Professional Documents
Culture Documents
مقدمات (1)
مقدمات (1)
یحدد ھویة وماھیة وجوھر الشخص ،فھل ھویة الشخص قائمة على المطابقة والتمركز حول الذات أم
ھویته مستمدة من انفتاحه الدائم على العالم واآلخرین؟.ھل یكفي القول بمعیار الفكر والوعي والشعور
والقدرة على التذكر كأساس للھویة الشخصیة أم أن لإلرادة دور في تحدید ھذه الھویة الشخصیة؟ وإلى أي
حد يمكن اعتبار أنها تتحدد ال شعوريا ؟
فمن أین یستمد الشخص قیمته؟ ھل انطالقا من كونه شخصا مالكا للوعي والفكر والحریة واألخالق
والحقوق أي باعتباره غایة في ذاتھ أم من كونھ وسیلة یمكن توظیفھا ألجل غایات أسمى؟
إن التفكیر في موضوع حریة الشخص بشكل خاص ھو أصال تفكیر في اإلنسان ككل ،والعكس صحیح،
من ھنا نفھم الداللة العمیقة لسؤال "ما اإلنسان؟" الذي ھو في األصل سؤال عن مصیر اإلنسان ،أي :ھل
یمكن أن یتحكم ویسیطر اإلنسان على مصیره الخاص؟ ھل ھو حر بما یكفي؟ وھل یمكن أن یصبح حرا
أكثر ،وبالتالي ما السبیل إلى تقلیص الموانع وتوسیع دائرة حریته؟.
لیس ثمة ذات بدون الغیر ،وسواء كان الغیر الذي أتصارع معھ وأتمرد علیھ وأسخر منھ أم كان ھو
الصدیق الذي أتعاطف معھ وأنجذب إلیھ فإنني في كلتا الحالتین ال أستطیع أن أعیش بدونھ ،وال أملك سوى
أن أحدد وجودي بإزائھ ،إن وجود الغیر قضیة أساسیة تتطلب منا معالجتھا فلسفیا إستحضار اإلشكاالت
التالیة:ھل وجود الغیر ضروري لكي أحقق وعیي بذاتي؟ بعبارة أخرى ھل وعیي بذاتي ھو وعي مباشر
ومستقل أم أن وعیي بذاتي ال بد أن یمر عن طریق الغیر؟ وكیف یمكنني إدراك وجود ھذا الغیر؟ ھل
بوصفھ شيء من األشیاء الموجودة في الطبیعة أم باعتباره أنا آخر غیري یستحق التقدیر واالحترام؟وكیف
یمكن أن یعترف بي من طرف ھذا الغیر؟ ھل من خالل الصراع من أجل االعتراف أم من خالل اإلعتراف
المتبادل؟.
فعل المعرفة یقتضي اإلستناد إلى العدید من الخطوات التي تؤسس لھذه المعرفة وخاصة العلمیة منھا ك:
(المالحظة/الموضعة/التشیيء/العزل/التجریب) وھي الخطوات التي ال یمكن أن نخضع إلیھا الغیر،
وحتى إن ادعینا إمكانیة ذلك فلن نعرف سوى جسمھ وجسده أما عالمھ الداخلي فیظل عسیرا على المعرفة
وصعبا على االختراق ،من ھنا تصدر إشكالیة معرفة الغیر التي نجملھا في :أال یؤدي فعل المعرفة
باعتباره ارتبط تاریخیا بالعلم والطبیعیة إلى تشیيء وموضعة اإلنسان وسلبھ كل خصائصھ الصوریة
(الوعي/الحریة/االستقاللیة/المسؤولیة )/؟ وھل معرفة الغیر ممكنة أم مستحیلة؟ وإذا كانت ممكنة فھل ھي
مطلقة ونھائیة وقابلة لتعمیم أم أنھا مجرد ظنون وأوھام وتخمینات قد یساھم ھذا الغیر في حد ذاتھ في خلقھا
لدي حینما یقدم نفسھ أمامي بصورة معینة؟
ما جعل الفالسفة یفكرون في الغیر وفي التنظیر للعالقة معھ على أسس أخالقیة تتجاوز اإلكراه القانوني
إلى االلتزام األخالقي تجاه ھذا الغیر باعتباره ذاتا وأنا آخر ،ولیس عدوا دائما أو خصما أو نقیضا مھددا
لألنا ومن ھنا یمكن التفكیر في إشكالیة العالقة مع الغیر انطالقا من جملة التساؤالت الفلسفیة :ما طبیعة
العالقة التي تجمع األنا بالغیر؟ ھل ھي عالقة أساسھا المتعة والمنفعة أم عالقة أساسھا الفضیلة؟ھل نصادق
اآلخرین ألننا نبحث عن الكمال أم ألننا نحس بالنقص؟ھل العالقة مع الغیر غایتھا حفظ البقاء والنوع أم
غایتھا تأسیس مجتمع یسوده التضامن والتسامح وینبذ الحرب والعنف؟
یتفق العدید من فالسفة العلم والعلماء على القول بأن نظریة ما ال تصبح علمیة إال إذا أثبتتھا التجربة،
فاالتفاق یشكل بالنسبة للنظریة الشرط الوحید لحقیقتھا ،لكن ما المقصود بالتجربة وفق ھذا القول؟ ھل
المقصود التجربة العفویة والتلقائیة التي على العالم مالحظتھا بدقة واإلصغاء إلیھا بأمانة وبدون أیة أطر
نظریة ،أم أن المقصود بھا ھو التجربة المصطنعة التي تتم في ظروف ووفق خطوات محددة مسبقا
بالنظریة نفسھا التي نسعى للتأكد من صدقھا؟ ھل العالم حینما یقوم بالتجربة یكون بمثابة اآللة التي تسجل
بأمانة ما تراه وتسمعھا في الواقع في استقالل عن الذاتیة أم معناه أن العالم ھو الذي یشید ویبني نموذجا
تجریبیا وفق خطوات یحددھا ھو بنفسه؟ بعبارة أوجز ھل ما یؤكد علمیة نظریة ما ھو التجربة باعتبارھا
إنصات وإصغاء ومالحظة للواقع أم ھو التجریب باعتباره مساءلة واستنطاق منھجي لھذا الواقع؟
لقد كانت العقالنیة العلمیة ھي ثورة على العقالنیة الدینیة للقرون الوسطى ،وقد قیست قیمتھا بالنتائج التقنیة
التي أدت إلى تثویر الواقع والتأثیر فیه وھو ما یدفعنا للتساؤل:حول :ما ھي خصائص العقالنیة العلمیة؟
وما ھي أسسھا و مرتكزاتھا؟ ھل ھي عقالنیة نسبیة أم عقالنیة مطلقة؟ھل اإلنتماء إلى العقالنیة العلمیة
معناه اإلیمان بأن التجریب العلمي ھو المصدر الوحید لكل معرفة علمیة أم معناه بأن العقل ھو مصدر ھذه
المعرفة؟ماھو دور كل من العقل والتجربة في إنتاج المعرفة العلمیة؟وما الفرق بین العقالنیة الفلسفیة
والعقالنیة العلمیة؟.
یتم تصنیف المعارف إلى علمیة وعادیة ،فالمعارف العلمیة ھي نتاج نظریات علمیة تتسم المعرفة التي
تنتجھا باإلطالقیة والشمولیة ،بینما المعارف العادیة والتلقائیة ھي نتاج الخبرة المباشرة الني نكتسبھا من
خالل احتكاكنا بالواقع ،لكن من خالل تأملنا في التحوالت التي عرفتھا العلوم و الثورات التي حدثت على
مستواھا والتي مست أسسھا ویقینیاتھا ،یمكننا التساؤل حول المعیار الذي یمكن من خاللھ أن نحكم على
علمیة نظریة علمیة ،فماھي الخصائص والشروط الواجب توفرھا في نظریة ما لتكون نظریة علمیة؟
بعبارة أخرى ،ماھي معاییر علمیة النظریات العلمیة؟ وما ھي مقاییس صدقھا وصالحیتھا؟ ھل التطابق مع
التجربة (الواقع) أم االتساق واإلنسجام المنطقي الداخلي بین مبادئھا؟
یعتقد جمیع الناس أن ما یعرفونه ویرونه ھو حقیقي بالنسبة إلیھم وإلى الجماعة التي ینتمون إلیھا ،لكن العلم
في كل مرة یقلب أوھامنا ویكشف لنا أن أغلب ما اعتقدنا بكونه حقیقي لیس سوى رأي ومعرفة تلقائیة
وظنیة متغیرة ،و انطالقا من مختلف الدالالت التي تحیل علیھا مختلف المفاھیم یمكننا صیاغة اإلشكال
الفلسفي :ما طبیعة العالقة بین الرأي والحقیقة؟ھل ھي عالقة اتصال أم انفصال؟بعبارة أخرى ھل یمكن أن
نعتمد على اآلراء المشتركة والشائعة في تأسیس الحقیقة أم یجب تجاوزھا ونسفھا؟وھل الحقیقة معطاة
بشكل قبلي في الواقع أم ھي نتیجة بناء وحوار بین العقل والواقع وبین الفكر ومواضیعھ؟
یحیل مفھوم المعیار على األداة التي من خاللھا نقیم الشيء ونقیس وزن ه وكمیته وحجمه وفي مجال الفلسفة
فالمعیار ھو المقیاس الذي من خاللھ نحكم على شيء ما ،وعلى ھذا األساس فإن اإلشكال ھنا ھو المقیاس
الذي من خاللھ نتمكن من معرفة ما ھو حقیقة ،لكن إذا كانت الحقیقة تتعارض مع الرأي ولیست في متناول
جمیع الناس كما ذھب إلى ذلك أفالطون في أسطورة الكھف الذي جعلھا حكرا على العالم والفیلسوف،
فكیف نستطیع بلوغ الحقیقة وتأسیسھا؟ وما ھو المعیار الذي نستطیع من خالله الحكم على أن معرفة ما ھي
معرفة حقیقة؟ھل معیار المطابقة مع الواقع أم معیار المطابقة مع العقل أم معیار المطابقة لذاتھا؟
نعثر في قلب كل المشاریع الفلسفیة سواء التي تنتمي إلى الفلسفات التقلیدیة أو التي تنتمي إلى المعاصرة
حضورا واضحا للحقیقة وللبحث عنھا ،وكأن لھذه الحقیقة قیمة ما تحملھا ،فالمواطن یطالب السیاسي
بالحقیقة ،ورجل السیاسة یؤكد للمواطن أنھ یقول الحقیقة بخالف غیره ،فالشيء نتداولھ أو نتحدث فیھ أو
نؤسسه سواء كان علما أو فلسفة وإال و كان ادعائنا ھو البحث عن الحقیقة ،نظرا لكونھا تمثل ما یریده
الناس ،ویتخذونھا مثال أعلى ونموذجا یسعى لتحصیلھ كل فكر سواء كان نظریا أو عملیا ،فھل الحقیقة غایة
في ذاتھا أم مجرد وسیلة لتحقیق المنفعة والمصلحة؟ وھل تتحدد قیمة الحقیقة بما ھو أخالقي أم بما ھو
عملي ونفعي؟.
تعّر ف "الدولة" بكونھا مجموع المؤسسات القانونیة واإلداریة والعسكریة التي یتم إنشاؤھا من لدن جماعة
من الناس بموجب عقد مشترك لغرض تنظیم حیاتھم في كافة المیادین والمجاالت" األمر الذي یجعل مفھوم
الدولة ینطوي على مفارقة فلسفیة مھمة ،إذ تتجاور فیه مفاھیم أخرى متقابلة وقیم متضادة (بین ادعائھا
لتحقیق األمن وممارستھا للعنف مثال) من ھنا یمكن أن نطرح مجموعة من اإلشكاالت الفلسفیة ونتساءل ما
الغایة من تأسیس الدولة ومن أین تستمد مشروعیتھا؟ وما الغایة من وجودھا أصال؟
لم تعد السلطة دائما ممركزة في ید الدولة وفي أجھزتھا المركزیة وكأنھا قدرة فزیائیة قابلة للتوزیع أو
المركزة ،بل أصبحت السلطة منتشرة في ثنایا الجسم اإلجتماعي وبالتالي فھي مجرد عالقات وصراع
إرادات وقوى في نھایة المطاف ،حتى إن اعتبرنا السلطة أمرا مالزما لكل دولة ،فھذه األخیرة ال یمكنھا
تحقیق غایتھا وإخضاع األفراد لقوانینھا إال من خالل سلطة تخول ممارستھا لجھات وقوى معینة :فأین
تكمن وتتحدد الجھات المخول لھا ممارسة السلطة في الدولة؟ھل تتحدد فقط في ید الحاكم أم تمارس عبر
أجھزة ومؤسسات؟ ھل یمكن اعتبار السلطة دائما ممركزة في مؤسسات الدولة أم أنھا مشتتة وحاضرة لدى
كل القوى الفاعلة داخل المجتمع بما فیھا تلك التي تعمل ضد السلطة؟
الدولة ال تكتفي بالقوانین ،بل أحیانا ترى في ممارسة العنف الحل الوحید في تعاملھا مع مطالب مواطنیھا،
مما یجعلھا منخرطة في ممارسة العنف الذي ادعت أنھا ستقضي علیه مبررة ذلك بكونه ممارسة
مشروعة ،وفي ھذا الصدد وجب التساؤل فلسفیا :ھل یحق للدولة ممارسة العنف؟ ألیس تناقضا أن تلجأ
الدولة إلى استخدام القوة والعنف من أجل تجاوز العنف والقوة التي تصدر من المواطنین؟ھل یمكن تبریر
ممارسة العنف بأي شكل من األشكال سوءا من طرف الدولة أم طرف المواطنین؟ وھل عنف الدولة ھو
عنف مشروع وقانوني؟ وھل یمكن تبریر العنف الذي تمارسه الدولة أصال؟ وھل یمكن الحدیث عن عنف
مشروع؟بعبارة أدق أیة مشروعیة یمتلكھا العنف؟
اذا كان الحق معطى طبیعي یتجسد في كونھ مثال أخالقي فإنھ ال یصبح ذا قوة إلزامیة إال حینما یتم تقنینھ
والتواضع علیھ بكونھ حقا لكي تكون لھ قوة إكراھیة ،وعلى ھذا األساس نتساءل :ھل الحق قیمة متجذرة
في طبیعة اإلنسان األصلیة؟ أم ھو قیمة ثقافیة وضعیة؟ ھل وجد الحق منذ وجد اإلنسان الطبیعي؟ أم ھو
نتیجة اتفاق إرادي أبدعھ اإلنسان المدني؟ومن أین یستمد الحق قوتھ اإللزامیة ھل من القانون أم من قیمتھ
األخالقیة؟بعبارة أخرى ھل یتأسس الحق على ما ھو طبیعي أم على ما ھو وضعي؟.