Professional Documents
Culture Documents
الاستعارات التي نحيا بها
الاستعارات التي نحيا بها
:تقديم الكتاب
لقد مثلت االستعارة بالنسبة للبالغيين القدماء والمحدثين إحدى أهم القضايا في
الدرس البالغي ،فقد اختلفت مفاهيمها حسب المجال المراد درستها فيه ،كما كانت
محطة أنظار العديد من التوجهات والتخصصات باعتبارها دعامة أساسية في
الخطابات ،ورغم االختالف في وجهات النظر والمنطلقات إال أن األحكام
والمبادئ التي أسست رؤية االستعارة تقليدًيا كانت ثابتة ،فاال نظرة القديمة التي
اعتبرت االستعارة أداة أدبية محضة أ يدها الكثيرون وسار على نهجها العديد من
الدارسين .لكن رغم هذه الدراسات وهذه األبحاث إال أن البحث غير محدود
والتطلع واالكتشاف سالح المفكرين والباحثين عبر مر العصور ،ففي القرن
العشرين ظهرت وجهات نظر ترى بأن مفهوم االستعارة غير المفهوم الذي
جاءت به النظرية االستبداالية ،فهي بذلك نظرة جديدة للبالغة تسلط الضوء على
أن االستعارة موجودة في حياتنا اليومية نتواصل ونعيش ونحيا بها ،كما نتعامل
بها يومًيا رغم أننا ال نشعر بذلك ،حيث تظهر من خالل سلوكياتنا وأفكارنا
وانفعاالتنا .ومن بين وجهات النظر البارزة في هذه النقلة كتاب االستعارات التي
نحيا بها للباحثين األمريكيين "جورج ال يكوف" و"مارك جونسن" اللذان أصدرا
طبعة جديدة لكتابهما الشهير "االستعارات التي نحيا بها" ( ،)2003وهي طبعة
.جاءت بعد ثالث وعشرين سنة عن صدور الطبعة األولى ()1980
:إضافات ال يكوف وجونسن في كتابهما
التصور الشائع عن االستعارة أنها مظهر لغوي ،زخرف من القول ،ليست وسيلة نفهم بها
العالم .وهذا ما يعارضه ال يكوف وجونسن ،فجوهر االستعارة أنها تجعلنا نفهم شيء من
خالل شيء آخر ،االستعارة هنا تعني التصور االستعاري تجعلنا نقبض على أشياء ملموسة
بصورة غير واضحة (كالعواطف -التجريدات -األفكار...إلخ) من خالل أشياء أكثر
وضوحا في تجربتنا مثال ،استعارة "الجدال حرب" فنحن نقول (هدمت حجته ،دافع عن
ادعاءه ،أصبت الهدف ،سقطت براهينه) فهنا
نحن نفهم "الجدال" من خالل تصور الحرب ليس األمر لغوًيا فقط متعلق بحديثنا عن الجدال
بل هو في الكيفية التي نفهم بها الجدال ونتصوره بها .أظف إلى ذلك يعد التصور
االستعاري نسقي ،الغير عشوائي ،مبنينا
((StructuratioN
من خالل أمثلة تجريبية منبثقة من تجربتنا الفيزيائية والثقافية وهو أيضا ُيبنين تصورنا
وتفكيرنا بصورة جزئية فجّل تصوراتنا تفهم جزئيا من خالل استعارات او تصورات أخرى
دائًم ا باستغراب من تعاملنا مع األفكار كـ "أكل" ،فنقول مثال نهضم األفكار ،قارئ نهم،
أفكار مسمومة ،غذاء العقل ،كتاب دسم...إلخ و مثل هذه التصورات نلمس أثرها أيضا في
:االنجليزية مثل قولنا
،هذه الحجة رائحتها نتنة ،وأمثلة كتير= That argument smells fishy
وأظن إن ليست اإلنجليزية والعربية فقط مشتركين في استعارة "األفكار طعام
وفيه استعارات أخرى لتصور األفكار ،مثل أشخاص (ستظل حّية ،الفكرة وليدة ،لها أب
مثل "أبو اللسانيات ،ماتت الفكرة في مهدها) أو إن األفكار نباتات (تعطي ثمار ،تنمو،
تزدهر/تزهر ،لها فروع وجذور) ،أو إنها مال (ثروة ،غنى ،كنز) ،أو أدوات باترة،
.حاسمة
جريئة حادة ..،وللحب أيضا تصورات استعارية ،كـ الحب سفر/الحب جنون/الحب
.سحر/الحب جاذبية
نقبض على هذا المفهوم الغامض من خالل تصورات أخرى أكثر وضوحا ،فنفهمه من
خاللها ,أما االستعارات البنيوية ،فهي ما تجعلنا نبين تصورا استعاريا ما من خالل تصور
آخر
.مثال ،الجدال حرب ،الزمن مال
و االستعارات االتجاهية ،هي نسق كامل من تصورات متعالقة ،مرتبطة بمحيطنا الفضائي
فمفهومنا لـ فوق-تحت
فنفهم السعادة مثال على انها فوق (ترفع معنوياتي -يحلق في السماء) وبالعكس فالشقاء
تحت ،فنسقط في الهاوية وتنخفض معنويتنا...إلخ فاألكثر فوق واألقل تحت ،والهيمنة فوق
.والخضوع تحت
و في ما يخص االستعارة األنطولوجية ،التي يتم من خاللها مقولة األشياء غير
المحددة/الغامضة وتعينها وتكميمها فنصنع من خاللها طرقا للنظر ،مؤسسة على تجربتنا
الفيزيائية/الجسدية نعامل أشياء غامضة ككيانات ،كمادة . .نصنع حدودا ونعين مظاهرا
.وأسبابا
يجادل اليكوف وجونسون ،النزعة الموضوعية والذاتية ،تلك الثنائية الشهيرة ،يقترحان
سبيال ثالثا ،تجريبيا مؤسس على "الفهم" ،كيف نفهم العالم ونعيش تجربتنا ،يجادالن بتبيان
بنية االستعارة المنسجمة ،داخليا وخارجيا ،يجادالن بنسقيها ،بكيفية خلقها للمعنى وصنعها
.للحقيقة
ففي كتابهما الالفت االستعارات التي نحيا بها يشير المؤلفان جورج اليكوف ومارك جونسن
إلى كون االستعارة تمثل بالنسبة إلى الناس العاديين أمرًا مرتبطًا بالخيال الشعري من دون
سواه ،أو بالزخرف البالغي البعيد عن الحاجات الفعلية واليومية للسواد األعظم من البشر،
إضافة إلى ذلك يشير المؤلفان إلى أن الكثيرين يعتقدون أن االستعارة هي مجرد خاصية
تتعلق باأللفاظ ال بالتفكير واألنشطة الحياتية .إال أن المؤلفين يثبتان على امتداد الكتاب أن
االستعارة تتعدى كونها ترفًا جماليًا أو نشاطًا بالغيًا محضًا لتصبح حاجة أولية حاضرة في
كل مجاالت العيش ومتصلة بالنسق التصوري العادي الذي يحكم التعبير والسلوك
اإلنسانيين .و لكي يثبت المؤلفان فرضيتهما يقدمان العديد من األدلة والقرائن المنتزعة من
كالم الناس اليومي التي تؤكد الطبيعة االستعارية لمعظم أحاديثنا الشفوية أو نصوصنا
.المكتوبة
نخلص فنقول ّ ,ن االستعارة اليوم قد تجاوزت اللغة لتشمل جماع األنشطة واألعمال التي
يقوم بها اإلنسان في وقتنا الحالي الذي يضّج بالصور والعالمات المتنوعة ،وهو ما فرض
على الدارسين االنطالق إلى آفاق جديدة وتجديد أدوات تحليلهم لبيان عمل االستعارة وتفكيك
استراتيجياتها الخطابية ،وذلك من منظورات معرفية مختلفة؛ بالغية وفلسفية وبنيوية
ولسانية وسيمائية وتداولية وعرفانية