Professional Documents
Culture Documents
رسالة ماستر تقييم السياسات العمومية بالمغرب دراسة مسار المأسسة على ضوء النمادج الدولية
رسالة ماستر تقييم السياسات العمومية بالمغرب دراسة مسار المأسسة على ضوء النمادج الدولية
لجنة المناقشة:
د .اإلدريســـي برضـــوان عبـــد العزيـــز :أســـتاذ التعلـــيم العـــالي بوليـــة العلـــوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية ................مشرفا ورئيسا
د .محمد سليم الورياكلي :.أسـتاذ التعلـيم العـالي بوليـة العلـوم القانونيـة
واالقتصادية واالجتماعية المحمدية…................عضوا
2020/2021
اإلهداء
في البداية أود شكر األستاذ د .عبد العزيز برضوان اإلدريسي على
وال يفوتني أيضا ،شكر أعضاء لجنة المناقشة على قبولهم مناقشة
السياسات والبرامج العمومية ،منذ منتصف القرن الماضي ،على أنها محاور مركز ية ضمن النقاش حول الفعل
العمومي .1وقد ارتبط هذا النقاش أساسا بالتحولات التي شهدتها بنيات الدولة وشبكة أدوارها .وبناء
عليه ،بدا أن إرساء أنظمة للحكامة وتقييم الفعل العمومي عناصر مركز ية لتحقيق أي تنمية منشودة.2
و يعد تقييم السياسات العمومية حقلا معرفيا وبناء مؤسساتيا ذي أهمية كبرى 3من حيث ارتباطه
▪ رهان العقلنة :أي قدرة التقييم على إنتاج الحجج والأدلة القو ية حول سير ،وفاعلية ،ونجاعة السياسات
والبرامج العمومية .إضافة إلى إمكانية إدماج هذه الحجج والأدلة في صيرورة القرار ،وتحسين أدائه،
▪ رهان المأسسة :أي أن التقييم باعتباره بناء مؤسساتيا يثير إشكالية شرعية ومشروعية تدخلات الدولة
ومدى قدرة المجتمعات ،عبر مؤسساتها ،على خلق نوع من السلطة المضادة القادرة على تقدير جدوى
1
S. Fritz, “Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference?” In; Evaluation and Program
Planning, [http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004]. last access: 10.11.2020.
2
J. Z. Kusek & R. C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour mettre en place
un système de suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les praticiens du développement, Les
Éditions Saint-Martin, 2006.
3
"l'évaluation est absolument essentielle, tant sur le plan politique, en termes de responsabilité envers ceux qui
financent le système, que sur le plan éthique, en termes de garantie d'utiliser au mieux les ressources
disponibles.", voir : J. Furubo, S. Speer, S. Jacob, « The institutionalization of evaluation matters : Updating the
International Atlas of Evaluation 10 years later », In ; Evaluation, Vol. 21(1) 6–31, 2015.
ن
المي. الرهاني المشار إليهما ن يف
ن 4نقول عىل األقل؛ ألن أهمية التقييم ال تنحرص عىل
1
وفق هذا التصور ،ومنذ الستينات ،تعاظمت مجهودات الدول لإرساء أنظمة تقييم تستجيب
لخصوصيتها المؤسساتية والسياسية ،من جهة ،وتقيس فعالية ونجاعة تدخلاتها في مجالات حياة مواطنيها،
من جهة أخرى .وتعد هذه المجهودات مكونات لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية.
إن المأسسة نتيجة يتم الوصول إليها باعتبارها ديناميات وتفاعلات ونتائج وليست معطيات ثابتة أو
مسبقة .5وكذلك ،في ارتباطها بالسياقات التار يخية والسياسية والمؤسساتية التي تتم ضمنها .ويمكن أن نفهم
مأسسة تقييم السياسات العمومية على أنها صيرورة إرساء أنظمة التقييم وضمان استقرارها وتجذرها في
في هذا الصدد ،تهدف هذه الدراسة ،من جهة ،إلى دراسة الأبعاد النظر ية والمفاهيمية والمنهجية
لتقييم السياسات العمومية .ومن جهة أخرى ،إلى دراسة مفهوم المأسسة وتطبيقاته في مجال التقييم،
وأيضا ،التركيز على دراسة النموذج المغربي على ضوء بعض النماذج الدولية.
على المستوى الموضوعي ،حفزتنا ،من جهة ،أهمية الموضوع؛ خصوصا أن تناوله لم يتم بالشكل الملائم
في الأدبيات الأكاديمية والبحثية في المغرب .7ومن جهة أخرى ،ل كونه يتعلق بإشكالية أكثر عمومية
تتمثل في التحولات التي لحقت شرعية ومشروعية تدخلات وفعل الدولة .و بشكل خاص ،على مستوى
البلدان السائرة في طر يق التنمية .8وفي الأخير ،لأنه رهان معرفي و بحثي يوازي بين المستوى النظري
5
P. Lascoumes & C. L. Fougère, Les scènes multiples de l’évaluation : Les problèmes récurrents de son
institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013, p 16.
6
B. Lázaro, Comparative study on the institutionalization of evaluation in Europe and Latin America, Published
by: EUROsociAL Programme Area: Public Finance, Series: State of the Art, Study n. 15, 2015, p 15.
الت تطرقت للموضوع ،فال توجد أي دراسات جامعية تعالج الموضوع ن يف المغرب (توجد أطروحة
بخالف بعض التقارير الرسمية وشبه الرسمية ي
7
حول تقييم السياسات بالمغرب باللغة الفرنسية) ،وبشكل خاص باللغة العربية.
8
J. Z. Kusek & R. C. Rist, Op. Cit., p1.
2
والمستوى التطبيقي .لهذا ،يتطلب الموضوع دراسة المداخل النظر ية والمنهجية للتقييم ومفهوم المأسسة.
وأما على المستوى الذاتي ،فقد اكتشفنا الموضوع في إطار دراسة وحدة تقييم السياسات العمومية.
وقد أثارنا تعدد أشكال ومسارات مأسسة التقييم في مختلف النماذج التي قمنا بدراستها .وطبعا ،طرحنا
التساؤل حول المغرب ومدى قدرته على إرساء وتطوير نظام للتقييم .إن هذا التساؤل شكل الدافع الرئيسي
لدراستنا للموضوع.
بناء على ما سبق ،تنطلق دراستنا لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية من السؤال التالي :كيف
ويتضح أن مسار الإجابة على هذا السؤال يحيلنا على دراسة الأبعاد المركبة والمتداخلة لمفهومي
المأسسة والتقييم .بالإضافة إلى كون هذه الأبعاد ليست محصورة في الشق النظري فقط ،بل تتعداه
لمستو يات ذات طابع عملي ،وهو ما سنحاول ال كشف عنه ،عند دراسة النماذج الدولية ،وعلى ضوئها
يظهر إذا أن الموضوع يطرح العديد من الإشكاليات .ولعل أهمها تتمثل في مسارات صياغة الأساس
المعرفي والمفاهيمي لتقييم السياسات العمومية وتأثيره على تبني هذه المقاربة كنظام مؤسساتي .وكذلك،
تعقيدات وتفاعلات مسار المأسسة والعوامل المؤثرة بها على المستوى السياسي والاجتماعي .لهذا ،ستركز
دراستنا على تبيين ماهية العوامل والأبعاد التي تؤثر في مسار مأسسة التقييم .وبشكل خاص ،سنركز على
المغرب .وعليه ،يمكننا أن نصوغ سؤالنا الإشكالي كما يلي :ماهي العوامل المؤثرة في مسار مأسسة التقييم
في المغرب؟
3
من أجل مقاربة هذه الإشكالية طرحنا بعض الأسئلة الفرعية:
ما هي المقاربات النظر ية التي تطرقت لمأسسة تقييم السياسات العمومية؟ •
كيف تطورت أنظمة التقييم في النماذج المقارنة؟ ومن هم الفاعلون المتدخلون في تقييم •
السياسات العمومية؟
ما مدى تطور نظام التقييم بالمغرب؟ وما العوامل المؤثرة في مسار مأسسته؟ •
في هذا الإطار ،نقترح معالجة موضوع دراستنا وفق تصور منهجي قائم ،من جهة ،على التحليل؛
حيث سنتناول بالتحليل الأصول المعرفية والنظر ية لموضوع دراستنا وتطوراتها الراهنة ،ومن جهة أخرى،
على المقارنة؛ عبر دراسة الاختلافات والتشابهات القائمة بين النماذج المدروسة.
4
وسيتم تناول الموضوع على مستوى البناء الشكلي وفق التصميم التالي:
سنتطرق ،من خلال هذا الفصل ،للأبعاد المفاهيمية سواء المرتبطة بتقييم السياسات العمومية أو
المتعلقة بمفهوم المأسسة .كما سندرس تطبيقات هذا الأخير على مستوى العلوم الاجتماعية ،ونختم بالتطرق
الفصل الثاني :مأسسة تقييم السياسات العمومية :دراسة النموذج المغربي على ضوء
النماذج الدولية.
يتطرق هذا الفصل لدراسة النموذج المغربي على ضوء النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية.
ونتناول ،من جهة ،السياقات العامة وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية لتطور أنظمة التقييم في النماذج
المقترحة .ومن جهة أخرى ،ندرس تطور ممارسات التقييم في المغرب والعوامل المؤثرة في إرساء وتطور
5
الفصل األول
مأسسة تقييم السياسات العمومية:
والمنهجية المتعلقة بمفهوم التقييم (المبحث الأول) .ومن جهة أخرى ،سينصب هذا الفصل كذلك على
دراسة مفهوم المأسسة كما تطور في العلوم الاجتماعية وتطبيقاته العملية في دراسات بعض الباحثين.
كذلك ،سيتم عرض التصورات النظر ية التي جمعت بين مفهوم التقييم ومفهوم المأسسة (المبحث الثاني).
ضمن الإطار المفاهيمي والمعرفي ،سنتطرق ،من جهة ،إلى المقصود بمفهوم تقييم السياسات العمومية،
وأبعاده النظر ية ،وتطوراته التار يخية .ومن جهة أخرى ،سنهتم بدراسة أبعاد المفهوم المنهجية والعملية.
يرى بعض الباحثين أن التقييم مسار ( )Démarcheذو طبيعة مؤسساتية ،وسياسية ،وتركيز على
الجانب العملي .9لهذا ،يجب فهم اقتران التقييم بالمأسسة .و يعود هذا الاقتران إلى عوامل عدة تتمثل في
كل من استراتيجيات الفاعلين ورهاناتهم ،والخلفيات الثقافية والعلمية ،والإرث المؤسساتي والسياسي،
وطبيعة التنظيم والفعل الإداري .بهذا المعنى ،يعتبر اقتران التقييم بالمأسسة تفاعلا ذو طبيعة سياسية.
بناء على ما تقدم ،يمكن أن نفهم ارتباط مأسسة التقييم برهانات الفاعلين المؤسساتيين ،والإدار يين،
وتوازنات السلطة المحركة لأي منظور إصلاحي .لهذا ،سنتطرق ،فيما يأتي ،للتفاعل بين تقييم السياسات
والمأسسة عند دراسة تطورها حيث سيتم عرض مختلف التصورات والمقاربات المرتبطة بهذا الموضوع؛
9 Aboulaaguig A. L’évaluation Des Politiques Publiques, Outil D’amélioration De L’efficacité De L’action Publique : Etude De
L’évaluation D’impact De L’indh, Thèse de Doctorat en Sciences économiques, Faculté des sciences Juridiques Economiques
et Social de Meknès, 2014/2015, p 154.
6
يظهر أن تطور التقييم كنظام مشروط بطبيعة الدولة التي ينتج ضمنها وطبيعة النخب القادرة على
تبنيه ،بالإضافة إلى الخلفيات الثقافية التي من خلالها يتم تعر يف وتبرير الشيء العمومي .10في هذا الصدد،
يمكن ملاحظة أن أغلب الباحثين يعتبرون مأسسة التقييم مسار يتم في إطار من القيود السياسية
والاجتماعية القائمة .ويمكن الذهاب أبعد من هذا والقول بفكرة كون مسار المأسسة ذاته مسار مبني
سياسيا .12نستنتج مما سبق أن تقييم السياسات ،ومسار مأسسته ،يجد معناه في 11
اجتماعيا ومتمفصل
يجب فهم هذا المسار وفق تصور غير محصور ومقيد .إن اعتماد المنظور القانوني وحده ،رغم أهميته،
لا يمكننا من فهم دور وتأثير مختلف الفاعلين في مسار مأسسة التقييم .لهذا ،يعد اعتماد منظور يجد أصوله
في نظر يات التنظيمات ،وبشكل أخص الدراسات حول مفهوم المأسسة ،ذا وجاهة معرفية.
10
N. Okbani., Institutionnaliser L’evaluation Au Sein D’une Organisation : Enjeux, Pratiques, Usages Dans Une
Caisse D’allocation Familiales, Thèse de Doctorat en Sciences Politique, Université de Bordeaux,2016, p12.
11نقصد بعبارة متمفصل سياسيا :أن التقييم يختق مستويات متعددة مؤسساتيا وسياسيا ،حيث يغت قواعد اللعبة نف العالقات ن
بي الفاع ن
لي ي
التامج والسياسات العمومية ،ويقوي الممارسات وقواعد الشفافية ،الحكامة ،والمسائلة.
ورهاناتهم ،ويغت هيكليا كيفية صياغة وتنفيذ ر
12
D. Taylor, S. Balloch, The Politics of Evaluation: Participation and Policy Implementation, The Policy Press of
University of Bristol, 2005, p 1.
13
Ibid., p1.
7
المبحث األول :تقييم السياسات العمومية :اإلطار المعرفي والتاريخي والمنهجي
يمكن تسجيل الارتباط الوثيق لمفهوم تقييم السياسات العمومية بتعزيز حكامة التدبير العمومي وذلك
من خلال إشاعة المعلومة (تقارير تقييمية حول نتائج وآثار السياسات العمومية) ،وتحسين أداء وفاعلية
تنفيذ البرامج العمومية (تكريس الممارسات الفضلى المتعلقة بالتدبير العمومي) ،ومحاولات تطوير محتوى
هذه البرامج عبر التوصيات والدروس الممكن استخلاصها من تقارير التقييم (أي خلق علاقة جدلية بين
السياسة والمعرفة).14
و يطرح مفهوم التقييم صعوبات كبيرة من حيث تناوله كموضوع للدراسة .من جهة ،نجد صعوبة في
تحديد تعر يف شامل ومتفق عليه بخصوص مفهوم التقييم عند مراجعة الأبحاث والدراسات المختصة في
هذا المجال .كذاك ،لا يعد هذا المفهوم وليد لحظة محددة بل هو نتاج تطور تار يخي تتفاعل فيه الأبعاد
المعرفية والسياسية (المطلب الأول) .من جهة أخرى ،تتجلى صعوبة تناول هذا المفهوم في تعدد أنواعه
حسب زمن القيام به أو مكوناته .يضاف إلى ما سبق ،تعدد المقاربات المنهجية التي يتم اعتمادها لإنجازه
(المطلب الثاني).
تكمن أهمية هذا المبحث في تعر يفه بالتراكم المعرفي والنظري الخاص بدراسة تقييم السياسات
العمومية .كذلك ،يوضح طبيعة الموضوع و يحاول تدقيقه بحيث يمكن التخلص مما عانى و يعاني منه هذا
المفهوم من غموض.
14
« La mise en place d’outils d’évaluation correspond à une volonté d’intégrer l’expertise à l’action publique afin
d’en améliorer l’efficacité dans la logique de rationalisation portée par les Policy sciences en articulant savoir et
décision » Voire : P. HASSENTEUFEL, Sociologie politique l’action publique, Collection U,2 éditions, 2011, p : 282.
8
المطلب األول :تقييم السياسات العمومية :األبعاد المفاهيمية والتاريخية والمعرفية
يحاول هذا المطلب مقاربة القضايا الأساسية المتعلقة بالأبعاد المفاهيمية والتار يخية والمعرفية للتقييم.
ويتطلب الأمر دراسة المفهوم من خلال استعراض تعر يفاته المختلفة (الفرع الأول) .بعد ذلك ،سنمر
إلى دراسة الأبعاد التار يخية لتطور المفهوم واستخداماته وأصوله النظر ية (الفرع الثاني) .وفي الأخير،
سنتطرق للتقييم باعتباره بؤرة للتفاعل بين المعرفة والسياسة (الفرع الثالث).
يشير الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية الذي صاغه مجلس النواب إلى مسألة في غاية الأهمية
أثناء تناول مفهوم التقييم ،حيث يعتبر أن" :وظيفة التقييم غالبا ما تعاني من سمعة سلبية بحيث ينظر إليها
من زاو ية "المراقبة" أو "التدقيق" أو "الافتحاص" نظرا لما يتولد عن هذه الوظائف من تبعات ذات طابع
رقابي ."15إن هذا الارتباك على مستوى تمييز المفهوم عن المفاهيم المشابهة يتعاضد وتعدد تعر يفات مفهوم
16
إذ أن الاطلاع على خمس مراجع مختلفة سيجعلك تجد خمس تعر يفات مختلفة .يتعلق التقييم ذاته
الأمر إذن بحقل معرفي لاتزال مفاهيمه وتطبيقاته غير واضحة المعالم.17
يتم تداول المصطلح بشكل كبير على مستوى الخطاب اليومي ،سواء خطاب العامة ،أو الفاعلين
الرسميين وغير الرسميين أو الأكاديميين .يتضمن هذا التداول اختلافات تجد جذورها في تنوع التجارب
المهنية والتوجهات النظر ية التي يتبناها أصحاب التعار يف .و يتم استخدام مصطلح "تقييم" عموما للإحالة
المرجع لتقييم السياسات العمومية ،منشورات مجلس النواب ،العدد ،2015 ،1ص 6وما يليها.
ي 15مجلس النواب ،اإلطار
16
Pour plus d’approfondissement sur les différences entre l’évaluation et les autres pratiques similaires, voire :
Aboulaaguig A., Op. Cit., p114-119.
17
V. Ridde & al, Approches et pratique en évaluation de programmes, 2 éd, Presse de l’Université de Montréal,
2012, p1.
9
على عمليات قياس ،أو فهم ،أو تقدير ،أو حكم على آثار ،ومسار ،ومكونات سياسات أو برامج عمومية.
ويتعلق الأمر هنا بالدراسة المنهجية لوضعية على قاعدة الوقائع والملاحظة ،18أي بناء حكم صلب علميا
يتعلق تقييم السياسات والبرامج العمومية أيضا بمسار عام للإصلاح المؤسساتي وتحديث وعقلنة الفعل
العمومي .و يجد أصوله في التطورات التي لحقت حقول العلوم الاجتماعية ومناهجها العلمية .هنا ،يمكن
القول إن التقييم يقع بين حدود المعرفة ،والخبرة ،والسياسة .بناء على ما تقدم ،يعد التقييم عملية منهجية
لتجميع المعطيات بغاية إنتاج معرفة حول الفعل العمومي .كذلك ،يعد تعبيرا عن مسار العقلنة ،وتحديث
الإدارة ،وتوسيع مجال تدخل "الخبراء" ،عبر ما يسمى "المعارف الحكومية" ،19والتأثير في صيرورة
السياسات العمومية .في الأخير ،يندرج التقييم ضمن علاقات سلطة أي أنه يجد معناه في علاقات سياسية
20
يشير إلى إمكانية تمييز ثلاث ضمن هذا السياق نجد ان الدليل المصغر لتقييم السياسات العمومية
مستو يات أو أنواع من التعر يفات التي قاربت مفهوم التقييم ،والمستمدة من الأعمال الأساسية في هذا
الحقل:
• تعر يف يعتبر التقييم كنشاط معرفي ( ،)cognitiveفيصبح التقييم هنا بحثا عن إنتاج معرفة
واسعة حول آثار ونتائج السياسة أو البرنامج وذلك عبر التحقيق في النتائج المنسوبة للسياسة وآثار
العوامل الخارجية.
18
Aboulaaguig A., Op. Cit., p 104.
19ه مجموع المعارف الت تمكن الدولة من إنتاج وتعزيز النظام ،والتكنولوجيات الت تمكنها من حكم التاب والسكان .لالطالع ر
أكت ،انظر :بيت ي ي ي
ميلر ،السياسات العمومية ،ترجمة عبد المالك إحزرير ،مطبعة مكتبة سجلماسة ،المغرب ،طبعة ،2018ص 5ومايليها.
20
Conseil scientifique de l’Evaluation, petit guide de l’évaluation des politiques publiques, Ed. La Documentation
française, Paris, 1996, p10-11.
10
• تعر يف يركز على الجانب المعياري ( ،)Normativeو يعتبر التقييم ضمنه تقديرا للقيمة التي تم
تحقيقها ،وجودة الفعل التي تم القيام بها في إطار السياسة أو البرنامج محط التقييم.
إن هذه المستو يات من التعار يف ليست منفصلة عن بعضها البعض بل يمكن القول إن التقييم هو
إن المنظور التار يخي سيمكننا من فهم تنوع وتعدد الممارسات والتعار يف حيث يمكن اعتبار التقييم
في شكله الراهن نتاج عمليات البناء وإعادة بناء أدوات ومناهج إنتاج المعارف حول الفعل .21رغم كون
22
فإن تقييم بعض الدراسات تتحدث حول الأصول التار يخية العميقة لممارسات التقييم
البرامج والسياسات ،كما نعرفه اليوم ،تشكل في بديات القرن السابق؛ خصوصا في الولايات المتحدة
الأمريكية .وبشكل عام ،يتم التمييز بين أربع أجيال وستة فترات تقابلها خصائص تميز كل فترة (انظر
الجدول .)1
21
Brousselle A. & Al, L’évaluation : Concepts Et Méthodes, Presses De l’Université De Montréal, 2éd, 2011, P27
22
Ibid., P28. Voir Aussi: Valéry Ridde & Al, Op. Cit., P1; F. Madaus & Al, Evaluation Models Viewpoints on
Educational and Human Services Evaluation, Kluwer Academic Publishers, 2éd, 2002, P3-4.
11
جدول :1المراحل البارزة في تاريخ التقييم
تستند الإصلاحية الى فكرة أساسية وهي أن العلم والعقلانية يمثلان الأدوات الأساسية التي يمتل كها
الانسان لرفع قدرته على المعرفة بالعالم وتحسين شروط حياته .وقد صاحب ظهورها سياقا عاما اتسم
بصيرورة التصنيع والتمدن السر يع وما تبعها من نتائج وآثار على مستوى حجم الساكنة والطبقة العاملة
بشكل أساسي .لقد حاولت هذه الساكنة الضغط بغاية دفع الحكومة للتدخل الواسع لتحسين شروط
عيشها .لقد انصب اهتمام الإصلاحية على محاولات صياغة ومأسسة سياسات وبرامج ذات طبيعة
اجتماعية.
كان التقييم ،في مرحلة أولى ،متسما بالأفكار الإصلاحية حيث كان الهدف هو الإجابة عن سؤال
أساسي :إلى أي مدى ساهمت التحولات الجار ية في تحسين شروط عيش وحياة الأفراد والمجتمعات؟
23
Brousselle A. & al, Op. Cit., p28.
12
لقد انحصر التقييم أساسا ،ضمن هذه الفترة ،على المجالات الاجتماعية وخاصة المجال التعليمي .وقد استند
إبان تلك الفترة إلى القياس حيث تم استخدام اختبارات موحدة للقياس الموضوعي والجيد لقدرات
التلاميذ بغاية قياس الفارق في علاقة بمعيار محدد مسبقا وتصنيف التلاميذ على هذا الأساس .ويندرج
وفي مرحلة ثانية ،أصبح التقييم ينصب على النجاعة والتجربة .ولقد تأثر بأفكار مدراس التدبير
ونظر يات التنظيمات الكلاسيكية حيث احتفظ بالسمة المعيار ية وتقيده بأنشطة القياس ،والتجميع
شكلت الفترة الثالثة تحولا في مسار التقييم حيث ارتبطت بسياق ما بعد الأزمة الاقتصادية لسنة
.1929لقد تميزت هذه الفترة ،من جهة ،بتوسع حقل تدخلات الدولة في المجالات الاقتصادية
والاجتماعية عبر سياسات وبرامج عمومية .وأما من جهة أخرى ،اتسمت الفترة بمناخ مشحون بالشكوك
والتساؤلات حول المناهج التجريبية والاختبارات الفردية وقدرتها على انتاج معارف موضوعية حول
السياسات والبرامج العمومية .لهذا ،تميزت هذه الفترة بمحاولات التخلص من وصم التقييم كفعل تقني
وتجاوزه .لقد أصبح الأمر يتطلب ،إضافة إلى التجميع المنهجي للمعطيات وعمليات القياس والتحليل
الكمي ،وصف هذه البرامج ،وفهم بنيتها ،وسياقها ومحتواها وذلك عبر تحديد نقاط القوة والضعف وتضمين
توصيات تدفع بتحسين أداء وفاعلية السياسات والبرامج .لقد أصبح الأمر يتعلق هنا بمنهجية لا تركز على
24
Brousselle A. & al, Op. Cit., p34.
25
Brousselle A. & al, Op. Cit., p38.
13
وأما الجيل الثالث من أجيال التقييم فقد عرف فترتين :فترة الانفجار ،وفترة الاحترافية والمأسسة.
بالنسبة لفترة الانفجار ،أو الانتشار الواسع ،فقد تكونت ضمن سياق الحرب الباردة بين المعسكرين.26
وقد تركزت هذه الحرب على مجالات حيو ية من بينها البرامج التعليمية .وقد صاحب هذه الفترة ضرورة
إرساء أنظمة تقييم فعالة .من جهة ،تمت مراجعة المناهج التي أنتجتها مرحلة الجيل الثاني ،وتجلت هذه
المراجعة في تجاوز تركيز مناهج المراحل السابقة على مدى الوصول للأهداف المرجوة دون الحكم على قيمة
هذه الأهداف أو جدواها في علاقة بالحاجات .ومن جهة أخرى ،تم انتقاد كون قياس أو تقدير
الأهداف بعديا لا يمكن من رؤ ية أوجه القصور في السياسة أو البرامج إلا بعد نهايتها .وعلى قاعدة هذه
الانتقادات ،أصبح دور المكلف بالتقييم يتعلق بتجميع المعطيات وتركيبها والحكم على جدوى وفعالية هذه
وأما بالنسبة لفترة المأسسة والاحترافية ،فقد خلقت سنوات 1970من التقييم حقلا مهنيا واحترافيا
عبر تظافر العديد من العوامل .28وقد تأثرت هذه الفترة بالسياق السياسي والاقتصادي والذي تجلى في
صعود حكومات غير مؤيدة للطابع التدخلي للدولة .29ولهذا ،أصبح التقييم مرتكزا على تقليص حجم النفقات
العمومية مما جعله مرادفا لتحليل المردودية وانتقاء البرنامج الذي يعتقد أنه أكثر جدوى ونجاعة لمعالجة
والت سارعتي االصطناع سبوتنيك 1سنة 1957صدمة بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية،
ي السوفيات للقمر
ي 26شكل حدث ارسال االتحاد
العموم فيه ،خصوصا ما يتعلق بتعليم العلوم الحقة ن ن
التعليم وتجلت يف تحفت االستثمار عت تغيتات شملت النظام
ي ي لمحاولة استجاع مكانتها ر
التامج. ن
والتقنية ،وهو األمر الذي أوجب اجراء ومأسسة نظام تقييم يمكن من تحسي فعالية ونجاعة هذا ر
27
« Le Modèle Bimatriciel De Stake (1967), Le Modèle D’appréciation Des Ecarts De Provus (1971), Le Modèle
D’évaluation Par Induction De Scriven (1972), Le Modèle Orienté Vers La Décision De Stufflebeam Et Ses
Collègues (1971) Ou Le Modèle d’Alkin (1991) … », Brousselle A. & Al, Op. Cit., P39.
28
Ibid., P42-43.
29
L’élection De Margaret Thatcher En Grande-Bretagne Et De Ronald Reagan Aux États-Unis.
14
المشكلة ذات الأولية بين البرامج المتنافسة .بناء على ما تقدم ،ستعرف هذه الفترة منح المناهج والمعايير
وأما بخصوص الجيل الرابع من أجيال التقييم فقد عرفت فترته بمرحلة الشكوك حيث كان
التفاوض خاصية أساسية لهذا الجيل .وقد سميت هذه الفترة بمرحلة الشكوك نظرا لاتسامها بنوع من الريبة
تجاه النموذج الوضعي لإنتاج المعارف واحتكار الخبراء لعمليات التقييم .إن النقد الذي تم توجيهه لهذا
• يتعلق البعد الأول بالتستر خلف مقولات الموضوعية التي يتبناها أغلب المقررين خدمة
• وأما البعد الثاني فيتمحور حول فرضية موضوعية الحكم حيث تم توجيه انتقاد مفاده أن هذه
الفرضية تفقد حجيتها أمام تعدد القيم التي تميز أنظمة الفعل وتأثيرها على اختيار الأسئلة والمناهج،
• وأما البعد الثالث فيتعلق بكون المناهج التجريبية والمقاربة الوضعية ،التي كانت مهيمنة على ممارسات
التقييم ،أضفت أهمية على القياس الكمي والعلاقات السببية المباشرة دون الأخذ بعين الاعتبار
وانطلاقا مما سبق ،فإن النمط الذي تبناه الباحثون ضمن هذا الجيل كان يتمحور حول المقاربة
التشاركية .لقد كان هدفهم إثارة الانتباه إلى ضرورة أخد وجهات نظر مختلف الفاعلين بعين الاعتبار
15
نظرا ل كون حدود وتكوين التقييم غير محددة مسبقا؛ بل هي نتاج صيرورة تفاعلية وتطور ية يشارك بها
مختلف الفاعلين.30
يشكل التقييم مجالا للتماس وبؤرة للتفاعل بين المعرفة والسياسة باعتباره صيرورة إنتاج معرفة
"علمية" 31حول الفعل العمومي .ويرتبط تحديد المقصود بالتقييم بتيارات فكر ية مختلفة والطر يقة التي ينظر
من خلالها المكلف بالتقييم للعالم "البراديغم" .32وبناء عليه ،تتداخل القيم ،والمعتقدات ،والمصالح مع
ممارسات التقييم .بل أكثر من هذا ،تحدد الأبعاد السالفة الاختيارات النظر ية والمنهجية للعملية ككل.33
هناك جدال محتد في نظر يات التقييم بين تيارين :الأول واقعي "علمي" والثاني بنائي .بالنسبة للتيار
الواقعي ،يرى أن هناك إمكانية لإنتاج حقائق مستقلة قادرة على التوصيف الموضوعي للواقع .وأما التيار
البنائي ،فينظر إلى كل معرفة على أنها سياقية ،ونسبية وذاتية .نستنتج إذن أن التيار الواقعي يعتبر المكلف
بالتقييم قادرا على انتاج حكم موضوعي ومستقل .وبالمقابل ،يعتبر التيار البنائي المكلف بالتقييم مسهلا
ومفاوضا بين مختلف وجهات النظر .ومع ذلك ،يجذر الذكر إن التيارين معا ،يعتبران التقييم سياسيا
بطبيعته ،إذ أن الانخراط في فعل التقييم يعتبر ،في حد ذاته ،تصر يحا سياسيا.34
30
Pour plus d’approfondissement, Voir : Madaus, G., D. Stufflebeam et M. Scriven « Program Evaluation : A
Historical Overview », In Evaluation Models, Boston, Kluwer-Nijhoff, 1989, p. 3-22.
31
V. Ridde & al., op. cit., p 17.
32
"un paradigme, selon la définition classique de Thomas Kuhn, est un système de croyances partagé par une
majorité d’individus œuvrant au sein d’une même discipline", Pour plus d’approfondissement, Voir: Thomas
Samuel Kuhn, La Structure des révolutions scientifiques, Traduit en français par Laure Meyer, Ed Flammarion,
1983.
33
Ibid., p14.
34
D. Taylor, S. Balloch, op. cit., p1.
16
و بعيدا عن الاختلاف بين التيارين الواقعي والبنائي حول وظيفة التقييم ،فإن هذا الأخير" :يعمل …
ضمن الأنظمة الخطابية ،أي أن معناه الاجتماعي محدد مسبق ًا ضمن علاقات سلطة أوسع بشكل مستقل
عن أي استخدام معين .تختلف هذه المقاربة إذن ،عن تلك التي تبناها التيار البنائي من حيث التركيز
بشكل أقوى على المعنى الاجتماعي والسياسي للتقييم كنشاط مبني اجتماعياً .إن المسألة هنا ،ليست مجرد
ما يفعله المكلفون بالتقييم أو كيفية استخدام النتائج ،بل بدلا ً من ذلك ،يجب أن ننظر أيضًا إلى دور
35
التقييم باعتباره وسيلة لإضفاء الشرعية السياسية".
بناء على ما سلف ،نستنتج أن الاختلافات بين مجموع التوجهات النظر ية "البراديغمات" تكشف عما
تحاول التستر عليه أكثر مما تسلط عليه الضوء .ويرى بعض الباحثين أن هذه البراديغمات تستخدم في
الغالب للتستر على علاقات سلطة متضمنة تؤدي إلى إنتاج طرق معرفية مؤسسية .36ولهذا ،إذا كان
التقييم ،باعتباره ممارسة تتم ضمن البنى السياسية ،فإن من الواجب فهمه باعتباره مشروعا سياسيا بطبيعته
إن التقييم كأداة لشرعنة الفعل العمومي ومشار يع الفاعلين يجب فهمه ضمن تصور للممارسة السياسية،
ونقصد بتصور الممارسة السياسية الطر يقة التي يتم بها تدبير الشأن العام (ديموقراطية ،استبدادية…).
انطلاقا مما سبق ،لا يمكن اختزال التقييم في العملية المتعلقة بقياس العلاقة بين الأهداف والنتائج بل
يحب اعتباره رهانا يعكس حركية جماعية وتفاعلية لمختلف الفاعلين في السياسة أو البرامج المعنية.38
35
D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p2.
36
D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p2.
37
D. Taylor, S. Balloch, Op. Cit., p3.
38
Aboulaaguig A., Op. Cit., p 125.
17
وكذلك ،يتعلق الأمر بفهم الشروط التي يجرى ضمنها فعل التقييم من قبيل :الاعتراف بالخاصية العمومية،
يهدف هذا المطلب ،من جهة ،إلى عرض أنواع تقييم السياسات بناء على معايير التمييز بينها .إن كل
نوع من هذه الأنواع لا يختلف عن البعض الآخر في نوع الاسئلة التي يحاول الإجابة عنها فقط؛ وإنما
يختلف حسب الممارسين والباحثين الذين يتبنون هذا النوع أو ذاك (الفرع الأول) .ومن جهة أخرى،
سنحاول دراسة المقاربات المنهجية المعتمدة في تقييم السياسات العمومية قصد تشكيل صورة أوضح حول
يمكن إجمالا الحديث عن نوعين من التقييم :يتعلق النوع الأول بتقييم الصيرورة ويرتبط الثاني بتقييم
الحصيلة .و يشمل تقييم الصيرورة تتبع المهام اليومية ،وتقييم أنشطة البرنامج ورضا المستفيدين .أما فيما
يتعلق بتقييم الحصيلة ،فيشمل جرد النتائج ،وقياس الفاعلية ،وتقييم التكاليف والمنافع ،وتقييم آثار البرنامج
إن النوعين السالفي الذكر ليسا هما الوحيدين الموجودين كتصنيف لأنواع تقييم السياسات .إن معايير
التمييز ،سواء المرتبطة بمكونات السياسة أو الزمن أو مجال التقييم ،هي ما يحدد الاختلافات الموجودة بين
18
الشكل : 1متوالية التقييم
يركز تقييم الصيرورة ،في جانب منه ،على الأسئلة المتعلقة بسير البرنامج من قبيل" :هل تم احترام
الالتزامات التعاقدية؟" أو "هل تكوين العاملين جيد للقيام بالعمل؟" .وفي جانب آخر ،يحاول الإجابة على
الأسئلة المتعلقة بما يجري فعلا ومواقف المستفيدين من هذه الأنشطة ،مثلا" :ما الذي يتم فعله ،لمن ،وما
الأنشطة التي تجري فعلا؟" و "هل يمكن القيام بهذه الأنشطة بشكل أكثر فاعلية؟"" ،ما موقف المستفيدين
وأما فيما بخص تقييم الحصيلة ،فيتم التطرق ضمن هذا المستوى ،للأسئلة المتعلقة بالنتائج والكلفة
والآثار من قبيل" :ما هي نتائج الأنشطة الخاصة بالبرامج؟"" ،ماذا يحدث للفئة المستهدفة بسبب البرنامج
40
R.D. Bingham & Al., Evaluation in Practice A Methodological Approach, 2nd. Ed., Seven Bridges Press, 2002, P4.
19
(النتائج المتوقعة)؟"" ،هل يجب تغيير أنشطة البرنامج؟" ،بصيغة أخرى "هل أهداف البرنامج تم الوصول
إليها".41
وبالمقابل ،تعتمد بعض الدراسات التمييز على أساس معيار مكونات السياسة المعنية .في هذا الصدد،
تشكل كل مرحلة من السياسة ،في علاقة بأخرى ،محط تقدير وقياس .على سبيل المثال لا الحصر ،عند
دراسة العلاقة بين الحاجات والأهداف ،يتم تقدير وقياس جدوى هذه الأهداف في الإجابة عن
الحاجات التي فرضها المشكل المطروح .كذلك ،يحاول كل نوع من التقييم الإجابة عن أسئلة محددة
41
R.D. Bingham & al., Op. Cit., p4-9.
42
Aboulaaguig A., op. cit., p 141. Aussi, V. Ridde & al., Op. Cit., p 25.
20
جدول :2االسئلة التي تجيب عنها أصناف التقييم
ما هي الحاجات التي تحاول السياسة تلبيتها؟ هل حاجات المعنيين تم تقييمها على تقييم الحاجات
هل السياسة تجيب عن حاجات المعنيين؟ هل الأهداف تأخذ بعين الاعتبار السياق تقييم الجدوى
هل السياسة تم تنفيذها كما تم التخطيط لها؟ وما هي العوامل التي سهلت أو عرقلة تقييم المسار
هل الآثار قريبة المدى تتطابق مع الاهداف المسطرة في البداية؟ ما هي نتائج مقاربة تقييم الفاعلية
هل الآثار بعيدة المدى تتطابق مع الاهداف المسطرة في السياسة؟ تقييم الآثار
ما هي العلاقة بين الموارد والآثار المترتبة عن السياسة؟ هل هذا البرنامج أو السياسة تقييم النجاعة
43
V. Ridde & al., op. cit., p 29.
21
جدول :3أنواع التقييم في عالقة بالزمن
يتم في مرحلة صياغة السياسة ،أي قبل بداية التنفيذ ،ووظيفته تتمثل في تقييم قبلي
حلها.
يمكن من إعادة توجيه الفعل ،يمكن أن يتم انجازه لفحص مرحلة إلى التقييم الوسيط أو منتصف
حدود منتصف مدة الانجاز ،هل الحاجات مازالت قائمة ،هل تدبير المدة
Evaluationالبرنامج أو السياسة يمر كما تم التخطيط له أم يحتاج الى تطوير وكذلك من
في نهاية كل برنامج من السياسة ويمكن من ملاحظة النتائج وآثار المدى التقييم النهائي
Evaluation finaleالقريب.
بعد توقيف جميع برامج السياسة العمومية ،و يتم بعد إيقاف الفعل ويركز التقييم البعدي
تقييم يتم على طول مسار إنجاز السياسة وبرامجها. التقييم المستمر
In itinère
44
Consulter : [ https://www.eval.fr/quest-ce-que-levaluation/les-differents-types-devaluation/ ] ; Le
18/11/2012.
22
تشكل دراسة أنواع التقييم مدخلا أساسيا لفهم الأبعاد العملية والإجرائية للتقييم رغم أنها ليست
محط اتفاق بين الباحثين والممارسين .ومع ذلك ،تكمن أهميتها في توضيحها للأسئلة الأساسية التي يتوجب
تنقسم المقاربات المنهجية لتقييم السياسات العمومية إلى صنفين :النماذج التجريبية
( )Expérimentationوالنماذج المبنية على الملاحظة ( .)Observationومع ذلك ،يصر المختصون في
التقييم على اعتماد المقاربات والنماذج المنهجية المختلطة ( )Mixtesكلما كان ذلك ضرور يا .وتظهر أهمية
اعتماد النماذج المنهجية المختلطة في كونها لا تنحصر في نموذج واحد وتمكن من دمج النماذج الكمية
سنحاول ،ضمن هذه الفقرة ،التطرق باختصار لأهم المقاربات والنماذج المنهجية التي يتم استخدامها
46
الفقرة األولى :المقاربات التجريبية وشبه التجريبية
تهدف المقاربات التجريبية وشبه التجريبية إلى إنتاج استنتاجات غير متحيزة حول فعالية البرامج
والسياسات .47وتستند النماذج التجريبية على مبدأ المقارنة .وتتجلى هذه الطر يقة في المقارنة بين مجموعة أو
45
Aboulaaguig A., Op. Cit., P162.
46
Pour Plus D’approfondissement Sur Les Modèles Expérimentaux Et Quasi-Expérimentaux Consulter : Langbein
Laura & Al, Public Program Evaluation : A Statistical Guide, M.E. Sharpe Armonk, London, England, 2006, Pp 76-
133. Voire Aussi : R. D. Bingham & Claire L. Felbinger, Evaluation In Practice : A Methodological Approach,
Chatham House Publishers Of Seven Bridges Press, 2002, Pp 55-137.
47
Daniel L. Stufflebeam, Chris L. S. Coryn, Evaluation Theory, Models, And Applications, Jossey-Bass A Wiley
Brand, 2éd, 2014.
23
عدة مجموعات من الأفراد المستهدفين من السياسة أو البرنامج العمومي .وتتم هذه العملية قبل وبعد التنفيذ
أو بالمقارنة مع مجموعة غير مستهدفة بالبرنامج ومختارة عشوائيا .و يكمن الهدف من هذه العملية في قياس
الأثر الخالص للتدخل العمومي .ويمكن رصد الاختلاف بين النماذج التجريبية وشبه التجريبية في كون
النماذج شبه التجريبية لا يتم فيها اختيار المجموعة الضابطة ( )groupe témoinبشكل عشوائي بل عبر
الانتقاء وذلك لأجل ضمان تطابق أو تشابه الخصائص مع المجموعة موضوع التجربة.48
النموذج العشوائي الكلاسيكي عبر مجموعة ضابطة :49ضمن هذا النموذج ،يتم اختيار ❖
المشاركين المحتملين في هذا البرنامج بشكل عشوائي شر يطة انتمائهم للفئة المستهدفة .وبعد ذلك ،يتم
تقسيمهم لمجموعتين :المجموعة التجريبية (الخاضعة للبرنامج أو التدخل) والمجموعة الضابطة (المجموعة
التي يتم المقارنة معها ولا تكون خاضعة للتدخل) .و يتم قياس الخصائص قبل وبعد البرنامج لنحصل
48
Aboulaaguig A., Op. Cit., p165.
49
« Le modèle aléatoire classiques avec groupe témoin », voir : Aboulaaguig A., Op. Cit., p163. Aussi, Méthode
d’évaluation des programmes : Mesure et attribution des résultats des programmes, Secrétariat du conseil du
;] trésor du canada, 2éd, consulter sur le site :[ https://www.tbs-sct.gc.ca/cee/pubs/meth/pem-mep-fra.pdf
Dernier Visite : 19/09/2020.
24
جدول :4تحديد األثر الخالص لسياسة أو برنامج عبر النموذج العشوائي الكالسيكي
المجموعة التجريبية
𝑂3 X 𝑂1
𝑂4 --- 𝑂2 المجموعة الضابطة
من محاسن هذا النموذج كونه يضمن نظر يا ،على الأقل ،التخلص من الفروقات القائمة بين المجموعتين
قبل تنفيذ السياسة .و يعني هذا الأمر ،أن التعبير الر ياضي عن المجموعتين في مرحلة القياس القبلي يعتبر
متساو يا مما يجعل آثار السياسة هي المتغير الوحيد الذي يتم ملاحظته من طرف القائم بالتقييم.
النموذج العشوائي عبر القياس البعدي والمجموعة الضابطة فقط :51ضمن النموذج ❖
الكلاسيكي ،يتم التشكيك في سلامة ( )Validitéالتقييم حيث أن القياس القبلي يمكن أن يؤثر في
سلوك المجموعة التجريبية أو المجموعة الضابطة (أو الاثنين)؛ وبالتالي فالعلاقة السببية التي يود القائم
بالتقييم بنائها تغذو موضع شك .بالتالي ،يتم اجراء التقييم بدون قياس قبلي حيث يصبح النموذج على
الشكل التالي:
50
Aboulaaguig A., Op. Cit., P47.
51
« Modèle Aléatoire Avec Mesure Après Le Programme Seulement Et Groupe Témoin », Aboulaaguig A., Op.
Cit., P 42.
25
القياس البعدي التعرض للبرنامج
𝑂2
المجموعة الضابطة
نموذج الكتلة العشوائية :52تم تطوير هذا النموذج التجريبي لتقليص احتمالات الخطأ في ❖
تحديد الأثر الخالص للسياسة الناجم عن اختلالات استخدام العينات .وتعتمد هذه المنهجية بناء
كتل (بمعنى مجموعات كبيرة) بشكل يأخذ بعين الاعتبار بعض الخصائص التي يمكن أن تؤثر على
نتائج التقييم .مثلا ،يمكن أن نميز ضمن الفئة المستهدفة من برنامج معين مجموعتين كبيرتين ،الفئة
الحضر ية والقرو ية ،والتي سيكون لها استجابات مختلفة اتجاه البرنامج ولكل كتلة يتم اعتماد مجموعة
النماذج العاملية أو متعدد العوامل :54يتم استخدام هذه النماذج ل كونها تضع بعين الاعتبار ❖
تعدد الإجراءات التي يتم تنفيذها بالنسبة لسياسة عمومية معينة .و يعتبر اعتماد هذه النماذج مفيدا
ل كون أغلب السياسات لا تستخدم إجراء معزولا ل كنها تعتمد سلسلة من الإجراءات ذات طبيعة
مختلفة والتي تستهدف نفس الفئة .مثلا ،برنامج يستهدف تقليص عدد الحوادث في منطقة معينة.
52
« Modèle Avec Blocs Aléatoires », Méthode D’évaluation Des Programmes, Op. Cit., P 43.
53
Aboulaaguig A., Op. Cit., P 165.
54
« Les Modèle Factoriels », Ibid., P165.
26
هنا ،يمكن أن يعتمد نوعين من الإجراءات :تقو ية البنيات التحتية والتحسيس .وكل نوع من هذه
نماذج قياس تتم قبل وبعد البرنامج :وتشتمل على نموذج قياسات القبلية والبعدية ومجموعة ❖
ضابطة غير متساو ية .55إن هذا النموذج مشابه للنماذج العشوائية الكلاسيكية التجريبية مع اختلاف
أساسي حيث يتم اختيار المجموعة الضابطة بخصائص مشابهة قدر الإمكان مع المجموعة التجر يبية.
بهذا ،فدرجة التشابه تتم على أساس مقارنة قبل تنفيذ البرنامج.
وتشتمل هذه النماذج أيضا على نموذج قياس قبلي وبعدي ومجموعة واحدة وهي المجموعة
التجريبية .56و يتم استخدام هذا النموذج ل كونه يتماشى وما يتم تداوله عبر قياس نتائج برنامج أو سياسة
معينة حيث يتم ملاحظة التغيرات التي وقعت بين الفترة التي سبقت البرنامج وبعده على عينة من الفئة
المستهدفة.
نماذج السلاسل الزمنية أو التسلسلية :57تعتبر السلاسل الزمنية أو التسلسلية نماذج تتميز ❖
بدراسة عينة من الإجراءات في الزمن بدل إجراء واحد كما هو الحال في بعض النماذج السابقة.
و يتم استخدام هذا النموذج بطرق مختلفة .من جهة ،قد يستعمل هذا النموذج مع وبدون مجموعة
ضابطة (سواء مختارة عشوائيا أو لا) .ومن جهة أخرى ،قد يستعمل عبر قياس قبلي وبعدي أو
55
« Modèle Dont Les Mesures Sont Prises Avant Et Après Le Programme Avec Groupe Témoin Non Équivalent »,
Méthode D’évaluation Des Programmes, Op. Cit., P .47
56
« Modèle Dont Les Mesures Sont Prises Avant Et Après Le Programme Avec Un Seul Groupe », Ibid., P.48
57
« Les Séries Temporelles Et Les Modèles Chronologiques », Ibid., P 49-50.
27
بعدي عن البرنامج فقط .وكل هذه الإجراءات تتم ضمن التقييم القبلي أو قبل تنفيذ السياسة وتوقع
نتائجها.58
بالنسبة للنماذج السابقة ،التجريبية وشبه التجريبية ،فهي تحاول الإجابة عن سؤال محوري" :هل
يسير البرنامج أو السياسة كما تم توقعه أو التخطيط له؟" .وبالمقابل ،تتطرق النماذج كلفة-فعالية وكلفة-منفعة
لأسئلة من قبيل" :هل تستحق هذه البرامج والسياسات هذه التكلفة؟" ،و"ماهي الفائدة التي يتحصل عليها
من البرنامج أو السياسة؟" .59وللتمييز بين النموذجين ،يمكن القول إنهما يقومان على قياس المتطلبات
اللازمة (الكلفة) في علاقة بالنتائج المحصل عليها (الفعالية و /أو المنفعة) .و يكمن الفرق الوحيد بينهما في
كيفية تقدير الفوائد أو النتائج .في نموذج التكلفة-منفعة ،يتم قياس النتائج وفق المنظور المالي .وأما في
النموذج التكلفة-فعالية ،فيتم الحديث عن قياس النتائج وفق منظور غير مالي.60
❖ النموذج تكلفة-فعالية :يكشف هذا النموذج عن كيفية الوصول بفعالية للنتائج المتوقعة وما
هي التكاليف المنتظرة للوصول الى مختلف مستو يات هذه النتائج .61وكما هو الحال بالنسبة لنموذج
تكلفة-منفعة ،فإن هذا النموذج يقر بإمكانية قياس كافة التكاليف (المباشرة وغير المباشرة) للبرامج
والسياسات .و يعتبر هذا النموذج مهما بالنسبة للمقررين خصوصا في فترات تقديم الحسابات
الميزانياتية.
58
Aboulaaguig A., Op. Cit., P167.
59
R. D. Bingham & C. L. Felbinger, Op. Cit., P 179.
60
Ibid., P 179.
61
Ibid., P197.
28
يستند القياس ضمن هذا النموذج على المقارنات ،وفي هذا الصدد يقدم أحد الباحثين ثلاث مقاربات
للقيام بهذه المقارنات62؛ تحليل الكلفة الثابتة ( ،)constant-cost analysisوتحليل التكلفة الأدنى
ضمن المقاربة الأولى ،فالقياس يتم من خلال التحديد والوصف ،و يقوم المكلف بالتقييم بتحديد إلى
أي حد يمكن تحقيق الأهداف في حدود تكلفة مسبقة التحديد .أما ضمن المقاربة الثانية ،فالغرض يتمثل
في تحديد الطر يقة أو الوسيلة البديلة والأقل تكلفة التي تمكن من الوصول إلى مستوى من الأهداف
مسبقة التحديد .وفيما يخص المقاربة الثالثة ،فتنطوي على تكاليف تنفيذ مختلف مستو يات الأداء في إطار
بديل واحد.64
❖ النموذج التكلفة – المنفعة :يبحث هذا النموذج ،كما في النموذج السابق ،عن تقدير تكاليف
مختلف الإجراءات المتخذة في إطار سياسة عمومية ومقارنتها بالتقديرات المالية للمخرجات وآثار هذه
الأخيرة .بالتالي ،تقدير المنافع والأضرار المالية للسياسة العمومية .و يتم استخدام هذا النموذج في
ومن أجل تنفيذ هذا النموذج ،يجب اختيار "معلم أو مرجع" يتم على أساسه قياس التكاليف والعوائد
والمنافع .ويمكن أن نحدد ثلاثا :الأولى المتعلقة بالأشخاص ،الثانية المتعلقة بالممول ،والثالثة متعلقة بالبعد
الاجتماعي .وبشكل عام تختلف التكاليف والعوائد بتنوع هذه الأبعاد .بالنسبة للبعد المتعلق بالأشخاص،
يتم قياس التكلفة-المنفعة على أساس الأشخاص المستفيدين .وأما بخصوص البعد التمو يلي ،فيتم التقييم
62
R. D. PETERSON, « The Anatomy of Cost Effectiveness Analysis », In Evaluation Review, Vol 10, No 1,
February, 1986, pp 29-44.
63
Ibid., p 32.
64
Ibid., p 32.
29
على أساس "معلم أو مرجع" الكلفة أو المنفعة كما حددها الممول .وأما البعد الاجتماعي ،فيتم فيه تقييم
التكلفة والمنفعة انطلاقا من المجتمع ككل .و يعتبر هذا الأخير الأكثر صعوبة ل كونه يتضمن قياس
النتائج ضمن مجال أكثر اتساعا وغير محدد من حيث العوامل المتدخلة.
يتضح من خلال الأبعاد التي حاولنا التطرق لها على مستوى هذا المطلب أن التقييم كمسار وممارسة
تتداخل في تحديده مكونات وعوامل متعددة .من جهة ،نجد الجانب المعرفي والمتعلق بالمفهوم وتطوراته
بالتوازي مع تطور المناهج والمعارف العلمية في حقول العلوم الاجتماعية .ومن جهة أخرى ،نجد الجانب
السياسي والمؤسساتي والمتعلق بكون التقييم كممارسة يحدد معناه في ظل بنى سياسية ومؤسساتية
وتفاعلات واستراتيجيات الفاعلين في صيرورة السياسات العمومية .وأخيرا ،نجد الجانب القيمي ،المتعلق
30
المبحث الثاني :مأسسة تقييم السياسات العمومية :المفاهيم والمقاربات
تحيل المأسسة ،في مفهومها العام ،إلى صيرورة إدماج نوع من التحديدات (مثلا :معتقد ،قاعدة،
دور اجتماعي ،قيمة أو نمط سلوكي) ضمن تنظيم ،أو نسق اجتماعي ،أو سياسي ،أو مجتمع في مجمله.
ويمكن أن يستخدم هذا المفهوم ضمن معنى سياسي بحيث ينطبق على خلق وتنظيم مؤسسات وهياكل
حكومية .ول كن هذا "التعر يف" ليس محط اتفاق كلي ،خصوصا أن المأسسةكموضوع دراسة تلتقي حوله
حقول معرفية متعدد واختلافات نظر ية أكثر تعددا .وهو ما سنحاول دراسته من خلال المحددات
تعتبر مأسسة تقييم السياسات العمومية صيرورة تهدف لوضع أنظمة التقييم في السياق المؤسساتي
الرسمي عن طر يق سياسات واستراتيجيات خاصة .وبمعنى أكثر دقة ،إن التقييم يغذو جزءا من دورة
الحياة السياسية الاعتيادية ودورة البرامج والسياسات العمومية .65و يحيل هذا التعر يف العام إلى إمكانية
تعدد التصورات والمقاربات التي تتناول هذه الصيرورة ومؤشرات تطورها (المطلب الثاني).
تكمن أهمية هذا المبحث في تطرقه للأساس المعرفي والنظري لمأسسة تقييم السياسات العمومية.
وذلك عبر التطرق لجانبين :مقاربة مفهوم المأسسة واستخداماته النظر ية والتطبيقية ،وتناول التصورات
65B. Lázaro, Comparative study on the institutionalization of evaluation in Europe and Latin America,
Published by: EUROsociAL Programme, Area: Public Finance, Series: State of the Art, Study n. 15, 2015, p17.
31
المطلب األول :المحددات المفاهيمية والنظرية للمأسسة
يهدف هذ المطلب لدراسة مفهوم المأسسة كما تطور في العلوم الاجتماعية ،وبشكل خاص في ظل
نظر ية التنظيمات والدراسات حول مفهوم المأسسة في المقاربات المؤسساتية الجديدة .سنحاول أولا
التطرق لمفهوم المأسسة (الفرع الأول) ،على أن ننتقل بعدها لدراسة بعض التطبيقات العملية للمفهوم
(الفرع الثاني).
بلغ مفهوم المأسسةكموضوع للدراسة والبحث ذروة استخداماته في سنوات السبعينات عندما انتشرت
العديد من الدراسات ضمن مجلات علمية معروفة .66ومن خلال نظرة استطلاعية على هذه الدراسات،
يمكن اعتبار كون المأسسة تحمل دلالات ومعاني مختلفة لهؤلاء الباحثين .ومع ذلك ،يمكن القول إن
القاسم المشترك بينها يتمثل في نجاح بعض الخصائص المؤسساتية في الثبات والاستمرار ية .كذلك ،تشير
المأسسة إلى المسار الذي تكتسب به التنظيمات والوظائف هويتها وشرعيتها .67وتحيل المأسسة في هذا
السياق إلى التقدير الذي يبديه الأعضاء للتنظيم ذاته .وبعبارة أخرى ،تشكل المأسسة نوعا من الالتزام
المعياري المشبع بالقيم أو المدعوم بمعتقدات ثقافية وينتج عنها درجة عالية من الشرعية بين أعضاء التنظيم
والفاعلين الخارجيين ضمن بيئته .وينتج عن تقدير التنظيم ما يلي :داخليا ،التوافق ( )Consensusحول
66
Voir: Keohane R., “Institutionalization In The United Nations General Assembly”, International Organizations,
23, 1969, Pp 859–96; Zucker L. G.,“The Role Of Institutionalization In Cultural Persistence”, American Sociological
Review, 42, 1977, Pp 726–43; Przeworski A., “Institutionalization Of Voting Patterns, Or Is Mobilization A Source
Of Decay?”, American Political Science Review, 69, 1975, Pp 49–67; Wellhofer E. S., “Political Party Development:
Institutionalization, Leadership Recruitment And Behavior”, American Journal Of Political Science, 18, 1974, Pp
135–65.
67
B. Badie, D. Berg-Schlosser, International Encyclopedia of Political Science, SAGE Publications, 2011, P 1199.
32
المهام والأهداف (الهو ية) على المستوى الداخلي .والقبول الاجتماعي والسياسي (l’acceptabilité
يتعلق أيضا ،مفهوم المأسسة ،بصيرورة صياغة أو تحو يل القواعد والمساطر التي تؤثر على مجمل
التفاعلات الإنسانية .وبهذا الشكل ،تغذو المأسسة محاولة لتنظيم السلوك الاجتماعي ضمن تنظيم معين أو
المجتمع ككل .وفق هذا التعر يف ،يمكن تمييز ثلاث مستو يات من الفعل ضمن هذه الصيرورة كما يلي:
33
)3تغيير القواعد أو استبدال القديمة بالجديدة.69
يظهر من خلال هذه التعار يف التي تم استحضارها أن المأسسة تمثل مركزا لشبكة من المفاهيم :الثبات
والاستمرار ية ،والهو ية والشرعية ،والتوافق الداخلي والقبول الاجتماعي والسياسي ،وصياغة القواعد
وتحو يلها .ولا يمكن فهم مضمون هذه الشبكة دون العودة إلى المفهوم الرئيسي المتمثل في "المؤسسة".
يشير المفهوم العام للمؤسسة إلى القيود والقواعد التي تحث على ثبات التفاعلات الإنسانية.70كذلك،
يحيل مفهوم المؤسسة على خصائص التكرار ،والاستدامة ،والانتشار .وقد طورت المجتمعات ،على
اختلافها ،العديد من المؤسسات بغاية التعامل مع المشاكل الأكثر تكرارا في المجتمع .وتتسم المؤسسات
كذلك بسمة حددتها العلوم الاجتماعية في كونها من صنع الإنسان ،بمعنى أنها بناء اجتماعي لا حتميات
بيولوجية.71
و يمكن التمييز بين ثلاثة أبعاد في المأسسة :درجة ترسيم ( )degree of formalizationالمؤسسة،
بخصوص درجة ترسيم المؤسسة ،يمكن الحديث عن متوالية تتراوح بين قطب غير رسمي ( informal
)poleيقابله في الجهة الأخرى قطب رسمي .يشمل القطب غير الرسمي العادات ،والأعراف والاتفاقات.
وتعرف العادات على أنها الأفعال المتكررة المعترف بها من الفاعل والمستبطنة داخليا .وتشير الأعراف
إلى عادات متقاسمة بين أفراد مجموعة اجتماعية .وأما الاتفاقات فتدل على الإجراءات والأفعال المتفق
69
Voir: [ https://www.britannica.com/topic/institutionalization ], Consulter Le: 19/10/2020.
70
N. J. Smelser, P. B. Baltes, International Encyclopedia of Social & Behavioral Sciences, Ed, Pergamon, 2001, P
7561. Voir Aussi: Douglass North, Institutions, Institutional Change and Economic Performance, Cambridge
University Press, 1ed, 1990.
71
Ibid., P7557.
34
عليها .وقصد توضيح كيفية الانتقال من القطب غير الرسمي في المأسسة إلى القطب الرسمي فيها ،يمكن
الحديث عن مثال اللغة باعتبارها نوعا من الاتفاق ،والذي يتطلب أن تكون حول كل من معاني الكلمات
والبنى التركيبية اتفاق اجتماعي لضمان التواصل .وعند تبني عدد كبير من الناس للاتفاق وتقييده لهم
جماعيا ،يمكن تسميته بالمؤسسة .إن هذا الانتقال من القطب غير الرسمي إلى القطب الرسمي هو ما يعبر
أما فيما يخص مدى التقييد الجماعي للمؤسسة ،أو الإلزام الاجتماعي للفاعلين ،فيحيل إلى قدرة
المؤسسة على الحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر إلزام الفاعلين باحترام القواعد .يمكن اعتبار القاعدة
الاجتماعية معتقدا داخليا ( )internalized beliefأكثر إلزامية ل كون خرقها مفتوح على المعاقبة
الأخلاقية والاجتماعية.72
وأما فيما يخص درجة استقلالية المؤسسة ،يشكل القانون ،باعتباره قرارا جماعيا ملزما لا يمكن
تفسيره إلا من طرف هيئات قضائية خاصة و يتم تنفيذه من طرف هيئات تحتكر شرعية ممارسة السلطة
والإكراه ،73حجر الزاو ية في هذا الصدد .هنا ،يمكن الإحالة إلى كون العديد من المؤسسات تعتمد على
مؤسسات أو إطار مؤسساتي آخر .إن المؤسسات يمكن أن تكون ذاتية النفاذ أو أن تستند على نوع من
المؤسسات أرقى أو أعلى ( .)Meta-institutionsإذا كانت بعض القواعد يتم احترامها من طرف
الفاعلين ،لأن الامتثال لها يقع في مصلحتهم فيمكن الحديث عن قاعدة أو مؤسسة ذاتية النفاذ (بدرجة
أو بأخرى تتسم بهامش واسع من الاستقلالية) .وبالمقابل ،إذا كانت بعض القواعد تحتاج إلى تفصيل
ليستطيع الفاعلون فهم كيفية سيرها وفهم كيف يمكن أن تغذو مطابقة لمصلحتهم فنحن أمام مؤسسة
72
Pour aller plus loin à ce propos, voir : Émile Durkheim, De la division du travail social, Livre I, Les Presses
Universitaires de France, huitième édition, 1967, p 73.
73
B. Badie & all, op. cit., p 1202-1203.
35
تعتمد على مؤسسة أرقى وأعلى توضح لها كيفية تنفيذ وتطبيق القواعد (أي أنها تتمتع بهامش ضيق من
الاستقلالية).74
يشير بولسبي ( )Polsbyفي دراسته حول "المأسسة في مجلس النواب الأمريكي" ،75إلى ثلاث
)1خاصية رسم الحدود :بمعنى أن التنظيم يغدو متمايزا عن بيئته ،ويسهل التعرف على أعضائه،
و يغذو من الصعب أن يصبح المرء عضوا ضمنه ،وأخيرا ،يتم اختيار قادته من داخل التنظيم؛
)2خاصية التعقيد :بمعنى أن الوظائف يتم تفصيلها داخليا على أساس تنظيمي وواضح ،وأن العلاقة
بين أجزائه تتسم بالتبادلية ولغايات مهمة تنظيميا .إضافة إلى تواجد نوع من تقسيم العمل حيث يتم تحديد
الأدوار والتوقعات من تنفيذ هذه الأدوار المتقاسمة بشكل واسع .وكذلك ،تواجد خر يطة واضحة للولوج
)3خاصية وضوح القواعد :بمعنى أن التنظيم يميل إلى اعتماد معايير عالمية بدل المعايير الخاصة،
وأساليب تلقائية بدل الأساليب التي تعتمد التقدير الذاتي لتدبير شؤونه الداخلية .و يتم التركيز على ضرورة
تتبع القواعد ،وأنظمة الجدارة بدل أنظمة المحسوبية ،وحلول مدونات رسمية محل الميول الشخصية لتنظيم
السلوك.76
74
B. Badie & all, op. cit., p 1203.
75
Voir: Polsby N. W., “The institutionalization of the US House of Representatives”, American Political Science
Review, Vol. 62, No. 1, 1968.
76
Ibid., p 145.
36
يعتبر كوهين ( ،)Keohaneضمن دراسة له حول مسار المأسسة في الجمعية العمومية للأمم
المتحدة ،77أن تحليل مفهوم المأسسة يجب أن ينطلق من مناقشة علاقته بأثر التنظيمات على بيئتها .إن
المأسسةكصيرورة تغذوا عبرها التنظيمات الدولية متمايزة ومستمرة وتتسم بنوع من الاستقلالية .78و يعتمد
أثر التنظيمات الدولية على بيئتها بناء على تفاعل خصائصها التنظيمية (بما في ذلك سمات قادتها) وسلوك
الفاعلين (بشكل خاص الحكومات وباقي المؤسسات الدولية) الذين يشاركون في صياغة ،واحترام ،وتنفيذ
77
R. O. Keohane, "Institutionalization in the United Nations General Assembly", International Organization,
Volume 23, Issue 04, 1969, pp 859 – 896.
78
Ibid., p862.
79
Ibid., p860.
80
Ibid., 862.
37
ضمن دراسة أخرى ،حول دور المأسسة في الاستدامة الثقافية ،81ينطلق زوكير ( )Zuckerمن
كون مفاهيم الاستدامة والمأسسة لم يتم فصلهما بالشكل المناسب في المقاربات السابقة .و يعتبر أن الارتباك
الحاصل في تحديد مفهوم المأسسة يرتبط باستخدامات الأدوات الوسيطة لتفسير الاستدامة ،و يعتقد أن
هذه الوسائط لا تحتاج للتواجد لضمان الاستدامة الثقافية حيث أن المعرفة الاجتماعية حالما يضفي عليها
الطابع المؤسسي تغذو حقيقة موضوعية و يتم تقاسمها ونقلها على هذا الأساس.82
يقوم زوكير بدراسة أثر درجات المأسسة على درجات الاستدامة الثقافية .في مستوى أول ،تقابل
درجة الاستدامة ،المتعلقة بوحدة التفاهمات الثقافية بين الأجيال ،درجة المأسسة المتعلقة بتجربة أو متغير
النقل .في مستوى ثان ،تقابل درجة الحفاظ على هذه التفاهمات الثقافية ما يسمى بمتغير أو تجربة المحافظة.
وفي مستوى ثالث ،تقابل درجة مقاومة مبادرات التغيير متغير أو تجربة المقاومة.83
تشمل دراسة مدى تأثير المأسسة على نجاح التنظيم على المدى البعيد 84تحليلا ل كيف يمكن أن يكون
لمسار المأسسة تأثير متناقض ،حيث أن تعزيزها للاستقرار التنظيمي والاستدامة ،يقابله في نفس الآن،
تسببها في التصلب ومقاومة تغير شروط البيئة المحيطة .هنا ،تعتبر فليك ( )Fleckأن النجاح على المدى
البعيد يمكن الوصول إليه من خلال مؤشرين :يتعلق المؤشر الأول بالحفاظ على الميزة التنافسية .وأما المؤشر
الثاني فيرتبط بالقدرة أو روح المثابرة .إن هذين المؤشرين يتأثران بنمطين من مسارات المأسسة :رد الفعل
والمبادرة .بالنسبة للنمط القائم على رد الفعل ،يؤدي إلى الصلابة ومقاومة التغيير .وأما بالنسبة للنمط
81
L. G. Zucker, "The Role of Institutionalization in Cultural Persistence", American Sociological Review, Vol. 42,
No. 5, 1977, pp. 726-743.
82
Ibid., p726.
83
Ibid., 727.
84
D. Fleck,” Institutionalization and Organizational Long-term Success”, Brazilian Administration Review, Vol 4,
No 2, art. 4, 2007, pp. 64-80.
38
القائم على المبادرة ،يؤدي إلى حياد المنظمة عن الآثار السلبية للمأسسة .في النمط الأول ،يتم التركيز على
البنى ،بينما في النمط الثاني يتم التركيز على الفاعل ومبادرته في علاقة مع البيئة مما يمكن من إدماج
ضمن دراسة الدينامية الزمنية للمأسسة ،85يتم معالجة العلاقة بين الزمن والمأسسة ،حيث أن الوثيرة
والاستقرار ،وهما العنصران الأكثر أهمية في المأسسة ،يعتمدان على الأدوات التي يستخدمها الفاعلون
لدعم مسار المأسسة .وبالاستناد على النظر يات حول السلطة ،تم تطوير أربع أدوات :التأثير ،القوة،
الهيمنة ،الانضباط .و يتم اعتبار أن كل أداة تؤدي الى نمط محدد من الوثيرة والاستقرار وأن أنماط أكثر
يعتمد لورنس ( )Lawrenceالمنحنى التقليدي (الشكل )5لمسار المأسسة و يحاول تجاوزه ل كونه
بني على مفهوم معين للزمن باعتباره تسلسلا ثابتا .توجد إذا ،فترة معينة لظهور الابتكار وانتشاره وثباته،
وفترة أخرى يظل فيها الابتكار منتشرا ،وفترة أخيرة حيث الشرعنة في مجمل الحقل.
85T. B. Lawrence & Al, “The Temporal Dynamics of Institutionalization”, Academy of Management Review,
Vol. 26, No. 4, 2001, pp 624-644.
39
الشكل : 5المنحنى التقليدي للمأسسة
يضع لورنس تصنيفا مغايرا للتفسير الكلاسيكي للدينامية الزمنية للمأسسة بالاعتماد على ما يسميه
"أبعاد السلطة" في علاقتها بالأبعاد الزمنية للمأسسة (انظر الشكل .)6ويبدو أنه ينظر لمسار المأسسة
باعتباره تفاعلا بين عناصر ومكونات وأبعاد تؤثر على زمن المأسسة.
40
جدول :5العالقة بين األبعاد الزمنية للمأسسة وأبعاد السلطة
المؤسسة
التفعيل المستمر
يتضح انطلاقا من استقراء هذه العينة من الدراسات التطبيقية لمفهوم المأسسة في العلوم الاجتماعية
أن هذا المفهوم يحتل مساحة مهمة في اهتمام الباحثين ،خصوصا في ظل نظر يات التنظيمات والمقاربات
المؤسساتية الجديدة.
سنحاول فيما يلي مقاربة المأسسة في اقترانها بتقييم السياسات العمومية حيث محاولات دراسة
41
المطلب الثاني :مقاربات حول مأسسة تقييم السياسات العمومية
يهدف هذ المطلب إلى دراسة مأسسة تقييم السياسات العمومية من خلال مقاربات وتصورات
مختلفة ومتنوعة تبعا لتنوع التجارب والممارسات من جهة ،والخصوصيات المؤسساتية والسياسية لمأسسة
التقييم من جهة أخرى .نتناول ضمن هذه الفقرة ،التصورات المتمركزة حول الدولة (الفرع الأول) .ونمر
تجسد هذه التصورات المرتكزة حول الدولة إطارا تحليليا خاصا لمسار مأسسة تقييم السياسات
العمومية .فهي تركز على الجوانب المتعلقة بتطور الممارسات والبنيات المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية
في ظل الدولة المركز ية ،وتأثير النخب الإدار ية العليا على هذا لمسار ،والأبعاد القانونية والشكلية لتقييم
السياسات العمومية.
ضمن أطروحة سبيلنهاور ،) Spenlehauer(88والتي تتبع تاريخ وتطور تقييم السياسات العمومية في
ظل الدولة المركز ية الفرنسية ،يدافع الباحث عن فكرة أساسية متمثلة في كون استقطاب التقييم كممارسة
من الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الدوائر المكلفة بالتخطيط في الدولة المركز ية الفرنسية سنوات
1960تأثرت وتظل موسومة بقوة بأسطورة نجاعة "أداء" التخطيط الوطني التي يتبناها الفاعلون في الإدارة
العليا المركز ية .تتبنى هذه الأطروحة فرضية أن هذه الأسطورة هي ساهمت في فشل السياسات الوطنية
للتقييم .بالإضافة إلى فرضية أن تعاظم التأثير الأمريكي في التصور الفرنسي لعقلنة الفعل العمومي حدث
88
V. Spenlehauer, l’évaluation des politiques publiques, avatar de la planification, Thèse pour l’obtention du
doctorat de science politique, Université Pierre Mendès, France, Grenoble II, 1998.
42
بعد الحرب العالمية الثانية ،ل كن بالمقابل ،أدت الخصوصية الإدار ية-السياسية الفرنسية ،المتسمة بتواجد
"الفاعلين الكبار للدولة" ،89إلى عملية ضبط وفرز لهذا الأدوات والآليات المستقطبة من علوم الحكم التي
تطورت في السياق الأمريكي ،ومن ثم إلى خلق نوع من الفجوة بين الممارسة العلمية -مناهج العلوم
تقوم المقاربة التي يعتمدها سبيلنهاور ،على تعميق الأفكار حول دور النخب الإدار ية العليا وهيكلة
قواعد اللعب بين الفاعلين (الفرديين والجماعيين) في فشل مأسسة تقييم السياسات العمومية في ظل الدولة
المركز ية .ويركز على التفاهمات المؤسساتية والمعرفية بين الفاعلين في الحقل الحكومي و يحاول تحليل مواقعهم
في العلاقة بمأسسة التقييم .90وكذلك ،ما تضمنته التحولات في الثقافة الإدار ية المرتبطة بإرساء نموذج
عقلنة الاختيارات الميزانياتية ( 91)RCBمن إبداء أشكال معينة من المقاومة التقنية والسياسية في مواجهة
92
( )Stéphaneأنه رغم الترويج للخطاب السياسي حول في نفس السياق ،يظهر تصور ستيفان
تقييم السياسات العمومية فإن تنظيم الإدارة والمؤسسات الفرنسية لا يترجمان هذا الخطاب .إن تتبعا بسيطا
لتطور سياسات التقييم والهيئات المنخرطة في العملية يوضح حالة تشتت الفاعلين ،والذين لا يتوفرون على
89
« Les Grands Corps De l’Etat », Voir : M. C. Kessler, Les Grands Corps De L’Etat, Presses De La Fondation
Nationale Des Sciences Politiques, Paris, 1986.
90
V. Spenlehauer, Op. Cit., p 22.
91
« La Rationalisation Des Choix Budgétaires », Pour Plus D’approfondissement Sur Le RCB Et L’évaluation Des
Politiques Publiques, Voir : M. B. Perret, « De L’échec De La Rationalisation Des Choix Budgétaires (RCB) À La Loi
Organique Relative Aux Lois De Finances (LOLF) », Revue Française D'administration Publique, 1 No117, 2006,
pp31-41.
92
G. Stéphane, « L’évaluation Des Politiques Publiques : Qui Et Comment ? » In : Économie & Prévision, N°204-
205, Méthodes D'évaluation Des Politiques Publiques, 2014, pp. 211-224.
43
الأدوات ولا ال كفاءة الكافية للقيام بهذه المهمة .رغم هذا ،يمكن القول إن هذا التشتت يوفر مجالا
تركز الدراسة على تقييم ما يسميه بالسياسات العمومية ال كبرى ،والذي يقترح أن تكون منهجية
تقييمها شفافة وتتمتع بنوع من الاستقلالية لدعم ثقة المواطن في مسار المأسسة.93
ضمن مقاربة أخرى ،يتناول جاكوب ) Jacob(94موضوع مأسسة تقييم السياسات العمومية عبر
دراسة مقارنة "للهياكل المؤسساتية للتقييم" في أربعة دول أوروبية .و يعني بها ،القواعد وأشكال التنظيم
التي "تساهم في تطوير واستمرار ية ممارسات التقييم" .95و يعرف المأسسة بكونها الصيرورة التي يتم من
يعتمد جاكوب نمذجة بسيطة لمسارات المأسسة في الدول التي قام بدراساتها من خلال بعدين
أساسين :درجة انفتاح الهياكل المؤسساتية وتوجه ممارسات التقييم للتدبير أو للرقابة أو بمعنى آخر غاياتها.
وعلى هذا الأساس ،يصنف الدول المدروسة لأربعة أصناف :تعاونية ،وتكنوقراطية ،وتشاركية ،وليبرالية.
عرفت ثلاث دول (باستثناء بلجيكا التي يعتبر التقييم بها جنينيا) انتقالا من صنف لآخر .لقد انتقلت
فرنسا من صنف تكنوقراطي لآخر تشاركي ،بينما هولاندا انتقلت من التكنوقراطي للتعاوني ،وسويسرا
انتقلت من التعاوني للصنف اللبرالي .96يميز عمله هذا بين أنظمة التقييم وتطورها في علاقة بسير الأنظمة
93
G. Stéphane, Op. Cit., P211.
94
S. Jacob, Institutionnaliser L’évaluation Des Politiques Publiques, Etude Comparée Des Dispositifs En Belgique,
En France, En Suisse Et Aux Pays-Bas, Pie Peter Lang, Bruxelles, 2005.
95
Ibid., P107.
96
J.C. Barbier, « Steve Jacob, Institutionnaliser L’évaluation Des Politiques Publiques, Etude Comparée Des
Dispositifs En Belgique, En France, En Suisse Et Aux Pays-Bas », Sociologie Du Travail [En Ligne], Vol. 49 - N°3
,Juillet-Septembre, 2007, Mis En Ligne Le 21 Mars 2008, Consulté Le 17 Novembre 2020 .[URL:
] http://journals.openedition.org/sdt/22564 ];[ DOI: https://doi.org/10.4000/sdt.22564
44
السياسية-الإدار ية للدول المدروسة وبنيات الفرص والعوائق ،حيث يكشف الدور الذي يلعبه حاملي
المشار يع أو "المقاولين السياسيين" ،ورهانات الهيئات والإدارات المركز ية ،وكذلك الشروط والسياقات
السياسية والاقتصادية.97
وتندرج أطروحته ضمن مقاربة قانونية – شكلية لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية .وتغيب
هذه المقاربة المكونات الثقافية والتفاعلية لمسار المأسسة ،ولا تمكن من فهم المأسسة كإرساء لقواعد غير
رسمية متفاوض بشأنها بين الفاعلين ،ومعتقدات متقاسمة بإمكانها أن تؤدي لتغيير سياسي واجتماعي.98
ضمن تصور آخر لمسار مأسسة تقييم السياسات العمومية ،يحلل لاكموس وفوجيرLascoumes ( 99
) et Fougèreالمسار باعتبارها ظاهرة غير منتظمة وحركية وتتخذ شكلها في علاقة "بفضاءات" متعددة
ومتنافسة في الأغلب .يتم دراسة التقييم إذن ك "فضاء" :للشرعنة ،والسلطة المضادة ،ودمقرطة الحياة
السياسية ،وتحسين تنفيذ البرامج العمومية ،ورافعة للاتقائية السياسات القطاعية ،وتقليص النفقات
العمومية.100
يتم دراسة المأسسة ضمن هذا التصور باعتبارها نتاجا لدينامية وليست كمعطى ثابت ومنسجم ،وذلك
عبر التركيز على "ما يفعله التقييم ومن يقوم به" .في النموذج الفرنسي مثلا ،فالعديد من الفاعلين يعتبرون
أكثر كفاءة في مجال التقييم ل كن هذا لم يشفع لهم فرض تصورهم له.101
97
S. Jacob, Op. Cit., p 257.
98
Okbani, N., Op. Cit., p 14.
99
P. Lascoumes & C. L. Fougère, Les Scènes Multiples De L’évaluation : Les Problèmes Récurrents De Son
Institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013.
100
Okbani. N., Op. Cit., P 15.
101
Ibid., p 16.
45
تعتبر المأسسة وفق هذا التصور هشة وحركية .من جهة ،بسبب تعدد وتنوع الممارسات في مختلف
التنظيمات .ومن جهة أخرى ،بسبب تعقد رهانات الفاعلين وصراعهم حول تعر يفها واحتكارها .هذا
يدفع للتساؤل حول كيف يمكن للمفاوضات بين الفاعلين أن تؤثر على مسار المأسسة؟.102
103
حول مأسسة التقييم من خلال دراسة مقارنة بين ضمن دراسة لدلال بوعتروس ومحمد الدهان
المغرب والجزائر والتي اعتمدت مقاربة متمركزة حول مؤسسات الدولة وذلك عبر التركيز على أدوار
وممارسات الأجهزة الرقابية والبرلمانية في مجال تقييم السياسات العمومية حيث لاحظت وجود فارق في
وقد عرفت مأسسة تقييم السياسات العمومية على أنها مجموعة المؤسسات الرسمية (الأجهزة
والهيئات) والقوانين (نصوص قانونية وقواعد) تنظم عمل هذه المؤسسات لتأطير مختلف الممارسات
التقييمية من أجل الوصول إلى ممارسات جيدة فيما يتعلق بعمليات التقييم .104واعتمد الباحثان في
سياق مقارنتهما بين المغرب والجزائر على مؤشرين أساسين :يتعلق الأول بالمقارنة على مستوى ثلاث
هيئات للتقييم (الهيئات البرلمانية ،الحكومية ،الرقابية) .وأما المؤشر الثاني فيتعلق بالمجتمع المعرفي للتقييم.105
102
Okbani, N., op. cit., p17.
103د .بوعتوس ،م .دهان“ ،مأسسة تقييم السياسات العمومية – دراسة مقارنة ن
بي الجزائر والمغرب” ،مجلة العلوم اإلنسانية ،المجلد ،30عدد
ديسمت ،2019ص.134-117 ر ،3
104نفسه ،ص .121
يعتت التقييم جزء من مهامها ،لكن ن يف نفس الوقت خلصا ،إىل ن
الت خلص إليها الباحتان تلك المتمثلة يف وجود أجهزة وهياكل ر ن
من بي النتائج ي
105
ن
كون دور هذه األجهزة يتسم بعدم التفعيل خصوصا يف الجزائر ،حيث أن المغرب عرف تطورا للممارسات المتعلقة بالتقييم بالمقارنة بجارته
الت خلص لها البحث السالف الذكر. ن ن
الجزائر ،كما أن النقص يف المراكز البحثية المتخصصة يف المجال يمثل إحدى السمات ي
46
الفرع الثاني :مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على التنظيمات
يتبنى التصور المرتكز على التنظيمات مقاربة إلى الأعلى ( )Bottom-Upلمأسسة تقييم السياسات
العمومية ،خلافا للتصورات المرتكزة على الدولة التي تتبنى مقاربة إلى الأدنى (.106)Top-Down
بعض الأعمال تناولت تطور الهياكل المؤسساتية للتقييم ضمن المجالس الجهو ية في فرنسا ،في إطار
عقود الدولة/الجهة ،من وجهة نظر مقارنة ووصفية .107بعض الدراسات الأخرى عالجت التقييم باعتباره
أداة لشرعنة الفعل العمومي الترابي وتعزيز استقلالية مؤسساته .108حاول سبيلنهاور وورين
) ،(Spenlehauer et Warinمن خلال دراسة التقييم في المجالس الجهو ية ،التساؤل حول مدى وآثار
سياسات التقييم .وقد خلصت دراستهما ،من جهة ،إلى تأثير هذه الأخيرة في طر يقة صياغة الحكم من
طرف الفاعلين .ل كن ،في نفس الوقت ،لا تحدث ممارسات التقييم هاته تغييرا على مستوى الممارسة
السياسية حيث تقتصر على الدور التعليمي .ومن جهة أخرى ،بينا أن الفاعلين في المجالس الجهو ية ينظرون
للتقييم بطر يقة مرتبكة حيث يقومون بتفسير مفاهيمه انطلاقا من توقعاتهم والشروط السياسية التي أطرت
106
Pour plus de details sur les deux approaches, Voir: P. A. Sabatier, “Top-down and Bottom-up Approaches to
Implementation Research: A Critical Analysis and Suggested Synthesis”, Journal of Public Policy, Vol. 6, No. 1 (Jan.
- Mar., 1986), pp. 21-48.
107
M. Basle, « L'evaluation Territorialisee Des Politiques Publiques En France : Organisation, Constat Et
Problemes Spécifiques », Cahiers Economiques De Bretagne, N°2, 1999.
108
V. Spenlehauer et P. Warin, « L'évaluation au service des conseils régionaux », Sociologie du Travail, Vol. 42,
No. 2, 2000, pp. 245-262
109
Ibid., p247.
47
110
( ،)Matyjasikالذي حاول توضيح في نفس السياق ،يمكن الحديث عن أطروحة ماتيجاسيك
أن التقييم يتم تبنيه على مستوى مؤسسات الدولة المركز ية والتي تقوم بدورها برسم حدوده ونقله للجماعات
الترابية .ل كن ،في نفس الوقت ،لا يعني هذا أن الفاعلين في هذه الجماعات لا يعيدون صياغته على أساس
مصالحهم ومواقفهم .ورغم أن هذه المقاربة تتبنى دراسة مأسسة التقييم ضمن التنظيمات في تفاعل مع
الفاعلين على المستوى الترابي ،إلا أنها لا تتناول التفاعلات والمفاوضات بين مختلف الفاعلين ورهانات
بعض الدراسات حاولت أن تتناول مأسسة التقييم على مستوى قطاعات محددة للسياسات العمومية
وأقرت بتواجد نوع من الثقافة القطاعية للتقييم بالإضافة لمتطلبات خاصة .112عالجت بوكيت
( )Bouquetهذه المتطلبات التي تبرر إدماج التقييم في قطاع العمل الاجتماعي حيث أن متطلبات
الشفافية والمسائلة هي المستوى الأول الذي يبرر ضرورة مأسسة التقييم قطاعيا .وفي المقابل ،يتعلق الرهان
الثاني بإعادة تنظيم وضبط قطاع العمل الاجتماعي .أما الرهان الثالث ،فيتعلق بتوضيح وحذف الارتباك
انطلاقا من سؤال :كيف ولماذا يتطور التقييم ويتكيف كمؤسسة ضمن تنظيم معين؟ وكيف يعكس
الفاعلون مصالحهم ضمن هذا التطور؟ ،تحاول عكباني )Okban(114من خلال أطروحتها فهم مسار
مأسسة تقييم السياسات ،وكيف يأخذ هذا المسار شكله من خلال مفاوضات واستثمارات الفاعلين وما
110
N. Matyjasik. L’évaluation des politiques publiques dans une France décentralisée. Institutions, marché et
professionnels. Science politique. Université de Bordeaux, Université Montesquieu - Bordeaux IV, Institut
d’études politiques de Bordeaux ; SPIRIT, 2010.
111
Okbani. N., Op. Cit., p21.
112
B. Bouquet., « Du Sens De L'évaluation Dans Le Travail Social », Informations sociales, 2 n° 152 | pp 32 -39,
2009.
113
Ibid., p33.
114
Okbani. N., Op. Cit. p 33.
48
يحدثه هذا المسار من تغيرات على المدى المتوسط والبعيد .وتعتبر الباحثة أن دراسة مسار المأسسة في
تنظيم معين يتطلب تحليله من خلال مشار يع الفاعلين في التنظيم .115وتحاول هذه الدراسة فهم كيف
يحدد العمل المؤسساتي للفاعلين مسار مأسسة التقييم ،واستقراره واستمراره في الزمن في تنظيم معين.
يظهر من تعدد وتنوع التصورات والمقاربات التي تطرقت لإشكالية مأسسة تقييم السياسات العمومية،
سواء التي ارتكزت على الدولة أو على التنظيمات ،أن هذا المسار ليس بسيطا أو محصورا في بعد محدد
سواء القانوني أو الثقافي بل هو مسار دينامي وتفاعلي ومعقد تتداخل ضمنه العديد من العوامل ،والفاعلين،
والمؤشرات ،ويتأثر بالبنيات والهياكل المؤسساتية التي يمارس ضمنها وهو ما سنحاول التطرق له من خلال
الفصل الثاني.
49
الفصل الثاني
مأسسة تقييم السياسات العمومية:
النماذج الدولية.
يهدف هذا الفصل لدراسة مأسسة التقييم بالمغرب على ضوء النماذج الدولية رغم أن تقييم السياسات
يتخذ مسارات متعددة ومتنوعة حسب الدول و يعكس حجم خصوصياتها المؤسساتية والثقافية .116وسنقوم
بدراسة هذه النماذج من خلال السياقات التار يخية ،والثقافية ،والمعرفية لمسار تطور أنظمة التقييم بها،
وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية المؤثرة في هذا المسار (المبحث الأول).
وقد تطور الطلب الاجتماعي والسياسي على أنظمة التقييم عالميا في سياقات مختلفة ومرتبطة بعوامل
مؤسساتية وسياسية تتقاطع فيها ،من جهة ،العوامل الداخلية والتطورات التي عرفتها منظومات التدبير في
الدول المعاصرة ،ومن جهة أخرى ،المناخ الدولي المتسم بضغط شديد لتبني أنظمة تعزز فعالية ونجاعة
في هذا السياق ،سنركز على دراسة مسار مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب .ونقصد بدراسة
هذا المسار في المغرب عمليتين :الأولى ،تتعلق بتنظيم وظيفة التقييم وتشتمل على دراسة التنظيم القانوني
والمؤسساتي لوظيفة التقييم .والثانية ،تتعلق بالعوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب
(المبحث الثاني).
يتضح أن التقييم دائم الاستحضار في خطاب الفاعليين المؤسساتيين أو السياسيين .ل كن هل هذا
الخطاب يعكس فعلا تطورا على مستوى الممارسة الفعلية؟ ،في هذا الصدد ،يمكن القول إن التقييم في
المغرب عرف مرحلتين :مرحلة الاحتكاك وتشتت الممارسات ،ومرحلة الدسترة وما بعدها .و يعكس
F. Varone, S. Jacob, « Institutionnalisation de l’évaluation et Nouvelle Gestion Publique : un état des lieux
116
51
هذا مسار شروط وسياقات تكونه وتطوره ،وهو ما يضفي الأهمية على تأثير العوامل السياسية والمؤسسية
52
المبحث األول :مأسسة تقييم السياسات العمومية :دراسة مقارنة للنماذج الدولية.
عرف تقييم السياسات العمومية تطوره في ظل أنظمة مختلفة وبنيات مؤسساتية وسياسية متنوعة عبر
العالم .ويهدف هذا المبحث ،إلى دراسة النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية.
سيتم تناول النماذج الدولية لتقييم السياسات العمومية عبر مستو يين :السياقات العامة (السياسية
والثقافية) والتراكمات المعرفية (المطلب الأول) ،وخر يطة الفاعلين والعوامل المؤسساتية المؤثرة في تطور
في هذا الإطار ،سيتم تناول خمس نماذج دولية؛ ثلاث تدخل ضمن النماذج الأنجلوسكسونية
(الولايات المتحدة الأمريكية ،كندا ،بر يطانيا) ،ونموذجين ضمن النماذج الأوروبية (فرنسا ،إسبانيا).
ويمكن القول إن اختيار هذه النماذج يرتبط بتطور مسار مأسسة تقييم السياسات العمومية ضمنها ،وهو ما
سيساعدنا على فهم أعمق للعوامل المؤثرة في إرساء وتطور أنظمة التقييم.
53
المطلب األول :النماذج الدولية للتقييم :السياقات التاريخية والثقافية والمعرفية للمأسسة
ضمن هذا المطلب سنتطرق للسياقات التار يخية المتعلقة بإرساء أنظمة التقييم (الفرع الأول) من
خلال دراسة مقارنة لخمس نماذج دولية (النموذج الأمريكي ،ال كندي ،البر يطاني ،الفرنسي ،الاسباني)،
كما سنقارب بعدها مكونا مهما والمتعلق بالتراكم المعرفي والتجذر الثقافي المؤسساتي لأنظمة التقييم ضمن
يعتبر تقييم السياسات العمومية نشاطا مؤسساتيا حديثا نسبيا .وقد عرف بداياته الأولى في الولايات
المتحدة الأمريكية سنوات الخمسينات والستينات بالتوازي مع النقاشات التي خلقتها البرامج الاجتماعية
ال كبرى التي دشنتها إدارة جونسون ،وقد برره ازدياد النفقات العمومية في تلك الفترة .117نفس الأمر
يمكن تعميمه على النموذج ال كندي بحيث أنه عرف بداياته سنوات 1970تبعا للضغط المؤسساتي
والاحتكاك مع الولايات المتحدة الأمريكية .و يضاف إلى ما سبق ،الدور الر يادي الذي لعبته هيئتين:
إحداهما ارتبطت بالسلطة التشر يعية (مكتب المحاسب العام ال كندي) ،بينما الأخرى مرتبطة بالسلطة
117
R. Desplatz, « L’évaluation des politiques publiques aux États-Unis », document de travail N°2019-12, France
Stratégie, 2019, p 5. Voir Aussi: Katharine M. & J. R. Pfeiffer, “Monitoring and Evaluation in the United States
Government: An Overview”, ECD Working Paper Series, No. 26, The World Bank Group, 2011.
54
ضمن النموذج البر يطاني ،يعود تطوير أنظمة التقييم إلى سنوات الستينات وارتبط بالمراجعات المنتظمة
للنفقات العمومية بغاية تغيير أهداف السياسات العمومية ،ل كن الإرساء الفعلي ارتبط بتطور الممارسات
في المقابل ،وضمن النموذج الفرنسي ،يتم في الغالب الحديث عن التقييم باعتباره نظاما مستوردا .رغم
أن المحاولات الأولى لإرسائه ارتبطت بدور وزارة المالية من خلال إرساء نظام عقلنة الاختيارات
الميزانياتية ()RCB؛ وهو النسخة الفرنسية لنظام التخطيط والبرمجة والموازنة الأمريكي .إن هذا النظام
اشتمل على نماذج ومقاربات منهجية من مثيل تقيم الكلفة-منفعة ،والتقييمات القبلية للتدخلات الحكومية
يمكن تسجيل نفس الملاحظة فيما يخص النموذج الإسباني حيث أن الممارسات قائمة منذ الثمانينات
ل كن هيكلة ومأسسة هذه الممارسة لم يتم ارسائها إلا مع موجة التحديث والإصلاح سنوات .2008
118 C. Talbot, “Performance in Government: The Evolving System of Performance and Evaluation
Measurement, Monitoring, and Management in the United Kingdom”, ECD Working Paper Series, No. 24,
The World Bank, November 2010.
55
جدول :6السياق التاريخي ورهانات مأسسة تقييم السياسات العمومية في النماذج الخمس
الأمريكية
النفقات العمومية.
المتواجدة.
يمكن تقسيم مسار إرساء أنظمة تقييم السياسات العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية لمرحلتين
بين سنوات :2000-1960تمتد المرحلة الأولى ما بين 1960و .1980وتميزت بتصاعد الطلب على
التقييم ووضع هياكل تقييم على مستوى السلطة التنفيذية والتشر يعية .أما المرحلة الثانية فتمتد بين 1980
و .2000وقد عرفت تراجعا في الموارد المرصودة لعمليات التقييم .120في المرحلة الراهنة ،هناك عودة
للتقييم خصوصا في ظل إدارة الرئيسين بوش وأو باما ،عبر أداة مراجعة البرامج والسياسات لسنة 2004
119
Deloitte, Regards croisés sur la démarche d’évaluation des politiques publiques Benchmark international,
Octobre 2013.
120
R. Desplatz, Op. cit., p6.
56
( ،) PARTودور يات مكتب التدبير والميزانية التابع لإدارة الرئيس .في ظل إدارة ترامب تم إعادة
يمكن القول إن التقييم ،ضمن النموذج ال كندي ،عرف تطورا مضطردا وتدر يجيا حيث أن البدايات
تعلقت بإدماج الممارسة في المسار اليومي للإدارات الحكومية ،بشكل خاص عبر ضغط مكتب المحاسبة
العامة ومجلس الخزينة .وفي فترة ثانية ،وبعد تأسيس المؤسسة ال كندية للتقييم ( )SCEسنة ،1980تم
تقو ية هذه المسار عبر ربطه بعمل الباحثين الأكاديميين في الجامعات .إن هذا الأمر خلق نوعا من التراكم
المعرفي حول نماذج ومقاربات التقييم .في سنوات التسعينات وما بعدها ،أصبح التقييم أكثر ارتباطا
بالتدبير العمومي ،حيث محاولات البحث عن أفضل أداء ممكن فيما يخص تدبير الموارد والنفقات
العمومية ( ،)1990وتعزيز المقاربات المبنية على مسائلة مردودية المسؤولين في الوظيفة العمومية الفدرالية
( ،)2000هذا السياق ساهم في انتشار الممارسة على المستوى الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية.122
فيما يخص النموذج البر يطاني ،وكما سلف الذكر ،فالتأسيس لممارسات مؤسسية للتقييم ارتبط
بالمراجعات الدور ية والمنتظمة للنفقات العمومية وأهداف السياسات والبرامج الحكومية سنوات .1960
بينما المرحلة الثانية اتسمت ،ابتداء من سنة ،1980بتبني التقييم وفق منظور تدبيري في إطار " التدبير
العمومي الجديد" كما تبنته حكومة تاتشر .بمعنى آخر ،أن التقييم يرتبط أساسا بتقييد إنفاق المال العمومي
( )value for moneyوتعزيز نجاعة أكبر للبرامج العمومية .123في سنوات التسعينات ،ومع حكومة توني
121
R. Desplatz, Op. Cit., P6.
122
C. L. Fougère, « L’évaluation Des Politiques Publiques Au Canada », N°2019-11, France Stratégie, 2019, P 5-6.
123
S. Debu, « L’évaluation Des Politiques Publiques Au Royaume-Uni », N°2019-14, France Stratégie, 2019, Pp 5-
6.
57
تطور التقييم في فرنسا في مرحلة أولى عبر إرساء وتنفيذ نظام عقلنة الاختيارات الميزانياتية (،)RCB
وهو النظام الذي تم إلغائه في سنوات .1980وأما المرحلة الثانية في تطور الممارسة فقد ارتبطت بسياق
سياسي مختلف ،عبر خلق اللجنة البين-وزار ية للتقييم ( ،)CIMEومجلس علمي للتقييم ( ،)CSEوصندوق
تميزت هذه المبادرات بالاستقرار ومحاولة إرساء نموذج ديموقراطي ومفتوح ساهم في تجربة فرنسية
تعددية ستحفز خلق المؤسسة الفرنسية للتقييم ( )SFEحيث جسدت فضاءا للالتقاء بين الأكاديميين
والممارسين والفاعلين الإدار يين .وفي نفس الفترة ،تم استبدال اللجنة البين-وزار ية بالمجلس الوطني للتقييم.
كذلك ،ومع موجة اللامركز ية التي دعمها الاتحاد الأوروبي بتمو يلات كبيرة ،تم إرساء أنظمة وقواعد
أساسية للتقييم في القطاعات المحلية .وفي التعديل الدستوري لسنة ،2008تم اسناد التقييم للبرلمان مدعوما
من طرف مجلس الحسابات .إضافة إلى ما سبق ،تم إصدار قانون تنظيمي في 2009يتضمن ضرورة
اجراء تقييم قبلي للآثار قبل صياغة أي قانون .وفي سنة ،2014تم تضمين القانون الداخلي للبرلمان الفرنسي
بندا يفرض إجراء تقييم للآثار لأي قانون بعد دخوله حيز التنفيذ بثلاث سنوات.124
في النموذج الإسباني ،تميزت المرحلة الأولى بتأثير الشروط السياسية والمؤسساتية المتسمة بديكتاتور ية
فرانكو وانعكاساتها على الممارسة الإدار ية .وقد امتدت من 1950الى .1970إن هذه السنة الأخيرة
تمثل البداية الفعلية لنمو استخدامات المرافق والخدمات العمومية ودراسات التقييم التي تمت حولها .أما
المرحلة الثانية ،ما بين 1980إلى ،1990فقد اتسمت بدخول إسبانيا للاتحاد الأوروبي سنة 1986وما
تبعها من إرساء أنظمة وقواعد تقييم على المستوى المحلي بموازاة تمو يل برامج التنمية المحلية .ومن أهم مميزات
124
R. Desplatz et C. L. Fougère, « L’évaluation des politiques publiques en France », N°2019-13, France Stratégie,
2019, pp 5-6.
58
هذه الفترة ،يمكن الحديث عن مسار اللامركز ية ،عبر تحو يل خدمات الصحة والتربية سنة 1999في
مقابل نقل الموارد المالية للجماعات المستقلة ( %77من الموارد العمومية) .ومنذ سنة ،2004أصبح
125
التقييم ذو طبيعة مؤسسية على المستوى الوطني عبر خلق الوكالة الوطنية لتقييم السياسات العمومية
(.126)AEVAL
يتضح مما سبق ،أن سياقات مأسسة تقييم السياسات العمومية لها بعض السمات المشتركة .فكل
النماذج ارتبطت فيها أنظمة التقييم بضرورة تقليص وعقلنة الإنفاق العمومي بشكل أساسي .وكذلك،
فثقافة التقييم تعلقت بطبيعة وتركيبة الحكومة القائمة ما عدا في النموذج الأمريكي .ل كن فيما يخص مأسسة
ترتبط مأسسة أنظمة التقييم بالسياقات الثقافية وتراكمات معرفية يمكن ،من خلال دراستها ،فهم
تطور ودرجات مأسسة التقييم في النماذج الدولية المقارنة .لهذا ،يمكن دراسة السياقات الثقافية من خلال
معايير متعددة .في البداية ،سنحاول دراسة تطور مؤشر المساءلة في الزمن ضمن النماذج المدروسة .بعدها،
سنمر لدراسة توافر الأطر المرجعية والدلائل المنهجية ومدى سلاستها بالنسبة للفاعلين .في الأخير ،سنتجه
لدراسة القدرة على بناء نموذج تواصلي ملائم من خلال النشر العمومي لنتائج ومعطيات التقارير التقييمية
126
Deloitte, op. cit., p39. Voir aussi: O. Feinstein and E. Z. Goñi, “Evaluation of Government Performance and
Public Policies in Spain”, ECD Working Paper Series, No. 22, The World Bank, May 2010, pp 1-3.
59
فيما يخص التراكمات المعرفية ،يمكن قياسها من خلال الاطلاع على بيانات الدراسات والمقالات
المنشورة حول تقييم السياسات ومدى انخراط الفاعلين الأكاديميين والباحثين في إجراء تقييمات للبرامج
رغم ما يمكن تسجيله من اختلافات في الموضوع والترتيبات المؤسسية للتقييم فتجذر ثقافة التقييم،
في الهياكل والمؤسسات الإدار ية والسياسية ،يمثل عاملا مهما في فهم درجة مأسسة تقييم السياسات
العمومية.
يمكن قياس تجذر ثقافة تدعم تطور نظام التقييم عبر الاعتماد على مؤشر المسائلة ( Accountability
.)Indexوالذي يتم تعر يفه باعتباره مجمل القيود التي تقع على الحكومة وتفرض عليها تبرير تدخلاتها وبناء
فعلها على نوع من المشروعية والشرعية .127وتشمل ثلاث مستو يات .تتعلق الأولى بالمسائلة العمودية
وتعني قدرة الساكنة على مسائلة الحكومة عبر الانتخابات .أما المستوى الثاني ،وهو المسائلة الأفقية فيعنى
بالقيود وتوازن القوة بين المؤسسات .والمستوى الثالث ،أي المسائلة القطر ية ،وتعني قدرة المجتمع المدني
يظهر ،من المنحنى أسفله ،أن النماذج الخمس تتميز بمستو يات ذات دلالة على مستوى مؤشر المسائلة.
وتوفر هذه المستو يات الشروط اللازمة لتكريس ثقافة وممارسات التقييم على المستوى المؤسساتي .و يظهر
أن النموذج الإسباني يؤكد فرضية الارتباط بين مستو يات ذات دلالة من مؤشر المسائلة وتطور ممارسات
127
B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. cit., pp 1-13. Voir aussi: R. Mulgan, Holding Power to Account Accountability
in Modern Democracies, First published, Palgrave Macmillan, 2003.
128
Ibid., p9.
60
وثقافة التقييم؛ ل كون نهاية السبعينات اعتبرت الفترة الفعلية لتحرر النسق السياسي والإداري الإسباني
من آثار المرحلة السابقة وهيكلة بنيات مؤسساتية للتقييم وتعزيز ثقافة النجاعة والفعالية.
المصدر.129
يمثل توفير الأطر المرجعية والمنهجية الخاصة بالتقييم لفائدة الفاعلين والمسؤولين عن التدبير العمومي
مؤشرا من بين المؤشرات الأساسية التي يمكن أن توضح مدى تجذر ثقافة وممارسات التقييم .و يظهر أن
الدول في هذه النماذج الخمس توفر أطرا أو دلائل منهجية سلسة تمكن الفاعلين والمكلفين بالتقييم من
تكييفها مع رهاناتهم ومتطلباتهم .في هذا الصدد ،يتم أخذ شروط موضوع وطبيعة التقييم بعين الاعتبار
في مسار إعداد الأطر المنهجية المعتمدة .مثلا ،في حالة تكليف وكالة وطنية بإجراء التقييم ،كما الحال في
129
Source: https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ . Consulter le : 07/10/2020.
61
إسبانيا ،يتم تبني منهجية نسقية وكلية ومحددة بدقة .بالمقابل ،عند وضع التقييم في يد الإدارات الفرعية
يتم إرفاقها بخطوط منهجية عامة ومدونات للممارسات الفضلى تضمن نوعا من السلاسة لفرق العمل
المكلفة بالتقييم.130
يمكن الحديث عن أحد أكثر المؤشرات أهمية؛ والمتعلق بنشر المعلومات والنتائج الخاصة بالتقييم
للعموم ومراقبة جودة التقييمات .هنا ،فمجمل الدول المدروسة تتبنى سياسة تواصلية لتوفير نتائج ومعطيات
تقارير التقييم على مواقع الأنترنيت الرسمية والمفتوحة للعموم .في هذا الصدد ،يمكن استحضار النموذج
الأمريكي الذي يعد رائدا في هذا المجال حيث ،بالموازاة وتبني المقاربة المنهجية ( )PARTالمذكورة سلفا،
تم تنفيذ سياسة للتواصل تعتمد حفظ النتائج وأرشفتها ،والتي توفر للمواطنين إمكانية الاطلاع على البرامج
يمكن أن توضح هذه المؤشرات السياقات الثقافية المؤثرة في تطور مأسسة التقييم في النماذج الدولية
المدروسة .بالمقابل ،فدراسة التراكمات المعرفية للتقييم تعتبر مؤشرا أساسيا على مدى مأسسة التقييم في
130
B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. Cit., p15.
131
B. Badie, D. Berg-Schlosser, Op. Cit., p15.
132حدد فيربو وسندهال ( )Furubo et sandahlمجموعة من العوامل المؤثرة في تطور أنظمة التقييم .نجد في مقدمتها ،جودة الديموقراطية،
وبشكل خاص تأثير ممارسات الشفافية والمشاركة والنقاش بين الفاعلين على الفعل العمومي .في مستوى ثان ،نجد تقاليد التدبير العمومي ،أي ميل
هذا األخير لإلدارة والتدبير العلمي والعقالني والمبني حجاجيا ( )Evidence Managementأو سيادة التقاليد اإلدارية – القانونية الكالسيكية .في
هذا السياق يضيف Jacobمؤشرات عالقات الفاعلين األكاديميين واإلداريين ومدى تأثر هذه األخيرة باإلسهامات العلمية .ويضيفان كذلك ،تطور
االنفاق العمومي في بعض القطاعات األساسية من منظور الدولة – الراعية (التعليم ،الصحة ،الراعية االجتماعية…) .في النهاية ،يشير الى ضرورة
وجود فاعلين خارجيين عن النسق وتلعب دور المحفز ،وفي االغلب تتجسد في الممولين والهيئات الدولية .لمزيد من حول هذه العوامل يمكن االطالع
على:
(*) B. Lázaro, Op. Cit., p20.
62
الفقرة الثانية :التراكمات المعرفية للتقييم في النماذج الدولية
تشكل التراكمات المعرفية أحد الجوانب الأساسية التي يمكن بها قياس مدى مأسسة وتجذر التقييم
في النماذج الدولية .لهذا ،سنتطرق لهذا الجانب من خلال استطلاع نتائج دراسة حول الإنتاج المعرفي
لتقييم آثار السياسات والبرامج العمومية على طول 20سنة في مجموعة من الدول.133
يظهر تحليل النتائج ،ضمن الدراسة السالفة الذكر ،أن الدراسات والمقالات حول تقييم السياسات
العمومية عرفت في مجملها تصاعدا منذ سنوات 1986الى حدود سنة 2016في كل الدول موضوع
المصدر.134
133
P. Bono et al., "Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse quantitative de la
production scientifique", N°2018-06, France Stratégie, 2018.
134
Ibid., p11.
63
عند تصنيف هذه الدراسات على أساس لغة الصياغة يظهر أن عدد المقالات المنشورة باللغة
الإنجليز ية يمثل نسبة ،95%أي ما يناهز 7107مقالا ،بينما بالنسبة للغات الأخرى التي تأتي بعدها فهي
فيما يخص ترتيب عدد المقالات على أساس المناطق التي تصدر فيها ،فالواضح أن دول أمريكا
الشمالية تتصدر الترتيب ،بينما في المرتبة الثانية نجد دول أوروبا وبعدها دول آسيا ثم القارة الأفر يقية
(انظر الشكل .)9إن هذا الترتيب يوضح مدى تجذر ثقافة وممارسات التقييم في النماذج الأنجلوسكسونية
(خصوصا أمريكا الشمالية) بالمقارنة والنماذج الأوروبية والآسيو ية والأفر يقية التي لازلت تحاول بشكل
المصدر.135
135
P. Bono et al., Op. Cit., p12.
64
الشكل : 9عدد المقاالت حسب المناطق بين سنتي 2000و2016
المصدر.136
في هذا الصدد ،يمكن التحديد الدقيق للمقالات المنشورة حسب الدول من فهم تأثير ترتيب الدول
دلاليا على مستوى تجذر ثقافة وممارسات تقييم السياسات العمومية ضمن هذه النماذج .نجد الولايات
المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى بأكثر من 2884من الدراسات .وهي تتجاوز الدولة التي تحصلت
على المرتبة الثانية ب 7مرات حيث نجد الصين ب .438بعدها تأتي بر يطانيا ب 374مقالا (انظر
الشكل .)10
136 P. Bono et al., Op. Cit., p14. (*) Note : Chaque point d’une courbe représente le nombre d’articles publiés
qui concernent les pays appartenant à la région mentionnée. L’Amérique du Nord s’entend seulement avec
le Canada et les États-Unis.
65
الشكل: 10عدد مقاالت ودراسات التقييم حسب الدول
المصدر.137
يمكن إضافة مؤشر آخر أساسي يوضح مدى تجذر ثقافة التقييم في الدول موضوع الدراسة وهو المرتبط
ومن خلال الشكل أسفله ،يمكن القول إن الدول الإسكندنافية هي أكثر النماذج تقدما من حيث
عدد الدراسات في علاقة بعدد الساكنة .تأتي بعدها الولايات المتحدة الامريكية ودول شمال أوروبا.
ويمكن القول إن هذا المؤشر يبين حجم اهتمام الباحثين وممولي الدراسات حول أثر البرامج والسياسات
العمومية على الساكنة .بالتالي ،يعكس تجذرا ومستوى عاليا من مأسسة تقييم السياسات العمومية.
137
P. Bono et al., Op. Cit., p15. (*) Note : On reporte les vingt premiers pays en fonction du nombre d’évaluations
d’impact qui leur est associé jusqu’en 2016. La valeur pour les États-Unis est reportée séparément pour une
meilleure lecture du graphique.
66
الشكل : 11عدد مقاالت التقييم حسب عدد الساكنة
المصدر.138
يتضح مما سبق أن السياقات الثقافية والمعرفية تمثل جوانب أساسية لفهم درجة مأسسة تقييم
السياسات العمومية في النماذج الدولية الأكثر تطورا .وسنحاول فيما يلي رصد العوامل الأخرى خاصة
138
P. Bono et al., Op. Cit., p15. (*) Note : Ce graphique exprime, pour les vingt pays ayant produit le plus
d’évaluations d’impact jusqu’en 2016, le nombre d’articles divisé par la population du pays en 2014 (en million
d’habitants).
67
المطلب الثاني :الفاعلون والعوامل المؤسساتية للتقييم في النماذج الدولية
يتطلب فهم العوامل المؤسساتية لتطور التقييم في النماذج المدروسة ،من جهة ،استحضار منطق
توازنات السلطة الذي يحكم علاقة السلط التشر يعية والرقابية بنظيرتها التنفيذية .139ومن جهة أخرى،
دراسة ارتباط هذه التوازنات بالتغيير الذي لحق أنماط الحكم ( .)les modes de gouvernementإن
مشروعية الحكومات لم تعد منحصرة في الأبعاد القانونية والمؤسساتية بل أصبحت متعلقة بدرجات فعاليتها
وجدواها.
ضمن هذا الإطار ،سنحاول دراسة خر يطة الفاعلين المؤثرين في التقييم في النماذج الخمس (الفرع
يهدف هذا الفرع لدراسة خر يطة الفاعلين ضمن أنظمة التقييم في الدولة موضوع الدراسة .وسيتم
التركيز على البنيات والهياكل المرتبطة بالبرلمان (الفقرة الأولى) .على أن ننتقل بعدها لدراسة الهياكل
يلعب البرلمان دورا مهما في الرقابة وتقييم السياسات والبرامج العمومية .وسنحاول دراسة موقع البرلمان
139
P. Lascoumes & C. L. Fougère, Op. Cit., p 19.
68
في هذا الصدد ،يعتمد ال كونغرس الأمريكي على مكتب المسائلة الحكومية ()GAO؛ وهو وكالة
مستقلة تم خلقها سنة 1921وتقوم بمراقبة الحكومة لصالح ال كونغرس عبر التقارير التي تقوم بصياغتها
حول تنفيذ البرامج والسياسات الحكومية .ويركز مكتب المسائلة الحكومية على أداء وآثار البرامج
والسياسات ،وبشكل خاص الاستخدام الملائم والمناسب للموارد المالية العمومية ،والتقييم النوعي للآثار
على الفئات المستهدفة .140يمكن أن نسجل نفس الأمر في النموذج ال كندي حيث يمارس البرلمان ال كندي
وظيفة التقييم بالاستناد على مكتب المحاسب العام ال كندي ( )BCGوالذي يوفر له المعلومات والتوصيات
أما في النموذج البر يطاني ،يلعب المكتب الوطني للتدقيق ( )NAOدورا أساسيا في تقييم السياسات
والبرامج والإنفاق العمومي ،ل كنه يعنى فقط بتقييم النجاعة والفعالية بدون اجراء تقييمات الآثار .و يعتبر
هذا المكتب أكثر استقلالا بالمقارنة بنظرائه في النماذج السابقة ل كنه يظل مرتبطا بمجلس العموم ل كونه
بالمقابل ،في النموذج الفرنسي ،يعتمد البرلمان على لجانه الدائمة وتقسيم المهام ضمنها لتقييم السياسات
العمومية حيث تم تطوير مهمات الرقابة والتقييم ( )MECوالمكلفة بالرقابة على الانفاق العمومي ،ومهمة
تقييم ومراقبة قوانين تمو يل الحماية الاجتماعية ( )MECSSوالتي تعمل على مراقبة تمو يل وأنشطة مصالح
وخدمات الحماية الاجتماعية .وفي سنة ،2009تم خلق لجنة التقييم والمراقبة كتنفيذ للفصل 24من
140
R. Desplatz, Op. Cit., pp 7-9.
141
C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 6-9.
142
S. Debu., Op. Cit., pp 7-10.
143
R. Desplatz et C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp7-6.
69
في النموذج الإسباني ،يتم الاعتماد على مجلس الحسابات ( )Tribunal de Cuentasوالذي يعتبر
هيئة تابعة للبرلمان حيث يتم تعيين أعضائها من طرفه و يقوم بالمهمة الكلاسيكية المرتبطة بمراقبة الانفاق
على المستوى الحكومي ،يتم اعتماد التقييم على مستو يات مختلفة سواء على المستوى المركزي أو على
مستوى قطاعي .في النموذج الأمريكي ،نجد مكتب التدبير والميزانية ( )OMBوهو الوكالة التي تعمل
لصالح الرئيس لأجل إعداد الميزانية وتنسق أنشطة التقييم على المستوى الحكومي .وضمن العديد من
مقرراتها ،حثت الوكالات الفدرالية على القيام بمبادرات لتقو ية ممارسات التقييم لبرامجها .كذلك ،يتواجد
على مستوى مختلف الوكالات الفيدرالية وحدات أو بنيات تتولى مهمة التقييم .مثلا ،مكتب التخطيط
والبحث والتقييم ( ،)OPREوهي بنية ضمن وكالة الطفولة والنساء التابعة لوزارة الخدمات الصحية
والإنسانية.145
في النموذج ال كندي ،لعب مكتب مجلس الخزينة ( )SCTدورا أساسيا في مجال التقييم حيث تركزت
مهمته على ضمان فعالية ونجاعة الانفاق العمومي .وقد تبنت مهمة مراقبة قدرات وكفاءة اجراء التقييم
لدى الوحدات الداخلية للوكالات الحكومية ،وكذلك مراقبة جودة هذه التقييمات .وفي سنة ،1985
أصبح لهذه الهيئة وحدة من المتخصصين مكلفة بالتقييم سمي مركز التميز للتقييم (.146)CEE
144
O. Feinstein & E. Zapico-Goñi, Op. Cit., pp 2 – 3.
145
R. Desplatz, Op. Cit., pp 7-9.
146
C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 7-8.
70
في النموذج البر يطاني ،فمبادرات تقييم السياسات العمومية ترتبط بعمل الإدارات والأقسام التابعة
للسلطة التنفيذية .فالوزارات يمكن أن تنتج تقييمات عبر وحدات البحث الداخلية أو عبر طلبات تقييم
من منظمات البحث والدراسات الخارجية .كذلك ،تم خلق شبكة (،)What Works Network
وهي شبكة تضم عشر مراكز موضوعاتية وفر يق مركزي الذي أصبحت مهمته منذ 2013نشر وتكريس
في النموذج الفرنسي ،تتواجد ثلاث بنيات مركز ية وبين-وزار ية تلعب دورا أساسيا في مجال التقييم:
استراتيجية فرنسا ،والمندوبية العامة للمساواة الترابية ( ،)CGETوالمدير ية بين-وزار ية للتحولات العمومية
( .)DITPوبين هذه البنيات تظل هيئة استراتيجية فرنسا الوحيدة التي طورت خبرة معروفة في مجال
تقييم الآثار .كذلك ،على مستوى الوزارات ،تتواجد بعض الهياكل المكلفة بالتقييم .مثلا ،وحدة تقييم
في النموذج الإسباني ،تلعب وكالة التقييم وجودة الخدمات ( )AEVALهذا الدور باعتبارها بنية
مستقلة ل كنها مرتبطة بالحكومة وتم خلقها سنة .2007وتقتضي مهمتها أساسا تقييم السياسات والبرامج
العمومية ،بالإضافة إلى تقييم تحسن الخدمات العامة ،ونشر المناهج والممارسات الفضلى في مجال التقييم.
وعلى المستوى المحلي ،يتواجد المعهد ال كطلاني لتقييم السياسات العمومية ()IVALUA؛ وهي تنسيق
محلي بين فاعلين حكوميين وأكاديميين وخبراء خلقت سنة 2006وكان دورها ،بالإضافة الى إجراء
تقييمات ،تنظيم تكوينات للموظفين الحكوميين والخبراء حول التقييم ،وكذلك صياغة دلائل منهجية لفائدة
الفاعلين.
147
S. Debu, Op. Cit., pp7-9.
148
R. Desplatz et C. Lacouette-Fougère, Op. Cit., pp 8-9.
71
الفرع الثاني :العوامل المؤسساتية لتطور التقييم
يلعب البرلمان دورا أساسيا في تقييم السياسات العمومية في النماذج الدولية المدروسة .رغم هذا ،فإن
هذه النماذج تختلف من حيث قوة وتأثير هذا الدور .وهنا ،يجد التقييم البرلماني مبرراته في عدم الاعتماد
الكلي على الخبرة التي تقدمها هيئات السلطة التنفيذية .ويرتبط أيضا ،التقييم البرلماني بضرورة تعزيز دوره
كسلطة مضادة تضمن التوازن وتراقب تدخلات الحكومة .و يظهر من خلال الأشكال أسفله أن البرلمان
في الدول موضوع الدراسة تتوفر على قدرة وتأثير كبير في العلاقة بالسلطة التنفيذية في الجوانب المتعلقة
ضمن مؤشر قيود السلطة التشر يعية على السلطة التنفيذية والذي يعني قدرة مؤسسات الرقابة المرتبطة
بالبرلمان على مسائلة والتحقيق ومراقبة عمل السلطة التنفيذية يظهر أن النماذج الدولية الأنجلوسكسونية تتميز
بدرجات عالية من تقييد السلطة التشر يعية لنشاط وفعل الحكومة .في المقابل ،نجد أن النموذج الإسباني
ومع نهاية سنوات السبعينات عرف تطورا ذا دلالة في مستوى تقييد السلطة التشر يعية للحكومة ،وهو ما
72
الشكل : 12قيود السلطة التشريعية على فعل الحكومة
المصدر.149
يظهر مؤشر قدرة السلطة التشر يعية على التطبيق الفعلي للتحقيقات الميدانية تطور دور البرلمان في
المراقبة الفعلية لعمل ونشاط الحكومة .ويبين هذا المؤشر أن الولايات المتحدة الامريكية وبر يطانيا تمتلك
فيها البرلمانات قدرة أكبر على إجراء تحقيقات ميدانية حول عمل ونشاط الحكومة .وتتقلص هذه القدرة
في النموذج ال كندي والنموذج الفرنسي والإسباني .وبشكل عام ،يظهر أن هذا المؤشر يعرف تذبذبا على
مستوى تطوره في الزمن ل كنه يعتبر عاملا أساسيا في تطور أنظمة التقييم البرلماني في هذه الدول (الشكل
.)13
149
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.
73
الشكل : 13قدرة السلطة التشريعية على التحقيق الميداني حول فعل السلطة التنفيذية
المصدر.150
نعني بمؤشر قدرة السلطة التشر يعية على استجواب المسؤولين الحكوميين قدرة استدعاء رئيس السلطة
التنفيذية أو وزير ضمن حكومته أو أي وكالة وطنية ومطالبته بشرح سياسته وبرامجه .إن مختلف هذه
النماذج تعرف ارتفاعا ذا دلالة في مستوى هذا المؤشر .ويتبين من خلال استطلاع المنحنى أسفله ،أن
النموذج البر يطاني يتميز بقدرةكبيرة على الاستجواب ،يأتي بعده الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفرنسا.
في المقابل ،وضمن النموذج الإسباني ،فقد تطورت هذه الممارسات منذ بداية سنة 1974بالموازاة مع
150
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.
74
الشكل : 14قدرة السلطة التشريعية على استجواب المسؤولين الحكوميين
المصدر.151
يظهر أن فرضية التأثير الإ يجابي لتطور قدرات البرلمان على المستوى الرقابي (خصوصا الحديثة) على
تطور أنظمة التقييم في النماذج المدروسة ،يمكن أن يتم تبنيها وفق ما بينته الأشكال أعلاه .ل كن في نفس
الوقت ،يمكن التساؤل حول ما إذا كانت هذه القدرات هي العامل الوحيد الذي يساهم في تطور أنظمة
التقييم.
في هذا السياق ،يمكن لمؤشر مشروعية الأداء أن يساهم في تشكيل صورة أكثر وضوحا حول تأثير
التغيرات التي لحقت أدوار ومشروعية تدخلات الحكومة على إرساء أنظمة التقييم .ونعني بهذا المؤشر
151
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 09/10/2020.
75
استناد الحكومة على أدائها وإنجازاتها ،في مجالات النمو والتنمية الاقتصادية ،وتكريس حكامة التدبير
العمومي… ،لتبرير استمرارها .ويتبين أن المؤشر في مجموعة النماذج (ولو بشكل متفاوت) يعكس اعتماد
الحكومات موضوع الدراسة ،على مشروعية الإنجاز أو الأداء في تبرير استمراريتها .ومن بين الأدوات
الأساسية التي يمكن بها قياس وتقدير الأداء وفعاليته نجد إرساء أدوات التقييم وضمان تطورها (انظر
الشكل .)15
المصدر.152
152
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 10/10/2020.
76
تظهر هذه المؤشرات أن أنظمة التقييم تتأثر بالعوامل المؤسسية .وكذلك ،تتأثر بالعلاقات بين السلطتين
التشر يعية والتنفيذية .مثلا ،في النموذج الأمريكي والذي يعرف توازنا متبادلا للقوى بين ال كونغرس
والإدارة الأمريكية ،يمثل التقييم أداة أساسية لتقو ية رقابة البرلمان على العمل والنشاط الحكومي ،وبشكل
خاص على آثار البرامج الفيدرالية على المواطنين ،ومدى مطابقة نتائجها للموارد المخصصة .بينما على المستوى
الحكومي فهو يمثل أداة لتكريس شرعية الأداء وفعالية الإنجاز .في النموذج الفرنسي ،والذي يعرف ضعفا
على مستوى سلطة البرلمان ،فالتقييم مهيمن عليه من طرف البنيات والهياكل المرتبطة بالسلطة التنفيذية.
77
المبحث الثاني :مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب :دراسة مسار التنظيم وعوامل
المأسسة
يهدف هذا المبحث لدراسة مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب .وسنتطرق بداية ،لتنظيم
وظيفة التقييم بالمغرب؛ ونعني بها دراسة تطور الممارسات ومسارتها وأهم الجوانب التي تقترن بها وصولا
إلى دسترتها سنة ( 2011المطلب الأول) .ثم ننتقل بعدها لدراسة العوامل المؤثرة في مسار مأسسة تقييم
تطورت الممارسات المتعلقة بالتقييم في المغرب عبر الاحتكاك بعمليات المراجعة الشاملة أو الجزئية
التي دأبت المنظمات الدولية المانحة القيام بها منذ منتصف القرن الماضي .ل كن المغرب عرف التطور
الفعلي لهذه الممارسات في إطار موجة إصلاح الميزانية والمراجعات ال كبرى التي صاحبت بداية هذا
القرن.
شكلت لحظة دسترة وظيفة التقييم سنة 2011مؤشرا هاما على تطور الوعي بأهمية الموضوع من
طرف المقررين والقائمين على الشأن العام .ل كن إلى أي حد انعكس هذا الوعي على مستوى ودرجة
في هذا الصدد ،تحتل دراسة العوامل السياقية والإجرائية المؤثرة في تقييم السياسات العمومية أهمية
كبرى ل كونها تمكن من فهم الإطار الذي يمكن من خلاله أن تتطور هذه الممارسات إلى نظام للتقييم
مستقر ودائم.
77
المطلب األول :تنظيم وظيفة تقييم السياسات العمومية بالمغرب
يهدف هذا المطلب ،إلى دراسة تنظيم وظيفة التقييم؛ أي مسار إدماجها في الممارسات الإدار ية
والسياسية والمؤسساتية بالمغرب .وسيتطرق ،من جهة ،للمسار والسياق العام لتطور مفهوم التقييم في
النموذج المغربي .ومن جهة أخرى ،إلى الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية بالمغرب.
سنقوم ،في الشق الأول ،بدراسة السياقات التار يخية المتعلقة بتقييم السياسات العمومية وتطوراتها
الى حدود دسترتها سنة 2011وذلك عبر دراسة التطور التار يخي لممارسات التقييم والتطرق للمرحلة التي
هيمنت استخدامات الرقابة بمفهومها الكلاسيكي – أي رقابة المشروعية – والتدقيق في عمل المؤسسات
مما خلق نوعا من الارتباك في استخدام مفهوم التقييم .كذلك ،سندرس آلية المراجعات الاستراتيجية
والاسترجاعية كمقاربة لتقييم السياسات العمومية .ثم في الأخير ،سننتقل لدراسة مسار اصلاح الميزانية
ورهانات التقييم خصوصا عبر تبني التدبير المالي المبني على النتائج ودسترة تقييم السياسات العمومية ودلالته
في الشق الثاني ،سنتناول الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية .وذلك من خلال ،دراسة
التقييم البرلماني والآليات الأساسية التي يعتمدها .ثم ،ننتقل لدراسة البنيات والهيئات المؤسساتية المرتبطة
بالسلطة التنفيذية والتي تلعب دورا في التقييم .وفي الختام سندرس دور بعض المؤسسات الدستور ية
المستقلة في التقييم.
78
الفرع األول :التقييم :من االحتكاك والممارسات إلى الدسترة
يهدف هذا الفرع إلى استطلاع تطور تجربة التقييم في المغرب .هذا الهدف سيتطلب ،من جهة،
نظرة تار يخية حول مسار التقييم في المغرب (الفقرة الأولى) .ومن جهة أخرى ،دراسة مسار الإصلاح
في جانبه المالي والانتقال الى التكريس الدستوري للتقييم (الفقرة الثانية).
يعد تقييم السياسات العمومية ثقافة مستجدة في السياق المغربي .153ل كن ،يمكن العودة إلى سنوات
الثمانينات واستحضار البدايات الأولى للاحتكاك بالتقييم كممارسة علمية؛ هنا نقصد المراجعات التقييمية
التي دأب البنك الدولي والجهات المانحة على القيام بها .154في سنوات التسعينات ،ظهرت أولى إرهاصات
مأسسة تقييم السياسات العمومية من خلال خلق بنية "المركز الوطني لتقييم البرامج" داخل السلطة الحكومية
المكلفة بالتخطيط (تحمل الآن اسم :المندوبية السامية للتخطيط) .وقد كانت مهمته الرئيسية تتمثل في القيام
وقيادة تقييمات بين-قطاعية .هذه التجربة شكلت تطويرا للممارسة على مستوى تطوير الطرق المنهجية
وتقو ية القدرات المعرفية والتقنية للأطر الإدار ية المغربية .ل كن في المقابل ،لم يستطع هذا المركز فتح
" 153اتسم التدبير العمومي في مغرب ما فترة بعد االستقالل بخصائص وترتيبات سياسية وإدارية كانت تحد من بروز وتطور أي مقاربة تقييمية".
انظر في هذا الصدد ،تقرير الخمسينية ،المغرب الممكن :إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ،مطبعة دار النشر المغربية.2006 ،
154في هذا السياق يمكن العودة لموقع البنك الدولي حيث تعود تاريخ أولى التقارير التي أعدها حول المغرب إلى سنة 1967وركزت بشكل كبير
على الجوانب االقتصادية ،لكنها مع بداية الثمانينات أصبحت أكثر انفتاحا على مجاالت أخرى وغير محصورة في المجال االقتصادي .لالطالع على
التقارير انظر الموقع التالي:
] [ https://www.banquemondiale.org/fr/country/morocco/research/all?qterm=&lang_exact=French&os=160
155
Ajbilou. A, « Institutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc : Etat des lieux et
perspectives », intervention publiée dans : Rapport de synthèse sur la conférence internationale sur le thème
: "L'institutionnalisation de l'évaluation des politiques publiques" organisé par L'Observatoire National du
Développement Humain, 2015.
79
وفي سنة ،1995ومع صدور التقرير الشامل للبنك الدولي ،عاد التقييم ليتحصل على اهتمام المدبرين
العموميين .كذلك ،اقترنت هذ الاستعادة بتوسيع صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة
للمالية رغم ما يمكن تسجيله من تبنيهما لمقاربات رقابية (رقابة المشروعية) ومنهجيات التدقيق المالي.156
في بدايات القرن الحالي ،عرف المغرب تحولات سياسية وإدار ية عميقة مست أسس التدبير العمومي
وقواعد ممارسة السلطة ،واحتلت ضمنها ثقافة النجاعة والفاعلية مكانة مهمة في اهتمامات المدبرين العموميين
وهو ما انعكس على مسار إدماج ممارسات التقييم في البنيات المؤسساتية والإدار ية .157ل كن ،ما يمكن
تسجيله بهذا الصدد ،أن تطور الممارسات المتعلقة بالتقييم في المغرب طبعها نوع من ارتباك المفهوم
واستخداماته ،وتقييد تطوراته أساسا بإرساء مبادئ وقواعد الديموقراطية في النسق السياسي والمؤسساتي
بما تضفيه هذه القواعد من أهمية على التقييم باعتباره نوعا من المسائلة والمحاسبة.158
ورغم التشابهات الممكنة بين التقييم والرقابة والتدقيق ،إلا أن التقييم يتسم بنوع من الخصوصية على
مستوى مناهجه وآثاره ورهاناته السياسية .في التجربة المغربية ،كلما تم الحديث عن التقييم إلا وتم اعتباره
نشاطا رقابيا .وبشكل عام ،فإن الثقافة الرقابية الكلاسيكية (رقابة المشروعية) والمهيمنة على عمل
المؤسسات بالمغرب تمثل عاملا مقيدا و يحد من تطور ممارسات التقييم وفعاليتها في حالة وجوده .159وفي
156في سنة 1996تم االرتقاء بالمجلس األعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة دستورية ،وتطوير عمل المفتشية للمالية.
157في سنوات 1984خلق البرنامج الوطني للتحليل وتدبير المشاريع ( ) PNAPضمن القطاع الوزاري للتخطيط ،وهو برنامج تكويني كان الهدف
منه تقوية القدرات والمعارف األطر الوطنية في مجال تحليل ،وتتبع ،وتقييم مشاريع االستثمار العمومي .للمزيد حول الموضوع ،المرجو االطالع
على:
Haouch A., « évaluation rétrospective au Maroc : état des lieux et perspectives », in Les cahier du plan, N°2, Avril-
mai 2005, pp 04-11.
158
Aboulaaguig A., Op. Cit., p208.
159
Aboulaaguig A., Op. Cit., p209.
80
ظل هذا الخلط أو الارتباك ،ترتهن ممارسة التقييم بهيمنة المقاربة الرقابية والتدقيقية ،رغم أن بعض
النصوص القانونية تسند مهمة التقييم لصالح بعض البنيات المؤسسية ،خصوصا المكلفة بالرقابة المالية.
من السمات الأساسية التي تبرز عند دراسة مسار تطور النموذج لمغربي نجد مقاربة المراجعات
الاستراتيجية والاسترجاعية ال كبرى كمقاربة للتقييم .في هذا الصدد ،يمكن استحضار نموذج تقرير وعمل
هيئة الانصاف والمصالحة والتي شكلت نوعا من التقييم الشامل ( )Méta-évaluationلسياسات الدولة
في مجال الامن وحقوق الإنسان .ورغم كونها تجربة نشأت في سياق تسو ية ملف ماضي الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الانسان ،إلا أن نظامها الداخلي أسند لها مهمة تقييم مسلسل تسو ية ملف الانتهاكات.160
في نفس السياق ،سيتم سنة 2003إطلاق مبادرة جماعية لدراسة وتقييم النموذج المغربي للتنمية
البشر ية على طول مسار زمني ممتد من الاستقلال إلى سنة .2005هذه المبادرة عملت على تعبئة أكثر
من 100من ال كفاءات العلمية المغربية أنجزت دراسات وتقييمات وقدمت توصيات مست مجمل
جوانب السياسات العمومية والتدبير العمومي .161بالمقابل ،فهذا التقرير ليس تقييم بالمفهوم المتعارف
عليه ،لخاصيته العمومية والاسترجاعية الممتدة في الزمن ل كنه تقرير "يقترح… قاعدة معرفية مدعمة بالدلائل
والحجج ،لتغذية النقاش العمومي ،مع استخلاص العبر والدروس من التجربة الماضية لبلادنا."162
160هيئة االنصاف والمصالحة ،التقرير الختامي :الحقيقة واالنصاف والمصالحة ،الكتاب األول ،المجلس الوطني لحقوق االنسان ،2005 ،ص.17
161تقرير الخمسينية ،المغرب الممكن :إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ،مطبعة دار النشر المغربية.2006 ،
162نفسه ،ص .9
81
الفقرة الثانية :التقييم :من اصالح الميزانية الى دسترة الوظيفة
في سياق التحولات التي عرفها المغرب مع بداية القرن الحالي ،عرفت الميزانية العامة وأنظمة الإنفاق
محاولات للإصلاح والتي تمحورت حول ثلاث مرتكزات :الشفافية ،ونجاعة الأداء ،والمسؤولية .163وقد
استند هذا الإصلاح ،على تبني مقاربة التدبير المبني على النتائج .وتعني هذه المقاربة الاعتماد على نتائج
قابلة للقياس والوصف والتقييم واستهداف أكبر قدر ممكن من النجاعة والفعالية عوض الاعتماد على
الوسائل.164
عكس المقاربة الكلاسيكية لتدبير الميزانية ،والتي تهدف إلى صرف الاعتمادات المتوفرة في حدود
الوسائل المتاحة ،تعمل المقاربة المرتكزة على النتائج إلى تحديد الأهداف ،وتعبئة الموارد بشتى الطرق،
هذا الإصلاح استند إلى عدة مبررات نجد أن من أهمها الأزمة المزدوجة التي طبعت المقاربة
الرقابية .من جهة ،يمكن توصيفها كأزمة أهداف وغايات حيث أن تدخلات أجهزة الرقابة – أيا كان
مستواها –تستند على مقاربة كلاسيكية غايتها مراقبة مشروعية تنفيذ النفقات المالية وليس تقييم النتائج.
و من جهة أخرى ،هي أزمة ممارسة حيث أن حصيلة عمل المنظومة الرقابية بمختلف مستو ياتها بعيدة عن
163عزز القانون التنظيمي لقانون المالية 130.13اإلطار القانوني بما يضمن تحقيق مجموعة من مؤشرات النجاعة في إطار تدبير مالي أساسه
تحقيق النتائج عبر نظام البرامج ،وتشير المادة 39من القانون أعاله إلى أن " :البرنامج عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات
التابعة لنفس القطاع الوزاري أو المؤسسة تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة ،وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي
ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة باإلنجازات" .للمزيد من االطالع انظر :صغراني زهير ،التدبير المالي
المتمحورة حول النتائج ،ضمن المؤلف الجماعي :حكامة المالية العامة بالمغرب ،ج .العسري و خ .مبروكي (إشراف) ،مكتبة الرشاد سطات ،الطبعة
األولى.2019 ،
164ط .لباخ ،إصالح الميزانية العامة بالمغرب :درا سة في اإلطار القانوني والمؤسساتي ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية سال ،جامعة محمد الخامس-الرباط ،2015/2014 ،ص .26
165نفسه ،ص .29
82
بلوغ الغاية من تدخلاتها في مختلف المنظمات العمومية .ويمكن استحضار حجم الخروقات والتجاوزات
رغم أن السياق اتسم بتشجيع الإصلاح ،إلا أن هذا الأخير عرف بضعفه على مستوى السند
القانوني ،167و يقصد به أن الإطار القانوني لهذا الإصلاح لم يتجاوز سقف المراسيم والمناشير .بالمقابل،
كان الأمر يتعلق بتحول على مستوى ثقافة التدبير وهو ما يتطلب التعبير عن إرادة سياسية واضحة مجسدة
في نصوص قانونية ذات طابع إلزامي وصورة رمزية في النسق الإداري.168
في ظل هذا التردد الذي طبع تبني المغرب بشكل واضح لمقاربة التقييم ،جاءت سنة 2011بحركية
سياسية أعادت النقاش العمومي حول السياسات العمومية ومدى فعاليتها ونجاعتها .169في هذا السياق،
تمت دسترة تقييم السياسات العمومية ضمن دستور ( 2011انظر الجدول .)7
و يكتسي التأسيس الدستوري لوظيفة التقييم أهمية كبرى ،خصوصا من حيث القوة الرمزية
والإلزامية التي يمتل كها كأسمى نص ضمن الهرم القانوني .170وقد نص ،في الفصل 70منه ،على أن تقييم
السياسات العمومية وظيفة برلمانية .ورغم أهمية هذا الفصل الذي قرر صراحة جعل التقييم من وظائف
السلطة التشر يعية ،إلا أن الأكثر أهمية هو تنصيص الدستور على عدد من المبادئ الأساسية للحكامة والتي
83
تعتبر شرطا أساسيا لنمو وتطور أنظمة التقييم من مثيل ما نص عليه الباب الثاني عشر حول مبادئ
الحكامة.171
"تتلقى المرافق العمومية… وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم" ظهير شر يف رقم 91.11.1صادر
في 27من شعبان 29( 1432
الفصل .156 تقييم المرافق العمومية
"يحدث مجلس أعلى للتربية والتكوين… كما يساهم في تقييم السياسات يوليو )2011بتنفيذ نص الدستور ،والسياسات القطاعية
الجريدة الرسمية ،عدد 5964
والبرامج العمومية في هذا المجال" الفصل .168
مكرر ،الصادرة بتاريخ 28شعبان
"يتولى المجلس الاستشاري للأسرة … .تتبع وإنجاز البرامج الوطنية"..
30( 1432يونيو .)2011
الفصل .169
"تؤسس جمعيات المجتمع المدني … تساهم في … تفعيلها وتقييمها …"
الفصل .12 ثقافة التقييم التشاركي
"تعمل السلطات على إحداث هيئات للتشاور … قصد ..وتقييمها" للسياسات والبرامج
الفصل .13 العمومية.
المصدر.172
84
في هذا الصدد ،ورغم هذا التطورات الدستور ية ،يشير أحد الباحثين ،إلى كون التنصيص الدستوري
على تقييم السياسات العمومية يخترقه نوع من الالتباس وضعف الفعالية .173من جهة ،يضعنا هذا
التنصيص أمام تساؤل حول قدرة البرلمان ،وبشكل خاص مجلس النواب ،على المسايرة السياسية والتقنية
والعلمية لمسار إرساء نظام للتقييم .ومن جهة أخرى ،حول ما يطرحه الفصلين 92و 70من الدستور من
أفرز تطور ممارسات وثقافة التقييم في المغرب خر يطة مؤسساتية سنحاول رصدها من خلال ربطها
بالسلطتين التشر يعية والتنفيذية ودور الهيئات الدستور ية المستقلة في مجال التقييم.
يهدف هذا الفرع إلى دراسة الخر يطة المؤسساتية للتقييم؛ ونقصد بها أهم المؤسسات والبنيات التي
تشمل مهامها تقييم السياسات العمومية .وهنا ،سنتناول التقييم البرلماني للسياسات العمومية (الفقرة
الأولى) .بالمقابل ،سنتطرق للتقييم ضمن البنيات المرتبطة بالسلطة التنفيذية (الفقرة الثانية) .ونختم بدور
173اليحياوي يوسف ،تقييم السياسات العامة بالمغرب وفق دستور :2011بين التباس المقتض ى الدستوري وضعف فعاليته ،ضمن ،مؤلف جماعي
للدراسات واألبحاث القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عبد هللا االدريسي (اإلشراف) ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة.2016 ،
174يشير الفصل 92من الدستور إلى ":يتداول مجلس الحكومة ،تحت رئاسة رئيس الحكومة ،في القضايا والنصوص التالية - :السياسة العامة للدولة
قبل عرضها على المجلس الوزاري؛ -السياسات العمومية؛ -السياسات القطاعية …" ،وينص الفصل 70من نفس الدستور على أن .…":يصوت
البرلمان على القوانين ،ويراقب عمل الحكومة ،ويقيم السياسات العمومية…" ،وما يثيره الباحث يوسف اليحياوي ،هو االلتباس النصي الذي يطرح
سؤال ،أي سياسة يجب أن يتم تقييمها من طرف البرلمان ؟ ،ففي حالة االلتزام الحرفي بالنص ،فسنكون امام إشكالية معايير التمييز بين أنواع
السياسات المنصوص عليها دستوريا .للتعمق أكثر المرجو االطالع على :يوسف البحياوي ،مرجع سابق ،ص .55-54
85
الفقرة األولى :التقييم البرلماني للسياسات العمومية
يلعب البرلمان ،في ظل النماذج الدولية السالفة الذكر ،دورا أساسيا في عمليات التقييم .و بشكل خاص،
في النماذج الأنجلوسكسونية .في المغرب ،وقبل سنة ،2011لم يكن للبرلمان أي علاقة بتقييم السياسات
العمومية .ل كن ،كان هناك بعض أشكال النقاش التي تم إثارتها من طرف اللجان البرلمانية ،والتي كانت
في ظل دستور ،2011تم إضافة صلاحية التقييم للوظائف التقليدية للبرلمان .و يعتبر أحد الباحثين
أن دسترة هذه الوظيفة "يندرج في صلب إصلاح دستوري شامل يهدف إلى التخفيف من الطابع الرئاسي
في النظام السياسي ."176وتبعا لهذا ،تم تنظيم هذه الوظيفة عبر الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان .وقد
نصت المادة 212أن تقييم السياسات العمومية يهدف إلى التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية،
ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة ،وقياس تأثيرها على الفئة المستهدفة وعلى المجتمع ،وتحديد العوامل التي
أدت إلى بلوغ هذه النتائج .177وفي هذا الإطار ،تخصص لهذا الغرض جلسة سنو ية لمناقشة السياسات
العمومية التي قام بتقييمها طبقا للمواصفات والمساطر المحددة في هذا الباب.178
• مجموعات العمل الموضوعاتية المؤقتة :و يوكل إليها تتبع إنجاز التقييم في الموضوع الذي تم
تحديده والانتداب الذي تم إعداده .وتتألف من ممثل واحد عن كل فر يق أو مجموعة نيابية .كما
175
AME, Op. Cit., p74.
176المدور رشيد ،تقييم البرلمان للسياسات العمومية :دالالته وآلياته وإشكالياته في التطبيق المغربي ،مجلـة البحوث القـانونية واالقتصادية ،المجلد
،03العــدد ،2020 ،01ص ،273 – 246ص .249
177النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثالثاء 16ذو القعدة 1438الموافق ل 8غشت 2017وكما أقرته
المحكمة الدستورية في قرارها عدد 37/17الصادر في يوم االثنين من 20ذي الحجة 1438الموافق لـ 11شتنبر .2017
178المادة 287من النظام الداخلي لمجلس النواب ،والمادة 264من النظام الداخلي لمجلس المستشارين.
86
يتم اختيار رئيس ومقرر أحدهما يجب أن يكون من المعارضة .وتمثل مهمة المجموعة في صياغة
المصطلحات والعناصر المرجعية ،وتجميع المعطيات الأولية ،وإطلاق الأبحاث المحددة ،ووضع
• المركز البرلماني للدراسات والأبحاث :180وهو بنية تم خلقها لتدعيم الأداء البرلماني ،و يقدم
المركز خدماته بطلب من اللجان الدائمة أو مجموعات العمل الموضوعاتية في مجالات متعددة .من
بينها :الأوراق التقنية والمعطيات بخصوص السياسات العمومية ،ودراسات الأثر للنصوص
• اللجان الدائمة :تساهم هذه اللجان بشكل هامشي في تقييم السياسات العمومية من خلال
التحضير للجلسة السنو ية ومناقشة التقارير موضوع التقييم ،182ل كنها تلعب دورا استطلاعيا حول
شروط وظروف تطبيق نص تشر يعي معين ،أو موضوع يهم المجتمع ،أو يتعلق بنشاط من أنشطة
الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب ،رغم
العمل الموضوعاتية ،أن يقرر مكتب مجلس النواب طلب المساعدة من إحدى الهيئات والمجالس
87
• المجلس الأعلى للحسابات :يشكل المجلس مؤسسة مستقلة اتجاه السلطتين التشر يعية
والتنفيذية ،ل كن الدستور نص على ضرورة استجابته لطلب الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتشر يع
والمراقبة وتقييم السياسات العمومية ،بشكل خاص في الجوانب المتعلقة بمراقبة المالية.184
هذه الآليات التي يتوفر عليها البرلمان ،يمكن أن تتطور في مسارين :سواء تنمية ممارسات التقييم
ومأسستها في السياسات والبرامج العمومية أو الحفاظ على ممارسات تقييم غير فعالة ومؤثرة في الصيرورة
القرار ية.
أصبح للخطاب حول التقييم حضور أكبر على مستوى النسق الحكومي ،واقترن أساسا بتطوير عمل
الحكومة والتغيرات التي لحقت مشروعية تدخلاتها .في النموذج المغربي ،ولحدود ما قبل دستور ،2011
كانت ممارسات التقييم ملتبسة ومهمشة على مستوى بنيات وأجهزة السلطة التنفيذية.185
في هذا السياق تتوزع هذه الهيئات المؤسساتية بين بنيات وزار ية داخلية ،وأجهزة التفتيش ،والمراصد
• مدير ية الدراسات والتوقعات المالية :وهي بنية إدار ية يشملها تنظيم وزارة المالية .ومن
بين مهامها ،المساهمة في تقييم آثار السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية وكذا المشار يع
88
العمومية ال كبرى على الاقتصاد الوطني ،والمساهمة في إعداد وتحليل وتقييم السياسات
القطاعية .186وتضم هذه المدير ية قسم خاص بالدراسات وتقييم الآثار الاقتصادية ،وقسم تقييم
السياسات القطاعية.187
• مدير ية الحكامة ضمن القطاع الوزاري للشؤون العامة والحكامة :من بين مهام هذه المدير ية
وضع آليات لتتبع تنفيذ وتقييم السياسات والبرامج العمومية بالتنسيق مع مختلف القطاعات
الحكومية والعمل على انسجامها والتقائيتها .188ويمكن القول إن هذه المدير ية وجدت لتلعب دورا
أساسيا في التنسيق البين-وزاري في مجال تقييم السياسات العمومية .وقد أنتج هذا القطاع الوزاري
• المفتشية العامة للمالية :رغم أن هذا الجهاز يشتمل اختصاصه ،بمنطوق القانون ،على مهام
المراقبة والتدقيق ،ل كن الممارسة الفعلية بينت إمكانية قيامها بمهام التقييم خصوصا المتعلقة بنجاعة
الأداء .190ل كن هذا العمل يتم بدون إصدار تقارير دور ية أو تقارير موضوعاتية حول نجاعة
186المادة 15من مرسوم رقم 2.07.995صادر في 23من شوال 23( 1429أكتوبر )2008بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة االقتصاد والمالية،
الجريدة الرسمية عدد 5680الصادرة بتاريخ 7ذو القعدة 6( 1429نوفمبر .)2008
187يضمن الموقع اإللكتروني للمديرية مجموعة من التقارير والدراسات التقييمية حول مجموعة من السياسات القطاعية .لمزيد من االطالع ،انظر:
] [ http://depf.finances.gov.ma/evaluation-des-politiques-publiques/
188المادة 06من مرسوم رقم 2.13.253صادر في 11من شعبان 20( 1434يونيو )2013بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المنتدبة
لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة ،الجريدة الرسمية عدد 6164الصادرة بتاريخ 18شعبان 27( 1434يونيو .)2013
189لمزيد من االطالع حول دور القطاع في تقييم السياسات العمومية ،انظر:
] [ http://www.mag.gov.ma/index.php/ar/
190في السنوات األخيرة تبنت المفتشية أدوات تدقيق أو تقييم نجاعة األداء ( )audits de performanceالمتعلقة بالخطط االستراتيجية للوزارات
وكذلك األمر عند القيان بالتدقيق في المشاريع العمومية الممولة من الهيئات الخارجية.
89
• المفتشية العامة للإدارة الترابية :ينص المرسوم المنظم لعمل المفتشية على أنها تراقب وتحقق
في مجالات التدبير الإداري ،والتقني والمحاسباتي للإدارات المنضو ية تحت إشراف وزارة الداخلية
والجماعات الترابية ومجموعاتها .191ل كنها في السنوات الأخيرة طورت ممارسات مرتبطة بالتدقيق
وتقييم نجاعة الأداء ،خصوصا فيما يخص مجالات المبادرة الوطنية للتنمية البشر ية وتصاميم
التخطيط الحضري.
• المرصد الوطني للاقتصاد الاجتماعي والتضامني :وهي بنية تابعة لوزارة السياحة والصناعة
التقليدية .ومن بين أهدافها ،تتبع وتقييم السياسة العمومية في مجال الاقتصاد الاجتماعي
والتضامني ،عبر إصدار فصلي لمؤشرات خاصة لتحديد وتحليل مشاكل ومعيقات تنمية القطاع،
وتقييم مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وطنيا ومجاليا في ميادين خلق الثروة وفرص
الشغل.
( :)ONUTICEوهو بنية تابعة لوزارة التربية الوطنية ،ومن بين مهامها قياس وتقييم مدى انتشار
• المرصد الوطني لسوق الشغل :وهو بنية تابعة لوزارة الشغل والتكوين المهني ومن بين مهامها
إنجاز دراسات تقييمية لرصد تأثير التدابير والاجراءات المتخذة لإنعاش التشغيل.193
191المادة 02من مرسوم رقم 2.94.100صادر في 6محرم 16( 1415يونيو 1994في شأن النظام األساسي الخاص بالمفتشين العامين لإلدارة
الترابية بوزارة الدولة في الداخلية ،الجريدة الرسمية عدد 4264بتاريخ 1994/07/20الصفحة .1171
192قام المرصد بإصدار العديد من تقارير التقييم حول مجال استغاله :انظر:
] (*) [ http://www.taalimtice.ma/onutice
193عند االطالع على نشاط وفعالية هذه المراصد على المستوى الفعلي نجد أن اغلبها ال تقوم بأداء أي مهمة أو نشر أي تقارير حول تقييم السياسات
والبرامج المتعلقة بمجال تدخلها.
90
• المرصد الوطني للتنمية البشر ية :يتولى مهمة دائمة تتمثل في تحليل وتقييم آثار برامج التنمية
البشر ية المنجزة ،وإعداد ونشر تقرير سنوي بشأن التنمية البشر ية بالممل كة يلخص نتائج الدراسات
تلعب هذه الهيئات والمؤسسات المرتبطة بالسلطة التنفيذية دورا مهما في توسيع وانتشار ممارسات
التقييم ولو بشكل متفاوت .ورغم ذلك ،يمكن تسجيل كون التقييم لازال محط سوء فهم وارتباك على
تلعب العديد من المؤسسات الدستور ية دورا أساسيا في تقييم السياسات العمومية .من بين هذه
المؤسسات ،نجد المجلس الأعلى للحسابات ،والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ،والمجلس الأعلى
بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات ،195نصت المادة 03من القانون المنظم للمجلس الأعلى للحسابات
صراحة على اختصاصه بمراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج والمشار يع العمومية .وقد قدم المجلس
للعموم مجموعة من تقارير التقييم .196وهو ما يؤكد الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه في تطوير نظام
التقييم في المغرب.
194يظل هذا المرصد هو البنية المؤسساتية الوحيدة ضمن هذا الصنف التي طورت حبرات وممارسات متقدمة على مستوى تقييم السياسات في
مجال التنمية البشرية.
195ظهير شريف رقم 1.02.124صادر في فاتح ربيع اآلخر 13( 1423يونيو )2002بتنفيذ القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية،
كما تم تعديله بالقانون رقم 55.16الصادر بتنفيذه الظهير 1.16.153الصادر في 21من ذي القعدة 25( 1437أغسطس )2016؛ الجريدة الرسمية
عدد 6501بتاريخ 17ذو الحجة 19( 1437سبتمبر )2016ص .6703
196يقوم المجلس كذلك بالنشر العمومي للتقارير التقييم ،لالطالع ،انظر:
] (*) [ http://www.courdescomptes.ma/ar/Page-27/-
91
وأما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ،197ووفقا للمادة 02من القانون التنظيمي ،128.12
فمن بين صلاحياته صياغة تقارير تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهو ية
والدولية وانعكاساتها .ورغم عدم التنصيص صراحة على مهمة تقييم السياسات العمومية ،إلا أن المجلس
يقوم عبر تقارير تحليل الظرفية ومتابعة البرامج السياسات بهذه المهمة عمليا.
وأما بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،198باعتباره مؤسسة منظمة بالقانون،
من بين مهامها إنجاز تقييمات شمولية أو قطاعية أو موضوعاتية للسياسات والبرامج العمومية في مجالات
التربية والتكوين والبحث العلمي ونشر نتائجه (المادة ،)02وقد خلق لهذه المهمة الهيئة الوطنية لتقييم
منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي باعتبارها جهاز التقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث
197ظهير شريف رقم 1.14.124صادر في 3شوال 31( 1435يوليو )2014بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 128.12المتعلق بالمجلس االقتصادي
واالجتماعي والبيئي ،الجريدة الرسمية عدد 6282الصادرة بتاريخ 17شوال 14( 1435أغسطس .)2014
198ظهـير شريف رقم 1.14.100صادر في 16مــن رجب 16( 1435ماي )2014بتنفيذ القانون رقم 105.12المتعلق بالمجلس األعلى للتربية
والتكوين والبحث العلمي ،الجريدة الرسمية عدد 6257الصادرة بتاريخ 19رجب 19( 1435ماي .)2014
92
المطلب الثاني :العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب
يهدف هذا المطلب لدراسة العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب .لهذا،
سنقوم بدراسة مجموعة من المؤشرات الدالة على هذه العوامل .و يتعلق الأمر بنوعين من العوامل :العوامل
السياقية والعوامل الإجرائية .ونستلهم لهذه الغاية نموذج ()Furubo et Sandahl؛ والذي حدد مجموعة
نجد في مقدمتها ،جودة الديموقراطية ،وبشكل خاص تأثير ممارسات الشفافية والمشاركة والنقاش بين
الفاعلين على الفعل العمومي .في مستوى ثان ،نجد تقاليد التدبير العمومي ،أي ميل هذا الأخير للإدارة
والتدبير العلمي والعقلاني والمبني على الأدلة ( )Evidence Managementأو سيادة التقاليد الإدار ية
– القانونية الكلاسيكية .في هذا السياق ،يضيف ( )Jacob Steveمؤشرات علاقات الفاعلين الأكاديميين
والإدار يين ومدى تأثر هذه الأخيرة بالإسهامات العلمية .و يضيف ( )Furubo et Sandahlكذلك،
تطور الإنفاق العمومي في بعض القطاعات الأساسية من منظور الدولة – الرعاية (التعليم ،الصحة ،الراعية
الاجتماعية…) .في النهاية ،يشير إلى ضرورة وجود فاعلين خارجيين عن النسق يلعبون دور المحفز ،وفي
93
الفرع األول :العوامل السياقية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب
تجسد العوامل السياقية ،العوامل السياسية والثقافية المحفزة والقادرة على دفع وتأطير مسار المأسسة
وبالتالي تطوير إرساء أنظمة التقييم .في المغرب ،وبناء على ما سبق ،يتضح أن التطور التار يخي لمسار
مأسسة تقييم السياسات العمومية لازال متعثرا ويثير العديد من الإشكاليات .في هذا الصدد ،سنتطرق
تلعب العوامل السياسية دورا أساسيا في تطور وإرساء أنظمة التقييم .وقد تطرقنا في السابق لتأثير
بعض هذه العوامل في النماذج الدولية .ضمن هذا المحور ،سنحاول دراسة تأثير العوامل السياسية على تطور
ممارسات ومأسسة التقييم بالمغرب .وكما سلف الذكر ،يمكن اعتماد العديد من المؤشرات الدالة على هذه
في البداية ،سنتطرق لمؤشر مأسسة الديموقراطية ،202و يقصد بالديموقراطية ثلاث عناصر مترابطة
ومتبادلة التأثير .يرتبط العنصر الأول بحضور مؤسسات ومساطر تمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم
حول السياسات وفعالية الفعل العمومي .ويتعلق العنصر الثاني بوجود قيود مؤسسية على ممارسة السلطة
من طرف الحاكمين .فيما يخص العنصر الثالث ،فهو يتمحور حول توفير وضمان الحر يات المدنية والشروط
201لقياس تأثير العوامل السياسية سنعتمد العديد من المؤشرات الدالة؛ مأسسة الديموقراطية ،والمشاركة العامة ،والمسائلة ،ومشاركة المجتمع المدني.
202يجيب هذا المؤشر عل التساؤل المتعلق بدرجة مأسسة الديموقراطية في النظام السياسي (انظر الشكل .)16
203لدراسة العالقة الممكنة بين الديموقراطية والتقييم ،انظر:
(*) S. Fritz., Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference? Evaluation and Program
]Planning, [ http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004.
أو لدراسة العالقة بين الحكامة والديموقراطية والتقييم ،انظر:
(*) N. Stame, Governance, Democracy and Evaluation, In Evaluation, Vol 12(1), SAGE Publications, pp 7-16.
أو التقييم باعتباره مطلبا ديموقراطيا:
(*) Bouabid A., L'EVALUATION, UNE EXIGENCE DÉMOCRATIQUE, Article publie sur le site du centre de recherche
de L’HEM, Consulter : [ https://cutt.ly/ghAmzk1 ], Le : 21 /10/2020.
94
الشكل : 16تطور مؤشر مأسسة الديموقراطية بالمقارنة بين المغرب وباقي النماذج الخمس
المصدر.204
يظهر من خلال المؤشر أعلاه أن النماذج الأنجلوسكسونية تتميز بدرجة عالية من مأسسة الديموقراطية
وهو الأمر الذي يحيل على وجود سياق ملائم لتطور نظام التقييم .بينما على مستوى المغرب يظهر أن
المنحنى لازال في مستو يات غير دالة ولم تتجاوز درجة 0.25في المقياس العمودي .ورغم أنه عرف نوعا
من الارتفاع فيما بعد دستور 2011إلا أن المنحنى عاد للاستقرار بدون أن يتطور في مسار تصاعدي.
95
يشكل مؤشر المسائلة 205أحد الأبعاد الأساسية التي تحفز قيام وتطور أنظمة التقييم .في المغرب ،وكما
يظهر المنحنى أسفله ،عرف هذا المؤشر تطورا خصوصا بعد سنة .2062005ل كن ،وبالمقارنة مع إسبانيا
مثلا ،يظهر أن هذا التطور لا يسير بالوتيرة الملائمة لتشجيع إرساء نظام للتقييم (انظر الشكل.)17
المصدر.207
96
يحيل مؤشر المشاركة في الحياة العامة أو المشاركة السياسية 208على المشاركة الفعالة والنشطة للمواطنين
في الحياة السياسية ،سواء بالصيغ الرسمية أو غير الرسمية (الانتخابات ،الاحتجاجات…) ،وتكمن أهميته
أساسا في كونه يحفز تدخل المواطنين في تدبير شؤون تهمهم دون تركها بالضرورة لمجموعة معينة تديرها.
هذا المفهوم للمشاركة يتضمن الالتزام المدني في الجمعيات ،والمشاركة المباشرة في تدبير الشؤون العامة
القريبة… الخ.209
المصدر.210
97
يظهر من خلال المؤشر أن المغرب عرف مسارا تصاعديا في حجم المشاركة العامة للمواطنين .وبشكل
خاص ،سنوات التسعينات وما بعدها .ويمكن اعتبار هذا المؤشر إ يجابيا ،خصوصا إذا تمت مقارنته بوتيرة
التصاعد التي عرفتها اسبانيا سنوات السبعينات بعد نهاية حكم فرانكو والانضمام للاتحاد الأوروبي،
وتأثيرها الدال على إرساء نظام تقييم للسياسات والبرامج الموجهة للساكنة.
يشكل مؤشر مشاركة المجتمع المدني 211بعدا مهما في تحديد مدى تأثير الفاعلين في إرساء وتطور أنظمة
التقييم .و يلعب المجتمع المدني دورا أساسيا في الضغط والترافع لأجل تبني المؤسسات العمومية لمعاير
الحكامة ،وضمان فعالية ونجاعة البرامج العمومية ،وقياس تأثيرها على الساكنة .212و يظهر الشكل أسفله أن
المغرب عرف تطور تدر يجيا في مرحلة ما بعد سنوات التسعينات والذي عرف أوجه في فترة ،2011
ويمكن لهذه الدينامية أن تأثر بشكل إ يجابي في إرساء وتطور نظام للتقييم بالمغرب.
211يتموقع المجتمع المدني في الحيز بين المجال الخاص والدولة .هنا ،ينتظم المواطنون في مجموعات لمتابعة مصالحهم ومثلهم الجماعية .نطلق
على هذه المجموعات منظمات المجتمع المدني .وتشمل هذه المنظمات ،على سبيل المثال ال الحصر ،مجموعات المصالح والنقابات العمالية
والمنظمات الروحية إذا كانت تشارك في أنشطة مدنية أو سياسية ،وحركات اجتماعية ،وجمعيات مهنية ،وجمعيات خيرية ،وغيرها من المنظمات
غير الحكومية.
212في هذا السياق ،يمكن العودة إلى تجربة الجمعية المغربية للتقييم ،وهي جمعية شبه مهنية ،دفعت من خالل مذكرتها وترافعها أما لجنة صياغة
الدستور المقررين إلى تبني توصياتها بدسترة تقييم السياسات العمومية ،لالطالع على المذكرة انظر:
(*) AME, Mémorandum pour la constitutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc,
Présenté à la Commission consultative chargée de la révision de la Constitution du Royaume du Maroc, Rabat
(Maroc), 12 avril 2011.
98
تطور مشاركة المجتمع المدني في المغرب والنماذج الخمس: 19الشكل
.213المصدر
213
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 23 /10/2020.
99
الفرع الثاني :العوامل اإلجرائية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب
تجسد العوامل السياقية الإطار العام المحفز لإرساء وتطور أنظمة التقييم .في المقابل ،تشكل العوامل
الإجرائية والمتمثلة في العوامل المؤسساتية ،ونقصد بها دور البرلمان ومنطق فعل السلطة التنفيذية ،والعوامل
التدبير ية ،ونقصد المؤشرات المتعلقة بالحكامة التنظيمية ،وثقافة التدبير ،من خلال تدبير الميزانية العامة،
الفقرة األولى :العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب
تشكل العوامل المؤسساتية المكون الأول للعوامل الإجرائية وسندرسها من خلال بعدين رئيسيين:
يمكن قياس دور البرلمان من خلال العديد من المؤشرات ،ل كن سنقتصر هنا على مؤشرات قدرة
البرلمان على تقييد فعل السلطة التنفيذية ،وقدرة البرلمان على التحقيق الميداني ،وقدرة البرلمان على
الاستجواب .هذه المؤشرات لا تقدم حصرا الصورة عن دور البرلمان ،ل كنها تمثل عناصر يمكن من
فيما يخص قدرة البرلمان على تقييد السلطة التنفيذية ،والذي يطرح سؤالا حول :إلى أي حد يمكن
للبنيات والأدوات المؤسساتية المرتبطة بالبرلمان (الأجهزة الرقابية ،لجان تقصي الحقائق…) ممارسة رقابة
هنا ،وكما يظهر الشكل أسفله ،أنه منذ منتصف التسعينات أصبح البرلمان أكثر قدرة على تقييد فعل
السلطة التنفيذية .ويساهم تطور هذه القدرة في توفير الشروط الضرور ية والملائمة لتطور أدوات وآليات
100
التقييم في البرلمان .ل كن ،في نفس الوقت ،يمكن أن تعلب هذه الآليات دورا سلبيا من خلال تكريسها
للارتباك والخلط حول الفروق الممكنة بين التقييم والرقابة( 214انظر الشكل.)20
الشكل : 20تطور مؤشر التقييد البرلماني للسلطة التنفيذية بين المغرب والنماذج الخمس
المصدر.215
يتمثل المؤشر الثاني لقياس دور البرلمان المؤسساتي في قدرته الفعلية على إجراء تحقيقات ميدانية.216
و يحاول هذا المؤشر الإجابة عن مدى قدرة المؤسسة التشر يعية على إجراء تحقيق ميداني واتخاذ قرارات
غير متوافقة مع اتجاه الحكومة .و يجب تسجيل ،أن النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس
214يتم في األغلب استحضار أدوات الرقابة البرلمانية أثناء الحديث عن التقييم البرلماني وهو األمر الذي قد يحد من إمكانية مأسسة تقييم السياسات
العمومية على مستوى البرلمان ،وقد ناقشنا سابقا كيف يمكن للخلط في االستخدام المفاهيمي أن يؤدي إلى خلط بين األدوات المعتمدة.
215
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 24/10/2020.
216يشير هذا المنحنى الى مقياس من خمس درجات ،الدرجة 0تشير إلى عدم احتمالية قدرة البرلمان على إجراء تحقيق ميداني ،الدرجة 1تشير
الى االحتمالية ولكن غير مرجح ،والدرجة 2تشير إلى أن االمكانية مرجحة ،والدرجة 3تشير الى احتمالية القدرة ،والدرجة 4تشير الى تأكيد
القدرة.
101
المستشارين يمكن اللجان الدائمة من القيام بمهام استطلاعية حول ظروف وشروط تنفيذ نص تشر يعي
معين ،أو موضوع يهم المجتمع ،أو أي نشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات
و يظهر المنحنى أسفله أن المغرب عرف تطورا في منحى تمكين البرلمان من هذه القدرة بشكل دال،
خصوصا في مرحلة ما بعد التسعينات .وبالاستناد الى دراسة النصوص القانونية يتبين أن احتمالية قيام
البرلمان بمهام استطلاعية أو تحقيقات ميدانية قائمة نظر يا .وعلى هذا المستوى ،يظهر أن المغرب متقارب
بشكل كبير مع النماذج الدولية خصوصا النموذج ال كندي والفرنسي ،بينما يظل النموذجان الأمريكي
217المادة 107من النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثالثاء 16ذو القعدة 1438الموافق ل 8غشت
2017وكما أقرته المحكمة الدستورية في قرارها عدد 37/17الصادر في يوم االثنين من 20ذي الحجة 1438الموافق لـ 11شتنبر .2017نفس
األمر تنص عليه المادة 125من النظام الداخلي لمجلس المستشارين .وقد قامت اللجان الدائمة ب 6مهام استطالعية مختلفة ،تتوفر تقاريرها في
موقع مجلس النواب.
102
الشكل : 21تطور قدرة البرلمان على التحقيق الميداني في المغرب والنماذج الخمس
المصدر.218
و يتمحور المؤشر الثالث حول قدرة البرلمان على استجواب وطرح التساؤلات على المسؤولين
الحكوميين .219و يقصد بالاستجواب القدرة على استدعاء أي مسؤول حكومي كيفما كان موقعه لتقديم
التوضيحات حول سياساته أو الادلاء بشهادته أمام المجلس .في هذا الصدد ،يمكن الإحالة على ما نص
عليه الفصل 102من إمكانية طلب اللجان الدائمة الاستماع لأي من مسؤولي الإدارات والمؤسسات
218
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 24/10/2020.
219يعتمد هذا المؤشر على مقياس من درجتين؛ الدرجة 0وتعني أ ن أنه ال توجد إمكانية أو ناذرا ما يتم استجواب أو طرح األسئلة على المسؤولين
الحكوميين .والدرجة 1التي تعني ان هذه العملية تتم بشكل روتيني.
103
والمقاولات ال كبرى .وكذلك ،يتعلق الأمر بالأسئلة سواء الشفاهية أو الكتابية .وهي من بين الآليات
الشكل : 22تطور قدرة البرلمان على االستجواب الرسمي في المغرب والنماذج الخمس
المصدر.221
يظهر من خلال المنحنى أعلاه أن هذه القدرة عرفت تطورا خصوصا في مرحلة ما بعد التسعينات.
وتشير هذه القدرة على إمكانية استخلاص المعلومات والمعطيات حول السياسات والاستراتيجيات القائمة
220يمكن العودة في هذا اإلطار للباب الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب.
221
Source : https://www.v-dem.net/fr/analysis/VariableGraph/ , Consulter le : 25/10/2020.
104
من المسؤولين عنها .ويتبين أن هذا المؤشر يوضح أن قدرات البرلمان في المجال الرقابي تعرف تطورا ملحوظا
في المغرب.222
لقياس تأثير فعل السلطة التنفيذية ضمن العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات ،سنقوم
يحيل مؤشر مشروعية الأداء على مدى اعتماد الحكومة على أدائها وإنجازاتها في مختلف المجالات
لشرعنة استمرارها .223و يظهر الشكل أسفله أن المغرب عرف تطورا على مستوى هذا المؤشر بعد صدور
دستور ،2011ل كن هذا التطور ظل طفيفا حيث أن اعتماد هذا المعيار لازال في حدود ضيقة وليس
بشكل حصري بالمقارنة بالنماذج التي تعتمده بشكل واسع ومن بينها النموذج الفرنسي والأمريكي.
222يظهر المؤشر أن البرلمان عرف تطويرا لقدراته وأدواته الرقابية واالستطالعية مع دستور .1996لكن ما يتبين من خالل دراسة هذه المنحنيات
أن دستور 2011رغم تنصيصه على أدوات جديدة تقوي دور البرلمان ،إال أن الفاعلين ،في األغلب ،حافظوا على نفس مستوى االشتغال ،وهو ما
ي وضحه تسطيح مستوى المنحنيات المدروسة ،بعد التصاعد الذي عرفته سنوات التسعينات وبدايات هذا القرن.
223يعتمد هذا المؤشر مقياسا من خمس درجات =0 ،إطالقا ،ال تعتمد الحكومة على مشروعية األداء =1 .ضمن إطار ضيق =2 .ضمن إطار
ضيق ،لكنه ليس العنصر الوحيد المعتمد =3 .ضمن إطار أوسع ،لكن ليس حصريا =5 .تقريبا حصر يا.
105
الشكل : 23تطور مؤشر مشروعية األداء في المغرب والنماذج الخمس
المصدر.224
يحيل مؤشر الفعالية الحكومية ،على جودة تقديم الخدمات العامة ،ونوعية البيروقراطية ،وكفاءة
موظفي الخدمة العامة ،واستقلالية الخدمة العامة عن الضغوط السياسية ،ومصداقية وجدية التزام الحكومة
بالسياسات .و ينصب التركيز الرئيسي لهذا المؤشر على المدخلات (الأدوات والآليات المعتمدة) المطلوبة
للحكومة لتكون قادرة على إنتاج وتنفيذ سياسات جيدة وتقديم الخدمات العامة.
106
الشكل : 24تطور مؤشر الفعالية الحكومية في المغرب والنماذج الخمس
المصدر.225
يظهر من خلال المؤشر أعلاه أن معدل الفعالية الحكومية لم يعرف التطور اللازم بالمقارنة بمختلف
النماذج المدروسة .و يوضح هذا المؤشر ،فرضيا على الأقل ،أن منطق عمل الحكومة لازال غير متشبع بمنطق
و يظهر من خلال هذه المؤشرات أن العوامل المؤسساتية تلعب دورا مهما في إرساء وقيام نظام تقييم
في المغرب .فبدون سيادة ثقافة سياسية مبنية على المسائلة والشفافية والديموقراطية ،ومؤسسات سياسية
107
(برلمان) قادرة على لعب دور أساسي في تقييم السياسات ،وسلطة تنفيذية متشبعة بثقافة نجاعة الأداء
وفعالية التدبير ،لا يمكن إرساء وتطوير نظام تقييم فعال ومؤثر في مسار القرار العمومي.226
الفقرة الثانية :العوامل التدبيرية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب
تشكل العوامل التدبير ية الأبعاد أو المؤشرات ذات الطابع التنظيمي والتدبيري .وتلعب التقاليد
التدبير ية دورا مهما في إرساء وتطور أنظمة التقييم .فتبني الإدارة لنمط مبني على المشروعية القانونية
الكلاسيكية قد يعرقل إرساء أنظمة التقييم .وفي المقابل ،تساهم أنماط التدبير العمومي الحديث والمبنية
أساسا على النتائج والأهداف بشكل مباشر في تطور مثل هذا النظام.227
في المغرب ،وبشكل خاص بعد صدور القانون التنظيمي لقانون المالية 130.13والذي نص على
ضرورة تقديم النفقات على أساس برامج ومشار يع وعمليات ،والذي عرفها بكونها "عبارة عن مجموعة
متناسقة من المشار يع والعمليات التابعة لقطاع وزاري أو المؤسسة المعنية .و يقرن بها أهداف محددة وفق
غايات ذات منفعة عامة ،وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق
من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجاز ،".228بدأت تظهر بعض مؤشرات التحول في
226تلعب العوامل المؤسساتية دورا مهما ،من جهة ،في التطور العام لألداء المؤسساتي واإلداري .ومن جهة اخرة ،في تطوير فعالية ونجاعة الفعل
العمومي .وقد قرنها بعض الباحثين بنجاح أي نموذج تنموي ممكن .لالطالع ،انظر:
(*) Chauffour J. P., Le Maroc à l’horizon 2040 : Investir dans le capital immatériel pour accélérer l’émergence
économique, Washington, DC : La Banque mondiale, 2018. DOI : 10.1596/978-1-4648-1078-7, pp 212-214.
227لمزيد من االطالع حول العالقة بين التدبير العمومي الحديث والتقييم ،انظر:
(*) N. Norris, S. Kushner. "The New Public Management and Evaluation" In Dilemmas of Engagement: Evaluation
and the New Public Management. Published online: 09 Mar 2015; 1-16.
228المادة 39من القانون التنظيمي لقانون المالية ،سبق ذكره.
108
هنا سنحاول التطرق لمؤشر ين أساسين يتعلقان بالأبعاد التدبير ية وهما :مؤشر الحكامة التنظيمية؛ أي
كيفية تفاعل الحكومات مع الجمهور عند صياغة القوانين التي تؤثر على نموذج مجتمع الأعمال .و يوضح هذا
المؤشر كيف تتعرف ما إذا كانت الإدارة تقيم الأثر المحتمل لقراراتها أو قوانينها الجديدة في بلدانها أم
لا .229كذلك ،سنعتمد مؤشر تدبير الميزانية العامة ،والذي يعني كيفية تطور مقاربة التدبير بين الشكل
الكلاسيكي المبني على المشروعية القانونية ،والشكل الحديث القائم على النتائج.
جدول :8قدرة اإلدارة على التقييم القبلي للقرارات واللوائح في إطار مؤشر الحكامة التنظيمية
نعم نعم نعم نعم نعم لا هل تقييم الأثر -إذا وجد -متاح للجمهور؟
المصدر.230
فيما يخص مؤشر الحكامة التنظيمية ،فسنقوم بقياسه من خلال قدرة الإدارة أو الوزارة المعنية على
تقييم آثار القوانين أو القرارات أو التراخيص التي تمس مجتمع الأعمال قبل صدورها .و يظهر من خلال
الجدول أعلاه أن ممارسات القائمين على التدبير لازالت غير مشبعة بثقافة التقييم وهو ما يستدل عليه من
229
M. Johns & V. Saltane, Citizen Engagement in Rulemaking: Evidence on Regulatory Practices in 185 Countries,
Policy Research Working Paper, 7840, Global Indicators Group, Development Economics.
230تؤثر تقييمات األثر التي تقوم بها اإلدارة فيما يخص اللوائح والقرارات والقوانين ذات الطابع التنظيمي في مؤشر الحكامة التنظيمية ،ويظهر من
تتبع هذا المؤشر أنه غير مألوف في الممارسات اإلدارية .انظر:
(*) [ https://rulemaking.worldbank.org/en/data/comparedata/assessment ], Consulter le : 28/10/2020.
109
كون مجمل الأسئلة المطروحة تم الإجابة عليها ب "لا" ،بينما في باقي الدول موضوع المقارنة فنجد أن هذه
الممارسة اعتيادية حتى في الدول التي لا يتوافر فيها نص قانوني يفرض هذه العملية (كندا وبر يطانيا).
جدول :9قدرة اإلدارة على إجراء مراجعات بعدية في المغرب والنماذج الخمس
نعم نعم نعم نعم نعم ،في بعض لا هل الوزارات أو الهيئات الإدار ية تجري
الوزارات والهيئات مراجعات بعدية؟
فقط.
نعم نعم نعم نعم لا لا هل هناك أي معايير تخضع لها اللوائح
لمراجعات بعدية؟
نعم نعم نعم نعم لا لا هل المراجعات البعدية مفروضة بموجب
القانون؟
المصدر.231
يتضح من الجدول أعلاه أن الممارسات المتعلقة بالمراجعة البعدية للقرارات والقوانين ومدى تأثيرها
على المجتمع (في حالة هذا المؤشر تم التركيز على مجتمع الأعمال) ،يعد ممارسة شائعة في النماذج الدولية ما
عدا فرنسا والمغرب ،بشكل متفاوت ،خصوصا أن النموذج الفرنسي تمارس فيه ل كن بشكل جزئي.
فيما يخص أحد الأبعاد الأخرى الأساسية التي يتوجب أخدها بعين الاعتبار لفهم مؤشر الحكامة
التنظيمية ،نجد الحق في الولوج للمعلومة ،وقد عرف المغرب صدور قانون الحق في الحصول على
المعلومة ،232والذي نص على أن للمواطنات والمواطنين الحق في الحصول على المعلومات المشار إليها في
231يقوم هذا المؤشر على تقييم ما إذا كان المدبرون يقومون بإجراء مراجعات الحقة وما إذا كانت هذه المراجعات مفروضة بموجب القانون ،انظر:
(*) [ https://rulemaking.worldbank.org/en/data/comparedata/expost ], Consulter le : 28/10/2020.
232ظهير شريف 1.18.15صادر في 5جمادى اآلخرة 22( 1439فبراير )2018بتنفيذ القانون رقم 31.13المتعلق بالحق في الحصول على
المعلومات ،الجريدة الرسمية عدد 6655بتاريخ 23جمادى اآلخرة 12( 1439مارس ،)2018ص .1438
110
المادة ،2مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون .و يظهر الشكل أسفله ان المنحنى ظل
في مستوى محدد ل كنه عرف منحى تصاعدي منذ سنة .2014
المصدر.233
فيما يخص مؤشر تدبير الميزانية ،فالقانون التنظيمي لقانون المالية 130.13تبنى مقاربة حديثة للتدبير
• مستوى التخطيط :ويتعلق بتحديد الأولو يات ،ووضع سياسات للقرب ،وتكريس اللامركز ية
واللاتمركز.
233
Source : https://iiag.online/app.html?loc=MA&meas=AccDiscInf&view=graph , Consulter le : 28/10/2020.
234
Guide, La nouvelle approche budgétaire axée sur les résultats et intégrant la dimension genre de la réforme
budgétaire, Direction du Budget du Ministère des Finances, 2005, p 31.
111
• مستوى التدبير والتنفيذ :ويتعلق بتعبئة مجموع الوسائل؛ على المستوى المركزي أو المحلي ،وضمان
ولفهم أهمية التدبير الجديد في تحفيز إرساء وتطور نظام للتقييم ،يمكن أن نرصد أهم الاختلافات
والفروقات القائمة بين التدبير الكلاسيكي والتدبير الحديث (انظر الجدول .)10
235
Guide, La nouvelle approche budgétaire, Op. Cit., p35.
112
توضح هذه المؤشرات أن تغير ثقافة التدبير العمومي يعتبر شرطا أساسيا في إرساء وتطور نظام التقييم.
و يضع أحد الباحثين الثالوث المتمثل في :إرساء دولة القانون ،وتحديث الإدارة العمومية ،وتحسين حكامة
الخدمات العمومية باعتبارها مرتكزات إصلاح المؤسسات العمومية لتقو ية أدائها وتحسين مردوديتها.236
113
الخاتمة
في ختام هذا البحث ،والذي حاولنا من خلاله التطرق لإشكالية مأسسة تقييم السياسات العمومية
في المغرب على ضوء نماذج مقارنة ،يمكن تحديد أهم العناصر التي تم استخلاصها .من جهة ،يظهر أن
تقييم السياسات العمومية عرف تراكما معرفيا ومؤسساتيا على مدى أكثر من نصف قرن ضمن التجارب
الرائدة .و يحتل تبعا لذلك ،موقعا رئيسيا في تصورات الإصلاح وإعادة هيكلة الممارسات المؤسساتية
والإدار ية في اتجاه مزيد من العقلنة وإخضاع الفعل العمومي لقواعد الحكامة والتدبير العمومي القائم على
النتائج والدليل.237
بالإضافة إلى أن مسار مأسسة التقييم ليس خطيا أو بسيطا بل هو تعبير عن تراكمات وتفاعلات
يتداخل ضمنها الفاعل ،والمؤسسات ،والتمثلات المعرفية والقيمية ،والزمن ،وتوازنات السلطة.
من جهة أخرى ،يتضح أن هذه المسارات تتسم بنوع من التنوع والخصوصية ،رغم بعض التشابهات
القائمة على مستوى خر يطة الفاعلين في مجال التقييم ،أو السياقات العامة المرتبطة بتطور الممارسات أو
ويمكن القول ،إن العامل المحدد لتطور مثل هذه الأنظمة واستقرارها يتجسد في الفاعلين ومدى
تشبعهم بثقافة التدبير المبني على النتائج ،والسياسات القائمة على الأدلة ،وإرادة تطوير فعالية ونجاعة الفعل
العمومي .ل كن ورغم ذلك ،تظل العوامل السياقية والإجرائية ذات أهمية وتأثير واضح في تطور أنظمة
التقييم .فهذه العوامل تعكس دور المؤسسات المعنية ومدى قدرتها على استيعاب ممارسات التقييم.
237
& Pour plus d’approfondissement sur la culture des résultats dans la gestion publique, consulter : J. Z. Kusek
R. C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour mettre en place un système de
suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les praticiens du développement, Vivianne Moreau, 2004.
Et à propos des Evidence-Based Policy, consulter : P. Cairney, The Politics of Evidence-Based Policy Making,
Palgrave Macmillan, 2016.
114
في سياق آخر ،يتضح أننا لم نتطرق لبعض الجوانب التي تعتبر ذات أهمية في مقاربة الموضوع في
شموليته ،ومن بين هذه الجوانب نجد التراكم المعرفي لتقييم السياسات العمومية بالمغرب ،والذي يستلزم
238
أو قياس مدى استخدام المؤسسات الإدار ية لتقييمات القيام بتحليل كمي للإنتاج المعرفي في المجال
الأثر أو التقييمات القبلية عند صياغة قراراتها أو مشار يع القوانين .كذلك ،يتطلب التقييم البرلماني دراسة
خاصة عبر التركيز على التحليل الكمي وال كيفي لمسار مأسسة التقييم داخل البرلمان.
على هذا الأساس و بعد دراستنا للموضوع يمكننا تقديم الخلاصات التالية:
• إن أهمية التقييم نابعة من تجاوزه لجوانب القصور في المقاربة الرقابية والتدقيقية ،خصوصا
المتعلقة بتركيزها على الجوانب القانونية والمالية ،بينما يشمل التقييم تقديرا لآثار وفعالية ونجاعة
القرارات والبرامج؛
• أن الدراسات حول تقييم السياسات العمومية ومسار مأسستها في المغرب لازالت غير متوفرة
• أن مسار المأسسة يتأثر بشكل كبير بالإرث السياسي والمؤسساتي والتدبيري السائد في النموذج
بالإضافة إلى دور التراكم المعرفي في تكوين خلفية صلبة لتطور الممارسة؛
• أن المغرب دخل مرحلة جديدة في ثقافة التدبير (التدبير المبني على النتائج) والاستناد الى نجاعة
238هذا النوع من الدراسات يحتاج الى قاعدة بيانات تضم الدراسات المغربية حول تقييم السياسات العمومية .لالطالع على هذا النوع من الدراسات،
انظر:
(*) P. Bono et al., « Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse quantitative de la
production scientifique », N°2018-06, France Stratégie, 2018.
115
• أن البرلمان والمؤسسات المشابهة للمجلس الأعلى للحسابات تعد من الفاعلين الرئيسين في كل
النماذج الدولية موضوع الدراسة؛ وهو ما يجعلها تلعب دورا أساسيا في أي نظام للتقييم.
في الأخير ،نقول إن الاهتمام بموضوع المأسسة يمكن أن ينفتح على دراسة إمكانيات إرساء أنظمة
التقييم على المستوى الترابي ،خصوصا في ظل التوجه العام لنقل الموارد والاختصاصات للجماعات الترابية.
116
الئحة األشكال:
الشكل : 1متوالية التقييم 19.....................................................................................................................................
الشكل : 7تطور عدد المقاالت جول تقيم السياسات العمومية سنويا 63.............................................................................
الشكل : 13قدرة السلطة التشريعية على التحقيق الميداني حول فعل السلطة التنفيذية 74......................................................
الشكل : 16تطور مؤشر مأسسة الديموقراطية بالمقارنة بين المغرب وباقي النماذج الخمس 95................................................
الشكل : 20تطور مؤشر التقييم البرلماني للسلطة التنفيذية في المغرب والنماذج الخمس 101.................................................
117
الشكل : 21تطور قدرة البرلمان على التحقيق الميداني في المغرب والنماذج الخمس 103....................................................
الشكل : 22تطور قدرة البرلمان على االستجواب الرسمي في المغربي والنماذج الخمس 104................................................
الئحة الجداول:
جدول :1المراحل البارزة في تاريخ التقييم 12.............................................................................................................
جدول :4تحديد األثر الخالص لسياسة أو برنامج عبر النموذج العشوائي الكالسيكي24.......................................................
جدول :6السياق التاريخي ورهانات مأسسة تقييم السياسات العمومية في النماذج الخمس 56....................................................
جدول :8قدرة اإلدارة على التقييم القبلي للقرارات واللوائح في إطار مؤشر الحكامة التنظيمية 109...................................
جدول :9قدرة اإلدارة على إجراء مراجعات بعدية في المغرب والنماذج الخمس 110.......................................................
118
الئحة المراجع باللغة العربية:
الكتب:
ميلر بيار ،السياسات العمومية ،ترجمة عبد المالك إحزرير ،مطبعة مكتبة سجلماسة ،المغرب ،طبعة .2018 .1
الندوي محسن ،المفاهيم الأساسية في السياسات العمومية ،مكتبة سلمى الثقافية ،الطبعة الأولى.2018 ،
المقاالت:
يوعتروس دلال ودهان محمد ،مأسسة تقييم السياسات العمومية –دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب ،مجلة العلوم الإنسانية ،المجلد ،30 .1
حيمود محمد ،تقييم السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ،130.13في مجلة دفاتر الحكامة ،العدد ،02 .2
.2015
المدور رشيد ،تقييم البرلمان للسياسات العمومية :دلالاته وآلياته وإشكالياته في التطبيق المغربي ،مجل ة البحوث القاـنونية والاقتصادية، .3
السراري عبد الغني ،دور اللجان البرلمانية الدائمة في تقييم السياسات العمومية بالمغرب ،مجلة مسالك في الفكر والاقتصاد والسياسة ،العدد .4
صغراني زهير ،التدبير المالي المتمحورة حول النتائج ،ضمن حكامة المالية العامة بالمغرب (مؤلف جماعي) ،جواد العسري وخالد مبروكي .5
اليحياوي يوسف ،تقييم السياسات العامة بالمغرب وفق دستور :2011بين التباس المقتضى الدستوري وضعف فعاليته ،ضمن ،مؤلف .6
جماعي للدراسات والأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،عبد الله الادريسي (الإشراف) ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية
حسن طارق ،مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية ،الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الأنسان.2014 ، .2
مجلس النواب ،الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ،منشورات مجلس النواب ،العدد .2015 ،1 .3
هيئة الانصاف والمصالحة ،التقرير الختامي :الحقيقة والانصاف والمصالحة ،الكتاب الأول ،المجلس الوطني لحقوق الانسان،2005 ، .4
119
النصوص القانونية:
ظهير شر يف رقم 91.11.1صادر في 27من شعبان 29( 1432يوليوز )2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية ،عدد 5964 .1
ظهير شر يف رقم 1.02.124صادر في فاتح ربيع الآخر 13( 1423يونيو )2002بتنفيذ القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم .2
المالية ،كما تم تعديله ب القانون رقم 55.16الصادر بتنفيذه الظهير 1.16.153الصادر في 21من ذي القعدة 25( 1437أغسطس
)2016؛ الجريدة الرسمية عدد 6501بتاريخ 17ذو الحجة 19( 1437سبتمبر )2016ص .6703
ظهير شر يف رقم 1.14.124صادر في 3شوال 31( 1435يوليوز )2014بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 128.12المتعلق بالمجلس .3
الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ،الجريدة الرسمية عدد 6282الصادرة بتاريخ 17شوال 14( 1435أغسطس .)2014
ظه ير شر يف رقم 1.14.100صادر في 16مــن رجب 16( 1435ماي )2014بتنفيذ القانون رقم 105.12المتعلق بالمجلس .4
الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،الجريدة الرسمية عدد 6257الصادرة بتاريخ 19رجب 19( 1435ماي .)2014
ظهير شر يف 1.18.15صادر في 5جمادى الآخرة 22( 1439فبراير )2018بتنفيذ القانون رقم 31.13المتعلق بالحق في الحصول .5
على المعلومات ،الجريدة الرسمية عدد 6655بتاريخ 23جمادى الآخرة 12( 1439مارس ،)2018ص .1438
النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء 16ذو القعدة 1438الموافق ل 8غشت 2017 .6
وكما أقرته المحكمة الدستور ية في قرارها عدد 37/17الصادر في يوم الاثنين من 20ذي الحجة 1438الموافق ل 11شتنبر .2017
مرسوم رقم 2.07.995صادر في 23من شوال 23( 1429أكتوبر )2008بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية، .7
مرسوم رقم 2.13.253صادر في 11من شعبان 20( 1434يونيو )2013بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المنتدبة لدى .8
رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة ،الجريدة الرسمية عدد 6164الصادرة بتاريخ 18شعبان 27( 1434يونيو .)2013
مرسوم رقم 2.94.100صادر في 6محرم 16( 1415يونيو 1994في شأن النظام الأساسي الخاص بالمفتشين العامين للإدارة الترابية .9
120
الئحة المراجع باللغة الفرنسية
Ouvrages
1. Astrid Brousselle & al, L’évaluation : concepts et méthodes, Presses de l’Université de Montréal,
2éd, 2011.
2. Chauffour Jean-Pierre, Le Maroc à l’horizon 2040 : Investir dans le capital immatériel pour
accélérer l’émergence économique, Washington DC, La Banque mondiale, 2018.
3. Jody Zall Kusek & Ray C. Rist, Traduction de M. Masse, Vers une culture du résultat. Dix étapes pour
mettre en place un système de suivi et d’évaluation axé sur les résultats : un guide pour les
praticiens du développement, Les Éditions Saint-Martin, 2006.
4. Pierre Lascoumes & Clément Lacouette-Fougère, Les scènes multiples de l’évaluation : Les
problèmes récurrents de son institutionnalisation, LIEPP, Paris, 2013.
5. Valéry Ridde & al, Approches et pratique en évaluation de programmes, 2 éd, Presse de l’Université
de Montréal, 2012.
Thèse :
3. Matyjasik Nicolas, L’évaluation des politiques publiques dans une France décentralisée,
Institutions, marché et professionnels ; Science politique ; Université de Bordeaux, Université
Montesquieu - Bordeaux IV, Institut d’études politiques de Bordeaux ; SPIRIT, 2010.
4. Spenlehauer Vincent, l’évaluation des politiques publiques, avatar de la planification, Thèse pour
l’obtention du doctorat de science politique, Université Pierre Mendès, France, Grenoble II, 1998.
Articles :
1. Bouquet Brigitte, Du Sens De L'évaluation Dans Le Travail Social, Informations sociales, 2009/2 n°
152 | pp 32 -39.
3. Gregoir Stéphane, L’évaluation des politiques publiques : qui et comment ? In : Économie &
prévision, n°204-205, 2014. Méthodes d'évaluation des politiques publiques. pp. 211-224.
121
4. Haouch Abderrahmane, évaluation rétrospective au Maroc : état des lieux et perspectives, in Les
cahier du plan, N°2, Avril-mai 2005, pp 04-11.
5. Jean-Claude Barbier, « Steve Jacob, Institutionnaliser l’évaluation des politiques publiques, étude
comparée des dispositifs en Belgique, en France, en Suisse et aux Pays-Bas », Sociologie du travail,
Vol. 49 - n° 3 | 2007, 410-412.
7. Spenlehauer Vincent et Philippe Warin, L'évaluation au service des conseils régionaux, Sociologie
du Travail, Vol. 42, No. 2 (Avril - Juin 2000), pp. 245-262.
8. Spenlehauer Vincent, L’ancrage de l’évaluation des politiques publiques dans les sciences sociales
aux Etats-Unis : une proposition de linéament intellectuel, Revue française d'administration
publique, 2013/4 N° 148, pp 877 à 893.
Guides et Rapports :
1. Ajbilou Aziz, Institutionnalisation de l’évaluation des politiques publiques au Maroc : Etat des lieux
et perspectives, intervention publie dans : Rapport de synthèse sur la conférence internationale sur
le thème : "L'institutionnalisation de l'évaluation des politiques publiques" organisé par
L'Observatoire National du Développement Humain, 2015.
2. Ame, Institutionnalisation De L’evaluation Au Maroc : Etude De Benchmarking Des Degrés
D’institutionnalisation Et De L’organisation De La Fonction D’evaluation, 2015,
3. Conseil scientifique de l’Evaluation, petit guide de l’évaluation des politiques publiques, Ed. La
Documentation française, Paris, 1996.
7. Méthode d’évaluation des programmes : Mesure et attribution des résultats des programmes, guide
de Secrétariat du conseil du trésor du canada, 2éd, consulter sur le site web : https://www.tbs-
sct.gc.ca/cee/pubs/meth/pem-mep-fra.pdf, date : 19/09/2020.
8. Pierre-Henri Bono et al., Vingt ans d’évaluations d’impact en France et à l’étranger. Analyse
quantitative de la production scientifique, N°2018-06, France Stratégie, 2018.
9. Rozenn Desplatz, L’évaluation des politiques publiques aux États-Unis, document de travail
N°2019-12, France Stratégie, 2019.
10. Rozenn Desplatz et Clément Lacouette-Fougère, L’évaluation des politiques publiques en France,
N°2019-13, France Stratégie, 2019.
11. Sandra Debu, L’évaluation des politiques publiques au Royaume-Uni, N°2019-14, France Stratégie,
2019.
122
:الئحة المراجع باللغة اإلنجليزية
Books :
1. Bertrand Badie et al, International encyclopaedia of political science, SAGE Publications, 2011 .
2. David Taylor & Susan Balloch, The Politics of Evaluation: Participation and policy implementation,
The Policy Press of University of Bristol, 2005.
3. Daniel L. Stufflebeam, Chris L. S. Coryn, Evaluation theory, models, and applications, Jossey-Bass A
Wiley Brand, 2éd, 2014.
4. Langbein Laura & al, Public program evaluation: a statistical guide, M.E. Sharpe Armonk, London,
England, 2006.
5. Neil J. Smelser et Paul B. Balte, International Encyclopedia of Social & Behavioral Sciences, ed,
Pergamon, 2001.
6. Richard Bingham & al., Evaluation in Practice A Methodological Approach, 2nd. ed., Seven Bridges
Press, 2002.
8. Ray C. Rist and al., Influencing change: building evaluation capacity to strengthen governance, The
International Bank for Reconstruction and Development, 2011.
Articles :
1. Denise Fleck, Institutionalization and Organizational Long-term Success, Brazilian Administration
Review, 2007, v. 4, n. 2, art. 4, p. 64-80.
2. Jan-Eric Furubo & Sandra Speer & Steve Jacob, the institutionalization of evaluation matters:
Updating the International Atlas of Evaluation 10 years later, Evaluation, Vol. 21(1) 6–31, 2015.
https://doi.org/10.1177/1356389014564248.
3. Lynne G. Zucker, The Role of Institutionalization in Cultural Persistence, American Sociological
Review, Vol. 42, No. 5 (Oct., 1977), pp. 726-743
5. Nicoletta Stame, Governance, Democracy and Evaluation, In Evaluation, Vol 12(1) , SAGE
Publications, pp 7-16.
123
8. Sager Fritz., Policy evaluation and democracy: Does evaluation make a difference? Evaluation and
Program Planning, http://dx.doi.org/10.1016/j.evalprogplan.2017.08.004.
10. Thomas B. Lawrence & Al, The Temporal Dynamics of Institutionalization, Academy of Management
Review 2001. Vol. 26, No. 4, 624-644.
11. Tolbert, P. S. & Zucker, L. G. (1996). The institutionalization of institutional theory [Electronic
version]. In S. Clegg, C. Hardy and W. Nord (Eds.), Handbook of organization studies (pp. 175-190).
London : SAGE.
2. Colin Talbot, Performance in Government: The Evolving System of Performance and Evaluation
Measurement, Monitoring, and Management in the United Kingdom, ECD Working Paper Series, No.
24, The World Bank, November 2010.
3. Katharine Mark & John R. Pfeiffer, Monitoring and Evaluation in the United States Government: An
Overview, ECD Working Paper Series, No. 26, The World Bank Group, 2011.
4. Natalia Aquilino and al., ¿Do All Paths Lead to Rome? Comparative Analysis in the
Institutionalization of Evaluation, WORK DOCUMENT N°159, CIPPEC publications, JUNE 2017.
5. Osvaldo Feinstein and Eduardo Zapico-Goñi, Evaluation of Government Performance and Public
Policies in Spain, ECD Working Paper Series, No. 22, The World Bank, May 2010.
124
الفهــــرس:
الفصل الأول :مأسسة تقييم السياسات العمومية :المفاهيم والمقاربات النظر ية 6 .......................................................
المبحث الأول :تقييم السياسات العمومية :الإطار المعرفي والتار يخي والمنهجي8 ..................................................................
المطلب الأول :تقييم السياسات العمومية :الأبعاد المفاهيمية والتار يخية والمعرفية 9 ..............................................................
المطلب الثاني :الأبعاد الإجرائية والمنهجية لتقييم السياسات العمومية 18 ...........................................................................
المبحث الثاني :مأسسة تقييم السياسات العمومية :المفاهيم والمقاربات 31 .........................................................................
المطلب الثاني :مقاربات حول مأسسة تقييم السياسات العمومية 42 ...............................................................................
الفرع الأول :مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على الدولة 42 ...................................................................................
125
الفرع الثاني :مأسسة التقييم في التصورات المرتكزة على التنظيمات 47 ..............................................................................
الفصل الثاني مأسسة تقييم السياسات العمومية:دراسة النموذج المغربي على ضوء النماذج الدولية 50 ...............................
المبحث الأول :مأسسة تقييم السياسات العمومية :دراسة مقارنة للنماذج الدولية53 ......................................................... .
المطلب الأول :النماذج الدولية للتقييم :السياقات التار يخية والثقافية والمعرفية للمأسسة 54 ......................................................
الفرع الأول :السياقات التار يخية للتقييم في النماذج الدولية 54 .......................................................................................
الفرع الثاني :السياقات الثقافية والمعرفية للتقييم في النماذج الدولية 59 ..............................................................................
المطلب الثاني :الفاعلون والعوامل المؤسساتية للتقييم في النماذج الدولية 68 .........................................................................
المبحث الثاني :مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب :دراسة مسار التنظيم وعوامل المأسسة77 ........................................
المطلب الأول :تنظيم وظيفة تقييم السياسات العمومية بالمغرب 78 .................................................................................
الفقرة الثانية :التقييم :من اصلاح الميزانية الى دسترة الوظيفة 82 ...................................................................................
الفرع الثاني :الخر يطة المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية بالمغرب 85 ...........................................................................
126
الفقرة الأولى :التقييم البرلماني للسياسات العمومية 86 .................................................................................................
الفقرة الثالثة :التقييم على مستوى المؤسسات الدستور ية المستقلة 91 ................................................................................
المطلب الثاني :العوامل المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب 93 ..................................................................
الفرع الأول :العوامل السياقية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب94 .........................................................
الفرع الثاني :العوامل الإجرائية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب 100 ......................................................
الفقرة الأولى :العوامل المؤسساتية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية بالمغرب 100 ..................................................
الفقرة الثانية :العوامل التدبير ية المؤثرة في مأسسة تقييم السياسات العمومية في المغرب 108 ..................................................
الفهرس125 ...................................................................................................................................................
127
جامعة الحسن الثاني
المحمدية
2020/2021