ونهي عن سفسافها‪ ،‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.222‬‬
‫الحديث الثاني والعشرون‬
‫رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي‪.‬‬ ‫‪" :‬الماء طهور ال ينجسه ليء"‪.‬‬ ‫عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫أي جميع المياه النابعة من األرض‪ ،‬والنازلة من السووماء البايية على خلقتها‪ ،‬أو المتغيرة بمقرها أو ممرها‪ ،‬أو‬ ‫هذا الحديث الصووحيط يدل على أصوول جامع‪ ،‬وهو أن الماء –‬
‫بما يلقى فيها من الطاهرات ولو تغي اًر كثي اًر – طاهرة تس و و ووتعمل في الطهارة وايرها‪ .‬وال يس و و ووتثنى من هذا الكالع الجامع إال الماء المتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاس و و ووة‪ ،‬كما في‬
‫بعض ألفا هذا الحديث‪.‬‬
‫وقد اتفق العلماء على نجاسو ووة الماء المتغير بالنجاسو ووة‪ .‬واسو ووتدل عليه اإلماع أحمد رضو ووي هللا عنه وايره بقوله تعالى‪ُ { :‬ح َِرَم ْت َعَل ْي ُكهلل اْل َم ْيتَ ُة َواْل َّدع َوَل ْحهلل اْل ِخ ْن ِز ِ‬
‫ير}‪ 42‬إلى آخر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‪ .‬يعني‪ :‬ومتى ظهرت أوصاف هذه األلياء المحرمة في الماء صار نجساً خبيثاً‪.‬‬
‫وهوذا الحوديوث وايره يودل على أن المواء المتغير بوالطواهرات طهور‪ .‬وعلى أن موا خلوت بوه المرأة ال يمنع منوه مطلقواً‪ .‬وعلى طهوريوة موا انغمسو و و و و و ووت فيوه يود القوائهلل من نوع الليول‪،‬‬
‫وإنما ينهى القائهلل من النوع عن امسها حتى يغسلها ثالثاً‪ .‬وأما المنع من الماء فال يدل الحديث عليه‪.‬‬
‫والمقصود‪ :‬أن هذا الحديث يدل على أن الماء قسمان‪ :‬نجس‪ ،‬وهو ما تغير أحد أوصافه بالنجاسة‪ ،‬قليالً كان أو كثي اًر‪ .‬وطهور‪ ،‬وهو ما ليس كذلك‪ .‬وأن إثبات نوع ثالث –‬
‫ال طهور وال نجس‪ ،‬بل طاهر اير مطهر‪ ،‬ليس عليه دليل لرعي‪ ،‬فيبقى على أصل الطهورية‪.‬‬
‫ص ِع ًيدا َ‬
‫طَِي ًبا}‬ ‫ِ‬
‫‪43‬‬
‫ويؤيد هذا العموع قوله تعالى {َفَل ْهلل تَج ُدوْا َماء َفتََي َّم ُموْا َ‬
‫وهذا عاع في كل ماء‪ ،‬ألنه نكرة في سياق النفي‪ ،‬فيشمل كل ماء خرج منه الماء النجس لبجماع عليه‪.‬‬
‫ودل هذا الحديث أيضاً‪ :‬أن األصل في المياه الطهارة‪ .‬وكذلك في ايرها‪ .‬فمتى حصل الشك في ليء منها‪ :‬هل وجد فيه سبب التنجيس أع الف فاألصل الطهارة‪.‬‬
‫َ‬

‫‪42‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪.3‬‬
‫‪43‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪.6‬‬
‫الحديث الثالث والعشرون‬

‫رواه مالك وأحمد وأهل السنن األربع‪.‬‬ ‫طَوافات"‬


‫الطوافين عليكهلل وال َ‬
‫في الهرة‪" :‬إنها ليست بنجس‪ ،‬إنها من َ‬ ‫عن أبي قتادة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫ٍ‬
‫محتو على أصلين‪:‬‬ ‫هذا الحديث‬
‫أحدهما‪ :‬أن المش ووقة تجلب التيس ووير‪ .‬وذلك أص وول كبير من أص ووول الش وريعة‪ ،‬من جملته‪ :‬أن هذه األل ووياء التي يش ووق التحرز منها طاهرة‪ ،‬ال يجب اس ول ما بال وورت بفيها أو‬
‫يدها أو رجلها‪ ،‬ألنه علل ذلك بقوله‪" :‬إنها من الطوافين عليكهلل والطوافات" كما أبا االستجمار في محل الخارج من السبيلين‪ ،‬ومسط ما أصابته النجاسة من النعلين والخفين‪ ،‬وأسفل‬
‫الثوب‪ ،‬وعفا عن يس ووير طين الشو ووارع النجس‪ ،‬وأبيط الدع الباقي في اللحهلل والعروق بعد الدع المس ووفو ‪ ،‬وأبيط ما أص ووابه فهلل الكلب من الص وويد‪ ،‬وما أل ووبه ذلك مما يجمعه علة واحدة‪،‬‬
‫وهي المشقة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الهرة وما دونها في الخلقة كالفأرة ونحوها طاهرة في الحياة ال ينجس ما بالرته من طعاع ولراب وثياب وايرها‪ ،‬ولذلك قال أصحابنا‪ :‬الحيوانات أقساع خمسة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬نجس حياً وميتاً في ذاته وأجزائه وفضالته‪ .‬وذلك كالكالب والسباع كلها‪ ،‬والخنزير ونحوها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما كان طاه اًر في الحياة نجساً بعد الممات‪ .‬وذلك كالهرة وما دونها في الخلقة‪ .‬وال تحله الذكاة وال ايرها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما كان طاه اًر في الحياة وبعد الممات‪ ،‬ولكنه ال يحل أعله‪ ،‬وذلك كالحشرات التي ال دع لها سائل‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما كان طاه اًر في الحياة وبعد الذكاة‪ .‬وذلك كالحيوانات المبا أعلها‪ ،‬كبهيمة األنعاع ونحوها‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما كان طاه اًر في الحياة وبعد الممات‪ُ ،‬ذ َِعي أو لهلل ُي َذهللا وهو حالل‪ ،‬وذلك كحيوانات البحر كلها والجراد‪.‬‬
‫واسو ووتدل كثير من أهل العلهلل بقوله ‪" : ‬إنها من الطوافين عليكهلل والطوافات" بطهارة الصو ووبيان‪ ،‬وطهارت أفواهههلل‪ ،‬ولو بعد ما أصو ووابتها النجاسو ووة‪ ،‬وكذلك طهارة ريق الحمار‬
‫والبغل وعرقه ولعره‪ .‬وأين مشقة الهر من مشقة الحمار والبغلف‬
‫كان يركبها هو وأصحابه‪ ،‬ولهلل يكونوا َّ‬
‫يتوقون منها ما ذكرنا‪ .‬وهذا هو الصواب‪.‬‬ ‫ويدل عليه‪ :‬أنه ‪‬‬
‫وأما قوله ‪ ‬في لحوع الحمر يوع خيبر‪" :‬إنها رجس" أي‪ :‬لحمها رجس نجس حراع أعله‪ .‬وأما ريقها وعرقها ولعرها‪ :‬فلهلل ينه عنه‪ ،‬ولهلل يتوَقه ‪. ‬‬
‫وأما الكالب‪ :‬فينه ‪ ‬أمر بغسل ما ولغت فيه سبع مرات إحداهن بالتراب‪.‬‬
‫الحديث الرابع والعشرون‬
‫‪ " :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان‪ ،‬مكفرات لما بينهن ما‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫اجتنبت الكبائر"‬

‫تعد وال تحصى‪.‬‬ ‫هذا الحديث يدل على عظيهلل فضل هللا وكرمه بتفضيله هذه الصبادات الثالث العظيمة‪ ،‬وأن لها عند هللا المنزلة العالية‪ ،‬وثمراتها ال َ‬
‫فمن ثمراتها‪ :‬أن هللا جعلها مكملة لدين العبد وإس و ووالمه‪ ،‬وأنها منمية لبيمان‪ ،‬مس و ووقية لش و ووجرته‪ .‬فين هللا ارس ل و ووجرة اإليمان في قلوب المؤمنين بحس و ووب إيمانههلل‪ ،‬وَق َّد َر من‬
‫ُعلها كل حين بيذن ربها‪ ،‬وجعلها تنفي عنها اآلفات‪.‬‬ ‫ألطافه وفضله من الواجبات والسنن ما يسقي هذه الشجرة وينميها‪ ،‬ويدفع عنها اآلفات حتى تكمل وتؤتي أ ُ‬
‫فالذنوب ضررها عظيهلل‪ ،‬وتنقيصها لبيمان معلوع‪.‬‬
‫الس ِوي َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات}‪ 44‬كما أن هللا‬ ‫فهذه الفرائض الثالث إذا تجنب العبد كبائر الذنوب افر هللا بها الصغائر والخطي ات‪ .‬وهي من أعظهلل ما يدخل في قوله تعالى‪ِ{ :‬إ َّن اْل َح َس َنات ُي ْذه ْب َن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫جعل من لطفه تجنب الكبائر سبباً لتفكير الصغائر‪ .‬قال تعالى‪ِ{ :‬إن تَجتَِنبوْا َكب ِةئر ما تُْنهون ع ْنه ن َكَِفر ع ُ ِ ِ‬
‫يما}‪ 45‬أما الكبائر فال بد لها من توبة‪.‬‬ ‫نك ْهلل َسَي َات ُك ْهلل َونُ ْدخْل ُكهلل ذم ْد َخالً َك ِر ً‬ ‫ْ ُ َ َ َ َْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫وعلهلل من هذا الحديث‪ :‬أن كل نص جاء فيه تكفير بعض األعمال الصو و ووالحة لل سو و ووي ات‪ ،‬فينما المراد به الصو و ووغائر؛ ألن هذه الصبادات الكبار إذا كانت ال تكفر بها الكبائر‬
‫فكيف بما دونهاف‬
‫والحديث صريط في أن الذنوب قسمان‪ :‬كبائر‪ ،‬وصغائر‪.‬‬
‫وقد كثر كالع الناس في الفرق بين الص ووغائر والكبائر‪ .‬وأحس وون ما قيل‪ :‬إن الكبيرة ما رتب عليه حد في الدنيا‪ ،‬أو توعد عليه باآلخرة أو لعن ص وواحبه‪ ،‬أو رتب عليه اض ووب‬
‫ونحوه‪ ،‬والصغائر ما عدا ذلك‪.‬‬
‫أو يقال‪ :‬الكبائر‪ :‬ما كان تحريمه تحريهلل المقاص وود‪ .‬والص ووغائر‪ :‬ما حرع تحريهلل الوس ووائل‪ ،‬فالوس ووائل‪ :‬كالنظرة المحرمة مع الخلوة باألجنبية‪ .‬والكبيرة‪ :‬نفس الزنا‪ ،‬وكربا الفض وول‬
‫مع ربا النسي ة‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫سورة هود – آية ‪.114‬‬
‫‪45‬‬
‫سورة النساء – آية ‪.31‬‬
‫فوائد الحديث‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل هذه الثالث العبادات العظيمة لما لها عند هللا من المنزلة العالية‪،‬‬
‫‪ -2‬فضل الصلوات الخمس‪ ،‬وأنها مكفرة للصغائر‪ ،‬وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر‪..‬‬
‫‪ .3‬فضل الجمعة‪ ،‬وأنها من أفضل أيام هللا‪ ،‬وفيها ساعة ال يوفق عبد مسلم للدعاء فيها إال استجاب هللا له‪.‬‬
‫‪ .4‬فضل شهر رمضان‪ ،‬وأن هللا يكفر به ما صغر من الذنوب‪.‬‬
‫‪ .5‬هذا الحديث يدل صراحة على أن الذنوب تنقسم إلى قسمين‪ :‬صغائر وكبائر‪ ،‬وأن المراد بتكفير هذه األعمال هو للصغائر فقط‪ ،‬وأما الكبائر فال بد لها‬
‫من توبة خاصة‪ ..‬وغير ذلك من صغائر الذنوب‬
‫الحديث الخامس والعشرون‬
‫‪" :‬صذولوا كما رأيتموني أصوَلي‪ ،‬وإذا حضورت الصوالة فليؤذن لكهلل أحدكهلل‪ ،‬وليؤمكهلل أعبركهلل"‬ ‫عن مالك بن الحويرث رضوي هللا عنه قال‪ :‬قال رسوول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫هذا الحديث احتوى على ثالث جمل‪ ،‬أولها أعظمها‪:‬‬
‫الجملة األولى‪ :‬قوله "إذا حض و وورت الص و ووالة فليؤذن لكهلل أحدكهلل" فيه مش و وورواية األذان ووجوبه لألمر به‪ ،‬وكونه بعد دخول الوقت‪ .‬ويس و ووتثنى من ذلك ص و ووالة الفجر‪ .‬فينه ‪‬‬
‫قال‪" :‬إن بالالً يؤذن بليل‪ ،‬فكلوا والو وربوا حتى يؤذن ابن أع مكتوع‪ .‬فينه ال ينادى حتى يقال له‪ :‬أص ووبحت‪ ،‬أص ووبحت" وأن األذان فرض كفاية‪ ،‬ال فرض عين؛ ألن األمر من الش ووارع‬
‫إن خوطب به كل لو ووخص مكلا وطلب حصو وووله منه‪ ،‬فهو فرض عين‪ .‬وإن طلب حصو وووله فقط‪ ،‬بقطع النظر من األايان‪ ،‬فهو فرض كفاية‪ .‬وهنا قال‪" :‬فليؤذن لكهلل أحدكهلل" وألفا‬
‫األذان معروفة‪.‬‬
‫صَِيتاً أميناً‪ ،‬عالماً بالوقت‪ ،‬متحرياً له‪ ،‬ألنه أعظهلل لحصول المقصود‪ .‬ويكفي من يحصل به اإلعالع االباً‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون المؤذن‪َ :‬‬
‫والحديث يدل على وجوب األذان في الحضر والسفر‪ .‬واإلقامة من تماع األذان‪ ،‬ألن األذان‪ :‬اإلعالع بدخول الوقت للصالة‪ ،‬واإلقامة‪ :‬اإلعالع بالقياع إليها‪.‬‬
‫حي على الفال ) فيقول‬ ‫(ح َّي على الصوالة‪َّ ،‬‬‫وقد وردت النصووص الكثيرة بفضوله‪ ،‬وكثرة ثوابه‪ ،‬واسوتحباب إجابة المؤذن‪ ،‬وأن يقول المجيب مثل ما يقول المؤذن إال إذا قال‪َ :‬‬
‫رب هذه الدعوة التامة والصو و ووالة‬
‫علمة االسو و ووتعانة بالِل على ما دعا إليه من الصو و ووالة والفال الذي هو الخير كله‪" :‬ال حول وال قوة إال بالِل" ثهلل يصو و وولي على النبي ‪ ‬ويقول‪( :‬اللههلل َّ‬
‫القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة‪ .‬وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ثهلل يدعو لنفسه؛ ألنه من مواطن اإلجابة التي ينبغي للداعي قصدها‪.‬‬
‫الجملة الثانية‪ :‬قوله‪" :‬وليؤمكهلل أعبركهلل" فيه‪ :‬وجوب صووالة الجماعة وأن أقلها إماع ومأموع‪ ،‬وأن األولى باإلمامة أقومههلل بمقصووود اإلمامة‪ ،‬كما ثبت في الصووحيط‪" :‬يؤع القوع‬
‫كان األولى منهما‬ ‫أقرؤههلل لكتاب هللا‪ .‬فين كانوا في القراءة س و و وواء فأعلمههلل بال ذس و و وَنة‪ .‬فين كانوا في الس و و وونة س و و وواء فأقدمههلل هجرة أو إس و و ووالماً" فين كانوا متقاربين – كما في الحديث –‬
‫"عَِب ْر‪َ ،‬كَِب ْر"‪.‬‬
‫أعبرهما؛ فين تقديهلل األعبر مشروع في كل أمر طلب فيه الترتيب‪ ،‬إذا لهلل يكن للصغير مزيد فضل؛ لقوله ‪َ : ‬‬
‫وإذا ترتبت الصو و ووالة بيماع ومأموع فينما جعل اإلماع ليؤتهلل به‪ .‬فيذا كبر‪َ :‬كبَّر من وراءه‪ .‬وإذا ركع‪ ،‬وسو و ووجد‪ ،‬ورفع‪ :‬تبعه من بعده وينهى عن موافقته في أفعال الصو و ووالة‪ .‬وأما‬
‫مسو و ووابقته اإلماع‪ ،‬والتقدع عليه في ركوع أو سو و ووجود‪ ،‬أو خفض أو رفع‪ ،‬فين ذلك حراع‪ ،‬مبطل للصو و ووالة‪ .‬فيؤمر المأمومون باالقتداء بيمامههلل‪ .‬وينهون عن الموافقة والمسو و ووابقة والتخلا‬
‫الكثير‪ .‬فين كانوا اثنين فأعثر فاألفضو وول‪ :‬أن يصو ووفوا خلفه‪ .‬ويجوز عن يمينه‪ ،‬أو عن جانبيه‪ .‬والرجل الواحد يصو ووا عن يمين اإلماع‪ .‬والمرأة خلا الرجل‪ ،‬أو الرجل‪ .‬وتقا وحدها‪،‬‬
‫إال إذا كان معها نساء َّ‬
‫فيكن كالرجال في وجوب المصاَفة‪ .‬وإن وقا الرجل الواحد خلا اإلماع أو خلا الصا لغير عذر بطلت صالته‪.‬‬
‫وعلى اإلماع تحص و وويل مقص و ووود اإلمامة من الجهر بالتكبير في االنتقاالت والتس و ووميع‪ ،‬ومن الجهر في القراءة الجهرية‪ .‬وعليه مراعاة المأمومين في التقدع والتأخر‪ ،‬والتخفيف‬
‫مع اإلتماع‪.‬‬
‫بالقول والفعل‪ ،‬كما فعل ذلك في الحا‪ ،‬حيث كان يقوع بأداء المناسوك‬ ‫الجملة الثالثة‪ :‬وهي األولى في هذا الحديث – قوله‪" :‬صولوا كما رأيتموني أصولي" وهذا تعليهلل منه ‪‬‬
‫ويقول للناس‪" :‬خذوا عني مناسو ووككهلل" وهذه الجملة تأتي على جميع ما كان يفعله ويقوله ويأمر به في الصو ووالة‪ ،‬وذلك بأن يسو ووتكمل العبد جميع لو وورول الصو ووالة‪ ،‬ثهلل يقوع إلى صو ووالته‬
‫من أنواع االسو و ووتفتاحات والتعوذات‪ ،‬ويق أر "بسو و ووهلل هللا الرحمن الرحيهلل" ثهلل يق أر‬ ‫ويسو و ووتقبل القبلة‪ ،‬ناوياً الصو و ووالة المعينة بقلبه‪ .‬ويقول "هللا أعبر" ثهلل يسو و ووتفتط‪ ،‬ويتعوذ بما ثبت عن النبي ‪‬‬
‫الفاتحة‪ ،‬وسورة طويلة في صالة الفجر‪ ،‬وقصيرة في صالة المغرب‪ ،‬وبين ذلك في بقية الصلوات‪ ،‬ثهلل يركع كب اًر رافعاً يديه حذو منكبيه في ركوعه وفي رفعه منه في كل ركعة‪ ،‬وعند‬
‫تكبيرة اإلحراع‪ .‬وإذا قاع من التشو و ووهد األول إلى الصو و ووحيط في الصو و ووالة الربااية والثالثية‪ ،‬ويقول‪" :‬سو و ووبحان ربي العظيهلل" مرة واجبة‪ .‬وأقل الكمال‪ :‬ثالث مرات‪ ،‬فأعثر‪ .‬وكذلك تسو و ووبيط‬
‫إماماً ومنفرداً ‪" :-‬سو و وومع هللا لمن حمده‪ ،‬ربنا ولك الحمد‪ ،‬حمداً كثي اًر طيباً مباركاً فيه" وكذلك المأموع‪ ،‬إال أنه ال يقول‪:‬‬ ‫السو و ووجود قول‪" :‬سو و ووبحان ربي األعلى" ثهلل يرفع أرسو و ووه قائالً –‬
‫"سمع هللا لمن حمده" ثهلل يكبر ويسجد على سبعة أعضاء‪:‬‬
‫القدمين‪ ،‬والركبتين‪ ،‬والكفين‪ ،‬والجبهة‪ .‬مع األنا‪ ،‬ويمكنها من األرض‪ ،‬ويجافيها‪ ،‬وال يبسوط ذراايه انبسوال الكلب‪ ،‬ثهلل يرفع مكب اًر‪ ،‬ويجلس مفترلواً جالسواً على رجله اليسورى‪،‬‬
‫يتورهللا‪ ،‬فيقعد على األرض‪ ،‬ويخرج رجله اليسورى عن يمينه‪،‬‬ ‫ناصوباً رجله اليمنى‪ ،‬موجهاً أصوابعها إلى القبلة‪ .‬والصوالة جلوسوها كله افتراخ‪ ،‬إال في التشوهد األخير‪ .‬فينه ينبغي له أن َ‬
‫ويقول بين السو ووجدتين‪" :‬رب اافر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني" ثهلل يسو ووجد الثانية كاألولى‪ .‬وهكذا يفعل في كل ركعة‪ ،‬وعليه أن يطم ن في كل رفع وخفض‪ ،‬وركوع وسو ووجود‬
‫ويياع وقعود‪ ،‬ثهلل يتشوهد فيقول‪" :‬التحيات هلل‪ ،‬والصولوات والطيبات السوالع عليك أيها النبي ورحمة هللا وبركاته‪ .‬السوالع علينا وعلى اباد هللا الصوالحين‪ .‬ألوهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وألوهد‬
‫أن محمداً عبده ورسوووله" هذا التشووهد األول‪ ،‬ثهلل يقوع‪ ،‬إن كانت ربااية أو ثالثية‪ ،‬ويصوولي بقيتها بالفاتحة وحدها‪ ،‬وإن كان في التشووهد الذي يليه السووالع قال‪" :‬اللههلل صو َول على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيهلل‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارهللا على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيهلل‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬اللههلل إني أعوذ بك من عذاب جهنهلل‪،‬‬
‫في الصو و و و ووالة من فعله وقوله‬ ‫ومن عذاب القبر‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن فتنة المسو و و و وويط الدجال" ويدعو بما أحب‪ ،‬ثهلل يسو و و و و َولهلل‪ ،‬ويذكر هللا بما ورد‪ ،‬فجميع الوارد عن النبي ‪‬‬
‫وتعليمه وإرلاده داخل في قوله‪" :‬صَلوا كما رأيتموني أصلي" وهو مأمور به‪ ،‬أمر إيجاب أو استحباب بحسب الداللة‪.‬‬
‫فما كان من أجزائها‪ ،‬ال يسو ووقط سو ووهواً وال جهالً‪ ،‬وال عمداً قيل له‪ :‬ركن‪ ،‬كتكب يرة اإلحراع‪ ،‬وقراءة الفاتحة‪ ،‬والتشو ووهد األخير‪ ،‬والسو ووالع‪ ،‬وكالقياع‪ ،‬والركوع‪ ،‬والسو ووجود‪ ،‬واالعتدال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫وما كان يسووقط سووهواً ويجبره سووجود السووهو قيل له‪ :‬واجب‪ ،‬كالتشووهد األول‪ ،‬والجلوس له‪ ،‬والتكبيرات اير تكبيرة اإلحراع‪ ،‬وقول‪" :‬سوومع هللا لمن حمده" لبماع والمنفر‪ ،‬وقول‪:‬‬
‫مرة في الركوع‪ ،‬و"سبحان ربي األعلى" مرة في السجود‪ ،‬وقول‪" :‬ربي اافر لي" بين السجدتين‪.‬‬
‫مصل‪ ،‬وقول‪" :‬سبحان ربي العظيهلل" َ‬
‫َ‬ ‫"ربنا ولك الحمد" لكل‬
‫وما س وووى ذلك فينه من مكمالتها ومس وتحباتها‪ .‬وخص وووص واً رو الص ووالة ولُ ُبها‪ ،‬وهو حض ووور القلب فيها‪ ،‬وتدبر ما يقوله من قراءة‪ ،‬وذكر ودعاء‪ ،‬وما يفعله من يياع وقعود‪،‬‬
‫وركوع وسجود‪ ،‬والخضوع هلل‪ ،‬والخشوع فيها هلل‪.‬‬
‫في الصووالة‪ :‬كالضووحك‪ ،‬والكالع‪ ،‬وكثرة الحركة المتتابعة لغير ضوورورة‪ ،‬فين الصووالة ال تتهلل إال بوجود لووروطها وأركانها‬ ‫ومما يدخل في ذلك‪ :‬تجنب ما نهى عنه الرسووول ‪‬‬
‫وواجباتها‪ ،‬وانتفاء مبطالتها التي ترجع إلى أمرين‪ :‬إما إخالل بالزع‪ ،‬أو فعل ممنوع فيها‪ ،‬كالكالع ونحوه‪.‬‬
‫المستوى ثاني لرعي‬
‫الحديث السادس والعشرون‬
‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬أعطيت خمساً لهلل يعطهن أحد من األنبياء قبلي‪:‬‬
‫وجعلت لي األرض كلها مسجداً وطهو اًر‪ .‬فأيذما رجل من أمتي أدركته الصالة فليصل‪ ،‬وأحَِلت لي الغنائهلل‪ ،‬ولهلل تُ َحل ألحد‬ ‫نصرت ذ ِ‬
‫بالرعب مسيرة لهر‪ُ .‬‬
‫قبلي‪ .‬وأعطيت الشفاعة‪ .‬وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة" متفق عليه‪.‬‬
‫ُ‬

‫نصرت ‪ /‬انتصر أو فاز على أعدائه‬


‫الرعب ‪ /‬الخوف‬
‫طهو ار ‪ /‬اتطهر به‬
‫الغنائهلل ‪ /‬ما يؤخذ من اإلعداء في الحرب‬

‫ض ول نبينا محمد ‪ ‬بفضووائل كثيرة فاق بها جميع األنبياء‪ .‬فكل خصوولة حميدة ترجع إلى العلوع النافعة‪ ،‬والمعارف الصووحيحة‪ ،‬والعمل الصووالط‪ .‬فلنبينا منها أعالها وأفضوولها وأعملها‪ .‬ولهذا لما ذكر هللا‬ ‫ِ‬
‫ُف َ‬
‫اه ُهلل ا ْقتَِد ْه}‪ 46‬وهداههلل‪ :‬هو ما كانوا عليه من الفضائل الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫َّللاُ َفِب ُه َد ُ‬
‫ين َه َدى َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫أايان األنبياء الكراع قال لنبيه‪{ :‬أ ُْوَلو َك الذ َ‬
‫خص هللا نبينا بخصائص لما يشاركه فيها أحد من األنبياء‪ ،‬منها‪ :‬هذه الخمس التي عادت على أمته بكل خير وبركة ونفع‪.‬‬ ‫وقد تمهلل ‪ ‬ما أمر به‪ ،‬وفاق جميع الخلق‪ ،‬ولذلك َ‬
‫إحداها‪ :‬أنه نصوور بالرعب مسوويرة لووهر ‪ ،‬وهذا نصوور رباني‪ ،‬وجند من السووماء يعين هللا به رسوووله وأمته المتبعين لهديه‪ ،‬فمتى كان عدوه عنه مسووافة لووهر فأقل فينه مرعوب منه‪ ،‬وإذا أراد هللا نصوور أحد‬
‫الِلِ َما َل ْهلل ُي َن َِزْل ِب ِه ُس و و وْل َ‬
‫ط ًانا}‪ 47‬وألقى في قلوب المؤمنين من القوة والثبات والس و و ووكينة والطمأنينة ما هو أعظهلل أس و و ووباب‬ ‫ذع َب ِب َما أَ ْل و و و َرُعوْا ِب َ‬
‫ين َكَف ُروْا الرْ‬
‫ألقى في قلوب أعدائه الرعب‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬س و و ونْلِقي ِفي ُقُل ِ َّ ِ‬
‫وب الذ َ‬ ‫َ ُ‬
‫النصور‪ ،‬فالِل تعالى وعد نبينا وأمته بالنصور العظيهلل‪ ،‬وأن يعينههلل بأسوباب أرلودههلل إليها‪ ،‬كاالجتماع واالئتالف‪ ،‬والصوبر واالسوتعداد لألعداء بكل مسوتطاع من القوة إلى اير ذلك من اإلرلوادات الحكيمة‪ ،‬وسواعدههلل‬
‫بهذا النصر‪ ،‬وقد فعل تبارهللا وتعالى‪ ،‬كما هو معروف من حال نبينا ‪ ‬والمتبعين له من خلفائه الرالدين والملوهللا الصالحين‪ ،‬تهلل لههلل من النصر و َ‬
‫العز العظيهلل في أسرع وقت ما لهلل يتهلل لغيرههلل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قوله‪" :‬وجعلت لي األرض كلها مس ووجداً وطهو اًر" وحقق ذلك بقوله‪" :‬فأينما أدركت أحداً من أمتي الص ووالة فعنده مس ووجده وطهوره" فجميع بقاع األرض مس ووجد يص وولى فيها من اير اس ووتثناء إال ما‬
‫نص الشارع على المنع منه‪ .‬وقد ثبت النهي عن الصالة في المقبرة والحماع‪ ،‬وأعطان اإلبل‪ .‬وكذلك الموضع المغصوب والنجس اللترال الطهارة لبدن المصلي وثوبه وبقعته‪.‬‬
‫ص و ِع ًيدا‬
‫وكذلك من عدع الماء أو ض و َوره اس ووتعماله فله العدول إلى التيمهلل بجميع ما تص وواعد على وجه األرض‪ ،‬س وواء التراب الذي له غبار أو ايره‪ ،‬كما هو ص وريط هذا الحديث مع قوله تعالى‪َ{ :‬فتََي َّم ُموْا َ‬
‫يكهلل َِم ْن ُه}‪ 48‬فين الصعيد‪ :‬كل ما تصاعد على وجه األرض من جميع أجزائها‪.‬‬ ‫ام َس ُحوْا ِب ُو ُجو ِه ُك ْهلل َوأ َْي ِد ُ‬ ‫َِ‬
‫طَيًبا َف ْ‬

‫‪46‬‬
‫سورة األنعام – آية ‪.90‬‬
‫‪47‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪.151‬‬
‫‪48‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪.6‬‬
‫ويدل على أن التيمهلل على الوجه واليدين ينوب مناب طهارة الماء‪ ،‬ويفعل به من الصالة والطواف ومس الصحا واير ذلك ما يفعل بطهارة الماء‪ :‬والشارع أناب التراب مناب الماء عند تعذر استعماله‪.‬‬ ‫َ‬
‫فيدل ذلك على أنه إذا تطهر بالتراب ولهلل ينتقض وضوءه لهلل يبطل تيممه بخروج الوقت وال بدخوله‪ ،‬وأنه إذا نوى التيمهلل للنفل استبا الفرض كطهارة الماء‪ ،‬وأن حكمه حكهلل الماء في كل األحكاع في حالة التعذر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قوله‪" :‬وأحلت لي الغنائهلل‪ ،‬ولهلل تحل ألحد قبلي" وذلك لكرامته على ربه‪ ،‬وكرامة أمته وفضولههلل‪ ،‬وكمال إخالصوههلل‪ ،‬فأحلها لههلل‪ ،‬ولهلل ينقص من أجر جهادههلل لوي اً‪ .‬وحصول بها لهذه األمة من سوعة‬
‫ظل رمحي" أما من قبلنا من األمهلل‪ ،‬فين جهادههلل قليل بالنسبة لهذه األمة‪ ،‬وههلل دون هذه األمة‬
‫عده‪ .‬ولهذا قال ‪" : ‬وجعل رزقي تحت َ‬ ‫األرزاق‪ ،‬وكثرة الخيرات‪ ،‬واالستعانة على أمور الدين والدنيا ليء ال يمكن َ‬
‫يخل بيخالصههلل‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫بقوة اإليمان واإلخالص‪ .‬فمن رحمته بههلل أنه منعههلل من الغنائهلل؛ ل ال َ‬
‫الرابعة‪ :‬قوله‪" :‬وأعطيت الشو و ووفاعة" وهي الشو و ووفاعة العظمى التي يعتذر عنها كبار الرسو و وول‪ ،‬وينتدب لها خاتمههلل محمد ‪ . ‬فيشو و وَفعه هللا في الخلق‪ .‬ويحصو و وول له المقاع المحمود الذي يحمده فيه األولون‬
‫َّأت دعوتي لوفاعة‬ ‫واآلخرون‪ ،‬وأهل السوماوات واألرض‪ .‬وتنال أمته من هذه الشوفاعة الحظ األوفر‪ ،‬والنصويب األعمل‪ .‬ويشوفع لههلل لوفاعة خاصوة‪ ،‬فيشوفعه هللا تعالى‪ .‬وقد قال ‪" : ‬لكل نبي دعوة َّ‬
‫تعجَلها‪ .‬وقد َخب ُ‬
‫من مات ال يشرهللا بالِل لي اً"‪ ،‬وقال‪" :‬أسعد الناس بشفاعتي‪ :‬من قال ال إله إال هللا خالصاً من قلبه"‪.‬‬ ‫ألمتي‪ ،‬فهي نائلة – إن لاء هللا –‬
‫‪ -1‬الشفاعة العظمى ألهل الموقف ليريحهم هللا من هذا القيام‪.‬‬
‫‪ -2‬شفاعته في جماعة من أمته أو ألهل الجنه أن يدخلوا الجنة بغير حساب‪.‬‬
‫‪ -3‬وشفاعته لعمه أبي طالب أن يخفف عنه‬
‫وشفاعته‪ :‬في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم‪ ،‬فيشفع لهم فيدخلون الجنة‪.‬‬
‫الخامسةةة‪ :‬قوله‪" :‬وكان النبي" أي‪ :‬جنس األنبياء "يبعث إلى قومه خاص ووة‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة" وذلك لكمال لو وريعته وعمومها وس ووعتها‪ ،‬وال ووتمالها على الص ووال المطلق‪ ،‬وأنها ص ووالحة لكل زمان‬
‫أسست للبشر أصوالً عظيمة‪ ،‬متى اعتبروها صلحت لههلل دنياههلل كما صلط لههلل دينههلل‪.‬‬
‫ومكان‪ .‬وال يتهلل الصال إال بها‪ .‬وقد َ‬
‫الحديث السابع والعشرون‬
‫بثالث‪ :‬صياع ثالثة أياع من كل لهر‪ ،‬وركعتي الضحى‪ ،‬وأن أوتر قبل أن أناع" متفق عليه‪.‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪" :‬أوصاني خليلي ‪‬‬

‫وخطابه لواحد من أمته خطاب لألمة كلها‪ ،‬ما لهلل يدل دليل على الخصوصية‪.‬‬ ‫وصيته ‪‬‬
‫فهذه الوصايا الثالث‪ ،‬من آعد نوافل الصالة والصياع‪.‬‬
‫أما ص ووياع ثالثة أياع من كل ل ووهر‪ :‬فينه ورد أنه يعدل ص ووياع الس وونة؛ ألن الحس وونة بعش وور أمثالها‪ .‬وص ووياع الثالث من كل ل ووهر يعدل ص ووياع الش ووهر كله‪ .‬والش وريعة مبناها على اليس وور والس ووهولة‪ .‬وجانب‬
‫الفضو وول فيها االب‪ .‬وهذا العمل يسو ووير على من يسو وره هللا عليه‪ ،‬ال يشو ووق على اإلنسو ووان وال يمنعه القياع بشو وويء من مهماته‪ ،‬ومن ذلك ففيه هذا الفضو وول العظيهلل؛ ألن العمل كلما كان أطوع للرب وأنفع للعبد‪ ،‬كان‬
‫الحث على تخصيص سنة من لوال‪ ،‬وصياع يوع عرفة‪ ،‬والتاسع والعالر من المحرع‪ ،‬واالثنين والخميس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أفضل مما ليس كذلك‪ .‬وقد ثبت‬
‫وأما صووالة الضووحى‪ :‬فينه قد تكاثرت األحاديث الصووحيحة في فضوولها‪ ،‬واختلا العلماء في اسووتحباب مداومتها‪ ،‬أو أن يغب بها اإلنسووان‪ .‬والصووحيط‪ :‬أنه تسووتحب المداومة عليها لهذا الحديث وايره إال‬
‫"إنه يصوبط على كل آدمي كل يوع ثالثمائة وسوتون صودقة‪ ،‬فكل تسوبيحة صودقة‪ ،‬وكل تحميدة صودقة‪ ،‬وكل تكبيرة صودقة‪ ،‬وأمر‬ ‫لمن له عادة من صوالة الليل‪ ،‬فيذا تركها أحياناً فال بأس‪ .‬وقد أخبر رسوول هللا ‪‬‬
‫بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهى عن المنكر صدقة‪ .‬ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"‬
‫قال العلماء‪ :‬أقل صالة الضحى ركعتان‪ ،‬وأعثرها ثمان‪ ،‬ووقتها من ارتفاع الشمس ِق ْي َد رمط إلى قبيل الزوال‪.‬‬
‫حث عليه رسول هللا ‪ ، ‬وداوع عليه حض اًر وسف اًر‪.‬‬
‫وأما الوتر‪ :‬فينه سنة مؤكدة‪َ ،‬‬
‫لاء بثالث‪ ،‬أو خمس‪ ،‬أو سبع‪ ،‬أو تسع‪ ،‬أو إحدى عشر ركعة‪ .‬وله أن يسردها بسالع واحد‪ ،‬وأن يسلهلل من كل ركعتين‪.‬‬ ‫وأقله‪ :‬ركعة واحدة‪ ،‬وإن َ‬
‫ووقت الوتر من صالة العشاء اآلخرة إلى طلوع الفجر واألفضل آخر الليل لمن طمع أن يقوع آخره‪ ،‬وإال أوترأوله كما في هذا الحديث‪.‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫بالغ ْدوة والروحة‪ ،‬وليء من ال ذدَلجة"‬ ‫شاد الدين أحد إال البه‪ِ ،‬‬
‫"إن الدين ُي ْسر‪ ،‬ولن َي َّ‬
‫متفق عليه‬ ‫فس َددوا وقاربوا وأبشروا‪ ،‬واستعينوا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القصد تَْبلُغوا"‪.‬‬
‫َ‬ ‫القصد‬
‫وفي لفظ "و َ‬
‫ولن يشاد ‪ /‬كل من يشدد أو يصعب أو يظهر‬
‫التسديد‪/‬التوسيط يفعل العبد من العمل قدر ما يستطيع‬
‫وقاربوا ‪ /‬أي اجعلوها اقرب الى الكمال سيبشر باالجر‬

‫ما أعظهلل هذا الحديث‪ ،‬وأجمعه للخير والوصووايا النافعة‪ ،‬واألصووول الجامعة‪ .‬فقد أُ َس وس ‪ ‬في أوله هذا األصوول الكبير‪ .‬فقال‪" :‬إن الدين يسوور" أي ميسوور مسووهل في عقائده وأخالقه وأعماله‪ ،‬وفي أفعاله‬
‫أجل ااية وأفضو وول مطلوب وأخالقه‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صو ول مقتديها إلى َ‬ ‫وتُروكه‪ .‬فين عقائده التي ترجع إلى اإليمان بالِل ومالئكته وكتبه ورسو ووله واليوع اآلخر والَق َدر خيره ولو وره‪ :‬هي العقائد الصو ووحيحة التي تطم ن لها القلوب‪ ،‬وتو َ‬
‫وأعماله أعمل األخالق‪ ،‬وأصو وولط األعمال‪ ،‬بها صو ووال الدين والدنيا واآلخرة‪ .‬وبفواتها يفوت الصو ووال كله‪ .‬وهي كلها ميس و ورة مسو ووهلة‪ ،‬كل مكلا يرى نفسو ووه قاد اًر عليها ال تشو ووق عليه‪ ،‬وال تكلفه‪ ،‬عقائده صو ووحيحة‬
‫بسيطة‪ .‬تقبلها العقول السليمة‪ ،‬والفطر المستقيمة‪ .‬وفرائضه أسهل ليء‪.‬‬
‫أما الصو و و و و وولوات الخمس‪ :‬فينها تتكرر كل يوع وليلة خمس مرات في أوقات مناسو و و و و ووبة لها‪ .‬وتمهلل اللطيف الخبير سو و و و و ووهولتها بييجاب الجماعة واالجتماع لها؛ فين االجتماع في الصبادات من المنشو و و و و ووطات‬
‫والمسهالت لها ورتب عليها من خير الدين وصال اإليمان‪ ،‬وثواب هللا العاجل واآلجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها‪ ،‬ويحمد هللا على فرضه لها على الصباد؛ إذ ال انى لههلل عنها‪.‬‬
‫وأما الزكاة‪ :‬فينها ال تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي‪ .‬وإنما تجب على األانياء تتميماً لدينههلل وإسالمههلل‪ ،‬وتنمية ألموالههلل‪ ،‬وأخالقههلل‪ ،‬ودفعاً لآلفات عنههلل وعن أموالههلل‪ ،‬وتطهي اًر لههلل من السي ات‪،‬‬
‫ومواساة لمحاويجههلل‪ ،‬ويياماً لمصالحههلل الكلية‪ .‬وهي مع ذلك جزء يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاههلل هللا من المال والرزق‪.‬‬
‫ويعوضوههلل هللا على ذلك من فضوله وإحسوانه‬ ‫– في النهار –‬ ‫من طعاع ولوراب ونكا‬ ‫وأما الصوياع‪ :‬فين المفروض لوهر واحد من كل عاع‪ ،‬يجتمع فيه المسولمون كلههلل‪ ،‬فيتركن فيه لوهواتههلل األصولية –‬
‫تتميهلل دينههلل وإيمانههلل‪ ،‬وزيادة كمالههلل‪ ،‬وأجره العظيهلل‪ ،‬وبره العميهلل‪ ،‬واير ذلك مما رتبه على الصياع من الخير الكثير‪ ،‬ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها‪ ،‬وترهللا المنكرات‪.‬‬
‫محل آخر‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫وأما الحا‪ :‬فين هللا لهلل يفرض و و ووه إال على المس و و ووتطيع‪ ،‬وفي العمر مرة واحدة‪ .‬وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما ال يمكن تعداده‪ .‬وقد فص و و وولنا مص و و ووالط الحا ومنافعه في َ‬
‫{لِ َي ْش َه ُدوا َم َن ِاف َع َل ُه ْهلل}‪ 49‬أي‪ :‬دينية ودنيوية‪.‬‬
‫يد ِب ُك ُهلل اْل ُع ْس و َر}‪ 50‬ومع ذلك إذا عرض للعبد‬
‫َّللاُ ِب ُك ُهلل اْلُي ْس و َر َوالَ ُي ِر ُ‬
‫يد َ‬‫{ي ِر ُ‬
‫ثهلل بعد ذلك بقية ل ورائع اإلس ووالع التي هي في ااية الس ووهولة الراجعة ألداء حق هللا وحق اباده‪ .‬فهي في نفس ووها ميس ورة‪ .‬قال تعالى ُ‬
‫عارض مرض أو سفر أو ايرهما‪ ،‬رتب على ذلك من التخفيفات‪ ،‬وسقول بعض الواجبات‪ ،‬أو صفاتها وهي تها ما هو معروف‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫سورة احلج – آية ‪.28‬‬
‫‪50‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪.85‬‬
‫رأى ذلك اير ل وواق‬ ‫ثهلل إذا نظر العبد إلى األعمال الموظفة على الصباد في اليوع والليلة المتنوعة من فرض ونفل‪ ،‬وص ووالة وص ووياع وص وودقة وايرها‪ ،‬وأراد أن يقتدي فيها بأعمل الخلق وإمامههلل محمد ‪‬‬
‫حق على اإلنسووان برفق وسووهولة‪ ،‬وأما من لوودد على نفسووه فلهلل يكتا‬ ‫كل من له َ‬ ‫وحق َ‬‫وحق األهل واألصووحاب‪َ ،‬‬‫وحق النفس‪َ ،‬‬ ‫حق هللا‪َ ،‬‬‫عليه‪ ،‬وال مانع له عن مصووالط دنياه‪ ،‬بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫بما اعتفى به النبي ‪ ، ‬وال بما علمه لألمة وأرل و و و وودههلل إليه‪ ،‬بل اال‪ ،‬وأوال في الصبادات‪ :‬فين الدين يغلبه‪ ،‬وآخر أمره العجز واالنقطاع‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬ولن َيش و و و و َ‬
‫واد الدي َن أحد إال البه" فمن قاوع هذا الدين بش و و و وودة‬
‫وحث عليه‪ .‬فقال‪" :‬والقصد القصد تبلغوا"‪.‬‬ ‫والو‪ ،‬ولهلل يقتصد‪ :‬البه الدين‪ ،‬واستحسر ورجع القهقرى‪ .‬ولهذا أمر ‪‬‬
‫بالقصد‪َ ،‬‬
‫ثهلل وصوى ‪ ‬بالتسوديد والمقاربة‪ ،‬وتقوية النفوس بالبشوارة بالخير‪ ،‬وعدع اليأس فالتسوديد‪ :‬أن يقول اإلنسوان القول السوديد‪ ،‬ويعمل العمل السوديد‪ ،‬ويسولك الطريق الرلويد‪ ،‬وهو اإلصوابة في أقواله وأفعاله من‬
‫عل وجه‪ .‬فين لهلل يدرهللا السداد من كل وجه فليتق هللا م ا استطاع‪ ،‬وليقارب الغرض‪ .‬فمن لهلل يدرهللا الصواب كله فليكتا بالمقاربة‪ .‬ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه‪.‬‬
‫‪" :‬إذا أمرتكهلل بأمر فائتوا منه ما اس ووتطعتهلل" والمس ووائل المبنية على هذا األص وول ال تنحص وور‪ .‬وفي حديث آخر‬ ‫دل عليه أيضوواً قوله تعالى‪َ{ :‬فاتَُّقوا ََّّللاَ َما ا ْسووتَ َط ْعتُ ْهلل}‪ 51‬وقوله ‪‬‬
‫ويؤخذ من هذا أص وول نافع َ‬
‫وب َِشروا وال تنفروا"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫"يسروا‪ ،‬وال تعسروا‪َ .‬‬
‫َ‬
‫ثهلل ختهلل الحديث بوصووية خفيفة على النفوس‪ ،‬وهي في ااية النفع‪ .‬فقال‪" :‬واسووتعينوا بالغدوة والروحة‪ ،‬ولوويء من ال ذدلجة" وهذه األوقات الثالثة كما أنها السووبب الوحيد لقطع المسووافات القريبة والبعيدة في‬
‫األسووفار الح َِس وية‪ ،‬مع راحة المسووافر‪ ،‬وراحة راحلته‪ ،‬وصوووله براحة وسووهولة‪ ،‬فهي السووبب الوحيد لقطع السووفر األخروي‪ ،‬وسوولوهللا الص ورال المسووتقيهلل‪ ،‬والسووير إلى هللا سووي اًر جميالً‪ .‬فمتى أخذ العامل نفسووه‪ ،‬ولووغلها‬
‫بالخير واألعمال الصوالحة المناسوبة لوقته – َأول نهاره وآخر نهاره ولوي اً من ليله‪ ،‬وخصووصواً آخر الليل – حصول له من الخير ومن الباييات الصوالحات أعمل حظ‪ ،‬وأوفر نصويب‪ .‬ونال السوعادة والفوز والفال‬
‫وتهلل له النجا في راحة وطمأنينة‪ ،‬مع حص ووول مقاص ووده الدنيوية‪ ،‬وأا ارض ووه النفس ووية‪ .‬وهذا من أعبر األدلة على رحمة هللا بصباده بهذا الدين الذي هو مادة الس ووعادة األبدية؛ إذ نص ووبه لصباده‪ ،‬وأوض ووحه على ألس وونة‬
‫رسله‪ ،‬وجعله ميس اًر مسهالً‪ ،‬وأعان عليه من كل وجه‪ .‬ولطا بالعاملين‪ ،‬وحفظههلل من القواطع والعوائق‪.‬‬
‫فعلمت بهذا‪ :‬أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيهلل عدة قواعد‪:‬‬
‫القاعدة األولى‪ :‬التيسير الشامل للشريعة على وجه العموع‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬المشقة تجلب التيسير وقت حصولها‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬إذا أمرتكهلل بأمر فائتوا منه ما استطعتهلل‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬تنشيط أهل األعمال‪ ،‬وتبشيرههلل بالخير والثواب المرتب على األعمال‪.‬‬
‫القاعدة الخامس‪ :‬الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوهللا إلى هللا‪ ،‬التي تغني عن كل ليء وال يغني عنها ليء‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫سورة التغابن – آية ‪.16‬‬
‫الحديث التاسع والعشرون‬
‫هن يا رسول هللاف قال‪ :‬إذا لقيته فسَلهلل عليه‪.‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬حق المسلهلل على المسلهلل ست‪ :‬قيل‪ :‬وما َ‬
‫فاتَبعه" رواه مسلهلل‪.‬‬
‫فع ْده‪ ،‬وإذا مات ْ‬ ‫وإذا دعاهللا فأجبه‪ ،‬وإذا استنصحك فانصط له‪ ،‬وإذا عطس فحمد هللا َ ِ‬
‫فش َمته‪ .‬وإذا مرض ُ‬
‫حق ‪ /‬واجب‬
‫اذا طلب نصيحتك فكن صاد َقا معه‪.‬‬
‫التشميت ‪ /‬ان يقول يرحمك هللا‬
‫ايادة المريض ‪ /‬أي زيارته‬

‫حق المسلمين كان ييامه بغيرها أولى‪ .‬وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق التي فيها الخير الكثير واألجر العظيهلل من هللا‪.‬‬
‫هذه الحقوق الستة من قاع بها في َ‬
‫األولى‪" :‬إذا لقيته فسو وَلهلل عليه" فين الس ووالع س ووبب للمحبة التي توجب اإليمان الذي يوجب دخول الجنة‪ ،‬كما قال ‪" : ‬والذي نفس ووي بيده‪ ،‬ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪ .‬وال تؤمنوا حتى تحابوا‪ .‬أفال أدلكهلل‬
‫على ل وويء إذا فعلتموه تحاببتهللف أفشو ووا الس ووالع بينكهلل" والس ووالع من محاس وون اإلس ووالع؛ فين كل واحد من المتالقيين يدعو لآلخر بالس ووالمة من الش وورور‪ ،‬وبالرحمة والبركة الجالبة لكل خير‪ ،‬ويتبع ذلك من البش ووال ووة‬
‫وألفا التحية المناسبة ما يوجب التةلا والمحبة‪ ،‬ويزيل الوحشة والتقاطع‪.‬‬
‫رد التحية بمثلها أو أحسن منها‪ ،‬وخير الناس من بدأههلل بالسالع‪.‬‬ ‫َّ‬
‫المسلهلل عليه َ‬ ‫حق للمسلهلل‪ .‬وعلى‬
‫فالسالع َ‬
‫الثانية‪" :‬إذا دعاهللا فأجبه" أي‪ :‬دعاهللا لدعوة طعاع ولراب فاجبر خاطر أخيك الذي أدلى إليك وأعرمك بالدعوة‪ ،‬وأجبه لذلك إال أن يكون لك عذر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قوله‪" :‬وإذا اس ووتنص ووحك فانص ووط له" أي‪ :‬إذا اس ووتش ووارهللا في عمل من األعمال‪ :‬هل يعمله أع الف فانص ووط له بما تحبه لنفس ووك‪ .‬فين كان العمل نافعاً من كل وجه فحثه على فعله‪ ،‬وإن كان مض و اًر‬
‫فحذره منه وإن احتوى على نفع وضوورر فالوور له ذلك‪ ،‬ووازن بين المصووالط والمفاسوود‪ .‬وكذلك إذا لوواورهللا على معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصوويحتك‪ ،‬وأعمل له من الرأي ما‬
‫تعمله لنفس‪ ،‬وإياهللا أن تغشه في ليء من ذلك‪ .‬فمن عش المسلمين فليس منههلل‪ ،‬وقد ترهللا واجب النصيحة‪.‬‬
‫وهذه النصيحة واجبة مطلقاً‪ ،‬ولكنها تتأعد إذا استنصحك وطلب منك الرأي النافع‪ .‬ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأعد‪ .‬وقد تقدع لر الحديث "الدين النصيحة" بما يغني عن إعادة الكالع‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬قوله‪" :‬وإذا عطس فحمد هللا فش وومته" وذلك أن العطاس نعمة من هللا؛ لخروج هذه الريط المحتقنة في أجزاء بدن اإلنس ووان‪ ،‬يس وور هللا لها منفذاً تخرج منه فيس ووتريط العاطس‪ .‬فش وورع له أن يحمد هللا‬
‫فوت على نفسو ووه النعمتين‪ :‬نعمة‬
‫على هذه النعمة‪ .‬ولو وورع ألخيه أن يقول له‪" :‬يرحمك هللا" وأمره أن يجيبه بقوله‪" :‬يهديكهلل هللا ويصو وولط بالكهلل" فمن لهلل يحمد هللا لهلل يسو ووتحق التشو ووميت‪ ،‬وال يلومن إال نفسو ووه‪ .‬فهو الذي َ‬
‫الحمد هلل‪ ،‬ونعمة دعاء أخيه له المرتب على الحمد‪.‬‬
‫الخامسةة‪ :‬قوله "وإذا مرض فعده" ايادة المريض من حقوق المسولهلل‪ ،‬وخصووصواً من له حق عليك متأعد‪ ،‬كالقريب والصواحب ونحوهما‪ .‬وهي من أفضول األعمال الصوالحة‪ .‬ومن عاد أخاه المسولهلل لهلل يزل‬
‫يخوض الرحمة‪ ،‬فيذا جلس عنده امرت الرحمة‪ .‬ومن عاده أول النهار صولت عليه المالئكة حتى يمسوي‪ .‬ومن عاده آخر النهار صولت عليه المالئكة حتى يصوبط‪ ،‬وينبغي للعائد أن يدعو له بالشوفاء‪ ،‬وينفس له‪،‬‬
‫ويشر خاطره بالبشارة بالعافية‪ ،‬ويذكره التوبة واإلنابة إلى هللا والوصية النافعة‪ .‬وال يطيل عنده الجلوس‪ ،‬بل بمقدار الصيادة‪ ،‬إال أن يؤثر المريض كثرة تردده وكثرة جلوسه عنده‪ ،‬فلكل مقاع مقال‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬قوله‪" :‬وإذا مات فا ْتبعه" فين من تبع جنازة حتى يصلى عليها فله قيرال من األجر(‪ .)1‬فين تبعها حتى تدفن فله قيراطان‪ .‬واتباع الجنازة فيه حق هلل‪ ،‬وحق للميت‪ ،‬وحق ألقاربه األحياء‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أي نصيب من الثواب‪.‬‬
‫الحديث الثالثون حفظ‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي موسى األلعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫"إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً"‬

‫هذا من أعبر ِمنن هللا على اباده المؤمنين‪ :‬أن أعمالههلل المس و و و و و ووتمرة المعتادة إذا قطعههلل عنها مرض أو س و و و و و ووفر كتبت لههلل كلها كاملة؛ ألن هللا يعلهلل منههلل أنه لوال ذلك المانع‬
‫لفعلوها‪ ،‬فيعطيههلل تعالى بنياتههلل مثل أجور العاملين مع أجر المرض الخاص‪ ،‬ومع ما يحصو و وول به من القياع بوظيفة الصو و ووبر‪ ،‬أو ما هو أعمل من ذلك من الرضو و ووى والشو و ووكر‪ ،‬ومن‬
‫الخضو وووع هلل واالنكسو ووار له‪ .‬ومع ما يفعله المسو ووافر من أعمال ربما ال يفعلها في الحضو وور‪ :‬من تعليهلل‪ ،‬أو نصو وويحة‪ ،‬أو إرلو وواد إلى مصو وولحة دينية أو دنيوية وخصو وووصو واً في األسو ووفار‬
‫الخيرية‪ ،‬كالجهاد‪ ،‬والحا والعمرة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫ويودخول في هوذا الحوديوث‪ :‬أن من فعول الصبوادة على وجوه نواقص وهو يعجز عن فعلهوا على الوجوه األعمول‪ ،‬فوين هللا يكمول لوه بنيتوه موا كوان يفعلوه لو قودر عليوه؛ فوين العجز عن‬
‫مكمالت الصبادات نوع مرض‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫ومن كان من نيته عمل خير‪ ،‬ولكنه التغل بعمل آخر أفضل منه‪ ،‬وال يمكنه الجمع بين األمرين‪ :‬فهو أولى أن يكتب له ذلك العمل الذي منعه منه عمل أفضل منه‪ ،‬بل لو‬
‫التغل بنظيره‪ .‬وفضل هللا تعالى عظيهلل‪.‬‬
‫الحديث الحادي والثالثون‬
‫‪" :‬أسرعوا بالجنازة‪ .‬فين تك صالحة فخير تقدمونها إليه‪ .‬وإن تك اير ذلك فشر تضعونه عن‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫رقابكهلل"‬
‫ٍ‬
‫محتو على مسائل أصولية وفرواية‪.‬‬ ‫هذا الحديث‬
‫‪" :‬أس وورعوا بالجنازة" ‪ -1‬يش وومل اإلس وراع بتغس وويلها وتكفينها وحملها ودفنها‪ ،‬وجميع متعلقات التجهيز‪ .‬ولهذا كانت هذه األمور من فروض الكفاية‪ .‬ويس ووتثنى من هذا‬ ‫فقوله ‪‬‬
‫اإلسراع إذا كان التأخير فيه مصلحة راجحة‪ ،‬كأن يموت بغتة‪ ،‬فيتعين تأخيره حتى يتحقق موته‪ :‬ل ال يكون قد أصابته سكتة‪.‬‬
‫تأخيره لكثرة الجمع‪ ،‬أو لحض و و و ووور من له حق عليه من قريب ونحوه‪ .‬وقد علل ذلك بمنفعة الميت لتقديمه لما هو خير له من النصيهلل‪ ،‬أو لمص و و و وولحة الحي‬ ‫وينبغي أيضو و و و واً –‬
‫بالسرعة في اإلبعاد عن الشر‪.‬‬
‫وإذا كان هذا مأمو اًر به في أمور تجهيزه‪ ،‬فمن باب أولى ‪ -2‬اإلسراع في إبراء ذمته من ديون وحقوق عليه‪ ،‬فينه إلى ذلك أحوج‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬الحث على االهتماع بشوأن أخيك المسولهلل حياً وميتاً‪ ،‬وباإلسوراع إلى ما فيه خير له في دينه ودنياه‪ .‬كما أن فيه‪ :‬الحق على البعد عن أسوباب الشور‪ ،‬ومباعدة المجرمين‪،‬‬
‫حتى في الحالة التي يبتلى اإلنسان فيها بمبالرته‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وعذابه‪ .‬وقد تواترت بذلك األحاديث عن النبي ‪ ،‬وأن مبتدأ ذلك وضو و ووعه في قبره إذا تهلل دفنه‪ ،‬ولهذا يشو و وورع في هذه الحال الوقوف‬ ‫وفي هذا الحديث‪ :‬إثبات نصيهلل البرزا‬
‫على قبره والدعاء له‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬وسؤال هللا له الثبات‪.‬‬
‫وفي هذا أيضو واً‪ :‬التنبيه على أس ووباب نصيهلل البرزا وعذابه‪ ،‬وأن أس ووباب النصيهلل الص ووال ؛ لقوله‪" :‬فين كانت ص ووالط" والص ووال كلمة جامعة تحتوي على تص ووديق هللا ورس وووله‪،‬‬
‫وطاعة هللا ورس و وووله‪ .‬فهو تص و ووديق الخبر‪ ،‬وامتثال األمر‪ ،‬واجتناب النهي‪ ،‬وأن العذاب س و ووببه اإلخالل بالص و ووال ‪ :‬إما لش و ووك في الدين‪ ،‬أو اجت ارء على المحارع‪ ،‬أو لترهللا ل و وويء من‬
‫ص َال َها ِإال األ َْلَقى‪َّ ،‬ال ِذي َك َّذ َب َوتََوَّلى}(‪ )2‬كذب الخبر‪ ،‬وتولى عن األمر‪.‬‬
‫الواجبات والفرائض‪ .‬وجميع األسباب المفصلة في األحاديث واآلثار ترجع إلى ذلك‪ .‬ولذلك قال تعالى‪{ :‬ال َي ْ‬

‫(‪)1‬‬
‫الربزخ‪ :‬هو ما بني اإلنسان وبعثه للحساب‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الليل – اآليتان ‪.16 ، 15‬‬
‫الحديث الثاني والثالثون‬
‫الورِق صدقة‪ .‬وليس‬ ‫ٍ‬
‫‪" :‬ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‪ .‬وليس فيما دون خمس أواق من َ‬ ‫عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫فيما دون خمس َذوٍد صدقة" متفق عليه‪.‬‬
‫ْ‬
‫التمل هذا الحديث على تحديد أنصبة األموال الزكوية الغالية‪ ،‬والتي تجب فيه الزكاة‪ :‬الحبوب‪ ،‬والثمار‪ ،‬والموالي من األنعاع الثالثة والنقود‪ ،‬وما يتفرع عنها من عروض التجارة‪.‬‬
‫الو ْسوق‪ :‬سوتون صواعاً بصواع النبي ‪ .‬فتكون الخمسوة األوسوق ثالثمائة صواع‪ .‬فمن بلغت حبوب‬
‫أما زكاة الحبوب والثمار‪ :‬فين نص هذا الحديث أن نصوابها خمسوة أوسوق‪ .‬فما دون ذلك ال زكاة فيه‪ .‬و َ‬
‫زرعه أو َم َغ َّل ثمره هذا المقدار فأعثر‪ :‬فعليه زكاته فيما ُسقي بمؤونة نصا العشر‪ ،‬وفيما سقي بغير مؤونة العشر‪.‬‬
‫وأما زكاة الموالي‪ :‬فليس فيما دون خمس من اإلبل ليء‪ .‬فيذا بلغت خمساً‪ :‬ففيها لاة‪ .‬ثهلل في كل خمس لاة‪ ،‬إلى خمس وعشرين‪ :‬فتجب فيها بنت مخاض‪ ،‬وهي التي تهلل لها سنة‪ ،‬وفي ست وثالثين‪:‬‬
‫بنت لبون‪ ،‬لها سوونتان‪ .‬وفي سووت وأربعين‪ِ :‬حَّقة‪ ،‬لها ثالث سوونين‪ .‬وفي إحدى وسووتين‪َ :‬ج َذعة‪ ،‬لها أربع سوونين‪ .‬وفي سووت وسووبعين‪ :‬بنتا لبون‪ ،‬وفي إحدى وتسووعين‪ :‬حقتان‪ .‬فيذا زادت على عشورين ومائة‪ :‬ففي كل‬
‫أربعين بنت لبون‪ ،‬وفي كل خمسين حقة‪.‬‬
‫وأما نصاب البقر‪ :‬فالثالثون فيها تبيع أو تبيعة‪ ،‬له سنة‪ .‬وفي أربعين ُم ِسَّنة‪ ،‬لها سنتان‪ .‬ثهلل في كل ثالثين تبيع‪ .‬وفي كل أربعين مسنة‪.‬‬
‫وأما نصواب الغنهلل‪ :‬فأقله أربعون‪ ،‬فيها لواة‪ .‬وفي إحدى وعشورين ومائة‪ :‬لواتان‪ .‬وفي مائتين وواحدة‪ :‬ثالث لوياه‪ .‬ثهلل في كل مائة‪ :‬لواة‪ ،‬وما بين الفرضوين يقال له‪"َ :‬وْقص" في الموالوي خاصوة‪ ،‬ال لويء‬
‫فيه‪ ،‬بل هو عفو‪.‬‬
‫وأما بقية الحيوانات‪ ،‬كالخيل والبغال والحمير وايرها‪ :‬فليس فيه زكاة‪ ،‬إال إذا أعد للبيع والشراء‪.‬‬
‫أعد للبيع والشوراء‬ ‫وأما نصوواب النقود من الفضووة‪ :‬فأقله خمس أواق‪ .‬واألويية أربعون درهماً‪ .‬فمتى بلغت عنده مائتي درههلل‪ :‬ففيه ربع العشوور‪ .‬وكذلك ما تفرع عن النقدين من عروض التجارة‪ .‬وهو كل ما َ‬
‫فيَقَّوع إذا حال الحول بقيمة النقود‪ ،‬ويخرج عنه ربع العش وور‪ .‬وال بد في جميعها من تماع الحول إال الحبوب والثمار‪ ،‬فينها تخرج زكاتها وقت الحص وواد والجذاذ(‪ ،)1‬قال تعالى‪َ { :‬وآتُوْا َحَّق ُه َي ْوَع‬ ‫ألجل المكس ووب والربط‪ُ ،‬‬
‫ص ِادِه}(‪ .)2‬فهذه أصناف األموال التي تجب فيها الزكاة‪.‬‬
‫َح َ‬
‫يل َف ِريض ًة ِمن ِ‬ ‫َّللاِ َو ْاب ِن َّ‬
‫السِب ِ‬ ‫ين وِفي سِب ِ‬ ‫وبههلل وِفي َِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصدَقات لِْلُفَقراء واْلمس ِ‬
‫َّللاُ‬
‫َّللا َو َ‬‫َ ََ َ‬ ‫يل َ‬ ‫ِ‬
‫الرَقاب َواْل َغ ِارم َ َ َ‬ ‫ين َعَل ْي َها َواْل ُم َؤلَفة ُقلُ ُ ُ ْ َ‬ ‫اع ِ‬
‫ين َواْل َعامل َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫وأما مصرفها‪ :‬فلألصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن َما َّ َ ُ‬
‫َعلِيهلل َح ِكيهلل}(‪.)3‬‬

‫(‪)1‬‬
‫احلصار للزرع وجذاذ الثمر‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة األنعام – آية ‪. 141‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة التوبة – آية ‪. 60‬‬
‫نصاب الزكاة في اإلبل‬
‫‪ 91‬من اإلبل‬ ‫‪ 76‬من اإلبل‬ ‫‪ 61‬من اإلبل‬ ‫‪ 46‬من اإلبل‬ ‫‪ 36‬من اإلبل‬ ‫‪ 25‬من اإلبل‬ ‫‪ 5‬من اإلبل‬

‫حقتان‬ ‫بنتا لبون‬ ‫جذعه ( أربع سنني )‬ ‫حقه ( ثالث سنني )‬ ‫بنت لبون ( سنتان )‬ ‫بنت خماض ( سنه )‬ ‫شاه‬
‫( األنثى من الغنم )‬

‫نصاب الزكاة في البقر‬


‫‪ 40‬من البقر‬ ‫‪ 30‬من البقر‬
‫مسنه ( هلا سنتان )‬ ‫تبيع أو تبيعه ( سنه )‬

‫نصاب الزكاة في الغنم‬


‫‪ 201‬من الغنم‬ ‫‪ 121‬من الغنم‬ ‫‪ 40‬من الغنم‬
‫ثالث شياه‬ ‫شااتن‬ ‫شاه‬

‫نصاب الزكاة في الذهب والفضة واملال‬


‫مثن ما يق ّدر بـ ‪ 85‬جرام من الذهب أو الفضة هو النصاب املقدر إلخراج‬
‫الفضه إذا بلغ ‪ 595‬جرام‬ ‫الذهب إذا بلغ ‪ 85‬جرام‬
‫الزكاة ‪ ,‬وهي ربع العشر (‪)2.5‬‬
‫الحديث الثالث والثالثون‬
‫‪" :‬من يستعفا يعَفه هللا‪ .‬ومن يستغن يغنه هللا‪ .‬ومن يتَصبَّر يصِبره هللا‪ .‬وما ِ‬
‫أعطي أحد عطاء‬ ‫عن أبي سعيد رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ََُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ر وأوسع من الصبر" متفق عليه‪.‬‬
‫خي اً‬

‫العفه ‪( /‬المنع) عدع سؤال الناس وطلبههلل‬


‫الغنى ‪ /‬اإلستغناء بالِل سؤال هللا عزوجل‬
‫هذا الحديث التمل على أربع جمل جامعة نافعة‪.‬‬
‫إحداها‪ :‬قوله‪" :‬ومن يستعفا يعفه هللا"‬
‫والثانية‪ :‬قوله‪" :‬ومن يستغن يغنه هللا"‬
‫وهاتان الجملتان متالزمتان‪ ،‬فين كمال العبد في إخالصووه هلل رغبة ورهبة وتعلقاً به دون المخلوقين‪ ،‬فعليه أن يسووعى لتحقيق هذا الكمال‪ ،‬ويعمل كل سووبب يوصووله إلى ذلك‪،‬‬
‫حتى يكون عبداً هلل حقاً ُح َاًر من رق المخلوقين‪ .‬وذلك بأن يجاهد نفس ووه عن أمرين‪ :‬انصو ورافها عن التعلق بالمخلوقين باالس ووتعفاف عما في أيديههلل‪ .‬فال يطلبه بمقاله وال بلس ووان حاله‪.‬‬
‫لعمر‪:‬‬ ‫ولهذا قال ‪‬‬
‫"ما أتاهللا من هذا المال وأنت اير مشورف وال سوائل فخذه‪ .‬وماال فال تتبعه نف َسوك" فقطع اإللوراف في القلب والسوؤال باللسوان‪ ،‬تعففاً وترفعاً عن ِمنن الخلق‪ ،‬وعن تعلق القلب‬
‫بههلل‪ ،‬سبب قوي لحصول العفة‪.‬‬
‫وتماع ذلك‪ :‬أن يجاهد نفسوه على األمر الثاني‪ :‬وهو االسوتغناء بالِل‪ ،‬والثقة بكفايته‪ ،‬فينه من يتوكل على هللا فهو حسوبه‪ .‬وهذا هو المقصوود‪ .‬واألول وسويلة إلى هذا‪ .‬فين من‬
‫اس ووتعا عما في أيدي الناس وعما يناله منههلل‪ :‬أوجب له ذلك أن يقوى تعلقه بالِل‪ ،‬ورجاؤه وطمعه في فض وول هللا وإحس ووانه‪ ،‬ويحس وون ظنه وثقته بربه‪ .‬وهللا تعالى عند حس وون ظن عبده‬
‫به إن ظن خي اًر فله‪ :‬وإن ظن ايره فله‪ .‬وكل واحد من األمرين يمد اآلخر فيقويه‪ .‬فكلما قوي تعلقه بالِل ضعا تعلقه بالمخلوقين وبالعكس‪.‬‬
‫‪" :‬اللههلل إني أسوألك الهدى والتقى‪ ،‬والعفاف والغنى" فجمع الخير كله في هذا الدعاء‪ .‬فالهدى‪ :‬هو العلهلل النافع‪ .‬والتقى‪ :‬العمل الصوالط‪ ،‬وترهللا المحرمات‬ ‫ومن دعاء النبي ‪‬‬
‫علها‪ .‬هذا صال الدين‪.‬‬
‫الع َرض‪ ،‬إنما الغنى‬
‫وتماع ذلك بصو و و ووال القلب‪ ،‬وطمأنينته بالعفاف عن الخلق‪ ،‬والغنى بالِل‪ .‬ومن كان انياً بالِل فهو الغني حقاً‪ ،‬وإن قلت حواصو و و ووله‪ .‬فليس الغني عن كثرة َ‬
‫انى القلب‪ .‬وبالعفاف والغنى يتهلل للعبد الحياة الطيبة‪ ،‬والنصيهلل الدنيوي‪ ،‬والقناعة بما آتاه هللا‪.‬‬
‫والثالثة قوله‪" :‬ومن يتصبر يصبره هللا"‪.‬‬
‫أي‪ :‬على‬ ‫( ‪)1‬‬
‫صو والَ ِة}‬ ‫ثهلل ذكر في الجملة الرابعة‪ :‬أن الصو ووبر إذا أعطاه هللا العبد فهو أفضو وول العطاء وأوسو ووعه وأعظمه‪ ،‬إعانة على األمور‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬وا ْسو وتَ ِع ُينوْا ِبال َّ‬
‫صو و ْب ِر َوال َّ‬
‫أموركهلل كلها‪.‬‬
‫والص ووبر كس ووائر األخالق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها‪ .‬فلهذا قال‪" :‬ومن يتص ووبر" أي‪ :‬يجاهد نفس ووه على الص ووبر "يص ووبره هللا" ويعينه وإنما كان الص ووبر أعظهلل العطايا‪،‬‬
‫ألنه يتعلق بجميع أمور العبد وكماالته وكل حالة من أحواله تحتاج إلى ص و ووبر‪ .‬فينه يحتاج إلى الص و ووبر على طاعة هللا‪ ،‬حتى يقوع بها ويؤديها‪ .‬وإلى ص و ووبر عن معص و ووية هللا حتى‬
‫يتركها هلل وإلى صووبر على أقدار هللا المؤلمة‪ ،‬فال يتسووخطها‪ .‬بل إلى صووبر على نعهلل هللا ومحبوبات النفس‪ ،‬فال يدع النفس تمر وتفر الفر المذموع‪ ،‬بل يشووتغل بشووكر هللا‪ ،‬فهو في‬
‫ص و و َب ْرتُ ْهلل َفِن ْعهلل ُعْق َبى َّ‬
‫الد ِار}(‪ )1‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫عل أحواله يحتاج إلى الصو ووبر‪ .‬وبالصو ووبر ينال الفال ‪ .‬ولهذا ذكر هللا أهل الجنة فقال‪{ :‬و ِ‬
‫المالَئ َكةُ َي ْد ُخلُو َن َعَل ْيههلل َمن ُك َل َباب ‪َ ،‬س و والَع َعَل ْي ُكهلل ب َما َ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص و و و َب ُروا}(‪ )2‬فههلل نالوا الجنة بنصيمها‪ ،‬وأدركوا المنازل العالية بالصو و ووبر‪ .‬ولكن العبد يسو و ووأله هللا العافية من االبتالء الذي ال يدري ما عاقبته‪ ،‬ثهلل إذا ورد‬ ‫قوله‪{ :‬أ ُْوَل َك ُي ْج َزْو َن اْل ُغ ْرَف َة ب َما َ‬
‫عليه فوظيفته الصبر‪ .‬فالعافية هي المطلوبة باألصالة في أمور االبتالء واالمتحان‪ .‬والصبر يؤمر به عند وجود أسبابه متعلقاته‪ .‬وهللا هو المعين‪.‬‬
‫وقد وعد هللا الص و و ووابرين في كتابه وعلى لس و و ووان رس و و وووله أمو اًر عالية جليلة‪ .‬وعدههلل باإلعانة في كل أمورههلل‪ ،‬وأنه معههلل بالعناية والتوفيق والتس و و ووديد‪ ،‬وأنه يحبههلل ويثبت قلوبههلل‬
‫وأقدامههلل‪ ،‬ويلقي عليههلل ا لسو و ووكينة والطمأنينة‪ ،‬ويسو و ووهل لههلل الطاعات‪ ،‬ويحفظههلل من المخالفات‪ ،‬ويتفضو و وول عليههلل بالصو و وولوات والرحمة والهداية عند المصو و وويبات‪ .‬وهللا يرفعههلل إلى أعلى‬

‫المقامات في الدنيا واآلخرة‪ .‬وعدههلل النص وور‪ ،‬وأن ييس وورههلل لليس وورى ويجنبههلل ُ‬
‫العس وورى‪ .‬ووعدههلل بالس ووعادة والفال والنجا ‪ ،‬وأن يوفيههلل أجرههلل بغير حس وواب‪ ،‬وأن يخلا عليههلل في الدنيا‬
‫أعثر مما أخذ منههلل من محبوباتههلل‪ ،‬وأحسون‪ ،‬يعوضوههلل عن وقوع المكروهات عوضواً عاجالً يقابل أضوعاف أضوعاف ما وقع عليههلل من كريهة ومصويبة‪ .‬وهو في ابتدائه صوعب لوديد‪.‬‬
‫وفي انتهائه سهل حميد العواقب كما قيل‪:‬‬
‫لكن عوايبه أحلى من العسل‬ ‫والصبر مثل اسمه ُمٌّر مذاقته‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 45‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة الرعد – اآليتان ‪. 24 ، 23‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الفرقان – آية ‪. 75‬‬
‫الحديث الرابع والثالثون‬
‫‪" :‬ما نقصت صدقة من مال‪ ،‬وما زاد هللا عبداً بعفو إال ع اًز‪ .‬وما تواضع أحد هلل إال رفعه هللا"‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬
‫العفو ‪ /‬السما‬
‫هذا الحديث احتوى على فضول الصودقة‪ ،‬والعفو والتواضوع‪ ،‬وبيان ثمراتها العاجلة واآلجلة‪ ،‬وأن كل ما يتوهمه المتوههلل من نقص الصودقة للمال‪ ،‬ومنافاة العفو للعز‪ ،‬والتواضوع‬
‫للرفعة‪ .‬وههلل االط‪ ،‬وظن كاذب‪.‬‬
‫فالص و و و وودقة ال تنقص المال؛ ألنه لو فرض أنه نقص من جهة‪ ،‬فقد زاد من جهات أُخر؛ فين الص و و و وودقة تبارهللا المال‪ ،‬وتدفع عنه اآلفات وتنميه‪ ،‬وتفتط للمتص و و و وودق من أبواب‬
‫الرزق وأسباب الزيادة أمو اًر ما تفتط على ايره‪ .‬فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلةف‬
‫‪ ،‬وبالمش وواهدات والتجربات المعلومة‪ .‬هذا كله س وووى ما لص وواحبها عند هللا‪ :‬من الثواب الجزيل‪،‬‬ ‫فالص وودقة هلل التي في محلها ال تنفد المال قطعاً‪ ،‬وال تنقص ووه بنص النبي ‪‬‬
‫والخير والرفعة‪.‬‬
‫وأما العفو عن جنايات المسي ين بأقوالههلل وأفعالههلل‪ :‬فال يتوههلل منه الذل‪ ،‬بل هذا عين العز‪ ،‬فين العز هو الرفعة عند هللا وعند خلقه‪ ،‬مع القدرة على قهر الخصوع واألعداء‪.‬‬
‫ومعلوع ما يحصل للعافي من الخير والثناء عند الخلق وانقالب العدو صديقاً‪ ،‬وانقالب الناس مع العافي‪ ،‬ونصرتههلل له بالقول والفعل على خصمه‪ ،‬ومعاملة هللا له من جنس‬
‫ٍ ( ‪)1‬‬
‫ين أُوتُوا اْل ِعْل َهلل َد َر َجات}‬ ‫َّللا َّال ِذين آمنوا ِم ُ َّ ِ‬
‫نك ْهلل َوالذ َ‬ ‫عمله‪ ،‬فين من عفا عن اباد هللا عفا هللا عنه‪ .‬وكذلك المتواضع هلل ولصباده ويرفعه هللا درجات؛ فين هللا ذكر الرفعة في قوله‪َ { :‬ي ْرَف ِع َّ ُ َ َ ُ‬
‫أجل ثمرات العلهلل واإليمان‪ :‬التواضع؛ فينه االنقياد الكامل للحق‪ ،‬والخضوع ألمر هللا ورسوله؛ امتثاالً لألمر‪ ،‬واجتناباً للنهي‪ ،‬مع التواضع لصباد هللا‪ ،‬وخفض الجنا لههلل‪ ،‬ومراعاة‬ ‫فمن َ‬
‫الصغير والكبير‪ ،‬والشريف والوضيع‪ .‬وضد ذلك التكبر؛ فهو امط الحق‪ ،‬واحتقار الناس‪.‬‬
‫وهذه الثالث المذكورات في هذا الحديث‪ :‬مقدمات صوفات المحسونين‪ .‬فهذا محسون في ماله‪ ،‬ودفع حاجة المحتاجين‪ .‬وهذا محسون بالعفو عن جنايات المسوي ين‪ .‬وهذا محسون‬
‫إليههلل بحلمه وتواض و ووعه‪ ،‬وح س و وون خلقه مع الناس أجمعين‪ .‬وهؤالء قد وس و ووعوا الناس بأخالقههلل وإحس و ووانههلل ورفعههلل هللا فص و ووار لههلل المحل األل و وورف بين الصباد‪ ،‬مع ما يدخر هللا لههلل من‬
‫الثواب‪.‬‬
‫‪" :‬وما تواضووع أحد هلل" تنبيه على حسوون القصوود واإلخالص هلل في تواضووعه؛ ألن كثي اًر من الناس قد يظهر التواضووع لألانياء ليصوويب من دنياههلل‪ ،‬أو للرؤسوواء‬ ‫وفي قوله ‪‬‬
‫لينال بسووببههلل مطلوبه‪ .‬وقد يظهر التواضووع رياء وسوومعة‪ .‬وكل هذه أاراض فاسوودة‪ .‬ال ينفع العبد إال التواضووع هلل تقرباً إليه‪ .‬وطلباً لثوابه‪ ،‬وإحسوواناً إلى الخلق؛ فكمال اإلحسووان وروحه‬
‫اإلخالص هلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة اجملادلة – آية ‪. 11‬‬
‫التواضع ‪ /‬عدم التكبر والتعالي على الناس‬
‫وكان خلق التواضع من األخالق التي اتصف بها صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكان خافض الجناح للكبير‬
‫والصغير‪ ،‬والقريب والبعيد‪ ،‬واألهل واألصحاب‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والصبي والصغير‪ ،‬والعبد والجارية‪،‬‬
‫والمسلم وغير المسلم‪ ،‬فالكل في نظره سواء‪ ،‬ال فضل ألحد على آخر إال بالعمل الصالح‪.‬‬
‫وكان صلى هللا عليه وسلم إذا دخل عليهم الداخل ال يميزه من بين أصحابه ألنه يلبس كما يلبسون ويجلس‬
‫بينهم فال يميز نفسه عنهم‪.‬‬
‫وفي غزوة الخندق حمل التراب أثناء حفر الخندق وقام بنقله مع صحابته بال كلل أو تأفف‪.‬‬
‫ومن تواضع الصحابة أنَّه قبل أن يُستخلف أبو بكررضي هللا عنه على المسلمين بعد موت رسول هللا صلّى‬
‫هللا عليه وسلّم وكان يحلب لبعض القوم أغنامهم فقالوا بعد أن أصبح خليفة‪ :‬اآلن أبو بكر لن يحلب لنا‪ ،‬فقال‬
‫ألحلبن لكم وأرجو َّأال يُغيرني ما أنا دخلت فيه‪".‬‬
‫َّ‬ ‫أبو بكر‪" :‬بلى‬
‫الحديث الخامس والثالثون‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬عل عمل ابن آدع يضاعا‪ :‬الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعا‪ .‬قال هللا تعالى‪ :‬إال‬
‫الصوع‪ .‬فينه لي‪ ،‬وأنا أجزي به؛ يدع لهوته وطعامه من أجلي‪ .‬للصائهلل فرحتان‪ :‬فرحة عند ِفطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء ربه‪ .‬وَل َخُلوف فهلل الصائهلل أطيب عند هللا‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫من ريط المسك‪ .‬والصوع ُجَّنة‪ .‬وإذا كان يوع صوع أحدكهلل فال يرفث وال يصخب‪ ،‬فين سابَّه أحد أو قاتله‪ ،‬فليقل‪ :‬إني امرؤ صائهلل"‬

‫ما أعظهلل هذا الحديث؛ فينه ذكر األعمال عموماً‪ ،‬ثهلل الصو ووياع خصو وووص و واً وذكر فضو ووله وخواصو ووه‪ ،‬وثوابه العاجل واآلجل‪ ،‬وبيان حكمته‪ ،‬والمقصو ووود منه‪ ،‬وما ينبغي فيه من‬
‫اآلداب الفاضلة‪ .‬كلها احتوى عليها هذا الحديث‪.‬‬
‫مضوواعفة من عشوور إلى سووبعمائة‬ ‫فبين هذا األصوول الجامع‪ ،‬وأن جميع األعمال الصووالحة – من أقوال وأفعال‪ ،‬ظاهرة أو باطنة‪ ،‬س وواء تعلقت بحق هللا‪ ،‬أو بحقوق الصباد –‬
‫ضعا‪ ،‬إلى أضعاف كثيرة‪.‬‬
‫وهذا من أعظهلل ما يدل على سعة فضل هللا‪ ،‬وإحسانه على اباده المؤمنين؛ إذ جعل جناياتههلل ومخالفتههلل الواحدة بجزاء واحد‪ ،‬ومغفرة هللا تعالى فوق ذلك‪.‬‬
‫وأما الحسنة‪ :‬فأقل التضيف أو الواحدة بعشر‪ .‬وقد تزيد على ذلك بأسباب‪.‬‬
‫منها‪ :‬قوة إيمان العامل‪ ،‬وكمال إخالصه‪ .‬فكلما قوي اإليمان واإلخالص تضاعا ثواب العمل‪.‬‬
‫في قص و و و ووة‬ ‫ومنها‪ :‬أن يكون للعمل موقع كبير‪ ،‬كالنفقة في الجهاد والعلهلل‪ ،‬والمش و و و وواريع الدينية العامة‪ ،‬وكالعمل الذي قوي بحس و و و وونه وقوته ودفعه المعارض و و و ووات‪ ،‬كما ذكره ‪‬‬
‫الب ِغ ِي التي سوقت الكلب‪ ،‬فشوكر هللا لها وافر لها‪ .‬ومثل العمل الذي يثمر أعماالً أُخر‪ ،‬ويقتدي به ايره‪ ،‬أو يشواركه فيه مشوارهللا‪ ،‬وكدفع الضورورات العظيمة‪،‬‬ ‫أصوحاب الغار‪ ،‬وقصوة‬
‫َ َ‬
‫وحصول المبرات الكبيرة‪ ،‬وكالمضاعفة لفضل الزمان أو المكان‪ ،‬أو العامل عند هللا‪.‬‬
‫فهذه المضاعفات كلها لاملة لكل عمل‪.‬‬
‫واسوتثنى في هذا الحديث الصوياع‪ ،‬وأضوافه إليه‪ ،‬وأنه الذي يجزى به بمحض فضوله وكرمه‪ ،‬من اير مقابلة للعمل بالتضوصيف المذكور الذي تشوترهللا فيه األعمال‪ .‬وهذا لويء‬
‫َجرُههلل ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ‬ ‫ال يمكن التعبير عنه‪ ،‬بل يجازيههلل بما ال عين رأت‪ ،‬وال أُذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ .‬قال تعالى‪ِ( :‬إَّن َما ُي َوَّفى َّ‬
‫اب)‬ ‫َ‬ ‫الصاِب ُرو َن أ ْ َ‬
‫وفي الحديث كالتنبيه على حكمة هذا التخص وويص‪ ،‬وأن الص ووائهلل لما ترهللا محبوبات النفس التي طبعت على محبتها‪ ،‬وتقديمها على ايرها‪ ،‬وأنها من األمور الض وورورية‪ ،‬فقدع‬
‫الصووائهلل عليها محبة ربه‪ ،‬فتركها هلل في حالة ال يطلع عليها إال هللا‪ ،‬وصووارت محبته هلل مقدمة وقاهرة لكل محبة نفسووية‪ ،‬وطلب رضوواه وثوابه مقدماً على تحصوويل األاراض النفسووية‪.‬‬
‫وخص أولياءه منها بالحظ‬
‫َ‬ ‫فلهذا اختص و ووه هللا لنفس و ووه‪ ،‬وجعل ثواب الص و ووائهلل عنده‪ .‬فما ظنك بأجر وجزاء تكفل به الرحمن الرحيهلل الكريهلل المنان‪ ،‬الذي عمت مواهبه جميع الموجودات‪،‬‬
‫األوفر‪ ،‬والنص و وويب األعمل‪ ،‬وقدر لههلل من األس و ووباب واأللطاف التي ينالون بها ما عنده على أمور ال تخطر له بالبال‪ .‬وال تدور في الخيالف فما ظنك أن يفعل هللا بهؤالء الص و ووائمين‬
‫المخلصينف‬
‫وهنا يقا القلهلل‪ ،‬ويس ووبط قلب الص ووائهلل فرحاً وطرباً بعمل اختص ووه هللا لنفس ووه‪ ،‬وجعل جزاءه من فض ووله المحض‪ ،‬وإحس ووانه الص وورف‪ .‬وذلك فض وول هللا يؤتيه من يش وواء‪ ،‬وهللا ذو‬
‫الفضل العظيهلل‪.‬‬
‫ودل الحديث على أن الصووياع الكامل هو الذي يدع العبد فيه لووي ين‪ :‬المفطرات الحسووية‪ ،‬من طعاع ول وراب ونكا وتوابعها‪ .‬والمنقصووات العملية‪ ،‬فال يرفث وال يصووخب‪ ،‬وال‬ ‫َ‬
‫يعمل عمالً محرماً‪ ،‬وال يتكلهلل بكالع محرع‪ .‬بل يجتنب جميع المعاصو و و و ووي‪ ،‬وجميع المخاصو و و و وومات والمنازعات المحدثة للشو و و و ووحناء‪ .‬ولهذا قال‪" :‬فال يرفث" أي‪ :‬ال يتكلهلل بكالع قبيط "وال‬
‫يصخب" بالكالع المحدث للفتن والمخاصمات‪ .‬كما قال في الحديث اآلخر‪" :‬من لهلل يدع قول الزور والعمل به فليس هلل حاجة في أن يدع طعامه ولرابه"‪.‬‬
‫فمن حقق األمرين‪ :‬ترهللا المفطرات‪ ،‬وترهللا المنهيات‪ ،‬تهلل له أجر الصائمين‪ .‬ومن لهلل يفعل ذلك فال يلومن إال نفسه‪.‬‬
‫ثهلل أرلد الصائهلل إذا عرض له أحد يريد مخاصمته ومشاتمته أن يقول له بلسانه‪" :‬إني صائهلل"‪.‬‬
‫وفائدة ذلك‪ :‬أن يريد كأنه يقول‪ :‬اعلهلل أنه ليس بي عجز عن مقابلتك على ما تقول‪ ،‬ولكني صوائهلل‪ ،‬أحترع صويامي وأراعي كماله‪ ،‬وأمر هللا ورسووله‪ .‬واعلهلل أن الصوياع يدعوني‬
‫إلى ترهللا المقابلة‪ ،‬ويحثذني على الصبر‪ .‬فما عملته أنا خير وأعلى مما ملته معي أيها المخاصهلل‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬العناية باألعمال كلها من صو ووياع وايره‪ ،‬ومراعاة تكميلها‪ ،‬والبعد عن جميع المنقصو ووات لها‪ ،‬وتذكر مقتضو وويات العمل‪ ،‬وما يوجبه على العامل وقت حصو ووول األسو ووباب‬
‫الجارحة للعمل‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬الصياع ُجَّنة" أي‪ :‬وقاية يجنبنا يتقي بها العبد الذنوب في الدنيا ويتمرن به على الخير‪ ،‬ووقاية من العذاب‪.‬‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْهلل َل َعَّل ُك ْهلل تَتَُّقو َن}(‪ )1‬فكون الصوووع جنة‪،‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فهذا من أعظهلل حكهلل الشووارع من فوائد الصووياع‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬يا أَي َّ ِ‬
‫اع َك َما ُكت َب َعَلى الذ َ‬
‫ص و َي ُ‬
‫آم ُنوْا ُكت َب َعَل ْي ُك ُهلل ال َ‬
‫ين َ‬
‫ذها الذ َ‬
‫َ َ‬
‫وسبب لحصول التقوى‪ :‬هو مجموع الحكهلل التي فصلت في حكمة الصياع وفوائده فينه يمنع من المحرمات أو يخففها‪ ،‬ويحث على كثير من الطاعات‪.‬‬
‫‪" :‬للصائهلل فرحتان‪ :‬فرحة عند فطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء ربه"‪.‬‬ ‫وقوله ‪‬‬
‫هذا ثوابان‪ :‬عاجل‪ ،‬وآجل‪.‬‬
‫فالعاجل‪ :‬مشاهد إذا أفطر الصائهلل فر بنعمة هللا عليه بتكميل الصياع‪ .‬وفر بنيل لهواته التي منع منها في النهار‪.‬‬
‫واآلجل‪ :‬فرحه عند لقاء ربه برضوانه وكرامته‪ .‬وهذا الفر المعجل نموذج ذلك الفر المؤجل‪ ،‬وأن هللا سيجمعهما للصائهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 183‬‬
‫وفيه‪ :‬اإلل ووارة إلى أن الص ووائهلل إذا قارب فطره‪ ،‬وحص وولت له هذه الفرحة‪ ،‬فينها تقابل ما مر عليها في نهاره من مش ووقة ترهللا الش ووهوات‪ .‬فهي من باب التنش وويط‪ ،‬وإنهاض الهمهلل‬
‫على الخير‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬ولخلوف فهلل الصائهلل أطيب عند هللا من ريط المسك"‪.‬‬
‫الخلوف‪ :‬هو األثر الذي يكون في الفهلل من رائحة الجوف عند خلوه من الطعاع وتص و و وواعد األبخرة‪ .‬فهو وإن كان كريهاً للنفوس‪ ،‬فال تحزن أيها الص و و ووائهلل؛ فينه أطيب عند هللا‬
‫من ريط المسك‪ ،‬فينه متأثر عن ابادته والتقرب إليه‪ .‬وكل ما تأثر عن الصبادات من المشقات والكريهات فهو محبوب هلل‪ .‬ومحبوب هللا عند المؤمن مقدع على كل ليء‪.‬‬
‫الحديث السادس والثالثون‬
‫إلي مما‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬إن هللا قال‪ :‬من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‪ .‬وما تقرب إل َي عبدي بشيء أحب َّ‬
‫ش بها‪ِ ،‬‬
‫ور ْجُله‬ ‫طُ‬
‫بالنوافل حتى أحبه‪ .‬فيذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يب ُ‬ ‫إلي َّ‬
‫يتقرب َّ‬
‫افترضت عليه‪ .‬وما يزال عبدي َّ‬
‫ترد َدت عن ليء أنا فاعله ترددي عن َي ْب ِ‬ ‫ِ‬
‫ض نفس المؤمن‪ :‬يكره‬ ‫(يجَنبه)‪ .‬وما َ‬ ‫التي يمشي بها‪ .‬ول ن سألني(الطلب) ألُعط َّينه‪ ،‬ول ن استعاذني ألُعيذنه َ‬
‫الموت‪ ،‬وأعره مساءته‪ .‬وال ب َد له منه" رواه البخاري‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا حديث جليل‪ ،‬ألرف حديث في أوصاف األولياء‪ ،‬وفضلههلل ومقاماتههلل‪.‬‬
‫فأخبر أن معاداة أوليائه معاداة له ومحاربة له‪ .‬ومن كان متصدياً لعداوة الرب ومحاربة مالك الملك فهو مخذول‪ .‬ومن تكفل هللا َّ‬
‫بالذ َِب عنه فهو منصور‪ .‬وذلك لكمال موافقة‬
‫أولياء هللا هلل في محابه؛ فأحبههلل وقاع بكفايتههلل‪ ،‬وكفاههلل ما أهمههلل‪.‬‬
‫ثهلل ذكر ص ووفة األولياء الص ووفة الكاملة‪ ،‬وأن أولياء هللا ههلل الذين تقربوا إلى هللا بأداء الفرائض أوالً‪ :‬من ص ووالة وص ووياع وزكاة وحا وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر‪ ،‬وجهاد‪،‬‬
‫ويياع بحقوقه وحقوق اباده الواجبة‪.‬‬
‫ثهلل انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب إليه بالنوافل‪ ،‬فين كل جنس من الصبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافل فيها فضائل عظيمة تكمل الفرائض‪ ،‬وتكمل ثوابها‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫فأولياء هللا قاموا بالفرائض والنوافل‪ ،‬فتوالههلل وأحبههلل وسوهل لههلل كل طريق يوصولههلل إلى رضواه‪ .‬ووفقههلل وسوددههلل في جميع حركاتههلل‪ ،‬فين سومعوا سومعوا بالِل‪ .‬وإن أبصوروا‬
‫وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة هللا‪.‬‬
‫ومع تسديده لههلل في حركاتههلل جعلههلل مجابي الدعوة‪ :‬إن سألوه أعطاههلل مصالط دينههلل ودنياههلل‪ ،‬وإن استعاذوه من الشرور أعاذههلل‪.‬‬
‫ومع ذلك لطا بههلل في كل أحوالههلل‪ ،‬ولوال أنه قضووى على اباده بالموت لسوولهلل منه أولياءه؛ ألنههلل يكرهونه لمشووقته وعظمته‪ .‬وهللا يكره مسوواءتههلل‪ ،‬ولكن لما كان القضوواء نافذاً‬
‫عان ال بد لههلل منه‪.‬‬
‫فبين في هذا الحديث‪ :‬ص و ووفة األولياء‪ ،‬وفض و ووائلههلل المتنوعة‪ ،‬وحص و ووول محبة هللا لههلل التي هي أعظهلل ما تنافس فيه المتنافس و ووون‪ ،‬وأنه معههلل وناصو و ورههلل‪ ،‬ومؤيدههلل ومس و ووددههلل‪،‬‬
‫ومجيب دعواتههلل‪.‬‬
‫ويدل هذا الحديث على‪ :‬إثبات محبة هللا‪ ،‬وتفاوتها ألوليائه بحسب مقاماتههلل‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ألولياء هللا بأداء الفرائض واإلعثار من النوافل‪ ،‬مطابق لوصا هللا لههلل باإليمان والتقوى في قوله‪{ :‬أَال ِإ َّن أَولِياء ِ‬
‫َّللا الَ َخ ْوف َعَل ْي ِه ْهلل َوالَ ُه ْهلل َي ْح َزُنو َن‪ ،‬الذ َ‬
‫ين‬ ‫َْ َ‬ ‫ووصا النبي ‪‬‬
‫آم ُنوْا َوَك ُانوْا َيتَُّقو َن}‬
‫( ‪)1‬‬
‫َ‬
‫فكل من كان مؤمناً تقياً كان هلل ولياً؛ ألن اإليمان يشمل العقائد‪ ،‬وأعمال القلوب والجوار ‪ .‬والتقوى ترهللا جميع المحرمات‪.‬‬
‫أحب إلي مما افترضوت عليه"‪ ،‬وأنه عند‬
‫ويدل على أصول عظيهلل‪ :‬وهو أن الفرائض مقدمة على النوافل‪ ،‬وأحب إلى هللا وأعثر أج اًر وثواباً‪ .‬لقوله‪" :‬وما تقرب إلي عبدي بشويء َ‬
‫التزاحهلل يتعين تقديهلل الفروض على النوافل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة يونس – آية ‪. 63 , 62‬‬
‫الحديث السابع والثالثون‬
‫عن حكيهلل بن حزاع رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪َِ " : ‬‬
‫البيعان بالخيار ما لهلل يتفرقا‪ .‬فين صدقا وبيَّنا‪ :‬بورهللا لهما في بيعهما‪ .‬وإن كذبا وكتما‪:‬‬
‫محقت بركة بيعهما" متفق عليه‪.‬‬
‫البيعان (البائع والمشتري) مخيران بين الفسخ (عدع إتماع البيع) أو اإلمضاء في البيع طالما أنهما في محل التبايع‪.‬‬
‫بيَّنا واضط ال يخفي من العيب‬
‫الكتمان ‪ /‬اإلخفاء‬
‫البيان‪/‬الوضو‬
‫هذا الحديث أصل في بيان المعامالت النافعة‪ ،‬والمعامالت الضارة وأن الفاصل بين النوعين‪ :‬الصدق والبيان‪.‬‬
‫فمن ص و و وودق في معاملته‪ ،‬وبين جميع ما تتوقا عليه المعاملة من األوص و و وواف المقص و و ووودة‪ ،‬ومن العيوب والنقص‪ .‬فهذه معاملة نافعة في العاجل بامتثال أمر هللا ورس و و وووله‪،‬‬
‫والسالمة من اإلثهلل‪ ،‬وبنزول البركة في معاملته‪ .‬وفي اآلجلة بحصول الثواب‪ ،‬والسالمة من العقاب‪.‬‬
‫ومن كذب وكتهلل العيوب‪ ،‬وما في العقود عليه من الصفات فهو مع إثمه معاملته ممحوقة البركة‪ .‬متى نزعت البركة من المعاملة خسر صاحبها دنياه وأُخراه‪.‬‬
‫ويسوتدل بهذا األصول على تحريهلل التدليس‪ ،‬وإخفاء العيوب‪ ،‬وتحريهلل الغش‪ ،‬والبخس في الموازين والمكاييل والذرع وايرها؛ فينها من الكذب والكتمان‪ .‬وكذلك تحريهلل النجش(‪،)1‬‬
‫والخداع في المعامالت وتلقي الجلب ليبيعههلل‪ ،‬أو يشتري منههلل‪.‬‬
‫ويدخل فيه‪ :‬الكذب في مقدار الثمن والمثمن‪ ،‬وفي وصا المعقود عليه‪ ،‬واير ذلك‪.‬‬
‫وضابط ذلك‪ :‬أن كل ليء تكره أن يعاملك فيه أخوهللا المسلهلل أو ايره وال يخبرهللا به‪ ،‬فينه من باب الكذب واإلخفاء والغش‪.‬‬
‫ويدخل في هذا‪ :‬البيع بأنواعه‪ ،‬واإلجارات‪ ،‬والمشاركات وجميع المعاوضات‪ ،‬وآجالها ووثائقها‪ .‬فكلها يتعين على العبد فيها‪ ،‬الصدق والبيان‪ ،‬وال يحل له الكذب والكتمان‪.‬‬
‫تفرقا ثبت البيع‬
‫وفي هذا الحديث‪ :‬إثبات خيار المجلس في البيع‪ ،‬وأن لكل واحد من المتبايعين الخيار بين اإلمضو و وواء(االسو و ووتمرار) أو الفسو و ووخ‪ ،‬ما داما في محل التبايع‪ .‬فيذا َ‬
‫ووجب‪ ،‬وليس لواحد منهما بعد ذلك الخيار إال بسبب يوجب الفسخ‪ ،‬كخيار لرل‪ ،‬أو عيب يجده قد أخفى عليه‪ ،‬أو تدليس أو تعذر معرفة ثمن‪ ،‬أو مثمن‪.‬‬
‫والحكمة في إثبات خيار المجلس‪ :‬أن البيع يقع كثي اًر جداً‪ ،‬وكثي اًر ما يندع اإلنسو ووان على بيعه أو ل و ورائه؛ فجعل له الشو ووارع الخيار؛ كي يتروى وينظر حاله‪ :‬هل يمضو ووي‪ ،‬أو‬
‫يفسخف وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫هو حنو زايدة يف الثمن على قيمة احلاجة من غري ربة يف الشراء ليخدع املزاودين اآلخرين‪.‬‬
‫الحديث الثامن والثالثون*‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫الغرر"‬
‫عن بيع الحصاة‪ ،‬وعن بيع َ‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪" :‬نهى رسول هللا ‪‬‬
‫الحصاة ‪ /‬الحجارة‬
‫بيع الغرر‪ /‬بيع المجهول أو ال يمكن تسليمه‬

‫إال رهان سو و و و ووباق الخيل واإلبل‬


‫بالغرر‪ :‬المخاطرة والجهالة‪ .‬وذلك داخل في الميسو و و و وور‪ ،‬فين الميسو و و و وور كما يدخل في المغالبات والرهان –‬ ‫وهذا كالع جامع لكل َارر‪ .‬والمراد َ‬
‫والسهاع – فكذلك يدخل في أمور المعامالت‪.‬‬
‫فكل بيع فيه خطر‪ :‬هل يحصو و و وول المبيع‪ ،‬أو ال يحصو و و وولف – كبيع اآلبق والشو و و ووارد والمغصو و و وووب من اير ااصو و و ووبه‪ ،‬أو اير القادر على أخذه‪ ،‬وكبيع ما في ذمهلل الناس –‬
‫وخصوصاً المماطلين والمعسرين – فينه داخل في الغرر‪.‬‬
‫وكذلك كل بيع فيه جهالة ظاهرة يتفاوت فيها المقصوود؛ فينها داخلة في بيع الغرر‪ ،‬كبيعه ما في بيته من المتاع‪ ،‬أو ما في دكانه‪ ،‬أو ما في هذا الموضوع‪ ،‬وهو ال يدري به‬
‫أي متاع وقعت‪ ،‬فهو عليك بكذا‪ ،‬أو ارمها في األرض فما بلغته من المدى‪ ،‬فهو لك‬
‫وال يعلمه‪ ،‬أو بيع الحصو وواة التي هي مثال من أمثلة الغرر‪ ،‬كأن يقول‪ :‬ارع هذه الحصو وواة‪ ،‬فعلى َ‬
‫بكذا‪ ،‬أو بيع المنابذة أو المالمسة‪ ،‬أو بيع ما في بطون األنعاع‪ ،‬وما ألبه ذلك‪ :‬فكل ذلك ارر واضط‪.‬‬
‫ومن حكمة الشارع‪ :‬تحريهلل هذا النوع؛ لما فيه من المخاطرات‪ ،‬وإحداث العداوات التي قد يغبن فيها أحدهما اآلخر ابناً فاحشاً مض اًر‪.‬‬
‫ولهذا الترل العلماء للبيع‪ :‬العلهلل بالمبيع‪ ،‬والعلهلل بالثمن والعلهلل باألجل(المده)‪ .‬مدة سداد هذا الثمن‬
‫والترطوا أيضاً‪ :‬أن يكون العاقد جائز التصرف‪ ،‬بأن يكون بالغاً عاقالً رليداً؛ ألن العقد مع الصغير أو اير الرليد ال بد أن يحصل به ابن مضر‪ .‬وذلك من الغرر‪.‬‬

‫وكذلك الترطوا‪ :‬العلهلل باألجل‪ ،‬إذا كان الثمن أو بعضه‪ ،‬أو المبيع في السلهلل مؤجالً؛ ألن جهالة األجل َِ‬
‫تصير العقد ار اًر‪.‬‬
‫الغرر الذي يتفقان عليه‪ .‬فمن باب أولى أن يدخل فيه التغرير‪ ،‬وتدليس أحدهما على اآلخر لو و و و ووي اً من أمور المعاملة‪ :‬من معقود به‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وكما يدخل في النهي عن بيع الغرر‪،‬‬
‫أو عليه‪ ،‬أو ليء من صفاته‪.‬‬
‫والغش كله داخل في التغرير‪ ،‬وأفراد الغش وتفاصيله‪ ،‬ال يمكن ضبطها‪ .‬وهي معروفة بين الناس‪.‬‬
‫الحبلة‪ ،‬والسنين‪ ،‬أو بيع المعجوز عنه‪ ،‬كاآلبق ونحوه‪ ،‬أو بيع المجهول المطلق في ذاته‪ ،‬أو جنسه‪ ،‬أو صفاته‪.‬‬
‫كحبل َ‬
‫وحاصل بيع الغرر يرجع إلى بيع المعدوع‪َ ،‬‬
‫الحديث التاسع والثالثون‬
‫قال‪" :‬الصلط جائز بين المسلمين‪ ،‬إال صلحاً حرع حالالً‪ ،‬أو أحل حراماً‪ .‬والمسلمون على‬ ‫عن عمرو بن عوف المزني رضي هللا عنه عن النبي ‪‬‬
‫رواه أهل السنن إال النسائي‪.‬‬ ‫لروطههلل‪ ،‬إال لرطاً حرع حالالً‪ ،‬أو أحل حراماً"‬
‫الصلط ‪ /‬تزيل ما كان بينههلل من عداوه وخصومه‬

‫بكالع يشمل من أنواع العلهلل وأفراده ما ال يحصى‪ ،‬بحد واضط َِبين‪.‬‬ ‫جمع في هذا الحديث الشريف بين أنواع الصلط والشرول – صحيحها وفاسدها –‬
‫فأخبر أن األصل في الصلط‪ :‬أنه جائز ال بأس به‪ ،‬إال إذا حرع الحالل‪ ،‬أو أحل الحراع‪ .‬وهذا كلهلل محيط‪ ،‬يدخل فيه جميع أقساع الصلط‪ .‬والصلط خير؛‬
‫لما فيه من حسهلل النزاع‪ ،‬وسالمة القلوب‪ ،‬وبراءة الذمهلل‪.‬‬
‫يقر له بدين‪ ،‬أو عين‪ ،‬أو حق‪ ،‬فيصالحه عنه ببعضه أو بغيره‪.‬‬
‫فيدخل فيه‪ :‬الصلط في األمور في اإلقرار‪ ،‬بأن َّ‬
‫وصلط اإلنكار‪ ،‬بأن يدعي عليه حقاً من دين‪ ،‬أو عين‪ ،‬فينكر‪ .‬ثهلل يتفقان على المصالحة على هذا بعين أو دين‪ ،‬أو منفعة أو إبراء‪ ،‬أو ايره‪ :‬فكل ذلك جائز‪.‬‬
‫وكذلك الصو و وولط عن الحقوق المجهولة‪ ،‬كأن يكون بين اثنين معاملة طويلة‪ ،‬الو و ووتبه فيها ُ‬
‫ثبوت الحق على أحدهما أو عليهما‪ ،‬أو الو و ووتبه مقداره‪ ،‬فيتصو و ووالحان على ما يتفقان‬
‫عليه‪ ،‬ويتحريان العدل‪.‬‬
‫وتماع ذلك‪ :‬أن يحل كل منهما اآلخر‪ ،‬أو يكون بين اثنين مشاركة في ميراث أو وقا‪ ،‬أو وصية أو مال آخر‪ :‬من ديون‪ ،‬أو أايان‪ ،‬ثهلل يتصالحان عن ذلك بما يريانه أقرب‬
‫إلى العدل والصواب‪.‬‬
‫وكذلك يدخل في ذلك‪ :‬المصالحة بين الزوجين في حق من حقوق الزوجية‪ :‬من نفقة أو كسوة أو مسكن أو ايرها‪ ،‬ماضية أو حاضرة‪ ،‬وإن اقتضت الحال أن يغض أحدهما‬
‫صو ولِ َحا َب ْي َن ُه َما‬ ‫ِ‬
‫عن بعض حقه‪ :‬السو ووتيفاء بقيته‪ ،‬أو لبقاء الزوجية‪ ،‬أو لزوال الفضو وول‪ ،‬أو لغير ذلك من المقاصو وود‪ ،‬فكل ذلك حسو وون‪ .‬كما قال تعالى في حقهما‪َ{ :‬فالَ ُج َن ْا َ َعَل ْيه َما أَن ُي ْ‬
‫الصْل ُط َخ ْير}(‪.)1‬‬
‫صْل ًحا َو ذ‬
‫ُ‬
‫وكذلك الص وولط عن القص وواص في النفوس‪ ،‬أو األطراف بمال يتفقان عليه‪ ،‬أو المعاوض ووة عن ديات النفوس واألطراف والجرو أو يص وولط الحاعهلل بين الخص وووع بما تقتض وويه‬
‫الحال‪ ،‬متحرياً في ذلك مصلحتهما جميعاً‪.‬‬
‫‪" :‬الصلط جائز بين المسلمين"‪.‬‬ ‫فكل هذا داخل في قوله ‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 128‬‬
‫فين تضو وومن الصو وولط تحريهلل الحالل‪ ،‬أو تحليل الحراع‪ ،‬فهو فاسو وود بنص هذا الحديث‪ ،‬كالصو وولط على رق األحرار‪ ،‬أو إباحة الفروج المحرمة‪ ،‬أو الصو وولط الذي فيه ظلهلل‪ .‬ولهذا‬
‫( ‪)2‬‬
‫ين}‬ ‫ِ ِ‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما ِباْل َع ْد ِل َوأَ ْق ِس ُ‬
‫طوا ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ ُيح ذب اْل ُمْقسط َ‬ ‫قيده هللا بقوله تعالى‪َ{ :‬فأ ْ‬
‫أو صلط اضطرار كالمكره‪ ،‬وكالم أرة إذا عضلها زوجها ظلماً لتفتدي منه‪ ،‬وكالصلط على حق الغير بغير إذنه وما ألبه ذلك‪ ،‬فهذا النوع صلط محرع اير صحيط‪.‬‬
‫وأما الش وورول‪ :‬فأخبر في هذا الحديث أن المس وولمين على ل ووروطههلل‪ ،‬إال ل وورطاً أحل حراماً أو حرع حالالً‪ ،‬وهذا أص وول كبير‪ .‬فين الش وورول هي التي يش ووترطها أحد المتعاقدين‬
‫على اآلخر مما له فيه حظ ومصلحة‪ ،‬فذلك جائز‪ .‬وهو الزع إذا وافقه اآلخر عليه‪ ،‬واعترف به‪.‬‬
‫وذلك مثل إذا ال ووترل المش ووتري في المبيع وص ووفاً مقص وووداً‪ ،‬كش وورل العبد كاتباً‪ ،‬أو يحس وون العمل الفالني‪ ،‬أو الدابة همالجة أو لبوناً‪ ،‬أو الجار ص وويوداً‪ ،‬أو الجارية بك اًر أو‬
‫جميلة أو فيها الوصا الفالني المقصود‪.‬‬
‫ومثل أن يشوترل المشوتري‪ :‬أن الثمن أو بعضوه مؤجل بأجل مسومى‪ ،‬أو يبيع الشويء ويشوترل البائع‪ :‬أن ينتفع به مدة معلومة‪ ،‬كما باع جابر بن عبد هللا األنصواري رضوي هللا‬
‫جمله‪ ،‬والترل ظهره إلى المدينة‪.‬‬ ‫عنهما للنبي ‪‬‬
‫ومثل أن يشترل سكنى البيت‪ ،‬أو الدكان مدة معلومة‪ ،‬أو يستعمل اإلناء مدة معلومة‪ ،‬وما ألبه ذلك‪.‬‬
‫وكذلك لرول الرهن والضمان والكفالة هي من الشرول الصحيحة الالزمة‪.‬‬
‫ومثل الشوورول التي يشووترطها المتشوواركان في مضوواربة‪ ،‬أو لووركة عنان‪ ،‬أو وجوه أو أبدان‪ ،‬أو مسوواقاة‪ ،‬أو مزارعة‪ :‬فكلها صووحيحة‪ ،‬إال لووروطاً تحلل الحراع‪ ،‬وعكسووه‪ ،‬كالتي‬
‫تعود إلى الجهالة والغرر‪.‬‬
‫ومثل لرول الواقفين والموصين في أوقافههلل ووصاياههلل من الشرول المقصودة‪ :‬فكلها صحيحة‪ ،‬ما لهلل تدخل في محرع‪.‬‬
‫وكذلك الشرول بين الزوجين‪ ،‬كأن تشترل دارها أو بلدها‪ ،‬أو نفقة معينة أو نحوها‪ .‬فين أحق الشرول أن يوفى به هذا النوع‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫سورة احلجرات – آية ‪. 9‬‬
‫الحديث األربعون‬
‫ِ‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫الغني ظلهلل‪ .‬وإذا أ ُْتبع أحدكهلل على َمل ٍئ َ‬
‫فلي ْتبع"‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫طل‬
‫‪َ " :‬م ْ‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫مريهلل(مليء)‬ ‫فاطمه‬ ‫ساره‬
‫الشخص الغني الذي لجأت إليه ساره‬ ‫من أعطت المال لساره وتريدها ان تسدده في‬ ‫طلبت دين بمبل ‪100‬‬
‫وقت معين‬

‫المماطلة ‪ /‬التأخير‬
‫المليئ ‪ /‬الغني‬

‫تضمن هذا الحديث األمر بحسن الوفاء‪ ،‬وحسن االستيفاء والنهي عما يضاد األمرين أو أحدهما‪.‬‬
‫فقوله‪" :‬مطل الغني ظلهلل" أي‪ :‬المعاسورة في أداء الواجب ظلهلل؛ ألنه ترهللا لواجب العدل؛ إذ على القادر المبادرة إلى أداء ما عليه‪ ،‬من اير أن يحوج صوواحب الحق إلى طلب‬
‫وإلحا ‪ ،‬أو لكاية‪ .‬فمن فعل ذلك مع قدرته على الوفاء فهو ظالهلل‪.‬‬
‫"والغني" هو الذي عنده موجودات مالية يقدر بها على الوفاء‪.‬‬
‫ومفهوع الحديث‪ :‬أن المعسر ال حرج عليه في التأخير‪ .‬وقد أوجب هللا على صاحب الحق إنظاره إلى الميسرة‪.‬‬
‫ونفههلل من هذا الحديث‪ :‬أن الظلهلل المالي ال يختص بأخذ مال الغير بغير حق‪ ،‬بل يدخل في كل اعتداء على مال الغير‪ ،‬أو عل حقه بأي وجه يكون‪.‬‬
‫فمن اص ووب مال الغير‪ ،‬أو سو ورقه‪ ،‬أو جحد حقاً عنده للغير‪ ،‬أو بعض ووه‪ ،‬أو ادعى عليه ما ليس له من أص وول الحق أو وص ووفه‪ ،‬أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر‪ ،‬أو أدى‬
‫فكل هؤالء ظالمون بحسب أحوالههلل‪ .‬والظلهلل ظلمات يوع القيامة على أهله‪.‬‬ ‫إليه أقل مما وجب له في ذمته – وصفاً أو قد اًر –‬
‫ثهلل ذكر في الجملة األخرى حس وون االس ووتيفاء‪ ،‬وأن من له الحق عليه أن َي ْت َبع ص وواحبه بمعروف وتيس ووير‪ ،‬ال بيزعاج وال تعس ووير‪ ،‬وال يرهقه من أمره عسو و اًر‪ ،‬وال يمتنع عليه إذا‬
‫فليحتل عليه؛ فين هذا من حسن االسيتفاء والسماحة‪.‬‬ ‫وجهه إلى جهة ليس عليه فيها مضرة وال نقص‪ .‬فيذا أحاله بحقه على ملئ – أي‪ :‬قادر على الوفاء اير مماطل وال ممانع –‬
‫وف َوأ ََداء ِإَل ْي ِه ِبِي ْح َسو و و و و و ٍ‬
‫ان}(‪ )1‬فأمر ص و و و و وواحب الحق أن يتبع من عليه الحق بالمعروف‪،‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫َخ ِ‬
‫يه َلو و و و و ويء َف ِاتَباع ِباْلمعر ِ‬ ‫ولهذا ذكر هللا تعالى األمرين في قوله‪َ{ :‬فم ْن ع ِفي َله ِم ْن أ ِ‬
‫َ ُ َ ُ‬
‫ْ‬
‫والمستحسن عرفاً وعقالً‪ ،‬وأن يؤدي من عليه الحق بيحسان‪.‬‬
‫لمن اتصا بهذا الوصا الجميل‪ ،‬فقال‪" :‬رحهلل هللا عبداً َس ْمحاً إذا باع‪ ،‬سمحاً إذا الترى‪ ،‬سمحاً إذا قضى‪ ،‬سمحاً إذا اقتضى"‪.‬‬ ‫وقد دعا ‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 178‬‬
‫فالسماحة في مبالرة المعاملة‪ ،‬وفي القضاء‪ ،‬واالقتضاء‪ ،‬يرجى لصاحبها كل خير‪ :‬ديني ودنيوي‪ ،‬لدخوله تحت هذه الدعوة المباركة التي ال بد من قبولها‪.‬‬
‫وب عليه الرزق صووباً‪ ،‬وأنزل عليه البركة‪ .‬وعكسووه صوواحب المعاس ورة والتعسووير‪ ،‬وإرهاق المعاملين‪.‬‬
‫وقد لوووهد ذلك اياناً‪ .‬فينك ال تجد تاج اًر بهذا الوصووا إال رأيت هللا قد صو َ‬
‫والجزاء من جنس العمل‪ .‬فجزاء التيسير التيسير‪.‬‬
‫وإذا كان مطل الغني ظلماً‪ :‬وجب إلزامه بأداء الحق إذا لووكاه اريمه‪ .‬فين أدى وإال ُعزر حتى يؤدي‪ ،‬أو يسوومط اريمه‪ .‬ومتى تسووبب في تغريهلل اريمه بسووبب لووكايته‪ :‬فعليه‬
‫الغرع لما أخذ من ماله‪ ،‬ألنه هو السبب‪ ،‬وذلك بغير حق‪ .‬وكذلك كل من تسبب لتغريهلل ايره ظلماً فعليه الضمان‪.‬‬
‫وهذا الحديث أصل في باب الحوالة‪ ،‬وأمن ُحَِو َل بحقه على مليء فعليه أن يتحول‪ ،‬وليس له أن يمتنع‪.‬‬
‫ومفهومه‪ :‬أنه إذا أحيل على اير مليء فليس عليه التحول‪ ،‬لما فيه من الضرر عليه‪.‬‬
‫والحق الذي يتحول به‪ :‬هي الديون الثابتة بالذمهلل‪ ،‬من قرض أو ثمن مبيع‪ ،‬أو ايرهما‪.‬‬
‫وتحول حق الغريهلل إلى من ُحَِو َل عليه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫وإذا حوله على المليء فاتبعه‪ :‬برئت ذمة المحيل‪َّ ،‬‬
‫الحديث الحادي واألربعون*‬
‫ِ‬
‫تؤد َيه"‬
‫رواه أهل السنن إال النسائي‪.‬‬ ‫‪" :‬على اليد ما أخذت‪ ،‬حتى َ‬ ‫عن سمرة بن ُج ْندب رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫حتى تؤديه ‪ /‬أي تعيده أو ترجعه‬

‫وهذا لامل لما أخذته من أموال الناس بغير حق كالغضب ونحوه‪ ،‬وما أخذته بحق‪ ،‬كرهن وإجارة‪.‬‬
‫يقول‪" :‬من اصو ووب قيد لو ووبر من‬ ‫أما القسو ووهلل األول‪ :‬فهو الغصو ووب (بالقوه)‪ .‬وهو أخذ مال الغير بغير حق بغير رضو وواه‪ .‬وهو من أعظهلل الظلهلل والمحرمات؛ فين رسو ووول هللا ‪‬‬
‫طَِوقه يوع القيامة من سبع أرضين"‪.‬‬
‫األرض ُ‬
‫وعلى الغاصوب أن يرد ما أخذه‪ ،‬ولو َا َرع على رده أضوعاف ييمته‪ ،‬ولو صوار عليه ضورر في رده‪ ،‬ألنه هو الذي أدخل الضورر على نفسوه‪ .‬فين نقص َّ‬
‫رده مع أرخ نقصوه‪.‬‬
‫وعليه أجرته مدة بقائه بيده‪ ،‬وإن تلا ضمنه‪.‬‬
‫وأما إذا كانت اليد أخذت مالك الغير برضوى (بالموافقه) صواحبه‪ ،‬بيجارة‪ ،‬أو رهن‪ ،‬أو مضواربة‪ ،‬أو مسواقاة‪ ،‬أو مزارعة‪ ،‬أو ايرها‪ :‬فصواحب اليد أمين؛ ألن صواحب العين قد‬
‫ٍ‬
‫تعد عليها‪ :‬ض و و و وومنها ومتى انقض و و و ووى الغرض منها ردها إلى‬ ‫ٍ‬
‫تعد (قص و و و وود) وال تفريط (اهمال)‪ :‬فال ض و و و وومان عليه‪ .‬وإن تلفت بتفريط في حفظها أو َ‬
‫ائتمنه‪ ،‬فين تلفت وهي بيده‪ ،‬بغير َ‬
‫صاحبها‪.‬‬
‫ودخل في هذا الحديث "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"‪.‬‬
‫*وكذلك العارية على المستعير أن يردها إلى صاحبها بانقضاء الغرض منها‪ ،‬أو طلب ربها؛ ألن العارية عقد جائز ال الزع‪.‬‬
‫ض َّمنه‪ ،‬كما هو المشهور من مذهب اإلماع أحمد‪ .‬ومنههلل من لهلل يضمنه كسائر األمناء‪.‬‬
‫فين تلفت العارية بغير تعد وال تفريط‪ .‬فمن العلماء من َ‬
‫فصل‪ :‬فين لرل ضمانها ِ‬
‫ضم َنها‪ ،‬وإال فال‪ .‬وهو أحسن األقوال الثالثة‪.‬‬ ‫*ومنههلل من َّ‬
‫َ ََ‬
‫تعد وال تفريط‪ :‬فينه محسن‪ ،‬وما على المحسنين من سبيل‪.‬‬ ‫*ولكن لو وجد المال بيد مجنون‪ ،‬أو سفيه‪ ،‬أو صغير‪ ،‬فأخذه ليحفظه‪ ،‬فتلا بيده بغير َ‬

‫*ولو أخذ اللقطة التي يجوز التقاطها‪ ،‬فعليه تعريفها عاماً كامالً‪ .‬فين لهلل تعرف‪ :‬فهي لواجدها‪ .‬فين وجد صواحبها بعد ذلك ووصوفها‪ :‬سولمها إليه إن كانت موجودة‪ ،‬وضومنها‬
‫إن كان قد أتلفها باستعمال أو ايره‪ .‬وإن تلفت في حول التعريف بغير تفريط وال تعد‪ :‬فال ضمان على الملتقط؛ ألنه من جملة األمناء‪ ،‬وهي حين ذ لهلل تدخل في ملكه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثاني واألربعون‬
‫وصرفت الطرق‪ ،‬فال لفعة"‬
‫بالشفعة في كل ما لهلل يقسهلل‪ .‬فيذا وقعت الحدود‪ُ ،‬‬ ‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما قال‪" :‬قضى رسول هللا ‪‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬

‫قهر‬
‫الشفعة‪ :‬استحقاق تملك حصة الشريك َا‬
‫قطعة األرض‬

‫يؤخذ من هذا الحديث‪ :‬أحكاع الشفعة كلها‪ ،‬وما فيه لفعة‪ ،‬وما ال لفعة فيه‪.‬‬
‫محمد‬ ‫أحمد‬
‫والشفعة إنما هي في األموال المشتركة‪ .‬وهي قسمان‪ :‬عقار وايره‪.‬‬
‫ودل على أن اير العقار ال لو و و ووفعة فيه‪ ،‬فالشو و و ووركة في الحيوانات‪ ،‬واألثاثات‪ ،‬والنقود‪ ،‬وجميع المنقوالت ال لو و و ووفعة فيها‪ ،‬إذا باع‬
‫فأثبت في هذا الحديث الشو و و ووفعة في العقار‪َ .‬‬
‫أحدهما نصيبه منها‪.‬‬
‫وأما العقارات‪ :‬فيذا أفرزت وحددت الحدود‪ ،‬وصورفت الطرق واختار كل من الشوريكين نصويبه فال لوفعة فيها‪ ،‬كما هو نص الحديث ألنه يصوير حين ذ جا اًر‪ ،‬والجار ال لوفعة‬
‫له على جاره‪.‬‬
‫وأما إذا لهلل تحد الحدود ولهلل تصرف الطرق‪ ،‬ثهلل باع أحدههلل نصيبه‪ :‬فللشريك أو الشركاء الباقين الشفعة‪ ،‬بأن يأخذوه بالثمن الذي وقع عليه العقد‪ُ ،‬ك ٍَل على قدر ملكه‪.‬‬
‫وظاهر الحديث‪ :‬أنه ال فرق بين العقار الذي تمكن قس و وومته والذي ال تمكن وهذا هو الص و ووحيط؛ ألن الحكمة في الش و ووفعة – وهي إزالة الض و وورر عن الشو و وريك – موجودة في‬
‫النوعين‪ .‬والحديث عاع‪.‬‬
‫وأما ما استدل به على التفريق بين النوعين‪ :‬فضصيف‪.‬‬
‫واختلا العلماء في لفعة الجار على جاره‪ ،‬إذا كان بينهما حق من حقوق الملكين‪ ،‬كطريق مشترهللا‪ ،‬أو ب ر أو نحوهما‪.‬‬
‫فمنههلل‪ :‬من أوجب الشو و ووفعة في هذا النوع‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا االلو و ووتراهللا في هذا الحق نظير االلو و ووتراهللا في جميع الملك‪ ،‬والضو و وورر في هذا كالضو و وورر هناهللا‪ .‬وهو الذي تدل عليه‬
‫األدلة‪.‬‬
‫ومنههلل‪ :‬من لهلل يثبت فيه لفعة‪ ،‬كما هو المشهور من مذهب اإلماع أحمد‪.‬‬
‫ومنههلل‪ :‬من أثبت الشفعة للجار مطلقاً‪ .‬وهذه الصورة عنده من باب أولى‪ ،‬كما هو مذهب اإلماع أبي حنيفة‪.‬‬
‫والنبي ‪ ‬أثبت للشريك الشفعة‪ :‬إن لاء أخذ‪ ،‬وإن لاء لهلل يأخذ‪ ،‬وهو من جملة الحقوق‪ ،‬التي ال تسقط إال بيسقاطها صريحاً‪ ،‬أو بما يدل على اإلسقال‪.‬‬
‫وأما الترال المبادرة جداً إلى األخذ بها‪ ،‬من اير أن يكون له فرصة في هذا الحق المتفق عليه‪ :‬فهذا قول ال دليل عليه‪.‬‬
‫ليء‪.‬‬ ‫وما استدلوا به من الحديثين اللذين أوردهما‪" :‬الشفعة كحل العقال"‪" ،‬الشفعة لمن واثبها"(‪ )1‬فلهلل يصلط منهما عن النبي ‪‬‬
‫فالصحيط‪ :‬أن هذا الحق كغيره من الحقوق من خيار الشرل‪ ،‬أو العيب أو نحوها الحق ثابت إال إن أسقطه صاحبه بقول أو فعل وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫طلبها حني علم ابلبيع ومل يرتاخ يف طلبها‪.‬‬
‫الحديث الثالث واألربعون‬

‫‪" :‬يقول هللا تعالى‪ :‬أنا ثالث الشريكين‪ ،‬ما لهلل َي ُخن أحدهما صاحبه‪ .‬فين خانه خرجت من بينهما"‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه أبو داود‪.‬‬

‫يدل هذا الحديث بعمومه على جواز أنواع الشركات كلها‪ :‬لركة العنان‪ ،‬واألبدان‪ ،‬والوجوه‪ ،‬والمضاربة‪ ،‬والمفاوضة وايرها من أنواع الشركات التي يتفق عليها المتشاركان‪.‬‬
‫ومن منع لي اً منها فعليه الدليل الدال على المنع‪ ،‬وإال فاألصل الجواز‪ ،‬لهذا الحديث‪ ،‬ولموله‪ .‬وألن األصل الجواز في كل المعامالت‪.‬‬
‫ويدل الحديث على فض و وول الش و ووركات وبركتها‪ ،‬إذا بنيت على الص و وودق واألمانة‪ .‬فين من كان هللا معه بارهللا له في رزقه‪ ،‬ويس و وور له األس و ووباب التي ينال بها الرزق‪ ،‬رزقه من‬
‫حيث ال يحتسب‪ ،‬وأعانه وسدده‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الشركات يحصل فيها التعاون بين الشركاء في رأيههلل وفي أعمالههلل‪ .‬وقد تكون أعماالً ال يقدر عليها كل واحد بمفرده‪ ،‬وباجتماع األعمال واألموال يمكن إدراعها‪.‬‬
‫والشركات أيضاً يمكن تفريعها وتوسيعها في المكان واألعمال وايرها‪.‬‬
‫وأيضو و و واً‪ :‬فين الغالب أنها يحصو و و وول بها من الراحة ما ال يحصو و و وول بتفرد اإلنسو و و ووان بعلمه‪ .‬وقد يجري ويدير أحدهما العمل مع راحة اآلخر‪ ،‬أو ذهابه لبعض مهماته‪ ،‬أو وقت‬
‫مرضه‪.‬‬
‫وهذا كله مع الصو و وودق واألمانة‪ .‬فيذا دخلتها الخيانة ونوى أحدهما أو كالهما خيانة اآلخر‪ ،‬وإخفاء ما يتمكن منه خرج هللا من بينهما‪ .‬وذهبت البركة‪ .‬ولهلل تتيسو و وور األسو و ووباب‪.‬‬
‫والتجربة والمشاهدة تشهد لهذا الحديث‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫ال ِعنان‪ ،‬عقد يتم بين اثنين في قدر معين من المال‪ ،‬يدفع كل واحد منها قدرا ً معينا ً ويتاجرا فيه‪ ،‬على أن يكون الربح بينهما بقدر معلوم والخسااارة عليها بنساابة معلومة أيض اا ً‬
‫بقدر ما دفع كال منهما‪ ،‬وال يشترط فيها التساوي في المال‬

‫األبدان‪ ،‬وهي أن يتراضى اثنين أو أكثر من أصحاب الحرف والصنائع الذين يُجيدون حرفة ُمعينة أو صناعة ما‪ ،‬وذلك من أجل القيام بعمل من األعمال مع اشتراكهم في األجر‬

‫المضاربة‪ ،‬هي أن يدفع أح ٌد المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما اشترطا عليه‬

‫المفاوضة المساواة وهي شركة تقوم على أساس التساوي بين كافة الشركاء في رأس المال والتصرف والدين والربح‬
‫الحديث الرابع واألربعون حفظ*‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫"إذا مات العبد انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علهلل ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالط يدعو له"‬

‫دار الودنيوا جعلهوا هللا دار عمول‪ ،‬يتزود منهوا الصبواد من الخير‪ ،‬أو الشو و و و و و وور‪ ،‬للودار األخرى‪ ،‬وهي دار الجزاء‪ .‬وسو و و و و و ووينودع المفرطون إذا انتقلوا من هوذه الودار‪ ،‬ولهلل يتزودوا منهوا‬
‫آلخرتههلل ما يس ووعدههلل‪ ،‬وحين ذ ال يمكن االس ووتدراهللا‪ .‬وال يتمكن العبد أن يزيد حس ووناته مثقال ذرة‪ ،‬وال يمحو من س ووي اته كذلك‪ .‬وانقطع عمل العبد عنه إال هذه األعمال الثالثة التي هي‬
‫من آثار عمله‪.‬‬
‫الصةةد ة الجاة ة (المسةةرمر ‪ :‬أي‪ :‬المسو ووتمر نفعها‪ .‬وذلك كالوقا للعقارات التي ينتفع بمغَلِها‪ ،‬أو األواني التي ينتفع باسو ووتعمالها‪ ،‬أو الحيوانات التي ينتفع بركوبها‬ ‫األول –‬
‫ومنافعها‪ ،‬أو الكتب والمصاحا التي ينتفع باستعمالها واالنتفاع بها‪ ،‬أو المساجد والمدارس والبيوت وايرها التي ينتفع بها‪.‬‬
‫فكلها أجرها ٍ‬
‫جار على العبد ما داع ينتفع بش و وويء منها‪ .‬وهذا من أعظهلل فض و ووائل الوقا‪ .‬وخص و وووصو و واً األوقاف التي فيها اإلعانة على األمور الدينية‪ ،‬كالعلهلل والجهاد‪ ،‬والتفرغ‬
‫للصبادة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ولهذا الترل العلماء في الوقا‪ :‬أن يكون مصرفه على جهة بر وقربة‪.‬‬
‫العلهلل الذي ينتفع به من بعده‪ :‬كالعلهلل الذي علمه الطلبة المستعدين للعلهلل‪ ،‬والعلهلل الذي نشره بين الناس‪ ،‬والكتب التي صنفها في أصناف العلوع النافعة‪.‬‬ ‫الثاني –‬
‫وهكذا كل ما تسلسل االنتفاع بتعليمه مبالرة‪ ،‬أو كتابة‪ ،‬فين أجره جار عليه‪ .‬فكهلل من علماء هداة ماتوا من م ات من السنين‪ ،‬وكتبههلل مستعملة‪ ،‬وتالميذههلل قد تسلسل خيرههلل‪.‬‬
‫وذلك فضل هللا‪.‬‬
‫ينتفع والده بص و ووالحه ودعائه‪ .‬فهو في كل وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة‪ ،‬ورفع الدرجات‪،‬‬ ‫الثالث – الولد الص و ووالط‪ :‬ولد ص و وولب‪ ،‬أو ولد ابن‪ ،‬أو بنت‪ ،‬ذكر أو أنثى –‬
‫وحصول المثوبات‪.‬‬
‫وهذه المذكورة في هذا الحديث هي مضمون قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َن ْح ُن ُن ْحِيي اْل َم ْوتَى َوَن ْكتُ ُب َما َق َّد ُموا َوآثَ َارُه ْهلل}(‪.)1‬‬
‫فما قدموا‪ :‬هو ما بالروه من األعمال الحسنة أو السي ة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة يس – آية ‪. 12‬‬
‫وآثارههلل ما ترتب على أعمالههلل‪ ،‬مما عمله ايرههلل‪ ،‬أو انتفع به ايرههلل‪.‬‬
‫وجميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه‪.‬‬
‫أي نفع كان‪ ،‬على حسب ذلك النفع باقتدائه به في الخير‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أمور انتفع بها الغير َ‬
‫الثالث‪ :‬أمور عملها الغير وأهداها إليه‪ ،‬أو صودقة تصودق بها عنه أو دعا له‪ ،‬سوواء أعان من أوالده الحسويين أو من أوالده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه‪ ،‬وهدايته وإرلواده‪،‬‬
‫أو من أقاربه وأصوحابه المحبين‪ ،‬أو من عموع المسولمين‪ ،‬بحسوب مقاماته في الدين‪ ،‬وبحسوب ما أوصول إلى الصباد من الخير‪ ،‬أو تسوبب به‪ .‬وبحسوب ما جعل هللا له في قلوب الصباد‬
‫من الود الذي ال بد أن تترتب عليه آثاره الكثيرة التي منها‪ :‬دعاؤههلل‪ ،‬واستغفارههلل له‪.‬‬
‫وكلها تدخل في هذا الحديث الشريف‪.‬‬
‫وقد يجتمع للعبد في ليء واحد عدة منافع‪ .‬كالولد الصالط العالهلل الذي سعى أبوه في تعليمه‪ ،‬وكالكتب التي يقفها أو يهبها لمن ينتفع بها‪.‬‬
‫ويس ووتدل بهذا الحديث على الترايب في التزوج الذي من ثمراته حص ووول األوالد الص ووالحين‪ ،‬وايرها من المص ووالط‪ ،‬كص ووال الزوجة وتعليمها ما تنتفع به‪ ،‬وتنفع ايرها‪ .‬وهللا‬
‫أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الخامس واألربعون حفظ*‬
‫قال‪" :‬من سبق إلى ما لهلل يسبق إليه مسلهلل فهو له" رواه أبو داود‪.‬‬ ‫عن أسمر بن مضرس‪ :‬أن رسول هللا ‪‬‬
‫المقصود بالسباق من يصل أوًال‬

‫يدخل في هذا الحديث‪ :‬السبق إلى جميع المباحات التي ليست ملكاً ألحد‪ ،‬وال باختصاص أحد‪.‬‬
‫فيدخل فيه‪ :‬السبق إلى إحياء األرض الموات‪ .‬فمن سبق إليها باستخراج ماء‪ ،‬أو إجرائه عليها‪ ،‬أو ببناء‪َ :‬مَلكها‪ .‬وال يملكها بدون اإلحياء‪.‬‬
‫لكن لو أقطعه اإلماع أو نائبه‪ ،‬أو تحجر مواتاً من دون إحيائه‪ :‬فهو أحق به‪ ،‬وال يملكه‪ .‬فين وجد متشوف لبحياء قيل له‪ :‬إما أن تعمرها‪ ،‬وإما أن ترفع يدهللا عنها‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك‪:‬‬
‫السبق إلى صيد البر‪ ،‬والبحر‪ ،‬وإلى المعادن اير الظاهرة‪ ،‬واير الجارية‪.‬‬
‫والسبق إلى أخذ حطب أو حشيش أو منبوذ رغبة عنه‪.‬‬
‫الرُبط إن لهلل يتوقا ذلك على ناظر جعل له الترتيب والتعيين‪ ،‬فيرجع فيه إلى نص الواقفين والموصين‪.‬‬
‫والسبق إلى الجلوس في المساجد والمدارس واألسواق و ذ‬
‫فمن سبق إلى ليء من المباحات التي ال مالك لها‪ :‬فهو أحق بها‪ .‬والملك فيها مقصور على القدر المأخوذ‪.‬‬
‫وكذلك من سبق إلى األعمال في الجعاالت التي يقول فيها صاحبها‪ :‬من عمل لي هذا العمل فله كذا‪ :‬فهو المستحق للتقديهلل والجعل‪.‬‬
‫وكذلك من سبق إلى التقال اللقطة واللقيط‪ ،‬وايرها فكله داخل في هذا الحديث‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫تكون مثل الدين على صاحبه‬
‫الحديث السادس واألربعون‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫ألولى رجل ذكر"‬
‫ألحقوا الفرائض بأهلها‪ .‬فما بقى فهو ْ‬
‫‪َ ":‬‬ ‫عن ابن اباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫ألحقوا ‪ /‬أعطوا‬
‫الزوج‪َّ ،‬‬
‫والزوجة‪ ،‬واألب‪ ،‬واأل ّم‪ ،‬والج ّد الصااحيح‪ ،‬والجدّة الصااحيحة‪ ،‬واالبنة‪ ،‬وابنة االبن‪ ،‬واألت ألم‪ ،‬واألخت الشااقيقة‪ ،‬واألخت ألب‪،‬‬ ‫الفرائض‪ /‬هم اثنا عشاار شا ً‬
‫اخص ااو َّ‬
‫واألخت ألم‬
‫بأهلها‪ /‬المستحقين للورثه‬
‫ما بقي ‪ /‬اذا بقي لي من الورثه‬
‫ألولى رجل ذكر‪ /‬أقرب رجل من الميت أوال من ناحية القرابه ‪ /‬من الناحية المنزله‪.‬‬
‫الحديث السابع واألربعون‬
‫رواه أبو داود والترمذي وابن‬ ‫يقول‪" :‬إن هللا قد أعطى كل ذي حق َّ‬
‫حقه‪ ،‬فال وص و ووية لوارث"‬ ‫عن أبي أمامة الباهلي رض و ووي هللا عنه قال‪ :‬س و وومعت رس و ووول هللا ‪‬‬
‫ماجة‪.‬‬
‫االورثه ‪ /‬كيفية قسمة الميراث على مستحقيها‬
‫وصية لوارث ‪ /‬توصي بشي محدد أو بأعثر ألهل الورثه‬
‫العصبه ‪ /‬الذين يكون لهم نصيب من التركه أو الورثه ‪ ,‬وهو كل ذكر قريب للمتوفي‬
‫الثلث‬
‫أن يلحق‬ ‫‪‬‬ ‫ص ول أحكاع المواريث تفصوويالً تاماً واضووحاً‪ ،‬وأعطى كل ذي حق حقه‪ .‬وأمر‬
‫جل أحكاع المواريث‪ ،‬وأحكاع الوصووايا فين هللا تعالى ف َّ‬
‫هذان الحديثان الووتمال على َ‬
‫ألولى رجل ذكر‪ .‬وههلل العصبة من الفروع الذكور‪ ،‬واألصول الذكور‪ ،‬وفروع األصول الذكور‪ ،‬والوالء‪.‬‬ ‫الفرائض بأهلها‪ ،‬فيقدمون على العصبات‪ .‬فما بقي فهو ْ‬
‫فيقودع من هوذه الجهوات إذا اجتمع عواصو و و و و و وبوان فوأعثر‪ :‬األقرب جهوة‪ .‬فوين كوانوا في جهوة واحودة قودع األقرب منزلوة‪ .‬فيقودع االبن على ابن االبن‪ ،‬والعهلل مثالً على ابن العهلل‪ .‬فوين‬
‫وهو الشقيق‪ -‬على الذي ألب‪.‬‬ ‫عانوا في منزلة واحدة‪ ،‬وتميز أحدههلل بقوة القرابة وال يتصور ذلك إال في فروع األصول‪ ،‬كاإلخوة واألعماع مطلقاً وبنيههلل‪ :‬قدع األقوى –‬
‫وهذا هو المراد بقوله ‪" : ‬ألولى رجل ذكر" أي‪ :‬أقربههلل جهة‪ ،‬أو منزلة‪ ،‬أو قوة‪ ،‬على حسب هذا الترتيب‪.‬‬
‫وعلهلل من هذا‪ :‬أن صواحب الفرض مقدع على العاصوب في البداءة‪ ،‬وأنه إن اسوتغرقت الفروض التركة سوقط العاصوب في جميع مسوائل الفرائض‪ ،‬حتى في ِ‬
‫الح َم ِاريَّة‪ ،‬وهي ما‬
‫إذا َخَّلفت زوجاً‪ ،‬وأ َّ‬
‫ُماً‪ ،‬وإخوة ألع وإخوة ألقاء‪ :‬فللزوج النصا‪ ،‬ولألع السدس؛ ولبخوة ألع الثلث‪.‬‬
‫فهؤالء أهل فروض ألحقنا بههلل فروضههلل‪ ،‬وسقط األلقاء؛ ألنههلل عصبات‪ .‬وهذا هو الصحيط ألدلة كثيرة‪ .‬هذا أوضحها‪.‬‬
‫ويستدل بقوله ‪" : ‬ألحقوا الفرائض بأهلها" على أن الفروض إذا كثرة تزاحمت ولهلل يحجب بعضها بعضاً‪ ،‬فينه يعول لههلل‪ ،‬وتنقص فروضههلل بحسب ما عالت به كالديون إذا‬
‫أدلت على موجودات الغريهلل التي ال تكفي لدينههلل؛ فينههلل يعطون بقدر ديونههلل وهذا من العدل‪.‬‬
‫فكل مشتركين في استحقاق ليء ال يمكن أن يكمل لكل واحد منههلل‪ ،‬وليس لواحد منههلل مزية تقديهلل‪ :‬فينههلل ينقصون على قدر استحقاقههلل‪ ،‬وذلك في الهبات والوصايا واألوقاف‬
‫وايرها‪ ،‬كما أن الزائد لههلل بقدر أمالعههلل واستحقاقههلل‪.‬‬
‫ويدل الحديث أنه إذا لهلل يوجد صاحب فرض‪ ،‬فالمال كله للعصبات على حسب الترتيب السابق‪.‬‬
‫يدل على أنه إذا لهلل يوجد إال أص ووحاب الفروض‪ ،‬ولهلل يوجد عاص ووب‪ ،‬فينه يرد عليههلل على قدر فروض ووههلل‪ ،‬كما تعالى عليههلل؛ ألن من حكمة فرض الفروض وتقديرها‪:‬‬
‫وكذلك َ‬
‫أن تبقى البقية للعاصب‪ .‬فيذا لهلل يوجد ُرَّد على المستحقين لعدع المزاحهلل‪.‬‬
‫ويدل الحديث على ص ووحة الوص ووية لغير الوارث‪ .‬ولكن في ذلك تفص وويل‪ :‬إن كان الموص ووي انياً ويدع ورثته أانياء‪ ،‬اس ووتحبت‪ .‬وإن كان فقي اًر وورثته يحتاجون جميع ميراثه‪،‬‬
‫لفقرههلل أو كثرتههلل‪ :‬فاألولى له أال يوصى‪ ،‬بل يدع ماله لورثته‪.‬‬
‫‪" :‬إن هللا قد أعطى كل ذي حق حقه‪ ،‬فال وصية لوارث"‪.‬‬ ‫دل على منعها‪ .‬وعلل ذلك بقوله ‪‬‬
‫وأما الوصية للوارث‪ :‬فالحديث َ‬
‫فمن أوص ووى لوارث فقد تعدى حدود هللا‪ ،‬وفض وول بعض الورثة على بعض‪ .‬وسو وواء وقع ذلك على وجه الوص ووية أو الهبة للوارث‪ ،‬كما هو اتفاق العلماء‪ ،‬أو على وجه الوقا‬
‫لثلثه على بعض ورثته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مناف للفظ الحديث ومعناه‪.‬‬ ‫ولذ بعضههلل في هذه المسألة‪ ،‬فأجازها‪ .‬وهو‬
‫وأما الوصية لألجنبي‪ ،‬أو للجهات الدينية‪ ،‬فتجوز بالثلث فأقل‪ .‬وما زاد على الثلث‪ :‬يتوقا على إجازة الورثة‪.‬‬
‫الحديث الثامن واألربعون‬
‫العفاف‪ ،‬والمجاهد في سبيل‬
‫المكاتب يريد األداء‪ ،‬والمتزوج يريد َ‬
‫حق على هللا َع ْوُنههلل‪ُ :‬‬
‫‪" :‬ثالثة ٌّ‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫هللا" رواه أهل السنن إال النسائي‪.‬‬

‫حق هللا على هللا ‪ /‬واجب من هللا‬


‫نعينههلل ‪ /‬المساعده‬
‫المكاتب ‪ /‬العبد‬
‫يريد اآلداء ‪ /‬لراء نفسه بأن يكون َّا‬
‫حر‬
‫العفاف ‪ /‬المنع والستر‬
‫وذلك‪ :‬أن هللا تعالى وعد المنفقين بالخلا العاجل‪ ،‬وأطلق النفقة‪ .‬وهي تنصو و و و و و وورف إلى النفقات التي يحبها هللا؛ ألن وعده بالخلا من باب الثواب الذي ال يكون إال على ما‬
‫يحبه هللا‪.‬‬
‫وأما النفقات في األمور التي ال يحبها هللا‪ :‬إما في المعاصي‪ ،‬وإما في اإلسراف في المباحات‪ :‬فالِل لهلل يضمن الخلا ألهلها‪ ،‬بل ال تكون إال مغرماً‪.‬‬
‫وهذه الثالثة المذكورة في هذا الحديث من أفضل األمور التي يحبها هللا‪.‬‬
‫والك هذا السووبيل معان من هللا‪،‬‬
‫فالجهاد في سووبيل هللا هو سووناع الدين وذروته وأعاله‪ .‬وسوواء كان جهاداً بالسووال ‪ ،‬أو جهاداً بالعلهلل والحجة‪ .‬فالنفقة في هذا السووبيل مخلوفة وسو ُ‬
‫أمره‪.‬‬
‫ُم َي َّسر له ُ‬
‫وه ْهلل ِإ ْن َعِل ْمتُ ْهلل ِفي ِه ْهلل َخ ْي ًار}(‪ )1‬أي‪ :‬صوالحاً في تقويهلل دينههلل ودنياههلل‪ .‬فالسويد مأمور بذلك‪ .‬والعبد المكاتب الذي يريد‬ ‫ِ‬
‫وأما المكاتب‪ :‬فالكتابة قد أمر هللا بها في قوله تعالى‪َ{ :‬ف َكات ُب ُ‬
‫األداء‪ ،‬ويتعجل الحرية والتفرغ لدينه ودنياه يعينه هللا‪ ،‬وييسر له أموره‪ ،‬ويرزقه من حيث ال يحتسب‪.‬‬
‫وعلى السيد‪ :‬أن يرفق بمكاتبه في تقدير اآلجال التي تحل فيها ُن ُجوع الكتابة‪ ،‬ويعطيه من مال الكتابة إذا َّأداها ربعها‪.‬‬
‫الرَق ِ‬
‫اب}(‪ )3‬وهذا‬ ‫َّللاِ َّال ِذي آتَ ُ‬
‫اع ْهلل}(‪ )2‬أمر للس وويد ولغيره من المس وولمين‪ .‬ولذلك جعل هللا له نص وويباً من الزكاة في قوله‪َ { :‬وِفي َِ‬ ‫وههلل ِمن َّم ِ‬
‫ال َّ‬ ‫وفي قوله تعالى في حق المكاتبين { َوآتُ ُ َ‬
‫من عونه تعالى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النور – آية ‪. 33‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة النور – آية ‪. 33‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة التوبة – آية ‪. 60‬‬
‫أعهلل من هذا‪ ،‬فقال‪" :‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها َّأداها هللا عنه‪ ،‬ومن أخذها يريد إتالفها أتلفه هللا" رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي ‪ ‬ما هو َ‬
‫وأما النكا ‪ :‬فقد أمر هللا به ورسوله‪ .‬ورتب عليه من الفوائد لي اً كثي اًر‪ :‬عون هللا‪ ،‬وامتثال أمر هللا ورسوله‪ ،‬وأنه من سنن المرسلين‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬تحص ووين الفرج‪ ،‬واض البص وور‪ ،‬وتحص وويل النس وول‪ ،‬واإلنفاق على الزوجة واألوالد؛ فين العبد إذا أنفق على أهله نفقة يحتس ووبها كانت له أج اًر‪ ،‬وحس وونات عند هللا‪ ،‬سو وواء‬
‫عانت مأعوالً أو مشروباً أو ملبوساً أو مستعمالً في الحوائا كلها‪ .‬كله خير للعبد‪ ،‬وحسنات جارية‪ .‬وهو أفضل من نوافل الصبادات القاصرة‪.‬‬
‫اب َل ُكهلل َِم َن َِ‬
‫الن َس و و و واء}(‪ )1‬وقال ‪" : ‬تنكط‬ ‫ط َ‬
‫وفيه‪ :‬التذكر لنعهلل هللا على العبد‪ ،‬والتفرغ لصبادته‪ ،‬وتعاون الزوجين على مصو و و ووالط دينهما ودنياهما‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ{ :‬ف ِ‬
‫انك ُحوْا َما َ‬
‫المرأة ألربع‪ :‬لمالها‪ ،‬وجمالها‪ ،‬وحسو ووبها‪ ،‬ودينها‪ :‬فاظفر بذات الدين تَ ِرَب ْت يمينك" لما فيها من صو ووال األحوال والبيت واألوالد‪ ،‬وسو ووكون قلب الزوج وطمأنينته‪ ،‬فين حصو وول مع الدين‬
‫َّللاُ}(‪.)2‬‬
‫ظ َ‬ ‫ات َق ِانتَات َح ِاف َ‬
‫ظات َِلْل َغ ْي ِب ِب َما َح ِف َ‬ ‫الصالِ َح ُ‬
‫ايره فذاهللا‪ ،‬وإال فالدين أعظهلل الصفات المقصودة‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬ف َّ‬
‫وعلى الزوجة‪ :‬القياع بحق هللا‪ ،‬وحق َب ْعلها‪ ،‬وتقديهلل حق البعل على حقوق الخلق كلههلل‪.‬‬
‫إلى النظر إلى المرأة‬ ‫زوجته‪ ،‬وفعل جميع األسوباب التي تتهلل بها المالءمة بينهما‪ ،‬فين المالءمة هي المقصوود األعظهلل‪ .‬ولهذا ندب النبي ‪‬‬ ‫وعلى الزوج‪ :‬السوعي في إصوال‬
‫التي يريد خطبتها؛ ليكون على بصيرة من أمره وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 34‬‬
‫الحديث التاسع واألربعون‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫الرضاعة ما يحرع من الوالدة"‬
‫يحرع من َّ‬
‫‪ُ ":‬‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫حرم هللا تعالى على الرجال الزواج من عد ٍد من النساء تحريما ً أبدياً‪ ،‬ويقع التحريم المؤبد بإحدى ثالثو إ ّما من جهة النسب‪ ،‬أو من جهة المصاهرة‪ ،‬أو من جهة اإلرضاع‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-1‬المحرمات بالنسب )القرابه)‪:‬‬
‫وهن سبع ذكرهن هللا ‪ -‬تعالى ‪-‬بقوله في سورة النساء‪ :‬قال تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخاالتكم وبنات األت وبنات األخت وأمهاتكم الالتي‬
‫أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) النساء (‪)23‬‬
‫‪-1‬األمهات‪ :‬يدخل فيهن‪ :‬األم‪ ،‬والجدات سواء كن من جهة األب أم من جهة األم‪.‬‬
‫‪-2‬البنات‪ :‬يدخل فيهن‪ :‬بنات الصلب وبنات األبناء وبنات البنات (وان نزلن)‪.‬‬
‫‪-3‬األخوات‪ :‬يدخل فيهن األخوات الشقيقات واألخوات من األب واألخوات من األم‬
‫‪ -4‬العمات‪ :‬يدخل فيهن‪ :‬عمات الرجل وعمات أبيه وعمات أمه وعمات جداته وأجداده‪.‬‬
‫‪ -5‬الخاالت‪ :‬يدخل فيهن‪ :‬خاالت الرجل وخاالت أبيه وخاالت أمه وخاالت جداته وأجداده‪.‬‬
‫‪ -6‬بنات األت‪ :‬يدخل فيهن بنات األت الشقيق وبنات األت من األب وبنات األت من األم وبنات أبنائهم وبنات بناتهم (وان نزلن)‬
‫‪ -7‬بنات األخت‪ :‬يدخل فيهن‪ :‬بنات األخت الشقيقة وبنات األخت من األب وبنات األخت من األم وبنات أبنائهن وبنات بناتهن (وان نزلن)‪.‬‬

‫فجميع القرابات حرام‪ ،‬إال بنات األعمام‪ ،‬وبنات العمات‪ ،‬وبنات األخوال‪ ،‬وبنات الخاالت‪.‬‬
‫وهذه السبع محرمات في الرضاع من جهة المرضعة‪ ،‬وصاحب اللبن‪ ،‬إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر‪ ،‬في الحولين‪.‬‬
‫وأما من جهة أقارب الراضع‪ :‬فإن التحريم يختص بذرية الراضع ‪ .‬وأما أبوه من النسب وأمه وأصولهم وفروعهم‪ ،‬فال تعلق لهم بالتحريم‪.‬‬
‫وكذلك يحرم الجمع بين األختين‪ ،‬وبين المرأة وعمتها‪ ،‬أو خالتها في النسب‪ .‬ومثل ذلك في الرضاع‪.‬‬

‫‪-2‬المحرماات باالصاااااهر وكاذلاك تحرم أمهاات الزوجاة‪ ،‬وإن علون‪ ،‬وبنااتهاا‪ ،‬وإن نزلن‪ ،‬إذا كاان قاد دخال بزوجتاه‪ ،‬وزوجاات اآلبااء‪ ،‬وإن علوا‪ ،‬وزوجاات األبنااء وإن نزلوا من كال‬
‫جهة‪.‬‬
‫ومسائل تحريم الجمع والصهر في الرضاع فيه خالف‪ .‬ولكن مذهب جمهور العلماء واألئمة األربعة‪ ،‬تحريم ذلك للعمومات‪.‬‬
‫‪-3‬المحرمات بالرضاع‬
‫خاالتها‬

‫عماتها‬ ‫األخوات‬

‫أحمد رضع‬
‫من زينب‬
‫بنات األت‬ ‫والدته‬

‫بنات‬
‫بناتها‬
‫األخت‬
‫الحديث الخمسون‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫‪" :‬ال َيْف ِرهللا مؤمن مؤمن ًة؛ إن كره منها ُخلقاً رضي منها آخر"‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫ال يفرهللا ‪ /‬ال يبغض أو يكره‬

‫‪ ،‬للزوج في معالورة زوجته من أعبر األسووباب والدواعي إلى حسوون العشورة بالمعروف‪ ،‬فنهى المؤمن عن سوووء عشورته لزوجته‪ .‬والنهي عن الشوويء‬ ‫هذا اإلرلوواد من النبي ‪‬‬
‫أمر بضو و ووده‪ .‬وأمره أن يلحظ ما فيها من األخالق الجميلة‪ ،‬واألمور التي تناسو و ووبه‪ ،‬وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخالقها؛ فين الزوج إذا تأمل ما في زوجته من األخالق الجميلة‪،‬‬
‫والمحاسوون التي يحبها‪ ،‬ونظر إلى السووبب الذي دعاه إلى التضووجر منها وسوووء عشورتها‪ ،‬رآه لووي اً واحداً أو اثنين مثالً‪ ،‬وما فيها مما يحب أعثر‪ .‬فيذا كان منصووفاً اض عن مسوواوئها‬
‫الضمحاللها في محاسنها‪.‬‬
‫وتؤدى الحقوق الواجبة والمستحبة وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله‪.‬‬
‫وبهذا‪ :‬تدوع الصحبة‪َ ،‬‬
‫وأما من اض عن المحاسن‪ ،‬ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة‪ .‬فهذا من عدع اإلنصاف‪ .‬وال يكاد يصفو مع زوجته‪.‬‬
‫والناس في هذا ثالثة أقساع‪:‬‬
‫أعالههلل‪ :‬من لحظ األخالق الجميلة والمحاسن‪ ،‬واض عن المساوئ بالكلية وتناساها‪.‬‬
‫وأقلههلل توفيقاً وإيماناً وأخالقاً جميلة‪ :‬من عكس القض ووية‪ ،‬فأهدر المحاس وون مهما كانت‪ ،‬وجعل المس وواوئ نص ووب عينيه‪ .‬وربما مددها وبس ووطها وفسو ورها بظنون وتأويالت تجعل‬
‫القليل كثي اًر‪ ،‬كما هو الواقع‪.‬‬
‫والقسهلل الثالث‪ :‬من لحظ األمرين‪ ،‬ووازن بينهما‪ ،‬وعامل الزوجة بمقتضى كل واحد منها‪ .‬وهذا منصا‪ .‬ولكنه قد حرع الكمال‪.‬‬
‫‪ ،‬ينبغي س وولوكه واس ووتعماله مع جميع المعالو ورين والمعاملين؛ فين نفعه الديني والدنيوي كثير وص وواحبه قد س ووعى في راحة قلبه‪ .‬وفي الس ووبب‬ ‫وهذا األدب الذي أرل وود إليه ‪‬‬
‫الذي يدرهللا به القياع بالحقوق الواجبة والمسو و ووتحبة؛ ألن الكمال في الناس متعذر‪ .‬وحسو و ووب الفاضو و وول أن َّ‬
‫تعد معايبه‪ .‬وتوطين النفس على ما يجيء من المعال و و ورين مما يخالا رغبة‬
‫اإلنسان يسهل عليه حسن الخلق‪ ،‬وفعل المعروف واإلحسان مع الناس‪ .‬وهللا الموفق‪.‬‬
‫ثالث لرعي‬
‫الحديث الحادي والخمسون‬
‫‪:‬‬ ‫عن عبد الرحمن بن سمرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال لي رسول هللا ‪‬‬
‫"يا عبد الرحمن بن سمرة‪ ،‬ال تسأل اإلمارة‪ ،‬فينك إن أوتيتها عن مسألة وَِكلت إليها‪ ،‬وإن أوتيتها عن اير مسألة أ ِ‬
‫ُع ْن َت عليها‪ .‬وإذا حلفت على يمين‬
‫فرأيت ايرها خي اًر منها‪ ،‬فا ْئ ِ‬
‫ت الذي هو خير‪ ،‬وكَِفر عن يمينك" متفق عليه‪.‬‬

‫جميعا)‬
‫ً‬ ‫ال تسأل ‪ /‬ال تطلب (خطاب النبي صلى هللا عليه وسلهلل خطاب لألمه‬
‫حاعما‬
‫ً‬ ‫ئيسا أو‬ ‫البماره ‪ /‬أن تكون ًا‬
‫أمير أو ر ً‬
‫وكلت إليها‪ /‬وَِكلت من ِ‬
‫اإلتَكال وهو اإلعتماد أي أنك ستعتمد على نفسك ولن يساعدهللا أحد‬
‫أعنت عليها ‪ /‬العون‪ :‬المساعده‬
‫وهناهللا استثناءات‪:‬‬
‫هذا الحديث احتوى على جملتين عظيمتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أن اإلمارة وايرها من الواليات على الخلق‪ ،‬ال ينبغي للعبد أن يسو و ووألها‪ ،‬ويتعرض لها‪ .‬بل يسو و ووأل هللا العافية والسو و ووالمة‪ ،‬فينه ال يدري‪ ،‬هل تكون الوالية خي اًر له أو‬
‫ل اًرف وال يدري‪ ،‬هل يستطيع القياع بها‪ ،‬أع الف‬
‫فيذا سألها وحرص عليها‪ُ ،‬وَِك َل إلى نفسه‪ .‬ومتى ُوَِك َل العبد إلى نفسه لهلل يوفق‪ ،‬ولهلل يسدد في أموره‪ ،‬ولهلل ُي َعن عليها؛ ألن سؤالها ينبئ عن محذورين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الحرص على الدنيا والرئاسة‪ ،‬والحرص يحمل على الريبة في التخوض في مال هللا‪ ،‬والعلو على اباد هللا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬فيه نوع اتكال على النفس‪ ،‬وانقطاع عن االستعانة بالِل‪ .‬ولهذا قال‪" :‬وكلت إليها"‪.‬‬
‫وأما من لهلل يحرص عليها ولهلل يتش وووف لها‪ ،‬بل أتته من اير مس ووألة ورأى من نفس ووه عدع قدرته عليها‪ ،‬فين هللا يعينه عليها‪ ،‬وال يكله إلى نفس ووه؛ ألنه لهلل يتعرض للبالء‪ ،‬ومن‬
‫جاءه البالء بغير اختياره حمل عنه‪ ،‬ووفق للقياع بوظيفته‪ .‬وفي هذه الحال يقوى توكله على هللا تعالى‪ ،‬ومتى قاع العبد بالسبب متوكالً على هللا نجط‪.‬‬
‫‪" :‬أعنوت عليهوا" دل يول على أن اإلموارة وايرهوا من الواليوات الودنيويوة جوامعوة لألمرين‪ ،‬للودين‪ ،‬والودنيوا؛ فوين المقصو و و و و و ووود من الواليوات كلهوا‪ :‬إصو و و و و و ووال دين النواس‬ ‫وفي قولوه ‪‬‬
‫ودنياههلل‪.‬‬
‫ولهذا‪ :‬يتعلق بها األمر والنهي‪ ،‬واإللزاع بالواجبات‪ ،‬والردع عن المحرمات‪ ،‬واإللزاع بأداء الحقوق‪ .‬وكذلك أمور السووياسووة والجهاد‪ ،‬فهي لمن أخلص فيها هلل وقاع بالواجب من‬
‫أفضل الصبادات‪ ،‬ولمن لهلل يكن كذلك من أعظهلل األخطار‪.‬‬
‫ولهذا كانت من فروض الكفايات؛ لتوقا كثير من الواجبات عليها‪.‬‬
‫{اج َعْلِني َعَلى َخ َزِآئ ِن األ َْر ِ‬
‫ض}(‪.)1‬‬ ‫فين قيل‪ :‬كيف طلب يوسا ‪ِ ‬والي َة الخزائن المالية في قوله‪ْ :‬‬
‫قيل‪ :‬الجواب عنه قوله تعالى‪ِ{ :‬إَِني َح ِفيظ َعلِيهلل}(‪ )2‬فهو إنما طلبها لهذه المص و و و و و وولحة التي ال يقوع بها ايره‪ :‬من الحفظ الكامل‪ ،‬والعلهلل بجميع الجهات المتعلقة بهذه الخزائن‪.‬‬
‫من حسون االسوتخراج‪ ،‬وحسون التصوريف‪ ،‬وإقامة العدل الكامل‪ .‬فهو لما رأى الملك اسوتخلصوه لنفسوه وجعله مقدماً عليه‪ ،‬وفي المحل العالي وجب عليه أيضواً النصويحة التامة‪ ،‬للملك‬
‫والراية‪ .‬وهي متعينة في واليته‪.‬‬
‫ولهذا‪ :‬لما تولى خزائن األرض س ووعى في تقوية الزراعة جداً‪ .‬فلهلل يبق موض ووع في الديار المصو ورية من أقص وواها إلى أقص وواها يص وولط للزراعة إال زرع في مدة س ووبع س وونين‪ .‬ثهلل‬
‫حص وونه وحفظه ذلك الحفظ العجيب‪ .‬ثهلل لما جاءت الس وونون الجدب‪ ،‬واض ووطر الناس إلى األرزاق س ووعى في الكيل للناس بالعدل‪ ،‬فمنع التجار من لو وراء الطعاع خوف التض ووييق على‬
‫المحتاجين‪ ،‬وحصل بذلك من المصالط والمنافع ليء ال يعد وال يحصى‪ ،‬كما هو معروف‪.‬‬
‫الجملة الثانية‪ :‬قوله ‪" : ‬وإذا حلفت على يمين‪ ،‬فرأيت ايرها خي اًر منها فائت الذي هو خير‪ ،‬وكفر عن يمينك"‪.‬‬
‫يشمل من حلا على ترهللا واجب‪ ،‬أو ترهللا مسنون؛ فينه يكفر عن يمينه‪ ،‬ويفعل ذلك الواجب والمسنون الذي حلا على تركه‪.‬‬
‫ويشمل من حلا على فعل محرع‪ ،‬أو فعل مكروه فينه يؤمر بترهللا ذلك المحرع والمكروه‪ ،‬ويكفر عن يمينه‪.‬‬
‫فاألقساع األربعة داخلة في قوله ‪" : ‬فائت الذي هو خير" ألن فعل المأمور مطلقاً‪ ،‬وترهللا المنهي مطلقاً‪ :‬من الخير‪.‬‬
‫ص و و و و و ولِ ُحوْا َب ْي َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس}(‪ )1‬أي‪ :‬ال تجعلوا اليمين عذ اًر لكهلل وعرضو و و و و ووة ومانعاً لكهلل من فعل البر‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض و و و و و و ًة َألَْي َمان ُك ْهلل أَن تََب ذروْا َوتَتُقوْا َوتُ ْ‬
‫َّللاَ ُع ْر َ‬
‫{والَ تَ ْج َعُلوْا َ‬
‫وهذا هو معنى قوله تعالى‪َ :‬‬
‫والتقوى‪ ،‬والصلط بين الناس إذا حلفتهلل على ترهللا هذه األمور‪ ،‬بل كفروا أيمانكهلل‪ ،‬وافعلوا البر والتقوى‪ ،‬والصلط بين الناس‪.‬‬
‫خير‬
‫ويؤخذ من هذا الحديث‪ :‬أن حفظ اليمين في اير هذه األمور أولى‪ ،‬لكن إن كانت اليمين على فعل مأمور‪ ،‬أو ترهللا منهي‪ ،‬لهلل يكن له أن يحنث‪ .‬وإن كانت في المبا ‪َ ،‬‬
‫بين األمرين‪ .‬وحفظها أولى‪.‬‬
‫واعلهلل أن َّ‬
‫الكفارة ال تجب إال في اليمين المنعقدة على مسو ووتقبل إذا حلا وحنث‪ .‬وهي على التخيير بين العتق‪ ،‬أو إطعاع عش و ورة مسو وواعين‪ ،‬أو كسو وووتههلل‪ .‬فمن لهلل يجد فصو ووياع‬
‫ثالثة أياع‪.‬‬
‫وأما اليمين على األمور الماضية أو لغو اليمين‪ ،‬كقول اإلنسان‪ :‬ال وهللا‪ ،‬وبلى وهللا في عرض حديثه‪ :‬فال كفارة فيها‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة يوسف – آية ‪. 55‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة يوسف – آية ‪. 55‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 224‬‬
‫حفظ‬ ‫الحديث الثاني والخمسون‬
‫‪:‬‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫"من نذر أن يطيع هللا فليطعه‪ .‬ومن نذر أن يعص هللا فال يعصه"‪.‬‬

‫في هذا الحديث‪ .‬وكما‬ ‫وهذا الحديث لووامل للطاعات كلها‪ .‬فمن نذر طاعة واجبة ومسووتحبة وجب عليه الوفاء بالنذر‪ ،‬وليس عنه كفارة‪ .‬بل يتعين الوفاء‪ ،‬كما أمره النبي ‪‬‬
‫أثنى هللا على الموفين بنذرههلل في قوله‪ُ { :‬يوُفو َن ِب َّ‬
‫الن ْذ ِر}(‪ )1‬مع أن عقد النذر مكروه‪ ،‬كما نهى ‪ ‬عن النذر‪ .‬وقال‪" :‬إنه ال يأتي بخير‪ ،‬وإنما يستخرج به من البخيل"‪.‬‬
‫وأما نذر المعصية‪ ،‬فيتعين على العبد أن يترهللا معصية هللا ولو نذرها‪.‬‬
‫وبقية أقساع النذر‪ ،‬كنذر المعصية‪ ،‬والنذر المبا ‪ ،‬ونذر اللجاج‪ ،‬والغضب‪ ،‬حكمها حكهلل اليمين في الحنث‪ ،‬فيها كفارة يمين لمشاركتها في المعنى لليمين‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫مسائل في النذر‬
‫النذر هو‪ :‬إلزام الشخص نفسه بعبادة هلل غير واجبة عليه سواء كان بسبب أو بغير سبب‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أن يقول‪ :‬هلل علي أن أصوم ثالثة أيام‪ .‬فهنا ألزم نفسه بالصيام‪ ،‬وهو ليس بواجب عليه أصالً‪.‬‬
‫وقد يقول‪ :‬إن نجحتُ في االمتحان هللف علي صوم يومان‪ .‬فمتى ت ّم له مطلوبه وجب عليه الوفاء‪.‬‬
‫حكم النذر‬
‫مكروه‪ ،‬وبعض العلماء يرى تحريمه لما ورد في النهي عنه‪ ،‬فقد " نهى النبي صلى هللا عليه وسلم عن النذر "متفق عليه‪.‬‬
‫ومن نذر فيجب عليه الوفاء إن كان قادراً‪ ،‬وهذا الوفاء مما جاء الثناء عليه‪ ،‬قال تعالى عن عباده الصالحين " يوفون بالنذر "‬
‫صيغ النذر‬
‫ليس له صيغة معينة‪ ،‬ومنها‪ :‬هلل علي‪ ،‬عهد علي‪ ،‬هلل نذر‪.‬‬
‫النذر أنواع‪:‬‬
‫‪-١‬نذر الطاعة‬
‫كأن يقول‪ :‬هلل علي صوم يوم‪ ،‬فيجب الوفاء به وال كفارة عليه لحديث " من نذر أن يطيع هللا فليطعه " رواه البخاري‪.‬‬
‫‪-2‬نذر المعصية‬
‫كأن يقول‪ :‬هلل علي أن أفعل تلك المعصية‪ .‬فيحرم الوفاء به ويكفرعنه كفارة اليمين‪ .‬لحديث " النذر في معصية هللا " رواه مسلم‬
‫س ّميت كفارة اليمين‪ :‬ألنها تكفر الذنب وتمحوه وتستره‪.‬‬
‫ُ‬
‫وكفارة اليمين على التخيير‪ :‬إطعام عشرة مساكين‪ .‬أو كسوتهم‪ .‬أو تحرير رقبة ‪.‬فمن لم يجد فليصم ثالثة أيام‪ ،‬واألفضل أن تكون متتابعة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة اإلنسان – آية ‪. 7‬‬
‫‪-3‬النذر المباح‬
‫كأن يقول‪ :‬هلل علي أن أركب تلك السيارة‪.‬‬
‫فهنا اليجب عليه ذلك‪ ،‬فهو مخير بين فعله وتركه‪ ،‬وإن تركه فعليه كفارة يمين‪ .‬لحديث " كفارة النذر كفارة يمين " رواه مسلم‪.‬‬
‫‪-4‬نذر ماال يملك‬
‫كأن يقول‪ :‬هلل علي أن أتصدق بمال فالن ‪.‬فهنا نذر بما ال يملك‪ ،‬واليجوز الوفاء به‪ ،‬وعليه كفارة يمين‪.‬‬
‫‪-5‬نذر اللجاج والغضب‪.‬‬
‫كأن يقول في وقت غضبه‪ :‬هلل علي أن أفعل كذا ‪.‬فيخير بين فعله وتركه‪ ،‬وبين كفارة اليمين‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا نذر ذبيحة‬
‫وكانت نيته أن يأكل منها ويعزم عليها فيجوز له األكل منها‪.‬‬
‫وأما إن نذر ذبيحة من باب الشكر هلل وكانت نيته التصدق بها‪ ،‬فاليجوز له األكل منها‪ ،‬بل يعطيها للفقراء‪.‬‬
‫الحديث الثالث والخمسون‬
‫‪" :‬المسلمون تتكافأ دماؤههلل‪ ،‬ويسعى بذمتههلل أدناههلل‪ .‬ويرد عليههلل أقصاههلل‪ .‬وههلل َيد‬ ‫عن علي رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه أبو داود والنسائي‪ .‬ورواه ابن ماجه عن ابن اباس‪.‬‬ ‫على من سواههلل‪ .‬أال‪ ،‬ال يقتل مسلهلل بكافر‪ ،‬وال ذو َع ْهد في عهده"‬

‫تتكافأ ‪ /‬تتساوى في مسألة العقوبات‬


‫دماؤههلل ‪ /‬أرواحههلل‬
‫الذمه ‪ /‬أهل الذمة‪ :‬هم من غير ال ُمسلمين (اليهود أو النصارى) الذين تعاقدوا مع المسلمين على إعطاء الجزية في مقابل بقائهم على دينهم وتوفير األمن والحماية لهم‪.‬‬
‫أدناههلل‪ /‬أقلههلل‪ .‬حتى أقلههلل من األبناء والضعفاء يجل أن يلتزع بالعهد‬
‫أقصاههلل ‪ /‬أبعدههلل‬
‫وههلل َيد على من سواههلل ‪ /‬يد واحده متكاتفين ضد أعدائههلل‬

‫‪" :‬وكونوا اباد هللا إخوانا"‪.‬‬ ‫هذا الحديث كالتفصيل لقوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن َما اْل ُم ْؤ ِمُنو َن ِإ ْخَوة}(‪ )1‬وقوله ‪‬‬
‫فعلى المؤمنين‪ :‬أن يكونوا متحابين‪ ،‬متصوافين اير متبااضوين وال متعادين‪ .‬يسوعون جميعاً لمصوالحههلل الكلية التي بها قواع دينههلل ودنياههلل‪ ،‬ال يتكبر لوريف على وضويع‪ ،‬وال‬
‫يحتقر أحد منههلل أحداً‪ .‬فدماؤههلل تتكافأ؛ فينه ال يشو و و ووترل في القصو و و وواص إال المكافأة في الدين‪ .‬فال يقتل المسو و و وولهلل بالكافر‪ ،‬كما في هذا الحديث‪ ،‬والمكافأة في الحرية‪ ،‬فال يقتل الحرب‬
‫بالعبد‪.‬‬
‫وأما بقية األوصواف‪ ،‬فالمسولمون كلههلل على حد سوواء‪ .‬فمن قتل أو قطع طرفاً متعمداً عدواناً‪ ،‬فلههلل أن يقتصووا منه بشورل المماثلة في العضوو‪ ،‬ال فرق بين الصوغير بالكبير‪،‬‬
‫وبالعكس‪ ،‬والذكر واألنثى وبالعكس‪ ،‬والعالهلل بالجاهل‪ ،‬والشريف بالوضيع‪ ،‬والكامل بالناقص كالعكس في هذه األمور‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة احلجرات – آية ‪. 10‬‬
‫َحد َِم َن‬
‫قوله ‪" : ‬ويسو و و و ووعى بذمتههلل أدناههلل" يعني‪ :‬أن ذمة المسو و و و وولمين واحدة‪ .‬فمتى اسو و و و ووتجار الكافر بأحد من المسو و و و وولمين وجب على بقيتههلل تأمينه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬وإِ ْن أ َ‬
‫ْم َن ُه}(‪ )2‬فال فرق في هذا بين إجارة الشريف الرئيس‪ ،‬وبين آحاد الناس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اْلم ْش ِرِكين استجارهللا َفأَ ِجره حتَّى يسمع َكالَع ِ‬
‫َّللا ثُ َّهلل أَْبل ْغ ُه َمأ َ‬
‫ُْ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ََْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وقوله ‪" : ‬ويرد عليههلل أقص وواههلل" أي‪ :‬في التأمين‪ .‬وكذلك ال ووتراهللا الجيوخ مع س وراياه التي تذهب فتُغير أو تحرس‪ ،‬فمتى انهلل الجيش‪ ،‬أو انهلل أحد الس ورايا التابعة للجيش‪،‬‬
‫الترهللا الجميع في المغنهلل‪ .‬وال يختص بها المبالر؛ ألنههلل كلههلل متعاونون على مهمتههلل‪.‬‬
‫وقوله ‪" : ‬وههلل َيد على من سوواههلل" أي‪ :‬يجب على جميع المسوولمين في جميع أنحاء األرض أن يكونوا يداً على أعدائههلل من الكفار‪ ،‬بالقول والفعل‪ ،‬والمسوواعدات والمعاونة‬
‫في األمور الحربية‪ ،‬واألمور االقتصادية‪ ،‬والمدافعة بكل وسيلة‪.‬‬
‫فعلى المسلمين‪ :‬أن يقوموا بهذه الواجبات بحسب استطاعتههلل؛ لينصرههلل هللا ويعزههلل‪ ،‬ويدفع عنههلل بالقياع بواجبات اإليمان عدوان األعداء‪ .‬فنسأله تعالى أن يوفقههلل لذلك‪.‬‬
‫‪" :‬وال ذو عهد في عهده" أي‪ :‬ال يحل قتل من له عهد من الكفار بذمة أو أمان أو هدنة؛ فينه لما قال‪" :‬ال يقتل مس و و و و وولهلل بكافر" احترز بذلك البيان عن تحريهلل قتل‬ ‫وقوله ‪‬‬
‫المعاهد؛ ل ال يظن الظان جوازه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫سورة التوبة – آية ‪. 6‬‬
‫حفظ‬ ‫الحديث الرابع والخمسون‬
‫قال‪:‬‬ ‫عن عمرو بن لعيب عن أبيه عن جده‪ :‬أن رسول هللا ‪‬‬
‫رواه أبو داود والنسائي‪.‬‬ ‫"من تطبَّب ولهلل ُيعلهلل منه ِط ٌّب‪ ،‬فهو ضامن"‬

‫من تطبب ‪ /‬من مارس مهنة الطب وأخذ بعالج ومداواة الناس‬
‫ضامن‪ /‬اصال ما أفسد أو تقاع عليه العقوبه‪.‬‬

‫يدل بلفظه وفحواه على‪ :‬أنه ال يحل ألحد أن يتعاطى ص و ووناعة من الص و ووناعات وهو ال يحس و وونها‪ ،‬سو و وواء كان طباً أو ايره‪ ،‬وأن من تج أر على ذلك‪ :‬فهو آثهلل‪ .‬وما ترتب على عمله من تلا‬
‫هذا الحديث َ‬
‫نفس أو عضوو أو نحوهما‪ :‬فهو ضوامن له‪ .‬وما أخذه من المال في مقابلة تلك الصوناعة التي ال يحسونها‪ :‬فهو مردود على باذله؛ ألنه لهلل يبذله إال بتغريره وإيهامه أنه يحسون‪ ،‬وهو ال يحسون‪ ،‬فيدخل في الغش‪ .‬و‬
‫"من اشنا فليس منا"‪.‬‬
‫نصب نفسه لذلك‪ ،‬موهماً أنه يحسن الصنعة‪ ،‬وهو كاذب‪.‬‬ ‫ومثل هذا َّ‬
‫البناء والنجار والحداد والخراز والنساج ونحوههلل ممن َ‬
‫ومفهوع الحديث‪ :‬أن الطبيب الحاذق ونحوه إذا بال وور ولهلل تجن يده وترتب على ذلك تلا‪ ،‬فليس بض ووامن؛ ألنه مأذون فيه‪ ،‬من المكلا أو وليه‪ .‬فكل ما ترتب على المأذون فيه فهو اير مض وومون‪ ،‬وما‬
‫ترتب على اير ذلك المأذون فيه‪ ،‬فينه مضمون‪.‬‬
‫ويستدل بهذا على‪ :‬أن صناعة الطب من العلوع النافعة المطلوبة لرعاً وعقالً‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الخامس والخمسون‬
‫‪:‬‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫دود عن المسلمين ما استطعتهلل‪ ،‬فين كان له مخرج‪ ،‬فخلوا سبيله‪ .‬فين اإلماع أن يخطئ في العفو‪،‬‬
‫الح َ‬
‫" ْاد َرُءوا ُ‬
‫خير من أن يخطئ في العقوبة" رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً‪.‬‬

‫ادرؤوا ‪ /‬اجتنبوا‬
‫اجتنبوا إيقاع العقوبات على المسلمين قدر ماستطعتهلل‬
‫فخلوا سبيله ‪ /‬اطلقوا سراحه‬
‫الحدود ‪ /‬العقوبات‬
‫اإلماع ‪ /‬القاضي‬
‫الشبهات ‪ /‬األدله‬

‫يدل على أن الحدود تد أر بالش و ووبهات‪ .‬فيذا ال و ووتبه أمر اإلنس و ووان وأل و ووكل علينا حاله‪ ،‬ووقعت االحتماالت‪ :‬هل فعل موجب الحد أع الف وهل هو عالهلل أو جاهلف‬
‫هذا الحديث‪َ :‬‬
‫وهل هو متأول معتقد حَله أع الف وهل له عذر عقد أو اعتقادف‪ :‬درأت عنه العقوبة؛ ألننا لهلل نتحقق موجبها يقيناً‪.‬‬
‫ولو تردد األمر بين األمرين‪ ،‬فالخطأ في درء العقوبة عن فاعل س ووببها‪ ،‬أهون من الخطأ في إيقاع العقوبة على من لهلل يفعل س ووببها‪ ،‬فين رحمة هللا س ووبقت اض ووبه‪ ،‬ولو وريعته‬
‫مبنية على اليسر والسهولة‪.‬‬
‫واألصل في دماء المعصومين وأبدانههلل وأموالههلل التحريهلل‪ ،‬حتى نتحقق ما يبيط لنا ليء من هذا‪*.‬‬
‫وقد ذكر العلماء على هذا األصل في أبواب الحدود أمثلة كثيرة‪ ،‬وأعثرها موافق لهذا الحديث‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أمثلة فيها نظر‪ .‬فين االحتمال الذي يشبه الوههلل والخيال‪ ،‬ال عبرة به‪ .‬والميزان لفظ هذا الحديث‪ .‬فين وجدتهلل له‪ ،‬أو فين كان له مخرج‪ ،‬فخلو سبيله‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث‪ :‬دليل على أصل‪ .‬وهو‪ :‬أنه إذا تعارض مفسدتان تحقيقاً أو احتماالً‪ :‬راعينا المفسدة الكبرى‪ ،‬فدفعناها تخفيفاً للشر‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث السادس والخمسون حفظ‬
‫‪:‬‬ ‫عن علي رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫"ال طاعة في معصية‪ .‬إنما الطاعة في المعروف"‬

‫ورسو ِله صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم‪.‬‬


‫هللا تعالى َ‬ ‫عروف أي‪ :‬في َ‬
‫طاع ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإ َّنما َّ‬
‫الطاعةُ في ال َم‬
‫هذا الحديث‪ :‬قيد في كل من تجب طاعته من الوالة‪ ،‬والوالدين‪ ،‬والزوج‪ ،‬وايرههلل‪ .‬فين الشارع أمر بطاعة هؤالء‪.‬‬
‫رد الناس في كثير مما أمرههلل به إلى العرف والعادة‪ ،‬كالبر والصولة‪ ،‬والعدل واإلحسوان العاع‪ .‬فكذلك طاعة‬
‫وكل منههلل طاعته فيما يناسوب حاله وكلها بالمعروف‪ .‬فين الشوارع َ‬
‫من تجب طاعته‪.‬‬
‫وكلها تقيد بهذا القيد‪ ،‬وأن من أمر منههلل بمعصية هللا بفعل محرع‪ ،‬أو ترهللا واجب‪ :‬فال طاعة لمخلوق في معصية هللا‪ ،‬فيذا أمر أحدههلل بقتل معصوع أو ضربه‪ ،‬أو أخذ ماله‪،‬‬
‫أو بترهللا حا واجب‪ ،‬أو ابادة واجبة‪ ،‬أو بقطيعة من تجب صلته‪ :‬فال طاعة لههلل‪ ،‬وتقدع طاعة هللا على طاعة الخلق‪.‬‬
‫ويفههلل من هذا الحديث‪ ،‬أنه إذا تعارضو و ووت طاعة هؤالء الواجبة‪ ،‬ونافلة من النوافل‪ ،‬فين طاعتههلل تقدع؛ ألن ترهللا النفل ليس بمعصو و ووية‪ ،‬فيذا نهى زوجته عن صو و ووياع النفل‪ ،‬أو‬
‫حا النفل‪ ،‬أو أمر الوالي بأمر من أمور السياسة يستلزع ترهللا مستحب‪ ،‬وجب تقديهلل الواجب‪.‬‬
‫‪" :‬إنما الطاعة في المعروف" كما أنه يتناول ما ذكرنا‪ ،‬فينه يتناول أيضاً تعليق ذلك بالقدرة واالستطاعة‪ ،‬كما تعلق الواجبات بأصل الشرع‪.‬‬ ‫وقوله ‪‬‬
‫وفي الحديث "عليكهلل السمع والطاعة فيما استطعتهلل" وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫يٍ‪،‬‬
‫أربع مئ ِة ُجند ّ‬ ‫ِ‬ ‫يش‪ ،‬فيما ال َيزي ُد عن‬ ‫سريَّةً‪ ،‬وهي أق ُّل ع َددًا ِمن ال َج ِ‬ ‫ث َ‬ ‫ي صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم ب َع َ‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫ضي هللاُ عنه َّ‬ ‫ب َر َ‬ ‫بن أبي طال ٍ‬ ‫ي ُ‬‫عل ُّ‬
‫َيحْ كي َ‬
‫ضبوه في‬ ‫األمير‪ ،‬أو أ ْغ َ‬
‫ُ‬ ‫ب هذا‬‫غض َ‬ ‫أن ِ‬ ‫سفَ ِرهم ْ‬ ‫ث ْأثنا َء َ‬ ‫عتِه‪.‬وح َد َ‬‫زام طا َ‬ ‫أميرا‪ ،‬وأ َم َرهم صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم ْ‬
‫بالتِ ِ‬ ‫صار ً‬ ‫جال ِمنَ األ ْن ِ‬ ‫وعيَّن عليهم َر ً‬
‫ار‪ ،‬ففَعَلوا‪ ،‬ث ُ َّم أ َم َرهم‬ ‫أن َيجْ َمعوا َح َ‬
‫طبًا‪ ،‬ويُش ِعلوا فيه النَّ َ‬ ‫بأن تُطيعوني؟ قالوا‪ :‬بَلى‪ ،‬فأ َم َرهم ْ‬ ‫ي صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم ْ‬ ‫شَيءٍ ‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ألَ َ‬
‫يس أ َم َرك ُم النَّب ُّ‬
‫ضهم‬ ‫عض‪ ،‬وج َع َل بع ُ‬ ‫ضهم إلى بَ ٍ‬ ‫ظ َر بع ُ‬‫أميرهم‪ ،‬ث َّم ن َ‬ ‫هللا عليه وسلَّ َم لهم بطاع ِة ِ‬ ‫ي ِ صلَّى ُ‬ ‫أن يَد ُخلوهاو تَنفي ًذا ِ‬
‫ألمر النَّب ّ‬ ‫صدوا ْ‬ ‫ار‪ ،‬فقَ َ‬‫أن يَ ْد ُخلوا هذه النَّ َ‬
‫ْ‬
‫اآلخرةِو فكيف يُؤ َمرونَ‬ ‫نار ِ‬ ‫ومن ِ‬ ‫ب هللاِ‪ِ ،‬‬‫عذا ِ‬ ‫ار‪ ،‬أي‪ :‬إنَّهم أ ْسلَموا ليَ ِف ُّروا ِمن َ‬ ‫ي ِ صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم ِمنَ النَّ ِ‬ ‫عض‪ ،‬وقالوا‪ :‬فَ َر ْرنا إلى النَّب ّ‬ ‫يُم ِسكُ ب َب ٍ‬
‫فأخ َب َر صلَّى‬ ‫ث‪ْ ،‬‬ ‫ي صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم ما ح َد َ‬ ‫األمير‪ ،‬فبلَ َغ النَّب َّ‬
‫ِ‬ ‫ب هذا‬ ‫ض ُ‬‫س َكنَ غ َ‬ ‫ار‪ ،‬ف َ‬ ‫ت النَّ ُ‬ ‫طفأ ِ‬ ‫بدُخو ِلها في ال ُّد ْنيا؟! فما زالوا على ذلك الحا ِل حتَّى ا ْن َ‬
‫خرجوا منها‬ ‫ومن ث َ َّم ْ‬
‫فلن يَ ُ‬ ‫يوم القيام ِةو أل َّنهم س َيموتونَ بها‪ِ ،‬‬ ‫ألميرهم‪ ،‬ما خ ََرجوا منها إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار الَّتي ْأوقَدوها طاعةً‬ ‫هللاُ عليه وسلَّ َم أنَّهم لو َدخَلوا النَّ َ‬
‫أن طاعةَ األ ُ ِ‬
‫مراء‬ ‫ارت َ َكبوا ما نُهوا عنه ِمن َقت ِل أنفُ ِسهم ُمست َِحلِّينَ لذلك‪ ،‬ظانِّينَ َّ‬ ‫اآلخر ِةو ألنَّه ُم ْ‬ ‫نار ِ‬ ‫لل ُّد ْنيا ثانيةً‪ ،‬أ ِو ال َمعنى‪ :‬لو َدخَلوها ما خ ََرجوا ِمن ِ‬
‫تُبي ُح فِع َل ال َم ْعصي ِة‪،‬‬
‫الحديث السابع والخمسون‬

‫‪:‬‬ ‫عن عبد هللا بن عمرو‪ ،‬وأبي هريرة رضي هللا عنهما قاال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫" إذا حكهلل الحاعهلل‪ ،‬فاجتهد وأصاب‪ ،‬فله أجران‪ .‬وإذا حكهلل‪ ،‬فاجتهد فأخطأ‪ ،‬فله أجر واحد"‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫المراد بالحاعهلل‪ :‬هو الذي عنده من العلهلل ما يؤهله للقضوواء‪ .‬وقد ذكر أهل العلهلل لوورول القاضووي‪ .‬فبعضووههلل بال فيها‪ ،‬وبعضووههلل اقتصوور على العلهلل الذي يصوولط به للفتى‪ .‬وهو‬
‫األولى‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث‪ :‬أن الجاهل لو حكهلل وأصاب الحكهلل‪ :‬فينه ظالهلل آثهلل؛ ألنه ال يحل له اإلقداع على الحكهلل‪ ،‬وهو جاهل‪.‬‬
‫ودل على‪ :‬أنه ال بد للحاعهلل من االجتهاد‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪-1‬اجتهاد في إدخال القض ووية التي وقع فيها التحاعهلل باألحكاع الش ووراية‪ -2.‬واجتهاد في تنفيذ ذلك الحق على القريب والص ووديق وض وودهما‪ ،‬بحيث يكون الناس عنده في هذا‬
‫الباب واحداً‪.‬‬
‫ال يفض و و و و وول أحداً على أحد‪ ،‬وال يميله الهوى‪ ،‬فمتى كان كذلك فهو مأجور على كل حال‪ :‬إن أص و و و و وواب فله أجران‪ .‬وإن أخطأ فله أجر واحد‪ ،‬وخطؤه معفو عنه‪ ،‬ألنه بغير‬
‫استطاعته‪ .‬والعدل كغيره معلق باالستطاعة‪.‬‬
‫والفرق بين الحاعهلل المجتهد‪ ،‬وبين صواحب الهوى‪ :‬أن صواحب الحق قد فعل ما أمر به من حسون القصود واالجتهاد‪ .‬وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قاع عنده عليه دليله‪،‬‬
‫بخالف صاحب الهوى‪ ،‬فينه يتكلهلل بغير علهلل‪ ،‬وبغير قصد للحق‪ .‬قاله ليخ اإلسالع‪.‬‬
‫وفي هذا‪ :‬فضيلة الحاعهلل الذي على هذا الوصا‪ ،‬وأنه يغنهلل األجر والثواب في كل قضية يحكهلل بها‪.‬‬
‫ولهذا‪ :‬كان القضاء من أعظهلل فروض الكفايات؛ ألن الحقوق بين الخلق كلها مضطرة للقاضي عند التنازع أو االلتباه‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬أنه يجاهد نفسه على تحقيق هذا االجتهاد الذي تب أر به ذمته‪ ،‬وينال به الخير‪ ،‬واألجر العظيهلل‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثامن والخمسون‬
‫عن ابن اباس رضي هللا عنهما قال‪:‬‬
‫دماء قوع وأموالههلل‪ .‬ولكن اليمين على المدعى عليه"‬ ‫َّ‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬
‫الناس َبد ْعواههلل الدعى رجال َ‬
‫‪" :‬لو ُيعطى ُ‬ ‫قال رسول هللا ‪‬‬
‫المدعي‪ ،‬واليمين على من أنكر"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وفي لفظ عند البيهقي‪" :‬البينة على َ‬
‫ًّ‬
‫المدعي ‪ /‬هو الذي يوقع التهمته‬
‫الدماء ‪ /‬األنفس أو األروا‬
‫البينه ‪ /‬الدليل‬
‫َ‬
‫المدعى عليه)‬
‫َ‬ ‫(‬ ‫ومحمد‬ ‫أحمد(المدعي)‬
‫َ‬
‫هذا الحديث عظيهلل القدر‪ .‬وهو أص وول كبير من أص ووول القض ووايا واألحكاع؛ فين القض وواء بين الناس إنما يكون عند التنازع‪ :‬هذا َيدعي على هذا حقاً من الحقوق‪ ،‬فينكره‪ ،‬وهذا‬
‫يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتاً عليه‪.‬‬
‫أصالً يفض نزاعههلل‪ ،‬ويتضط به المحق من المبطل‪.‬‬ ‫فبين ‪‬‬
‫فمن ادعى عيناً من األايان‪ ،‬أو ديناً‪ ،‬أو حقاً من الحقوق وتوابعها على ايره‪ ،‬وأنكره ذلك الغير‪ :‬فاألصل مع المنكر‪.‬‬
‫وحكهلل له به وإن لهلل يأت ببينة‪ :‬فليس له على اآلخر إال اليمين‪.‬‬
‫فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق‪ :‬ثبت له‪ُ ،‬‬
‫وكذلك من ادعى براءته من الحق الذي عليه‪ ،‬وأنكر صو و و و وواحب الحق ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إنه باق في ذمته‪ ،‬فين لهلل يأت مدعي الوفاء والبراءة ببينة‪ ،‬وإال حكهلل ببقاء الحق في ذمته؛‬
‫ألنه األصل‪ .‬ولكن على صاحب الحق اليمين ببقائه‪.‬‬
‫وكذلك دعوى العيوب‪ ،‬والشرول‪ ،‬واآلجال‪ ،‬والوثائق‪ :‬كلها من هذا الباب‪.‬‬
‫فعلهلل أن هذا الحديث تضطر إليه القضاة في مسائل القضاء كلها؛ ألن البينة اسهلل للمبين الحق‪ .‬وهي تتفاوت بتفاوت الحقوق‪ .‬وقد فصلها أهل العلهلل رحمههلل هللا‪.‬‬
‫في هذا الحديث الحكهلل‪ ،‬وبين الحكمة في هذه الش و وريعة الكلية‪ ،‬وأنها عين ص و ووال الصباد في دينههلل ودنياههلل‪ ،‬وأنه لو يعطى الناس بدعواههلل لكثر الش و وور والفس و وواد‪،‬‬ ‫وقد بين ‪‬‬
‫الدعى رجال دماء قوع وأموالههلل‪.‬‬
‫وَ‬
‫فعلهلل أن لوريعة اإلسوالع بها صوال البشور‪ .‬وإذا أردت أن تعرف ذلك‪ ،‬فقابل بين كل لوريعة من لورائعه الكلية وبين ضودها‪ ،‬تجد الفرق العظيهلل‪ ،‬وتشوهد أن الذي لورعها حكيهلل‬
‫عليهلل‪ ،‬رحيهلل بالصباد؛ اللتمالها على الحكمة والعدل‪ ،‬والرحمة‪ ،‬ونصر المظلوع‪ ،‬وردع الظالهلل‪.‬‬
‫وقد قال بعض المحققين‪ :‬إن الشريعة جعلت اليمين في أقوى جنبتي المدعين‪ .‬ومن تتبع ذلك عرفه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث التاسع والخمسون‬
‫حداً‪ ،‬وال ذي امر على أخيه‪ ،‬وال ظنين في والء وال قرابة‪ ،‬وال‬
‫"ال تجوز لهادة خائن وال خائنة‪ ،‬وال مجلود َ‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها – مرفوعاً –‬
‫القانع من أهل البيت" رواه الترمذي‪.‬‬

‫وهي الخبر الصادق إلثبات أو نفي حق م ّعين لطرف من األطراف‪ ،‬وتكون في المحكمة أمام القاضي‪ ،‬وصيغتها‪" :‬أشهد"‪ ،‬وال يجزئ قول غيرها من الصيغ مثل‬
‫"شهدتُ "‬
‫هذا حديث مشتمل على األمور القادحة في الشهادة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬أن هللا أمر بيلهاد العدول المرضيين‪.‬‬
‫وأهل العلهلل الترطوا في الشاهد في الحقوق بين الناس‪ :‬أن يكون عدالً ظاه اًر‪ .‬وذكروا صفات العدالة‪.‬‬
‫ضو ْو َن ِم َن ال ذشو َه َداء}(‪ )1‬فقال‪ :‬كل مرضوى عند الناس يطم نون لقوله ولوهادته‪ .‬فهو مقبول‪ .‬وهذا أحسون الحدود‪ .‬وال يسوع‬ ‫ِ‬
‫وح َّدها بعضوههلل بحد مأخوذ من قوله تعالى‪{ :‬م َّمن تَ ْر َ‬
‫َ‬
‫الناس العمل بغيره‪.‬‬
‫واأللياء التي تقد في الشهادة ترجع إلى التهمة أو إلى مظنتها‪.‬‬
‫فينه لخيانته‬ ‫فمن الناس من ال تقبل لو و و ووهادته مطلقاً على جميع األمور التي تعتبر فيها الشو و و ووهادة‪ ،‬كالخائن والخائنة‪ ،‬والذي أتى حداً – أي‪ :‬معصو و و ووية كبيرة لهلل يتب منها –‬
‫وفسقه مفقود العدالة‪ ،‬فال تقبل لهادته‪.‬‬
‫ومن الناس نهلل هو موص و وووف بالعدالة‪ ،‬لكن فيه وص و ووا يخش و ووى أن يميل معه‪ ،‬فيش و ووهد بخالف الحق وذلك كاألص و ووول والفروع‪ ،‬والمولى والقانع ألهل البيت‪ .‬فهؤالء ال تقبل‬
‫لهادتههلل للمذكورين؛ ألنه محل التهمة‪ .‬وتقبل عليههلل‪.‬‬
‫ومثل ذلك الزوجان‪ ،‬والسيد مع مكاتبه أو عتيقه‪.‬‬
‫على أخيه فهذا إن ل و ووهد له‪ ،‬قبلت ل و ووهادته‪ .‬وإن ل و ووهد على عدوه‪ :‬لهلل تقبل؛ ألن العداوة تحمل‬ ‫كالع ُدَو الذي في قلبه امر – أي‪ِ :‬ا ٌّل –‬
‫ومن الناس من هو بعكس هؤالء‪َ ،‬‬
‫االباً على اإلضرار بالعدو وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 282‬‬
‫الحديث الستون‬
‫عن رافع بن خديا رضي هللا عنه قال "قلت يا رسول هللا‪َّ ،‬إنا الَُقوا َّ‬
‫العدو ادا‪ ،‬وليس معنا ُم َدى‪ .‬أفنذبط بالقصبف قال‪ :‬ما أنهر الدع‪ ،‬وُذعر اسهلل هللا‬
‫فمدى الحبشة‪ .‬وأصبنا نهب إبل وانهلل َفنَّد منها بعير‪ ،‬فرماه رجل بسههلل فحبسه‪.‬‬ ‫السن و َّ‬
‫الظْف َر‪ ،‬وسأحدثك عنه أما ذ‬ ‫فك ْل‪ ،‬ليس َّ‬
‫السن فعظهلل‪ .‬وأما الظفر َ‬ ‫عليه ُ‬
‫ُمَدى أسلحه من سكاعين او سيوف‬ ‫متفق عليه‪.‬‬ ‫فقال رسول هللا ‪ :‬إن لهذه َأواِب َد كأوابد الوحش‪ ،‬فيذا البكهلل منها ليء فافعلوا به هكذا"‪.‬‬
‫القصب نوع من أنواع النباتات‬
‫نَّد هرب‬
‫أوابد تصرفات أو أفعال‬ ‫من حديد‪ ،‬أو نحاس‬ ‫قوله ‪" : ‬ما أنهر الدع – إلى آخره" كالع جامع يدخل فيه جميع ما ي ْن ِهر الدع – أي‪ِ :‬‬
‫يسفكه –‬ ‫ُ‬
‫أو صفر‪ ،‬أو قصب‪ ،‬أو خشب‪ ،‬أو حطب‪ ،‬أو حصى محدد‪ ،‬أو ايرها‪ ،‬وما له نفوذ كالرصاص في البارود؛ ألنه ينهر بنفوذه‪ ،‬ال بثقله‪.‬‬
‫ودخل في ذلك‪ :‬ما صيد بالسهاع‪ ،‬والكالع المعلمة‪ ،‬والطيور إذا ذكر اسهلل هللا على جميع ذلك‪.‬‬
‫كان أولى‪.‬‬ ‫الود َجين – وهما العرقان المكتنفان الحلقوع –‬
‫وأما محل الذبط‪ :‬فينه الحلقوع والمريء‪ .‬إذا قطعهما كفى‪ .‬فين حصل معهما قطع َ‬
‫وأما الصيد‪ :‬فيكفي جرحه في أي موضع كان من بدنه؛ للحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫كفى‪ ،‬كما أن الص وويد إذا ُقدر عليه –‬ ‫ومثل ذلك إذا َّند البعير أو البقرة أو الش وواة وعجز عن إدراعه‪ :‬فينه يكون بمنزلة الص وويد‪ ،‬كما في الحديث‪ .‬ففي أي محل من بدنه ُجر‬
‫فال بد من ذكاته‪.‬‬ ‫وهو حي –‬
‫فالحكهلل يدور مع علته‪ ،‬المعجوز عنه بمنزلة الصيد‪ ،‬ولو من الحيوانات اإلنسية‪ .‬والمقدور عليه ال بد من ذبحه‪ ،‬ولو من الحيوانات الوحشية‪.‬‬
‫ال يحل الذبط بها‪.‬‬ ‫فدل على أن جميع العظاع – وإن أنهرت الدع –‬
‫واستثنى النبي ‪ ‬من ذلك السن‪ ،‬وعلله بأنه عظهلل‪َ .‬‬
‫وقيل‪ :‬إن العلة مجموع األمرين‪ :‬كونه سنا‪ ،‬وكونه عظما‪ .‬فيختص بالسن‪ .‬والصحيط األول‪.‬‬
‫وكذلك الظفر ال يحل الذبط بها‪ ،‬ال طير وال ايره‪.‬‬
‫فالحاصل‪ :‬أن لرول الذبط‪ :‬إنهار الدع في محل الذبط‪ ،‬مع كون الذابط مسلماً‪ ،‬أو كتابياً‪ ،‬وأن يذكر اسهلل هللا عليها‪.‬‬
‫وأما الص وويد‪ :‬فهو أوس ووع من الذبط‪ .‬كما تقدع أنه في أي موض ووع يكون من بدن الص وويد‪ ،‬وأنه يبا ص وويد الجوار من الطيور والكالب إذا كانت ُم َعَّلمة‪ ،‬وُذعر اس ووهلل هللا عليها‬
‫عند إرسالها على الصيد‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الحادي والستون‬
‫فأح ِسنوا القتلة وإذا ذبحتهلل فأحسنوا الذبحة‪.‬‬
‫قال‪" :‬إن هللا كتب اإلحسان على كل ليء‪ .‬فيذا قتلتهلل ْ‬ ‫لداد بن ْأوس رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا ‪‬‬
‫عن َ‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫وليحد أحدكهلل لفرته وْل ُي ِر ْ ذبيحته"‬
‫َ‬
‫عتب ‪ /‬أوجب‬
‫اإلحسان‪ /‬إتقان العمل (فعله بالشكل الصحيط) والرحمة‬
‫القتل ‪ /‬القصاص‬
‫لفرته ‪ /‬السكين‬
‫اإلحسووان نوعان‪ :‬إحسووان في ابادة الخالق‪ ،‬بأن يعبد هللا كأنه يراه فين لهلل يكن يراه فين هللا يراه‪ .‬وهو الجد في القياع بحقوق هللا على وجه النصووط‪ ،‬والتكميل لها‪ .‬وإحسووان في‬
‫حقوق الخلق‪.‬‬
‫وأص و وول اإلحس و ووان الواجب‪ ،‬أن تقوع بحقوقههلل الواجبة‪ ،‬كالقياع ببر الوالدين‪ ،‬وص و وولة األرحاع‪ ،‬واإلنص و وواف في جميع المعامالت‪ ،‬بيعطاء جميع ما عليك من الحقوق‪ ،‬كما أنك‬
‫نب واب ِن ال َّسوِب ِ‬ ‫ار اْلج ُن ِب وال َّ ِ ِ‬ ‫ين واْلج ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫يل َو َما‬ ‫الج ِ َ ْ‬ ‫صواحب ِب َ‬ ‫ار ذي اْلُق ْرَبى َواْل َج ِ ُ َ‬ ‫امى َواْل َم َسواع ِ َ َ‬
‫َّللاَ َوالَ تُ ْشو ِرُكوْا به َلو ْي ًا َوبِاْل َوال َد ْي ِن إ ْح َسو ًانا َوبِذي اْلُق ْرَبى َواْل َيتَ َ‬
‫اع ُب ُدوْا َ‬
‫تأخذ مالك وافياً‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و ْ‬
‫َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُك ْهلل}(‪ )1‬فأمر باإلحسان إلى جميع هؤالء‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك اإلحسان إلى جميع نوع اإلنسان‪ ،‬واإلحسان إلى البهائهلل‪ ،‬حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها‪ ،‬ولهذا قال ‪" : ‬فيذا قتلتهلل فأحسنوا ِ‬
‫الق ْتلة"‪.‬‬
‫فمن استحق القتل لموجب قتل يضرب عنقه بالسيف‪ ،‬من دون تعزير وال تمثيل‪.‬‬
‫ولي ِح َّد أحدكهلل َلو و وفرته" أي‪ :‬سو و ووكينه‪" :‬ولير ذبيحته" فيذا كان العبد مأمو اًر باإلحسو و ووان إلى من‬
‫وقوله ‪" : ‬إذا ذبحتهلل فأحسو و وونوا الذبحة" أي‪ :‬هي ة الذبط وصو و ووفته‪ .‬ولهذا قال‪ُ " :‬‬
‫استحق القتل من اآلدميين‪ ،‬وبيحسان ذبحة ما يراد ذبحه من الحيوان‪ .‬فكيف بغير هذه الحالةف‬
‫واعلهلل أن اإلحسان المأمور به نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬واجب‪ ،‬وهو اإلنصاف‪ ،‬والقياع بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجه عليك من الحقوق‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إحس و و ووان مس و و ووتحب‪ .‬وهو ما زاد على ذلك من بذل نفع بدني‪ ،‬أو مالي‪ ،‬أو علمي‪ ،‬أو توجيه لخير ديني‪ ،‬أو مص و و وولحة دنيوية‪ ،‬فكل معروف ص و و وودقة‪ ،‬وكل ما أدخل‬
‫السرور على الخلق صدقة وإحسان‪ .‬وكل ما أزال عنههلل ما يكرهون‪ .‬ودفع عنههلل ما ال يرتضون من قليل أو كثير‪ ،‬فهو صدقة وإحسان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 36‬‬
‫‪" :‬إن لنا في البهائهلل أج اًر قال‪ :‬في كل‬ ‫البغي التي سووقت الكلب الشووديد العطش بخفيها من الب ر‪ ،‬وأن هللا لووكر لها وافر لها‪ .‬قالوا لرسووول هللا ‪‬‬ ‫ولما ذكر النبي ‪ ‬قصووة‬
‫َ‬
‫عبد َح َّرى أجر"‪.‬‬
‫فاإلحسوان هو بذل جميع المنافع من أي نوع كان‪ ،‬ألي مخلوق يكون‪ ،‬ولكنه يتفاوت بتفاوت المح َسون إليههلل‪ ،‬وحقههلل ومقامههلل‪ ،‬وبحسوب اإلحسوان‪ ،‬وعظهلل موقعه‪ ،‬وعظيهلل نفعه‪،‬‬
‫وبحسب إيمان المحسن وإخالصه‪ ،‬والسبب الداعي له إلى ذلك‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫ين‬ ‫َح َس و و ُن َفِي َذا الذي َب ْي َن َك َوَب ْي َن ُه َع َد َاوة َكأََّن ُه َولِ ٌّي َحميهلل ‪َ ،‬و َما ُيَلَّق َ‬
‫اها ِإال الذ َ‬ ‫أج َل أنواع اإلحسو ووان‪ :‬اإلحسو ووان إلى من أسو وواء إليك بقول أو فعل‪ .‬قال تعالى‪ْ { :‬ادَف ْع ِبالتي ه َي أ ْ‬ ‫َ‬
‫( ‪)1‬‬
‫ظ َع ِظي ٍهلل}‬
‫اها ِإال ُذو َح ٍَ‬
‫ص َب ُروا َو َما ُيَلَّق َ‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫َّللا َق ِريب َم َن اْل ُم ْحسون َ‬ ‫َح َسو ُنوْا في َهذه ال ذد ْن َيا َح َسو َنة} ‪ِ{ ،‬إ َّن َر ْح َم َت َ‬ ‫َح َسو ُنوْا اْل ُح ْسو َنى َوِزَي َادة} ‪َ{ ،‬للذ َ‬ ‫ان ِإال ِ‬ ‫{ َه ْل َج َزاء ِ‬
‫اإل ْح َسو ِ‬
‫( ‪)5‬‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫)‬ ‫(‬
‫ين} أي‪ :‬المحسوونين في‬ ‫‪4‬‬
‫ين أ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ين أ ْ‬
‫ان} ‪َ{ ،‬للذ َ‬
‫‪2‬‬
‫اإل ْح َسو ُ‬
‫ابادة هللا‪ ،‬المحسنين إلى اباد هللا‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫أي‪ :‬اجعلوا للفضو و وول واإلحسو و ووان‬ ‫ضو و و َل َب ْي َن ُك ْهلل}‬
‫{والَ تَن َسو و و ُوْا اْلَف ْ‬
‫وهللا تعالى يوجب على اباده العدل من اإلحسو و ووان‪ ،‬ويندبههلل إلى زيادة الفضو و وول منه‪ .‬وقال تعالى في المعاملة‪َ :‬‬
‫موض ووعاً من معامالتكهلل‪ .‬وال تس ووتقصو ووا في جميع الحقوق‪ ،‬بل َي َِسو وروا وال تعس ووروا‪ ،‬وتس ووامحوا في البيع والشو وراء‪ ،‬والقض وواء واالقتض وواء‪ .‬ومن ألزع نفس ووه هذا المعروف‪ ،‬نال خي اًر كثي اًر‪،‬‬
‫وإحساناً كبي اًر‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة فصلت – اآليتان ‪.35 ، 34‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الرمحن – آية ‪. 60‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة يونس – آية ‪. 26‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سورة الزمر – آية ‪. 10‬‬
‫(‪)5‬‬
‫سورة األعراف – آية ‪. 56‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 237‬‬
‫الحديث الثاني والستون‬
‫وكل ذي مخلب‬
‫وكل ذي ناب من السباع‪َّ ،‬‬
‫حوع البغال‪َّ ،‬‬
‫حرع رسول هللا ‪ ‬يوع خيبر الحمر اإلنسية‪ ،‬ولُ َ‬
‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما قال‪َ " :‬‬
‫من الطير" رواه الترمذي‪.‬‬

‫الحل؛ فين هللا أحل لصباده ما أخرجته األرض من حبوب وثمار ونبات متنوع‪ ،‬وأحل لحهلل حيوانات البحر كلها‪ :‬حيها وميتها‪.‬‬
‫األصل في جميع األطعمة َ‬
‫وأما حيوانات البر‪ :‬فأبا منها جميع الطيبات‪ ،‬كاألنعاع الثمانية وايرها‪ ،‬والصيود الوحشية من طيور وايرها‪.‬‬
‫وإنما حرع من هذا النوع الخبائث‪ ،‬وجعل لذلك حداً وفاصالً‪ .‬وربما عين بعض المحرمات‪ ،‬كما عين في هذا الحديث الحمر األهلية‪ ،‬والبغال وحرمها‪ .‬وقال‪" :‬إنها ِر ْجس"‪.‬‬
‫وأما الحمر الوحشووية‪ :‬فينه حالل‪ ،‬وكذلك حرع ذوات األنياب من السووباع‪ ،‬كالذئب والسوود والنمر والثعلب والكلب ونحوها‪ ،‬وكل ذي مخلب من الطير يصوويد بمخلبه‪ ،‬كالصووقر‬
‫صو و ورد‪ ،‬أو أمر بقتله كالغراب ونحوها‪ :‬فينها محرمة‪ .‬وما كان خبيثاً‪ ،‬كالحيات والعقارب والف ران وأنواع الحشو و ورات وكذلك ما مات حتا أنفه‬
‫والبال و ووق ونحوهما‪ .‬وما نهى عن قتله كال ذ‬
‫من الحيوانات المباحة‪ ،‬أو ذ َِكي ذكاة اير لراية‪ :‬فينه محرع‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثالث والستون‬
‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪ :‬لعن هللا المتشبهين من الرجال بالنساء‪ ،‬والمتشبهات من النساء بالرجال"‬ ‫عن ابن اباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫التشبه ‪ /‬التقليد أو يفعل مثلههلل في األمور الخاصة‪.‬‬

‫األصوول في جميع األمور العادية اإلباحة‪ ،‬فال يحرع منها إال ما حرمه هللا ورسوووله‪ ،‬إما لذاته كالمغصوووب‪ ،‬وما خبث مكسووبه في حق الرجال والنسوواء‪ .‬وإما لتخصوويص الحل‬
‫بأحد الصنفين‪ ،‬كما أبا الشارع لباس الذهب والفضة والحرير للنساء‪ ،‬وحرمه على الرجال‪.‬‬
‫وأما تحريهلل الشارع تشبذه الرجال بالنساء‪ ،‬والنساء بالرجال‪ ،‬فهو عاع في اللباس‪ ،‬والكالع‪ ،‬وجميع األحوال‪.‬‬
‫فاألمور ثالثة أقساع‪:‬‬
‫قسهلل مشترهللا بين الرجال والنساء من أصناف اللباس وايره‪ ،‬فهذا جائز للنوعين؛ ألن األصل اإلباحة‪ .‬وال تشبه فيه‪.‬‬
‫وقسهلل مختص بالرجال‪ ،‬فال يحل للنساء‪ .‬وقسهلل مختص بالنساء‪ ،‬فال يحل للرجال‪.‬‬
‫ومن الحكمة في النهي عن التشووبه‪ :‬أن هللا تعالى جعل للرجال على النسوواء درجة‪ ،‬وجعلههلل َقَوامين على النسوواء‪ ،‬وميزههلل بأمور َق َدرية‪ ،‬وأمور لووراية فقياع هذا التمييز وثبوت‬
‫فضيلة الرجال على النساء‪ ،‬مقصود لرعاً وعقالً‪ .‬فتشبذه الرجال بالنساء يهبط بههلل عن هذه الدرجة الرفيعة‪ .‬وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز‪.‬‬
‫وأيضو واً‪ ،‬فتشو وبه الرجال بالنسو وواء بالكالع واللباس ونحو ذلك‪ :‬من أسو ووباب التخنث‪ ،‬وسو ووقول األخالق‪ ،‬ورغبة المتشو ووبه بالنسو وواء في االختالل بهن‪ ،‬الذي يخشو ووى منه المحذور‪.‬‬
‫وكذلك بالعكس‪.‬‬
‫وهذه المعاني الشراية‪ ،‬وحفظ مراتب الرجال ومراتب النساء‪ ،‬وتنزيل كل منههلل منزلته التي أنزله هللا بها‪ ،‬مستحسن عقالً‪ ،‬كما أنه مستحسن لرعاً‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف ضو وورر التشو ووبه التاع‪ ،‬وعدع اعتبار المنازل‪ ،‬فانظر في هذا العصو وور إلى االختالل السو وواقط الذي ذهبت معه الغيرة الدينية‪ ،‬والمروءة اإلنسو ووانية‪ ،‬واألخالق‬
‫وح َّل محله ضد ذلك من كل خلق رذيل‪.‬‬ ‫الحميدة‪َ ،‬‬
‫قال‪" :‬من تشووبه بقوع فهو منههلل" فين التشووبه الظاهر يدعو إلى التشووبه الباطن‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ويشووبه هذا – أو هو ألوود منه – تشووبه المسوولمين بالكفار في أمورههلل المختصووة بههلل‪ .‬فينه‬
‫الوسائل والذرائع إلى الشرور قصد الشارع َح ْسمها من كل وجه‪.‬‬
‫و ُ‬
‫الحديث الرابع والستون "حفظ"‬
‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫لفاء"‬
‫اء إال أنزل له ً‬
‫‪" :‬ما أنزل هللا َد ً‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫معاني الكلمات‬
‫التقدير‬ ‫اإلنزال‬
‫المرض‬ ‫داء‬
‫العالج‬ ‫لفاء‬

‫العالج بالطب النبوي ثالثة أنواع‪:‬‬


‫‪-1‬األدوية النبوية الطبيصية ويشمل العالج بالعسل وأبوال اإلبل وألبانها وإخراج الدع والعالج بالكي وبالحجامة والشبرع السنوت والحناء والتمر مثل "تمر العجوة" والتلبينة‪.‬‬
‫‪-2‬األدوية اإللهية وتشمل عالج العين والسحر وايرهما بالتعوذات والرقى واالاتسال‪.‬‬
‫‪-3‬عالهما‬
‫ففي هذا الحديث‪ :‬إثبات القضاء والقدر‪ .‬وإثبات األسباب‪.‬‬
‫وقد تقدع أن هذا األصول العظيهلل ثابت بالكتاب والسونة‪ .‬ويؤيده العقل والفطرة‪ .‬فالمنافع الدينية والدنيوية والمضوار كلها بقضواء هللا وتقديره‪ .‬قد أحال بها علماً‪ .‬وجرى بها قلمه‪.‬‬
‫فكل ُم َي َّس ور لما خلق له‪ :‬من مص ووالط الدين والدنيا‪ ،‬ومض ووارهما‪ .‬والس ووعيد من َي َّس وره هللا أليس وور‬
‫الصباد لفعل األس ووباب التي توص وولههلل إلى المنافع والمض ووار‪ٌّ .‬‬
‫َ‬ ‫وي َّس ور‬
‫ونفذت بها مش ووي ته‪َ .‬‬
‫األمور‪ ،‬وأقربها إلى رضوان هللا‪ ،‬وأصلحها لدينه ودنياه‪ .‬والشقي من انعكس عليه األمر‪.‬‬
‫َ‬
‫وعموع هذا الحديث يقتضي‪ :‬أن جميع األمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها‪ ،‬تدفع ما لهلل ينزل‪ ،‬وترفع ما نزل بالكلية‪ ،‬أو تخففه‪.‬‬
‫وفي هذا‪ :‬الترايب في تعلهلل طب األبدان‪ ،‬كما يتعلهلل طب القلوب‪ ،‬وأن ذلك من جملة األسو و ووباب النافعة‪ .‬وجميع أصو و ووول الطب وتفاصو و وويله‪ ،‬لو و وور لهذا الحديث‪ .‬ألن الشو و ووارع‬
‫أخبرنا أن جميع األدواء لها أدوية‪ .‬فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها‪ ،‬وبعد ذلك إلى العمل بها وتنفيذها‪.‬‬
‫وقد كان يظن كثير من الناس أن بعض األمراض ليس له دواء‪ ،‬كالسول ونحوه‪ .‬وعندما ارتقى علهلل الطب‪ ،‬ووصول الناس إلى ما وصولوا إليه من علمه‪ ،‬عرف الناس مصوداق‬
‫هذا الحديث‪ ،‬وأنه على عمومه‪.‬‬
‫وأصووول الطب‪ :‬تدبير الغذاء‪ ،‬بأن ال يأعل حتى تصوودق الشووهوة وينهضووهلل الطعاع السووابق انهضوواماً تاماً‪ ،‬ويتحرى األنفع من األاذية‪ ،‬وذلك بحسووب حالة األقطار واأللووخاص‬
‫( ‪)1‬‬
‫ال َرُبوْا َوالَ تُ ْس ِرُفوْا}‬
‫وكُلوْا َو ْ‬
‫واألحوال‪ .‬وال يمتلئ من الطعاع امتالء يضره مزاولته‪ ،‬والسعي في تهضيمه‪ ،‬بل الميزان قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫الح ْمية عن جميع المؤذيات في مقدارها‪ ،‬أو في ذاتها‪ ،‬أو في وقتها‪ .‬ثهلل إن أمكن االس ووتفراغ‪ ،‬وحص وول به المقص ووود‪ ،‬من دون مبالو ورة األدوية‪ :‬فهو األولى واألنفع‪.‬‬ ‫ويس ووتعمل ِ‬
‫فين اضطر إلى الدواء‪ :‬استعمله بمقدار‪ .‬وينبغي أال يتولى ذلك إال عارف وطبيب حاذق‪.‬‬
‫واعلهلل أن طيب الهواء‪ ،‬ونظافة البدن والثياب‪ ،‬والبعد عن الروائط الخبيثة‪ ،‬خير عون على الص ووحة‪ .‬وكذلك الرياض ووة المتوس ووطة‪ .‬فينها تقوي األعض وواء واألعص وواب واألوتار‪،‬‬
‫وتزيل الفضالت‪ ،‬وتهضهلل األاذية الثقيلة‪ ،‬وتفاصيل الطب معروفة عند األطباء‪ .‬ولكن هذه األصول التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد‪.‬‬
‫وط عنه ‪" ‬الشوفاء في ثالث‪َ :‬لو ْرطة ِم ْح َجهلل‪ ،‬أو لوربة عسول‪ ،‬أو َكيَّة بنار‪ ،‬وفي الحبة السووداء لوفاء من كل داء"‪" .‬العود الهندي فيه سوبعة أ ْلو ِفية"‪"ُ .‬ي َسو َّعط من العذرة‪،‬‬
‫وص َ‬
‫الح َّمة والنملة"‪" ،‬وإذا اسو ووتُغ ِسو ولتهلل من العين فااسو وولوا"‪" ،‬ونهى عن الدواء الخبيث"‪" ،‬وأمر‬ ‫ويَل ذد من ذات الجنب"‪" ،‬الحمى من فيط جهنهلل‪ ،‬فأبردوها بالماء"‪" ،‬رخص في ذ‬
‫الريية من العين و ُ‬ ‫ُ‬
‫بخضاب الرجلين لوجعهما"‪.‬‬
‫مقدر من هللا عزوجل‬
‫‪-1‬مرض اإلنسان ولفاءه أمر َ‬
‫‪-2‬اإليمان والرضاء بالقضاء والقدر مع فعل األسباب‬
‫‪-3‬الترايب في تعلهلل طب األبدان وأسباب التداوي‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة األعراف – آية ‪. 31‬‬
‫الحديث الخامس والستون‬
‫ِ‬
‫حدث به إال من‬
‫أحدعهلل ما يحب فال ُي َ‬
‫الحْلهلل من الشيطان‪ .‬فيذا رأى ُ‬ ‫و ُ‬ ‫‪" :‬الرؤيا الصالحة من هللا‪.‬‬ ‫عن أبي قتادة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫ِ‬
‫حدث بها أحداً‪ ،‬فينها لن تضره" متفق عليه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫فليتعوذ بالِل من لرها ومن لر الشيطان‪ .‬وْلَي ْتُف ْل‬
‫َّ‬ ‫يحب‪ .‬وإذا رأى ما يكره‬

‫في هذا الحديث‪ :‬أن الرؤيا الصوالحة من هللا‪ ،‬أي‪ :‬السوالمة من تخليط الشويطان وتشوويشوه‪ .‬وذلك ألن اإلنسوان إذا ناع خرجت روحه‪ .‬وحصول لها بعض التجرد الذي‬ ‫أخبر ‪‬‬
‫تتهيأ به لكثير من العلوع والمعارف‪ .‬وتلطفت مع ما يلهمها هللا‪ ،‬ويلقيه إليها الملك في منامها‪ .‬فتتنبه وقد تجلت لها أمور كانت قبل ذلك مجهولة‪ ،‬أو ذكرت أمو اًر قد افلت عنها‪ ،‬أو‬
‫تنبهت ألحوال ينفعها معرفتها‪ ،‬أو العمل بها‪ ،‬أو َح ِذ َر ْت مض و ووار دينية أو دنيوية لهلل تكن لها على بال‪ ،‬أو اتعظت ورابت ورهبت عن أعمال قد تلبس و ووت بها‪ ،‬أو هي بص و وودد ذلك‪ ،‬أو‬
‫انتبهت لبعض األايان الجزئية إلدخالها في األحكاع الشراية‪.‬‬
‫فكل هذه األمور عالمة على الرؤيا الصالحة‪ ،‬التي هي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‪ .‬وما كان من النبوة فهو ال يكذب‪.‬‬
‫ير َّلَف ِشْلتُهلل وَلتَن َازعتُهلل ِفي األَم ِر وَل و و و و و ِوك َّن َّللا سَّلهلل ِإَّنه علِيهلل ِب َذ ِ‬
‫اع ُه ْهلل َكِث ًا‬ ‫يكههلل َّللا ِفي من ِ‬
‫ام َك َقلِيالً َوَل ْو أَ َر َ‬
‫ور}(‪ )1‬كما حصل‬ ‫الص ُد ِ‬‫ات ذ‬ ‫ََ َ َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ََ‬ ‫فانظر إلى رؤيا النبي ‪ ‬في قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ْذ ُي ِر َ ُ ُ َ ُ‬
‫بها من منافع واندفع من مضار‪.‬‬
‫ين ال تَ َخاُفو َن َف َعلِ َهلل َما َل ْهلل تَ ْعَل ُموا َف َج َع َل ِمن ُدو ِن َذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الرؤيا ِباْلح ِق َلتَدخلُ َّن اْلمسو ِجد اْلحراع ِإن َلواء َّ ِ ِ‬
‫صو ِر َ‬ ‫ين ُرُؤو َسو ُك ْهلل َو ُمَق َ‬
‫ين ُم َحَلق َ‬
‫َّللاُ آمن َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ‬ ‫َّللاُ َرُسووَل ُه ذ ْ َ َ َ ْ ُ‬ ‫صو َد َق َّ‬
‫وكذلك قوله تعالى {َلَق ْد َ‬
‫َف ْت ًحا َق ِر ًيبا}(‪ )2‬كهلل حصل بها من زيادة إيمان‪ .‬وتهلل بها من كمال إيقان‪ .‬وكانت من آيات هللا العظيمة‪.‬‬
‫تولى التأويل فقد والَّه هللا ما احتوت عليه من التدبير‪ .‬فحص و وول بذلك خيرات كثيرة‪ ،‬ونعهلل ازيرة‪ ،‬واندفع بها‬ ‫وانظر إلى رؤيا ملك مص و وور‪ ،‬وتأويل يوس و ووا الص و ووديق لها‪ ،‬وكما َّ‬
‫ضرورات وحاجات‪ .‬ورفع هللا بها يوسا فوق الصباد درجات‪.‬‬
‫وتأمل رؤيا عبد هللا بن زيد وعمر بن الخطاب رضي هللا عنهما األذان واإلقامة‪ ،‬وكيف صارت سبباً لشرع هذه الشعيرة العظيمة التي هي من أعظهلل الشعائر الدينية‪.‬‬
‫معروفة مشهورة‪ ،‬ال يحصى ما التملت عليه من المنافع المهمة والثمرات الطيبة‪ .‬وهي من جملة نعهلل‬ ‫ومرائي األنبياء واألولياء والصالحين – بل وعموع المؤمنين وايرههلل –‬
‫هللا على اباده‪ ،‬ومن بشارات المؤمنين‪ ،‬وتنبيهات الغافلين‪ ،‬وتذكيره للمعرضين‪ ،‬وإقامة الحجة على المعاندين‪.‬‬
‫وأما الحلهلل الذي هو أضووغاث أحالع‪ ،‬فينما هو من تخليط الشوويطان على رو اإلنسووان‪ ،‬وتشووويشووه عليها وإفزاعها‪ ،‬وجلب األمور التي تكسووبها الههلل والغهلل‪ ،‬أو توجب لها الفر‬
‫والمر والبطر‪ ،‬أو تزعجها للشر والفساد والحرص الضار‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة األنفال – آية ‪. 43‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الفتح – آية ‪. 27‬‬
‫فأمر النبي ‪ ‬عند ذلك أن يأخذ العبد في األسوباب التي تدفع لوره بأن ال يحدث به أحداً‪ .‬فين ذلك سوبب لبطالنه واضومحالله‪ ،‬وأن َي ْتُفل عن لوماله ثالث مرات‪ .‬وأن يتعوذ‬
‫بالِل من الشيطان الرجيهلل‪ ،‬الذي هو سبب هذا الحلهلل والدافع له‪ ،‬وليطم ن قلبه عند ذلك أنه ال يضره‪ ،‬مصداقاً لقول رسوله‪ ،‬وثقة بنجا األسباب الدافعة له‪.‬‬
‫وأما الرؤيا الصو ووالحة‪ ،‬فينبغي أن يحمد هللا عليها‪ ،‬ويسو ووأله تحقيقها‪ ،‬ويحدث بها من يحب ويعلهلل منه المودة‪ُ ،‬ليسو و َور لسو ووروره‪ ،‬ويدعو له في ذلك‪ .‬وال يحدث بها من ال يحب‪،‬‬
‫ل ال يشوخ عليه بتأويل يوافق هواه‪ ،‬أو يسعى – حسداً منه – في إزالة النعمة عنه‪.‬‬
‫نس ِ‬
‫ان‬ ‫طَ ِِ‬
‫ان لب َ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫اهللا َعَلى ِإ ْخ َوِت َك َف َي ِك ُ‬
‫يدوْا َل َك َك ْي ًدا ِإ َّن َّ‬ ‫ص ُرْؤَي َ‬
‫ص ْ‬
‫ولهذا لما رأى يوسا الشمس والقمر والكواعب األحد عشر ساجدين له‪ .‬وحدث بها أباه قال له‪َ { :‬يا ُب َن َّي الَ تَْق ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫َع ُدٌّو ذمِبين}‬
‫أولى‪ ،‬إال إذا كان في ذلك مصلحة راجحة‪.‬‬ ‫ولهذا كان َك ْتهلل النعهلل عن األعداء – مع اإلمكان –‬
‫واعلهلل أن الرؤيا الصو و و ووادقة تارة يراها العبد على صو و و ووورتها الخارجية‪ ،‬كما في رؤيا األذان وايرها‪ ،‬وتارة يضو و و وورب له فيها أمثال محسو و و وووسو و و ووة‪ ،‬ليعتبر بها األمور المعقولة‪ ،‬أو‬
‫المحسوسة التي تشبهها‪ ،‬كرؤيا ملك مصر ونحوها‪ .‬وهي تختلا باختالف الرائي والوقت والعادة‪ ،‬وتنوع األحوال‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة يوسف – آية ‪.5‬‬
‫الحديث السادس والستون حفظ‬
‫رواه مالك وأحمد‪ .‬ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة‪ ،‬ورواه الترمذي عن‬ ‫‪" :‬من ُح ْسن إسالع المرء تَ ْرُعه ما ال َيعنيه"‬ ‫عن علي بن الحسين رحمه هللا قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫علي بن الحسين وعن أبي هريرة‪.‬‬
‫من حسن اإلسالع‪ /‬أي من كمال اسالع المرء أو صحته‬
‫ما ال يعنيك‪ /‬ماال يفيدهللا‬

‫يدخل فيه اإليمان‪ ،‬واإلحس و ووان‪ .‬وهو ل و ورائع الدين الظاهرة والباطنة‪ .‬والمس و وولمون منقس و وومون في اإلس و ووالع إلى قس و وومين‪ ،‬كما َ‬
‫دل عليه فحوى هذا‬ ‫اإلس و ووالع – عند اإلطالق –‬
‫الحديث‪.‬‬
‫فمنههلل‪ :‬المحسن في إسالمه‪ .‬ومنههلل‪ :‬المسيء‪.‬‬
‫يهلل َخلِيالً}(‪.)1‬‬ ‫اهيهلل حِن ًيفا واتَّخ َذ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َس ُن د ًينا َم َّم ْن أ َْسَل َهلل َو ْج َه ُه هلل َو ُه َو ُم ْحسن واتََّب َع مل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ‬
‫َّللاُ إ ْب َراه َ‬ ‫فمن قاع باإلسالع ظاه اًر وباطناً فهو المحسن { َو َم ْن أ ْ‬
‫فيشوتغل هذا المحسون بما يعنيه‪ ،‬مما يجب عليه تركه من المعاصوي والسوي ات‪ ،‬ومما ينبغي له تركه‪ ،‬المكروهات وفضوول المباحات التي ال مصولحة له فيها‪ ،‬بل تفوت عليه‬
‫الخير‪.‬‬
‫‪" :‬من حسن إسالع المرء تركه ما ال يعنيه" يعهلل ما ذكرنا‪.‬‬ ‫فقوله ‪‬‬
‫ومفهوع الحديث‪ :‬أن من لهلل يترهللا ما ال يعنيه‪ :‬فينه مسيء في إسالمه‪ .‬وذلك لامل لألقوال واألفعال‪ ،‬المنهي عنها نهي تحريهلل أو نهي كراهة‪.‬‬
‫عد من الكلمات الجامعة‪ .‬ألنها قسومت هذا التقسويهلل الحاصور‪ ،‬وبينت األسوباب التي يتهلل بها حسون اإلسوالع‪ ،‬وهو االلوتغال بما يعني‪ ،‬وترهللا ما ال يعني من قول‬
‫فهذا الحديث ُي َ‬
‫وفعل‪ .‬واألسباب التي يكون بها العبد مسي اً‪ .‬وهي ضد هذه الحال‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 125‬‬
‫الحديث السابع والستون‬
‫قال‪:‬‬ ‫عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده‪ :‬أن رسول هللا ‪‬‬
‫رواه الترمذي‪.‬‬ ‫حسن"‬
‫نحل أفضل من أدب َ‬‫ولده من ْ‬
‫"ما َنحل والد َ‬
‫نحل ‪ /‬الهديه‬

‫الدهللا؛ فينههلل أمانات جعلههلل هللا عندهللا‪ ،‬ووص و وواهللا بتربيتههلل تربية ص و ووالحة ألبدانههلل وقلوبههلل‪ ،‬وكل ما فعلته معههلل من هذه األمور‪ ،‬دييقها‬ ‫أولى الناس َِ‬
‫ببرهللا‪ ،‬وأحقههلل بمعروفك‪ :‬أو ُ‬
‫وجليلها‪ ،‬فينه من أداء الواجب عليك‪ ،‬ومن أفضو و و وول ما يقربك إلى هللا‪ ،‬فاجتهد في ذلك‪ ،‬واحتسو و و ووبه عند هللا‪ ،‬فكما أنك إذا أطعمتههلل وكسو و و وووتههلل وقمت بتربية أبدانههلل‪ ،‬فأنت قائهلل بالحق‬
‫إذا قمت بتربية قلوبههلل وأرواحههلل بالعلوع النافعة‪ ،‬والمعارف الصادقة‪ ،‬والتوجيه لألخالق الحميدة‪ ،‬والتحذير من ضدها‪.‬‬ ‫مأجور‪ .‬فكذلك – بل أعظهلل من ذلك –‬
‫و "النحل"‪ :‬هي العطايا واإلحسو و ووان‪ .‬فاآلداب الحسو و وونة خير لألوالد حاالً ومةالً من إعطائههلل الذهب والفضو و ووة‪ ،‬وأنواع المتاع الدنيوي ألن باآلداب الحسو و وونة‪ ،‬واألخالق الجميلة‪،‬‬
‫يرتفعون‪ ،‬وبها يسعدون‪ ،‬وبها يؤدون ما عليههلل من حقوق هللا وحقوق الصباد‪ ،‬وبها يجتنبون أنواع المضار‪ ،‬وبها يتهلل برههلل لوالديههلل‪.‬‬
‫نميته‪ ،‬حتى اس ووتتمت أل ووجاره‪ ،‬وأينعت ثماره‪ ،‬وتزخرفت زروعه وأزهاره‪ .‬ثهلل أهملته فلهلل تحفظه‪ ،‬ولهلل‬ ‫أما إهمال األوالد‪ :‬فض وورره كبير‪ ،‬وخطره خطير‪ .‬أرأيت لو كان لك بس ووتان َف َّ‬
‫للنمو في كل األوقات‪ ،‬أليس هذا من أعظهلل الجهول والحمقف فكيف تهمول أوالدهللا الذين ههلل ِفلوذة كبودهللا‪ ،‬وثمرة فؤادهللا‪ ،‬ونسو و و و و و وخوة روحك‪ ،‬والقوائمون‬ ‫تَسو و و و و و و ِقوه ولهلل تَُنَِقوه من اآلفات‪ ،‬وتعوده َِ‬
‫اب}(‪.)1‬‬ ‫مقامك حياً وميتاً‪ ،‬الذين بسعادتههلل تتهلل سعادتك‪ ،‬وبفالحههلل ونجاحههلل تدرهللا به خي اًر كثي اًر {وما َي َّذ َّعر ِإالَّ أُوُلوْا األَْل َب ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪. 7‬‬
‫الحديث الثامن والستون‬
‫‪" :‬مثل الجليس الصالط والسوء‪ :‬كحامل المسك‪ ،‬ونافخ ِ‬
‫الكير‪ .‬فحامل المسك‪ :‬إما أن‬ ‫عن أبي موسى األلعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫َي ْح ِذ َيك‪ ،‬وإما أن تبتاع منه‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحاً طيبة‪ .‬ونافخ الكير‪ :‬إما أن يحرق ثيابك‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"‬
‫التمل هذا الحديث على الحث على اختيار األصحاب الصالحين‪ ،‬والتحذير من ضدههلل‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومثل النبي ‪ ‬بهذين المثالين‪ ،‬مبيناً أن الجليس الص و ووالط‪ :‬جميع أحوالك معه وأنت في مغنهلل وخير‪ ،‬كحامل المس و ووك الذي تنتفع بما معه من المس و ووك‪ :‬إما بهبة‪ ،‬أو بعوض‪.‬‬
‫وأقل ذلك‪ :‬مدة جلوسك معه‪ ،‬وأنت قرير النفس برائحة المسك‪.‬‬
‫فالخير الذي يصوويبه العبد من جليسووه الصووالط أبل وأفضوول من المسووك األذفر‪ ،‬فينه إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياهللا‪ ،‬أو يهدي لك نصوويحة‪ ،‬أو يحذرهللا من اإلقامة‬
‫على ما يض و ورهللا‪ .‬فيحثك على طاعة هللا‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصو وولة األرحاع‪ ،‬ويبص و ورهللا بعيوب نفسو ووك‪ ،‬ويدعوهللا إلى مكارع األخالق ومحاسو وونها‪ ،‬بقوله وفعله وحاله‪ .‬فين اإلنسو ووان مجبول‬
‫على االقتداء بصاحبه وجليسه‪ ،‬والطباع واألروا جنود مجندة‪ ،‬يقود بعضها بعضاً إلى الخير‪ ،‬أو إلى ضده‪.‬‬
‫أن تكا بسووببه عن السووي ات والمعاصووي‪ ،‬رعاية للصووحبة‪ ،‬ومنافسووة في الخير‪ ،‬وترفعاً عن الشوور‪ ،‬وأن‬ ‫وأقل ما تسووتفيده من الجليس الصووالط – وهي فائدة ال يسووتهان بها –‬
‫يحفظك في حضرتك ومغيبك‪ ،‬وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك‪ ،‬وأن يدافع عنك بسبب اتصاله بك‪ ،‬ومحبته لك‪.‬‬
‫وتلك أمور ال تبالر أنت مدافعتها‪ ،‬كما أنه قد يصلك بألخاص وأعمال ينفعك اتصالك بههلل‪.‬‬
‫وفوائد األصحاب الصالحين ال تعد وال تحصى‪ .‬وحسب المرء أن يعتبر بقرينه‪ ،‬وأن يكون على دين خليله‪.‬‬
‫وأما مصواحبة األلورار‪ :‬فينها بضود جميع ما ذكرنا‪ .‬وههلل مضورة من جميع الوجوه على من صواحبههلل‪ ،‬ولور على من خالطههلل‪ .‬فكهلل هلك بسوببههلل أقواع‪ .‬وكهلل قادوا أصوحابههلل إلى‬
‫المهالك من حيث يشعرون ومن حيث ال يشعرون‪.‬‬
‫ولهذا كان من أعظهلل نعهلل هللا على العبد المؤمن‪ ،‬أن يوفقه لصحبة األخيار‪ .‬ومن عقوبته لعبده‪ ،‬أن يبتليه بصحبة األلرار‪.‬‬
‫صحبة األخيار توصل العبد إلى أعلى عليين‪ ،‬وصحبة األلرار توصله إلى أسفل سافلين‪.‬‬
‫ول َيا َل ْيتَِني اتَّ َخ ْذ ُت َم َع‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض الظال ُهلل َعَلى َي َد ْيه َيُق ُ‬
‫{وَي ْوَع َي َع ذ‬
‫صوحبة األخيار توجب له العلوع النافعة‪ ،‬واألخالق الفاضولة واألعمال الصوالحة‪ ،‬وصوحبة األلورار‪ :‬تحرمه ذلك أجمع َ‬
‫طُ ِِ‬ ‫ان َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول سِبيالً ‪ 27‬يا ويَلتَى َليتَِني َلهلل أَتَّ ِخ ْذ ُفالنا خلِيالً ‪َ 28‬لَقد أ َِّ‬
‫َّ ِ‬
‫نس ِ‬ ‫َضلني َع ِن ال َذ ْع ِر َب ْع َد ِإ ْذ َجاءني َوَك َ‬
‫( ‪)1‬‬
‫ان َخ ُذوالً}‬ ‫ان لب َ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ً َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫الرُس َ‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الفرقان – اآلايت ‪. 29 – 27‬‬
‫الحديث التاسع والستون "حفظ"‬
‫‪" :‬ال يْلدغ المؤمن من جح ٍر و ٍ‬
‫احد مرتين"‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫َُ‬
‫معاني المفردات‬
‫بيت أو جحر‬
‫(اَللدغ) هو اللسع للحيوانات السامه كالثعابين والعقارب وايرها‬ ‫ُيلدغ‬
‫بيوت الحيوانات المفترسه‬ ‫ُج ْحر‬

‫‪ :‬لبيان كمال احتراز المؤمن ويقظته‪ ،‬وأن المؤمن يمنعه من اقتراف السو ووي ات التي تضو وره مقارفتها‪ ،‬وأنه متى وقع في لو وويء منها‪ ،‬فينه في الحال‬ ‫هذا مثل ضو وربه النبي ‪‬‬
‫يبادر إلى الندع والتوبة واإلنابة‪.‬‬
‫ومن تماع توبته‪ :‬أن يحذر ااية الحذر من ذلك السو و ووبب الذي أوقعه في الذنب‪ ،‬كحال من أدخل يده في ُجحر فلداته َحيَّة‪ .‬فينه بعد ذلك ال يكاد يدخل يده في ذلك الجحر‪،‬‬
‫لما أصابه فيه أول مرة‪.‬‬
‫وكما أن اإليمان يحمل صوواحبه على فعل الطاعات‪ .‬ويرغبه فيها‪ .‬ويحزنه لفواتها‪ .‬فكذلك يزجره عن مقارفة السووي ات‪ ،‬وإن وقعت بادر إلى النزوع عنها‪ .‬ولهلل يعد إلى مثل ما‬
‫وقع فيه‪.‬‬
‫الك ْيس في جميع األمور‪ .‬ومن لوازع ذلك‪ :‬تعرف األسباب النافعة ليقوع بها‪ ،‬واألسباب الضارة ليتجنبها‪.‬‬ ‫وفي هذا الحديث‪ :‬الحث على الحزع و َ‬
‫الريب التي يخشى من مقاربتها الوقوع في الشر‪.‬‬ ‫الحث على تجنب أسباب َِ‬ ‫َ‬ ‫ويدل على‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫وعلى أن الذرائع معتبرة‪ .‬وقد حذر هللا المؤمنين من العود إلى ما زينه الشو و و وويطان من الوقوع في المعاصو و و ووي‪ ،‬فقال { َي ِع ُ‬
‫ودوا لم ْثله أ ََب ًدا ِإن ُكنتُهلل ذم ْؤ ِمن َ‬
‫ين}(‪ )1‬ولهذا‬ ‫َّللاُ أَن تَ ُع ُ‬
‫ظ ُك ُهلل َّ‬
‫فين من ذاق الشر من التائبين تكون كراهته له أعظهلل‪ ،‬وتحذيره وحذره عنه أبل ؛ ألنه عرف بالتجربة آثاره القبيحة‪.‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬األناة من هللا‪ ،‬والعجلة من الشيطان‪ ،‬وال حليهلل إال ذو عثرة‪ ،‬وال حكيهلل إال ذو تجربة" وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النور – آية ‪. 17‬‬
‫الحديث السبعون*‬
‫‪:‬‬ ‫عن أبي ذر ِ‬
‫الغفاري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه البيهقي في لعب اإليمان‪.‬‬ ‫كح ْسن الخلق"‬
‫كالكا‪ ،‬وال َح َس َب ُ‬
‫َ‬ ‫"يا أبا َذ ٍَر‪ ،‬ال عقل كالتدبير‪ ،‬وال َوَرع‬

‫ال عقل ‪ /‬من كمال عقلك‬


‫التدبير ‪ /‬حسن التصرف من تنظيهلل الوقت وجميع األمور‬
‫ورع ‪ /‬المنع والتقوى‬
‫الكا ‪ /‬هو المنع‪ .‬منع الجوار فيمنع قلبه ولسانه‪ ،‬وجميع جوارحه عن األمور المحرمة‪.‬‬
‫الحسب ‪ /‬النسب‬
‫هذا الحديث التمل على ثالث جمل‪ ،‬كل واحدة منها تحتها علهلل عظيهلل‪:‬‬
‫أما الجملوة األولى‪ :‬فهي في بيوان العقول وآثاره وعالماته‪ ،‬وأن العقول الممودو في الكتواب والسو و و و و و ونوة‪ :‬هو قوة ونعموة أنعهلل هللا بهوا على العبود‪ ،‬يعقول بهوا ألو و و و و و ويواء النوافعوة‪ ،‬والعلوع‬
‫والمعارف‪ ،‬ويتعقل بها ويمتنع من األمور الضووارة والقبيحة‪ .‬فهو ضووروري لبنسووان ال يسووتغنى عنه في كل أحواله الدينية والدنيوية‪ ،‬إذ به يعرف النافع والطريق إليه‪ .‬ويعرف الضووار‬
‫وكيفية السالمة منه‪ .‬والعقل يعرف بةثاره‪.‬‬
‫في هذا الحديث آثاره الطيبة‪ ،‬فقال‪" :‬ال عقل كالتدبير" أي‪ :‬تدبير العبد ألمور دينه‪ ،‬وألمور دنياه‪.‬‬ ‫فبين ‪‬‬
‫الس ْمت‪ .‬ثهلل يسعى في سلوكه بحالة منتظمة‪.‬‬
‫تعرف الصرال المستقيهلل‪ ،‬وما كان عليه النبي الكريهلل‪ ،‬من األخالق والهدى و َّ‬
‫فتدبيره ألمور دينه‪ :‬أن يسعى في َ‬
‫عما قال ‪" : ‬استعينوا بالغدوة والروحة وليء من ال ذدْلجة‪ ،‬و َ‬
‫القصد القصد‪ ،‬تبلغوا"‪.‬‬
‫وقد تقدع لوور هذا الحديث‪ ،‬وبيان الطريق الذي أرلوود إليه رسووول هللا ‪ ، ‬وأنها طريق سووهلة توصوول إلى هللا‪ ،‬وإلى دار كرامته بسووهولة وراحة‪ ،‬وأنها ال َِ‬
‫تقوت على العبد من‬
‫راحاته وأموره الدنيوية لي اً‪ ،‬بل يتمكن العبد معها من تحصيل المصلحتين‪ ،‬والفوز بالسعادتين‪ ،‬والحياة الطيبة‪.‬‬
‫فمتى دبر أحواله الدينية بهذا الميزان الشرعي‪ ،‬فقد كمل دينه وعقله‪ .‬ألن المطلوب من العقل‪ ،‬أو يوصل صاحبه إلى العواقب الحميدة‪ ،‬من أقرب طريق وأيسره‪.‬‬
‫وأما تدبير المعاخ‪ :‬فين العاقل يسعى في طلب الرزق بما يتضط له أنه أنفع له وأجدى عليه في حصول مقصوده‪ .‬وال يتخبط في األسباب خبط عشواء‪ ،‬ال يقر له قرار‪ ،‬بل‬

‫إذا رأى سبباً فتط له به باب رزق فليلزمه وليثابر عليه‪ُ ،‬‬
‫ولي ْجمل في الطلب‪ .‬ففي هذا بركة مجربة‪.‬‬
‫ثهلل يدبر تدبي اًر آخر‪ .‬وهو التدبير في التص و و و و وريف واإلنفاق‪ ،‬فال ينفق في طرق محرمة‪ ،‬أو طرق اير نافعة‪ ،‬أو يسو و و و وورف في النفقات المباحة‪ ،‬أو ُيَق َت ِهر‪ .‬وميزان ذلك‪ :‬قوله‬
‫ِ‬ ‫ين ِإ َذا أ َ‬ ‫تعالى في مد األخيار َّ ِ‬
‫اما}(‪.)1‬‬ ‫َنفُقوا َل ْهلل ُي ْس ِرُفوا َوَل ْهلل َيْقتُُروا َوَك َ‬
‫ان َب ْي َن َذل َك َق َو ً‬ ‫{والذ َ‬‫َ‬
‫فحسن التدبير في كسب األرزاق‪ ،‬وحسن التدبير في اإلنفاق‪ ،‬والتصريف‪ ،‬والحفظ‪ ،‬وتوابع ذلك‪ :‬دليل على كمال عقل اإلنسان ورزانته ورلده‪.‬‬
‫وضد ذلك‪ :‬دليل على نقصان عقله‪ ،‬وفساد لَُِبه‪.‬‬
‫"ال ورع كالكا"‪.‬‬ ‫الجملة الثانية‪ :‬قوله ‪‬‬
‫يكا نفسوه‪ ،‬وقلبه ولسوانه‪ ،‬وجميع جوارحه عن األمور المحرمة الضوارة‪ .‬فكل ما قاله أهل العلهلل في‬
‫‪ :‬أن الورع الحقيقي هو الذي ذ‬ ‫فهذا ٌّ‬
‫حد جامع للورع‪َ .‬بين به رسوول هللا ‪‬‬
‫تفسير الورع‪ ،‬فينه يرجع إلى هذا التفسير الواضط الجامع‪.‬‬
‫فمن حفظ قلبه عن الشو ووكوهللا والشو ووبهات‪ ،‬وعن الشو ووهوات المحرمة و ِ‬
‫الغ ذل والحقد‪ ،‬وعن سو ووائر مسو وواوئ األخالق وحفظ لسو ووانه عن الغيبة والنميمة والكذب والشو ووتهلل‪ ،‬وعن كل إثهلل‬
‫وأذى‪ ،‬وكالع محرع‪ ،‬وحفظ فرجه وبصره عن الحراع‪ ،‬وحفظ بطنه عن أعل الحراع‪ ،‬وجوارحه عن كسب اآلثاع فهذا هو الورع حقيقة‪.‬‬
‫ومن ضيع لي اً من ذلك نقص من ورعه بقدر ذلك‪ ،‬ولهذا قال ليخ اإلسالع‪( :‬الورع ترهللا ما يخشى ضرره في اآلخرة)‪.‬‬
‫الجملة الثالثة‪ :‬قوله ‪" : ‬وال َح َس َب كحسن الخلق"‪.‬‬
‫وذلك أن الحسب مرتبة عالية عند الخلق‪ .‬وصاحب الحسب له اعتبار ولرف بحسب ذلك‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬حس ووب يتعلق بنس ووب اإلنس ووان ول وورف بيته‪ .‬وهذا النوع إنما هو مد ؛ ألنه مظنة أن يكون ص وواحبه عامالً بمقتض ووى حس ووبه‪ ،‬مترفعاً عن الدنايا‪ ،‬متحَِلياً بالمكارع‪.‬‬
‫فهو مقصود لغيره‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني‪ :‬فهو الحس و ووب الحقيقي الذي هو وص و ووا للعبد‪ ،‬وجمال له وزينة‪ ،‬وخير في الدنيا والدين‪ ،‬وهو حس و وون الخلق المحتوي على الحلهلل الواس و ووع‪ ،‬والص و ووبر والعفو‪،‬‬
‫وبذل المعروف واإلحسان‪ ،‬واحتمال اإلساءة واألذى‪ ،‬ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن‪.‬‬
‫وإن لو ت فقل حسون الخلق نوعان‪ :‬األول‪ :‬حسون الخلق مع هللا‪ ،‬وهو أن تتلقى أحكامه الشوراية والقدرية بالرضوى والتسوليهلل لحكمه‪ ،‬واالنقياد لشورعه‪ ،‬بطمأنينة ورضوى‪ ،‬ولوكر‬
‫هلل على ما أنعهلل به‪ :‬من األمر والتوفيق‪ ،‬والصبر على أقداره المؤلمة والرضى بها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الفرقان – آية ‪. 67‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الثاني‪ :‬حس وون الخلق مع الخلق‪ ،‬وهو بذل الندى‪ ،‬واحتمال األذى‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ :‬‬
‫{وال تَ ْسو وتَ ِوي اْل َح َسو و َن ُة وال‬ ‫ض َع ِن اْل َجاهل َ‬ ‫ْم ْر ِباْل ُع ْرف َوأ ْ‬
‫َع ِر ْ‬
‫( ‪)1‬‬
‫ين} ‪َ ،‬‬ ‫{خذ اْل َعْف َو َوأ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظ َع ِظيهللٍ} ‪.‬فمن قاع بحسو وون الخلق مع هللا ومع الخلق‪:‬‬ ‫( ‪)2‬‬
‫اها ِإال ُذو َح ٍَ‬ ‫ص و و َب ُروا َو َما ُيَلَّق َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َح َس و و ُن َفِي َذا الذي َب ْي َن َك َوَب ْي َن ُه َع َد َاوة َكأََّن ُه َوِل ٌّي َحميهلل ‪َ ،‬و َما ُيَلَّق َ‬
‫اها ِإال الذ َ‬
‫َِّ ِ‬
‫ال َّس و وَِي َ ُة ْادَف ْع ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫فقد نال الخير والفال ‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة األعراف – آية ‪. 199‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة فصلت – اآليتان ‪. 35 ، 34‬‬
‫الحديث الحادي والسبعون‬
‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال "جاء رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أوصني‪ .‬فقال‪ :‬ال تغضب‪ .‬ثهلل َّ‬
‫رد َد م ار اًر‪ .‬فقال‪ :‬ال تغضب"‬
‫الوصيه ‪ /‬نصيحه فيها خير الدنيا واآلخره‬

‫عرف أن هذا كالع جامع‪ .‬وهو كذلك؛ فين قوله‪" :‬ال‬ ‫هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي‪ .‬وهو يريد أن يوصيه النبي ‪ ‬بكالع كلي‪ .‬ولهذا ردد‪ .‬فلما أعاد عليه النبي ‪‬‬
‫تغضب" يتضمن أمرين عظيمين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬األمر بفعل األس و ووباب‪ ،‬والتمرن على حس و وون الخلق‪ ،‬والحلهلل والص و ووبر‪ ،‬وتوطين النفس على ما يص و وويب اإلنس و ووان من الخلق‪ ،‬من األذى القولي والفعلي‪ .‬فيذا وَِفق لها‬
‫العبد‪ ،‬وورد عليه وارد الغض ووب احتمله بحس وون خلقه‪ ،‬وتلقاه بحلمه وص ووبره‪ ،‬ومعرفته بحس وون عوايبه؛ فين األمر بالش وويء أمر به‪ ،‬وبما ال يتهلل إال به‪ .‬والنهي عن الش وويء أمر بض ووده‪.‬‬
‫وأمر بفعل األسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه‪ .‬وهذا منه‪.‬‬
‫أن ال ينفذ اضوبه؛ فين الغضوب االباً ال يتمكن اإلنسوان من دفعه ورده‪ ،‬ولكنه يتمكن من عدع تنفيذه‪ .‬فعليه إذا اضوب أن يمنع نفسوه من‬ ‫الثاني‪ :‬األمر – بعد الغضوب –‬
‫األقوال واألفعال والمحرمة التي يقتضيها الغضب‪.‬‬
‫صورعة‪ ،‬إنما‬
‫‪" :‬ليس الشوديد بال ذ‬ ‫فمتى منع نفسوه من فعل آثار الغضوب الضوارة‪ ،‬فكأنه في الحقيقة لهلل يغضوب‪ .‬وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية‪ ،‬والقوة القلبية‪ ،‬كما قال ‪‬‬
‫الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"‪ .‬الشديد ‪ /‬القوي‬
‫فكمال قوة العبد‪ :‬أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الشهوة‪ ،‬وقوة الغضب اآلثار السي ة‪ ،‬بل يصرف هاتين القوتين إلى تناول ما ينفع في الدين والدنيا‪ ،‬وإلى دفع ما يضر فيهما‪.‬‬
‫‪ ،‬واضبه ومدافعته في نصر الحق على الباطل‪.‬‬ ‫فخير الناس‪ :‬من كانت لهوته وهواه تبعاً لما جاء به الرسول ‪‬‬
‫ولر الناس‪ :‬من كان صريع لهوته واضبه‪ .‬وال حول وال قوة إال بالِل‪.‬‬
‫الحديث الثاني والسبعون‬
‫عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال َذ َّرة من ِك ْبر‪ .‬فقال رجل‪ :‬إن الرجل يحب أن‬
‫وامط الناس" رواه مسلهلل‪.‬‬
‫طر الحق‪ْ َ ،‬‬ ‫يكون ثوبه حسناً‪ ،‬ونعله حسناًف فقال‪ :‬إن هللا جميل يحب الجمال‪ْ .‬‬
‫الكبر‪َ :‬ب ْ‬
‫التكبر ‪ /‬ضده التواضع‬
‫الذره ‪ /‬لي صغير ال يرى بالعين‬
‫َ‬
‫بطر الحق ‪ /‬عدع قبول النصط‬
‫امط الناس ‪ /‬استحقارههلل واالستهزاء بههلل‬

‫قد أخبر هللا تعوالى‪ :‬أن النوار مثوى المتكبرين‪ .‬وفي هذا الحوديث أنه "ال يدخل الجنوة من كان في قلبوه مثقوال ذرة من كبر" َ‬
‫فدل على أن الكبر موجب لدخول النوار‪ ،‬ومانع من‬
‫دخول الجنة‪.‬‬
‫يتضط هذا المعنى ااية االتضا ؛ فينه جعل الكبر نوعين‪:‬‬ ‫وبهذا التفسير الجامع الذي ذكره النبي ‪‬‬
‫عبر النوع األول‪ :‬على الحق‪ ،‬وهو رده وعدع قبوله‪ .‬فكل من رد الحق فينه مسوتكبر عنه بحسوب ما رد من الحق‪ .‬وذلك أنه فرض على الصباد أن يخضوعوا للحق الذي أرسول‬
‫هللا به رسله‪ ،‬وأنزل به كتبه‪.‬‬
‫فالمتكبرون عن االنقياد للرسل بالكلية كفار مخلدون في النار؛ فينه جاءههلل الحق على أيدي الرسل مؤيداً باآليات والبراهين‪ .‬فقاع الكبر في قلوبههلل مانعاً‪ ،‬فردوه‪.‬‬
‫ورِههلل ِإال ِكبر َّما ههلل ِبب ِال ِغ ِ‬ ‫ان أَتَ ِ ِ‬ ‫َّللاِ ِب َغ ْي ِر ُسْل َ‬ ‫قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن َّال ِذين يج ِادُلون ِفي آي ِ‬
‫يه}‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ُد ِ ْ‬ ‫طٍ ُ‬
‫اه ْهلل إن في ُ‬ ‫ات َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬

‫فينه ليس الغنى عن كثرة العرض‪ ،‬إنما الغنى انى القلب‪ ،‬فكهلل من صاحب ثروة وقلبه فقير متحسر‪ ،‬وكهلل من فقير ذات اليد‪ ،‬وقلبه اني راض‪ ،‬قانع برزق هللا‪.‬‬
‫فالحازع إذا ضو و وواقت عليه الدنيا لهلل يجمع على نفسو و ووه بين ضو و وويقها وفقرها‪ ،‬وبين فقر القلب وحسو و ورته وحزنه‪ ،‬بل كما يسو و ووعى لتحصو و وويل الرزق فليسو و ووع لراحة القلب‪ ،‬وسو و ووكونه‬
‫وطمأنينته‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثالث والسبعون‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫ورزق كفافاً‪َ ،‬‬
‫وقنعه هللا بما آتاه‬ ‫عبد هللا بن عمرو رضى هللا عنهما‪ :‬أن رسول هللا ﷺ قال‪ :‬قد أفلط من أسلهلل‪ُ ،‬‬

‫أفلط ‪ /‬فاز‬
‫من أسلهلل ‪ /‬من نال اإلسالع‬
‫يادة وال يريد ان يطلب الناس‪.‬‬
‫الكفاف ‪ /‬االعتفاء بما عنده ال يريد ز َ‬
‫الحديث الرابع والسبعون*‬
‫‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ِ ،‬ع ْ‬
‫ظني وأوجز‪ .‬فقال‪ :‬إذا قمت في صالتك فصل صالة‬ ‫عن أبي أيوب األنصاري رضي هللا عنه قال‪" :‬جاء رجل إلى النبي ‪‬‬
‫ِ‬
‫مودع‪ ،‬وال تَ َكلهلل بكالع تعذر منه اداً‪ ،‬واجمع اليأس مما في أيدي الناس"‬
‫رواه أحمد‪.‬‬ ‫َ‬
‫الموعظة‪ :‬األمر والنهي‬
‫أوجز‪ :‬من اإليجاز يعني اإلختصار‬
‫واجمع اليأس مما في أيدي الناس ال يتعلق قلبك بما عند الناس فليتعلق قلبك فيما عند هللا‬

‫هذه الوصايا الثالث يا لها من وصايا‪ ،‬إذا أخذ بها العبد‪ :‬تمت أموره وأفلط‪.‬‬
‫فالوصوية األولى‪ :‬تتضومن تكميل الصوالة‪ ،‬واالجتهاد في إيقاعها على أحسون األحوال‪ .‬وذلك بأن يحاسوب نفسوه على كل صوالة يصوليها‪ ،‬وأنه سويتهلل جميع ما فيها‪ :‬من واجب‪،‬‬
‫وفروض‪ ،‬وسونة‪ ،‬وأن يتحقق بمقاع اإلحسوان الذي هو أعلى المقامات‪ .‬وذلك بأن يقوع إليها مسوتحضو اًر وقوفه بين يدي ربه‪ ،‬وأنه يناجيه بما يقوله‪ ،‬من قراءة وذكر ودعاء ويخضوع له‬
‫في ييامه وركوعه‪ ،‬وسجوده وخفضه ورفعه‪.‬‬
‫مودع‪ ،‬كأنه ال يصلي ايرها‪.‬‬‫ِ‬
‫ويعينه على هذا المقصد الجليل‪ :‬توطين نفسه على ذلك من اير تردد وال كسل قلبي‪ ،‬ويستحضر في كل صالة أنها صالة َ‬
‫ومعلوع أن المودع‪ ،‬يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه‪ .‬وال يزال مستصحباً لهذه المعاني النافعة‪ ،‬واألسباب القوية‪ ،‬حتى يسهل عليه األمر‪ ،‬ويتعود ذلك‪.‬‬
‫والصو و ووالة على هذا الوجه‪ :‬تنهى صو و وواحبها عن كل خلق رذيل‪ ،‬وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في نفسو و ووه من زيادة اإليمان‪ ،‬ونور القلب وسو و ووروره‪ ،‬ورابته التامة في‬
‫الخير‪.‬‬
‫وأما الوصو ووية الثانية‪ :‬فهي حفظ اللسو ووان ومراقبته؛ فين حفظ اللسو ووان عليه المدار‪ ،‬وهو ِمالهللا أمر العبد‪ .‬فمتى ملك العبد لسو ووانه ملك جميع أعضو ووائه‪ .‬ومتى ملكه لسو ووانه فلهلل‬
‫يصونه عن الكالع الضوار‪ ،‬فين أمره يختل في دينه ودنياه‪ .‬فال يتكلهلل بكالع‪ ،‬إال قد عرف نفعه في دينه أو دنياه‪ .‬وكل كالع يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه‪ ،‬فينه إذا تكلهلل‬
‫به ملكه الكالع‪ ،‬وصار أسي اًر له‪ .‬وربما أحدث عليه ضر اًر ال يتمكن من تالفيه‪.‬‬
‫وأما الوصوية الثالثة‪ :‬فهي توطين النفس على التعلق بالِل وحده‪ ،‬في أمور معالوه ومعاده‪ ،‬فال يسوأل إال هللا‪ ،‬وال يطمع إال في فضوله‪ .‬ويوطن نفسوه على اليأس مما في أيدي‬
‫الناس؛ فين اليأس عصومة‪ .‬ومن أيس من لويء اسوتغنى عنه‪ .‬فكما أنه ال يسوأل بلسوانه إال هللا‪ ،‬فال يعلق قلبه إال بالِل‪ .‬فيبقى عبداً هلل حقيقة‪ ،‬سوالماً من عبودية الخلق‪ .‬قد تحرر من‬
‫رَِقههلل‪ ،‬واعتسب بذلك العز والشرف؛ فين المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقول بحسب تعلقه بههلل‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫ورزق كفافاً‪َ ،‬‬
‫وقنعه هللا بما آتاه‬ ‫عبد هللا بن عمرو رضى هللا عنهما‪ :‬أن رسول هللا ﷺ قال‪ :‬قد أفلط من أسلهلل‪ُ ،‬‬
‫أفلط ‪ /‬فاز‬
‫من أسلهلل ‪ /‬من نال اإلسالع‬
‫يادة وال يريد ان يطلب الناس‪.‬‬
‫الكفاف ‪ /‬االعتفاء بما عنده ال يريد ز َ‬

‫الحديث الخامس والسبعون‬


‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫قال‪" :‬هل تنصرون وترزقون إال بضعفائكهللف"‬ ‫عن مصعب بن سعد أن النبي ‪‬‬

‫فهذا الحديث فيه‪ :‬أنه ال ينبغي لألقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين‪ ،‬ال في أمور الجهاد والنصرة‪ ،‬وال في أمور الرزق وعجزههلل‪.‬‬

‫الضعفاء ‪ /‬الفقير والمسكين ‪ -‬كبير السن – األطفال – المريض – األعمى – النساء‪ -‬اير المسلمين من الضعاف – العاجز‪ -‬العبد‪.‬‬
‫بمساعدتههلل بقدر استطاعتههلل أو أقلها بالدعاء لههلل‪.‬‬
‫النصر‪ /‬الجهاد في سبيل هللا واالنتصار في الحرب‪.‬‬
‫الرزق‪ /‬البيع والشراء‬
‫مستوى رابع لرعي‬
‫الحديث السادس والسبعون*‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلهلل‪“ :‬يضحك هللا الى رجلين يقتل احدهما االخر يدخالن الجنه‪ .‬قالوا كيف يا‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫رسول هللاف فقال يقاتل في سبيل هللا فيقتل‪ ،‬ثهلل يتوب هللا على القاتل (الكافر) فيسلهلل فيستشهد"‪.‬‬

‫رجل مسلهلل واآلخر كافر‬


‫‪ -1‬اثبات صفة الضحك هلل عزوجل‬
‫‪ -2‬أن هللا عزوجل كريهلل ومن كرمه يعطي اباده أسبابا لدخول الجنه‬
‫‪ -3‬باب التوبة مفتو حتى يياع الساعه‬

‫هذا الحديث يدل على تنوع كرع الكريهلل‪ ،‬وأن كرمه وفضله متنوع من وجوه ال تعد وال تحصى‪ ،‬وال يدخل في عقول الخلق وخواطرههلل‪.‬‬
‫فهذان الرجالن اللذان قتل أحدهما اآلخر ييض هللا لكل منهما من فضله وكرمه سبباً أوصله إلى الجنة‪.‬‬
‫بالشو ووهادة التي هي أعلى المراتب‪ ،‬بعد مرتبة الصو ووديقين‪ ،‬وارضو ووه في جهاده إعالء كلمة هللا‪ ،‬والتقرب إلى ربه بذلك‪.‬‬ ‫فاألول‪ :‬قاتل في سو ووبيله‪ ،‬وأعرمه هللا على يد الرجل اآلخر – الذي لهلل يسو وولهلل بعد –‬
‫فأجره على هللا‪ .‬وليس له على القاتل حق‪ ،‬فثبت أجره على هللا‪.‬‬
‫َس َرُفوا‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ين أ ْ‬
‫وأما اآلخر‪ :‬فين هللا تعالى جعل باب التوبة مفتوحاً لكل من أراد التوبة باإلسالع وما دونه‪ ،‬ولهلل يجعل ذنباً من الذنوب مانعاً من قبول التوبة‪ ،‬كما قال تعالى في حق التائبين‪ُ{ :‬ق ْل َيا اَباد َي الذ َ‬
‫َّللا ي ْغِفر ال ذ ُنوب ج ِميعا ِإَّنه هو اْل َغُفور َّ ِ‬ ‫طوا ِمن رَّحم ِة َّ ِ‬
‫َعَلى أَنُف ِس ِه ْهلل ال تَْق َن ُ‬
‫يهلل}‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ً ُ َُ‬ ‫َّللا ِإ َّن َّ َ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫من عليه بالشهادة‪ ،‬فدخل الجنة‪ ،‬كأخيه الذي قتله وأعرمه على يده‪ ،‬ولهلل يهنه على يد أخيه بقتله‪ ،‬وهو كافر‪.‬‬ ‫فلما أسلهلل وتاب محا هللا عنه الكفر وآثاره‪ ،‬ثهلل َّ‬
‫فهذا الضحك من الباري يدل على ااية كرمه وجوده‪ ،‬وتنوع بره‪.‬‬
‫وهذا الضو ووحك الوارد في هذا الحديث وفي ايره من النصو وووص كغيره من صو ووفات هللا‪ .‬على المؤمن أن يعترف بذلك ويؤمن به‪ ،‬وأنه حق على حقيقته‪ ،‬وأن صو ووفاته صو ووفات كمال‪ ،‬ليس له فيها مثل‪ ،‬وال‬
‫لبه وال ند‪.‬‬
‫فكما أن هلل ذاتاً ال تش ووبهها الذوات فله تعالى ص ووفات ال تش ووبهها الص ووفات‪ ،‬وكلها ص ووفات حمد ومجد وتعظيهلل‪ ،‬وجالل وجمال وكمال‪ .‬فنؤمن بما جاء به الكتاب والس وونة من ص ووفات ربنا‪ ،‬ونعلهلل أنه ال يتهلل‬
‫اإليمان والتوحيد إال بيثباتها على وجه يليق بعظمة هللا وكبريائه ومجده‪.‬‬
‫وهذا الحديث من جملة األحاديث المرغبة في الدخول في اإلسو ووالع وفتط أبواب التوبة بكل وسو وويلة؛ فين اإلسو ووالع َي ُج ذب ما قبله‪ ،‬وما عمله اإلنسو ووان في حال كفره‪ ،‬وقد أسو وولهلل على ما أسو وولا‪ ،‬حتى الرقاب‬
‫التي قتلها نص اًر لباطله‪ ،‬واألموال التي استولى عليها من أجل ذلك‪ .‬كل ذلك معفو عنه بعد اإلسالع‪.‬‬
‫وقولنا‪" :‬من أجل ذلك" احتراز ن الحقوق التي اقتضووتها المعامالت بين المسوولمين والكفار؛ فين الكافر إذا أسوولهلل وعليه حقوق وديون وأايان أخذها وحصوولت له بسووبب المعاملة‪ ،‬فين اإلسووالع ال يسووقطها؛‬
‫إذا حصول الحرب‪ ،‬وترتب عليه قتل وأخذ مال‪ ،‬ال يرد إال طوعاً‪ ،‬وتبرعاً‬ ‫ألنها معامالت مشوتركة بين الناس‪ ،‬برههلل وفاجرههلل‪ ،‬مسولمههلل وكافرههلل‪ .‬بخالف القسوهلل األول‪ .‬فين كالع من الطرفين – المسولمين والكفار –‬
‫ممن وصل إليه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫ويشووبه هذا من بعض الوجوه‪ ،‬قتال أهل البغي ألهل العدل‪ ،‬حيث لهلل يضوومنههلل العلماء ما أتلفوه حال الحرب‪ ،‬من نفوس وأموال للتأويل‪ ،‬كما أجمع على ذلك الصووحابة رضووي هللا عنههلل حين وقعت الفتنة‪،‬‬
‫فأجمعوا على أن ما تلا من نفوس‪ ،‬وأتلا من أموال‪ ،‬ليس فيه ضمان من الطرفين‪.‬‬
‫وفي قوله‪" :‬ثهلل يتوب هللا على اآلخر فيسو و و وولهلل" دليل على أن توبة هللا على من أسو و و وولهلل أو تاب من ذنوبه متقدمة على توبة العبد؛ فينه تعالى أذن بتوبته وقدرها‪ ،‬ولطا به‪ ،‬إذ ييض له األسو و و ووباب الموجبة‬
‫فتوبة العبد محفوفة بتوبتين‪ ،‬تفضوول بهما عليه ربه‪ :‬إذنه له وتقديره وتيسوويره للتوبة حتى تاب‪ ،‬ثهلل قبول توبته‬ ‫لتوبته‪ ،‬فتاب العبد‪ ،‬ثهلل تاب هللا عليه بعد ذلك‪ ،‬بأن محا عنه ما سووبق من الجرائهلل – الكفر فما دونه –‬
‫ومحو زلته‪ .‬فهو تعالى التواب الرحيهلل‪.‬‬
‫أجل الطاعات وأعظمها فهذا الحكهلل ثابت في جميع الطاعات كلها‪ .‬يوفق هللا لها العبد أو ال‪ ،‬وييسوور له أسووبابها‪ ،‬ويسووهل له طرقها‪ .‬ثهلل إذا فعلها المطيع قبلها‪ ،‬وكتب له بها رض ووانه‪ ،‬وثوابه‪،‬‬ ‫والتوبة من َ‬
‫فما أوسع فضل الكريهلل‪ .‬وما أازر كرمه المتنوع العميهلل‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث السابع والسبعون*‬
‫‪" :‬ال يتمنين أحدكهلل الموت لضرر أصابه‪ .‬فين كان ال بد فاعالً‪ ،‬فليقل‪:‬‬ ‫عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫اللههلل أحيني ما كانت الحياة خي اًر لي‪ ،‬وتوفني إذا كانت الوفاة خي اًر لي"‬
‫لضرر أصابه‪ /‬لمرض أو ألهلل يصيبه‬
‫هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد‪ ،‬من مرض أو فقر أو خوف‪ ،‬أو وقوع في لدة ومهلكة‪ ،‬أو نحوها من األلياء‪ .‬فين في تمني الموت لذلك مفاسد‪.‬‬
‫منها‪ :‬أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها‪ ،‬وهو مأمور بالصبر والقياع بوظيفته‪.‬‬
‫ومعلوع أن تمني الموت ينافي ذلك‪.‬‬
‫الخ َور والكس وول‪ .‬ويوقع في اليأس‪ ،‬والمطلوب من العبد مقاومة هذه األمور‪ ،‬والس ووعي في إض ووعافها وتخفيفها بحس ووب اقتداره‪ ،‬وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع‬
‫ومنها‪ :‬أنه ُيض ووعا النفس‪ ،‬ويحدث َ‬
‫في زوال ما نزل به‪ .‬وذلك موجب ألمرين‪ :‬اللطا اإللهي لمن أتى باألسباب المأمور بها‪ ،‬والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن تمنى الموت جهل وحمق؛ فينه ال يدري ما يكون بعد الموت‪ ،‬فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه‪ ،‬من عذاب البرزا وأهواله‪.‬‬
‫عمل‪َّ ،‬‬
‫الذرةُ منه خير من الدنيا وما عليها‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن الموت يقطع على العبد األعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقياع بها‪ ،‬وبقية عمر المؤمن ال ييمة له‪ .‬فكيف يتمنى انقطاع ٍ‬
‫وأخص من هذا العموع‪ :‬ييامه بالصبر على الضر الذي أصبه‪ .‬فين هللا يوفي الصابرين أجرههلل بغير حساب‪.‬‬
‫ولهذا قال في آخر الحديث‪" :‬فين كان ال بد فاعالُ فليقلك اللههلل أحيني إذا كانت الحياة خي اًر لي‪ ،‬وتوفني إذا كانت الوفاة خي اًر لي" فيجعل العبد األمر مفوضو و واً إلى ربه الذي يعلهلل ما فيه الخير والص و ووال‬
‫له‪ ،‬الذي يعلهلل من مصالط عبده ما ال يعلهلل العبد‪ ،‬ويريد له من الخير ما ال يريده‪ ،‬ويلطا به في بالئه كما يلطا به في نعمائه‪.‬‬
‫‪" :‬ال يقل أحدكهلل‪ :‬اللههلل اافر لي إن ل و و و و و ت‪ .‬اللههلل ارحمني إن ل و و و و و ت‪ .‬ولكن ليعزع المسو و و و ووألة؛ فين هللا ال مكره له"‪ :‬أن المذكور في هذا الحديث الذي فيه التعليق بعلهلل هللا‬ ‫والفرق بين هذا وبين قوله ‪‬‬
‫المعينة التي ال يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫وإرادته‪ :‬هو في األمور‬
‫وأما المذكور في الحديث اآلخر‪ :‬فهي األمور التي يعلهلل مص وولحتها بل ض وورورتها وحاجة كل عبد إليها‪ .‬وهي مغفرة هللا ورحمته ونحوها‪ .‬فين العبد يس ووألها ويطلبها من ربه طلباً جازماً‪ ،‬ال معلقاً بالمش ووي ة‬
‫وايرها؛ ألنه مأمور ومحتهلل عليه السعي فيها‪ ،‬وفي جميع ما يتوسل به إليها‪.‬‬
‫وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمس و و ووتحبات الثابت األمر بها؛ فين العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو اس و و ووتحباب‪ ،‬وبعض األمور المعينة التي ال يدري العبد من حقيقتها ومص و و وولحتها‪ ،‬فينه يتوقا حتى‬
‫يتضط له األمر فيها‪.‬‬
‫كما اس ووتثنى بعض ووههلل تمني الموت ل وووقاً إلى هللا‪ .‬وجعلوا‬ ‫(‪)1‬‬
‫{يا َل ْيتَِني ِم ذت َقْب َل َه َذا}‬
‫واس ووتثنى كثير من أهل العلهلل من هذا‪ ،‬جواز تمني الموت خوفاً من الفتنة‪ .‬وجعلوا من هذا قول مريهلل رض ووي هللا عنها‪َ :‬‬
‫َنت ولِِيي ِفي ال ذد ُنيا واآل ِخ ِرة تَوَّفِني مسلِما وأَْل ِحْقِني ِب َّ ِ ِ‬
‫ين}(‪.)1‬‬
‫الصالح َ‬ ‫ُْ ً َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫منه قول يوسا ‪{ : ‬أ َ َ َ‬
‫لهلل يتمن الموت‪ .‬وإنما سأل هللا الثبات على اإلسالع‪ ،‬حتى يتوفاه مسلماً‪ ،‬كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬ ‫وفي هذا نظر؛ فين يوسا ‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة مرمي – آية ‪. 23‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة يوسف – آية ‪. 101‬‬
‫الحديث الثامن والسبعون‬
‫‪" :‬إن الدنيا حلوة خ ِ‬
‫ضرة‪ .‬وإن هللا مستخلفكهلل فيها‪ ،‬فينظر كيف تعملون‬ ‫عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫َ‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫فاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا النساء؛ فين أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"‬
‫االتقاء ‪ /‬الحذر واالجتناب‬
‫مستخلفكهلل فيها ‪ /‬أي أناس خلا أناس لصبادته‬

‫في هذا الحديث بحال الدنيا وما هي عليه من الوصا الذي يروق الناظرين والذائقين‪ .‬ثهلل أخبر أن هللا جعلها محنة وابتالء للصباد‪ .‬ثهلل أمر بفعل األسباب‪ ،‬التي تقي من الوقوع في فتنتها‪.‬‬ ‫أخبر ‪‬‬
‫فيخباره بأنها حلوة خضرة يعهلل أوصافها التي هي عليها‪ .‬فهي حلوة في مذاقها وطعمها‪ ،‬ولذاتها ولهواتها‪ ،‬خضرة في رونقها وحسنها الظاهر‪،‬‬
‫ض ِة َواْل َخْي ِل اْل ُم َسَّو َم ِة َواأل َْن َعا ِع َواْل َح ْرث}‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ط ِرة ِمن َّ‬
‫الذ َه ِب َواْلِف َّ‬ ‫النساء واْلبِنين واْلَقن ِ‬
‫اط ِ‬
‫ير اْل ُمَقن َ َ َ‬ ‫الش َه َوات م َن َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اس ح ذب َّ ِ ِ ِ‬ ‫عما قال تعالى‪ُ { :‬زي ِ‬
‫ِن ل َّلن ِ ُ‬ ‫ََ‬
‫َّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َج َعْل َنا ما َعَلى األ َْر ِ‬
‫َح َس ُن َع َمالً} ‪.‬‬ ‫ض ِز َين ًة ل َها ل َنْبُل َو ُه ْهلل أَي ُ‬
‫ذه ْهلل أ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫َ‬
‫فهذه اللذات المنوعة فيها‪ ،‬والمناظر البهيجة‪ ،‬جعلها هللا ابتالء منه وامتحاناً‪ ،‬واستخلا فيها الصباد لينظر كيف يعملونف‬
‫فمن تناولها من حلها‪ ،‬ووضعها في حقها‪ ،‬واستعان بها على ما خلق له من القياع بعبودية هللا‪ ،‬كانت زاداً له وراحلة إلى دار ألرف منها وأبقى‪ ،‬وتمت له السعادة الدنيوية واألخروية‪.‬‬
‫يؤت منها إال ما كتب له‪ .‬وكان مةله بعد ذلك إلى الشقاء‪ ،‬ولهلل يهنأ بلذاتها وال لهواتها إال مدة قليلة‪ .‬فكانت لذاته قليلة‪ .‬وأحزانه طويلة‪.‬‬
‫ومن جعلها أعبر همه‪ ،‬وااية علمه ومراده‪ ،‬لهلل َ‬
‫وكل نوع من لذاتها فيه هذه الفتنة واالختبار‪ .‬ولكن أبل ما يكون وألوود فتنة‪ :‬النسوواء؛ فين فتنتهن عظيمة‪ ،‬والوقوع فيها خطير وضووررها كبير؛ فينهن مصووائد الشوويطان وحبائله‪ ،‬كما صوواد بهن من ُمعافى‬
‫فأصووبط أسووير لووهوته‪ ،‬رهين ذنبه‪ ،‬قد َع َّز عليه الخالص‪ ،‬والذنب ذنبه فينه الذي لهلل يحترز من هذه البلية‪ ،‬وإال فلو تحرز منها‪ ،‬ولهلل يدخل مداخل التههلل‪ ،‬وال تعرض للبالء‪ ،‬واسووتعان باعتصووامه بالمولى‪ ،‬لنجا من‬
‫هذه الفتنة‪ ،‬وخلص من هذه المحنة‪.‬‬
‫في هذا الحديث منها على الخصوص‪ .‬وأخبر بما َجرَّت على من قبلنا من األمهلل؛ فين في ذلك عبرة للمعتبرين‪ ،‬وموعظة للمتقين‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬ ‫ولهذا حذر النبي ‪‬‬

‫(‪)2‬‬
‫سورة آل عمران – آية ‪. 14‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة الكهف – آية ‪. 7‬‬
‫الحديث التاسع والسبعون* حفظ‬
‫ُلصبة‪ ،‬أعالها‪ :‬قول‪ :‬ال إله إال هللا‪ .‬وأدناها‪ :‬إماطة األذى عن‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬اإليمان بضع وسبعون – أو بضع وستون –‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫الطريق‪ .‬والحياء لصبة من اإليمان"‬

‫البضع ‪ /‬ما بين الثالثه والتسعه‬


‫ادناها ‪ /‬أقلها‬
‫لعب خصال أو فروع‬
‫هذا الحديث من جملة النص وووص الدالة على أن اإليمان اس ووهلل يش وومل عقائد القلب وأعماله‪ ،‬وأعمال الجوار ‪ ،‬وأقوال اللس ووان فكل ما يقرب إلى هللا‪ ،‬وما يحبه ويرض وواه‪ ،‬من واجب ومس ووتحب فينه داخل في‬
‫اإليمان‪ .‬وذكر هنا أعاله وأدناه‪ ،‬وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ ألنه الس ووبب األقوى للقياع بجميع ل ووعب اإليمان‪ .‬فين من اس ووتحيا من هللا لتواتر نعمه‪ ،‬وسووواب كرمه‪ ،‬وتجليه عليه بأس وومائه الحس وونى‪،‬‬
‫والعبد – مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلهلل نفسه ويجني عليها – أوجب له هذا الحياء التوَِقي من الجرائهلل‪ ،‬والقياع بالواجبات والمستحبات‪.‬‬
‫فأعلى هذه الش و ووعب وأص و وولها وأس و وواس و ووها‪ :‬قول‪" :‬ال إله إال هللا" ص و ووادقاً من قلبه بحيث يعلهلل ويوقن أنه ال يس و ووتحق هذا الوص و ووا العظيهلل‪ ،‬وهو األلوهية إال هللا وحده؛ فينه هو ربه الذي يربيه ويربي جميع‬
‫العالمين بفضله وإحسانه‪ .‬والكل فقير وهو الغني والكل عاجز وهو القوي‪ ،‬ثهلل يقوع في كل أحواله بعبوديته لربه‪ ،‬مخلصاً له الدين؛ فين جميع لعب اإليمان فروع وثمرات لهذا األصل‪.‬‬
‫ودل على أن لعب اإليمان بعضها يرجع إلى اإلخالص للمعبود الحق‪ ،‬وبعضها يرجع إلى اإلحسان إلى الخلق‪.‬‬ ‫َ‬
‫ونبه بيماطة األذى على جميع أنواع اإلحسان القولي والفعلي‪ .‬اإلحسان الذي فيه وصول المنافع‪ ،‬واإلحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن لعب اإليمان كلها ترجع إلى هذه األمور‪ ،‬علمنا أن كل خصلة من خصال الخير فهي من الشعب‪ .‬وقد تكلهلل العلماء على تعيينها‪.‬‬
‫فمنههلل‪ :‬من وصل إلى هذا المبل المقدر في الحديث‪.‬‬
‫من الش ووعب‪ .‬ونص وويب العبد من اإليمان بقدر نص وويبه نهلل هذه‬ ‫ومنههلل‪ :‬من قارب ذلك‪ ،‬ولكن إذا فههلل المعنى تمكن اإلنس ووان أن يعتد بكل خص وولة وردت عن الش ووارع – قولية أو فعلية‪ ،‬ظاهرة أو باطنة –‬
‫الخصال‪ ،‬قلة وكثرة‪ ،‬وقوة وضعفاً‪ ،‬وتكميالً وضده‪ .‬وهي ترجع إلى تصديق خبر هللا وخبر رسوله‪ ،‬وامتثال أمرهما‪ ،‬واجتناب نهيهما‪.‬‬
‫وقد وصا هللا اإليمان بالشجرة الطيبة في أصلها وثمراتها‪ ،‬التي أصلها ثابت‪ ،‬وفروعها باسقة في السماء‪ .‬تؤتي أعلها كل حين بيذن ربها‪ .‬ويضرب هللا األمثال للناس لعلههلل يتذكرون‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثمانون*‬
‫عن عدي بن حاتهلل رض ووي هللا عنه قال‪ :‬قال رس ووول هللا ‪" : ‬ما منكهلل من أحد إال س وويكلمه ربه‪ ،‬ليس بينه وبينه تَ ْرجمان فينظر أيمن منه‪ ،‬فال يرى إال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء وجهه‪ ،‬فاتقوا النار ولو ِبش َِ‬
‫ق تمرة‪ .‬فمن لهلل يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه‪.‬‬
‫ما قدع‪ .‬وينظر ألأع منه‪ ،‬فال يرى إال ما قدع‪ ،‬وينظر بين يديه فال يرى إال النار تلَق َ‬
‫لق التمره ‪/‬نصا التمره‬
‫الأع منه ‪ /‬الشمال‬
‫اء وجهه ‪ /‬أماع وجهه‬ ‫ِ‬
‫تلَق َ‬

‫هذا حديث عظيهلل‪ .‬تضمن من عظمة الباري ما ال تحيط به العقول وال تعبر عنه األلسن‪.‬‬
‫فيه‪ :‬أن جميع الخلق سويكلمههلل هللا مبالورة من دون ترجمان وال واسوطة‪ .‬ويسوألههلل عن جميع أعمالههلل‪ :‬خيرها ولورها‪ ،‬دييقها وجليلها‪ ،‬سوابقها والحقها‪ ،‬ما علمه الصباد‬ ‫أخبر ‪‬‬
‫وما نسو وووه منها‪ .‬وذلك أنه لعظمته وكبريائه كما يخلقها ويرزقههلل في سو وواعة واحدة‪ ،‬ويبعثههلل في سو وواعة واحدة‪ ،‬فينه يحاس و وبه جميعههلل في سو وواعة واحدة‪ .‬فتبارهللا من له العظمة والمجد‪،‬‬
‫والملك العظيهلل والجالل‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة التي يحاسبههلل فيها ليس مع العبد أنصار وال أعوان وال أوالد وال أموال‪ .‬قد جاءه فرداً كما خلقه أول مرة‪ .‬قد أحاطت به أعماله تطلب الجزاء بالخير أو الشر‪،‬‬
‫عن يمينه ولماله‪ ،‬وأمامه النار البد له من ورودها‪ .‬فهل إلى صدوره منها سبيلف ال سبيل إلى ذلك إال برحمة هللا‪ ،‬وبما قدمت يداه من األعمال المنجية منها‪.‬‬
‫أمته على اتقاء النار ولو بالشيء اليسير‪ ،‬كشق تمرة‪ ،‬فمن لهلل يجد فبكلمة طيبة‪.‬‬ ‫ولهذا حث النبي ‪‬‬
‫وفي هذا الحديث‪ :‬أن من أعظهلل المنجيات من النار‪ ،‬اإلحس و و و و ووان إلى الخلق بالمال واألقوال‪ ،‬وأن العبد ال ينبغي له أن يحتقر من المعروف ولو ل و و و و ووي اً قليالً‪ ،‬والكلمة الطيبة‬
‫تشمل النصيحة للخلق بتعليمههلل ما يجهلون‪ ،‬وإرلادههلل إلى مصالحههلل الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫وتشمل الكالع المسر للقلوب‪ ،‬الشار للصدور‪ ،‬المقارن للبشالة والبشر‪.‬‬
‫وتشمل الذكر هلل والثناء عليه‪ ،‬وذكر أحكامه ولرائعه‪.‬‬
‫الصالِ ُط َي ْرَف ُع ُه}(‪،)1‬‬ ‫فكل كالع يقرب إلى هللا ويحصل به النفع لصباد هللا‪ .‬فهو داخل في الكلمة الطيبة‪ .‬قال تعالى‪ِ{ :‬إَلي ِه يصعد اْل َكلِهلل َّ‬
‫الطَِي ُب َواْل َع َم ُل َّ‬ ‫ْ َ ْ َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالِ َح ُ‬
‫( ‪)2‬‬
‫َمالً} وهللا أعلهلل‪.‬‬ ‫ِك ثََو ًابا َو َخ ْير أ َ‬
‫ات} [وهي كل عمل وقول يقرب إلى هللا‪ ،‬ويحصل به النفع لخلقه] { َخ ْير ع َند َرَب َ‬ ‫ات َّ‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬واْل َباي َي ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة فاطر – آية ‪. 10‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الكهف – آية ‪. 46‬‬
‫الحديث الحادي والثمانون*حفظ‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬دعوني ما تركتكهلل؛ فينما أهلك من كان قبلكهلل كثرةُ سؤالههلل‪ ،‬واختالفههلل على أنبيائههلل‪ .‬فيذا نهيتكهلل عن‬
‫ليء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكهلل بأمر فائتوا منه ما استطعتهلل" متفق عليه‪.‬‬

‫دعوني ما تركتكهلل ‪ /‬خذوا عني ما تركته لكهلل من األوامر والنواهي‬

‫َل َياء ِإن تُْب َد َل ُك ْهلل تَ ُس ْؤُك ْهلل}‬


‫( ‪)1‬‬
‫آم ُنوْا الَ تَ ْسأَُلوْا َع ْن أ ْ‬ ‫هذه األس لة التي نهى النبي ‪ ‬عنها‪ :‬هي التي نهى هللا عنها في قوله‪{ :‬يا أَي َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫ذها الذ َ‬
‫َ َ‬
‫وهي األسو و لة عن ألو ووياء من أمور الغيب‪ ،‬أو من األمور التي عفا هللا عنها‪ ،‬فلهلل يحرمها ولهلل يوجبها‪ .‬فيسو ووأل السو ووائل عنها وقت نزول الوحي والتشو وريع‪ .‬فربما وجبت بسو ووبب‬
‫‪" :‬أعظهلل المسلمين جرماً‪ :‬من سأل عن ليء لهلل يحرع‪ ،‬فحرع من أجل مسألته"‪.‬‬ ‫السؤال‪ .‬وربما حرمت كذلك‪ .‬فيدخل السائل في قوله ‪‬‬
‫وكذلك ينهى العبد عن س وؤال التعنت واألالوطات‪ ،‬وينهى أيض واً عن أن يسووأل عن األمور الطفيفة اير المهمة‪ .‬ويدع الس وؤال عن األمور المهمة‪ .‬فهذه األس و لة وما ألووبهها‬
‫هي التي نهى الشارع عنها‪.‬‬
‫وأما السوؤال على وجه االسووترلوواد عن المسووائل الدينية من أصووول وفروع‪ ،‬ابادات أو معامالت‪ ،‬فهي مما أمر هللا بها ورسوووله‪ ،‬ومما حث عليها‪ .‬وهي الوسوويلة لتعلهلل العلوع‪،‬‬
‫َج َعْل َنا ِمن ُدو ِن َّ‬
‫الر ْح َم ِن آلِ َه ًة ُي ْع َب ُدو َن}(‪ )3‬إلى ايرها من اآليات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َه َل ال َذ ْع ِر ِإن ُكنتُ ْهلل الَ تَ ْعَل ُمو َن} ‪ ،‬وقال‪َ { :‬وا ْسوأ ْ‬
‫( ‪)2‬‬
‫َل َم ْن أ َْرَسوْل َنا من َقْبل َك من ذرُسول َنا أ َ‬ ‫وإدراهللا الحقائق‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬فا ْسوأَلُوْا أ ْ‬
‫وقال ‪" : ‬من يرد هللا به خي اًر يفقهه في الدين" وذلك بسلوهللا طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤاال‪ ،‬وقال‪" :‬أال سألوا إذ لهلل يعلمواف فينما لفاء ِ‬
‫الع ِي السؤال"‪.‬‬
‫َ‬
‫الس ِائ َل َفال تَ ْن َه ْر}‬
‫َما َّ‬
‫وقد أمر هللا بالرفق بالسائل‪ ،‬وإعطائه مطلوبه‪ ،‬وعدع التضجر منه‪ .‬وقال في سورة الضحى‪َ { :‬وأ َّ‬
‫فهذا يشمل السائل عن العلوع النافعة والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا‪ ،‬من مال وايره‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا الحديث‪ :‬السؤال عن كيفية صفات الباري؛ فين األمر في الصفات كلها كما قال اإلماع مالك لمن سأله عن كيفية االستواء على العرخف فقال‪:‬‬
‫"االستواء معلوع‪ .‬والكيف مجهول‪ .‬واإليمان به واجب‪ .‬والسؤال عنه بدعة"‪.‬‬
‫فمن سأل عن كيفية علهلل هللا‪ ،‬أو كيفية خلقه وتدبيره‪ ،‬قيل له‪ :‬فكما أن ذات هللا تعالى ال تشبهها الذوات‪ ،‬فصفاته ال تشبهها الصفات‪ ،‬فالخلق يعرفون هللا‪ ،‬ويعرفون ما تعرف‬
‫لههلل به‪ ،‬من صفاته وأفعاله‪ .‬وأما كيفية ذلك فال يعلهلل تأويله إال هللا‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪. 101‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة األنبياء – آية ‪. 7‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صورة الزخرف – آية ‪. 45‬‬
‫في هذا الحديث أصلين عظيمين‪:‬‬ ‫ثهلل ذكر ‪‬‬
‫من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة‪ :‬وجب تركه‪ ،‬والكا عنه؛ امتثاالً وطاعة هلل ورسوله‪.‬‬ ‫أحدهما‪ :‬قوله ‪" : ‬فيذا نهيتكهلل عنه فاجتنبوه" فكل ما نهى عنه النبي ‪‬‬
‫ولهلل يقل في النهي‪ :‬ما اس ووتطعتهلل ألن النهي طلب كف النفس‪ ،‬وهو مقدور لكل أحد‪ ،‬فكل أحد يقدر على ترهللا جميع ما نهى هللا عنه ورس وووله‪ .‬ولهلل يض ووطر الصباد إلى ل وويء‬
‫من المحرمات المطلقة؛ فين الحالل واسع‪ ،‬يسع جميع الخلق في اباداتههلل ومعامالتههلل‪ ،‬وجميع تصرفاتههلل‪.‬‬
‫وأما إباحة الميتة والدع ولحهلل الخنزير للمض ووطر‪ ،‬فينه في هذه الحالة الملج ة إليه قد ص ووار من جنس الحالل؛ فين الض وورورات تبيط المحظورات‪ ،‬فتص وويرها الض وورورة مباحة؛‬
‫قدمت هذه على تلك رحمة من‬ ‫ألنه تعالى إنما حرع المحرمات حفظاً لصباده‪ ،‬وص وويانة لههلل عن الش وورور والمفاس وود‪ ،‬ومص وولحة لههلل فيذا قاوع ذلك مص وولحة أعظهلل – وهو بقاء النفس –‬
‫هللا وإحساناً‪.‬‬
‫وليسوت األدوية من هذا الباب‪ ،‬فين الدواء ال يدخل في باب الضورورات‪ ،‬فين هللا تعالى يشوفي المبتلى بأسوباب متنوعة‪ ،‬ال تتعين في الدواء‪ .‬وإن كان الدواء يغلب على الظن‬
‫الشفاء به‪ ،‬فينه ال يحل التداوي بالمحرمات‪ ،‬كالخمر وألبان الحمر األهلية‪ ،‬وأصناف المحرمات‪ ،‬بخالف المضطر إلى أعل الميتة‪ ،‬فينه يتيقن أنه إذا لهلل يأعل منها يموت‪.‬‬
‫ط ْعتُ ْهلل}(‪.)1‬‬
‫استَ َ‬ ‫دل عليه أيضاً قوله تعالى‪َ{ :‬فاتَُّقوا َّ‬
‫َّللاَ َما ْ‬ ‫األصل الثاني‪ :‬قوله ‪" : ‬وإذا أمرتكهلل بأمر فائتوا منه ما استطعتهلل" وهذا أصل كبير‪َ ،‬‬
‫وجب‬ ‫–‬ ‫فأوامر الش وريعة كلها معلقة بقدرة العبد واس ووتطاعته‪ ،‬فيذا لهلل يقدر على واجب من الواجبات بالكلية‪ ،‬س ووقط عنه وجوبه‪ .‬وإذا قدر على بعض ووه – وذلك البعض ابادة‬
‫ما يقدر عليه منه‪ ،‬وسقط عنه ما يعجز عنه‪.‬‬
‫ويدخل في هذا من مسائل الفقه واألحكاع ما ال يعد وال يحصى‪ .‬فيصلي المريض قائماً‪ ،‬فين لهلل يستطع صلى قاعداً‪ ،‬فين لهلل يستطع صلى على جنبه‪ .‬فين لهلل يستطع اإليماء‬
‫برأسه أومأ بطرفه‪ .‬ويصوع العبد ما داع قاد اًر عليه‪ .‬فين أعجزه مرض ال ُي ْرجى زواله‪ ،‬أطعهلل عنه كل يوع مسكين‪ .‬وإن كان مرضاً يرجى زواله‪ :‬أفطر‪ ،‬وقضى عدته من أياع أخر‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ ،‬من عجز عن سترة الصالة الواجبة‪ ،‬أو عن االستقبال‪ ،‬أو توَِقي النجاسة‪ :‬سقط عنه ما عجز عنه‪ .‬وكذلك بقية لرول الصالة وأركانها‪ ،‬ولرول الطهارة‪.‬‬
‫ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدع‪ ،‬أو للضرر في جميع الطهارة‪ ،‬أو بعضها‪ :‬عدل إلى طهارة التيمهلل‪.‬‬
‫والمعضوب في الحا‪ ،‬عليه أن يستنيب من يحا عنه‪ ،‬إذا كان قاد اًر على ذلك بماله‪.‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬يجب على من قدر عليه باليد‪ ،‬ثهلل باللسان‪ ،‬ثهلل بالقلب‪.‬‬
‫وليس على األعمى واألعرج والمريض حرج في ترهللا الصبادات التي يعجزون عنها‪ ،‬أو تشق عليههلل مشقة اير محتملة‪.‬‬
‫ومن عليه نفقة واجبة‪ ،‬وعجز عن جميعها‪ ،‬بدأ بزوجته‪ ،‬فرفيقه‪ ،‬فالولد‪ ،‬فالوالدين‪ ،‬فاألقرب ثهلل األقرب‪ .‬وكذلك الفطرة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة التغابن – آية ‪. 16‬‬
‫وهكذا جميع ما أمر به العبد أمر إيجاب أو اسو و ووتحباب‪ ،‬إذا قدر على بعضو و ووه‪ ،‬وعجز عن باييه‪ ،‬وجب عليه ما يقدر عليه‪ ،‬وسو و ووقط عنه ما عجز عنه‪ .‬وكلها داخلة في هذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ومسو و ووائل القرعة لها دخول في هذا األصو و وول؛ ألن األمور إذا الو و ووتبهت‪ :‬لمن هي‪ ،‬ومن أحق بهاف رجعنا إلى المرجحات‪ .‬فين تعذر الترجيط من كل وجه‪ ،‬سو و ووقط هذا الواجب‬
‫للعجز عنه‪ ،‬وعدل إلى القرعة التي هي ااية ما يمكن‪ .‬وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه‪.‬‬
‫تدخل تحت هذا األصول؛ فين كل والية يجب فيها تولية المتصوا باألوصواف التي يحصول بها مقصوود الوالية‪ .‬فين تعذرت كلها‪ ،‬وجب‬ ‫والواليات كلها – صوغارها وكبارها –‬
‫فيها تولية األمثل فاألمثل‪.‬‬
‫َّللاُ َنْف ًسوا‬ ‫ِ‬
‫ا َ‬ ‫وكما يسووتدل على هذا األصوول بتلك اآلية وذلك الحديث‪ ،‬فينه يسووتدل عليها باآليات واألحاديث التي نفى هللا ورسوووله فيها الحرج عن األمة‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬الَ ُي َكَل ُ‬
‫َّللاُ ِل َي ْج َع َل‬
‫يد َ‬ ‫ين م ْن َح َرٍج} ‪َ { ،‬ما ُي ِر ُ‬
‫( ‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫الد ِ ِ‬
‫اها} ‪َ { ،‬و َما َج َع َل َعَل ْي ُك ْهلل ِفي َ‬
‫( ‪)2‬‬
‫َّللاُ َنْف ًسو و وا ِإال َما آتَ َ‬
‫ا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِإالَّ ُو ْسو و و َع َها}(‪{ ،)1‬لِ ُي ِنف ْق ُذو َسو و و َع ٍة َِمن َسو و و َعِت ِه َو َمن ُق ِد َر َعَل ْي ِه ِرْزُق ُه َفْل ُي ِنف ْق ِم َّما آتَاهُ َّ‬
‫َّللاُ ال ُي َكَل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْهلل}(‪.)6‬‬ ‫يد ِب ُك ُهلل اْل ُع ْس َر} ‪ُ { ،‬ي ِر ُ‬ ‫َّللاُ ِب ُك ُهلل اْل ُي ْس َر َوالَ ُي ِر ُ‬ ‫َعَل ْي ُكهلل َم ْن َح َرٍج} ‪ُ { ،‬ي ِر ُ‬
‫( ‪)5‬‬ ‫( ‪)4‬‬
‫ا َع ُ‬ ‫َّللاُ أَن ُي َخَف َ‬
‫يد َ‬ ‫يد َ‬
‫فالتخفيفات الش و و ووراية في الصبادات وايرها بجميع أنواعها داخلة في هذا األص و و وول‪ ،‬مع ما يس و و ووتدل على هذا بما هلل تعالى من األس و و ووماء والص و و ووفات المقتض و و ووية لذلك‪ ،‬كالحمد‬
‫والحكمة‪ ،‬والرحمة الواسعة‪ ،‬واللطا والكرع واالمتنان‪ .‬فين آثار هذه األسماء الجليلة الجميلة كما هي سابغة وافرة واسعة في المخلوقات والتدبيرات‪ ،‬فهي كذلك في الشرائع‪ ،‬بل أعظهلل؛‬
‫ألنها هي الغاية في الخلق‪ .‬وهي الوسيلة العظمى للسعادة األبدية‪.‬‬

‫َّللاُ‬
‫يد َ‬‫{ َما ُي ِر ُ‬ ‫فالِل تعالى خلق المكلفين ليقوموا بعبوديته‪ .‬وجعل عبوديته والقياع بش و و و وورعه طريقاً إلى نيل رض و و و وواه وكرامته‪ .‬كما قال تعالى – بعد ما ل و و و وورع الطهارة بأنواعها –‬
‫ط َّه َرُع ْهلل َولِ ُيِت َّهلل ِن ْع َمتَ ُه َعَل ْي ُك ْهلل َل َعَّل ُك ْهلل تَ ْش ُك ُرو َن}‬ ‫ِ‬
‫لِ َي ْج َع َل َعَل ْي ُكهلل َم ْن َح َرٍج َوَل ِوكن ُي ِر ُ‬
‫يد لِ ُي َ‬
‫أتهلل الحمد وأعاله‪ ،‬وأوفر الش ووكر والثناء وأااله‪ ،‬وااية الحب والتعظيهلل ومنتهاه‪.‬‬
‫فظهرت آثار رحمته ونعمته في الش وورايات والمباحات‪ ،‬كما ظهرت في الموجودات‪ .‬فله تعالى َ‬
‫وبالِل التوفيق‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 286‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الطالق – آية ‪. 7‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة احلج – آية ‪. 78‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪. 6‬‬
‫(‪)5‬‬
‫سورة البقرة – آية ‪. 185‬‬
‫(‪)6‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 28‬‬
‫الحديث الثاني والثمانون حفظ*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪" :‬من ال يرحهلل الناس‪ :‬ال يرحمه هللا"‬ ‫عن جرير بن عبد هللا رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫يدل هذا الحديث بمنطوقه على أن من ال يرحهلل الناس ال يرحمه هللا‪ ،‬وبمفهومه على أن من يرحهلل الناس يرحمه هللا‪،‬‬
‫في الحديث اآلخر‪" :‬الراحمون يرحمههلل الرحمن‪ .‬ارحموا من في األرض؛ يرحمكهلل من في السماء"‪.‬‬ ‫عما قال ‪‬‬
‫فرحمة العبد للخلق من أعبر األس و و و و ووباب التي تنال بها رحمة هللا‪ ،‬التي من آثارها خيرات الدنيا‪ ،‬وخيرات اآلخرة‪ ،‬وفقدها من أعبر القواطع والموانع لرحمة هللا‪ ،‬والعبد في ااية‬
‫الضرورة واالفتقار إلى رحمة هللا‪ ،‬ال يستغني عنها طرفة عين‪ ،‬وكل ما هو فيه من النعهلل واندفاع النقهلل‪ ،‬من رحمة هللا‪.‬‬
‫وههلل المحسوونون في‬ ‫( ‪)1‬‬
‫ين}‬ ‫ِِ‬
‫اْل ُم ْحس ون َ‬ ‫َّللاِ َق ِريب َِم َن‬
‫فمتى أراد أن يسووتبقيها ويسووتزيد منها‪ ،‬فليعمل جميع األسووباب التي تنال بها رحمته‪ ،‬وتجتمع كلها في قوله تعالى‪ِ{ :‬إ َّن َر ْح َم َت َ‬
‫ابادة هللا‪ ،‬المحسنون إلى اباد هللا‪ .‬واإلحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بههلل‪.‬‬
‫والرحمة التي يتصا بها العبد نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬رحموة اريزيوة‪ ،‬قود جبول هللا بعض الصبواد عليهوا‪ ،‬وجعول في قلوبههلل ال أرفوة والرحموة والحنوان على الخلق‪ ،‬ففعلوا بمقتضو و و و و و ووى هوذه الرحموة جميع موا يقودرون عليوه من‬
‫نفعههلل‪ ،‬بحسب استطاعتههلل‪ .‬فههلل محمودون مثابون على ما قاموا به‪ ،‬معذورون على ما عجزوا عنه‪ ،‬وربما كتب هللا لههلل بنياتههلل الصادقة ما عجزت عنه قواههلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫أجل مكارع األخالق وأعملها‪ ،‬فيجاهد‬
‫والنوع الثاني‪ :‬رحمة يكتسبها (يتعلمها) العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة‪ ،‬تجعل قلبه على هذا الوصا‪ ،‬فيعلهلل العبد أن هذا الوصا من َ‬
‫نفسوه على االتصواف به‪ ،‬ويعلهلل ما رتب هللا عليه من الثواب‪ ،‬وما في فواته من حرمان الثواب؛ فيراب في فضول ربه‪ ،‬ويسوعى بالسوبب الذي ينال به ذلك‪ .‬ويعلهلل أن الجزاء من جنس‬
‫العمول‪ .‬ويعلهلل أن األخوة الودينيوة والمحبوة اإليموانيوة‪ ،‬قود عقودهوا هللا وربطهوا بين المؤمنين‪ ،‬وأمرههلل أن يكونوا إخوانواً متحوابين‪ ،‬وأن ينبوذوا كول موا ينوافي ذلوك‪ :‬من البغضو و و و و و وواء‪ ،‬والعوداوات‪،‬‬
‫والتدابر‪.‬‬
‫فال يزال العبد يتعرف األسباب التي يدرهللا بها هذا الوصا الجليل ويجتهد في التحقق به‪ ،‬حتى يمتلئ قلبه من الرحمة‪ ،‬والحنان على الخلق‪.‬‬
‫ويا حبذا هذا الخلق الفاضل‪ ،‬والوصا الجليل الكامل‪.‬‬
‫وهذه الرحمة التي في القلوب‪ ،‬تظهر آثارها على الجوار واللسان‪ ،‬في السعي في إيصال البر والخير والمنافع إلى الناس‪ ،‬وإزالة األضرار والمكاره عنههلل‪.‬‬
‫وعالمة الرحمة الموجودة في قلب العبد‪ ،‬أن يكون محباً لوص ووول الخير لكافة الخلق عموماً‪ ،‬وللمؤمنين خص وووصو واً‪ ،‬كارهاً حص ووول الش وور والض وورر عليههلل‪ .‬فبقدر هذه المحبة‬
‫والكراهة تكون رحمته‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪. 6‬‬
‫لما بكى لموت ولد ابنته‪ ،‬قال له سووعد‪" :‬ما‬ ‫ومن أصوويب حبيبه بموت أو ايره من المصووائب‪ ،‬فين كان حزنه عليه لرحمة‪ ،‬فهو محمود‪ ،‬وال ينافي الصووبر والرضووى؛ ألنه ‪‬‬
‫هذا يا رسوول هللاف" فأتبع ذلك بعبرة أخرى‪ ،‬وقال‪" :‬هذه رحمة يجعلها هللا في قلوب اباده‪ ،‬وإنما يرحهلل هللا من اباده الرحماء" وقال عند موت ابنه إبراهيهلل‪" :‬القلب يحزن‪ ،‬والعين تدمع‪،‬‬
‫وال نقول إال ما يرضي ربنا‪ .‬و َّإنا لفراقك يا إبراهيهلل لمحزونون"‪.‬‬
‫وكذلك رحمة األطفال الصوغار والرقة عليههلل‪ ،‬وإدخال السورور عليههلل من الرحمة‪ ،‬وأما عدع المباالة بههلل‪ ،‬وعدع الرقة عليههلل‪ ،‬فمن الجفاء والغلظة والقسووة‪ ،‬كما قال بعض ُجفاة‬
‫‪" :‬أو أملك لك لووي اً أن نزع هللا من‬ ‫األعراب حين رأى النبي ‪ ‬وأصووحابه يقبلون أوالدههلل الصووغار‪ ،‬فقال ذلك األعرابي‪َ :‬إن لي عش ورة من الولد ما قبلت واحداً منههلل‪ ،‬فقال النبي ‪‬‬
‫قلبك الرحمةف"‪.‬‬
‫ومن الرحمة‪ :‬رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب‪ ،‬الذي كان يأعل الثرى من العطش‪ .‬فغفر هللا لها بسبب تلك الرحمة‪.‬‬
‫وضدها‪ :‬تعذيب المرأة التي ربطت الهرة‪ ،‬ال هي أطعمتها وسقتها‪ ،‬وال هي تركتها تأعل من خشاخ األرض(‪ ،)1‬حتى ماتت‪.‬‬
‫ومن ذلك ما هو مش وواهد مجرب‪ ،‬أن من أحس وون إلى بهائمه باإلطعاع والس ووقي والمالحظة النافعة‪ ،‬أن هللا يبارهللا له فيها‪ .‬ومن أس وواء إليها‪ :‬عوقب في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وقال‬
‫يعا}(‪ )2‬وذلك لما في قلب‬ ‫ِ‬
‫اس َجم ً‬ ‫َح َيا َّ‬
‫الن َ‬ ‫اها َف َكأََّن َما أ ْ‬
‫َح َي َ‬
‫يعا َو َم ْن أ ْ‬
‫ِ‬
‫اس َجم ً‬ ‫س أ َْو َفسو و ٍاد ِفي األَْر ِ‬
‫ض َف َكأََّن َما َق َت َل َّ‬
‫الن َ‬ ‫يل أََّن ُه من َق َت َل َنْفسو وا ِب َغ ْي ِر َنْف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجل َذل َك َكتَ ْب َنا َعَلى َبني ِإ ْسو و َرائ َ‬
‫ْ‬
‫تعالى‪ِ :‬‬
‫{م ْن أ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫األول من القس و وووة والغلظة والش و وور‪ ،‬وما في قلب اآلخر من الرحمة والرقة والرأفة؛ إذ هو بص و وودد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من الناس‪ ،‬كما أن ما في قلب األول من القس و وووة‪،‬‬
‫مستعد لقتل النفوس كلها‪.‬‬
‫فنس و ووأل هللا أن يجعل ف ي قلوبنا رحمة توجب لنا س و وولوهللا كل باب من أبواب رحمة هللا‪ ،‬ونحنوا بها على جميع خلق هللا‪ ،‬وأن يجعلها موص و وولة لنا إلى رحمته وكرامته‪ ،‬إنه جواد‬
‫عريهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حشراهتا وهوامها‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪. 32‬‬
‫الحديث الثالث والثمانون "حفظ"*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫أحب أن يبسط له في رزقه‪ ،‬وينسأ له في أثَره‪ ،‬فلي ِ‬
‫ص ْل رحمه"‬ ‫‪" :‬من َّ‬ ‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫يبسط ‪ /‬يتسع أو يكثر وبركة الرزق‬


‫األثر ‪ /‬العمر‬
‫ينسأ ‪ /‬ال يتناسونه الناس ويبارهللا له في عمره‬
‫األثر الطيب ‪ /‬السمعة أو الذكر الطيب بين الناس وبركه العمر وصحته‬

‫هذا الحديث فيه‪ :‬الحث على ص و وولة الرحهلل‪ ،‬وبيان أنها كما أنها موجبة لرض و ووى هللا وثوابه في اآلخرة‪ ،‬فينها موجبة للثواب العاجل‪ ،‬بحص و ووول أحب األمور للعبد‪ ،‬وأنها س و ووبب‬
‫لبسط الرزق وتوسيعه‪ .‬وسبب لطول العمر‪ .‬وذلك حق على حقيقته؛ فينه تعالى هو الخالق لألسباب ومسبباتها‪.‬‬
‫وقد جعل هللا لكل مطلوب سو ووبباً وطريقاً ُينال به‪ .‬وهذا جار على األصو وول الكبير‪ ،‬وأنه من حكمته وحمده‪ ،‬جعل الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فكما وصو وول رحمه بالبر واإلحسو ووان‬
‫المتنوع‪ ،‬وأدخل على قلوبههلل السرور‪ ،‬وصل هللا عمره‪ ،‬ووصل رزق‪ ،‬وفتط له من أبواب الرزق وبركاته‪ ،‬ما ال يحصل له بدون هذا السبب الجليل‪.‬‬
‫وكما أن الص ووحة وطيب الهواء وطيب الغذاء‪ ،‬واس ووتعمال األمور المقوية لألبدان والقلوب‪ ،‬من أس ووباب طول العمر‪ .‬فكذلك ص وولة الرحهلل جعلها هللا س ووبباً ربانياً‪ ،‬فين األس ووباب‬
‫وم ْن جميع األسوباب‬ ‫التي تحصول بها المحبوبات الدنيوية قسومان‪ :‬أمور محسووسوة‪ ،‬تدخل في إدراهللا الحواس‪ ،‬ومدارهللا العقول‪ .‬وأمور ربانية إلهية َق َّدرها َم ْن هو على كل لويء قدير‪َ ،‬‬
‫َّللاَ َي ْج َعل َّل ُه َم ْخ َر ًجا‪َ ،‬وَي ْرُزْق ُه ِم ْن َح ْي ُث ال َي ْحتَ ِسو و و ُب‬
‫وم ْن تكفل بالكفاية للمتوكلين‪ ،‬ووعد بالرزق والخروج من المضو و ووائق للمتقين‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬و َمن َيتَّ ِق َّ‬
‫وأمور العالهلل منقادة لمشو و ووي ته‪َ ،‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫َّللاِ َف ُه َو َح ْس ُب ُه}‬
‫َو َمن َيتََوَّك ْل َعَلى َّ‬
‫وإذا كان النبي ‪ ‬يقول‪" :‬ما نقصت صدقة من مال" بل تزيده‪ .‬فكيف بالصدقة والهدية على أقاربه وأرحامهف‬
‫وفي هذا الحديث دليل‪ :‬على أن قصو و وود العامل‪ ،‬ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا ال يض و و وره إذا كان القصو و وود وجه هللا والدار اآلخرة‪ .‬فين هللا بحكمته ورحمته رتب الثواب‬
‫العاجل واآلجل‪ .‬ووعد بذلك العاملين؛ ألن األمل واسو و و و ووتثمار ذلك ينشو و و و ووط العاملين‪ ،‬ويبعث هممههلل على الخير‪ .‬كما أن الوعيد على الجرائهلل‪ ،‬وذكر عقوباتها مما َِ‬
‫يخوف هللا به اباده‬
‫ويبعثههلل على ترهللا الذنوب والجرائهلل‪.‬‬
‫فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصاً هلل‪ ،‬مستعيناً بما في األعمال من المرغبات المتنوعة على هذا المقصد األعلى‪ .‬وهللا الموفق‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الطالق – اآليتان ‪. 3 ، 2‬‬
‫الحديث الرابع والثمانون* حفظ‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪" :‬المرء مع من أحب"‬ ‫عن أبي موسى األلعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫هذا الحديث فيه‪ :‬الحث على قوة محبة الرسول واتباعههلل بحسوب مراتبههلل‪ ،‬والتحذير من محبة ضودههلل؛ فين المحبة دليل على قوة اتصوال المحب بمن يحبه‪ ،‬ومناسوبته ألخالقه‪،‬‬
‫واقتدائه به‪ .‬فهي دليل على وجود ذلك‪ .‬وهي أيضاً باعثة على ذلك‪.‬‬
‫وأيض واً من أحب هلل تعالى‪ ،‬فين نفس محبته من أعظهلل ما يقربه إلى هللا؛ فين هللا تعالى لووكور‪ ،‬يعطي المتقرب أعظهلل – بأضووعاف مضوواعفة – مما بذل‪ .‬ومن لووكره تعالى‪:‬‬
‫ين َو َح ُس َن أُوَلوِ َك َرِفيًقا}(‪.)1‬‬ ‫الشه َداء و َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫الص َِد ِيق َ ذ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ِههلل َِم َن َّ‬
‫النِبَِي َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َو َ َ‬ ‫ين َو َ‬ ‫ين أ َْن َع َهلل َ‬
‫ول َفأ ُْوَلو َك َم َع الذ َ‬
‫الرُس َ‬‫َّللاَ َو َّ‬
‫أن يلحقه بمن أحب‪ ،‬وإن قصر عمله‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬و َمن ُيط ِع َ‬
‫ولهذا قال أنس‪" :‬ما فرحنا بشيء فرحنا بقوله ‪" : ‬المرء مع من أحب‪ .‬قال‪ :‬فأنا أحب رسول هللا ‪ ، ‬وأبا بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬فأرجو أن أعون معههلل"‪.‬‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان أَْل َحْق َنا ِب ِه ْهلل ُذَِريَّتَ ُه ْهلل َو َما أََل ْت َن ُ‬
‫يم ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬
‫آم ُنوا َوات َب َع ْت ُه ْهلل ُذَِريَّتُ ُههلل بي َ‬ ‫ص و و و و و وَل َط م ْن َآبائ ِه ْهلل َوأ َْزَوا ِج ِه ْهلل َوُذَِريَّات ِه ْهلل} وقال سو و و و و ووبحانه‪َ { :‬والذ َ‬ ‫ات َع ْد ٍن َي ْد ُخلُ َ‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬جَّن ُ‬
‫( ‪)2‬‬
‫اههلل َم ْن‬ ‫ين َ‬ ‫ون َها َو َم ْن َ‬
‫َع َملِ ِههلل َِمن َلي ٍء}(‪.)4‬‬
‫ْ‬
‫وهذا مشاهد مجرب إذا أحب العبد أهل الخير رأيته منضماً إليههلل‪ ،‬حريصاً على أن يكون مثلههلل‪ .‬وإذا أحب أهل الشر انضهلل إليههلل‪ ،‬وعمل بأعمالههلل‪.‬‬
‫وقال ‪" : ‬المرء على دين خليله‪ ،‬فلينظر أحدكهلل من يخالل"‪" ،‬ومثل الجليس الصو و ووالط‪ ،‬كحامل المسو و ووك‪ :‬إما أن َي ْحذيك وإما أن يبيعك‪ ،‬وإما أن تجد منه رائحة طيبة‪ ،‬ومثل‬
‫الجليس السوء كنافخ ِ‬
‫الك ْير‪ :‬إما أن يحرق ثيابك‪ ،‬وإما أن تجد منه رائحة خبيثة"‪.‬‬
‫وإذا كان هذا في محبة الخلق فيما بينههلل‪ ،‬فكيف بمن أحب هللا‪َّ ،‬‬
‫وقدع محبته وخش و و وويته على كل ل و و وويءف فينه مع هللا‪ ،‬وقد حص و و وول له القرب الكامل منه‪ .‬وهو قرب المحبين‪،‬‬
‫ين ُههلل ذم ْح ِس ُنو َن}‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين اتََّقوْا َّوالذ َ‬ ‫وكان هللا معه‪ .‬فو{ِإ َّن َ‬
‫َّللاَ َم َع الذ َ‬
‫وأعلى أنواع اإلحسان محبة الرحيهلل الكريهلل الرحمن‪ ،‬محبة مقرونة بمعرفته‪.‬‬
‫يقرب إلى حبه؛ إنه جواد كريهلل‪ .‬وبالِل التوفيق‪.‬‬
‫فنسأل هللا أن يرزقنا حبه‪ ،‬وحب من يحبه‪ ،‬وحب العمل الذي َ‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 69‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة الرعد – آية ‪. 23‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نقصناهم ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سورة الطور – آية ‪. 21‬‬
‫الحديث الخامس والثمانون*‬
‫سخر لنا هذا‬ ‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪" :‬أن رسول هللا ‪ ‬كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر‪ :‬كبر ثالثاً‪ ،‬ثهلل قال‪ :‬سبحان الذي َّ‬
‫وما كنا له مْقرنين‪ ،‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون‪ .‬اللههلل إنا نسألك في سفرنا هذا الِبَّر والتقوى‪ ،‬ومن العمل ما ترضى‪ .‬اللههلل َهَِون علينا سفرنا هذا‪ ،‬و ِ‬
‫اطو َعَّنا ُبعده‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اللههلل أنت الصاحب في السفر‪ ،‬والخليفة في األهل‪ .‬اللههلل إني أعوذ بك من َو ْعثاء السفر‪ ،‬وكةبة المنظر‪ ،‬وسوء المنقلب‪ ،‬في المال واألهل والولد‪.‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫وإذا رجع قالهن‪ ،‬وزاد فيهن‪ :‬آيبون‪ ،‬تائبون‪ ،‬عابدون‪ ،‬لربنا حامدون"‬
‫استوى ‪ /‬جلس‬
‫مقرنين ‪ /‬نستطيع – لنقدر‬
‫لمنقلبون ‪ /‬عائدون‬
‫نسألك ‪ /‬نطلبك‬
‫التقوى ‪ /‬الوقاية أو اإلجتناب‬
‫هوِن ‪ /‬التيسير‬
‫َ‬
‫الطي ‪ /‬التقصير‬
‫َ‬
‫الخليفة في االهل ‪ /‬ما تركناه خلفنا من األهل‬
‫سوء المنقلب‪ /‬ان نعود ألهلنا أو منازلنا وقد فقدنا لي ًا منها‬
‫آيبون ‪ /‬عائدون‬
‫عابدون ‪ /‬نعبد هللا عزوجل في كل وقت‬
‫حامدون‪ /‬نحمد هللا عزوجل‬
‫هذا الحديث فيه فوائد عظيمة تتعلق بالسفر‪.‬‬
‫ومص ووالط الدنيا‪ ،‬وعلى حص ووول المحاب‪ ،‬ودفع المكاره والمض ووار وعلى‬ ‫وقد ال ووتملت هذه األداية على طلب مص ووالط الدين – التي هي أههلل األمور –‬
‫لكر نعهلل هللا‪ ،‬والتذكر آلالئه وكرمه‪ ،‬والتمال السفر على طاعة هللا‪ ،‬وما يقرب إليه‪.‬‬
‫فقوله‪" :‬عان إذا استوى على راحلته خارجاً إلى سفر‪ :‬كبر ثالثاً" هو افتتا لسفره بتكبير هللا‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬كما كان يختهلل بذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪" : ‬سو و ووبحان الذي سو و ووخر لنا هذا‪ ،‬وما كنا له مقرنين(‪ ،)1‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون"(‪ )2‬فيه الثناء على هللا بتسو و ووخيره للمركوبات‪ ،‬التي تحمل األثقال‬
‫والنفوس إلى البالد النائبة‪ ،‬واألقطار الشاسعة‪ ،‬واعتراف بنعمة هللا بالمركوبات‪.‬‬
‫وهذا يدخل فيه المركوبات‪ :‬من اإلبل‪ ،‬ومن السفن البحرية‪ ،‬والبرية‪ ،‬والهوائية‪ .‬فكلها تدخل في هذا‪.‬‬
‫اها}‬ ‫ولهذا قال نو ‪ ‬للراعبين معه في السفينة‪{ :‬ارَعبوْا ِفيها ِبس ِهلل ِ‬
‫اها َو ُم ْرَس َ‬
‫َّللا َم ْج َر َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ْ ُ َ ْ َ‬
‫فهذه المراعب‪ ،‬كلها وأسبابها‪ ،‬وما به تتهلل وتكمل‪ ،‬كله من نعهلل هللا وتسخيره‪ .‬يجب على الصباد االعتراف هلل بنعمته فيها‪ ،‬وخصوصاً وقت مبالرتها‪.‬‬
‫لكنا أضو و ووعا لو و وويء‬ ‫وفيه‪ :‬تذكر الحالة التي لوال الباري لما حصو و وولت وذللت في قوله‪" :‬وما كنا له مقرنين" أي مطيقين‪ ،‬لو َرَّد األمر إلى حولنا وقوتنا‪َّ ،‬‬
‫ص و ْن َع َة‬ ‫وعلهلل اإلنسووان صوونعة المركوبات‪ ،‬كما امتن هللا في تيسووير صووناعة الدروع الواقصية في قوله‪َّ :‬‬ ‫علماً‪ ،‬وقدرة وإرادة‪ ،‬ولكنه تعالى سووخر الحيوانات َّ‬
‫{و َعل ْمَناهُ َ‬
‫َ‬
‫صَن ُكهلل ِمن بأ ِْس ُكهلل(‪َ )5‬فهل أَنتُهلل َل ِ‬
‫اع ُرو َن}(‪.)6‬‬ ‫وس(‪َّ )4‬ل ُكهلل لِتُح ِ‬
‫َل ُب ٍ‬
‫َْ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫فعلى الخلق أن يشو و ووكروا هللا‪ ،‬إذ علمههلل صو و ووناعة اللباس السو و وواتر للعورات‪ ،‬ولباس الرياخ‪ ،‬ولباس الحرب وآالت الحرب‪ .‬وعلمههلل صو و وونعة الفلك البحرية‬
‫والبرية والهوائية‪ ،‬وصو وونعة كل ما يحتاجون إلى االنتفاع به‪ ،‬وأنزل الحديد فيه بأس لو ووديد ومنافع للناس متنوعة‪ .‬ولكن أعثر الخلق في افلة عن لو ووكر هللا‪ ،‬بل‬
‫في عتو واستكبار على هللا‪ ،‬وتجبر بهذه النعهلل على الصباد‪.‬‬
‫الح َِس وي لسووفر اآلخرة المعنوي؛ لقوله‪" :‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون" فكما بدأ الخلق فهو يعيدههلل ليجزي الذين أسوواءوا بما‬
‫وفي هذا الحديث التذكر بسووفر الدنيا ِ‬
‫عملوا‪ ،‬ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬اللههلل إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى‪ ،‬ومن العمل ما ترضى"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مطيقني تذليله وتسخريه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫راجعون يوم القيامة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة هود – آية ‪. 41‬‬
‫(‪)4‬‬
‫درع تلبسوهنا وقت احلرب ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫حربكم وشدكم وقوتكم ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫سورة األنبياء – آية ‪. 80‬‬
‫سوأل هللا أن يكون السوفر موصووفاً بهذا الوصوا الجليل‪ ،‬محتوياً على أعمال البر كلها المتعلقة بحق هللا والمتعلقة بحقوق الخلق‪ ،‬وعلى التقوى التي هي‬
‫اتقاء سخط هللا‪ ،‬بترهللا جميع ما يكرهه هللا من األعمال‪ ،‬واألقوال‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪ ،‬كما سأله العمل بما يرضاه هللا‪.‬‬
‫وهذا يشمل جميع الطاعات والقربات‪ .‬ومتى كان السفر على هذا الوصا‪ ،‬فهو السفر الرابط‪ ،‬وهو السفر المبارهللا‪.‬‬
‫كلها محتوية لهذه المعاني الجليلة‪.‬‬ ‫وقد كانت أسفاره ‪‬‬
‫ط َّي بعيده‪.‬‬‫ط ِو َعَّنا بعده" ألن السوفر قطعة من العذاب‪ .‬فسوأل تهوينه‪ ،‬و َ‬
‫ثهلل سوأل هللا اإلعانة‪ ،‬وتهوين مشواق السوفر‪ ،‬فقال‪" :‬اللههلل هون علينا سوفرنا هذا‪ ،‬وا َ‬
‫ويقيض له من األسووباب المريحة في السووفر أمو اًر كثيرة‪،‬‬
‫وذلك بتخفيف الهموع والمشوواق‪ ،‬وبالبركة في السووير‪ ،‬حتى يقطع المسووافات البعيدة‪ ،‬وهو اير مكترث‪َ ،‬‬
‫مثل راحة القلب‪ ،‬ومناسبة الرفقة‪ ،‬وتيسير السير‪ ،‬وأمن الطريق من المخاوف‪ ،‬واير ذلك من األسباب‪.‬‬
‫فكهلل من س و ووفر امتد أياماً كثيرة‪ ،‬لكن هللا هونه‪ ،‬ويسو و وره على أهله‪ .‬وكهلل من س و ووفر قص و ووير ص و ووار أص و ووعب من كل ص و ووعب‪ .‬فما ثَ َّهلل إال تيس و ووير هللا ولطفه‬
‫ومعونته‪.‬‬
‫ولهذا قال في تحقيق تهوين السووفر‪" :‬اللههلل إني أعوذ بك من وعثاء السووفر" أي‪ :‬مشووقته وصووعوبته "وكةبة المنظر" أي‪ :‬الحزن المالزع والههلل الدائهلل "وسوووء‬
‫المنقلب‪ ،‬في المال واألهل الوالد" أي‪ :‬يا رب نسو و و و ووألك أن تحفظ علينا كل ما خَلفناه وراءنا‪ ،‬وفارقناه بسو و و و ووفرنا من أهل وولد ومال‪ ،‬وأن ننقلب إليههلل مسو و و و وورورين‬
‫بالسالمة‪ ،‬والنعهلل المتواترة علينا وعليههلل؛ فبذلك تتهلل النعمة‪ ،‬ويكمل السرور‪.‬‬
‫وكذلك يقول هذا في رجوعه‪ ،‬وعوده من سو و و ووفره‪ .‬ويزيد‪" :‬آيبون تائبون عابدون‪ ،‬لربنا حامدون" أي‪ :‬نسو و و ووألك اللههلل أن تجعلنا في إيابنا ورجوعنا مالزمين‬
‫للتوبة لك‪ ،‬وابادتك وحمدهللا‪ ،‬وأن تختهلل سفرنا بطاعتك‪ ،‬كما ابتدأته بالتوفيق لها‪.‬‬
‫طانا َّن ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫صد ٍق وأ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ير}‬
‫ص ًا‬ ‫نك ُسْل َ ً‬ ‫َخ ِر ْجني ُم ْخ َرَج ص ْد ٍق َو ْ‬
‫اج َعل َلي من ل ُد َ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬وُقل َّر َب أ َْدخْلني ُم ْد َخ َل ْ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومدخل الص و وودق ومخرجه‪ ،‬أن تكون أس و ووفار العبد ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الص و وودق والحق‪ ،‬واالل و ووتغال بما يحبه هللا‪ ،‬مقرونة بالتوكل على‬
‫هللا‪ ،‬ومصحوبة بمعونته‪.‬‬
‫وفيه اعتراف بنعمته آخ اًر‪ ،‬كما اعترف بها أوالً‪ ،‬في قوله‪" :‬لربنا حامدون"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة اإلسراء – آية ‪. 80‬‬
‫فكما أن على العبد أن يحمد هللا على التوفيق لفعل الصبادة والش و و و و ووروع في الحاجة فعليه أن يحمد هللا على تكميلها وتمامها‪ ،‬والفراغ منها؛ فين الفض و و و و وول‬
‫فضله‪ ،‬والخير خيره‪ ،‬واألسباب أسبابه‪ .‬وهللا ذو الفضل العظيهلل‪.‬‬
‫الحديث السادس والثمانون*‬
‫رواه أحمد ومسلهلل والنسائي‪.‬‬ ‫‪" :‬خذوا عني مناسككهلل"‬ ‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪ :‬أن النبي ‪‬‬
‫في‬ ‫هذا كالع جامع‪ .‬اسو و ووتدل به أهل العلهلل على مشو و وورواية جميع ما فعله النبي ‪ ،‬وما قاله في حجة وجوباً في الواجبات‪ ،‬ومسو و ووتحباً في المسو و ووتحبات‪ ،‬وهو نظير قوله ‪‬‬
‫الصالة‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" فكما أن ذلك يشمل جزئيات الصالة كلها‪ .‬فهذا يشمل جزئيات المناسك كلها‪.‬‬
‫‪ .‬ذكره في القواعد النورانية‪ .‬فقال قدس هللا روحه ورضي عنه‪:‬‬ ‫ولشيخ اإلسالع ابن تيمية كالع حسن جداً في خالصة حا النبي ‪‬‬
‫وقد ثبت بالنقل المتواتر عند الخاصة من علماء الحديث من وجوه كثيرة في الصحيحين وايرهما‪:‬‬
‫أنه ‪ ‬لما حا حجة الوداع أحرع هو والمسوولمون من ذي الحليفة‪ .‬فقال‪" :‬من لوواء أن يهل(‪ )1‬بعمرة فليفعل‪ .‬ومن لوواء أن يهل بحجة فليفعل‪ .‬ومن لوواء أن يهل بعمرة وحجة‬
‫ذب ُط‬ ‫ِ‬
‫وي َ‬
‫اله ْد ُي‪ :‬اسهلل لما ُيهدى ُ‬
‫فليفعل" فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمر جميع المسلمين الذين حجوا معه أن يحلوا من إحرامههلل ويجعلوها عمرة‪ ،‬إال من ساق الهدي‪ .‬و َ‬
‫الهدي َم ِحَّله(‪ ،)2‬فراجعه بعضو و و ووههلل في ذلك‪ .‬فغضو و و ووب‪ ،‬وقال‪" :‬انظروا ما أمرتكهلل به فافعلوه"‪ .‬وكان هو ‪ ‬قد سو و و وواق‬ ‫الم ْع ِز‪ ،‬فينه ال ُيحل حتى َيْبل‬ ‫في الحرِع ِمن ِ‬
‫اإلبل والبَق ِر و َ‬
‫ُ‬ ‫الغن ِهلل و َ‬ ‫َ‬
‫الهدي‪ ،‬فلهلل يحل من إحرامه‪ .‬ولما رأى كراهة بعضووههلل لبحالل قال‪" :‬لو اسووتقبلت من أمري ما اسووتدبرت لما سووقت الهدي‪ .‬ولجعلتها عمرة‪ ،‬ولوال أن معي الهدي ألحللت"‪( .‬لو علمت‬
‫من جواز العمرة في ألو و ووهر الحا (ما سو و ووقت الهدي) ما أتيت بالهدي الذي يمنعني من التحلل) وقال أيضو و واً‪" :‬إني َلَِب ْد ُت أرسو و ووي وقلدت هديي‪ ،‬فال أحل حتى أنحر"‪ .‬فحل المسو و وولمون‬
‫جميعههلل إال النفر الذين ساقوا الهدي‪ ،‬منههلل‪ :‬رسول هللا ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وطلحة بن عبيد هللا‪.‬‬
‫الم ِحَلون بالحا‪ ،‬وههلل ذاهبون إلى منى‪ .‬فبات بههلل تلك الليلة بمنى‪ .‬وص وولى بههلل فيها الظهر والعص وور والمغرب والعش وواء والفجر‪ .‬قص وور دون الجمع‬ ‫فلما كان يوع التروية أحرع ُ‬
‫ض و و ٍَب‪ ،‬ونمرة خارجة من عرفة‪ ،‬من يمانيها واربيها‪ ،‬ليسو ووت من الحرع‪ ،‬وال من عرفة‪ .‬فنصو ووبت له القبة بنمرة‪ .‬وهناهللا كان ينزل خلفاؤه ال ارلو وودون‬ ‫ثهلل سو ووار بههلل إلى نمرة‪ ،‬على طريق َ‬
‫بعده‪ ،‬وبها األسواق‪ ،‬وقضاء الحاجة‪ ،‬واألعل‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فلما زالت الشمس ركب هو ومن ركب معه وسار المسلمون إلى المصلى ببطن ُعرَن َة‪ ،‬حيث قد بنى المسجد وليس هو من‬
‫الحرع‪ ،‬وال من َع َرَفة‪ .‬وإنما هو برزا بين المش و و و ووعرين‪ :‬الحالل والحراع هناهللا‪ ،‬بينه وبين الموقا نحو ميل‪ .‬فخطب فيههلل خطبة الحا على راحلته‪ .‬وكان يوع الجمعة‪ ،‬ثهلل نزل فص و و و وولى‬
‫إلى الموقا بعرفة عند الجبل المعروف بجبل الرحمة‪ .‬واس وومه "إالل" على وزن هالل‪ .‬وهو الذي تس ووميه‬ ‫بههلل الظهر والعص وور مقص ووورتين مجموعتين‪ .‬ثهلل س ووار – والمس وولمون معه –‬
‫العامة عرفة‪ .‬فلهلل يزل هو والمسلمون في الذكر والدعاء إلى أن اربت الشمس‪ .‬فدفع بههلل إلى مزدلفة‪ ،‬فصلى المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق قبل حط الرحال‪ ،‬حين نزلوا بمزدلفة‪،‬‬
‫وبات بها حتى طلع الفجر‪ ،‬فصو وولى بالمسو وولمين الفجر في أول وقتها‪ ،‬مغلسو واً بها زيادة على كل يوع‪ ،‬ثهلل وقا عند ُق َز ‪ ،‬وهو جبل مزدلفة الذي يسو وومى المشو ووعر الحراع‪ .‬فلهلل يزل واقفاً‬
‫بالمسلمين إلى أن أسفر جداً‪.‬‬
‫علياً فنحر الباقي‪.‬‬
‫ثهلل دفع بههلل حتى قدع منى‪ ،‬فاس ووتفتحها برمي جمرة العقبة‪ ،‬ثهلل رجع إلى منزله بمنى‪ ،‬ثهلل أتى المنحر ونحر ثالثاً وس ووتين َب َدنة من الهدي الذي س وواقه‪ .‬وأمر َ‬
‫وكان مائة بدنة ثهلل حلق رأسه‪ .‬ثهلل أفاض إلى مكة‪ ،‬فطاف طواف اإلفاضة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫هو رفع الصوت ابلتلبية‪ ،‬واملراد هنا مع النية ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مكان ذحبه يف احلرم ‪.‬‬
‫ضو َعفة أهله من مزدلفة قبل طلوع الفجر‪ ،‬فرموا الجمرة بليل‪ .‬ثهلل أقاع بالمسوولمين أياع منى الثالث‪ ،‬يصوولي بههلل الصوولوات الخمس مقصووورة اير مجموعة‪ ،‬يرمي‬
‫وكان قد َع َّجل َ‬
‫عل يوع الجمرات الثالث بعد زوال الش وومس يس ووتفتط بالجمرة األولى – وهي الص ووغرى‪ ،‬وهي الدنيا إلى مني – والقص وووى من مكة‪ .‬ويختتهلل بجمرة العقبة‪ ،‬ويقا بين الجمرتين‪ :‬األولى‬
‫والثوانيوة‪ ،‬وبين الثوانيوة والثوالثوة وقوفواً طويالً بقودر سو و و و و و ووورة البقرة‪ ،‬يوذكر هللا ويودعو؛ فوين المواقا ثالث‪ :‬عرفوة ومزدلفوة‪ ،‬ومنى‪ .‬ثهلل أفواض آخر أيواع التشو و و و و و وريق بعود رمي الجمرات هو‬
‫صوب‪ ،‬عند خيف بني كنانة‪ ،‬فبات هو والمسولمون ليلة األربعاء‪ .‬وبعث تلك الليلة عائشوة مع أخيها عبد الرحمن؛ لتعتمر من التنصيهلل‪ ،‬وهو أقرب أطراف الحرع‬ ‫والمسولمون‪ ،‬فنزل بالمح َّ‬
‫من أصوحابه أحد قط إال عائشوة؛ ألجل أنها كانت قد‬ ‫إلى مكة‪ ،‬من طريق أهل المدينة‪ .‬وقد ُبني بعده هناهللا مسوجد سوماه الناس مسوجد عائشوة؛ ألنه لهلل يعتمر بعد الحا مع النبي ‪‬‬
‫حاضت لما قدمت وكانت معتمرة‪ .‬فلهلل تطا قبل الوقوف بالبيت‪ ،‬وال بين الصفا والمروة‬
‫ودع البيت هو والمس وولمون ورجعوا إلى المدينة‪ .‬ولهلل يقهلل بعد أياع التشو وريق‪ ،‬وال‬
‫‪" :‬اقض ووي ما يقض ووي الحاج‪ ،‬اير أن ال تطوفي بالبيت‪ ،‬وال بين الص ووفا والمروة" ثهلل َ‬ ‫وقال لها النبي ‪‬‬
‫بسونته في ذلك كله‪ ،‬إلى آخر ما قال‬ ‫اعتمر أحد قط على عهده عمرة يخرج فيها من الحرع إلى الحل إال عائشوة – رضوي هللا عنها – وحدها فأخذ فقهاء الحديث – كأحمد وايره –‬
‫رحمه هللا ورضي عنه‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫أنواع نسك الحج‪:‬‬


‫حج إفراد‬
‫ينوي فيه الحاج نية الحج فقط‪ .‬ثم يؤدي العمرة بعد االنتهاء من مناسك الحج إذا أراد‪.‬‬
‫حج ِقران‬
‫ينوي فيه الحاج نية اإلتيان بحج وعمرة معًا في آن واحد وبأفعال واحدة‪ ،‬من طواف وغيره من أعمال الحج‪ ،‬أو يحرم بالعمرة ً‬
‫أوال ثم يدخل الحج عليها قبل‬
‫الشروع في طوافها‪ .‬وعمل القارن كعمل المفرد سواء‪ ،‬إال أن القارن عليه هدي والمفرد ال هدي عليه‪.‬‬
‫حج تمتع‬
‫ينوي فيه الحاج نية العمرة في أشهر الحج (شوال‪ ،‬ذي العقدة وأول ‪ 8‬أيام من شهر ذي الحجة)‪ ،‬فينوي العمرة فقط ويؤدي مناسكها‪ ،‬ثم يتحلل من إحرامه‬
‫ويتمتع بحياته العادية من ملبس وغيره من معاشرة النساء‪ ،‬فإذا أتى اليوم الثامن من ذي الحجة نوى الحج من مكانه بمكة ولبس مالبس اإلحرام وأتى‬
‫بمناسك الحج‪ .‬وهذا النسك هو األفضل‪.‬‬
‫الحديث السابع والثمانون*‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫َحد} تعدل ثلث القرآن"‬
‫َّللاُ أ َ‬
‫‪ُ{" :‬ق ْل ُه َو َّ‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫تعدل ‪ /‬تساوي‬
‫تصمد ‪ /‬تسأله أو تحتاج‪ .‬الذي تصمد له جميع الخالئق في حاجاتها‬
‫لهلل يلد ‪ /‬لهلل يكن له ولد‪ .‬ولهلل يولد ‪ /‬لهلل يلد من لي‬
‫عفوا ‪ /‬مساوى‬
‫تكلهلل أهل العلهلل على معنى هذه المعادلة وتوجيهها‪.‬‬
‫وأحسن ما قيل فيها‪ :‬أن معادلتها لثلث القرآن؛ لما تضمنته من المعاني العظيمة‪ :‬معاني التوحيد‪ ،‬وأصول اإليمان‪ .‬فين المواضيع الجليلة التي التمل القرآن عليها‪:‬‬
‫‪-1‬إما أحكاع لراية‪ :‬ظاهرة أو باطنة‪ ،‬ابادات أو معامالت‪.‬‬
‫‪-2‬وإما قصص وأخبار عن المخلوقات السابقة والالحقة‪ ،‬وأحوال المكلفين في الجزاء على األعمال‪.‬‬
‫‪-3‬وإما توحيد ومعارف‪ ،‬تتعلق بأسماء هللا وصفاته‪ ،‬وتفرده بالوحدانية والكمال‪ ،‬وتنزهه عن كل عيب‪ ،‬ومماثلة أحد من المخلوقات‪.‬‬
‫َحد} مشتملة على هذا‪ ،‬ولاملة لكل ما يجب اعتقاده من هذا األصل‪ ،‬الذي هو أصل األصول كلها‪.‬‬ ‫َّللاُ أ َ‬
‫فسورة {ُق ْل ُه َو َّ‬
‫َحد}‪.‬‬
‫َّللاُ أ َ‬
‫ولهذا أمنا هللا أن نقولها بألسنتنا‪ ،‬ونعرفها بقلوبنا‪ ،‬ونعترف بها وندين هلل باعتقادها‪ .‬والتعبد هلل بها‪ ،‬فقال‪ُ{ :‬ق ْل ُه َو َّ‬
‫فالِل‪ :‬هو المألوه المستحق لمعاني األلوهية كلها‪ ،‬التي توجب أن يكون هو المعبود وحده‪ ،‬المحمود وحده‪ ،‬المشكور وحده‪ ،‬المعظهلل المقدس‪ ،‬ذو الجالل واإلعراع‪.‬‬
‫و"األحد" يعني‪ :‬الذي تفرد بكل كمال‪ ،‬ومجد وجالل‪ ،‬وجمال وحمد‪ ،‬وحكمة ورحمة‪ ،‬وايرها من صفات الكمال‪.‬‬
‫فليس لوه فيهوا مثيول وال نظير‪ ،‬وال منواسو و و و و و ووب بوجوه من الوجوه‪ .‬فهو األحود في حيواتوه وقيوميتوه‪ ،‬وعلموه وقودرتوه‪ ،‬وعظمتوه وجاللوه‪ ،‬وجموالوه وحموده‪ ،‬وحكمتوه ورحمتوه‪ ،‬وايرهوا من‬
‫صفاته‪ ،‬موصوف بغاية الكمال ونهايته‪ ،‬من كل صفة من هذه الصفات‪.‬‬
‫ومن تحقيق أحديته وتفرده بها أنه "الص وومد" أي‪ :‬الرب الكامل‪ ،‬والس وويد العظيهلل‪ ،‬الذي لهلل يبق ص ووفة كمال إال اتص ووا بها‪ .‬ووص ووا بغايتها وكمالها‪ ،‬بحيث ال تحيط الخالئق‬
‫( ‪)1‬‬
‫ض ُك َّل َي ْو ٍع ُه َو ِفي َلأ ٍ‬
‫ْن}‬ ‫ِ‬
‫ات و ْاأل َْر ِ‬ ‫ببعض تلك الصفات بقلوبههلل‪ ،‬وال تعبر عنها ألسنتههلل‪ .‬وهو المصمود إليه‪ ،‬المقصود في جميع الحوائا والنوائب { َي ْسأَلُ ُه َمن ِفي َّ‬
‫الس َم َاو َ‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الرمحن – آية ‪. 29‬‬
‫فهو الغني بوذاتوه‪ ،‬وجميع الكوائنوات فقيرة إليوه بوذاتههلل‪ ،‬في إيجوادههلل وإعودادههلل وإمودادههلل بكول موا ههلل محتواجون إليوه من جميع الوجوه‪ .‬ليس ألحود منهوا اني عنوه مثقوال ذرة‪ ،‬في‬
‫عل حالة من أحوالها‪.‬‬
‫فالص وومد‪ :‬هو المص وومود إليه‪ ،‬المقص ووود في كل ل وويء؛ لكماله وكرمه وجوده وإحس ووانه‪ .‬ولذلك (لهلل يلد ولهلل يولد) فين المخلوقات كلها متولد بعض ووها من بعض‪ ،‬وبعض ووها والد‬
‫بعض‪ ،‬وبعضها مولود وكل مخلوق فينه مخلوق من مادة‪ ،‬وأما الرب جل جالله‪ ،‬فينه منزه عن مماثلتها في هذا الوصا‪ ،‬كما هو منزه عن مماثلتها في كل صفة نقص‪.‬‬
‫َحد} أي‪ :‬ليس له نظير وال مكافئ وال مثيل‪ ،‬ال في أس وومائه‪ ،‬وال في ص ووفاته‪ ،‬وال في أفعاله‪ ،‬وال في جميع‬ ‫َّ‬
‫ولهذا حقق ذلك التنزيه‪ ،‬وتمهلل ذلك الكمال بقوله‪َ { :‬وَل ْهلل َي ُكن ل ُه ُكُف ًوا أ َ‬
‫حقوقه التي اختص بها‪.‬‬
‫فحقه الخاص أمران‪ :‬التفرد بالكمال كله من جميع الوجوه‪ ،‬والعبودية الخالصة من جميع الخلق‪.‬‬
‫فحق لسوورة تتضومن هذه الجمل العظيمة‪ :‬أن تعادل ثلث القرآن‪ .‬فين جميع ما في القرآن من األسوماء الحسونى‪ ،‬ومن الصوفات العظيمة العليا‪ ،‬ومن أفعال هللا وأحكاع صوفاته‪،‬‬
‫تفاصيل لهذه األسماء التي ذكرت في هذه السورة‪ ،‬بل كان ما في القرآن من العبوديات الظاهرة والباطنة‪ ،‬وأصنافها وتفاصيلها‪ ،‬تفصيل لمضمون هذه السورة‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثامن والثمانون*‬
‫‪" :‬ال حسد إال في اثنتين‪ :‬رجل آتاه هللا ماالً‪َّ ،‬‬
‫فسلطه على هلكته في الحق‪ .‬ورجل آتاه‬ ‫عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫هللا الحكمة‪ ،‬فهو يقضي بها‪ ،‬ويعلمها"‬

‫الغبطه المحموده ‪ :/‬أال يتمنى زوال نعمة هللا عن الغير‪ ،‬ولكن يتمنى حصول مثلها له‬
‫الحسد المذموع‪ /‬يتمنى زوال نعمة هللا عن الغير ويريدها لنفسه‬

‫فسلطه ‪َ /‬‬
‫سخره‬
‫الحكمة ‪ /‬الذكاء والعلهلل والفطنة‬

‫وسو و وواء أحب ذلك محبة اس و ووتقرت في قلبه‪ ،‬ولهلل يجاهد نفس و ووه‬ ‫الحس و وود نوعان‪ :‬نوع محرع مذموع على كل حال‪ ،‬وهو أن يتمنى زوال نعمة هللا عن العبد – دينية أو دنيوية –‬
‫عنها‪ ،‬أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها‪ :‬وهذا أيبط؛ فينه ظلهلل متكرر‪.‬‬
‫وهذا النوع هو الذي يأعل الحسنات كما تأعل النار الحطب‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬أال يتمنى زوال نعمة هللا عن الغير‪ ،‬ولكن يتمنى حصول مثلها له‪ ،‬أو فوقها أو دونها‪.‬‬
‫وهذا نوعان‪ :‬محمود واير محمود‪.‬‬
‫فالمحمود من ذلك‪ :‬أن يرى نعمة هللا الدينية على عبده‪ ،‬فيتمنى أن يكون له مثلها‪ .‬فهذا من باب تمني الخير‪ .‬فين قارن ذلك س و و و و ووعى وعمل لتحص و و و و وويل ذلك‪ ،‬فهو نور على‬
‫نور‪.‬‬
‫وأعظهلل من يغبط‪ :‬من كان عنده مال قد حصو وول له من ِحَّله‪ ،‬ثهلل ُس و وَلط ووفق على إنفاقه في الحق‪ ،‬في الحقوق الواجبة والمسو ووتحبة؛ فين هذا من أعظهلل البرهان على اإليمان‪،‬‬
‫ومن أعظهلل أنواع اإلحسان‪.‬‬
‫ومن كان عنده علهلل وحكمة علمه هللا إياها‪ ،‬فوفق لبذلها في التعليهلل والحكهلل بين الناس‪ .‬فهذان النوعان من اإلحسان ال يعادلهما ليء‪.‬‬
‫األول‪ :‬ينفع الخلق بماله‪ ،‬ويدفع حاجاتههلل‪ ،‬وينفق في المشاريع الخيرية‪ ،‬فتقوع ويتسلسل نفعها‪ ،‬ويعظهلل وقعها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ينفع الناس بعلمه‪ ،‬وينشر بينههلل الدين والعلهلل الذي يهتدي به الصباد في جميع أمورههلل‪ :‬من ابادات ومعامالت وايرها‪.‬‬
‫ثهلل بعد هذين االثنين‪ :‬تكون الغبطة على الخير‪ ،‬بحسو و ووب حاله ودرجاته عند هللا‪ .‬ولهذا أمر هللا تعالى بالفر واالسو و ووتبشو و ووار بحصو و ووول هذا الخير‪ ،‬وإنه ال يوفق لذلك إال أهل‬
‫َح َس و ُن َفِي َذا َّال ِذي َب ْي َن َك‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫الحظو العظيمة العالية‪ .‬قال تعالى‪ُ{ :‬قل ِبَفض و ِل ِ‬
‫{وال تَ ْس وتَ ِوي اْل َح َس و َن ُة َوال ال َّس وَِي َ ُة ْادَف ْع ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫َّللا َوبِ َر ْح َمته َفب َذل َك َفْل َيْف َر ُحوْا ُه َو َخ ْير َم َّما َي ْج َم ُعو َن} ‪ .‬وقال‪َ :‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ظ َع ِظيهللٍ}(‪.)2‬‬ ‫اها ِإال ُذو َح ٍَ‬ ‫ص َب ُروا َو َما ُيَلَّق َ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَب ْي َن ُه َع َد َاوة َكأََّن ُه َولِ ٌّي َحميهلل ‪َ ،‬و َما ُيَلَّق َ‬
‫اها ِإال الذ َ‬
‫وقد يكون من تمنى ل و و و ووي اً من هذه الخيرات‪ ،‬له مثل أجر الفاعل إذا ص و و و وودقت نيته‪ ،‬وص و و و وومهلل عن عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل‪َ ،‬ل َع ِم َل مثله‪ ،‬كما ثبت بذلك الحديث‪.‬‬
‫وخصوصاً إذا لرع وسعى بعض السعي‪.‬‬
‫{يا َل ْي َت َل َنا ِم ْث َل َما أُوِتي‬ ‫وأما الغبطة التي هي اير محمودة‪ ،‬فهي تمني حص و و ووول مطالب الدنيا ألجل اللذات‪ ،‬وتناول الش و و ووهوات‪ ،‬كما قال هللا تعالى حكاية عن قوع قارون‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ظ َع ِظيهللٍ}(‪ )3‬فين تمني مثل حالة من يعمل السي ات فهو بنيته‪ ،‬ووزرهما سواء‪.‬‬ ‫َق ُارو ُن ِإَّن ُه َل ُذو َح ٍَ‬
‫فهذا التفصيل يتضط الحسد المذموع في كل حال‪ .‬والحسد الذي هو الغبطة‪ ،‬الذي يحمد في حال‪ ،‬ويذع في حال‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة يونس – آية ‪. 58‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة فصلت – اآليتان ‪. 35 ، 34‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سورة القصص – آية ‪. 79‬‬
‫الحديث التاسع والثمانون*‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫كان يدعو‪ ،‬فيقول‪ :‬اللههلل إني أسألك الهدى والتقى‪ ،‬والعفاف والغنى"‬ ‫عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪" :‬أن النبي ‪‬‬
‫السؤال ‪ /‬الطلب‬
‫التقوى ‪ /‬الوقاية أو االجتناب‬
‫العفاف ‪ /‬المنع‬
‫الغنى ‪ /‬اإلستغناء واللجوء الى هللا عزوجل‬
‫هذا الدعاء من أجمع األداية وأنفعها‪ .‬وهو يتض و وومن سو و وؤال خير الدين وخير الدنيا؛ فين "الهدى" هو العلهلل النافع‪ .‬و"التقى" العمل الص و ووالط‪ ،‬وترهللا ما نهى هللا ورس و وووله عنه‪.‬‬
‫وبذلك يصلط الدين‪ .‬فين الدين علوع نافعة‪ ،‬ومعارف صادقة‪ .‬فهي الهدى‪ ،‬ويياع بطاعة هللا ورسوله‪ :‬فهو التقى‪.‬‬
‫و"العفاف والغنى" يتض و و وومن العفاف عن الخلق‪ ،‬وعدع تعليق القلب بههلل‪ .‬والغنى بالِل وبرزقه‪ ،‬والقناعة بما فيه‪ ،‬وحص و و ووول ما يطم ن به القلب من الكفاية‪ .‬وبذلك تتهلل س و و ووعادة‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬والراحة القلبية‪ ،‬وهي الحياة الطيبة‪.‬‬
‫فمن رزق الهدى والتقى‪ ،‬والعفاف والغنى‪ ،‬نال السعادتين‪ ،‬وحصل له كل مطلوب‪ .‬ونجا من كل مرهوب‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث التسعون *‬
‫‪" :‬من أحب أن يزحز عن النار‪ ،‬ويدخل الجنة‪ :‬فلتأته منيته وهو يؤمن بالِل واليوع‬ ‫عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫اآلخر‪ .‬وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه"‬
‫يزحز ‪ /‬أن يبتعد‬
‫منيته ‪ /‬الموت‬
‫في هذا الحديث لها سو و ووببين‪ ،‬ترجع إليهما جميع الشو و ووعب‬ ‫ال لو و ووك أن من زحز عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‪ ،‬وأن هذه ااية يسو و ووعى إليها جميع المؤمنين‪ .‬فذكر النبي ‪‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫الِلِ – اآلية}‬
‫آمَّنا ِب َ‬
‫والفروع‪ :‬اإليمان بالِل واليوع اآلخر‪ ،‬المتضمن لبيمان باألصول التي ذكرها هللا بقوله‪ُ{ :‬قوُلوْا َ‬
‫ومتضومن للعمل لآلخرة واالسوتعداد لها؛ ألن اإليمان الصوحيط يقتضوي ذلك ويسوتلزمه‪ .‬واإلحسوان إلى الناس‪ ،‬ون يصول إليههلل منه من القول والفعل والمال والمعاملة ما يحب‬
‫أن يعاملوه به‪.‬‬
‫فهذا هو الميزان الصوحيط لبحسوان وللنصوط‪ ،‬فكل أمر ألوكل عليك مما تعامل به الناس فانظر هل تحب أن يعاملوهللا بتلك المعاملة أع الف فين كنت تحب ذلك‪ ،‬كنت محباً‬
‫لههلل ما تحب لنفسك‪ ،‬وإن كنت ال تحب أن يعاملوهللا بتلك العاملة‪ :‬فقد ضيعت هذا الواجب العظيهلل‪.‬‬
‫فالجملة األولى‪ :‬فيها القياع بحق هللا‪ .‬والجملة الثانية فيها القياع بحق الخلق‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة البقرة – آي ‪. 136‬‬
‫الحديث الحادي والتسعون*‬
‫‪" :‬إن هللا يرضو ووى لكهلل ثالثاً‪ ،‬ويكره لكهلل ثالثاً‪ .‬فيرضو ووى لكهلل أن تعبدوه وال تشو ووركوا به لو ووي اً‪ ،‬وأن‬ ‫عن أبي هريرة رضو ووي هللا عنه قال‪ :‬قال رسو ووول هللا ‪‬‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫تعتصموا بحبل هللا جميعاً‪ ،‬وال تفرقوا‪ .‬ويكره لكهلل‪ ،‬قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال"‬
‫فيه إثبات الرض ووى هلل‪ ،‬وذكر متعلقاته‪ ،‬وإثبات الكراهة منه‪ .‬وذكر متعلقاتها؛ فين هللا جل جالله من كرمه على اباده‪ ،‬يرض ووى لههلل ما فيه مص وولحتههلل‪ ،‬وس ووعادتههلل في العاجل‬
‫واآلجل‪.‬‬
‫وذلك بالقياع بصبادة هللا وحده ال ل و وريك له‪ ،‬وإخالص الدين له بأن يقوع الناس بعقائد اإليمان وأص و وووله‪ ،‬ولو وورائع اإلس و ووالع الظاهرة والباطنة‪ ،‬وباألعمال الص و ووالحة‪ ،‬واألخالق‬
‫الزاعية‪ .‬كل ذلك خالص و واً هلل موافقاً لمرض و وواته‪ .‬على س و وونة نبيه‪ .‬ويعتص و ووموا بحبل هللا‪ ،‬وهو دينه الذي هو الوص و وولة بينه وبين اباده‪ .‬فيقوموا به مجتمعين متعاونين على البر والتقوى‬
‫"المسلهلل أخو المسلهلل‪ ،‬ال يظلمه‪ ،‬وال يخذله‪ ،‬وال يكذبه‪ ،‬وال يحقره" بل يكون محباً له مصافياً‪ ،‬وأخاً معاوناً‪.‬‬
‫وبهذا األص وول والذي قبله يكمل الدين‪ ،‬وتتهلل النعمة على المس وولمين‪ ،‬ويعزههلل هللا بذلك وينص وورههلل‪ ،‬لقيامههلل بجميع الوس ووائل التي أمرههلل هللا بها والتي تكفل لمن قاع بها بالنص وور‬
‫والتمكين‪ ،‬وبالفال والنجا العاجل واآلجل‪.‬‬
‫ثهلل ذكر ما كره هللا لصباده‪ ،‬مما ينافي هذه األمور التي يحبها وينقض ووها‪ .‬فمنها‪ :‬كثرة القيل والقال؛ فين ذلك من دواعي الكذب‪ ،‬وعدع التثبت‪ ،‬واعتقاد اير الحق‪ .‬ومن أس ووباب‬
‫وقل أن يسلهلل أحد من ليء من ذلك‪ ،‬إذا كانت رابته في القيل والقال‪.‬‬
‫وقوع الفتن‪ ،‬وتنافر القلوب‪ .‬ومن االلتغال باألمور الضارة عن األمور النافعة‪َّ .‬‬
‫وأما قوله‪" :‬وكثرة الس وؤال" فهذا هو الس وؤال المذموع‪ ،‬كس وؤال الدنيا من اير حاجة وضوورورة‪ ،‬والس وؤال على وجه التعنت واإلعنات‪ ،‬وعن األمور التي يخشووى من ضووررها‪ ،‬أو‬
‫( ‪)1‬‬
‫َل َياء ِإن تُْب َد َل ُك ْهلل تَ ُس ْؤُك ْهلل}‬
‫آم ُنوْا الَ تَ ْسأَلُوْا َع ْن أ ْ‬ ‫عن األمور التي ال نفع فيها‪ ،‬الداخلة في قوله تعالى‪{ :‬يا أَي َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫ذها الذ َ‬
‫َ َ‬
‫وأما السؤال عن العلوع النافعة على وجه االسترلاد أو اإلرلاد فهذا محمود مأمور به‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وإضو و وواعة المال" وذلك إما بترهللا حفظه حتى يضو و وويع‪ ،‬أو يكون عرضو و ووة للسو و و َّوراق والضو و ووياع‪ ،‬وإما بيهمال عمارة عقاره‪ ،‬أو اإلنفاق على حيوانه‪ ،‬وإما بينفاق المال في‬
‫األمور الضوارة‪ ،‬أو الغير النافعة‪ .‬فكل هذا داخل في إضواعة المال‪ .‬وإما بتولي ناقصوي العقول لها‪ ،‬كالصوغار والسوفهاء والمجانين ونحوههلل؛ ألن هللا تعالى جعل األموال يياماً للناس‪،‬‬
‫بها تقوع مصالحههلل الدينية والدنيوية‪ .‬فتماع النعمة فيها أن تصرف فيما خلقت له‪ :‬من المنافع‪ ،‬واألمور الشراية‪ ،‬والمنافع الدنيوية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة املائدة – آية ‪. 101‬‬
‫وما كرهه هللا لصباده‪ ،‬فهو يحب منههلل ضودها‪ ،‬يحب منههلل أن يكونوا متثبتين في جميع ما يقولونه‪ ،‬وأن ال ينقلوا كل ما سومعوه‪ ،‬وأن يكونوا متحرين للصودق‪ ،‬وأن ال يسوألوا إال‬
‫َّللاُ َل ُك ْهلل‬ ‫َِّ‬
‫{والَ تُ ْؤتُوْا ال ذس و و و وَف َهاء أ َْم َواَل ُك ُهلل التي َج َع َل َ‬
‫عما ينفع‪ ،‬وأن يحفظوا أموالههلل ويدبروها‪ ،‬ويتص و و و ورفوا فيها التص و و و ورفات النافعة‪ ،‬ويص و و و ورفوها في المص و و و ووارف النافعة‪ .‬ولهذا قال تعالى‪َ :‬‬
‫ِي َياماً}(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة النساء – آية ‪. 5‬‬
‫الحديث الثاني والتسعون توقفنا هنا‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن أبا سفيان رجل لحيط‪ ،‬ال‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪" :‬دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول هللا ‪‬‬
‫‪ :‬خذي من ماله بالمعروف‬ ‫ف فقال رسول هللا ‪‬‬ ‫علي في ذلك من جنا‬‫بني‪ ،‬إال ما أخذته من ماله بغير علمه‪ ..‬فهل َّ‬
‫يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي َّ‬
‫ما يكفيك ويكفي بنيك" متفق عليه‪.‬‬

‫أخذ العلماء من هذا الحديث فقهاً كثي اًر‪ .‬سألير إلى ما يحضرني‪.‬‬
‫منه‪ ،‬أن المسووتفتى والمتظلهلل يجوز أن يتكلهلل بالصوودق فيمن تعلق به االسووتفتاء والتظلهلل‪ ،‬وليس من الغيبة المحرمة‪ ،‬وهو أحد المواضووع المسووتثنيات من الغيبة‪ .‬ويجمع الجميع‪،‬‬
‫جاز ذلك‬ ‫الحاجة إلى التكلهلل في الغير؛ فين الغيبة المحرمة ذكرهللا أخاهللا بما يكره‪ .‬فين احتيا إلى ذلك – كما ذكرنا وكما في النصوويحة الخاصووة‪ ،‬أو العامة‪ ،‬أو ال يعرف إال بلقبه –‬
‫بمقدار ما يحصل به المقصود‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن نفقة األوالد واجبة على األب‪ ،‬وأنه يختص بها‪ ،‬ال تشاركه األع فيها وال ايره‪.‬‬
‫وكذلك فيه‪ :‬وجوب نفقة الزوجة‪ ،‬وأن مقدار ذلك الكفاية؛ لقوله ‪" :‬خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك" وأن الكفاية معتبرة بالعرف بحس و و و ووب أحوال الناس‪ :‬في‬
‫وط عن النفقة أص والً أو تكميالً‪ ،‬فلمن له النفقة أو يبالوور اإلنفاق أن يأخذ من ماله‪ ،‬ولو بغير علمه‪ .‬وذلك ألن السووبب‬
‫زمانههلل ومكانههلل‪ ،‬ويسوورههلل وعسوورههلل‪ ،‬وأن المنفق إذا امتنع أو لو َّ‬
‫‪" :‬ال تخن من خانك"‪.‬‬ ‫ظاهر‪ .‬وال ينسب في هذه الحالة إلى خيانة‪ .‬فال يدخل في قوله ‪‬‬
‫وهذا هو القول الوسو ووط الصو ووحيط في مسو ووألة األخذ من مال من له حق عليه بغير علمه بمقدار حقه‪ .‬وهو المشو ووهور من مذهب اإلماع أحمد‪ ،‬أنه ال يجوز ذلك‪ ،‬إال إذا كان‬
‫السبب ظاه اًر‪ ،‬كالنفقة على الزوجة واألوالد والمماليك ونحوههلل‪ .‬وكحق الضيف‪.‬‬
‫ومنه أن المتولي أم اًر من األمور يحتاج فيه إلى تقدير مالي‪ ،‬يقبل قوله في التقدير؛ ألنه مؤتمن‪ ،‬له الوالية على ذلك الشيء‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن المسوتفتى فتوى لها تعلق بالغير إذا الب على ظن المسوؤول صودقه‪ :‬ال يحتاج إلى إحضوار ذلك الغير‪ .‬وخصووصواً إذا كان في ذلك مفسودة‪ ،‬كما في هذه القضوية؛‬
‫فينه لو أحضر أبا سفيان لهذه الشكاية لهلل يؤمن أن يقع بينه وبين زوجه ما ال ينبغي‪.‬‬
‫وليس في هذا داللة على الحكهلل على الغائب؛ فين هذا ليس بحكهلل‪ .‬وإنما هو استفتاء ‪ . .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثالث والتسعون‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫يقول‪" :‬ال يحكهلل أحد بين اثنين وهو اضبان"‬ ‫عن أبي بكرة رضي هللا عنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪‬‬
‫القاضي‬
‫هذا الحديث يدل على أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬نهي الحاعهلل بين الناس أن يحكهلل في كل قضوية معينة بين اثنين وهو اضوبان‪ ،‬سوواء كان ذلك في القضوايا الدينية أو الدنيوية‪ .‬وذلك لما في الغضوب من تغير الفكر‬
‫وانحرافه‪ .‬وهذا االنحراف للفكر يضر في استحضاره للحق‪ .‬ويضر أيضاً في قصده الحق‪ .‬والغرض األصلي للحاعهلل وايره‪ :‬قصد الحق علماً وعمالً‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يدل على أنه ينبغي أن يجتهد في األخذ باألسوباب التي تصورف(تُذهب) الغضوب‪ ،‬أو تخففه‪ :‬من التخلق بالحلهلل والصوبر‪ ،‬وتوطين النفس على ما يصويبه‪ ،‬وما يسومعه‬
‫من الخصوع؛ فين هذا عون كبير على دفع الغضب‪ ،‬أو تخفيفه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يؤخذ من هذا التعليل‪ :‬أن كل ما منع اإلنسو و ووان من معرفة الحق أو قصو و ووده‪ ،‬فحكمه حكهلل الغضو و ووب‪ .‬وذلك كالههلل الشو و ووديد‪ ،‬والجوع والعطش‪ ،‬وكونه حاقناً أو حايباً أو‬
‫نحوها‪ ،‬مما يشغل الفكر مثل أو أعثر من الغضب‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن النهي عن الحكهلل في حال الغض و ووب ونحوه مقص و ووود لغيره‪ .‬وهو أنه ينبغي للحاعهلل أال يحكهلل حتى يحيط علماً بالحكهلل الش و وورعي الكلي‪ ،‬وبالقض و ووية الجزئية من جميع‬
‫أطرافها‪ ،‬ويحسن كيف يطبقها على الحكهلل الشرعي‪.‬‬
‫فين الحاعهلل محتاج إلى هذه األمور الثالثة‪*:‬‬
‫األول‪ :‬العلهلل بالطرق الشراية‪ ،‬التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكهلل بين الناس‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يفههلل ما بين الخص وومين من الخص ووومة‪ ،‬ويتص ووورها تص ووو اًر تاماً‪ ،‬ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته‪ ،‬ويش وور قض وويته ل وورحاً تاماً‪ .‬ثهلل إذا تحقق ذلك وأحال به علماً‬
‫احتاج إلى األمر الثالث‪.‬‬
‫وهو ص و ووفة تطبيقها وإدخالها في األحكاع الش و ووراية‪ ،‬فمتى وفق لهذه األمور الثالثة‪ ،‬وقص و وود العدل‪ ،‬وفق له‪ ،‬وهدي إليه‪ ،‬ومتى فاته واحد منها‪ ،‬حص و وول الغلط‪ ،‬واختل الحكهلل‪.‬‬
‫وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الرابع والتسعون‬
‫رواه أحمد وأبو داود‪ .‬وعلقه البخاري‪.‬‬ ‫الب ْس وتصدق‪ ،‬من اير َس َرف وال َمخيلة"‬
‫‪ُ " :‬ع ْل والرب‪ ،‬و َ‬ ‫عن عمرو بن لعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫المخيله ‪ /‬البخل‬
‫االسراف ‪ /‬التبذير (لراء فوق حاجة اإلنسان)‬
‫هذا الحديث مشووتمل على اسووتعمال المال في األمور النافعة في الدين والدنيا‪ ،‬وتجنب األمور الضووارة‪ .‬وذلك أن هللا تعالى جعل المال قواماً للصباد‪ ،‬به تقوع أحوالههلل الخاصووة‬
‫والعامة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ .‬وقد أرلد هللا ورسوله فيه – استخراجاً واستعماالً‪ ،‬وتدبي اًر وتصريفاً – إلى أحسن الطرق وأنفعها‪ ،‬وأحسنها عايبة‪ :‬حاالً ومةالً‪.‬‬

‫أرل وود فيه إلى الس ووعي في تحص وويله باألس ووباب المباحة والنافعة‪ ،‬وأن يكون الطلب جميالً‪ ،‬ال كس وول معه وال فتور‪ ،‬وال انهماهللا في تحص وويله ان ِهماعاً َ‬
‫يخل بحالة اإلنس ووان‪ ،‬وأن‬
‫يتجنب من المكاسووب المحرمة والردي ة ثهلل إذا تحصوول سووعي اإلنسووان في حفظه واسووتعماله بالمعروف‪ ،‬باألعل والشوورب واللباس‪ ،‬واألمور المحتاج إليها‪ ،‬هو ومن يتصوول به من زوجة‬
‫وأوالد وايرههلل‪ ،‬من اير تقتير وال تبذير‪.‬‬
‫وكوذلوك إذا أخرجوه للغير فيخرجوه في الطرق التي تنفعوه‪ ،‬ويبقى لوه ثوابهوا وخيرهوا‪ ،‬كوالصو و و و و و وودقوة على المحتواج من األقوارب والجيران ونحوههلل‪ ،‬وكواإلهوداء والودعوات التي جرى‬
‫العرف بها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ين ِإ َذا أ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َنفُقوا َل ْهلل ُي ْس ِرُفوا َوَل ْهلل َيْقتُُروا َوَك َ‬
‫( ‪)1‬‬
‫اما}‬
‫ان َب ْي َن َذل َك َق َو ً‬ ‫وكل ذلك معلق بعدع اإلسراف‪ ،‬وقصد الفخر والخيالء‪ ،‬كما قيده في هذا الحديث‪ ،‬وكما في قوله تعالى‪َ { :‬والذ َ‬
‫فهذا هو العدل في تدبير المال‪ :‬أن يكون قواماً(‪ )2‬بين رتبتي البخل والتبذير‪ .‬وبذلك تقوع األمور وتتهلل‪ .‬وما سوى هذا فيثهلل وضرر‪ ،‬ونقص في العقل والحال‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الفرقان – آية ‪. 67‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وسطاً ‪.‬‬
‫الحديث الخامس والتسعون‬
‫الناس عليهف‬ ‫عن أبي ٍَذر رضي هللا عنه قال‪" :‬قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير‪ ،‬ويحمده – أو يحبه –‬
‫رواه مسلهلل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"‬

‫عاجل ‪ /‬بشاره يجدها العبد في الدنيا قبل اآلخره‬


‫بشاره ‪ /‬الفرحه‬
‫بالبشرى في هذه الحياة وفي اآلخرة‪.‬‬ ‫أخبر ‪ ‬في هذا الحديث‪ :‬أن آثار األعمال المحمودة المعجلة أنها من البشرى؛ فين هللا وعد أولياءه – وههلل المؤمنون المتقون –‬
‫و"البشارة" الخبر أو األمر السار الذي يعرف به العبد حسن عاقبته‪ ،‬وأنه من أهل السعادة‪ ،‬وأن عمله مقبول‪.‬‬
‫أما في اآلخ رة فهي البشووارة برضووى هللا وثوابه‪ ،‬والنجاة من اضووبه وعقابه‪ ،‬عند الموت‪ ،‬وفي القبر‪ ،‬وعند القياع إلى البعث يبعث هللا لعبده المؤمن في تلك المواضووع بالبشوورى‬
‫على يدي المالئكة‪ ،‬كهلل تكاثرت بذلك نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وهي معروفة‪.‬‬
‫وأما البش ووارة في الدنيا التي يعجلها هللا للمؤمنين؛ نموذجاً وتعجيالً لفض ووله‪ ،‬وتعرفاً لههلل بذلك‪ ،‬وتنش وويطاً لههلل على األعمال فأعمها توفيقه لههلل للخير‪ ،‬وعص وومته لههلل من الش وور‪،‬‬
‫‪" :‬أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة"‪.‬‬ ‫عما قال ‪‬‬
‫فيذا كان العبد يجد أعمال الخير ميس ورة له‪ ،‬مس ووهلة عليه‪ ،‬ويجد نفس ووه محفوظاً بحفظ هللا من األعمال التي تض وره‪ ،‬كان هذا من البش وورى التي يس ووتدل بها المؤمن على عايبة‬
‫أمره؛ فين هللا أعرع األعرمين‪ ،‬وأجود األجودين‪ .‬وإذا ابتدأ عبد باإلحسو ووان أتمه‪ .‬فأعظهلل منة وإحسو ووان يمن به عليه إحسو ووانه الديني‪ .‬فيسو و َور المؤمن بذلك أعمل سو وورور‪ :‬سو وورور بمنة هللا‬
‫عليه بأعمال الخير‪ ،‬وت يسيرها؛ ألن أعظهلل عالمات اإليمان محبة الخير‪ ،‬والرغبة فيه‪ ،‬والسرور بفعله‪ .‬وسرور ثان بطمعه الشديد في إتماع هللا نعمته عليه‪ ،‬ودواع فضله‪.‬‬
‫وخص وووصو واً اآلثار الص ووالحة والمش وواريع الخيرية العامة النفع‪ ،‬وترتب على ذلك محبة‬ ‫ومن ذلك ما ذكره النبي ‪ ‬في هذا الحديث‪ :‬إذا عمل العبد عمالً من أعمال الخير –‬
‫الناس له‪ ،‬وثناؤههلل عليه‪ ،‬ودعاؤههلل له ‪ -‬كان هذا من البشرى أن هذا العمل من األعمال المقبولة‪ ،‬التي جعل هللا فيها خي اًر وبركة‪.‬‬
‫ص و والِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْح َم ُن ُوًّدا}(‪ )1‬أي محبة منه لههلل‪ ،‬وتحبيباً لههلل في قلوب‬
‫ات َس و و َي ْج َع ُل َل ُه ُهلل َّ‬ ‫آم ُنوا َو َعملُوا ال َّ َ‬ ‫ومن البش و وورى في الحياة الدنيا‪ ،‬محبة المؤمنين للعبد‪ :‬لقوله تعالى‪ِ{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َ‬
‫الصباد‪.‬‬
‫ومن ذلك الثناء الحسن؛ فين كثرة ثناء المؤمنين على العبد لهادة منههلل له‪ .‬والمؤمنون لهداء هللا في أرضه‪.‬‬
‫ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن‪ ،‬أو تُرى له؛ فين الرؤيا الصالحة من المبشرات‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة مرمي – آية ‪. 96‬‬
‫ومن البشرى أن يقدر هللا على العبد تقدي اًر يحبه أو يكرهه‪ .‬ويجعل ذلك التقدير وسيلة إلى إصال دينه‪ ،‬وسالمته من الشر‪.‬‬
‫وأنواع ألطاف الباري سبحانه وتعالى ال َ‬
‫تعد وال تحصى‪ ،‬وال تخطر بالبال‪ ،‬وال تدور في الخيال‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث السادس والتسعون حفظ*‬
‫‪" :‬رضى هللا في رضى الوالدين‪ .‬وسخط هللا في سخط الوالدين"‬ ‫عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫أخرجه الترمذي‪ .‬وصححه ابن حبان والحاعهلل‪.‬‬

‫الرضى المحبه‬
‫السخط الغضب‬
‫هذا الحديث دليل على فضل َبر الوالدين ووجوبه‪ ،‬وأنه سبب لرضى هللا تعالى‪ .‬وعلى التحذير عن عقوق الوالدين وتحريمه‪ ،‬وأنه سبب لسخط هللا‪.‬‬
‫وال ل و ووك أن هذا نهلل رحمة هللا بالوالدين واألوالد؛ إذ بين الوالدين وأوالدههلل من االتص و ووال ما ال يش و ووبهه ل و وويء من الص و ووالت واالرتبال الوثيق‪ ،‬واإلحس و ووان من الوالدين الذي ال‬
‫يسوواويه إحسووان أحد من الخلق‪ .‬والتربية المتنوعة وحاجة األوالد‪ ،‬الدينية والدنيوية إلى القياع بهذا الحق المتأعد؛ وفاء بالحق‪ ،‬واعتسواباً للثواب‪ ،‬وتعليماً لذريتههلل أن يعاملوههلل بما عاملوا‬
‫به والديههلل‪.‬‬
‫هذه األسباب وما يتفرع عنها موجب لجعل رضاههلل مقروناً برضا هللا‪ ،‬وضده بضده‪.‬‬
‫وإذا قيل‪ :‬فما هو البر الذي أمر هللا به ورسولهف‬
‫قيل‪ :‬قد َح َّده هللا ورس وووله بحد معروف‪ ،‬وتفس ووير يفهمه كل أحد‪ .‬فالِل تعالى أطلق األمر باإلحس ووان إليهما‪ .‬وذكر بعض األمثلة التي هي أنموذج من اإلحس ووان‪ .‬فكل إحس ووان‬
‫قولي أو فعلي أو بدني‪ ،‬بحسب أحوال الوالدين واألوالد والوقت والمكان‪ ،‬فين هذا هو البر‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث‪ :‬ذكر ااية البر ونهايته التي هي رضو و ووي الوالدين؛ فاإلحسو و ووان موجب وسو و ووبب‪ ،‬والرضو و ووى أثر ومسو و ووبب‪ .‬فكل ما أرض الوالدين من جميع أنواع المعامالت‬
‫العرفية‪ ،‬وسولوهللا كل طريق ووسويلة ترضويهما‪ ،‬فينه داخل في البر‪ ،‬كما أن العقوق‪ ،‬كل ما يسوخطهما من قول أو فعل‪ .‬ولكن ذلك مقيد بالطاعة ال بالمعصوية‪ .‬فمتى تعذر على الولد‬
‫إرضاء والديه إال بيسخال هللا‪ ،‬وجب تقديهلل محبة هللا على محبة الوالدين‪ .‬وكان اللوع والجناية من الوالدين‪ ،‬فال يلومان إال أنفسهما‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث‪ :‬إثبات صووفة الرضووى والسووخط هلل‪ ،‬وأن ذلك متعلق بمحابه وم ارضوويه‪ .‬فالِل تعالى يحب أولياءه وأصووفياءه‪ .‬ويحب من قاع بطاعته وطاعة رسوووله‪ .‬وهذا من‬
‫عماله وحكمته وحمده‪ ،‬ورحمته ورضاه وسخطه‪ ،‬من صفاته المتعلقة بمشي ته وقدرته‪.‬‬
‫والعصمة في ذلك‪ :‬أنه يجب على المؤمن أن يثبت ما أثبته هللا لنفسه‪ ،‬وأثبته له رسوله من صفات الكمال الذاتية والفعلية‪ ،‬على وجه يليق بعظمة هللا وكبريائه ومجده‪ .‬ويعلهلل‬
‫أن هللا ليس له ِنٌّد‪ ،‬وال كفو‪ ،‬وال مثيل في ذاته وأسمائه‪ ،‬وصفاته وأفعاله‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث السابع والتسعون*‬
‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" : ‬ثالث ال َي ُغ ذل عليهن قلب مسلهلل‪ :‬إخالص العمل هلل‪ ،‬ومناصحة والة األمور‪ ،‬ولزوع‬
‫جماعة المسلمين؛ فين دعوتههلل تحيط من ورائههلل" رواه مسلهلل‪.‬‬

‫الغل ‪ /‬ال يدخل الحقد‬


‫والة األمور ‪ /‬الحاعهلل أو الرئيس‬
‫لزوع جماعة المسلمين ‪ /‬نكون دائما معههلل متمسكين‬
‫فين دعوتههلل تحيط من ورائههلل ‪ /‬أن هذه األمور الثالث تحمي قلوبههلل من الحقد والكره‬

‫قال الشو و و وويخ لو و و وومس الدين ابن القيهلل رحمه هللا‪ :‬أي ال يبقى في القلب ال وال يحمل الغل مع هذه الثالثة‪ ،‬بل تنفي عنه اله‪ ،‬وتنقيه منه‪ ،‬وتخرجه منه؛ فين القلب يغل على‬
‫الشو و و و ورهللا أعظهلل ال‪ .‬وكذلك يغل على الغش‪ ،‬وعلى خروجه عن جماعة المس و و و وولمين بالبدعة والض و و و ووالل‪ .‬فهذه الثالثة تملؤه االً وداالً‪ .‬ودواء هذا الغل واس و و و ووتخراج أخالطه‪ ،‬بتجريد‬
‫اإلخالص والنصط‪ ،‬ومتابعة السنة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أي فمن أخلص أعماله كلها هلل‪ ،‬ونصووط في أموره كلها لصباد هللا‪ ،‬ولزع الجماعة باالئتالف‪ ،‬وعدع االختالف‪ .‬وصووار قلبه صووافياً نقياً‪ ،‬صووار هلل ولياً‪ .‬ومن كان بخالف ذلك‬
‫امتأل قلبه من كل آفة ولر‪ .‬وهللا أعلهلل‪.‬‬
‫الحديث الثامن والتسعون حقظ*‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪" :‬إنما الناس كاإلبل المائة‪ .‬ال تكاد تجد فيها راحلة"‬ ‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫هذا الحديث مشتمل على خير صادق‪ ،‬وإرلاد نافع(النصيحه)‪.‬‬


‫فيههلل قليل‪ ،‬كاإلبل المائة‪ ،‬تسو و و ووتكثرها‪ .‬فيذا أردت منها راحلة تصو و و وولط للحمل‬ ‫أما الخبر‪ ،‬فينه ‪ ‬أخبر‪ ،‬أن النقص لو و و ووامل ألعثر الناس‪ ،‬وأن الكامل – أو مقارب الكمال –‬
‫والركوب‪ ،‬والذهاب واإلياب‪ ،‬لهلل تكد تجدها‪ .‬وهكذا الناس كثير‪ .‬فيذا أردت أن تنتخب منههلل من يص و و و و و وولط للتعليهلل أو الفتوى أو اإلمامة‪ ،‬أو الواليات الكبار أو الص و و و و و ووغار‪ ،‬أو للوظائا‬
‫المهمة‪ ،‬لهلل تكد تجد من يقوع بتلك الوظيفة يياماً صالحاً‪ .‬وهذا هو الواقع؛ فين اإلنسان ظلوع جهول‪ ،‬والظلهلل والجهل سبب للنقائص‪ ،‬وهي مانعة من الكمال والتكميل‪.‬‬
‫وأما اإلرلوواد‪ ،‬فين مضوومون هذا الخير‪ ،‬إرلوواد منه ‪ ‬إلى أنه ينبغي لمجموع األمة‪ ،‬أن يسووعوا‪ ،‬ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصوولحون للقياع بالمهمات‪ ،‬واألمور الكلية‬
‫العامة النفع‪.‬‬
‫ين َولِ ُين ِوذ ُروْا َق ْو َم ُه ْهلل ِإ َذا َر َج ُعوْا ِإَل ْي ِه ْهلل}(‪ .)1‬فأمر بالجهواد‪ ،‬وأن يقوع به طائفوة كافيوة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وقد أرلو و و و و و وود هللا إلى هذا المعنى في قوله‪َ{ :‬فَلوالَ نَفر ِمن ُك ِل ِفرَق ٍة ِم ْنههلل َ ِ‬
‫طةئَفوة َلِ َيتََفَّق ُهوْا ِفي َ‬
‫الد ِ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫ْ ََ‬
‫وأن يتصدى للعلهلل طائفة أخرى؛ ليعين هؤالء هؤالء‪ ،‬وهؤالء هؤالء‪ .‬وأمره تعالى بالواليات والتولية أمر بها‪ ،‬وبما ال تتهلل إال به‪ ،‬من الشرول والمكمالت‪.‬‬
‫فالوظائا الدينية والدنيوية‪ ،‬واألعمال الكلية‪ ،‬البد للناس منها‪ .‬وال تتهلل مص و وولحتههلل إال بها‪ ،‬وهي ال تتهلل إال بأن يتوالها األعفاء واألمناء‪ .‬وذلك يس و ووتدعي الس و ووعي في تحص و وويل‬
‫وهللا أعلهلل‪.‬‬ ‫( ‪)2‬‬
‫ط ْعتُ ْهلل}‬
‫استَ َ‬ ‫هذه األوصاف‪ ،‬بحسب االستطاعة‪ .‬قال هللا تعالى {َفاتَُّقوا َّ‬
‫َّللاَ َما ْ‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة التوبة – ‪. 122‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سورة التغابن – آية ‪. 16‬‬
‫الحديث التاسع والتسعون‬
‫رواه الترمذي‪.‬‬ ‫‪" :‬يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر"‬ ‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬

‫وهذا الحديث أيضاً يقتضي خب اًر وإرلاداً‪.‬‬


‫أخبر‪ ،‬أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسوبابه‪ ،‬ويكثر الشور وأسوبابه‪ ،‬وأنه عند ذلك يكون المتمسوك بالدين من الناس أقل القليل‪ .‬وهذا القيل في حالة لودة‬ ‫أما الخبر‪ ،‬فينه ‪‬‬
‫ومشووقة عظيمة‪ ،‬كحالة القابض على الجمر‪ ،‬من قوة المعارضووين‪ ،‬وكثرة الفتن المضوولة‪ ،‬فتن الشووبهات والشووكوهللا واإللحاد‪ ،‬وفتن الشووهوات وانص وراف الخلق إلى الدنيا وانهماعههلل فيها‪،‬‬
‫ظاه اًر وباطناً‪ ،‬وضعا اإليمان‪ ،‬ولدة التفرد؛ لقلة المعين والمساعد‪.‬‬
‫ولكن المتمس و ووك بدينه‪ ،‬القائهلل بدفع هذه المعارض و ووات والعوائق التي ال يص و وومد لها إال أهل البص و وويرة واليقين‪ ،‬وأهل اإليمان المتين‪ ،‬من أفض و وول الخلق‪ ،‬وأرفعههلل عند هللا درجة‪،‬‬
‫وأعظمههلل عنده قد اًر‪.‬‬
‫مع هذه المعارضات‬ ‫وأما اإلرلاد‪ ،‬فينه إرلاد ألمته‪ ،‬أن يوطنوا أنفسههلل على هذه الحالة‪ ،‬وأن يعرفوا أنه ال بد منها‪ ،‬وأن من اقتحهلل هذه العقبات‪ ،‬وصبر على دينه وإيمانه –‬
‫فين له عند هللا أعلى الدرجات‪ .‬وسيعينه مواله على ما يحبه ويرضاه؛ فين المعونة على قدر المؤنة‪.‬‬ ‫–‬
‫‪ ،‬فينه ما بقي من اإلسالع إال اسمه‪ ،‬وال من القرآن إال رسمه‪ ،‬إيمان ضصيف‪ ،‬وقلوب متفرقة‪ ،‬وحكومات متشتتة‪ ،‬وعداوات‬ ‫وما ألبه زماننا هذا بهذا الوصا‪ ،‬الذي ذكره ‪‬‬
‫وبغضو و وواء باعدت بين المسو و وولمين‪ ،‬وأعداء ظاهرون وباطنون‪ ،‬يعملون س و و و اًر وعلناً للقضو و وواء على الدين‪ ،‬وإلحاد وماديات‪ ،‬جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتالطمة الشو و وويوا والشو و ووبان‪،‬‬
‫ودعايات إلى فسوواد األخالق‪ ،‬والقضوواء على بقية الرمق‪ .‬ثهلل إيبال الناس على زخارف الدنيا‪ ،‬بحيث أصووبحت هي مبل علمههلل‪ ،‬وأعبر همههلل‪ ،‬ولها يرضووون ويغضووبون‪ ،‬ودعاية خبيثة‬
‫للتزهيد في اآلخرة‪ ،‬واإل يبال بالكلية على تعمير الدنيا‪ ،‬وتدمير الدين‪ ،‬واحتقاره واالس ووتهزاء بأهله‪ ،‬وبكل ما ينس ووب اليه‪ ،‬وفخر وفخفخة‪ ،‬واس ووتكبار بالمدنيات المبنية على اإللحاد التي‬
‫آثارها ولرها ولرورها قد لاهده الصباد‪.‬‬
‫تجد مصداق هذا الحديث‪.‬‬ ‫فمع هذه الشرور المتراعمة‪ ،‬واألمواج المتالطمة‪ ،‬والمزعجات الملمة‪ ،‬والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة – مع هذه األمور وايرها –‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬فين المؤمن ال يقنط من رحمة هللا‪ ،‬وال ييأس من رو هللا‪ ،‬وال يكون نظره مقص و و و ووو اًر على األس و و و ووباب الظاهرة‪ .‬بل يكون ملتفتاً في قلبه كل وقت إلى مس و و و ووبب‬
‫األسو و و ووباب‪ ،‬الكريهلل الوهاب‪ ،‬ويكون الفرج بين عينيه‪ ،‬ووعده الذي ال يخلفه‪ ،‬بأنه سو و و وويجعل له بعد عسو و و وور يسو و و و اًر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن تفريا الكربات مع لو و و وودة الكربات‪ ،‬وحلول‬
‫المنغصات‪.‬‬
‫فالمؤمن من يقول في هذه األحوال‪" :‬ال حول وال قوة إال بالِل" و "حسوبنا هللا ونعهلل الوكيل‪ .‬على هللا توكلنا‪ .‬اللههلل لك الحمد‪ ،‬وإليك المشوتكى‪ .‬وأنت المسوتعان‪ .‬وبك المسوتغاث‪.‬‬
‫{و َمن‬
‫وال حول وال قوة إال بالِل العلي العظيهلل" ويقوع بما يقدر عليه من اإليمان والنصوط والدعوة‪ .‬ويقنع باليسوير‪ ،‬إذا لهلل يمكن الكثير‪ .‬وبزوال بعض الشور وتخفيفه‪ ،‬إذا تعذر اير ذلك َ‬
‫َّللاِ َف ُه َو َح ْس ُب ُه ‪َ -‬و َمن َيتَّ ِق َّ‬
‫َّللاَ َي ْج َعل َّل ُه ِم ْن أ َْم ِِره ُي ْس اًر}(‪.)1‬‬ ‫َّللاَ َي ْج َعل َّل ُه َم ْخ َر ًجا ‪َ -‬و َمن َيتََوَّك ْل َعَلى َّ‬
‫َيتَّ ِق َّ‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته تتهلل الصالحات‪ .‬وصلى هللا على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوع الدين‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سورة الطالق – اآلايت ‪. 4 ، 3 ، 2‬‬
‫التوبة‬
‫هي اعتراف الشخص بالذنب وترك الذنوب على أكمل الوجوه وأبلغها‪ ،‬وهي من ُحسن اإلسالم وكمال الدين‪ ،‬والتوبة النصوح تعني الرجوع هلل تعالى‪ ،‬والقيام بحقوقه‪ ،‬وقال‬
‫الر ِحي ُم)‬ ‫َّللا يَ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ‬
‫وب َج ِميعًا ِإنَّهُ ُه َو ا ْلغَفُ ُ‬
‫ور َّ‬ ‫َّللا ِإنَّ َّ َ‬
‫طوا ِمن َّرحْ َم ِة َّ ِ‬ ‫علَ ٰى أَنفُ ِ‬
‫س ِه ْم ََل ت َ ْقنَ ُ‬ ‫ِين أ َ ْ‬
‫س َرفُوا َ‬ ‫تعالى‪( :‬قُ ْل يَا ِعبَاد َ‬
‫ِي الَّذ َ‬

‫يُك َِف َر‬ ‫سى َربُّ ُك ْم أَن‬ ‫ع َ‬‫صو ًحا َ‬‫َّللا تَ ْوبَةً نَّ ُ‬
‫واإلنسان يحتاج إلى التوبة دائ ًما ألن هللا قد أمر بتوبة مخصوصة وهي التوبة النصوح‪ ،‬وقال هللا تعالى‪( :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى َّ ِ‬
‫علَى‬ ‫َ‬ ‫ِيه ْم َوبِأ َ ْي َمانِ ِه ْم يَقُولُونَ َربَّنَا أَتْ ِم ْم لَنَا نُ َ‬
‫ورنَا َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّكَ‬ ‫سعَى بَ ْينَ أَ ْيد ِ‬ ‫ي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َمعَهُ نُ ُ‬
‫ور ُه ْم يَ ْ‬ ‫َّللاُ النَّبِ َّ‬ ‫جْرى ِمن تَحْ تِهَا األ َ ْنه ُ‬
‫َار يَ ْو َم َلَ يُ ْخ ِزى َّ‬ ‫سيِئَاتِ ُك ْم َويُد ِْخلَ ُك ْم َجنَّا ٍ‬
‫ت تَ ِ‬ ‫عَن ُك ْم َ‬
‫َ‬
‫ش ْيءٍ قدِير)‬ ‫ك ُِل َ‬
‫فضل التوبة‬
‫التوبة إلى هللا تعالى لها فضائل عديدةٌ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الذنوب جميعًا‪ ،‬فاستغفروني أغف ُر‬
‫َ‬ ‫والنهار‪ ،‬وأنا أغف ُر‬
‫ِ‬ ‫يحب التوابين‪ .‬للحديث القدسي عن هللا تعالى‪( :‬يا عبادي‪ ،‬إنكم تُخطئون باللي ِل‬
‫ّ‬ ‫سبب لمحبة هللا ّ‬
‫عز وجلّ؛ فإنّ هللا‬ ‫‪ٌ -1‬‬
‫لكم)‬
‫سبب للعفو عن السيئات وقبول األعمال‪.‬‬ ‫‪ٌ -2‬‬
‫سبب للنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-3‬‬
‫سبب لنيل رحمة هللا ومغفرته‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-4‬‬
‫سبب في كسب الحسنات بعد السيئات‪.‬‬ ‫‪ٌ -5‬‬
‫صالة التوبة‬
‫َّللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يَقُو ُل‪َ « :‬ما ِم ْن َر ُج ٍل‬ ‫سو َل َّ ِ‬ ‫س ِمعْتُ َر ُ‬ ‫َ‬
‫علمنا رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬صالة التوبة؛ فقد روى الترمذي عن أبي بَك ٍْر رضي هللا عنه‪ ،‬قالَ‪َ :‬‬
‫ستَ ْغفَ ُروا ِلذُنُو ِب ِه ْم»‬ ‫َ‬
‫َّللا فا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫احشَة أ ْو َ‬
‫ظلَ ُموا أ ْنفُ َ‬
‫س ُه ْم ذك َُروا َّ َ‬ ‫َّللاُ لَهُ ‪.‬ث ُ َّم قَ َرأَ َه ِذ ِه اآليَةَ‪َ « :‬والَّ ِذينَ ِإذَا فَعَلُوا فَ ِ‬ ‫َّللا‪ِ ،‬إَل َ‬
‫غفَ َر َّ‬ ‫ط َّه ُر‪ ،‬ث ُ َّم يُص َِلي‪ ،‬ث ُ َّم يَ ْ‬
‫ست َ ْغ ِف ُر َّ َ‬ ‫يُ ْذنِ ُ‬
‫ب َذ ْنبًا‪ ،‬ث ُ َّم يَقُو ُم فَيَت َ َ‬
‫(آل عمران‪.)135 :‬‬

‫أفضل وقت للتوبة‬


‫أفضل وقت للتوبة؛ أن يبادر اإلنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به؛ حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح‪.‬‬
‫شروط التوبة وما يعين عليها‬
‫ذكر العلماء شروط للتوبة المقبولة على المرء أن يجتهد ليحصلها كلها حتى يطمئن أن توبته قد قبلت‪ ،‬والشروط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬إخالص النية هلل تعالى من هذه التوبة‪ ،‬فال تكن سعيًا لمرضاة أي أحد سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلقالع عن الذنب وتركه نهائيًا‪ .‬الندم على فعله‪.‬‬
‫‪-3‬عقد العزم على عدم العودة إليه ثانية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-4‬أداء الحقوق إلى أصحابها إن كانت الذنوب والمعاصي متعلقة بالعباد‪ ،‬وبذل كل الوسع والطاقة في ذلك‪ ،‬فإن كانت التوبة من السرقة ً‬
‫مثال فعلى العبد أن يرد المسروقات‬
‫إلى أصحابها‪ ،‬وإن كان ذلك صع ًبا فعلى العبد أن يتصدق بقيمة المسروقات‪.‬‬
‫باب التوبة مفتوحة إَل في وقتين‬
‫إن هللا تعالى حدد وقتين تقفل فيهما باب التوبة هما‪ ،‬األول‪ :‬أن يغرغر اإلنسان ومعنى يغرغر اإلنسان‪ ،‬أى أن تصل روحه إلى الحلقوم‪ ،‬والثاني‪ :‬عند خروج الشمس من‬
‫غر»‬ ‫توبة الع ْب ِد َمالَم يُ ْ‬
‫غر ِ‬ ‫سلَّم قَالَ‪ِ « :‬إنَّ هللا َّ‬
‫عز و َج َّل ي ْقبَ ُل ْ‬ ‫علَ ْي ِه و َ‬
‫ي هللاُ عنهما عن النَّبي ِ صَلى هللاُ َ‬ ‫ُمر بن الخ َّ‬
‫طاب رض َ‬ ‫بن ع َ‬
‫َّللا ِ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫الرحْمن َ‬ ‫المغرب‪ ،‬فعَ ْن أبي َ‬
‫ع ْب ِد َّ‬
‫مكفرات الذنوب العشرة‬
‫أرشد القرآن الكريم والسنة النبوية إلى بعض األعمال الصالحة التي يحبها هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ويغفر بها الذنوب ويرفع الدرجات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ع َّد هللا لَهُ نُ ُزلَهُ ِمنَ ال َجنَّ ِة ُكلَّ َما‬ ‫َ‬
‫حأ َ‬ ‫غدَا إلَى ال َم ْ‬
‫س ِج ِد َو َرا َ‬ ‫أوَل‪ :‬الحرص على أداء الصالة في وقتها‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪َ « :‬م ْن َ‬ ‫ً‬
‫ح»‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫َ‬
‫غدَا أ ْو َرا َ‬‫َ‬
‫األمر الثاني‬
‫سبَا ُ‬
‫غ‬ ‫سو َل هللا‪ ،‬قَالَ‪ :‬إ ْ‬ ‫ت؟ قَالُوا بَلَى يَا َر ُ‬ ‫َ‬
‫طايَا‪َ ،‬ويَ ْرف ُع ِب ِه الد ََّرجَا ِ‬‫هللا ِب ِه ال َخ َ‬
‫علَى َما يَ ْم ُحو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الوضوء فعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬أَل أ ُدلُّ ُك ْم َ‬
‫ط»‪.‬‬ ‫الربَا ُ‬ ‫صال ِة فَذَ ِل ُك ُم ِ‬
‫صال ِة بَ ْع َد ال َّ‬
‫ار ال َّ‬
‫ظ ُ‬ ‫اج ِد َوا ْنتِ َ‬
‫س ِ‬‫طا إلَى الم َ‬ ‫علَى المك َِارهِ‪َ ،‬و َكثْ َرةُ ال ُخ َ‬‫ُوء َ‬
‫الوض ِ‬ ‫ُ‬
‫األمر الثالث‬
‫مونَ » (سورة آل‬ ‫علَى َما فَعَلُوا َو ُه ْم يَ ْعلَ ُ‬ ‫َّللاُ َولَ ْم يُ ِص ُّروا َ‬ ‫َّللا فَا ْ‬
‫ستَ ْغفَ ُروا ِلذُنُو ِب ِه ْم َو َم ْن يَ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ‬
‫وب ِإ ََّل َّ‬ ‫س ُه ْم ذَك َُروا َّ َ‬‫ظلَ ُموا أَ ْنفُ َ‬‫احشَةً أَ ْو َ‬ ‫اَلستغفار قال هللا عز وجل‪َ « :‬والَّ ِذينَ ِإذَا فَعَلُوا فَ ِ‬
‫عمران‪ ،‬اآلية‪)135 :‬‬

‫ومن اآليات الدالة على فضل هللا عز وجل وتكرمه بغفران الذنوب‪ ،‬وتكفير السيئات قوله عز وجل‪:‬‬
‫ما» (سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.)110 :‬‬ ‫ورا َر ِحي ً‬ ‫غف ُ ً‬ ‫َّللا َ‬‫َّللا يَ ِج ِد َّ َ‬ ‫سهُ ث ُ َّم يَ ْ‬
‫ستَ ْغ ِف ِر َّ َ‬ ‫سو ًءا أَ ْو يَ ْظ ِل ْم نَ ْف َ‬‫« َو َم ْن يَ ْع َم ْل ُ‬
‫األمر الرابع‬
‫غ ِف َر لَهُ َما تَقَ َّد َم ِم ْن ذَ ْن ِب ِه»‬ ‫سا ًبا ُ‬ ‫سلَّ َم‪َ « :‬م ْن صَا َم َر َمضَانَ ِإي َمانًا َواحْ تِ َ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللا َ‬
‫سو ُل َّ ِ‬ ‫الصيام سواء كان صوم تطوع‪ ،‬أو رمضان‪ ،‬ف َع ْن أَ ِبي ُه َري َْرةَ قَا َل قَا َل َر ُ‬
‫س ْب ِعينَ َخ ِريفًا»‪.‬‬ ‫َّللاُ َوجْ َههُ ع َْن النَّ ِار َ‬ ‫َّللا َب َّع َد َّ‬
‫س ِبي ِل َّ ِ‬ ‫َّللا صلى هللا عليه وسلم‪َ « :‬م ْن صَا َم َي ْو ًما ِفي َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬ ‫س ِعي ٍد ا ْل ُخد ِْري ِ رضي هللا عنه قَالَ‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫وع َْن أَ ِبي َ‬
‫األمر الخامس‬
‫حيم» (التغابن‪.)14 :‬‬ ‫غفُور َّر ِ‬ ‫صفَ ُحوا َوتَ ْغ ِف ُروا فَ ِإنَّ َّ َ‬
‫َّللا َ‬ ‫التسامح والعفو‪ ،‬فقال تعالى‪َ « :‬و ِإن تَ ْعفُوا َوتَ ْ‬
‫األمر السادس‬
‫سقْ َر َج َع َك َما َولَ َدتْهُ أ ُ ُّمهُ»‪.‬‬ ‫سلَّ َم‪َ « :‬م ْن َح َّج فَلَ ْم َي ْرفُ ْث َولَ ْم َي ْف ُ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللا َ‬‫سو ُل َّ ِ‬ ‫الحج‪ .‬ع َْن أَ ِبي ُه َري َْرةَ رضي هللا عنه قَالَ‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫األمر السابع‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫س عَن ُم ْؤ ِم ٍن ك ُْربَة ِمن ك َُر ِ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سل َم‪َ :‬من نف َ‬ ‫َّ‬ ‫عل ْي ِه َو َ‬‫َ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫صلى َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫تفريج كربة عن مؤمن‪ ،‬وعون الضعيف لها أجر كبير عند هللا‪ ،‬فعَن أبِي ُه َري َْرة رضي هللا عنه قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬
‫ْ‬
‫َّللاُ فِي ع َْو ِن العَ ْب ِد َما‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللاُ فِي ال ُّدنيَا َواآل ِخ َر ِة‪َ ،‬و َّ‬ ‫ست َرهُ َّ‬ ‫َ‬ ‫س ِل ًما َ‬‫ست َر ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫علَ ْي ِه فِي ال ُّد ْنيَا َو ْاآل ِخ َر ِة‪َ ،‬و َم ْن َ‬ ‫َّللاُ َ‬‫س َر َّ‬‫س ٍر يَ َّ‬ ‫علَى ُم ْع ِ‬ ‫س َر َ‬ ‫ب يَ ْو ِم ا ْل ِقيَا َم ِة‪َ ،‬و َم ْن يَ َّ‬ ‫ع ْنهُ ك ُْربَةً ِم ْن ك َُر ِ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫س َّ‬ ‫ال ُّد ْنيَا نَفَّ َ‬
‫سونَهُ بَ ْينَ ُه ْم‪ ،‬إِ ََّل نَ َزلَتْ‬ ‫َّللا َويَتَد َ‬
‫َار ُ‬ ‫اب َّ ِ‬ ‫َّللا يَتْلُونَ ِكتَ َ‬
‫ت َّ ِ‬ ‫ت ِم ْن بُيُو ِ‬ ‫ط ِريقًا إِلَى ا ْل َجنَّ ِة‪َ ،‬و َما اجْ تَ َم َع قَ ْوم فِي بَ ْي ٍ‬ ‫َّللاُ لَهُ بِ ِه َ‬ ‫س فِي ِه ِع ْل ًما َ‬
‫س َّه َل َّ‬ ‫ط ِريقًا يَ ْلتَ ِم ُ‬‫سلَكَ َ‬ ‫كَانَ ا ْلعَ ْب ُد فِي ع َْو ِن أَ ِخي ِه‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫سبُهُ» (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫س ِر ْع بِ ِه نَ َ‬ ‫طأ َ بِ ِه َ‬
‫ع َملُهُ لَ ْم يُ ْ‬ ‫َّللاُ فِي َم ْن ِع ْن َدهُ‪َ ،‬و َم ْن بَ َّ‬ ‫الرحْ َمةُ‪َ ،‬و َحفَّتْ ُه ُم ا ْل َم َالئِكَةُ‪َ ،‬وذَك ََر ُه ُم َّ‬ ‫شيَتْ ُه ُم َّ‬ ‫غ ِ‬ ‫س ِكينَةُ‪َ ،‬و َ‬‫علَي ِْه ُم ال َّ‬‫َ‬
‫األمر الثامن‬
‫سلَّ َم قالَ‪َ « :‬ما يُ ِص ُ‬
‫يب‬ ‫َ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى هللاُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب» (الزمر ‪َ ،)10‬وع َْن أبِي ُه َري َْرة‪ :‬ع َِن النَّبِي ِ َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫َ‬
‫صابِ ُرونَ أجْ َر ُه ْم بِغَي ِْر ِح َ‬ ‫َّ‬
‫س ِعي ٍد ال ُخد ِْريِ‪ ،‬فقال تعالى‪« :‬إِنَّ َما يُ َوفى ال َّ‬ ‫عن أبِي َ‬ ‫َ‬ ‫الصبر على الشدائد ْ‬
‫َ‬
‫َّللاُ بِهَا ِم ْن َخطايَاهُ»‪.‬‬ ‫ش ْو َك ِة يُشَا ُكهَا‪ ،‬إِ ََّل َكفَّ َر َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب‪َ ،‬وَلَ َه ٍم َوَلَ ُح ْز ٍن َوَلَ أذى َوَلَ غ ٍم‪َ ،‬حتَّى ال َّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ب َوَلَ َو َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫س ِل َم‪ِ ،‬م ْن نَ َ‬
‫ال ُم ْ‬
‫األمر التاسع‬
‫سلَّ َم‪« :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا‪ ،‬وقال بإصبعيه السبابة والوسطى»‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللا َ‬
‫سو ُل َّ ِ‬ ‫كفالة اليتيم‪ :‬فقَا َل َر ُ‬
‫األمر العاشر‬
‫َ‬
‫ت أ ْظفَ ِار ِه»‬‫ج ِم ْن تَحْ ِ‬ ‫س ِد ِه َحتَّى تَ ْخ ُر َ‬‫طايَاهُ ِم ْن َج َ‬ ‫سنَ ا ْل ُوضُو َء َخ َر َجتْ َخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضأ فأحْ َ‬‫َ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬
‫سلَّ َم‪َ « :‬م ْن تَ َو َّ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللا َ‬
‫سو ُل َّ ِ‬ ‫عفَّانَ قَا َل قَا َل َر ُ‬‫عثْ َمانَ ب ِْن َ‬‫بر الوالدين‪ :‬فعَ ْن ُ‬
‫الحادي عشر‬
‫ار‬ ‫ْ‬ ‫سنَا ِ‬
‫ت َك َما تَأ ُك ُل النَّ ُ‬ ‫ْ‬
‫س ُد يَأ ُك ُل ا ْل َح َ‬
‫ار‪َ ،‬وا ْل َح َ‬‫ئ ا ْل َما ُء النَّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص َدقَة ت ُ ْط ِف ُ‬
‫ئ ا ْل َخ ِطيئَة َك َما يُ ْط ِف ُ‬ ‫صالةُ نُور‪َ ،‬و ِ‬
‫الصيَا ُم ُجنَّة‪َ ،‬وال َّ‬ ‫سلَّ َم‪ ،‬قَالَ‪« :‬ال َّ‬‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللا َ‬
‫سو َل َّ ِ‬ ‫الصدقةُ عن أنَ ٍس‪ ،‬أنَّ َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب»‪.‬‬ ‫ا ْل َح َ‬
‫ط َ‬

You might also like