أنس+بوسلام(5)

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 21

‫ قراءة في النشأة ومسار التطور‬:‫آسفي‬

– ‫ الدار البيضاء‬،‫ جامعة الحسن الثاني‬،‫ وحاصل على درجة الدكتوراه‬،‫ مفتش تربوي‬، ‫أنس بوسالم‬
‫المغرب‬

‫الملخص‬

‫ ثم نتناول تاريخ هذه المدينة خالل الفترة‬،‫نعالج في بداية البحث إشكالية نشأة وتسمية مدينة أسفي‬
‫ وبعد ذلك فترة االحتالل البرتغالي ألسفي وما عرفته هذه المدينة من أحداث وتحوالت خالل‬،‫اإلسالمية‬
‫ ثم نشير إلى أهم‬،‫ ونعرض مجموعة من الشهادات والروايات بشأن مدينة أسفي‬،‫الفترة السعدية والعلوية‬
‫ ونستعرض أهم معالم أسفي‬،‫ما شهدته مدينة أسفي خالل الفترة االستعمارية وبعد استقالل المغرب‬
.‫ ونختم البحث بتأمالت تحليلية نقدية في تاريخ أسفي ومسار تطورها‬،‫األثرية‬

.‫ معالم أسفي األثرية‬،‫ تسمية أسفي‬،‫ نشأة أسفي‬،‫ تاريخ أسفي‬،‫ أسفي‬:‫الكلمات المفتاحية‬

Safi: A reading of origins and the path of development

Abstract

At the beginning of the research, we address the problem of the emergence and
naming of the city of safi, then we address the history of this city during the
Islamic period and after that the period of the Portuguese occupation of safi,
And what this city knew of events and transformations during the Saadian and
Alawite period. After that, we present a set of testimonies and narrations about
the city of Safi.

Then, we refer to the most important events that the city of Safi witnessed
during the colonial period and after the independence of Morocco. and We
review the most important archaeological landmarks of Safi. Finally, we
conclude the research with Critical Analytical Reflections on the history of Safi
and its development path.

109
‫‪Keywords: Safi, the history of safi, the origin of safi, the naming of safi, the‬‬
‫‪archaeological landmarks of safi.‬‬

‫مقدمة‬

‫تعتبر أسفي أحد أعرق المدن بالمغرب‪ ،‬فهي حاضرة المحيط حسب وصف ابن خلدون لها‪ ،‬وهي مدينة‬
‫السمك والخزف‪ ،‬وتعد عاصمة ومركز منطقة عبدة‪ .‬تقع على ساحل المحيط األطلسي بين مدينتي الجديدة‬
‫والصويرة‪ ،‬وتبعد جنوبا عن مدينة الرباط بحوالي ‪ 325‬كلم‪ ،‬وعن مدينة مراكش بحوالي ‪ 157‬كلم‪ ،‬وتضم‬
‫أسفي مجموعة من المعالم والمآثر والتي تنتمي إلى مراحل زمنية وتاريخية متنوعة‪ .‬ويقدر عدد سكان هذه‬
‫المدينة بـ ‪ 308508‬نسمة‪ ،‬حسب آخر إحصاء للسكان سنة ‪ ،12014‬وتظل من المدن المغربية ذات الوزن‬
‫االقتصادي المهم‪.‬‬

‫‪ -1‬مدينة أسفي‪ :‬النشأة والتسمية‬

‫تعد مدينة آسفي من أقدم المدن المغربية نشأة‪ ،‬ونظرا لعراقتها فقد اختلف الباحثون والمؤرخون في أصل‬
‫نشأتها‪ ،‬أهي مدينة بربرية‪ ،‬أو فينيقية‪ ،‬أو كنعانية‪ ،‬أو إسالمية‪ .‬فمنذ أقدم العصور‪ ،‬وقبل دخول اإلسالم‪،‬‬
‫اعتبرت آسفي ضمن المدن المقدسة المعروفة في العالم القديم‪ ،‬ففي منطقة توجد شمال المدينة ‪ -‬ال نعلم‬
‫موقعها على وجه التحديد ‪ -‬توقف الرحالة المغامر “حانون القرطاجي”‪ ،‬في النصف األول من القرن‬
‫الخامس قبل الميالد‪ ،‬وبنى معبدا ضخما ل“بوصيدون” سيد البحر واألنهار والعواصف‪ ،‬وترك لنا نصا‬
‫منقوشا على لوحة من البرونز يروي فيه رحلته بالتفصيل‪ ،‬ولم يصلنا منها إال ترجمتها اليونانية التي قام‬
‫بها المؤرخ هيردوت‪ ،‬والتي تشير إلى منطقة آسفي في الفقرة الثالثة‪“ :‬ثم اتجهنا إلى الغرب وأدركنا مكانا‬
‫يعرف بصوليوس كاب صوليس‪ ...‬بعدما أقمنا هناك معبدا لإلله بوصيدون‪ ،‬سافرنا في البحر مدة نصف‬
‫يوم فوصلنا إلى بحيرة قريبة من البحر يغطيها قصب كثير ومرتفع ترعى فيه الفيلة وعدد كبير من‬
‫الحيوانات األخرى”‪ ،2‬وفي سنة ‪ 1962‬تم العثور على ساق تمثال بجرف اليهودي جنوب أسفي يعود إلى‬
‫حقبة الرومان‪.‬‬

‫أما المؤرخ الفرنسي فرنسوا بيرجي‪ ،‬فيرجح أن آسفي شرقية التأسيس من طرف الكنعانيين الفارين من‬
‫الغزو العبري خالل القرن ‪ 12‬ق‪.‬م‪ ،‬وفي هذا االتجاه يذهب مؤرخ عراقي إلى تعزيز هذه الفرضية‬

‫‪ -1‬المملكة المغربية‪ ،‬رئاسة الحكومة‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬النشرة العامة‪ ،‬العدد ‪ 23 ،6354‬أبريل ‪ ،2015‬ص ‪– 4025‬‬
‫‪.4075‬‬
‫‪ -2‬عبد هللا النملي‪“ ،‬آسفي المدينة الضاربة في أعماق التاريخ”‪ ،‬مجلة ليكسوس‪ ،‬العدد ‪ ،2016 ،2‬ص ‪64‬‬

‫‪110‬‬
‫التاريخية الشرقية التي ترجع أصل تأسيس مدينة آسفي إلى شعوب قادمة من الشرق‪ ،‬حيث يقول‪“ :‬خالل‬
‫القرن ‪ 13‬ق‪.‬م انتصر بنو إسرائيل على الكنعانيين بأرض فلسطين وأرغموهم على الهجرة منها‪ ،‬فهاجر‬
‫بعضهم إلى أرض إخوانهم الفينيقيين الذين نقلوهم على متن سفنهم إلى شمال افريقيا”‪.3‬‬

‫ويشير المؤرخ الحميري صاحب كتاب الروض المعطار إلى أن تأسيس آسفي كان على يد عناصر‬
‫شرقية‪ ،‬حيث يروي أنه قد “ نزغ الشيطان بين بني حام وبني سام فوقعت بينهم مناوشات وحروب كانت‬
‫الدائرة فيها لسام وبنيه‪ ،‬وكان آخر أمر حام أن هرب إلى ناحية مصر وتفرق بنوه ومضى على وجهه يؤم‬
‫المغرب حتى انتهى إلى السوس األقصى إلى موضع يعرف اليوم بآسفي وهو آخر مرسى تبلغه المراكب‬
‫من عند األندلس إلى ناحية القبلة وليس بعده للمراكب مذهب”‪ .4‬والبد من اإلشارة إلى ما أورده المؤرخ‬
‫الحسن الوزان بخصوص نشأة المدينة إذ يذكر أن “آسفي بناها األفارقة األقدمون على شاطئ البحر‬
‫المحيط”‪.5‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أننا ال نملك ما يؤكد هذه الروايات التي يغلب عليها الطابع األسطوري‪ ،‬بل إن‬
‫الحفريات األثرية تنفيها جملة وتفصيال‪.‬‬

‫سفي)‪ ،‬والشائع‬
‫سفي) أو تسكينه (أسْفي) أو بمد أوله (آ َ‬
‫يُقدَّم شكل تسمية المدينة بثالث صيغ‪ :‬بفتح ثانيه (أ َ‬
‫هي الصيغة الثانية‪ ،‬وقد أورد الفيروز أبادي صاحب القاموس في مادة “األسف” لف َ‬
‫ظ أسفي بهمزة غير‬
‫ممدودة‪“ :‬وأسفي‪ ،‬مدينة بأقصى المغرب”‪ ،6‬أما محمد أمين الخانجي صاحب منجم العمران في المستدرك‬
‫على معجم البلدان فقد أوردها بصيغة آسفي في قول وبصيغة أسفي في قول آخر‪.7‬‬

‫والمالحظ أن هناك اختالفا في تفسير اسم “أسفي”‪ ،‬فبعض الباحثين فسروه على أنه “أسيف” التي تعني‬
‫باألمازيغية الوادي أو المجرى المائي‪ ،‬وبالفعل فإنها المدينة يخترقها واد يعرف بـوادي “الشعبة” ويصب‬
‫فيها‪ ،‬والبعض اآلخر فسر االسم على أنه “منارة الضوء” كما ذهب إلى ذلك الفقيه محمد بن أحمد العبدي‬
‫الكانوني (توفي سنة ‪ ،)1938‬إذ أرجع اسم أسفي لألصل البربري المأخوذ من قول البربر للضوء أسفو‪.‬‬
‫والكسر الظاهر اآلن يرجعه لتحريف االستعمال‪ .‬فمعنى ذلك أن سكان المغرب البربر قبل اإلسالم‪ ،‬كانوا‬

‫‪ -3‬محمود شيت خطاب‪ ،‬قادة فتح المغرب العربي‪ ،‬دار الفتح‪ ،‬بيروت‪ ،1966 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -4‬محمد بن عبد المنعم الحميري الصنهاجي‪ ،‬الروض المعطار في خبر األقطار‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬بيروت‪،1984 ،‬‬
‫‪.57‬‬
‫‪ -5‬الحسن بن محمد الوزان‪ ،‬وصف افريقيا‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الرباط‪ ،1980 ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ -6‬الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الجليل‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬فصل الهمزة‪ ،‬باب الفاء‪.‬‬
‫‪ -7‬محمد أمين الخانجي‪ ،‬منجم العمران في المستدرك على معجم البلدان‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المجلد التاسع‪ ،‬مطبعة السعادة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،1907 ،‬ص ‪.31 – 29‬‬

‫‪111‬‬
‫يشيدون المنارات على شواطئ البحر لهداية السفن البربرية أثناء عودتها‪ ،‬كما كانوا يشعلون األضواء في‬
‫تلك المنارات إعالما بالهجوم واستعدادا له‪.‬‬
‫وربط اإلدريسي أصل اسم المدينة في كتابه المشهور نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق بقصة فتية سماهم‬
‫المغررين‪ ،‬خرجوا من أشبونة (لشبونة) وركبوا البحر المظلم ليقفوا على نهايته فوصلوا إلى موضع‬
‫تحسرا على ما قاسوه‬
‫ً‬ ‫أسفي‪ ،‬ولما رآهم جماعة من األمازيغ‪ ،‬وعرفوا أمرهم‪ ،‬قال زعيمهم “وا أ َ َ‬
‫سفي”‬
‫فسمي المكان بتلك الكلمة‪.‬‬

‫وقد ظلت ذكرى الفتية المغررين محفوظة في ذاكرة لشبونة‪ ،‬يشهد عليها حي سمي باسمهم‪ ،‬وتجدر‬
‫اإلشارة إلى أن القصة المتعلقة بهؤالء الفتية لم ترد عند اإلدريسي في معرض ذكر أسفي‪ ،‬وإنما اكتفى‬
‫باإلشارة إلى عالقة اسم هذه المدينة بتلك القصة‪ ،‬وقال إنه سيذكرها في مكانها الالئق‪ ،‬ويجوز على هذا‬
‫األساس أن نفهم أن صحة عالقة هذه القصة بأسفي أو عدم صحتها‪ ،‬لم تكن محط نظر هذا الجغرافي الفذ‪،‬‬
‫وإنما كان اهتمامه منصرفا لما هو أعظم من ذلك‪ ،‬وهو قصة الكشف الجغرافي عامة والبحري خاصة‪.‬‬
‫والمرجح أن أصل التسمية أمازيغي من كلمة “أسيف”‪ ،‬التي تعني الوادي أو النهر‪ ،‬وقد يكون هو ذلك‬
‫المجرى المائي الذي يخترق المدينة من الشرق نحو الغرب ويصب في المحيط األطلسي‪ ،‬ويطلق عليه واد‬
‫الشعبة‪ ،‬وال أساس لما ذهب إليه من ربط المدينة بمادة “أسف” العربية‪ ،‬وال يعلم بشكل أكيد أصل بناء‬
‫المدينة‪ ،‬فقد أرجع البعض بناءها إلى القرطاجي حانون‪ ،‬وحاول البعض ربطها بمركز قديم هو‬
‫‪ Mysocaras‬في محل غير مقنع‪ ،8‬والمرجح أنها من بناء األمازيغ أو البربر‪.9‬‬

‫غير أن المتعارف عليه تاريخيا أن منطقة أسفي كانت مسكونة منذ القدم من طرف قبائل مصمودية بربرية‬
‫وفي هذا المجال يشير المؤرخ عبد الرحمان بن خلدون إلى أن المصامدة أكثر قبائل البربر وأوفرهم‪ ،‬من‬
‫بطونهم‪ :‬برغواطة وغمارة أهل جبل درن‪ .‬ولم تزل مواطنهم بالمغرب األقصى منذ األحقاب المتطاولة‪،‬‬
‫وكان المتقدم فيهم قبيل اإلسالم وصدره برغواطة‪ ...‬وهم الجيل األول منهم‪ ،‬كان لهم في صدر اإلسالم‬
‫التقدم والكثرة وكانوا شعوبا كثيرة مفترقين وكانت مواطنهم خصوصا من بين المصامدة في بسائط تامسنا‬
‫وريف البحر المحيط من سال وأزمور وأنفى وأسفي‪.10‬‬

‫‪ -8‬عبد اللطيف الشاذلي‪“ ،‬أسفي”‪ ،‬ضمن موسوعة معلمة المغرب‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المدير المشرف محمد حجي‪ ،‬إنتاج‬
‫الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر‪ ،‬نشر مطابع سال‪ ،1989 ،‬ص ‪427‬‬
‫‪ -9‬للمزيد من المعلومات حول لفظ “أسفي”‪ ،‬يُنظر‪ :‬أحمد التوفيق‪“ ،‬حول معنى اسم أسفي‪ ”،‬ضمن كتاب‪ :‬أسفي‪ ،‬دراسات‬
‫تاريخية وحضارية‪ ،‬أعمال الملتقى الفكري األول لمدينة آسفي‪ 25 – 23 ،‬يونيو ‪ ،1988‬شركة بابل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،1989 ،‬ص ‪.75 – 67‬‬

‫‪ -10‬عبد الرحمان بن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬الجزء ‪ ،6‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص ‪.245‬‬

‫‪112‬‬
‫ويبدو أنها كانت مركزا بسيطا لم يحتك بالحضارات األجنبية التي اتصلت بالمغرب‪ ،‬ولم نعثر في الكتابات‬
‫القديمة على ما يمكن من تتبع أطوار تاريخها القديم‪ ،‬لكن األكيد أن منطقة أسفي قبيل الفتح اإلسالمي لم‬
‫تكن ضمن النفوذ الروماني‪ ،‬ولم يذكر المؤرخون أن هذا النفوذ قد تعدى مدينة سال‪ .‬علما أن هذا النفوذ في‬
‫مرحلة األوج الروماني امتد إلى جزيرة موكادور‪ ،‬كما عثر على أدلة تدل على وجود عالقات تجارية مع‬
‫الجنوب المغربي في كل من ماسة وسيدي إفني‪.‬‬

‫‪ -2‬أسفي خالل الفترة اإلسالمية‬

‫ترتبط أقدم إشارة إلى مدينة أسفي في الفترة اإلسالمية بعقبة بن نافع الفهري قائد الجيوش اإلسالمية التي‬
‫فتحت المغرب األقصى سنة ‪62‬هـ‪681 /‬م‪ ،‬فقد وصل إلى ساحل المدينة وأدخل قوائم فرسه في ماء‬
‫المحيط في قصة معروفة‪ ،11‬وقد تعددت النصوص بخصوصها ننتقي منها نص ابن عذاري المراكشي‪،‬‬
‫والذي جاء فيه‪ “ :‬وسار عقبة بن نافع حتى بلغ البحر المحيط‪ ،‬فدخل فيه حتى بلغ الماء بطن فرسه‪ ،‬ثم رفع‬
‫يديه إلى السماء وقال‪ :‬يا رب لوال هذا البحر منعني لمضيت في البالد إلى مسلك ذي القرنين مدافعا عن‬
‫دينك مقاتال من كفر بك‪ ،‬ثم رجع عقبة قافال إلى المغرب األوسط بعد أن ترك صاحبه شاكر”‪ ،12‬وقد بقي‬
‫شاكر هذا لينشر اإلسالم بالمنطقة‪ ،‬وتحول مقامه إلى رباط يعمره الصالحون‪ ،‬حتى قيل أنه أول وأقدم‬
‫مسجد بالمغرب‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الرواية المذكورة والمتعلقة بوصول عقبة بن نافع إلى أسفي متأخرة زمنيا عن‬
‫مرحلة الفتوح‪ ،‬كما أن النقاش العلمي ما زال مستمرا حول مسار هذا الوالي األموي وحقيقة بلوغه عددا‬
‫من المناطق وتشييده مساجدا بها‪.‬‬

‫ويظهر أن المدينة عرفت مضايقة كبيرة من قبل مصامدة برغواطة حيث خربت في عهدهم‪ ،‬وظلت مع‬
‫ذلك مطروقة خالل القرن ‪5‬هـ‪11 /‬م‪ ،‬حيث كانت تشكل محطة ومرسى لتجميع قوافل الذهب اإلفريقي‪،‬‬
‫وإن كان بناؤها بسيطا‪ ،‬إذ لم تسور ولم تكن تقام بها صالة الجمعة دليال على قلة ساكنيها طيلة أيام‬
‫المرابطين‪.‬‬

‫‪ -11‬الشاذلي‪“،‬أسفي”‪ ،‬ص ‪427‬‬


‫‪ -12‬أبو العباس أحمد بن محمد بن عذاري المراكشي‪ ،‬البيان المغرب في أخبار األندلس والمغرب‪ ،‬بيروت‪ ،1948 ،‬ص‬
‫‪.27‬‬

‫‪113‬‬
‫ويصف القاضي األندلسي أبو المطرف أحمد بن عميرة المخزومي آسفي بكونها “أخصب األرجاء وأقبلها‬
‫للغرباء”‪ .13‬وقال عنها ناظر أحباسها الفقيه المؤرخ أحمد الصبيحي السالوي “أهل آسفي أهل دين متين‪،‬‬
‫ودماثة أخالق يألفون ويولفون”‪.14‬‬

‫لم يكن الجميع مجمعا على هذا الموقف اإليجابي من مدينة آسفي‪ ،‬فقد أورد أرمان أنطونا المراقب المدني‬
‫لمدينة آسفي في كتابه جهة عبدة عبارة منسوبة لعبد الرحمان المجذوب (المتوفى حوالي ‪ ،)1568‬جاء فيها‬
‫“أهل آسفي هينين لينين قاللين الدين ال إيمان لهم‪ ،‬ما فيهم أحمد وال محمد‪ ،‬وما فيهم غير قارة وقرقارة‬
‫وشقارة وهيمة وكوار”‪ ،15‬وقد عدنا لديوان عبد الرحمان المجذوب‪ ،‬فلم نجد فيه هذه العبارة‪ ،‬وفي الحقيقة‬
‫ال نملك ما يؤكد أو ينفي ثبوت نسب هذه العبارة أو الوصف لعبد الرحمان المجذوب‪ ،‬يزيد في ذلك أن‬
‫العبارة أوردها مؤلف كولونيالي ليس علينا أن نقبل بالضرورة كل ما جاء به أخذا بعين االعتبار خلفيات‬
‫الرجل االستعمارية‪.‬‬

‫بدأت مدينة أسفي تعرف بعض الحركة ابتداء من القرن ‪7‬هـ‪13 /‬م‪ ،‬فقد اهتم بها الموحدون وبنوا عليها‬
‫سورا‪“ ،‬ويغلب على الظن أن الذي سوره من هذه الدولة هو الخليفة يعقوب المنصور ألنه أغناهم بتخليد‬
‫اآلثار وتحصين البالد”‪ ،16‬كانت بعض بقايا هذا السور ظاهرة للعيان حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬حسب ما‬
‫تدل على ذلك شهادة الكانوني‪ ،17‬ويظهر من خالل الشهادة نفسها أن دائرة السور كانت أوسع بكثير من‬
‫السور البرتغالي الذي ما زال قائما إلى اليوم‪ ،‬فحسب اعتقاد الكانوني توجد آثار هذا السور بأطراف البلد‬
‫يبتدئ جنوبا من وسط تراب الصيني من زنقة القنيطرة ويمر شمال المستشفى األهلي‪ ،‬ثم يمر أمام معلمة‬
‫رحى الريح األثرية (رحات الريح حسب نطق أهل المدينة) وعليه أساس الجدار القبلي من فندق شركة‬
‫باكيت ثم أمام القصبة العليا‪ ،‬ثم وسط بياضة‪ 18‬شماال من آسفي حتى يبلغ البحر في سمت قبة الولي سيدي‬
‫أبيه من الشمال‪ ،‬مما يدل على تزايد عدد سكان المدينة وازدهار نشاطها‪ ،‬سواء منه التجاري المرتبط‬
‫بالمرسى أو الديني والفكري المرتبط باستقرار الشيخ أبي محمد صالح الماكري (المتوفى سنة ‪631‬هـ‪/‬‬
‫‪ 1233‬م) بالمدينة‪ ،‬حيث اتخذ رباطا والتف حوله األتباع والمريدون‪ ،‬وكان لرباطه وطائفته سمعة وصيت‬
‫وشهرة‪.‬‬

‫‪ -13‬محمد بنشريفة‪“ ،‬أسفي خالل القرنين الثامن والتاسع الهجريين‪ ”،‬تاريخ أسفي من الحقبة القديمة إلى الفترة المعاصرة‪،‬‬
‫الدفتر األول من دفاتر دكالة عبدة‪ ،‬منشورات دكالة عبدة للثقافة والتنمية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2000 ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ -14‬النملي‪“ ،‬آسفي المدينة”‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -15‬أرمان أنطونا‪ ،‬جهة عبدة‪ ،‬ترجمة عالل ركوك ومحمد بن الشيخ‪ ،‬نشر جمعية البحث والتوثيق والنشر‪ ،‬مطبعة‬
‫‪ ،RABAT NET‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2003 ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -16‬محمد الكانوني‪ ،‬آسفي وما إليه قديما وحديثا‪ ،‬د‪ .‬ن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ -17‬نفسه‪.79 ،‬‬
‫‪ -18‬بياضة‪ :‬اسم منطقة بأسفي‪ ،‬وتعتبر حاليا حيا سكنيا‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وقد ترك لنا المؤرخ أحمد بن الخطيب القسنطيني (ابن قنفذ) وصفا لهذا الرباط الذي يعقد فيه الزهاد‬
‫والعباد من مختلف نواحي المغرب مؤتمرهم السنوي فقال‪“ :‬ولقد حضرت مع جملة من هذه الطوائف‬
‫مواطن عدة‪ ،‬منها زمان اجتماع فقراء المغرب األقصى على ساحل البحر المحيط‪ ،‬جوف إقليم دكالة بين‬
‫بلد آسفي وبلد تيطنفطر‪ ،‬وكان االجتماع في شهر ربيع األولى المبارك األسعد سنة تسع وستين وسبعمائة‬
‫(‪1367‬م) وحضر من ال يحصى عدد من الفضالء‪ ،‬ولقيت هناك من أخبارهم وعلمائهم وصلحائهم ما‬
‫شردت به عيني بسبب كثرتهم”‪ ،19‬ويصف ابن قنقذ آسفي قائال‪“ :‬إن أرضها تُنبت الصلحاء كما تنبت‬
‫الربيع”‪.20‬‬

‫اهتم المرينيون بالمدينة‪ ،‬وشيدوا بها مدرسة ومارستانا‪ ،‬وبنيت بها دور واسعة محصنة وقصور‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من لوازم التمدن الشيء الذي دفع ابن خلدون إلى أن يطلق عليها في القرن الثامن الهجري‪ :‬حاضرة‬
‫البحر المحيط‪ ،‬مما يدل على أنها بلغت مبلغا عظيما في اتساع العمارة والتفوق في الحضارة‪ ،‬وجمعت في‬
‫نشاطها بين الفالحة وبعض الحرف خاصة نسج الصوف وحياكته‪.‬‬
‫قال في وصفها ابن الخطيب‪“ :‬لطف خفي وجناب حفي ووعد وفي ودين ظاهره مالكي وباطنه حنفي‬
‫الدماثة والجمال والصبر واالحتمال والزهد والمال والجمال والسذاجة والجالل قليلة اإلخوان صابرة على‬
‫االختزان وافية المكيال والميزان رافعة اللواء بصحة الهواء بلد موصوف برفيع ثياب الصوف وبه تربة‬
‫الشيخ أبي محمد صالح وهو خاتمة المراحل المسورات من ذلك الساحل‪ ،‬لكن ماءه قليل وعزيزه لعادية‬
‫من يواليه من األعراب ذليل”‪.21‬‬

‫لم تكن الدولة المرينية أواخر أيامها قادرة على مواجهة األحداث وإحكام سيطرتها على البالد‪ ،‬فأصبحت‬
‫مدينة آسفي خاضعة لحكم ذاتي ألسرة بني فرحون التي استبدت بالسلطة بها مدة طويلة‪“ :‬كانت مدينة‬
‫أسفي أواخر الدولة المرينية وأوائل الدولة الوطاسية ترزح تحت عوامل التخريب والموت المعنوي بسبب‬
‫تنازع السلطة عليها من طرف رؤساء أحزابها الذين اقتطعوها عن سلطة الوطاسيين‪ ،‬ثم لم يقدروا على‬
‫إدارة سياستها وإخضاع من بها”‪.22‬‬

‫عاشت مدينة آسفي عيشة رفاهية وازدهار أيام الموحدين والمرينيين‪ ،‬واستمرت على ذلك حتى أواخر‬
‫عهد المرينيين الذين ضعفوا فاستبد بدولتهم وزراؤهم الوطاسيون وأصبح المغرب حينئذ فاقدا لهيبته‬

‫‪ -19‬النملي‪“ ،‬آسفي المدينة”‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪ -20‬نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ -21‬محمد بن عبد هللا بن سعيد بن الخطيب السلماني الغرناطي‪ ،‬ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫عبد هللا عنان‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،1980 ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪ -22‬الكانوني‪ ،‬آسفي وما إليه‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫‪115‬‬
‫الشيء الذي جعله عرضة للطامعين وجعل بعض مدنه لقمة سائغة في أيدي البرتغاليين الذين استغلوا‬
‫هلهلة الوضع الداخلي في البالد فاستبدوا بالحكم في بعض شواطئه وتسلطوا على عدد من مدنه وسيطروا‬
‫على بعض مراكزه الكبرى وكانت آسفي إحدى المدن الواقعة في قبضتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬أسفي واالحتالل البرتغالي‬

‫بدأ البرتغاليون يهتمون بمدينة أسفي منذ بداية العقد الثامن من القرن ‪15‬م‪ ،‬ومن بين أسباب ذلك االهتمام‬
‫وجود صناعة نسيج نشيطة في المدينة تنتج الحنبل الصوفي‪ ،‬وهو إنتاج يدخل في الئحة المواد التي‬
‫تستعملها التجارة البرتغالية مع افريقيا الواقعة جنوب الصحراء‪ .‬وعموما فقد جعل البرتغاليون آسفي ميناء‬
‫رئيسا لتصدير الحبوب والسكر والصوف‪.‬‬

‫وهكذا استقر بالمدينة عدد من التجار والوسطاء والوكالء‪ ،‬واتخذوا بها الدور الحصينة‪ ،‬وقد استغل‬
‫البرتغاليون بعض مشاكل المدينة‪ ،‬فأوعزوا إلى بعض عمالئهم أن يطلبوا حماية الملك البرتغالي ألفونصو‬
‫الخامس (المتوفى سنة ‪1481‬م)‪ ،‬وعرفت المدينة بعد هذا التاريخ اضطرابات كثيرة بين سكان المدينة‬
‫والبرتغاليين‪ ،‬وبين عدد من الطوائف الممالئة للبرتغاليين واألخرى المناهضة لهم‪ ،‬إلى أن احتلت عسكريا‬
‫سنة ‪1508‬م‪.‬‬

‫ويذكر صاحب كتاب آسفي وما إليه‪ :‬أن هؤالء (البرتغاليين) عاملوها أسوء معاملة وأذاقوا من بها ألوان‬
‫النك ال والعذاب مما يخجل منه جبين اإلنسانية‪ ،‬فخربوا المعاهد الدينية والعلمية‪ ،‬ومنها ما جعلوه محالً‬
‫للقاذورات كالمسجد الكبير‪ ،‬وعبثوا بالمحارم واستحلوا التجارة في األحرار فكانوا يبيعونهم جهارا ً وسفكوا‬
‫الدماء ونهبوا المال وخربوا الدور‪.‬‬
‫ولما كان السور القديم التساعه وقدمه ومعرفة المسلمين بمواقع الغرة منه‪ ،‬إذ كانوا يفتحون الترع منه‬
‫ويهجمون على البرتغال‪ .‬كان ذلك باعثا لهؤالء على تسويره بهذا السور الموجود حاليا والذي يقدر بنحو‬
‫ربع السور القديم أو خمسه‪.‬‬
‫حصنوا هذا القدر الصغير منه ألن هجوم المسلمين كان متواليا عليهم وجعلوه في مسيل الوادي إلى البحر‪،‬‬
‫وكان قبل ذلك مرتفعا على المسيل فكان وضعه بها من الهندسة الخرقاء‪.‬‬
‫ويوجد على هذا السور البرتغالي نحو عشرين برجا‪ ،‬أهمها‪ :‬البرج الكبير بالقصبة العليا المعروفة بدار‬
‫السلطان‪ ،‬وبرج أشبار الرتفاعهما على طرفي المدينة من جهة البر‪.‬‬
‫أما أهم األبراج البحرية فهي‪ :‬البرج الجنوبي بالقصبة السفلى البرتغالية وهذه القصبة على شاطئ البحر‬
‫مربعة الشكل على كل ربع منها برج وفي وسطها عدة دور وخزائن وهي من أول ما بناه البرتغاليون‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ويقابل هذا البرج من الشمال برج السلوقية على البحر أيضا غير أنه منفصل عنه وكان يصله بالبحر سور‬
‫ضة وكان منحدرا‪ ،‬ولعل البرتغاليين هدموه ألنهم لما أخلوها خربوها‬
‫بالعرا َ‬
‫َّ‬ ‫وثيق يعرف عند الناس‬
‫وأوقدوا فيها النار أو هدمه المسلمون ثم زاد في علوه القائد عبد الرحمن العبدي سنة ‪1211‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬أسفي خالل الفترتين السعدية والعلوية‬
‫قاد السعديون المقاومة وتحرير البالد من االحتالل البرتغالي‪ ،‬وأولوا اهتماما كبيرا السترجاع مدينة آسفي‬
‫من البرتغاليين‪ ،‬وقد استغرق هذا الجالء أحد عشر يوما من ‪ 10‬إلى ‪ 31‬أكتوبر ‪1541‬م‪ ،‬بعد احتالل دام‬
‫‪ 33‬سنة‪.‬‬

‫ومن اآلثار البرتغالية األكثر بروزا في مورفلوجية المعالم األثرية بالمدينة السور وقصر البحر وعدد من‬
‫األبراج فضال عن الكنيسة‪...‬‬

‫اهتم السعديون ‪ -‬بعد االنسحاب البرتغالي من أسفي – بتعمير هذه المدينة‪ ،‬وهكذا رجع سكان المدينة‬
‫النازحون عنها هروبا من البرتغال‪ ،‬وأسس السلطان محمد الشيخ السعدي (‪1557 -1540‬م) قصبة أسفي‬
‫ومسجدها الكبير‪ ،‬وغدت المدينة في عهد السعديين مرفأ مهما حصلوا من خالله على األسلحة ولوازم‬
‫السفن‪ ،‬واتسعت تجارة المدينة عبر المحيط إلى أن أضحت هي ومدينة أكادير من أهم موانئ البالد في‬
‫آخر القرن ‪16‬م‪ ،‬وزادت تلك األهمية مع القرن ‪17‬م‪ ،‬عندما أصبحت المدينة المنفذ الوحيد للسلطة السعدية‬
‫بمراكش‪ ،‬ترسو بها سفن إنجليزية وفرنسية وهولندية‪.‬‬

‫ونظرا ألهمية آسفي‪ ،‬فقد شكلت وجهة مفضلة للعديد من األسر األندلسية والعربية حتى ُوصفت بأنها‬
‫مدينة دبلوماسية يقطنها السفراء والقناصل‪ ،‬ويفد عليها المبعوثون البريطانيون قبل التوجه إلى مراكش‪،‬‬
‫وترسو بها السفن األوربية التي ترغب في إبرام االتفاقيات الدولية بالعاصمة مراكش‪.‬‬

‫و بعد زوال الحكم السعدي دخلت آسفي في طاعة الدولة العلوية على عهد السلطان المولى الرشيد سنة‬
‫‪ 1081‬هـ‪ ،‬ثم عرفت المدينة في عهد السلطان العلوي محمد بن عبد هللا (‪1790 – 1757‬م) كثيرا من‬
‫الحيوية بعد أن ن اصرته بعض قبائل عبدة وآزره قائدها عبد الرحمان بن ناصر العبدي (المتوفى سنة‬
‫‪ 1799‬م)‪ ،‬فبنيت بالمدينة عدة مآثر (القصبة والقصر السلطاني والمسجد)‪ ،‬ونشطت حركة التجارة بعد أن‬
‫استعان السلطان بالتجار األوربيين في الحصول على مواد بناء السفن وجعل بقصبة المدينة حامية مكونة‬
‫من ‪ 200‬من الطبجية ومثلهم من البحرية‪ ،‬ونظرا ألهمية آسفي في القرنين ‪ 18‬و‪ 19‬فقد ازداد اهتمام‬
‫السالطين بها‪ ،‬فأقاموا بها دارا للسكة ما بين ‪ 1716‬و ‪“ ،1830‬وكانت (هذه الدار) نشيطة جدا في عهد‬
‫السلطان هشام الذي استقر بها بعد انتقاله من مراكش ما بين ‪ 1794‬و‪ 1797‬في فترة االضطراب السياسي‬

‫‪117‬‬
‫الذي أعقب وفاة السلطان سيدي محمد بن عبد هللا (‪ ،)1757-1790‬واستمر نشاط دار السكة بآسفي في‬
‫عهد السلطان المولى سليمان (‪ )1792-1822‬الذي اهتم بالمدينة وأحدث بعض التحصينات في الميناء‬
‫سنة ‪ ،1819‬ثم ضربت السكة في عهد السلطان عبد الرحمان بن هشام (‪ )1822-1859‬الذي قام بزيارة‬
‫آسفي ومرساها سنة ‪ ،23”1829‬وابتداء من القرن ‪19‬م أيضا‪ ،‬استقرت بالمدينة شركات تجارية وأبناك‬
‫فرنسية وإنجليزية وألمانية‪.‬‬

‫‪ -5‬شهادات وروايات بشأن مدينة أسفي‬

‫زار آسفي الطبيب اإلنجليزي “أرثر ليرد” سنة ‪1872‬م‪ ،‬أواخر عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان‬
‫(‪ ،)1873-1859‬وقال فيها‪ “ :‬مدينة عريقة في القدم‪ ،‬وهي عاصمة عبدة‪ ،‬ويحيط بها سور عال‪ ،‬كما تقع‬
‫على هضبتين‪ ،‬وال تزال بها آثار قصور ومعاقل البرتغال‪ ،‬ويبلغ عدد سكانها ‪ 8000‬نسمة‪ ...‬من بينهم‬
‫عدد مهم من اليهود”‪ ،24‬وكتب عن مرسى آسفي قائال‪“ :‬تقع آسفي على ساحل بحر شديد الهيجان‪ ،‬ومن‬
‫المسلي مشاهدة المهارة والجرأة التي يخوض بها البحارة في قواربهم المحملة بالحبوب األمواج الخطيرة‬
‫إلى البواخر التي تنتظر بعيدا في عرض البحر‪ ،‬وتوجد بالقرب من الساحل صخرة تحيط بها المياه بينما‬
‫يكون ا لمد عاليا‪ ،‬يقف عليها رجل مغربي يراقب سير األمواج حتى إذا حل الوقت الذي يصبح فيه من‬
‫الممكن أن تعبر المركب أعطاها إشارة بذلك”‪ ،25‬وعن جمال حدائق آسفي ومظاهرها الطبيعية الخالبة‬
‫نورد قوله‪“ :‬إن خصوبة وجمال الحدائق التي يمتلكها األوربيون في مدينة آسفي‪ ،‬وعلى رأسها حديقة‬
‫مستر مردوخ‪ ،‬ألقوى دليل على مدى ما يمكن أن يتحقق من نجاح زراعي في هذه البالد‪ ،‬ففي كل مكان‬
‫يوجد فيه ماء تلبس األرض أرديتها الخضراء”‪ .26‬أما وصفه لقصر السلطان بآسفي فينم عن حنين إلى هذا‬
‫القصر الذي كانت تعيش فيه سيدة إنجليزية من أصل أيرلندي قدمت إلى المغرب في عهد السلطان محمد‬
‫بن عبد هللا وكانت جميلة المحيا‪ ،‬وأصبحت مغربية واعتنقت اإلسالم‪“ :‬وبه (أي قصر السلطان بآسفي)‬
‫قاعات ذات سقوف عالية مزخرفة بسخاء‪ ،‬وقد بني أهم جزء فيه بالحجر‪ ،‬وتوجد فوق سطحه مدافع‬
‫بريطانية الصنع عديمة الجدوى‪ ...‬ويوجد بالقصر جناح به مجموعة من الغرف كانت تقيم فيه في الماضي‬
‫سلطانة من الساللة اإلنجليزية”‪ ،27‬وعن اليهود القاطنين بآسفي والذين ال يسكنون مالحا خاصا بهم قال‬
‫الكاتب‪“ :‬لما كانت آس في إحدى المدن العتيقة بالمغرب فإن الناس (اليهود) يحجون إليها‪ ،‬ذلك أنها تشتمل‬

‫‪ -23‬عمر أفا‪“ ،‬دار السكة بأسفي‪ ”،‬ضمن كتاب آسفي‪ :‬دراسات تاريخية وحضارية‪ ،‬أعمال الملتقى الفكري األول لمدينة‬
‫آسفي‪ 25 – 23 ،‬يونيو ‪ ،1988‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،1989 ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ -24‬النملي‪“ ،‬آسفي المدينة”‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -25‬نفسه‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -26‬نفسه‪ ،‬ص ‪65‬‬
‫‪ -27‬نفسه‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪118‬‬
‫على كثير من الدور المقدسة يشرف عليها رهبان كسولون يعيشون على إحسان أتباعهم‪ ،‬ومن بينها دار‬
‫تتمتع باحترام خاص تدعى دار اإلخوة السبعة أوالد بن زميرو‪ ،‬وقد ماتوا في يوم واحد ودُفنوا بعضهم إلى‬
‫جانب بعض‪ ،‬ويزور اليهود قبورهم المقدسة”‪.28‬‬

‫أما الكاتبة “فرنسيس مكنب” التي زارت آسفي في مطلع عام ‪ ،1901‬فقد قالت في آسفي قولة يمكن‬
‫االعتزاز بها‪“ :‬كانت آسفي في القرن ما قبل الماضي (تعني القرن ‪ )18‬مركزا تجاريا مهما تشرف عليه‬
‫شركة دنمركية‪ ،‬وكان البرتغاليون من قبل يشجعون التجارة فيها وبلغت شهرتها في القرن ‪ 17‬درجة‬
‫عظيمة صدر معها األمر إلى كل سفينة بريطانية تزور المغرب أن تبدأ بزيارة آسفي”‪ .29‬وحل بالمدينة‬
‫الرحالة الفرنسي “أوبان أوديسكوس أوجين” سنة ‪ 1902‬حيث جمع كتاباته تحت عنوان مغرب اليوم سنة‬
‫‪ ،1904‬وقام بترجمة نصوصها الدكتور محمد حجي تحت عنوان آسفي وعبدة في مطلع القرن العشرين‬
‫من خالل كتاب أوبان‪ ،‬وقد ورد فيها‪“ :‬وصل أوبان إلى آسفي فشاهد الشاطئ المستدير مع آثار مركب‬
‫برتغالي قديم على الرأس المشرف من جهة الشمال والمدينة المتراكمة فوق نتوء صخر ينحدر بسرعة‬
‫نحو البحر والقصبة المرتفعة في جانب النجد‪ ،‬ومن داخل القصبة يبصر عند قدميه شالال ضيقا من الدور‬
‫البيضاء المنبسطة السطوح الشديدة االنحدار بين سورين متوازيين محصنين ببروج مسننة تنبثق وسطها‬
‫كتلة الصومعة المربعة الفريدة‪ ،‬وإلى اليمين واد عميق يضم قبابا وأكواخا مبعثرة‪ ...‬وإلى اليسار ربض‬
‫الشيخ أبي محمد صالح مقر مستودعات التجار‪ ،‬أُخذ المؤلف بهذا المنظر العجيب فحكم آلسفي بأنها أجمل‬
‫مدينة شاطئية بالمغرب”‪ .30‬وتحدث الكاتب اإلنجليزي “سكوت أوكنور” عن آسفي وهي تحت الحماية‬
‫الفرنسية قائال‪“ :‬وبالرغم من أن البرتغاليين لم يحتلوها أكثر من جيل‪ ،‬فإن طابعهم أصبح عالقا بها‪،‬‬
‫ويتمثل ذلك في أسوارها الضخمة وفن الساللم التي نحتوها من الصخر‪ ،‬وفي القلعة التي تبدو شديدة‬
‫المناعة‪ ،‬ويوجد داخلها قصر مغربي صغير‪ ،‬وبالقرب منه مسجد موالي زيدان السعدي‪ ،‬لكن هذا المسجد‬
‫ال يتمتع بأكثر من الجمال الخارجي‪ ،‬أما داخله فقد تهدم ولذلك لم تعد تقام به الصالة”‪ .31‬وزار المدينة في‬
‫مطلع القرن العشرين‪ ،‬في عهد السلطان عبد العزيز (‪ ،)1894-1908‬الرحالة والديبلوماسي الفرنسي‬
‫“إيتيان ريشت”‪ ،‬حيث وصفها بالقول‪“ :‬وصلنا إلى آسفي والشمس تغرب‪ ،‬هذه المدينة محصورة في نتوء‬
‫صخري ينحدر نحو البحر‪ ،‬وأول من يظهر منها قصبتها‪ ...‬وعلى الشاطئ قلعة منشأها برتغالي وتكمل‬

‫‪ -28‬نفسه‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫‪ -29‬عبد المجيد بن جلون‪ ،‬جوالت في مغرب أمس ‪ ،1872‬مكتبة المعارف‪ ،1974 ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -30‬النملي‪“ ،‬آسفي المدينة”‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -31‬نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪119‬‬
‫بتناسق التحصينات‪ ،‬وفي وسط المدينة البيضاء برز هيكل مربع لصومعة‪ ،‬وإلى اليمين مسيل واد عميق‪...‬‬
‫وعلى جانب ضريح ولي المدينة شيدت المخازن وبناية الزاوية”‪.32‬‬

‫آسفي أحد أقدم مدن المغرب المأهولة‪ ،‬تبارى في وصفها الشعراء منذ أن كان الشعر والشعراء‪ ،‬أحبوها‬
‫وكتبوا عنها‪ ،‬ووصفوها بأشعارهم‪ ،‬زارها شعراء كثر لم يستطيعوا إخفاء عشقهم وولعهم بها‪ .‬ففيها وفي‬
‫أهلها قال اإلمام أبو حفص عمر بن عبد هللا الفاسي‪:‬‬

‫هلل دركـــم بــنـي آسفـــي فنزيلكم يشفى من األسـف‬

‫‪33‬‬
‫أخالقكم كالعطر في نفس ووجوهكم كالبدر في شرف‬

‫وقال محمد بن الطاهر الهواري‪:‬‬

‫أهال بأهــل آسفــي من كل خل منصف‬

‫أكرم بهم من معشر حازوا الجمال اليوسفي‬

‫‪34‬‬
‫فمثلــهم فلتعـرف‬ ‫سادوا األنام كرمـا‬

‫أما الوزير الشاعر محمد بن ادريس العمراوي فقد قال عن أهلها‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫إن لم تعاشر أناسا خيموا آسفي فقل على عمر قد ضاع وا آسفي‬

‫آسفي حيرت األركيولوجيين والمؤرخين وحتى ال ُكتاب كان لهم نصيب وافر في التعريف بآسفي‪ ،‬حيث‬
‫جاء في رواية خبز وحشيش وسمك لألستاذ عبد الرحيم لحبيبي قوله‪“ :‬كان البحر بدءا‪ ،‬وكانت آسفي‪،‬‬
‫استوت على الجرف العالي واستوى الفلك على الجودي‪ ،‬صاعدة من قلب الطوفان جوهرة ومنارة وحضنا‬
‫للتائهين والحيارى وعابري المحيط والمؤلفة قلوبهم على الخير والصالح والواصلين من أهل هللا‪ ...‬من‬
‫قمة سيدي بوزيد تبدو المدينة في عناق حميمي خالد مع البحر‪ ،‬فكأنها تخرج من بين ذراعيه‪ ،‬أو هو ينسل‬

‫‪ -32‬نفسه‪.66 ،‬‬
‫‪ -33‬منير البصكري الفياللي‪“ ،‬صدى رجاالت أسفي في التاريخ‪ ”،‬الحلقة الرابعة‪ 10 ،MCG24 ،‬يونيو ‪ ،2021‬تم الولوج‬
‫بتاريخ‪ ،2023/09/24 :‬في‪https://www.mcg24.com/38366.html :‬‬
‫‪ -34‬نفسه‪.‬‬
‫‪“ -35‬حاضرة المحيط تتحدث عن نفسها”‪ ،‬جريدة بيان اليوم‪ 14 ،‬يوليوز ‪ ،2013‬تم الولوج بتاريخ‪ ،2023/09/25 :‬في‪:‬‬
‫‪http://bayanealyaoume.press.ma/%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-‬‬
‫‪%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-‬‬
‫‪%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D8%A7-3/.html‬‬

‫‪120‬‬
‫من بين أحضانها‪ ،‬أو كأنهما في اللحظات األخيرة لالنفصال عن بعضهما أو هما في اللحظة األولى للعناق‬
‫وااللتحام والضم”‪ .36‬وقال األستاذ محمد القاضي عن آسفي‪“ :‬ارتبطت بالبحر ارتباطا وثيقا منذ القدم إلى‬
‫اليوم‪ ،‬هذه المدينة الضاربة بمهمازها في جلد التاريخ‪ .‬إنها العروس البيضاء المستلقية على ضفاف المحيط‬
‫األطلسي‪ ،‬ما زالت تستحم في هدوء تحت أشعة الشمس الذهبية‪ ،‬هذا البحر بأمواجه الزبدية يداعبها في‬
‫حركة مد وجزر سرمدية‪ ...‬مدينة حيرت األركيولوجيين والمؤرخين بسرها التاريخي والحضاري الدفين‪.‬‬
‫وفي كل مرة تطل من تحت أنقاض زمنها القديم بصمات ومعالم لحضارات عريقة كالفينيقية والقرطاجية‬
‫وربما الفرعونية‪ .‬انصهرت فيها أجناس بربرية وإفريقية وعربية وأوربية‪ ،‬وتعايشت فيها الديانات الثالث‪:‬‬
‫اليهودية والنصرانية واإلسالمية”‪.37‬‬

‫‪ -6‬أسفي بين الفترة االستعمارية واستقالل المغرب‬

‫مع تقهقر الوضع السياسي في المغرب وفرض الحماية األجنبية عليه استوطن المدينة جالية فرنسية مهمة‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1921‬زارها المقيم العام الفرنسي ليوطي عن طريق البحر وأعطى أوامره بإصالح الميناء‬
‫الذي لعب دورا اقتصاديا مهما من حيث تصدير األسماك والفوسفاط سواء على الصعيد الوطني أو‬
‫الدولي‪.‬‬

‫خالل الحرب العالمية الثانية استيقظت مدينة آسفي في ‪ 7‬نونبر ‪ 1942‬على بواخر حربية أمريكية قامت‬
‫بإنزال عسكري ترك الرعب في سكان المدينة وفي الفرنسيين المقيمين بها‪ ،‬ولما غادر الجنود األمريكيون‬
‫المدينة ألقوا بها مجموعة من األلغام‪.‬‬

‫ويأتي استقالل المغرب لتتربع آسفي على عرش موانئ صيد سمك السردين في العالم وخصوصا خالل‬
‫مرحلتي الخمسينات والستينات‪ ،‬كما احتلت المرتبة الثانية على الصعيد االقتصادي في المغرب بعد ميناء‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬غير أن وضعها االقتصادي عرف تراجعا منذ ثمانينات القرن ‪ 20‬وبداية القرن ‪.21‬‬

‫‪ -7‬معالم أسفي األثرية‬

‫تتعدد أزقة ودروب وأبواب المدينة القديمة‪ :‬باب الشعبة‪ ،‬سيدي بوذهب‪ ،‬الساحة التي عرفت أبهى أيام‬
‫“ ْ‬
‫الحلقة” ورواتها‪ .‬والسقالة‪ ،‬ودرب الحبس‪ ،‬درب النجارين‪ ،‬تراب الصيني‪ ،‬شارع الرباط (الشريان‬
‫الرئيس للمدينة)‪ ،‬برج موكة‪ ،‬الدريبة المزوقة‪ ،‬رحى الريح‪ ،‬سوق العفاريت‪ .‬فضاءات لمكان واحد‪،‬‬
‫تتخللها مبان ومآثر تاريخية منها ما هو مصنف في عداد اآلثار‪ ،‬ومنها ما هو غير مصنف‪ .‬من مآثرها‬

‫‪ -36‬عبد الرحيم لحبيبي‪ ،‬خبز وحشيش وسمك (رواية)‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2008 ،‬ص ‪5‬‬
‫‪ -37‬النملي‪“ ،‬آسفي المدينة”‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪121‬‬
‫نذكر‪ :‬المسج د الجامع الكبير الذي يوجد أسفل المسجد القديم والذي هدمه البرتغاليون‪ ،‬وقد شيد في عهد‬
‫السلطان السعدي محمد الشيخ‪ ،‬وجدد بناؤه في عهد السلطان العلوي محمد بن عبد هللا سنة ‪1188‬هـ‪ .‬ثم‬
‫مسجد أفنان المدعو الفوقاني ويعود إلى القرن الحادي عشر الهجري‪ ،‬ومسجد القصبة العليا‪ ،‬ومسجد رباط‬
‫آسفي ويوجد خارج سور المدينة‪ ،‬وقد أسسه الشيخ أبو محمد صالح المتوفى سنة ‪631‬هـ وقد وصفه ابن‬
‫الخطيب سنة ‪761‬هـ فقال‪“ :‬هو مبنى عتيق ومجمع فسيح متعدد الزيارات والصحون والتعاريج”‪،38‬‬
‫وغيرها من المساجد‪ ،‬إضافة إلى الزوايا والرباطات وأشهرها رباط الشيخ أبي محمد صالح وزاوية عبد‬
‫القادر الجيالني وزاوية ابن ناصر الدرعي المتوفى سنة ‪1082‬هـ والزاوية الوزانية والدرقاوية والجزولية‬
‫والتيجانية والمصلوحية وغيرها‪.‬‬

‫ومن أهم المعالم األثرية الموجودة في قلب المدينة والتي ال يمكن أن تخطئها أو تفوتها عين زائر‪:‬‬

‫‪ -‬قصر البحر معلمة رابضة في شموخ على ضفة األطلسي من أولى البنايات التي شيدها البرتغال على‬
‫شاطئ المدينة قبل احتاللهم لها‪ .‬ويتكون مبنى قصر البحر من ثالثة أبراج‪ ،‬اثنان منها دائريان والثالث‬
‫مربع الشكل‪ ،‬وتتوسطه ساحة كبيرة كانت تضم وحتى بداية القرن العشرين بناية مهمة كانت مخصصة‬
‫لالستقباالت الرسمية بالمدينة قبل أن تمتد لها يد االستعمار الفرنسي وتهدمها‪ .‬أما الواجهة البحرية لهذه‬
‫البناية فتضم مجموعة من الفتحات تتخللها مدافع يرجع بعضها إلى العهد البرتغالي واآلخر إلى العهد‬
‫السعدي‪.‬‬

‫‪ -‬الكنيسة البرتغالية‪ :‬تأسست سنة ‪1519‬م على أنقاض المسجد الجامع الذي هدمه البرتغاليون واحتفظوا‬
‫فقط بمنارته الستعمالها كمكان يقرع منه جرس الكنيسة‪ .‬تحولت في نهاية القرن التاسع عشر إلى حمام‬
‫سمي آنذاك حمام البويبة وتلتفت إليها بعد ذلك إدارة الحماية الفرنسية وتعيد لها االعتبار‪ .‬وهي تتوفر حاليا‬
‫على قاعتين تضم إحداهما في قبتها مجموعة من رموز السلطة البرتغالية (رمز لألسلحة البرتغالية‪ ،‬رمز‬
‫لفاتحي المستعمرات‪ ،‬رمز للديانة المسيحية)‪ .‬وكلها منحوتات حجرية‪ ،‬كما تتوفر على مجموعة من‬
‫األقواس التي تشهد على الطابع الهندسي المانويلي (نسبة إلى الملك مانويل)‪.‬‬

‫‪ -‬دار السلطان‪ :‬كانت عبارة عن قصبة في عهد المرابطين‪ ،‬قبل أن يقوم الموحدون بتجديدها‪ ،‬ثم البرتغال‬
‫الذين أحدثوا بها تغييرات جذرية‪ ،‬وأضافوا إليها أبراجا ً جديدة تعكس طابعهم المعماري وطرازهم في‬
‫البناء والتشييد‪ .‬كما عرفت في القرن الثامن عشر مجموعة من اإلضافات كتشييد دار ملوكية سميت‬

‫‪ -38‬محمد بن عبد هللا بن سعيد بن الخطيب السلماني الغرناطي‪ ،‬خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف‪ ،‬تحقيق أحمد‬
‫مختار العبادي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2003 ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪122‬‬
‫(الباهية) ومسجد صغير مجاور لها‪ ،‬والبناية حاليا تضم في جزء منها المتحف الوطني للخزف إضافة إلى‬
‫مصالح مندوبية وزارة الثقافة بآسفي‪.‬‬
‫وعموما يمكن تصنيف أهم المعالم األثرية بآسفي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أهم المواقع األركيولوجية لفترة ما قبل التاريخ والتاريخ القديم‪:‬‬

‫‪ ‬مدينة أثرية بمقبرة لالهنية الحمرية (تمت إزالتها وإقامة تجزئة سكنية عليها)‪.‬‬
‫‪ ‬نقوش منطقة لالفاطنة‪.‬‬
‫‪ -‬أهم المعالم األثرية اإلسالمية بآسفي وباديتها‪:‬‬
‫‪ ‬رباط أكوز‪.‬‬
‫‪ ‬رباط الشيخ أبي محمد صالح‪.‬‬
‫‪ ‬دار السلطان‪.‬‬
‫‪ ‬صومعة الجامع الكبير‪.‬‬
‫‪ ‬المسجد الكبير أو المسجد األعظم‪.‬‬
‫‪ ‬أبراج السور الخارجي للمدينة العتيقة‪.‬‬
‫‪ ‬المدرسة والمارستان المريني (اندثرا بفعل االحتالل البرتغالي)‪.‬‬
‫‪ ‬السقالة‪.‬‬
‫‪ ‬دار البارود‪.‬‬
‫‪ ‬دار السكة‪.‬‬
‫‪ ‬منارة المدينة‪.‬‬
‫‪ ‬زاوية محمد بن سليمان الجزولي‪.‬‬
‫‪ ‬قصبة ابن حميدوش‪.‬‬
‫‪ ‬قصبة أيير‪.‬‬
‫‪ ‬الزاوية الدرقاوية‪.‬‬
‫‪ ‬دار القايد سي عيسى‪.‬‬
‫‪ -‬أهم المعالم األثرية البرتغالية‪:‬‬
‫‪ ‬قصر البحر‪.‬‬
‫‪ ‬الكنيسة البرتغالية‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ ‬برج الناضور‪.‬‬
‫‪ ‬أسوار المدينة العتيقة‪.‬‬

‫‪ -‬المعالم األثرية زمن الحماية أو من طرف األجانب‪:‬‬

‫‪ ‬مركز تجاري إنجليزي (تم هدمه في الثمانينات من القرن الماضي)‪.‬‬


‫‪ ‬بناية البريد (تم هدمها في السنوات األخيرة)‪.‬‬

‫‪ -8‬تأمالت تحليلية نقدية في تاريخ آسفي ونظر في مسار تطورها‬

‫نجد في المراسالت زمن الحماية بين الفاعلين المحليين ووكالء اإلدارة االستعمارية لإلقامة العامة‪،‬‬
‫إشارات إلى نوع من “االغتراب والتخلي” عن المدينة‪ ،‬فخالل زيارة الوزير المفوض لإلدارة‬
‫االستعمارية في عام ‪ ،1948‬ألقى السيد جيرارد‪ ،‬مندوب الكلية الثالثة‪ ،‬كلمة قصيرة‪ ،‬ممثال لسكان آسفي‬
‫وطالب بتدخل الحكومة من أجل تطوير المدينة‪“ :‬لقد تم نسيان آسفي كثيرا ونود‪ ،‬سيدي الوزير‪ ،‬أن تمثل‬
‫زيارتك بداية فترة يتم خاللها تنفيذ التحسينات األساسية التي يرغبها المجتمع”‪.39‬‬

‫منذ أواخر القرن ‪ 20‬أصبحت آسفي تعيش في نوع من “شبه االنعزالية” ‪ la semi-insularité‬مقارنة‬
‫بعدد من المناطق بالمغرب‪ .‬وقد نتجت هذه الظاهرة ‪ -‬جزئيا ‪ -‬عن موقع المدينة الجغرافي‪ ،‬حيث كان‬
‫مسار التدفقات البشرية يتجه نحو مراكش أو الصويرة أو الدار البيضاء‪ ،‬تاركا مدينة آسفي خارج الدوائر‬
‫السياحية والتجارية الرئيسة ومع ذلك‪ ،‬ال يزال الميناء يلعب دورا أساسيا في هيكلة وتنظيم المدينة‪.‬‬

‫إن هذا اإلحساس بالتهميش يكاد ال يفارق الشعور العام ألهل آسفي إلى يومنا هذا والذي يلمسه أي زائر‬
‫للمدينة من خالل أحاديث سكانها اليومية ولغتهم االحتجاجية‪.‬‬

‫وقد تسبب تطوير الميناء‪ ،‬خاصة مع إنشاء المكتب الشريف للفوسفاط‪ ،‬منذ األربعينيات‪ ،‬في حدوث‬
‫انقطاع في توازن المنطقة‪ ،‬ووفقا إلحدى التقارير‪ ،‬أدى إلى وقوع “خلل واضح جدا بين البْالد (المجال‬
‫القروي) والمدينة”‪.40‬‬

‫‪39‬‬
‫‪- Girard, Allocution de réception de la visite de M. Lacoste, Ministre Plénipotentiaire,‬‬
‫‪Délégué à la Résidence Générale, à Safi. Nantes, Centre des Archives Diplomatiques de‬‬
‫‪Nantes, 27 Septembre 1948.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪- Auteur inconnu, Rapport sur la Réorganisation du Territoire de Safi, Nantes, Centre des‬‬
‫‪Archives Diplomatiques de Nantes, 27 Septembre 1948.‬‬

‫‪124‬‬
‫كانت العالقة بين مدينة آسفي والمركز هشة للغاية في عدة مراحل من تاريخها‪ ،‬وحتى بعد االستقالل‪،‬‬
‫ظلت هذه العالقة الهشة مع باقي المناطق بالمغرب سمة من سمات المدينة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يزال بإمكاننا‬
‫االعتراف بعالقة آسفي القوية مع البحر‪ ،‬وقد أعطى إنشاء مركب كيميائي لمعالجة فوسفاط اليوسفية‬
‫ديناميكية جديدة لميناء آسفي‪ ،‬وهو نشاط ال يزال ذا أهمية كبيرة‪ .‬وقد أوجدت الصناعات الكيماوية مصدرا‬
‫للتوظيف بآسفي وفي نفس الوقت ساهمت في تعزيز مكانة الميناء‪ ،‬لكن التأثير البيئي كان شديدا‪،‬‬
‫فـ“مركب آسفي ملوث لألسف بشكل رهيب‪ ،‬وال يساعد في تحسين صورة المدينة”‪.41‬‬

‫وبحسب جان فرانسوا تروان ‪ ،Jean-François Troin‬فإن منطقة آسفي الصغيرة “اعتمدت بشدة على‬
‫عوامل الجذب الشمالية وفي نفس الوقت كانت أكثر توجها نحو البحر من جيرانها المباشرين (دكالة‬
‫والشياظمة)”‪ .42‬اعتمد اقتصاد منطقة عبدة ‪ -‬إلى حد كبير ‪ -‬على استغالل المحيط األطلسي وصيد‬
‫األسماك وتعليبها وأنشطة الميناء؛ لكن األزمة في قطاع صيد األسماك منذ ثمانينات القرن العشرين كان‬
‫لها آثار كبيرة وضارة على التوازن االقتصادي واالجتماعي للمدينة‪ .‬كانت الحالة البحرية آلسفي مصدرا‬
‫لإلمكانيات منذ نشأتها‪ ،‬ولكنها‪ ،‬أيضا‪ ،‬مصدر قيود على تطورها وعلى األنشطة المجالية اليومية لسكانها‬
‫بالمدينة‪ .‬إن العزلة والشعور بشبه االنعزالية ليست حالة حديثة‪ ،‬ولكنها كانت دائما حاضرة عبر تاريخ‬
‫آسفي‪.43‬‬

‫تشكل آسفي – تقريبا ‪" -‬المدينة اإلقليمية الكبيرة الوحيدة" ‪l’unique grande ville régionale‬‬
‫بالمغرب ‪ ،‬فهي وإن كان من الممكن أن تسود على منطقة تحيط بها تماما‪ ،‬إال أنها معزولة نوعا ما عن‬
‫مساحتها اإلقليمية‪ ..‬يمكن تفسير ذلك جزئيا من خالل دورات التمدد والتراجع التي مرت بها تاريخيا والتي‬
‫لم تسمح لها بتعزيز سيطرتها المجالية‪ .‬ميناء نشط في العصور الوسطى‪ ،‬احتله البرتغاليون في القرن‬
‫السادس عشر‪ ،‬ودورها كحصن أجنبي أخاف السكان وعزل المدينة ألول مرة عن “المناطق القروية‬
‫الخلفية” ‪ .arrière-pays rural‬مدينة أسفي‪ ،‬التي أصبحت ميناء مراكش في القرن التاسع عشر وأوائل‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ستشهد بعد ذلك تراجعا في تجارتها‪ .‬تحت الحماية الفرنسية‪ ،‬تم فصلها مرة أخرى عن‬
‫المناطق الخلفية‪ ،‬حيث يتم تصدير النسبة األكبر من الفوسفاط عبر الدار البيضاء‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪- Jean-François Troin, Maroc: Régions, Pays, Territoires, Maisonneuve et Larose, Paris,‬‬
‫‪2002, p 178.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- Ibid, p 173.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪- Ana Sofia Neno leite, “La semi-insularité de Safi. Les défis de la patrimonialisation”, e-‬‬
‫‪Phaïstos: Revue d’histoire des techniques IV-2, 2015, p 3.‬‬

‫‪125‬‬
‫تحولت العالقات التجارية واستغالل المنتجات الزراعية من المناطق الخلفية إلى أقطاب أخرى مثل‬
‫الصويرة أو الدار البيضاء أو حتى مراكش‪ .‬نفهم هذا حينما نالحظ أن هناك ربطا مباشرا على مستوى‬
‫شبكة الطرق ‪ -‬حاليا – بين الصويرة والدار البيضاء مما يستثني آسفي من هذا الطريق‪ .‬لذلك كان التطور‬
‫الحضري آلسفي دائما يعتمد بشدة على العالقة القائمة بين األرض والبحر‪.‬‬

‫ظلت األنشطة االقتصادية بأسفي تعتمد على التجارة والصناعة التقليدية والخدمات الجديدة‪ ،‬ولم تنطلق‬
‫حركة التصنيع بأسفي إال في نهاية العشرينات وخالل الثالثينات‪ ،‬وخاصة إبان األربعينات حيث دفعت‬
‫الحرب العالمية الثانية المدمرة بالكثير من الرأسماليين األجانب إلى البحث عن مجاالت استثمار مريحة‬
‫بعيدا عن بلدان أوربا‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬فقد شهدت أعوام البون وسنوات الحرب العالمية الثانية فترة ركود عام‬
‫بأسفي‪ ،‬حيث ُخ ِّ‬
‫صص اإلنتاج الفالحي العبدي لصالح المجهود الحربي الفرنسي كما هو حال باقي مناطق‬
‫المغرب‪ ،‬وتراجعت الحركة التجارية والمالحية بشكل واضح بميناء أسفي‪ ،‬وارتفعت األسعار وانهارت‬
‫قيمة العملة‪...‬‬

‫شهدت آسفي حركة اقتصادية مهمة منذ بداية خمسينات القرن الماضي شملت عددا من الميادين (الصيد‪،‬‬
‫التصبير‪ ،‬ظهور صناعات جديدة)‪ ،‬هذا ما جعل الغرفة الفرنسية المختلطة للزراعة والتجارة والصناعة‬
‫بآسفي تصدر سنة ‪ 1952‬نشرة صغيرة عن آسفي للترويج لصورة مدينة مزدهرة ذات إمكانيات قوية‬
‫للتنمية االقتصادية‪ 44.‬وفعال‪ ،‬فخالل الخمسينات والستينات من القرن الماضي‪ ،‬اُعتبرت مدينة آسفي ثاني‬
‫ميناء مغربي وثاني مدينة صناعية بالمغرب حسب التقارير الرسمية‪.45‬‬

‫إن تراجع دور باقي القطاعات والبنيات االقتصادية الحيوية بآسفي كالميناء والصناعات التصبيرية منذ‬
‫ثمانينات القرن الماضي‪ ...‬يفسر بعدد من العوامل من بينها التأثير السلبي للصناعة الكيماوية واالختيارات‬
‫الكبرى للدولة بخصوص هذه المدينة وغير ذلك‪.‬‬

‫عرفت مدينة أسفي السيما خالل الفترة المعاصرة ازدواجية في مسار تطورها العام‪ ،‬نوضح ذلك من‬
‫خالل األمثلة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تعتبر أسفي مركزا وطنيا بل ودوليا للصناعة الكيماوية‪ ،‬الشك في ذلك‪ ،‬لكن المؤسسة االقتصادية‬
‫العاملة في هذا القطاع ونعني بها المكتب الشريف للفوسفاط لم تقم بأي أدوار لها قيمة فيما يخص تأهيل‬
‫مدينة أسفي أو المساهمة في تعزيز بنياتها التحتية أو الحفاظ على مواردها البحرية والطبيعية‪ ،‬فالمكتب‬

‫‪44‬‬
‫‪- Ibid, p 4.‬‬
‫‪- Ibid, p 2.‬‬
‫‪45‬‬

‫‪126‬‬
‫الشريف للفوسفاط يأخذ لنفسه من المدينة ما ينفعه وهو استمرار النشاط والعمل والتصدير دون أن يقوم‬
‫بواجبه االجتماعي واالقتصادي كمؤسسة وطنية تجاه األوضاع العامة بالمدينة‪ ،‬لذلك ظلت أسفي تعيش‬
‫ثنائية المدينة المهمة من حيث أنشطتها ووزنها االقتصادي الفقيرة المتدهورة من حيث مستوى تنميتها‬
‫البشرية وبنياتها التحتية ووضعها البيئي‪ ،...‬أي أن المدينة يُؤخذ منها وال يُعطاها بالقدر ذاته‪.‬‬

‫‪ -‬مثل سهل عبدة مركزا مهما من مراكز إنتاج الحبوب وخاصة الشعير‪ ،‬غير أنه لم يتم تعزيز هذا المعطى‬
‫من خالل سياسة إصالح زراعي حقيقية تعمل على توسيع المجال المزروع خاصة المسقي منه وتشجيع‬
‫المنتجات الفالحية ذات األهمية الغذائية االستراتيجية (الحبوب)‪ ...‬هذا فضال عن دور االستعمار في‬
‫تراجع المساحة المزروعة بالحبوب‪ ،‬وهو ما أدى في األخير إلى وقوع العجز في إنتاج هذه المادة‬
‫واللجوء إلى استيرادها‪.‬‬

‫‪ -‬أعطى إنشاء ميناء أسفي الجديد خالل الفترة االستعمارية عوض المرسى القديم دفعة قوية للدور‬
‫التجاري للمدينة وضخ دماء جديدة في حيوية المدينة التجارية‪ ،‬لكن مع مرور الوقت “تكلس” وتقلص‬
‫وانحصر هذا الدور في المبادالت الخاصة بالفوسفاط أساسا وبالمنتجات السمكية والحبوب بالدرجة الثانية‪،‬‬
‫مما جعل أسفي تتحول من ميناء واعد كان يمكن أن يكون أول قطب مينائي بالمغرب إلى مجرد ميناء‬
‫متخصص في المواد المذكورة‪ ،‬وقد ساهم في ذلك‪ ،‬أيضا‪ ،‬إنشاء ميناء الدار البيضاء الذي استأثر بأغلب‬
‫األدوار‪ ،‬هذا مع العلم أن أسفي احتلت ولفترات عديدة خالل القرن العشرين المرتبة الثانية وطنيا بعد‬
‫الميناء المذكور‪ ،‬لكن‪ ،‬ومع بروز موانئ أخرى منافسة (مثل أكادير والجرف األصفر) ما لبثت أسفي أن‬
‫تقهقرت إلى مراتب أدنى خاصة في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد‬
‫والعشرين‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إن انفتاح أسفي على البحر جعلها تتأثر بشكل عميق اقتصاديا ومجاليا بموقعها عبر كل مراحل تطورها‪،‬‬
‫والزالت هويتها البحرية تسيطر على أنشطتها وتوجه نموها‪ ،‬ومما ساعد على إبراز هذه الهوية فقر‬
‫أريافها وضعف وقعها االقتصادي على المدينة‪.‬‬

‫رغم عراقة مدينة أسفي والتي ال يملك أحد أن يجادل فيها‪ ،‬فإن االهتمام بهذه المدينة على مستوى‬
‫الدراسات واألبحاث األكاديمية الرصينة مازال محدودا وال يتناسب مع ما لهذه المدينة من وزن تاريخي‬
‫مهم‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫ورغم ال وزن االقتصادي المهم لمدينة آسفي ورغم ما تزخر به من إمكانات هائلة للتقدم والتطور‪ ،‬فإنها‬
‫تعاني من التهميش على مستوى سياسات الدولة وأولوياتها االقتصادية واختياراتها الكبرى‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪ -‬أنطونا‪ ،‬أرمان‪ ،‬جهة عبدة‪ ،‬ترجمة عالل ركوك ومحمد بن الشيخ‪ ،‬جمعية البحث والتوثيق والنشر‪،‬‬
‫مطبعة ‪ ،RABAT NET‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪.2003 ،‬‬
‫‪ -‬أفا‪ ،‬عمر‪ ،‬دار السكة بأسفي‪ ،‬ندوة آسفي دراسات تاريخية وحضارية‪ ،‬ضمن كتاب أعمال الملتقى‬
‫الفكري األول لمدينة آسفي‪ 25 – 23 ،‬يونيو ‪ ،1988‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪.1989‬‬
‫‪ -‬البصكري الفياللي‪ ،‬منير‪ ،‬صدى رجاالت أسفي في التاريخ‪ ،‬الحلقة الرابعة‪ 10 ،MCG24 ،‬يونيو‬
‫‪ ،2021‬تم الولوج بتاريخ‪ ،2023/09/24 :‬في‪https://www.mcg24.com/38366.html :‬‬
‫‪ -‬بنشريفة‪ ،‬محمد‪ ،‬أسفي خالل القرنين الثامن والتاسع الهجريين‪ ،‬تاريخ أسفي من الحقبة القديمة إلى الفترة‬
‫المعاصرة‪ ،‬الدفتر األول من دفاتر دكالة عبدة‪ ،‬منشورات دكالة عبدة للثقافة والتنمية‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ -‬التوفيق‪ ،‬أحمد‪" ،‬حول معنى اسم أسفي"‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬أسفي‪ ،‬دراسات تاريخية وحضارية‪ ،‬أعمال‬
‫الملتقى الفكري األول لمدينة آسفي‪ 25 – 23 ،‬يونيو ‪ .1988‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الرباط‪.1989 ،‬‬
‫‪" -‬حاضرة المحيط تتحدث عن نفسها"‪ ،‬جريدة بيان اليوم‪ 14 ،‬يوليوز ‪ ،2013‬تم الولوج بتاريخ‪:‬‬
‫في‪:‬‬ ‫‪،2023/09/25‬‬
‫‪http://bayanealyaoume.press.ma/%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8‬‬
‫‪%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-‬‬
‫‪%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-‬‬
‫‪%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D8%A7-3/.html‬‬
‫‪ -‬الحميري‪ ،‬محمد بن المنعم‪ ،‬الروض المعطار في خبر األقطار‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬بيروت‪.1984 ،‬‬
‫‪ -‬الخانجي‪ ،‬محمد أمين‪ ،‬منجم العمران في المستدرك على معجم البلدان (الكتاب ذيل لمعجم البلدان لياقوت‬
‫الحموي)‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المجلد التاسع‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬الطبعة األولى‪.1907 ،‬‬
‫‪ -‬خطاب‪ ،‬شيت محمود‪ ،‬قادة فتح المغرب العربي‪ ،‬دار الفتح‪ ،‬بيروت‪.1966 ،‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد بن عبد هللا بن سعيد السلماني الغرناطي‪ ،‬ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد عبد هللا عنان‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪.1980 ،‬‬
‫‪ -‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد بن عبد هللا بن سعيد السلماني الغرناطي‪ ،‬خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف‪،‬‬
‫تحقيق أحمد مختار العبادي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪.2003 ،‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمان‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬بيروت‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬الشاذلي‪ ،‬عبد اللطيف‪" ،‬أسفي"‪ .‬ضمن موسوعة معلمة المغرب‪ .‬الجزء الثاني‪ ،‬المدير المشرف محمد‬
‫حجي‪ ،‬الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر‪ ،‬نشر مطابع سال‪.1989 ،‬‬
‫‪ -‬ابن عذاري المراكشي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد‪ ،‬البيان المغرب في أخبار األندلس والمغرب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.1948‬‬
‫‪ -‬الكانوني‪ ،‬محمد‪ ،‬آسفي وما إليه قديما وحديثا‪ ،‬د‪ .‬ن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬لحبيبي‪ ،‬عبد الرحيم‪ ،‬خبز وحشيش وسمك (رواية)‪ .‬افريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪.2008 ،‬‬
‫‪ -‬المملكة المغربية‪ ،‬رئاسة الحكومة‪ 23 ،‬أبريل ‪ ،2015‬الجريدة الرسمية‪ ،‬النشرة العامة‪ ،‬العدد ‪.6354‬‬
‫‪ -‬النملي‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬آسفي المدينة الضاربة في أعماق التاريخ‪ ،‬مجلة ليكسوس‪ ،‬العدد ‪.2016 ،2‬‬
‫‪ -‬الوزان‪ ،‬الحسن بن محمد‪ ،‬وصف افريقيا‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الرباط‪.1980 ،‬‬
‫‪- Auteur inconnu, Rapport sur la Réorganisation du Territoire de Safi, Nantes,‬‬
‫‪Centre des Archives Diplomatiques de Nantes, 27 Septembre 1948.‬‬
‫‪- Girard, Allocution de réception de la visite de M. Lacoste, Ministre‬‬
‫‪Plénipotentiaire, Délégué à la Résidence Générale, à Safi, Nantes, Centre des‬‬
‫‪Archives Diplomatiques de Nantes, 27 Septembre 1948.‬‬
‫‪- leite, Ana Sofia Neno, La semi-insularité de Safi: Les défis de la‬‬
‫‪patrimonialisation, e-Phaïstos: Revue d’histoire des techniques, IV-2, 2015,‬‬
‫‪édition électronique.‬‬
‫‪- Troin, Jean-François, Maroc: Régions, Pays, Territoires, Maisonneuve et‬‬
‫‪Larose, Paris, 2002.‬‬

‫‪129‬‬

You might also like