Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 137

‫ماســــتر‪ :‬السيـــاسات العمــــومية‬

‫رسالة لنيــــل شهادة الماستـــر في القانـــون العام‬


‫والعلوم السياسية حول موضوع‪:‬‬

‫تقييم السياسات العمومية‬


‫بالمغرب‪:‬‬
‫دراسة مسار المأسسة على ضوء النماذج الدولية‬

‫تحت إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫إنجاز الطالب‪:‬‬


‫د‪ .‬اإلدرسي برضوان عبد العزيز‬ ‫أمعطي عبد الحق‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬

‫د‪ .‬اإلدريســـي برضـــوان عبـــد العزيـــز‪ :‬أســـتاذ التعلـــيم العـــالي بوليـــة العلـــوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية‪ ................‬مشرفا ورئيسا‬

‫د‪ .‬محمد سليم الورياكلي‪ :.‬أسـتاذ التعلـيم العـالي بوليـة العلـوم القانونيـة‬
‫واالقتصادية واالجتماعية المحمدية‪…................‬عضوا‬

‫د‪ .‬خالــــد المبروكــــي‪ :.‬أســــتاذ التعلــــيم العــــالي بوليــــة العلــــوم القانونيــــة‬


‫واالقتصادية واالجتماعية المحمدية ……‪ .......................‬عضوا‬

‫‪2020/2021‬‬
‫اإلهداء‬

‫إلى أمي وأبي وجميع أفراد العائلة؛‬

‫إلى من كانت لي سندا؛‬

‫إلى زمالء المعرفة والعلم؛‬

‫أهدي هذا العمل‪ ،‬عساه أن يكون مفيدا‪.‬‬


‫شكر‬
‫وتقدير‬

‫في البداية أود شكر األستاذ د‪ .‬عبد العزيز برضوان اإلدريسي على‬

‫تأطيره وإشرافه على هذا العمل‪.‬‬

‫كما ال يفوتني شكر كل من ساهم من قريب أو من بعيد في‬

‫إنجاز هذا البحث‪.‬‬

‫وال يفوتني أيضا‪ ،‬شكر أعضاء لجنة المناقشة على قبولهم مناقشة‬

‫هذا العمل المتواضع‪.‬‬


‫المقدمة‬
‫برزت موضوعات ترشيد ونجاعة الانفاق العمومي‪ ،‬وحكامة الفعل العمومي‪ ،‬وتقدير جدوى وآثار‬

‫السياسات والبرامج العمومية‪ ،‬منذ منتصف القرن الماضي‪ ،‬على أنها محاور مركز ية ضمن النقاش حول الفعل‬

‫العمومي‪ .1‬وقد ارتبط هذا النقاش أساسا بالتحولات التي شهدتها بنيات الدولة وشبكة أدوارها‪ .‬وبناء‬

‫عليه‪ ،‬بدا أن إرساء أنظمة للحكامة وتقييم الفعل العمومي عناصر مركز ية لتحقيق أي تنمية منشودة‪.2‬‬

‫و يعد تقييم السياسات العمومية حقلا معرفيا وبناء مؤسساتيا ذي أهمية كبرى‪ 3‬من حيث ارتباطه‬

‫برهانين أساسين على الأقل‪:4‬‬

‫▪ رهان العقلنة‪ :‬أي قدرة التقييم على إنتاج الحجج والأدلة القو ية حول سير‪ ،‬وفاعلية‪ ،‬ونجاعة السياسات‬

‫والبرامج العمومية‪ .‬إضافة إلى إمكانية إدماج هذه الحجج والأدلة في صيرورة القرار‪ ،‬وتحسين أدائه‪،‬‬

‫وتفاعله مع المتغيرات البيئية‪.‬‬

‫▪ رهان المأسسة‪ :‬أي أن التقييم باعتباره بناء مؤسساتيا يثير إشكالية شرعية ومشروعية تدخلات الدولة‬

‫ومدى قدرة المجتمعات‪ ،‬عبر مؤسساتها‪ ،‬على خلق نوع من السلطة المضادة القادرة على تقدير جدوى‬

‫وفعالية هذه التدخلات‪ ،‬وإثارة النقاش حولها وتغيير مسارها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪S. Fritz, “Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference?” In; Evaluation and Program‬‬
‫‪Planning, [http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004]. last access: 10.11.2020.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J. Z. Kusek & R. C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour mettre en place‬‬
‫‪un système de suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les praticiens du développement, Les‬‬
‫‪Éditions Saint-Martin, 2006.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪"l'évaluation est absolument essentielle, tant sur le plan politique, en termes de responsabilité envers ceux qui‬‬
‫‪financent le système, que sur le plan éthique, en termes de garantie d'utiliser au mieux les ressources‬‬
‫‪disponibles.", voir : J. Furubo, S. Speer, S. Jacob, « The institutionalization of evaluation matters : Updating the‬‬
‫‪International Atlas of Evaluation 10 years later », In ; Evaluation, Vol. 21(1) 6–31, 2015.‬‬
‫ن‬
‫المي‪.‬‬ ‫الرهاني المشار إليهما ن يف‬
‫ن‬ ‫‪ 4‬نقول عىل األقل؛ ألن أهمية التقييم ال تنحرص عىل‬

‫‪1‬‬
‫وفق هذا التصور‪ ،‬ومنذ الستينات‪ ،‬تعاظمت مجهودات الدول لإرساء أنظمة تقييم تستجيب‬

‫لخصوصيتها المؤسساتية والسياسية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وتقيس فعالية ونجاعة تدخلاتها في مجالات حياة مواطنيها‪،‬‬

‫من جهة أخرى‪ .‬وتعد هذه المجهودات مكونات لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫إن المأسسة نتيجة يتم الوصول إليها باعتبارها ديناميات وتفاعلات ونتائج وليست معطيات ثابتة أو‬

‫مسبقة‪ .5‬وكذلك‪ ،‬في ارتباطها بالسياقات التار يخية والسياسية والمؤسساتية التي تتم ضمنها‪ .‬ويمكن أن نفهم‬

‫مأسسة تقييم السياسات العمومية على أنها صيرورة إرساء أنظمة التقييم وضمان استقرارها وتجذرها في‬

‫الممارسات الإدار ية والسياسية عن طر يق السياسات والإستراتيجيات المختلفة‪.6‬‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬تهدف هذه الدراسة‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى دراسة الأبعاد النظر ية والمفاهيمية والمنهجية‬

‫لتقييم السياسات العمومية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬إلى دراسة مفهوم المأسسة وتطبيقاته في مجال التقييم‪،‬‬

‫وأيضا‪ ،‬التركيز على دراسة النموذج المغربي على ضوء بعض النماذج الدولية‪.‬‬

‫وتتداخل‪ ،‬في اختيارنا لهذا الموضوع‪ ،‬دوافع موضوعية وأخرى ذاتية‪:‬‬

‫على المستوى الموضوعي‪ ،‬حفزتنا‪ ،‬من جهة‪ ،‬أهمية الموضوع؛ خصوصا أن تناوله لم يتم بالشكل الملائم‬

‫في الأدبيات الأكاديمية والبحثية في المغرب‪ .7‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ل كونه يتعلق بإشكالية أكثر عمومية‬

‫تتمثل في التحولات التي لحقت شرعية ومشروعية تدخلات وفعل الدولة‪ .‬و بشكل خاص‪ ،‬على مستوى‬

‫البلدان السائرة في طر يق التنمية‪ .8‬وفي الأخير‪ ،‬لأنه رهان معرفي و بحثي يوازي بين المستوى النظري‬

‫‪5‬‬
‫‪P. Lascoumes & C. L. Fougère, Les scènes multiples de l’évaluation : Les problèmes récurrents de son‬‬
‫‪institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013, p 16.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪B. Lázaro, Comparative study on the institutionalization of evaluation in Europe and Latin America, Published‬‬
‫‪by: EUROsociAL Programme Area: Public Finance, Series: State of the Art, Study n. 15, 2015, p 15.‬‬
‫الت تطرقت للموضوع‪ ،‬فال توجد أي دراسات جامعية تعالج الموضوع ن يف المغرب (توجد أطروحة‬
‫بخالف بعض التقارير الرسمية وشبه الرسمية ي‬
‫‪7‬‬

‫حول تقييم السياسات بالمغرب باللغة الفرنسية)‪ ،‬وبشكل خاص باللغة العربية‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪J. Z. Kusek & R. C. Rist, Op. Cit., p1.‬‬

‫‪2‬‬
‫والمستوى التطبيقي‪ .‬لهذا‪ ،‬يتطلب الموضوع دراسة المداخل النظر ية والمنهجية للتقييم ومفهوم المأسسة‪.‬‬

‫وكذلك‪ ،‬دراسة مقارنة للنماذج الدولية من حيث سياقاتها وأبعادها العملية‪.‬‬

‫وأما على المستوى الذاتي‪ ،‬فقد اكتشفنا الموضوع في إطار دراسة وحدة تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫وقد أثارنا تعدد أشكال ومسارات مأسسة التقييم في مختلف النماذج التي قمنا بدراستها‪ .‬وطبعا‪ ،‬طرحنا‬

‫التساؤل حول المغرب ومدى قدرته على إرساء وتطوير نظام للتقييم‪ .‬إن هذا التساؤل شكل الدافع الرئيسي‬

‫لدراستنا للموضوع‪.‬‬

‫بناء على ما سبق‪ ،‬تنطلق دراستنا لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية من السؤال التالي‪ :‬كيف‬

‫يمكن مأسسة تقييم السياسات العمومية؟‬

‫ويتضح أن مسار الإجابة على هذا السؤال يحيلنا على دراسة الأبعاد المركبة والمتداخلة لمفهومي‬

‫المأسسة والتقييم‪ .‬بالإضافة إلى كون هذه الأبعاد ليست محصورة في الشق النظري فقط‪ ،‬بل تتعداه‬

‫لمستو يات ذات طابع عملي‪ ،‬وهو ما سنحاول ال كشف عنه‪ ،‬عند دراسة النماذج الدولية‪ ،‬وعلى ضوئها‬

‫مسار مأسسة التقييم بالمغرب‪.‬‬

‫يظهر إذا أن الموضوع يطرح العديد من الإشكاليات‪ .‬ولعل أهمها تتمثل في مسارات صياغة الأساس‬

‫المعرفي والمفاهيمي لتقييم السياسات العمومية وتأثيره على تبني هذه المقاربة كنظام مؤسساتي‪ .‬وكذلك‪،‬‬

‫تعقيدات وتفاعلات مسار المأسسة والعوامل المؤثرة بها على المستوى السياسي والاجتماعي‪ .‬لهذا‪ ،‬ستركز‬

‫دراستنا على تبيين ماهية العوامل والأبعاد التي تؤثر في مسار مأسسة التقييم‪ .‬وبشكل خاص‪ ،‬سنركز على‬

‫المغرب‪ .‬وعليه‪ ،‬يمكننا أن نصوغ سؤالنا الإشكالي كما يلي‪ :‬ماهي العوامل المؤثرة في مسار مأسسة التقييم‬

‫في المغرب؟‬

‫‪3‬‬
‫من أجل مقاربة هذه الإشكالية طرحنا بعض الأسئلة الفرعية‪:‬‬

‫ماذا نعني بالتقييم؟ وماذا يعني مسار المأسسة؟‬ ‫•‬

‫ما هي المقاربات النظر ية التي تطرقت لمأسسة تقييم السياسات العمومية؟‬ ‫•‬

‫كيف تطورت أنظمة التقييم في النماذج المقارنة؟ ومن هم الفاعلون المتدخلون في تقييم‬ ‫•‬

‫السياسات العمومية؟‬

‫ما مدى تطور نظام التقييم بالمغرب؟ وما العوامل المؤثرة في مسار مأسسته؟‬ ‫•‬

‫في هذا الإطار‪ ،‬نقترح معالجة موضوع دراستنا وفق تصور منهجي قائم‪ ،‬من جهة‪ ،‬على التحليل؛‬

‫حيث سنتناول بالتحليل الأصول المعرفية والنظر ية لموضوع دراستنا وتطوراتها الراهنة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫على المقارنة؛ عبر دراسة الاختلافات والتشابهات القائمة بين النماذج المدروسة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وسيتم تناول الموضوع على مستوى البناء الشكلي وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬المفاهيم والمقاربات النظرية‪.‬‬

‫سنتطرق‪ ،‬من خلال هذا الفصل‪ ،‬للأبعاد المفاهيمية سواء المرتبطة بتقييم السياسات العمومية أو‬

‫المتعلقة بمفهوم المأسسة‪ .‬كما سندرس تطبيقات هذا الأخير على مستوى العلوم الاجتماعية‪ ،‬ونختم بالتطرق‬

‫للأبحاث والدراسات التي قاربت مسارات مأسسة تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬دراسة النموذج المغربي على ضوء‬

‫النماذج الدولية‪.‬‬

‫يتطرق هذا الفصل لدراسة النموذج المغربي على ضوء النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫ونتناول‪ ،‬من جهة‪ ،‬السياقات العامة وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية لتطور أنظمة التقييم في النماذج‬

‫المقترحة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ندرس تطور ممارسات التقييم في المغرب والعوامل المؤثرة في إرساء وتطور‬

‫نظام للتقييم به‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‬
‫مأسسة تقييم السياسات العمومية‪:‬‬

‫المفاهيم والمقاربات النظرية‬


‫يهدف هذا الفصل‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى تحديد الإطار المفاهيمي والتطورات التار يخية‪ ،‬والمعرفية‪،‬‬

‫والمنهجية المتعلقة بمفهوم التقييم (المبحث الأول)‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬سينصب هذا الفصل كذلك على‬

‫دراسة مفهوم المأسسة كما تطور في العلوم الاجتماعية وتطبيقاته العملية في دراسات بعض الباحثين‪.‬‬

‫كذلك‪ ،‬سيتم عرض التصورات النظر ية التي جمعت بين مفهوم التقييم ومفهوم المأسسة (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫ضمن الإطار المفاهيمي والمعرفي‪ ،‬سنتطرق‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى المقصود بمفهوم تقييم السياسات العمومية‪،‬‬

‫وأبعاده النظر ية‪ ،‬وتطوراته التار يخية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬سنهتم بدراسة أبعاد المفهوم المنهجية والعملية‪.‬‬

‫يرى بعض الباحثين أن التقييم مسار (‪ )Démarche‬ذو طبيعة مؤسساتية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وتركيز على‬

‫الجانب العملي‪ .9‬لهذا‪ ،‬يجب فهم اقتران التقييم بالمأسسة‪ .‬و يعود هذا الاقتران إلى عوامل عدة تتمثل في‬

‫كل من استراتيجيات الفاعلين ورهاناتهم‪ ،‬والخلفيات الثقافية والعلمية‪ ،‬والإرث المؤسساتي والسياسي‪،‬‬

‫وطبيعة التنظيم والفعل الإداري‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬يعتبر اقتران التقييم بالمأسسة تفاعلا ذو طبيعة سياسية‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم‪ ،‬يمكن أن نفهم ارتباط مأسسة التقييم برهانات الفاعلين المؤسساتيين‪ ،‬والإدار يين‪،‬‬

‫وتوازنات السلطة المحركة لأي منظور إصلاحي‪ .‬لهذا‪ ،‬سنتطرق‪ ،‬فيما يأتي‪ ،‬للتفاعل بين تقييم السياسات‬

‫والمأسسة عند دراسة تطورها حيث سيتم عرض مختلف التصورات والمقاربات المرتبطة بهذا الموضوع؛‬

‫سواء تلك المرتكزة على الدولة أو تلك المرتكزة على التنظيمات‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪Aboulaaguig A. L’évaluation Des Politiques Publiques, Outil D’amélioration De L’efficacité De L’action Publique : Etude De‬‬
‫‪L’évaluation D’impact De L’indh, Thèse de Doctorat en Sciences économiques, Faculté des sciences Juridiques Economiques‬‬
‫‪et Social de Meknès, 2014/2015, p 154.‬‬

‫‪6‬‬
‫يظهر أن تطور التقييم كنظام مشروط بطبيعة الدولة التي ينتج ضمنها وطبيعة النخب القادرة على‬

‫تبنيه‪ ،‬بالإضافة إلى الخلفيات الثقافية التي من خلالها يتم تعر يف وتبرير الشيء العمومي‪ .10‬في هذا الصدد‪،‬‬

‫يمكن ملاحظة أن أغلب الباحثين يعتبرون مأسسة التقييم مسار يتم في إطار من القيود السياسية‬

‫والاجتماعية القائمة‪ .‬ويمكن الذهاب أبعد من هذا والقول بفكرة كون مسار المأسسة ذاته مسار مبني‬

‫سياسيا‪ .12‬نستنتج مما سبق أن تقييم السياسات‪ ،‬ومسار مأسسته‪ ،‬يجد معناه في‬ ‫‪11‬‬
‫اجتماعيا ومتمفصل‬

‫ظل علاقات اجتماعية وسياسية معقدة وأكثر اتساعا‪.13‬‬

‫يجب فهم هذا المسار وفق تصور غير محصور ومقيد‪ .‬إن اعتماد المنظور القانوني وحده‪ ،‬رغم أهميته‪،‬‬

‫لا يمكننا من فهم دور وتأثير مختلف الفاعلين في مسار مأسسة التقييم‪ .‬لهذا‪ ،‬يعد اعتماد منظور يجد أصوله‬

‫في نظر يات التنظيمات‪ ،‬وبشكل أخص الدراسات حول مفهوم المأسسة‪ ،‬ذا وجاهة معرفية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪N. Okbani., Institutionnaliser L’evaluation Au Sein D’une Organisation : Enjeux, Pratiques, Usages Dans Une‬‬
‫‪Caisse D’allocation Familiales, Thèse de Doctorat en Sciences Politique, Université de Bordeaux,2016, p12.‬‬
‫‪ 11‬نقصد بعبارة متمفصل سياسيا‪ :‬أن التقييم يختق مستويات متعددة مؤسساتيا وسياسيا‪ ،‬حيث يغت قواعد اللعبة نف العالقات ن‬
‫بي الفاع ن‬
‫لي‬ ‫ي‬
‫التامج والسياسات العمومية‪ ،‬ويقوي الممارسات وقواعد الشفافية‪ ،‬الحكامة‪ ،‬والمسائلة‪.‬‬
‫ورهاناتهم‪ ،‬ويغت هيكليا كيفية صياغة وتنفيذ ر‬
‫‪12‬‬
‫‪D. Taylor, S. Balloch, The Politics of Evaluation: Participation and Policy Implementation, The Policy Press of‬‬
‫‪University of Bristol, 2005, p 1.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Ibid., p1.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تقييم السياسات العمومية‪ :‬اإلطار المعرفي والتاريخي والمنهجي‬

‫يمكن تسجيل الارتباط الوثيق لمفهوم تقييم السياسات العمومية بتعزيز حكامة التدبير العمومي وذلك‬

‫من خلال إشاعة المعلومة (تقارير تقييمية حول نتائج وآثار السياسات العمومية)‪ ،‬وتحسين أداء وفاعلية‬

‫تنفيذ البرامج العمومية (تكريس الممارسات الفضلى المتعلقة بالتدبير العمومي)‪ ،‬ومحاولات تطوير محتوى‬

‫هذه البرامج عبر التوصيات والدروس الممكن استخلاصها من تقارير التقييم (أي خلق علاقة جدلية بين‬

‫السياسة والمعرفة)‪.14‬‬

‫و يطرح مفهوم التقييم صعوبات كبيرة من حيث تناوله كموضوع للدراسة‪ .‬من جهة‪ ،‬نجد صعوبة في‬

‫تحديد تعر يف شامل ومتفق عليه بخصوص مفهوم التقييم عند مراجعة الأبحاث والدراسات المختصة في‬

‫هذا المجال‪ .‬كذاك‪ ،‬لا يعد هذا المفهوم وليد لحظة محددة بل هو نتاج تطور تار يخي تتفاعل فيه الأبعاد‬

‫المعرفية والسياسية (المطلب الأول)‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬تتجلى صعوبة تناول هذا المفهوم في تعدد أنواعه‬

‫حسب زمن القيام به أو مكوناته‪ .‬يضاف إلى ما سبق‪ ،‬تعدد المقاربات المنهجية التي يتم اعتمادها لإنجازه‬

‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫تكمن أهمية هذا المبحث في تعر يفه بالتراكم المعرفي والنظري الخاص بدراسة تقييم السياسات‬

‫العمومية‪ .‬كذلك‪ ،‬يوضح طبيعة الموضوع و يحاول تدقيقه بحيث يمكن التخلص مما عانى و يعاني منه هذا‬

‫المفهوم من غموض‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪« La mise en place d’outils d’évaluation correspond à une volonté d’intégrer l’expertise à l’action publique afin‬‬
‫‪d’en améliorer l’efficacité dans la logique de rationalisation portée par les Policy sciences en articulant savoir et‬‬
‫‪décision » Voire : P. HASSENTEUFEL, Sociologie politique l’action publique, Collection U,2 éditions, 2011, p : 282.‬‬

‫‪8‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تقييم السياسات العمومية‪ :‬األبعاد المفاهيمية والتاريخية والمعرفية‬

‫يحاول هذا المطلب مقاربة القضايا الأساسية المتعلقة بالأبعاد المفاهيمية والتار يخية والمعرفية للتقييم‪.‬‬

‫ويتطلب الأمر دراسة المفهوم من خلال استعراض تعر يفاته المختلفة (الفرع الأول)‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬سنمر‬

‫إلى دراسة الأبعاد التار يخية لتطور المفهوم واستخداماته وأصوله النظر ية (الفرع الثاني)‪ .‬وفي الأخير‪،‬‬

‫سنتطرق للتقييم باعتباره بؤرة للتفاعل بين المعرفة والسياسة (الفرع الثالث)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التقييم‪ :‬محاولة صياغة تعريف‬

‫يشير الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية الذي صاغه مجلس النواب إلى مسألة في غاية الأهمية‬

‫أثناء تناول مفهوم التقييم‪ ،‬حيث يعتبر أن‪" :‬وظيفة التقييم غالبا ما تعاني من سمعة سلبية بحيث ينظر إليها‬

‫من زاو ية "المراقبة" أو "التدقيق" أو "الافتحاص" نظرا لما يتولد عن هذه الوظائف من تبعات ذات طابع‬

‫رقابي‪ ."15‬إن هذا الارتباك على مستوى تمييز المفهوم عن المفاهيم المشابهة يتعاضد وتعدد تعر يفات مفهوم‬

‫‪16‬‬
‫إذ أن الاطلاع على خمس مراجع مختلفة سيجعلك تجد خمس تعر يفات مختلفة‪ .‬يتعلق‬ ‫التقييم ذاته‬

‫الأمر إذن بحقل معرفي لاتزال مفاهيمه وتطبيقاته غير واضحة المعالم‪.17‬‬

‫يتم تداول المصطلح بشكل كبير على مستوى الخطاب اليومي‪ ،‬سواء خطاب العامة‪ ،‬أو الفاعلين‬

‫الرسميين وغير الرسميين أو الأكاديميين‪ .‬يتضمن هذا التداول اختلافات تجد جذورها في تنوع التجارب‬

‫المهنية والتوجهات النظر ية التي يتبناها أصحاب التعار يف‪ .‬و يتم استخدام مصطلح "تقييم" عموما للإحالة‬

‫المرجع لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪ ،‬العدد ‪ ،2015 ،1‬ص‪ 6‬وما يليها‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ 15‬مجلس النواب‪ ،‬اإلطار‬
‫‪16‬‬
‫‪Pour plus d’approfondissement sur les différences entre l’évaluation et les autres pratiques similaires, voire :‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p114-119.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪V. Ridde & al, Approches et pratique en évaluation de programmes, 2 éd, Presse de l’Université de Montréal,‬‬
‫‪2012, p1.‬‬

‫‪9‬‬
‫على عمليات قياس‪ ،‬أو فهم‪ ،‬أو تقدير‪ ،‬أو حكم على آثار‪ ،‬ومسار‪ ،‬ومكونات سياسات أو برامج عمومية‪.‬‬

‫ويتعلق الأمر هنا بالدراسة المنهجية لوضعية على قاعدة الوقائع والملاحظة‪ ،18‬أي بناء حكم صلب علميا‬

‫ومشروع اجتماعيا وسياسيا‪.‬‬

‫يتعلق تقييم السياسات والبرامج العمومية أيضا بمسار عام للإصلاح المؤسساتي وتحديث وعقلنة الفعل‬

‫العمومي‪ .‬و يجد أصوله في التطورات التي لحقت حقول العلوم الاجتماعية ومناهجها العلمية‪ .‬هنا‪ ،‬يمكن‬

‫القول إن التقييم يقع بين حدود المعرفة‪ ،‬والخبرة‪ ،‬والسياسة‪ .‬بناء على ما تقدم‪ ،‬يعد التقييم عملية منهجية‬

‫لتجميع المعطيات بغاية إنتاج معرفة حول الفعل العمومي‪ .‬كذلك‪ ،‬يعد تعبيرا عن مسار العقلنة‪ ،‬وتحديث‬

‫الإدارة‪ ،‬وتوسيع مجال تدخل "الخبراء"‪ ،‬عبر ما يسمى "المعارف الحكومية"‪ ،19‬والتأثير في صيرورة‬

‫السياسات العمومية‪ .‬في الأخير‪ ،‬يندرج التقييم ضمن علاقات سلطة أي أنه يجد معناه في علاقات سياسية‬

‫واجتماعية وثقافية أكثر اتساعا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫يشير إلى إمكانية تمييز ثلاث‬ ‫ضمن هذا السياق نجد ان الدليل المصغر لتقييم السياسات العمومية‬

‫مستو يات أو أنواع من التعر يفات التي قاربت مفهوم التقييم‪ ،‬والمستمدة من الأعمال الأساسية في هذا‬

‫الحقل‪:‬‬

‫• تعر يف يعتبر التقييم كنشاط معرفي (‪ ،)cognitive‬فيصبح التقييم هنا بحثا عن إنتاج معرفة‬

‫واسعة حول آثار ونتائج السياسة أو البرنامج وذلك عبر التحقيق في النتائج المنسوبة للسياسة وآثار‬

‫العوامل الخارجية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p 104.‬‬
‫‪ 19‬ه مجموع المعارف الت تمكن الدولة من إنتاج وتعزيز النظام‪ ،‬والتكنولوجيات الت تمكنها من حكم التاب والسكان‪ .‬لالطالع ر‬
‫أكت‪ ،‬انظر‪ :‬بيت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ميلر‪ ،‬السياسات العمومية‪ ،‬ترجمة عبد المالك إحزرير‪ ،‬مطبعة مكتبة سجلماسة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪ ،2018‬ص ‪ 5‬ومايليها‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Conseil scientifique de l’Evaluation, petit guide de l’évaluation des politiques publiques, Ed. La Documentation‬‬
‫‪française, Paris, 1996, p10-11.‬‬

‫‪10‬‬
‫• تعر يف يركز على الجانب المعياري (‪ ،)Normative‬و يعتبر التقييم ضمنه تقديرا للقيمة التي تم‬

‫تحقيقها‪ ،‬وجودة الفعل التي تم القيام بها في إطار السياسة أو البرنامج محط التقييم‪.‬‬

‫• تعر يف يتطرق للبعد الأداتي (‪ ،)Instrumentale‬وينصب اهتمامه على الجوانب المتعلقة‬

‫بالجدوى‪ ،‬والفعالية‪ ،‬ونجاعة الإجراءات التي تدعي تطوير عيش الساكنة‪.‬‬

‫إن هذه المستو يات من التعار يف ليست منفصلة عن بعضها البعض بل يمكن القول إن التقييم هو‬

‫تكثيف لهذه الأبعاد الثلاث‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقييم‪ :‬نظرة تاريخية‬

‫إن المنظور التار يخي سيمكننا من فهم تنوع وتعدد الممارسات والتعار يف حيث يمكن اعتبار التقييم‬

‫في شكله الراهن نتاج عمليات البناء وإعادة بناء أدوات ومناهج إنتاج المعارف حول الفعل‪ .21‬رغم كون‬

‫‪22‬‬
‫فإن تقييم‬ ‫بعض الدراسات تتحدث حول الأصول التار يخية العميقة لممارسات التقييم‬

‫البرامج والسياسات‪ ،‬كما نعرفه اليوم‪ ،‬تشكل في بديات القرن السابق؛ خصوصا في الولايات المتحدة‬

‫الأمريكية‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬يتم التمييز بين أربع أجيال وستة فترات تقابلها خصائص تميز كل فترة (انظر‬

‫الجدول ‪.)1‬‬

‫‪21‬‬
‫‪Brousselle A. & Al, L’évaluation : Concepts Et Méthodes, Presses De l’Université De Montréal, 2éd, 2011, P27‬‬
‫‪22‬‬
‫‪Ibid., P28. Voir Aussi: Valéry Ridde & Al, Op. Cit., P1; F. Madaus & Al, Evaluation Models Viewpoints on‬‬
‫‪Educational and Human Services Evaluation, Kluwer Academic Publishers, 2éd, 2002, P3-4.‬‬

‫‪11‬‬
‫جدول ‪ :1‬المراحل البارزة في تاريخ التقييم‬

‫الخصائص الأساسية‬ ‫الفترات‬ ‫أجيال التقييم‬

‫القياس ‪Mesure‬‬ ‫الإصلاحية (‪)1900-1800‬‬ ‫الأول‬

‫النجاعة والتجريب (‪)1930-1900‬‬

‫الوصف ‪Description‬‬ ‫عصر البراءة (‪)1960- 1930‬‬ ‫الثاني‬

‫الحكم ‪Jugement‬‬ ‫الانفجار (‪)1973- 1960‬‬ ‫الثالث‬

‫الاحترافية والمأسسة (‪)1990 – 1973‬‬

‫التفاوض ‪Négociation‬‬ ‫الشكوك (‪)... -1990‬‬ ‫الرابع‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.23‬‬

‫تستند الإصلاحية الى فكرة أساسية وهي أن العلم والعقلانية يمثلان الأدوات الأساسية التي يمتل كها‬

‫الانسان لرفع قدرته على المعرفة بالعالم وتحسين شروط حياته‪ .‬وقد صاحب ظهورها سياقا عاما اتسم‬

‫بصيرورة التصنيع والتمدن السر يع وما تبعها من نتائج وآثار على مستوى حجم الساكنة والطبقة العاملة‬

‫بشكل أساسي‪ .‬لقد حاولت هذه الساكنة الضغط بغاية دفع الحكومة للتدخل الواسع لتحسين شروط‬

‫عيشها‪ .‬لقد انصب اهتمام الإصلاحية على محاولات صياغة ومأسسة سياسات وبرامج ذات طبيعة‬

‫اجتماعية‪.‬‬

‫كان التقييم‪ ،‬في مرحلة أولى‪ ،‬متسما بالأفكار الإصلاحية حيث كان الهدف هو الإجابة عن سؤال‬

‫أساسي‪ :‬إلى أي مدى ساهمت التحولات الجار ية في تحسين شروط عيش وحياة الأفراد والمجتمعات؟‬

‫‪23‬‬
‫‪Brousselle A. & al, Op. Cit., p28.‬‬

‫‪12‬‬
‫لقد انحصر التقييم أساسا‪ ،‬ضمن هذه الفترة‪ ،‬على المجالات الاجتماعية وخاصة المجال التعليمي‪ .‬وقد استند‬

‫إبان تلك الفترة إلى القياس حيث تم استخدام اختبارات موحدة للقياس الموضوعي والجيد لقدرات‬

‫التلاميذ بغاية قياس الفارق في علاقة بمعيار محدد مسبقا وتصنيف التلاميذ على هذا الأساس‪ .‬ويندرج‬

‫هذا النوع من التقييم ضمن البراديغم العلمي واستخدامات المناهج التجريبية‪.‬‬

‫وفي مرحلة ثانية‪ ،‬أصبح التقييم ينصب على النجاعة والتجربة‪ .‬ولقد تأثر بأفكار مدراس التدبير‬

‫ونظر يات التنظيمات الكلاسيكية حيث احتفظ بالسمة المعيار ية وتقيده بأنشطة القياس‪ ،‬والتجميع‬

‫المنهجي للمعطيات والتحليل الكمي‪.24‬‬

‫شكلت الفترة الثالثة تحولا في مسار التقييم حيث ارتبطت بسياق ما بعد الأزمة الاقتصادية لسنة‬

‫‪ .1929‬لقد تميزت هذه الفترة‪ ،‬من جهة‪ ،‬بتوسع حقل تدخلات الدولة في المجالات الاقتصادية‬

‫والاجتماعية عبر سياسات وبرامج عمومية‪ .‬وأما من جهة أخرى‪ ،‬اتسمت الفترة بمناخ مشحون بالشكوك‬

‫والتساؤلات حول المناهج التجريبية والاختبارات الفردية وقدرتها على انتاج معارف موضوعية حول‬

‫السياسات والبرامج العمومية‪ .‬لهذا‪ ،‬تميزت هذه الفترة بمحاولات التخلص من وصم التقييم كفعل تقني‬

‫وتجاوزه‪ .‬لقد أصبح الأمر يتطلب‪ ،‬إضافة إلى التجميع المنهجي للمعطيات وعمليات القياس والتحليل‬

‫الكمي‪ ،‬وصف هذه البرامج‪ ،‬وفهم بنيتها‪ ،‬وسياقها ومحتواها وذلك عبر تحديد نقاط القوة والضعف وتضمين‬

‫توصيات تدفع بتحسين أداء وفاعلية السياسات والبرامج‪ .‬لقد أصبح الأمر يتعلق هنا بمنهجية لا تركز على‬

‫الفرد بل على الفعل ومجال التدخل‪.25‬‬

‫‪24‬‬
‫‪Brousselle A. & al, Op. Cit., p34.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪Brousselle A. & al, Op. Cit., p38.‬‬

‫‪13‬‬
‫وأما الجيل الثالث من أجيال التقييم فقد عرف فترتين‪ :‬فترة الانفجار‪ ،‬وفترة الاحترافية والمأسسة‪.‬‬

‫وقد كان الحكم خاصية أساسية مميزة لهذا الجيل‪.‬‬

‫بالنسبة لفترة الانفجار‪ ،‬أو الانتشار الواسع‪ ،‬فقد تكونت ضمن سياق الحرب الباردة بين المعسكرين‪.26‬‬

‫وقد تركزت هذه الحرب على مجالات حيو ية من بينها البرامج التعليمية‪ .‬وقد صاحب هذه الفترة ضرورة‬

‫إرساء أنظمة تقييم فعالة‪ .‬من جهة‪ ،‬تمت مراجعة المناهج التي أنتجتها مرحلة الجيل الثاني‪ ،‬وتجلت هذه‬

‫المراجعة في تجاوز تركيز مناهج المراحل السابقة على مدى الوصول للأهداف المرجوة دون الحكم على قيمة‬

‫هذه الأهداف أو جدواها في علاقة بالحاجات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تم انتقاد كون قياس أو تقدير‬

‫الأهداف بعديا لا يمكن من رؤ ية أوجه القصور في السياسة أو البرامج إلا بعد نهايتها‪ .‬وعلى قاعدة هذه‬

‫الانتقادات‪ ،‬أصبح دور المكلف بالتقييم يتعلق بتجميع المعطيات وتركيبها والحكم على جدوى وفعالية هذه‬

‫البرامج‪ .‬لهذا‪ ،‬عرفت هذه الفترة ظهور العديد من نماذج التقييم‪.27‬‬

‫وأما بالنسبة لفترة المأسسة والاحترافية‪ ،‬فقد خلقت سنوات ‪ 1970‬من التقييم حقلا مهنيا واحترافيا‬

‫عبر تظافر العديد من العوامل‪ .28‬وقد تأثرت هذه الفترة بالسياق السياسي والاقتصادي والذي تجلى في‬

‫صعود حكومات غير مؤيدة للطابع التدخلي للدولة‪ .29‬ولهذا‪ ،‬أصبح التقييم مرتكزا على تقليص حجم النفقات‬

‫العمومية مما جعله مرادفا لتحليل المردودية وانتقاء البرنامج الذي يعتقد أنه أكثر جدوى ونجاعة لمعالجة‬

‫والت سارعت‬‫ي‬ ‫االصطناع سبوتنيك ‪ 1‬سنة ‪ 1957‬صدمة بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫ي‬ ‫السوفيات للقمر‬
‫ي‬ ‫‪ 26‬شكل حدث ارسال االتحاد‬
‫العموم فيه‪ ،‬خصوصا ما يتعلق بتعليم العلوم الحقة‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫التعليم وتجلت يف تحفت االستثمار‬ ‫عت تغيتات شملت النظام‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫لمحاولة استجاع مكانتها ر‬
‫التامج‪.‬‬ ‫ن‬
‫والتقنية‪ ،‬وهو األمر الذي أوجب اجراء ومأسسة نظام تقييم يمكن من تحسي فعالية ونجاعة هذا ر‬
‫‪27‬‬
‫‪« Le Modèle Bimatriciel De Stake (1967), Le Modèle D’appréciation Des Ecarts De Provus (1971), Le Modèle‬‬
‫‪D’évaluation Par Induction De Scriven (1972), Le Modèle Orienté Vers La Décision De Stufflebeam Et Ses‬‬
‫‪Collègues (1971) Ou Le Modèle d’Alkin (1991) … », Brousselle A. & Al, Op. Cit., P39.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪Ibid., P42-43.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪L’élection De Margaret Thatcher En Grande-Bretagne Et De Ronald Reagan Aux États-Unis.‬‬

‫‪14‬‬
‫المشكلة ذات الأولية بين البرامج المتنافسة‪ .‬بناء على ما تقدم‪ ،‬ستعرف هذه الفترة منح المناهج والمعايير‬

‫الاقتصادية الأسبقية في الحكم على قيمة البرامج‪.‬‬

‫وأما بخصوص الجيل الرابع من أجيال التقييم فقد عرفت فترته بمرحلة الشكوك حيث كان‬

‫التفاوض خاصية أساسية لهذا الجيل‪ .‬وقد سميت هذه الفترة بمرحلة الشكوك نظرا لاتسامها بنوع من الريبة‬

‫تجاه النموذج الوضعي لإنتاج المعارف واحتكار الخبراء لعمليات التقييم‪ .‬إن النقد الذي تم توجيهه لهذا‬

‫التراث‪ ،‬في تقييم السياسات‪ ،‬يتعلق بثلاثة أبعاد أساسية‪:‬‬

‫• يتعلق البعد الأول بالتستر خلف مقولات الموضوعية التي يتبناها أغلب المقررين خدمة‬

‫لإستراتيجيات سياسية واجتماعية محددة؛‬

‫• وأما البعد الثاني فيتمحور حول فرضية موضوعية الحكم حيث تم توجيه انتقاد مفاده أن هذه‬

‫الفرضية تفقد حجيتها أمام تعدد القيم التي تميز أنظمة الفعل وتأثيرها على اختيار الأسئلة والمناهج‪،‬‬

‫وعلى حكم المكلف بالتقييم؛ وبالتالي على نتائج التقييم ذاته؛‬

‫• وأما البعد الثالث فيتعلق بكون المناهج التجريبية والمقاربة الوضعية‪ ،‬التي كانت مهيمنة على ممارسات‬

‫التقييم‪ ،‬أضفت أهمية على القياس الكمي والعلاقات السببية المباشرة دون الأخذ بعين الاعتبار‬

‫العديد من المكونات السياقية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والثقافية والاجتماعية‪.‬‬

‫وانطلاقا مما سبق‪ ،‬فإن النمط الذي تبناه الباحثون ضمن هذا الجيل كان يتمحور حول المقاربة‬

‫التشاركية‪ .‬لقد كان هدفهم إثارة الانتباه إلى ضرورة أخد وجهات نظر مختلف الفاعلين بعين الاعتبار‬

‫‪15‬‬
‫نظرا ل كون حدود وتكوين التقييم غير محددة مسبقا؛ بل هي نتاج صيرورة تفاعلية وتطور ية يشارك بها‬

‫مختلف الفاعلين‪.30‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التقييم‪ :‬المعرفة والسياسة‬

‫يشكل التقييم مجالا للتماس وبؤرة للتفاعل بين المعرفة والسياسة باعتباره صيرورة إنتاج معرفة‬

‫"علمية"‪ 31‬حول الفعل العمومي‪ .‬ويرتبط تحديد المقصود بالتقييم بتيارات فكر ية مختلفة والطر يقة التي ينظر‬

‫من خلالها المكلف بالتقييم للعالم "البراديغم"‪ .32‬وبناء عليه‪ ،‬تتداخل القيم‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬والمصالح مع‬

‫ممارسات التقييم‪ .‬بل أكثر من هذا‪ ،‬تحدد الأبعاد السالفة الاختيارات النظر ية والمنهجية للعملية ككل‪.33‬‬

‫هناك جدال محتد في نظر يات التقييم بين تيارين‪ :‬الأول واقعي "علمي" والثاني بنائي‪ .‬بالنسبة للتيار‬

‫الواقعي‪ ،‬يرى أن هناك إمكانية لإنتاج حقائق مستقلة قادرة على التوصيف الموضوعي للواقع‪ .‬وأما التيار‬

‫البنائي‪ ،‬فينظر إلى كل معرفة على أنها سياقية‪ ،‬ونسبية وذاتية‪ .‬نستنتج إذن أن التيار الواقعي يعتبر المكلف‬

‫بالتقييم قادرا على انتاج حكم موضوعي ومستقل‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬يعتبر التيار البنائي المكلف بالتقييم مسهلا‬

‫ومفاوضا بين مختلف وجهات النظر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يجذر الذكر إن التيارين معا‪ ،‬يعتبران التقييم سياسيا‬

‫بطبيعته‪ ،‬إذ أن الانخراط في فعل التقييم يعتبر‪ ،‬في حد ذاته‪ ،‬تصر يحا سياسيا‪.34‬‬

‫‪30‬‬
‫‪Pour plus d’approfondissement, Voir : Madaus, G., D. Stufflebeam et M. Scriven « Program Evaluation : A‬‬
‫‪Historical Overview », In Evaluation Models, Boston, Kluwer-Nijhoff, 1989, p. 3-22.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪V. Ridde & al., op. cit., p 17.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪"un paradigme, selon la définition classique de Thomas Kuhn, est un système de croyances partagé par une‬‬
‫‪majorité d’individus œuvrant au sein d’une même discipline", Pour plus d’approfondissement, Voir: Thomas‬‬
‫‪Samuel Kuhn, La Structure des révolutions scientifiques, Traduit en français par Laure Meyer, Ed Flammarion,‬‬
‫‪1983.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪Ibid., p14.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪D. Taylor, S. Balloch, op. cit., p1.‬‬

‫‪16‬‬
‫و بعيدا عن الاختلاف بين التيارين الواقعي والبنائي حول وظيفة التقييم‪ ،‬فإن هذا الأخير‪" :‬يعمل …‬

‫ضمن الأنظمة الخطابية‪ ،‬أي أن معناه الاجتماعي محدد مسبق ًا ضمن علاقات سلطة أوسع بشكل مستقل‬

‫عن أي استخدام معين‪ .‬تختلف هذه المقاربة إذن‪ ،‬عن تلك التي تبناها التيار البنائي من حيث التركيز‬

‫بشكل أقوى على المعنى الاجتماعي والسياسي للتقييم كنشاط مبني اجتماعياً‪ .‬إن المسألة هنا‪ ،‬ليست مجرد‬

‫ما يفعله المكلفون بالتقييم أو كيفية استخدام النتائج‪ ،‬بل بدلا ً من ذلك‪ ،‬يجب أن ننظر أيضًا إلى دور‬

‫‪35‬‬
‫التقييم باعتباره وسيلة لإضفاء الشرعية السياسية‪".‬‬

‫بناء على ما سلف‪ ،‬نستنتج أن الاختلافات بين مجموع التوجهات النظر ية "البراديغمات" تكشف عما‬

‫تحاول التستر عليه أكثر مما تسلط عليه الضوء‪ .‬ويرى بعض الباحثين أن هذه البراديغمات تستخدم في‬

‫الغالب للتستر على علاقات سلطة متضمنة تؤدي إلى إنتاج طرق معرفية مؤسسية‪ .36‬ولهذا‪ ،‬إذا كان‬

‫التقييم‪ ،‬باعتباره ممارسة تتم ضمن البنى السياسية‪ ،‬فإن من الواجب فهمه باعتباره مشروعا سياسيا بطبيعته‬

‫ومشبعا بقضايا السلطة على كافة المستو يات‪.37‬‬

‫إن التقييم كأداة لشرعنة الفعل العمومي ومشار يع الفاعلين يجب فهمه ضمن تصور للممارسة السياسية‪،‬‬

‫ونقصد بتصور الممارسة السياسية الطر يقة التي يتم بها تدبير الشأن العام (ديموقراطية‪ ،‬استبدادية…)‪.‬‬

‫انطلاقا مما سبق‪ ،‬لا يمكن اختزال التقييم في العملية المتعلقة بقياس العلاقة بين الأهداف والنتائج بل‬

‫يحب اعتباره رهانا يعكس حركية جماعية وتفاعلية لمختلف الفاعلين في السياسة أو البرامج المعنية‪.38‬‬

‫‪35‬‬
‫‪D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p2.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p2.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p3.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p 125.‬‬

‫‪17‬‬
‫وكذلك‪ ،‬يتعلق الأمر بفهم الشروط التي يجرى ضمنها فعل التقييم من قبيل‪ :‬الاعتراف بالخاصية العمومية‪،‬‬

‫وضمانات الولوج للمعلومات من طرف مختلف الفاعلين‪.39‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األبعاد اإلجرائية والمنهجية لتقييم السياسات العمومية‬

‫يهدف هذا المطلب‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى عرض أنواع تقييم السياسات بناء على معايير التمييز بينها‪ .‬إن كل‬

‫نوع من هذه الأنواع لا يختلف عن البعض الآخر في نوع الاسئلة التي يحاول الإجابة عنها فقط؛ وإنما‬

‫يختلف حسب الممارسين والباحثين الذين يتبنون هذا النوع أو ذاك (الفرع الأول)‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫سنحاول دراسة المقاربات المنهجية المعتمدة في تقييم السياسات العمومية قصد تشكيل صورة أوضح حول‬

‫المفهوم وأبعاده العملية (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أنواع تقييم السياسات العمومية‬

‫يمكن إجمالا الحديث عن نوعين من التقييم‪ :‬يتعلق النوع الأول بتقييم الصيرورة ويرتبط الثاني بتقييم‬

‫الحصيلة‪ .‬و يشمل تقييم الصيرورة تتبع المهام اليومية‪ ،‬وتقييم أنشطة البرنامج ورضا المستفيدين‪ .‬أما فيما‬

‫يتعلق بتقييم الحصيلة‪ ،‬فيشمل جرد النتائج‪ ،‬وقياس الفاعلية‪ ،‬وتقييم التكاليف والمنافع‪ ،‬وتقييم آثار البرنامج‬

‫على المشكل موضوع السياسة (انظر الشكل ‪.)1‬‬

‫إن النوعين السالفي الذكر ليسا هما الوحيدين الموجودين كتصنيف لأنواع تقييم السياسات‪ .‬إن معايير‬

‫التمييز‪ ،‬سواء المرتبطة بمكونات السياسة أو الزمن أو مجال التقييم‪ ،‬هي ما يحدد الاختلافات الموجودة بين‬

‫التصنيفات (انظر الشكل ‪ – 2‬الجدول ‪.)2‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪J. Chauffour, Op. Cit., P348.‬‬

‫‪18‬‬
‫الشكل‪ : 1‬متوالية التقييم‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.40‬‬

‫يركز تقييم الصيرورة‪ ،‬في جانب منه‪ ،‬على الأسئلة المتعلقة بسير البرنامج من قبيل‪" :‬هل تم احترام‬

‫الالتزامات التعاقدية؟" أو "هل تكوين العاملين جيد للقيام بالعمل؟"‪ .‬وفي جانب آخر‪ ،‬يحاول الإجابة على‬

‫الأسئلة المتعلقة بما يجري فعلا ومواقف المستفيدين من هذه الأنشطة‪ ،‬مثلا‪" :‬ما الذي يتم فعله‪ ،‬لمن‪ ،‬وما‬

‫الأنشطة التي تجري فعلا؟" و "هل يمكن القيام بهذه الأنشطة بشكل أكثر فاعلية؟"‪" ،‬ما موقف المستفيدين‬

‫من هذا البرنامج؟"‪.‬‬

‫وأما فيما بخص تقييم الحصيلة‪ ،‬فيتم التطرق ضمن هذا المستوى‪ ،‬للأسئلة المتعلقة بالنتائج والكلفة‬

‫والآثار من قبيل‪" :‬ما هي نتائج الأنشطة الخاصة بالبرامج؟"‪" ،‬ماذا يحدث للفئة المستهدفة بسبب البرنامج‬

‫‪40‬‬
‫‪R.D. Bingham & Al., Evaluation in Practice A Methodological Approach, 2nd. Ed., Seven Bridges Press, 2002, P4.‬‬

‫‪19‬‬
‫(النتائج المتوقعة)؟"‪" ،‬هل يجب تغيير أنشطة البرنامج؟"‪ ،‬بصيغة أخرى "هل أهداف البرنامج تم الوصول‬

‫إليها"‪.41‬‬

‫وبالمقابل‪ ،‬تعتمد بعض الدراسات التمييز على أساس معيار مكونات السياسة المعنية‪ .‬في هذا الصدد‪،‬‬

‫تشكل كل مرحلة من السياسة‪ ،‬في علاقة بأخرى‪ ،‬محط تقدير وقياس‪ .‬على سبيل المثال لا الحصر‪ ،‬عند‬

‫دراسة العلاقة بين الحاجات والأهداف‪ ،‬يتم تقدير وقياس جدوى هذه الأهداف في الإجابة عن‬

‫الحاجات التي فرضها المشكل المطروح‪ .‬كذلك‪ ،‬يحاول كل نوع من التقييم الإجابة عن أسئلة محددة‬

‫(انظر الجدول ‪.)2‬‬

‫الشكل‪ : 2‬أنواع التقييم في عالقة بمكونات السياسة العمومية‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.42‬‬

‫‪41‬‬
‫‪R.D. Bingham & al., Op. Cit., p4-9.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪Aboulaaguig A., op. cit., p 141. Aussi, V. Ridde & al., Op. Cit., p 25.‬‬

‫‪20‬‬
‫جدول ‪ :2‬االسئلة التي تجيب عنها أصناف التقييم‬

‫الأسئلة التي يطرحها هذا النوع‬ ‫نوع التقييم‬

‫ما هي الحاجات التي تحاول السياسة تلبيتها؟ هل حاجات المعنيين تم تقييمها على‬ ‫تقييم الحاجات‬

‫طول مسار السياسة؟‬

‫هل السياسة تجيب عن حاجات المعنيين؟ هل الأهداف تأخذ بعين الاعتبار السياق‬ ‫تقييم الجدوى‬

‫الخاص باتخاذ القرار والتنفيذ؟‬

‫هل السياسة تم تنفيذها كما تم التخطيط لها؟ وما هي العوامل التي سهلت أو عرقلة‬ ‫تقييم المسار‬

‫عملية التقرير والتنفيذ؟‬

‫هل الآثار قريبة المدى تتطابق مع الاهداف المسطرة في البداية؟ ما هي نتائج مقاربة‬ ‫تقييم الفاعلية‬

‫الآثار قريبة المدى بين المعنيين وغير المعنيين بالسياسة؟‬

‫هل الآثار بعيدة المدى تتطابق مع الاهداف المسطرة في السياسة؟‬ ‫تقييم الآثار‬

‫ما هي العلاقة بين الموارد والآثار المترتبة عن السياسة؟ هل هذا البرنامج أو السياسة‬ ‫تقييم النجاعة‬

‫مكلفة بالمقارنة مع برامج وسياسات أخرى تنتج نفس الآثار؟‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.43‬‬

‫‪43‬‬
‫‪V. Ridde & al., op. cit., p 29.‬‬

‫‪21‬‬
‫جدول ‪ :3‬أنواع التقييم في عالقة بالزمن‬

‫زمن التقييم‬ ‫نوع التقييم‬

‫يتم في مرحلة صياغة السياسة‪ ،‬أي قبل بداية التنفيذ‪ ،‬ووظيفته تتمثل في‬ ‫تقييم قبلي‬

‫فحص تناسب الأهداف في علاقة بالحاجات‪ ،‬الرهانات والمشاكل الملزم‬ ‫‪EX-ANTE‬‬

‫حلها‪.‬‬

‫يمكن من إعادة توجيه الفعل‪ ،‬يمكن أن يتم انجازه لفحص مرحلة إلى‬ ‫التقييم الوسيط أو منتصف‬

‫حدود منتصف مدة الانجاز‪ ،‬هل الحاجات مازالت قائمة‪ ،‬هل تدبير‬ ‫المدة‬

‫‪ Evaluation‬البرنامج أو السياسة يمر كما تم التخطيط له أم يحتاج الى تطوير وكذلك من‬

‫‪ intermédiaire‬أجل تحليل الآثار الأولية للبرنامج‪.‬‬

‫في نهاية كل برنامج من السياسة ويمكن من ملاحظة النتائج وآثار المدى‬ ‫التقييم النهائي‬

‫‪ Evaluation finale‬القريب‪.‬‬

‫بعد توقيف جميع برامج السياسة العمومية‪ ،‬و يتم بعد إيقاف الفعل ويركز‬ ‫التقييم البعدي‬

‫‪ Ex-post‬على الآثار متوسطة وبعيدة المدى‪.‬‬

‫تقييم يتم على طول مسار إنجاز السياسة وبرامجها‪.‬‬ ‫التقييم المستمر‬

‫‪In itinère‬‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.44‬‬

‫‪44‬‬
‫‪Consulter : [ https://www.eval.fr/quest-ce-que-levaluation/les-differents-types-devaluation/ ] ; Le‬‬
‫‪18/11/2012.‬‬

‫‪22‬‬
‫تشكل دراسة أنواع التقييم مدخلا أساسيا لفهم الأبعاد العملية والإجرائية للتقييم رغم أنها ليست‬

‫محط اتفاق بين الباحثين والممارسين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تكمن أهميتها في توضيحها للأسئلة الأساسية التي يتوجب‬

‫طرحها لإنجاز عمليات التقييم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المقاربات المنهجية لتقييم السياسات العمومية‬

‫تنقسم المقاربات المنهجية لتقييم السياسات العمومية إلى صنفين‪ :‬النماذج التجريبية‬

‫(‪ )Expérimentation‬والنماذج المبنية على الملاحظة (‪ .)Observation‬ومع ذلك‪ ،‬يصر المختصون في‬

‫التقييم على اعتماد المقاربات والنماذج المنهجية المختلطة (‪ )Mixtes‬كلما كان ذلك ضرور يا‪ .‬وتظهر أهمية‬

‫اعتماد النماذج المنهجية المختلطة في كونها لا تنحصر في نموذج واحد وتمكن من دمج النماذج الكمية‬

‫(التجريبية) والنماذج ال كيفية (الملاحظة)‪.45‬‬

‫سنحاول‪ ،‬ضمن هذه الفقرة‪ ،‬التطرق باختصار لأهم المقاربات والنماذج المنهجية التي يتم استخدامها‬

‫في عمليات التقييم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المقاربات التجريبية وشبه التجريبية‬

‫تهدف المقاربات التجريبية وشبه التجريبية إلى إنتاج استنتاجات غير متحيزة حول فعالية البرامج‬

‫والسياسات‪ .47‬وتستند النماذج التجريبية على مبدأ المقارنة‪ .‬وتتجلى هذه الطر يقة في المقارنة بين مجموعة أو‬

‫‪45‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., P162.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪Pour Plus D’approfondissement Sur Les Modèles Expérimentaux Et Quasi-Expérimentaux Consulter : Langbein‬‬
‫‪Laura & Al, Public Program Evaluation : A Statistical Guide, M.E. Sharpe Armonk, London, England, 2006, Pp 76-‬‬
‫‪133. Voire Aussi : R. D. Bingham & Claire L. Felbinger, Evaluation In Practice : A Methodological Approach,‬‬
‫‪Chatham House Publishers Of Seven Bridges Press, 2002, Pp 55-137.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪Daniel L. Stufflebeam, Chris L. S. Coryn, Evaluation Theory, Models, And Applications, Jossey-Bass A Wiley‬‬
‫‪Brand, 2éd, 2014.‬‬

‫‪23‬‬
‫عدة مجموعات من الأفراد المستهدفين من السياسة أو البرنامج العمومي‪ .‬وتتم هذه العملية قبل وبعد التنفيذ‬

‫أو بالمقارنة مع مجموعة غير مستهدفة بالبرنامج ومختارة عشوائيا‪ .‬و يكمن الهدف من هذه العملية في قياس‬

‫الأثر الخالص للتدخل العمومي‪ .‬ويمكن رصد الاختلاف بين النماذج التجريبية وشبه التجريبية في كون‬

‫النماذج شبه التجريبية لا يتم فيها اختيار المجموعة الضابطة (‪ )groupe témoin‬بشكل عشوائي بل عبر‬

‫الانتقاء وذلك لأجل ضمان تطابق أو تشابه الخصائص مع المجموعة موضوع التجربة‪.48‬‬

‫وتشمل المقاربات التجريبية على‪:‬‬

‫النموذج العشوائي الكلاسيكي عبر مجموعة ضابطة‪ :49‬ضمن هذا النموذج‪ ،‬يتم اختيار‬ ‫❖‬

‫المشاركين المحتملين في هذا البرنامج بشكل عشوائي شر يطة انتمائهم للفئة المستهدفة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يتم‬

‫تقسيمهم لمجموعتين‪ :‬المجموعة التجريبية (الخاضعة للبرنامج أو التدخل) والمجموعة الضابطة (المجموعة‬

‫التي يتم المقارنة معها ولا تكون خاضعة للتدخل)‪ .‬و يتم قياس الخصائص قبل وبعد البرنامج لنحصل‬

‫على الأثر الخالص للبرنامج عبر المعادلة التالية‪.(𝑂3 − 𝑂4 ) − (𝑂1 − 𝑂2 ) :‬‬

‫‪48‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p165.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪« Le modèle aléatoire classiques avec groupe témoin », voir : Aboulaaguig A., Op. Cit., p163. Aussi, Méthode‬‬
‫‪d’évaluation des programmes : Mesure et attribution des résultats des programmes, Secrétariat du conseil du‬‬
‫;] ‪trésor du canada, 2éd, consulter sur le site :[ https://www.tbs-sct.gc.ca/cee/pubs/meth/pem-mep-fra.pdf‬‬
‫‪Dernier Visite : 19/09/2020.‬‬

‫‪24‬‬
‫جدول ‪ :4‬تحديد األثر الخالص لسياسة أو برنامج عبر النموذج العشوائي الكالسيكي‬

‫القياس البعدي‬ ‫التعرض للبرنامج‬ ‫القياس القبلي‬

‫المجموعة التجريبية‬
‫‪𝑂3‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪𝑂1‬‬
‫‪𝑂4‬‬ ‫‪---‬‬ ‫‪𝑂2‬‬ ‫المجموعة الضابطة‬

‫) ‪(𝑂3 − 𝑂4 ) − (𝑂1 − 𝑂2‬‬ ‫األثر الخالص‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.50‬‬

‫من محاسن هذا النموذج كونه يضمن نظر يا‪ ،‬على الأقل‪ ،‬التخلص من الفروقات القائمة بين المجموعتين‬

‫قبل تنفيذ السياسة‪ .‬و يعني هذا الأمر‪ ،‬أن التعبير الر ياضي عن المجموعتين في مرحلة القياس القبلي يعتبر‬

‫متساو يا مما يجعل آثار السياسة هي المتغير الوحيد الذي يتم ملاحظته من طرف القائم بالتقييم‪.‬‬

‫النموذج العشوائي عبر القياس البعدي والمجموعة الضابطة فقط‪ :51‬ضمن النموذج‬ ‫❖‬

‫الكلاسيكي‪ ،‬يتم التشكيك في سلامة (‪ )Validité‬التقييم حيث أن القياس القبلي يمكن أن يؤثر في‬

‫سلوك المجموعة التجريبية أو المجموعة الضابطة (أو الاثنين)؛ وبالتالي فالعلاقة السببية التي يود القائم‬

‫بالتقييم بنائها تغذو موضع شك‪ .‬بالتالي‪ ،‬يتم اجراء التقييم بدون قياس قبلي حيث يصبح النموذج على‬

‫الشكل التالي‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., P47.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪« Modèle Aléatoire Avec Mesure Après Le Programme Seulement Et Groupe Témoin », Aboulaaguig A., Op.‬‬
‫‪Cit., P 42.‬‬

‫‪25‬‬
‫القياس البعدي‬ ‫التعرض للبرنامج‬

‫‪𝑂1‬‬ ‫‪X‬‬ ‫المجموعة التجريبية‬

‫‪𝑂2‬‬
‫المجموعة الضابطة‬

‫نموذج الكتلة العشوائية‪ :52‬تم تطوير هذا النموذج التجريبي لتقليص احتمالات الخطأ في‬ ‫❖‬

‫تحديد الأثر الخالص للسياسة الناجم عن اختلالات استخدام العينات‪ .‬وتعتمد هذه المنهجية بناء‬

‫كتل (بمعنى مجموعات كبيرة) بشكل يأخذ بعين الاعتبار بعض الخصائص التي يمكن أن تؤثر على‬

‫نتائج التقييم‪ .‬مثلا‪ ،‬يمكن أن نميز ضمن الفئة المستهدفة من برنامج معين مجموعتين كبيرتين‪ ،‬الفئة‬

‫الحضر ية والقرو ية‪ ،‬والتي سيكون لها استجابات مختلفة اتجاه البرنامج ولكل كتلة يتم اعتماد مجموعة‬

‫تجريبية وأخرى ضابطة‪.53‬‬

‫النماذج العاملية أو متعدد العوامل‪ :54‬يتم استخدام هذه النماذج ل كونها تضع بعين الاعتبار‬ ‫❖‬

‫تعدد الإجراءات التي يتم تنفيذها بالنسبة لسياسة عمومية معينة‪ .‬و يعتبر اعتماد هذه النماذج مفيدا‬

‫ل كون أغلب السياسات لا تستخدم إجراء معزولا ل كنها تعتمد سلسلة من الإجراءات ذات طبيعة‬

‫مختلفة والتي تستهدف نفس الفئة‪ .‬مثلا‪ ،‬برنامج يستهدف تقليص عدد الحوادث في منطقة معينة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪« Modèle Avec Blocs Aléatoires », Méthode D’évaluation Des Programmes, Op. Cit., P 43.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., P 165.‬‬
‫‪54‬‬
‫‪« Les Modèle Factoriels », Ibid., P165.‬‬

‫‪26‬‬
‫هنا‪ ،‬يمكن أن يعتمد نوعين من الإجراءات‪ :‬تقو ية البنيات التحتية والتحسيس‪ .‬وكل نوع من هذه‬

‫الإجراءات تتطلب طر يقة ومنهجية خاصة لمقاربتها‪.‬‬

‫وأما المقاربات شبه التجريبية تتضمن‪:‬‬

‫نماذج قياس تتم قبل وبعد البرنامج‪ :‬وتشتمل على نموذج قياسات القبلية والبعدية ومجموعة‬ ‫❖‬

‫ضابطة غير متساو ية‪ .55‬إن هذا النموذج مشابه للنماذج العشوائية الكلاسيكية التجريبية مع اختلاف‬

‫أساسي حيث يتم اختيار المجموعة الضابطة بخصائص مشابهة قدر الإمكان مع المجموعة التجر يبية‪.‬‬

‫بهذا‪ ،‬فدرجة التشابه تتم على أساس مقارنة قبل تنفيذ البرنامج‪.‬‬

‫وتشتمل هذه النماذج أيضا على نموذج قياس قبلي وبعدي ومجموعة واحدة وهي المجموعة‬

‫التجريبية‪ .56‬و يتم استخدام هذا النموذج ل كونه يتماشى وما يتم تداوله عبر قياس نتائج برنامج أو سياسة‬

‫معينة حيث يتم ملاحظة التغيرات التي وقعت بين الفترة التي سبقت البرنامج وبعده على عينة من الفئة‬

‫المستهدفة‪.‬‬

‫نماذج السلاسل الزمنية أو التسلسلية‪ :57‬تعتبر السلاسل الزمنية أو التسلسلية نماذج تتميز‬ ‫❖‬

‫بدراسة عينة من الإجراءات في الزمن بدل إجراء واحد كما هو الحال في بعض النماذج السابقة‪.‬‬

‫و يتم استخدام هذا النموذج بطرق مختلفة‪ .‬من جهة‪ ،‬قد يستعمل هذا النموذج مع وبدون مجموعة‬

‫ضابطة (سواء مختارة عشوائيا أو لا)‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬قد يستعمل عبر قياس قبلي وبعدي أو‬

‫‪55‬‬
‫‪« Modèle Dont Les Mesures Sont Prises Avant Et Après Le Programme Avec Groupe Témoin Non Équivalent »,‬‬
‫‪Méthode D’évaluation Des Programmes, Op. Cit., P .47‬‬
‫‪56‬‬
‫‪« Modèle Dont Les Mesures Sont Prises Avant Et Après Le Programme Avec Un Seul Groupe », Ibid., P.48‬‬
‫‪57‬‬
‫‪« Les Séries Temporelles Et Les Modèles Chronologiques », Ibid., P 49-50.‬‬

‫‪27‬‬
‫بعدي عن البرنامج فقط‪ .‬وكل هذه الإجراءات تتم ضمن التقييم القبلي أو قبل تنفيذ السياسة وتوقع‬

‫نتائجها‪.58‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النماذج تكلفة‪-‬فعالية وتكلفة‪-‬منفعة‬

‫بالنسبة للنماذج السابقة‪ ،‬التجريبية وشبه التجريبية‪ ،‬فهي تحاول الإجابة عن سؤال محوري‪" :‬هل‬

‫يسير البرنامج أو السياسة كما تم توقعه أو التخطيط له؟"‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬تتطرق النماذج كلفة‪-‬فعالية وكلفة‪-‬منفعة‬

‫لأسئلة من قبيل‪" :‬هل تستحق هذه البرامج والسياسات هذه التكلفة؟"‪ ،‬و"ماهي الفائدة التي يتحصل عليها‬

‫من البرنامج أو السياسة؟"‪ .59‬وللتمييز بين النموذجين‪ ،‬يمكن القول إنهما يقومان على قياس المتطلبات‬

‫اللازمة (الكلفة) في علاقة بالنتائج المحصل عليها (الفعالية و‪ /‬أو المنفعة)‪ .‬و يكمن الفرق الوحيد بينهما في‬

‫كيفية تقدير الفوائد أو النتائج‪ .‬في نموذج التكلفة‪-‬منفعة‪ ،‬يتم قياس النتائج وفق المنظور المالي‪ .‬وأما في‬

‫النموذج التكلفة‪-‬فعالية‪ ،‬فيتم الحديث عن قياس النتائج وفق منظور غير مالي‪.60‬‬

‫❖ النموذج تكلفة‪-‬فعالية‪ :‬يكشف هذا النموذج عن كيفية الوصول بفعالية للنتائج المتوقعة وما‬

‫هي التكاليف المنتظرة للوصول الى مختلف مستو يات هذه النتائج‪ .61‬وكما هو الحال بالنسبة لنموذج‬

‫تكلفة‪-‬منفعة‪ ،‬فإن هذا النموذج يقر بإمكانية قياس كافة التكاليف (المباشرة وغير المباشرة) للبرامج‬

‫والسياسات‪ .‬و يعتبر هذا النموذج مهما بالنسبة للمقررين خصوصا في فترات تقديم الحسابات‬

‫الميزانياتية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., P167.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪R. D. Bingham & C. L. Felbinger, Op. Cit., P 179.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪Ibid., P 179.‬‬
‫‪61‬‬
‫‪Ibid., P197.‬‬

‫‪28‬‬
‫يستند القياس ضمن هذا النموذج على المقارنات‪ ،‬وفي هذا الصدد يقدم أحد الباحثين ثلاث مقاربات‬

‫للقيام بهذه المقارنات‪62‬؛ تحليل الكلفة الثابتة (‪ ،)constant-cost analysis‬وتحليل التكلفة الأدنى‬

‫(‪ ،)least-cost analysis‬وتحليل مستوى الأهداف (‪.63)objective-level analysis‬‬

‫ضمن المقاربة الأولى‪ ،‬فالقياس يتم من خلال التحديد والوصف‪ ،‬و يقوم المكلف بالتقييم بتحديد إلى‬

‫أي حد يمكن تحقيق الأهداف في حدود تكلفة مسبقة التحديد‪ .‬أما ضمن المقاربة الثانية‪ ،‬فالغرض يتمثل‬

‫في تحديد الطر يقة أو الوسيلة البديلة والأقل تكلفة التي تمكن من الوصول إلى مستوى من الأهداف‬

‫مسبقة التحديد‪ .‬وفيما يخص المقاربة الثالثة‪ ،‬فتنطوي على تكاليف تنفيذ مختلف مستو يات الأداء في إطار‬

‫بديل واحد‪.64‬‬

‫❖ النموذج التكلفة – المنفعة‪ :‬يبحث هذا النموذج‪ ،‬كما في النموذج السابق‪ ،‬عن تقدير تكاليف‬

‫مختلف الإجراءات المتخذة في إطار سياسة عمومية ومقارنتها بالتقديرات المالية للمخرجات وآثار هذه‬

‫الأخيرة‪ .‬بالتالي‪ ،‬تقدير المنافع والأضرار المالية للسياسة العمومية‪ .‬و يتم استخدام هذا النموذج في‬

‫مرحلة صياغة تصور السياسة وبنائها أو بعد تنفيذها‪.‬‬

‫ومن أجل تنفيذ هذا النموذج‪ ،‬يجب اختيار "معلم أو مرجع" يتم على أساسه قياس التكاليف والعوائد‬

‫والمنافع‪ .‬ويمكن أن نحدد ثلاثا‪ :‬الأولى المتعلقة بالأشخاص‪ ،‬الثانية المتعلقة بالممول‪ ،‬والثالثة متعلقة بالبعد‬

‫الاجتماعي‪ .‬وبشكل عام تختلف التكاليف والعوائد بتنوع هذه الأبعاد‪ .‬بالنسبة للبعد المتعلق بالأشخاص‪،‬‬

‫يتم قياس التكلفة‪-‬المنفعة على أساس الأشخاص المستفيدين‪ .‬وأما بخصوص البعد التمو يلي‪ ،‬فيتم التقييم‬

‫‪62‬‬
‫‪R. D. PETERSON, « The Anatomy of Cost Effectiveness Analysis », In Evaluation Review, Vol 10, No 1,‬‬
‫‪February, 1986, pp 29-44.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪Ibid., p 32.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Ibid., p 32.‬‬

‫‪29‬‬
‫على أساس "معلم أو مرجع" الكلفة أو المنفعة كما حددها الممول‪ .‬وأما البعد الاجتماعي‪ ،‬فيتم فيه تقييم‬

‫التكلفة والمنفعة انطلاقا من المجتمع ككل‪ .‬و يعتبر هذا الأخير الأكثر صعوبة ل كونه يتضمن قياس‬

‫النتائج ضمن مجال أكثر اتساعا وغير محدد من حيث العوامل المتدخلة‪.‬‬

‫يتضح من خلال الأبعاد التي حاولنا التطرق لها على مستوى هذا المطلب أن التقييم كمسار وممارسة‬

‫تتداخل في تحديده مكونات وعوامل متعددة‪ .‬من جهة‪ ،‬نجد الجانب المعرفي والمتعلق بالمفهوم وتطوراته‬

‫بالتوازي مع تطور المناهج والمعارف العلمية في حقول العلوم الاجتماعية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬نجد الجانب‬

‫السياسي والمؤسساتي والمتعلق بكون التقييم كممارسة يحدد معناه في ظل بنى سياسية ومؤسساتية‬

‫وتفاعلات واستراتيجيات الفاعلين في صيرورة السياسات العمومية‪ .‬وأخيرا‪ ،‬نجد الجانب القيمي‪ ،‬المتعلق‬

‫بمحاولة تعزيز اقتران المسؤولية بالمسائلة وتخليق الحياة العامة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬المفاهيم والمقاربات‬

‫تحيل المأسسة‪ ،‬في مفهومها العام‪ ،‬إلى صيرورة إدماج نوع من التحديدات (مثلا‪ :‬معتقد‪ ،‬قاعدة‪،‬‬

‫دور اجتماعي‪ ،‬قيمة أو نمط سلوكي) ضمن تنظيم‪ ،‬أو نسق اجتماعي‪ ،‬أو سياسي‪ ،‬أو مجتمع في مجمله‪.‬‬

‫ويمكن أن يستخدم هذا المفهوم ضمن معنى سياسي بحيث ينطبق على خلق وتنظيم مؤسسات وهياكل‬

‫حكومية‪ .‬ول كن هذا "التعر يف" ليس محط اتفاق كلي‪ ،‬خصوصا أن المأسسةكموضوع دراسة تلتقي حوله‬

‫حقول معرفية متعدد واختلافات نظر ية أكثر تعددا‪ .‬وهو ما سنحاول دراسته من خلال المحددات‬

‫المفاهيمية والنظر ية لمفهوم المأسسة (المطلب الأول)‪.‬‬

‫تعتبر مأسسة تقييم السياسات العمومية صيرورة تهدف لوضع أنظمة التقييم في السياق المؤسساتي‬

‫الرسمي عن طر يق سياسات واستراتيجيات خاصة‪ .‬وبمعنى أكثر دقة‪ ،‬إن التقييم يغذو جزءا من دورة‬

‫الحياة السياسية الاعتيادية ودورة البرامج والسياسات العمومية ‪ .65‬و يحيل هذا التعر يف العام إلى إمكانية‬

‫تعدد التصورات والمقاربات التي تتناول هذه الصيرورة ومؤشرات تطورها (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫تكمن أهمية هذا المبحث في تطرقه للأساس المعرفي والنظري لمأسسة تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫وذلك عبر التطرق لجانبين‪ :‬مقاربة مفهوم المأسسة واستخداماته النظر ية والتطبيقية‪ ،‬وتناول التصورات‬

‫المؤطرة لفهم وتفسير لمسار إرساء أنظمة التقييم‪.‬‬

‫‪65‬‬‫‪B. Lázaro, Comparative study on the institutionalization of evaluation in Europe and Latin America,‬‬
‫‪Published by: EUROsociAL Programme, Area: Public Finance, Series: State of the Art, Study n. 15, 2015, p17.‬‬

‫‪31‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المحددات المفاهيمية والنظرية للمأسسة‬

‫يهدف هذ المطلب لدراسة مفهوم المأسسة كما تطور في العلوم الاجتماعية‪ ،‬وبشكل خاص في ظل‬

‫نظر ية التنظيمات والدراسات حول مفهوم المأسسة في المقاربات المؤسساتية الجديدة‪ .‬سنحاول أولا‬

‫التطرق لمفهوم المأسسة (الفرع الأول)‪ ،‬على أن ننتقل بعدها لدراسة بعض التطبيقات العملية للمفهوم‬

‫(الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حول مفهوم المأسسة‬

‫بلغ مفهوم المأسسةكموضوع للدراسة والبحث ذروة استخداماته في سنوات السبعينات عندما انتشرت‬

‫العديد من الدراسات ضمن مجلات علمية معروفة‪ .66‬ومن خلال نظرة استطلاعية على هذه الدراسات‪،‬‬

‫يمكن اعتبار كون المأسسة تحمل دلالات ومعاني مختلفة لهؤلاء الباحثين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن القول إن‬

‫القاسم المشترك بينها يتمثل في نجاح بعض الخصائص المؤسساتية في الثبات والاستمرار ية‪ .‬كذلك‪ ،‬تشير‬

‫المأسسة إلى المسار الذي تكتسب به التنظيمات والوظائف هويتها وشرعيتها‪ .67‬وتحيل المأسسة في هذا‬

‫السياق إلى التقدير الذي يبديه الأعضاء للتنظيم ذاته‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬تشكل المأسسة نوعا من الالتزام‬

‫المعياري المشبع بالقيم أو المدعوم بمعتقدات ثقافية وينتج عنها درجة عالية من الشرعية بين أعضاء التنظيم‬

‫والفاعلين الخارجيين ضمن بيئته‪ .‬وينتج عن تقدير التنظيم ما يلي‪ :‬داخليا‪ ،‬التوافق (‪ )Consensus‬حول‬

‫‪66‬‬
‫‪Voir: Keohane R., “Institutionalization In The United Nations General Assembly”, International Organizations,‬‬
‫‪23, 1969, Pp 859–96; Zucker L. G.,“The Role Of Institutionalization In Cultural Persistence”, American Sociological‬‬
‫‪Review, 42, 1977, Pp 726–43; Przeworski A., “Institutionalization Of Voting Patterns, Or Is Mobilization A Source‬‬
‫‪Of Decay?”, American Political Science Review, 69, 1975, Pp 49–67; Wellhofer E. S., “Political Party Development:‬‬
‫‪Institutionalization, Leadership Recruitment And Behavior”, American Journal Of Political Science, 18, 1974, Pp‬‬
‫‪135–65.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪B. Badie, D. Berg-Schlosser, International Encyclopedia of Political Science, SAGE Publications, 2011, P 1199.‬‬

‫‪32‬‬
‫المهام والأهداف (الهو ية) على المستوى الداخلي‪ .‬والقبول الاجتماعي والسياسي (‪l’acceptabilité‬‬

‫‪ )sociale et politique‬في العلاقة مع المستوى الخارجي (الشرعية)‪( 68‬انظر الشكل‪.)3‬‬

‫الشكل‪ : 3‬العالقة بين عناصر المأسسة من منظور نظريات المنظمات‬

‫يتعلق أيضا‪ ،‬مفهوم المأسسة‪ ،‬بصيرورة صياغة أو تحو يل القواعد والمساطر التي تؤثر على مجمل‬

‫التفاعلات الإنسانية‪ .‬وبهذا الشكل‪ ،‬تغذو المأسسة محاولة لتنظيم السلوك الاجتماعي ضمن تنظيم معين أو‬

‫المجتمع ككل‪ .‬وفق هذا التعر يف‪ ،‬يمكن تمييز ثلاث مستو يات من الفعل ضمن هذه الصيرورة كما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬صياغة أو استحداث القواعد؛‬

‫‪ )2‬تكييف القواعد أو تطوير الممارسات الفضلى؛‬

‫‪68‬‬ ‫‪B. Badie., Op. Cit. P1199.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ )3‬تغيير القواعد أو استبدال القديمة بالجديدة‪.69‬‬

‫يظهر من خلال هذه التعار يف التي تم استحضارها أن المأسسة تمثل مركزا لشبكة من المفاهيم‪ :‬الثبات‬

‫والاستمرار ية‪ ،‬والهو ية والشرعية‪ ،‬والتوافق الداخلي والقبول الاجتماعي والسياسي‪ ،‬وصياغة القواعد‬

‫وتحو يلها‪ .‬ولا يمكن فهم مضمون هذه الشبكة دون العودة إلى المفهوم الرئيسي المتمثل في "المؤسسة"‪.‬‬

‫يشير المفهوم العام للمؤسسة إلى القيود والقواعد التي تحث على ثبات التفاعلات الإنسانية‪.70‬كذلك‪،‬‬

‫يحيل مفهوم المؤسسة على خصائص التكرار‪ ،‬والاستدامة‪ ،‬والانتشار‪ .‬وقد طورت المجتمعات‪ ،‬على‬

‫اختلافها‪ ،‬العديد من المؤسسات بغاية التعامل مع المشاكل الأكثر تكرارا في المجتمع‪ .‬وتتسم المؤسسات‬

‫كذلك بسمة حددتها العلوم الاجتماعية في كونها من صنع الإنسان‪ ،‬بمعنى أنها بناء اجتماعي لا حتميات‬

‫بيولوجية‪.71‬‬

‫و يمكن التمييز بين ثلاثة أبعاد في المأسسة‪ :‬درجة ترسيم (‪ )degree of formalization‬المؤسسة‪،‬‬

‫ومدى التقييد الجماعي للمؤسسة ودرجة استقلالية المؤسسة‪.‬‬

‫بخصوص درجة ترسيم المؤسسة‪ ،‬يمكن الحديث عن متوالية تتراوح بين قطب غير رسمي ( ‪informal‬‬

‫‪ )pole‬يقابله في الجهة الأخرى قطب رسمي‪ .‬يشمل القطب غير الرسمي العادات‪ ،‬والأعراف والاتفاقات‪.‬‬

‫وتعرف العادات على أنها الأفعال المتكررة المعترف بها من الفاعل والمستبطنة داخليا‪ .‬وتشير الأعراف‬

‫إلى عادات متقاسمة بين أفراد مجموعة اجتماعية‪ .‬وأما الاتفاقات فتدل على الإجراءات والأفعال المتفق‬

‫‪69‬‬
‫‪Voir: [ https://www.britannica.com/topic/institutionalization ], Consulter Le: 19/10/2020.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪N. J. Smelser, P. B. Baltes, International Encyclopedia of Social & Behavioral Sciences, Ed, Pergamon, 2001, P‬‬
‫‪7561. Voir Aussi: Douglass North, Institutions, Institutional Change and Economic Performance, Cambridge‬‬
‫‪University Press, 1ed, 1990.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪Ibid., P7557.‬‬

‫‪34‬‬
‫عليها‪ .‬وقصد توضيح كيفية الانتقال من القطب غير الرسمي في المأسسة إلى القطب الرسمي فيها‪ ،‬يمكن‬

‫الحديث عن مثال اللغة باعتبارها نوعا من الاتفاق‪ ،‬والذي يتطلب أن تكون حول كل من معاني الكلمات‬

‫والبنى التركيبية اتفاق اجتماعي لضمان التواصل‪ .‬وعند تبني عدد كبير من الناس للاتفاق وتقييده لهم‬

‫جماعيا‪ ،‬يمكن تسميته بالمؤسسة‪ .‬إن هذا الانتقال من القطب غير الرسمي إلى القطب الرسمي هو ما يعبر‬

‫عنه بمسار المأسسة‪.‬‬

‫أما فيما يخص مدى التقييد الجماعي للمؤسسة‪ ،‬أو الإلزام الاجتماعي للفاعلين‪ ،‬فيحيل إلى قدرة‬

‫المؤسسة على الحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر إلزام الفاعلين باحترام القواعد‪ .‬يمكن اعتبار القاعدة‬

‫الاجتماعية معتقدا داخليا (‪ )internalized belief‬أكثر إلزامية ل كون خرقها مفتوح على المعاقبة‬

‫الأخلاقية والاجتماعية‪.72‬‬

‫وأما فيما يخص درجة استقلالية المؤسسة‪ ،‬يشكل القانون‪ ،‬باعتباره قرارا جماعيا ملزما لا يمكن‬

‫تفسيره إلا من طرف هيئات قضائية خاصة و يتم تنفيذه من طرف هيئات تحتكر شرعية ممارسة السلطة‬

‫والإكراه‪ ،73‬حجر الزاو ية في هذا الصدد‪ .‬هنا‪ ،‬يمكن الإحالة إلى كون العديد من المؤسسات تعتمد على‬

‫مؤسسات أو إطار مؤسساتي آخر‪ .‬إن المؤسسات يمكن أن تكون ذاتية النفاذ أو أن تستند على نوع من‬

‫المؤسسات أرقى أو أعلى (‪ .)Meta-institutions‬إذا كانت بعض القواعد يتم احترامها من طرف‬

‫الفاعلين‪ ،‬لأن الامتثال لها يقع في مصلحتهم فيمكن الحديث عن قاعدة أو مؤسسة ذاتية النفاذ (بدرجة‬

‫أو بأخرى تتسم بهامش واسع من الاستقلالية)‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬إذا كانت بعض القواعد تحتاج إلى تفصيل‬

‫ليستطيع الفاعلون فهم كيفية سيرها وفهم كيف يمكن أن تغذو مطابقة لمصلحتهم فنحن أمام مؤسسة‬

‫‪72‬‬
‫‪Pour aller plus loin à ce propos, voir : Émile Durkheim, De la division du travail social, Livre I, Les Presses‬‬
‫‪Universitaires de France, huitième édition, 1967, p 73.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪B. Badie & all, op. cit., p 1202-1203.‬‬

‫‪35‬‬
‫تعتمد على مؤسسة أرقى وأعلى توضح لها كيفية تنفيذ وتطبيق القواعد (أي أنها تتمتع بهامش ضيق من‬

‫الاستقلالية)‪.74‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم المأسسة في بعض الدراسات التطبيقية‬

‫يشير بولسبي (‪ )Polsby‬في دراسته حول "المأسسة في مجلس النواب الأمريكي"‪ ،75‬إلى ثلاث‬

‫خصائص أساسية يشملها مسار مأسسة التنظيم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ )1‬خاصية رسم الحدود‪ :‬بمعنى أن التنظيم يغدو متمايزا عن بيئته‪ ،‬ويسهل التعرف على أعضائه‪،‬‬

‫و يغذو من الصعب أن يصبح المرء عضوا ضمنه‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬يتم اختيار قادته من داخل التنظيم؛‬

‫‪ )2‬خاصية التعقيد‪ :‬بمعنى أن الوظائف يتم تفصيلها داخليا على أساس تنظيمي وواضح‪ ،‬وأن العلاقة‬

‫بين أجزائه تتسم بالتبادلية ولغايات مهمة تنظيميا‪ .‬إضافة إلى تواجد نوع من تقسيم العمل حيث يتم تحديد‬

‫الأدوار والتوقعات من تنفيذ هذه الأدوار المتقاسمة بشكل واسع‪ .‬وكذلك‪ ،‬تواجد خر يطة واضحة للولوج‬

‫للأدوار وللانتقال من دور لآخر؛‬

‫‪ )3‬خاصية وضوح القواعد‪ :‬بمعنى أن التنظيم يميل إلى اعتماد معايير عالمية بدل المعايير الخاصة‪،‬‬

‫وأساليب تلقائية بدل الأساليب التي تعتمد التقدير الذاتي لتدبير شؤونه الداخلية‪ .‬و يتم التركيز على ضرورة‬

‫تتبع القواعد‪ ،‬وأنظمة الجدارة بدل أنظمة المحسوبية‪ ،‬وحلول مدونات رسمية محل الميول الشخصية لتنظيم‬

‫السلوك‪.76‬‬

‫‪74‬‬
‫‪B. Badie & all, op. cit., p 1203.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪Voir: Polsby N. W., “The institutionalization of the US House of Representatives”, American Political Science‬‬
‫‪Review, Vol. 62, No. 1, 1968.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪Ibid., p 145.‬‬

‫‪36‬‬
‫يعتبر كوهين (‪ ،)Keohane‬ضمن دراسة له حول مسار المأسسة في الجمعية العمومية للأمم‬

‫المتحدة‪ ،77‬أن تحليل مفهوم المأسسة يجب أن ينطلق من مناقشة علاقته بأثر التنظيمات على بيئتها‪ .‬إن‬

‫المأسسةكصيرورة تغذوا عبرها التنظيمات الدولية متمايزة ومستمرة وتتسم بنوع من الاستقلالية‪ .78‬و يعتمد‬

‫أثر التنظيمات الدولية على بيئتها بناء على تفاعل خصائصها التنظيمية (بما في ذلك سمات قادتها) وسلوك‬

‫الفاعلين (بشكل خاص الحكومات وباقي المؤسسات الدولية) الذين يشاركون في صياغة‪ ،‬واحترام‪ ،‬وتنفيذ‬

‫قراراتها‪( 79‬انظر الشكل ‪.)4‬‬

‫الشكل‪ : 4‬عناصر مفهوم المأسسة‬

‫اعداد شخصي بناء على المصدر‪.80‬‬

‫‪77‬‬
‫‪R. O. Keohane, "Institutionalization in the United Nations General Assembly", International Organization,‬‬
‫‪Volume 23, Issue 04, 1969, pp 859 – 896.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪Ibid., p862.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪Ibid., p860.‬‬
‫‪80‬‬
‫‪Ibid., 862.‬‬

‫‪37‬‬
‫ضمن دراسة أخرى‪ ،‬حول دور المأسسة في الاستدامة الثقافية‪ ،81‬ينطلق زوكير (‪ )Zucker‬من‬

‫كون مفاهيم الاستدامة والمأسسة لم يتم فصلهما بالشكل المناسب في المقاربات السابقة‪ .‬و يعتبر أن الارتباك‬

‫الحاصل في تحديد مفهوم المأسسة يرتبط باستخدامات الأدوات الوسيطة لتفسير الاستدامة‪ ،‬و يعتقد أن‬

‫هذه الوسائط لا تحتاج للتواجد لضمان الاستدامة الثقافية حيث أن المعرفة الاجتماعية حالما يضفي عليها‬

‫الطابع المؤسسي تغذو حقيقة موضوعية و يتم تقاسمها ونقلها على هذا الأساس‪.82‬‬

‫يقوم زوكير بدراسة أثر درجات المأسسة على درجات الاستدامة الثقافية‪ .‬في مستوى أول‪ ،‬تقابل‬

‫درجة الاستدامة‪ ،‬المتعلقة بوحدة التفاهمات الثقافية بين الأجيال‪ ،‬درجة المأسسة المتعلقة بتجربة أو متغير‬

‫النقل‪ .‬في مستوى ثان‪ ،‬تقابل درجة الحفاظ على هذه التفاهمات الثقافية ما يسمى بمتغير أو تجربة المحافظة‪.‬‬

‫وفي مستوى ثالث‪ ،‬تقابل درجة مقاومة مبادرات التغيير متغير أو تجربة المقاومة‪.83‬‬

‫تشمل دراسة مدى تأثير المأسسة على نجاح التنظيم على المدى البعيد‪ 84‬تحليلا ل كيف يمكن أن يكون‬

‫لمسار المأسسة تأثير متناقض‪ ،‬حيث أن تعزيزها للاستقرار التنظيمي والاستدامة‪ ،‬يقابله في نفس الآن‪،‬‬

‫تسببها في التصلب ومقاومة تغير شروط البيئة المحيطة‪ .‬هنا‪ ،‬تعتبر فليك (‪ )Fleck‬أن النجاح على المدى‬

‫البعيد يمكن الوصول إليه من خلال مؤشرين‪ :‬يتعلق المؤشر الأول بالحفاظ على الميزة التنافسية‪ .‬وأما المؤشر‬

‫الثاني فيرتبط بالقدرة أو روح المثابرة‪ .‬إن هذين المؤشرين يتأثران بنمطين من مسارات المأسسة‪ :‬رد الفعل‬

‫والمبادرة‪ .‬بالنسبة للنمط القائم على رد الفعل‪ ،‬يؤدي إلى الصلابة ومقاومة التغيير‪ .‬وأما بالنسبة للنمط‬

‫‪81‬‬
‫‪L. G. Zucker, "The Role of Institutionalization in Cultural Persistence", American Sociological Review, Vol. 42,‬‬
‫‪No. 5, 1977, pp. 726-743.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪Ibid., p726.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪Ibid., 727.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪D. Fleck,” Institutionalization and Organizational Long-term Success”, Brazilian Administration Review, Vol 4,‬‬
‫‪No 2, art. 4, 2007, pp. 64-80.‬‬

‫‪38‬‬
‫القائم على المبادرة‪ ،‬يؤدي إلى حياد المنظمة عن الآثار السلبية للمأسسة‪ .‬في النمط الأول‪ ،‬يتم التركيز على‬

‫البنى‪ ،‬بينما في النمط الثاني يتم التركيز على الفاعل ومبادرته في علاقة مع البيئة مما يمكن من إدماج‬

‫التغيرات البيئية في مسار المأسسة‪.‬‬

‫ضمن دراسة الدينامية الزمنية للمأسسة‪ ،85‬يتم معالجة العلاقة بين الزمن والمأسسة‪ ،‬حيث أن الوثيرة‬

‫والاستقرار‪ ،‬وهما العنصران الأكثر أهمية في المأسسة‪ ،‬يعتمدان على الأدوات التي يستخدمها الفاعلون‬

‫لدعم مسار المأسسة‪ .‬وبالاستناد على النظر يات حول السلطة‪ ،‬تم تطوير أربع أدوات‪ :‬التأثير‪ ،‬القوة‪،‬‬

‫الهيمنة‪ ،‬الانضباط‪ .‬و يتم اعتبار أن كل أداة تؤدي الى نمط محدد من الوثيرة والاستقرار وأن أنماط أكثر‬

‫تعقيدا يمكن أن تنتج على تركيب عدة أدوات‪.‬‬

‫يعتمد لورنس (‪ )Lawrence‬المنحنى التقليدي (الشكل ‪ )5‬لمسار المأسسة و يحاول تجاوزه ل كونه‬

‫بني على مفهوم معين للزمن باعتباره تسلسلا ثابتا‪ .‬توجد إذا‪ ،‬فترة معينة لظهور الابتكار وانتشاره وثباته‪،‬‬

‫وفترة أخرى يظل فيها الابتكار منتشرا‪ ،‬وفترة أخيرة حيث الشرعنة في مجمل الحقل‪.‬‬

‫‪85‬‬‫‪T. B. Lawrence & Al, “The Temporal Dynamics of Institutionalization”, Academy of Management Review,‬‬
‫‪Vol. 26, No. 4, 2001, pp 624-644.‬‬

‫‪39‬‬
‫الشكل‪ : 5‬المنحنى التقليدي للمأسسة‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.86‬‬

‫يضع لورنس تصنيفا مغايرا للتفسير الكلاسيكي للدينامية الزمنية للمأسسة بالاعتماد على ما يسميه‬

‫"أبعاد السلطة" في علاقتها بالأبعاد الزمنية للمأسسة (انظر الشكل ‪ .)6‬ويبدو أنه ينظر لمسار المأسسة‬

‫باعتباره تفاعلا بين عناصر ومكونات وأبعاد تؤثر على زمن المأسسة‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫‪T, B. Lawrence, Op. Cit., P 626.‬‬

‫‪40‬‬
‫جدول ‪ :5‬العالقة بين األبعاد الزمنية للمأسسة وأبعاد السلطة‬

‫المنطق المتضمن في العلاقة‬ ‫أبعاد السلطة‬ ‫الأبعاد الزمنية للمأسسة‬

‫ضرورة الاستخدام الدائم والمتكرر‬ ‫نمط‪ :‬عرضي‬

‫لأدوات السلطة لدعم استقرار‬ ‫ضعيف‬

‫المؤسسة‬

‫مندمجة في انساق من العمليات‬ ‫نمط‪ :‬نسقي‬ ‫الثبات‬

‫الاعتيادية بحيث لا تستدعي‬ ‫قوي‬

‫التفعيل المستمر‬

‫يتطل الأمر عمليات من التفاوض‬ ‫العلاقة مع الفئة‬

‫مما يبطئ العملية‬ ‫المستهدفة‪ :‬فاعل‬ ‫بطيء‬

‫لا تعتمد التفاوض مما يحدث‬ ‫العلاقة مع الفئة‬ ‫الوثيرة‬

‫تغييرات سر يعة‬ ‫المستهدفة‪ :‬غير فاعل‬ ‫سر يع‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.87‬‬

‫يتضح انطلاقا من استقراء هذه العينة من الدراسات التطبيقية لمفهوم المأسسة في العلوم الاجتماعية‬

‫أن هذا المفهوم يحتل مساحة مهمة في اهتمام الباحثين‪ ،‬خصوصا في ظل نظر يات التنظيمات والمقاربات‬

‫المؤسساتية الجديدة‪.‬‬

‫سنحاول فيما يلي مقاربة المأسسة في اقترانها بتقييم السياسات العمومية حيث محاولات دراسة‬

‫كيفية إرساء وديمومة واستقرار أنظمة تقييم على المستوى المؤسساتي‪.‬‬

‫‪87T.‬‬ ‫‪B. Lawrence, Op. Cit., P 630.‬‬

‫‪41‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مقاربات حول مأسسة تقييم السياسات العمومية‬

‫يهدف هذ المطلب إلى دراسة مأسسة تقييم السياسات العمومية من خلال مقاربات وتصورات‬

‫مختلفة ومتنوعة تبعا لتنوع التجارب والممارسات من جهة‪ ،‬والخصوصيات المؤسساتية والسياسية لمأسسة‬

‫التقييم من جهة أخرى‪ .‬نتناول ضمن هذه الفقرة‪ ،‬التصورات المتمركزة حول الدولة (الفرع الأول)‪ .‬ونمر‬

‫بعدها لدراسة التصورات المتمركزة حول التنظيمات (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على الدولة‬

‫تجسد هذه التصورات المرتكزة حول الدولة إطارا تحليليا خاصا لمسار مأسسة تقييم السياسات‬

‫العمومية‪ .‬فهي تركز على الجوانب المتعلقة بتطور الممارسات والبنيات المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية‬

‫في ظل الدولة المركز ية‪ ،‬وتأثير النخب الإدار ية العليا على هذا لمسار‪ ،‬والأبعاد القانونية والشكلية لتقييم‬

‫السياسات العمومية‪.‬‬

‫ضمن أطروحة سبيلنهاور‪ ،) Spenlehauer(88‬والتي تتبع تاريخ وتطور تقييم السياسات العمومية في‬

‫ظل الدولة المركز ية الفرنسية‪ ،‬يدافع الباحث عن فكرة أساسية متمثلة في كون استقطاب التقييم كممارسة‬

‫من الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الدوائر المكلفة بالتخطيط في الدولة المركز ية الفرنسية سنوات‬

‫‪ 1960‬تأثرت وتظل موسومة بقوة بأسطورة نجاعة "أداء" التخطيط الوطني التي يتبناها الفاعلون في الإدارة‬

‫العليا المركز ية‪ .‬تتبنى هذه الأطروحة فرضية أن هذه الأسطورة هي ساهمت في فشل السياسات الوطنية‬

‫للتقييم‪ .‬بالإضافة إلى فرضية أن تعاظم التأثير الأمريكي في التصور الفرنسي لعقلنة الفعل العمومي حدث‬

‫‪88‬‬
‫‪V. Spenlehauer, l’évaluation des politiques publiques, avatar de la planification, Thèse pour l’obtention du‬‬
‫‪doctorat de science politique, Université Pierre Mendès, France, Grenoble II, 1998.‬‬

‫‪42‬‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ل كن بالمقابل‪ ،‬أدت الخصوصية الإدار ية‪-‬السياسية الفرنسية‪ ،‬المتسمة بتواجد‬

‫"الفاعلين الكبار للدولة"‪ ،89‬إلى عملية ضبط وفرز لهذا الأدوات والآليات المستقطبة من علوم الحكم التي‬

‫تطورت في السياق الأمريكي‪ ،‬ومن ثم إلى خلق نوع من الفجوة بين الممارسة العلمية ‪-‬مناهج العلوم‬

‫الاجتماعية وعلوم الحكم‪ -‬وسياسات التقييم كما تطورت في النموذج الفرنسي‪.‬‬

‫تقوم المقاربة التي يعتمدها سبيلنهاور‪ ،‬على تعميق الأفكار حول دور النخب الإدار ية العليا وهيكلة‬

‫قواعد اللعب بين الفاعلين (الفرديين والجماعيين) في فشل مأسسة تقييم السياسات العمومية في ظل الدولة‬

‫المركز ية‪ .‬ويركز على التفاهمات المؤسساتية والمعرفية بين الفاعلين في الحقل الحكومي و يحاول تحليل مواقعهم‬

‫في العلاقة بمأسسة التقييم‪ .90‬وكذلك‪ ،‬ما تضمنته التحولات في الثقافة الإدار ية المرتبطة بإرساء نموذج‬

‫عقلنة الاختيارات الميزانياتية (‪ 91)RCB‬من إبداء أشكال معينة من المقاومة التقنية والسياسية في مواجهة‬

‫نتائج التقييم وتداعياتها على مستوى الميزانية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫(‪ )Stéphane‬أنه رغم الترويج للخطاب السياسي حول‬ ‫في نفس السياق‪ ،‬يظهر تصور ستيفان‬

‫تقييم السياسات العمومية فإن تنظيم الإدارة والمؤسسات الفرنسية لا يترجمان هذا الخطاب‪ .‬إن تتبعا بسيطا‬

‫لتطور سياسات التقييم والهيئات المنخرطة في العملية يوضح حالة تشتت الفاعلين‪ ،‬والذين لا يتوفرون على‬

‫‪89‬‬
‫‪« Les Grands Corps De l’Etat », Voir : M. C. Kessler, Les Grands Corps De L’Etat, Presses De La Fondation‬‬
‫‪Nationale Des Sciences Politiques, Paris, 1986.‬‬
‫‪90‬‬
‫‪V. Spenlehauer, Op. Cit., p 22.‬‬
‫‪91‬‬
‫‪« La Rationalisation Des Choix Budgétaires », Pour Plus D’approfondissement Sur Le RCB Et L’évaluation Des‬‬
‫‪Politiques Publiques, Voir : M. B. Perret, « De L’échec De La Rationalisation Des Choix Budgétaires (RCB) À La Loi‬‬
‫‪Organique Relative Aux Lois De Finances (LOLF) », Revue Française D'administration Publique, 1 No117, 2006,‬‬
‫‪pp31-41.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪G. Stéphane, « L’évaluation Des Politiques Publiques : Qui Et Comment ? » In : Économie & Prévision, N°204-‬‬
‫‪205, Méthodes D'évaluation Des Politiques Publiques, 2014, pp. 211-224.‬‬

‫‪43‬‬
‫الأدوات ولا ال كفاءة الكافية للقيام بهذه المهمة‪ .‬رغم هذا‪ ،‬يمكن القول إن هذا التشتت يوفر مجالا‬

‫لمأسسة هذه الممارسات المتنوعة عبر تراكم التجارب المختلفة‪.‬‬

‫تركز الدراسة على تقييم ما يسميه بالسياسات العمومية ال كبرى‪ ،‬والذي يقترح أن تكون منهجية‬

‫تقييمها شفافة وتتمتع بنوع من الاستقلالية لدعم ثقة المواطن في مسار المأسسة‪.93‬‬

‫ضمن مقاربة أخرى‪ ،‬يتناول جاكوب‪ ) Jacob(94‬موضوع مأسسة تقييم السياسات العمومية عبر‬

‫دراسة مقارنة "للهياكل المؤسساتية للتقييم" في أربعة دول أوروبية‪ .‬و يعني بها‪ ،‬القواعد وأشكال التنظيم‬

‫التي "تساهم في تطوير واستمرار ية ممارسات التقييم"‪ .95‬و يعرف المأسسة بكونها الصيرورة التي يتم من‬

‫خلالها خلق هذه الهياكل المؤسساتية وتعديلها وحذفها كذلك‪.‬‬

‫يعتمد جاكوب نمذجة بسيطة لمسارات المأسسة في الدول التي قام بدراساتها من خلال بعدين‬

‫أساسين‪ :‬درجة انفتاح الهياكل المؤسساتية وتوجه ممارسات التقييم للتدبير أو للرقابة أو بمعنى آخر غاياتها‪.‬‬

‫وعلى هذا الأساس‪ ،‬يصنف الدول المدروسة لأربعة أصناف‪ :‬تعاونية‪ ،‬وتكنوقراطية‪ ،‬وتشاركية‪ ،‬وليبرالية‪.‬‬

‫عرفت ثلاث دول (باستثناء بلجيكا التي يعتبر التقييم بها جنينيا) انتقالا من صنف لآخر‪ .‬لقد انتقلت‬

‫فرنسا من صنف تكنوقراطي لآخر تشاركي‪ ،‬بينما هولاندا انتقلت من التكنوقراطي للتعاوني‪ ،‬وسويسرا‬

‫انتقلت من التعاوني للصنف اللبرالي‪ .96‬يميز عمله هذا بين أنظمة التقييم وتطورها في علاقة بسير الأنظمة‬

‫‪93‬‬
‫‪G. Stéphane, Op. Cit., P211.‬‬
‫‪94‬‬
‫‪S. Jacob, Institutionnaliser L’évaluation Des Politiques Publiques, Etude Comparée Des Dispositifs En Belgique,‬‬
‫‪En France, En Suisse Et Aux Pays-Bas, Pie Peter Lang, Bruxelles, 2005.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪Ibid., P107.‬‬
‫‪96‬‬
‫‪J.C. Barbier, « Steve Jacob, Institutionnaliser L’évaluation Des Politiques Publiques, Etude Comparée Des‬‬
‫‪Dispositifs En Belgique, En France, En Suisse Et Aux Pays-Bas », Sociologie Du Travail [En Ligne], Vol. 49 - N°3‬‬
‫‪,Juillet-Septembre, 2007, Mis En Ligne Le 21 Mars 2008, Consulté Le 17 Novembre 2020 .[URL:‬‬
‫] ‪http://journals.openedition.org/sdt/22564 ];[ DOI: https://doi.org/10.4000/sdt.22564‬‬

‫‪44‬‬
‫السياسية‪-‬الإدار ية للدول المدروسة وبنيات الفرص والعوائق‪ ،‬حيث يكشف الدور الذي يلعبه حاملي‬

‫المشار يع أو "المقاولين السياسيين"‪ ،‬ورهانات الهيئات والإدارات المركز ية‪ ،‬وكذلك الشروط والسياقات‬

‫السياسية والاقتصادية‪.97‬‬

‫وتندرج أطروحته ضمن مقاربة قانونية – شكلية لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ .‬وتغيب‬

‫هذه المقاربة المكونات الثقافية والتفاعلية لمسار المأسسة‪ ،‬ولا تمكن من فهم المأسسة كإرساء لقواعد غير‬

‫رسمية متفاوض بشأنها بين الفاعلين‪ ،‬ومعتقدات متقاسمة بإمكانها أن تؤدي لتغيير سياسي واجتماعي‪.98‬‬

‫ضمن تصور آخر لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ ،‬يحلل لاكموس وفوجير‪Lascoumes ( 99‬‬

‫)‪ et Fougère‬المسار باعتبارها ظاهرة غير منتظمة وحركية وتتخذ شكلها في علاقة "بفضاءات" متعددة‬

‫ومتنافسة في الأغلب‪ .‬يتم دراسة التقييم إذن ك "فضاء"‪ :‬للشرعنة‪ ،‬والسلطة المضادة‪ ،‬ودمقرطة الحياة‬

‫السياسية‪ ،‬وتحسين تنفيذ البرامج العمومية‪ ،‬ورافعة للاتقائية السياسات القطاعية‪ ،‬وتقليص النفقات‬

‫العمومية‪.100‬‬

‫يتم دراسة المأسسة ضمن هذا التصور باعتبارها نتاجا لدينامية وليست كمعطى ثابت ومنسجم‪ ،‬وذلك‬

‫عبر التركيز على "ما يفعله التقييم ومن يقوم به"‪ .‬في النموذج الفرنسي مثلا‪ ،‬فالعديد من الفاعلين يعتبرون‬

‫أكثر كفاءة في مجال التقييم ل كن هذا لم يشفع لهم فرض تصورهم له‪.101‬‬

‫‪97‬‬
‫‪S. Jacob, Op. Cit., p 257.‬‬
‫‪98‬‬
‫‪Okbani, N., Op. Cit., p 14.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪P. Lascoumes & C. L. Fougère, Les Scènes Multiples De L’évaluation : Les Problèmes Récurrents De Son‬‬
‫‪Institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪Okbani. N., Op. Cit., P 15.‬‬
‫‪101‬‬
‫‪Ibid., p 16.‬‬

‫‪45‬‬
‫تعتبر المأسسة وفق هذا التصور هشة وحركية‪ .‬من جهة‪ ،‬بسبب تعدد وتنوع الممارسات في مختلف‬

‫التنظيمات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بسبب تعقد رهانات الفاعلين وصراعهم حول تعر يفها واحتكارها‪ .‬هذا‬

‫يدفع للتساؤل حول كيف يمكن للمفاوضات بين الفاعلين أن تؤثر على مسار المأسسة؟‪.102‬‬

‫‪103‬‬
‫حول مأسسة التقييم من خلال دراسة مقارنة بين‬ ‫ضمن دراسة لدلال بوعتروس ومحمد الدهان‬

‫المغرب والجزائر والتي اعتمدت مقاربة متمركزة حول مؤسسات الدولة وذلك عبر التركيز على أدوار‬

‫وممارسات الأجهزة الرقابية والبرلمانية في مجال تقييم السياسات العمومية حيث لاحظت وجود فارق في‬

‫الممارسات وتفعيل الدور بين الدولتين‪.‬‬

‫وقد عرفت مأسسة تقييم السياسات العمومية على أنها مجموعة المؤسسات الرسمية (الأجهزة‬

‫والهيئات) والقوانين (نصوص قانونية وقواعد) تنظم عمل هذه المؤسسات لتأطير مختلف الممارسات‬

‫التقييمية من أجل الوصول إلى ممارسات جيدة فيما يتعلق بعمليات التقييم‪ .104‬واعتمد الباحثان في‬

‫سياق مقارنتهما بين المغرب والجزائر على مؤشرين أساسين‪ :‬يتعلق الأول بالمقارنة على مستوى ثلاث‬

‫هيئات للتقييم (الهيئات البرلمانية‪ ،‬الحكومية‪ ،‬الرقابية)‪ .‬وأما المؤشر الثاني فيتعلق بالمجتمع المعرفي للتقييم‪.105‬‬

‫‪102‬‬
‫‪Okbani, N., op. cit., p17.‬‬
‫‪ 103‬د‪ .‬بوعتوس‪ ،‬م‪ .‬دهان‪“ ،‬مأسسة تقييم السياسات العمومية – دراسة مقارنة ن‬
‫بي الجزائر والمغرب”‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬المجلد ‪ ،30‬عدد‬
‫ديسمت ‪ ،2019‬ص‪.134-117‬‬ ‫ر‬ ‫‪،3‬‬
‫‪ 104‬نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫يعتت التقييم جزء من مهامها‪ ،‬لكن ن يف نفس الوقت خلصا‪ ،‬إىل‬ ‫ن‬
‫الت خلص إليها الباحتان تلك المتمثلة يف وجود أجهزة وهياكل ر‬ ‫ن‬
‫من بي النتائج ي‬
‫‪105‬‬
‫ن‬
‫كون دور هذه األجهزة يتسم بعدم التفعيل خصوصا يف الجزائر‪ ،‬حيث أن المغرب عرف تطورا للممارسات المتعلقة بالتقييم بالمقارنة بجارته‬
‫الت خلص لها البحث السالف الذكر‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الجزائر‪ ،‬كما أن النقص يف المراكز البحثية المتخصصة يف المجال يمثل إحدى السمات ي‬

‫‪46‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على التنظيمات‬

‫يتبنى التصور المرتكز على التنظيمات مقاربة إلى الأعلى (‪ )Bottom-Up‬لمأسسة تقييم السياسات‬

‫العمومية‪ ،‬خلافا للتصورات المرتكزة على الدولة التي تتبنى مقاربة إلى الأدنى (‪.106)Top-Down‬‬

‫بعض الأعمال تناولت تطور الهياكل المؤسساتية للتقييم ضمن المجالس الجهو ية في فرنسا‪ ،‬في إطار‬

‫عقود الدولة‪/‬الجهة‪ ،‬من وجهة نظر مقارنة ووصفية‪ .107‬بعض الدراسات الأخرى عالجت التقييم باعتباره‬

‫أداة لشرعنة الفعل العمومي الترابي وتعزيز استقلالية مؤسساته‪ .108‬حاول سبيلنهاور وورين‬

‫)‪ ،(Spenlehauer et Warin‬من خلال دراسة التقييم في المجالس الجهو ية‪ ،‬التساؤل حول مدى وآثار‬

‫سياسات التقييم‪ .‬وقد خلصت دراستهما‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى تأثير هذه الأخيرة في طر يقة صياغة الحكم من‬

‫طرف الفاعلين‪ .‬ل كن‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬لا تحدث ممارسات التقييم هاته تغييرا على مستوى الممارسة‬

‫السياسية حيث تقتصر على الدور التعليمي‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بينا أن الفاعلين في المجالس الجهو ية ينظرون‬

‫للتقييم بطر يقة مرتبكة حيث يقومون بتفسير مفاهيمه انطلاقا من توقعاتهم والشروط السياسية التي أطرت‬

‫الهيكلة المؤسساتية‪ ،‬والنموذج السائد للتدبير الإداري‪-‬السياسي‪.109‬‬

‫‪106‬‬
‫‪Pour plus de details sur les deux approaches, Voir: P. A. Sabatier, “Top-down and Bottom-up Approaches to‬‬
‫‪Implementation Research: A Critical Analysis and Suggested Synthesis”, Journal of Public Policy, Vol. 6, No. 1 (Jan.‬‬
‫‪- Mar., 1986), pp. 21-48.‬‬
‫‪107‬‬
‫‪M. Basle, « L'evaluation Territorialisee Des Politiques Publiques En France : Organisation, Constat Et‬‬
‫‪Problemes Spécifiques », Cahiers Economiques De Bretagne, N°2, 1999.‬‬
‫‪108‬‬
‫‪V. Spenlehauer et P. Warin, « L'évaluation au service des conseils régionaux », Sociologie du Travail, Vol. 42,‬‬
‫‪No. 2, 2000, pp. 245-262‬‬
‫‪109‬‬
‫‪Ibid., p247.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪110‬‬
‫(‪ ،)Matyjasik‬الذي حاول توضيح‬ ‫في نفس السياق‪ ،‬يمكن الحديث عن أطروحة ماتيجاسيك‬

‫أن التقييم يتم تبنيه على مستوى مؤسسات الدولة المركز ية والتي تقوم بدورها برسم حدوده ونقله للجماعات‬

‫الترابية‪ .‬ل كن‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬لا يعني هذا أن الفاعلين في هذه الجماعات لا يعيدون صياغته على أساس‬

‫مصالحهم ومواقفهم‪ .‬ورغم أن هذه المقاربة تتبنى دراسة مأسسة التقييم ضمن التنظيمات في تفاعل مع‬

‫الفاعلين على المستوى الترابي‪ ،‬إلا أنها لا تتناول التفاعلات والمفاوضات بين مختلف الفاعلين ورهانات‬

‫السلطة التي تخترقها‪.111‬‬

‫بعض الدراسات حاولت أن تتناول مأسسة التقييم على مستوى قطاعات محددة للسياسات العمومية‬

‫وأقرت بتواجد نوع من الثقافة القطاعية للتقييم بالإضافة لمتطلبات خاصة‪ .112‬عالجت بوكيت‬

‫(‪ )Bouquet‬هذه المتطلبات التي تبرر إدماج التقييم في قطاع العمل الاجتماعي حيث أن متطلبات‬

‫الشفافية والمسائلة هي المستوى الأول الذي يبرر ضرورة مأسسة التقييم قطاعيا‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬يتعلق الرهان‬

‫الثاني بإعادة تنظيم وضبط قطاع العمل الاجتماعي‪ .‬أما الرهان الثالث‪ ،‬فيتعلق بتوضيح وحذف الارتباك‬

‫الحاصل على مستوى المفهوم وممارسته واستخداماته‪.113‬‬

‫انطلاقا من سؤال‪ :‬كيف ولماذا يتطور التقييم ويتكيف كمؤسسة ضمن تنظيم معين؟ وكيف يعكس‬

‫الفاعلون مصالحهم ضمن هذا التطور؟‪ ،‬تحاول عكباني‪ )Okban(114‬من خلال أطروحتها فهم مسار‬

‫مأسسة تقييم السياسات‪ ،‬وكيف يأخذ هذا المسار شكله من خلال مفاوضات واستثمارات الفاعلين وما‬

‫‪110‬‬
‫‪N. Matyjasik. L’évaluation des politiques publiques dans une France décentralisée. Institutions, marché et‬‬
‫‪professionnels. Science politique. Université de Bordeaux, Université Montesquieu - Bordeaux IV, Institut‬‬
‫‪d’études politiques de Bordeaux ; SPIRIT, 2010.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪Okbani. N., Op. Cit., p21.‬‬
‫‪112‬‬
‫‪B. Bouquet., « Du Sens De L'évaluation Dans Le Travail Social », Informations sociales, 2 n° 152 | pp 32 -39,‬‬
‫‪2009.‬‬
‫‪113‬‬
‫‪Ibid., p33.‬‬
‫‪114‬‬
‫‪Okbani. N., Op. Cit. p 33.‬‬

‫‪48‬‬
‫يحدثه هذا المسار من تغيرات على المدى المتوسط والبعيد‪ .‬وتعتبر الباحثة أن دراسة مسار المأسسة في‬

‫تنظيم معين يتطلب تحليله من خلال مشار يع الفاعلين في التنظيم‪ .115‬وتحاول هذه الدراسة فهم كيف‬

‫يحدد العمل المؤسساتي للفاعلين مسار مأسسة التقييم‪ ،‬واستقراره واستمراره في الزمن في تنظيم معين‪.‬‬

‫يظهر من تعدد وتنوع التصورات والمقاربات التي تطرقت لإشكالية مأسسة تقييم السياسات العمومية‪،‬‬

‫سواء التي ارتكزت على الدولة أو على التنظيمات‪ ،‬أن هذا المسار ليس بسيطا أو محصورا في بعد محدد‬

‫سواء القانوني أو الثقافي بل هو مسار دينامي وتفاعلي ومعقد تتداخل ضمنه العديد من العوامل‪ ،‬والفاعلين‪،‬‬

‫والمؤشرات‪ ،‬ويتأثر بالبنيات والهياكل المؤسساتية التي يمارس ضمنها وهو ما سنحاول التطرق له من خلال‬

‫الفصل الثاني‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫‪Okbani. N., Op. Cit, P28.‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مأسسة تقييم السياسات العمومية‪:‬‬

‫دراسة النموذج المغربي على ضوء‬

‫النماذج الدولية‪.‬‬
‫يهدف هذا الفصل لدراسة مأسسة التقييم بالمغرب على ضوء النماذج الدولية رغم أن تقييم السياسات‬

‫يتخذ مسارات متعددة ومتنوعة حسب الدول و يعكس حجم خصوصياتها المؤسساتية والثقافية‪ .116‬وسنقوم‬

‫بدراسة هذه النماذج من خلال السياقات التار يخية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والمعرفية لمسار تطور أنظمة التقييم بها‪،‬‬

‫وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية المؤثرة في هذا المسار (المبحث الأول)‪.‬‬

‫وقد تطور الطلب الاجتماعي والسياسي على أنظمة التقييم عالميا في سياقات مختلفة ومرتبطة بعوامل‬

‫مؤسساتية وسياسية تتقاطع فيها‪ ،‬من جهة‪ ،‬العوامل الداخلية والتطورات التي عرفتها منظومات التدبير في‬

‫الدول المعاصرة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬المناخ الدولي المتسم بضغط شديد لتبني أنظمة تعزز فعالية ونجاعة‬

‫التدخلات الحكومية وتقليص النفقات العمومية‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬سنركز على دراسة مسار مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ .‬ونقصد بدراسة‬

‫هذا المسار في المغرب عمليتين‪ :‬الأولى‪ ،‬تتعلق بتنظيم وظيفة التقييم وتشتمل على دراسة التنظيم القانوني‬

‫والمؤسساتي لوظيفة التقييم‪ .‬والثانية‪ ،‬تتعلق بالعوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب‬

‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫يتضح أن التقييم دائم الاستحضار في خطاب الفاعليين المؤسساتيين أو السياسيين‪ .‬ل كن هل هذا‬

‫الخطاب يعكس فعلا تطورا على مستوى الممارسة الفعلية؟‪ ،‬في هذا الصدد‪ ،‬يمكن القول إن التقييم في‬

‫المغرب عرف مرحلتين‪ :‬مرحلة الاحتكاك وتشتت الممارسات‪ ،‬ومرحلة الدسترة وما بعدها‪ .‬و يعكس‬

‫‪F. Varone, S. Jacob, « Institutionnalisation de l’évaluation et Nouvelle Gestion Publique : un état des lieux‬‬
‫‪116‬‬

‫‪comparatif », Revue internationale de politique comparée, 2 Vol. 11, p 273, 2004.‬‬

‫‪51‬‬
‫هذا مسار شروط وسياقات تكونه وتطوره‪ ،‬وهو ما يضفي الأهمية على تأثير العوامل السياسية والمؤسسية‬

‫والتدبير ية في تطور وإرساء أنظمة التقييم‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬دراسة مقارنة للنماذج الدولية‪.‬‬

‫عرف تقييم السياسات العمومية تطوره في ظل أنظمة مختلفة وبنيات مؤسساتية وسياسية متنوعة عبر‬

‫العالم‪ .‬ويهدف هذا المبحث‪ ،‬إلى دراسة النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫سيتم تناول النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية عبر مستو يين‪ :‬السياقات العامة (السياسية‬

‫والثقافية) والتراكمات المعرفية (المطلب الأول)‪ ،‬وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية المؤثرة في تطور‬

‫أنظمة التقييم بها (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫في هذا الإطار‪ ،‬سيتم تناول خمس نماذج دولية؛ ثلاث تدخل ضمن النماذج الأنجلوسكسونية‬

‫(الولايات المتحدة الأمريكية‪ ،‬كندا‪ ،‬بر يطانيا)‪ ،‬ونموذجين ضمن النماذج الأوروبية (فرنسا‪ ،‬إسبانيا)‪.‬‬

‫ويمكن القول إن اختيار هذه النماذج يرتبط بتطور مسار مأسسة تقييم السياسات العمومية ضمنها‪ ،‬وهو ما‬

‫سيساعدنا على فهم أعمق للعوامل المؤثرة في إرساء وتطور أنظمة التقييم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المطلب األول‪ :‬النماذج الدولية للتقييم‪ :‬السياقات التاريخية والثقافية والمعرفية للمأسسة‬

‫ضمن هذا المطلب سنتطرق للسياقات التار يخية المتعلقة بإرساء أنظمة التقييم (الفرع الأول) من‬

‫خلال دراسة مقارنة لخمس نماذج دولية (النموذج الأمريكي‪ ،‬ال كندي‪ ،‬البر يطاني‪ ،‬الفرنسي‪ ،‬الاسباني)‪،‬‬

‫كما سنقارب بعدها مكونا مهما والمتعلق بالتراكم المعرفي والتجذر الثقافي المؤسساتي لأنظمة التقييم ضمن‬

‫هذه النماذج الخمسة (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬السياقات التاريخية للتقييم في النماذج الدولية‬

‫يعتبر تقييم السياسات العمومية نشاطا مؤسساتيا حديثا نسبيا‪ .‬وقد عرف بداياته الأولى في الولايات‬

‫المتحدة الأمريكية سنوات الخمسينات والستينات بالتوازي مع النقاشات التي خلقتها البرامج الاجتماعية‬

‫ال كبرى التي دشنتها إدارة جونسون‪ ،‬وقد برره ازدياد النفقات العمومية في تلك الفترة‪ .117‬نفس الأمر‬

‫يمكن تعميمه على النموذج ال كندي بحيث أنه عرف بداياته سنوات ‪ 1970‬تبعا للضغط المؤسساتي‬

‫والاحتكاك مع الولايات المتحدة الأمريكية‪ .‬و يضاف إلى ما سبق‪ ،‬الدور الر يادي الذي لعبته هيئتين‪:‬‬

‫إحداهما ارتبطت بالسلطة التشر يعية (مكتب المحاسب العام ال كندي)‪ ،‬بينما الأخرى مرتبطة بالسلطة‬

‫التنفيذية (مجلس الخزينة)‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪R. Desplatz, « L’évaluation des politiques publiques aux États-Unis », document de travail N°2019-12, France‬‬
‫‪Stratégie, 2019, p 5. Voir Aussi: Katharine M. & J. R. Pfeiffer, “Monitoring and Evaluation in the United States‬‬
‫‪Government: An Overview”, ECD Working Paper Series, No. 26, The World Bank Group, 2011.‬‬

‫‪54‬‬
‫ضمن النموذج البر يطاني‪ ،‬يعود تطوير أنظمة التقييم إلى سنوات الستينات وارتبط بالمراجعات المنتظمة‬

‫للنفقات العمومية بغاية تغيير أهداف السياسات العمومية‪ ،‬ل كن الإرساء الفعلي ارتبط بتطور الممارسات‬

‫التدبير ية في إطار "التدبير العمومي الجديد" مع صعود حكومة تاتشر‪.)Thatcher( 118‬‬

‫في المقابل‪ ،‬وضمن النموذج الفرنسي‪ ،‬يتم في الغالب الحديث عن التقييم باعتباره نظاما مستوردا‪ .‬رغم‬

‫أن المحاولات الأولى لإرسائه ارتبطت بدور وزارة المالية من خلال إرساء نظام عقلنة الاختيارات‬

‫الميزانياتية (‪)RCB‬؛ وهو النسخة الفرنسية لنظام التخطيط والبرمجة والموازنة الأمريكي‪ .‬إن هذا النظام‬

‫اشتمل على نماذج ومقاربات منهجية من مثيل تقيم الكلفة‪-‬منفعة‪ ،‬والتقييمات القبلية للتدخلات الحكومية‬

‫في إطار قانون المالية‪.‬‬

‫يمكن تسجيل نفس الملاحظة فيما يخص النموذج الإسباني حيث أن الممارسات قائمة منذ الثمانينات‬

‫ل كن هيكلة ومأسسة هذه الممارسة لم يتم ارسائها إلا مع موجة التحديث والإصلاح سنوات ‪.2008‬‬

‫‪118‬‬ ‫‪C. Talbot, “Performance in Government: The Evolving System of Performance and Evaluation‬‬
‫‪Measurement, Monitoring, and Management in the United Kingdom”, ECD Working Paper Series, No. 24,‬‬
‫‪The World Bank, November 2010.‬‬

‫‪55‬‬
‫جدول ‪ :6‬السياق التاريخي ورهانات مأسسة تقييم السياسات العمومية في النماذج الخمس‬

‫اسبانيا‬ ‫بر يطانيا فرنسا‬ ‫الولايات المتحدة كندا‬

‫الأمريكية‬

‫ممارسات تقييم مهيكلة وذات طبيعة‬

‫مؤسساتية منذ أكثر من ‪ 50‬سنة‪.‬‬


‫السياق التار يخي لممارسات‬
‫ديناميات التقييم مرتبطة بتقليص‬
‫التقييم والرهانات الرئيسية‬
‫مستو يات العجز المالي ‪ /‬تقليص‬

‫النفقات العمومية‪.‬‬

‫موجات وثقافة التقييم تعتمد بشكل‬

‫كبير على تركيبة ومكونات الحكومة‬

‫المتواجدة‪.‬‬

‫تعريب شخصي عن المصدر‪.119‬‬

‫يمكن تقسيم مسار إرساء أنظمة تقييم السياسات العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية لمرحلتين‬

‫بين سنوات ‪ :2000-1960‬تمتد المرحلة الأولى ما بين ‪ 1960‬و‪ .1980‬وتميزت بتصاعد الطلب على‬

‫التقييم ووضع هياكل تقييم على مستوى السلطة التنفيذية والتشر يعية‪ .‬أما المرحلة الثانية فتمتد بين ‪1980‬‬

‫و‪ .2000‬وقد عرفت تراجعا في الموارد المرصودة لعمليات التقييم‪ .120‬في المرحلة الراهنة‪ ،‬هناك عودة‬

‫للتقييم خصوصا في ظل إدارة الرئيسين بوش وأو باما‪ ،‬عبر أداة مراجعة البرامج والسياسات لسنة ‪2004‬‬

‫‪119‬‬
‫‪Deloitte, Regards croisés sur la démarche d’évaluation des politiques publiques Benchmark international,‬‬
‫‪Octobre 2013.‬‬
‫‪120‬‬
‫‪R. Desplatz, Op. cit., p6.‬‬

‫‪56‬‬
‫(‪ ،) PART‬ودور يات مكتب التدبير والميزانية التابع لإدارة الرئيس‪ .‬في ظل إدارة ترامب تم إعادة‬

‫التصريح بأهمية السياسات والبرامج القائمة على الأدلة والحجج (‪.121)Evidence-Based‬‬

‫يمكن القول إن التقييم‪ ،‬ضمن النموذج ال كندي‪ ،‬عرف تطورا مضطردا وتدر يجيا حيث أن البدايات‬

‫تعلقت بإدماج الممارسة في المسار اليومي للإدارات الحكومية‪ ،‬بشكل خاص عبر ضغط مكتب المحاسبة‬

‫العامة ومجلس الخزينة‪ .‬وفي فترة ثانية‪ ،‬وبعد تأسيس المؤسسة ال كندية للتقييم (‪ )SCE‬سنة ‪ ،1980‬تم‬

‫تقو ية هذه المسار عبر ربطه بعمل الباحثين الأكاديميين في الجامعات‪ .‬إن هذا الأمر خلق نوعا من التراكم‬

‫المعرفي حول نماذج ومقاربات التقييم‪ .‬في سنوات التسعينات وما بعدها‪ ،‬أصبح التقييم أكثر ارتباطا‬

‫بالتدبير العمومي‪ ،‬حيث محاولات البحث عن أفضل أداء ممكن فيما يخص تدبير الموارد والنفقات‬

‫العمومية (‪ ،)1990‬وتعزيز المقاربات المبنية على مسائلة مردودية المسؤولين في الوظيفة العمومية الفدرالية‬

‫(‪ ،)2000‬هذا السياق ساهم في انتشار الممارسة على المستوى الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية‪.122‬‬

‫فيما يخص النموذج البر يطاني‪ ،‬وكما سلف الذكر‪ ،‬فالتأسيس لممارسات مؤسسية للتقييم ارتبط‬

‫بالمراجعات الدور ية والمنتظمة للنفقات العمومية وأهداف السياسات والبرامج الحكومية سنوات ‪.1960‬‬

‫بينما المرحلة الثانية اتسمت‪ ،‬ابتداء من سنة ‪ ،1980‬بتبني التقييم وفق منظور تدبيري في إطار " التدبير‬

‫العمومي الجديد" كما تبنته حكومة تاتشر‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬أن التقييم يرتبط أساسا بتقييد إنفاق المال العمومي‬

‫(‪ )value for money‬وتعزيز نجاعة أكبر للبرامج العمومية‪ .123‬في سنوات التسعينات‪ ،‬ومع حكومة توني‬

‫بلير (‪ ،)Tony Blair‬تم اعتماد السياسات القائمة على الحجة أو الدليل‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪R. Desplatz, Op. Cit., P6.‬‬
‫‪122‬‬
‫‪C. L. Fougère, « L’évaluation Des Politiques Publiques Au Canada », N°2019-11, France Stratégie, 2019, P 5-6.‬‬
‫‪123‬‬
‫‪S. Debu, « L’évaluation Des Politiques Publiques Au Royaume-Uni », N°2019-14, France Stratégie, 2019, Pp 5-‬‬
‫‪6.‬‬

‫‪57‬‬
‫تطور التقييم في فرنسا في مرحلة أولى عبر إرساء وتنفيذ نظام عقلنة الاختيارات الميزانياتية (‪،)RCB‬‬

‫وهو النظام الذي تم إلغائه في سنوات ‪ .1980‬وأما المرحلة الثانية في تطور الممارسة فقد ارتبطت بسياق‬

‫سياسي مختلف‪ ،‬عبر خلق اللجنة البين‪-‬وزار ية للتقييم (‪ ،)CIME‬ومجلس علمي للتقييم (‪ ،)CSE‬وصندوق‬

‫وطني لتطوير التقييم (‪.)FNDE‬‬

‫تميزت هذه المبادرات بالاستقرار ومحاولة إرساء نموذج ديموقراطي ومفتوح ساهم في تجربة فرنسية‬

‫تعددية ستحفز خلق المؤسسة الفرنسية للتقييم (‪ )SFE‬حيث جسدت فضاءا للالتقاء بين الأكاديميين‬

‫والممارسين والفاعلين الإدار يين‪ .‬وفي نفس الفترة‪ ،‬تم استبدال اللجنة البين‪-‬وزار ية بالمجلس الوطني للتقييم‪.‬‬

‫كذلك‪ ،‬ومع موجة اللامركز ية التي دعمها الاتحاد الأوروبي بتمو يلات كبيرة‪ ،‬تم إرساء أنظمة وقواعد‬

‫أساسية للتقييم في القطاعات المحلية‪ .‬وفي التعديل الدستوري لسنة ‪ ،2008‬تم اسناد التقييم للبرلمان مدعوما‬

‫من طرف مجلس الحسابات‪ .‬إضافة إلى ما سبق‪ ،‬تم إصدار قانون تنظيمي في ‪ 2009‬يتضمن ضرورة‬

‫اجراء تقييم قبلي للآثار قبل صياغة أي قانون‪ .‬وفي سنة ‪ ،2014‬تم تضمين القانون الداخلي للبرلمان الفرنسي‬

‫بندا يفرض إجراء تقييم للآثار لأي قانون بعد دخوله حيز التنفيذ بثلاث سنوات‪.124‬‬

‫في النموذج الإسباني‪ ،‬تميزت المرحلة الأولى بتأثير الشروط السياسية والمؤسساتية المتسمة بديكتاتور ية‬

‫فرانكو وانعكاساتها على الممارسة الإدار ية‪ .‬وقد امتدت من ‪ 1950‬الى ‪ .1970‬إن هذه السنة الأخيرة‬

‫تمثل البداية الفعلية لنمو استخدامات المرافق والخدمات العمومية ودراسات التقييم التي تمت حولها‪ .‬أما‬

‫المرحلة الثانية‪ ،‬ما بين ‪ 1980‬إلى ‪ ،1990‬فقد اتسمت بدخول إسبانيا للاتحاد الأوروبي سنة ‪ 1986‬وما‬

‫تبعها من إرساء أنظمة وقواعد تقييم على المستوى المحلي بموازاة تمو يل برامج التنمية المحلية‪ .‬ومن أهم مميزات‬

‫‪124‬‬
‫‪R. Desplatz et C. L. Fougère, « L’évaluation des politiques publiques en France », N°2019-13, France Stratégie,‬‬
‫‪2019, pp 5-6.‬‬

‫‪58‬‬
‫هذه الفترة‪ ،‬يمكن الحديث عن مسار اللامركز ية‪ ،‬عبر تحو يل خدمات الصحة والتربية سنة ‪ 1999‬في‬

‫مقابل نقل الموارد المالية للجماعات المستقلة (‪ %77‬من الموارد العمومية)‪ .‬ومنذ سنة ‪ ،2004‬أصبح‬

‫‪125‬‬
‫التقييم ذو طبيعة مؤسسية على المستوى الوطني عبر خلق الوكالة الوطنية لتقييم السياسات العمومية‬

‫(‪.126)AEVAL‬‬

‫يتضح مما سبق‪ ،‬أن سياقات مأسسة تقييم السياسات العمومية لها بعض السمات المشتركة‪ .‬فكل‬

‫النماذج ارتبطت فيها أنظمة التقييم بضرورة تقليص وعقلنة الإنفاق العمومي بشكل أساسي‪ .‬وكذلك‪،‬‬

‫فثقافة التقييم تعلقت بطبيعة وتركيبة الحكومة القائمة ما عدا في النموذج الأمريكي‪ .‬ل كن فيما يخص مأسسة‬

‫الممارسة فالنماذج الأنجلوسكسونية أقدم من النماذج الأوروبية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السياقات الثقافية والمعرفية للتقييم في النماذج الدولية‬

‫ترتبط مأسسة أنظمة التقييم بالسياقات الثقافية وتراكمات معرفية يمكن‪ ،‬من خلال دراستها‪ ،‬فهم‬

‫تطور ودرجات مأسسة التقييم في النماذج الدولية المقارنة‪ .‬لهذا‪ ،‬يمكن دراسة السياقات الثقافية من خلال‬

‫معايير متعددة‪ .‬في البداية‪ ،‬سنحاول دراسة تطور مؤشر المساءلة في الزمن ضمن النماذج المدروسة‪ .‬بعدها‪،‬‬

‫سنمر لدراسة توافر الأطر المرجعية والدلائل المنهجية ومدى سلاستها بالنسبة للفاعلين‪ .‬في الأخير‪ ،‬سنتجه‬

‫لدراسة القدرة على بناء نموذج تواصلي ملائم من خلال النشر العمومي لنتائج ومعطيات التقارير التقييمية‬

‫ومراقبة جودة التقييمات (الفقرة الأولى)‪.‬‬

‫‪"l’Agencia Estatal de la Evaluación de las políticas públicas y de la calidad de los servicios".‬‬


‫‪125‬‬

‫‪126‬‬
‫‪Deloitte, op. cit., p39. Voir aussi: O. Feinstein and E. Z. Goñi, “Evaluation of Government Performance and‬‬
‫‪Public Policies in Spain”, ECD Working Paper Series, No. 22, The World Bank, May 2010, pp 1-3.‬‬

‫‪59‬‬
‫فيما يخص التراكمات المعرفية‪ ،‬يمكن قياسها من خلال الاطلاع على بيانات الدراسات والمقالات‬

‫المنشورة حول تقييم السياسات ومدى انخراط الفاعلين الأكاديميين والباحثين في إجراء تقييمات للبرامج‬

‫والسياسات العمومية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬السياقات الثقافية للتقييم في النماذج الدولية‬

‫رغم ما يمكن تسجيله من اختلافات في الموضوع والترتيبات المؤسسية للتقييم فتجذر ثقافة التقييم‪،‬‬

‫في الهياكل والمؤسسات الإدار ية والسياسية‪ ،‬يمثل عاملا مهما في فهم درجة مأسسة تقييم السياسات‬

‫العمومية‪.‬‬

‫يمكن قياس تجذر ثقافة تدعم تطور نظام التقييم عبر الاعتماد على مؤشر المسائلة ( ‪Accountability‬‬

‫‪ .)Index‬والذي يتم تعر يفه باعتباره مجمل القيود التي تقع على الحكومة وتفرض عليها تبرير تدخلاتها وبناء‬

‫فعلها على نوع من المشروعية والشرعية‪ .127‬وتشمل ثلاث مستو يات‪ .‬تتعلق الأولى بالمسائلة العمودية‬

‫وتعني قدرة الساكنة على مسائلة الحكومة عبر الانتخابات‪ .‬أما المستوى الثاني‪ ،‬وهو المسائلة الأفقية فيعنى‬

‫بالقيود وتوازن القوة بين المؤسسات‪ .‬والمستوى الثالث‪ ،‬أي المسائلة القطر ية‪ ،‬وتعني قدرة المجتمع المدني‬

‫والإعلام على مسائلة الحكومة‪( 128‬انظر الشكل ‪.)6‬‬

‫يظهر‪ ،‬من المنحنى أسفله‪ ،‬أن النماذج الخمس تتميز بمستو يات ذات دلالة على مستوى مؤشر المسائلة‪.‬‬

‫وتوفر هذه المستو يات الشروط اللازمة لتكريس ثقافة وممارسات التقييم على المستوى المؤسساتي‪ .‬و يظهر‬

‫أن النموذج الإسباني يؤكد فرضية الارتباط بين مستو يات ذات دلالة من مؤشر المسائلة وتطور ممارسات‬

‫‪127‬‬
‫‪B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. cit., pp 1-13. Voir aussi: R. Mulgan, Holding Power to Account Accountability‬‬
‫‪in Modern Democracies, First published, Palgrave Macmillan, 2003.‬‬
‫‪128‬‬
‫‪Ibid., p9.‬‬

‫‪60‬‬
‫وثقافة التقييم؛ ل كون نهاية السبعينات اعتبرت الفترة الفعلية لتحرر النسق السياسي والإداري الإسباني‬

‫من آثار المرحلة السابقة وهيكلة بنيات مؤسساتية للتقييم وتعزيز ثقافة النجاعة والفعالية‪.‬‬

‫الشكل‪ : 6‬تطور مؤشر المسائلة في النماذج الخمس‬

‫المصدر‪.129‬‬

‫يمثل توفير الأطر المرجعية والمنهجية الخاصة بالتقييم لفائدة الفاعلين والمسؤولين عن التدبير العمومي‬

‫مؤشرا من بين المؤشرات الأساسية التي يمكن أن توضح مدى تجذر ثقافة وممارسات التقييم‪ .‬و يظهر أن‬

‫الدول في هذه النماذج الخمس توفر أطرا أو دلائل منهجية سلسة تمكن الفاعلين والمكلفين بالتقييم من‬

‫تكييفها مع رهاناتهم ومتطلباتهم‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يتم أخذ شروط موضوع وطبيعة التقييم بعين الاعتبار‬

‫في مسار إعداد الأطر المنهجية المعتمدة‪ .‬مثلا‪ ،‬في حالة تكليف وكالة وطنية بإجراء التقييم‪ ،‬كما الحال في‬

‫‪129‬‬
‫‪Source: https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ . Consulter le : 07/10/2020.‬‬

‫‪61‬‬
‫إسبانيا‪ ،‬يتم تبني منهجية نسقية وكلية ومحددة بدقة‪ .‬بالمقابل‪ ،‬عند وضع التقييم في يد الإدارات الفرعية‬

‫يتم إرفاقها بخطوط منهجية عامة ومدونات للممارسات الفضلى تضمن نوعا من السلاسة لفرق العمل‬

‫المكلفة بالتقييم‪.130‬‬

‫يمكن الحديث عن أحد أكثر المؤشرات أهمية؛ والمتعلق بنشر المعلومات والنتائج الخاصة بالتقييم‬

‫للعموم ومراقبة جودة التقييمات‪ .‬هنا‪ ،‬فمجمل الدول المدروسة تتبنى سياسة تواصلية لتوفير نتائج ومعطيات‬

‫تقارير التقييم على مواقع الأنترنيت الرسمية والمفتوحة للعموم‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يمكن استحضار النموذج‬

‫الأمريكي الذي يعد رائدا في هذا المجال حيث‪ ،‬بالموازاة وتبني المقاربة المنهجية (‪ )PART‬المذكورة سلفا‪،‬‬

‫تم تنفيذ سياسة للتواصل تعتمد حفظ النتائج وأرشفتها‪ ،‬والتي توفر للمواطنين إمكانية الاطلاع على البرامج‬

‫أو مقاييس الفعالية والأداء الخاصة بالوكالات‪.131‬‬

‫يمكن أن توضح هذه المؤشرات السياقات الثقافية المؤثرة في تطور مأسسة التقييم في النماذج الدولية‬

‫المدروسة‪ .‬بالمقابل‪ ،‬فدراسة التراكمات المعرفية للتقييم تعتبر مؤشرا أساسيا على مدى مأسسة التقييم في‬

‫النماذج الدولية المدروسة‪.132‬‬

‫‪130‬‬
‫‪B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. Cit., p15.‬‬
‫‪131‬‬
‫‪B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. Cit., p15.‬‬
‫‪ 132‬حدد فيربو وسندهال (‪ )Furubo et sandahl‬مجموعة من العوامل المؤثرة في تطور أنظمة التقييم‪ .‬نجد في مقدمتها‪ ،‬جودة الديموقراطية‪،‬‬
‫وبشكل خاص تأثير ممارسات الشفافية والمشاركة والنقاش بين الفاعلين على الفعل العمومي‪ .‬في مستوى ثان‪ ،‬نجد تقاليد التدبير العمومي‪ ،‬أي ميل‬
‫هذا األخير لإلدارة والتدبير العلمي والعقالني والمبني حجاجيا (‪ )Evidence Management‬أو سيادة التقاليد اإلدارية – القانونية الكالسيكية‪ .‬في‬
‫هذا السياق يضيف ‪ Jacob‬مؤشرات عالقات الفاعلين األكاديميين واإلداريين ومدى تأثر هذه األخيرة باإلسهامات العلمية‪ .‬ويضيفان كذلك‪ ،‬تطور‬
‫االنفاق العمومي في بعض القطاعات األساسية من منظور الدولة – الراعية (التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬الراعية االجتماعية…)‪ .‬في النهاية‪ ،‬يشير الى ضرورة‬
‫وجود فاعلين خارجيين عن النسق وتلعب دور المحفز‪ ،‬وفي االغلب تتجسد في الممولين والهيئات الدولية‪ .‬لمزيد من حول هذه العوامل يمكن االطالع‬
‫على‪:‬‬
‫‪(*) B. Lázaro, Op. Cit., p20.‬‬

‫‪62‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التراكمات المعرفية للتقييم في النماذج الدولية‬

‫تشكل التراكمات المعرفية أحد الجوانب الأساسية التي يمكن بها قياس مدى مأسسة وتجذر التقييم‬

‫في النماذج الدولية‪ .‬لهذا‪ ،‬سنتطرق لهذا الجانب من خلال استطلاع نتائج دراسة حول الإنتاج المعرفي‬

‫لتقييم آثار السياسات والبرامج العمومية على طول ‪ 20‬سنة في مجموعة من الدول‪.133‬‬

‫يظهر تحليل النتائج‪ ،‬ضمن الدراسة السالفة الذكر‪ ،‬أن الدراسات والمقالات حول تقييم السياسات‬

‫العمومية عرفت في مجملها تصاعدا منذ سنوات ‪ 1986‬الى حدود سنة ‪ 2016‬في كل الدول موضوع‬

‫الدراسة (الشكل ‪.)7‬‬

‫الشكل‪ : 7‬تطور عدد المقاالت حول تقييم السياسات العمومية سنويا‬

‫المصدر‪.134‬‬

‫‪133‬‬
‫‪P. Bono et al., "Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse quantitative de la‬‬
‫‪production scientifique", N°2018-06, France Stratégie, 2018.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪Ibid., p11.‬‬

‫‪63‬‬
‫عند تصنيف هذه الدراسات على أساس لغة الصياغة يظهر أن عدد المقالات المنشورة باللغة‬

‫الإنجليز ية يمثل نسبة ‪ ،95%‬أي ما يناهز ‪ 7107‬مقالا‪ ،‬بينما بالنسبة للغات الأخرى التي تأتي بعدها فهي‬

‫الصينية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬والإسبانية (انظر الشكل ‪.)8‬‬

‫فيما يخص ترتيب عدد المقالات على أساس المناطق التي تصدر فيها‪ ،‬فالواضح أن دول أمريكا‬

‫الشمالية تتصدر الترتيب‪ ،‬بينما في المرتبة الثانية نجد دول أوروبا وبعدها دول آسيا ثم القارة الأفر يقية‬

‫(انظر الشكل ‪ .)9‬إن هذا الترتيب يوضح مدى تجذر ثقافة وممارسات التقييم في النماذج الأنجلوسكسونية‬

‫(خصوصا أمريكا الشمالية) بالمقارنة والنماذج الأوروبية والآسيو ية والأفر يقية التي لازلت تحاول بشكل‬

‫متفاوت إدماج هذه الثقافة في بنياتها المؤسساتية‪.‬‬

‫الشكل‪ : 8‬تصنيف المقاالت على أساس اللغة المعتمدة في الصياغة‬

‫المصدر‪.135‬‬

‫‪135‬‬
‫‪P. Bono et al., Op. Cit., p12.‬‬

‫‪64‬‬
‫الشكل‪ : 9‬عدد المقاالت حسب المناطق بين سنتي ‪ 2000‬و‪2016‬‬

‫المصدر‪.136‬‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬يمكن التحديد الدقيق للمقالات المنشورة حسب الدول من فهم تأثير ترتيب الدول‬

‫دلاليا على مستوى تجذر ثقافة وممارسات تقييم السياسات العمومية ضمن هذه النماذج‪ .‬نجد الولايات‬

‫المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى بأكثر من ‪ 2884‬من الدراسات‪ .‬وهي تتجاوز الدولة التي تحصلت‬

‫على المرتبة الثانية ب ‪ 7‬مرات حيث نجد الصين ب ‪ .438‬بعدها تأتي بر يطانيا ب ‪ 374‬مقالا (انظر‬

‫الشكل ‪.)10‬‬

‫‪136‬‬ ‫‪P. Bono et al., Op. Cit., p14. (*) Note : Chaque point d’une courbe représente le nombre d’articles publiés‬‬
‫‪qui concernent les pays appartenant à la région mentionnée. L’Amérique du Nord s’entend seulement avec‬‬
‫‪le Canada et les États-Unis.‬‬

‫‪65‬‬
‫الشكل‪: 10‬عدد مقاالت ودراسات التقييم حسب الدول‬

‫المصدر‪.137‬‬

‫يمكن إضافة مؤشر آخر أساسي يوضح مدى تجذر ثقافة التقييم في الدول موضوع الدراسة وهو المرتبط‬

‫بعدد دراسات التقييم حسب عدد الساكنة (انظر الشكل ‪.)11‬‬

‫ومن خلال الشكل أسفله‪ ،‬يمكن القول إن الدول الإسكندنافية هي أكثر النماذج تقدما من حيث‬

‫عدد الدراسات في علاقة بعدد الساكنة‪ .‬تأتي بعدها الولايات المتحدة الامريكية ودول شمال أوروبا‪.‬‬

‫ويمكن القول إن هذا المؤشر يبين حجم اهتمام الباحثين وممولي الدراسات حول أثر البرامج والسياسات‬

‫العمومية على الساكنة‪ .‬بالتالي‪ ،‬يعكس تجذرا ومستوى عاليا من مأسسة تقييم السياسات العمومية‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪P. Bono et al., Op. Cit., p15. (*) Note : On reporte les vingt premiers pays en fonction du nombre d’évaluations‬‬
‫‪d’impact qui leur est associé jusqu’en 2016. La valeur pour les États-Unis est reportée séparément pour une‬‬
‫‪meilleure lecture du graphique.‬‬

‫‪66‬‬
‫الشكل‪ : 11‬عدد مقاالت التقييم حسب عدد الساكنة‬

‫المصدر‪.138‬‬

‫يتضح مما سبق أن السياقات الثقافية والمعرفية تمثل جوانب أساسية لفهم درجة مأسسة تقييم‬

‫السياسات العمومية في النماذج الدولية الأكثر تطورا‪ .‬وسنحاول فيما يلي رصد العوامل الأخرى خاصة‬

‫المتعلقة بالفاعلين وموقع التقييم في الصيرورة القرار ية ضمن نفس النماذج‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫‪P. Bono et al., Op. Cit., p15. (*) Note : Ce graphique exprime, pour les vingt pays ayant produit le plus‬‬
‫‪d’évaluations d’impact jusqu’en 2016, le nombre d’articles divisé par la population du pays en 2014 (en million‬‬
‫‪d’habitants).‬‬

‫‪67‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفاعلون والعوامل المؤسساتية للتقييم في النماذج الدولية‬

‫يتطلب فهم العوامل المؤسساتية لتطور التقييم في النماذج المدروسة‪ ،‬من جهة‪ ،‬استحضار منطق‬

‫توازنات السلطة الذي يحكم علاقة السلط التشر يعية والرقابية بنظيرتها التنفيذية‪ .139‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫دراسة ارتباط هذه التوازنات بالتغيير الذي لحق أنماط الحكم (‪ .)les modes de gouvernement‬إن‬

‫مشروعية الحكومات لم تعد منحصرة في الأبعاد القانونية والمؤسساتية بل أصبحت متعلقة بدرجات فعاليتها‬

‫وجدواها‪.‬‬

‫ضمن هذا الإطار‪ ،‬سنحاول دراسة خر يطة الفاعلين المؤثرين في التقييم في النماذج الخمس (الفرع‬

‫الأول)‪ .‬لنتطرق بعدها للعلاقات المؤسساتية للتقييم (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬خريطة الفاعلين في أنظمة التقييم‬

‫يهدف هذا الفرع لدراسة خر يطة الفاعلين ضمن أنظمة التقييم في الدولة موضوع الدراسة‪ .‬وسيتم‬

‫التركيز على البنيات والهياكل المرتبطة بالبرلمان (الفقرة الأولى)‪ .‬على أن ننتقل بعدها لدراسة الهياكل‬

‫والبنيات المرتبطة بالحكومة أو السلطة التنفيذية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقع البرلمان في التقييم‬

‫يلعب البرلمان دورا مهما في الرقابة وتقييم السياسات والبرامج العمومية‪ .‬وسنحاول دراسة موقع البرلمان‬

‫في عمليات التقييم ضمن النماذج الخمس موضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪P. Lascoumes & C. L. Fougère, Op. Cit., p 19.‬‬

‫‪68‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬يعتمد ال كونغرس الأمريكي على مكتب المسائلة الحكومية (‪)GAO‬؛ وهو وكالة‬

‫مستقلة تم خلقها سنة ‪ 1921‬وتقوم بمراقبة الحكومة لصالح ال كونغرس عبر التقارير التي تقوم بصياغتها‬

‫حول تنفيذ البرامج والسياسات الحكومية‪ .‬ويركز مكتب المسائلة الحكومية على أداء وآثار البرامج‬

‫والسياسات‪ ،‬وبشكل خاص الاستخدام الملائم والمناسب للموارد المالية العمومية‪ ،‬والتقييم النوعي للآثار‬

‫على الفئات المستهدفة‪ .140‬يمكن أن نسجل نفس الأمر في النموذج ال كندي حيث يمارس البرلمان ال كندي‬

‫وظيفة التقييم بالاستناد على مكتب المحاسب العام ال كندي (‪ )BCG‬والذي يوفر له المعلومات والتوصيات‬

‫اللازمة حول أداء وبرامج الحكومة‪.141‬‬

‫أما في النموذج البر يطاني‪ ،‬يلعب المكتب الوطني للتدقيق (‪ )NAO‬دورا أساسيا في تقييم السياسات‬

‫والبرامج والإنفاق العمومي‪ ،‬ل كنه يعنى فقط بتقييم النجاعة والفعالية بدون اجراء تقييمات الآثار‪ .‬و يعتبر‬

‫هذا المكتب أكثر استقلالا بالمقارنة بنظرائه في النماذج السابقة ل كنه يظل مرتبطا بمجلس العموم ل كونه‬

‫يقدم تقاريره له ويمكن أن يقوم بأخرى لفائدته وبطلب منه‪.142‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬في النموذج الفرنسي‪ ،‬يعتمد البرلمان على لجانه الدائمة وتقسيم المهام ضمنها لتقييم السياسات‬

‫العمومية حيث تم تطوير مهمات الرقابة والتقييم (‪ )MEC‬والمكلفة بالرقابة على الانفاق العمومي‪ ،‬ومهمة‬

‫تقييم ومراقبة قوانين تمو يل الحماية الاجتماعية (‪ )MECSS‬والتي تعمل على مراقبة تمو يل وأنشطة مصالح‬

‫وخدمات الحماية الاجتماعية‪ .‬وفي سنة ‪ ،2009‬تم خلق لجنة التقييم والمراقبة كتنفيذ للفصل ‪ 24‬من‬

‫دستور فرنسا الذي أوكل وظيفة التقييم للبرلمان‪.143‬‬

‫‪140‬‬
‫‪R. Desplatz, Op. Cit., pp 7-9.‬‬
‫‪141‬‬
‫‪C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 6-9.‬‬
‫‪142‬‬
‫‪S. Debu., Op. Cit., pp 7-10.‬‬
‫‪143‬‬
‫‪R. Desplatz et C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp7-6.‬‬

‫‪69‬‬
‫في النموذج الإسباني‪ ،‬يتم الاعتماد على مجلس الحسابات (‪ )Tribunal de Cuentas‬والذي يعتبر‬

‫هيئة تابعة للبرلمان حيث يتم تعيين أعضائها من طرفه و يقوم بالمهمة الكلاسيكية المرتبطة بمراقبة الانفاق‬

‫العمومي بالإضافة الى تقييم البرامج والسياسات استجابة لمطالبة البرلمان‪.144‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقع التقييم في السلطة التنفيذية‬

‫على المستوى الحكومي‪ ،‬يتم اعتماد التقييم على مستو يات مختلفة سواء على المستوى المركزي أو على‬

‫مستوى قطاعي‪ .‬في النموذج الأمريكي‪ ،‬نجد مكتب التدبير والميزانية (‪ )OMB‬وهو الوكالة التي تعمل‬

‫لصالح الرئيس لأجل إعداد الميزانية وتنسق أنشطة التقييم على المستوى الحكومي‪ .‬وضمن العديد من‬

‫مقرراتها‪ ،‬حثت الوكالات الفدرالية على القيام بمبادرات لتقو ية ممارسات التقييم لبرامجها‪ .‬كذلك‪ ،‬يتواجد‬

‫على مستوى مختلف الوكالات الفيدرالية وحدات أو بنيات تتولى مهمة التقييم‪ .‬مثلا‪ ،‬مكتب التخطيط‬

‫والبحث والتقييم (‪ ،)OPRE‬وهي بنية ضمن وكالة الطفولة والنساء التابعة لوزارة الخدمات الصحية‬

‫والإنسانية‪.145‬‬

‫في النموذج ال كندي‪ ،‬لعب مكتب مجلس الخزينة (‪ )SCT‬دورا أساسيا في مجال التقييم حيث تركزت‬

‫مهمته على ضمان فعالية ونجاعة الانفاق العمومي‪ .‬وقد تبنت مهمة مراقبة قدرات وكفاءة اجراء التقييم‬

‫لدى الوحدات الداخلية للوكالات الحكومية‪ ،‬وكذلك مراقبة جودة هذه التقييمات‪ .‬وفي سنة ‪،1985‬‬

‫أصبح لهذه الهيئة وحدة من المتخصصين مكلفة بالتقييم سمي مركز التميز للتقييم (‪.146)CEE‬‬

‫‪144‬‬
‫‪O. Feinstein & E. Zapico-Goñi, Op. Cit., pp 2 – 3.‬‬
‫‪145‬‬
‫‪R. Desplatz, Op. Cit., pp 7-9.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 7-8.‬‬

‫‪70‬‬
‫في النموذج البر يطاني‪ ،‬فمبادرات تقييم السياسات العمومية ترتبط بعمل الإدارات والأقسام التابعة‬

‫للسلطة التنفيذية‪ .‬فالوزارات يمكن أن تنتج تقييمات عبر وحدات البحث الداخلية أو عبر طلبات تقييم‬

‫من منظمات البحث والدراسات الخارجية‪ .‬كذلك‪ ،‬تم خلق شبكة (‪،)What Works Network‬‬

‫وهي شبكة تضم عشر مراكز موضوعاتية وفر يق مركزي الذي أصبحت مهمته منذ ‪ 2013‬نشر وتكريس‬

‫ثقافة تقييم آثار السياسات والبرامج ضمن الوزارات والوكالات الحكومية‪.147‬‬

‫في النموذج الفرنسي‪ ،‬تتواجد ثلاث بنيات مركز ية وبين‪-‬وزار ية تلعب دورا أساسيا في مجال التقييم‪:‬‬

‫استراتيجية فرنسا‪ ،‬والمندوبية العامة للمساواة الترابية (‪ ،)CGET‬والمدير ية بين‪-‬وزار ية للتحولات العمومية‬

‫(‪ .)DITP‬وبين هذه البنيات تظل هيئة استراتيجية فرنسا الوحيدة التي طورت خبرة معروفة في مجال‬

‫تقييم الآثار‪ .‬كذلك‪ ،‬على مستوى الوزارات‪ ،‬تتواجد بعض الهياكل المكلفة بالتقييم‪ .‬مثلا‪ ،‬وحدة تقييم‬

‫أنشطة التقييم (‪ ،)UEAD‬ضمن المدير ية العامة للخزينة‪.148‬‬

‫في النموذج الإسباني‪ ،‬تلعب وكالة التقييم وجودة الخدمات (‪ )AEVAL‬هذا الدور باعتبارها بنية‬

‫مستقلة ل كنها مرتبطة بالحكومة وتم خلقها سنة ‪ .2007‬وتقتضي مهمتها أساسا تقييم السياسات والبرامج‬

‫العمومية‪ ،‬بالإضافة إلى تقييم تحسن الخدمات العامة‪ ،‬ونشر المناهج والممارسات الفضلى في مجال التقييم‪.‬‬

‫وعلى المستوى المحلي‪ ،‬يتواجد المعهد ال كطلاني لتقييم السياسات العمومية (‪)IVALUA‬؛ وهي تنسيق‬

‫محلي بين فاعلين حكوميين وأكاديميين وخبراء خلقت سنة ‪ 2006‬وكان دورها‪ ،‬بالإضافة الى إجراء‬

‫تقييمات‪ ،‬تنظيم تكوينات للموظفين الحكوميين والخبراء حول التقييم‪ ،‬وكذلك صياغة دلائل منهجية لفائدة‬

‫الفاعلين‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪S. Debu, Op. Cit., pp7-9.‬‬
‫‪148‬‬
‫‪R. Desplatz et C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 8-9.‬‬

‫‪71‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل المؤسساتية لتطور التقييم‬

‫يلعب البرلمان دورا أساسيا في تقييم السياسات العمومية في النماذج الدولية المدروسة‪ .‬رغم هذا‪ ،‬فإن‬

‫هذه النماذج تختلف من حيث قوة وتأثير هذا الدور‪ .‬وهنا‪ ،‬يجد التقييم البرلماني مبرراته في عدم الاعتماد‬

‫الكلي على الخبرة التي تقدمها هيئات السلطة التنفيذية‪ .‬ويرتبط أيضا‪ ،‬التقييم البرلماني بضرورة تعزيز دوره‬

‫كسلطة مضادة تضمن التوازن وتراقب تدخلات الحكومة‪ .‬و يظهر من خلال الأشكال أسفله أن البرلمان‬

‫في الدول موضوع الدراسة تتوفر على قدرة وتأثير كبير في العلاقة بالسلطة التنفيذية في الجوانب المتعلقة‬

‫بمراقبة أنشطتها وفعلها‪.‬‬

‫ضمن مؤشر قيود السلطة التشر يعية على السلطة التنفيذية والذي يعني قدرة مؤسسات الرقابة المرتبطة‬

‫بالبرلمان على مسائلة والتحقيق ومراقبة عمل السلطة التنفيذية يظهر أن النماذج الدولية الأنجلوسكسونية تتميز‬

‫بدرجات عالية من تقييد السلطة التشر يعية لنشاط وفعل الحكومة‪ .‬في المقابل‪ ،‬نجد أن النموذج الإسباني‬

‫ومع نهاية سنوات السبعينات عرف تطورا ذا دلالة في مستوى تقييد السلطة التشر يعية للحكومة‪ ،‬وهو ما‬

‫حفز إرساء هياكل وبنيات تقييم مؤسساتيا (انظر الشكل ‪.)12‬‬

‫‪72‬‬
‫الشكل‪ : 12‬قيود السلطة التشريعية على فعل الحكومة‬

‫المصدر‪.149‬‬

‫يظهر مؤشر قدرة السلطة التشر يعية على التطبيق الفعلي للتحقيقات الميدانية تطور دور البرلمان في‬

‫المراقبة الفعلية لعمل ونشاط الحكومة‪ .‬ويبين هذا المؤشر أن الولايات المتحدة الامريكية وبر يطانيا تمتلك‬

‫فيها البرلمانات قدرة أكبر على إجراء تحقيقات ميدانية حول عمل ونشاط الحكومة‪ .‬وتتقلص هذه القدرة‬

‫في النموذج ال كندي والنموذج الفرنسي والإسباني‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬يظهر أن هذا المؤشر يعرف تذبذبا على‬

‫مستوى تطوره في الزمن ل كنه يعتبر عاملا أساسيا في تطور أنظمة التقييم البرلماني في هذه الدول (الشكل‬

‫‪.)13‬‬

‫‪149‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.‬‬

‫‪73‬‬
‫الشكل‪ : 13‬قدرة السلطة التشريعية على التحقيق الميداني حول فعل السلطة التنفيذية‬

‫المصدر‪.150‬‬

‫نعني بمؤشر قدرة السلطة التشر يعية على استجواب المسؤولين الحكوميين قدرة استدعاء رئيس السلطة‬

‫التنفيذية أو وزير ضمن حكومته أو أي وكالة وطنية ومطالبته بشرح سياسته وبرامجه‪ .‬إن مختلف هذه‬

‫النماذج تعرف ارتفاعا ذا دلالة في مستوى هذا المؤشر‪ .‬ويتبين من خلال استطلاع المنحنى أسفله‪ ،‬أن‬

‫النموذج البر يطاني يتميز بقدرةكبيرة على الاستجواب‪ ،‬يأتي بعده الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفرنسا‪.‬‬

‫في المقابل‪ ،‬وضمن النموذج الإسباني‪ ،‬فقد تطورت هذه الممارسات منذ بداية سنة ‪ 1974‬بالموازاة مع‬

‫تطور ممارسات وبنيات للتقييم (الشكل ‪.)14‬‬

‫‪150‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.‬‬

‫‪74‬‬
‫الشكل‪ : 14‬قدرة السلطة التشريعية على استجواب المسؤولين الحكوميين‬

‫المصدر‪.151‬‬

‫يظهر أن فرضية التأثير الإ يجابي لتطور قدرات البرلمان على المستوى الرقابي (خصوصا الحديثة) على‬

‫تطور أنظمة التقييم في النماذج المدروسة‪ ،‬يمكن أن يتم تبنيها وفق ما بينته الأشكال أعلاه‪ .‬ل كن في نفس‬

‫الوقت‪ ،‬يمكن التساؤل حول ما إذا كانت هذه القدرات هي العامل الوحيد الذي يساهم في تطور أنظمة‬

‫التقييم‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬يمكن لمؤشر مشروعية الأداء أن يساهم في تشكيل صورة أكثر وضوحا حول تأثير‬

‫التغيرات التي لحقت أدوار ومشروعية تدخلات الحكومة على إرساء أنظمة التقييم‪ .‬ونعني بهذا المؤشر‬

‫‪151‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.‬‬

‫‪75‬‬
‫استناد الحكومة على أدائها وإنجازاتها‪ ،‬في مجالات النمو والتنمية الاقتصادية‪ ،‬وتكريس حكامة التدبير‬

‫العمومي…‪ ،‬لتبرير استمرارها‪ .‬ويتبين أن المؤشر في مجموعة النماذج (ولو بشكل متفاوت) يعكس اعتماد‬

‫الحكومات موضوع الدراسة‪ ،‬على مشروعية الإنجاز أو الأداء في تبرير استمراريتها‪ .‬ومن بين الأدوات‬

‫الأساسية التي يمكن بها قياس وتقدير الأداء وفعاليته نجد إرساء أدوات التقييم وضمان تطورها (انظر‬

‫الشكل ‪.)15‬‬

‫الشكل‪ : 15‬تطور مؤشر مشروعية األداء‬

‫المصدر‪.152‬‬

‫‪152‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 10/10/2020.‬‬

‫‪76‬‬
‫تظهر هذه المؤشرات أن أنظمة التقييم تتأثر بالعوامل المؤسسية‪ .‬وكذلك‪ ،‬تتأثر بالعلاقات بين السلطتين‬

‫التشر يعية والتنفيذية‪ .‬مثلا‪ ،‬في النموذج الأمريكي والذي يعرف توازنا متبادلا للقوى بين ال كونغرس‬

‫والإدارة الأمريكية‪ ،‬يمثل التقييم أداة أساسية لتقو ية رقابة البرلمان على العمل والنشاط الحكومي‪ ،‬وبشكل‬

‫خاص على آثار البرامج الفيدرالية على المواطنين‪ ،‬ومدى مطابقة نتائجها للموارد المخصصة‪ .‬بينما على المستوى‬

‫الحكومي فهو يمثل أداة لتكريس شرعية الأداء وفعالية الإنجاز‪ .‬في النموذج الفرنسي‪ ،‬والذي يعرف ضعفا‬

‫على مستوى سلطة البرلمان‪ ،‬فالتقييم مهيمن عليه من طرف البنيات والهياكل المرتبطة بالسلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ :‬دراسة مسار التنظيم وعوامل‬

‫المأسسة‬

‫يهدف هذا المبحث لدراسة مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ .‬وسنتطرق بداية‪ ،‬لتنظيم‬

‫وظيفة التقييم بالمغرب؛ ونعني بها دراسة تطور الممارسات ومسارتها وأهم الجوانب التي تقترن بها وصولا‬

‫إلى دسترتها سنة ‪( 2011‬المطلب الأول)‪ .‬ثم ننتقل بعدها لدراسة العوامل المؤثرة في مسار مأسسة تقييم‬

‫السياسات العمومية بالمغرب (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫تطورت الممارسات المتعلقة بالتقييم في المغرب عبر الاحتكاك بعمليات المراجعة الشاملة أو الجزئية‬

‫التي دأبت المنظمات الدولية المانحة القيام بها منذ منتصف القرن الماضي‪ .‬ل كن المغرب عرف التطور‬

‫الفعلي لهذه الممارسات في إطار موجة إصلاح الميزانية والمراجعات ال كبرى التي صاحبت بداية هذا‬

‫القرن‪.‬‬

‫شكلت لحظة دسترة وظيفة التقييم سنة ‪ 2011‬مؤشرا هاما على تطور الوعي بأهمية الموضوع من‬

‫طرف المقررين والقائمين على الشأن العام‪ .‬ل كن إلى أي حد انعكس هذا الوعي على مستوى ودرجة‬

‫مأسسة تقييم السياسات العمومية عمليا؟‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬تحتل دراسة العوامل السياقية والإجرائية المؤثرة في تقييم السياسات العمومية أهمية‬

‫كبرى ل كونها تمكن من فهم الإطار الذي يمكن من خلاله أن تتطور هذه الممارسات إلى نظام للتقييم‬

‫مستقر ودائم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تنظيم وظيفة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫يهدف هذا المطلب‪ ،‬إلى دراسة تنظيم وظيفة التقييم؛ أي مسار إدماجها في الممارسات الإدار ية‬

‫والسياسية والمؤسساتية بالمغرب‪ .‬وسيتطرق‪ ،‬من جهة‪ ،‬للمسار والسياق العام لتطور مفهوم التقييم في‬

‫النموذج المغربي‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬إلى الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية بالمغرب‪.‬‬

‫سنقوم‪ ،‬في الشق الأول‪ ،‬بدراسة السياقات التار يخية المتعلقة بتقييم السياسات العمومية وتطوراتها‬

‫الى حدود دسترتها سنة ‪ 2011‬وذلك عبر دراسة التطور التار يخي لممارسات التقييم والتطرق للمرحلة التي‬

‫هيمنت استخدامات الرقابة بمفهومها الكلاسيكي – أي رقابة المشروعية – والتدقيق في عمل المؤسسات‬

‫مما خلق نوعا من الارتباك في استخدام مفهوم التقييم‪ .‬كذلك‪ ،‬سندرس آلية المراجعات الاستراتيجية‬

‫والاسترجاعية كمقاربة لتقييم السياسات العمومية‪ .‬ثم في الأخير‪ ،‬سننتقل لدراسة مسار اصلاح الميزانية‬

‫ورهانات التقييم خصوصا عبر تبني التدبير المالي المبني على النتائج ودسترة تقييم السياسات العمومية ودلالته‬

‫وآثاره على مسار المأسسة‪.‬‬

‫في الشق الثاني‪ ،‬سنتناول الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية‪ .‬وذلك من خلال‪ ،‬دراسة‬

‫التقييم البرلماني والآليات الأساسية التي يعتمدها‪ .‬ثم‪ ،‬ننتقل لدراسة البنيات والهيئات المؤسساتية المرتبطة‬

‫بالسلطة التنفيذية والتي تلعب دورا في التقييم‪ .‬وفي الختام سندرس دور بعض المؤسسات الدستور ية‬

‫المستقلة في التقييم‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التقييم‪ :‬من االحتكاك والممارسات إلى الدسترة‬

‫يهدف هذا الفرع إلى استطلاع تطور تجربة التقييم في المغرب‪ .‬هذا الهدف سيتطلب‪ ،‬من جهة‪،‬‬

‫نظرة تار يخية حول مسار التقييم في المغرب (الفقرة الأولى)‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬دراسة مسار الإصلاح‬

‫في جانبه المالي والانتقال الى التكريس الدستوري للتقييم (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التقييم في المغرب‪ :‬نظرة تاريخية‬

‫يعد تقييم السياسات العمومية ثقافة مستجدة في السياق المغربي‪ .153‬ل كن‪ ،‬يمكن العودة إلى سنوات‬

‫الثمانينات واستحضار البدايات الأولى للاحتكاك بالتقييم كممارسة علمية؛ هنا نقصد المراجعات التقييمية‬

‫التي دأب البنك الدولي والجهات المانحة على القيام بها‪ .154‬في سنوات التسعينات‪ ،‬ظهرت أولى إرهاصات‬

‫مأسسة تقييم السياسات العمومية من خلال خلق بنية "المركز الوطني لتقييم البرامج" داخل السلطة الحكومية‬

‫المكلفة بالتخطيط (تحمل الآن اسم‪ :‬المندوبية السامية للتخطيط)‪ .‬وقد كانت مهمته الرئيسية تتمثل في القيام‬

‫وقيادة تقييمات بين‪-‬قطاعية‪ .‬هذه التجربة شكلت تطويرا للممارسة على مستوى تطوير الطرق المنهجية‬

‫وتقو ية القدرات المعرفية والتقنية للأطر الإدار ية المغربية‪ .‬ل كن في المقابل‪ ،‬لم يستطع هذا المركز فتح‬

‫الطر يق المؤسساتي للتقييم في النسق الإداري المغربي‪.155‬‬

‫‪" 153‬اتسم التدبير العمومي في مغرب ما فترة بعد االستقالل بخصائص وترتيبات سياسية وإدارية كانت تحد من بروز وتطور أي مقاربة تقييمية"‪.‬‬
‫انظر في هذا الصدد‪ ،‬تقرير الخمسينية‪ ،‬المغرب الممكن‪ :‬إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪.2006 ،‬‬
‫‪ 154‬في هذا السياق يمكن العودة لموقع البنك الدولي حيث تعود تاريخ أولى التقارير التي أعدها حول المغرب إلى سنة ‪ 1967‬وركزت بشكل كبير‬
‫على الجوانب االقتصادية‪ ،‬لكنها مع بداية الثمانينات أصبحت أكثر انفتاحا على مجاالت أخرى وغير محصورة في المجال االقتصادي‪ .‬لالطالع على‬
‫التقارير انظر الموقع التالي‪:‬‬
‫] ‪[ https://www.banquemondiale.org/fr/country/morocco/research/all?qterm=&lang_exact=French&os=160‬‬
‫‪155‬‬
‫‪Ajbilou. A, « Institutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc : Etat des lieux et‬‬
‫‪perspectives », intervention publiée dans : Rapport de synthèse sur la conférence internationale sur le thème‬‬
‫‪: "L'institutionnalisation de l'évaluation des politiques publiques" organisé par L'Observatoire National du‬‬
‫‪Développement Humain, 2015.‬‬

‫‪79‬‬
‫وفي سنة ‪ ،1995‬ومع صدور التقرير الشامل للبنك الدولي‪ ،‬عاد التقييم ليتحصل على اهتمام المدبرين‬

‫العموميين‪ .‬كذلك‪ ،‬اقترنت هذ الاستعادة بتوسيع صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة‬

‫للمالية رغم ما يمكن تسجيله من تبنيهما لمقاربات رقابية (رقابة المشروعية) ومنهجيات التدقيق المالي‪.156‬‬

‫في بدايات القرن الحالي‪ ،‬عرف المغرب تحولات سياسية وإدار ية عميقة مست أسس التدبير العمومي‬

‫وقواعد ممارسة السلطة‪ ،‬واحتلت ضمنها ثقافة النجاعة والفاعلية مكانة مهمة في اهتمامات المدبرين العموميين‬

‫وهو ما انعكس على مسار إدماج ممارسات التقييم في البنيات المؤسساتية والإدار ية‪ .157‬ل كن‪ ،‬ما يمكن‬

‫تسجيله بهذا الصدد‪ ،‬أن تطور الممارسات المتعلقة بالتقييم في المغرب طبعها نوع من ارتباك المفهوم‬

‫واستخداماته ‪ ،‬وتقييد تطوراته أساسا بإرساء مبادئ وقواعد الديموقراطية في النسق السياسي والمؤسساتي‬

‫بما تضفيه هذه القواعد من أهمية على التقييم باعتباره نوعا من المسائلة والمحاسبة‪.158‬‬

‫ورغم التشابهات الممكنة بين التقييم والرقابة والتدقيق‪ ،‬إلا أن التقييم يتسم بنوع من الخصوصية على‬

‫مستوى مناهجه وآثاره ورهاناته السياسية‪ .‬في التجربة المغربية‪ ،‬كلما تم الحديث عن التقييم إلا وتم اعتباره‬

‫نشاطا رقابيا‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فإن الثقافة الرقابية الكلاسيكية (رقابة المشروعية) والمهيمنة على عمل‬

‫المؤسسات بالمغرب تمثل عاملا مقيدا و يحد من تطور ممارسات التقييم وفعاليتها في حالة وجوده‪ .159‬وفي‬

‫‪ 156‬في سنة ‪ 1996‬تم االرتقاء بالمجلس األعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة دستورية‪ ،‬وتطوير عمل المفتشية للمالية‪.‬‬
‫‪ 157‬في سنوات ‪ 1984‬خلق البرنامج الوطني للتحليل وتدبير المشاريع (‪ ) PNAP‬ضمن القطاع الوزاري للتخطيط‪ ،‬وهو برنامج تكويني كان الهدف‬
‫منه تقوية القدرات والمعارف األطر الوطنية في مجال تحليل‪ ،‬وتتبع‪ ،‬وتقييم مشاريع االستثمار العمومي‪ .‬للمزيد حول الموضوع‪ ،‬المرجو االطالع‬
‫على‪:‬‬
‫‪Haouch A., « évaluation rétrospective au Maroc : état des lieux et perspectives », in Les cahier du plan, N°2, Avril-‬‬
‫‪mai 2005, pp 04-11.‬‬
‫‪158‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p208.‬‬
‫‪159‬‬
‫‪Aboulaaguig A., Op. Cit., p209.‬‬

‫‪80‬‬
‫ظل هذا الخلط أو الارتباك‪ ،‬ترتهن ممارسة التقييم بهيمنة المقاربة الرقابية والتدقيقية‪ ،‬رغم أن بعض‬

‫النصوص القانونية تسند مهمة التقييم لصالح بعض البنيات المؤسسية‪ ،‬خصوصا المكلفة بالرقابة المالية‪.‬‬

‫من السمات الأساسية التي تبرز عند دراسة مسار تطور النموذج لمغربي نجد مقاربة المراجعات‬

‫الاستراتيجية والاسترجاعية ال كبرى كمقاربة للتقييم‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يمكن استحضار نموذج تقرير وعمل‬

‫هيئة الانصاف والمصالحة والتي شكلت نوعا من التقييم الشامل (‪ )Méta-évaluation‬لسياسات الدولة‬

‫في مجال الامن وحقوق الإنسان‪ .‬ورغم كونها تجربة نشأت في سياق تسو ية ملف ماضي الانتهاكات‬

‫الجسيمة لحقوق الانسان‪ ،‬إلا أن نظامها الداخلي أسند لها مهمة تقييم مسلسل تسو ية ملف الانتهاكات‪.160‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬سيتم سنة ‪ 2003‬إطلاق مبادرة جماعية لدراسة وتقييم النموذج المغربي للتنمية‬

‫البشر ية على طول مسار زمني ممتد من الاستقلال إلى سنة ‪ .2005‬هذه المبادرة عملت على تعبئة أكثر‬

‫من ‪ 100‬من ال كفاءات العلمية المغربية أنجزت دراسات وتقييمات وقدمت توصيات مست مجمل‬

‫جوانب السياسات العمومية والتدبير العمومي‪ .161‬بالمقابل‪ ،‬فهذا التقرير ليس تقييم بالمفهوم المتعارف‬

‫عليه‪ ،‬لخاصيته العمومية والاسترجاعية الممتدة في الزمن ل كنه تقرير "يقترح… قاعدة معرفية مدعمة بالدلائل‬

‫والحجج‪ ،‬لتغذية النقاش العمومي‪ ،‬مع استخلاص العبر والدروس من التجربة الماضية لبلادنا‪."162‬‬

‫‪ 160‬هيئة االنصاف والمصالحة‪ ،‬التقرير الختامي‪ :‬الحقيقة واالنصاف والمصالحة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬المجلس الوطني لحقوق االنسان‪ ،2005 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ 161‬تقرير الخمسينية‪ ،‬المغرب الممكن‪ :‬إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪.2006 ،‬‬
‫‪ 162‬نفسه‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪81‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التقييم‪ :‬من اصالح الميزانية الى دسترة الوظيفة‬

‫في سياق التحولات التي عرفها المغرب مع بداية القرن الحالي‪ ،‬عرفت الميزانية العامة وأنظمة الإنفاق‬

‫محاولات للإصلاح والتي تمحورت حول ثلاث مرتكزات‪ :‬الشفافية‪ ،‬ونجاعة الأداء‪ ،‬والمسؤولية‪ .163‬وقد‬

‫استند هذا الإصلاح‪ ،‬على تبني مقاربة التدبير المبني على النتائج‪ .‬وتعني هذه المقاربة الاعتماد على نتائج‬

‫قابلة للقياس والوصف والتقييم واستهداف أكبر قدر ممكن من النجاعة والفعالية عوض الاعتماد على‬

‫الوسائل‪.164‬‬

‫عكس المقاربة الكلاسيكية لتدبير الميزانية‪ ،‬والتي تهدف إلى صرف الاعتمادات المتوفرة في حدود‬

‫الوسائل المتاحة‪ ،‬تعمل المقاربة المرتكزة على النتائج إلى تحديد الأهداف‪ ،‬وتعبئة الموارد بشتى الطرق‪،‬‬

‫بالموازاة مع تقييم الفعالية ونجاعة الأداء بشكل مستمر‪.165‬‬

‫هذا الإصلاح استند إلى عدة مبررات نجد أن من أهمها الأزمة المزدوجة التي طبعت المقاربة‬

‫الرقابية‪ .‬من جهة‪ ،‬يمكن توصيفها كأزمة أهداف وغايات حيث أن تدخلات أجهزة الرقابة – أيا كان‬

‫مستواها –تستند على مقاربة كلاسيكية غايتها مراقبة مشروعية تنفيذ النفقات المالية وليس تقييم النتائج‪.‬‬

‫و من جهة أخرى‪ ،‬هي أزمة ممارسة حيث أن حصيلة عمل المنظومة الرقابية بمختلف مستو ياتها بعيدة عن‬

‫‪ 163‬عزز القانون التنظيمي لقانون المالية ‪ 130.13‬اإلطار القانوني بما يضمن تحقيق مجموعة من مؤشرات النجاعة في إطار تدبير مالي أساسه‬
‫تحقيق النتائج عبر نظام البرامج‪ ،‬وتشير المادة ‪ 39‬من القانون أعاله إلى أن‪ " :‬البرنامج عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات‬
‫التابعة لنفس القطاع الوزاري أو المؤسسة تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة‪ ،‬وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي‬
‫ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة باإلنجازات"‪ .‬للمزيد من االطالع انظر‪ :‬صغراني زهير‪ ،‬التدبير المالي‬
‫المتمحورة حول النتائج‪ ،‬ضمن المؤلف الجماعي‪ :‬حكامة المالية العامة بالمغرب‪ ،‬ج‪ .‬العسري و خ‪ .‬مبروكي (إشراف)‪ ،‬مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.2019 ،‬‬
‫‪ 164‬ط‪ .‬لباخ‪ ،‬إصالح الميزانية العامة بالمغرب‪ :‬درا سة في اإلطار القانوني والمؤسساتي‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪-‬الرباط‪ ،2015/2014 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 165‬نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪82‬‬
‫بلوغ الغاية من تدخلاتها في مختلف المنظمات العمومية‪ .‬ويمكن استحضار حجم الخروقات والتجاوزات‬

‫المسجلة كدليل على قصور عمل هذه الأجهزة‪.166‬‬

‫رغم أن السياق اتسم بتشجيع الإصلاح‪ ،‬إلا أن هذا الأخير عرف بضعفه على مستوى السند‬

‫القانوني‪ ،167‬و يقصد به أن الإطار القانوني لهذا الإصلاح لم يتجاوز سقف المراسيم والمناشير‪ .‬بالمقابل‪،‬‬

‫كان الأمر يتعلق بتحول على مستوى ثقافة التدبير وهو ما يتطلب التعبير عن إرادة سياسية واضحة مجسدة‬

‫في نصوص قانونية ذات طابع إلزامي وصورة رمزية في النسق الإداري‪.168‬‬

‫في ظل هذا التردد الذي طبع تبني المغرب بشكل واضح لمقاربة التقييم‪ ،‬جاءت سنة ‪ 2011‬بحركية‬

‫سياسية أعادت النقاش العمومي حول السياسات العمومية ومدى فعاليتها ونجاعتها‪ .169‬في هذا السياق‪،‬‬

‫تمت دسترة تقييم السياسات العمومية ضمن دستور ‪( 2011‬انظر الجدول ‪.)7‬‬

‫و يكتسي التأسيس الدستوري لوظيفة التقييم أهمية كبرى‪ ،‬خصوصا من حيث القوة الرمزية‬

‫والإلزامية التي يمتل كها كأسمى نص ضمن الهرم القانوني‪ .170‬وقد نص‪ ،‬في الفصل ‪ 70‬منه‪ ،‬على أن تقييم‬

‫السياسات العمومية وظيفة برلمانية‪ .‬ورغم أهمية هذا الفصل الذي قرر صراحة جعل التقييم من وظائف‬

‫السلطة التشر يعية‪ ،‬إلا أن الأكثر أهمية هو تنصيص الدستور على عدد من المبادئ الأساسية للحكامة والتي‬

‫‪166‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 210‬وما يليها‪.‬‬


‫‪ 167‬على مستوى األساس القانوني للميزانية العامة والمتمثل في القوانين التنظيمية لقانون المالية‪ ،‬فتطورها لحدود القانون التنظيمي لقانون المالية‬
‫‪ 14.00‬لسنة ‪ ،2000‬لم تدمج في هندستها‪ ،‬أي تعبير واضح أو مضمن للتقييم‪.‬‬
‫‪ 168‬حيمود م‪ ،.‬تقييم السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ‪ ،130.13‬في مجلة دفاتر الحكامة‪ ،‬العدد ‪ ،2015 ،02‬ص‬
‫‪.30‬‬
‫‪ 169‬ط‪ .‬حسن‪ ،‬مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية‪ ،‬الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق األنسان‪ ،2014 ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ 170‬ظهير شريف رقم ‪ 91.11.1‬صادر في ‪ 27‬من شعبان ‪ 29( 1432‬يوليو ‪ (2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5964‬مكرر‪،‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 30( 1432‬يونيو ‪.)2011‬‬

‫‪83‬‬
‫تعتبر شرطا أساسيا لنمو وتطور أنظمة التقييم من مثيل ما نص عليه الباب الثاني عشر حول مبادئ‬

‫الحكامة‪.171‬‬

‫جدول‪ : 7‬اإلطار الدستوري لتقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫المفصول الدالة‬ ‫المحاور‬ ‫الإطار القانوني‬


‫"يمارس البرلمان… و يقيم السياسات العمومية" الفصل ‪.70‬‬
‫"… تخصص جلسة سنو ية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية‬
‫وتقييمها…" الفصل ‪.101‬‬
‫"… يجيب (المجلس الأعلى للحسابات) عن الأسئلة والاستشارات‬
‫المرتبطة بوظائف البرلمان في التشر يع والمراقبة والتقييم…" الفصل‬
‫‪.148‬‬
‫"… ولمجلس النواب ومجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس‬ ‫دسترة التقييم البرلماني‬

‫الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في جميع القضايا التي لها طابع‬


‫اقتصادي واجتماعي وبيئي‪ ".‬الفصل ‪.152‬‬ ‫دستور ‪2011‬‬

‫"تتلقى المرافق العمومية… وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم"‬ ‫ظهير شر يف رقم ‪ 91.11.1‬صادر‬
‫في ‪ 27‬من شعبان ‪29( 1432‬‬
‫الفصل ‪.156‬‬ ‫تقييم المرافق العمومية‬
‫"يحدث مجلس أعلى للتربية والتكوين… كما يساهم في تقييم السياسات‬ ‫يوليو ‪ )2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬والسياسات القطاعية‬
‫الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪5964‬‬
‫والبرامج العمومية في هذا المجال" الفصل ‪.168‬‬
‫مكرر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 28‬شعبان‬
‫"يتولى المجلس الاستشاري للأسرة …‪ .‬تتبع وإنجاز البرامج الوطنية‪"..‬‬
‫‪ 30( 1432‬يونيو ‪.)2011‬‬
‫الفصل ‪.169‬‬
‫"تؤسس جمعيات المجتمع المدني … تساهم في … تفعيلها وتقييمها …"‬
‫الفصل ‪.12‬‬ ‫ثقافة التقييم التشاركي‬
‫"تعمل السلطات على إحداث هيئات للتشاور … قصد‪ ..‬وتقييمها"‬ ‫للسياسات والبرامج‬
‫الفصل ‪.13‬‬ ‫العمومية‪.‬‬

‫المصدر‪.172‬‬

‫‪ 171‬المواد ‪ ،157 ،156 ،155 ،154‬من دستور ‪.2011‬‬


‫‪ 172‬تمت صياغته باالستناد على تقرير الجمعية المغربية للتقييم حول النماذج المقارنة لمأسسة تقييم السياسات العمومية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) Ame, Institutionnalisation De L’evaluation Au Maroc : Etude De Benchmarking Des Degrés‬‬
‫‪D’institutionnalisation Et De L’organisation De La Fonction D’evaluation, 2015, P70.‬‬

‫‪84‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬ورغم هذا التطورات الدستور ية‪ ،‬يشير أحد الباحثين‪ ،‬إلى كون التنصيص الدستوري‬

‫على تقييم السياسات العمومية يخترقه نوع من الالتباس وضعف الفعالية‪ .173‬من جهة‪ ،‬يضعنا هذا‬

‫التنصيص أمام تساؤل حول قدرة البرلمان‪ ،‬وبشكل خاص مجلس النواب‪ ،‬على المسايرة السياسية والتقنية‬

‫والعلمية لمسار إرساء نظام للتقييم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬حول ما يطرحه الفصلين ‪ 92‬و‪ 70‬من الدستور من‬

‫التباس حول طبيعة السياسة التي يجب أن يقوم البرلمان بتقييمها‪.174‬‬

‫أفرز تطور ممارسات وثقافة التقييم في المغرب خر يطة مؤسساتية سنحاول رصدها من خلال ربطها‬

‫بالسلطتين التشر يعية والتنفيذية ودور الهيئات الدستور ية المستقلة في مجال التقييم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الخريطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫يهدف هذا الفرع إلى دراسة الخر يطة المؤسساتية للتقييم؛ ونقصد بها أهم المؤسسات والبنيات التي‬

‫تشمل مهامها تقييم السياسات العمومية‪ .‬وهنا‪ ،‬سنتناول التقييم البرلماني للسياسات العمومية (الفقرة‬

‫الأولى)‪ .‬بالمقابل‪ ،‬سنتطرق للتقييم ضمن البنيات المرتبطة بالسلطة التنفيذية (الفقرة الثانية)‪ .‬ونختم بدور‬

‫المؤسسات الدستور ية المستقلة في التقييم (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫‪ 173‬اليحياوي يوسف‪ ،‬تقييم السياسات العامة بالمغرب وفق دستور ‪ :2011‬بين التباس المقتض ى الدستوري وضعف فعاليته‪ ،‬ضمن‪ ،‬مؤلف جماعي‬
‫للدراسات واألبحاث القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عبد هللا االدريسي (اإلشراف)‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪.2016 ،‬‬
‫‪ 174‬يشير الفصل ‪ 92‬من الدستور إلى‪ ":‬يتداول مجلس الحكومة‪ ،‬تحت رئاسة رئيس الحكومة‪ ،‬في القضايا والنصوص التالية‪ - :‬السياسة العامة للدولة‬
‫قبل عرضها على المجلس الوزاري؛ ‪-‬السياسات العمومية؛ ‪-‬السياسات القطاعية …"‪ ،‬وينص الفصل ‪ 70‬من نفس الدستور على أن‪ .…":‬يصوت‬
‫البرلمان على القوانين‪ ،‬ويراقب عمل الحكومة‪ ،‬ويقيم السياسات العمومية…"‪ ،‬وما يثيره الباحث يوسف اليحياوي‪ ،‬هو االلتباس النصي الذي يطرح‬
‫سؤال‪ ،‬أي سياسة يجب أن يتم تقييمها من طرف البرلمان ؟‪ ،‬ففي حالة االلتزام الحرفي بالنص‪ ،‬فسنكون امام إشكالية معايير التمييز بين أنواع‬
‫السياسات المنصوص عليها دستوريا‪ .‬للتعمق أكثر المرجو االطالع على‪ :‬يوسف البحياوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55-54‬‬

‫‪85‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التقييم البرلماني للسياسات العمومية‬

‫يلعب البرلمان‪ ،‬في ظل النماذج الدولية السالفة الذكر‪ ،‬دورا أساسيا في عمليات التقييم‪ .‬و بشكل خاص‪،‬‬

‫في النماذج الأنجلوسكسونية‪ .‬في المغرب‪ ،‬وقبل سنة ‪ ،2011‬لم يكن للبرلمان أي علاقة بتقييم السياسات‬

‫العمومية‪ .‬ل كن‪ ،‬كان هناك بعض أشكال النقاش التي تم إثارتها من طرف اللجان البرلمانية‪ ،‬والتي كانت‬

‫تفتقد للأساس الشكلي والاستناد على الحجج‪.175‬‬

‫في ظل دستور ‪ ،2011‬تم إضافة صلاحية التقييم للوظائف التقليدية للبرلمان‪ .‬و يعتبر أحد الباحثين‬

‫أن دسترة هذه الوظيفة "يندرج في صلب إصلاح دستوري شامل يهدف إلى التخفيف من الطابع الرئاسي‬

‫في النظام السياسي‪ ."176‬وتبعا لهذا‪ ،‬تم تنظيم هذه الوظيفة عبر الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان‪ .‬وقد‬

‫نصت المادة ‪ 212‬أن تقييم السياسات العمومية يهدف إلى التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية‪،‬‬

‫ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة‪ ،‬وقياس تأثيرها على الفئة المستهدفة وعلى المجتمع‪ ،‬وتحديد العوامل التي‬

‫أدت إلى بلوغ هذه النتائج‪ .177‬وفي هذا الإطار‪ ،‬تخصص لهذا الغرض جلسة سنو ية لمناقشة السياسات‬

‫العمومية التي قام بتقييمها طبقا للمواصفات والمساطر المحددة في هذا الباب‪.178‬‬

‫يعتمد البرلمان في تقييمه للسياسات العمومية على‪:‬‬

‫• مجموعات العمل الموضوعاتية المؤقتة‪ :‬و يوكل إليها تتبع إنجاز التقييم في الموضوع الذي تم‬

‫تحديده والانتداب الذي تم إعداده‪ .‬وتتألف من ممثل واحد عن كل فر يق أو مجموعة نيابية‪ .‬كما‬

‫‪175‬‬
‫‪AME, Op. Cit., p74.‬‬
‫‪ 176‬المدور رشيد‪ ،‬تقييم البرلمان للسياسات العمومية‪ :‬دالالته وآلياته وإشكالياته في التطبيق المغربي‪ ،‬مجلـة البحوث القـانونية واالقتصادية‪ ،‬المجلد‬
‫‪ ،03‬العــدد ‪ ،2020 ،01‬ص ‪ ،273 – 246‬ص ‪.249‬‬
‫‪ 177‬النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثالثاء ‪ 16‬ذو القعدة ‪ 1438‬الموافق ل ‪ 8‬غشت ‪ 2017‬وكما أقرته‬
‫المحكمة الدستورية في قرارها عدد ‪ 37/17‬الصادر في يوم االثنين من‪ 20‬ذي الحجة ‪ 1438‬الموافق لـ ‪ 11‬شتنبر ‪.2017‬‬
‫‪ 178‬المادة ‪ 287‬من النظام الداخلي لمجلس النواب‪ ،‬والمادة ‪ 264‬من النظام الداخلي لمجلس المستشارين‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫يتم اختيار رئيس ومقرر أحدهما يجب أن يكون من المعارضة‪ .‬وتمثل مهمة المجموعة في صياغة‬

‫المصطلحات والعناصر المرجعية‪ ،‬وتجميع المعطيات الأولية‪ ،‬وإطلاق الأبحاث المحددة‪ ،‬ووضع‬

‫التوصيات والنتائج‪ ،‬وصياغة تقارير التقييم‪.179‬‬

‫• المركز البرلماني للدراسات والأبحاث‪ :180‬وهو بنية تم خلقها لتدعيم الأداء البرلماني‪ ،‬و يقدم‬

‫المركز خدماته بطلب من اللجان الدائمة أو مجموعات العمل الموضوعاتية في مجالات متعددة‪ .‬من‬

‫بينها‪ :‬الأوراق التقنية والمعطيات بخصوص السياسات العمومية‪ ،‬ودراسات الأثر للنصوص‬

‫التشر يعية‪ ،‬والدراسات حول المالية العمومية والتقييم المالي‪.181‬‬

‫• اللجان الدائمة‪ :‬تساهم هذه اللجان بشكل هامشي في تقييم السياسات العمومية من خلال‬

‫التحضير للجلسة السنو ية ومناقشة التقارير موضوع التقييم‪ ،182‬ل كنها تلعب دورا استطلاعيا حول‬

‫شروط وظروف تطبيق نص تشر يعي معين‪ ،‬أو موضوع يهم المجتمع‪ ،‬أو يتعلق بنشاط من أنشطة‬

‫الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب‪ ،‬رغم‬

‫ما يمكن قوله حول عدم فعاليتها في التعامل مع هذه الآليات‪.183‬‬

‫• المؤسسات المساعدة في تقييم السياسات العمومية‪ :‬يمكن‪ ،‬بالتوازي مع عمل مجموعات‬

‫العمل الموضوعاتية‪ ،‬أن يقرر مكتب مجلس النواب طلب المساعدة من إحدى الهيئات والمجالس‬

‫الدستور ية وبشكل خاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‪.‬‬

‫‪ 179‬المادة ‪ 290‬و‪ 291‬من النظام الداخلي لمجلس النواب‪.‬‬


‫‪ 180‬المادة ‪ 351‬من النظام الداخلي لمجلس النواب‪.‬‬
‫‪ 181‬المادة ‪ 353‬من النظام الداخلي لمجلس النواب‪.‬‬
‫‪ 182‬قضت المجلس الدستوري بعدم دستورية المادة ‪ 48‬من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة ‪ ،2012‬حيث أعتبر ان الفصل ‪ 101‬من الدستور‬
‫نص على جلسة لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬وبالتالي ال يمكن للجان الدائمة بمجلس النواب أن تخصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية للقطاعات‬
‫التي تدخل ضمن اختصاصاتها‪ .‬انظر القرار رقم ‪ ،829/12‬بتاريخ ‪ 04‬فبراير ‪ ،2012‬رقم الملف ‪.1356/12‬‬
‫‪ 183‬المادة ‪ 109 ،108 ،107‬من النظام الداخلي لمجلس النواب‪ .‬ولمزيد حول الموضوع‪ ،‬انظر‪ :‬السراري عبد الغني‪ ،‬دور اللجان البرلمانية الدائمة‬
‫في تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر واالقتصاد والسياسة‪ ،‬العدد المزدوج ‪ ،2014 ،26/25‬ص ‪.88-73‬‬

‫‪87‬‬
‫• المجلس الأعلى للحسابات‪ :‬يشكل المجلس مؤسسة مستقلة اتجاه السلطتين التشر يعية‬

‫والتنفيذية‪ ،‬ل كن الدستور نص على ضرورة استجابته لطلب الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتشر يع‬

‫والمراقبة وتقييم السياسات العمومية‪ ،‬بشكل خاص في الجوانب المتعلقة بمراقبة المالية‪.184‬‬

‫هذه الآليات التي يتوفر عليها البرلمان‪ ،‬يمكن أن تتطور في مسارين‪ :‬سواء تنمية ممارسات التقييم‬

‫ومأسستها في السياسات والبرامج العمومية أو الحفاظ على ممارسات تقييم غير فعالة ومؤثرة في الصيرورة‬

‫القرار ية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقييم في بنيات السلطة التنفيذية‬

‫أصبح للخطاب حول التقييم حضور أكبر على مستوى النسق الحكومي‪ ،‬واقترن أساسا بتطوير عمل‬

‫الحكومة والتغيرات التي لحقت مشروعية تدخلاتها‪ .‬في النموذج المغربي‪ ،‬ولحدود ما قبل دستور ‪،2011‬‬

‫كانت ممارسات التقييم ملتبسة ومهمشة على مستوى بنيات وأجهزة السلطة التنفيذية‪.185‬‬

‫في هذا السياق تتوزع هذه الهيئات المؤسساتية بين بنيات وزار ية داخلية‪ ،‬وأجهزة التفتيش‪ ،‬والمراصد‬

‫سواء المرتبطة بهياكل وزار ية أو المستقلة نسبيا‪.‬‬

‫على مستوى البنيات الوزار ية الداخلية نجد‪:‬‬

‫• مدير ية الدراسات والتوقعات المالية‪ :‬وهي بنية إدار ية يشملها تنظيم وزارة المالية‪ .‬ومن‬

‫بين مهامها‪ ،‬المساهمة في تقييم آثار السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية وكذا المشار يع‬

‫‪ 184‬انظر الباب الثامن‪ .‬حول مراقبة المالية العامة‪.‬‬


‫‪ 185‬تم تبني التقييم لكن من خالل أشكال وتسميات أخرى من مثيل‪ ،‬إجراء الدراسات‪ ،‬مراقبة التدبير…‪ ،‬وبين العديد من البنيات الوزارية لم يتم نشر‬
‫تقارير يمكن اعتبارها تقارير تقييم كما هو متعارف عليه‪ .‬لالطالع أكثر‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) Fondation Abderrahim Bouabid et FES, Rapport sur le module évaluation, 2006, p23. Voir aussi : AME, Op.‬‬
‫‪Cit., p71.‬‬

‫‪88‬‬
‫العمومية ال كبرى على الاقتصاد الوطني‪ ،‬والمساهمة في إعداد وتحليل وتقييم السياسات‬

‫القطاعية‪ .186‬وتضم هذه المدير ية قسم خاص بالدراسات وتقييم الآثار الاقتصادية‪ ،‬وقسم تقييم‬

‫السياسات القطاعية‪.187‬‬

‫• مدير ية الحكامة ضمن القطاع الوزاري للشؤون العامة والحكامة‪ :‬من بين مهام هذه المدير ية‬

‫وضع آليات لتتبع تنفيذ وتقييم السياسات والبرامج العمومية بالتنسيق مع مختلف القطاعات‬

‫الحكومية والعمل على انسجامها والتقائيتها‪ .188‬ويمكن القول إن هذه المدير ية وجدت لتلعب دورا‬

‫أساسيا في التنسيق البين‪-‬وزاري في مجال تقييم السياسات العمومية‪ .‬وقد أنتج هذا القطاع الوزاري‬

‫تقارير تقييم قبلية(‪ )ex-ante‬مهمة خصوصا في مسار إصلاح نظام المقاصة‪.189‬‬

‫بالنسبة لأجهزة التفتيش الوزار ية‪:‬‬

‫• المفتشية العامة للمالية‪ :‬رغم أن هذا الجهاز يشتمل اختصاصه‪ ،‬بمنطوق القانون‪ ،‬على مهام‬

‫المراقبة والتدقيق‪ ،‬ل كن الممارسة الفعلية بينت إمكانية قيامها بمهام التقييم خصوصا المتعلقة بنجاعة‬

‫الأداء‪ .190‬ل كن هذا العمل يتم بدون إصدار تقارير دور ية أو تقارير موضوعاتية حول نجاعة‬

‫الأداء مفتوحة للعموم‪.‬‬

‫‪ 186‬المادة ‪ 15‬من مرسوم رقم ‪ 2.07.995‬صادر في ‪ 23‬من شوال ‪ 23( 1429‬أكتوبر ‪ )2008‬بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة االقتصاد والمالية‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 5680‬الصادرة بتاريخ ‪ 7‬ذو القعدة ‪ 6( 1429‬نوفمبر ‪.)2008‬‬
‫‪ 187‬يضمن الموقع اإللكتروني للمديرية مجموعة من التقارير والدراسات التقييمية حول مجموعة من السياسات القطاعية‪ .‬لمزيد من االطالع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫] ‪[ http://depf.finances.gov.ma/evaluation-des-politiques-publiques/‬‬
‫‪ 188‬المادة ‪ 06‬من مرسوم رقم ‪ 2.13.253‬صادر في ‪ 11‬من شعبان ‪ 20( 1434‬يونيو ‪ )2013‬بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المنتدبة‬
‫لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6164‬الصادرة بتاريخ ‪ 18‬شعبان ‪ 27( 1434‬يونيو ‪.)2013‬‬
‫‪ 189‬لمزيد من االطالع حول دور القطاع في تقييم السياسات العمومية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫] ‪[ http://www.mag.gov.ma/index.php/ar/‬‬
‫‪ 190‬في السنوات األخيرة تبنت المفتشية أدوات تدقيق أو تقييم نجاعة األداء (‪ )audits de performance‬المتعلقة بالخطط االستراتيجية للوزارات‬
‫وكذلك األمر عند القيان بالتدقيق في المشاريع العمومية الممولة من الهيئات الخارجية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫• المفتشية العامة للإدارة الترابية‪ :‬ينص المرسوم المنظم لعمل المفتشية على أنها تراقب وتحقق‬

‫في مجالات التدبير الإداري‪ ،‬والتقني والمحاسباتي للإدارات المنضو ية تحت إشراف وزارة الداخلية‬

‫والجماعات الترابية ومجموعاتها‪ .191‬ل كنها في السنوات الأخيرة طورت ممارسات مرتبطة بالتدقيق‬

‫وتقييم نجاعة الأداء‪ ،‬خصوصا فيما يخص مجالات المبادرة الوطنية للتنمية البشر ية وتصاميم‬

‫التخطيط الحضري‪.‬‬

‫فيما يخص المراصد الوزار ية والمؤسساتية‪:‬‬

‫• المرصد الوطني للاقتصاد الاجتماعي والتضامني‪ :‬وهي بنية تابعة لوزارة السياحة والصناعة‬

‫التقليدية‪ .‬ومن بين أهدافها‪ ،‬تتبع وتقييم السياسة العمومية في مجال الاقتصاد الاجتماعي‬

‫والتضامني‪ ،‬عبر إصدار فصلي لمؤشرات خاصة لتحديد وتحليل مشاكل ومعيقات تنمية القطاع‪،‬‬

‫وتقييم مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وطنيا ومجاليا في ميادين خلق الثروة وفرص‬

‫الشغل‪.‬‬

‫• المرصد الوطني لاستعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم‬

‫(‪ :)ONUTICE‬وهو بنية تابعة لوزارة التربية الوطنية‪ ،‬ومن بين مهامها قياس وتقييم مدى انتشار‬

‫تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالمؤسسات التعليمية‪.192‬‬

‫• المرصد الوطني لسوق الشغل‪ :‬وهو بنية تابعة لوزارة الشغل والتكوين المهني ومن بين مهامها‬

‫إنجاز دراسات تقييمية لرصد تأثير التدابير والاجراءات المتخذة لإنعاش التشغيل‪.193‬‬

‫‪ 191‬المادة ‪ 02‬من مرسوم رقم ‪ 2.94.100‬صادر في ‪ 6‬محرم ‪ 16( 1415‬يونيو ‪ 1994‬في شأن النظام األساسي الخاص بالمفتشين العامين لإلدارة‬
‫الترابية بوزارة الدولة في الداخلية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4264‬بتاريخ ‪ 1994/07/20‬الصفحة ‪.1171‬‬
‫‪ 192‬قام المرصد بإصدار العديد من تقارير التقييم حول مجال استغاله‪ :‬انظر‪:‬‬
‫] ‪(*) [ http://www.taalimtice.ma/onutice‬‬
‫‪ 193‬عند االطالع على نشاط وفعالية هذه المراصد على المستوى الفعلي نجد أن اغلبها ال تقوم بأداء أي مهمة أو نشر أي تقارير حول تقييم السياسات‬
‫والبرامج المتعلقة بمجال تدخلها‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫• المرصد الوطني للتنمية البشر ية‪ :‬يتولى مهمة دائمة تتمثل في تحليل وتقييم آثار برامج التنمية‬

‫البشر ية المنجزة‪ ،‬وإعداد ونشر تقرير سنوي بشأن التنمية البشر ية بالممل كة يلخص نتائج الدراسات‬

‫والتقييم المنجزة على الصعيدين الوطني والمحلي‪.194‬‬

‫تلعب هذه الهيئات والمؤسسات المرتبطة بالسلطة التنفيذية دورا مهما في توسيع وانتشار ممارسات‬

‫التقييم ولو بشكل متفاوت‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬يمكن تسجيل كون التقييم لازال محط سوء فهم وارتباك على‬

‫مستوى استخدامه واعتماده كآلية لتطوير نجاعة وفعالية الفعل العمومي‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التقييم على مستوى المؤسسات الدستورية المستقلة‬

‫تلعب العديد من المؤسسات الدستور ية دورا أساسيا في تقييم السياسات العمومية‪ .‬من بين هذه‬

‫المؤسسات‪ ،‬نجد المجلس الأعلى للحسابات‪ ،‬والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‪ ،‬والمجلس الأعلى‬

‫للتربية والتكوين والبحث العلمي‪.‬‬

‫بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات‪ ،195‬نصت المادة ‪ 03‬من القانون المنظم للمجلس الأعلى للحسابات‬

‫صراحة على اختصاصه بمراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج والمشار يع العمومية‪ .‬وقد قدم المجلس‬

‫للعموم مجموعة من تقارير التقييم‪ .196‬وهو ما يؤكد الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه في تطوير نظام‬

‫التقييم في المغرب‪.‬‬

‫‪ 194‬يظل هذا المرصد هو البنية المؤسساتية الوحيدة ضمن هذا الصنف التي طورت حبرات وممارسات متقدمة على مستوى تقييم السياسات في‬
‫مجال التنمية البشرية‪.‬‬
‫‪ 195‬ظهير شريف رقم ‪ 1.02.124‬صادر في فاتح ربيع اآلخر ‪ 13( 1423‬يونيو ‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪،‬‬
‫كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ 55.16‬الصادر بتنفيذه الظهير ‪ 1.16.153‬الصادر في ‪ 21‬من ذي القعدة ‪ 25( 1437‬أغسطس ‪)2016‬؛ الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 6501‬بتاريخ ‪ 17‬ذو الحجة ‪ 19( 1437‬سبتمبر ‪ )2016‬ص ‪.6703‬‬
‫‪ 196‬يقوم المجلس كذلك بالنشر العمومي للتقارير التقييم‪ ،‬لالطالع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫] ‪(*) [ http://www.courdescomptes.ma/ar/Page-27/-‬‬

‫‪91‬‬
‫وأما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‪ ،197‬ووفقا للمادة ‪ 02‬من القانون التنظيمي ‪،128.12‬‬

‫فمن بين صلاحياته صياغة تقارير تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهو ية‬

‫والدولية وانعكاساتها‪ .‬ورغم عدم التنصيص صراحة على مهمة تقييم السياسات العمومية‪ ،‬إلا أن المجلس‬

‫يقوم عبر تقارير تحليل الظرفية ومتابعة البرامج السياسات بهذه المهمة عمليا‪.‬‬

‫وأما بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،198‬باعتباره مؤسسة منظمة بالقانون‪،‬‬

‫من بين مهامها إنجاز تقييمات شمولية أو قطاعية أو موضوعاتية للسياسات والبرامج العمومية في مجالات‬

‫التربية والتكوين والبحث العلمي ونشر نتائجه (المادة ‪ ،)02‬وقد خلق لهذه المهمة الهيئة الوطنية لتقييم‬

‫منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي باعتبارها جهاز التقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث‬

‫العلمي (المادة ‪ 16‬من القانون ‪.)105.12‬‬

‫‪ 197‬ظهير شريف رقم ‪ 1.14.124‬صادر في ‪ 3‬شوال ‪ 31( 1435‬يوليو ‪ )2014‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 128.12‬المتعلق بالمجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي والبيئي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6282‬الصادرة بتاريخ ‪ 17‬شوال ‪ 14( 1435‬أغسطس ‪.)2014‬‬
‫‪ 198‬ظهـير شريف رقم ‪ 1.14.100‬صادر في ‪ 16‬مــن رجب ‪ 16( 1435‬ماي ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 105.12‬المتعلق بالمجلس األعلى للتربية‬
‫والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6257‬الصادرة بتاريخ ‪ 19‬رجب ‪ 19( 1435‬ماي ‪.)2014‬‬

‫‪92‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫يهدف هذا المطلب لدراسة العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ .‬لهذا‪،‬‬

‫سنقوم بدراسة مجموعة من المؤشرات الدالة على هذه العوامل‪ .‬و يتعلق الأمر بنوعين من العوامل‪ :‬العوامل‬

‫السياقية والعوامل الإجرائية‪ .‬ونستلهم لهذه الغاية نموذج (‪)Furubo et Sandahl‬؛ والذي حدد مجموعة‬

‫من العوامل المؤثرة في تطور أنظمة التقييم‪.199‬‬

‫نجد في مقدمتها‪ ،‬جودة الديموقراطية‪ ،‬وبشكل خاص تأثير ممارسات الشفافية والمشاركة والنقاش بين‬

‫الفاعلين على الفعل العمومي‪ .‬في مستوى ثان‪ ،‬نجد تقاليد التدبير العمومي‪ ،‬أي ميل هذا الأخير للإدارة‬

‫والتدبير العلمي والعقلاني والمبني على الأدلة (‪ )Evidence Management‬أو سيادة التقاليد الإدار ية‬

‫– القانونية الكلاسيكية‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يضيف (‪ )Jacob Steve‬مؤشرات علاقات الفاعلين الأكاديميين‬

‫والإدار يين ومدى تأثر هذه الأخيرة بالإسهامات العلمية‪ .‬و يضيف (‪ )Furubo et Sandahl‬كذلك‪،‬‬

‫تطور الإنفاق العمومي في بعض القطاعات الأساسية من منظور الدولة – الرعاية (التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬الراعية‬

‫الاجتماعية…)‪ .‬في النهاية‪ ،‬يشير إلى ضرورة وجود فاعلين خارجيين عن النسق يلعبون دور المحفز‪ ،‬وفي‬

‫الأغلب تتجسد في الممولين والهيئات الدولية‪.200‬‬

‫‪199‬‬‫‪Voir : B. Lázaro, Op. Cit., pp 20-21.‬‬


‫‪ 200‬العتماد هذه العوامل قمنا باالطالع على العديد من الدراسات والتي اقترح من خاللها مجموعة الباحثين بعض النماذج النظرية واالجرائية حول‬
‫أنظمة التقييم‪:‬‬
‫األدوات الالزمة لتقييم القدرة على إرساء نظام تقييم األداء‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) « Évaluer la capacité des pays à mettre en place des systèmes de suivi et d’évaluation axés sur la‬‬
‫‪performance », J. Z. Kusek & R. C. Rist, Op. Cit., p 159.‬‬
‫أو معايير تجذر ثقافة التقييم في المؤسسات‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) J. Furubo and R. Sandahl, “A Diffusion Perspective on Global Developments in Evaluation”, in‬‬
‫‪International Atlas Evaluation, Transaction Publishers, 2002, pp 7-9.‬‬
‫أو تقييم نظام التقييم‪:‬‬
‫‪(*) “Framework for Assessing Evaluation Capacity”, Ray C. Rist and al, Op. Cit., p 6.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفرع األول‪ :‬العوامل السياقية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫تجسد العوامل السياقية‪ ،‬العوامل السياسية والثقافية المحفزة والقادرة على دفع وتأطير مسار المأسسة‬

‫وبالتالي تطوير إرساء أنظمة التقييم‪ .‬في المغرب‪ ،‬وبناء على ما سبق‪ ،‬يتضح أن التطور التار يخي لمسار‬

‫مأسسة تقييم السياسات العمومية لازال متعثرا ويثير العديد من الإشكاليات‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬سنتطرق‬

‫إلى العوامل السياسية ومدى تأثيرها في إرساء نظام التقييم في المغرب‪.‬‬

‫تلعب العوامل السياسية دورا أساسيا في تطور وإرساء أنظمة التقييم‪ .‬وقد تطرقنا في السابق لتأثير‬

‫بعض هذه العوامل في النماذج الدولية‪ .‬ضمن هذا المحور‪ ،‬سنحاول دراسة تأثير العوامل السياسية على تطور‬

‫ممارسات ومأسسة التقييم بالمغرب‪ .‬وكما سلف الذكر‪ ،‬يمكن اعتماد العديد من المؤشرات الدالة على هذه‬

‫العوامل ومدى مساهمتها الإ يجابية أو السلبية في مسار مأسسة التقييم‪.201‬‬

‫في البداية‪ ،‬سنتطرق لمؤشر مأسسة الديموقراطية‪ ،202‬و يقصد بالديموقراطية ثلاث عناصر مترابطة‬

‫ومتبادلة التأثير‪ .‬يرتبط العنصر الأول بحضور مؤسسات ومساطر تمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم‬

‫حول السياسات وفعالية الفعل العمومي‪ .‬ويتعلق العنصر الثاني بوجود قيود مؤسسية على ممارسة السلطة‬

‫من طرف الحاكمين‪ .‬فيما يخص العنصر الثالث‪ ،‬فهو يتمحور حول توفير وضمان الحر يات المدنية والشروط‬

‫الملائمة للمشاركة السياسية‪( 203‬انظر الشكل ‪.)16‬‬

‫‪ 201‬لقياس تأثير العوامل السياسية سنعتمد العديد من المؤشرات الدالة؛ مأسسة الديموقراطية‪ ،‬والمشاركة العامة‪ ،‬والمسائلة‪ ،‬ومشاركة المجتمع المدني‪.‬‬
‫‪ 202‬يجيب هذا المؤشر عل التساؤل المتعلق بدرجة مأسسة الديموقراطية في النظام السياسي (انظر الشكل ‪.)16‬‬
‫‪ 203‬لدراسة العالقة الممكنة بين الديموقراطية والتقييم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) S. Fritz., Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference? Evaluation and Program‬‬
‫]‪Planning, [ http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004.‬‬
‫أو لدراسة العالقة بين الحكامة والديموقراطية والتقييم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) N. Stame, Governance, Democracy and Evaluation, In Evaluation, Vol 12(1), SAGE Publications, pp 7-16.‬‬
‫أو التقييم باعتباره مطلبا ديموقراطيا‪:‬‬
‫‪(*) Bouabid A., L'EVALUATION, UNE EXIGENCE DÉMOCRATIQUE, Article publie sur le site du centre de recherche‬‬
‫‪de L’HEM, Consulter : [ https://cutt.ly/ghAmzk1 ], Le : 21 /10/2020.‬‬

‫‪94‬‬
‫الشكل‪ : 16‬تطور مؤشر مأسسة الديموقراطية بالمقارنة بين المغرب وباقي النماذج الخمس‬

‫المصدر‪.204‬‬

‫يظهر من خلال المؤشر أعلاه أن النماذج الأنجلوسكسونية تتميز بدرجة عالية من مأسسة الديموقراطية‬

‫وهو الأمر الذي يحيل على وجود سياق ملائم لتطور نظام التقييم‪ .‬بينما على مستوى المغرب يظهر أن‬

‫المنحنى لازال في مستو يات غير دالة ولم تتجاوز درجة ‪ 0.25‬في المقياس العمودي‪ .‬ورغم أنه عرف نوعا‬

‫من الارتفاع فيما بعد دستور ‪ 2011‬إلا أن المنحنى عاد للاستقرار بدون أن يتطور في مسار تصاعدي‪.‬‬

‫‪204Source‬‬ ‫‪: https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 21 /10/2020.‬‬

‫‪95‬‬
‫يشكل مؤشر المسائلة‪ 205‬أحد الأبعاد الأساسية التي تحفز قيام وتطور أنظمة التقييم‪ .‬في المغرب‪ ،‬وكما‬

‫يظهر المنحنى أسفله‪ ،‬عرف هذا المؤشر تطورا خصوصا بعد سنة ‪ .2062005‬ل كن‪ ،‬وبالمقارنة مع إسبانيا‬

‫مثلا‪ ،‬يظهر أن هذا التطور لا يسير بالوتيرة الملائمة لتشجيع إرساء نظام للتقييم (انظر الشكل‪.)17‬‬

‫الشكل‪ : 17‬تطور مؤشر المسائلة في المغرب والنماذج الدولية‬

‫المصدر‪.207‬‬

‫‪ 205‬سبق ان قدمنا تحديدا للمقصود بالمسائلة أعاله‪.‬‬


‫‪ 206‬تميزت هذه الفترة باإلصالح على مستوى التدبير العمومي وإدماج آليات جديدة في تدبير الميزانية العامة‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 22/10/2020.‬‬

‫‪96‬‬
‫يحيل مؤشر المشاركة في الحياة العامة أو المشاركة السياسية‪ 208‬على المشاركة الفعالة والنشطة للمواطنين‬

‫في الحياة السياسية‪ ،‬سواء بالصيغ الرسمية أو غير الرسمية (الانتخابات‪ ،‬الاحتجاجات…)‪ ،‬وتكمن أهميته‬

‫أساسا في كونه يحفز تدخل المواطنين في تدبير شؤون تهمهم دون تركها بالضرورة لمجموعة معينة تديرها‪.‬‬

‫هذا المفهوم للمشاركة يتضمن الالتزام المدني في الجمعيات‪ ،‬والمشاركة المباشرة في تدبير الشؤون العامة‬

‫القريبة… الخ‪.209‬‬

‫الشكل‪: 18‬تطور مؤشر المشاركة في المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.210‬‬

‫‪ 208‬لدراسة العالقة بين التقييم والمشاركة السياسية‪ ،‬انظر‪:‬‬


‫‪(*) C. M. Hendriks, “Policy evaluation and public participation”, in Routledge Handbook of Public Policy, Eduardo‬‬
‫‪Araral & all, ed Routledge, 2013, pp 434 – 448.‬‬
‫أو ضرورة استحضار المواطنين في أي تصور للتقييم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) Hélène Milet, Philippe Warin, « La Prise En Compte Des Publics Dans L'évaluation Des Politiques Publiques »,‬‬
‫‪in Revue française d'administration publique, N° 148, 2013/4, pp 991 à 1002.‬‬
‫‪ 209‬يثير مفهوم المشاركة العديد من النقاشات حول حدوده وأبعاده النظرية واالجرائية‪ ،‬للمزيد من االطالع انظر‪:‬‬
‫‪(*) B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. cit., p1777.‬‬
‫‪210‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 22/10/2020.‬‬

‫‪97‬‬
‫يظهر من خلال المؤشر أن المغرب عرف مسارا تصاعديا في حجم المشاركة العامة للمواطنين‪ .‬وبشكل‬

‫خاص‪ ،‬سنوات التسعينات وما بعدها‪ .‬ويمكن اعتبار هذا المؤشر إ يجابيا‪ ،‬خصوصا إذا تمت مقارنته بوتيرة‬

‫التصاعد التي عرفتها اسبانيا سنوات السبعينات بعد نهاية حكم فرانكو والانضمام للاتحاد الأوروبي‪،‬‬

‫وتأثيرها الدال على إرساء نظام تقييم للسياسات والبرامج الموجهة للساكنة‪.‬‬

‫يشكل مؤشر مشاركة المجتمع المدني‪ 211‬بعدا مهما في تحديد مدى تأثير الفاعلين في إرساء وتطور أنظمة‬

‫التقييم‪ .‬و يلعب المجتمع المدني دورا أساسيا في الضغط والترافع لأجل تبني المؤسسات العمومية لمعاير‬

‫الحكامة‪ ،‬وضمان فعالية ونجاعة البرامج العمومية‪ ،‬وقياس تأثيرها على الساكنة‪ .212‬و يظهر الشكل أسفله أن‬

‫المغرب عرف تطور تدر يجيا في مرحلة ما بعد سنوات التسعينات والذي عرف أوجه في فترة ‪،2011‬‬

‫ويمكن لهذه الدينامية أن تأثر بشكل إ يجابي في إرساء وتطور نظام للتقييم بالمغرب‪.‬‬

‫‪ 211‬يتموقع المجتمع المدني في الحيز بين المجال الخاص والدولة‪ .‬هنا‪ ،‬ينتظم المواطنون في مجموعات لمتابعة مصالحهم ومثلهم الجماعية‪ .‬نطلق‬
‫على هذه المجموعات منظمات المجتمع المدني‪ .‬وتشمل هذه المنظمات‪ ،‬على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬مجموعات المصالح والنقابات العمالية‬
‫والمنظمات الروحية إذا كانت تشارك في أنشطة مدنية أو سياسية‪ ،‬وحركات اجتماعية‪ ،‬وجمعيات مهنية‪ ،‬وجمعيات خيرية‪ ،‬وغيرها من المنظمات‬
‫غير الحكومية‪.‬‬
‫‪ 212‬في هذا السياق‪ ،‬يمكن العودة إلى تجربة الجمعية المغربية للتقييم‪ ،‬وهي جمعية شبه مهنية‪ ،‬دفعت من خالل مذكرتها وترافعها أما لجنة صياغة‬
‫الدستور المقررين إلى تبني توصياتها بدسترة تقييم السياسات العمومية‪ ،‬لالطالع على المذكرة انظر‪:‬‬
‫‪(*) AME, Mémorandum pour la constitutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc,‬‬
‫‪Présenté à la Commission consultative chargée de la révision de la Constitution du Royaume du Maroc, Rabat‬‬
‫‪(Maroc), 12 avril 2011.‬‬

‫‪98‬‬
‫ تطور مشاركة المجتمع المدني في المغرب والنماذج الخمس‬: 19‫الشكل‬

.213‫المصدر‬

213
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 23 /10/2020.

99
‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل اإلجرائية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫تجسد العوامل السياقية الإطار العام المحفز لإرساء وتطور أنظمة التقييم‪ .‬في المقابل‪ ،‬تشكل العوامل‬

‫الإجرائية والمتمثلة في العوامل المؤسساتية‪ ،‬ونقصد بها دور البرلمان ومنطق فعل السلطة التنفيذية‪ ،‬والعوامل‬

‫التدبير ية‪ ،‬ونقصد المؤشرات المتعلقة بالحكامة التنظيمية‪ ،‬وثقافة التدبير‪ ،‬من خلال تدبير الميزانية العامة‪،‬‬

‫العوامل المؤثرة بشكل مباشر في إرساء أنظمة التقييم‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‬

‫تشكل العوامل المؤسساتية المكون الأول للعوامل الإجرائية وسندرسها من خلال بعدين رئيسيين‪:‬‬

‫دور البرلمان وأساس الفعل الحكومي‪.‬‬

‫يمكن قياس دور البرلمان من خلال العديد من المؤشرات‪ ،‬ل كن سنقتصر هنا على مؤشرات قدرة‬

‫البرلمان على تقييد فعل السلطة التنفيذية‪ ،‬وقدرة البرلمان على التحقيق الميداني‪ ،‬وقدرة البرلمان على‬

‫الاستجواب‪ .‬هذه المؤشرات لا تقدم حصرا الصورة عن دور البرلمان‪ ،‬ل كنها تمثل عناصر يمكن من‬

‫خلالها قياس العوامل المؤسساتية‪.‬‬

‫فيما يخص قدرة البرلمان على تقييد السلطة التنفيذية‪ ،‬والذي يطرح سؤالا حول‪ :‬إلى أي حد يمكن‬

‫للبنيات والأدوات المؤسساتية المرتبطة بالبرلمان (الأجهزة الرقابية‪ ،‬لجان تقصي الحقائق…) ممارسة رقابة‬

‫أو إجراءات تقييدية على مكونات السلطة التنفيذية؟‬

‫هنا‪ ،‬وكما يظهر الشكل أسفله‪ ،‬أنه منذ منتصف التسعينات أصبح البرلمان أكثر قدرة على تقييد فعل‬

‫السلطة التنفيذية‪ .‬ويساهم تطور هذه القدرة في توفير الشروط الضرور ية والملائمة لتطور أدوات وآليات‬

‫‪100‬‬
‫التقييم في البرلمان‪ .‬ل كن‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬يمكن أن تعلب هذه الآليات دورا سلبيا من خلال تكريسها‬

‫للارتباك والخلط حول الفروق الممكنة بين التقييم والرقابة‪( 214‬انظر الشكل‪.)20‬‬

‫الشكل‪ : 20‬تطور مؤشر التقييد البرلماني للسلطة التنفيذية بين المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.215‬‬

‫يتمثل المؤشر الثاني لقياس دور البرلمان المؤسساتي في قدرته الفعلية على إجراء تحقيقات ميدانية‪.216‬‬

‫و يحاول هذا المؤشر الإجابة عن مدى قدرة المؤسسة التشر يعية على إجراء تحقيق ميداني واتخاذ قرارات‬

‫غير متوافقة مع اتجاه الحكومة‪ .‬و يجب تسجيل‪ ،‬أن النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس‬

‫‪ 214‬يتم في األغلب استحضار أدوات الرقابة البرلمانية أثناء الحديث عن التقييم البرلماني وهو األمر الذي قد يحد من إمكانية مأسسة تقييم السياسات‬
‫العمومية على مستوى البرلمان‪ ،‬وقد ناقشنا سابقا كيف يمكن للخلط في االستخدام المفاهيمي أن يؤدي إلى خلط بين األدوات المعتمدة‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 24/10/2020.‬‬
‫‪ 216‬يشير هذا المنحنى الى مقياس من خمس درجات‪ ،‬الدرجة ‪ 0‬تشير إلى عدم احتمالية قدرة البرلمان على إجراء تحقيق ميداني‪ ،‬الدرجة ‪ 1‬تشير‬
‫الى االحتمالية ولكن غير مرجح‪ ،‬والدرجة ‪ 2‬تشير إلى أن االمكانية مرجحة‪ ،‬والدرجة ‪ 3‬تشير الى احتمالية القدرة‪ ،‬والدرجة ‪4‬تشير الى تأكيد‬

‫القدرة‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫المستشارين يمكن اللجان الدائمة من القيام بمهام استطلاعية حول ظروف وشروط تنفيذ نص تشر يعي‬

‫معين‪ ،‬أو موضوع يهم المجتمع‪ ،‬أو أي نشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات‬

‫العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب‪.217‬‬

‫و يظهر المنحنى أسفله أن المغرب عرف تطورا في منحى تمكين البرلمان من هذه القدرة بشكل دال‪،‬‬

‫خصوصا في مرحلة ما بعد التسعينات‪ .‬وبالاستناد الى دراسة النصوص القانونية يتبين أن احتمالية قيام‬

‫البرلمان بمهام استطلاعية أو تحقيقات ميدانية قائمة نظر يا‪ .‬وعلى هذا المستوى‪ ،‬يظهر أن المغرب متقارب‬

‫بشكل كبير مع النماذج الدولية خصوصا النموذج ال كندي والفرنسي‪ ،‬بينما يظل النموذجان الأمريكي‬

‫والبر يطاني أكثر تقدما‪.‬‬

‫‪ 217‬المادة ‪ 107‬من النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثالثاء ‪ 16‬ذو القعدة ‪ 1438‬الموافق ل ‪ 8‬غشت‬
‫‪ 2017‬وكما أقرته المحكمة الدستورية في قرارها عدد ‪ 37/17‬الصادر في يوم االثنين من‪ 20‬ذي الحجة ‪ 1438‬الموافق لـ ‪ 11‬شتنبر ‪ .2017‬نفس‬
‫األمر تنص عليه المادة ‪ 125‬من النظام الداخلي لمجلس المستشارين‪ .‬وقد قامت اللجان الدائمة ب ‪ 6‬مهام استطالعية مختلفة‪ ،‬تتوفر تقاريرها في‬
‫موقع مجلس النواب‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الشكل‪ : 21‬تطور قدرة البرلمان على التحقيق الميداني في المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.218‬‬

‫و يتمحور المؤشر الثالث حول قدرة البرلمان على استجواب وطرح التساؤلات على المسؤولين‬

‫الحكوميين‪ .219‬و يقصد بالاستجواب القدرة على استدعاء أي مسؤول حكومي كيفما كان موقعه لتقديم‬

‫التوضيحات حول سياساته أو الادلاء بشهادته أمام المجلس‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يمكن الإحالة على ما نص‬

‫عليه الفصل ‪ 102‬من إمكانية طلب اللجان الدائمة الاستماع لأي من مسؤولي الإدارات والمؤسسات‬

‫‪218‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 24/10/2020.‬‬
‫‪ 219‬يعتمد هذا المؤشر على مقياس من درجتين؛ الدرجة ‪ 0‬وتعني أ ن أنه ال توجد إمكانية أو ناذرا ما يتم استجواب أو طرح األسئلة على المسؤولين‬
‫الحكوميين‪ .‬والدرجة ‪ 1‬التي تعني ان هذه العملية تتم بشكل روتيني‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫والمقاولات ال كبرى‪ .‬وكذلك‪ ،‬يتعلق الأمر بالأسئلة سواء الشفاهية أو الكتابية‪ .‬وهي من بين الآليات‬

‫الأكثر استخداما في عمل البرلمان‪.220‬‬

‫الشكل‪ : 22‬تطور قدرة البرلمان على االستجواب الرسمي في المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.221‬‬

‫يظهر من خلال المنحنى أعلاه أن هذه القدرة عرفت تطورا خصوصا في مرحلة ما بعد التسعينات‪.‬‬

‫وتشير هذه القدرة على إمكانية استخلاص المعلومات والمعطيات حول السياسات والاستراتيجيات القائمة‬

‫‪ 220‬يمكن العودة في هذا اإلطار للباب الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 25/10/2020.‬‬

‫‪104‬‬
‫من المسؤولين عنها‪ .‬ويتبين أن هذا المؤشر يوضح أن قدرات البرلمان في المجال الرقابي تعرف تطورا ملحوظا‬

‫في المغرب‪.222‬‬

‫لقياس تأثير فعل السلطة التنفيذية ضمن العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات‪ ،‬سنقوم‬

‫بالاعتماد على مؤشرين‪ :‬مشروعية الأداء والفعالية الحكومية‪.‬‬

‫يحيل مؤشر مشروعية الأداء على مدى اعتماد الحكومة على أدائها وإنجازاتها في مختلف المجالات‬

‫لشرعنة استمرارها‪ .223‬و يظهر الشكل أسفله أن المغرب عرف تطورا على مستوى هذا المؤشر بعد صدور‬

‫دستور ‪ ،2011‬ل كن هذا التطور ظل طفيفا حيث أن اعتماد هذا المعيار لازال في حدود ضيقة وليس‬

‫بشكل حصري بالمقارنة بالنماذج التي تعتمده بشكل واسع ومن بينها النموذج الفرنسي والأمريكي‪.‬‬

‫‪ 222‬يظهر المؤشر أن البرلمان عرف تطويرا لقدراته وأدواته الرقابية واالستطالعية مع دستور ‪ .1996‬لكن ما يتبين من خالل دراسة هذه المنحنيات‬
‫أن دستور ‪ 2011‬رغم تنصيصه على أدوات جديدة تقوي دور البرلمان‪ ،‬إال أن الفاعلين‪ ،‬في األغلب‪ ،‬حافظوا على نفس مستوى االشتغال‪ ،‬وهو ما‬
‫ي وضحه تسطيح مستوى المنحنيات المدروسة‪ ،‬بعد التصاعد الذي عرفته سنوات التسعينات وبدايات هذا القرن‪.‬‬
‫‪ 223‬يعتمد هذا المؤشر مقياسا من خمس درجات‪ =0 ،‬إطالقا‪ ،‬ال تعتمد الحكومة على مشروعية األداء‪ =1 .‬ضمن إطار ضيق‪ =2 .‬ضمن إطار‬
‫ضيق‪ ،‬لكنه ليس العنصر الوحيد المعتمد‪ =3 .‬ضمن إطار أوسع‪ ،‬لكن ليس حصريا‪ =5 .‬تقريبا حصر يا‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الشكل‪ : 23‬تطور مؤشر مشروعية األداء في المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.224‬‬

‫يحيل مؤشر الفعالية الحكومية‪ ،‬على جودة تقديم الخدمات العامة‪ ،‬ونوعية البيروقراطية‪ ،‬وكفاءة‬

‫موظفي الخدمة العامة‪ ،‬واستقلالية الخدمة العامة عن الضغوط السياسية‪ ،‬ومصداقية وجدية التزام الحكومة‬

‫بالسياسات‪ .‬و ينصب التركيز الرئيسي لهذا المؤشر على المدخلات (الأدوات والآليات المعتمدة) المطلوبة‬

‫للحكومة لتكون قادرة على إنتاج وتنفيذ سياسات جيدة وتقديم الخدمات العامة‪.‬‬

‫‪224‬‬ ‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 26/10/2020.‬‬

‫‪106‬‬
‫الشكل‪ : 24‬تطور مؤشر الفعالية الحكومية في المغرب والنماذج الخمس‬

‫المصدر‪.225‬‬

‫يظهر من خلال المؤشر أعلاه أن معدل الفعالية الحكومية لم يعرف التطور اللازم بالمقارنة بمختلف‬

‫النماذج المدروسة‪ .‬و يوضح هذا المؤشر‪ ،‬فرضيا على الأقل‪ ،‬أن منطق عمل الحكومة لازال غير متشبع بمنطق‬

‫الفعالية وبالتالي لا يشجع كثيرا قيام نظام تقييم فعال ومتطور‪.‬‬

‫و يظهر من خلال هذه المؤشرات أن العوامل المؤسساتية تلعب دورا مهما في إرساء وقيام نظام تقييم‬

‫في المغرب‪ .‬فبدون سيادة ثقافة سياسية مبنية على المسائلة والشفافية والديموقراطية‪ ،‬ومؤسسات سياسية‬

‫‪225‬‬ ‫‪Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 27/10/2020.‬‬

‫‪107‬‬
‫(برلمان) قادرة على لعب دور أساسي في تقييم السياسات‪ ،‬وسلطة تنفيذية متشبعة بثقافة نجاعة الأداء‬

‫وفعالية التدبير‪ ،‬لا يمكن إرساء وتطوير نظام تقييم فعال ومؤثر في مسار القرار العمومي‪.226‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل التدبيرية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب‬

‫تشكل العوامل التدبير ية الأبعاد أو المؤشرات ذات الطابع التنظيمي والتدبيري‪ .‬وتلعب التقاليد‬

‫التدبير ية دورا مهما في إرساء وتطور أنظمة التقييم‪ .‬فتبني الإدارة لنمط مبني على المشروعية القانونية‬

‫الكلاسيكية قد يعرقل إرساء أنظمة التقييم‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬تساهم أنماط التدبير العمومي الحديث والمبنية‬

‫أساسا على النتائج والأهداف بشكل مباشر في تطور مثل هذا النظام‪.227‬‬

‫في المغرب‪ ،‬وبشكل خاص بعد صدور القانون التنظيمي لقانون المالية ‪ 130.13‬والذي نص على‬

‫ضرورة تقديم النفقات على أساس برامج ومشار يع وعمليات‪ ،‬والذي عرفها بكونها "عبارة عن مجموعة‬

‫متناسقة من المشار يع والعمليات التابعة لقطاع وزاري أو المؤسسة المعنية‪ .‬و يقرن بها أهداف محددة وفق‬

‫غايات ذات منفعة عامة‪ ،‬وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق‬

‫من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجاز‪ ،".228‬بدأت تظهر بعض مؤشرات التحول في‬

‫الثقافة التنظيمية والتدبير ية‪.‬‬

‫‪ 226‬تلعب العوامل المؤسساتية دورا مهما‪ ،‬من جهة‪ ،‬في التطور العام لألداء المؤسساتي واإلداري‪ .‬ومن جهة اخرة‪ ،‬في تطوير فعالية ونجاعة الفعل‬
‫العمومي‪ .‬وقد قرنها بعض الباحثين بنجاح أي نموذج تنموي ممكن‪ .‬لالطالع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) Chauffour J. P., Le Maroc à l’horizon 2040 : Investir dans le capital immatériel pour accélérer l’émergence‬‬
‫‪économique, Washington, DC : La Banque mondiale, 2018. DOI : 10.1596/978-1-4648-1078-7, pp 212-214.‬‬
‫‪ 227‬لمزيد من االطالع حول العالقة بين التدبير العمومي الحديث والتقييم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) N. Norris, S. Kushner. "The New Public Management and Evaluation" In Dilemmas of Engagement: Evaluation‬‬
‫‪and the New Public Management. Published online: 09 Mar 2015; 1-16.‬‬
‫‪ 228‬المادة ‪ 39‬من القانون التنظيمي لقانون المالية‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫هنا سنحاول التطرق لمؤشر ين أساسين يتعلقان بالأبعاد التدبير ية وهما‪ :‬مؤشر الحكامة التنظيمية؛ أي‬

‫كيفية تفاعل الحكومات مع الجمهور عند صياغة القوانين التي تؤثر على نموذج مجتمع الأعمال‪ .‬و يوضح هذا‬

‫المؤشر كيف تتعرف ما إذا كانت الإدارة تقيم الأثر المحتمل لقراراتها أو قوانينها الجديدة في بلدانها أم‬

‫لا‪ .229‬كذلك‪ ،‬سنعتمد مؤشر تدبير الميزانية العامة‪ ،‬والذي يعني كيفية تطور مقاربة التدبير بين الشكل‬

‫الكلاسيكي المبني على المشروعية القانونية‪ ،‬والشكل الحديث القائم على النتائج‪.‬‬

‫جدول ‪ :8‬قدرة اإلدارة على التقييم القبلي للقرارات واللوائح في إطار مؤشر الحكامة التنظيمية‬

‫الولايات المتحدة‬ ‫بر يطانيا‬ ‫إسبانيا‬ ‫كندا‬ ‫فرنسا‬ ‫المغرب‬ ‫السؤال‬


‫الأمريكية‬
‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫هل تقوم الوزارات أو الهيئات التنظيمية بإجراء‬
‫تقييم لأثر القرارات أو القوانين المقترحة (التي لم‬
‫يتم اعتمادها بعد)؟‬
‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫هل هناك أي توجيهات تنظيمية أو مرجعية‬
‫محددة لتقييم الأثر؟‬
‫نعم‬ ‫لا‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫هل تقييمات الأثر مفروضة بموجب القانون؟‬

‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫هل تقييم الأثر ‪-‬إذا وجد ‪ -‬متاح للجمهور؟‬

‫المصدر‪.230‬‬

‫فيما يخص مؤشر الحكامة التنظيمية‪ ،‬فسنقوم بقياسه من خلال قدرة الإدارة أو الوزارة المعنية على‬

‫تقييم آثار القوانين أو القرارات أو التراخيص التي تمس مجتمع الأعمال قبل صدورها‪ .‬و يظهر من خلال‬

‫الجدول أعلاه أن ممارسات القائمين على التدبير لازالت غير مشبعة بثقافة التقييم وهو ما يستدل عليه من‬

‫‪229‬‬
‫‪M. Johns & V. Saltane, Citizen Engagement in Rulemaking: Evidence on Regulatory Practices in 185 Countries,‬‬
‫‪Policy Research Working Paper, 7840, Global Indicators Group, Development Economics.‬‬
‫‪ 230‬تؤثر تقييمات األثر التي تقوم بها اإلدارة فيما يخص اللوائح والقرارات والقوانين ذات الطابع التنظيمي في مؤشر الحكامة التنظيمية‪ ،‬ويظهر من‬
‫تتبع هذا المؤشر أنه غير مألوف في الممارسات اإلدارية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) [ https://rulemaking.worldbank.org/en/data/comparedata/assessment ], Consulter le : 28/10/2020.‬‬

‫‪109‬‬
‫كون مجمل الأسئلة المطروحة تم الإجابة عليها ب "لا"‪ ،‬بينما في باقي الدول موضوع المقارنة فنجد أن هذه‬

‫الممارسة اعتيادية حتى في الدول التي لا يتوافر فيها نص قانوني يفرض هذه العملية (كندا وبر يطانيا)‪.‬‬

‫جدول ‪ :9‬قدرة اإلدارة على إجراء مراجعات بعدية في المغرب والنماذج الخمس‬

‫الولايات المتحدة الأمريكية‬ ‫كندا إسبانيا بر يطانيا‬ ‫فرنسا‬ ‫المغرب‬ ‫السؤال‬

‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‪ ،‬في بعض‬ ‫لا‬ ‫هل الوزارات أو الهيئات الإدار ية تجري‬
‫الوزارات والهيئات‬ ‫مراجعات بعدية؟‬
‫فقط‪.‬‬
‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫لا‬ ‫هل هناك أي معايير تخضع لها اللوائح‬
‫لمراجعات بعدية؟‬
‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫نعم‬ ‫لا‬ ‫لا‬ ‫هل المراجعات البعدية مفروضة بموجب‬
‫القانون؟‬

‫المصدر‪.231‬‬

‫يتضح من الجدول أعلاه أن الممارسات المتعلقة بالمراجعة البعدية للقرارات والقوانين ومدى تأثيرها‬

‫على المجتمع (في حالة هذا المؤشر تم التركيز على مجتمع الأعمال)‪ ،‬يعد ممارسة شائعة في النماذج الدولية ما‬

‫عدا فرنسا والمغرب‪ ،‬بشكل متفاوت‪ ،‬خصوصا أن النموذج الفرنسي تمارس فيه ل كن بشكل جزئي‪.‬‬

‫فيما يخص أحد الأبعاد الأخرى الأساسية التي يتوجب أخدها بعين الاعتبار لفهم مؤشر الحكامة‬

‫التنظيمية‪ ،‬نجد الحق في الولوج للمعلومة‪ ،‬وقد عرف المغرب صدور قانون الحق في الحصول على‬

‫المعلومة‪ ،232‬والذي نص على أن للمواطنات والمواطنين الحق في الحصول على المعلومات المشار إليها في‬

‫‪ 231‬يقوم هذا المؤشر على تقييم ما إذا كان المدبرون يقومون بإجراء مراجعات الحقة وما إذا كانت هذه المراجعات مفروضة بموجب القانون‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪(*) [ https://rulemaking.worldbank.org/en/data/comparedata/expost ], Consulter le : 28/10/2020.‬‬
‫‪ 232‬ظهير شريف ‪ 1.18.15‬صادر في ‪ 5‬جمادى اآلخرة ‪ 22( 1439‬فبراير ‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.13‬المتعلق بالحق في الحصول على‬
‫المعلومات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6655‬بتاريخ ‪ 23‬جمادى اآلخرة ‪ 12( 1439‬مارس ‪ ،)2018‬ص ‪.1438‬‬

‫‪110‬‬
‫المادة ‪ ،2‬مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون‪ .‬و يظهر الشكل أسفله ان المنحنى ظل‬

‫في مستوى محدد ل كنه عرف منحى تصاعدي منذ سنة ‪.2014‬‬

‫الشكل‪ : 25‬تطور الحق في الولوج للمعلومة في المغرب بين ‪ 2010‬و‪2019‬‬

‫المصدر‪.233‬‬

‫فيما يخص مؤشر تدبير الميزانية‪ ،‬فالقانون التنظيمي لقانون المالية ‪ 130.13‬تبنى مقاربة حديثة للتدبير‬

‫المالي تحاول تكريس ثقافة جديدة على ثلاث مستو يات‪:234‬‬

‫• مستوى التخطيط‪ :‬ويتعلق بتحديد الأولو يات‪ ،‬ووضع سياسات للقرب‪ ،‬وتكريس اللامركز ية‬

‫واللاتمركز‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫‪Source : https://iiag.online/app.html?loc=MA&meas=AccDiscInf&view=graph , Consulter le : 28/10/2020.‬‬
‫‪234‬‬
‫‪Guide, La nouvelle approche budgétaire axée sur les résultats et intégrant la dimension genre de la réforme‬‬
‫‪budgétaire, Direction du Budget du Ministère des Finances, 2005, p 31.‬‬

‫‪111‬‬
‫• مستوى التدبير والتنفيذ‪ :‬ويتعلق بتعبئة مجموع الوسائل؛ على المستوى المركزي أو المحلي‪ ،‬وضمان‬

‫أقصى قدر من النجاعة والفاعلية‪.‬‬

‫• مستوى الحكامة‪ :‬ويتعلق بإرساء مبادئ الإنصاف‪ ،‬والمساواة‪ ،‬والمسؤولية‪ ،‬والشفافية‪.‬‬

‫ولفهم أهمية التدبير الجديد في تحفيز إرساء وتطور نظام للتقييم‪ ،‬يمكن أن نرصد أهم الاختلافات‬

‫والفروقات القائمة بين التدبير الكلاسيكي والتدبير الحديث (انظر الجدول ‪.)10‬‬

‫جدول ‪ :10‬الفروق بين النظام القديم والحديث لتدبير الميزانية‪.235‬‬

‫النظام الجديد‬ ‫النظام القديم‬


‫علاقات الشراكة والتنسيق في كل مراحل الصيرورة‪:‬‬ ‫حصر دور المصالح اللامركز ية في التنفيذ‬
‫الشراكة بين الإدارة المركز ية والمصالح اللامركز ية‬ ‫•‬
‫الشراكة مع الفاعلين المحليين في التخطيط والبرمجة‬ ‫•‬
‫مشاركة مكثفة للمصالح اللامركز ية‪:‬‬
‫المزيد من علاقات القرب مع الساكنة‬ ‫•‬
‫المزيد من المسؤوليات‬ ‫•‬
‫البحث عن أفضل الصيغ لتحقيق المشار يع‪.‬‬ ‫•‬
‫البرمجة الدقيقة‪:‬‬ ‫الاستخدام غير الرشيد للاعتمادات والموارد‬
‫دراسة الحاجات‪ ،‬وضع وتصنيف الأولو يات حسب طبيعتها‪.‬‬ ‫•‬
‫الملائمة بين الموارد والحاجات‪.‬‬ ‫•‬
‫البحث عن الفعالية‪.‬‬ ‫•‬
‫البحث عن أكبر قدر من تعبئة الموارد والامكانيات‪.‬‬ ‫•‬
‫التكيف مع متطلبات المردودية والفعالية‪:‬‬ ‫عد كفاءة تدبير الميزانية‬
‫ضمان مرونة مساطر تدبير الموارد والاعتمادات على المستوى اللامركزي‪.‬‬ ‫•‬
‫وضع مؤشرات التتبع والتقييم‪.‬‬ ‫•‬

‫‪235‬‬
‫‪Guide, La nouvelle approche budgétaire, Op. Cit., p35.‬‬

‫‪112‬‬
‫توضح هذه المؤشرات أن تغير ثقافة التدبير العمومي يعتبر شرطا أساسيا في إرساء وتطور نظام التقييم‪.‬‬

‫و يضع أحد الباحثين الثالوث المتمثل في‪ :‬إرساء دولة القانون‪ ،‬وتحديث الإدارة العمومية‪ ،‬وتحسين حكامة‬

‫الخدمات العمومية باعتبارها مرتكزات إصلاح المؤسسات العمومية لتقو ية أدائها وتحسين مردوديتها‪.236‬‬

‫‪236‬‬ ‫‪Chauffour Jean-Pierre, Op. Cit., p233.‬‬

‫‪113‬‬
‫الخاتمة‬
‫في ختام هذا البحث‪ ،‬والذي حاولنا من خلاله التطرق لإشكالية مأسسة تقييم السياسات العمومية‬

‫في المغرب على ضوء نماذج مقارنة‪ ،‬يمكن تحديد أهم العناصر التي تم استخلاصها‪ .‬من جهة‪ ،‬يظهر أن‬

‫تقييم السياسات العمومية عرف تراكما معرفيا ومؤسساتيا على مدى أكثر من نصف قرن ضمن التجارب‬

‫الرائدة‪ .‬و يحتل تبعا لذلك‪ ،‬موقعا رئيسيا في تصورات الإصلاح وإعادة هيكلة الممارسات المؤسساتية‬

‫والإدار ية في اتجاه مزيد من العقلنة وإخضاع الفعل العمومي لقواعد الحكامة والتدبير العمومي القائم على‬

‫النتائج والدليل‪.237‬‬

‫بالإضافة إلى أن مسار مأسسة التقييم ليس خطيا أو بسيطا بل هو تعبير عن تراكمات وتفاعلات‬

‫يتداخل ضمنها الفاعل‪ ،‬والمؤسسات‪ ،‬والتمثلات المعرفية والقيمية‪ ،‬والزمن‪ ،‬وتوازنات السلطة‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يتضح أن هذه المسارات تتسم بنوع من التنوع والخصوصية‪ ،‬رغم بعض التشابهات‬

‫القائمة على مستوى خر يطة الفاعلين في مجال التقييم‪ ،‬أو السياقات العامة المرتبطة بتطور الممارسات أو‬

‫أنظمة التقييم في النماذج التي عرفت درجات عالية من المأسسة‪.‬‬

‫ويمكن القول‪ ،‬إن العامل المحدد لتطور مثل هذه الأنظمة واستقرارها يتجسد في الفاعلين ومدى‬

‫تشبعهم بثقافة التدبير المبني على النتائج‪ ،‬والسياسات القائمة على الأدلة‪ ،‬وإرادة تطوير فعالية ونجاعة الفعل‬

‫العمومي‪ .‬ل كن ورغم ذلك‪ ،‬تظل العوامل السياقية والإجرائية ذات أهمية وتأثير واضح في تطور أنظمة‬

‫التقييم‪ .‬فهذه العوامل تعكس دور المؤسسات المعنية ومدى قدرتها على استيعاب ممارسات التقييم‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫& ‪Pour plus d’approfondissement sur la culture des résultats dans la gestion publique, consulter : J. Z. Kusek‬‬
‫‪R. C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour mettre en place un système de‬‬
‫‪suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les praticiens du développement, Vivianne Moreau, 2004.‬‬
‫‪Et à propos des Evidence-Based Policy, consulter : P. Cairney, The Politics of Evidence-Based Policy Making,‬‬
‫‪Palgrave Macmillan, 2016.‬‬

‫‪114‬‬
‫في سياق آخر‪ ،‬يتضح أننا لم نتطرق لبعض الجوانب التي تعتبر ذات أهمية في مقاربة الموضوع في‬

‫شموليته‪ ،‬ومن بين هذه الجوانب نجد التراكم المعرفي لتقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ ،‬والذي يستلزم‬

‫‪238‬‬
‫أو قياس مدى استخدام المؤسسات الإدار ية لتقييمات‬ ‫القيام بتحليل كمي للإنتاج المعرفي في المجال‬

‫الأثر أو التقييمات القبلية عند صياغة قراراتها أو مشار يع القوانين‪ .‬كذلك‪ ،‬يتطلب التقييم البرلماني دراسة‬

‫خاصة عبر التركيز على التحليل الكمي وال كيفي لمسار مأسسة التقييم داخل البرلمان‪.‬‬

‫على هذا الأساس و بعد دراستنا للموضوع يمكننا تقديم الخلاصات التالية‪:‬‬

‫• إن أهمية التقييم نابعة من تجاوزه لجوانب القصور في المقاربة الرقابية والتدقيقية‪ ،‬خصوصا‬

‫المتعلقة بتركيزها على الجوانب القانونية والمالية‪ ،‬بينما يشمل التقييم تقديرا لآثار وفعالية ونجاعة‬

‫القرارات والبرامج؛‬

‫• أن الدراسات حول تقييم السياسات العمومية ومسار مأسستها في المغرب لازالت غير متوفرة‬

‫بالشكل الكافي والملائم لتطور الممارسة ذاتها؛‬

‫• أن مسار المأسسة يتأثر بشكل كبير بالإرث السياسي والمؤسساتي والتدبيري السائد في النموذج‬

‫بالإضافة إلى دور التراكم المعرفي في تكوين خلفية صلبة لتطور الممارسة؛‬

‫• أن المغرب دخل مرحلة جديدة في ثقافة التدبير (التدبير المبني على النتائج) والاستناد الى نجاعة‬

‫الأداء‪ ،‬وهذه الثقافة تستلزم بالضرورة إرساء وتطوير نظام للتقييم؛‬

‫‪ 238‬هذا النوع من الدراسات يحتاج الى قاعدة بيانات تضم الدراسات المغربية حول تقييم السياسات العمومية‪ .‬لالطالع على هذا النوع من الدراسات‪،‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪(*) P. Bono et al., « Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse quantitative de la‬‬
‫‪production scientifique », N°2018-06, France Stratégie, 2018.‬‬

‫‪115‬‬
‫• أن البرلمان والمؤسسات المشابهة للمجلس الأعلى للحسابات تعد من الفاعلين الرئيسين في كل‬

‫النماذج الدولية موضوع الدراسة؛ وهو ما يجعلها تلعب دورا أساسيا في أي نظام للتقييم‪.‬‬

‫في الأخير‪ ،‬نقول إن الاهتمام بموضوع المأسسة يمكن أن ينفتح على دراسة إمكانيات إرساء أنظمة‬

‫التقييم على المستوى الترابي‪ ،‬خصوصا في ظل التوجه العام لنقل الموارد والاختصاصات للجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫الئحة األشكال‪:‬‬
‫الشكل‪ : 1‬متوالية التقييم ‪19.....................................................................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 2‬أنواع التقييم في عالقة بمكونات السياسة العمومية ‪20....................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 3‬العالقة بين عناصر المأسسة من منظور نظريات المنظمات ‪33........................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 4‬عناصر مفهوم المأسسة ‪37..........................................................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 5‬المنحنى التقليدي للمأسسة ‪40....................................................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 6‬تطور مؤشر المسائلة في النماذج الخمس ‪61....................................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 7‬تطور عدد المقاالت جول تقيم السياسات العمومية سنويا ‪63.............................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 8‬تصنيف المقاالت على أساس اللغة المعتمدة في الصياغة ‪64............................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 9‬عدد المقاالت حسب المناطق بين سنتي ‪ 2000‬و‪65......................................................................... 2016‬‬

‫الشكل‪: 10‬عدد مقاالت ودراسات التقييم حسب الدول ‪66.........................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 11‬عدد مقاالت التقييم حسب عدد الساكنة ‪67..........................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 12‬قيود السلطة التشريعية على فعل الحكومة ‪73.............................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 13‬قدرة السلطة التشريعية على التحقيق الميداني حول فعل السلطة التنفيذية ‪74......................................................‬‬

‫الشكل‪ : 14‬قدرة السلطة التشريعية على استجواب المسؤولين الحكوميين ‪75.................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 15‬تطور مؤشر مشروعية األداء ‪76.................................................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 16‬تطور مؤشر مأسسة الديموقراطية بالمقارنة بين المغرب وباقي النماذج الخمس ‪95................................................‬‬

‫الشكل‪ : 17‬تطور مؤشر المسائلة في المغرب والنماذج الدولية ‪96....................................................................................‬‬

‫الشكل‪: 18‬تطور مؤشر المشاركة في المغرب والنماذج الخمس ‪97..................................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 19‬تطور مشاركة المجتمع المدني في المغرب والنماذج الخمس ‪99.....................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 20‬تطور مؤشر التقييم البرلماني للسلطة التنفيذية في المغرب والنماذج الخمس ‪101.................................................‬‬

‫‪117‬‬
‫الشكل‪ : 21‬تطور قدرة البرلمان على التحقيق الميداني في المغرب والنماذج الخمس ‪103....................................................‬‬

‫الشكل‪ : 22‬تطور قدرة البرلمان على االستجواب الرسمي في المغربي والنماذج الخمس ‪104................................................‬‬

‫الشكل‪ : 23‬تطور مؤشر مشروعية األداء في المغرب والنماذج الخمس ‪106........................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 24‬تطور مؤشر الفعالية الحكومية في المغرب والنماذج الخمس ‪107.....................................................................‬‬

‫الشكل‪ : 25‬تطور الحق في الولوج للمعلومة في المغرب بين ‪ 2010‬و‪111............................................................. 2019‬‬

‫الئحة الجداول‪:‬‬
‫جدول ‪ :1‬المراحل البارزة في تاريخ التقييم ‪12.............................................................................................................‬‬

‫جدول ‪ :2‬االسئلة التي تجيب عنها أصناف التقييم ‪21..................................................................................................‬‬

‫جدول ‪ :3‬أنواع التقييم في عالقة بالزمن ‪22...............................................................................................................‬‬

‫جدول ‪ :4‬تحديد األثر الخالص لسياسة أو برنامج عبر النموذج العشوائي الكالسيكي‪24.......................................................‬‬

‫جدول ‪ :5‬العالقة بين األبعاد الزمنية للمأسسة وأبعاد السلطة ‪41......................................................................................‬‬

‫جدول ‪ :6‬السياق التاريخي ورهانات مأسسة تقييم السياسات العمومية في النماذج الخمس ‪56....................................................‬‬

‫جدول‪ : 7‬اإلطار الدستوري لتقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪84..................................................................................‬‬

‫جدول ‪ :8‬قدرة اإلدارة على التقييم القبلي للقرارات واللوائح في إطار مؤشر الحكامة التنظيمية ‪109...................................‬‬

‫جدول ‪ :9‬قدرة اإلدارة على إجراء مراجعات بعدية في المغرب والنماذج الخمس ‪110.......................................................‬‬

‫جدول ‪ :10‬الفروق بين النظام القديم والحديث لتدبير الميزانية‪112............................................................................... .‬‬

‫‪118‬‬
‫الئحة المراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫الكتب‪:‬‬
‫ميلر بيار‪ ،‬السياسات العمومية‪ ،‬ترجمة عبد المالك إحزرير‪ ،‬مطبعة مكتبة سجلماسة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪.2018‬‬ ‫‪.1‬‬

‫الندوي محسن‪ ،‬المفاهيم الأساسية في السياسات العمومية‪ ،‬مكتبة سلمى الثقافية‪ ،‬الطبعة الأولى‪.2018 ،‬‬

‫المقاالت‪:‬‬
‫يوعتروس دلال ودهان محمد‪ ،‬مأسسة تقييم السياسات العمومية –دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب‪ ،‬مجلة العلوم الإنسانية‪ ،‬المجلد ‪،30‬‬ ‫‪.1‬‬

‫عدد ‪ ،3‬ديسمبر ‪ ،2019‬ص‪.134-117‬‬

‫حيمود محمد‪ ،‬تقييم السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ‪ ،130.13‬في مجلة دفاتر الحكامة‪ ،‬العدد ‪،02‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪.2015‬‬

‫المدور رشيد‪ ،‬تقييم البرلمان للسياسات العمومية‪ :‬دلالاته وآلياته وإشكالياته في التطبيق المغربي‪ ،‬مجل ة البحوث القاـنونية والاقتصادية‪،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫المجلد ‪ ،03‬العــدد ‪ ،2020 ،01‬ص ‪.273 – 246‬‬

‫السراري عبد الغني‪ ،‬دور اللجان البرلمانية الدائمة في تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والاقتصاد والسياسة‪ ،‬العدد‬ ‫‪.4‬‬

‫المزدوج ‪ ،2014 ،26/25‬ص ‪.88-73‬‬

‫صغراني زهير‪ ،‬التدبير المالي المتمحورة حول النتائج‪ ،‬ضمن حكامة المالية العامة بالمغرب (مؤلف جماعي)‪ ،‬جواد العسري وخالد مبروكي‬ ‫‪.5‬‬

‫(إشراف)‪ ،‬مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة الأولى‪.2019 ،‬‬

‫اليحياوي يوسف‪ ،‬تقييم السياسات العامة بالمغرب وفق دستور ‪ :2011‬بين التباس المقتضى الدستوري وضعف فعاليته‪ ،‬ضمن‪ ،‬مؤلف‬ ‫‪.6‬‬

‫جماعي للدراسات والأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬عبد الله الادريسي (الإشراف)‪ ،‬كلية العلوم القانونية والاقتصادية‬

‫والاجتماعية‪ ،‬وجدة‪.2016 ،‬‬

‫الدالئل الرسمية وشبه الرسمية‪:‬‬


‫تقرير الخمسينية‪ ،‬المغرب الممكن‪ :‬إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪.2006 ،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫حسن طارق ‪ ،‬مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية‪ ،‬الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الأنسان‪.2014 ،‬‬ ‫‪.2‬‬

‫مجلس النواب‪ ،‬الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪ ،‬العدد ‪.2015 ،1‬‬ ‫‪.3‬‬

‫هيئة الانصاف والمصالحة‪ ،‬التقرير الختامي‪ :‬الحقيقة والانصاف والمصالحة‪ ،‬الكتاب الأول‪ ،‬المجلس الوطني لحقوق الانسان‪،2005 ،‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪119‬‬
‫النصوص القانونية‪:‬‬
‫ظهير شر يف رقم ‪ 91.11.1‬صادر في ‪ 27‬من شعبان ‪ 29( 1432‬يوليوز ‪ )2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪5964‬‬ ‫‪.1‬‬

‫مكرر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 30( 1432‬يونيو ‪.)2011‬‬

‫ظهير شر يف رقم ‪ 1.02.124‬صادر في فاتح ربيع الآخر ‪ 13( 1423‬يونيو ‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم‬ ‫‪.2‬‬

‫المالية‪ ،‬كما تم تعديله ب القانون رقم ‪ 55.16‬الصادر بتنفيذه الظهير ‪ 1.16.153‬الصادر في ‪ 21‬من ذي القعدة ‪ 25( 1437‬أغسطس‬

‫‪)2016‬؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 6501‬بتاريخ ‪ 17‬ذو الحجة ‪ 19( 1437‬سبتمبر ‪ )2016‬ص ‪.6703‬‬

‫ظهير شر يف رقم ‪ 1.14.124‬صادر في ‪ 3‬شوال ‪ 31( 1435‬يوليوز ‪ )2014‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 128.12‬المتعلق بالمجلس‬ ‫‪.3‬‬

‫الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6282‬الصادرة بتاريخ ‪ 17‬شوال ‪ 14( 1435‬أغسطس ‪.)2014‬‬

‫ظه ير شر يف رقم ‪ 1.14.100‬صادر في ‪ 16‬مــن رجب ‪ 16( 1435‬ماي ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 105.12‬المتعلق بالمجلس‬ ‫‪.4‬‬

‫الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6257‬الصادرة بتاريخ ‪ 19‬رجب ‪ 19( 1435‬ماي ‪.)2014‬‬

‫ظهير شر يف ‪ 1.18.15‬صادر في ‪ 5‬جمادى الآخرة ‪ 22( 1439‬فبراير ‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.13‬المتعلق بالحق في الحصول‬ ‫‪.5‬‬

‫على المعلومات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6655‬بتاريخ ‪ 23‬جمادى الآخرة ‪ 12( 1439‬مارس ‪ ،)2018‬ص ‪.1438‬‬

‫النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء ‪ 16‬ذو القعدة ‪ 1438‬الموافق ل ‪ 8‬غشت ‪2017‬‬ ‫‪.6‬‬

‫وكما أقرته المحكمة الدستور ية في قرارها عدد ‪ 37/17‬الصادر في يوم الاثنين من‪ 20‬ذي الحجة ‪ 1438‬الموافق ل ‪ 11‬شتنبر ‪.2017‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.07.995‬صادر في ‪ 23‬من شوال ‪ 23( 1429‬أكتوبر ‪ )2008‬بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية‪،‬‬ ‫‪.7‬‬

‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 5680‬الصادرة بتاريخ ‪ 7‬ذو القعدة ‪ 6( 1429‬نوفمبر ‪.)2008‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.13.253‬صادر في ‪ 11‬من شعبان ‪ 20( 1434‬يونيو ‪ )2013‬بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المنتدبة لدى‬ ‫‪.8‬‬

‫رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6164‬الصادرة بتاريخ ‪ 18‬شعبان ‪ 27( 1434‬يونيو ‪.)2013‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.94.100‬صادر في ‪ 6‬محرم ‪ 16( 1415‬يونيو ‪ 1994‬في شأن النظام الأساسي الخاص بالمفتشين العامين للإدارة الترابية‬ ‫‪.9‬‬

‫بوزارة الدولة في الداخلية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4264‬بتاريخ ‪ 1994/07/20‬الصفحة ‪.1171‬‬

‫‪120‬‬
‫الئحة المراجع باللغة الفرنسية‬
Ouvrages
1. Astrid Brousselle & al, L’évaluation : concepts et méthodes, Presses de l’Université de Montréal,
2éd, 2011.

2. Chauffour Jean-Pierre, Le Maroc à l’horizon 2040 : Investir dans le capital immatériel pour
accélérer l’émergence économique, Washington DC, La Banque mondiale, 2018.

3. Jody Zall Kusek & Ray C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour
mettre en place un système de suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les
praticiens du développement, Les Éditions Saint-Martin, 2006.

4. Pierre Lascoumes & Clément Lacouette-Fougère, Les scènes multiples de l’évaluation : Les
problèmes récurrents de son institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013.

5. Valéry Ridde & al, Approches et pratique en évaluation de programmes, 2 éd, Presse de l’Université
de Montréal, 2012.

Thèse :

1. Aboulaaguig Anass, L’EVALUATION DES POLITIQUES PUBLIQUES, OUTIL D’AMELIORATION DE


L’EFFICACITE DE L’ACTION PUBLIQUE : ETUDE DE L’EVALUATION D’IMPACT DE L’INDH, Thèse
de Doctorat en Sciences économiques, Faculté des sciences Juridiques Economiques et Social,
Meknès, 2014/2015.

2. Okbani Nadia, Institutionnaliser L’evaluation Au Sein D’une Organisation : Enjeux, Pratiques,


Usages Dans Une Caisse D’allocation Familiales, Thèse de Doctorat en Sciences Politique, Université
de Bordeaux,2016.

3. Matyjasik Nicolas, L’évaluation des politiques publiques dans une France décentralisée,
Institutions, marché et professionnels ; Science politique ; Université de Bordeaux, Université
Montesquieu - Bordeaux IV, Institut d’études politiques de Bordeaux ; SPIRIT, 2010.

4. Spenlehauer Vincent, l’évaluation des politiques publiques, avatar de la planification, Thèse pour
l’obtention du doctorat de science politique, Université Pierre Mendès, France, Grenoble II, 1998.

Articles :

1. Bouquet Brigitte, Du Sens De L'évaluation Dans Le Travail Social, Informations sociales, 2009/2 n°
152 | pp 32 -39.

2. Frédéric Varone et Steve Jacob, Institutionnalisation de l’évaluation et Nouvelle Gestion Publique :


un état des lieux comparatif, Revue internationale de politique comparée, 2004/2 Vol.11.

3. Gregoir Stéphane, L’évaluation des politiques publiques : qui et comment ? In : Économie &
prévision, n°204-205, 2014. Méthodes d'évaluation des politiques publiques. pp. 211-224.

121
4. Haouch Abderrahmane, évaluation rétrospective au Maroc : état des lieux et perspectives, in Les
cahier du plan, N°2, Avril-mai 2005, pp 04-11.

5. Jean-Claude Barbier, « Steve Jacob, Institutionnaliser l’évaluation des politiques publiques, étude
comparée des dispositifs en Belgique, en France, en Suisse et aux Pays-Bas », Sociologie du travail,
Vol. 49 - n° 3 | 2007, 410-412.

6. Maurice Basle, L'evaluation Territorialisee Des Politiques Publiques En France : Organisation,


Constat Et Problemes Spécifiques, Cahiers Economiques De Bretagne - N°2/1999.

7. Spenlehauer Vincent et Philippe Warin, L'évaluation au service des conseils régionaux, Sociologie
du Travail, Vol. 42, No. 2 (Avril - Juin 2000), pp. 245-262.

8. Spenlehauer Vincent, L’ancrage de l’évaluation des politiques publiques dans les sciences sociales
aux Etats-Unis : une proposition de linéament intellectuel, Revue française d'administration
publique, 2013/4 N° 148, pp 877 à 893.

Guides et Rapports :
1. Ajbilou Aziz, Institutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc : Etat des lieux
et perspectives, intervention publie dans : Rapport de synthèse sur la conférence internationale sur
le thème : "L'institutionnalisation de l'évaluation des politiques publiques" organisé par
L'Observatoire National du Développement Humain, 2015.
2. Ame, Institutionnalisation De L’evaluation Au Maroc : Etude De Benchmarking Des Degrés
D’institutionnalisation Et De L’organisation De La Fonction D’evaluation, 2015,
3. Conseil scientifique de l’Evaluation, petit guide de l’évaluation des politiques publiques, Ed. La
Documentation française, Paris, 1996.

4. Clément Lacouette-Fougère, L’évaluation des politiques publiques au Canada, N°2019-11, France


Stratégie, 2019.
5. Deloitte, Regards croisés sur la démarche d’évaluation des politiques publiques Benchmark
international, Octobre 2013.
6. Guide La nouvelle approche budgétaire axée sur les résultats et intégrant la dimension genre de la
réforme budgétaire, a Direction du Budget du Ministère des Finances, 2005 .

7. Méthode d’évaluation des programmes : Mesure et attribution des résultats des programmes, guide
de Secrétariat du conseil du trésor du canada, 2éd, consulter sur le site web : https://www.tbs-
sct.gc.ca/cee/pubs/meth/pem-mep-fra.pdf, date : 19/09/2020.
8. Pierre-Henri Bono et al., Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse
quantitative de la production scientifique, N°2018-06, France Stratégie, 2018.
9. Rozenn Desplatz, L’évaluation des politiques publiques aux États-Unis, document de travail
N°2019-12, France Stratégie, 2019.
10. Rozenn Desplatz et Clément Lacouette-Fougère, L’évaluation des politiques publiques en France,
N°2019-13, France Stratégie, 2019.
11. Sandra Debu, L’évaluation des politiques publiques au Royaume-Uni, N°2019-14, France Stratégie,
2019.

122
:‫الئحة المراجع باللغة اإلنجليزية‬
Books :
1. Bertrand Badie et al, International encyclopaedia of political science, SAGE Publications, 2011 .

2. David Taylor & Susan Balloch, The Politics of Evaluation: Participation and policy implementation,
The Policy Press of University of Bristol, 2005.

3. Daniel L. Stufflebeam, Chris L. S. Coryn, Evaluation theory, models, and applications, Jossey-Bass A
Wiley Brand, 2éd, 2014.

4. Langbein Laura & al, Public program evaluation: a statistical guide, M.E. Sharpe Armonk, London,
England, 2006.

5. Neil J. Smelser et Paul B. Balte, International Encyclopedia of Social & Behavioral Sciences, ed,
Pergamon, 2001.

6. Richard Bingham & al., Evaluation in Practice A Methodological Approach, 2nd. ed., Seven Bridges
Press, 2002.

7. Richard Bingham & Claire L. Felbinger, Evaluation in Practice: A Methodological Approach,


Chatham House Publishers of Seven Bridges Press, 2002

8. Ray C. Rist and al., Influencing change: building evaluation capacity to strengthen governance, The
International Bank for Reconstruction and Development, 2011.

Articles :
1. Denise Fleck, Institutionalization and Organizational Long-term Success, Brazilian Administration
Review, 2007, v. 4, n. 2, art. 4, p. 64-80.

2. Jan-Eric Furubo & Sandra Speer & Steve Jacob, the institutionalization of evaluation matters:
Updating the International Atlas of Evaluation 10 years later, Evaluation, Vol. 21(1) 6–31, 2015.
https://doi.org/10.1177/1356389014564248.
3. Lynne G. Zucker, The Role of Institutionalization in Cultural Persistence, American Sociological
Review, Vol. 42, No. 5 (Oct., 1977), pp. 726-743

4. Madaus, G., D. Stufflebeam et M. Scriven (1989) « Program Evaluation: A Historical Overview »,


dans Evaluation Models, Boston, Kluwer-Nijhoff, p. 3-22.

5. Nicoletta Stame, Governance, Democracy and Evaluation, In Evaluation, Vol 12(1) , SAGE
Publications, pp 7-16.

6. Paul A. Sabatier, Top-down and Bottom-up Approaches to Implementation Research: A Critical


Analysis and Suggested Synthesis, Journal of Public Policy, Vol. 6, No. 1 (Jan. - Mar., 1986), pp. 21-
48.

7. Nelson W. Polsby., 1968, The institutionalization of the US House of Representatives, American


Political Science Review, Vol. 62, No. 1.

123
8. Sager Fritz., Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference? Evaluation and
Program Planning, http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004.

9. Robert O. Keohane, Institutionalization in the United Nations General Assembly, International


Organization, Volume 23, Issue 04, September 1969, pp 859 – 896.

10. Thomas B. Lawrence & Al, The Temporal Dynamics of Institutionalization, Academy of Management
Review 2001. Vol. 26, No. 4, 624-644.

11. Tolbert, P. S. & Zucker, L. G. (1996). The institutionalization of institutional theory [Electronic
version]. In S. Clegg, C. Hardy and W. Nord (Eds.), Handbook of organization studies (pp. 175-190).
London : SAGE.

Guidelines and reports :


1. Blanca Lázaro, Comparative study on the institutionalization of evaluation in Europe and Latin
America, Published by: EUROsociAL Programme, Area: Public Finance, Series: State of the Art,
Study n. 15, 2015.

2. Colin Talbot, Performance in Government: The Evolving System of Performance and Evaluation
Measurement, Monitoring, and Management in the United Kingdom, ECD Working Paper Series, No.
24, The World Bank, November 2010.

3. Katharine Mark & John R. Pfeiffer, Monitoring and Evaluation in the United States Government: An
Overview, ECD Working Paper Series, No. 26, The World Bank Group, 2011.

4. Natalia Aquilino and al., ¿Do All Paths Lead to Rome? Comparative Analysis in the
Institutionalization of Evaluation, WORK DOCUMENT N°159, CIPPEC publications, JUNE 2017.

5. Osvaldo Feinstein and Eduardo Zapico-Goñi, Evaluation of Government Performance and Public
Policies in Spain, ECD Working Paper Series, No. 22, The World Bank, May 2010.

124
‫الفهــــرس‪:‬‬

‫مقدمة عامة ‪1 ..................................................................................................................................................‬‬

‫الفصل الأول ‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬المفاهيم والمقاربات النظر ية ‪6 .......................................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬تقييم السياسات العمومية‪ :‬الإطار المعرفي والتار يخي والمنهجي‪8 ..................................................................‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬تقييم السياسات العمومية‪ :‬الأبعاد المفاهيمية والتار يخية والمعرفية ‪9 ..............................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬التقييم‪ :‬محاولة صياغة تعر يف ‪9 ............................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقييم‪ :‬نظرة تار يخية ‪11 .....................................................................................................................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التقييم‪ :‬المعرفة والسياسة‪16 ................................................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الأبعاد الإجرائية والمنهجية لتقييم السياسات العمومية ‪18 ...........................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬أنواع تقييم السياسات العمومية‪18 ........................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المقاربات المنهجية لتقييم السياسات العمومية ‪23 .......................................................................................‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬المقاربات التجريبية وشبه التجريبية ‪23 ...............................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النماذج تكلفة‪-‬فعالية وتكلفة‪-‬منفعة ‪28 ...................................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬المفاهيم والمقاربات ‪31 .........................................................................‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬المحددات المفاهيمية والنظر ية للمأسسة ‪32 ............................................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬حول مفهوم المأسسة ‪32 ...................................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم المأسسة في بعض الدراسات التطبيقية ‪36 ......................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مقاربات حول مأسسة تقييم السياسات العمومية ‪42 ...............................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على الدولة ‪42 ...................................................................................‬‬

‫‪125‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على التنظيمات ‪47 ..............................................................................‬‬

‫الفصل الثاني مأسسة تقييم السياسات العمومية‪:‬دراسة النموذج المغربي على ضوء النماذج الدولية ‪50 ...............................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية‪ :‬دراسة مقارنة للنماذج الدولية‪53 ......................................................... .‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬النماذج الدولية للتقييم‪ :‬السياقات التار يخية والثقافية والمعرفية للمأسسة ‪54 ......................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬السياقات التار يخية للتقييم في النماذج الدولية ‪54 .......................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السياقات الثقافية والمعرفية للتقييم في النماذج الدولية ‪59 ..............................................................................‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬السياقات الثقافية للتقييم في النماذج الدولية ‪60 .......................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التراكمات المعرفية للتقييم في النماذج الدولية ‪63 ........................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفاعلون والعوامل المؤسساتية للتقييم في النماذج الدولية ‪68 .........................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬خر يطة الفاعلين في أنظمة التقييم ‪68 .....................................................................................................‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬موقع البرلمان في التقييم ‪68 ................................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقع التقييم في السلطة التنفيذية ‪70 ......................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل المؤسساتية لتطور التقييم ‪72 .......................................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪ :‬دراسة مسار التنظيم وعوامل المأسسة‪77 ........................................‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬تنظيم وظيفة تقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪78 .................................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬التقييم‪ :‬من الاحتكاك والممارسات إلى الدسترة‪79 ...................................................................................‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬التقييم في المغرب‪ :‬نظرة تار يخية ‪79 .....................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقييم‪ :‬من اصلاح الميزانية الى دسترة الوظيفة ‪82 ...................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪85 ...........................................................................‬‬

‫‪126‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬التقييم البرلماني للسياسات العمومية ‪86 .................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقييم في بنيات السلطة التنفيذية ‪88 ....................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التقييم على مستوى المؤسسات الدستور ية المستقلة ‪91 ................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪93 ..................................................................‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬العوامل السياقية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب‪94 .........................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل الإجرائية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪100 ......................................................‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب ‪100 ..................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل التدبير ية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب ‪108 ..................................................‬‬

‫خاتمة عامة‪78 ................................................................................................................................................ :‬‬

‫لائحة الأشكال ‪117 ..........................................................................................................................................‬‬

‫لائحة الجداول‪118 ...........................................................................................................................................‬‬

‫لائحة المراجع باللغة العربية‪119 .......................................................................................................................... :‬‬

‫لائحة المراجع باللغة الفرنسية ‪121 .........................................................................................................................‬‬

‫لائحة المراجع باللغة الإنجليز ية ‪123 .......................................................................................................................‬‬

‫الفهرس‪125 ...................................................................................................................................................‬‬

‫‪127‬‬
‫جامعة الحسن الثاني‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫المحمدية‬

‫‪2020/2021‬‬

You might also like