Professional Documents
Culture Documents
takwa
takwa
االستعارة
عند السكاكي
:عمل الطالبة
تقوى الحشاني
سنة ثانية ماجيستير اختصاص لغة
1
التخطيط
مقدمة البحث.................................................................................ص3
ا لفصل األول :االستعارة ما قبل السكاكي...................................................ص6
االستعارة عند الجاحظ...............................................................ص6 .1
االستعارة عند ابن قتيبة..............................................................ص9 .2
االستعارة عند المبرد...............................................................ص11 .3
االستعارة عند الّر ماني.............................................................ص13 .4
االستعارة عند عبد القاهر الجرجاني..............................................ص15 .5
الفصل الثاني :االستعارة مع السكاكي .....................................................ص19
تعريفه والتعريف بكتابه...........................................................ص19 .1
االستعارة عند السكاكي...........................................................ص20 .2
2-2أقسام االستعارة عند السكاكي..............................................ص21
ا .االستعارة التصريحية لهما (التحقيقية والتخيلية والمحتملة لهما) ......ص21
ب .االستعارة المكنية.........................................................ص23
ج .االستعارة المرّش حة والمجّر د.............................................ص25
د .االستعارة األصلية والّت بعّية................................................ص26
2-3شروط االستعارة.....................................................................ص29
2-4أنواع االستعارة......................................................................ص30
الفصل الثالث :موقف النقاد من االستعارة في كتاب مفتاح العلوم للسكاكي...........ص35
.1موقف الخطيب القزويني من أراء السكاكي.......................................ص35
1-1موقفه من االستعارة التحقيقية................................................ص36
1-2موقفه من االستعارة التخيلية................................................ص38
1-3موقفه من االستعارة التبعية.................................................ص39
الخاتمة....................................................................................ص42
النتائج التي توصل إليها هذا البحث....................................................ص43
قائمة المصادر والمراجع................................................................ص44
1
2
مقدمة البحث:
القرآن العظيم معجزة من وجوه متعددة من حيث فصاحته وبالغته ونظمه وتراكيبه وأساليبه
وما تضمنه من أخبار ماضية ومستقبلة وما اشتمل عليه من أحكام جلية .وقد تحHHدى ببالغHHة
ألفاظه فصاحة العرب كما تحداهم بما اشتمل عليه من معHHان صHHحيحة كاملHHة ،فالبالغHHة هي
االنتهاء والوصول .فهذا العلم يعتبر الوسHيلة المناسHبة لمعرفHة اعجHاز القHHرآن ،لHHذلك يHHؤدي
ولذلك البد من اإللمام بقواعد علم البالغة التي تجعل اإلنسان فصيحا ومتكلما بلسان بليغ.
وتنقسم البالغة إلى ثالثة أقسام هي :علم المعاني ،علم البديع ،وعلم البيان.
وأحد العلوم في البالغة هو علم البيان" ،وعلم البيان هو علم معرفة إيراد المعنى الواحHHد في
طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الداللة عليها وبالنقصHHان ليحHHترز بHHالوقوف على ذلHHك عن
1
الخطإ في مطابقة الكالم لتمام المراد به"
واالستعارة مصطلح شغل البحث فيه منذ القدم مجاال واسعا من الكتابات البالغيHHة ة النقديHHة،
فقد منح أرسطو من كتابHHه "فن الشعر" بHHاب البحث في االسHتعارة باعتبارهHHا وجهHHا بالغيHHا
1
أحمد شمس الدين ،المعجم المفصل في علوم البالغة (البديع والبيان والمعاني)
3
شّك ل عالمة تميز إبداع الشعراء عن غيرهم من الّن اس وقد لفتت االسHHتعارة منHHذ ذلHHك الحين
االنتباه إليها.
وقد أجمع اللغويين قديما أن االستعارة هي مأخوذة من العاريHHة أي نقHHل الشيء من شخص
وقد قال ابن فتيبة في هذا الشأن " فالعرب تسHHتعير الكلمHHة فتضHHعها مكHHان الكلمHHة إذا كHHان
وهذا التعريف ينطبق على المجاز كله والسيما المرسل الذي في عالقاته السببية والمجاورة.
واالستعارة هي نوع ثاني من المجاز اللغHHوي كمHHا ذهب إليHHه معظم اللغHHويين "،وال تس00تعير
أحد اللفظين لآلخر إال بواس00طة التع00ارف المعن00وي كم00ا أن أح00د الشخص00ين ال يس00تعير من
32 1
اآلخر إال بواسطة معرفة ببينهما "
وفي الحقيقة االستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه (المشبه والمشبه به) يقهم من هذا أن التشبيه
البّد أن يذكر فيه الطرفين األساسيين وهما المشبه والمشبه به فإذا حذف أحد الركنين ال يعHHد
تشبيها بل يعد استعارة.
ولالستعارة ثالثة ألركان رئيسية أال وهي مستعار منه ،مستعار له ،ومستعاٌر
وفي ظHHل مHHا سHبق ذكHHره أردت أن أشير إلى مفهHHوم االسHتعارة عمومHHا ،أمHHا الخHاص فهHHو
موضوع بحثي ،وهو االستعارة عند السكاكي.
ال نجHHد للشك مجHHال في القHHول إن السHHكاكي ع ّHد من بين اللغHHويين الHHذين حفلت مHHدوناتهم
بالتطرق إلى موضوع االستعارة لما لهذا المصلح من لبس بينه وبين التشبيه.
1
يحي بن حمزة "الطراز المتضمن ألسرار البالغة وعلوم حقائق اإلعجاز"ص195
2
3
4
لذلك رّك ز اللغويين في تبين خصائص االستعارة ورصHHد أركانهHHا وتقسHHيماتها رصHHدا دقيقHHا.
فقد اعتنوا اعتناًء ا جليا بكل جوانبها ودليلنا على هذا ما جاء به السكاكي في كتابه الغHHني عن
لتعريف" مفتHHاح العلHHوم" الHHذي عّHد مرجعHHا ومنHHواال لشّت ى العلHHوم البالغيHHة منهHHا والنحويHHة
والصرفية أيضا.
قبل أن نلج إلى مفاهيم االستعارة التي تطرق إليها علماء البالغة قبل السكاكي ،حري بالذكر
أن هؤالء العلمHاء على الHرغم من تعHدد مشاربهم لم يختلفHوا كثHيرا في تعHريفهم لالسHتعارة
بشكل كبHHير ،حيث أخHHذت هHHذه التعريفHHات تتطHHور وتHHزداد وتحHHدد على يHHد هHHؤالء العلمHHاء
مضيفين عليها تارة ومصوبين فيها تارة أخرى ،وشأن هذا المصطلح شأن أي مصHHطلح لHHه
على مر العصHHور مفHHاهيم ومقاصHHد ،وعليHHه سHHنحاول تلخيص مHHا ورد عن االسHHتعارة بHHدءا
بالجاحظ وصوال للجرجاني.
5
.Iالفصل األول :االستعارة ما قبل السكاكي
.1االستعارة عند الجاحظ(159ه_255ه):
إن المطلع على التراث البالغة العHربي يجHد ان اإلشارات األولى لمفهHوم االسHتعارة كHانت
عند الجاحظ في أثناء شرحه لألبيات الشعرية التالية:
وقد قال شارحا لهذه األبيات :قوله" أخربها عمران من بناها يقول :عّمرها بالخراب ،وأصل
العمران مأخوذ من الُعمر وهو البقاء ،فإذا الرجل في داره فقHHد عمHHره .فيقHHول إن مHHدة بقائHHه
فيها أبلت منها ألن األيام مؤّث رة في األشياء بالنقص والبلى ،فلما بقي الخراب فيها وقام مقHHام
الُعمران في غيرها سمي بالعمران ....قوله :ممساها ،يعني مساءها.
ومغناها :موضعها الذي أقيم فيه .والمغاني :المنازل الHHتي كHHانت بهHHا أهولهHHا .وطفقت يعHHني
ظّلت .تبكي على عراصها عيناها ،عيناها هاهنا للّسحاب.
وجعل المطر بكاء من الّسحاب على طريق االسHتعارة ،وتسHمية الشيء باسHم غHيره إذا قHام
1
مقامه .ويقال" لكل جوبٍة منفتقٍة ليس فيها بناء عرصة"
ونجد إشارة لالستعارة عند شرحه لمعHHنى الHHبيت الثHHالث؛ وذلHHك في اسHHناد الفعHHل (بكى) إلى
(المطر) الHHذي يكHHون نتاجHHا للّس حاب ....فاالسHHتعارة عنHHد الجاحHHظ في هHHذا الموضHHوع أتت
بمعنى إسناد الفعل إلى غير فاعلHه الحقيقي مHع استحضHار معHنى الكلمHة الHتي أسHندها إليهHا
الفعل ،األمر الذي يدفع المتلقي إلى البحث في معان جديدة ُت راد من الHHتركيب اللغHHوي الHHذي
ينحو منحى المجاز.
1
الجاحظ «البيان والتبيين"1/152,153
6
فالمتأمل في تعريف الجاحظ لالستعارة يجHHده يشير إلى كHHل االستعراضHHات المجازيHHة الHHتي
تتضمن استبدال كلمة أو صورة مجازية بأخرى حرفية من أي سياق كان لوجودها عالقة أو
صلة فيهما او تسمية الشيء بغير اسمه لوجود هذه العالقة ففي قوله تعHHالى :إّن شّر الّHد واب
عند هللا الُّصم الُبكم الذين ال يعقلون "1يتحدث الجاحظ في هHHذه اآليHHات القرآنيHHة ويHHبين وجHHه
الشبه فيها فيقول :ولو كانوا صّم ًا بكما وكانوا هم ال يعقلون لما عّي رهم بHHذلك ،كمHHا لم يغّي ر
خلقHHه معتوهHHا ،كيHHف لم يعقHHل ،ومن خلقHHه أعمى كيHHف لم يبصHHر .ولكنHHه سHHمي البصHHير
المتعامي أعمى والسميع المتصامم أصم ،والعاقل المتجاهل جاهال"
فاالستعارة عند الجاحظ من الوجهة األسلوبية البالغية ذات فاعلية أدبية عنHHد منشئها عنHHدما
يتخير تكوينه لتجربته عبر المجاز أي تدخل في االستعارة مجموعة من العناصHHر المتنوعHHة
غير المكتملة ،يقوم الHذهن بعقHد عالقHات بينهHا الزمHة الكتمالهHا وامكHان نيابHة بعضHها عن
بعض.
إن استعمال الجاحظ لالستعارة يعتمد على كل من داللتها المعنوية وعالقتهHHا االقترانيHHة ،لHHذا
رّك ز على معرفHHة التعHHارض بين الحقيقHHة والمجHHاز حHHتى ال ُيبهم المعHHنى وتختفي الحقيقHHة،
2
وتحمل األلفاظ ماال طاقة لها به "وليس ينبغي للعاقل أن يسوم للغات ما ليس في طاقتها"
وهو بهذا ال يشدد على االهتمHام بالشحنة الدالليHة الناتجHة من االسHتعارة فحسHب بHل يشدد
الجاحظ على االهتمام بالمعنى األول الحقيقي لإلحساس بالمعنى البليغ النHHاتج عن االسHHتعارة
وربط هذا المعنى بمعنى أهله ومقصدهم منه فقHHل الجاحHHظ :ومن الكالم كالم ي00ذهب الس00امع
منه إلى معاني أهله وغلى قصد ص00احبه كق0ول هللا تع0الى :وت00رى الّن اس س00كارى وم00ا هم
بسكارى"
"ولهم رزقهم فيها بكرة وعش00ية" فق00ال :ليس فيه00ا بك00رة وال عش00ية" 3ومن هذا المفهHHوم
تندرج االستعارة تحت مفهوم المجاز.
1
سورة االنفال اآلية 22
2
"الجاحظ " البيان والتبيين
3
الجاحظ" البيان والتبيين" ص193
7
ويشير الجاحHHظ إلى وجHHوب تفHHاهم مشترك بين السHHامع والمتكلم ألن عHHدم إدراك مHHا يريHHده
المتكلم يزيد االستعارة عنHHدما تبلHHغ مHHا يسHHميه الجاحHHظ "اللغHHز في الجHHواب " ولHHذلك عنHHدما
يضيف المتكلم إلى كالمه المستعار فيه تضليل السامع وإيقاعHHه في اإلبهHHام .وبهHHذا تعHHد آراء
الجاحHHظ في االسHHتعارة البHHدايات األولى الHHتي سHHاعدت على انطالق الدراسHHات البالغيHHة
وتأثيرها في المبدع والمتلقي ونشر النص إلى أبعد ما يكون وصوال إلى المقاصHHد والغايHHات
وهو بهذا يصور لنا مرحلة من مراحل تطور مفهوم البالغة في دور النشأة.
8
.2االستعارة عند ابن قتيبة(213ه_276ه)
نال علماء البالغة حّظ هم من الدراسHة والبحث فكHHانت مHHدوناتهم أكHHثر تHHداوال بين الدارسHين
والباحثين ،الذين ركزوا في بحوثهم حول هHHؤالء العلمHHاء من أمثHHال :الجرجHHاني ،السHHكاكي،
الجاحHHظ ،البHHاقالني ،وغHHيرهم ...ومن جهHHة أخHHرى هنHHاك من لم يسHHعفهم الحHHظ-على ح ّHد
اّط العنا-في تأخذ فيها ،كحقل البالغة ،وحقHHل اإلعجHHاز القHHرآني .نيHHل نصHHيبهم من الدراسHHة
والتعمق في مجال العلوم البالغيHHة ،وقّلمHا نجHد حHولهم دراسHات جHادة أو بحوثHHا ً،ومن بين
هؤالء األعالم نجد ابن قتيبة (ت 276هـ) ،صاحب كتاب "تأويل مشكل القرآن" الذي أّل ف
كتابه في وقت كانت فيHHه البالغHHة في البHHدايات األولى من ظهHHور معالمهHHا ،فجHHاء ابن قتيبHHة
بكتابه "تأويل مشكل القرآن" الHHذي يHHدرس فيHHه المصHHطلحات البالغيHHة من مجHHاز واسHHتعارة
وكناية ،وبصورة موسعة عن سابقيه ،وكان الدافع األول لتأليف كتابه هو الرّد عن الطاعنين
للقرآن الكريم من خالل تبيين بالغة كالم هللا فيه وحقائق إعجازه.اقتصرت في دراسة كتاب
(تأويل مشكل القرآن) على المصطلحات البالغية فيه ،المتمثلة في االستعارة.
لعل إن مشاركة ابن قتيبة ( ت 276هـ) من خالل مجهوداته في إبراز وتسجيل المالحظHHات
البالغية كانت واضحة وجديرة باالهتمام في كتابه " تأويل مشكل القرآن" الHHذي وقHHف يHHذود
فيه عن القرآن العظيم ،وُلغته والوقوف على وجوه االعجاز فيه ،بكHHل طاقتHHه ،وكHHان عملHHه
هذا سببا في اتجاه علماء اللغة المسلمين إلى دراسة القرآن وبالغته والدفاع عنHHه وكمHHا كHHان
آثر هذا الكتاب جلّيا باجتيازه من مرحلة اإلشارات واآلراء ،إلى مرحلة التأليف في موضوع
كامل ،محّلال للعناصر البالغية واألسلوبية من خالل بعض المفاهيم كالمجاز و االسHHتعارة و
الكناية و التعريض وغيرها من مجازات تمييز كالم العرب.
لقد أولى ابن قتيبة بفن االستعارة عناية كبيرة ألن أكثر المجاز يقHHع فيHHه .ولقHHد فهم ابن قتيبHHة
االستعارة فهمًا واسعا لذلك اشتملت في مفهومه على االسHHتعارة المفيHHدة ،وغHHير المفيHHدة كمHHا
تشمل «الكناية" وما عرف تحت فصل "المجاز المرسHHل" في عHHرف البالغHHيين المتHHأخرين.
ويستهل هذا الفصل –عن االستعارة-بقوله "فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكHHان الكلمHHة إذا
9
كان المسمى بها بسبب من أخرى أو مجاورا لها أو مشاكالفيقولون للمطHHر سHHماء ،ألنHHه من
السماء ينزل ،فيقال :مازلنا نطأ السماء حتى أتيناكم .قال الشاعر:
ثم ينتقل ابن قتيبة ،فيعرض أمثلة لها من القرآن الكريم ،ثم يدافع عنها كما دافع من قبHHل عن
1
" مدلال على أن االستعارة حقيقة واضحة وليست كذبا ،ألن الكذب ينّز ه كالم هللا عنه"
ويستدل على صحتها بقوله تعالى في سورة الHHدخان :فمHHا بكت عليهم السHHماء واألرض ومHHا
كانوا منظHHرين"[الHHدخان ]29 :تقHول العHHرب" :إذا أرادت تعظيم مهلHHك رجHل عظيم الشأن،
رفيع المكان ،عام النفع ،كثير الصنائع ،أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده ،وبكتHHه الHHريح
والبرق والسماء واألرض ،يريدون" لغة في وص0ف المص0يبة ب0ه وإنه0ا ق0د ش0ملت وعمت
2
وليس كذلك بكذب ألنهم جميعا متواطؤون عليه والسامع له يعرف القائل فيه"
وقوله تعالى" :يوم يكشف عن ساِق عليه ،"3أي عن شدة من األمر ،كذلك قال "قتادة" .وقHHال
"ابراهيم" :عن أمر عظيم .وأصل هHHذا أن الرجHHل إذا وقHHع في أمHHر عظيم يحتHHاج الى معاناتHHه
والجد فيه ،شمر عن ساقه ،فاسHHتعيرت «السHHاق" في موضHHع الشدة .وقولHHه عّHز وجّHHل:
"وقّ00د منا إلى م00ا عمل00وا من عم ٍ0ل فجعلن00اه هب00اًء منث00ورًا "4أي قصدنا ألعمالهم وعمHHدناها.
واألصل أن من أراد القدوم الى موضع عمد له وقصHHده" .والهبHHاء المنثHHور" :مHHا رأيتHHه في
شعاع الشمس الداخل من كوة الزبية " .والهباء المنبث" :ما تسطع من سHنابك الخيHل ،وإنمHا
أراد أنا أبطلناه كما أن مبطل ال يلتمس وال ينتفع به.
وفي قHول ابن قتيبHة في توضHيع القيم الجماليHة" :أي خًط ا ونص00يًب ا ،وأص00ل ال00ذنوب ال00دلو،
فاس00تعير في موض00ع النص00ب" مفهHHوم االسHHتعارة عنHHد ابن قتيبHHة ،تشمل بعض الصHHورة
المجاز المرسل فمن ذلك قوله عن الصورة التي شملتها االستعارة في تفسير قوله تعHHالى من
سHHورة آل عمHHران :وأّم ا الHHذين ابيضHHت وجHHوههم ففي رحمHHة هللا هم خالHHدون [آل عمHHران:
]107
1
أحمد جمال العمري ،مفهوم االعجاز القرآني حّت ى القرن السادس للهجري ،ص64
2
ابن قتيبة ،تأويل مشكل القرآن ص64:
3
سورة القلم اآلية 42
4
سورة الفرقان اآلية 23
10
يعني جنته ،سماها رحمة ،ألن دخHHولهم اياهHHا كHHان برحمتHHه ،فHHدخول الجنHHة بسHHبب الرحمHHة
عالقة سببية ،ومثله قوله :وأّما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة هللا هم فيها خالدون" .وقHHد
توضع "الرحمة" موضع "المطر" ألنه ينزل برحمته الجنة.
بيد أن علماء البيان المتأخرين يقولون :إنه مجاز مرسل عالقتHه الحاليHة ،فHإن الرحمHة تحHل
في الجنة .ويقول أيضًHا في قولHه تعHالى :واجعHل لي لسHانا ِص دق في اآلخHرين " أي :ذك00رًا
حسنا ً،وهذا مجاز مرسل في عر ف البالغيين المتأخرين عالقت0ه اآللي0ة ،ألن اللس0ان آل0ة
الذكر الجميل ،والثناء الحسن .وكذلك تشمل االستعارة عنده ،ما عرف باسHHم "الكنايHHة" عنHHد
البالغيين الالحقين .ففي قوله تعالى :وال تواعدوهّن سًّر ا "1يقول ابن قتيبة" :السر :النك00اح،
.« 2فهذا التوضHHيح وغHHيره ممHHا ألن النكاح يكون سرًا وال يظهر ،فاستعير ل00ه الس00ر
فهمHHه ابن قتيبHHة داخال في نطHHاق االسHHتعارة .فهHHو من قبيHHل الكنايHHة في عHHرف البالغHHيين
المتأخرين .ومن هنا نستطيع أن ندرك أن مفهوم الكناية في ذهن ابن قتيبة لم يكن واضحا أو
محددا .بل إننا ال نخالف الحقيقة ،حيث نقول إن التشبيه أيضًHا مفهHوم عنHد ابن قتيبHة على أنHه
لون من االستعارة ،ويتضح ذلك من قوله تعالى في سHHورة البقHHرة" :نسHHاؤكم حHHرث لكم"
أي :مزروع لكم كما تزرع األرض .ومHHا دام التشبيه داخHHل في االسHHتعارة عنHHده ،فإنHHه
يكون مجازًا عنده.
اما المبرد عرفهHHا بقولHHه "نق00ل اللف00ظ من مع00نى إلى مع00نى "3من غHHير أن يقيHHد هHHذا النقHHل أو
ويظهر هذا واضحا من خالل تعليقه على قول الراعي: يشترط له شروط
1
سورة البقرة ،آية235
2
ابن قتيبة ،أدب الكاتب ،تح ،محمد الدالي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،د ط ،د ت ،ص64:
3
محمد السيد شيخون :االستعارة نشأتها وتطورها ،دار الهدية ،ص 9.
11
يا نعمها ليلة حتى تخونها *** داع دعا في فروع الصبح شّح اج.
يقول المبرد :وشّح اج إنما هو استعارة في شّد ة الموت ،وأصله للبخل والع00رب تس00تعير من
1
بعض لبعض"
ومن أمثلة الشعر التي أوردها قول حميد بن ثور في الحمامة المنطوقة:
تغنت على غصن عشاء فلم تدع *** لنائحة في شجولها متلوما
إذا حركـــــته الريـــــاح وأمال ميــــلة *** تغــــنت عليه مائال ومقوما
ويقول ":للحمامة تغنت وناحت وذاك أنه صوت حسن غير مفهوم فيشبه م00رة به00ذا وم00رة
2
بهذا"
باز يصرصرٍ بالسهبى قّط ا جونا هذا سوادة يجلو مقلتي لحم
يقول المبرد" :يجلو مقلتي لحم" ،ش00به مقلتي00ه بمقل00تي الب00ازي ،ويق00ال" :ط00ائر لحم" من
هذا .وقوله" :يصرصر" يعني يصوت ،يقال :صرصر البازي والصقر ،وما كان من س00باع
الط00ير ،ويق00ال :صرص00ر العص00فور :وأحس00به مس00تعارا ألّن األص00ل في00ه أن يس00تعمل في
الجوارح من الطير فقال جرجير:
وأشدني عمارة" :باز يصعصع" وهو أصح قال أبو الحس00ن" :يصعص00ع" وه00و الص00واب،
3
ولكن هكذا وقع في كتابه ويصرصر ال يتعدى.
أشار المبرد إلى أنواع االستعارة من بينها ،االستعارة التصريحية األصHHلية وقHHدم مثHHال على
4
ذلك من القرآن الكريم ،وهو قوله تعالى" :واتبعوا اهواءهم"
1
الكامل في اللغة و األدب ،ج،1ص22
2
ن .م ،ج،3ص92
3
كتاب الكامل في اللغة واآلداب ،ج ،1ص179
4
سورة محمد ال آية14
12
هنا جعل العقل في داللته على الحق مشبها بالبصHHر ،ثم اسHHتعير البصHHر لهHHذا المعHHنى ولفHHظ
يهديه قرينة .فاالستعارة التصريحية أصلية
يقول المبرد" :وخيرت أن عمر بن لجأ قال :الن عم له أنا أشعر منك فقال :له وكيف؟
1
قال :ألني أقول بالبيت وأخاه ،وأنت تقول البيت وابن عمه
كما تعرض المبرد إلى االستعارة العنادية في مواضHHع من كتابHHه (الكامHHل) فقHHال" :والسHHليم،
الملدوغ وقيل له" ،سليم" تفاؤال له بالسHHالمة" ،وزبيHHد وأرحب :حيHHان من اليمن .والثHHأر :مHHا
يكون لك عند من أصاب حميمك ،من الترة ،ومن قال "ثار" فقد أخطأ .فالمقصود هاهنHHا من
أنه سHليم ملHدوغ ،على التفHاؤل والصHحة ،بحيث تسHتعمل العHرب قHديما الكلمHات المتضHادة
للفهم .إضافة إلى األنواع السالفة كذلك بين االستعارة التمثيلية ،ومن بين األمثلة الHHتي سHHاقها
في ذلك نجد قول الشماخ يمدح عرابة:
أما قول الشماخ فقد صHHور لنHHا عرابHHة في رغبتHHه على المبHHادرة إلى سHHبيل المجHHد بكHHل قHHوة
وعزيمة وإرادة وما لغير ذلك بتلقيه الشيء باليمين.
1
الكامل ،ج ،2ص119
2
مرجع نفسه ،ج ،1ص108
3
علوم القرآن ،ص35
13
ومعنى هذا التعريف ،أن الكلمة في االستعارة قد وضHHعت بHHإزاء معHHنى جديHHد أطلقت عليHHه،
وهو غير المعنى الموضوع لها في اللغة قصد إبانة المعنى وإيضاحه .ويقصد الرماني بإبانة
المعنى ،استحداث معنى جديد في اللفظ ،وجعل الكلمة ذات داللة لم تجعل لها في أصل للغة،
وهو األمر الذي عبر عنه بقوله "ومن الفضيلة الجامعة فيها ،أنها تبرز هذا البيان أب00دا في
صورة مستجدة تزيد قدره نبال ،وتوجب له بعد الفضل فضال ،وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد
اكتسبت فيها فوائد ،حتى تراها مكررة في مواضع ،وله00ا في ك00ل واح00د من تل00ك المواض00ع
شأن مفرد وشرف منفرد ،وفضيلة مرموقة ،وخالبة موموقة ،ومن خصائصها ال00تي ت00ذكر
بها وهي عنوان مناقبها ،أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ ،حتى تخرج من
1
الصدفة الواحدة عدة درر"
قد تناول الرماني الخصائص الفنية لالستعارة ،كمقدمة لدراسة هHHذا الفن القHHولي في القHHرآن،
حيث قال"" :وكل استعارة حسنة فهي توجب بالغة بيان ال تنوب منابه الحقيقة ،وذلك أن00ه
لو كان تقوم مقامه الحقيقة لكانت أولى به ،ولم تجز االستعارة ،وك00ل اس00تعارة فال ب00د له00ا
2
من حقيقة ،وهي أصل الداللة على المعنى في اللغة"
فالرماني ينص صراحة على أن أسHHلوب االسHHتعارة أقHHوى وأبلHHغ من أسHHلوب الحقيقHHة ،ولHHو
كHHانت االسHHتعارة تHHؤدي نفس المعHHنى الHHذي تؤديHHه الحقيقHHة ،لكHHان التعبHHير بالحقيقHHة أجHHدى،
والشاهد على أن لالسHHتعمال االسHHتعاري من الفائHHدة والموقHHع الحسHHن مHHا ليس لالسHHتعمال
الحقيقي ،ما جاء في القرآن الكريم من االسHتعارة على جهHة البالغHة ،ومHا تحدثHه من تHأثير
يتHHداعى إلى القلHHوب والنفHHوس عنHHد سHماع التعبHHير باأللفHHاظ الHHتي دخلتهHHا االسHHتعارة .فقولHHه
تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثور "3أبلغ وأحسن مما قصHHد لHHه من
قولHHه لHHو قHHال "عمHHدنا إلى مHHا عملHHوا من عمHHل فجعلنHHاه هبHHاء منثHHورا" فاالسHHتعارة في
لفظ "قدمنا" ،قد حققت في اآلية داللة ال يمكن استيعابها في لفظ عمدنا لو استبدلت بها،
ولبقية الصورة المرادة غير ماثلة للعيان كما هو الحال مع اآلية .وبهHHذا الفهم العميHHق مضHHى
الرماني يحلل اآلية الكريمة تحليال رائعا ،موضحا حقيقتها ليHHبين فضHHل االسHHتعارة ووجHHه
1
علوم القرآن ،ص 32
2
ن م ،ص 37
3
سورة الفرقان اآلية23
14
بالغتها ،وسر الجمال في التعبير بلفظ "قHدمنا" بHدال من "عمHدنا " فكHل ذلHك يجعHل القHارئ
متمثال للسر البالغي في التعبير باالستعارة ،يقHHول الرمHHاني "حقيق00ة ق00دمنا عم00دنا ،وق00دمنا
أبلغ منه ،ألنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر ،ألن00ه ع00املهم من أج00ل إمهال00ه
لهم كمعامل00ة الغ00ائب عنهم ،ثم ق00دم ف00رآهم على خالف م00ا أم00رهم ،وفي ه00ذا تح00ذير من
االغ00ترار باإلمه00ال .والمع00نى ال00ذي يجمعهم00ا الع00دل ،ألن العم00د إلى إبط00ال الفاس00د ع00دل،
والقدوم أبلغ لما بينا .وأما هباء منثورا ،فبيان قد أخرج م00ا ال تق00ع علي00ه الحاس00ة ،إلى م00ا
1
تقع عليه حاسة"
ومثله أيضا قوله تعالى «اصدع بما تومر" 2ففي اآلية من بالغة التعبير ودقة المعنى والتفنن
في التصHHHوير ،مHHHا ال نجHHHده في االسHHHتعمال الحقيقي ،فلHHHو قلنHHHا "بلHHHغ مHHHا تHHHومر
به" لوجدنا فعل "بلغ" ،يضيق عن اإلحاطة بالمراد من اآلية "ألن الصدع باألمر البد
لHHه من تHHأثير كتHHأثير صHHدع الزجHHاج ،والتبليHHغ قHHد يصHHعب حHHتى ال يكHHون لHHه تHHأثير
فيصير بمنزلة مHا لم يقHع .والمعHنى الHذي يجمعهمHا اإليصHال ،إال أن اإليصHال الHذي لHه
فاالستعارة في اآلية ،هي التي كشفت أصالة ما يريHHد القHHرآن تأثير كصدع الزجاجة أبلغ.
التعبHHير عنHHه ،وكشفت عن إيحائيHHة جديHHدة في اآليHHة ،ال يحس بهHHا السHHامع في االسHHتعمال
الحقيقي ،بحيث يصHHبح لفHHظ االسHHتعارة متمHHيزا ال يسHHد مسHHده لفHHظ آخHHر ،وال يشاكله
تعبير مقارب ،وبذلك بلغت االستعارة في القرآن الكريم مرتبة اإلعجاز .ويبدو من هذه األمثلة
التي تقHدم بهHا الرمHاني ،أن بالغHة االسHتعارة القرآنيHة وإعجازهHا يكمن في قHدرتها على
تجسيم المعنوي ،وتقديمه في صورة حسية ينفعل معه قلب وعقل القارئ والسامع.
15
وضع ،ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك األص00ل وينقل00ه إلي00ه غ00ير الزم
1
فيكون هناك كالعارية
وقد أسهب الجرجاني في تعريفاته لالستعارة ونورد تعريفا آخر له في قولHHه" :اعلم أن00ه
قد كثر في كالم الناس استعمال لفظ النقل في االستعارة ،فمن ذلك قولهم :إن االستعارة
تعليق 3العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على سبيل النق00ل" .2والمالحHHظ
من هذه التعريفات إن االسHتعارة عنHHد الجرجHاني لم تكن بعيHHدة كHHل البعHHد عن تعريفHHات
السابقين كونها نقل العبارة والكلمة من معنى إلى معنى للبيHHان والوضHHوح .لكن الHHرأي الHHذي
خالف فيها الجرجاني آراء سابقيه يتمثل في أنه بين حقيقHة االسHتعارة وحHدد طبيعتهHا
باعتبارها ليست مجّر د نقل وإنما هي ادعاء وخطوة أساسية في عملية االستعارة ويتضHHح
ذلك في قوله" فقد تبين من غير وجه ان االستعارة إنما هي ادعاء معنى االسم للشيء ال
نقل االسم علن الشيء و إذا ثبت أنها ادعاء معنى االسم للش00يء ،علمت أن ال00ذي ق00الوه من
أنها تعليق العبارة على غير ما وضعت له في اللغة ،ونقل لها عم00ا وض00عت ل00ه ،كالم
قد تسامحوا فيه ألنه إذا كانت االستعارة ادع00اء مع00نى االس00م لم يكن االس00م م00زال،
عما وضع له بل مقرا علي00ه" . 3من خالل هذا القول نلحHHظ إن الجرجHHاني حHHاول اسHHتبعاد
فكرة النقل الحرفي وسلك مسلكا آخر وهي فكرة االدعاء .حاصل النظر فيما مضى إن عبد
القاهر الجرجاني نضجت عنده مفاهيم االستعارة بصورة لم تكن عند أحد من سابقيه،
فقد كانت آراءه فيها أصيلة وموضوعية إلى حد بعيد مقارنة بمن سبقوه ه ،ومن جاءوا
بعده من البالغيين .ومن أبرز النظريات التي أتى بها الجرجاني "نظريHHة النظم" (المعHHنى
ومعنى المعنى) فنجده يحلل مفهوم معHHنى المعHHنى منطلقHHا من تقسHHيم الكالم على ضHHربين:
ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحHHده كHHأن تقHHول خHHرج زيHHد وغرضHHك
اإلخبار بخروج زيد ال غير ،وضرب آخر أنت ال تصل منHHه إلى الغHHرض بداللHHة اللفHHظ
وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضHHوعه في اللغHHة ،ثم تجHHد لHHذلك
المعنى داللة ثانية تصل بها إلى الغHHرض .ومHHدار هHHذا األمHHر على الكنايHHة واالسHHتعارة
والتمثيل .بعد تحليل عبد القاهر مفهوم معنى المعHHنى صHHاغ تعريفHHا شافيا لHHه وذلHHك
1
الجرجاني ،أسرار البالغة في علم البيان ،ص38.
2
الجرجاني ،دالئل اإلعجاز في علم المعاني ،ص321.
3
الجرجاني ،دالئل اإلعجاز في علم المعاني ،ص280
16
بقوله :وإذا قد عرفت هذه الجملة فههنا عبارة مختصرة وهي أن تق0ول المع0نى ومع0نى
المعنى تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تص0ل إلي0ه بغ0ير واس0طة وبمع0نى
المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر كال00ذي فس00رت
لك.1
والمراد بالمعنى عند الجرجاني هو ذلك المعنى المستعمل الظاهري والذي تواضع عليHHه
الناس ،ونجده في المعHHاجم ألننHHا نفهمHHه مباشرة وال يحتHHاج منHHا بHHذل الجهHHد .أمHHا معHHنى
المعنى فهو المعنى العميق والخفي والمضمر والباطني والذي يتطHHور بتطHHور المعHHارف
التي يكتسبها اإلنسان وذلك عمال الفكر بالفطنة والذكاء وإعمال الفكر.
بعد تحديدنا لمفهوم المعنى ومعHنى المعHنى يمكننHا أن نعHالج المعHنى ومعHنى المعHنى في
االستعارة .فقد الحظ الجرجاني أن الدارسHHين إذا ذكHHروا قولHHه تعHHالى على لسHHان زكريHHا
عليه السالم﴿ واشتعل الرأس شيبا"2لم يزيدوا فيه على ذك00ر االس00تعارة ولم ينس00بوا
الشرف إال إليها ،ولم يروا للمزية موجبا سواها ،هكذا ت00رى االم00ر في ظ00اهر كالمهم
3
ذلك. وليس األمر على
يورد عبد القاهر مثال توضHHيحيا آخHر عن المعHHنى ومعHHنى المعHHنى في االسHتعارة وذلHHك
كقولنا رأيت أسدا .والمالحظ في هذا المثال أن لفظ األسد له معنيان:
المعنى األول :وهو المعنى العام :وهو لفظ معروف ومتداول لHدى عامHة النHاس وهHو
الحيوان المفترس.
المعنى الثاني :وهو المعنى الخHHاص والمضHHمر :وهHHو تشبيه الرجHHل الشجاع باألسHHد
فالمعنى المراد هنا ليس األسد بصHفته وهيئتHه وشكله واّن مHا المHراد هHا هنHا هHو الرجHل
الشجاع بما يمتلكه من بسالة وقوة .لتوضيح هذا القول نضع الخطاطة التالية:
المعنى الظاهر (المعنى (_________األسد________ الحيوان المعروف
المعنى الباطن (معنى المعنى (_____األسد ______الرجل ___الرجل الشجاع
لعل عبد القاهر الجرجاني من أوائل من قسم االستعارة إلى قسمين :مفيHHدة وغHHير مفيHHدة.
فالمفيدة عنده ما كان لنقلها فائدة وهي مدة هذا الفن ومداره ،وغير المفيدة ما ال يكون لها
1
الجرجاني ،دالئل اإلعجاز في علم المعاني ص 177
2
سورة مريم اآلية 4
3
.الجرجاني ،دالئل اإلعجاز في علم المعاني ،ص82
17
فائدة في النقل ،وموضعها حيث يكون اختصاص االسم بما وضع له من طريق أريHHد بHHه
التوسع في أوضاع اللغة .وأشار أيضًا إلى أنها استعارة باالسم تارة وبالفعل تارة أخHHرى
ولمح إلى التصريحية منها والمكنية.
ونظرا لكل هذه الجهود المتبلورة في دراسة االستعارة قديما نستشُّف ان معظمهHHا يHHدور
حول مفهوم واحد وهو استعمال لفظ في غHHير معنHHاه األصHHلي لعالقHHة تشابه بين المعHHنى
األصلي للكلمة وبين المعنى المراد منها مع وجود دليل لفظي أو معنوي يمنع الHHذهن من
إرادة المعنى األصلي للكلمة.
وهنا لسائل أن يسأل ،هل سار السكاكي على مس00ار علي00ه س00ابقيه في تن00اول موض00وع
االس00تعارة أم تج00اوزهم؟ وإذا تج00اوزهم م00اهي اإلض00افات ال00تي ج00اء به00ا في طرح00ه
لالستعارة؟
18
الفصل الثاني :االستعارة مع السكاكي:
)1تعريفه والتعريف بكتابه:
كانت اللغة العربية لغًة محكيًة مرتبطًة بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم ،تثريها
بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ .ومع بزوغ نجم الHHدين اإلسHHالمي واتسHHاع رقعHHة
بالد المسلمين ،وشروعهم في بناء الدولة ،كُث رت المراسالت بينهم ،وقادت فتوحHHاتهم
شعوبًا لم تنطق العربية قط ،فأصبحت جزءًا من المجتمع العHHربي ،فصHHارت الحاجHHة
ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظًا لها مما يHHداخلها ويخالطهHHا من الشوائب الHHتي
تشوبها .وقد كان ذلك أمرًا شبه مسHHتحيل ،لHHوال وجHHود عHHدد من علمHHاء اللغHHة الHHذين
رهنHHوا حيHHاتهم لهHHا ،ومنهمُ :يوسHHف بن أبي بكHHر بن محمHHد بن علي الس َّHك اكي ،أبHHو
يعقHHوب سHHراج الHHدين ،الHHذي ولHHد في خHHوارزم وتHHوفي فيهHHا على األغلب ،ولقب
بـ(السكاكي) نسبة إلى مهنة الِّسكاكة (الحدادة) التي كHHانت تحترفهHHا أسHHرته ،إذ كHHانت
تشتهر بصناعة السكك (المحاريث) .يعد السكاكي من رجال البالغة في القرن السابع
الهجري ،ولـه مصنفات شتى ،منها« :كتاب الجمل» ،وكتاب «التبيان» و«الطلسHم»
وهو باللغة الفارسية ،وله «رسالة في علم المناظرة» .أمHHا ُغ َّر ة مؤلفاتHHه فهHHو كتHHاب
«مفتاح العلوم» الذي لم ُيطبع له سواه .وقد قسم كتابه هذا إلى ثالثHHة أقسHHام رئيسHHية؛
تحدث في القسم األول منهHHا عن علم الصHHرف واالشتقاق ،وخّص القسHم الثHHاني بعلم
النحو وموضوعاته ،وجعل القسم الثالث لعلمي المعاني والبيان ،ألحق بهما مبحثًا عن
الفصاحة والبالغة ،وآخر عن فنون البديع بحسناته اللفظية والمعنوية ،ثم وجد أنHHه ال
غنى لدارس علم المعاني عن الوقوف على علوم المنطق والعروض والقوافي ،فأفرد
لها مبحثين في نهاية كتابه .لكن أسHHلوبه المتHHأثر بالفالسHHفة وشهرة السHHكاكي ترجHHع،
بالفعل ،إلى القسم الثالث من كتابه الذي تنHاول فيHه علHوم البالغHة ،وصHاغ ذلHك كلHه
صHHياغة جديHHدة اسHHتعان فيهHHا بقدرتHHه المنطقيHHة على التجريHHد والتحديHHد ،والتفريHHع
والتشعيب ،والتعليل والتسبيب ،وكانت محاولتHHه من الدقHHة والصHHرامة بحيث تحHHولت
البالغة إلى مجموعة من القواعد الصارمة ،والقوانين المحددة .وقد نجح السكاكي في
اإلحاطة الكاملة باألقسام والفروع ،غير أنه بذلك قد ضHHحى بHHأهم مHHا يمHHيز البالغHHة؛
19
وهHHو أنهHHا علم جمHHالي يبحث عن قيم الجمHHال واإلمتHHاع في العمHHل األدبي ،وبHHذلك
انحرفت البالغة إلى طرق قادتها إلى الذبول والجفاف والجمود؛ فعمد من جHHاء بعHHده
إلى شرح مفتاحه ثم إلى تلخيص هHHذا المفتHHاح ،ثم إلى تلخيص التلخيص ،ثم إلى نظم
التلخيص شعرًا ،ثم عادوا إلى شرح هذا النظم ،وهكHHذا تعقHHدت البالغHHة ،وفقHHدت ذاك
الجHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHانب الجمHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHالي الفHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHني فيهHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHا.
ويبقى السHHكاكي من أبHHرز مؤسسHHي علHHوم البالغHHة العربيHHة ،وعَلمًHا من أعالمهHHا في
القHHرن السHHابع ،ومن أوائHHل الHHذين قسHHموها إلى أنواعهHHا المعروفHHة.تكلمين وبمعجمهم
اللفظي جعل كتابه صعب التناول ،ال سيما للمتلقي العادي.
االستعارة عند السكاكي: )2
:1_2تعريف االستعارة:
عالج السكاكي االستعارة في كتابه المسHمى (مفتHاح العلHوم) فقHد تناولهHا بالبحـث والدراسHة
تحت (علم البيان) في محاولة منه لفصل البحوث البالغية بعضها عـن بعـض وتصنيفها في
أبواب وأقسام .وقد عرف االستعارة بقوله ":وهي أن ت00ذكر أح00د ط00رفي التش00بيه وتري00د ب00ه
الطرف األخـر مدعيًا دخول المشبه في جنس المشبه به داًال على ذلك بإثباتـك للمـشبه مـا
يخـص المشبه به"1
فتطلق االسHHتعارة على اسHHتعمال المشبه بHHه في المشبه ،فيسHHمى المشبه بHHه مسHHتعارا منHHه،
والمشبه مسـتعارا لـه ،واللفظ مستعارا.
ومن األمثلة التي استهل بها السكاكي لتفسير االستعارة هو قوله :إّن المنية أنشبت أظفارها،
وأنت تريد بالمنية :السبع ،بإدعاء السبعية لها ،وانكار أن تكون ش00يئا غ00ير الس00بع ،فتثبت
لها ما يخص المش00به ب00ه ،وه00و اإلض00فار .ويسمى هHHذا النHHوع من المجHHاز اسHHتعارة لمكHHان
تناسب بينه وبين االستعارة" .2ذكر لفظ (المنية) وهو المشّبه ،وُأريَHHد بHHه لفHHظ (السHHبع)
وهو المشّبه به .هو أْن يريد المتكِّلم المشّبه به (السبع) أمٌر منصوب عليHHه قرينHHة هي من
لوازم المشّبه به ومHا ُينَس ُب إليHه وهHو (األظفHار) في (أظفارهHا) على طريHق االسHتعارة
1
مفتاح العلوم ،ص329
2
مفتاح العلوم ،ص329
20
التخيلية .يصبح لدينا استعارتان :األولى في (المنية) الHHتي ذكHHرت مHHراًد ا بهHHا (السHHبع) ألّن ك
بنيت الكالم على المجاز اللغوي فافترضت عالقة مشابهٍة بين (المنية) و(السHبع) .واألخHرى
في إسناد (األظفار) إلى ضمير (المنيHHة) ولكّن القرينHHة ليسHHت من لHHوازم (المنيHHة) فال توجHHد
منّي ة مجَّس َد ٌة ،لكّن هHHذه القرينHHة تشير إلى أَّن الكالم (وإذا المنيHHة أنشبت أظفارهHHا) على
مستويين:
المنية تنشب مخالبها في الحّي فتغتال نفسه قهًر ا وغلبة - .عند السّك اكّي نحن ذكرنا (المنّي ة)
مجاًز ا لكننا حقيقة كّن ا نريد (السبع) وقد قمنا من أجل بناء الخطاب باختيار لفظ (المنّية) بدال
من السHHبع ليسHHتوفي الخطHHاب بالغتHHه وبيانHHه باالختيHHار لأللفHHاظ ال بHHالنظم والHHتركيب؛ ألننHHا
نستعير لفًظ ا من مجال لنوظفه في مجاٍل آخر ال على أّن هذا اللفظ تغّي رت حقيقتHHه بHHل ألّن نHHا
نHHدرك حقيقتHHه الHHتي ال تجسHHيم لهHHا ،فصHHرفنا الكالم على مقتضHHى الحقيقHHة الHHتي نHHدرك أّن هHHا
مجسمة وهي (السبع).
والمصرح بها هي نفسها تنقسم إلى" تحقيقية وتخييليه" ثم تنقسم كل واحدة منهما إلى قطعيHHة
" وهي أن يكون المشبه المتروك متعين الحمل على ما له تحقق حسي أو عقلي أو ما تحقHHق
1
مفتاح العلوم ص343
21
له البتة إال في الوهم "2وإلى احتمالية «وهي أن يكون المشبه المتروك صHHالح الحمHHل تHHارة
2
على ما له تحقق وأخرى على ما ال تحقق له"
يقصد بالتحقيقية ،هنا ما كان المستعار له فيها محققا حس أو عقال بأن كان اللفظ منقHHوال
إلى أمر معلوم يمكن اإلشارة إليه إشارة حسية ،أو عقلية ،فاألولى كقول زهير في معلقته
يمدح حصين بن ضمضم:
الثاني نحو «اْه ِد َن ا الِّص َر اَط اْلُمْس َت ِقيَم " ،فقد اسHHتعير في األول األسHHد للرجHHل الشجاع ،وهHHو
محقق حسا ،وفي الثاني الصراط لملمة اإلسالم ،وهي محققة عقال.
أما التخيلية ،وهي ما كان المستعار لHه فيهHا غHير محقHق ال حسHا وال عقال بHل هHو صHورة
وهمية محصنة ال يشوبها شيء من التحقيق نحو قول الهذلي:
فإنه لما شبه المنية بالسبع في االغتيHHال أخHHذ الHHوهم يصHHور المنيHHة بصHHورة السHHبع ويخHHترع
لوازمه لها فHاخترع لهHا مثHل صHورة األظفHار ،ثم أطلHق على هHذه الصHورة لفHظ األظفHار،
فتكون األظفHHار عنHHده تصHHريحية تخيليHHة؛ ألن المسHتعار لHHه األظفHHار صHHورة وهميHHة شبيهة
بصورة األظفHHار الحقيقيHHة ،وقرينتهHHا إضHHافتها إلى المنيHHة ،والتخيليHHة عنHHده قHHد تكHHون بHHدون
استعارة بالكناية كقولك :أظفار المنيHHة الشبيهة بالسHHبع قتلت فالنHHا ،فقHHد صHHرح بالتشبيه فال
مكنية في المنية مع كون االستعارة في االستعارة تخيلية .ويعرفHHا السHHكاكي بقولHHه " :هي أن
تسمي باسم صورة متحققة ،صورة عندك وهمية محضة تقدها مشابهة لها ،مفردا في الذكر،
في ضمن قرينة مانعة عن حمHHل السHHم على مHHا يسHHبق عنHHه إلى الفهم من كHHون مسHHماه شيئا
متحققا"3
1
ن.م ص343
2
ن.م 343
3
العلوم ،ص 342مفتاح
22
والنوع األخير هي المحتملة للتحقيق والتخييل ،يعرفها السكاكي بقوله :أن يكون المشبه
المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه وعلى ما ال تحقق له من وجه آخر"1
ْل َأ
فقد يجتمع التحقيHHق والتخييHHل في االسHHتعارة كمHHا في قولHHه تعHHالى" َف ذاَقَه ا ُهَّللا ِلبHHاَس ا ُج وِع
واْل َخ ْو ِف"2والظاهر من هHHذه االسHHتعارة هHHو التخييHHل ألّن هّللا -تعHHالى-لمHHا ابتالهم لكفHHرهم
باتصال هاتين البليتين ،ولما استعار اللباس ههنا مبالغHHة في االشتمال عليهم أخHHذ الHHوهم في
تصوير ما للمستعار منه من التغطية والستر واالسترسال رعاية لمزيد البيان في ذلك .وإن
جعلت من باب التحقيق فهو أّن ما يرى على االنسان عند شدة الخوف والجوع.
ب-االستعارة المكنية:
تعرف االستعارة المكنية بكونها يحذف فيهHHا المشبه بHHه ويرمHHز لHHه بشيء يتعلHHق بHHه
أي إذا حذفنا المشبه به (الركن الثاني) وأتينا بصفة من صHفاته ترمHز إليHه أو بالزمHة
من لوازمه مثل:
"مات األمل" إذ ُش به األمل بإنسان يموت وتم حذف المشبه به وٌرمHHز إليHHه بشيء من
لوازمه أي معنى يدل عليه على سبيل االستعارة المكنية.
أما السكاكي فيتخذ منها موقفا مضطربا ،فهي عنده «أن تذكر المشبه وتريد به المشبه
به داال على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي أن تنسب إليه وتضيف من لوازم المشبه
به المساوية مثHHل أن تشبه المنيHHة بالسHHبع ثم تفردهHHا بالHHذكر مضHHيفا إليهHHا على سHHبيل
االستعارة التخيليHة من لHوازم المشبه بHه مHا ال يكHون إّال لHه ليكHون قرينHة دالHة على
المراد .فنقول مخالب المنية نشبت بفالن طاويHا لHذكر المشبه بHه وهHو قولHك الشبيه
بالسبع ....وقد ظهر أن االستعارة بالكناية ال تنفك عن االستعارة التخيلية"3
إن المشبه ال يمكن أن يكون مجازيا معنا بمعHHنى أن هHHذه الكلمHHة ال يمكن ال أن تكHHون
اصطالحية وضعية في داللتها .أما الكلمHHة الHHتي بعHHد المشبه أي المسHHتعار لHHه والHHتي
تعتبر من لوازم المشبه به المستعار منه فهي المجازية في الحقيقHHة .والسHHكاكي يHHزعم
أن صفة المشبه قرينة دالة أن المشبه مجازي مع أن العكس هو الصحيح.
1
ن.م ص 344
2
سورة النحل اآلية 112
3
مفتاح العلوم
23
فبمجرد القول هذا مشبه فهو يعني حتما أنHه مسHتعمل في معنHاه الحقيقي وهHو بالتHالي
قرينة الكلمة المجازية .والسكاكي يجعل هذه قرينHHة والقرينHHة تعHHني الكلمHHة المسHHتعملة
استعماال حقيقيا وضعيا وهي تكون مجاورة للكلمة المجازية دالة عليHHه .وهHHو ال يقHHف
عند هذا الحّد إذ أنه يسارع فيقول" بأن نسبة هذه الصفة إلى المشبه اسHHتعارة تخيليHHة"
فالحكم بالقرينة يناقض الحكم باالستعارة أي المجازية .وهذا كله تحمل إذ كيHHف يمكن
أن تتجاوز استعارتان مع ان االستعارة بتعريHHف السHHكاكي نفسHHه اسHHتعمال الكلمHHة في
غير موضعها لعالقة هي المشابهة مع قرينHHة مانعHHة من أراد المعHHنى األصHHلي .وهHHذه
القرينة هي اللفظة أو األلفاظ المستعملة استعماال حقيقيا والHHتي بفضHHلها نHHؤول المجHHاز
حّت ى تنسجم مع باقي السلسلة الكالمية .وهذا التأويHHل الHHذي يخضHHع لHHه المجHHاز تأويHHل
ألجل اخضاع هذه الكلمة للقرينة أو لمعناه .حينئذ يستعيد الخطاب وحدته الداللHHة .أمHHا
أن تتجاوز استعارتان فان الخطاب يفقد ضفة التواصلية ويصبح ركاما من الكلمات.
الواقع أن جملة مثل" المنية انشبت أظفارها" إذ نسينا مؤقتا ما يقوله السHHكاكي تحتمHHل
قرينتين:
األولى :أن نعتبر المنية هي القرينHHة وسHHتكون من حيث المعHHنى اصHHطالحية وضHHعية
وهي المشبه أو المستعار له .أما أنشبت أظافرها فستكون مجازا لوجود كلمHة قبلهHا ال
تنسجم معها من حيث الداللة .فهي إذن استعارة.
الثانية :أن نعتبر المنية هي مجازا وانشبت أظافرها هي قرينة .في هي الحالة سيكون
الحيوان هو المشبه والمنية هي المشبه به (المستعار له والمسHHتعار منHHه) حينئHHذ نقHHول
إن القرينة ال تحمل أي تأويل بكل ببساطة لكونه قرينة .هل يقف االمر عند هHHذا الحHHد
طبعا ال فالسلسلة الكالمية أصابها خلل ما وال يمكن نفيه اال بتغيير يعيد االنسHHجام ذي
المفقود ,ومادامت القرينة ثابتة فإن المجHHاز هHHو الHHذي يخضHHع للتغيHHير ال ّHذ ي يجب أن
يكون في اتجاه اسHتعاد المعHنى بالنسHبة للجملHة ككHل وهHذا يقHود حتمHا إلى الخضHوع
للقرينة بمعنى ان المجاز يجب أن يؤول حّت ى يصل اتفاق مع الجزء الثابت وهذا يعني
تأويل المنية باألسد أو ما هو قريب منه .ونحن هنا أمHام القرينHة أي أمHام الHدال الّHذ ي
أثبت وجوده بشكل حسي ال سبيل إلى نفيه إطالقا .ومدام األمHHر كHHذلك فنحن نفHHترض
24
لهذا الدال مدلول آخر غير أصلي وهو مدلول الحيوان هذا المدلول األخHHير هHHو ال ّHذ ي
ينقد الجملة .وذلك هو نفسه التالزم في المعاني الHHتي ذكرهHHا السHHكاكي في مدخلHHه إلى
البيان لكنه لم يحترمه .هكذا سنكون قد عالجنا المسألة بنفس مفHHاهيم السHHكاكي األوليHHة
وهذا ما كHHان باسHHتطاعته السHHكاكي أن يفعلHHه .هHHذا كلHHه يتعلHHق باالسHHتعارة المكنيHHة او
بالجملة السابقة "المنية انشبت أظافرها" كيف يمكن تصنيفها ضمن االحتمال األول أو
الثاني إن ذلك ال يمكن ان يتحقق اال بتجاوز إطار الجملة على الّن ص وبتجاوز الجملة
والنّص إلى الواقع .إن الجملة وحدها ستبقى مضللة مبهمة ما لم تخترق جHHدارها نحHHو
النّص ككل أو الواقع .فهذه الجملة إذا تلفظت في حديقHHة حيوانHHات انفلت أحHHد أسHHودها
من الشباك سيكون لفظ المنية هو المجاز وانشبت أظافرها هي القرينة .وإمHHا إذا تلفHHظ
بها مريض على فراش الموت فإن المنية ستكون حقيقة وانشبت أظافرها هي المجاز.
ج-االستعارة المرشحة والمجردة:
يقصد باالستعارة المرشحة هي تلك التي تتبعها بعد أن تتوفر على االستعارة وقرينHHة
بما يالئم المستعار منه مثل" ساورت أسHHدا هصHHورا عظيم اللبHHدتين وجHHاورت بحHHرا
زاخرا ال يزال تتالطم امواجه "1والمجردة أن تذكر بعHHد االسHHتعارة وقرينتهHHا مHHا
يالئم المستعار له مثل " ساورت أسدا شاكي السالح طويل القناة وحاورت بحHHرا مHHا
أعظم علومه وأجمعه للحقائق"2
فالمرشحة هي التي تقترن بما يالئم المستعار منه ،كما تقول :رأيت في الميHدان أسًHد ا
دامي األنياب طويل البراثن ،وكما قال كثير عزة:
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ...ظواهر جلدي وهو للقب جارح١
فقد استعار السهم للنظر بجامع التأثير في كل ثم رشح االستعارة بذكر الريش المالئم
للسهم ،وكما قال ابن هانئ المغربي:
وجنيتم ثم الوقائع يانعا ...بالنصر من ورق الحديد األخضر
1
مفتاح العلوم ص345
2
ن م .ص345
25
والمجردة هي التي تقHترن بمHا يالئم المسHتعار لHه كمHا تقHول :رأيت أسًHد ا في حومHة
الوغى يجندل األبطال بنصله ويشك الفرسان برمحه ،وكما قال كثير يمHHدح عمHHر بن
عبد العزيز:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ...غلقت لضحكته رقاب المال
فقد استعار الرداء للمعروف؛ ألنه يصون عرضه كما يصHHون الHHرداء مHHا يلقى عليHHه
من مكروه والقرينHة تتمHة الHبيت ،ثم وصHفه بHالغمر الHذي هHو وصHف للمعHروف ال
للرداء على سبيل التجريد.
د-االستعارة األصلية والتبعية:
االستعارة األصلية:
1
"هي أن يكون المستعار اسم جنس"
أي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق.
مثال ذلك لفظة «كوكبا» في قول التهامي الشاعر راثيا ابنا صغيرا له:
يا «كوكبا» ما كان أقصر عمره … وكذاك عمر كواكب األسحار
ففي إجراء هذه االستعارة يقال :شبه االبن «بالكوكب» بجامع صغر الجسم وعلو الشأن
في كل ،ثم استعير اللفظ الدال على المشبه بHHه «الكHHوكب» للمشبه «االبن» على سHHبيل
االستعارة التصريحية ،وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به .والقرينة نداؤها
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الكوكب» رأيناه اسما جامدا غير مشتق ،ومن أجل ذلك
يسمى هذا النوع من االستعارة «استعارة أصلية>>
ومثاله أيضا لفظة «القيان» في قول الشاعر:
حول أعشاشها على األشجار … قد سمعن «القيان» وهي تغني
وفي إجراء هذه االستعارة أيضا يقال :شبهت الطيور المغHHردة على األشجار «بالقيHHان»
أي المغنيHHات بجHHامع حسHHن الصHHوت في كHHل ،ثم اسHHتعير اللفHHظ الHHدال على المشبه بHHه
«القيHHان» للمشبه «الطيHHور» على سHHبيل االسHHتعارة التصHHريحية ،والقرينHHة المانعHHة من
إرادة المعنى األصلي قوله« :حول أعشاشها على األشجار».
1
مفتاح العلوم ص340
26
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «القيان» جمع قينة رأيناه اسما جامدا غير مشتق .ولهHHذا
يسمى هذا النوع من االستعارة التي يكHون فيهHا اللفHظ المسHتعار اسHما جامHدا «اسHتعارة
أصلية».
ومن االستعارة األصلية كذلك لفظة «حديقة» في قول المتنبي:
حملت إليه من لساني «حديقة» … سقاها الحجا سقي الرياض السحائب
فاالستعارة هنا في لفظة «حديقة» ،وفي إجراء االستعارة يقال :شبه الشعر «بالحديقة»
بجHHامع الجمHHال في كHHل ،ثم اسHHتعير اللفHHظ الHHدال على المشبه بHHه «الحديقHHة» للمشبه
«الشعر» على سHHبيل االسHHتعارة التصHHريحية ،وذلHHك للتصHHريح فيهHHا بلفHHظ المشبه بHHه.
والقرينة «من لساني وسقاها الحجا».
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الحديقة» رأينHHاه كHHذلك اسHHما جامHHدا غHHير مشتق ،ومن
أجل ذلك تسمى «استعارة أصلية».
ومن إجراء هHذه االسHتعارات وتحليلهHا يتجلى لنHا أمHران :األول أنHه قHد صHرح في كHل
استعارة بلفظ المشبه به ،ولهذا
تسHHمى االسHHتعارة «تصHHريحية» ،والثHHاني أن اللفHHظ المسHHتعار اسHHم جامHHد غHHير مشتق،
وبسبب ذلك تسمى االستعارة «أصلية».
ومن أجل ذلك تسمى هذه االستعارات وأمثالها ممHHا يتHHوافر لHHه هHHذا األمHHر أن «اسHHتعارة
تصريحية أصلية».
االستعارة التبعية:
"هي ما وقع في غير أسماء األجناس كاألفعال والصفات المشتقة منها كالحروف"1
وهي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه االستعارة اسما مشتقا أو فعال.
مثال ذلك لفظة «سكت» من قوله تعالى :ولم&&ا س&كت عن موس&ى الغض&&ب أخ&ذ األل&&واح وفي
نسختها هدى ورحمة.
ففي هذه اآلية الكريمة استعارة تصريحية ،وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به ،وفي إجرائه&&ا
نقول :شبه انتهاء الغضب عن موسى «بالس&كوت» بج&امع اله&دوء في ك&ل ،ثم اس&تعير اللف&ظ
1
مفتاح العلوم ص 340
27
ال&&دال على المش&&به ب&&ه وه&&و «الس&&كوت» للمش&&به وه&&و «انته&&اء الغض&&ب» ،ثم اش&&تق من
«السكوت» بمعنى انتهاء الغضب «سكت» الفعل بمعنى انتهى.
ومثاله&&ا أيض&&ا لفظ&&ة «ع&&انقت» في ق&&ول البح&&تري يص&&ف قص&&را :مألت جوانب&&ه الفض&&اء
وع&&انقت … ش&&رفاته قط&&ع الس&&حاب الممط&&ر .ففي ه&&ذا ال&&بيت اس&&تعارة تص&&ريحية ،وذل&&ك
للتصريح فيها بلفظ المشبه به ،واللفظ المستعار ه&&و فع&&ل «ع&&انقت» ،وفي إج&&راء االس&&تعارة
نقول:
شبهت المالمسة «بالمعانقة» بجامع االتصال في كل ،ثم استعير اللف&&ظ ال&&دال على المش&&به ب&&ه
وهو «المعانقة» للمشبه وهو «المالمسة» ،ثم اش&&تق من «المعانق&&ة» بمع&&نى المالمس&&ة الفع&&ل
«ع&&انقت» بمع&&نى المس&&ت .والقرين&&ة ال&&تي تمن&&ع من إرادة المع&&نى األص&&لي لفظي&&ة وهي
«شرفاته».
ففي لفظة «لبس» أوال اس&&تعارة تص&&ريحية ،وذل&&ك للتص&&ريح فيه&&ا بلف&&ظ المش&&به ب&&ه ،واللف&&ظ
المستعار هنا هو فعل «لبس» ،وفي إجراء االستعارة نقول :شبه فيها التمتع باللهو «ب&&اللبس»
للثوب الجديد بجامع السرور في كل ،ثم اس&&تعير اللف&&ظ ال&&دال على المش&&به ب&&ه وه&&و «اللبس»
للمشبه وهو التمتع باللهو ،ثم اش&تق من «اللبس» الفع&ل «لبس» بمع&نى تمت&ع .والقرين&ة ال&تي
تمنع من إرادة المعنى األصلي لفظية وهي «ثوب اللهو».
وإذا وازنا بين إجراء االستعارات الثالث األخيرة وإجراء االستعارات الثالث األولى ،رأين&&ا
أن اإلجراء هنا ال ينتهي عند اس&&تعارة المش&&به ب&&ه للمش&&به كم&&ا انتهى في االس&&تعارات الثالث
األولى ،بل يزيد عمال آخر ،وهو اشتقاق كلمة من المشبه به ،وأن ألفاظ االستعارة هنا مش&&تقة
ال جامدة .وهذا النوع من االستعارة يس&&مى «باالس&&تعارة التبعي&&ة» ،ألن جريانه&&ا في المش&&تق
كان تابعا لجريانها في المصدر.
28
وإذا رجعن&&ا إلى المث&&ال األول من األمثل&&ة الثالث&&ة األخ&&يرة وه&&و «ولم&&ا س&&كت عن موس&&ى
الغضب» فإننا نرى أنه يجوز أن يشبه «الغضب» بإنسان ،ثم يح&&ذف المش&&به ب&&ه «اإلنس&&ان»
ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «سكت» ،فتكون في «الغضب» استعارة «مكنية».
وإذا رجعنا إلى المثال الثاني منها وهو «وعانقت شرفاته قطع السحاب الممط&&ر» فإنن&&ا ن&&رى
أنه يجوز أيضا أن تشبه «شرفات القصر» بإنس&ان ثم يح&ذف المش&به ب&ه «اإلنس&ان» ويرم&ز
إليه بشيء من لوازمه وهو «عانقت» ،فتكون في «شرفاته» استعارة «مكنية».
وإذا رجعنا إلى المثال الثالث واألخير منها وهو «ولبست ثوب الله&&و» فإنن&&ا ن&&رى ك&&ذلك أن&&ه
يجوز أن يشبه «اللهو» بإنسان له ثوب أعاره الشاعر ثم يحذف المش&&به ب&&ه وه&&و «اإلنس&&ان»
ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «الثوب».
ومن ذلك نرى أن كل استعارة «تبعية» يصح أن يكون في قرينته&&ا اس&&تعارة «مكني&&ة» ،غ&&ير
أنه ال يجوز لنا إجراء االستعارة إال في واحدة منهما ال في كلتيهما معا.
3-3شروط االستعارة:
بعد أن عّد د السكاكي أقسHام االسHتعارة وبّينهHا كHان بّHد ا أن يتطّHر ق إلى شروطها ولعHل أهم
شرط رّك ز عليه السكاكي هو عدم اإليغHHال في الغمHHوض في تشبيه المسHتعار بالمسHتعار لHHه
فيقول في هذا الشأن" رعاية جهات حسن التشبيه الHHذي سHHبق ذكرهHHا في األصHHل األول بين
المستعار له والمستعار منه في االسHHتعارة بالتصHHريح الحقيقHHة ،و االسHHتعارة بالكنايHHة وإن ال
تشمها في كالمك من جانب اللفظ رائحة من التشبيه ولذلك نوصي في االستعارة بالتصريح
أن يكون الشبه بين المستعار له و المستعار منHHه جليHHا بنفسHHه أو معروفHHا سHHائرا بين االقHHوام
وإّال خرجت االستعارة عن كونها استعارة و دخلت في باب التعمية و األلغاز"|1
فاالسHتعارة عنHد العHرب ضHرب من المجHاز اللغHوي عالقتHه المشابهة دائمHا بـين المعنـى
الحقيقـي والمعنـى المجازي ومن التداخل بين الفنون ،التداخل بين المجاز واالستعارة ،لكون
المجاز أعم من االستعارة ،وكـون االستعارة جزء منHHه وهي في حقيقتهHHا تشبيه حHHذف أحHHد
طرفي وتطلق االستعارة على استعمال المشبه بHه في المشبه ،فيسHمى المشبه بHه مسHتعارا
1
مفتاح العلوم ص 344
29
منHHه ،والمشبه مسـتعارا لـه ،وللفHHظ مسHHتعارا .وقHHد بحث البالغيHHون العالقHHة بين التشبيه
واالسHHتعارة بتفصHHيل ،ووصHHلوا في بحHHوثهم إلى حHHد اإليغـال ،وبهـذا أرادوا التوصHHل إلى
الخيط الفاصل بين االثنين ،على أن الذي يجلي األمر في هذه الحالة هHHو التطHHبيق ،وتسHHاوق
المعنـى في بناء العبارة األدبية ،فما صرح به الشاعر باألداة فهو تشبيه ال محالة ،ومHHا أبعHHد
األمر في رأياه إذا انتقل المعنى من حالة معنوية إلى حالة حسية ،وخفي المHHدلول التشبيهي،
ومن ثم يبرز لنا إيحاء المعنى الداللي لأللفـاظ ،ونسـتطيع بHHإدراك الصHHورة أن نحHHدد أبعHHاد
االستعارة.
3-4أنواع االستعارة:
ثم إن االستعارة باعتبار حسية وعقلية طرفي المستعار منه والمستعار لHHه تHHأتي على خمسHHة
أنحاء.
أولها :استعارة محسوس لمحسوس بوجه شبه محسHHوس ،قHHول هللا تعHHالى مثاًل َ{ :ف َأْخ َر َج َلُهْم
ِع ْج اًل َج َس ًد ا َلُه ُخ َو اٌر ( }1طه )٨٨ :حيث استعير لفظ العجل من الحيوان المخصHHوص للصHHنم
الذي صنعه السامري من الذهب ،بجامع الشكل والصوت في كٍّل ،والمستعار له والمستعار
منه ،ووجه الشبه كلهHHا من المحسوسHات .من ذلHHك أيًض ا قولHHه تعHHالىَ{ :ت َر ْك َن ا َب ْع َض ُهْم
( }2الكهHHف )٩٩:قHHد اسHHتعير المHHوج وهHHو حركHHة مHHاء البحHHر َي ْو َمِئ ٍذ َي ُم وُج ِفي َب ْع ٍض
واضطرابه لحركة الخالئق المجتمعة يوم البعث ،بجامع مHHا في كٍّHHل من اضHHطراب وحركHHة
مشاهدة.
ومن ذلك قوله تعالىَ{ :و اْش َت َع َل الَّر ْأُس َش ْيًبا( }3مريم )٤ :حيث اسHHتعير شواظ النHHار للشيب
بجامع البياض واإلنارة ،ثم ُح ذف المسHHتعار منHHه أي :المشبه بHHه وُرمHHز لHHه بالزم من
لوازمه ،وهو االشتعال على طريق االستعارة المكنية.
وبذا يكون قد شبه الشيب بشواظ النار بجامع البياض واإلنارة في كٍّHHل ،ثم حHHذف المشبه بHHه
على سبيل االستعارة المكنية.
1
سورة طه اآلية 44
2
سورة الكهف اآلية 99
3
سورة مريم اآلية 3
30
ويمكن أن يكون وجه الشبه في استعارة المحسوس بالمحسوس عقلًّي ا ،كما في اآلية السHHابقة،
إذا جعلت االستعارة تبعية في لفظ {اْش َت َع َل } ،ونقول فيها :استعير االشتعال انتشار الشيب في
الشعر بجامع سرعة االنتشار مع تعذر التالفي ،الطرفان حسيان والجامع عقلي.
ومن ذلك أيًض ا قولHHه تعHHالىَ{ :و آَي ٌة َلُهُم الَّلْي ُل َن ْس َلُخ ِم ْن ُه الَّن َه اَر َف ِإَذ ا ُه ْم ُم ْظ ِلُم وَن ( }1يس:
)٣٧فقد استعير السلخ وهو إزالة جلد الحيوان بعد ذبحه؛ ليظهر اللحم بإزالة ضوء
النهار ،حتى يظهر الليل ويحل الظالم ،بجامع مطلق ترُّت ب أمر على أمر ،فالطرفان حسيان،
والجامع بينهما عقلي.
من ذلك أيًضا قولHHه تعHHالىَ{ :و ِفي َع اٍد ِإْذ َأْر َس ْلَن ا َع َلْي ِه ُم الِّHHر يَح اْلَع ِقيَم ( }2الHHذاريات )٤١:حيث
استعيرت المرأة العقيم التي ال تلد للريح التي ال ُتمطر ،بجامع عHHدم ظهHHور األثHHر في
كٍّل ،ثم حذف المستعار منه ورمز له بالزم من لوازمه وهو العقل ،على سHHبيل االسHHتعارة
المكنية؛ فالطرفان حسيان والجامع عقلي.
ويجوز اعتبار االستعارة تبعية بتشبيه ما في الريح من عدم تلقيح السحاب كي يمطر بالحالة
الHHتي في المHHرأة المانعHHة من اإلنجHHاب ،وهي العقم ،ثم اسHHتعير العقم للحالHHة الHHتي في الHHريح
واشتق منه عقيم بمعنى ال ينتج أثًر ا ،وعندئٍذ يكون كٌّل من الطرفين والجامع عقلي.
ثم إن هنHHHاك اسHHHتعارة محسHHHوس لمعقHHHول ،وال يكHHHون الجHHHامع فيهHHHا إال عقلًّي ا كقولHHHه
تعالىَ{ :فاْص َد ْع ِبَم ا ُتْؤ َم ُر َو َأْع ِر ْض َع ِن اْلُم ْش ِر ِكيَن ( }3الحجر )٩٤ :فاآلية خطاب للنبي -صلى
هللا عليه وسلم-بأن يبلغ األمانة ،ويوضHHح أمHHر الHHدين وضHHوًح ا تاًّم ا ال يعHHود معHHه إلى
خفاء ،كما ال يلتئم الزجاج بعد كسر ،فهنا استعير الصدع الحسي ،وهو كسر الزجاج
للتبليغ الذي ال ينمحي أثره وهو عقلي بجامع قوة التأثير في كٍّHHل ،ثم اشتق منHHه اصHHدع
بمعنى :بلغ تبليًغ ا يبقى أثره.
ومن ذلك أيًض ا قوله عز وجلُ{ :ض ِر َب ْت َع َلْي ِه ُم الِّذ َّلُة َأْي َن َم ا ُثِقُفوا( }4آل عمران )١١٢:فاآلية
تتحدث عن اليهود ،والضرب في اللغة يستعمل لإللصاق ولإلحاطHHة يقHHال :ضHHرب الطين على
الحائط أي :ألصقه بها ،وضرب الخيمة على من فيها أي:
1
سورة يس اآلية 35
2
سورة الذارعات اآلية 31
3
سورة الحجر اآلية 93
4
سورة آل عمران اآلية 112
31
أقامها لتحيط بهم ،وعلى ذلك فقد استعير الضHHرب في اآليHHة من إحاطHHة القبHHة أو الخيمHHة ،أو
من لصوق الطين بالحائط ولزومه له؛ إلحاطة الذلة بهم ،أو للصوقها ولزومهHHا لهم ،واشتق
من الضرب ضHHرب بمعHHنى أحHHاط أو لHHزم؛ فالمسHHتعار لHHه في اآليHHة عقلي ،والمسHHتعار منHHه
حسي.
من ذلك أيًض ا قوله عز وجلَ{ :و ُز ْلِز ُلوا َح َّت ى َي ُقوَل الَّر ُسوُل( }1البقرة )٢١٤ :فهنا استعيرت
الزلزلة ،وهي التحريك بشدة وعنف؛ لشدة ما أصابهم من األلم والمشاق ،من ذلHHك أيًض ا قولHHه
تعالىَ{ :فَن َب ُذ وُه َو َر اَء ُظ ُهوِر ِه ْم ( }2آل عمHHران )١٨٧:اسHHتعير النبHHذ وهHHو اإللقHHاء والقHHذف
باليد للتناسي واإلهمال.
الضHHرب الثHHالث من ضHHروب االسHHتعارة بهHHذا االعتبHHار الحسHHي والعقلي :اسHHتعارة معقHHول
لمعقول ،وال يكون الجHHامع إال عقلًّي ا ،ومن ذلHHك قولHHه تعHHالىَ{ :ق اُلوا َي ا َو ْي َلَن ا َم ْن َبَع َث َن ا ِم ْن
َم ْر َقِد َن ا}( 3يس )٥٢ :حيث استعير الرقاد للموت بجامع عدم ظهور األفعال التي يعتُّد بهHHHا
في كٍّل ،والرقاد والموت وعدم الظهور إنما هي من المعاني العقلية.
الضرب الرابع :استعارة معقول لمحسوس ،وال يكون الجامع فيها إال عقلًّي ا قوله تعالىِ{ :إَّن ا
َلَّما َط َغ ى اْلَم اُء َح َم ْلَن اُك ْم ِفي اْل َج اِر َي ِة( }4الحاقHHة )١١ :حيث اسHHتعير الطغيHHان وهHHو التعHHالي
والتكبر؛ لزيادة الماء وارتفاعHHه ،بجHامع تجHاوز الحHد في كٍّHHل ،واشتق منHHه الفعHHل طغى
بمعHHنى زاد وارتفHHع ،على سHHبيل االسHHتعارة التبعيHHة ،المسHHتعار منHHه الطغيHHان أمHHر عقلي،
والمستعار له الزيادة واالرتفاع أمر حسي ،والجامع كما ترى من األمور العقلية.
من المهم ونحن نعرض لشتى ألوان االستعارة أن ُننِّبه إلى أن كَّل مجاز ال بHHد لHHه من وجHود
قرينة تمنع إرادة المعنى األصلي الذي ُو ضع له اللفظ ،فالقرينHHة هي مHHا ينصHHبه المتكلم دلياًل
على أنه أراد باللفظ غير معناه الوضعي ،وهي إما لفظية
كقولنا :رأيت بحًر ا يتصدق ،وأسًد ا يخطب ،وقمًر ا يتكلم؛ فاأللفاظ يتصHHدق ،ويخطب ،ويتكلم
دَّلت على أن المراد بالبحر واألسد والقمر غير معانيها األصلية ،هذه قرائن لفظية.
1
سورة البقرة اآلية 213
2
سورة آل عمران اآلية 145
3
سورة يس اآلية 52
4
سورة الحاقة اآلية 11
32
وقد تكون القرائن غير لفظية كداللة الحHHال في قولنHHا :رأيت بحًHHر ا ،والمخHHاطب يHHرى رجاًل
كريًما مقباًل ؛ فقد دلت الحال على إرادة الرجل الكHHريم ،ومنعت إرادة المعHHنى األصHHلي للفHHظ
البحHHHر ،وكداللHHHة االسHHHتحالة كمHHHا في قولHHHه تعHHHالىِ{ :إَّن ا َلَّم ا َط َغ ى اْلَم اُء َح َم ْلَن اُك ْم ِفي
اْل َج اِر َيِة( }5الحاقة )١١ :حيث استعير الطغيان للزيادة وارتفاع الماء ،والقرينHHة هي اسHHتحالة
صدور الطغيان بمعناه األصلي من الماء.
ننهي هذا الفصل بقولنا أّن الدارس لتاريخ البالغة العربية يكتشف إسهامات طائفة كبيرة من
العلماء األفذاذ الذين كHHانت لهم بصHHمات واضHHحة في تشكيل هHHذا العلم الجليHHل ،فقHHد امتHHدت
مسيرة تكوين البالغة في التراث اللغوي العربي عبر سلسلة طويلة تبHHدأ حلقاتهHHا من اكتمHHال
اللغة العربية ،ثم تعددت هذه الحلقات وتوالت في أطوار مختلفHHة ،وعصHHور متباينHHة ومHHرت
بعوامل قوة وضعف إلى أن وقفت عند حدود واضحة ومعالم بارزة كمHHا بينهHHا السHHكاكي في
“مفتاح العلوم”؛ وهذا البحث هو محاولة لتسHHليط الضHHوء على جهHHود السHHكاكي البالغيHHة من
خالل هHHذا المصHHنف؛ ومحاولHHة لكشف دوره البHHارز في ضHHبط علHHوم البالغHHة العربيHHة
ومصطلحاتها و اإلضافات التي أتى بها.
ولضHHخامة هHHذا الكتHHاب واتسHHاعه معرفيHHا لقي ردودا بالغHHة من النقHHاد وحرصHHا شديدا من
الّش ّر اح لشرحه وفّك شفراته .وهو ما سيأخذنا مباشرة للفصل الثالث المعنون "موقHHف النقHHاد
من االستعارة في كتاب السكاكي.
5
سورة الحاقة اآلية 11
33
الفصل الثالث :موقف النقاد من االستعارة في كتاب مفتDDاح العلDDوم
للسكاكي
كتاب «مفتاح العلوم» الذي ألفه أبHHو يعقHHوب ،يوسHHف بن أبي بكHHر محمHHد بن علي السHHكاكي
الخوارزمي ،من الكتب التي خصصت لدراسة علوم اللغة العربية ،واستمد الكتHHاب والكHHاتب
مكانHHة مرموقHHة بين مHHؤلفي ومؤلفHHات دراسHHات اللغHHة العربيHHة ،والقى قبHHوًال ورواج ًHا بين
الدارسHHين والمدرسHHين من العHHرب والمسHHتعربين ،فُّHHد رس الكتHHاُب في المHHدارس العباسHHية
والمملوكية والعثمانية في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا ،ولتسهيل َفْه ِم الكتاب على الدارسHHين
قام العلماُء بشرح كتاب مفتاح العلوم ،وتفاوتت الشروح بين المطَّHو ل والُمختَص ر ،وبعضHHها
استوفى الِكتاَب كامًال ،واقتصر البعُض اآلخر على قسم من أقسام الكتاب الثالثHHة :الصHHرف،
والنحو ،والمعاني والبيان وما يلحق بهما.أغزر المعلومات التي وصلتنا حول كتاب «مفتHHاح
العلوم» َذ َك َر ها حاجي خليفة في كتاب «كشف الظنHHون» ،إذ قHHال« :مفتHHاح العلHHوم ،للعالمHHة
سراج الدين أبي يعقوب ،يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي ،المتوفى سنة سHHت
وعشرين وستمئة1228 /م .أَّو ُله أحق كالم ان تلهُج به األلسنة ( )...وجمعتHHه ثالثHHة أقسHHام،
األول في علم الصرف ،الثاني في علم النحHو ،الثHالث في علم المعHاني والبيHان انتهى)...( .
وأورد الكالم في تكملHHHة علم المعHHHاني في فصHHHلين ،األول :في ِذ ْك ِر اْلَح ِّد .والثHHHاني :في
االستدالل ،وفيه ِع لم العروض.ومن شّر اح «مفتاح العلوم» المولى حسام الدين الخHHوارزمي
الذي شرحه كامًال من أوله الى آخره في سنة 1341م في جرجانية خوارزم.
سأرتكز في هذا الفصل على موقفين من النقاد ،الموقHHف األول للخطيب القزويHHني في كتابHHه
اإليضاح فب علوم البالغة والموقف الثاني
قّس م السكاكي االستعارة إلى ثالثة أقسام ،على أنها جميعا مجاز ،وهي]٣[ :
- ١االستعارة التحقيقية :هي أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا ،إما حسّيا وإما عقليا.
- ٢االستعارة التخيلية :أن يكون المشبه المHHتروك شيئا وهميHHا محضHHا ،ال تحقHHق لHHه إّال في
مجرد الوهم.
- ٣االستعارة المحتملة للتخييل والتحقيق.
ثم جعل التمثيل على سبيل االستعارة من التحقيقية ،فيرى القزويني أن هذه االستعارة مركبة
وتقسيمها الثالثي إنما كان في االستعارة التي من المجHHاز المفHHرد ،فكيHHف يجمHHع بين المفHHرد
والمركب في شيء واحد.
35
وتقHHول الباحثHHة مليكHHة بن عطHHا هللا« :والظHHاهر أن اعHHتراض القزويHHني لم يكن على إلحHHاق
االستعارة التمثيلية بالمجHHاز ،بHHل على تنHHاقض الHHذي وقHHع فيHHه السHHكاكي في تعريفHHه للمجHHاز
واالستعارة التمثيلية»
ال ينكHHر القزويHHني مHHا ذهبت إليHHه مليكHHة من وجHHود تنHHاقض بين تعريHHف السHHكاكي للمجHHاز
واالستعارة التمثيلية ،وإنما يستبعد توجيه هذا االعتراض وحمله على ذلHHك التنHHاقض ،إذ هHHو
حمل ال تؤيده مناقشة البالغيين قديما وحديثا لهHHذا االعHHتراض ،بHHل ال يؤيHHده سHHياق النصHHين
المذكورين سالفا.
وقبل الشروع في مناقشة هذا االعتراض ينبغي تحديد مفهHHوم مصHHطلح "التمثيHHل على سHHبيل
االستعارة" إذ فيه مفهومان:
- ١أنه هو االستعارة التي تركّبت من التشبيه التمHHثيلي ،وإلى هHHذا ذهب السHHيد الجرجHHاني إذ
قال« :وإلى ما ذكرنا من وجوب تركيب طرفي التشبيه التمثيلي ذهب المحققون ،وبنى عليHه
صHHاحب اإليضHHاح اعتراضHHه على صHHاحب المفتHHاح» ،وهHHذا نص على أن هHHذا مHHذهب
القزويني.
- ٢أنه االستعارة التمثيلية ،وهذا ما استقر عليه البالغيون المعاصرون ،وهHHو مHHا ذهب إليHHه
السكاكي قديما قHائال« :ولكHون األمثHال كلهHا تمHثيالت على سHبيل االسHتعارة» .وإليHه ذهب
أيضا الطيبي بقوله« :ولورود األمثال على سبيل االستعارة ال تجد للتغيير فيها سبيال» وهذا
نص في المسألة.
على أن بعض البالغيين القدامى اختلط عليهم أمر هذه المسألة ،كالتفتHHازاني الHHذي حّHد د هHHذا
المصطلح ،فقال« :ومن األمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف
صورة أخرى»
لتحديد دائر حول باب االستعارة التي أسست على التشبيه التمثيلي ،ثم عّقب ذلHHك بـ »-أراك
تقدم رجال وتؤخر أخرى" تمثيال له ،مع أن هذا المثال في صميم االستعارة التمثيلية.
وربما القزويني ذهب إلى المذهب األول -كما قال السيد الجرجاني -أنه يعHHنى بHHه االسHHتعارة
التي تّك ونت من التشبيه التمثيلي ثّم اعترض على السكاكي ،ولعل مراد السكاكي بالمصHHطلح
هو االسHتعارة التمثيليHة ،وخاصHة إذا عرفنHا أن حHد التحقيقيHة الHتي عHد التمثيHل على سHبيل
36
االستعارة منها؛ هو :ما كان المشبه المتروك فيها متحققا حّسا أو عقال ،فالمشبه به دائمHHا في
االستعارة التمثيلية مقتبس من الواقع ومتحقق حسا وعقال ،إذن؛ فاالسHHتعارة التمثيليHHة داخلHHة
تحت قسم التحقيقية .وبهذا القول الراجح في تحديد هHHذا المصHHطلح الHHذي هHHو أنHHه االسHتعارة
التمثيلية ،يسقط أوجها كثيرة كانت قد حشدت لدفع هذا االعتراض.
وكأني بقائل يقول :ولكن االستعارة التمثيلية أيضا مركب ال مفرد« ،وقHHد أجيب بHHأن المقسHHم
قد يكون أعم من مقّسمه» أي أن تقسيم السكاكي مبني على مطلق االسHHتعارة ال ممHHا هي من
المجاز المفرد ،وبهذا؛ القسم أعم من المقسم عليه ،إذن ال تنHHاقض في كالم صHHاحب المفتHHاح
عندئذ.
وربمHHا كHHان حّر يHHا بHHالقزويني مناقشة السHHكاكي في تقسHHيمه الثالثي لالسHHتعارة إلى تحقيقيHHة
وتخييليه ومحتملة ،بدال من مناقشته فيما تحتويه هذه األقسام كوجود االسHHتعارة التمثيليHHة في
حضن التحقيقية ،ألن هذا التقسيم الثالثي يشّك ل عقبة كبيرة حيال تذوق جمالية االستعارة ،أو
بعبارة أخرى نتذوق جمالية االستعارة وفنيتها ،وندرك براعتها التعبيرية دون معرفHة كونهHا
تخيلية أو تحقيقية أو محتملة .من هنا ُح ّق لمحمد الجرجاني أن يقول« :ذهب كثير من علماء
البالغة إلى أن االستعارة إما تحقيقية وإما تخيلية .... ،ولي في هذا الكالم نظر؛ ألن األصل
أن تكون االستعارة تحقيقية ،فال يعدل عنها إال للتعذر"
ف كل تفريع ال يساهم في تذوق جمالية االستعارة غير معتبر من الناحية البالغيHHة ،والحمHHد هلل
أن هذا التقسيم ُحصر على السHHكاكي فقHHط وعصHHره ،أي لم يتداولHHه البالغيHHون إلى عصHHرنا
هذا ،بل اكتفوا بالتقسيمات المعروفة من مكنية وتصريحية وتبعية وأصلية ،ألنه يترتب على
معرفة هذه األقسام إدراك ماهية االستعارة أوال ،وثانيا ألنها تشّك ل محورا أساسHHيا في إدراك
بالغة االستعارة وجماليتها الفنية.
1-2موقفه من االستعارة التخيلية:
فّس ر السكاكي االستعارة التخيلية« :بما استعمل في صورة وهميHHة محضHHة ،قHHدرت مشابهة
لصورة محققة هي معناه ،كلفظ األظفار في قول الهذلي ،فإنه شبه المنية بالسبع في االغتيال
على ما تقدم"1
1
مفتاح العلوم ،السكاكي ،المرجع السابق ،ص329-325 :
37
وللقزويني موقف من هذا التعريف حيث يقول في نص له «وفيه نظHHر ،ألن تفسHير التخيليHHة
بما ذكره بعيد؛ لما فيه من التعسف ،وأيضا فظاهر تفسير غHHيره لهHHا بقHHولهم" :جعHHل الشيء
للشيء كجعل لبيد للشمال يدا "1وهنا يخالفه القتضHHاء تفسHHيره اسHHتعارة وعلى تفسHHير غHHيره
حقيقة ،وأيضا فتفسيره للتخيلية أعم من أن تكون تابعة لالستعارة بالكناية ،أو غير تابعة بHHأن
يتخيل صورة وهمية مشابهة لصورة محققة ،فيستعار لها اسم الصورة المحققة والثانية بعيدة
جدا.
1-3موقفه من االستعارة التبعية:
يقول السكاكي في شأن االسHHتعارة التبعيHHة « :ولو أنهم جعل00وا االس00تعارة التبعي00ة من
قسم االستعارة بالكناية؛ بأن قبلوا فجعلوا في قولهم" :نطقت الحال بك00ذا الح00ال"
ل00تي ِذ ْك ره00ا عن00دهم ،قرين00ة االس00تعارة بالتص00ريح اس00تعارة بالكناي00ة عن المتكلم
بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة
االستعارة ،كما تراهم في قوله" :وإذا المنية أنشبت أظفارها" ،ويجعلون المنية
استعارة بالكناية عن السبع ،ويجعلون إثبات األظفار لها قرينة االستعارة ،وهكذا
َج ْع ل البخل استعارة بالكناية عن حي أبطلت حياته بسيف أو غ00ير س00يف ف00التحق
بالعدم ،وجعلوا نسبة القتل إلي0ه قرين0ة االس0تعارة ،ول0و جعل0وا أيض0ا الله0ذميات
استعارة بالكناي0ة ،عن المطعوم0ات اللطيف00ة الش0هية على س0بيل التهكم ،وجعل00وا
»2 نسبة لفظ القرى إليها قرينة االستعارة؛ لكان أقرب إلى الضبط فتدّب ره "
وللقزويني اعتراض على هذا الرأي فيقول" هذا لفظه؛ وفيه نظر ،ألن التبعي00ة ال00تي جعله00ا
قرينة للتي جعله00ا اس00تعارة بالكناي00ة كنطقت في قولن00ا" :نطقت الح00ال بك00ذا" ،ال يج00وز أن
يقدرها حقيقة حينئذ ،ألنه لو قدرها حقيقة لم تكن استعارة تخيلية ،ألن االستعارة التخيلي00ة
عنده مجاز كما مر"3
1
2
مفتاح العلوم ،السكاكي ،ص354 :
3
اإليضاح ،القزويني ،المرجع السابق ،ص345 :
38
يفهم ممHHا سHHبق ذكHHره أن السHHكاكي اقHHترح على البالغHHيين في هHHذه المسHHألة االقتصHHاد في
تقسيمات االستعارة ،بجعل التبعية من االستعارة المكنية ،على المنHHوال الHHذي حّللHHه ،فيحHHذف
سHHاعتئذ قسHHم التبعيHHة من قائمHHة تقسHHيمات االسHHتعارة ،فHHاعترض القزويHHني على ذلHHك بHHأن
االستعارة المكنية التي يريد إلحاق التبعية بها قرينتها تخيلية ،والتخيلية عنHHد السHكاكي مجHاز
كما سبق ،والتبعية حقيقة فكيف يجمع بين الحقيقة والمجاز في قسم واحد.
وحسب ما جاء في كتHHاب "التبيHHان في البيHHان" لإلمHHام الطيHHبي أن السHHكاكي أنكHHر االسHHتعارة
التبعية ،واختار ردها قرينة لالستعارة المكنية ،أمHHا قرينتهHHا فرّد هHHا أيضHHا إلى نفس المكنيHHة،
فمثال قولHHHك" :نطقت الحHHHال بكHHHذا" يHHHرى الجمهHHHور البالغيHHHون أن فيHHHه اسHHHتعارة في
لفظ "نطقت" وهو فعل لذا فهو استعارة تبعية ،وقرينتها هي لفظ "الحال" ،فيرى السHكاكي -
عند إنكاره لالستعارة التبعية -أن االستعارة في لفظ "الحال" الذي هو قرينة عند الجمهHHور،
وما جعله الجمهور استعارة وهو لفظ "نطقت" فهو قرينة عنHHد السHHكاكي ،وهكHHذا رّد التبعيHHة
وقرينتها إلى المكنية ،ويؤيد الطيبي مHHذهب السHHكاكي إذ يقHHول« :وه00ذا أولى ألن االس00تعارة
"1
بالكناية أبلغ من التبعية وحمل اللفظ على األبلغ أحرى
ويرّد على مذهب السكاكي بأن لفظ المشبه هنHHا لم يسHHتعمل إّال في معنHHاه الحقيقي ،إذن ليس
ثمت استعارة .وأن السكاكي نفسه صّر ح بأن "نطقت" مستعارة لألمر الHHوهمي ،أي المتHHوهم
إثباته للحال ،تشبيها بHHالنطق الحقيقي ،فيكHHون اسHHتعارة ،واالسHHتعارة في الفعHHل ال تكHHون إّال
تبعية ،فيلزمه القول بالتبعية في آخر المطاف.
وقد يستغرب أحدنا حين يرى كيف مثل السHكاكي يخلHHط بين االسHHتعارة المكنيHHة واالسHHتعارة
التبعية ،حتى يقترح االدماج والجمع بينهما ،مع أنه ال تعارض بينهما البتة حتى يجمعHHان ،إذ
كل منهما نوع من تقسيمات االستعارة في اعتبار ،ولكن االستغراب يزول ويضمحل عنHHدما
ندرك أن وقتئذ لم تكن قواعد البالغة مقننHHة كعصHHرنا هHHذا .فالمسHHألة بسHHيطة وواضHHحة ،فال
تعارض بين تقسيم االستعارة إلى المكنية وغيرها ،وبين تقسيمها إلى التبعيHHة وغيرهHHا ،فكٌHHل
رأس تقسيم قائم بذاته ،فاقتراح إدراج أحدهما تحت اآلخر؛ غير مقبول بأي طريقة كانت ،إذ
قد تكون االستعارة مكنية وفي نفس الوقت تبعية.
1
لإلمام الطيبي ،تحقيقا ودراسة ،عبد السّت ار حسين ،ص" 130:التبيان في البيان" كتاب .
39
أي أن تقسيم االسHتعارة إلى أصHلية وتبعيHة عHام في االسHتعارة؛ سHواء أكHانت تصHريحية أم
مكنية ،مثال االستعارة المكنية التبعية قولك" :أعجبني إراقة الضارب دم الجHHاني" ،فقHHد ُش به
الضرب الشديد بالقتل بجامع اإليذاء في كHل ،واسHتعير القتHل للضHرب الشديد ،واشتق منHه
قاتل بمعنى ضارب ضربا شديدا ،ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازمHHه وهHHو اإلراقHHة على
طريقة االستعارة المكنيHHة التبعيHHة .وأمHHا قHHول الطيHHبي« :وحمHHل اللفHHظ على األبلHHغ أحHHرى»
السالف ،فيجاب بأنه ال تعارض بين المبحثين حتى يطلب كفة الترجيح ،من حمل اللفHHظ على
األبلغ وغيره ،بل هما مبحثان متالزمان ال متعارضان.
وهكذا أصاب القزويني في اعتراضه على «رّد االستعارة التبعيHة في األفعHال مثHل" :نطقت
الحال بكذا" إلى المكنية؛ مع أن قرينة المكنية عنده استعارة وهي في المثال فعل واالستعارة
في الفعل ال تكون إال تبعية"
فإذا كان السكاكي ذهب هذا المذهب رغبة في تقليل تقسHيمات االسHتعارة ،كمHا قHال بسHيوني
عبد الفتاح« :ومن أجل تلك الرغبة أيضHHا أنكHHر االسHHتعارة التبعيHHة وأدخلهHHا في المكنيHHة،»1
فهو رغبة جديرة بالتأييد والتشجيع في كثير من المباحث البالغية.
1
علم المعاني ،بسيوني 342
40
خاتمة:
يتبين مما سلف أّن جهود السكاكي تعد أهم إنجاز في مسيرة تشكيل علم البالغHHة؛ فقHHد شّك ل
مصنفه أهم إنجاز في تاريخ هذا العلم؛ فكتاب “مفتاح العلوم” للسكاكي يعد محطة حاسمة في
تاريخ البالغة العربية؛ حّد د من خالله الصيغة النهائية لهHHذا العلم الجليHHل بإحكHHام ،واسHHتطاع
بكل براعة ضبط مباحثه ،وتحديد مصطلحاته ،وهذا ما كHHان لHHه األثHHر البHHالغ فيمن تبعHHه من
البالغيين المتأخرين .وعلى الرغم من االنتقادات الموجهة لعمل السكاكي ،ينبغي علينا إعادة
قراءة كتابه في ضوء المعطيات المعرفيHHة ،والسHHياقات التاريخيHHة ،من أجHHل إعHHادة االعتبHHار
لصنيع هذا الرجل في سبيل خدمة لغة القرآن الكريم؛ ليطبق قوانينه عليه ،وكأن لسHHان حالHHه
يقول لها" هو القرآن يثبت قوانين دولتنا ،فلتأخذ الشرعية المؤبدة"
وفي ظّل ما سبق ذكره كله ،هل يمكن أن نسلم بأن االستعارة حبيسة التركيب والنصوص
األدبية والشعرية فحسب ،أم انها تتجاوزها فتالمس مجال أوسع؟
41
النتائج التي توّص ل إليها هذا البحث
يجدر بنا اإلشارة منذ البدء إلى القول بأن االستعارة مصطلح يحظى بHHالنمو •
والتطور نلحظ ذلك من خالل المراحل التي مّر بها هHHذا المصHHطلح بHHدءا من
الجاحHHHظ وصHHHوال إلى السHHHكاكي .فكHHHانت أغلب الدراسHHHات الHHHتي تHHHدرس
االستعارة (قبل السكاكي والجرجاني) محدودة النظHHر ،ذلHHك أنهHHا تبحث عن
االستعارة في القرآن وتفسره ال أكثر فإنها شهدت تطHHورا ملحوظHHا على يHHد
السكاكي.
لعّل اعتناء العHHرب قHHديما بهHHذا المصHHطلح ليس من عHHدم وإنمHHا تفّط نHHوا لمHHا •
تحمله االستعارة من أسلوب فصيح وبليغ في النصوص األدبيHHة والشعرية.
فال يخلوا ديوان شعري او نص أدبي من االستعارة فهي تعّد سHHالح الكHHاتب
او الشاعر في إبراز قدرته ومهارته البالغية.
يتفق السكاكي مع القائلين بأن االستعارة تشبيه بليغ حHHذف أحHHد طرفيHHه ،إال •
أن له إضافات في تقسيمه لالستعارة إلى تصريحية ومكنية.
استنادا إلى نقد القزويني تبينا عّد ة نقاط لعل أبرزها أن السHHكاكي يخلHHط بين •
االستعارة المكنية واالستعارة التبعية ،ويقترح االدماج والجمع بينهمHHا وهHHذا
أمر غير ممكن ألن كل من هذين النوعين مستقل عن اآلخر .بل إنHHه أيضHHا
يقHHترح ضHHرورة االقتصHHار في أقسHHام االسHHتعارة ويجعHHل التبعيHHة قسHHم من
المكنية وهذا قول يعترضه القزويني الذي يرى أن التبعية واالصHHلية أقسHHام
مهمة في االستعارة.
42
قائمة المصادر والمراجع:
المصادر
قائمة المراجع:
بسيوني عبد الفتاح ،علم المعاني دراسة بالغية ونقدية لمسائل المعاني ،ط4
43