Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 43

‫‪2023-2024‬‬

‫االستعارة‬
‫عند السكاكي‬

‫‪:‬عمل الطالبة‬
‫تقوى الحشاني‬
‫سنة ثانية ماجيستير اختصاص لغة‬

‫‪1‬‬
‫التخطيط‬
‫مقدمة البحث‪.................................................................................‬ص‪3‬‬
‫ا لفصل األول‪ :‬االستعارة ما قبل السكاكي‪...................................................‬ص‪6‬‬
‫االستعارة عند الجاحظ‪...............................................................‬ص‪6‬‬ ‫‪.1‬‬
‫االستعارة عند ابن قتيبة‪..............................................................‬ص‪9‬‬ ‫‪.2‬‬
‫االستعارة عند المبرد‪...............................................................‬ص‪11‬‬ ‫‪.3‬‬
‫االستعارة عند الّر ماني‪.............................................................‬ص‪13‬‬ ‫‪.4‬‬
‫االستعارة عند عبد القاهر الجرجاني‪..............................................‬ص‪15‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االستعارة مع السكاكي ‪.....................................................‬ص‪19‬‬
‫تعريفه والتعريف بكتابه‪...........................................................‬ص‪19‬‬ ‫‪.1‬‬
‫االستعارة عند السكاكي‪...........................................................‬ص‪20‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 2-2‬أقسام االستعارة عند السكاكي‪..............................................‬ص‪21‬‬
‫ا‪ .‬االستعارة التصريحية لهما (التحقيقية والتخيلية والمحتملة لهما) ‪......‬ص‪21‬‬
‫ب‪ .‬االستعارة المكنية‪.........................................................‬ص‪23‬‬
‫ج‪ .‬االستعارة المرّش حة والمجّر د‪.............................................‬ص‪25‬‬
‫د‪ .‬االستعارة األصلية والّت بعّية‪................................................‬ص‪26‬‬
‫‪ 2-3‬شروط االستعارة‪.....................................................................‬ص‪29‬‬
‫‪ 2-4‬أنواع االستعارة‪......................................................................‬ص‪30‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف النقاد من االستعارة في كتاب مفتاح العلوم للسكاكي‪...........‬ص‪35‬‬
‫‪ .1‬موقف الخطيب القزويني من أراء السكاكي‪.......................................‬ص‪35‬‬
‫‪ 1-1‬موقفه من االستعارة التحقيقية‪................................................‬ص‪36‬‬
‫‪ 1-2‬موقفه من االستعارة التخيلية‪................................................‬ص‪38‬‬
‫‪ 1-3‬موقفه من االستعارة التبعية‪.................................................‬ص‪39‬‬
‫الخاتمة‪....................................................................................‬ص‪42‬‬
‫النتائج التي توصل إليها هذا البحث‪....................................................‬ص‪43‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪................................................................‬ص‪44‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة البحث‪:‬‬

‫القرآن العظيم معجزة من وجوه متعددة من حيث فصاحته وبالغته ونظمه وتراكيبه وأساليبه‬

‫وما تضمنه من أخبار ماضية ومستقبلة وما اشتمل عليه من أحكام جلية‪ .‬وقد تح‪HH‬دى ببالغ‪HH‬ة‬

‫ألفاظه فصاحة العرب كما تحداهم بما اشتمل عليه من مع‪HH‬ان ص‪HH‬حيحة كامل‪HH‬ة‪ ،‬فالبالغ‪HH‬ة هي‬

‫االنتهاء والوصول‪ .‬فهذا العلم يعتبر الوس‪H‬يلة المناس‪H‬بة لمعرف‪H‬ة اعج‪H‬از الق‪HH‬رآن‪ ،‬ل‪HH‬ذلك ي‪HH‬ؤدي‬

‫االغفال عنه إلى عدم إدراك إعجاز النظم القرآني‪.‬‬

‫ولذلك البد من اإللمام بقواعد علم البالغة التي تجعل اإلنسان فصيحا ومتكلما بلسان بليغ‪.‬‬

‫وتنقسم البالغة إلى ثالثة أقسام هي‪ :‬علم المعاني‪ ،‬علم البديع‪ ،‬وعلم البيان‪.‬‬

‫وأحد العلوم في البالغة هو علم البيان‪" ،‬وعلم البيان هو علم معرفة إيراد المعنى الواح‪HH‬د في‬

‫طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الداللة عليها وبالنقص‪HH‬ان ليح‪HH‬ترز ب‪HH‬الوقوف على ذل‪HH‬ك عن‬
‫‪1‬‬
‫الخطإ في مطابقة الكالم لتمام المراد به"‬

‫وأحد أنواع البيان هي االستعارة‪.‬‬

‫واالستعارة مصطلح شغل البحث فيه منذ القدم مجاال واسعا من الكتابات البالغي‪HH‬ة ة النقدي‪HH‬ة‪،‬‬

‫فقد منح أرسطو من كتاب‪HH‬ه "فن الشعر" ب‪HH‬اب البحث في االس‪H‬تعارة باعتباره‪HH‬ا وجه‪HH‬ا بالغي‪HH‬ا‬

‫‪1‬‬
‫أحمد شمس الدين‪ ،‬المعجم المفصل في علوم البالغة (البديع والبيان والمعاني)‬

‫‪3‬‬
‫شّك ل عالمة تميز إبداع الشعراء عن غيرهم من الّن اس وقد لفتت االس‪HH‬تعارة من‪HH‬ذ ذل‪HH‬ك الحين‬

‫االنتباه إليها‪.‬‬

‫وقد أجمع اللغويين قديما أن االستعارة هي مأخوذة من العاري‪HH‬ة أي نق‪HH‬ل الشيء من شخص‬

‫آلخر حتى تصبح تلك العارية من خصائص المعار إليه‪.‬‬

‫وقد قال ابن فتيبة في هذا الشأن " فالعرب تس‪HH‬تعير الكلم‪HH‬ة فتض‪HH‬عها مك‪HH‬ان الكلم‪HH‬ة إذا ك‪HH‬ان‬

‫المسمى بها بسب من أخرى أو مجاورا لها مشاكال"‬

‫وهذا التعريف ينطبق على المجاز كله والسيما المرسل الذي في عالقاته السببية والمجاورة‪.‬‬

‫واالستعارة هي نوع ثاني من المجاز اللغ‪HH‬وي كم‪HH‬ا ذهب إلي‪HH‬ه معظم اللغ‪HH‬ويين‪ "،‬وال تس‪00‬تعير‬
‫أحد اللفظين لآلخر إال بواس‪00‬طة التع‪00‬ارف المعن‪00‬وي كم‪00‬ا أن أح‪00‬د الشخص‪00‬ين ال يس‪00‬تعير من‬
‫‪32 1‬‬
‫اآلخر إال بواسطة معرفة ببينهما "‬

‫وفي الحقيقة االستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه (المشبه والمشبه به) يقهم من هذا أن التشبيه‬
‫البّد أن يذكر فيه الطرفين األساسيين وهما المشبه والمشبه به فإذا حذف أحد الركنين ال يع‪HH‬د‬
‫تشبيها بل يعد استعارة‪.‬‬

‫ولالستعارة ثالثة ألركان رئيسية أال وهي مستعار منه‪ ،‬مستعار له‪ ،‬ومستعاٌر‬

‫وفي ظ‪HH‬ل م‪HH‬ا س‪H‬بق ذك‪HH‬ره أردت أن أشير إلى مفه‪HH‬وم االس‪H‬تعارة عموم‪HH‬ا‪ ،‬أم‪HH‬ا الخ‪H‬اص فه‪HH‬و‬
‫موضوع بحثي‪ ،‬وهو االستعارة عند السكاكي‪.‬‬

‫ال نج‪HH‬د للشك مج‪HH‬ال في الق‪HH‬ول إن الس‪HH‬كاكي ع ‪ّH‬د من بين اللغ‪HH‬ويين ال‪HH‬ذين حفلت م‪HH‬دوناتهم‬
‫بالتطرق إلى موضوع االستعارة لما لهذا المصلح من لبس بينه وبين التشبيه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يحي بن حمزة "الطراز المتضمن ألسرار البالغة وعلوم حقائق اإلعجاز"ص‪195‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫لذلك رّك ز اللغويين في تبين خصائص االستعارة ورص‪HH‬د أركانه‪HH‬ا وتقس‪HH‬يماتها رص‪HH‬دا دقيق‪HH‬ا‪.‬‬
‫فقد اعتنوا اعتناًء ا جليا بكل جوانبها ودليلنا على هذا ما جاء به السكاكي في كتابه الغ‪HH‬ني عن‬
‫لتعريف" مفت‪HH‬اح العل‪HH‬وم" ال‪HH‬ذي ع‪ّH‬د مرجع‪HH‬ا ومن‪HH‬واال لشّت ى العل‪HH‬وم البالغي‪HH‬ة منه‪HH‬ا والنحوي‪HH‬ة‬
‫والصرفية أيضا‪.‬‬

‫قبل أن نلج إلى مفاهيم االستعارة التي تطرق إليها علماء البالغة قبل السكاكي‪ ،‬حري بالذكر‬
‫أن هؤالء العلم‪H‬اء على ال‪H‬رغم من تع‪H‬دد مشاربهم لم يختلف‪H‬وا كث‪H‬يرا في تع‪H‬ريفهم لالس‪H‬تعارة‬
‫بشكل كب‪HH‬ير‪ ،‬حيث أخ‪HH‬ذت ه‪HH‬ذه التعريف‪HH‬ات تتط‪HH‬ور وت‪HH‬زداد وتح‪HH‬دد على ي‪HH‬د ه‪HH‬ؤالء العلم‪HH‬اء‬
‫مضيفين عليها تارة ومصوبين فيها تارة أخرى‪ ،‬وشأن هذا المصطلح شأن أي مص‪HH‬طلح ل‪HH‬ه‬
‫على مر العص‪HH‬ور مف‪HH‬اهيم ومقاص‪HH‬د‪ ،‬وعلي‪HH‬ه س‪HH‬نحاول تلخيص م‪HH‬ا ورد عن االس‪HH‬تعارة ب‪HH‬دءا‬
‫بالجاحظ وصوال للجرجاني‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ .I‬الفصل األول‪ :‬االستعارة ما قبل السكاكي‬
‫‪ .1‬االستعارة عند الجاحظ(‪159‬ه_‪255‬ه)‪:‬‬

‫إن المطلع على التراث البالغة الع‪H‬ربي يج‪H‬د ان اإلشارات األولى لمفه‪H‬وم االس‪H‬تعارة ك‪H‬انت‬
‫عند الجاحظ في أثناء شرحه لألبيات الشعرية التالية‪:‬‬

‫يادار قد عيرها بالها‬ ‫كأنها بقلم محاها‬

‫أخربها عمران من بناها‬ ‫وكّر ُ ممساها على مغناها‬

‫وطفقت سحابة تخشاها‬ ‫تبكي على عراصها عيناها‬

‫وقد قال شارحا لهذه األبيات‪ :‬قوله" أخربها عمران من بناها يقول‪ :‬عّمرها بالخراب‪ ،‬وأصل‬
‫العمران مأخوذ من الُعمر وهو البقاء‪ ،‬فإذا الرجل في داره فق‪HH‬د عم‪HH‬ره‪ .‬فيق‪HH‬ول إن م‪HH‬دة بقائ‪HH‬ه‬
‫فيها أبلت منها ألن األيام مؤّث رة في األشياء بالنقص والبلى‪ ،‬فلما بقي الخراب فيها وقام مق‪HH‬ام‬
‫الُعمران في غيرها سمي بالعمران‪ ....‬قوله‪ :‬ممساها‪ ،‬يعني مساءها‪.‬‬

‫ومغناها‪ :‬موضعها الذي أقيم فيه‪ .‬والمغاني‪ :‬المنازل ال‪HH‬تي ك‪HH‬انت به‪HH‬ا أهوله‪HH‬ا‪ .‬وطفقت يع‪HH‬ني‬
‫ظّلت‪ .‬تبكي على عراصها عيناها‪ ،‬عيناها هاهنا للّسحاب‪.‬‬

‫وجعل المطر بكاء من الّسحاب على طريق االس‪H‬تعارة‪ ،‬وتس‪H‬مية الشيء باس‪H‬م غ‪H‬يره إذا ق‪H‬ام‬
‫‪1‬‬
‫مقامه‪ .‬ويقال" لكل جوبٍة منفتقٍة ليس فيها بناء عرصة"‬

‫ونجد إشارة لالستعارة عند شرحه لمع‪HH‬نى ال‪HH‬بيت الث‪HH‬الث؛ وذل‪HH‬ك في اس‪HH‬ناد الفع‪HH‬ل (بكى) إلى‬
‫(المطر) ال‪HH‬ذي يك‪HH‬ون نتاج‪HH‬ا للّس حاب‪ ....‬فاالس‪HH‬تعارة عن‪HH‬د الجاح‪HH‬ظ في ه‪HH‬ذا الموض‪HH‬وع أتت‬
‫بمعنى إسناد الفعل إلى غير فاعل‪H‬ه الحقيقي م‪H‬ع استحض‪H‬ار مع‪H‬نى الكلم‪H‬ة ال‪H‬تي أس‪H‬ندها إليه‪H‬ا‬
‫الفعل‪ ،‬األمر الذي يدفع المتلقي إلى البحث في معان جديدة ُت راد من ال‪HH‬تركيب اللغ‪HH‬وي ال‪HH‬ذي‬
‫ينحو منحى المجاز‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجاحظ «البيان والتبيين"‪1/152,153‬‬

‫‪6‬‬
‫فالمتأمل في تعريف الجاحظ لالستعارة يج‪HH‬ده يشير إلى ك‪HH‬ل االستعراض‪HH‬ات المجازي‪HH‬ة ال‪HH‬تي‬
‫تتضمن استبدال كلمة أو صورة مجازية بأخرى حرفية من أي سياق كان لوجودها عالقة أو‬
‫صلة فيهما او تسمية الشيء بغير اسمه لوجود هذه العالقة ففي قوله تع‪HH‬الى‪ :‬إّن شّر ال‪ّH‬د واب‬
‫عند هللا الُّصم الُبكم الذين ال يعقلون‪ "1‬يتحدث الجاحظ في ه‪HH‬ذه اآلي‪HH‬ات القرآني‪HH‬ة وي‪HH‬بين وج‪HH‬ه‬
‫الشبه فيها فيقول‪ :‬ولو كانوا صّم ًا بكما وكانوا هم ال يعقلون لما عّي رهم ب‪HH‬ذلك‪ ،‬كم‪HH‬ا لم يغّي ر‬
‫خلق‪HH‬ه معتوه‪HH‬ا‪ ،‬كي‪HH‬ف لم يعق‪HH‬ل‪ ،‬ومن خلق‪HH‬ه أعمى كي‪HH‬ف لم يبص‪HH‬ر‪ .‬ولكن‪HH‬ه س‪HH‬مي البص‪HH‬ير‬
‫المتعامي أعمى والسميع المتصامم أصم‪ ،‬والعاقل المتجاهل جاهال"‬

‫فاالستعارة عند الجاحظ من الوجهة األسلوبية البالغية ذات فاعلية أدبية عن‪HH‬د منشئها عن‪HH‬دما‬
‫يتخير تكوينه لتجربته عبر المجاز أي تدخل في االستعارة مجموعة من العناص‪HH‬ر المتنوع‪HH‬ة‬
‫غير المكتملة‪ ،‬يقوم ال‪H‬ذهن بعق‪H‬د عالق‪H‬ات بينه‪H‬ا الزم‪H‬ة الكتماله‪H‬ا وامك‪H‬ان نياب‪H‬ة بعض‪H‬ها عن‬
‫بعض‪.‬‬

‫إن استعمال الجاحظ لالستعارة يعتمد على كل من داللتها المعنوية وعالقته‪HH‬ا االقتراني‪HH‬ة‪ ،‬ل‪HH‬ذا‬
‫رّك ز على معرف‪HH‬ة التع‪HH‬ارض بين الحقيق‪HH‬ة والمج‪HH‬از ح‪HH‬تى ال ُيبهم المع‪HH‬نى وتختفي الحقيق‪HH‬ة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وتحمل األلفاظ ماال طاقة لها به "وليس ينبغي للعاقل أن يسوم للغات ما ليس في طاقتها"‬

‫وهو بهذا ال يشدد على االهتم‪H‬ام بالشحنة الداللي‪H‬ة الناتج‪H‬ة من االس‪H‬تعارة فحس‪H‬ب ب‪H‬ل يشدد‬
‫الجاحظ على االهتمام بالمعنى األول الحقيقي لإلحساس بالمعنى البليغ الن‪HH‬اتج عن االس‪HH‬تعارة‬
‫وربط هذا المعنى بمعنى أهله ومقصدهم منه فق‪HH‬ل الجاح‪HH‬ظ‪ :‬ومن الكالم كالم ي‪00‬ذهب الس‪00‬امع‬
‫منه إلى معاني أهله وغلى قصد ص‪00‬احبه كق‪0‬ول هللا تع‪0‬الى‪ :‬وت‪00‬رى الّن اس س‪00‬كارى وم‪00‬ا هم‬
‫بسكارى"‬

‫"ولهم رزقهم فيها بكرة وعش‪00‬ية" فق‪00‬ال‪ :‬ليس فيه‪00‬ا بك‪00‬رة وال عش‪00‬ية" ‪3‬ومن هذا المفه‪HH‬وم‬
‫تندرج االستعارة تحت مفهوم المجاز‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة االنفال اآلية ‪22‬‬
‫‪2‬‬
‫"الجاحظ " البيان والتبيين‬
‫‪3‬‬
‫الجاحظ" البيان والتبيين" ص‪193‬‬

‫‪7‬‬
‫ويشير الجاح‪HH‬ظ إلى وج‪HH‬وب تف‪HH‬اهم مشترك بين الس‪HH‬امع والمتكلم ألن ع‪HH‬دم إدراك م‪HH‬ا يري‪HH‬ده‬
‫المتكلم يزيد االستعارة عن‪HH‬دما تبل‪HH‬غ م‪HH‬ا يس‪HH‬ميه الجاح‪HH‬ظ "اللغ‪HH‬ز في الج‪HH‬واب " ول‪HH‬ذلك عن‪HH‬دما‬
‫يضيف المتكلم إلى كالمه المستعار فيه تضليل السامع وإيقاع‪HH‬ه في اإلبه‪HH‬ام‪ .‬وبه‪HH‬ذا تع‪HH‬د آراء‬
‫الجاح‪HH‬ظ في االس‪HH‬تعارة الب‪HH‬دايات األولى ال‪HH‬تي س‪HH‬اعدت على انطالق الدراس‪HH‬ات البالغي‪HH‬ة‬
‫وتأثيرها في المبدع والمتلقي ونشر النص إلى أبعد ما يكون وصوال إلى المقاص‪HH‬د والغاي‪HH‬ات‬
‫وهو بهذا يصور لنا مرحلة من مراحل تطور مفهوم البالغة في دور النشأة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .2‬االستعارة عند ابن قتيبة(‪213‬ه_‪276‬ه)‬

‫نال علماء البالغة حّظ هم من الدراس‪H‬ة والبحث فك‪HH‬انت م‪HH‬دوناتهم أك‪HH‬ثر ت‪HH‬داوال بين الدارس‪H‬ين‬
‫والباحثين‪ ،‬الذين ركزوا في بحوثهم حول ه‪HH‬ؤالء العلم‪HH‬اء من أمث‪HH‬ال‪ :‬الجرج‪HH‬اني‪ ،‬الس‪HH‬كاكي‪،‬‬
‫الجاح‪HH‬ظ‪ ،‬الب‪HH‬اقالني‪ ،‬وغ‪HH‬يرهم‪ ...‬ومن جه‪HH‬ة أخ‪HH‬رى هن‪HH‬اك من لم يس‪HH‬عفهم الح‪HH‬ظ‪-‬على ح ‪ّH‬د‬
‫اّط العنا‪-‬في تأخذ فيها‪ ،‬كحقل البالغة‪ ،‬وحق‪HH‬ل اإلعج‪HH‬از الق‪HH‬رآني‪ .‬ني‪HH‬ل نص‪HH‬يبهم من الدراس‪HH‬ة‬
‫والتعمق في مجال العلوم البالغي‪HH‬ة‪ ،‬وقّلم‪H‬ا نج‪H‬د ح‪H‬ولهم دراس‪H‬ات ج‪H‬ادة أو بحوث‪HH‬ا‪ ً،‬ومن بين‬
‫هؤالء األعالم نجد ابن قتيبة (ت ‪ 276‬هـ)‪ ،‬صاحب كتاب "تأويل مشكل القرآن" الذي أّل ف‬
‫كتابه في وقت كانت في‪HH‬ه البالغ‪HH‬ة في الب‪HH‬دايات األولى من ظه‪HH‬ور معالمه‪HH‬ا‪ ،‬فج‪HH‬اء ابن قتيب‪HH‬ة‬
‫بكتابه "تأويل مشكل القرآن" ال‪HH‬ذي ي‪HH‬درس في‪HH‬ه المص‪HH‬طلحات البالغي‪HH‬ة من مج‪HH‬از واس‪HH‬تعارة‬
‫وكناية‪ ،‬وبصورة موسعة عن سابقيه‪ ،‬وكان الدافع األول لتأليف كتابه هو الرّد عن الطاعنين‬
‫للقرآن الكريم من خالل تبيين بالغة كالم هللا فيه وحقائق إعجازه‪.‬اقتصرت في دراسة كتاب‬
‫(تأويل مشكل القرآن) على المصطلحات البالغية فيه‪ ،‬المتمثلة في االستعارة‪.‬‬

‫لعل إن مشاركة ابن قتيبة ( ت ‪276‬هـ) من خالل مجهوداته في إبراز وتسجيل المالحظ‪HH‬ات‬
‫البالغية كانت واضحة وجديرة باالهتمام في كتابه " تأويل مشكل القرآن" ال‪HH‬ذي وق‪HH‬ف ي‪HH‬ذود‬
‫فيه عن القرآن العظيم ‪ ،‬وُلغته والوقوف على وجوه االعجاز فيه‪ ،‬بك‪HH‬ل طاقت‪HH‬ه‪ ،‬وك‪HH‬ان عمل‪HH‬ه‬
‫هذا سببا في اتجاه علماء اللغة المسلمين إلى دراسة القرآن وبالغته والدفاع عن‪HH‬ه وكم‪HH‬ا ك‪HH‬ان‬
‫آثر هذا الكتاب جلّيا باجتيازه من مرحلة اإلشارات واآلراء‪ ،‬إلى مرحلة التأليف في موضوع‬
‫كامل‪ ،‬محّلال للعناصر البالغية واألسلوبية من خالل بعض المفاهيم كالمجاز و االس‪HH‬تعارة و‬
‫الكناية و التعريض وغيرها من مجازات تمييز كالم العرب‪.‬‬

‫لقد أولى ابن قتيبة بفن االستعارة عناية كبيرة ألن أكثر المجاز يق‪HH‬ع في‪HH‬ه‪ .‬ولق‪HH‬د فهم ابن قتيب‪HH‬ة‬
‫االستعارة فهمًا واسعا لذلك اشتملت في مفهومه على االس‪HH‬تعارة المفي‪HH‬دة‪ ،‬وغ‪HH‬ير المفي‪HH‬دة كم‪HH‬ا‬
‫تشمل «الكناية" وما عرف تحت فصل "المجاز المرس‪HH‬ل" في ع‪HH‬رف البالغ‪HH‬يين المت‪HH‬أخرين‪.‬‬
‫ويستهل هذا الفصل –عن االستعارة‪-‬بقوله "فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مك‪HH‬ان الكلم‪HH‬ة إذا‬

‫‪9‬‬
‫كان المسمى بها بسبب من أخرى أو مجاورا لها أو مشاكالفيقولون للمط‪HH‬ر س‪HH‬ماء‪ ،‬ألن‪HH‬ه من‬
‫السماء ينزل‪ ،‬فيقال‪ :‬مازلنا نطأ السماء حتى أتيناكم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫وعيناه وإن كانوا غضابا‬ ‫إذا سقط السماء بأرض قوم‬

‫ثم ينتقل ابن قتيبة‪ ،‬فيعرض أمثلة لها من القرآن الكريم‪ ،‬ثم يدافع عنها كما دافع من قب‪HH‬ل عن‬
‫‪1‬‬
‫" مدلال على أن االستعارة حقيقة واضحة وليست كذبا‪ ،‬ألن الكذب ينّز ه كالم هللا عنه"‬

‫ويستدل على صحتها بقوله تعالى في سورة ال‪HH‬دخان‪ :‬فم‪HH‬ا بكت عليهم الس‪HH‬ماء واألرض وم‪HH‬ا‬
‫كانوا منظ‪HH‬رين"[ال‪HH‬دخان‪ ]29 :‬تق‪H‬ول الع‪HH‬رب‪" :‬إذا أرادت تعظيم مهل‪HH‬ك رج‪H‬ل عظيم الشأن‪،‬‬
‫رفيع المكان‪ ،‬عام النفع‪ ،‬كثير الصنائع‪ ،‬أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده‪ ،‬وبكت‪HH‬ه ال‪HH‬ريح‬
‫والبرق والسماء واألرض‪ ،‬يريدون" لغة في وص‪0‬ف المص‪0‬يبة ب‪0‬ه وإنه‪0‬ا ق‪0‬د ش‪0‬ملت وعمت‬
‫‪2‬‬
‫وليس كذلك بكذب ألنهم جميعا متواطؤون عليه والسامع له يعرف القائل فيه"‬

‫وقوله تعالى‪" :‬يوم يكشف عن ساِق عليه‪ ،"3‬أي عن شدة من األمر‪ ،‬كذلك قال "قتادة"‪ .‬وق‪HH‬ال‬
‫"ابراهيم"‪ :‬عن أمر عظيم‪ .‬وأصل ه‪HH‬ذا أن الرج‪HH‬ل إذا وق‪HH‬ع في أم‪HH‬ر عظيم يحت‪HH‬اج الى معانات‪HH‬ه‬
‫والجد فيه‪ ،‬شمر عن ساقه‪ ،‬فاس‪HH‬تعيرت «الس‪HH‬اق" في موض‪HH‬ع الشدة‪ .‬وقول‪HH‬ه ع‪ّH‬ز وج‪ّHH‬ل‪:‬‬
‫"وق‪ّ00‬د منا إلى م‪00‬ا عمل‪00‬وا من عم ‪ٍ0‬ل فجعلن‪00‬اه هب‪00‬اًء منث‪00‬ورًا‪ "4‬أي قصدنا ألعمالهم وعم‪HH‬دناها‪.‬‬
‫واألصل أن من أراد القدوم الى موضع عمد له وقص‪HH‬ده‪" .‬والهب‪HH‬اء المنث‪HH‬ور"‪ :‬م‪HH‬ا رأيت‪HH‬ه في‬
‫شعاع الشمس الداخل من كوة الزبية‪ " .‬والهباء المنبث"‪ :‬ما تسطع من س‪H‬نابك الخي‪H‬ل‪ ،‬وإنم‪H‬ا‬
‫أراد أنا أبطلناه كما أن مبطل ال يلتمس وال ينتفع به‪.‬‬

‫وفي ق‪H‬ول ابن قتيب‪H‬ة في توض‪H‬يع القيم الجمالي‪H‬ة‪" :‬أي خًط ا ونص‪00‬يًب ا‪ ،‬وأص‪00‬ل ال‪00‬ذنوب ال‪00‬دلو‪،‬‬
‫فاس‪00‬تعير في موض‪00‬ع النص‪00‬ب" مفه‪HH‬وم االس‪HH‬تعارة عن‪HH‬د ابن قتيب‪HH‬ة‪ ،‬تشمل بعض الص‪HH‬ورة‬
‫المجاز المرسل فمن ذلك قوله عن الصورة التي شملتها االستعارة في تفسير قوله تع‪HH‬الى من‬
‫س‪HH‬ورة آل عم‪HH‬ران‪ :‬وأّم ا ال‪HH‬ذين ابيض‪HH‬ت وج‪HH‬وههم ففي رحم‪HH‬ة هللا هم خال‪HH‬دون [آل عم‪HH‬ران‪:‬‬
‫‪]107‬‬
‫‪1‬‬
‫أحمد جمال العمري‪ ،‬مفهوم االعجاز القرآني حّت ى القرن السادس للهجري‪ ،‬ص‪64‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن قتيبة‪ ،‬تأويل مشكل القرآن ص‪64:‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة القلم اآلية ‪42‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة الفرقان اآلية ‪23‬‬

‫‪10‬‬
‫يعني جنته‪ ،‬سماها رحمة‪ ،‬ألن دخ‪HH‬ولهم اياه‪HH‬ا ك‪HH‬ان برحمت‪HH‬ه‪ ،‬ف‪HH‬دخول الجن‪HH‬ة بس‪HH‬بب الرحم‪HH‬ة‬
‫عالقة سببية‪ ،‬ومثله قوله‪ :‬وأّما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة هللا هم فيها خالدون"‪ .‬وق‪HH‬د‬
‫توضع "الرحمة" موضع "المطر" ألنه ينزل برحمته الجنة‪.‬‬

‫بيد أن علماء البيان المتأخرين يقولون‪ :‬إنه مجاز مرسل عالقت‪H‬ه الحالي‪H‬ة‪ ،‬ف‪H‬إن الرحم‪H‬ة تح‪H‬ل‬
‫في الجنة‪ .‬ويقول أيض‪ًH‬ا في قول‪H‬ه تع‪H‬الى‪ :‬واجع‪H‬ل لي لس‪H‬انا ِص دق في اآلخ‪H‬رين " أي‪ :‬ذك‪00‬رًا‬
‫حسنا‪ ً،‬وهذا مجاز مرسل في عر ف البالغيين المتأخرين عالقت‪0‬ه اآللي‪0‬ة‪ ،‬ألن اللس‪0‬ان آل‪0‬ة‬
‫الذكر الجميل‪ ،‬والثناء الحسن‪ .‬وكذلك تشمل االستعارة عنده‪ ،‬ما عرف باس‪HH‬م "الكناي‪HH‬ة" عن‪HH‬د‬
‫البالغيين الالحقين‪ .‬ففي قوله تعالى‪ :‬وال تواعدوهّن سًّر ا‪ "1‬يقول ابن قتيبة‪" :‬السر‪ :‬النك‪00‬اح‪،‬‬
‫‪ .« 2‬فهذا التوض‪HH‬يح وغ‪HH‬يره مم‪HH‬ا‬ ‫ألن النكاح يكون سرًا وال يظهر‪ ،‬فاستعير ل‪00‬ه الس‪00‬ر‬
‫فهم‪HH‬ه ابن قتيب‪HH‬ة داخال في نط‪HH‬اق االس‪HH‬تعارة‪ .‬فه‪HH‬و من قبي‪HH‬ل الكناي‪HH‬ة في ع‪HH‬رف البالغ‪HH‬يين‬
‫المتأخرين‪ .‬ومن هنا نستطيع أن ندرك أن مفهوم الكناية في ذهن ابن قتيبة لم يكن واضحا أو‬
‫محددا‪ .‬بل إننا ال نخالف الحقيقة‪ ،‬حيث نقول إن التشبيه أيض‪ًH‬ا مفه‪H‬وم عن‪H‬د ابن قتيب‪H‬ة على أن‪H‬ه‬
‫لون من االستعارة‪ ،‬ويتضح ذلك من قوله تعالى في س‪HH‬ورة البق‪HH‬رة‪" :‬نس‪HH‬اؤكم ح‪HH‬رث لكم"‬
‫أي‪ :‬مزروع لكم كما تزرع األرض‪ .‬وم‪HH‬ا دام التشبيه داخ‪HH‬ل في االس‪HH‬تعارة عن‪HH‬ده‪ ،‬فإن‪HH‬ه‬
‫يكون مجازًا عنده‪.‬‬

‫وهنا يستفّز نا التساؤل كيف تجلت االستعارة عند المبرد؟‬

‫‪ .3‬االستعارة عند المبرد(‪210‬ه_‪285‬ه)‬


‫لم يكن مفهوم االستعارة في بادئ األمر واضح الحدود على مر العصور‪ ،‬فق‪HH‬د تن‪HH‬وع من‬
‫ناقد إلى أخر‪ ،‬ومن عصر إلى عصر‪ ،‬فالمتصفح لكتب البالغة االستعارة هي في الحديث‪HH‬ة‬
‫يجد العلماء قد أجمعوا تقريبا على أن األصل تشبيه‪ ،‬ولكنه ال تظهر فيه أداة التشبيه‪.‬‬

‫اما المبرد عرفه‪HH‬ا بقول‪HH‬ه "نق‪00‬ل اللف‪00‬ظ من مع‪00‬نى إلى مع‪00‬نى ‪"3‬من غ‪HH‬ير أن يقي‪HH‬د ه‪HH‬ذا النق‪HH‬ل أو‬
‫ويظهر هذا واضحا من خالل تعليقه على قول الراعي‪:‬‬ ‫يشترط له شروط‬

‫‪1‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية‪235‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬تح‪ ،‬محمد الدالي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪64:‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد السيد شيخون‪ :‬االستعارة نشأتها وتطورها‪ ،‬دار الهدية‪ ،‬ص ‪9.‬‬

‫‪11‬‬
‫يا نعمها ليلة حتى تخونها *** داع دعا في فروع الصبح شّح اج‪.‬‬

‫يقول المبرد‪ :‬وشّح اج إنما هو استعارة في شّد ة الموت‪ ،‬وأصله للبخل والع‪00‬رب تس‪00‬تعير من‬
‫‪1‬‬
‫بعض لبعض"‬

‫ومن أمثلة الشعر التي أوردها قول حميد بن ثور في الحمامة المنطوقة‪:‬‬

‫تغنت على غصن عشاء فلم تدع *** لنائحة في شجولها متلوما‬

‫إذا حركـــــته الريـــــاح وأمال ميــــلة *** تغــــنت عليه مائال ومقوما‬

‫ويقول‪ ":‬للحمامة تغنت وناحت وذاك أنه صوت حسن غير مفهوم فيشبه م‪00‬رة به‪00‬ذا وم‪00‬رة‬
‫‪2‬‬
‫بهذا"‬

‫وأورد المبرد يرثي ابنه سواده [من البسيط]‪:‬‬

‫باز يصرصرٍ بالسهبى قّط ا جونا‬ ‫هذا سوادة يجلو مقلتي لحم‬

‫يقول المبرد‪" :‬يجلو مقلتي لحم"‪ ،‬ش‪00‬به مقلتي‪00‬ه بمقل‪00‬تي الب‪00‬ازي‪ ،‬ويق‪00‬ال‪" :‬ط‪00‬ائر لحم" من‬
‫هذا‪ .‬وقوله‪" :‬يصرصر" يعني يصوت‪ ،‬يقال‪ :‬صرصر البازي والصقر‪ ،‬وما كان من س‪00‬باع‬
‫الط‪00‬ير‪ ،‬ويق‪00‬ال‪ :‬صرص‪00‬ر العص‪00‬فور‪ :‬وأحس‪00‬به مس‪00‬تعارا ألّن األص‪00‬ل في‪00‬ه أن يس‪00‬تعمل في‬
‫الجوارح من الطير فقال جرجير‪:‬‬

‫باز يصرصر بالسهبى قطا جونا‬

‫وأشدني عمارة‪" :‬باز يصعصع" وهو أصح قال أبو الحس‪00‬ن‪" :‬يصعص‪00‬ع" وه‪00‬و الص‪00‬واب‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ولكن هكذا وقع في كتابه ويصرصر ال يتعدى‪.‬‬

‫أشار المبرد إلى أنواع االستعارة من بينها‪ ،‬االستعارة التصريحية األص‪HH‬لية وق‪HH‬دم مث‪HH‬ال على‬
‫‪4‬‬
‫ذلك من القرآن الكريم‪ ،‬وهو قوله تعالى‪" :‬واتبعوا اهواءهم"‬

‫‪1‬‬
‫الكامل في اللغة و األدب‪ ،‬ج‪،1‬ص‪22‬‬
‫‪2‬‬
‫ن‪ .‬م‪ ،‬ج‪،3‬ص‪92‬‬
‫‪3‬‬
‫كتاب الكامل في اللغة واآلداب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪179‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة محمد ال آية‪14‬‬

‫‪12‬‬
‫هنا جعل العقل في داللته على الحق مشبها بالبص‪HH‬ر‪ ،‬ثم اس‪HH‬تعير البص‪HH‬ر له‪HH‬ذا المع‪HH‬نى ولف‪HH‬ظ‬
‫يهديه قرينة‪ .‬فاالستعارة التصريحية أصلية‬

‫يقول المبرد‪" :‬وخيرت أن عمر بن لجأ قال‪ :‬الن عم له أنا أشعر منك فقال‪ :‬له وكيف؟‬
‫‪1‬‬
‫قال‪ :‬ألني أقول بالبيت وأخاه‪ ،‬وأنت تقول البيت وابن عمه‬

‫كما تعرض المبرد إلى االستعارة العنادية في مواض‪HH‬ع من كتاب‪HH‬ه (الكام‪HH‬ل) فق‪HH‬ال‪" :‬والس‪HH‬ليم‪،‬‬
‫الملدوغ وقيل له‪" ،‬سليم" تفاؤال له بالس‪HH‬المة"‪ ،‬وزبي‪HH‬د وأرحب‪ :‬حي‪HH‬ان من اليمن‪ .‬والث‪HH‬أر‪ :‬م‪HH‬ا‬
‫يكون لك عند من أصاب حميمك‪ ،‬من الترة‪ ،‬ومن قال "ثار" فقد أخطأ‪ .‬فالمقصود هاهن‪HH‬ا من‬
‫أنه س‪H‬ليم مل‪H‬دوغ‪ ،‬على التف‪H‬اؤل والص‪H‬حة‪ ،‬بحيث تس‪H‬تعمل الع‪H‬رب ق‪H‬ديما الكلم‪H‬ات المتض‪H‬ادة‬
‫للفهم‪ .‬إضافة إلى األنواع السالفة كذلك بين االستعارة التمثيلية‪ ،‬ومن بين األمثلة ال‪HH‬تي س‪HH‬اقها‬
‫في ذلك نجد قول الشماخ يمدح عرابة‪:‬‬

‫رأيت عرابة األوس يسمو *** إلى الخيرات منقطع القرين‪.‬‬

‫إذا ما رايــــة رفعــــت لمجد *** تلقاها عــــــرابة باليـــمين‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫ثم قال‪ ":‬قوله‪ :‬تلقاها عرابة باليمين‪ ،‬قال أصحاب المعاني‪ :‬معناه بالقوة"‬

‫أما قول الشماخ فقد ص‪HH‬ور لن‪HH‬ا عراب‪HH‬ة في رغبت‪HH‬ه على المب‪HH‬ادرة إلى س‪HH‬بيل المج‪HH‬د بك‪HH‬ل ق‪HH‬وة‬
‫وعزيمة وإرادة وما لغير ذلك بتلقيه الشيء باليمين‪.‬‬

‫‪ .4‬االستعارة عند الرماني(‪296‬ه_‪384‬ه)‬


‫كان من الضروري أن يواجه الرماني االستعارة‪ ،‬ويتأمل قدرتها على التأثير فيمن يتلقى‬
‫النص القرآني‪ ،‬فهي فن من فنون البالغة‪ ،‬وج‪HH‬زء من أجزائه‪HH‬ا العشرة لدي‪HH‬ه‪ ،‬ال‪HH‬تي جلى‬
‫فيها القرآن كثيرا من مواطن إعجازه‪ .‬ويعرفها قائال "االستعارة تعليق العبارة على غير‬
‫‪3‬‬
‫ما وضعت له‪ ،‬في أصل اللغة على جهة النقل لإلبانة"‬

‫‪1‬‬
‫الكامل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪119‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪108‬‬
‫‪3‬‬
‫علوم القرآن‪ ،‬ص‪35‬‬

‫‪13‬‬
‫ومعنى هذا التعريف‪ ،‬أن الكلمة في االستعارة قد وض‪HH‬عت ب‪HH‬إزاء مع‪HH‬نى جدي‪HH‬د أطلقت علي‪HH‬ه‪،‬‬
‫وهو غير المعنى الموضوع لها في اللغة قصد إبانة المعنى وإيضاحه‪ .‬ويقصد الرماني بإبانة‬
‫المعنى‪ ،‬استحداث معنى جديد في اللفظ‪ ،‬وجعل الكلمة ذات داللة لم تجعل لها في أصل للغة‪،‬‬
‫وهو األمر الذي عبر عنه بقوله "ومن الفضيلة الجامعة فيها‪ ،‬أنها تبرز هذا البيان أب‪00‬دا في‬
‫صورة مستجدة تزيد قدره نبال‪ ،‬وتوجب له بعد الفضل فضال‪ ،‬وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد‬
‫اكتسبت فيها فوائد‪ ،‬حتى تراها مكررة في مواضع‪ ،‬وله‪00‬ا في ك‪00‬ل واح‪00‬د من تل‪00‬ك المواض‪00‬ع‬
‫شأن مفرد وشرف منفرد‪ ،‬وفضيلة مرموقة‪ ،‬وخالبة موموقة‪ ،‬ومن خصائصها ال‪00‬تي ت‪00‬ذكر‬
‫بها وهي عنوان مناقبها‪ ،‬أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ‪ ،‬حتى تخرج من‬
‫‪1‬‬
‫الصدفة الواحدة عدة درر"‬

‫قد تناول الرماني الخصائص الفنية لالستعارة‪ ،‬كمقدمة لدراسة ه‪HH‬ذا الفن الق‪HH‬ولي في الق‪HH‬رآن‪،‬‬
‫حيث قال‪"" :‬وكل استعارة حسنة فهي توجب بالغة بيان ال تنوب منابه الحقيقة‪ ،‬وذلك أن‪00‬ه‬
‫لو كان تقوم مقامه الحقيقة لكانت أولى به‪ ،‬ولم تجز االستعارة‪ ،‬وك‪00‬ل اس‪00‬تعارة فال ب‪00‬د له‪00‬ا‬
‫‪2‬‬
‫من حقيقة‪ ،‬وهي أصل الداللة على المعنى في اللغة"‬

‫فالرماني ينص صراحة على أن أس‪HH‬لوب االس‪HH‬تعارة أق‪HH‬وى وأبل‪HH‬غ من أس‪HH‬لوب الحقيق‪HH‬ة‪ ،‬ول‪HH‬و‬
‫ك‪HH‬انت االس‪HH‬تعارة ت‪HH‬ؤدي نفس المع‪HH‬نى ال‪HH‬ذي تؤدي‪HH‬ه الحقيق‪HH‬ة‪ ،‬لك‪HH‬ان التعب‪HH‬ير بالحقيق‪HH‬ة أج‪HH‬دى‪،‬‬
‫والشاهد على أن لالس‪HH‬تعمال االس‪HH‬تعاري من الفائ‪HH‬دة والموق‪HH‬ع الحس‪HH‬ن م‪HH‬ا ليس لالس‪HH‬تعمال‬
‫الحقيقي‪ ،‬ما جاء في القرآن الكريم من االس‪H‬تعارة على جه‪H‬ة البالغ‪H‬ة‪ ،‬وم‪H‬ا تحدث‪H‬ه من ت‪H‬أثير‬
‫يت‪HH‬داعى إلى القل‪HH‬وب والنف‪HH‬وس عن‪HH‬د س‪H‬ماع التعب‪HH‬ير باأللف‪HH‬اظ ال‪HH‬تي دخلته‪HH‬ا االس‪HH‬تعارة‪ .‬فقول‪HH‬ه‬
‫تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثور‪ "3‬أبلغ وأحسن مما قص‪HH‬د ل‪HH‬ه من‬
‫قول‪HH‬ه ل‪HH‬و ق‪HH‬ال "عم‪HH‬دنا إلى م‪HH‬ا عمل‪HH‬وا من عم‪HH‬ل فجعلن‪HH‬اه هب‪HH‬اء منث‪HH‬ورا" فاالس‪HH‬تعارة في‬
‫لفظ "قدمنا"‪ ،‬قد حققت في اآلية داللة ال يمكن استيعابها في لفظ عمدنا لو استبدلت بها‪،‬‬
‫ولبقية الصورة المرادة غير ماثلة للعيان كما هو الحال مع اآلية‪ .‬وبه‪HH‬ذا الفهم العمي‪HH‬ق مض‪HH‬ى‬
‫الرماني يحلل اآلية الكريمة تحليال رائعا‪ ،‬موضحا حقيقتها لي‪HH‬بين فض‪HH‬ل االس‪HH‬تعارة ووج‪HH‬ه‬
‫‪1‬‬
‫علوم القرآن‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫‪2‬‬
‫ن م‪ ،‬ص ‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الفرقان اآلية‪23‬‬

‫‪14‬‬
‫بالغتها‪ ،‬وسر الجمال في التعبير بلفظ "ق‪H‬دمنا" ب‪H‬دال من "عم‪H‬دنا " فك‪H‬ل ذل‪H‬ك يجع‪H‬ل الق‪H‬ارئ‬
‫متمثال للسر البالغي في التعبير باالستعارة‪ ،‬يق‪HH‬ول الرم‪HH‬اني "حقيق‪00‬ة ق‪00‬دمنا عم‪00‬دنا‪ ،‬وق‪00‬دمنا‬
‫أبلغ منه‪ ،‬ألنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر‪ ،‬ألن‪00‬ه ع‪00‬املهم من أج‪00‬ل إمهال‪00‬ه‬
‫لهم كمعامل‪00‬ة الغ‪00‬ائب عنهم‪ ،‬ثم ق‪00‬دم ف‪00‬رآهم على خالف م‪00‬ا أم‪00‬رهم‪ ،‬وفي ه‪00‬ذا تح‪00‬ذير من‬
‫االغ‪00‬ترار باإلمه‪00‬ال‪ .‬والمع‪00‬نى ال‪00‬ذي يجمعهم‪00‬ا الع‪00‬دل‪ ،‬ألن العم‪00‬د إلى إبط‪00‬ال الفاس‪00‬د ع‪00‬دل‪،‬‬
‫والقدوم أبلغ لما بينا‪ .‬وأما هباء منثورا‪ ،‬فبيان قد أخرج م‪00‬ا ال تق‪00‬ع علي‪00‬ه الحاس‪00‬ة‪ ،‬إلى م‪00‬ا‬
‫‪1‬‬
‫تقع عليه حاسة"‬

‫ومثله أيضا قوله تعالى «اصدع بما تومر"‪ 2‬ففي اآلية من بالغة التعبير ودقة المعنى والتفنن‬
‫في التص‪HHH‬وير‪ ،‬م‪HHH‬ا ال نج‪HHH‬ده في االس‪HHH‬تعمال الحقيقي‪ ،‬فل‪HHH‬و قلن‪HHH‬ا "بل‪HHH‬غ م‪HHH‬ا ت‪HHH‬ومر‬
‫به" لوجدنا فعل "بلغ"‪ ،‬يضيق عن اإلحاطة بالمراد من اآلية "ألن الصدع باألمر البد‬
‫ل‪HH‬ه من ت‪HH‬أثير كت‪HH‬أثير ص‪HH‬دع الزج‪HH‬اج‪ ،‬والتبلي‪HH‬غ ق‪HH‬د يص‪HH‬عب ح‪HH‬تى ال يك‪HH‬ون ل‪HH‬ه ت‪HH‬أثير‬
‫فيصير بمنزلة م‪H‬ا لم يق‪H‬ع‪ .‬والمع‪H‬نى ال‪H‬ذي يجمعهم‪H‬ا اإليص‪H‬ال‪ ،‬إال أن اإليص‪H‬ال ال‪H‬ذي ل‪H‬ه‬
‫فاالستعارة في اآلية‪ ،‬هي التي كشفت أصالة ما يري‪HH‬د الق‪HH‬رآن‬ ‫تأثير كصدع الزجاجة أبلغ‪.‬‬
‫التعب‪HH‬ير عن‪HH‬ه‪ ،‬وكشفت عن إيحائي‪HH‬ة جدي‪HH‬دة في اآلي‪HH‬ة‪ ،‬ال يحس به‪HH‬ا الس‪HH‬امع في االس‪HH‬تعمال‬
‫الحقيقي‪ ،‬بحيث يص‪HH‬بح لف‪HH‬ظ االس‪HH‬تعارة متم‪HH‬يزا ال يس‪HH‬د مس‪HH‬ده لف‪HH‬ظ آخ‪HH‬ر‪ ،‬وال يشاكله‬
‫تعبير مقارب‪ ،‬وبذلك بلغت االستعارة في القرآن الكريم مرتبة اإلعجاز‪ .‬ويبدو من هذه األمثلة‬
‫التي تق‪H‬دم به‪H‬ا الرم‪H‬اني‪ ،‬أن بالغ‪H‬ة االس‪H‬تعارة القرآني‪H‬ة وإعجازه‪H‬ا يكمن في ق‪H‬درتها على‬
‫تجسيم المعنوي‪ ،‬وتقديمه في صورة حسية ينفعل معه قلب وعقل القارئ والسامع‪.‬‬

‫‪ .5‬االستعارة عند عبد القاهر الجرجاني(‪400‬ه_‪471‬ه)‬


‫وجاء بعد هؤالء العلماء الذين سبق ذك‪H‬رهم عب‪H‬د الق‪H‬اهر الجرج‪H‬اني ال‪ّH‬ذ ي اتض‪H‬ح مفه‪H‬وم‬
‫االستعارة إذ وضع حدا لها بقوله‪ " :‬أن تريد تشبيه الشيء بالشيء‪ ،‬وتظهره وتجيئ إلى‬
‫اسم المشبه به‪ ،‬فتعيره المشبه وتجريه عليه"‪ 3‬وعرفه‪H‬ا في موض‪H‬ع آخ‪H‬ر‪ ،‬بقول‪H‬ه ‪" :‬هي‬
‫أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي مع‪00‬روف ت‪00‬دل الش‪00‬واهد على أن‪00‬ه اختص ب‪00‬ه حين‬
‫‪1‬‬
‫ن م‪ ،‬ص ‪39‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪94‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني‪ ،‬تح‪ :‬محمد رشيد رضا‪ ،‬ط‪ ،3‬لبنان‪ :‬دار المعرفة‪ ،8111،‬ص‪60‬‬

‫‪15‬‬
‫وضع‪ ،‬ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك األص‪00‬ل وينقل‪00‬ه إلي‪00‬ه غ‪00‬ير الزم‬
‫‪1‬‬
‫فيكون هناك كالعارية‬
‫وقد أسهب الجرجاني في تعريفاته لالستعارة ونورد تعريفا آخر له في قول‪HH‬ه‪" :‬اعلم أن‪00‬ه‬
‫قد كثر في كالم الناس استعمال لفظ النقل في االستعارة‪ ،‬فمن ذلك قولهم‪ :‬إن االستعارة‬
‫تعليق ‪ 3‬العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على سبيل النق‪00‬ل"‪ .2‬والمالح‪HH‬ظ‬
‫من هذه التعريفات إن االس‪H‬تعارة عن‪HH‬د الجرج‪H‬اني لم تكن بعي‪HH‬دة ك‪HH‬ل البع‪HH‬د عن تعريف‪HH‬ات‬
‫السابقين كونها نقل العبارة والكلمة من معنى إلى معنى للبي‪HH‬ان والوض‪HH‬وح‪ .‬لكن ال‪HH‬رأي ال‪HH‬ذي‬
‫خالف فيها الجرجاني آراء سابقيه يتمثل في أنه بين حقيق‪H‬ة االس‪H‬تعارة وح‪H‬دد طبيعته‪H‬ا‬
‫باعتبارها ليست مجّر د نقل وإنما هي ادعاء وخطوة أساسية في عملية االستعارة ويتض‪HH‬ح‬
‫ذلك في قوله" فقد تبين من غير وجه ان االستعارة إنما هي ادعاء معنى االسم للشيء ال‬
‫نقل االسم علن الشيء و إذا ثبت أنها ادعاء معنى االسم للش‪00‬يء‪ ،‬علمت أن ال‪00‬ذي ق‪00‬الوه من‬
‫أنها تعليق العبارة على غير ما وضعت له في اللغة‪ ،‬ونقل لها عم‪00‬ا وض‪00‬عت ل‪00‬ه ‪ ،‬كالم‬
‫قد تسامحوا فيه ألنه إذا كانت االستعارة ادع‪00‬اء مع‪00‬نى االس‪00‬م لم يكن االس‪00‬م م‪00‬زال‪،‬‬
‫عما وضع له بل مقرا علي‪00‬ه" ‪. 3‬من خالل هذا القول نلح‪HH‬ظ إن الجرج‪HH‬اني ح‪HH‬اول اس‪HH‬تبعاد‬
‫فكرة النقل الحرفي وسلك مسلكا آخر وهي فكرة االدعاء‪ .‬حاصل النظر فيما مضى إن عبد‬
‫القاهر الجرجاني نضجت عنده مفاهيم االستعارة بصورة لم تكن عند أحد من سابقيه‪،‬‬
‫فقد كانت آراءه فيها أصيلة وموضوعية إلى حد بعيد مقارنة بمن سبقوه ه‪ ،‬ومن جاءوا‬
‫بعده من البالغيين‪ .‬ومن أبرز النظريات التي أتى بها الجرجاني "نظري‪HH‬ة النظم" (المع‪HH‬نى‬
‫ومعنى المعنى) فنجده يحلل مفهوم مع‪HH‬نى المع‪HH‬نى منطلق‪HH‬ا من تقس‪HH‬يم الكالم على ض‪HH‬ربين‪:‬‬
‫ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وح‪HH‬ده ك‪HH‬أن تق‪HH‬ول خ‪HH‬رج زي‪HH‬د وغرض‪HH‬ك‬
‫اإلخبار بخروج زيد ال غير‪ ،‬وضرب آخر أنت ال تصل من‪HH‬ه إلى الغ‪HH‬رض بدالل‪HH‬ة اللف‪HH‬ظ‬
‫وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موض‪HH‬وعه في اللغ‪HH‬ة‪ ،‬ثم تج‪HH‬د ل‪HH‬ذلك‬
‫المعنى داللة ثانية تصل بها إلى الغ‪HH‬رض‪ .‬وم‪HH‬دار ه‪HH‬ذا األم‪HH‬ر على الكناي‪HH‬ة واالس‪HH‬تعارة‬
‫والتمثيل‪ .‬بعد تحليل عبد القاهر مفهوم معنى المع‪HH‬نى ص‪HH‬اغ تعريف‪HH‬ا شافيا ل‪HH‬ه وذل‪HH‬ك‬
‫‪1‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة في علم البيان‪ ،‬ص‪38.‬‬
‫‪2‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني‪ ،‬ص‪321.‬‬
‫‪3‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني‪ ،‬ص‪280‬‬

‫‪16‬‬
‫بقوله‪ :‬وإذا قد عرفت هذه الجملة فههنا عبارة مختصرة وهي أن تق‪0‬ول المع‪0‬نى ومع‪0‬نى‬
‫المعنى تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تص‪0‬ل إلي‪0‬ه بغ‪0‬ير واس‪0‬طة وبمع‪0‬نى‬
‫المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر كال‪00‬ذي فس‪00‬رت‬
‫لك‪.1‬‬
‫والمراد بالمعنى عند الجرجاني هو ذلك المعنى المستعمل الظاهري والذي تواضع علي‪HH‬ه‬
‫الناس‪ ،‬ونجده في المع‪HH‬اجم ألنن‪HH‬ا نفهم‪HH‬ه مباشرة وال يحت‪HH‬اج من‪HH‬ا ب‪HH‬ذل الجه‪HH‬د‪ .‬أم‪HH‬ا مع‪HH‬نى‬
‫المعنى فهو المعنى العميق والخفي والمضمر والباطني والذي يتط‪HH‬ور بتط‪HH‬ور المع‪HH‬ارف‬
‫التي يكتسبها اإلنسان وذلك عمال الفكر بالفطنة والذكاء وإعمال الفكر‪.‬‬
‫بعد تحديدنا لمفهوم المعنى ومع‪H‬نى المع‪H‬نى يمكنن‪H‬ا أن نع‪H‬الج المع‪H‬نى ومع‪H‬نى المع‪H‬نى في‬
‫االستعارة‪ .‬فقد الحظ الجرجاني أن الدارس‪HH‬ين إذا ذك‪HH‬روا قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى على لس‪HH‬ان زكري‪HH‬ا‬
‫عليه السالم﴿ واشتعل الرأس شيبا‪"2‬لم يزيدوا فيه على ذك‪00‬ر االس‪00‬تعارة ولم ينس‪00‬بوا‬
‫الشرف إال إليها‪ ،‬ولم يروا للمزية موجبا سواها ‪ ،‬هكذا ت‪00‬رى االم‪00‬ر في ظ‪00‬اهر كالمهم‬
‫‪3‬‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫وليس األمر على‬
‫يورد عبد القاهر مثال توض‪HH‬يحيا آخ‪H‬ر عن المع‪HH‬نى ومع‪HH‬نى المع‪HH‬نى في االس‪H‬تعارة وذل‪HH‬ك‬
‫كقولنا رأيت أسدا‪ .‬والمالحظ في هذا المثال أن لفظ األسد له معنيان‪:‬‬
‫‪ ‬المعنى األول‪ :‬وهو المعنى العام‪ :‬وهو لفظ معروف ومتداول ل‪H‬دى عام‪H‬ة الن‪H‬اس وه‪H‬و‬
‫الحيوان المفترس‪.‬‬
‫‪ ‬المعنى الثاني‪ :‬وهو المعنى الخ‪HH‬اص والمض‪HH‬مر‪ :‬وه‪HH‬و تشبيه الرج‪HH‬ل الشجاع باألس‪HH‬د‬
‫فالمعنى المراد هنا ليس األسد بص‪H‬فته وهيئت‪H‬ه وشكله واّن م‪H‬ا الم‪H‬راد ه‪H‬ا هن‪H‬ا ه‪H‬و الرج‪H‬ل‬
‫الشجاع بما يمتلكه من بسالة وقوة‪ .‬لتوضيح هذا القول نضع الخطاطة التالية‪:‬‬
‫المعنى الظاهر (المعنى (_________األسد________ الحيوان المعروف‬
‫المعنى الباطن (معنى المعنى (_____األسد ______الرجل ___الرجل الشجاع‬
‫لعل عبد القاهر الجرجاني من أوائل من قسم االستعارة إلى قسمين‪ :‬مفي‪HH‬دة وغ‪HH‬ير مفي‪HH‬دة‪.‬‬
‫فالمفيدة عنده ما كان لنقلها فائدة وهي مدة هذا الفن ومداره‪ ،‬وغير المفيدة ما ال يكون لها‬
‫‪1‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني ص ‪177‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة مريم اآلية ‪4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني‪ ،‬ص‪82‬‬

‫‪17‬‬
‫فائدة في النقل‪ ،‬وموضعها حيث يكون اختصاص االسم بما وضع له من طريق أري‪HH‬د ب‪HH‬ه‬
‫التوسع في أوضاع اللغة‪ .‬وأشار أيضًا إلى أنها استعارة باالسم تارة وبالفعل تارة أخ‪HH‬رى‬
‫ولمح إلى التصريحية منها والمكنية‪.‬‬
‫ونظرا لكل هذه الجهود المتبلورة في دراسة االستعارة قديما نستشُّف ان معظمه‪HH‬ا ي‪HH‬دور‬
‫حول مفهوم واحد وهو استعمال لفظ في غ‪HH‬ير معن‪HH‬اه األص‪HH‬لي لعالق‪HH‬ة تشابه بين المع‪HH‬نى‬
‫األصلي للكلمة وبين المعنى المراد منها مع وجود دليل لفظي أو معنوي يمنع ال‪HH‬ذهن من‬
‫إرادة المعنى األصلي للكلمة‪.‬‬
‫وهنا لسائل أن يسأل‪ ،‬هل سار السكاكي على مس‪00‬ار علي‪00‬ه س‪00‬ابقيه في تن‪00‬اول موض‪00‬وع‬
‫االس‪00‬تعارة أم تج‪00‬اوزهم؟ وإذا تج‪00‬اوزهم م‪00‬اهي اإلض‪00‬افات ال‪00‬تي ج‪00‬اء به‪00‬ا في طرح‪00‬ه‬
‫لالستعارة؟‬

‫‪18‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االستعارة مع السكاكي‪:‬‬
‫‪ )1‬تعريفه والتعريف بكتابه‪:‬‬
‫كانت اللغة العربية لغًة محكيًة مرتبطًة بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم‪ ،‬تثريها‬
‫بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ‪ .‬ومع بزوغ نجم ال‪HH‬دين اإلس‪HH‬المي واتس‪HH‬اع رقع‪HH‬ة‬
‫بالد المسلمين‪ ،‬وشروعهم في بناء الدولة‪ ،‬كُث رت المراسالت بينهم‪ ،‬وقادت فتوح‪HH‬اتهم‬
‫شعوبًا لم تنطق العربية قط‪ ،‬فأصبحت جزءًا من المجتمع الع‪HH‬ربي‪ ،‬فص‪HH‬ارت الحاج‪HH‬ة‬
‫ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظًا لها مما ي‪HH‬داخلها ويخالطه‪HH‬ا من الشوائب ال‪HH‬تي‬
‫تشوبها‪ .‬وقد كان ذلك أمرًا شبه مس‪HH‬تحيل‪ ،‬ل‪HH‬وال وج‪HH‬ود ع‪HH‬دد من علم‪HH‬اء اللغ‪HH‬ة ال‪HH‬ذين‬
‫رهن‪HH‬وا حي‪HH‬اتهم له‪HH‬ا‪ ،‬ومنهم‪ُ :‬يوس‪HH‬ف بن أبي بك‪HH‬ر بن محم‪HH‬د بن علي الس ‪َّH‬ك اكي‪ ،‬أب‪HH‬و‬
‫يعق‪HH‬وب س‪HH‬راج ال‪HH‬دين‪ ،‬ال‪HH‬ذي ول‪HH‬د في خ‪HH‬وارزم وت‪HH‬وفي فيه‪HH‬ا على األغلب‪ ،‬ولقب‬
‫بـ(السكاكي) نسبة إلى مهنة الِّسكاكة (الحدادة) التي ك‪HH‬انت تحترفه‪HH‬ا أس‪HH‬رته‪ ،‬إذ ك‪HH‬انت‬
‫تشتهر بصناعة السكك (المحاريث)‪ .‬يعد السكاكي من رجال البالغة في القرن السابع‬
‫الهجري‪ ،‬ولـه مصنفات شتى‪ ،‬منها‪« :‬كتاب الجمل»‪ ،‬وكتاب «التبيان» و«الطلس‪H‬م»‬
‫وهو باللغة الفارسية‪ ،‬وله «رسالة في علم المناظرة»‪ .‬أم‪HH‬ا ُغ َّر ة مؤلفات‪HH‬ه فه‪HH‬و كت‪HH‬اب‬
‫«مفتاح العلوم» الذي لم ُيطبع له سواه‪ .‬وقد قسم كتابه هذا إلى ثالث‪HH‬ة أقس‪HH‬ام رئيس‪HH‬ية؛‬
‫تحدث في القسم األول منه‪HH‬ا عن علم الص‪HH‬رف واالشتقاق‪ ،‬وخّص القس‪H‬م الث‪HH‬اني بعلم‬
‫النحو وموضوعاته‪ ،‬وجعل القسم الثالث لعلمي المعاني والبيان‪ ،‬ألحق بهما مبحثًا عن‬
‫الفصاحة والبالغة‪ ،‬وآخر عن فنون البديع بحسناته اللفظية والمعنوية‪ ،‬ثم وجد أن‪HH‬ه ال‬
‫غنى لدارس علم المعاني عن الوقوف على علوم المنطق والعروض والقوافي‪ ،‬فأفرد‬
‫لها مبحثين في نهاية كتابه‪ .‬لكن أس‪HH‬لوبه المت‪HH‬أثر بالفالس‪HH‬فة وشهرة الس‪HH‬كاكي ترج‪HH‬ع‪،‬‬
‫بالفعل‪ ،‬إلى القسم الثالث من كتابه الذي تن‪H‬اول في‪H‬ه عل‪H‬وم البالغ‪H‬ة‪ ،‬وص‪H‬اغ ذل‪H‬ك كل‪H‬ه‬
‫ص‪HH‬ياغة جدي‪HH‬دة اس‪HH‬تعان فيه‪HH‬ا بقدرت‪HH‬ه المنطقي‪HH‬ة على التجري‪HH‬د والتحدي‪HH‬د‪ ،‬والتفري‪HH‬ع‬
‫والتشعيب‪ ،‬والتعليل والتسبيب‪ ،‬وكانت محاولت‪HH‬ه من الدق‪HH‬ة والص‪HH‬رامة بحيث تح‪HH‬ولت‬
‫البالغة إلى مجموعة من القواعد الصارمة‪ ،‬والقوانين المحددة‪ .‬وقد نجح السكاكي في‬
‫اإلحاطة الكاملة باألقسام والفروع‪ ،‬غير أنه بذلك قد ض‪HH‬حى ب‪HH‬أهم م‪HH‬ا يم‪HH‬يز البالغ‪HH‬ة؛‬
‫‪19‬‬
‫وه‪HH‬و أنه‪HH‬ا علم جم‪HH‬الي يبحث عن قيم الجم‪HH‬ال واإلمت‪HH‬اع في العم‪HH‬ل األدبي‪ ،‬وب‪HH‬ذلك‬
‫انحرفت البالغة إلى طرق قادتها إلى الذبول والجفاف والجمود؛ فعمد من ج‪HH‬اء بع‪HH‬ده‬
‫إلى شرح مفتاحه ثم إلى تلخيص ه‪HH‬ذا المفت‪HH‬اح‪ ،‬ثم إلى تلخيص التلخيص‪ ،‬ثم إلى نظم‬
‫التلخيص شعرًا‪ ،‬ثم عادوا إلى شرح هذا النظم‪ ،‬وهك‪HH‬ذا تعق‪HH‬دت البالغ‪HH‬ة‪ ،‬وفق‪HH‬دت ذاك‬
‫الج‪HHHHHHHHHHHHHHHHHHHHH‬انب الجم‪HHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHH‬الي الف‪HHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHH‬ني فيه‪HHHHHHHHHHHHHHHHHHHHHH‬ا‪.‬‬
‫ويبقى الس‪HH‬كاكي من أب‪HH‬رز مؤسس‪HH‬ي عل‪HH‬وم البالغ‪HH‬ة العربي‪HH‬ة‪ ،‬وعَلم‪ًH‬ا من أعالمه‪HH‬ا في‬
‫الق‪HH‬رن الس‪HH‬ابع‪ ،‬ومن أوائ‪HH‬ل ال‪HH‬ذين قس‪HH‬موها إلى أنواعه‪HH‬ا المعروف‪HH‬ة‪.‬تكلمين وبمعجمهم‬
‫اللفظي جعل كتابه صعب التناول‪ ،‬ال سيما للمتلقي العادي‪.‬‬
‫االستعارة عند السكاكي‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪ :1_2‬تعريف االستعارة‪:‬‬

‫عالج السكاكي االستعارة في كتابه المس‪H‬مى (مفت‪H‬اح العل‪H‬وم) فق‪H‬د تناوله‪H‬ا بالبحـث والدراس‪H‬ة‬
‫تحت (علم البيان) في محاولة منه لفصل البحوث البالغية بعضها عـن بعـض وتصنيفها في‬
‫أبواب وأقسام‪ .‬وقد عرف االستعارة بقوله‪ ":‬وهي أن ت‪00‬ذكر أح‪00‬د ط‪00‬رفي التش‪00‬بيه وتري‪00‬د ب‪00‬ه‬
‫الطرف األخـر مدعيًا دخول المشبه في جنس المشبه به داًال على ذلك بإثباتـك للمـشبه مـا‬
‫يخـص المشبه به‪"1‬‬

‫فتطلق االس‪HH‬تعارة على اس‪HH‬تعمال المشبه ب‪HH‬ه في المشبه‪ ،‬فيس‪HH‬مى المشبه ب‪HH‬ه مس‪HH‬تعارا من‪HH‬ه‪،‬‬
‫والمشبه مسـتعارا لـه‪ ،‬واللفظ مستعارا‪.‬‬

‫ومن األمثلة التي استهل بها السكاكي لتفسير االستعارة هو قوله‪ :‬إّن المنية أنشبت أظفارها‪،‬‬
‫وأنت تريد بالمنية‪ :‬السبع‪ ،‬بإدعاء السبعية لها‪ ،‬وانكار أن تكون ش‪00‬يئا غ‪00‬ير الس‪00‬بع‪ ،‬فتثبت‬
‫لها ما يخص المش‪00‬به ب‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و اإلض‪00‬فار‪ .‬ويسمى ه‪HH‬ذا الن‪HH‬وع من المج‪HH‬از اس‪HH‬تعارة لمك‪HH‬ان‬
‫تناسب بينه وبين االستعارة"‪ .2‬ذكر لفظ (المنية) وهو المشّبه‪ ،‬وُأري‪َHH‬د ب‪HH‬ه لف‪HH‬ظ (الس‪HH‬بع)‬
‫وهو المشّبه به‪ .‬هو أْن يريد المتكِّلم المشّبه به (السبع) أمٌر منصوب علي‪HH‬ه قرين‪HH‬ة هي من‬
‫لوازم المشّبه به وم‪H‬ا ُينَس ُب إلي‪H‬ه وه‪H‬و (األظف‪H‬ار) في (أظفاره‪H‬ا) على طري‪H‬ق االس‪H‬تعارة‬
‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم‪ ،‬ص‪329‬‬
‫‪2‬‬
‫مفتاح العلوم‪ ،‬ص‪329‬‬

‫‪20‬‬
‫التخيلية‪ .‬يصبح لدينا استعارتان‪ :‬األولى في (المنية) ال‪HH‬تي ذك‪HH‬رت م‪HH‬راًد ا به‪HH‬ا (الس‪HH‬بع) ألّن ك‬
‫بنيت الكالم على المجاز اللغوي فافترضت عالقة مشابهٍة بين (المنية) و(الس‪H‬بع)‪ .‬واألخ‪H‬رى‬
‫في إسناد (األظفار) إلى ضمير (المني‪HH‬ة) ولكّن القرين‪HH‬ة ليس‪HH‬ت من ل‪HH‬وازم (المني‪HH‬ة) فال توج‪HH‬د‬
‫منّي ة مجَّس َد ٌة‪ ،‬لكّن ه‪HH‬ذه القرين‪HH‬ة تشير إلى أَّن الكالم (وإذا المني‪HH‬ة أنشبت أظفاره‪HH‬ا) على‬
‫مستويين‪:‬‬

‫المستوى األول حقيقي‪ ،‬وبناء عبارته هو‪:‬‬

‫السبع ينشب مخالبه في الحّي فيغتال نفسه قهًر ا وغلبة‪.‬‬

‫المستوى الثاني مجازي‪ ،‬وبناء عبارته هو‪:‬‬

‫المنية تنشب مخالبها في الحّي فتغتال نفسه قهًر ا وغلبة‪ - .‬عند السّك اكّي نحن ذكرنا (المنّي ة)‬
‫مجاًز ا لكننا حقيقة كّن ا نريد (السبع) وقد قمنا من أجل بناء الخطاب باختيار لفظ (المنّية) بدال‬
‫من الس‪HH‬بع ليس‪HH‬توفي الخط‪HH‬اب بالغت‪HH‬ه وبيان‪HH‬ه باالختي‪HH‬ار لأللف‪HH‬اظ ال ب‪HH‬النظم وال‪HH‬تركيب؛ ألنن‪HH‬ا‬
‫نستعير لفًظ ا من مجال لنوظفه في مجاٍل آخر ال على أّن هذا اللفظ تغّي رت حقيقت‪HH‬ه ب‪HH‬ل ألّن ن‪HH‬ا‬
‫ن‪HH‬درك حقيقت‪HH‬ه ال‪HH‬تي ال تجس‪HH‬يم له‪HH‬ا‪ ،‬فص‪HH‬رفنا الكالم على مقتض‪HH‬ى الحقيق‪HH‬ة ال‪HH‬تي ن‪HH‬درك أّن ه‪HH‬ا‬
‫مجسمة وهي (السبع)‪.‬‬

‫‪ 2__2‬أقسام االستعارة عند السكاكي‪:‬‬

‫االستعارة التصريحية (التحقيقية والتخيلية والمحتملة لهما)‬ ‫أ‪.‬‬


‫يصّر ح السكاكي إلى أن االستعارة تنقسم إلى قسمين كبيرين هما‪ :‬مصّر ح بها ومك‪00‬ني عنه‪00‬ا‬
‫يقول ي شأنهما‪ :‬والمراد من األول ان يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه‪ .‬هو المشبه‬
‫‪1‬‬
‫به؛ والمراد بالثاني أن يكون الطرف المذكور هو المشبه"‬

‫والمصرح بها هي نفسها تنقسم إلى" تحقيقية وتخييليه" ثم تنقسم كل واحدة منهما إلى قطعي‪HH‬ة‬
‫" وهي أن يكون المشبه المتروك متعين الحمل على ما له تحقق حسي أو عقلي أو ما تحق‪HH‬ق‬

‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم ص‪343‬‬

‫‪21‬‬
‫له البتة إال في الوهم ‪ "2‬وإلى احتمالية «وهي أن يكون المشبه المتروك ص‪HH‬الح الحم‪HH‬ل ت‪HH‬ارة‬
‫‪2‬‬
‫على ما له تحقق وأخرى على ما ال تحقق له"‬

‫‪ ‬يقصد بالتحقيقية ‪ ،‬هنا ما كان المستعار له فيها محققا حس أو عقال بأن كان اللفظ منق‪HH‬وال‬
‫إلى أمر معلوم يمكن اإلشارة إليه إشارة حسية‪ ،‬أو عقلية‪ ،‬فاألولى كقول زهير في معلقته‬
‫يمدح حصين بن ضمضم‪:‬‬

‫لدى أسد شاكي السالح مقذف ‪ ...‬له لبد أظافره لم تقلم‬

‫الثاني نحو «اْه ِد َن ا الِّص َر اَط اْلُمْس َت ِقيَم "‪ ،‬فقد اس‪HH‬تعير في األول األس‪HH‬د للرج‪HH‬ل الشجاع‪ ،‬وه‪HH‬و‬
‫محقق حسا‪ ،‬وفي الثاني الصراط لملمة اإلسالم‪ ،‬وهي محققة عقال‪.‬‬

‫أما التخيلية‪ ،‬وهي ما كان المستعار ل‪H‬ه فيه‪H‬ا غ‪H‬ير محق‪H‬ق ال حس‪H‬ا وال عقال ب‪H‬ل ه‪H‬و ص‪H‬ورة‬
‫وهمية محصنة ال يشوبها شيء من التحقيق نحو قول الهذلي‪:‬‬

‫وإذا المنية أنشبت أظفارها ‪ ...‬ألفيت كل تميمة ال تنفع‬

‫فإنه لما شبه المنية بالسبع في االغتي‪HH‬ال أخ‪HH‬ذ ال‪HH‬وهم يص‪HH‬ور المني‪HH‬ة بص‪HH‬ورة الس‪HH‬بع ويخ‪HH‬ترع‬
‫لوازمه لها ف‪H‬اخترع له‪H‬ا مث‪H‬ل ص‪H‬ورة األظف‪H‬ار‪ ،‬ثم أطل‪H‬ق على ه‪H‬ذه الص‪H‬ورة لف‪H‬ظ األظف‪H‬ار‪،‬‬
‫فتكون األظف‪HH‬ار عن‪HH‬ده تص‪HH‬ريحية تخيلي‪HH‬ة؛ ألن المس‪H‬تعار ل‪HH‬ه األظف‪HH‬ار ص‪HH‬ورة وهمي‪HH‬ة شبيهة‬
‫بصورة األظف‪HH‬ار الحقيقي‪HH‬ة‪ ،‬وقرينته‪HH‬ا إض‪HH‬افتها إلى المني‪HH‬ة‪ ،‬والتخيلي‪HH‬ة عن‪HH‬ده ق‪HH‬د تك‪HH‬ون ب‪HH‬دون‬
‫استعارة بالكناية كقولك‪ :‬أظفار المني‪HH‬ة الشبيهة بالس‪HH‬بع قتلت فالن‪HH‬ا‪ ،‬فق‪HH‬د ص‪HH‬رح بالتشبيه فال‬
‫مكنية في المنية مع كون االستعارة في االستعارة تخيلية‪ .‬ويعرف‪HH‬ا الس‪HH‬كاكي بقول‪HH‬ه‪ " :‬هي أن‬
‫تسمي باسم صورة متحققة‪ ،‬صورة عندك وهمية محضة تقدها مشابهة لها‪ ،‬مفردا في الذكر‪،‬‬
‫في ضمن قرينة مانعة عن حم‪HH‬ل الس‪HH‬م على م‪HH‬ا يس‪HH‬بق عن‪HH‬ه إلى الفهم من ك‪HH‬ون مس‪HH‬ماه شيئا‬
‫متحققا‪"3‬‬

‫‪1‬‬
‫ن‪.‬م ص‪343‬‬
‫‪2‬‬
‫ن‪.‬م ‪343‬‬
‫‪3‬‬
‫العلوم‪ ،‬ص ‪ 342‬مفتاح‬

‫‪22‬‬
‫‪ ‬والنوع األخير هي المحتملة للتحقيق والتخييل‪ ،‬يعرفها السكاكي بقوله‪ :‬أن يكون المشبه‬
‫المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه وعلى ما ال تحقق له من وجه آخر‪"1‬‬

‫ْل‬ ‫َأ‬
‫فقد يجتمع التحقي‪HH‬ق والتخيي‪HH‬ل في االس‪HH‬تعارة كم‪HH‬ا في قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى" َف ذاَقَه ا ُهَّللا ِلب‪HH‬اَس ا ُج وِع‬
‫واْل َخ ْو ِف‌‪"2‬والظاهر من ه‪HH‬ذه االس‪HH‬تعارة ه‪HH‬و التخيي‪HH‬ل ألّن هّللا ‪-‬تع‪HH‬الى‪-‬لم‪HH‬ا ابتالهم لكف‪HH‬رهم‬
‫باتصال هاتين البليتين‪ ،‬ولما استعار اللباس ههنا مبالغ‪HH‬ة في االشتمال عليهم أخ‪HH‬ذ ال‪HH‬وهم في‬
‫تصوير ما للمستعار منه من التغطية والستر واالسترسال رعاية لمزيد البيان في ذلك‪ .‬وإن‬
‫جعلت من باب التحقيق فهو أّن ما يرى على االنسان عند شدة الخوف والجوع‌‪.‬‬

‫ب‪-‬االستعارة المكنية‪:‬‬
‫تعرف االستعارة المكنية بكونها يحذف فيه‪HH‬ا المشبه ب‪HH‬ه ويرم‪HH‬ز ل‪HH‬ه بشيء يتعل‪HH‬ق ب‪HH‬ه‬
‫أي إذا حذفنا المشبه به (الركن الثاني) وأتينا بصفة من ص‪H‬فاته ترم‪H‬ز إلي‪H‬ه أو بالزم‪H‬ة‬
‫من لوازمه مثل‪:‬‬
‫"مات األمل" إذ ُش به األمل بإنسان يموت وتم حذف المشبه به وٌرم‪HH‬ز إلي‪HH‬ه بشيء من‬
‫لوازمه أي معنى يدل عليه على سبيل االستعارة المكنية‪.‬‬
‫أما السكاكي فيتخذ منها موقفا مضطربا‪ ،‬فهي عنده «أن تذكر المشبه وتريد به المشبه‬
‫به داال على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي أن تنسب إليه وتضيف من لوازم المشبه‬
‫به المساوية مث‪HH‬ل أن تشبه المني‪HH‬ة بالس‪HH‬بع ثم تفرده‪HH‬ا بال‪HH‬ذكر مض‪HH‬يفا إليه‪HH‬ا على س‪HH‬بيل‬
‫االستعارة التخيلي‪H‬ة من ل‪H‬وازم المشبه ب‪H‬ه م‪H‬ا ال يك‪H‬ون إّال ل‪H‬ه ليك‪H‬ون قرين‪H‬ة دال‪H‬ة على‬
‫المراد‪ .‬فنقول مخالب المنية نشبت بفالن طاوي‪H‬ا ل‪H‬ذكر المشبه ب‪H‬ه وه‪H‬و قول‪H‬ك الشبيه‬
‫بالسبع‪ ....‬وقد ظهر أن االستعارة بالكناية ال تنفك عن االستعارة التخيلية‪"3‬‬
‫إن المشبه ال يمكن أن يكون مجازيا معنا بمع‪HH‬نى أن ه‪HH‬ذه الكلم‪HH‬ة ال يمكن ال أن تك‪HH‬ون‬
‫اصطالحية وضعية في داللتها‪ .‬أما الكلم‪HH‬ة ال‪HH‬تي بع‪HH‬د المشبه أي المس‪HH‬تعار ل‪HH‬ه وال‪HH‬تي‬
‫تعتبر من لوازم المشبه به المستعار منه فهي المجازية في الحقيق‪HH‬ة‪ .‬والس‪HH‬كاكي ي‪HH‬زعم‬
‫أن صفة المشبه قرينة دالة أن المشبه مجازي مع أن العكس هو الصحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ن‪.‬م ص ‪344‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة النحل اآلية ‪112‬‬
‫‪3‬‬
‫مفتاح العلوم‬

‫‪23‬‬
‫فبمجرد القول هذا مشبه فهو يعني حتما أن‪H‬ه مس‪H‬تعمل في معن‪H‬اه الحقيقي وه‪H‬و بالت‪H‬الي‬
‫قرينة الكلمة المجازية‪ .‬والسكاكي يجعل هذه قرين‪HH‬ة والقرين‪HH‬ة تع‪HH‬ني الكلم‪HH‬ة المس‪HH‬تعملة‬
‫استعماال حقيقيا وضعيا وهي تكون مجاورة للكلمة المجازية دالة علي‪HH‬ه‪ .‬وه‪HH‬و ال يق‪HH‬ف‬
‫عند هذا الحّد إذ أنه يسارع فيقول" بأن نسبة هذه الصفة إلى المشبه اس‪HH‬تعارة تخيلي‪HH‬ة"‬
‫فالحكم بالقرينة يناقض الحكم باالستعارة أي المجازية‪ .‬وهذا كله تحمل إذ كي‪HH‬ف يمكن‬
‫أن تتجاوز استعارتان مع ان االستعارة بتعري‪HH‬ف الس‪HH‬كاكي نفس‪HH‬ه اس‪HH‬تعمال الكلم‪HH‬ة في‬
‫غير موضعها لعالقة هي المشابهة مع قرين‪HH‬ة مانع‪HH‬ة من أراد المع‪HH‬نى األص‪HH‬لي‪ .‬وه‪HH‬ذه‬
‫القرينة هي اللفظة أو األلفاظ المستعملة استعماال حقيقيا وال‪HH‬تي بفض‪HH‬لها ن‪HH‬ؤول المج‪HH‬از‬
‫حّت ى تنسجم مع باقي السلسلة الكالمية‪ .‬وهذا التأوي‪HH‬ل ال‪HH‬ذي يخض‪HH‬ع ل‪HH‬ه المج‪HH‬از تأوي‪HH‬ل‬
‫ألجل اخضاع هذه الكلمة للقرينة أو لمعناه‪ .‬حينئذ يستعيد الخطاب وحدته الدالل‪HH‬ة‪ .‬أم‪HH‬ا‬
‫أن تتجاوز استعارتان فان الخطاب يفقد ضفة التواصلية ويصبح ركاما من الكلمات‪.‬‬
‫الواقع أن جملة مثل" المنية انشبت أظفارها" إذ نسينا مؤقتا ما يقوله الس‪HH‬كاكي تحتم‪HH‬ل‬
‫قرينتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن نعتبر المنية هي القرين‪HH‬ة وس‪HH‬تكون من حيث المع‪HH‬نى اص‪HH‬طالحية وض‪HH‬عية‬
‫وهي المشبه أو المستعار له‪ .‬أما أنشبت أظافرها فستكون مجازا لوجود كلم‪H‬ة قبله‪H‬ا ال‬
‫تنسجم معها من حيث الداللة‪ .‬فهي إذن استعارة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن نعتبر المنية هي مجازا وانشبت أظافرها هي قرينة‪ .‬في هي الحالة سيكون‬
‫الحيوان هو المشبه والمنية هي المشبه به (المستعار له والمس‪HH‬تعار من‪HH‬ه) حينئ‪HH‬ذ نق‪HH‬ول‬
‫إن القرينة ال تحمل أي تأويل بكل ببساطة لكونه قرينة‪ .‬هل يقف االمر عند ه‪HH‬ذا الح‪HH‬د‬
‫طبعا ال فالسلسلة الكالمية أصابها خلل ما وال يمكن نفيه اال بتغيير يعيد االنس‪HH‬جام ذي‬
‫المفقود‪ ,‬ومادامت القرينة ثابتة فإن المج‪HH‬از ه‪HH‬و ال‪HH‬ذي يخض‪HH‬ع للتغي‪HH‬ير ال ‪ّH‬ذ ي يجب أن‬
‫يكون في اتجاه اس‪H‬تعاد المع‪H‬نى بالنس‪H‬بة للجمل‪H‬ة كك‪H‬ل وه‪H‬ذا يق‪H‬ود حتم‪H‬ا إلى الخض‪H‬وع‬
‫للقرينة بمعنى ان المجاز يجب أن يؤول حّت ى يصل اتفاق مع الجزء الثابت وهذا يعني‬
‫تأويل المنية باألسد أو ما هو قريب منه‪ .‬ونحن هنا أم‪H‬ام القرين‪H‬ة أي أم‪H‬ام ال‪H‬دال ال‪ّH‬ذ ي‬
‫أثبت وجوده بشكل حسي ال سبيل إلى نفيه إطالقا‪ .‬ومدام األم‪HH‬ر ك‪HH‬ذلك فنحن نف‪HH‬ترض‬

‫‪24‬‬
‫لهذا الدال مدلول آخر غير أصلي وهو مدلول الحيوان هذا المدلول األخ‪HH‬ير ه‪HH‬و ال ‪ّH‬ذ ي‬
‫ينقد الجملة‪ .‬وذلك هو نفسه التالزم في المعاني ال‪HH‬تي ذكره‪HH‬ا الس‪HH‬كاكي في مدخل‪HH‬ه إلى‬
‫البيان لكنه لم يحترمه‪ .‬هكذا سنكون قد عالجنا المسألة بنفس مف‪HH‬اهيم الس‪HH‬كاكي األولي‪HH‬ة‬
‫وهذا ما ك‪HH‬ان باس‪HH‬تطاعته الس‪HH‬كاكي أن يفعل‪HH‬ه‪ .‬ه‪HH‬ذا كل‪HH‬ه يتعل‪HH‬ق باالس‪HH‬تعارة المكني‪HH‬ة او‬
‫بالجملة السابقة "المنية انشبت أظافرها" كيف يمكن تصنيفها ضمن االحتمال األول أو‬
‫الثاني إن ذلك ال يمكن ان يتحقق اال بتجاوز إطار الجملة على الّن ص وبتجاوز الجملة‬
‫والنّص إلى الواقع‪ .‬إن الجملة وحدها ستبقى مضللة مبهمة ما لم تخترق ج‪HH‬دارها نح‪HH‬و‬
‫النّص ككل أو الواقع‪ .‬فهذه الجملة إذا تلفظت في حديق‪HH‬ة حيوان‪HH‬ات انفلت أح‪HH‬د أس‪HH‬ودها‬
‫من الشباك سيكون لفظ المنية هو المجاز وانشبت أظافرها هي القرينة‪ .‬وإم‪HH‬ا إذا تلف‪HH‬ظ‬
‫بها مريض على فراش الموت فإن المنية ستكون حقيقة وانشبت أظافرها هي المجاز‪.‬‬
‫ج‪-‬االستعارة المرشحة والمجردة‪:‬‬
‫يقصد باالستعارة المرشحة هي تلك التي تتبعها بعد أن تتوفر على االستعارة وقرين‪HH‬ة‬
‫بما يالئم المستعار منه مثل" ساورت أس‪HH‬دا هص‪HH‬ورا عظيم اللب‪HH‬دتين وج‪HH‬اورت بح‪HH‬را‬
‫زاخرا ال يزال تتالطم امواجه‪ "1‬والمجردة أن تذكر بع‪HH‬د االس‪HH‬تعارة وقرينته‪HH‬ا م‪HH‬ا‬
‫يالئم المستعار له مثل " ساورت أسدا شاكي السالح طويل القناة وحاورت بح‪HH‬را م‪HH‬ا‬
‫أعظم علومه وأجمعه للحقائق‪"2‬‬
‫فالمرشحة هي التي تقترن بما يالئم المستعار منه‪ ،‬كما تقول‪ :‬رأيت في المي‪H‬دان أس‪ًH‬د ا‬
‫دامي األنياب طويل البراثن‪ ،‬وكما قال كثير عزة‪:‬‬
‫رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ‪ ...‬ظواهر جلدي وهو للقب جارح‪١‬‬
‫فقد استعار السهم للنظر بجامع التأثير في كل ثم رشح االستعارة بذكر الريش المالئم‬
‫للسهم‪ ،‬وكما قال ابن هانئ المغربي‪:‬‬
‫وجنيتم ثم الوقائع يانعا ‪ ...‬بالنصر من ورق الحديد األخضر‬

‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم ص‪345‬‬
‫‪2‬‬
‫ن م‪ .‬ص‪345‬‬

‫‪25‬‬
‫والمجردة هي التي تق‪H‬ترن بم‪H‬ا يالئم المس‪H‬تعار ل‪H‬ه كم‪H‬ا تق‪H‬ول‪ :‬رأيت أس‪ًH‬د ا في حوم‪H‬ة‬
‫الوغى يجندل األبطال بنصله ويشك الفرسان برمحه‪ ،‬وكما قال كثير يم‪HH‬دح عم‪HH‬ر بن‬
‫عبد العزيز‪:‬‬
‫غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ‪ ...‬غلقت لضحكته رقاب المال‬
‫فقد استعار الرداء للمعروف؛ ألنه يصون عرضه كما يص‪HH‬ون ال‪HH‬رداء م‪HH‬ا يلقى علي‪HH‬ه‬
‫من مكروه والقرين‪H‬ة تتم‪H‬ة ال‪H‬بيت‪ ،‬ثم وص‪H‬فه ب‪H‬الغمر ال‪H‬ذي ه‪H‬و وص‪H‬ف للمع‪H‬روف ال‬
‫للرداء على سبيل التجريد‪.‬‬
‫د‪-‬االستعارة األصلية والتبعية‪:‬‬
‫‪ ‬االستعارة األصلية‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫"هي أن يكون المستعار اسم جنس"‬
‫أي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق‪.‬‬
‫مثال ذلك لفظة «كوكبا» في قول التهامي الشاعر راثيا ابنا صغيرا له‪:‬‬
‫يا «كوكبا» ما كان أقصر عمره … وكذاك عمر كواكب األسحار‬
‫ففي إجراء هذه االستعارة يقال‪ :‬شبه االبن «بالكوكب» بجامع صغر الجسم وعلو الشأن‬
‫في كل‪ ،‬ثم استعير اللفظ الدال على المشبه ب‪HH‬ه «الك‪HH‬وكب» للمشبه «االبن» على س‪HH‬بيل‬
‫االستعارة التصريحية‪ ،‬وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به‪ .‬والقرينة نداؤها‬
‫وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الكوكب» رأيناه اسما جامدا غير مشتق‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫يسمى هذا النوع من االستعارة «استعارة أصلية>>‬
‫ومثاله أيضا لفظة «القيان» في قول الشاعر‪:‬‬
‫حول أعشاشها على األشجار … قد سمعن «القيان» وهي تغني‬
‫وفي إجراء هذه االستعارة أيضا يقال‪ :‬شبهت الطيور المغ‪HH‬ردة على األشجار «بالقي‪HH‬ان»‬
‫أي المغني‪HH‬ات بج‪HH‬امع حس‪HH‬ن الص‪HH‬وت في ك‪HH‬ل‪ ،‬ثم اس‪HH‬تعير اللف‪HH‬ظ ال‪HH‬دال على المشبه ب‪HH‬ه‬
‫«القي‪HH‬ان» للمشبه «الطي‪HH‬ور» على س‪HH‬بيل االس‪HH‬تعارة التص‪HH‬ريحية‪ ،‬والقرين‪HH‬ة المانع‪HH‬ة من‬
‫إرادة المعنى األصلي قوله‪« :‬حول أعشاشها على األشجار»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم ص‪340‬‬

‫‪26‬‬
‫وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «القيان» جمع قينة رأيناه اسما جامدا غير مشتق‪ .‬وله‪HH‬ذا‬
‫يسمى هذا النوع من االستعارة التي يك‪H‬ون فيه‪H‬ا اللف‪H‬ظ المس‪H‬تعار اس‪H‬ما جام‪H‬دا «اس‪H‬تعارة‬
‫أصلية»‪.‬‬
‫ومن االستعارة األصلية كذلك لفظة «حديقة» في قول المتنبي‪:‬‬
‫حملت إليه من لساني «حديقة» … سقاها الحجا سقي الرياض السحائب‬
‫فاالستعارة هنا في لفظة «حديقة»‪ ،‬وفي إجراء االستعارة يقال‪ :‬شبه الشعر «بالحديقة»‬
‫بج‪HH‬امع الجم‪HH‬ال في ك‪HH‬ل‪ ،‬ثم اس‪HH‬تعير اللف‪HH‬ظ ال‪HH‬دال على المشبه ب‪HH‬ه «الحديق‪HH‬ة» للمشبه‬
‫«الشعر» على س‪HH‬بيل االس‪HH‬تعارة التص‪HH‬ريحية‪ ،‬وذل‪HH‬ك للتص‪HH‬ريح فيه‪HH‬ا بلف‪HH‬ظ المشبه ب‪HH‬ه‪.‬‬
‫والقرينة «من لساني وسقاها الحجا»‪.‬‬
‫وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الحديقة» رأين‪HH‬اه ك‪HH‬ذلك اس‪HH‬ما جام‪HH‬دا غ‪HH‬ير مشتق‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك تسمى «استعارة أصلية»‪.‬‬
‫ومن إجراء ه‪H‬ذه االس‪H‬تعارات وتحليله‪H‬ا يتجلى لن‪H‬ا أم‪H‬ران‪ :‬األول أن‪H‬ه ق‪H‬د ص‪H‬رح في ك‪H‬ل‬
‫استعارة بلفظ المشبه به‪ ،‬ولهذا‬
‫تس‪HH‬مى االس‪HH‬تعارة «تص‪HH‬ريحية»‪ ،‬والث‪HH‬اني أن اللف‪HH‬ظ المس‪HH‬تعار اس‪HH‬م جام‪HH‬د غ‪HH‬ير مشتق‪،‬‬
‫وبسبب ذلك تسمى االستعارة «أصلية»‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك تسمى هذه االستعارات وأمثالها مم‪HH‬ا يت‪HH‬وافر ل‪HH‬ه ه‪HH‬ذا األم‪HH‬ر أن «اس‪HH‬تعارة‬
‫تصريحية أصلية»‪.‬‬
‫‪ ‬االستعارة التبعية‪:‬‬
‫"هي ما وقع في غير أسماء األجناس كاألفعال والصفات المشتقة منها كالحروف‪"1‬‬

‫وهي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه االستعارة اسما مشتقا أو فعال‪.‬‬

‫مثال ذلك لفظة «سكت» من قوله تعالى‪ :‬ولم&&ا س&كت عن موس&ى الغض&&ب أخ&ذ األل&&واح وفي‬
‫نسختها هدى ورحمة‪.‬‬

‫ففي هذه اآلية الكريمة استعارة تصريحية‪ ،‬وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به‪ ،‬وفي إجرائه&&ا‬
‫نقول‪ :‬شبه انتهاء الغضب عن موسى «بالس&كوت» بج&امع اله&دوء في ك&ل‪ ،‬ثم اس&تعير اللف&ظ‬
‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم ص ‪340‬‬

‫‪27‬‬
‫ال&&دال على المش&&به ب&&ه وه&&و «الس&&كوت» للمش&&به وه&&و «انته&&اء الغض&&ب»‪ ،‬ثم اش&&تق من‬
‫«السكوت» بمعنى انتهاء الغضب «سكت» الفعل بمعنى انتهى‪.‬‬

‫ومثاله&&ا أيض&&ا لفظ&&ة «ع&&انقت» في ق&&ول البح&&تري يص&&ف قص&&را‪ :‬مألت جوانب&&ه الفض&&اء‬
‫وع&&انقت … ش&&رفاته قط&&ع الس&&حاب الممط&&ر‪ .‬ففي ه&&ذا ال&&بيت اس&&تعارة تص&&ريحية‪ ،‬وذل&&ك‬
‫للتصريح فيها بلفظ المشبه به‪ ،‬واللفظ المستعار ه&&و فع&&ل «ع&&انقت»‪ ،‬وفي إج&&راء االس&&تعارة‬
‫نقول‪:‬‬

‫شبهت المالمسة «بالمعانقة» بجامع االتصال في كل‪ ،‬ثم استعير اللف&&ظ ال&&دال على المش&&به ب&&ه‬
‫وهو «المعانقة» للمشبه وهو «المالمسة»‪ ،‬ثم اش&&تق من «المعانق&&ة» بمع&&نى المالمس&&ة الفع&&ل‬
‫«ع&&انقت» بمع&&نى المس&&ت‪ .‬والقرين&&ة ال&&تي تمن&&ع من إرادة المع&&نى األص&&لي لفظي&&ة وهي‬
‫«شرفاته»‪.‬‬

‫ومن أمثلتها كذلك لفظ «لبس» من قول ابن الرومي‪:‬‬

‫بلد صحبت به الشبيبة والصبا … ولبست ثوب اللهو وهو جديد‬

‫ففي لفظة «لبس» أوال اس&&تعارة تص&&ريحية‪ ،‬وذل&&ك للتص&&ريح فيه&&ا بلف&&ظ المش&&به ب&&ه‪ ،‬واللف&&ظ‬
‫المستعار هنا هو فعل «لبس»‪ ،‬وفي إجراء االستعارة نقول‪ :‬شبه فيها التمتع باللهو «ب&&اللبس»‬
‫للثوب الجديد بجامع السرور في كل‪ ،‬ثم اس&&تعير اللف&&ظ ال&&دال على المش&&به ب&&ه وه&&و «اللبس»‬
‫للمشبه وهو التمتع باللهو‪ ،‬ثم اش&تق من «اللبس» الفع&ل «لبس» بمع&نى تمت&ع‪ .‬والقرين&ة ال&تي‬
‫تمنع من إرادة المعنى األصلي لفظية وهي «ثوب اللهو»‪.‬‬

‫وإذا وازنا بين إجراء االستعارات الثالث األخيرة وإجراء االستعارات الثالث األولى‪ ،‬رأين&&ا‬
‫أن اإلجراء هنا ال ينتهي عند اس&&تعارة المش&&به ب&&ه للمش&&به كم&&ا انتهى في االس&&تعارات الثالث‬
‫األولى‪ ،‬بل يزيد عمال آخر‪ ،‬وهو اشتقاق كلمة من المشبه به‪ ،‬وأن ألفاظ االستعارة هنا مش&&تقة‬
‫ال جامدة‪ .‬وهذا النوع من االستعارة يس&&مى «باالس&&تعارة التبعي&&ة»‪ ،‬ألن جريانه&&ا في المش&&تق‬
‫كان تابعا لجريانها في المصدر‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وإذا رجعن&&ا إلى المث&&ال األول من األمثل&&ة الثالث&&ة األخ&&يرة وه&&و «ولم&&ا س&&كت عن موس&&ى‬
‫الغضب» فإننا نرى أنه يجوز أن يشبه «الغضب» بإنسان‪ ،‬ثم يح&&ذف المش&&به ب&&ه «اإلنس&&ان»‬
‫ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «سكت»‪ ،‬فتكون في «الغضب» استعارة «مكنية»‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إلى المثال الثاني منها وهو «وعانقت شرفاته قطع السحاب الممط&&ر» فإنن&&ا ن&&رى‬
‫أنه يجوز أيضا أن تشبه «شرفات القصر» بإنس&ان ثم يح&ذف المش&به ب&ه «اإلنس&ان» ويرم&ز‬
‫إليه بشيء من لوازمه وهو «عانقت»‪ ،‬فتكون في «شرفاته» استعارة «مكنية»‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إلى المثال الثالث واألخير منها وهو «ولبست ثوب الله&&و» فإنن&&ا ن&&رى ك&&ذلك أن&&ه‬
‫يجوز أن يشبه «اللهو» بإنسان له ثوب أعاره الشاعر ثم يحذف المش&&به ب&&ه وه&&و «اإلنس&&ان»‬
‫ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «الثوب»‪.‬‬

‫ومن ذلك نرى أن كل استعارة «تبعية» يصح أن يكون في قرينته&&ا اس&&تعارة «مكني&&ة»‪ ،‬غ&&ير‬
‫أنه ال يجوز لنا إجراء االستعارة إال في واحدة منهما ال في كلتيهما معا‪.‬‬

‫‪ 3-3‬شروط االستعارة‪:‬‬

‫بعد أن عّد د السكاكي أقس‪H‬ام االس‪H‬تعارة وبّينه‪H‬ا ك‪H‬ان ب‪ّH‬د ا أن يتط‪ّH‬ر ق إلى شروطها ولع‪H‬ل أهم‬
‫شرط رّك ز عليه السكاكي هو عدم اإليغ‪HH‬ال في الغم‪HH‬وض في تشبيه المس‪H‬تعار بالمس‪H‬تعار ل‪HH‬ه‬
‫فيقول في هذا الشأن" رعاية جهات حسن التشبيه ال‪HH‬ذي س‪HH‬بق ذكره‪HH‬ا في األص‪HH‬ل األول بين‬
‫المستعار له والمستعار منه في االس‪HH‬تعارة بالتص‪HH‬ريح الحقيق‪HH‬ة‪ ،‬و االس‪HH‬تعارة بالكناي‪HH‬ة وإن ال‬
‫تشمها في كالمك من جانب اللفظ رائحة من التشبيه ولذلك نوصي في االستعارة بالتصريح‬
‫أن يكون الشبه بين المستعار له و المستعار من‪HH‬ه جلي‪HH‬ا بنفس‪HH‬ه أو معروف‪HH‬ا س‪HH‬ائرا بين االق‪HH‬وام‬
‫وإّال خرجت االستعارة عن كونها استعارة و دخلت في باب التعمية و األلغاز"‪|1‬‬

‫فاالس‪H‬تعارة عن‪H‬د الع‪H‬رب ض‪H‬رب من المج‪H‬از اللغ‪H‬وي عالقت‪H‬ه المشابهة دائم‪H‬ا بـين المعنـى‬
‫الحقيقـي والمعنـى المجازي ومن التداخل بين الفنون‪ ،‬التداخل بين المجاز واالستعارة‪ ،‬لكون‬
‫المجاز أعم من االستعارة‪ ،‬وكـون االستعارة جزء من‪HH‬ه وهي في حقيقته‪HH‬ا تشبيه ح‪HH‬ذف أح‪HH‬د‬
‫طرفي وتطلق االستعارة على استعمال المشبه ب‪H‬ه في المشبه‪ ،‬فيس‪H‬مى المشبه ب‪H‬ه مس‪H‬تعارا‬
‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم ص ‪344‬‬

‫‪29‬‬
‫من‪HH‬ه‪ ،‬والمشبه مسـتعارا لـه‪ ،‬وللف‪HH‬ظ مس‪HH‬تعارا‪ .‬وق‪HH‬د بحث البالغي‪HH‬ون العالق‪HH‬ة بين التشبيه‬
‫واالس‪HH‬تعارة بتفص‪HH‬يل‪ ،‬ووص‪HH‬لوا في بح‪HH‬وثهم إلى ح‪HH‬د اإليغـال‪ ،‬وبهـذا أرادوا التوص‪HH‬ل إلى‬
‫الخيط الفاصل بين االثنين‪ ،‬على أن الذي يجلي األمر في هذه الحالة ه‪HH‬و التط‪HH‬بيق‪ ،‬وتس‪HH‬اوق‬
‫المعنـى في بناء العبارة األدبية‪ ،‬فما صرح به الشاعر باألداة فهو تشبيه ال محالة‪ ،‬وم‪HH‬ا أبع‪HH‬د‬
‫األمر في رأياه إذا انتقل المعنى من حالة معنوية إلى حالة حسية‪ ،‬وخفي الم‪HH‬دلول التشبيهي‪،‬‬
‫ومن ثم يبرز لنا إيحاء المعنى الداللي لأللفـاظ‪ ،‬ونسـتطيع ب‪HH‬إدراك الص‪HH‬ورة أن نح‪HH‬دد أبع‪HH‬اد‬
‫االستعارة‪.‬‬

‫‪ 3-4‬أنواع االستعارة‪:‬‬
‫ثم إن االستعارة باعتبار حسية وعقلية طرفي المستعار منه والمستعار ل‪HH‬ه ت‪HH‬أتي على خمس‪HH‬ة‬
‫أنحاء‪.‬‬
‫أولها‪ :‬استعارة محسوس لمحسوس بوجه شبه محس‪HH‬وس‪ ،‬ق‪HH‬ول هللا تع‪HH‬الى مثاًل ‪َ{ :‬ف َأْخ َر َج َلُهْم‬
‫ِع ْج اًل َج َس ًد ا َلُه ُخ َو اٌر ‪( }1‬طه‪ )٨٨ :‬حيث استعير لفظ العجل من الحيوان المخص‪HH‬وص للص‪HH‬نم‬
‫الذي صنعه السامري من الذهب‪ ،‬بجامع الشكل والصوت في كٍّل‪ ،‬والمستعار له والمستعار‬
‫منه‪ ،‬ووجه الشبه كله‪HH‬ا من المحسوس‪H‬ات‪ .‬من ذل‪HH‬ك أيًض ا قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى‪َ{ :‬ت َر ْك َن ا َب ْع َض ُهْم‬
‫‪( }2‬الكه‪HH‬ف‪ )٩٩:‬ق‪HH‬د اس‪HH‬تعير الم‪HH‬وج وه‪HH‬و حرك‪HH‬ة م‪HH‬اء البح‪HH‬ر‬ ‫َي ْو َمِئ ٍذ َي ُم وُج ِفي َب ْع ٍض‬
‫واضطرابه لحركة الخالئق المجتمعة يوم البعث‪ ،‬بجامع م‪HH‬ا في ك‪ٍّHH‬ل من اض‪HH‬طراب وحرك‪HH‬ة‬
‫مشاهدة‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله تعالى‪َ{ :‬و اْش َت َع َل الَّر ْأُس َش ْيًبا‪( }3‬مريم‪ )٤ :‬حيث اس‪HH‬تعير شواظ الن‪HH‬ار للشيب‬
‫بجامع البياض واإلنارة‪ ،‬ثم ُح ذف المس‪HH‬تعار من‪HH‬ه أي‪ :‬المشبه ب‪HH‬ه وُرم‪HH‬ز ل‪HH‬ه بالزم من‬
‫لوازمه‪ ،‬وهو االشتعال على طريق االستعارة المكنية‪.‬‬
‫وبذا يكون قد شبه الشيب بشواظ النار بجامع البياض واإلنارة في ك‪ٍّHH‬ل‪ ،‬ثم ح‪HH‬ذف المشبه ب‪HH‬ه‬
‫على سبيل االستعارة المكنية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة طه اآلية ‪44‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الكهف اآلية ‪99‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة مريم اآلية ‪3‬‬

‫‪30‬‬
‫ويمكن أن يكون وجه الشبه في استعارة المحسوس بالمحسوس عقلًّي ا‪ ،‬كما في اآلية الس‪HH‬ابقة‪،‬‬
‫إذا جعلت االستعارة تبعية في لفظ {اْش َت َع َل }‪ ،‬ونقول فيها‪ :‬استعير االشتعال انتشار الشيب في‬
‫الشعر بجامع سرعة االنتشار مع تعذر التالفي‪ ،‬الطرفان حسيان والجامع عقلي‪.‬‬
‫ومن ذلك أيًض ا قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى‪َ{ :‬و آَي ٌة َلُهُم الَّلْي ُل َن ْس َلُخ ِم ْن ُه الَّن َه اَر َف ِإَذ ا ُه ْم ُم ْظ ِلُم وَن ‪( }1‬يس‪:‬‬
‫‪ )٣٧‬فقد استعير السلخ وهو إزالة جلد الحيوان بعد ذبحه؛ ليظهر اللحم بإزالة ضوء‬
‫النهار‪ ،‬حتى يظهر الليل ويحل الظالم‪ ،‬بجامع مطلق ترُّت ب أمر على أمر‪ ،‬فالطرفان حسيان‪،‬‬
‫والجامع بينهما عقلي‪.‬‬
‫من ذلك أيًضا قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى‪َ{ :‬و ِفي َع اٍد ِإْذ َأْر َس ْلَن ا َع َلْي ِه ُم ال‪ِّHH‬ر يَح اْلَع ِقيَم ‪( }2‬ال‪HH‬ذاريات‪ )٤١:‬حيث‬
‫استعيرت المرأة العقيم التي ال تلد للريح التي ال ُتمطر‪ ،‬بجامع ع‪HH‬دم ظه‪HH‬ور األث‪HH‬ر في‬
‫كٍّل‪ ،‬ثم حذف المستعار منه ورمز له بالزم من لوازمه وهو العقل‪ ،‬على س‪HH‬بيل االس‪HH‬تعارة‬
‫المكنية؛ فالطرفان حسيان والجامع عقلي‪.‬‬
‫ويجوز اعتبار االستعارة تبعية بتشبيه ما في الريح من عدم تلقيح السحاب كي يمطر بالحالة‬
‫ال‪HH‬تي في الم‪HH‬رأة المانع‪HH‬ة من اإلنج‪HH‬اب‪ ،‬وهي العقم‪ ،‬ثم اس‪HH‬تعير العقم للحال‪HH‬ة ال‪HH‬تي في ال‪HH‬ريح‬
‫واشتق منه عقيم بمعنى ال ينتج أثًر ا‪ ،‬وعندئٍذ يكون كٌّل من الطرفين والجامع عقلي‪.‬‬
‫ثم إن هن‪HHH‬اك اس‪HHH‬تعارة محس‪HHH‬وس لمعق‪HHH‬ول‪ ،‬وال يك‪HHH‬ون الج‪HHH‬امع فيه‪HHH‬ا إال عقلًّي ا كقول‪HHH‬ه‬
‫تعالى‪َ{ :‬فاْص َد ْع ِبَم ا ُتْؤ َم ُر َو َأْع ِر ْض َع ِن اْلُم ْش ِر ِكيَن ‪( }3‬الحجر‪ )٩٤ :‬فاآلية خطاب للنبي ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪-‬بأن يبلغ األمانة‪ ،‬ويوض‪HH‬ح أم‪HH‬ر ال‪HH‬دين وض‪HH‬وًح ا تاًّم ا ال يع‪HH‬ود مع‪HH‬ه إلى‬
‫خفاء‪ ،‬كما ال يلتئم الزجاج بعد كسر‪ ،‬فهنا استعير الصدع الحسي‪ ،‬وهو كسر الزجاج‬
‫للتبليغ الذي ال ينمحي أثره وهو عقلي بجامع قوة التأثير في ك‪ٍّHH‬ل‪ ،‬ثم اشتق من‪HH‬ه اص‪HH‬دع‬
‫بمعنى‪ :‬بلغ تبليًغ ا يبقى أثره‪.‬‬
‫ومن ذلك أيًض ا قوله عز وجل‪ُ{ :‬ض ِر َب ْت َع َلْي ِه ُم الِّذ َّلُة َأْي َن َم ا ُثِقُفوا‪( }4‬آل عمران‪ )١١٢:‬فاآلية‬
‫تتحدث عن اليهود‪ ،‬والضرب في اللغة يستعمل لإللصاق ولإلحاط‪HH‬ة يق‪HH‬ال‪ :‬ض‪HH‬رب الطين على‬
‫الحائط أي‪ :‬ألصقه بها‪ ،‬وضرب الخيمة على من فيها أي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة يس اآلية ‪35‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الذارعات اآلية ‪31‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الحجر اآلية ‪93‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة آل عمران اآلية ‪112‬‬

‫‪31‬‬
‫أقامها لتحيط بهم‪ ،‬وعلى ذلك فقد استعير الض‪HH‬رب في اآلي‪HH‬ة من إحاط‪HH‬ة القب‪HH‬ة أو الخيم‪HH‬ة‪ ،‬أو‬
‫من لصوق الطين بالحائط ولزومه له؛ إلحاطة الذلة بهم‪ ،‬أو للصوقها ولزومه‪HH‬ا لهم‪ ،‬واشتق‬
‫من الضرب ض‪HH‬رب بمع‪HH‬نى أح‪HH‬اط أو ل‪HH‬زم؛ فالمس‪HH‬تعار ل‪HH‬ه في اآلي‪HH‬ة عقلي‪ ،‬والمس‪HH‬تعار من‪HH‬ه‬
‫حسي‪.‬‬
‫من ذلك أيًض ا قوله عز وجل‪َ{ :‬و ُز ْلِز ُلوا َح َّت ى َي ُقوَل الَّر ُسوُل‪( }1‬البقرة‪ )٢١٤ :‬فهنا استعيرت‬
‫الزلزلة‪ ،‬وهي التحريك بشدة وعنف؛ لشدة ما أصابهم من األلم والمشاق‪ ،‬من ذل‪HH‬ك أيًض ا قول‪HH‬ه‬
‫تعالى‪َ{ :‬فَن َب ُذ وُه َو َر اَء ُظ ُهوِر ِه ْم ‪( }2‬آل عم‪HH‬ران‪ )١٨٧:‬اس‪HH‬تعير النب‪HH‬ذ وه‪HH‬و اإللق‪HH‬اء والق‪HH‬ذف‬
‫باليد للتناسي واإلهمال‪.‬‬
‫الض‪HH‬رب الث‪HH‬الث من ض‪HH‬روب االس‪HH‬تعارة به‪HH‬ذا االعتب‪HH‬ار الحس‪HH‬ي والعقلي‪ :‬اس‪HH‬تعارة معق‪HH‬ول‬
‫لمعقول‪ ،‬وال يكون الج‪HH‬امع إال عقلًّي ا‪ ،‬ومن ذل‪HH‬ك قول‪HH‬ه تع‪HH‬الى‪َ{ :‬ق اُلوا َي ا َو ْي َلَن ا َم ْن َبَع َث َن ا ِم ْن‬
‫َم ْر َقِد َن ا}‪( 3‬يس‪ )٥٢ :‬حيث استعير الرقاد للموت بجامع عدم ظهور األفعال التي يعتُّد به‪HHH‬ا‬
‫في كٍّل‪ ،‬والرقاد والموت وعدم الظهور إنما هي من المعاني العقلية‪.‬‬
‫الضرب الرابع‪ :‬استعارة معقول لمحسوس‪ ،‬وال يكون الجامع فيها إال عقلًّي ا قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن ا‬
‫َلَّما َط َغ ى اْلَم اُء َح َم ْلَن اُك ْم ِفي اْل َج اِر َي ِة‪( }4‬الحاق‪HH‬ة‪ )١١ :‬حيث اس‪HH‬تعير الطغي‪HH‬ان وه‪HH‬و التع‪HH‬الي‬
‫والتكبر؛ لزيادة الماء وارتفاع‪HH‬ه‪ ،‬بج‪H‬امع تج‪H‬اوز الح‪H‬د في ك‪ٍّHH‬ل‪ ،‬واشتق من‪HH‬ه الفع‪HH‬ل طغى‬
‫بمع‪HH‬نى زاد وارتف‪HH‬ع‪ ،‬على س‪HH‬بيل االس‪HH‬تعارة التبعي‪HH‬ة‪ ،‬المس‪HH‬تعار من‪HH‬ه الطغي‪HH‬ان أم‪HH‬ر عقلي‪،‬‬
‫والمستعار له الزيادة واالرتفاع أمر حسي‪ ،‬والجامع كما ترى من األمور العقلية‪.‬‬
‫من المهم ونحن نعرض لشتى ألوان االستعارة أن ُننِّبه إلى أن كَّل مجاز ال ب‪HH‬د ل‪HH‬ه من وج‪H‬ود‬
‫قرينة تمنع إرادة المعنى األصلي الذي ُو ضع له اللفظ‪ ،‬فالقرين‪HH‬ة هي م‪HH‬ا ينص‪HH‬به المتكلم دلياًل‬
‫على أنه أراد باللفظ غير معناه الوضعي‪ ،‬وهي إما لفظية‬
‫كقولنا‪ :‬رأيت بحًر ا يتصدق‪ ،‬وأسًد ا يخطب‪ ،‬وقمًر ا يتكلم؛ فاأللفاظ يتص‪HH‬دق‪ ،‬ويخطب‪ ،‬ويتكلم‬
‫دَّلت على أن المراد بالبحر واألسد والقمر غير معانيها األصلية‪ ،‬هذه قرائن لفظية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪213‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة آل عمران اآلية ‪145‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة يس اآلية ‪52‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة الحاقة اآلية ‪11‬‬

‫‪32‬‬
‫وقد تكون القرائن غير لفظية كداللة الح‪HH‬ال في قولن‪HH‬ا‪ :‬رأيت بح‪ًHH‬ر ا‪ ،‬والمخ‪HH‬اطب ي‪HH‬رى رجاًل‬
‫كريًما مقباًل ؛ فقد دلت الحال على إرادة الرجل الك‪HH‬ريم‪ ،‬ومنعت إرادة المع‪HH‬نى األص‪HH‬لي للف‪HH‬ظ‬
‫البح‪HHH‬ر‪ ،‬وكدالل‪HHH‬ة االس‪HHH‬تحالة كم‪HHH‬ا في قول‪HHH‬ه تع‪HHH‬الى‪ِ{ :‬إَّن ا َلَّم ا َط َغ ى اْلَم اُء َح َم ْلَن اُك ْم ِفي‬
‫اْل َج اِر َيِة‪( }5‬الحاقة‪ )١١ :‬حيث استعير الطغيان للزيادة وارتفاع الماء‪ ،‬والقرين‪HH‬ة هي اس‪HH‬تحالة‬
‫صدور الطغيان بمعناه األصلي من الماء‪.‬‬
‫ننهي هذا الفصل بقولنا أّن الدارس لتاريخ البالغة العربية يكتشف إسهامات طائفة كبيرة من‬
‫العلماء األفذاذ الذين ك‪HH‬انت لهم بص‪HH‬مات واض‪HH‬حة في تشكيل ه‪HH‬ذا العلم الجلي‪HH‬ل‪ ،‬فق‪HH‬د امت‪HH‬دت‬
‫مسيرة تكوين البالغة في التراث اللغوي العربي عبر سلسلة طويلة تب‪HH‬دأ حلقاته‪HH‬ا من اكتم‪HH‬ال‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ثم تعددت هذه الحلقات وتوالت في أطوار مختلف‪HH‬ة‪ ،‬وعص‪HH‬ور متباين‪HH‬ة وم‪HH‬رت‬
‫بعوامل قوة وضعف إلى أن وقفت عند حدود واضحة ومعالم بارزة كم‪HH‬ا بينه‪HH‬ا الس‪HH‬كاكي في‬
‫“مفتاح العلوم”؛ وهذا البحث هو محاولة لتس‪HH‬ليط الض‪HH‬وء على جه‪HH‬ود الس‪HH‬كاكي البالغي‪HH‬ة من‬
‫خالل ه‪HH‬ذا المص‪HH‬نف؛ ومحاول‪HH‬ة لكشف دوره الب‪HH‬ارز في ض‪HH‬بط عل‪HH‬وم البالغ‪HH‬ة العربي‪HH‬ة‬
‫ومصطلحاتها و اإلضافات التي أتى بها‪.‬‬
‫ولض‪HH‬خامة ه‪HH‬ذا الكت‪HH‬اب واتس‪HH‬اعه معرفي‪HH‬ا لقي ردودا بالغ‪HH‬ة من النق‪HH‬اد وحرص‪HH‬ا شديدا من‬
‫الّش ّر اح لشرحه وفّك شفراته‪ .‬وهو ما سيأخذنا مباشرة للفصل الثالث المعنون "موق‪HH‬ف النق‪HH‬اد‬
‫من االستعارة في كتاب السكاكي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫سورة الحاقة اآلية ‪11‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف النقاد من االستعارة في كتاب مفت‪DD‬اح العل‪DD‬وم‬
‫للسكاكي‬
‫كتاب «مفتاح العلوم» الذي ألفه أب‪HH‬و يعق‪HH‬وب‪ ،‬يوس‪HH‬ف بن أبي بك‪HH‬ر محم‪HH‬د بن علي الس‪HH‬كاكي‬
‫الخوارزمي‪ ،‬من الكتب التي خصصت لدراسة علوم اللغة العربية‪ ،‬واستمد الكت‪HH‬اب والك‪HH‬اتب‬
‫مكان‪HH‬ة مرموق‪HH‬ة بين م‪HH‬ؤلفي ومؤلف‪HH‬ات دراس‪HH‬ات اللغ‪HH‬ة العربي‪HH‬ة‪ ،‬والقى قب‪HH‬وًال ورواج ‪ًH‬ا بين‬
‫الدارس‪HH‬ين والمدرس‪HH‬ين من الع‪HH‬رب والمس‪HH‬تعربين‪ ،‬ف‪ُّHH‬د رس الكت‪HH‬اُب في الم‪HH‬دارس العباس‪HH‬ية‬
‫والمملوكية والعثمانية في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا‪ ،‬ولتسهيل َفْه ِم الكتاب على الدارس‪HH‬ين‬
‫قام العلماُء بشرح كتاب مفتاح العلوم‪ ،‬وتفاوتت الشروح بين المط‪َّH‬و ل والُمختَص ر‪ ،‬وبعض‪HH‬ها‬
‫استوفى الِكتاَب كامًال‪ ،‬واقتصر البعُض اآلخر على قسم من أقسام الكتاب الثالث‪HH‬ة‪ :‬الص‪HH‬رف‪،‬‬
‫والنحو‪ ،‬والمعاني والبيان وما يلحق بهما‪.‬أغزر المعلومات التي وصلتنا حول كتاب «مفت‪HH‬اح‬
‫العلوم» َذ َك َر ها حاجي خليفة في كتاب «كشف الظن‪HH‬ون»‪ ،‬إذ ق‪HH‬ال‪« :‬مفت‪HH‬اح العل‪HH‬وم‪ ،‬للعالم‪HH‬ة‬
‫سراج الدين أبي يعقوب‪ ،‬يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي‪ ،‬المتوفى سنة س‪HH‬ت‬
‫وعشرين وستمئة‪1228 /‬م‪ .‬أَّو ُله أحق كالم ان تلهُج به األلسنة (‪ )...‬وجمعت‪HH‬ه ثالث‪HH‬ة أقس‪HH‬ام‪،‬‬
‫األول في علم الصرف‪ ،‬الثاني في علم النح‪H‬و‪ ،‬الث‪H‬الث في علم المع‪H‬اني والبي‪H‬ان انتهى‪)...( .‬‬
‫وأورد الكالم في تكمل‪HHH‬ة علم المع‪HHH‬اني في فص‪HHH‬لين‪ ،‬األول‪ :‬في ِذ ْك ِر اْلَح ِّد ‪ .‬والث‪HHH‬اني‪ :‬في‬
‫االستدالل‪ ،‬وفيه ِع لم العروض‪.‬ومن شّر اح «مفتاح العلوم» المولى حسام الدين الخ‪HH‬وارزمي‬
‫الذي شرحه كامًال من أوله الى آخره في سنة ‪1341‬م في جرجانية خوارزم‪.‬‬
‫سأرتكز في هذا الفصل على موقفين من النقاد‪ ،‬الموق‪HH‬ف األول للخطيب القزوي‪HH‬ني في كتاب‪HH‬ه‬
‫اإليضاح فب علوم البالغة والموقف الثاني‬

‫موقف الخطيب القزويني من أراء السكاكي‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫ميز المؤلف في كتابه هذا باالستقص‪HH‬اء‪ ،‬فلم ي‪HH‬ترك شاردة أو واردة من مس‪HH‬ائل البالغ‪HH‬ة‪ ،‬إال‬
‫عرضها عرضا مفصال ودقيقا‪ ،‬وملما فيها باألراء كاف‪H‬ة‪ ،‬س‪H‬واء ال‪H‬تي ك‪H‬انت في عص‪H‬ره‪ ،‬أو‬
‫قبل عصره‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫قال في مقدمة الكتاب‪ :‬هذا كت‪HH‬اب في علم البالغ‪HH‬ة وتوابع‪HH‬ا‪ ،‬ترجمت‪HH‬ه ب"اإليض‪HH‬اح" وجعلت‪HH‬ه‬
‫على ترتيب مختصري الذي سميته "تلخيص المفتاح"‪ ،‬وبسطت في‪HH‬ه الق‪HH‬ول ليك‪HH‬ون كالشرح‬
‫ل‪HH‬ه‪ ،‬فأوض‪HH‬حت مواض‪HH‬عه المشكلة‪ ،‬وفص‪HH‬لت معاني‪HH‬ه المجمل‪HH‬ة‪ ،‬وعم‪HH‬دت إلى م‪HH‬ا خال عن‪HH‬ه‬
‫المختصر‪ ،‬مما تضمنه "مفتاح العلوم" وإلى ما خال عنه المفتاح من كالم الشيخ اإلم‪HH‬ام عب‪HH‬د‬
‫القاهر الجرجاني رحمه هللا في كتابه "دالئل اإلعج‪HH‬از" و"أس‪HH‬رار البالغ‪HH‬ة"‪ ،‬وإلى م‪HH‬ا تيس‪HH‬ر‬
‫النظر فيه من كالم غيرهما‪ ،‬فاستخرجت زبدة ذلك كل‪H‬ه وه‪H‬ذبتها ورتبته‪H‬ا‪ ،‬ح‪H‬تى اس‪H‬تقر ك‪H‬ل‬
‫شيء منها في محله‪ ،‬وأضفت إلى ذلك ما أذى إليه فكري‪ ،‬ولم أجده لغيري‪ .‬فج‪HH‬اء بحم‪HH‬د هللا‬
‫جامعا ألشتات هذا العلم‪ ،‬وإليه أرغب في أن يجعله نافعا لمن نظر فيه من أولي الفهم‪ ،‬وه‪HH‬و‬
‫حسبي ونعم والوكيل"‬
‫سأحاول أن أحصر نظري على االعتراضات الواردة في باب االستعارة خاصة‬
‫والتبعية‪.‬‬ ‫االستعارة التحقيقية‪ ،‬والتخيلية‬

‫‪ 1-1‬موقفه من االستعارة التحقيقية‪:‬‬


‫يرى القزويني أن الس‪HH‬كاكي ع‪ّH‬د التمثي‪HH‬ل على س‪HH‬بيل االس‪HH‬تعارة من التحقيقي‪HH‬ة‪ ،‬فيق‪HH‬ول" وفي‪HH‬ه‬
‫نظر‪ ،‬ألن التمثيل على سبيل االستعارة ال يك‪H‬ون إال مركب‪H‬ا‪ ،‬فكي‪H‬ف يك‪H‬ون قس‪H‬ما من المج‪H‬از‬
‫المفرد"‬

‫قّس م السكاكي االستعارة إلى ثالثة أقسام‪ ،‬على أنها جميعا مجاز‪ ،‬وهي‪]٣[ :‬‬
‫‪- ١‬االستعارة التحقيقية‪ :‬هي أن يكون المشبه المتروك شيئا متحققا‪ ،‬إما حسّيا وإما عقليا‪.‬‬
‫‪- ٢‬االستعارة التخيلية‪ :‬أن يكون المشبه الم‪HH‬تروك شيئا وهمي‪HH‬ا محض‪HH‬ا‪ ،‬ال تحق‪HH‬ق ل‪HH‬ه إّال في‬
‫مجرد الوهم‪.‬‬
‫‪- ٣‬االستعارة المحتملة للتخييل والتحقيق‪.‬‬
‫ثم جعل التمثيل على سبيل االستعارة من التحقيقية‪ ،‬فيرى القزويني أن هذه االستعارة مركبة‬
‫وتقسيمها الثالثي إنما كان في االستعارة التي من المج‪HH‬از المف‪HH‬رد‪ ،‬فكي‪HH‬ف يجم‪HH‬ع بين المف‪HH‬رد‬
‫والمركب في شيء واحد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وتق‪HH‬ول الباحث‪HH‬ة مليك‪HH‬ة بن عط‪HH‬ا هللا‪« :‬والظ‪HH‬اهر أن اع‪HH‬تراض القزوي‪HH‬ني لم يكن على إلح‪HH‬اق‬
‫االستعارة التمثيلية بالمج‪HH‬از‪ ،‬ب‪HH‬ل على تن‪HH‬اقض ال‪HH‬ذي وق‪HH‬ع في‪HH‬ه الس‪HH‬كاكي في تعريف‪HH‬ه للمج‪HH‬از‬
‫واالستعارة التمثيلية»‬
‫ال ينك‪HH‬ر القزوي‪HH‬ني م‪HH‬ا ذهبت إلي‪HH‬ه مليك‪HH‬ة من وج‪HH‬ود تن‪HH‬اقض بين تعري‪HH‬ف الس‪HH‬كاكي للمج‪HH‬از‬
‫واالستعارة التمثيلية‪ ،‬وإنما يستبعد توجيه هذا االعتراض وحمله على ذل‪HH‬ك التن‪HH‬اقض‪ ،‬إذ ه‪HH‬و‬
‫حمل ال تؤيده مناقشة البالغيين قديما وحديثا له‪HH‬ذا االع‪HH‬تراض‪ ،‬ب‪HH‬ل ال يؤي‪HH‬ده س‪HH‬ياق النص‪HH‬ين‬
‫المذكورين سالفا‪.‬‬
‫وقبل الشروع في مناقشة هذا االعتراض ينبغي تحديد مفه‪HH‬وم مص‪HH‬طلح "التمثي‪HH‬ل على س‪HH‬بيل‬
‫االستعارة" إذ فيه مفهومان‪:‬‬
‫‪- ١‬أنه هو االستعارة التي تركّبت من التشبيه التم‪HH‬ثيلي‪ ،‬وإلى ه‪HH‬ذا ذهب الس‪HH‬يد الجرج‪HH‬اني إذ‬
‫قال‪« :‬وإلى ما ذكرنا من وجوب تركيب طرفي التشبيه التمثيلي ذهب المحققون‪ ،‬وبنى علي‪H‬ه‬
‫ص‪HH‬احب اإليض‪HH‬اح اعتراض‪HH‬ه على ص‪HH‬احب المفت‪HH‬اح»‪ ،‬وه‪HH‬ذا نص على أن ه‪HH‬ذا م‪HH‬ذهب‬
‫القزويني‪.‬‬
‫‪- ٢‬أنه االستعارة التمثيلية‪ ،‬وهذا ما استقر عليه البالغيون المعاصرون‪ ،‬وه‪HH‬و م‪HH‬ا ذهب إلي‪HH‬ه‬
‫السكاكي قديما ق‪H‬ائال‪« :‬ولك‪H‬ون األمث‪H‬ال كله‪H‬ا تم‪H‬ثيالت على س‪H‬بيل االس‪H‬تعارة»‪ .‬وإلي‪H‬ه ذهب‬
‫أيضا الطيبي بقوله‪« :‬ولورود األمثال على سبيل االستعارة ال تجد للتغيير فيها سبيال» وهذا‬
‫نص في المسألة‪.‬‬
‫على أن بعض البالغيين القدامى اختلط عليهم أمر هذه المسألة‪ ،‬كالتفت‪HH‬ازاني ال‪HH‬ذي ح‪ّH‬د د ه‪HH‬ذا‬
‫المصطلح‪ ،‬فقال‪« :‬ومن األمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف‬
‫صورة أخرى»‬
‫لتحديد دائر حول باب االستعارة التي أسست على التشبيه التمثيلي‪ ،‬ثم عّقب ذل‪HH‬ك بـ‪ »-‬أراك‬
‫تقدم رجال وتؤخر أخرى" تمثيال له‪ ،‬مع أن هذا المثال في صميم االستعارة التمثيلية‪.‬‬
‫وربما القزويني ذهب إلى المذهب األول ‪-‬كما قال السيد الجرجاني ‪-‬أنه يع‪HH‬نى ب‪HH‬ه االس‪HH‬تعارة‬
‫التي تّك ونت من التشبيه التمثيلي ثّم اعترض على السكاكي‪ ،‬ولعل مراد السكاكي بالمص‪HH‬طلح‬
‫هو االس‪H‬تعارة التمثيلي‪H‬ة‪ ،‬وخاص‪H‬ة إذا عرفن‪H‬ا أن ح‪H‬د التحقيقي‪H‬ة ال‪H‬تي ع‪H‬د التمثي‪H‬ل على س‪H‬بيل‬

‫‪36‬‬
‫االستعارة منها؛ هو‪ :‬ما كان المشبه المتروك فيها متحققا حّسا أو عقال‪ ،‬فالمشبه به دائم‪HH‬ا في‬
‫االستعارة التمثيلية مقتبس من الواقع ومتحقق حسا وعقال‪ ،‬إذن؛ فاالس‪HH‬تعارة التمثيلي‪HH‬ة داخل‪HH‬ة‬
‫تحت قسم التحقيقية‪ .‬وبهذا القول الراجح في تحديد ه‪HH‬ذا المص‪HH‬طلح ال‪HH‬ذي ه‪HH‬و أن‪HH‬ه االس‪H‬تعارة‬
‫التمثيلية‪ ،‬يسقط أوجها كثيرة كانت قد حشدت لدفع هذا االعتراض‪.‬‬
‫وكأني بقائل يقول‪ :‬ولكن االستعارة التمثيلية أيضا مركب ال مفرد‪« ،‬وق‪HH‬د أجيب ب‪HH‬أن المقس‪HH‬م‬
‫قد يكون أعم من مقّسمه» أي أن تقسيم السكاكي مبني على مطلق االس‪HH‬تعارة ال مم‪HH‬ا هي من‬
‫المجاز المفرد‪ ،‬وبهذا؛ القسم أعم من المقسم عليه‪ ،‬إذن ال تن‪HH‬اقض في كالم ص‪HH‬احب المفت‪HH‬اح‬
‫عندئذ‪.‬‬
‫وربم‪HH‬ا ك‪HH‬ان حّر ي‪HH‬ا ب‪HH‬القزويني مناقشة الس‪HH‬كاكي في تقس‪HH‬يمه الثالثي لالس‪HH‬تعارة إلى تحقيقي‪HH‬ة‬
‫وتخييليه ومحتملة‪ ،‬بدال من مناقشته فيما تحتويه هذه األقسام كوجود االس‪HH‬تعارة التمثيلي‪HH‬ة في‬
‫حضن التحقيقية‪ ،‬ألن هذا التقسيم الثالثي يشّك ل عقبة كبيرة حيال تذوق جمالية االستعارة‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أخرى نتذوق جمالية االستعارة وفنيتها‪ ،‬وندرك براعتها التعبيرية دون معرف‪H‬ة كونه‪H‬ا‬
‫تخيلية أو تحقيقية أو محتملة‪ .‬من هنا ُح ّق لمحمد الجرجاني أن يقول‪« :‬ذهب كثير من علماء‬
‫البالغة إلى أن االستعارة إما تحقيقية وإما تخيلية‪ .... ،‬ولي في هذا الكالم نظر؛ ألن األصل‬
‫أن تكون االستعارة تحقيقية‪ ،‬فال يعدل عنها إال للتعذر"‬
‫ف كل تفريع ال يساهم في تذوق جمالية االستعارة غير معتبر من الناحية البالغي‪HH‬ة‪ ،‬والحم‪HH‬د هلل‬
‫أن هذا التقسيم ُحصر على الس‪HH‬كاكي فق‪HH‬ط وعص‪HH‬ره‪ ،‬أي لم يتداول‪HH‬ه البالغي‪HH‬ون إلى عص‪HH‬رنا‬
‫هذا‪ ،‬بل اكتفوا بالتقسيمات المعروفة من مكنية وتصريحية وتبعية وأصلية‪ ،‬ألنه يترتب على‬
‫معرفة هذه األقسام إدراك ماهية االستعارة أوال‪ ،‬وثانيا ألنها تشّك ل محورا أساس‪HH‬يا في إدراك‬
‫بالغة االستعارة وجماليتها الفنية‪.‬‬
‫‪ 1-2‬موقفه من االستعارة التخيلية‪:‬‬
‫فّس ر السكاكي االستعارة التخيلية‪« :‬بما استعمل في صورة وهمي‪HH‬ة محض‪HH‬ة‪ ،‬ق‪HH‬درت مشابهة‬
‫لصورة محققة هي معناه‪ ،‬كلفظ األظفار في قول الهذلي‪ ،‬فإنه شبه المنية بالسبع في االغتيال‬
‫على ما تقدم‪"1‬‬

‫‪1‬‬
‫مفتاح العلوم‪ ،‬السكاكي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪329-325 :‬‬

‫‪37‬‬
‫وللقزويني موقف من هذا التعريف حيث يقول في نص له «وفيه نظ‪HH‬ر‪ ،‬ألن تفس‪H‬ير التخيلي‪HH‬ة‬
‫بما ذكره بعيد؛ لما فيه من التعسف‪ ،‬وأيضا فظاهر تفسير غ‪HH‬يره له‪HH‬ا بق‪HH‬ولهم‪" :‬جع‪HH‬ل الشيء‬
‫للشيء كجعل لبيد للشمال يدا‪ "1‬وهنا يخالفه القتض‪HH‬اء تفس‪HH‬يره اس‪HH‬تعارة وعلى تفس‪HH‬ير غ‪HH‬يره‬
‫حقيقة‪ ،‬وأيضا فتفسيره للتخيلية أعم من أن تكون تابعة لالستعارة بالكناية‪ ،‬أو غير تابعة ب‪HH‬أن‬
‫يتخيل صورة وهمية مشابهة لصورة محققة‪ ،‬فيستعار لها اسم الصورة المحققة والثانية بعيدة‬

‫جدا‪.‬‬
‫‪ 1-3‬موقفه من االستعارة التبعية‪:‬‬
‫يقول السكاكي في شأن االس‪HH‬تعارة التبعي‪HH‬ة‪ « :‬ولو أنهم جعل‪00‬وا االس‪00‬تعارة التبعي‪00‬ة من‬
‫قسم االستعارة بالكناية؛ بأن قبلوا فجعلوا في قولهم‪" :‬نطقت الحال بك‪00‬ذا الح‪00‬ال"‬
‫ل‪00‬تي ِذ ْك ره‪00‬ا عن‪00‬دهم‪ ،‬قرين‪00‬ة االس‪00‬تعارة بالتص‪00‬ريح اس‪00‬تعارة بالكناي‪00‬ة عن المتكلم‬
‫بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة‬
‫االستعارة‪ ،‬كما تراهم في قوله‪" :‬وإذا المنية أنشبت أظفارها" ‪ ،‬ويجعلون المنية‬
‫استعارة بالكناية عن السبع‪ ،‬ويجعلون إثبات األظفار لها قرينة االستعارة‪ ،‬وهكذا‬
‫َج ْع ل البخل استعارة بالكناية عن حي أبطلت حياته بسيف أو غ‪00‬ير س‪00‬يف ف‪00‬التحق‬
‫بالعدم‪ ،‬وجعلوا نسبة القتل إلي‪0‬ه قرين‪0‬ة االس‪0‬تعارة‪ ،‬ول‪0‬و جعل‪0‬وا أيض‪0‬ا الله‪0‬ذميات‬
‫استعارة بالكناي‪0‬ة‪ ،‬عن المطعوم‪0‬ات اللطيف‪00‬ة الش‪0‬هية على س‪0‬بيل التهكم‪ ،‬وجعل‪00‬وا‬
‫‪»2‬‬ ‫نسبة لفظ القرى إليها قرينة االستعارة؛ لكان أقرب إلى الضبط فتدّب ره "‬
‫وللقزويني اعتراض على هذا الرأي فيقول" هذا لفظه؛ وفيه نظر‪ ،‬ألن التبعي‪00‬ة ال‪00‬تي جعله‪00‬ا‬
‫قرينة للتي جعله‪00‬ا اس‪00‬تعارة بالكناي‪00‬ة كنطقت في قولن‪00‬ا‪" :‬نطقت الح‪00‬ال بك‪00‬ذا"‪ ،‬ال يج‪00‬وز أن‬
‫يقدرها حقيقة حينئذ‪ ،‬ألنه لو قدرها حقيقة لم تكن استعارة تخيلية‪ ،‬ألن االستعارة التخيلي‪00‬ة‬
‫عنده مجاز كما مر‪"3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫مفتاح العلوم‪ ،‬السكاكي‪ ،‬ص‪354 :‬‬
‫‪3‬‬
‫اإليضاح‪ ،‬القزويني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪345 :‬‬

‫‪38‬‬
‫يفهم مم‪HH‬ا س‪HH‬بق ذك‪HH‬ره أن الس‪HH‬كاكي اق‪HH‬ترح على البالغ‪HH‬يين في ه‪HH‬ذه المس‪HH‬ألة االقتص‪HH‬اد في‬
‫تقسيمات االستعارة‪ ،‬بجعل التبعية من االستعارة المكنية‪ ،‬على المن‪HH‬وال ال‪HH‬ذي حّلل‪HH‬ه‪ ،‬فيح‪HH‬ذف‬
‫س‪HH‬اعتئذ قس‪HH‬م التبعي‪HH‬ة من قائم‪HH‬ة تقس‪HH‬يمات االس‪HH‬تعارة‪ ،‬ف‪HH‬اعترض القزوي‪HH‬ني على ذل‪HH‬ك ب‪HH‬أن‬
‫االستعارة المكنية التي يريد إلحاق التبعية بها قرينتها تخيلية‪ ،‬والتخيلية عن‪HH‬د الس‪H‬كاكي مج‪H‬از‬
‫كما سبق‪ ،‬والتبعية حقيقة فكيف يجمع بين الحقيقة والمجاز في قسم واحد‪.‬‬
‫وحسب ما جاء في كت‪HH‬اب "التبي‪HH‬ان في البي‪HH‬ان" لإلم‪HH‬ام الطي‪HH‬بي أن الس‪HH‬كاكي أنك‪HH‬ر االس‪HH‬تعارة‬
‫التبعية‪ ،‬واختار ردها قرينة لالستعارة المكنية‪ ،‬أم‪HH‬ا قرينته‪HH‬ا فرّد ه‪HH‬ا أيض‪HH‬ا إلى نفس المكني‪HH‬ة‪،‬‬
‫فمثال قول‪HHH‬ك‪" :‬نطقت الح‪HHH‬ال بك‪HHH‬ذا" ي‪HHH‬رى الجمه‪HHH‬ور البالغي‪HHH‬ون أن في‪HHH‬ه اس‪HHH‬تعارة في‬
‫لفظ "نطقت" وهو فعل لذا فهو استعارة تبعية‪ ،‬وقرينتها هي لفظ "الحال" ‪ ،‬فيرى الس‪H‬كاكي ‪-‬‬
‫عند إنكاره لالستعارة التبعية ‪ -‬أن االستعارة في لفظ "الحال" الذي هو قرينة عند الجمه‪HH‬ور‪،‬‬
‫وما جعله الجمهور استعارة وهو لفظ "نطقت" فهو قرينة عن‪HH‬د الس‪HH‬كاكي‪ ،‬وهك‪HH‬ذا رّد التبعي‪HH‬ة‬
‫وقرينتها إلى المكنية‪ ،‬ويؤيد الطيبي م‪HH‬ذهب الس‪HH‬كاكي إذ يق‪HH‬ول‪« :‬وه‪00‬ذا أولى ألن االس‪00‬تعارة‬
‫"‪1‬‬
‫بالكناية أبلغ من التبعية وحمل اللفظ على األبلغ أحرى‬
‫ويرّد على مذهب السكاكي بأن لفظ المشبه هن‪HH‬ا لم يس‪HH‬تعمل إّال في معن‪HH‬اه الحقيقي‪ ،‬إذن ليس‬
‫ثمت استعارة‪ .‬وأن السكاكي نفسه صّر ح بأن "نطقت" مستعارة لألمر ال‪HH‬وهمي‪ ،‬أي المت‪HH‬وهم‬
‫إثباته للحال‪ ،‬تشبيها ب‪HH‬النطق الحقيقي‪ ،‬فيك‪HH‬ون اس‪HH‬تعارة‪ ،‬واالس‪HH‬تعارة في الفع‪HH‬ل ال تك‪HH‬ون إّال‬
‫تبعية‪ ،‬فيلزمه القول بالتبعية في آخر المطاف‪.‬‬
‫وقد يستغرب أحدنا حين يرى كيف مثل الس‪H‬كاكي يخل‪HH‬ط بين االس‪HH‬تعارة المكني‪HH‬ة واالس‪HH‬تعارة‬
‫التبعية‪ ،‬حتى يقترح االدماج والجمع بينهما‪ ،‬مع أنه ال تعارض بينهما البتة حتى يجمع‪HH‬ان‪ ،‬إذ‬
‫كل منهما نوع من تقسيمات االستعارة في اعتبار‪ ،‬ولكن االستغراب يزول ويضمحل عن‪HH‬دما‬
‫ندرك أن وقتئذ لم تكن قواعد البالغة مقنن‪HH‬ة كعص‪HH‬رنا ه‪HH‬ذا‪ .‬فالمس‪HH‬ألة بس‪HH‬يطة وواض‪HH‬حة‪ ،‬فال‬
‫تعارض بين تقسيم االستعارة إلى المكنية وغيرها‪ ،‬وبين تقسيمها إلى التبعي‪HH‬ة وغيره‪HH‬ا‪ ،‬فك‪ٌHH‬ل‬
‫رأس تقسيم قائم بذاته‪ ،‬فاقتراح إدراج أحدهما تحت اآلخر؛ غير مقبول بأي طريقة كانت‪ ،‬إذ‬
‫قد تكون االستعارة مكنية وفي نفس الوقت تبعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لإلمام الطيبي‪ ،‬تحقيقا ودراسة‪ ،‬عبد السّت ار حسين‪ ،‬ص‪" 130:‬التبيان في البيان" كتاب ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫أي أن تقسيم االس‪H‬تعارة إلى أص‪H‬لية وتبعي‪H‬ة ع‪H‬ام في االس‪H‬تعارة؛ س‪H‬واء أك‪H‬انت تص‪H‬ريحية أم‬
‫مكنية‪ ،‬مثال االستعارة المكنية التبعية قولك‪" :‬أعجبني إراقة الضارب دم الج‪HH‬اني"‪ ،‬فق‪HH‬د ُش به‬
‫الضرب الشديد بالقتل بجامع اإليذاء في ك‪H‬ل‪ ،‬واس‪H‬تعير القت‪H‬ل للض‪H‬رب الشديد‪ ،‬واشتق من‪H‬ه‬
‫قاتل بمعنى ضارب ضربا شديدا‪ ،‬ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازم‪HH‬ه وه‪HH‬و اإلراق‪HH‬ة على‬
‫طريقة االستعارة المكني‪HH‬ة التبعي‪HH‬ة‪ .‬وأم‪HH‬ا ق‪HH‬ول الطي‪HH‬بي‪« :‬وحم‪HH‬ل اللف‪HH‬ظ على األبل‪HH‬غ أح‪HH‬رى»‬
‫السالف‪ ،‬فيجاب بأنه ال تعارض بين المبحثين حتى يطلب كفة الترجيح‪ ،‬من حمل اللف‪HH‬ظ على‬
‫األبلغ وغيره‪ ،‬بل هما مبحثان متالزمان ال متعارضان‪.‬‬
‫وهكذا أصاب القزويني في اعتراضه على «رّد االستعارة التبعي‪H‬ة في األفع‪H‬ال مث‪H‬ل‪" :‬نطقت‬
‫الحال بكذا" إلى المكنية؛ مع أن قرينة المكنية عنده استعارة وهي في المثال فعل واالستعارة‬
‫في الفعل ال تكون إال تبعية"‬
‫فإذا كان السكاكي ذهب هذا المذهب رغبة في تقليل تقس‪H‬يمات االس‪H‬تعارة‪ ،‬كم‪H‬ا ق‪H‬ال بس‪H‬يوني‬
‫عبد الفتاح‪« :‬ومن أجل تلك الرغبة أيض‪HH‬ا أنك‪HH‬ر االس‪HH‬تعارة التبعي‪HH‬ة وأدخله‪HH‬ا في المكني‪HH‬ة‪،»1‬‬
‫فهو رغبة جديرة بالتأييد والتشجيع في كثير من المباحث البالغية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫علم المعاني‪ ،‬بسيوني ‪342‬‬

‫‪40‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫يتبين مما سلف أّن جهود السكاكي تعد أهم إنجاز في مسيرة تشكيل علم البالغ‪HH‬ة؛ فق‪HH‬د شّك ل‬
‫مصنفه أهم إنجاز في تاريخ هذا العلم؛ فكتاب “مفتاح العلوم” للسكاكي يعد محطة حاسمة في‬
‫تاريخ البالغة العربية؛ حّد د من خالله الصيغة النهائية له‪HH‬ذا العلم الجلي‪HH‬ل بإحك‪HH‬ام‪ ،‬واس‪HH‬تطاع‬
‫بكل براعة ضبط مباحثه‪ ،‬وتحديد مصطلحاته‪ ،‬وهذا ما ك‪HH‬ان ل‪HH‬ه األث‪HH‬ر الب‪HH‬الغ فيمن تبع‪HH‬ه من‬
‫البالغيين المتأخرين‪ .‬وعلى الرغم من االنتقادات الموجهة لعمل السكاكي‪ ،‬ينبغي علينا إعادة‬
‫قراءة كتابه في ضوء المعطيات المعرفي‪HH‬ة‪ ،‬والس‪HH‬ياقات التاريخي‪HH‬ة‪ ،‬من أج‪HH‬ل إع‪HH‬ادة االعتب‪HH‬ار‬
‫لصنيع هذا الرجل في سبيل خدمة لغة القرآن الكريم؛ ليطبق قوانينه عليه‪ ،‬وكأن لس‪HH‬ان حال‪HH‬ه‬
‫يقول لها" هو القرآن يثبت قوانين دولتنا‪ ،‬فلتأخذ الشرعية المؤبدة"‬
‫وفي ظّل ما سبق ذكره كله‪ ،‬هل يمكن أن نسلم بأن االستعارة حبيسة التركيب والنصوص‬
‫األدبية والشعرية فحسب‪ ،‬أم انها تتجاوزها فتالمس مجال أوسع؟‬

‫‪41‬‬
‫النتائج التي توّص ل إليها هذا البحث‬

‫يجدر بنا اإلشارة منذ البدء إلى القول بأن االستعارة مصطلح يحظى ب‪HH‬النمو‬ ‫•‬
‫والتطور نلحظ ذلك من خالل المراحل التي مّر بها ه‪HH‬ذا المص‪HH‬طلح ب‪HH‬دءا من‬
‫الجاح‪HHH‬ظ وص‪HHH‬وال إلى الس‪HHH‬كاكي‪ .‬فك‪HHH‬انت أغلب الدراس‪HHH‬ات ال‪HHH‬تي ت‪HHH‬درس‬
‫االستعارة (قبل السكاكي والجرجاني) محدودة النظ‪HH‬ر‪ ،‬ذل‪HH‬ك أنه‪HH‬ا تبحث عن‬
‫االستعارة في القرآن وتفسره ال أكثر فإنها شهدت تط‪HH‬ورا ملحوظ‪HH‬ا على ي‪HH‬د‬
‫السكاكي‪.‬‬
‫لعّل اعتناء الع‪HH‬رب ق‪HH‬ديما به‪HH‬ذا المص‪HH‬طلح ليس من ع‪HH‬دم وإنم‪HH‬ا تفّط ن‪HH‬وا لم‪HH‬ا‬ ‫•‬
‫تحمله االستعارة من أسلوب فصيح وبليغ في النصوص األدبي‪HH‬ة والشعرية‪.‬‬
‫فال يخلوا ديوان شعري او نص أدبي من االستعارة فهي تعّد س‪HH‬الح الك‪HH‬اتب‬
‫او الشاعر في إبراز قدرته ومهارته البالغية‪.‬‬
‫يتفق السكاكي مع القائلين بأن االستعارة تشبيه بليغ ح‪HH‬ذف أح‪HH‬د طرفي‪HH‬ه‪ ،‬إال‬ ‫•‬
‫أن له إضافات في تقسيمه لالستعارة إلى تصريحية ومكنية‪.‬‬
‫استنادا إلى نقد القزويني تبينا عّد ة نقاط لعل أبرزها أن الس‪HH‬كاكي يخل‪HH‬ط بين‬ ‫•‬
‫االستعارة المكنية واالستعارة التبعية‪ ،‬ويقترح االدماج والجمع بينهم‪HH‬ا وه‪HH‬ذا‬
‫أمر غير ممكن ألن كل من هذين النوعين مستقل عن اآلخر‪ .‬بل إن‪HH‬ه أيض‪HH‬ا‬
‫يق‪HH‬ترح ض‪HH‬رورة االقتص‪HH‬ار في أقس‪HH‬ام االس‪HH‬تعارة ويجع‪HH‬ل التبعي‪HH‬ة قس‪HH‬م من‬
‫المكنية وهذا قول يعترضه القزويني الذي يرى أن التبعية واالص‪HH‬لية أقس‪HH‬ام‬
‫مهمة في االستعارة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫المصادر‬

‫‪ ‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد شمس الدين‪ ،‬المعجم المفّصل في علوم البالغة‬

‫‪ ‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ج‪1‬‬

‫‪ ‬أحمد جمال العمري‪ ،‬مفهوم اإلعجاز القرآني‬

‫‪ ‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل مشكل القرآن‬

‫‪ ‬محمد السيد شيخون‪ ،‬االستعارة نشأتها وتطورها‬

‫‪ ‬المبرد‪ ،‬الكامل في اللغة واآلداب‬

‫‪ ‬عبد هللا محمد شحاته‪ ،‬علوم القرآن‪ ،‬دار الغريب‬

‫‪ ‬الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم المعاني‪ ،‬دار المعرفة ‪8111,‬‬

‫‪ ‬الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة في علم البيان‬

‫‪ ‬القزويني‪ ،‬كتاب اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الجيل بيروت‬

‫‪ ‬اإلمام الطيبي‪ ،‬التبيان في البيان‬

‫‪ ‬بسيوني عبد الفتاح‪ ،‬علم المعاني دراسة بالغية ونقدية لمسائل المعاني‪ ،‬ط‪4‬‬

‫‪43‬‬

You might also like