Professional Documents
Culture Documents
06
06
2
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
3
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
4
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
االنتقام ،وأشهد أ ّن محمدً ا عبده ورسوله المبعوث رحمة لألنام ،ختم اهلل به األنبياء فكان مسك الختام ،من التزم
سنته اهتدى واستقام ،ومن أحدث يف أمره ما ليس منه فهو َر ٌّد مع اآلثام .صلى اهلل عليه وسلم أكمل صالة وأتم
أما بعد:
فمعاشر الفضالء؛ نجتمع يف مسجد رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -نتدارس العلم والخير ،ونحن نرجو
اهلل -عز وجل -أن يرزقنا بذلك فق ًها ناف ًعا ،وأن يكتب لنا أجر حبس أنفسنا على التع ُّلم ،فإ ّن النبي صلى اهلل عليه
ونحن -أيها اإلخوة -يف هذا اليوم وما بعده من األيام سنقرأ يف أحاديث رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-نسمع
كالم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيما صح عنه ،وذلك من خالل القراءة يف ٍ
أمر من األهمية بمكان؛ أال وهو:
"كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح اإلمام مسلم -رحمه اهلل عز وجل."-
عظيما ،واهتم الصحابة -رضوان اهلل عليهم -هبذا األمر ،فكانوا يسألون
ً الخروج منها ،فاهتم بباب الفتن اهتما ًما
عن الفتن ،كانوا يسألون الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -يف حياته عنها ،ثم بعد أن مات -صلى اهلل عليه وسلم-
كانوا يسألون األعلم هبا؛ كما سيردنا -إن شاء اهلل عز وجل -فيما أورده اإلمام مسلم رحمه اهلل.
وهذا يدل على أ ّن المسلم ينبغي عليه أن يهتم بأمر الفتن ،ال ليقع فيها وال ليكون من َوقودها؛ وإنما ليَحذرها،
و ُي ِّ
حذر منها ،ويعرف األسباب الجالبة للسالمة منها.
5
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وتكاثرت
ْ عت
فتنو ْ
موجاّ ،
ونحن يف هذا الزمن أشدُّ حاجة من غيرنا ،ألنّا نعيش يف زمن تموج فيه الفتن ً
حي َ ّ
عار ًما ،ال سيما ونحن يف زمن تعددت فيه وسائل االتصال ،وأصبح ما يحدث يف العالم كله كأنه يحدث يف ٍّ
ُعرض فتن الدنيا على اإلنسان وهو يف بيته ،سوا ًء ما يتع ّلق بالشبهات أو الشهوات ،أصبح اإلنسان ُيالبِس
واحد ،فت َ
الفتن يف بيته ،يف شارعه ،يف وظيفته ،يف مدرسته ،يف كل مكان.
فما أحوجنا إلى أن نعرف هدي نبينا -صلى اهلل عليه وسلم -يف التعامل مع الفتن؛ ألنه -واهلل -ال سالمة لألفراد
وال للمجتمعات من الفتن إال بسلوك هدي محمد -صلى اهلل عليه وسلم -وا ّتباع محمد -صلى اهلل عليه وسلم-
ونحن -إن شاء اهلل -سنقرأ ما أورده اإلمام مسلم -رحمه اهلل ،-وستكون عنايتنا بالمتن ،أ ّما لطائف األسانيد -
وهي كثيرة جدًّ ا -فإنّا لن ِ
نعرض لها يف شرحنا هذا؛ لمقام الوقت وما يقتضيه المقام ،ولذلك سنقرأ مختصرين
ِ
مكتفين بأ ّن الحديث يف صحيح مسلم؛ الذي تل ّقته األمة السند،مقتصرين على الصحابي الذي روى الحديث،
بال َقبول ،واتفق علماء األ ّمة على صحة ما فيه من حيث الجملة.
بسم اهلل ،الحمد هلل ،والصالة والسالم األتمان األكمالن على خير خلق اهلل ،وعلى آله وصحبه ومن وااله ،أما
بعد:
النو ِو ُّي] َ -ر ِح َم ُه اهلل-؛ أل ّن الذي ّبوب صحيح مسلم هو اإلمام النووي ،فاإلمام مسلم - ول ِ
اإل َما ُم َ [ َي ُق ُ
تقسيما على الموضوعات؛ فكتاب اإليمان ،وكتاب الطهارة ،وكتاب الصالة ،كله يف موضع واحد ،لكنه -
ً قسمه
ّ
سمها ،فجاء اإلمام النووي وخدم هذا الكتاب؛ ومن خدمته له أنه ّبوب له.
رحمه اهلل -لم ُي ّ
6
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
الساع َِة]؛ الفتن -أيها اإلخوة :-جمع فتنة ،والفتنة لها يف لغة العرب وجوه، ِ ِ
َاب ا ْلفت َِن َو َأ ْش َراط َّ
ِ
قال [ :كت ُ
فمنها العذاب ،ومنها اإلحراق ،ومنها الحروب ،ومنها اإلبتالءواإلمتحان؛ وكل هذه وجوه لمعاين الفتنة عند
العرب.
فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتم ّيز الرديء من الج ّيد.
وأصل الفتنة :اإلبتالء ،مأخوذ ٌة من قولكُ :
إذن الفتنة -أيها اإلخوة -أصلها هو اإلبتالء؛ ولذلك يقول الحافظ ابن عبد الرب" :وجماع معنى الفتنة :اإلبتالء
واإلمتحان واإلختبار".
والفتن قد تكون يف المحيا ،وقد تكون يف الممات ،ولذلك ُأمرنا بأن نستعيذ من فتنة المحيا ومن فتنة الممات.
▪ إما أنه طلب عدم إدراكها؛ كاإلستعاذة من فتنة المسيح الدجال ،تقول :أعوذ باهلل من فتنة
المعاصي واقعة ،وأنت عندما تستعيذ باهلل من فتن المعاصي فأنت تسأل اهلل أال تقع فيها.
▪ وكذلك اإلستعاذة من فتن الحروب التي تقع بين طوائف المسلمين ،فإ ّن هذا معناه أنك
▪ وقد تكون اإلستعاذة من الفتن طل ًبا إلصابة جا ّدة الصواب فيها؛ وذلك كاإلستعاذة من فتن
الطاعات ،فالطاعة فيها فتنة -كما سنذكر إن شاء اهلل -واالستعاذة من فتنتها معناه :أنك تسأل
فهذا معنى اإلستعاذة الذي يشمل كل الفتن .وفتن المحيا كثير ٌة جدًّ ا ،يف األهل والمال والدين والدنيا؛
7
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
َّاس َأ ْن ُيت َْركُوا َأ ْن َي ُقو ُلوا آ َمنَّا َو ُه ْم َال ُي ْفتَنُو َن)[العنكبوت 2:بلى واهلل ، ِ
رسول اهلل ،فالبد أن ُيفتَن؛ ( َأ َحس َ
ب الن ُ
سيُفتن اإلنسان ،ومن فتنة المسلم أن ُيفتَن بالطاعات ،فيؤ َمر بالصالة ،ويؤ َمر الرجل مثال بإعفاء اللحية ،فهذه فتنة
وابتالء ُيختبَر هبا المسلم ،أل ّن بعض الناس إن ُأمِ َر بما ُيحب فعل ،وإن ُأمِ َر بما قد ال يحبه لم يفعل.
ولي أمره ولو كان فاس ًقا ،فهذه فتنة ،فتنة ابتالء وإختبار ليتبيّن المطيع من العاصي،
ُيبتلى المؤمن باألمر بطاعة ّ
ليتبيّن أهل الجنة من أهل النار.
)3ومن الفتنة :األوالد؛ (إِن ََّما َأ ْم َوا ُل ُك ْم َو َأ ْو َال ُدك ُْم فِتْنَ ٌة)[التغابن ،]1٥ :فقد ُيفتَن المسلم بأوالده ،وقد ُيفتَن
قد ُيفتن بأوالده فيلهوا هبم عن الطاعات؛ كما قال اهلل -عز وجلَ ( :-أ ْل َهاك ُُم التَّ َكا ُث ُر َحت َّٰى زُ ْر ُت ُم ا ْل َم َقابِ َر) [التكاثر:
]2-1فيلهوا هبم.
جر وقد تكون فتنة اإلنسان من أوالده ،فكم من ولد فتن أباه ،كم من أب مطيع على السنة ابتلي ٍ
بابن على البدعة؛ ّ
رجله من السنة إلى البدعة.
وقد ُيفتَن يف أوالده ،بما يقع من الفتن لألوالد يف الشارع والمدرسة والبيت؛ فهذه فتنة.
وقد ُيفتن اإلنسان بماله ،وقد يفتن يف ماله ،يفتن بماله فيلهوا يف جمعه عن الطاعات ،يسمع قول المؤذن "اهلل أكرب"
فال يسارع إلى المسجد ،يعقد الصفقات ،يعلم أ ّن هذه المعاملة حرام فال يرتكها فتن ًة بالمال ،وقد ُيفتن يف ماله،
المال عنده ،األول يف طلبه ،والثاين يكون المال عنده لكنه ال يعرف حق اهلل فيه ،فال يصل به رحمه ،وال ُي ِ
خرج منه
:4ومن الفتنة :الكفر -والعياذ باهلل-؛ كما قال اهلل -عز وجلَ ( :-وا ْل ِف ْتنَ ُة َأ َشدُّ مِ َن ا ْل َق ْت ِل)[البقرة]1٩1 :أي أ ّن
8
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
:5ومن الفتنة :اختالف الناس باآلراء؛ كما قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم(( :-فإنه من يعش منكم بعدي
:6ومن الفتنة :فتنة المسلم بالناس ،نعم ،قد ُيفتن المسلم بالناس ،إما بتشنيعهم ،وإما بحمدهم.
المبني على قال اهلل قال رسوله -صلى اهلل عليه وسلم -وامتأل قلبه بنور التوحيد ورجع إلى بالده عاز ًما على أال
تمسك المسلم بالسنة فأعفى لحيته ورفع إزاره ف ُيشنّعون عليه ويقولون :متشدد ،حنبلي! ف ُيفتن بالتشنيع
وكما لو ّ
فيرتك الحق من أجل فتنة الناس.
اب ول آ َمنَّا بِاهللِ َفإِ َذا ُأوذِ َي فِي اهللِ َج َع َل فِتْنَ َة النَّا ِ
س َك َع َذ ِ (ومِ َن النَّا ِ
س َم ْن َي ُق ُ وهذه فتنة عظيمة ،قال اهلل -عز وجلَ :-
اهللِ) [العنكبوت]1٠ :فإذا أوذي يف اهلل فشنّع عليه من حوله ترك الحق ،فجعل فتنة الناس كعذاب اهلل ،فأو َقع نفسه
مثال :فالن يصلي يف المسجد ،فالن ُيكثر من الصالة يف المسجد ،فالن يقوم الليل،
وقد ُيفتن بحمدهم ،فيقولون ً
فالن رجل صالح ،فالن حسن الخلق ،واألصل يف هذا أنه من عاجل بشرى المؤمن ما لم يطلبه اإلنسان ،لكن قد
ُيفتَن به فيقع يف الرياء بسببه ،فإذا كان يحضر للصالة عند األذان يبدأ يحضر قبل األذان من أجل أن يزيد الناس،
وإذا كان يخشع يف صالته يكون يف صدره أزيز من خوفه من اهلل يزيد فيُظ ِهر الصوت بالخشوع من أجل أن يزيد
حمد فيقال:
الناس ،هذا ُيفتَن بكالم الناس ُيفتّن بحمد الناس ،قد يكون اإلنسان طالب علم نفع اهلل به يف مجاله ،فيُ َ
أنت عالمة ،أنت عالم ،أنت إمام المسلمين! فيُفتن هبذا و ُيصبح يتكلم يف كل شيء ،ثم ينقلب من أن يتكلم بما
ُيصلح الناس إلى أن يتكلم بما ُيصالِح الناس ،ف ُيفتَن بالناس.
والمعاصي كلها فتنة ،وكل من ُفتن بشيء من المعاصي والشهوات المحظورة فهو مفتون.
9
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وقد يكون يف هذا الباب من الفتنة ما هو أشدّ من مجرد المعصية -كما ذكره الحافظ ابن عبد الرب-؛ أال وهو
اإلصرار على المعصية واإلقامة على الذنب ،فاإلصرار على المعصية أمره خطير حتى يف الصغائر ،ولذلك جاء
:7ومن الفتن العظيمة شديدة الخطر عظيمة األثر :البدع المحدَ ثة التي ُتتّخذ دينًا وإيمانًا ،و ُيش َهد هبا على اهلل
افرتا ًء ،ما شرعها اهلل ال يف كتابه وال يف سنة رسوله -صلى اهلل عليه وسلم -ف ُيفرتى على اهلل هبا ،ومن ُفتِ َن هبا أحبها
ويو ّد أن يقبضه اهلل عليها ،ولذا قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم (( :-إ ّن اهلل حجب التوبة عن كل صاحب بدعة؛
ٍ
أيضا مفتون بفتنة أشدَّ من فتنة المعاصي؛ أل ّن البدع أعلى المعاصي ،هي فوق الكبائر ،وقد تكون ً
كفرا وقد فهذا ً
تكون دون الكفر ،فهذا مفتون ،زُ ّين له سوء عمله ،ويو ّد لو أ ّن كل الناس مثله يف هذا األمر.
:9ومن الفتن :ما ُيبتلى به اإلنسان من زينة الدنيا وشهواهتا ولو كانت مباحة ،فقد ُيفتن اإلنسان بالزوجة ،هي
عجب هبا فتشغله عن آخرته ،بعض الناس ُيفتن بزوجته ،ال ُيعفي لحيته ألن الزوجة ال
حالله؛ لكن ُيفتن هبا بأن ُي َ
نحي عنك هذه اللحية ،أنا أريد أن يكون خدك كخدي ،فيحلق لحيته ،وكم من سائل سألني
تريد اللحية؛ تقولَّ :
بنفس هذا المعنى ،وقد تطلب منه الحرام فيأيت به وهو يعلم أنه حرام؛ ألنه يحبها أعجبته فشغلته عن آخرته،
:10ومن الفتن -كما قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل :-الحروب بين ملوك المسلمين وطوائفهم؛
مع أ ّن كل واحدة من الطائفتين ملتزم ٌة لشرائع اإلسالم ،انتبه للقيود ،الحروب بين طوائف المسلمين وملوكهم؛
10
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
الجمل ِ
وص ِّفين من المسلمين ،مع أ ّن كل واحدة من مع أ ّن كل طائفة ملتزمة لشرائع اإلسالم ،مثل ما كان من أهل َ
عرضت لهم.
ْ لش َب ٍه
الطائفتين ملتزم ٌة بشرائع اإلسالم؛ لكنهم اقتتلوا ُ
قال شيخ اإلسالم" :وأما قتال الخوارج ومانِعي الزكاة فليس من حروب الفتن ،بل هؤالء ُيقاتَلون حتى َيدخلوا يف
وهذا أمر مهم ننبِّه عليه -أيها اإلخوة -أل ّن بعض الناس يخلط بين حروب الفتن وبين غيرها ،فال يقف الموقف
الشرعي.
فمثال؛ ما وقع من شرور من الطوائف الضالة يف بلدان المسلمين -ومنها ما وقع يف هذا البلد المبارك -من
ً
اعتداءات من قوم يزعمون أهنم يجاهدون ،وليسوا بمجاهدين ،فقاتلتهم الدولة من ًعا لشرهم ،وجزاها اهلل خيرا،
فظ ّن بعض الناس أ ّن هذا األمر من الفتن؛ أعني من قتال الفتن ،فقال :فتنة ط ّهر اهلل منها سيوفنا فنط ّهر منها ألسنتنا،
فال ُينكِر على أولئك وال ُيبغض أعمالهم وال يصفهم بما يستحقون شرعًا ،وهذا ليس موق ًفا شرعيًّا.
فرق المسلم بين ما كان من قتال الفتن على الوصف الذي وصفه شيخ اإلسالم وهو أ ّن كل طائفة
فيجب أن ُي ّ
ملتزمة الشرائع وبين قتال البغاة والخوارج؛ فهذا ليس من الفتن ،بل ينبغي أن يكون للمسلم دور يف إنكار منكر
هؤالء الذين جلبوا الشر على المسلمين من أول ظهور الخوارج إلى يومنا هذا.
أيضا ،فإنّا نُفتن يف قبورنا ،واإلنسان ُيفتن يف قربه بالسؤال عن ربه ونبيه ودينه ،فمن
▪ وقد تكون يف القرب ً
الناس من ينجو ويو ّفق للصواب فينادي منادٍ :أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة ،وألبِسوه من الجنة،
11
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
كنت
مقيم ،فيقول :وأنت بشرك اهلل بالخير من أنت؟ فيقول" :أنا عملك الصالح؛ فواهلل ما علمت إال َ
خيرا".
سري ًعا يف طاعة اهلل ،بطيئًا يف معصية اهلل ،فجزاك اهلل ً
وال يو ّفق بعض الناس ،فال يوفق إلى الصواب ،وقد يكون كان يقول الصواب يف الدنيا لكنه ال يو َّفق للصواب يف
وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار ،فيأتيه من حرها وسمومها و ُيضيَّق عليه قربه حتى تختلف فيه أضالعه،
ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب ُمنتِن الريح فيقول :أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي َ
كنت توعَد ،فيقول:
من أنت بشرك اهلل بالشر فوجهك يجيء بالشر؟ فيقول" :أنا عملك السيء -ويف رواية :أنا عملك الخبيث -فواهلل
اها ُق ْل إِن ََّما ِع ْل ُم َها ِعنْدَ َر ِّبي َال ُي َج ِّلي َها ل ِ َو ْقتِ َها إِ َّال
الساع َِة َأ َّيا َن ُم ْر َس َ وال يعلم متى تقوم الساعة إال اهلل ( َي ْس َأ ُلون ََك ع ِ
َن َّ
َ ِ َِْ ُ ِ ُهو َث ُق َل ْت فِي السم ِ
اوات َو ْاأل ْرض َال تأتيك ْم إ َّال بَ ْغتَةً) [األعراف ،]1٨٧ :فعلم وقت الساعة ال يعلمه ٌّ
نبي مرسل َّ َ َ َ
يخرب اهلل -عز وجل -عن اقرتاب الساعة بالفعل الماضي الدال على التحقيق والوقوع ال محالة؛ كقوله( :ا ْقت ََر َب
ِ ٍ ِ لِلنَّا ِ ِ
س ح َسا ُب ُه ْم َو ُه ْم في َغ ْف َلة ُم ْع ِر ُضو َن ) [ األنبياء]1 :وقوله( :ا ْقت ََر َبت َّ
السا َع ُة َوان َْش َّق ا ْل َق َم ُر)[القمر ،]1 :وقال
12
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
خائفون وال يعلمون متى تأيت ،فهم على استعدادٍ لها ،أل ّن الواحد منهم ال يدري متى تقوم ساعته ،ومن حضرت
من ّيته قامت ساعته ،فهم من الساعة خائفون وجلون ولها مستعدون.
وأما من فرط وأتبع نفسه هواها ،ولم ِ
يحسب للساعة حساهبا ،فإنه خاسر إذا جاءته الساعة بغتة ،قال اهلل -عز ّ
السا َع ُة بَ ْغتَ ًة َقا ُلوا َيا َح ْس َر َتنَا َع َل ٰى َما َف َّر ْطنَا فِي َها) [األنعام ،]٣1 :فالساعة شأهنا عظيم
(حت َّٰى إِ َذا َجا َء ْت ُه ُم َّ
وجلَ :-
أيها اإلخوة.
وأما أشراط الساعة؛ فعالماهتا :عالمات القيامة التي تسبقها وتدل على قرب وقوعها ،وهي عند أهل العلم أيها
اإلخوة نوعان:
)1كبرى :وهي العالمات العظام التي تظهر قرب وقوع الساعة ولم يقع منها شيء ،ولكنها إن
تتابعت.
ْ وقعت
)2وصغرى :وهي دون الكربى ،ومنها ما وقع وانقضى ،مضى؛ كانشقاق القمر ،ومنها ما وقع
وال زال ،وال زال يكثر؛ كانتشار الجهل ،فانتشار الجهل وقع وال زال واق ًعا وال زال يتسع.
وظهر اليوم من الجهل أنواع كانت قليلة يف الماضي؛ كالجهل المركب ،جهل الجاهل الذي ال يعلم أنه جاهل،
عالما أو واعظا أو مفت ًيا وهو أجهل من الكرسي الذي يجلس عليه ،وهذا من عالمات الساعة الصغرى،
يظن نفسه ً
ومنها ما سيقع إن شاء اهلل -عز وجل.-
ويبوب النووي
فإن قال قائل :ما الرابط بين الفتن وأشراط الساعة حتى يجمع اإلمام مسلم بينهما يف موضع واحد ّ
هبذا التبويب؟
الجامع -يا إخوة :-أ ّن الفتن من عالمات الساعة ،وكلما كثرت الفتن كان ذلك ً
دليال على قرب الساعة ،فهذا هو
الجامع بينهما.
13
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
الدرس الثانى.
«ال إِ َل َه إِ َّال ُ
اهللَ ،و ْي ٌل استَيْ َق َظ مِ ْن ن َْومِ ِه َو ُه َو َي ُق ُ
ولَ : ِ
ش َأ َّن النَّبِ َّي َص َّلى ُ
اهلل َع َليْه َو َس َّل َم ْ
[ َعن زَ ينَب بِن ِ
ْت َج ْح ٍ ْ ْ َ
وج مِثْ ُل َه ِذ ِه» َو َع َقدَ ُس ْفيَا ُن بِيَ ِد ِه ع ََش َرةًُ ،ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
ول وج َو َم ْأ ُج َ
ِ ِ ل ِ ْلعر ِ ِ
ب م ْن َش ٍّر َقدْ ا ْقت ََر َبُ ،فت َح ا ْليَ ْو َم م ْن َر ْد ِم َي ْأ ُج َ ََ
الصال ِ ُحو َن؟ َق َال« :نَ َع ْم ،إِ َذا َكثُ َر ا ْل َخبَ ُث»]. ِ ِ
اهلل! َأنَ ْهلِ ُك َوفينَا َّ
عن زينب بنت جحش -رضي اهلل عنها -أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -استيقظ من نومه ،ويف رواية -
من أسباب السالمة من الفتن ،وسيرد -إن شاء اهلل -يف موطنه.
أذكارا
ً فمن أسباب السالمة من الفتن :أن يداوم اإلنسان على ذكر اهلل ،وسنذكر -إن شاء اهلل -يف موطنه
• األمر األول :أهنم كانوا معظم من أسلم إذ ذاك؛ والنبي -صلى اهلل عليه وسلم -يهتم ألمر المسلمين.
14
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
• واألمر الثاين :لإلنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهالك أسرع يف العرب ،قال العلماء :هذا َ
يؤخذ يف الفتن
ب مِ ْن َش ٍّر َقدْ ا ْقت ََر ْب»؛ أي أ ّن ُقرب ذلك الشر يف غاية ال ُقرب.
«و ْي ٌل ل ِ ْل َع َر ِ
قالَ :
ِ ِ
سائال سأل :لماذا تقول ذلك يا رسول اهلل؟ فنبَّه على السبب فقالُ « :فت َح ا ْليَ ْو َم م ْن َر ْد ِم َي ْأ ُج َ
وج ً فكأ ّن
ردم يأجوج ومأجوج :هو السدّ الذي بناه ذو القرنين -الذي ورد يف القرآن -بزبر الحديد وهي القطع من
الحديد.
وحواء.
ورد يف صفاهتم ماال يثبُت؛ مِن قِ َصرهم ِ
وصغَرهم ،وإنما المعلوم عنهم أهنم قو ٌم أقوياء ،ال طاقة ألحد يف َ
قتالهم ،حتى عيسى -عليه السالم ،-حتى عيسى -عليه السالم -الذي يقتل الدجال ال طاقة له بقتال يأجوج
ِ
ومأجوج -كما سيأيت إن شاء اهلل .-وإذا ُأرسلوا على الناس َ
أفسدوا عليهم معايشهم.
ِ ِِ ِ
«مثْ ُل َهذه» هذا نائب فاعل لقولهُ « :فتح» ،وأشار إلى الح ْلقة المب ِّينة بقولهَ :
((و َع َقدَ ع ََش َرةً)) هذه من
قال الحافظ ابن حجر" :وقد جاء يف خرب مرفوع أ ّن يأجوج ومأجوج يحفرون السدّ كل يوم ،وهو فيما
وحسنه وابن حبان والحاكم وصححه ،عن أبي هريرة رفعه« :يف السد يحفرونه ّ
كل يوم ،حتى إذا ّ أخرجه الرتمذي
كادوا َيخرقونه قال الذي عليهم :ارجعوا فست ِ
َخرقونه غدا ،ف ُيعيده اهلل كأشدّ ما كان ،حتى إذا بلغ مدّ هتم وأراد اهلل
أن َيبعثهم قال الذي عليهم :ارجعوا فست ِ
َخرقونه غدً ا إن شاء اهلل» واستثنى ،قال« :فيرجعون فيجدونه كهيأته حين
15
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
قال اإلمام ابن العربي -رحمه اهلل" :-يف هذا الحديث ثالث آيات باهرات:
وهنارا ".
ً األولى :أ ّن اهلل منعهم أن يوالوا الحفر ً
ليال
انظروا يا إخوة! يحفرون يف الليل والنهار حتى إذا بقي قليل ال ُيكملون ،وإنما يقولون :ترجعون غدًا
قلت :وفيه :أ ّن فيهم أهل صناعة" ،لماذا أهل صناعة؟ ألهنم يحفرون ،ففيهم أهل
قال الحافظ ابن حجرُ " :
صناعة .قال" :وأهل والية وسالطة"؛ ألنه قال :فيقوم الذي عليهم؛ إذن لهم والي .قال" :ورعيّة تطيع من فوقها"؛
ألنه يقول لهم ارجعوا فيرجعون" .وأ ّن فيهم َمن يعرف اهلل"؛ ألنه يقول :إن شاء اهلل .قال" :و ُي َ
حتمل أن تكون تلك
الكلمة تجري على لسانه من غير قصد للحكمة التي أرادها اهلل".
قالت -رضي اهلل عنهاَ (( :-أفنُ ْه َل ْك)) أو (( َأ َفنَ ْهلِ ْك))؛ كالهما ورد .فإذا قلنا (( َأ َفنُ ْه َل ْك)) فهذا من اإلهالك،
عرفت أنه يبقى يف األ ّمة صالحون؟ من إخبار النبي -صلى اهلل عليه وسلم-؛ «ال تزال
ْ الطاهرون؟! نعم ،من أين
الخبَ ْث»؛ ّ
فسره العلماء :بالزنا ،إذا كثر الزنا وفشا. «إذا َكثُ َر َ
16
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وتسليه بخلوة أو بحضوره من غير حجاب ،تضحك مع صديقه أشدّ ما تضحك مع زوجها ،وهذا نو ٌع من أنواع
الدِّ ياثة -والعياذ باهلل -وهو فجور .والزنا واللواط وغير ذلك من أنواع الفجور ،والعياذ باهلل.
فإذا فشا المنكر يف الدين وفشا الفساد وفشا الشر كانت األ ّمة ع ُْرض ًة للهالك.
هارا استحقوا العقوبة" .وهذا معناه :إذا َق ِدروا على اإلنكار فلم ُينكِروا.
المنكر َج ً
ٌ
إهالك لأل ّمة ،ولذلك سألت فقالت: الخرق؛ بحيث يخرجون ،وكان عندها علم يف أ ّن خروجهم فيه
ا ّتسع َ
وسيأيت -إن شاء اهلل -الكالم عن خروج يأجوج ومأجوج إن كتب اهلل وقتًا ،وسنتكلم هناك عن حالهم وما
يكون فيهم.
قال ابن ب َّطال -رحمه اهلل" :-أنذر النبي صلى اهلل عليه وسلم يف هذا الحديث ب ُقرب قيام الساعة" لماذا؟
قال" :كي يتوبوا قبل أن هتجم عليهم ،جاء يف حديث أبي هريرة رفعه« :ويل للعرب من شر قد اقرتب ،موتوا إن
استطعتم» -فالموت أهون ،-قال :ويف هذا غاية التحذير من الفتن والخوض فيها".
17
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
ومن مراد اإلمام مسلم -رحمه اهلل -من ال َبدء هبذا الحديث :بيان أ ّن الفت َن إذا نزلت ال تصيب الظالم فقط
حصن أبناءه وبناته ومن حوله ،بأن ُيع ِّلمهم ويبيّن لهم.
عليه؛ ولو أن ُي ِّ
ِ ِ ِ
يقول اهلل -عز وجلَ ﴿ :-وا َّت ُقوا فتْنَ ًة َال ُت ِصيبَ َّن ا َّلذي َن َظ َل ُموا منْ ُك ْم َخ َّ
اص ًة﴾ﭼ [األنفال.]2٥ :
وهذه طريقة أهل العلم -يا إخوة ،-طريقة أهل العلم أهنم يبدؤون الكالم عن الفتن ببيان أ ّن الحذر منها
واإلمام مسلم -رحمه اهلل -بدأ هذا الكتاب هبذا الحديث الذي ورد فيه أ ّن الفتنة َيهلِك فيها الصالح وغيره ،ليَحذر
الجميع.
فأراد -رحمه اهلل -أن ُيبيّن عظيم أثرالفتن على الناس؛ ليُعطيها الناس ما تستحقه من اهتمام ويأخذوا
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم َي ْو ًما َف ِزعًا ُم ْح َم ًّرا َو ْج ُه ُه َي ُق ُ [و َعنْها -ر ِضي اهلل َعنْها -قالتَ :خرج رس ُ ِ
ولَ « :
ال ول اهلل َص َّلى ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ
هللَ ،و ْي ٌل ل ِ ْل َع َر ِ
ب»]. إِ َل َه إِ َّ
ال ا ُ
محمرا وجهه قد استيقظ من منامه ،فإذا كان هذا -يا إخوة ،-إذا كان حال النبي -
ًّ نعم ،خرج يو ًما فزعًا
الصال ِ ُحو َن؟ َق َال« :نَ َع ْم إِ َذا َكثُ َر ا ْل َخ َب ُث»]. ِ [ ُق ْل ُت :يا رس َ ِ
ول اهلل َأنَ ْهلِ ُك َوفينَا َّ َ َ ُ
18
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
ِ ِ
وعن أبي هريرة -رضي اهلل عنه -عن النبي صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم قالُ « :فت َح ا ْل َي ْو َم م ْن َر ْد ِم َي ْأ ُج َ
وج
ِِ ِ
َو َم ْأ ُج َ
وج مثْ ُل َهذه» ،و َع َقد ُو َه ْي ٌ
ب بيده تسعين".
نعم ،هذا مثل ما مضى ،لك ّن الجديد يف حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أ ّن ُو َهيْبًا -رضي اهلل عنه -أحد
ويضمها
ُّ الرواة َع َقدَ بيده تسعين ،فما عقد التسعين؟ عقد التسعين قالوا :أن يجعل طرف السبابة اليمنى يف أصلها
ُّ
ويضمها
ُّ المنضمة إلى بعضها ،يعني هكذا ،يضع طرف السبابة يف أصلها -أصل السبابة -من أسفل
ّ فتكون كالحيَّة
ط ّيب؛ هنا ستَلحظون شيئًا :يف الحديث السابق كان ال َع ْقد هكذا فهذه ح ْلقة ،ويف هذا الحديث الح ْلقة هكذا،
ٌ
ففرق بينهما ،فهذا شيء يسير وذاك أكرب منه!
ولذلك؛ قال بعض أهل العلم :لعل أبو هريرة -رضي اهلل عنه -روى الحديث يف ّأول األمر عندما كان
األول ،فلع ّلنا نكتفي به؛ أل ّن اليوم نقدّ م للمسألة وغدً ا -إن شاء اهلل عز وجل-
هذا ما يتع ّلق هبذا الحديث ّ
المبارك.
َ نُكمل القراءة يف هذا الكتاب
وأهم ما ورد -يا إخوة -هي قضية أنه ُيراد هبذا الحديث :التحذير من الفتن ،ومن التهاون هبا ،ومن
ّ
السكوت عنها عند وقوعها مع القدرة على إنكارها.
فإذا وقعت الفتن سواء ما يتع ّلق بالشبهات والبدع فمن الخطر العظيم أن ُيس َكت عن البدع وأهلها .وإذا
وقعت فتن الشهوات فمن الخطر ان ُيس َكت عنها؛ لكن ُيتك ّلم باألصول الشرعية؛ أل ّن من إنكار المنكر ما هو فتنة،
19
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
منكرا يحتاج إلى إنكار ،فالمسألة تحتاج إلى ضوابط شرعية سرتدنا إن شاء اهلل،
ً من الناس من يكون إنكاره
20
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدرس الثالث
باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت
21
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم األتمان األكمالن على المبعوث رحم ًة للعالمين ،وعلى آله وصحبه
ٍ
بإحسان إلى يوم الدين .أما بعد: ومن تبعه
*******
ث ْب ُن َأبِي َربِي َع َة َو َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َص ْف َوا َن َو َأنَا َم َع ُه َما َع َلى ُأ ِّم َس َل َم َة ُأ ِّم َع ْن ُع َب ْي ِد اهللِ ا ْب ِن ا ْل ِق ْبطِ َّي ِةَ ،ق َالَ :د َخ َل ا ْل َح ِ
ار ُ
ف بِ ِه ،وكَا َن َذل ِ َك فِي َأيا ِم اب ِن الزُّ بي ِرَ ،ف َقا َل ْتَ :ق َال رس ُ ِ
ش ا َّل ِذي ُي ْخ َس ُ ا ْل ُمؤْ مِنِي َنَ ،ف َس َأ َ
ال َها ع ِ
َن ا ْل َجيْ ِ
ول اهلل َص َّلى ُ
اهلل َ ُ َْ َّ ْ َ
ول! ض ُخ ِس َ
ف بِ ِه ْم ))َ .ف ُق ْل ُتَ :يا َر ُس َ ت َفيُبْ َع ُث إِ َليْ ِه بَ ْع ٌثَ ،فإِ َذا كَانُوا بِبَيْدَ ا َء مِ َن األَ ْر ِ
َع َلي ِه وس َّلم (( :يعو ُذ عَائِ ٌذ بِا ْلبي ِ
َْ َُ ْ َ َ
ف بِ ِه َم َع ُه ْمَ ،و َلكِنَّ ُه ُيبْ َع ُث َي ْو َم ا ْل ِقيَا َم ِة َع َلى نِيَّتِ ِه )) َ .و َق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍر ِه َي َبيْدَ ا ُء اهللِ َف َكيْ َ
ف بِ َم ْن كَا َن ك ِ
َار ًها؟ َق َالُ « :ي ْخ َس ُ
ا ْل َم ِدين َِة.
ضَ ،ف َق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍرَ :كالََّ ،واهللِ إِ َّن َها َل َب ْيدَا ُء ا ْل َم ِدين َِة.
يت َأ َبا َج ْع َف ٍر َف ُق ْل ُت :إِ َّن َها إِن ََّما َقا َل ْت بِ َب ْيدَ ا َء مِ َن األَ ْر ِ
َف َل ِق ُ
الش ِريدُ ا َّل ِذي ُي ْخبِ ُر َعنْ ُه ْم ))َ .ف َق َال َر ُج ٌلَ :أ ْش َهدُ َع َليْ َك َأن ََّك َل ْم َت ْك ِذ ْب َع َلى َح ْف َص َة َو َأ ْش َهدُ أن َح ْف َص َة َأنَّ َها َل ْم إِ َّ
ال َّ
22
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
ول اهللِ ص َّلى اهلل َع َلي ِه وس َّلم َق َال (( :سيعو ُذ بِه َذا ا ْلبي ِ
ت َ -ي ْعنِي ا ْل َك ْع َب َةَ -ق ْو ٌم َل ْي َس ْت اهلل َعنْ َها -أ ّن َر ُس َ ِ
َْ َ َُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َو َعنْ َها َ -رض َي ُ
ض ُخ ِس َ
ف بِ ِه ْم )). ال عُدَّ ةٌُ ،ي ْب َع ُث إِ َل ْي ِه ْم َج ْي ٌش َحتَّى إِ َذا كَانُوا بِ َب ْيدَ ا َء مِ َن األَ ْر ِ َل ُه ْم َمنَ َع ٌة َو َ
ال َعدَ ٌد َو َ
الش ْأ ِم َي ْو َمئِ ٍذ َي ِس ُيرو َن إِ َلى َم َّكةََ ،ف َق َال َعبْدُ اهللِ بْ ُن َص ْف َوا َنَ :أ َما َواهللِ َما ُه َو بِ َه َذا ا ْل َجيْ ِ
ش. فَ :و َأ ْه ُل َّ َق َال ُي ُ
وس ُ
َّاسَ .ق َال (( :نَ َع ْم ،فِي ِه ُم: ف بِ ِهم))َ .ف ُق ْلنَا :يا رس َ ِ ِ ِ ِ
ول اهلل! إِ َّن ال َّط ِر َيق َقدْ َي ْج َم ُع الن َ َ َ ُ بِا ْلبَيْتَ ،حتَّى إِ َذا كَانُوا بِا ْلبَيْدَاء ُخس َ ْ
اهلل َع َلى نِ َّياتِ ِه ْم )). ِ
دُرو َن َم َصاد َر َشتَّى َي ْب َعثُ ُه ُم ُ
ِ ِ
السبِيلَِ ،ي ْهل ُكو َن َم ْه َل ًكا َواحدً ا َو َي ْص ُ
ِ
ا ْل ُم ْستَ ْبص ُرَ ،وا ْل َم ْج ُب ُ
ورَ ،وا ْب ُن َّ
*******
نعم ،هذا الحديث -أيها اإلخوة -يخرب النبي -صلى اهلل عليه وسلم -فيه عن ٍ
أمر يقع يف المستقبل؛ وهو :الخسف
وقوله(( :وكان ذلك يف أيام الزبير))؛ استشكل هذا بعض أهل العلم ،فقالوا :هذا ليس بصحيح ،لماذا؟ قالوا :أل ّن
أم سلمة -رضي اهلل عنها -توف ّيت يف خالفة معاوية قبل موته بسنتين سنة تس ٍع وخمسين؛ وعلى هذا فهي لم تدرك
لكن قال بعض أهل العلم :إهنا -رحمها اهلل ورضي عنها -توفيت يف أيام يزيد بن معاوية ،وعلى هذا يستقيم ،أل ّن
ابن الزبير نازع يزيدً ا ّأول ما بلغتْه بيعته عند وفاة معاوية؛ ذكر ذلك الطربي وغيره من أهل العلم.
وذكر ابن عبد الرب يف "االستيعاب" أ ّن أم سلمة -رضي اهلل عنها -توفيت زمن يزيد ،وعلى هذا ال يكون يف المسألة
إشكال.
على أ ّن هذا الحديث روته عد ٌد من أمهات المؤمنين؛ فروته أم سلمة ،وروته حفصة ،وروته عائشة ،رضي اهلل
عنهن.
23
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
قوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-يعوذ )) ،ما معنى يعوذ؟ معناه :يلتجئ إليه ويلوذ به طال ِ ًبا العصمة ،نحن نقول
وأطلب العصمة ،فقوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-يعوذ )) أي يلتجئ إليه
ُ ألتجئ
ُ مثال :أعوذ بكلمات اهلل؛ أي
ً
ويعتصم به.
قوله -صلى اهلل عليه وسلمُ (( :-خ ِسف هبم )) أي ُذ ِهب هبم يف األرض ،فاهلل -عز وجل -يعاقب بعض الظالمين
وهذا وقع يف األزمان الماضية قبل بعثة محمد -صلى اهلل عليه وسلم-؛ كما ُخ ِس َ
ف بقارون ،وسيقع بعد بعثة
محمد -صلى اهلل عليه وسلم -يف أقوا ٍم من أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم-؛ ومنهم قو ٌم يجتمعون على
الخمر ،ويضرب على رؤوسهم بالمعازف ،و ُتغنّيهم ِ
القيان؛ ف ُيخسف هبم -والعياذ باهلل .-ومنهم هذا الجيش ُ َ
خسف هبم.
الذي يقصد الكعبة فيُ َ
والبيداء :هي الصحراء ،الصحراء تسمى بالبيداء ،لماذا تسمى بالبيداء؟ قالوا :كأهنا ُتبيد َمن دخلها ،فهي َمظِنَّة
الهالك ،الصحراء األصل فيها أنه ال ماء فيها وال شجر ،و َمن دخلها كان ع ُْر َضة ألن يهلك؛ فسميّت بالبيداء؛ ألهنا
والبيداء المذكورة يف الحديث إ ّما أهنا صحراء لم ُتع َّين؛ لكنها جهة مكة.
ِ
المشرف الممتد وإ ّما أهنا بيداء المدينة التي َّ
أهل منها النبي -صلى اهلل عليه وسلم-؛ وبيداء المدينة هي المكان
صعدت من الميقات إلى طريق مكة القديم -وليس الطريق الجديد -فإنك ّأول ما تصعد
َ بعد الميقات ،فأنت إذا
من الميقات ترى مكانًا مشر ًفا مرتف ًعا ،عليه اآلن مستشفى -أحسب أنه يسمى بمستشفى الميقات -هذا المكان
هو البيداء.
قال النووي -رحمه اهلل" :-قال العلماء:كل أرض ملساء ال شيء هبافهي بيداء" .
إذن البيداء :هي األرض الصحراء التي ليس فيها بناء وال شجر.
قوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-ليؤ ّمن هذا البيت جيش ))؛ أي يقصدونه ،أي يقصد هذا البيت جيش.
24
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
الشريد»؛ الشريد :معناه البق ّية ،يعني يبقى منهم بق ّي ًة ُتخبِر عن حالهم.
وقوله« :إال َّ
والشريد كما قال أهل اللغة :هو البق ّية من الشيء ،يقال :يف اإلناء َشريدٌ من الماء؛ أي بقية من الماء.
والمقصود أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلمُ -يخرب أنه يبقى منهم شريد ،ال لسالمته -هو -وإنما لحكمة ،ما هي
وقوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-ليست لهم َمنَعة ))؛ أي ليس لهم َمن َيجمعهم و َيمنعهم.
وقول أ ّمنا عائشة -رضي اهلل عنهاَ (( :-عبِ َث رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يف منامه)) ما المراد بعبث؟ معناه:
حرك يده كمن يأخذ شيئًا يف منامه ،وليس هذا من عادة النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف
قال بعض أهل العلمّ :
منامه ،فالنبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف منامه يكون ساكنًا ال َيتحرك وال َيضطرب -صلى اهلل عليه وسلم -لكنه
يف هذه المرة اضطرب وتحركت أعضاؤه ومدّ يده كأنه يريد أن يأخذ شيئًا وهو نائم ،ولذلك سألتْه أ ّمنا عائشة -
رضي اهلل عنها -عن هذا ،فالنبي -صلى اهلل عليه وسلم -أخربها.
ثم ذكر النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أ ّن فيهم :المستبصر ،والمجبور ،وابن السبيل.
وأ ّما ابن السبيل :فهو سالك الطريق معهم يريد مكة ،هو ال يريد ما يريدون ولكنه يسير معهم يريد مكة.
ومع ذلك قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم (( :-إهنم ُيه َلكون َمه َل ًكا واحدً ا )) ،أو (( َيهلِكون مهلِ ًكا واحدً ا )) أي
المكره ،وال ينجو ابن السبيل؛ كلهم ُيه َلكون ،ثم يوم القيامة
َ يقع الهالك يف الدنيا على جميعهم ،فال ينجو
َيصدُ رون مصادِر شتَّى بحسب نياهتم ،فاألمر بين يدي اهلل على النيات ،فيُجازَ ْون بحسب القصد وبحسب الغرض
من المسير.
25
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
صلى اهلل عليه وسلم -أهنم ُيه َلكون جمي ًعا؛ ولكنهم ُيبعثون على نياهتم ،فالطائع ُيجازى بنيته ،والعاصي ُيجازى
بنيته.
بيان أ ّن من الفقه التباعد عن أهل الظلم ،فال يكون اإلنسان مع ال َظ َلمة وإن كان ً
عدال ،يبتعد عن أهل
الظلم و َيحذر مجالسهم و َيحذر مجالستهم؛ ألهنم ع ُْرضة لنزول العقاب ،وإذا نزل العقاب -والعياذ باهلل -أصابه
معهم.
حذرون من مجالسة أهل البدع؛ أل ّن مجالسة أهل البدع شر ،إ ّما أن يوقِعوا يف
السلف ُي ِّ
ومن هنا -يا إخوة -كان َّ
قلب المسلم ُّ
الشبهة ،فلعله أن َيغرتَّ هبم ،يذهب إليهم يف زاويتهم وهو على سنَّة وخير ،فقد يسمع شيخهم يقول
وفيه :أ ّن من الفقه العظيم أن يكون المسلم مع أهل السنة ،أن يكون منهم ومعهم ،يبحث عنهم ،يبحث
عن مساجدهم ،فيكون معهم يف مساجدهم ،يحرص على أن يكون منهم يف معتقده ،يف أعماله ،يف أقواله؛ ألهنم
موعودون بالسالمة؛ «ال تزال طائف ٌة من أ َّمتي على الحق ظاهرين حتى يأيت أمر اهلل».
وفيه :من الفقه أ ّن المسلم ينبغي أن َيتَّخذ له ُمجالسين ُصلحاء من أهل الصالح ،من أهل التُّقى ،فهم
نوسع عن
األ َمنَة ،وليس األمر كما يفعل بعض المسلمين؛ يبحثون عن أهل المعاصي وعن أهل التساهل؛ يقولّ :
صدورنا ،نفرح معهم ،كما يقولون بالعامية :المطاوعة مع َّقدون أجلس معهم ُيذكّروين بالجنة والنار وبذكر اهلل ،أنا
أريد أن أنشرح! فيُجالس -والعياذ باهلل -أهل الغيبة الذين ال يأنسون يف المجلس إال بأكل أجساد المسلمين،
ويجالس أهل الكذب ،ويجالس أهل البهتان ..إلى غير ذلك ،هذا -أيها اإلخوة -من الخذالن.
26
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
حريصا على مجالسة أهل الصالح ،على مجالسة أهل الطاعة ،ففي مجالستهم
ً المسلم ينبغي عليه أن يكون
وفيه :أ ّن المسلم ينبغي أن يتباعد عن الفتن ،ألنه إن اقرتب من الفتنة إ ّما أن يكون من أهلها ،وإ ّما أن ُيجبَر
عليها؛ إذا اقرتب من الفتن إ ّما أن يكون من أهلها -والعياذ باهلل -وإ ّما أن ُيجبَر عليها و َيتس ّلط عليه أه ُلها ،فإذا نزل
27
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
مسلم
من صحيح
الدرس الرابع
28
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ -أ ْش َرفَ َع َلى ُأ ُط ٍم ِم ْن آ َطا ِم الْ َم ِدين َِةُ ،ث َّم َق َال(( :
اهلل َعنْ ُهَ ،-أ َّن النَّبِ َّي َ -ص َّلى ُ
ِ
َع ْن ُأ َس َام َة َ -رض َي ُ
َه ْل ت ََر ْو َن َما َأ َرى؟ إِنِّي ألَ َرى َم َو ِاق َع الْ ِفت َِن ِخال ََل بُ ُيوتِك ُْم ك ََم َو ِاق ِع الْ َقطْرِ )).
النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أشرف؛ أي ا َّطلع من ُع ُلو ،نظر من ُع ُلو ،ارتفع على شيء فنظر إلى بيوت
المدينة.
واألُ ُطم :هي القصور والحصن ،وهي مفردُ ،أ ُطم مفرد،يعني :قصر ِ
وحصن ،وجمعها آطام. ُ ُ
فالنبي -صلى اهلل عليه وسلم -أشرف وعال وارتفع ،أين -يا إخوة -؟ يف مدينته -صلى اهلل عليه وسلم ،-يف هذه
المدينة ،وأخربهم عن ٍ
أمر فقال )) :إنِّي ألرى مواقع الفتن خالل بيوتكم )) ،يعني :يا أهل المدينة.
والمراد بــ (مواقع الفتن) :مواضع سقوطها .والخالل :هي النواحي .والرؤية :أي بالنظر ،أي أ َّن اهلل كشف للنبي -
صلى اهلل عليه وسلم -الحال؛ فرأى مواقع الفتن بين بيوت أهل المدينة.
والتشبيه بــ (مواقع القطر)-يا إخوة ،-المراد به :الكثرة؛ النبي -صلى اهلل عليه وسلمُ -يخرب األ َّمة أ َّن الفتن ستكون
أيضا إشارة إلى أ َّن الفتن لن تكون خاصة بطائفة؛ بل تكون عا ّمة؛ أل َّن مواقع المطر تعني أ َّن المطر َي ُّ
عمها، ويف هذا ً
والحرة ،ومقتل
َّ قال العلماء :يف هذا إشارة إلى الحروب التي وقعت بين المسلمين ،كوقعة الجمل ،وص ِّفين،
أخربهم ليتأهبوا لها ،وليستعدوا لها فال يخوضوا فيها ،ويسألوا اهلل السالمة منها ،ويأخذوا بمجامع أسباب النجاة.
ومقصود اإلمام مسلم -رحمه اهلل -أن ُيبيِّن أ َّن الفتن يف هذه األ َّمة كثيرة ،فال يغرت المسلم بأنَّه مسلم ،بل َيعلم أ َّن
الفتن يف األ َّمة كثيرة فيحذر هذه الفتن حتى ال يقع ،فإ َّن بعض الناس ال َيحذر مِن الفتن و َيظ ُّن أ َّن األمر ليس
مثال يقول :أ َّمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم -ال يقع فيها الشرك ،وهذا -إن شاء اهلل -سيرد وسنب ِّين
بعض الناس ً
أ َّن الشرك يقع يف أ َّمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-لك َّن بعض الناس ال يحذرون هذا؛ فماذا وقع؟ وقعوا يف
الشرك.
ِ ِ
ب على عبادة القرب؛ ومع ذلك يقول :الشرك ال يقع يف أ َّمة تجد أ َّن الواحد منهم ُمك ٌّ
ب على عبادة غير اهللُ ،مك ٌّ
وبعض الناس يقولون :نحن آمنون مِن الفتن ،فال يحذر؛ فيقع يف الفتن -والعياذ باهلل.-
فعلى المسلم أن َيحذر الفتن ،وأن يسأل اهلل -عز وجل -السالمة منها.
ُون فِتَن الْ َق ِ ِِ ِ [وعن َأبِي هرير َة -ر ِضي اهلل عنْهَ -ق َالَ :ق َال رس ُ ِ
اعدُ «ستَك ُ ٌ ول اهلل َص َّلى اهللُ َع َليْه َو َع َلى آله َس َّل َمَ : َ ُ ُ َ َْ َ َ ُ َ ُ َ َ ْ
اشي فِ َيها خَ ير ِمن الس ِ
اعيَ ،م ْن ت ََش َّرفَ لَ َها ت َْست َْشرِ ُف ُه، اشي ،والْم ِ
فِ َيها خَ ير ِمن الْ َقائِمِ ،والْ َقائِم فِ َيها خَ ير ِمن الْم ِ
ْ ٌ َ َّ َ َ ٌْ َ َ ُ َ ٌْ َ
فمن هو القاعد؟
خير من القائم»؛ َ
قال -صلى اهلل عليه وسلم« :-القاعد فيها ٌ
خير من القائم.
ثابت ،هو ٌ
• القاعد :هو الذي يثبت يف مكانه وال يتحرك للفتنة ،قاعدٌ ٌ
خيرا منه؟ قالوا :أل َّن القائم يرى ما ال يراه القاعد ،فيرى من الفتن ما ال يشاهده القاعد.
فلماذا كان القاعد ً
. وقالوا :هو الذي تكون يف قلبه؛ لكنه يرتدد يف الفعل ،هذا معنى آخر للقائم ،يعني :تكون الفتنة -والعياذ
باهلل -يف قلبه؛ يحبُّها؛ كما يقولون يف لسان العا َّمة اليوم" :مقتنع بها"؛ لكنه يرتدد يف الفعل ،يرت َّدد يف إثارة
خير منه.
الفتنة ،فالقاعد الثابت ٌ
30
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
والمعلوم -والعياذ باهلل -يا إخوة؛ أ ّن الفتن ُتقبِل كالمرأة الحسناء و ُتدبر كالعجوز الشمطاء ،فأهل البصيرة
أدبرت.
ْ أقبلت ،وأ َّما الدَّ هماء فال َيعرفوهنا إال إذا
ْ َيعرفوهنا إذا
عرض نفسه ألن ُيفتَن هبا ،ولذلك قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-القاعد فيها
فالذي يقوم و َينظر إلى الفتنة ُي ِّ
خير من القائم».
ٌ
▪ وقال بعض أهل العلم :الماشي هو الذي يمشي يف الفتنة ألسباب أخرى ،فيمشي يف الفتنة ليس من أجل
فيها.
والمراد -يا إخوة-؛ أ َّن المباشرة للفتنة كلما كانت أقرب كانت أعظم .فكلما اقرتب اإلنسان من الفتنة كان ذلك
أشد.
▪ نائـــــــــــــم.
▪ ومضطجع.
31
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
▪ وقاعــــــــد.
▪ وقائــــــــم.
▪ ومـــــاشي.
▪ وســـــاعي.
▪ وواقــــــــع.
-نائمُ :م ِ
عرض عنها تما ًما ،ال يدري عنها شيئًاَ ،أغلق بابه دوهنا.
-وقائمَ :يتط َّلع؛ فهو يرى يف الفتنة أكثر؛ وقد يقوده ذلك إلى أن يقع يف حبائلها.
-وماشي :يمشي.
-وساعي :يجريُ ،م ِ
سرع.
والمقصود -أيها اإلخوة-؛ بيان عظيم خطر الفتن ،والحث على تجنُّبها والهرب منها والبعد عن المقاربة لها ،فإ َّن
وفيه :ما أخذه أهل العلم مِن قاعدة عظيمة -يا إخوة -ينبغي على المسلمين جمي ًعا وعلى طالب العلم أن
فمن َسلِ َم من الفتنة فال َيجلبها لنفسه ،البلد الذي َيس َل َم من فتنة ال َيجلبها لنفسه ،وال يلزم -يا إخوة -إذا كانت
َ
فليحمد اهلل ،فإذا ظهرت فتنة فإنَّه ُيتبا َعد عنها.
َ الفتنة يف بلد أن ُتج َلب إلى بلد آخر ولو باللسانَ ،
فمن عُويفَ
قائما وال ماش ًيا وال ساع ًيا وال واق ًعا يف الفتنة؟
طيب؛ كيف نَتباعد عن الفتنة؟ كيف ال أكون ً
32
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
السنَّة ،فإ ّن مالزمة أهل السنة فيها مباعَدة للفتن ،ماذا قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم-؟
مالزمة أهل ُ
أيضا :أن تَحذر البدع وأهلها ،فتكون بعيدًا عنهم ،ففي ذلك السالمة من الفتن ،ولذلك ماذا قال
ومنها ً
النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف الحديث الذي ذكرناه قبل قليل؟
ٍ
بدعة ضاللة )). ٍ
محدثة بدعة ،وكل قال (( :وإياكم ومحدثات األمور ،فإ َّن كل
فإذا ظهرت فتنة من جماعة ،من فئة ،من شخص ،كيف أتباعد عن الفتنة؟
أسوي بين أهل السنة وصاحب الفتنة ،أبدً ا! بل ألزم أهل السنة وأعرف لصاحب الفتنة فتنته،
السنَّة ،ال ِّ
أن ألزم أهل ُّ
فأتبا َعد عنه ،وأتباعَد عن كالمه ،وأتبا َعد عن نصرته.
أيضا :أن نَلزم جماعة المسلمين وإمامهم ،كما سيأيت -إن شاء اهلل -ونع ِّلق عليه.
منها ً
وقبل هذا ومعه :االستعاذة باهلل من الفتن ،وسؤال اهلل أن يس ِّلمك من الفتن.
شرف المريض على الموت ،أي :كان قريبًا من الموت .أو المعنى :أنَّها ُتهلِكه ً
فعال، ال ُق ْرب من الهالك ،يقالَ :أ َ
فإنَّها مهلِكة.
ِ
ويستشرف لها: إذن-:يا إخوة-؛ َمن يتط َّلع إلى الفتن -ليس َمن يخوض يف الفتنَ -من يتط َّلع إلى الفتن
-يكون عُرض ًة ألن يكون قريبا من الهالك ،ومن اقرتب من الشيء أوشك أن يقع فيه.
33
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
ُّ
والحث على اجتناهبا والبعدُ عنها. اإلخوة:التحذير من الفتنة،
ُ ويف هذا الحديث أيها
الصالَةِ َصالَ ٌة َم ْن َفا َتتْ ُه َفكَأَن ََّما ُوتِ َر ِ اهلل أكرب!أي :أ َّن أبا بكر -يعني اب َن عبد الرحمن َ
شيخ الزُّ هري -زاد(( م َن َّ
قال العلماء :المراد هبذه الصالة :صالة العصر ،فصالة العصر َمن فاتته يف وقتها فكأنما َف َقدَ أهله وماله.
سمعت رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يقول (( :هي صالة
ُ وقد جاء عن ابن عمر -رضي اهلل عنهما -قال:
العصر)).
وقد ثبت يف الصحيحين أ َّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال (( :من فاتته صالة العصر فكأنما ُوتِ َر أهله وماله)).
قال ابن عبد الرب" :وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أ َّن حديث نوفل أعم وأولى بصحيح المعنى من حديث ابن
عمر ،وقالوا فيهَ :ق ْوله (( :من فاتته الصالة)) ،يريد كل صالة" .من فاتته الصالة -كل صالة -عن وقتها فكأنما
قالوا :وتخصيص ابن عمر لصالة العصر هو من باب إجابة السؤال ،ألنه ُسئل عن صالة العصر ،ولو ُسئل عن
34
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
تعظيم لعمل الصالة يف وقتها ،وهي خير أعمالنا ،كما قال النبي -صلى اهلل عليه
ٌ ويف هذا الحديث -يا إخوة-؛
أحب إلى وسلم (( :-اعلموا أ َّن خير أعمالكم الصالة)) ،وقد ُسئل النبي -صلى اهلل عليه وسلم -عن ِّ
أي األعمال ُّ
ويف هذا الحديث -أيها اإلخوة-؛ تحقير الدنيا ،فالدنيا حقيرة ال تساوي عند اهلل جناح بعوضة ،وأ َّن القليل من
خير من الدنيا.
عمل الخير ٌ
أال َترون يا إخوة أ َّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -جعل َف َ
وت صالة العصر عن وقتها كفقد األهل والمال؟!وما
الدنيا إال أهل ومال؟! فهذا يف فوت صالة ،فقليل الخير خير من الدنيا وما فيها ،فاإلنسان ينبغي عليه أن َيقدُ ر الدنيا
قدرها وأن َيعرف للخير فضله ،فإذا تعارضت الدنيا والخير؛ قدَّ م الخير.
ولذلك نحن نقول إلخواننا الذين يقولون :نحن يف أوروبا أو يف غير أوروبا يقتضي منا العمل أال نصلي الصالة يف
وقتها فيُط َلب منا أال نصلي حتى يخرج وقت الصالة ،نقولَ :من فاتته الصالة حتى خرج وقتها فكأنما َف َقدَ أهله
وماله ،فكيف ُتقدِّ م العمل على هذا األمر؟! إذا كان العمل يقتضي منك أن ترتك الصالة عن وقتها من غير مصلحة
األولى ،فهنا َتجمع؛ ألنَّها مصلحة ظاهرة ،وأل َّن هذا األمر ليس ً
دائما.
أ َّما أن ُت ِ
خرج الصالة عن وقتها من أجل العمل! فاحذر من هذا؛ فإ َّن العمل القليل من الخير ٌ
خير لك من هذه
الدنيا.
فالشاهد -أيها اإلخوة-؛ أنه ينبغي على المسلم أن يحرص على الخير وأن يجتنب الشر.
35
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
اشي فِ َيها
اشي فِ َيها ،والْم ِ
َ َ
اعدُ فِ َيها خَ ير ِمن الْم ِ
ٌْ َ َ
ُون فِتْنَ ٌة الْ َق ِ
ُون فِت ٌَن؛ َأالَ ُث َّم َتك ُ
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم« :إِن ََّها َستَك ُ
َص َّلى ُ
َان لَ ُه إِبِ ٌل َف ْليَ ْل َح ْق بِإِبِ ِل ِهَ ،و َم ْن كَان ْ
َت لَ ُه َغن ٌَم َف ْليَ ْل َح ْق ت َ -أ ْو َو َق َع ْ
تَ -ف َم ْن ك َ خَ ير ِمن الس ِ
اعي إِلَيْ َهاَ ،أالَ َفإِ َذا َن َزلَ ْ ْ ٌ َ َّ
ول اهللِ! َأ َر َأ ْي َ
ت َم ْن لَ ْم َيك ُْن لَ ُه إِبِ ٌل َوالَ َت لَ ُه َأ ْر ٌض َف ْل َي ْل َح ْق بِأَ ْر ِض ِه»َ .ق َالَ :ف َق َال َر ُج ٌلَ :يا َر ُس َ
بِ َغن َِم ِهَ ،و َم ْن كَان ْ
ِ ِِ ِ
استَطَ َ
اع الن ََّجا َء ،ال َّل ُه َّم َه ْل َب َّل ْغ ُ
ت، «ي ْعمدُ إِلَى َس ْيفه َف َيدُ ُّق َع َلى َحدِّ ه بِ َح َجرٍُ ،ث َّم لْ َين ُْج إِ ِن ْ َغن ٌَم َوالَ َأ ْر ٌضَ ،ق َالَ :
ت َحتَّى ُينْطَ َل َق بِي إِلَى ت إِ ْن ُأ ْكرِ ْه ُول اهللِ! َأ َر َأ ْي َ ْت»َ .ق َال َف َق َال َر ُج ٌلَ :يا َر ُس َ ْت ،ال َّل ُه َّم َه ْل بَ َّلغ ُ
ال َّل ُه َّم َه ْل بَ َّلغ ُ
انَ ،والْ َي ْقظَا ُن فِ َيها خَ ْي ٌر ِم َن الْ َقائِمَِ ،والْ َقائِ ُم فِ َيها خَ ْي ٌر ِم َن
وقوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-النَّائِ ُم فِ َيها خَ ْي ٌر ِم َن الْ َي ْقظَ ِ
الس ِ
اعي )) ،تقدَّ م معنا -أيها األخوة -أ َّن يف هذا بيان أحوال الناس يف الفتن ،فالناس يف الفتن :إ َّما نائم ،وإ َّما َّ
مستبصر وواقع.
ٌ مضطجع يقظان ،وإ َّما قاعد ،وإ َّما قائم ،وإ َّما ماشي ،وإ َّما ساعي ،وبينهما
▪ أ َّما النَّائم :فهو الذي ال يقع منه شيء يف الفتنة؛ بل هو بعيد عنها ،ليس له فيها شيء ،بعيد عن
ومن أهل العلم من يقول :النائم هو الذي ال يدري عن الفتنة شيئًا ،فهو كالنائم ال يدري بما حوله.
▪ وأ َّماالمضطجع :فهو العارف بالفتنة المنصت لها ،لكنَّه ال َينظر إليها ،مضطجع َيسمع و َيعرف
ِ
مضطجع يقظان. الفتنة لكنَّه ال َينظر إليها،
36
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
تغره.
▪ وأ َّماالقاعد :فهو العارف بالفتنة الناظر إليها يف حال الجلوس ،فهو يرى منها أشياء قد ُّ
وقال بعض أهل العلم :إ َّن القاعد هو الثابت يف مكانه إذا نزلت الفتنة.
تغره
▪ والقائم :هو العارف بالفتنة الناظر إليها من حال القيام؛ فهو يرى ما ال يراه القاعد فقد ُّ
الفتنة ،والعياذ باهلل.
وقيل :إ َّنالقائم :هو الذي يكون يف قلبه باعث على الفتنة؛ لكنه يرت َّدد يف إثارة الفتنة ،يف قلبه يوجد ما َيبعثه على
▪ والماشي :هو العارف بالفتنة الذاهب إليها من غير إسراع؛ كأنَّه يرت َّدد ،يعني هو عارف ،يعرف
الملك ،أو يريد الكرسي ،أو يريد منصبًا ،فهو يسير يف الفتنة ،ليس من أهل الفتنة لكنَّه يريد سببا آخر؛ وهذا
يريد ُ
عرض نفسه للوقوع يف الفتنة.
ُي ِّ
▪ والساعي :هو العارف بالفتنة المتح ِّرك إليها سري ًعا ،يسعى إليها ،والعياذ باهلل.
مستبصر وواقع.
ٌ وأ َّما ما بينهما:
▪ أ َّماالواقع :فهو أسوأ الناس يف الفتنة وهو الذي يخوض فيها ويقع فيها وتصيبه بما فيها.
السنَّة ِ
السنَّة عند وقوع الفتنة ،وهذا أعلى الناس منزلة ،يعرف ُّ
المستبصر :فهو الذي َيعلم ُّ
▪ وأ َّما ُ
ِ
المستبصر ،وهو أعلى الناس عند وقوع الفتنة. السنَّة ،وهذا هو
عند وقوع الفتنة؛ ف َيلزَ م ُّ
َت لَ ُه إِبِ ٌل )) المقصود :من كانت له إبل يف الرب َّية ،أل َّن الغالب أ َّن
قال النبي -صلى اهلل عليه وسلمَ (( :-ف َم ْن كَان ْ
اإلبل ال تكون يف المدن وإنما تكون يف الربية؛ فيلحق هبا ل َيعتزل ،يعني أنه َيذهب إلى الربية.
37
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
والمقصود -يا إخوة-؛ أن َيشتغل اإلنسان بخُ َو ْي َصة نفسه من ماله وأهله.
فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ فماذا يفعل؟ يعنيَ :من لم تكن له
مفس ًرا :أنه أبو بكرةَ :-
قال رجل -وجاء يف رواية َّ
فيدق على حدِّ ه بحجرٍ )) عمد على ِ
سيفه َّ إبل وال أرض وال غنم ماذا يفعل؟ فقال -صلى اهلل عليه وسلم (( :-فلي ِ
َ
جانب حا ٌّد يقع به القتل ،فماذا يصنع من اضطر للبقاء يف المدينة
ٌ أي فليضرب بجانب سيفه على حجر ،للسيف
والفتنة فيها فليس عنده شيء يذهب إليه؟ قال :يقصد إلى سيفه ُّ
فيدق حدَّ ه بحجر.
وقال بعض العلماء :معناه :أن يعتزل الفتنة ،وليس المعنى أن يكسر حدَّ السيف.
ُّ
يحث على البُعد عن ارع من الحث على المبالغة يف البُعد عن الفتنةَّ ،
فالشارع األول أظهر؛ لِما ُع ِهدَ عن َّ
الش ِ لك َّن َّ
أسباب الفتنة.
استطاع اإلسراع.
أرأيت إن ُأكرِ ُ
هت حتى ُينطَ َلق بي إلى أحد الص َّفين أو إلى إحدى الفئتين؟)) َ فقوله (( :قال رجل :يا رسول اهلل!
سهم
كسرت سيفي ((فضربني رجل بسيفه أو يجيء ٌ
ُ إحدى الفئتَين؟! قال(( :فضربني رجل بسيفه)) ألنني أنا قد
38
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
معنى (( :يبوء بإثمه وإثمك )) ؛ قال بعض أهل العلم معناه :أي أنه يرجع بإثمه وإثمك ،يرجع بإثمه يف الفتنة
وإثمك يف الفتنة.
المكره ال إثم
َ لك َّن األقرب -واهلل أعلم -أ َّن المعنى :أنه يبوء ويرجع بإثمه يف الفتنة وبإثمك ألنه تسبب يف قتلك.
عليه ،فهو يرجع بإثمه يعني بإثم قتله؛ ألنه تسبب يف قتله.
(( ويكون من أصحاب النار )) أي :يكون مستح ًقا لها ،فهذا من نصوص الوعيد.
الصف ال إثم عليه؛ لكن ال يجوز له أن يقاتِل ،بل الواجب عليه أن يبقى بال قِتال؛ فمن ُأ ِ
كره على الفتنة ودخل مع َّ َ
ولو ُقتِل .هذا معنى الحديث ،وهو الذي َف ِهمه أبو بكرة -رضي اهلل عنه ،-ويشهد له :أ َّن العلماء م ِ
جمعون على ُ َ
أ َّن َمن ُأ ِ
كره بالقتل على القتل :ال يجوز له القتل.
ٍ
مسلم فوضع السالح على رأسه وقال :إ َّما أن تقتل محمدً ا من الناس أو أقتلك لو أ َّن ً
ظالما -والعياذ باهلل -جاء إلى
مظلو ًما.
شك أنه ال يجوز له أن يقاتِل؛ وإن قتلوه ،بل الواجب عليه أن يصرب كما ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل
عز وجل.-
39
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
: -فقالت طائفة من العلماء :ال ُيقا َتل يف فتن المسلمين ،وإن دخلوا على المسلم بيتَه ،فإنه ال يقاتِل بل يصرب وإن
قتلوه .وعلى هذا بعض الصحابة -رضوان اهلل عليهم -وهو مذهب أبي بكرة؛ ف ِهمه من هذا الحديث الذي معنا.
-وقال بعض أهل العلم :ال ُيقاتَل يف قتال فتن المسلمين ،لكن إن اعتزل المسلم فدخل عليه أهل الفتنة بيته
فإنه يقاتلهم؛ ألنه ها هنا ليس من باب القتال يف الفتنة وإنما من باب دفع الصائل .ودفع الصائل مشروع
ولو بقتل من يصول على اإلنسان؛ وهذا مذهب ابن عمر وعمران بن الحصين ،رضي اهلل عنهم.
. -وقال بعض أهل العلم :يجب نصر الم ِ
ح ّق يف قتال الفتنة؛ فيقاتل المسلم مع من ظهر له أنَّالحق معه. ُ
وذهب المح ِّققون من أهل الحديث إلى أ َّن القتال بين المسلمين نوعان:
قتــــال فتنــــــة.
▪ أ َّما قتال الفتنة :فيجب اعتزاله .ما هو قتال الفتنة؟ قتال الفتنة :أن تقتتل طائفتان من المسلمين
ٍّ
لكل منهما تأويل له وجه .كما وقع يف موقعة الجمل وموقعة ص ِّفين- ،وإن كتب اهلل لنا ً
عمرا
انتبهوا:
❖ قتال الخارجين :ال يجوز اعتزاله إن ن ُِد َب إليه المسلم ،فإذا دعا ولي األمر إلى قتال الخوارج المارقِين
الذين فيهم صفات الخوارج فإنَّه ال يجوز ألحد أن َيعتزل ويقول هذا قتال فتنة ،بل َيتع َّين عليه أن يقاتل مع
إمام المسلمين.
40
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
و َمن ُقتل يف مثل هذا القتال ممن قاتل مع الطائفة التي معها الحق مع إمام المسلمين فهو شهيد معركة.
ولذلك؛ الجنود من المسلمين الذين ُيقتَلون يف قتال الخوارج يف كل زمان هم من شهداء المعارك .ال ِ
نجزم ألحد
شرعي ُقتلوا. بالشهادة لكن نقول :حالهم أهنم من شهداء المعارك ،ألنَّهم يف ٍ
قتال
ٍّ
من زمن الصحابة إلى يومنا هذا بحمد اهلل ،أهل حديث ،أهل سنَّة ،نسأل اهلل أن يجعلنا من أهل الحديث وأهل
السنة ،يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل" :-أهل المدينة َيرون قتال من خرج عن الشريعة؛ كالحرورية
ويفرقون بين هذا وبين القتال يف الفتنة ،وهو مذهب فقهاء الحديث ،وهذا هو الموافق
وغيرهم -أي الخوارجِّ -
وسنَّة الخلفاء الراشدين".
لسنَّة رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلمُ -
ُ
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل" :-أهل المدينة َيرون قتال من خرج عن الشريعة؛ كالحرورية
انظروا لحال علي بن أبي طالب -رضي اهلل عنه -يف قتال الخوارج:
• قاتلهم.
• و َفرِ َح بقتلهم.
شكرا لقتلهم.
وس َجدَ هلل ً
• َ
علي -رضي اهلل عنه وأرضاه -قاتلهم ،وذكر أ َّن قتالهم ُسنَّة ،وفرح بقتلهم؛ بل سجد هلل ً
شكرا ،أما يف قتال الفتنة
السنَّة يف قتال المارقين من الشريعة ،وترك القتال يف الفتنة ،وعلى ذلك أئمة
قال شيخ اإلسالم" :فأهل المدينة ا َّتبعوا ُّ
سوى بين قتال هؤالء وهؤالء".
أهل الحديث بخالف َمن ّ
وقِس على هذا سائر الفتن ،سواء فيما يتع َّلق بفتن األشخاص أو فتن األقوال ،فإنَّه يفرق يف األمور ،وهبذا ي ِ
ستبصر َ ُ َّ
طالب العلم.
قال العلماء :يف الحديث :التحذير من الفتن وبيان كثرتها وأ َّن من اقترب منها اكتوى بنارها ،ولو ظ َّن أنَّه َي ْس َلم
عظيم.
ٌ منها ،لو ظ َّن أ َّن عنده ما َي ْس َلم به ،فإ َّن َّ
شر الفتنة
42
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدرس الخامس
باب إذاتواجه املسلمان بسيفيهما
43
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
اج َه الْ ُم ْس ِل َم ِ
ان بِ َسيْ َفيْ ِه َما ] [باب :إِ َذا ت ََو َ
ٌ
الر ُج َلَ ،ف َل ِق َينِي َأ ُبو َبك َْر َة -رضي اهلل عنهَ ،-ف َق َال:
ت َو َأنَا ُأ ِريدُ َه َذا َّ
ع ِن األَحن ِ
َف ْب ِن َق ْي ٍ
س َق َال :خَ َر ْج ُ ْ َ
ٍ
واحد منهما بسيفه فالقاتل والمقتول يف النار ،قال العلماء :إذا لم يكن لهما إذا تقاتل المسلمان فضرب كل
ٌ
تأويل معتبَر .أ ّما إذا كان لهما تأويل فال َيدخالن يف الوعيد.
ولهذا قال أهل السنّة قاطب ًة بال نزا ٍع بينهم :إ ّن الدماء التي جرت بين الصحابة -رضوان اهلل عليهم -ال َتدخل يف
ومذهب أهل السنة :إحسان الظ ّن بالصحابة واعتقاد أنّهم عدول ،وأنّهم ما قاتلوا لدنيا وال لشهوة ،وإنما قاتلوا عن
ِ ٍ
تأويل؛ إذا اعتقد كل واحد من الطرفين أ ّن مخالفه با ٍغ يجب قتاله ليرجع ،فهم ِّ
متأولون.
قال بعض أهل العلم :بعضهم مصيب وبعضهم مخطئ ،المصيب له أجران ،والمخطئ له أجر؛ ألنّهم عن اجتهادٍ
قد اقتَتلوا.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل -عن الصحابة" :نقول يف هؤالء ونحوهم فيما شجر بينهم :إ ّما أن يكون
مغفورا ،أو اجتها ًدا قد ع ُِف َي لصاحبه عن الخطأ؛ فلهذا من أصول أهل العلم:
ً مشكورا ،أو ذنبًا
ً عمل أحدهم سعيًا
ٌ
عدول مرض ُّيون" ،هذا منهج أهل أنّه ال ُيم َّكن أحدٌ من الكالم يف هؤالء بقدح؛ يف عدالتهم وديانتهم؛ بل ُيع َلم أنّهم
ٌ
عدول مرض ُّيون ،رضي اهلل عنهم السنّة والجماعة ،ال ُيقدَ ح فيهم ،وال ُيم َّكن أحدٌ من أن يقدح فيهم ،بل هم
وأرضاهم.
44
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل" :-أهل السنّة متّفقون على عدالة القوم" -يعني على عدالة الصحابة
الذين تقا َتلوا يف الفتنة -قال " :ثم لهم يف التصويب والتخطئة مذاهب -يعني ألهل السنة:-
عما َشجر بينهم مطل ًقا ،مع العلم بأ ّن عليًّا وأصحابه هم
▪ والرابع -وعليه َج ْم َه َرة أهل السنّة :-اإلمساك ّ
أولى الطائفتَين بالحق" .
1
القاتل ،فما بال المقتول؟ قال :إنّه أراد قتل صاحبه)) ،مِن هنا قال بعض أهل العلم :إ ّن َمن نوى المعصية جاز ًما
آثما وإن لم يفعلها وال تكلم ،لماذا؟ قالوا :أل ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -جعل القاتل والمقتول
بقلبه؛ يكون ً
ٍ
عذاب واحد. يف النار ،يف
طيب؛ استشكل الصحابة ،قالوا :يا رسول اهلل! هذا القاتل عرفنا ذنبه؛ يف النار ،فما بال المقتول؟ قال (( :إنّه أراد
قتل صاحبه)) ،إذن بماذا ع َّلل النبي -صلى اهلل عليه وسلم -عذاب المقتول؟ ع َّلله باإلرادة ،قالواّ :
فدل ذلك على
فيه ربه و َي ُ
صل فيه رحمه ويعلم هلل فيه ح ًّقا؛ فهذا بأفضل المنازل )) هذا األول (( .وعبدٌ رزقه اهلل ً
علما ولم يرزقه
لعملت بعمل فالن؛ فهو بنيته؛ فأجرهما سواء )) هذا الثاين ،لم يرزقه
ُ ماال؛ فهو صادق النية يقول :لو أ ّن لي ً
ماال ً
45
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
علما؛ فهو َيخبِط يف ماله بغير علم ،وال يتقي فيه ربه وال بنيته ،فأجرهما سواء (( .وعبدٌ رزقه اهلل ً
ماال ولم يرزقه ً
علما؛ فهو َيصل فيه رحمه وال يعلم هلل فيه ح ًّقا؛ فهذا بأخبث المنازل )) هذا الثالث (( .وعبدٌ لم يرزقه اهلل ً
ماال وال ً
لعملت فيه بعمل فالن؛ فهو بنيته ،فوزرهما سواء )) رواه أحمد والرتمذي وصححه األلباين.
ُ يقول :لو أ ّن لي ً
ماال
علما؛ فهو يقول :لو أ ّن والشاهد منه :الرابع ،إذن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال(( عبدٌ لم يرزقه اهلل ً
ماال وال ً
لعملت بعمل فالن )) فهذا َ
يؤاخذ بنيته؛ فوزرهما سواء. ُ لي ً
ماال
لم يفعل علمنا أنه لم ُي ِر ْد إراد ًة جازمة ،ولذلك ذهب جماهير العلماء إلى أ ّن من نوى الطالق بقلبه ال يقع طالقه؛
إذن يا إخوة؛ اإلرادة الجازمة تقتضي الفعل مع القدرة ،وال يتخ ّلف عنها الفعل إال لعجز ،إذن يا إخوة؛ َمن نوى
الزنا -والعياذ باهللُ -مريدًا للزنا إراد ًة جازم ًة البد أن يفعل ما يقدر عليه؛ مِن النظر ،من المشي ،من البحث ،البد
أن يفعل ما يقدر عليه؛ فإن لم يفعل شيئًا مع القدرة؛ علِمنا أنّه لم ُي ِر ْد إراد ًة جازمة.
إذن ما الحكم؟ الحكم :أ َّن من أراد المعصية إراد ًة جازم ًة ففعل ما يقدر عليه ولم يمنعه من المعصية إال العجز؛
َ
يؤاخذ عليها.
كهذا الرجل الذي معنا يف الحديث؛ أراد أن يقتل أخاه إراد ًة جازمةً ،ولذلك ماذا فعل؟ قاتله؟ لماذا قاتله؟ ليقتله،
46
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وهبذا ُي َح ّل اإلشكال و ُي َ
جمع بين النصوص جميعها.
فاإلرادة الجازمة تقتضي فعل المقدور عليه ،وال يتخلف عنها الفعل إال للعجز ،فإذا تخ ّلف عنها مع القدرة لم
لكن تبقى مسألةَ :من أراد المعصية بقلبه إراد ًة غير جازمة ،بمعنى لم يفعل شيئًا مع القدرة ،تركها إذن ،هل يثاب
أو ال يثاب؟
يحرك ساكنًا ،وترك هذا األمر ،لكن لماذا نقول :إن تركها هلل ُأثيبٌ .
رجل حدّ ث نفسه بالزنا -والعياذ باهلل -ولم ّ
قدم عليها؟! عقاهبا ُتنُّور يف النار ٍ
لشيء يسير من الزمن ُتغضب اهلل -سبحانه وتعالىُ -ا ِ تركه؟ قال :أعوذ باهلل ،لذة
أيضا يا إخوة ،من نوى المعصية إراد ًة جازمةً ،وفعل ما يمكن ،ثم ترك ذلك هلل؛ فإنّه يثاب ،يثاب على
بل نقول ً
ماذا؟ يثاب على التوبة ،هذه توبة .إنسان أراد الزنا -والعياذ باهلل -إرادة جازمة -نسأل اهلل أن يعيذ المسلمين،-
فذهب إلى مكان الزنا ،مشى ،لكن ما وجد امرأة ،هذا يستحق العقاب! فلما جاء فما وجد المرأة قال :أعوذ باهلل،
ماذا سأفعل بنفسي أنا؟ ُأ ِ
غضب اهلل بالزنا؟ أعوذ باهلل ،أتوب إلى اهلل ،أستغفر اهلل ،أرجع إلى اهللُ .يثاب على توبته.
47
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
مسلما أراد الزنا إراد ًة جازمة -والعياذ باهلل -وذهب إليه فوقع له حادث يف الطريق فأصيب بعجز وأصبح
ً بل لو أ ّن
أصال؛ فتاب إلى اهلل ورجع إلى اهلل وتحققت فيه شروط التوبة ،ندم ،وبالتالي ال شك أنّه أقلع
ال يستطيع أن يزين ً
ألنه لن يفعل ،وعزم أنّ ه ال يرجع وال يفعل؛ يقبل اهلل توبته عند أهل السنة والجماعة ،وهو ما يسمى بــ :تـوبة
السرقة ،عاجز؛ فتاب توب ًة صادقة؛ ُتقبل توبته عند أهل السنة والجماعة ،قال أهل السنة والجماعةُ :تقبل توبة
العاجز.
❖ من أراد الشر إراد ًة جازمة ففعل المقدور؛ كان مستح ًقا للعقوبة ولو لم يفعل نفس المعصية.
من الناس من يخوض يف الفتنة بفعله؛ يوزّ ع أشرطة تحث على الفتنة ،يزرع الفتنة بين
تفرق بين قلوب الراعي والرعية ،تجعل الناس وقو ًدا للخوارج ،هذا يخوض يف الفتنة
المسلمين ،يوزّ ع أشرطة ّ
بالفعل؛ فيبوء بإثمه.
▪ ومن الناس من يخوض فيها بلسانه؛ فيبوء بإثمه ،نعم قد اليفعل وال يقوم مع أهل الفتنة؛ ولكنه
▪ ومنهم من يخوض فيها بنيته؛ فيبوء باإلثم ،نعم -واهلل ،-واهللِ إنا نقول :إ ّن من المسلمين من
يكون يف بلد آخر فتقع فتنة يف بلد آخر فيبوء باإلثم؛ ألنّه يحب أن يكون مع أهل الفتنة .فالعياذ
مثال :الذين يسمعون بما يفعله هؤالء المارقون يف هذا البلد المبارك يف أي ٍ
بلد من البلدان؛ باهلل ً
48
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
▪ والذين ُيثنون على أهل الفتنة؛ يبوؤون باإلثم ،الذين يقولون :هؤالء شجعان ،مجاهدون ،قاموا
ُول ول اهللِ َص َّلى اهللُ َع َليْ ِه َو َس َّل ْم« :إِ َذا الْتَ َقى الْ ُم ْس ِل َم ِ
ان بِ َسيْ َفيْ ِه َما؛ َفالْ َقاتِ ُل َوالْ َم ْقت ُ [ َع ْن َأبِي بَك َْرةََ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ
فِي الن ِ
َّار».
قوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-على ُج ُرف جهنم )) أي على حافة جهنم ،ومعناه :أهنما اقرتبا من
أ ّما القتال الشرعي الذي ُيقا َتل فيه َمن يستحق القتال؛ من أهل ِّ
الردة ،من الخوارج؛ فهذا ال يدخل يف الحديث.
متأو ًال؛ أي أ ّن قتاله كان هلل بتأوي ٍل له وجه؛ كما حدث من الصحابة ،ليس
كما أنّه ال يدخل يف الوعيدَ :من كان ِّ
األمر األول :قتال َمن يكون قتالهم شرع ًّيا؛ كقتال الخوارج؛ فهذا ال يدخل يف الحديث ،نقول هذا أل ّن ▪
بعض الناس يأيت إلى الجنود الذين يدافعون عن المسلمين ويقومون بالواجب يف مثل هذا األمر فيذكرون لهم هذا
تخذيال لهم؛ وهذا باطل ،فإ ّن هذا ال يدخل يف الحديث ،بل هو نو ٌع من أنواع الجهاد يف سبيل اهلل الذي
ً الحديث
49
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
هذا الحديث العظيم الذي أورده اإلمام مسلم جاء فيه قول النبي -صلى اهلل عليه وسلم (( :-ال تقوم الساعة
حتى تقتتل فئتان عظيمتان) ) ،هذا الخرب -يا إخوة -من معجزات النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-ومعجزات النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -كثيرة؛ منها :إخباره -صلى اهلل عليه وسلم -عن ٍ
أمور تقع بعده ،وقد وقع بعضها ،وسيقع
وهذه معجز ٌة للنبي -صلى اهلل عليه وسلم-؛ أل ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -كان أ ّميًّا لم يكن يقرأ وال يكتب
ٍ
غيبية تقع يف المستقبل ،ثم جاء يتلق عن أحد؛ ومع ذلك وهو األ ّمي أخرب عن ٍ
أمور ولم يأخذ عن أهل الكتاب ولم َّ
ُّ
نبي
مما أخرب به -صلى اهلل عليه وسلم ،-وهذا يدل على أنه ال يمكن أن يكون ذلك إال من ٍّ
كثير ّ
الواقع فوقع ٌ
ٍ
محمد -صلى اهلل عليه وسلم.- أوحى إليه رب العالمين ،فهذه من معجزات
وقوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-ال تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان )) ،فئتان :تثنية فئة؛ وهي الجماعة،
ووص َفهم النبي -صلى اهلل عليه وسلمِ -
بالع َظم؛ أي :بالكثرة؛ يعني تقتتالن فئتان كثيرتا العدد ،فهذه الفئة كثيرة َ َ
والمراد بالفئتَين عند أهل التحقيق :هم من كانوا مع علي -رضي اهلل عنه ،-ومن كان مع معاوية -رضي اهلل عنه-
50
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم (( :-دعواهما واحدة )) ،ما المراد بدعواهما واحدة؟ المراد أ ّن دينهما واحد
ِ
ومقصدهما واحد ،فدينهما واحد؛ هو اإلسالم ،فكال الطائفتين مسلمة ،ومقصدهما واحد؛ هو الحقٌّ ،
فكل منهما
الدين ،فتخ ّلف معاوية بن أبي سفيان -رضي اهلل عنهما -عن مبايعته ،ودعا الناس إلى طلب َقتَ َلة عثمان -رضي
اهلل عنه ،-باعتباره ول ًّيا لدمه ،وراسل عل ًّيا -رضي اهلل عنه -يف ذلك ،لك ّن عل ًّيا -رضي اهلل عنه وأرضاه -أبى أن
ولي الدم وثبوت ذلك على َمن باشره ،وهذه من واجبات ِ َ َ
َيدفع القتَلة إلى معاوية ومن معه إال بعد قيام دعوى من ِّ
فعلي -رضي اهلل عنه -كان مح ًّقا ،ومعاوية -رضي َْ ِّ
ولي األمر؛ أال ُيسلم أحدً ا إلى أحد حتى تثبت الدعوى عليهّ ،
متأو ًال طالبًا لدم عثمان -رضي اهلل عنه.-
اهلل عنه -كان ِّ
علي -رضي اهلل عنه -بالعساكر طالبًا الشام داعيًا معاوية -رضي اهلل عنه -ومن معه إلى الدخول يف
ورحل ّ
وعلي -رضي اهلل عنه -و َمن معه بص ّفين ،وهي بين الشام
ّ طاعته ،فالتقى معاوية -رضي اهلل عنه -و َمن معه،
المقتلة العظيمة التي أخرب عنها النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-و ُقتل فيها جم ٌع كبير من
والعراق ،فكانت بينهم َ
المسلمين ،قال بعض المؤرخين إنه يزيد على سبعين أل ًفا.
ولم يكن مقصود الصحابة -رضوان اهلل عليهم -القتال؛ بل كانوا حريصين على االجتماع ،ولذلك يقول شيخ
اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل" :-أكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون عليًّا وال
معاوية"؛ وإنّما كانوا من أهل األهواء الذين يختارون القتال ،أ ّما الصحابة -رضوان اهلل عليهم -و َمن و ّفقهم اهلل
51
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
ثم قال شيخ اإلسالم كلمة عظيمة -الكلمة هذه ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا لها! -قال رحمه اهلل" :والفتنة إذا
يوجه الحكماء جهدهم إلى منع الفتنة قبل أن تثور ،ولن يكون ذلك إال بنشر السنة وتعليم الناس
ولذلك ينبغي أن ّ
شرها.
السنّة .أ ّما الفتنة إذا ثارت فنسأل اهلل أن يكفينا ّ
قوله -صلى اهلل عليه وسم (( :-حتى تقتتل فئتان عظيمتان ،وتكون بينهما مقتلة عظيمة)) ،هذا الحديث -يا
إخوة -فيه ر ٌّد على َمن ك َّفر الطائفتين أو ك َّفر إحدى الطائفتين ،فإنّه جاء يف بعض الروايات (( :لن تقوم الساعة
حتى تقتتل فئتان عظيمتان مسلمتان)) ،وقوله -صلى اهلل عليه وسلم (( :-دعواهما واحدة) ر ٌّد على أولئك القوم.
عظيمُ ،يبيِّن فيه النبي -صلى اهلل عليه وسلم -كثرة القتل يف آخر الزمان ،وليس المراد
ٌ ٌ
حديث هذا الحديث
والهرج
ْ قال الحافظ ابن عبد ال َّبر" :قد ثبت عن النبي عليه السالم من وجوه :أ ّن ْ
الهرج ال يزال إلى يوم القيامة،
الهرج -أيها اإلخوة -يف لغة العرب هو :اختالف الناس ،واختالطهم ،وكوهنم بال رئيس ،وإذا اختلط الناس
أصل ْ
و َكثُروا وليس لهم رئيس اختلفوا وال بُدّ ،وبغا القوي على الضعيف؛ وهذا يقود إلى القتل ،ولذلك؛ يقول
ٍ خير مِن
ساعة بال سلطان". الحكماء" :ستُّون سنّة بإما ٍم جائر -ظالمٌ -
قديما وحديثًا تبيّن ذلك ،فالناس بال
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل" :-والتجربة ُتبيّن ذلك" ،فالتجربة ً
تهارجونَ ،يختلفون ،و َيتقاتلون.
رئيس َي َ
الهرج :الكثرة واالتساع يف الشيء" .
٣
الهرج :االختالط ،وقد َه َرج الناس إذا اختلفوا ،وأصل ْ
"قال يف النهايةْ :
لكن ما الفرق بين إطالق الهرج على القتل عند العرب وإطالق الهرج على القتل عند الحبشة؟
قتال
الهرج ً
يسمى ْ بينهما فرق؛ الفرق :أ ّن ْ
الهرج يطلق على القتل يف لغة العرب باعتبار المآل ،ليس مباشرة ،ال ّ
مباشرة ،وإنّما الهرج يؤول إلى القتال؛ ألن الهرج كما قلنا هو :االختالط واالختالف بال رئيس ،هذا سيؤ ّدي إلى
ماذا؟ سيؤ ّدي إلى القتل ،فهذا يسميه العرب :تسمية الشيء باعتبار ما يؤول إليه.
رجال،
يقال عن الطفل الذكر أحيانًا :هذا رجل؛ أي باعتبار ما يؤول إليه إن شاء اهلل ،أي أنّه يؤول إلى أن يكون ً
و ُيقال عن الطفلة األنثى الصغيرة :هذه امرأة؛ باعتبار ما تؤول إليه منكوهنا تكون امرأة.
وقوله :قال (( :القتل القتل)) هذا صريح يف أ ّن تفسير القتل من كالم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم،-
فسر ذلك.
فالرسول -صلى اهلل عليه وسلمّ -
المناسبة :بيان أ ّن الفتن العظيمة بين المسلمين تكون يف باب القتال ،ولذلك ينبغي على المسلمين أن يتنبّهوا
لموضوع الدماء ،فإ ّن أكثر الفتن العظيمة بين المسلمين إنما تكون يف هذا الباب.
53
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
54
2 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
2
3 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الدرس السادس
ك َأ ْن الَ ُأ ْه ِلك َُه ْم بِ َسنَ ٍة ب َع َّام ٍةَ ،و َأ ْن الَ ُأ َس ِّل َط َع َل ْي ِه ْم
ُك ألُ َّمتِ َ
ت َق َضا ًء َفإِ َّن ُه الَ ُي َر ُّدَ ،وإِنِّي َأ ْعطَ ْيت َ
ُم َح َّمدُ ! إِنِّي إِ َذا َق َض ْي ُ
اجت ََم َع َع َل ْي ِه ْم َم ْن بِأَ ْقطَ ِ
ار َها َ -أ ْو َق َال َم ْن َب ْي َن َأ ْقطَ ِ ِ ِ ِ
ار َهاَ -حتَّى َيكُو َن َعدُ ًّوا م ْن س َوى َأ ْن ُفس ِه ْم َي ْستَبِ ُ
يح َب ْي َضت َُه ْمَ ،ولَ ِو ْ
َب ْع ُض ُه ْم ُي ْه ِل ُ
ك َب ْع ًضا َو َي ْسبِي َب ْع ُض ُه ْم َب ْع ًضا».
ج ِد بَنِي
ات َي ْو ٍم ِم َن الْ َعالِيَ ِة َحتَّى إِ َذا َم َّر بِ َم ْس ِ
اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل ْم َأ ْقبَ َل َذ َ يه َأ َّن رس َ ِ
امر بن سع ٍد عن َأبِ ِ
ِ
ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ َوعن َع ْ ُ َ ْ َ ْ
ول اهللِ صلى اهلل عليه وسلم فِي َطائِ َف ٍة ِم ْن َأ ْص َحابِ ِه َف َم َّر بِ َم ْس ِ
ج ِد َبنِي َو َعنْ ُه -رضي اهلل عنهَ -أ َّن ُه َأ ْق َب َل م َع رس ِ
َ َ ُ
اوي َة .بِ ِمثْ ِل ح ِد ِ
يث ابْ ِن ن َُميْرٍ]. َ ُم َع ِ َ
3
4 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
حديث عظيم ،فيه بيان أمور عظيمة ُأعطيها النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ألمته.
ٌ هذا الحديث
زويت الشيء:
ُ قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-إ ّن اهلل زوى لي األرض» أي جمع لي األرض .يقال:
جمعتُه وقبضتُه ،أي أ ّن اهلل -عز وجلّ -قرب البعيد منها؛ حتى اط ّلع عليه -صلى اهلل عليه وسلم.-
«فرأيت مشارقها ومغارهبا» ،رأى النبي -صلى اهلل عليه وسلم -المشارق
ُ قال -صلى اهلل عليه وسلم:-
وقال بعض العلماء :رأى جهة المشرق والمغرب أكثر؛ قالوا :ولذا نرى أ ّن الفتوحات اإلسالمية تتّسع ناحية
وبعض العلماء قال :ال؛ بل رأى جميع األرض ،وأ ّن اإلسالم سيدخل األرض كلها.
وال شك أ ّن اإلسالم سيدخل كل ٍ
بيت على وجه األرض ،أخرب بذلك النبي -صلى اهلل عليه وسلم.-
فالمعنى :أ ّن األرض ُج ِمعت للنبي -صلى اهلل عليه وسلم -فرآها ،وهي ُتفتَح أل ّمته جز ًءا فجزء؛ حتى يصل
أل ّن الغالب على أموال أهل الشام الذهب ،وأل ّن الغالب على ألوان أهل الشام ُ
الحمرة.
األبيض :قيل لفارس ،ولماذا سمي الكنز األبيض؟ قالوا :أل ّن الغالب على أموالهم الفضة ،وأل ّن الغالب على
ألواهنم البياض.
4
5 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قال« :وأال يس ّلط عليهم عدوا» أي أال يس ّلط عليهم الكفار ،ولذلك قالِ :
«من سوى أنفسهم» أي كائنًا من
سوى أنفسهم.
«فيستبيح» أي يستأصل.
ٍ
طعم و َف ْرخ ،إذا كُسرت البيضة كل ما فيها مِن
قال بعض أهل العلم :أل ّن البيضة إذا ُأهلِ َكت ذهب ُّ
ُؤصلت البيضة مِن األصل ال يبقى منها شيء ،أ ّما إذا لم تذهب من أصلها فقد يبقى بعضها.
واست ِ
وقال بعض أهل العلم :المقصود بالبيضة :الخوذة ،فكأنه ش َّبه مكان اجتماعهم ببيضة الحديد التي يضعها
نو ٌع ع ّلقه اهلل بسبب ،فيدور مع سببه؛ كالربكة يف العمر ،والربكة يف الرزق؛ ُيع ّلقها اهلل -عز وجل-
فمن وصل َر ِح َمه بورك له يف عمره ،ونسأ اهلل له يف أجله ،وبورك له يف رزقه ،و َمن لم يصل َر ِح َمه
الرحمَ ،
بصلة َّ
ال يحصل له هذا.
ومنها أ ّن بعض القضاء قد ُيربَط بالدعاء ،فإن دعا المسلم ُر ّد ،وإن لم يد ُع وقع ،وك ُّله بقدر اهلل .ولذلك
جاء يف بعض اآلثار :ال ير ّد القضاء إال الدعاء .وجاء يف بعض األحاديث أ ّن الدعاء والبالء يعتلجان ،هذا إذا
5
6 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ٍ
مربوط بشيء ،وهذا البد أن يقع ،ومنه هذا الذي طلبه النبي - والنوع الثاين :أن يكون القضاء غير
صلى اهلل عليه وسلم -من اهلل ،فإ ّن اهلل-عز وجل -لم ُيعطِه هذا؛ ال ّن اهلل -عز وجل -قضا هبذا األمر.
ٍ
النبي -صلى اهلل عليه وسلم -سأل ربه لهذه األ ّمة أال يهلكها بقحط عام ،وأال يس ّلط عليهم ً
عدوا من سوى
أنفسهم فيستبيح بيضتهم؛ فأعطاه اهلل ألمته :أال يهلكهم ٍ
بسنة عا ّمة ،فال يهلكهم بقحط عام.
كافرا يف بعض النواحي .واهلل -عز وجل -أعطى النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أال يس ِّلط عليهم ً
عدوا ً
يستأصلهم.
6
7 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
7
8 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الدرس السـابع
ول اهللِ َص َّلى اهللُ َع َل ْيه ول اهللِ َص َّلى اهللُ َع َليْه َو َس َّلم َأ َس َّر إِلَ َّي فِي َذلِ َ
ك َشيْئًا لَ ْم ُي َحدِّ ْث ُه َغيْرِيَ ،ولَكِ ْن َر ُس ُ َيكُو َن َر ُس ُ
اهلل َع َليْه َو َس َّلمَ ،و ُه َو َي ُعدُّ الْ ِفت ََن: يه -ع ِن الْ ِفت َِنَ ،ف َق َال رس ُ ِ
ث مج ِلسا َأنَا فِ ِ
ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ َ َو َس َّلم َق َال َ -و ُه َو ُي َحدِّ ُ َ ْ ً
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َار َومن َْها كبَ ٌار »َ .ق َال ُح َذ ْي َفةَُ :ف َذ َه َ
ب َث الَ َيكَدْ َن َي َذ ْر َن َش ْيئًاَ ،ومن ُْه َّن فت ٌَن َكرِ َياحِ َّ
الص ْيف ،من َْها صغ ٌ «من ُْه َّن َثال ٌ
يف الحديث :بيان كثرة الفتن يف أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وأهنا متفاوتة؛ فمنها :فت ٌن عامة ،ال
تختص بقطر .ومنها :فت ٌن سريعة .ومنها :فت ٌن صغيرة .ومنها :فت ٌن كبيرة.
فهي دون الثالث األُ َول يف العموم ،لكنها كثيرة السرعة ،كثيرة التتابع؛ يتبع بعضها ً
بعضا.
َار َومِنْ َها كِبَ ٌار»؛ أي أ ّن الفتن منها :صغار ،ومنها كبار. ِ ِ
«منْ َها صغ ٌ
إذن -يا إخوة-؛ يف هذا الحديث :بيان كثرة الفتن يف أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وأهنا متفاوتة؛ فمنها:
8
9 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ويف هذا معجزة للنبي-صلى اهلل عليه وسلم ،-فإنه وقعت يف المسلمين فت ٌن كبيرة ،ووقعت فت ٌن صغيرة،
ووقعت فت ٌن سريعة ،والزالت تقع -نعوذ باهلل من الفتن ،-ففي هذا معجزة للنبي -صلى اهلل عليه وسلم.-
ك إِلَى ول اهللِ ص َّلى اهلل ع َليه وس َّلم م َقاما ما تَر َك َشيئًا يكُو ُن فِي م َق ِ
ام ِه َذلِ َ (( َع ْن ُح َذ ْي َف َة ﭬَ ،ق َالَ :قا َم فِينَا َر ُس ُ
َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ً َ َ َ
ث بِ ِهَ ،ح ِفظَ ُه َم ْن َح ِفظَ ُهَ ،ون َِس َي ُه َم ْن ن َِس َي ُهَ ،قدْ َع ِل َم ُه َأ ْص َحابِي َه ُؤال َِءَ ،وإِ َّن ُه لَ َيكُو ُن ِم ْن ُه َّ
الش ْي ُء السا َع ِة إِ َّ
ال َحدَّ َ ِ
ق َيا ِم َّ
ِ
اب َعنْ ُه ُث َّم إِ َذا َرآ ُه َع َر َف ُه )).
الر ُج ِل إِ َذا َغ َ َقدْ نَسيتُ ُه َفأَ َرا ُه َفأَ ْذك ُُر ُه ك ََما َي ْذك ُُر َّ
الر ُج ُل َو ْج َه َّ
اهلل َع َليْه َو َس َّلم َم َقا ًما َما َت َر َك َشيْئًا َي ُكو ُن فِي نعم ،حذيفة -هنا -ﭬ يقولَ (( :قام فِينَا رس ُ ِ
ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ َ
ث بِ ِه)) ،وهذا مشكل! إذ لو كان المقصود أنه بيّن كل شيء يقع إلى قيام الساع َِة إِ َّ
ال َحدَّ َ ِ ِِ ِ
َم َقامه َذل َك إِ َلى قيَا ِم َّ
لما كفى ذلك المقام!
الساعة َ
ولذلك :الصواب أ ّن المراد أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ب ّين األمور العظيمة ذات الشأن ،ومنها أحوال
الفتن.
يقول اإلمام الذهبي $يف سير أعالم النبالء" :قد كان صلى اهلل عليه وسلم ُيرتِّل كالمه ويفسره" ،ما معنى
9
10 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
مرتسالً حتى يفهمه الناس ،فكان ال يسرد الكالم سر ًدا .يقول اإلمام الذهبي " :$قد كان
أي يتكلم كال ًما ِّ
صلى اهلل عليه وسلم يرتِّل كالمه ويفسره ،فلعله قال يف مجلسه ذلك ما يكتب يف ٍ
جزء ،فذكر أكبر الكوائن ،ولو ُ ُ
ذكر أكثر ما هو كائن يف الوجود لَما تهيّأ أن يقوله يف َسنة؛ بل وال يف أعوام".
إذن؛ مراد حذيفة ﭬ أ ّن النبي-صلى اهلل عليه وسلم -أخرب عن األمور العظيمة التي تقع إلى قيام الساعة،
ومنها الفتن.
محفوظ بحفظ اهلل ،ولذلك أجمع العلماء على أ ّن ما يقوم به الدين محفوظ؛ لم ُي َ
نس منه شيء ،وإن ٌ الدِّ ين
((ح ِفظَ ُه َم ْن َح ِفظَ ُهَ ،ون َِس َي ُه َم ْن ن َِس َي ُه))؛ أي أ ّن البعض حفظ شيئًا ونسي شيئًا ،والبعض اآلخر
وقوله ﭫَ :
الش ْي ُء َقدْ ن َِسيتُ ُه َف َأ َرا ُه َف َأ ْذك ُُر ُه))؛ يعني :كان يقع فيراه
((وإِنَّ ُه َليَ ُكو ُن مِنْ ُه َّ
وأخرب ﭬ عن وقوع هذا األمر؛ يقولَ :
يف الحديث:
* :أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ب ّين األمور العظيمة ذات الشأن ،ومنها أحوال الفتن.
*:قال اإلمام الذهبي رحمه اهلل -تعليقًا على الحديث" :-قد كان صلى اهلل عليه وسلم ُير ِّتل كالمه
ويفسره ،فلعله قال يف مجلسه ذلك ما يكتب يف ٍ
جزء ،فذكر أكرب الكوائن ،ولو ذكر أكثر ما هو كائن يف الوجود ُ
10
11 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
لسا َعةَُ ،ف َما ِم ْن ُه ِ (( عن ح َذي َف َة ﭬَ ،أ َّنه َق َال َأخْ برنِي رس ُ ِ
اهلل َع َل ْيه َو َس َّلم بِ َما ُه َو كَائ ٌن إِلَى َأ ْن َت ُقو َم ا َّ
ول اهلل َص َّلى ُ ََ َ ُ ُ َ ْ ُ ْ
َش ْي ٌء إِالَّ َقدْ َسأَلْتُ ُه ،إِالَّ َأنِّي لَ ْم َأ ْسأَلْ ُه َما ُيخْ رِ ُج َأ ْه َل الْ َم ِدين َِة ِم َن الْ َم ِدين َِة )).
هذا الحديث متّصل المعنى بما قبله ،فحذيفة ﭬ يخرب أ ّن الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -أخربه بما
ومعنى (( َأ ْخبَ َرنِي)) أي :مع غيري -كما تقدم يف السابق ،-وأخربه بالفتن واألمور العظيمة ،ليس بكل شيء -
كما قدمنا.-
ال َأنِّي إخبار عا ٌّم ،لك ّن حذيفة ﭬ يقولَ (( :ف َما مِنْ ُه َش ْي ٌء إِ َّ
ال َقدْ َس َأ ْلتُ ُه ،إِ َّ ٌ وإخبار النبي-صلى اهلل عليه وسلم-
َل ْم َأ ْس َأ ْل ُه َما ُي ْخ ِر ُج َأ ْه َل ا ْل َم ِدين َِة مِ َن ا ْل َم ِدين َِة)) وهذا يقتضي أ ّن الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -أخرب الناس أ ّن
أهل المدينة سيخرجون من المدينة ،وهذا الخروج المقصود به الخروج العام ،ليس المقصود به خروج
البعض ،نعم؛ خرج بعض الصحابة للجهاد ولنشر العلم ولنشر الحق ،وليس هذا هو المراد؛ وإنما المراد ما
إخراجا عا ًّما.
ً ُي ِ
خرج أهل المدينة
قال الحاكم يف المستدرك" :قد خفي على حذيفة الذي ُيخرج أهل المدينة من المدينة و َع ِلمه غيره".
منها :أهنا إذا ُفتحت األمصار جاء أهل األمصار فرغَّبوا أهل المدينة يف تلك األمصار ،قالوا :والهواء
عندنا يف الشام كذا ،واألرزاق عندنا يف الشام كذا ،والهواء يف مصر كذا ،واألرزاق يف مصر كذا،
11
12 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
«يتركون المدينة على خير ما كانت ،ال يغشاها إال العواف» يريد :عوايف السباع والطير" يعني :يرتك
1
قال العلماء :ليس المراد :الصحابة؛ وإنما من يأيت بعدهم من ذرياهتم ،وذريات ذرياهتم.
خروجا
ً «يرتكون المدينة على خير ما كانت ،ال يغشاها إال العواف»؛ يعني :ال يوجد فيها إال السباع ،يخرجون
عا ًّما ال يبقى فيها أحد .حتى أنه جاء يف بعض الروايات أ ّن السباع تروح وتجيء يف مسجد النبي-صلى اهلل
قال النووي " :$المختار أ ّن هذا الرتك يكون يف آخر الزمان عند قيام الساعة".
قال الحافظ ابن حجر :قد روي بإسنادٍ صحيح عن عوف بن مالك قال" :دخل رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -المسجد ثم نظر إلينا ،فقال« :أ َما واهلل ،ليد ُعنَّها أهلها مذ َّل َّل ًة أربعين عا ًما للعوايف» أتدرون ما العوايف؟
الطير والسباع".
قلت :وهذا لم يقع قط ًعا؛ وإنما سيقع يف آخر الزمان ،فيدعها أهلها مذللة أربعين
قال الحافظ ابن حجرُ " :
ت الظُّ ْه ُرَ ،فنَز ََل َف َص َّلىُ ،ث َّم َص ِعدَ الْ ِمنْ َب َر َفخَ طَ َبنَا
ص َّلى اهلل ع َليه وس َّلم الْ َفجر ،وص ِعدَ الْ ِمنْبر َفخَ طَبنَا حتَّى ح َضر ِ
َ َ َ َ ََ َْ َ َ ُ َ ْ َ َ َ
الش ْم ُس؛ َفأَخْ بَ َر َنا بِ َما كَا َنَ ،وبِ َما ُه َو
ت َّت الْعصرُ ،ثم َنز ََل َفص َّلىُ ،ثم ص ِعدَ الْ ِمنْبر َفخَ طَبنَا حتَّى غَرب ِ
حتَّى ح َضر ِ
ََ َ َ ََ َّ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ
()1أخرجه مسلم (،)1389في كتاب:الحج،باب :في المدينة حين يتركها أهلها .والبخاري -واللفظله،)1775( -في كتاب :فضائل
المدينة ،باب :من رغب عن المدينة.
12
13 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
إخبارا
ً هذا الحديث -يا إخوة -يدل على ما قدمناه؛ وهو أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أخرب بذلك
عا ًّما ،ويدل على اهتمام النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ببيان الفتن ألمته؛ ليحذروها ،وليسلكوا سبيل السالمة
وهذا الحديث -يا إخوة -يبيِّن َج َلد النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف بيان الحق للناس ،فانظروا :ص َّلى النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -الفجر وخطب حتى حضرت الظهر ،فنزل فصلى الظهر ،فصعد فخطب حتى
حضرت العصر ،فنزل فصلى العصر ،ثم صعد المنرب فخطب حتى المغرب!
الواحد منا إذا تكلم ساعة شعر باإلعياء الشديد ،وهو -صلى اهلل عليه وسلم -يقوم هبذا األمر العظيم؛ من
حرصه على أمته -صلى اهلل عليه وسلم ،-فجزاه اهلل عنا خير ما جزى نب ًّيا عن أمته.
وقوله ﭬَ (( :ف َأ ْخ َب َرنَا بِ َما كَا َنَ ،وبِ َما ُه َو كَائِ ٌن)) ،قلنا :هذا ال يلزم أنه أخربهم بكل شيء؛ لكنه يدل على أ ّن
ٍ
بأمور عظيمة من الماضي؛ بما كان من خلق آدم ڠ ،وبعثة الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -أخربهم
وقد جرت سنة اهلل أ ّن الناس يتفاوتون عند سماع العلم؛ فمنهم من يسمع وال يحفظ شيئًا ،ومنهم من يسمع
ويحفظ أشياء ،ومنهم من يحفظ أكثر من غيره ..وهكذا ،وهذه كائنة من زمن الصحابة ﭫ ،فاألعلم هو
األحفظ.
( )..حفظ األحاديث عن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فهو من علوم األمة العظيمة.
13
14 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
والحفظ هو وسيلة الفقه؛ فإن الفقه يف هذا الدين ليس فقه آراء؛ وإنما فقه أثر ،فالبد من حفظ اآلثار حتى
فالنبي -صلى اهلل عليه وسلم -خطب الناس وأخربهم بما كان حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
ٍ
روايات ٍ
حديث واحد ،لكن رواه الصحابة وما قاله النبي -صلى اهلل عليه وسلم -نُقل إلينا ،لكنه لم ُينقل يف
متفرقة ،من ذلك ما جاء عن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف إخباره عن األمم السابقة وإخباره عن الرسل،
و األحاديث يف أشراط الساعة ،واألحاديث يف الفتن ،كلها رواها الصحابة ﭫ ،فجاءنا هذا عن النبي -صلى
أ ّن الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -كان أحرص ما يكون على البالغ والبيان؛ فإنه -صلى اهلل عليه
وفيه :أنه ينبغي على العلماء وطالب العلم أن ُيبيِّنوا للناس الخير بالخير؛ ليتَّبعه الناس ،وأن ُي ِّ
حذروا
الناس من الشر بالخير؛ ليَ ْحذره الناس .طالب العلم ينبغى أن ُيبيِّن للناس الخير بالخير ،يعني ُيبيِّن للناس
الخير بالسنة؛ فال ي ِ
حدث بِدعًا ،يقول :أريد أن أب ِّين للناس فيها الخير ،ال وكال! ُيب ِّين للناس الخير بالخير و ُيب ِّين ُ ُّ
للناس الشر بالخير -أيضا ،-يعني باألساليب الشرعية التي ُشرعت يف هذه الشريعة من أجل أن يكثر الخير يف
أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-ومن أجل أن ُيجتنب الشر.
قلت مرارا
ومن ذلك أيضا :أنه ينبغي على طالب العلم أن يحرصوا على تحذير األمة من الفتن .وكما ُ
األمر األول :أن نُبيّن للناس أ ّن الفتن قريبة ،كثيرة ،لنَحذر و َيحذر الناس.
14
15 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ألن النبي-صلى اهلل عليه وسلم -كان أ َمنة للناس ،وتبقى سنته أ َمنة لألمة ،وألن الصحابة ﭫ -كما سيأتينا
إن شاء اهلل -كانوا أ َمنة للناس من الفتن ،ويف آثارهم وفِ ْقههم أ َمنة للناس اليوم ،فينبغي علينا أن نحرص على
بيان الفتن للناس ،وعلى أن ننشر السنة بين الناس ،وعلى أن نحرص على أن نجمع َ
الخلق على الحق؛ وهذا
من مقاصد الشريعة ،وباجتماع الخلق على الحق تندفع الفتن والشرور.
نحن ندعو جميع المسلمين من العامة والخاصة إلى أن يتجردوا للحق ،وأن يجتمعوا على الحق ،واالجتماع
على الحق هو :االجتماع على ما جمع عليه النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أصحابه؛ على التوحيد ،وعلى
الكتاب والسنة ،فدعوتنا إلخواننا من طالب العلم ومن العوام أن نجتمع ،لكن أن نجتمع اجتماعًا ناف ًعا؛
كاجتماع النبي -صلى اهلل عليه وسلم -مع أصحابه؛ اجتما ٌع على الحق ،هذا إذا كنا صادقين يف أننا نريد أن
1
ولعلنا نقف هنا الليلة.
15
16 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدرس الثامن
باب في الفتنةالتي تموج كموج البحر
16
17 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
اهلل َع َل ْي ِه ِ ِ َع ْن ُح َذ ْي َف َة رضي اهلل عنه َق َالُ " :كنَّا ِعنْدَ ُع َم َر رضي اهلل عنهَ ،ف َق َالَ :أ ُّيك ُْم َي ْح َف ُظ َح ِد َ
يث َر ُسول اهلل َص َّلى ُ
ول اهللِ َص َّلى ت َس ِم ْع ُ
ت َر ُس َ َو َس َّل ْم فِي الْ ِفتْن َِة ك ََما َق َال؟ َق َالَ :ف ُق ْل ُ
تَ :أنَاَ ،ق َال :إِن َ
َّك لَ َجرِي ٌء! َو َك ْيفَ َق َال؟ َق َالُ :ق ْل ُ
ول« :فِتْنَ ُة الرج ِل فِي َأه ِل ِه ،ومالِ ِه ،و َن ْف ِس ِه ،وولَ ِد ِه ،وج ِ ِ
هلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم َي ُق ُ
الصالَةُ، ارهُ ،ي َك ِّف ُر َهاِّ :
الص َيا ُم َو َّ َ َ ََ َ ََ ْ َّ ُ ا ُ
وفَ ،والن َّْه ُى َع ِن الْ ُمنْ َكرِ»َ .ف َق َال ُع َم ُر رضي اهلل عنه :لَ ْي َس َه َذا ُأ ِريدُ ؛ إِن ََّما ُأ ِريدُ الَّتِي
والصدَ َقةُ ،واألَمر بِالْمعر ِ
َ ْ ُ َ ُْ َ َّ
ي َأ ْن الَ ُي ْغ َل َق َأبَدً اَ .ق َالَ :ف ُق ْلنَا لِ ُح َذ ْي َفةََ :ه ْل كَا َن ُع َم ُر َي ْع َل ُم َم ِن تَ :ال؛ بَ ْل ُي ْك َس ُرَ .ق َالَ :ذلِ َ
ك َحرِ ٌّ ُي ْفت َُح؟ َق َالُ :ق ْل ُ
الْباب؟ َق َالَ :نعم ،كَما يع َلم َأ َّن دو َن غ ٍَد ال َّلي َلةَ ،إِنِّي حدَّ ْثتُه ح ِديثًا لَيس بِاألَ َغالِ ِ
يطَ .ق َالَ :ف ِهبْنَا َأ ْن ن َْسأَ َل ُح َذ ْي َف َة َم ِن ْ َ َ ُ َ ْ َْ َ َْ ُ ُ َ ُ
ابَ ،ف ُق ْلنَا لِ َم ْس ُر ٍ
وقَ :س ْل ُهَ ،ف َسأَلَ ُهَ ،ف َق َالُ :ع َم ُر" رضي اهلل عنه. الْبَ ُ
اهلل عليه وسلم -يف الفتنة؟ ما الدليل أ ّن الخطاب للصحابة؟ الدليل :أهنم هم الذين ُيخا َطبون بالسؤال عن
عمر باألمس أصحاب محمد :أ ُّيكم سمع قول رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يف الفتنة؟
قوله رضي اهلل عنه لحذيفة(( :إِن ََّك َل َج ِري ٌء)) ويف رواية قال له(( :إنك عليه لجريء))؛ هذا أيها اإلخوة ليس
العرب :هي الشجاعة ،والجريء :هو الذي ال يهاب؛ المقدام ،فعمر رضي اهلل عنه يمدح حذيفة رضي اهلل عنه
قائال له :إنك ِ
لمقدا ٌم شجا ٌع ال هتاب. ً
17
18 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقول النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-فِتْنَ ُة الرج ِل فِي َأ ْهلِ ِه ،ومال ِ ِه ،ونَ ْف ِس ِه ،وو َل ِد ِه ،وج ِ ِ
ارهُ ،ي َك ِّف ُر َهاِّ :
الص َيا ُم، َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ
َن ا ْل ُمنْ َك ِر» ،تقدَّ م معنا -أيها اإلخوة -الكالم عن الفتن والصالَةُ ،والصدَ َقةُ ،واألَمر ،بِا ْلمعر ِ
وفَ ،والنَّ ْه ُى ع ِ َ ُْ َ ُْ َ َّ َ َّ
ص الرجل وأنواعها يف المحيا والممات ،والمراد باألهل هنا :الزوجات ،ألنه ذكر مع األهل األوالدُ .
وخ ّ
المرأة حكم الرجل؛ ُتفتَن يف زوجها وولدها ومالها وجيراهنا ،فليس هذا من باب تخصيص الرجال؛ وإنما من
وقد تقدّ م معنا -يا إخوة -أ ّن اإلنسان قد ُيفتن بولده ،وقد ُيفتن يف ولده ،وقد ُيفتن من ولده ،فهي أنواع؛ منها:
فرط محبته ألوالده واشتغاله هبم عن الخير ،فقد يشتغل اإلنسان بأوالده ويرتك الخير ،فكم من طالب ٍ
علم
قوا ًما على السنة تزوج فأنجب فاشتغل بأوالده عن هذا الخير! فهم فتنة من هذا الباب.
السنّة َّ
وقد روى الرتمذي وغيره ،واللفظ للرتمذي ،وصححه األلباين؛ قال)) :كان النبي -صلى اهلل عليه وسلم-
َيخطبنا؛ إذ جاء الحسن والحسين ﭭ ،عليهما قميصان أحمران ،يمشيان ويعثران ،فنزل رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -من المنرب ،فحملهما ووضعهما بين يديه؛ وقال« :صدق اهلل ﴿ :إِن ََّما َأ ْم َوا ُل ُك ْم َو َأ ْو َال ُدك ُْم
قطعت حديثي
ُ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصرب حتى
ُ فِتْنَ ٌة ۚ ﴾ [التغابن ]1٥ :؛
النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يخطب خطبة يف أصحابه ،فجاء ابناه :الحسن والحسين ،وهو جدهما صلى
اهلل عليه وسلم ،وهما صغيران يمشيان ويتعثران ،انظروا النبي صلى اهلل عليه وسلم يف ٍ
أمر عظيم؛ يخطب،
18
19 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
فالولد قد يشغل والده عن الخير؛ أل ّن قلبه يتعلق به ،أو لتفريطه بما يلزم من القيام ،قد تكون فتنة الولد يف
تفريط األب فيما يلزم من القيام بحقوق األوالد ،ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال« :كلكم راعٍ ،وكلكم
مسئول عن رعيته» ،وثبت عنه يف الصحيحين أنه قال« :ما من ٍ
عبد يسرتعيه اهلل رعي ًة يموت يوم يموت وهو ٌ
غاش لرعيته؛ إال حرم اهلل عليه الجنة»؛ «ما من ٍ
عبد يسرتعيه اهلل رعية» وهذا يشمل كل من اسرتعاه اهلل رعية ٌّ
• وقد تقع بالميل عنهن؛ إذا تزوج الرجل أكثر من امرأة فيميل إلى واحدةٍ ويدع األخرى،
والفتنة بالمال:
والفتنة بالجار:
19
20 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
▪ وقد تقع بإهمال الحقوق ،وقد تقع بإهمال الحقوق ،وقد تقع بعدم الصرب على
أذية الجار.
عظيما؛ قالوا :كل ما َيشغل صاحبه عن اهلل فهو فتنة ،فيدخل يف ذلك من ُذكر
ً ولذلك؛ ذكر أهل العلم ضاب ًطا
و َمن لم ُيذكر.
طبعا أيها اإلخوة؛ فتنة المسلم بالولد واألهل والمال والجار قد توقعه يف المعاصي وقد ال توقعه ،فقد يقع يف
المعصية ،وهذه المعاصي ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات ،كما قال اهلل عز وجل ﴿ :إِ َّن ا ْلحسن ِ
َات ُي ْذ ِه ْب َن َ َ ٌ ُ
السيئ ِ
َات ﴾ [هود.]114 : َّ ِّ
وأ ّما تخصيص الصالة وما ُذكر معها للتكفير دون سائر العبادات؛ ففيه إشار ٌة إلى تعظيم قدرها ،ال من أجل
وسلم من عبادة األفعال :الصالة والصيام ،وذكر من عبادة المال :الصدقة ،وذكر من عبادة األقوال :األمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،فهذا يدخل فيه كل عبادة؛ لكن ُخ َّصت هذه لعظيم قدرها.
بم يحصل؟
ط ّيب؛ هذا التكفيرَ ،
قال بعض أهل العلم :يحصل هبذه العبادات ،فإذا صلى؛ ُك ِّفرت عنه هذه السيئات ،إذا تصدّ ق؛ ُك ّفرت عنه هذه
السيئات.
20
21 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ِ
وقوله رضي اهلل عنه -أعني عمر ﭬُ (( :-أ ِريدُ ا َّلتي َت ُم ُ
وج ك ََم ْوجِ ا ْل َب ْح ِر)) ،والعياذ باهلل ،أي :تضطرب،
بعضا ،وش َّبهها بموج البحر؛ لشدهتا ،وكثرهتا ،وصعوبة النجاة منها ،كموج البحر ،اإلنسان قد
و َيدفع بعضها ً
قالَ (( :ف َأ ْس َك َت ا ْل َق ْو َم)) أي صمت القوم؛ ألهنم لم يكونوا يحفظون هذا النوع .تقدم معنا -يا إخوة -أ ّن
حذيفة رضي اهلل عنه ذكر أ ّن الذين شاركوه يف معرفة هذه الفتن قد ماتوا ،فسكت القوم ألنه لم يكن منهم َمن
فقال حذيفة رضي اهلل عنه لعمر رضي اهلل عنهَ (( :ما َل َك َو َل َها َيا َأمِ َير ا ْل ُمؤْ مِنِي َن؟ إِ َّن َب ْين ََك َو َب ْينَ َها َبا ًبا ُم ْغ َل ًقا))
فمعنى هذا أ ّن حذيفة ﭬ أخرب عمر ﭬ أ َّن الفتن لن تقع يف األمة وعمر ﭬ موجود ،فال يخرج منها شيء
اب َأ ْم ُيفت َْح؟))؛ً قال بعض أهل العلم :ليَعلم عمر هل هذه الفتن يمكن أن ُتغ َلق أو ال
قال(( :أ ُي ْك َس ُر ا ْلبَ ُ
يمكن؟ ألنه لو قالُ :يفتح؛ فهذا يدل على عدم ِع َظم الفتنة ،ويدل على أنه يمكن أن ُيغلق مرة أخرى ،لكن إذا
قال" :أنه ُيكسر"؛ فهذا أوال :يدل على عظم الفتنة وأهنا تكون عن مغا َلبة ،ثم يدل أهنا لن ُتغلق بعد ذلك أبدً ا،
وجاء يف بعض الروايات يف مسلم يف كتاب اإليمان -وقد تقدَّ م -قول حذيفة ﭬ" :وحدّ ثتُه أ ّن ذلك الباب:
صرح؛ قالُ :يكسر ،لكن يف التصريح جاء بـ "أو" .قال العلماء :قوله" : ٌ
رجل ُيقتل أو يموت" ،فهو يف الكناية َّ
ُيقتل أو يموت"؛
إ ّما حذيفة ﭬ سمع ذلك من الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -بـ "أو"؛ وهذا مرجوح.
أو أنه لم ُي ِرد أن ُيخرب عمر ﭬ أنه ُيقتَل ،أل ّن عمر ﭬ كان يعلم أنه الباب ،فلم ُي ِرد أن يقول لهَ :
إنك
ستُقتل.
21
22 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقال بعض أهل العلم :ال ،لكن لعل حذيفة ﭬ لم يكن مأذونًا له يف الخرب ،فقالُ " :يقتل أو يموت"؛
أل ّن الرجل إ ّما أن ُيقتل وإ ّما أن يموت ،فذكر ما يمكن أن يقال يف هذا الباب.
يقول العلماء :الفتن كالدار ،والباب :عمر ﭬ ،الفتن محبوسة يف دار ،والباب عمر ،فإذا ُقتل عمر
ﭬ خرجت الفتن.
األغاليط :جمع ُأغلوطة ،وهي التي ُيغا َلط هبا ،فمعناه :حدَّ ْثتُه حديثًا عن النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-ليس
والحاصل أيها اإلخوة؛ أ ّن الحائل بين الفتن والمسلمين :كان عمر ﭬ؛ وهو الباب ،فما دام ح ًّيا ال تدخل
الفتن العظيمة على المسلمين ،فإذا مات دخلت الفتن ،وكذا كان ،فإ ّن ّأول الفتن العظيمة يف ديار اإلسالم
كانت بعد موت عمر ﭬ ،وهي الفتنة يف خروج أولئك القوم عن طاعة عثمان ﭬ.
ويف الحديث يا إخوة؛ أ ّن عمر ﭬ َأ َمنَة للمسلمين من الفتنة ،وكذلك أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عله
فمن أراد اليوم األَمنة من الفتنة :فعليه بمنهج الصحابة ﭫ؛ فإ ّن صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َأمنَة
َ
لألُ َّمة.
مسلم يف صحيحه ،أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :النجوم َأمنَ ٌة للسماء ،فإذا ذهبت النجوم أتى
ٌ روى
22
23 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» ،فجعل النبي -صلى اهلل عليه وسلم -نسبة أصحابه إلى األمة كنسبته
وهذا -يا إخوة -هو الذي يجعل أهل الحق يقولون :إ ّن الحق يف األمة هو :باألخذ بمنهج الصحابة ﭫ ،هذا
واألحاديث المذكورة يف هذا الباب من حديث حذيفة ﭬ تتع ّلق بإخباره -صلى اهلل عليه وسلم -عن ٍ
أمور
ت :لَ ُي َه َرا َق َّن الْ َي ْو َم َها ُهنَا دِ َما ٌءَ .ف َق َال َذ َ
اك ْت َي ْو َم الْ َج َر َع ِةَ ،فإِ َذا َر ُج ٌل َجالِ ٌسَ ،ف ُق ْل ُ
ب ﭬ َق َالِ :جئ ُ
(( وعن ُجنْدُ ٍ
((جئ ُْت َي ْو َم ا ْل َج َرع َِةَ ،فإِ َذا َر ُج ٌل َجال ِ ٌس-لم يعرفهَ ،-ف ُق ْل ُتَ :ليُ َه َرا َق َّن ا ْليَ ْو َم َها
أمرا؛ قالِ :
جندب يحكي ً
الر ُج ُلَ :كالَّ َواهللِ -ال يقعُ .-ق ْل ُت :بَ َلى َواهللِ -سيقعَ .-قالَ :كالَّ َواهللِ-ال يقعُ .-ق ْل ُت :بَ َلى ُهنَا دِ َما ٌءَ .ف َق َال َذ َ
اك َّ
َواهللِ)) انتبهوا يا إخوة؛ كان جندب يحلف أنه سيقع ،وحذيفة ﭬ يحلف أنه لن يقع ،وك ُّرر ذلك ،لكن
ول اهللِ ص َّلى اهلل َع َلي ِه وس َّلم حدَّ َثن ِ ِ
يه)) ،هل قال جندب: انظروا ماذا وقع؟! (( َق َالَ :كالَّ َواهللِ ،إِنَّ ُه َل َح ِد ُ
يث َر ُس ِ
ُ ْ َ َ ْ َ َ
23
24 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
بلى واهلل؟ ال! ألهنا السنة ،والقوم و َّقافون عند السنةَ ،ل ّما كان األمر إلى الرأي فيما ظهر له والنظر يف األمور
لما جاءت السنة وقف؛ بل غضب ،غضب على هذا الرجل وقال له(( :بِئ َْس ِ
كان ُيخالف ويقول :سيقع ،لكن ّ
يس لِي َأن َْت)) لماذا؟
ا ْل َجلِ ُ
الغضب مذموم ،وعند الحاكم يف المستدرك( :قال لي :ما َلك وللغضب؟) يعنى حذيفة هو الذي قال :ما َ
لك
زمن عثمان ﭬ ،حيث تكاتب المنحرفون عن طاعة عثمان ﭬ يف األقطار وثاروا على ُوالهتم يف األقطار،
وكان أكثرهم يف الكوفة ،فثاروا على سعيد بن العاص أمير الكوفة لعثمان ﭬ ،وأرسلوا إلى عثمان ﭬ
عماله؛ فثقل األمر على سال ،نالوا منه ومن أمرائه ،وذ ّموه ،وقدحوا فيه ،وذ ّموا األمراء ،وطلبوا أن ِ
يعزل ّ ُر ً
عثمان ﭬ ،فدعا أمراءه للتشاور ،فجاؤوا ،منهم :معاوية ﭬ ،وعمرو بن العاص ،وسعيد بن العاص..
فاشت ََوروا واستقر الرأي على أن ُيقر عثمان ﭬ أمرا َءه يف أماكنهم ،وأن يتأ َّلف هؤالء بالمال ،وأن
وغيرهمْ ،
وجههم إلى الجهاد يف األطراف .فرجع سعيد بن العاص إلى الكوفة ،فثار أولئك القوم يف الكوفة ،ولبسوا
ُي ِّ
ٍ
بمكان يقال له أميرا غيره ،وكان اجتماعهم
أسلحتهم ،وقالوا :واهلل ال يدخل هذا الوالي الكوفة ،وطلبوا ً
لما رأى أ ّن
الج َرعَة؛ فقيل له" :يوم الجرعة" .فوقع هذا الحديث ،جندب -رضي اهلل عنه وأرضاه ورحمهّ -
َ
علم
هؤالء القوم لبسوا السالح وخرجوا وسعيدٌ قادم؛ قال :سيقع قتال وستهراق الدماء ،فحذيفة ﭬ عنده ٌ
من رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فقال :كال واهلل ،لن يقع! ،فقال جندب :بلى واهلل ،سيقع! فقال حذيفة:
كال واهلل ،لن يقع! ،ثم ب ّين حذيفة أ ّن ذلك من خرب رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-وقد وقع األمر كما قال
24
25 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أميرا غيره،
حذيفة ،فأحجم سعيد بن العاص عن قتالهم ورجع إلى المدينة وكسر الفتنة ،وأرسل عثمان ﭬ ً
شرهم ،لكن فتنة هذا األمر انطفأت.
الشر استمروا يف ِّ
فانطفأت الفتنة يف ذلك الوقت ،وإال فأهل ِّ
يس لِي َأن َْتُ ،من ُْذ ا ْليَ ْوم َت ْس َم ُعنِي ُأ َخال ِ ُف َك؟!))؛ يعني أخالفك يف هذا األمر .ويف رواية:
قوله(( :بِئ َْس ا ْل َجلِ ُ
(( ُأ َحال ِ ُف َك))؛ أي ُأ ْقسم األيمان معك ،وهذا هو األقرب؛ لكثرة الحلف فيما بينهما.
ويف هذا األثر أيها اإلخوة؛ بيان أ ّن السلف كانوا و َّقافين عند النصوص ،فلم يكونوا يقدِّ مون العواطف وال
أخذت األمة
ْ األهواء وال اآلراء؛ بل كانوا يرجعون عن آرائهم إلى النصوص ،وهذا هو طريق السالمة .أ ّما إذا
كثير من المتأخرين يف عدم طري ًقا آخر فكان تقديم اآلراء على النصوص فإ ّن ذلك سبب ٍ
فرقة ٍّ
وذل .وقد وقع ٌ
الوقوف عند النصوص؛ ففي األحكام؛ يسمع المسلم النص الصحيح الصريح ويأبى أن يعمل به؛ يسمع
الحنفي -مثال -أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم :-كان يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع وعند
ُّ
القيام من التشهد األوسط يف أحاديث صحاح مثل الشمس ،فيقول :ال ..ال ،أنا ال أرفع ،بل بعضهم يسيء
موطأ اإلمام مالك :أن ّالنبي -صلى اهلل عليه وسلم -كان يقبض؛ يقول :ال ..ال.
مثال -ويعلم أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ما ذبح هديه إال يوم النحر فيقول :ال ،نذبح
ويأيت الشافعي ً -
ويأيت الحنبلي -مثال -ويقول :أنا أقبض على السرة وأنا قائم ويسمع بالنص الصحيح الصريح أ ّن النبي -
صلى اهلل عليه وسلم :-كان يضع اليمنى على اليسرى على صدره ،ويقول :ال ..ال.
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ٍ
ألحد أن يسأل :أين اهلل! كأنه أعلم باألحكام من رسول اهلل عليه وسلم -للجارية :أين اهلل؟ فيقول :ال يجوز
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم !-وتشير الجارية بأصبعها وتقول :يف السماء ،فيقول« :من أنا؟» فتقول :أنَت رسول
لقطعت
ُ اهلل ،صلى اهلل عليه وسلم ،فيقول« :اِعْتقها؛ فإهنا مؤمنة» ،يأيت األشعري ويقول :ال! لو ُ
كنت عندها
يف التعامل بين المسلمين كان أحد من ال يعرف حق والة األمر على الرعية؛ ذكرنا له األحاديث التي يف
الصحيحين أو يف أحدهما من األمر بالطاعة ،وقول النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :سيكون فيكم أمراء ،ال
أدركت ذلك؟! قال« :تسمع وتطيع لألمير ،وإن ُض ِرب ظهرك و ُأ ِخذ مالك» قال:
ُ فما تأمرين يا رسول اهلل إن
ال ..ال ،هذه األحاديث أنتم جئتم هبا من أجل الحكام ،قلنا :هذا يف الصحيحين يا أخي! قال :وإن كان ،ال
كرامة لهم.
زمامه لقال اهلل قال رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،يضيء حياته كلها بالنصوص ،ال يقدِّ م على قول اهلل وعلى
قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قول ٍ
أحد.
ٍ
ونحن -يا إخوة -يف هذا الزمان بالذات نعيش يف طوفان عظيم ،والمتكلمون يف الدنيا كُثرَ ،ت َّ
عمم الكثير،
فالح ُّق عندي ،والنجاة بيَّنها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :فإ ّن من
إلي َ ٌّ
إليَّ ..
وتمشيَخ الكثير ،وكل يقولَّ :
26
27 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ِ
َيعش منكم بعدي فسيرى اختال ًفا ً
كثيرا ،فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدييين ،تمسكوا هبا،
ٍ
بدعة ضاللة». وعَضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات األمور؛ فإ ّن كل محدَ ٍ
ثة بدعة ،وكل
فكر أو عقيدةٍ فانْظر إلى المتقدّ مين ،إلى سلف األمة؛ فإن كان هذا عندهم
كم أو ٍ
أي ُأخي إلى ُح ٍ
َّ فإذا ُد ِع َ
يت ْ
ِ
ف َأنعم به ،وإن لم يكن عندهم ْ
فاحذره؛ فال خير فيه لك ،وال خير فيه ألهلك ،وال خير فيه ألمتك.
فعلينا -أيها اإلخوة -أن نتأدب مع الكتاب والسنة بأدب سلفنا الصالح ﭫ .
وواهلل ثم واهلل لن يجمع األمة إال الكتاب والسنة بعد فضل اهلل -سبحانه وتعالى.-
النعمان بن ثابت -رضي اهلل عنه ورحمه ،-ونعرف فضل اإلمام مالك بن أنس -رضي اهلل عنه ورحمه،-
ونعرف فضل اإلمام محمد بن إدريس الشافعي -رضي اهلل عنه ورحمه ،-ونعرف فضل اإلمام أحمد بن حنبل
-رضي اهلل عنه ورحمه ،-ونأخذ من أقوالهم وأقوال فقهاء اإلسالم ما َّ
دل عليه الدليل ،هنا سنجتمع ،أ ّما إذا
ٍ
واحد يقول :أنا على هذا المذهب ال أتركه أبدً ا؛ سيرت َّتب على ذلك أمور: كان كل
منها :ترك ٍ
كثير من النصوص؛ فإنه لم يوجد إما ٌم من أئمة اإلسالم جمع النصوص كلها.
ومنها :افرتاق األمة؛ حتى يقع ما وقع قبل ٍ
زمن يف المسجد الحرام ،يف أكرب مساجد المسلمين! أربع ُة
ومحراب
ٌ محراب لألحناف،
ٌ محاريب ،وليس محرا ًبا واحدً ا ،أمام الكعبة التي يتجه إليها المسلمون جمي ًعا!
حنيفة $أبدً ا ،معنى ذلك أ ّن اإلمام مالكا $كان مخطئًا يف كل شيء ،وأ ّن اإلمام الشافعي كان مخطئًا يف
27
28 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
بالمقال.
رجحنا ً
قوال غير قول أحد األئمة فإنا نحفظ لذلك اإلمام فضله أما إذا قلنا :نعرف فضل أئمتنا ونحرتمهم وإذا َّ
مأزورا؛ اجتمعنا واجتمعت كلمتنا وتقاربت قلوبنا وعرفنا حق أئمتنا ،ومن قبل ذلك
ً مأجور وليس
ٌ ونعتقد أنه
وهو أعظم من كل هذا :عرفنا حق ربنا وحق رسولنا صلى اهلل عليه وسلم .
وكذا يف العقيدة؛ تتَّحدُ كلمتنا وتجتمع على عقيدتنا يف ربنا ،وعلى عقيدتنا يف نبينا صلى اهلل عليه وسلم ،وعلى
عقيدتنا يف الصحابة ﭫ ،وهكذا يف كل أمور العقيدة ،ولن يكون ذلك إال بالتسليم للكتاب والسنة ،وبه
يحصل الحق.
ولذلك يا إخوة؛ من أراد أن يكون داعي ًة إلى الحق الذي تنتفع به األمة وترتفع به األمة ِّ
فليتق اهلل يف نفسه،
ِ
وإ َّياه أن يقول كلم ًة واحد ًة ُتبعد األمة عن الكتاب والسنة؛ بل عليه أن ِّ
يقرب الناس من الكتاب والسنة ما
سبيال.
استطاع إلى ذلك ً
أليس االجتما ُع االجتما َع على ما كان عليه النبي -صلى اهلل عليه وسلم -وأصحابه؟
إن قيل :كان فرقة؛ فهذه مصيبة! وإن قيل :إنه كان اجتماعًا؛ قلنا :ونحن نقول :إ ّن هذا ّ
التفرق الذي حصل
28
29 شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ٍ
شيء لبِنة واحدة ،واهلل لو سقطت الرقاب من أجل أن يكون اإلنسان سب ًبا يف عودة األمة إلى ُّ
السنة ،ولو إلى
فنسأل اهلل عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العال أن يجمع أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم على ما اجتمع
عو ًدا حميدً ا إلى الفهم العظيم َفهم الصحابة ﭫ ،وأن يكفي
عليه الصحابة ﭫ ،وأن يعيد الجميع ْ
المسلمين شرور أعدائهم من الشياطين؛ من شياطين اإلنس والجن ،ممن يتكلمون بلغتنا وممن ال يتكلمون
بلغتنا.
29
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدرس التاسع
ات َع ْن َج َب ٍل ِم ْن َذ َه ٍ
ب )) السا َع ُة َحتَّى َي ْح ِس َر الْ ُف َر ُ
ال َت ُقو ُم َّ
اب َ
)) َب ٌ
اس ُمخْ ت َِل َف ًة َأ ْعنَا ُق ُه ْم فِي ْت َواقِ ًفا َم َع ُأبَ ِّي بْ ِن َك ْع ٍ
ب َف َق َال :الَ َيز َُال النَّ ُ َع ْن َعبْ ِد اهللِ بْ ِن الْ َح ِ
ار ِ
ث بْ ِن ن َْو َف ٍلَ ،ق َالُ :كن ُ
َّاس َيأْخُ ُذو َن ِمنْ ُه لَ ُي ْذ َه َب َّن ِب ِه ِ ِ َّاس َس ُاروا إِلَ ْي ِهَ ،ف َي ُق ُ
ول َم ْن عنْدَ ُه :لَئ ْن ت ََر ْكنَا الن َ
ِ ِ َع ْن َج َب ٍل ِم ْن َذ َه ٍ
بَ ،فإِ َذا َسم َع بِه الن ُ
( )..وذهب بعض العلماء إلى أنه يقع يف زمن عيسى بن مريم عليه السالم ؛ ألنه الزمن الذي يفيض
المال بين أيدي المسلمين ،قالوا :ومن ذلك ظهور هذا الكنز ،ولم ِيرد يف النصوص -يف الحقيقة -ما يدل
المؤمنين بعد نزول عيسى ڠ مع عيسى ڠ وهم يف خير ،وال تحصل لهم هذه المقتلة ،وإنما ذلك فيما
َّاس ُم ْختَلِ َف ًة َأ ْعنَا ُق ُه ْم فِي َّاس َأ ْعنَا ُق ُه ْم ُم ْختَلِ َفةً)) ،ويف روايةَ (( :
ال َيزَ ُال الن ُ ال َيزَ ُال الن ُ
وقوله يف الحديثَ (( :
َط َل ِ
ب الدُّ نْيَا)) وهو قول أبي بن كعب .قال العلماء :األعناق هنا المراد هبم :األمراء ،وال ُكرباء ،واألثرياء ،ال
وقال بعض أهل العلم :ال ،المراد باألعناق :أعناق الناس عمو ًما ،فإ ّن اإلنسان يحب أن يستكثر من الدنيا.
ول اهللِ ص َّلى اهلل ع َلي ِه وع َلى َآلِ ِه وس َّلم« :إِ َذا منَع ِ
ت الْ ِع َر ُاق دِ ْر َه َم َها (( َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ﭬَ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ
َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ
3
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
اهلل المستعان .هذا الحديث عالمة من عالمات قيام الساعة الصغرى .ساق النبي صلى اهلل عليه وسلم
عما ُيستقبل لِتَح ُّقق الوقوع .ولذلك ماذا قال أبو هريرة ﭬ يف
إخبار َّ
ٌ الخرب بصيغة الماضي ،وهو
آخرالحديث؟
قال" :شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه" ،ونحن نشهد على ذلك ،فإ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم أخرب
به ،وما أخرب به النبي صلى اهلل عليه وسلم ال يكون إال ح ًّقا.
إخبار عن المستقبل ،فالنبي صلى اهلل عليه وسلم قال ذلك ،وهذه البلدان كلها بالد كفر ،لم
ٌ يف هذا الحديث
ُتفتح ،العراق والشام ومصر ،ومع ذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم يقول :إهنا « َمنعت»؛ معنى ذلك أهنا
َأعطت ،ثم َمنعت ،ويف هذا إشارة إلى أهنا ستُفتح ،وقد ُفتحت.
قولهَ « :منعت العراق» يعني :أهل العراق ،وقيل يف معنى هذه الجملة :أنه تكون عليهم الجزية لعدم
إسالمهم؛ يعني أنه عند فتح العراق يبقى أقوام من أهل العراق ال ُيسلمون ،ويرتضون الجزية ،فتُفرض عليهم
الجزية ،فإذا خالطهم المسلمون وعرفوا اإلسالم أسلموا ،فإذا أسلموا سقطت الجزية ،وعلى هذا يكون يف
وقيل إ ّن منعها ذلك بسبب استيالء الكفار عليها يف آخر الزمان ،ويف ذلك نِذارة أ ّن هذه الديار سيستولي عليها
الكفار ،ويأخذها الكفار من أيدي المسلمين ،وبالتالي ُيمنع الخير الذي كان يأيت منها للمسلمين.
وقد روى مسلم عن جابر بن عبد اهلل ﭬ قالِ " :
يوشك أهل العراق ّأال ُي ْجبى إليهم قفيز وال درهم ،قلنا:
من أين ذاك؟ قال :من قِبل العجم يمنعون ذاك ،ثم قال :يوشك أهل الشام أال ُيجبى إليهم دينار وال َم ِدي،
( )1أخرجه مسلم ( ) 2٩1٣يف كتاب :الفتن وأشراط الساعة ،باب :ال تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقرب الرجل فيتمنى أن يكون مكان
الميت من البالء.
4
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
والعجم :قيل إهنم هم الروم ،وقيل :إهنم طائفة من الروم ،وقيل :قوم غير الروم وغير فارس يتكلمون بغير
العربية.
يف هذا الحديث جابر ﭬ ُيخرب عن شيء ،لكن هذا اإلخبار له حكم الرفع ،ألنه إخبار عن ٍ
أمر مستقبل،
فقال" :يوشك أهل العراق أال ُي ْجبى إليهم قفيز وال درهم ،قلنا :من أين ذاك؟ قال :من قبل العجم يمنعون
وقال بعض أهل العلم :معناه أ ّن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم يف آخر الزمان ،فال تدفع جزية
للمسلمين ،وها هو اليوم ،ال ُتدفع جزية للمسلمين ،ألن شوكة الكفار قد قويت ،وضعفت شوكة المسلمين.
ٌ
مكيال معروف ألهل العراق ،قال العلماء هو :اثنا عشر صاعا. والقفيز:
ٌ
مكيال معروف ألهل الشام ،قال العلماء المدي على وزن َفعل :هو
المدُّ على وزن ُقفل أو َ
لمدي ،أو ُ
وأما ا َ
هو :اثنان وعشرون صاعا ونصف.
ٌ
فمكيال معروف عند أهل مصر ،ال يزال الفالحون يعرفونه إلى اليوم ،قال العلماء :يسع أربعة اإلر َدب:
وأما ْ
وعشرين صاعا.
قال النووي :$هو بمعنى الحديث اآلخر« :بدأ اإلسالم غريبا وسيعود كما بدأ» .
1
قال الحافظ ابن عبد الرب -مب ِّينا معنى هذه العودة " :-صار أول هذه األمة خير القرون؛ ألهنم آمنوا حين كفر
الناس وصدقوا النبي صلى اهلل عليه وسلم حين كذبه الناس ،وعزروه ،ونصروه ،وآووه بأموالهم وأنفسهم،
وقاتلوا الكفار حتى أدخلوهم يف اإلسالم ،فقرنه إنما فضل ألهنم كانوا غرباء يف إيماهنم لكثرة الكفار،
ولصربهم على أذى الكفار ،ولتمسكهم بدينهم مع قوة الكفار ،وإ ّن آخر هذه األمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا
( )1أخرجه مسلم ( )14٥يف كتاب :اإليمان ،باب :بيان أن اإلسالم بدأ غريبا وسيعود غريبا .من حديث أبي هريرة ﭬ.
5
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
به وصربوا على طاعة رهبم يف حين ظهور الشر ،والفسق ،والهرج ،والمعاصي ،والكبائر كانوا عند ذلك أيضا
غرباء" .
1
أي :عدتم قلة وسط كثرة ،فعاد المسلمون قلة وسط كثرة الكفار ،وعدتم ضعفاء مع قوة عدوكم ،وعاد
المتمسك بدينه قليال مع كثرة الكفار ،وعاد المتمسك بالطاعة قليال مع كثرة العصاة ،فهذا معنى «وعدتم من
حيث بدأتم».
قال بعض العلماء" :عدتم يف قلة كما كنتم يف قلة"؛ يعني عدتم من حيث بدأتم؛ عدتم يف قلة وقد بدأتم يف
قلة.
وقال بعض العلماء :عاد اإلسالم محصورا يف المدينة كما بدأ يف المدينة ،.كان اإلسالم عند هجرة النبي
صلى اهلل عليه وسلم محصورا يف المدينة ،ومعنى «عدتم من حيث بدأتم» أي :عاد المسلمون يف المدينة،
وحصروا فيها.
ُ
وقد جاء يف الحديث عند مسلم« :بدأ اإلسالم غريبا وسيعود غريبًا كما بدأ،وهو يأرز بين المسجدين كما
تأرز الحية إلى جحرها» أي :يعودوا بين المسجدين .ويف الرواية األخرى« :إن اإليمان ليأرز إلى المدينة
2
ففيه بشارة بفتح العراق ،والشام ،ومصر ،وأ ّن الخير سيخرج منها للمسلمين ،وقد خرج الخير منها
للمسلمين ،فكانت األرزاق تخرج من العراق ،ومن الشام ،ومن مصر ،إلى جميع بلدان المسلمين.
6
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وفيه نذارة بأ ّن هذا الخير س ُيمنع ،واألغلب أ ّن هذا الخير ُيمنع بسبب استيالء الكفار على هذه الديار.
وبعض أهل العلم قال :هذا الحديث فيه بيا ُن أ ّن حقوق المسلمين ستُمنع من غير بيان السبب ،بعض العلماء
يقول :السبب لم ُيعيَّن يف الحديث ،لكن المتعيِّن أ ّن حقوق المسلمين ستُمنع يف آخر الزمان ،وحقوق
المسلمين اليوم ُتمنع كثيرا من قِبَل تسلط أعدائهم على خيرات المسلمين.
7
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
8
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
يسى ا ْب ِن َم ْر َي َمڠ )) ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اب :في َفتْحِ ُق ْسطُنْطين َّي َة َوخُ ُروجِ الدَّ َّجال َو ُنزُول ع َ
(( َب ٌ
اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل ْم َق َال« :الَ سلم رحمة اهلل عليه بإسناده عن َأبِي هريرةََ ،أ َّن رس َ ِ
ِ َر َوى ِ
ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ ُ َ َْ َ ْ اإل َما َم ُم ْ
اق َأ ْو بِدَ ابِ َقَ ،ف َيخْ ُر ُج إِلَ ْي ِه ْم َج ْي ٌش ِم َن الْ َم ِدين َِة ِم ْن ِخ َي ِ
ار َأ ْه ِل الرو ُم بِاألَ ْع َم ِ
السا َع ُة َحتَّى َين ِْز َل ُّ
َت ُقو ُم َّ
ين َس َب ْوا ِمنَّا ُن َقاتِ ْل ُه ْمَ .ف َي ُق ُ
ول الْ ُم ْس ِل ُم َ
ون: ِ ِ األَر ِ ِ ٍ
ض َي ْو َمئذَ ،فإِ َذا ت ََصا ُّفوا َقالَت ُّ
الرو ُم :خَ ُّلوا َب ْينَنَا َو َب ْي َن الَّذ َ ْ
اهلل َع َل ْي ِه ْم َأبَدً اَ ،و ُي ْقت َُل ُث ُلثُ ُه ْم؛
ُوب ُ الَ َواهللِ ،الَ نُخَ ِّلي بَ ْينَك ُْم َوبَ ْي َن إِخْ َوانِنَاَ .ف ُي َقاتِ ُلون َُه ْمَ ،ف َين َْه ِز ُم ُث ُل ٌ
ث الَ َيت ُ
هذا الباب وما بعده من األبواب إلى عالمات الساعة الكربى؛ أراد اإلمام مسلم $باألحاديث التي
أور َدها أن ُيبيِّن أ ّن من عالمات قرب الساعة :كثرة الروم ،وأ ّنَّّّ الروم يكثرون يف آخر الزمان ،ومع كثرهتم
يحصل بينهم وبين المسلمين ملحمة كربى ينتصر فيها المسلمون ،و ُتفتح قسطنطينية ،فإذا حصل ذلك كان
أيضا ،وهو يف األصل اسم لنهر؛ األعماق وأما دابِق ،ويقال دا َبق ّ -
واألول أفصح :-فموض ٌع ُقرب حلب ً َّ
ودابق موضعان قريبان من حلب.
9
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ِ ِ ِ
«سبُوا منا»، الرو ُم :خَ ُّلوا بَ ْينَنَا َوبَ ْي َن الَّذ َ
ين َسبَ ْوا منَّا)) ،ويف روايةُ : قوله-صلى اهلل عليه وسلمَ (( :-قالَت ُّ
ِ
وسبوا :أي ُسبُوا من الروم.
فسبَ ْوا من الرومُ .
السبْيَ ،
«سبُوا»؛ بمعنى :فعلوا َّ «خَ ُّلوا َب ْينَنَا َو َب ْي َن الَّذ َ
ين َسبَ ْوا» ،و ُ
فهل بينهما اختالف؟
الصحيح أنه ال اختالف بينهم؛ ألهنم ُسبوا من الروم ،فكانوا من الروم ،فكانوا َس ْب ًيا ،فأسلموا فأصبحوا من
فس َب ْوا من الروم؛ فهؤالء كأهنم يقولون للمسلمين :خلوا بيننا وبين بني جنسنا
خيرة المسلمين ،فقاتلوا َ
نقاتلهم ،ا ْخ ُرجوا أنتم ،فأبى المسلمون.
كفرا ،لك ّن اهلل ال يو ِّفقهم للتوبة؛ ألن االهنزام والفرار من الزحف كبير ٌة من من ٍ
ذنب تاب اهلل عليه ولو كان ً
كبائر الذنوب.
يفر إال من أجل أن يتحيز لفئة، فإذا التقى الص َّفان َتع َّين الجهاد وأصبح فرض عينَ ،
وح ُر َم على المسلم أن َّ
الص َّف ْين فإنه ال يجوز.
فر مع التقاء َّ
أو من أجل مكيدة بالعدو ،أ َّما أن َي َّ
قال العلماء" :إال إذا َّ
قل عدد المسلمين ،وغلب على الظن أ َّنهم إن قاتلوا ُاستئصلواَّ ،
ففر البقية إبقا ًء على
والثالث -يف الحقيقة -هو من كوهنم يتحيزون إلى فئة ،ألهنَّم يتحيزون إلى جماعة المسلمين .أما أن يفر
المسلم من العدو خو ًفا على نفسه من القتل ،من غير هذه األمور الثالثة؛ فإ ّن ذلك من كبائر الذنوب.
10
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قولهَ (( :ف َي ْفتَتِ ُحو َن ُق ْسطُنْطِين ِ َّيةَ)) ،و َيضبطها بعض أهل العلم بقولهمُ " :ق ْس ُطنطِينة" بدون ياء أخيرة ،يعني:
" ُق ْسطُنطِين َّية" و" ُق ْسطُنطِينة" بدون ياء قبل الهاء ،وهي مدينة من أعظم مدائن الروم ،كان اسمها "بيزنطة"
وقد حاول المسلمون فتح قسطنطينية يف زمن معاوية ﭬ؛ حيث قاد معاوية ﭬ ً
جيشا حتى بلغ المضيق
دوهنا ،ولم يصل إليها ،لكن ابنه يزيد بن معاوية غزاها بجي ٍ
ش ومعه سادات من كبار الصحابة؛ منهم أبو
أيوب ﭬ ،ومنهم ابن عمر ﭭ ،ومنهم ابن عباس ﭭ ،ومنهم ابن الزبير ﭭ ،فكان هذا الجيش أول
جي ٍ
ش يغزو هذه المدينة.
«أول جي ٍ
ش َيغزون مدينة قيصر؛ وقد ثبت يف صحيح البخاري أ ّنَّّّ رسول الله -صلى اهلل عليه وسلم -قالَّ :
ولذلك أهل السنة والجماعة يك ّفون عن يزيد بن معاوية ،يقولون فيهم كما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية
انتبهوا لهذه العبارة! ألن بعض الناس يفهمها خط ًأ! "النحبهم والنَسبُّهم"؛ أي فيما ن ُِقل عنهم من أحداث،
وإن كان يزيد فيه من الحسنات ما ُي َحب له ،وفيه من األحداث ما وقع مما ُي ْبغَض من أجله؛ لكن قال
مغفور لهم.
ٌ وقد ثبت يف صحيح البخاري أنه
ثم تتابعت محاوالت المسلمين لفتحها ،لكن ذلك لم يقع إلى زمن السلطان "محمد الثاين بن مراد الثاين"
11
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
دهن الخشب بزيت كثيف ،ثم أجرى السفن على هذه الخشب ،حتى نقلها
على مسافة ثالثة أميال يف الربَ ،
سر
وجانب يف البحر ،وكان ُّ
ٌ جانب يف الرب
ٌ وقسطنطينية -كما أخرب النبي صلى اهلل عليه وسلم عنها -لها
لما فعل السلطان محمد خان قوهتا أ ّن المسلمين إنما يأتون من جهة الربّ ،
فيتقوى الروم من جهة الرب ،لكن ّ
أيضا من جهة البحر ،فدكّهم من جهة البحر ،فارتبك الروم ،وفتح اهلل على يديه هذه
هذه الحيلة جاءهم ً
توسعت.
جزء من اسطنبولّ ،
لكن يظهر -واهلل أعلم -أهنا ستقع يف يد الروم مرة أخرى ،ويأخذها الروم من أيدي المسلمين؛ أل ّن
األحاديث د ّلت على أ َّن فتحها يكون يف آخر الزمان قبل نزول عيسى عليه السالم بقليلَّ ،
فدل ذلك على أهنا
خروج الملحمة -أي القتال مع الروم ،-وخروج الملحمة فتح ُقسطنطينية ،وفتح ُق ْسطنطينية خروج
الدجال»؛ يعني كل واحدة عالمة لألخرى؛ فعمران بيت المقدس عالم ٌة على خراب يثرب -أي المدينة -
،وخراب يثرب عالمة على وقوع الملحمة الكربى مع الروم ،ووقوع الملحمة الكربى مع الروم عالمة
على فتح ُقسطنطينية ،وفتح ُقسطنطينية عالمة على خروج الدجال .إ ًذا ذلك يكون يف آخر الزمان؛ ألن
خرب ولم ُت ْخ َرب حتى اآلن ،فال زال هذا باق ًيا.
يثرب –المدينة -لم ُت َّ
هذا الحديث رواه أبو داود وسكت عنه ،وحسنه األلباين ،رحم اهلل الجميع.
كنت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف غزاة فأتاه قوم من
وعن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة ،قالُ " :
قِبل المغرب عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة ،وهم قيام وهو قاعد ،فأتيته فقمت بينهم وبينه
فحفظت منه أربع كلمات ،أعدهن يف يدي" ،قال(( :تغزون جزيرة العرب فيفتحها اهلل ،ثم تغزون فارس
12
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
فيفتحها اهلل ،ثم تغزون الروم فيفتحها اهلل ،ثم تغزون الدجال فيفتحه اهلل)) .قال نافع" :يا جابر ،ال نرى أن
فظاهر هذا الحديث الذي معنا يدل على أ ّن الروم يكثرون يف آخر الزمان -كما سيأتينا إن شاء اهلل يف
الحديث ،-فتكون بينهم وبين المسلمين هدن ٌة وصلح ،ويقاتل المسلمون والروم عدُ ًّوا ،فينتصرون عليه،
راية ،تحت كل راية ثمانون أل ًفا؛ أي أ ّن عددهم يبلغ تسعمائة وستين ألف ،قريب من المليون ،يأتون
تصاف الجيشان طلب الروم من المسلمين أن ُي ْخ ُلوا بينهم وبين الذين ُس ُبوا منهم ،أي أن ُي ْخ ُلوا بينهم
َّ إذا
فيفر وبين الروم المسلمين ليقاتلوهم ،فيقول المسلمون :ال نُخ ّلي بينكم وبين إخواننا ،فيقع ٌ
قتال شديدُّ ،
ٌ
ثلث من ٌ
جيش المسلمين ،وال يوفقهم اهلل للتوبة من هذا.
يحجزَ الليل بين الطرفين ،وتكون الفئة التي اشرتطت قد ُقتِ َلت.
فتقوم جماع ٌة أخرى يف اليوم الثاين ،فتشرتط أال ترجع إال غالبة أو ُت ْقتَل ،فتحصل مقتل ٌة عظيمة حتى َيحجز
الليل بين الطرفين ،وتكون الطائفة التي اشرتطت قد ُأبيدت– ُقتِ َلت .-
ويف اليوم الثالث؛ تشرتط جماعة من الفئة الباقية أال ترجع إال غالبة ،فيقتتل المسلمون مع الروم مقتل ًة
شديدة ،حتى يحجز الليل بينهم ،وتكون الجماعة التي قد اشرتطت قد ُقتلت ،وهم من خير ُ
الشهداء.
ويف اليوم الرابع؛ َينهض البقية من أهل اإلسالم إلى عدوهم ،فتحصل مقتل ٌة شديدة و ُيقتل عد ٌد كبير من
المسلمين؛ إال أ ّنَّّّ اهلل يكتب النصر للمسلمين ،وينكسر الروم ،فإذا انكسر الروم و َّلوا أدبارهم إلى
ُقسطنطينية ،فتقوم البقية من جيش المسلمين ،وهم يف سبعين ألف -قيل إهنم من العرب ،وقيل إهنم من
م ِ
سلمي الروم ،-فيتْبعون الروم إلى قسطنطينية ،حتى إذا وصلوا هناك لم يقاتلوا بسالح ،ولم يرموا بسهم؛ ُ
13
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وإنَّما قالوا" :ال إله إال اهلل واهلل أكرب"؛ فيسقط الجانب الذي من جهة البحر بال قتال ،ثم يقولوا مرة ثانية:
"ال إله إال اهلل واهلل أكرب"؛ فيسقط الجانب الثاين الذي إلى جهة الرب ،ثم يقولون الثالثة" :ال إله إال اهلل واهلل
َ
الدجال قد خرج يف أهليكم" ،فيرجعون عن الغنائم بالشيطان يتمثّل لهم على هيئة رجل يصرخ فيهم" :إ ّن
-وماذا يريدون بالغنائم وقد خرج الدجال؟! -ويرتكون الغنائم ،وذلك باطل ،كذب -أعني قول الشيطان
يكذب عليهم ،-ما خرج الدجال ،فيرجعون ويبعثون عشرة فوارس طليع ًة لهم.
قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-إين ألَعرف أسماءهم ،وأسماء آبائهم ،وألوان خيولهم ،هم خير
ٍ
يومئذ». ٍ
فوارس على ظهر األرض ٍ
يومئذ» أو «من خير ٍ
فوارس على ظهر األرض
حتى إذا جاء المسلمون الشام خرج الدجال بعد وصولهم ،ف ُي ِعدُّ ون لقتاله ،يستعدون لقتاله ألهنم يعلمون
ينزل عيسى عليه السالم -وسنتكلم عن نزوله قريبًا إن شاء اهلل ،-فإذا نزل عرفوه ،فقال أميرهم" :يا روح
قصد َج ْمعهم الذي اجتمع للصالة .فلما وصلهم قال له أميرهم" :تقدّ م يا
أنه صلى هبم إما ًما« ،فأ َّمهم» :أي َ
فصل بنا" ،فيقول" :تقدم أنت ،فإنما ُأقيمت لك" ،وإذا نزل عيسى عليه السالم فإمام المسلمين
روح اهلل ِّ
المقدس ،فيلحق به عيسى عليه السالم عند باب ُلدٍّ ،وباب ُلدّ قريب من بيت المقدس ،فإذا رآه الدجال
ذاب كما يذوب الملح يف الماء ،فيقول له عيسى عليه السالم" :إ ّن لي َ
فيك ضرب ًة لن تفوتني" ،فيتداركه
عيسيفيقتله بحربته ،و ُي َرى أثر الدم يف حربة عيسى عليه السالم ،و َينهزم أتباعه.
14
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
بعد هذا سيأتينا -إن شاء اهلل -أنه سيحصل للمسلمين َم ْك َر َمة أخرى ،وأهنم ينتصرون على عدوهم اآلخر؛
إال شجر الغ َْر َقد؛ فإنه من شجر اليهود ال ُيخبِر عنهم ،ولذلك تقول األخبار إهنم يحاولون أن ُيكثروا من
عدوهم.
زراعته يف فلسطين ،ولن ينفعهم إن شاء اهلل؛ فسيقتلهم المسلمون ،وينتصر المسلمون على ِّ
كل هذا الذي ذكر ُته ثبت يف الصحيحين أو يف أحدهما؛ كل ما ذكرناه ثبت يف األحاديث ،إ َّما أهنا يف
15
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم ت رس َ ِ ِ َق َال الْ ُم ْست َْو ِر ُد الْ ُق َر ِش ُّي ﭬ ِعنْدَ َع ْمرو ْب ِن الْ َع ِ
ول اهلل َص َّلى ُ اص َق َالَ :سم ْع ُ َ ُ
ول َما ول"َ ،ق َالَ ":أ ُق ُ َّاس«َ .ف َق َال لَ ُه َع ْمروﭬَ " :أ ْب ِص ْر َما َت ُق ُ الرو ُم َأ ْكثَ ُر الن ِ السا َع ُة َو ُّ َي ُق ُ
ولَ (( :ت ُقو ُم َّ
يهم لَ ِ
خ َصاالً َأ ْربَ ًعا :إِن َُّه ْم ِ ت َذلِ َ
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم"َ ،ق َال" :لَئِ ْن ُق ْل َ ِ ِ س ِمع ُ ِ
ك إِ َّن ف ِ ْ ت م ْن َر ُسول اهلل َص َّلى ُ َ ْ
َّاس ِعنْدَ فِتْن ٍَةَ ،و َأ ْس َر ُع ُه ْم إِ َفا َق ًة بَ ْعدَ ُم ِصيبَ ٍةَ ،و َأ ْو َشك ُُه ْم ك ََّر ًة بَ ْعدَ َف َّرةٍَ ،وخَ يْ ُر ُه ْم لِ ِم ْسكِ ٍ
ين ألَ ْح َل ُم الن ِ
امس ٌة حسنَ ٌة ج ِمي َلةٌ :و َأمنَع ُهم ِمن ُظ ْل ِم الْم ُل ِ
وك". ِ ِ ٍ ِ
ُ َ ْ ُ ْ ْ َو َيتي ٍم َو َضعيفَ ،وخَ َ َ َ َ
16
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ﭬ لما ِ
سمع الخرب من رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -علِ َم أنه حق؛ فبيَّن السبب يف كثرهتم ،ما الذي ّ
خصاال خمسة تقتضي بقاء قوهتم ،وبقاء صحتهم ،وبقاء نسلِهم.
ً يجعلهم َيكثرون؟ فذكر فيهم
▪ أ َّنهم أسرع الناس إفاق ًة بعد مصيبة؛ فإذا نزلت هبم مصيبة ُيسرعون إلى اإلفاقة.
▪ وأ َّنهم أبطأ الناس عند الفتنة؛ الفتن ُتهلِك الناس ،وال ُبطء عند الفتنة سالمة ،والروم كانوا
على هذا ،إذا ح َّلت فتنة ال ُيسارعون إليها؛ فهم أبطأ الناس عند نزول فتنة.
▪ وأ َّنهم من أحسن الناس إحسانًا للضعفاء؛ من األيتام وأبناء السبيل واألرامل وغير ذلك،
فهم أحسن الناس إحسانًا لضعفائهم ،واإلحسان إلى الضعفاء برك ٌة على أهله.
لعلنا نكتفي هبذا يف هذا اليوم ،وغدً ا إن شاء اهلل عز وجل نُكمل ما أورده اإلمام مسلم مما ُيب ِّين ما سر ْدنا ُه
من وقائع الملحمة التي تقع بين المسلمين والروم بين يدي الساعة.
17
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
عندخروج الدجال
18
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ال الرو ِم فِي َكثْرةِ الْ َقت ِْل ِعنْدَ خُ روجِ الدَّ َّج ِ
ِ
ال ُ َ اب :إِ ْقبَ ُّ
بَ ٌ
يح َح ْم َرا ُء بِالْكُو َف ِةَ ،ف َجا َء َر ُج ٌل لَ ْي َس لَ ُه ِه ِّج َيرى إِالََّ :يا
ت ِر ٌ َع ْن َأبِي َقتَا َد َة الْ َعدَ ِو ِّ
ي َع ْن ُي َس ْيرِ ْب ِن َجابِرٍَ ،ق َالَ :ه َ
اج ْ
السا َع َة الَ َت ُقو ُم َحتَّى الَ ُي ْق َس َم ِم َير ٌ ِ ِ ٍ ِ
اث السا َع ُة! َق َالَ :ف َق َعدَ َ -وكَا َن ُمتَّكئًاَ ،-ف َق َال :إِ َّن َّ
َع ْبدَ اهلل ْب َن َم ْس ُعودَ ،جا َءت َّ
الشا ِمَ ،-ف َق َالَ :عدُ ٌّو َي ْج َم ُعو َن ألَ ْه ِل ِ ِِ والَ ي ْفرح بِغَن ِ ٍ
اإل ْسالَ ِم َو َي ْج َم ُع لَ ُه ْم يمةُ .ث َّم َق َال بِ َيده َهك ََذاَ -ون ََّح َ
اها ن َْح َو َّ َ َ ُ َ َ
ت الَ ت َْر ِج ُع إِالَّ َغالِبَةًَ ،فيَ ْقتَتِ ُلو َن َحتَّى َي ْح ُج َز بَيْن َُه ُم ال َّليْ ُلَ ،فيَ ِفي ُء
الشر َطةُُ ،ثم ي ْشتَرِ ُط الْمس ِلمو َن ُشر َط ًة لِ ْلمو ِ
َْ ْ ُ ْ ُ َّ َ ُّ ْ
ت الَ ت َْر ِج ُع إِالَّ َغالِبَةً،
الشر َطةُُ ،ثم ي ْشتَرِ ُط الْمس ِلمو َن ُشر َط ًة لِ ْلمو ِ
َْ ْ ُ ْ ُ َّ َ َه ُؤال َِء َو َه ُؤال َِء ،ك ٌُّل َغ ْي ُر غَالِ ٍ
ب َو َت ْفنَى ُّ ْ
الرابِعِ؛ ن ََهدَ إِلَ ْي ِه ْم
الش ْر َطةَُ ،فإِ َذا كَا َن َي ْو ُم َّ َف َي ْقتَتِ ُلو َن َحتَّى ُي ْم ُسواَ ،ف َي ِفي ُء َه ُؤال َِء َو َه ُؤال َِء ،ك ٌُّل َغ ْي ُر غَالِ ٍ
بَ ،و َت ْفنَى ُّ
اهلل الدَّ َب َر َة َع َل ْي ِه ْمَ ،ف َي ْقتُ ُلو َن َم ْقتَ َل ًة -إِ َّما َق َال :الَ ُي َرى ِمثْ ُل َهاَ ،وإِ َّما َق َال :لَ ْم ُي َر ِمثْ ُل َها،- َب ِق َّي ُة َأ ْه ِل ِ
اإل ْسالَمَِ ،ف َي ْج َع ُل ُ
جدُ و َن ُه َب ِق َي ِمن ُْه ْم إِالَّ
ب كَانُوا ما َئ ًة َفالَ َي ِ حتَّى إِ َّن الطَّائِر لَيمر بِجنَباتِ ِهم َفما يخَ ِّل ُف ُهم حتَّى ي ِ
خ َّر َم ْيتًاَ ،ف َيتَ َعا ُّد َبنُو األَ ِ ْ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ ُ َ
س ُه َو َأ ْكبَ ُر ِم ْن َذلِ َ
ك ك إِ ْذ َس ِم ُعوا بِبَأْ ٍ
اس ُم؟ َفبَيْن ََما ُه ْم ك ََذلِ َ احدُ َ ،فبِأَي غَنِيم ٍة ي ْفرح َأو َأ ِ ٍ
ي م َيراث ُي َق َ
َ ُ َ ُ ْ ُّ ِّ
الرج ُل الْو ِ
َ َّ ُ
يخ؛ إِ َّن الدَّ َّج َال َقدْ خَ َل َف ُه ْم فِي َذ َر ِاريه ْم؛ َفيَ ْرفِ ُضو َن َما فِي َأ ْي ِد ِ
يه ْم َو ُي ْقبِ ُلو َنَ ،فيَبْ َعثُو َن َع َش َر َة َف َو ِار َس الصرِ ُ
َف َجا َء ُه ُم َّ
اهلل ع َل ْي ِه َو َس َّل ْم« :-إِنِّي ألَ ْعرِفُ َأ ْس َما َء ُه ْم َو َأ ْس َما َء آبَائِ ِه ْم َو َألْ َوا َن خُ ُيولِ ِه ْمُ ،ه ْم َط ِليع ًةَ .ق َال رس ُ ِ
ول اهلل َ -ص َّلى ُ َ ُ َ
يح َح ْم َرا ُء بِالْ ُكو َف ِةَ .ف َذك ََر ن َْح َو
ت ِر ٌ ت َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َم ْس ُعودٍَ ،والْ َب ْي ُ
ت َمآل ُنَ ،ق َالَ :ف َه َ
اج ْ ْت فِي بي ِ
َْ َو َعنْ ُه َق َالُ :كن ُ
ح ِد ِ
يث ابْ ِن ُع َليَّةَ. َ
هذا الحديث أيها اإلخوة ،تقدّ م معنا مضمونه ،وبيّنَّا أنه يف الملحمة التي تقع بين المسلمين والروم.
19
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
اج ْت ِر ٌ
يح َح ْم َرا ُء)) ،والريح الحمراء من عالمات قيام الساعة ،وقد جاء عن أبي ((ه َ
قال يسير بن جابرَ :
عنه يحكي عن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أنه قال« :ال تقوم الساعة حتى ُتب َعث ٌ
ريح حمراء» ،من أين؟
فلما رآها رجل جاء إلى ابن مسعودرضي اهلل عنه ،وليس له ِه ِّجيرى؛ أي ليس له ديدن ود َأب
قيام الساعةّ ،
يكرر ،هذا
وشيئًا يعود إليه إال أن يقول :يا ابن مسعود جاءت الساعة ،يا ابن مسعود جاءت الساعة! يعني ِّ
لما رأى العالمة. ِ
معنى "وليس له إال ه ِّجيرى"؛ يعني أنه يكرر هذا األمر؛ من خوفهَّ ،
قالَ (( :ف َق َعدَ )) َمن الذي قعد؟ ابن مسعود ،ليس الرجل ،وإنما ابن مسعود ،كان متكئًا ّ
فلما سمع هذا الكالم
العظيم من هذا الرجل وهو يردده ويعاوده :جاءت الساعة ،جاءت الساعة ،جاءت الساعة ،قعد ﭬ ،وكان
يم ٍة))؛ إذن هذه ليست هي الريح ،أل ّن هذا األمر لم يقع؛ أنه ال ُيقسم الميراث وال ُيفرح بالغنيمة.ِ
بِغَن َ
الشا ِم ))-أي أشار إلى جهة الشام ،أي أ ّن هذا األمر يقع يف جهة الشام، (( ُث َّم َق َال بِيَ ِد ِه َه َك َذا َ -ون ََّح َ
اها ن َْح َو َّ
وهو -كما قلنا باألمس -يقع قريبًا من حلب عند الملحمة الكربى.
اإل ْسالَ ِم َو َي ْج َم ُع َل ُه ْم َأ ْه ُل ِ
اإل ْسالَمِ)) وذلك أ ّن الروم -كما تقدّ م معنا- فقالَ (( :عدُ ٌّو َي ْج َم ُعو َن ألَ ْه ِل ِ
رومي:
ٌّ يصالحون المسلمين فيقاتلون عدُ ًّوا -أعني المسلمين والروم يقاتِلون عدُ ًّوا -فينتصرون عليه ،فيقول
الشرعي وأفتى والة األمر من العلماء بجوازه ،واختاره أولياء األمر من
ُّ لك ّن هذا ال َيمنع الصلح إذا قام سببه
الصلح.
20
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
فيجمعون ألهل اإلسالم وينطلقون بجي ٍ
ش عظيم تحت اثني عشرة راية ،اثنتا عشرة راية يرفعها هؤالء القوم،
تحت كل راية ثمانون ألفا ،فيسمع أهل اإلسالم هبم فيجمعون لهم ،ويخرج لهم جيش من المدينة ،واإليمان
إذ ذاك ِ
يأرز إلى المدينة ،وهم من خيار أهل األرض ،فتقع الملحمة.
على المسلمين فيُ َقتَّل من المسلمين ،و َيعطف المسلمون عليهم -أي ّ
يكر المسلمون عليهم -و ُيقتِّلون من
الروم.
(( َفي ْشت َِر ُط ا ْلمسلِمو َن ُشر َط ًة ل ِ ْلمو ِ
ت)) ما هي ُّ
الشرطة؟ قالوا :الشرطة؛ هي الكتيبة التي تشهد المعركةُ ،س ُّموا َْ ْ ُ ْ ُ َ
" ُشرطة" ألهنم يتقدّ مون على الجيش ،يعني أول كتيبة من الجيش؛ فهم ُي ِعدُّ ون أنفسهم للموت ،والشرطة هي
إعداد اإلنسان نفسه للموت ،ومنه ُس ِّميت الشرطة اليوم شرطة؛ أ ّن َرجل الشرطة ُي ِعدُّ نفسه للموت يف حماية
فالشرطة :هم الكتيبة التي تشهد المعركة ،و قيل :هم أول طائفة يشهدون المعركة.
والمقصود أيها اإلخوة؛ أهنم قو ٌم ُيعدُّ ون أنفسهم للموت يف سبيل اهلل ،فيشرتطون على أنفسهم شر ًطا؛ هو
الموت -شهاد ًة -أو ال َغ َلبة ،فيقاتلون كما قالوا صادقين ،فتُقتل هذه الكتيبة جميعا ،قال رضي اهلل عنه:
الشرطة قد َفن َْتُ ،قتِلت ،فتَشرتط ُشرطة جديدة من المسلمين ،على نفس َّ
الشرط السابق :الغلبة أو الموت، ّ
لكن الشرطة َتفنى و ُتقتل يف سبيل اهلل ،فتقوم شرطة ثالثة يشرتطون هذا الشرط ويقتتل القوم يف اليوم الثالث
21
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
يف اليوم الرابع :ينهض بقية أهل اإلسالم ،والظاهر -واهلل أعلم -أ ّن الجميع َي ِ
عزمون على ما كانت تعزم عليه
الشرطة؛ وهي الموت أو الغلبة ،بقلب رج ٍل واحد ،فينصرهم اهلل ،وينكسر الروم.
اهلل الدَّ َب َر َة َع َل ْي ِه ْم))؛ الدَّ َبرة يف اللغة :يعني الهزيمة ،فيجعل اهلل الهزيمة على الروم؛
قالرضي اهلل عنهَ (( :ف َي ْج َع ُل ُ
ف ُيدبِرون .وجاء يف رواية" :فيجعل اهلل الدائرة عليهم" ،أي تدور عليهم المعركة ،وينتصر المسلمون.
ال ُي َرى مِثْ ُل َها ،أو َل ْم ُي َر مِثْ ُل َها)) يعني مقتلة شديدة لم تسبق ،ويكثر القتل ،وتكثر ِج َيف
قالَ (( :ف َي ْقتُ ُلو َن َم ْقتَ َل ًة َ
ب))؛ أي مِن الروم(( ،كَانُوا مِا َئةً)) ،قال بعض أهل العلم:
(( َفيَتَ َعا ُّد َبنُو األَ ِ
المراد :فيتعا ّد أبناء القبيلة ،كانوا مائة فال يبقى منهم إال واحد.
oوقد يكون المراد :األب المباشر ،أل ّن الروم يكثرون إذ ذاك ،فقد يكون للرجل الواحد مئة من الولد،
فإذ ذاك يغنمون غنيمة عظيمةً ،متى يا إخوة؟ عندما يذهبون إلى القسطنطينية ،ألهنم بعد هذه المعركة يتْبعون
باألمس :-أهنم إذا وصلوا القسطنطينية وغنموا وبدؤوا يتقاسمون الغنائم وهي غنائم عظيمة جدا ،يصرخ
فيهم الشيطان :أ ّن الدجال قد خرج من ورائكم ،فيعلمون أ ّن الساعة اقرتبت؛ فماذا يريدون من الدنيا إذ ذاك؟!
22
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
َّ
وقل منهم َمن يجوز ذلك ،ونحن قد اقرتبنا ،واهلل أعلم متى يكن األجل ،قد ال يقوم الواحد منا من مقامه ،قد
ال يكمل كلمته ،قد ال يتم ليلته! كم من رج ٍل نام يظن أنه يستيقظ فما استيقظ من منامه! وكم مِن طف ٍل ُرجيت
ولذلك؛ جاء عن ميمون بن مهران رحمه اهلل أنه نظر إلى جلسائه يو ًما فقال" :يا معشر الشيوخ ،ما ُينتَ َظر مِن
الزرع إذ اب َي َّض؟ قالوا :الحصاد ،ثم نظر إلى الشباب فقال :يا معشر الشباب ،إ ّن الزرع قد ُتدْركه آف ٌة قبل أن
ستحصد".
َ ُي
فنحن -واهلل ،يا إخوة -ساعتنا قريبة ،وقد تكون أقرب مما نظن ،فال ينبغي علينا أن نع ّلق قلوبنا بالدنيا ،وإنما
نجعل تع ّلقنا باآلخرة ،نعم ال هنجر الدنيا ولم نؤ َمر هبجران الدنيا؛ لكنّا ال نتعلق هبا حتى تفتننا عن ديننا ،بل
نجعل اآلخرة مقدَّ م ًة على كل حال ،ونسعى جاهدين إلى أن نفوز بفضل اهلل بكثرة الطاعات ،فإنه لن يدخل
أحدٌ منا الجنة بعمله ،حتى رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -إال بفضل اهلل -سبحانه وتعالى ،-واألعمال
الصالحة سبب ني ِل فضل اهلل -سبحانه وتعالى ،-وما من ٍ
ميت يموت إال ويندم؛ والبد ،إن كان محسنًا ندم أال ُ
فالذي ينبغي علينا أن نتنبَّه إلى أنفسنا وأن نرجع إلى ر ِّبنا ،الشيطان يحفر لنا ،وأعداؤنا من الجن واإلنس
يحفرون لناَ ،ينصبون لنا الحبائل ،يريدون أن نكون من أهل النار ،فعلينا أن نتنبه لهذا األمرالخطير ،ونستعيذ
باهلل من شرور هؤالء جمي ًعا ،ونلزم الطاع َة ما استطعنا ،فإ ّن األمر جدُّ قريب ،والعاقبة إنّما هي ألهل التقوى.
23
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
س ُه َو َأ ْكبَ ُر مِ ْن َذل ِ َك)) أي ٍ
بأمر هو أكرب من قال ابن مسعود رضي اهلل عنهَ (( :فبَيْن ََما ُه ْم ك ََذل ِ َك إِ ْذ َس ِم ُعوا بِبَ ْأ ٍ
الص ِر ُ
يخ))؛ أي الصارخ ،وقد ُف ِّسر هذا يف الحديث السابق؛ بأنه الشيطان ،يصرخ فيهم ذلكَ (( ،ف َجا َء ُه ُم َّ
بالباطل.
وبالمناسبة يا إخوة؛ الشيطان قد يأيت المسلم بصورة ناصح يريد أن يوقعه فيما ُيسخط اهلل ،هذا الشيطان جاء
للمسلمين ِّ
يحذرهم الدجال أنه خرج خلفهم يف ذراريهم؛ بالباطل ،وكذلك نحن؛ الشيطان يجري من ابن آدم
المعاصي دعاه إلى المعاصي مباشرة ،إن رأى منه حب الزنا -والعياذ باهلل -دعاه إلى الزنا ،إن رأى منه حب
الغيبة دعاه للغيبة ،إن رأى منه حب الكذب دعاه للكذب ،وإن لم َير منه حب المعاصي احتال عليه وجاءه
بصورة ناصح ،فقد يأمر إبليس اإلنسان بقيام الليل ،وقيام الليل هو أفضل الصالة بعد الفريضة ،لكن إبليس ال
يريد من المسلم أن يقوم الليل لينال الفضيلة ،وإنما إذا علم منه أنه إذا قام الليل نام عن الصالة المفروضة؛
يفوت عليه صالة الفجر؛ وإذا فاتت الفريضة وقع يف ٍ
أمر عظيم. فيدعوه إلى قيام الليل من أجل أن ّ
فالشيطان قد يأيت إلى اإلنسان بصورة ناصح ،قد يأيت لإلنسان فيقول :انتبه ،أنت اآلن تتوضأ والوضوء مفتاح
الصالة ومن لم يصح وضوؤه لم تصح صالته؛ ِ
فزد يف الوضوء ،فيزيد ،فيقع يف االعتداء؛ أل ّن النبي -صلى اهلل
عليه وسلم -قال« :هذا الوضوء ،فمن زاد فقد أساء واعتدى وظلم» -أ ّما رواية «من نقص» فهي شاذة ،-ثم
يقوده للوسواس ،فإذا خرج من الحمام -أعزكم اهلل -قال له :انتبه بقي شيء من البول والمسألة مسألة صالة؛
الطاعة.
24
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ولذلك يا إخوة؛ من كثر شكه يف الوضوء ف ْليعلم أهنا من مكائد الشيطان وليست من احتياط أهل اإليمان،
ِ
فليكتف ،وإذا استنجى كما يستنجي الناس و ْليستعذ باهلل من الشيطان ،و ْل ِ
ينته ،فإذا غسل عضو الوضوء ثال ًثا
ِ
ولينته ،وال يتف ّقد وال يفتش؛ فإ ّن ذلك من مكائد الشيطان. ف ْليأخذ ما ًء و ْليضعه يف لباسه ،وليخرج
الشاهد؛ أ ّن الشيطان يصرخ يف هؤالء -أهل الفضل :-أ ّن الدجال قد خلفهم يف ذراريهم ،فيرتكون الغنائم
ويرجعون ،قالَ (( :ف َي ْرفِ ُضو َن َما فِي َأ ْي ِدي ِه ْم َو ُي ْقبِ ُلو َن)) إلى الشام ،قالَ (( :ف َي ْب َعثُو َن ع ََش َر َة َف َو ِار َس َطلِي َعةً)) أي
اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل ْم)) ما فائدة هذه الجملة هنا؟ مقدِّ مةَ (( ،ق َال رس ُ ِ
ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ ُ
هي تدل على أ َّن هذا مرفوع من كالم النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ أل ّن ابن مسعود رضي اهلل عنه يف ّأول الكالم
ذكر هذا من غير أن ُيسنِده إلى النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-لكن ُيع َلم أنه مرفوع؛ أل ّن مثل هذا الكالم ال
اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل ْم« :إِنِّي ألَ ْع ِر ُ يقال إال عن توقيف ،لكن جاءت هذه الجملة مبينة؛ قالَ (( :ق َال رس ُ ِ
ف ول اهلل َص َّلى ُ َ ُ ِّ
َأ ْس َما َء ُه ْم َو َأ ْس َما َء آ َبائِ ِه ْم َو َأ ْل َوا َن ُخ ُيول ِ ِه ْم»؛وهذه الجملة تدل على أ ّن القتال سيرجع إلى أن يكون على
و ُيفهم من الحديث -أيضا :-أ ّن هذه اآلالت التي نعيشها ونراها هذا الزمان ستزول ،ويعود األمر إلى ما كان،
بدون هذه اآلالت؛ من هواتف وسيارات ودبابات وغير ذلك ،ألهنم عندما بلغهم الخرب ماذا فعلوا؟ رجعوا
وأرسلوا طليعة؛ معنى هذا أنه ليس معهم ما يعرفون معه الخرب ،وهم على خيولهم؛ معنى هذا أنه ليس معهم
هذه اآلالت ،وهذا أمر ظاهر ،فالقتال سيعود على الخيول ،ويعود بالسيوف ،ويعود بالسهام ،ويعود بالرماح،
ض َي ْو َمئِ ٍذ».
ض َي ْو َمئِ ٍذ»َ ،أ ْو«مِ ْن َخيْ ِر َف َو ِار َس َع َلى َظ ْه ِر األَ ْر ِ
َع َلى َظ ْه ِر األَ ْر ِ
25
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
26
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
هذا الحديث أورده اإلمام مسلم $ليبيّن أ ّنّّ هذه الملحمة مع الروم إنَّما تكون قبل خروج الدجال ،أل ّن النبي
نافع بن عتبة ﭬ يحكي أهنم كانوا مع رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يف غزوة ،فأتى قوم من قِ َبل المغرب
جزيرة العرب ،وكان األمر كذلك ،فإ ّن فارس ُفتحت قري ًبا من فتح جزيرة العرب ،ثم قالُ « :ث َّم َت ْغزُ و َن ُّ
الرو َم
1
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقلنا أهنا تفتح للمسلمين مرتين ،مرة قد وقعت على يد السلطان محمد الثاين ابن مراد الثاين؛ محمد خان،
ولكنها ستعود إلى أيدي الروم .و ُتفتح مرة أخرى؛ وذلك قبل خروج الدجال ،ولذلك قال النبي صلى اهلل عليه
وسلمُ « :ث َّم َت ْغزُو َن الدَّ َّج َال َفيَ ْفت َُح ُه اهللُ»؛ أي ُيقتل -وهذا كما ذكرنا باألمس ،-متى؟ بعد رجوعهم من
القسطنطينية ،إذا وصلوا إلى الشام ،وكان الشيطان قد كذب عليهم وقال :إ ّن الدجال قد خرج؛ وهو كاذب ،إذا
بلغوا الشام خرج الدجال ،فيستعدُّ ون لقتاله -كما قلنا باألمس -و ُيص ُّلون جماعة ،فبينما هم قد أقاموا الصالة
وعمرا-
سنتكلم عنه قريبا إن شاء اهلل ،إن كتب اهلل لنا وقتا ،وإال نتكلم عنه يف العام القادم إن كتب اهلل لنا جلوسا ْ
،يقول لعيسى ڠ :تقدم يا روح اهلل ِّ
فصل لنا ،فيقول :بل تقدم أنت ،أئمتكم منكم؛ َت ُ
كرم ًة ألمة محمد صلى
اهلل عليه وسلم ،ثم يخرجون إلى الدجال وهو متجه إلى بيت المقدس ،فيلحقه المسلمون عند باب ُلدّ ،وهو -
كما قلنا -قريب من بيت المقدس ،فإذا رأى الدجال ،الذي كان يتعاظم على الناس ويريهم العجائب ،إذا رأى
عيسى ڠ ذاب كما يذوب الملح يف الماء ،لك ّن عيسى ڠ يتداركه فيضربه ُبر ْمحه؛ أل ّن له فيه ضرب ًة لن
تخطئه ،وهبذا ُيقتل الدجال ،وهذا معنى قول النبيصلى اهلل عليه وسلمُ « :ث َّم َت ْغزُ و َن الدَّ َّج َال َفيَ ْفت َُح ُه ُ
اهلل».
ٍ
بأمور ستقع ،وقد وكما تلحظون يف هذا الحديث معجزة من معجزات النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ حيث أخرب
ٍ
بأمور ستقع ،وستقع إن شاء اهلل؛ أخرب بفتح جزيرة العرب وقد ُفتحت ،أخرب بفتح فارس وقد وقعت ،وأخرب
2
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
3
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
هذا الحديث أيها اإلخوة؛ بعد أن ذكر اإلمام مسلم $العالمة على قرب ظهور العالمات الكربى؛ ذكر
العالمات الكربى ،ما هي عالمة قرب ظهور العالمات الكبرى؟ كثرة الروم والملحمة ،بعد أن ذكر هذه العالمة،
اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل ْم َع َليْنَا َون َْح ُن نَت ََذاك َُرَ ،ف َق َالَ « :ما َت َذاك َُرو َن؟»)) هذا يف بعض نسخ مسلم،
قال" :ا َّط َل َع النَّبِ ُّي َص َّلى ُ
ويف بعض نسخ مسلم(( :ما َت ْذكرون؟)) بدون األلف ،قالوا(( :ن َْذك ُُر َّ
السا َعةَ)) أي نذكر أمر قيامها ،وأهنا يمكن
أن تقوم يف أي وقت ،ولذلك قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-إِنَّها َلن َت ُقوم حتَّى َترو َن َقب َلهاع َْشر آي ٍ
ات» ُ َ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ
وذكرها.
4
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
هذا الحديث فيه عالمات الساعة الكربى ،وهي كما جاء يف الحديث :الدّ خان ،والدّ ّجال ،والدابةَ ،وطلوع
ّ
الشمس من مغرهبا ،ونزول عيسى ابن مريم ڠ ،وخروج يأجوج ومأجوج ،وثالثة خسوف ،والنَّار التي تحشر
الناس.
أن نشير إلى ما يتعلق برتيبها ،أن نشير إلى ما يتعلق بتقسيمها ،فإ ّن علماء اإلسالم -بفقههم -قسموا هذه
ٍ
تقسيمات جميلة. العالمات الكربى
عالمات متعلق ٌة بتغيرأحوال األرض؛ منها :خروج الدجال ،وخروج يأجوج ومأجوج،
ٌ القسم األول:
عالمات متعلق ٌة بتغير أحوال السماء؛ ومنها :طلوع الشمس من مغرهبا ،والدابة التي
ٌ والقسم الثاين:
عالمات متّفق ٌة مع العادة ،وإن كانت باهرة؛هي باهرة ،لكنها على وفق العادة ،وهي:
ٌ األول:
القسم ّ
ظهور الدجال ،ونزول عيسى ڠ ،وخروج يأجوج ومأجوج .قلنا هذه العالمات عظيمة؛ كيف يقولون متفقة
مع العادة؟!
5
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قالوا :نقول إهنا متفقة مع العادة؛ أل َّن هؤالء على هيئة بني آدم ومن بني آدم .يأجوج ومأجوج من ذرية آدم
وحواء -كما سيأيت إن شاء اهلل ،-وعيسى ڠ هو ابن مريم ،والدجال سيأيت التفصيل يف أصله ،وبيان أنه من
بني آدم.
عالمات مخالف ٌة للعادة؛ ومنها :طلوع الشمس من المغرب؛ قالوا :هذا خالف المعتاد؛
ٌ والقسم الثاين:
وهذا التقسيم قد ُيعتَرض عليهمن جهة أ ّن اآليات كلها لو تدبرناها لوجدناها مخالفة للعادة؛ فالدجال معه أمور
عالمات دال ٌة على ُقرب قيام الساعة؛ وهي :الدجال ،ونزول عيسى ڠ ،وظهور يأجوج
ٌ األول:
القسم ّ
ومأجوج ،والخسوفات؛ هذه عالمات على ماذا؟ على قرب قيام الساعة.
عالمات دالة على وقوع الساعة؛ وهي :الدخان ،وطلوع الشمس من مغرهبا ،وخروج
ٌ والقسم الثاين:
الدابة ،والنار التي تحشر الناس ،قالوا :هذه عالمات على حصول الساعة؛ إذا وقعت هذه العالمات حصلت
ثم أذكر لكم كيف أ ّن علماءنا -رحمهم اهلل -ح ُّلوا هذا اإلشكال.
6
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
نار تحشر
-فقد جاء يف صحيح البخاري عن أنس قال :قال النبي صلى اهلل عليه وسلمّ (( :أول أشراط الساعةٌ :
الناس من المشرق إلى المغرب)) ،إ ًذا؛ ما هي أول اشراط الساعة؟ النار.
صاحبتها،فاألخرى على إثرها َقرِيبًا)) ،إ ًذا؛ على هذا الحديث ما هي ّأول اآليات؟ طلوع الشمس من مغرهبا.
طيب؛ جاء يف حديثّ :أول اآليات :النار ،وجاء يف حديث ّأول اآليات :طلوع الشمس من مغرهبا ،وجاء يف
-فقالوا :إ ّن النار هي ّأول عالمات حصول الساعة وهناية الدنيا ،فليس بعدها من الدنيا شيء؛
يبق من الدنيا
يعني ّأول عالمات حصول الساعة :هي النار ،فإذا ظهرت النار انتهت الدنيا فلم َ
من المغرب ،والدابة قريب ٌة منها؛ ألنَّه إذا طلعت الشمس من المغرب ،ماذا سيحصل؟ س ُيغلق
باب التوبة؛ فالمؤمن مؤمن ،والكافر كافر ،لن يتوب الكافر من كفره ،فتظهر الدابة َت ِس ُم
أ َّول عالمات حصول الساعة ونهاية الدنيا حيث ال يكون بعدها شيء :هي النار.
7
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أيضا إشكال -لعلكم انتبهتم له :-النبي صلى اهلل عليه وسلم يف هذا الحديث الذي معنا ماذا قال؟
لكن هنا ً
وو َص َفها يف حديث البخاري يف حديث أنس أهنا َّأول ،فكيف ِ
َو َص َفها يف حديث مسلم الذي معنا أهنا آخرَ ،
جمع؟!
ُي َ
قال أهل العلمُ :يجمع بينهما بأهنا آخر اآليات المذكورة يف الحديث ،وهي َّأول حصول الساعة ،وآخر عالمات
الساعة الكربى ،فمن هنا تكون ّأول وتكون آخر؛ آخر باعتبار العالمات األخرى التي ُذكرت معهاَّ ،
وأول باعتبار
أهنا َّأول حصول الساعة فليس بعدها من الدنيا شيء -كما سيأيت إن شاء اهلل عز وجل.-
إذا عرفنا هذا؛ فإنه هنالك آيات وردت النصوص برتتيبها؛ وهي:
خروج الدجال.
وأ ّما بقية اآليات لم ِيرد يف ترتيبها نص ،طبعا نحن ذكرنا ّ
األول ّية انتهينا منها ،لكن من جهة ترتيب اآليات لم يرد
نص يف الرتتيب إال يف خروج الدجال ،ثم بعد ذلك ينزل عيسى ڠ ،ثم يخرج يأجوج ومأجوج .لكن العلماء
8
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ترتيب
ٌ ترتيب حسن ،وإن كان ال ُيجزم به؛ ألنه ال ُيجزم يف الغيب إال بنص ،لك ّن هذا الرتتيب
ٌ وهذا الرتتيب
متناسب.
وهذه اآليات أيها اإلخوة إذا ظهرت واحد ٌة منها تتابَعت ،فهي متتابعة؛ كالخرز المنظوم يف السلك ،إذا ُقطِع
السلك سقطت الخرزات سريعة متتابعة ،وكذلك يف هذه اآليات؛ فقد جاء عن أبي هريرة ﭬ عنالنبي صلى اهلل
عليه وسلمقال (( :خروج اآليات بعضها على إثر بعض ،يتتابعن كما تتتابع الخرز يف النظام)) رواه الطرباين
وصححه األلباين.
أيضا.
فهذا يدل على أهنا تتتابع .وجاء عند اإلمام أحمد ما يدل على ذلك ً
الم ّ
خل -إن سنشرع -إن شاء اهلل عز وجل -من يوم الغد يف الكالم عن هذه العالمات بشيء من االختصار غير ُ
شاء اهلل عز وجل -بما يتناسب مع ما بقي من الوقت ،ألنا نريد أن نجعل -إن شاء اهلل -آخر درس يف عالمات
9
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
10
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدخان
11
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ال زلنا يف درسنا مع ما أورده اإلمام مسلم $يف أشراط الساعة ،حيث ا َّطلع النبي صلى اهلل عليه وسلم على
قو ٍم من أصحابه يتذاكرون؛ فقال« :ما َتذكرون؟» ،ويف رواية« :ما َتذاكرون؟» قالوا :نذكر الساعة ،قال صلى اهلل
عليه وسلم« :إهنا لن تقوم حتى َت َرون قبلها عشر آيات؛ فذكر :الدخان ،والدجال ،والدابة ،وطلوع الشمس من
مغرهبا ،ونزول عيسى بن مريم ،ويأجوج ومأجوج ،وثالثة خسوف :خسف بالمشرق ،وخسف بالمغرب،
عمايتيسر من
ّ وقد تكلمنا عن مقدِّ مات هذا الحديث يف مجلس األمس .واليوم -إن شاء اهلل عز وجل -نتكلم
فأول آية ذكرها النبي صلى اهلل عليه وسلم يف هذا الحديث :الدخان.
ّ
واضح َي ُع ُّم الناس جمي ًعا ،فيراه الناس جمي ًعا ،دخانًا يغشاهم ،وهوكما يف قول اهلل -تعالى:-
ٌ والدخان :دخا ٌن
ِ الس َما ُء بِدُ خَ ٍ ِ ِ
اب َأل ٌ
يم﴾[الدخان.]11 - 1٠ : َّاس َهـ َٰذا َع َذ ٌ ان ُّمبِ ٍ
ين* َيغ َْشى الن َ ب َي ْو َم تَأْتي َّ
﴿ َف ْارتَق ْ
فذهب ابن مسعود ﭬ وتبعه بعض العلماء واختاره ابن جرير الطربي شيخ المفسرين إلى أ ّن الدخان قد وقع
وسبق ومضى؛ وذلك يف زمن النبي صلى اهلل عليه وسلم ،فعن مسروق قال" :دخلنا على عبد اهلل بن مسعود
ﭬ فقال" :يا أيها الناسمن علم شيئًا فليقل به ،ومن لم يعلم فليقل :اهلل أعلم"؛ وهذه قاعدة أهل السنة
والجماعة أ ّن المسلم يقول بما علم ،ويمسك عما لم يعلم ،فال َّ
يتخرص وال يذكر شيئًا من عنده ،فعندما قال اهلل
ى﴾[طه ،]٥ :قال أهل السنة والجماعة :الرحمن على العرش استوى عز وجل﴿ :ا َّلر ْح َمـ ُٰن َع َلى الْ َع ْر ِ
ش ْاست ََو ٰ
يعلمون" :اهلل أعلم" ،فقالوا" :الكيف مجهول" ،اهلل لم ُيعلِمنا كيف استوى؛ فنَكِ ُل العلم إلى اهلل.
12
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
تخرص المسلم فيقول :إ ّن الساعة ستقوم يف السنة الفالنية ،يا أمة محمد! النداء
كذلك يف أشراط الساعة؛ ال َي َّ
التخرص ،وإنَّما يقول المسلم يف أشراط الساعة ما عَلِ َم؛ ف َي ُعدّ األشراط ،و ُيب ِّين األحوال ،أ ّما ما
ُّ األخير! فهذا من
فهذه قاعدة شريفة ُمنيفة يضعها ابن مسعود -رحمه اهلل ورضي عنه -يف ّأول كالمه؛ حيث قالَ " :من علم شيئًا
فليقل به ،ومن لم يعلم فليقل :اهلل أعلم ،فإ ّن من العلم أن يقول لِما ال يعلم :اهلل أعلم" ،قال اهلل عز وجل لنبيِّه:
ِ ِ ِ
﴿ ُق ْل َم َاأ ْسأَلُك ُْم َع َل ْي ِهمنْأَ ْجرٍ َو َم َاأنَامنَالْ ُمتَ َك ِّلف َ
ين﴾[ص ،]٨٦ :والقول بال علم من التك ُّلف.
قال ابن مسعود ﭬ" :وسأحدّ ثكم عن الدخان ،إ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعا ً
قريشا إلى اإلسالم؛
فأبطؤوا عليه ولم يجيبوه ،فقال (( :اللهم أعنِّي عليهم بسب ٍع كسبع يوسف))؛ -أي يصيبهم القحط سبع سنين،-
الرجل يرى بينه وبين السماء دخانًا من الجوع" ،من شدة الجوع أصبح الرجل إذا نظر يرى دخانًا؛ فهذا هو
الس َما ُء بِدُ خَ ٍ ِ ِ
َّاس َهـ َٰذا َع َذ ٌ
اب ان ُّمبِ ٍ
ين* َيغ َْشى الن َ ب َي ْو َم تَأْتي َّ
الدخان،فقال اهلل عز وجلَْ َ﴿ :ارتَق ْ
ول ُّمبِ ٌ
ين* ُث َّم ى َو َقدْ َجا َء ُه ْم َر ُس ٌ اب إِنَّا ُم ْؤ ِمنُو َن* َأن َّٰى لَ ُه ُم ِّ
الذك َْر ٰ
ِ
يم﴾،قالﭬ":فد َع ْواَّ ﴿:ر َّبنَااكْشفْ َعنَّا الْ َع َذ َ
ِ
َأل ٌ
اب َق ِل ًيالإِ َّنك ُْم َعائِدُ و َن﴾[الدخان]1٥ – 12 :؛ قال ابن مسعود تَولَّواعنْه و َقالُوامع َّلم مجنُو ٌن*إِنَّاك ِ
َاش ُفوالْ َع َذ ِ ُ َ ٌ َّ ْ َ ْ َ ُ َ
كشف العذاب يوم القيامة؟! قال :ف ُك ِشف ثم عادوا يف كفرهم؛ فأخذهم اهلل يوم بدر﴿ َي ْو َم َن ْبطِ ُش
ﭬ" :أف ُي َ
جلوسا ،وهو
ً أيضا عن مسروق بيّن سبب كالم ابن مسعود ﭬ ،قال" :كنا عند عبد اهلل
وعند البخاري ومسلم ً
فتأخذ بأنفاس الكفار ،ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام ،فقال عبد اهلل -وجلس وهو غضبان" :-يا أيها الناس،
13
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
اتقوا اهلل! من علم منكم شيئًا فليقل ،ومن لم يعلم فليقل :اهلل أعلم" ،ثم ذكر ما ورد ساب ًقا؛ إ ًذا ابن مسعود ﭬ
وذهب بعض العلماء ومنهم ابن عباس ﭭ فيما صح عنه وبعض العلماء من السلف والخلف إلى أ ّن آية
وال شك أيها اإلخوة؛ أ ّن آية الدخان العظمى التي هي عالمة قيام الساعة لم تقع ،وإنَّما ستقع بين يدي الساعة؛
بدليل هذا الحديث الذي معنا؛ فإ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم ذكرها بين يدي الساعة.
وجاء يف حديث حذيفة أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال(( :إ ّن من أشراط الساعة دخانًا؛ يمأل ما بين المشرق
قال ابن حجر " :$روى الطبري عن حذيفة -مرفو ًعا -يف خروج اآليات والدخان؛ قال حذيفة" :يا رسول
لكن تظافر هذه ِ وض ّعف الحافظ ابن حجر َّ
ب ذلكَّ " :
كل األحاديث التي وردت يف هذا المعنى ،لكن قال عَق َ
أصال". األحاديث ّ
يدل على أ ّن لذلك ً
فنقول أيها اإلخوة :إ ّن الدخان ثابت ،وإنه سيخرج يف آخر الزمان ،وأما هيئته ما روي من أحاديث م ِ
شعر هبذا ُ ُ ّ
لكن ال ُيجزَ م به؛ أل ّن األحاديث لم َتثبُت بأسانيد صالحة حتى ُيجزَ م بالهيئة.
قال بعض العلماء -واختاره القرطبي" :-الذي يقتضيه النظر الصحيح؛ َح ْمل ذلك على قضيَّتين مختلفتَين:
خاصبقريش ،واآلية التي ذكرها النبي صلى اهلل عليه وسلم ستقع بين
فالذي ذكره ابن مسعود وقع وهو دخان ٌ
يدي الساعة".
14
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
والجواب :أ ّن هذا ليس يف يوم القيامة؛ وإنما من مقدمات يوم القيامة -يف أشراط الساعة ،-فال َي ْب ُعد أن يدعوا
-وقول ابن مسعود ﭬ -كما تلحظون -من قوله ،لم ُيسنده إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم.
15
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
16
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وأما اآلية الثانية التي ذكرها النبي صلى اهلل عليه وسلم فهي :الدجال -نعوذ باهلل من فتنته.-
َّ
وقد تواترت األحاديث عن النبي صلى اهلل عليه وسلم يف خروج الدجال،فمما َيقطع به المؤمن :أ ّن الدجال
➢ ألنَّه يسيح يف األرض -أي يطوف يف األرض ،-إال مكة والمدينة؛ وعليه يكون المسيح :بمعنى ماسح،
يقول العلماء :فعيل بمعنى فاعل ،أي أنه يمسح األرض؛ فهو ماسح األرض.
• مسيح مِحنة.
أ َّما الدجال :فمسيح مِحنة ،وأما مسيح الرحمة :فهو عيسى عليه السالم.
مسيحا ألنه ممسوح العين -كما سيأيت يف وصفه إن شاء اهلل ،-فهو فعيل بمعنى مفعول.
ً ➢ وقيل سمي
➢ وقال بعض العلماء :إ َّن الدجال مِسيح ،ال يقال له المسيح وإنَّما يقال له ِ
الم ِّسيح ،لماذا؟ أرادوا التفرقة ِّ
بينه وبين عيسى عليه السالم ،فقالوا :عيسى عليه السالم يقال له المسيح ،والدجال يقال له ِ
الم ِّسيح.
قال ابن عبد الرب " :$والمسيح ابن مريم عليه السالم والمسيح الدجال لفظهما واحدٌ عند أهل العلم وأهل
الم ِسيح ،وهو الذي وردت به النصوص ،وأ ّما بقية األسماء فهي عند
إ ًذا المحققون من أهل العلم يقولون :هو َ
أهل العلم خطأ.
17
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
➢ وقال بعض أهل العلمُ :س ِّمي بالدجال؛ ألنه ُيغ ِّطي ،ماذا ُيغ ِّطي؟ قالواُ :يغ ِّطي األرض؛ إال مكة والمدينة.
➢ وقال بعض أهل العلمُ :يغ ِّطي الحق بالباطل ،فيُظ ِهر عالمات تجعل الباطل كأنه حق -كما سيأيت إن شاء
اهلل.-
دج ًاال؛ من الدَّ ْجلِ؛ وهو َط ْلي البعير بال َقطِران ،إذا أصيب البعير بالداء والجرب ُيطلى بمادة
➢ وقيلُ :س ِّمي ّ
فس ِّمي بذلك؛ ألنه َيطلي الباطل؛ فال َتظهر صورة الباطل .و"ف ّعال" من أبنية ِ
ال َقطران ويقال إنه َد ْجل؛ ُ
المبالغة؛ أي كثير الكذب ،كثير التغطية.
ِ
وجاء يف القاموس المحيطَ " :د َج َل البعير :طاله أو ّ
عم جسمه بال َقطران؛ ومنه الدجال َ
المسيح؛ ألنه يعم األرض،
تدجيالُ :غطِّ َي و ُطلي بالذهب؛ لتمويهه بالباطل ،أو من الدَّ َجال؛ بمعنى
ً أو ِمن َد َج َل :أي ك ََذ َب ،أو من ُد ِج َل
لماذا؟ ألنه -والعياذ باهلل -تتبعه كنوز األرض من الذهب والفضة ،تسير وراءه -كما سيأتينا إن شاء اهلل.-
لكنها أصبحت َع َل ًما على الدجال األكرب ،على صاحب الفتنة ،عيا ًذا باهلل من فتنته.
ففي البخاري ومسلم ،قال ابن عمر ﭭ" :قام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف الناس ،فأثنى على اهلل بما هو
18
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قوال لم َي ُق ْل ُه ٌّ
نبي لقومه ،تعلمون أنه أعور وأ ّن اهلل ليس بأعور))؛ فالدجال أعور ،وأ ّن اهلل ليس بأعور ،ويف لكم فيه ً
➢ وعن أبي هريرة ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :أال أحدِّ ثكم حديثًا عن الدجال ما
الدجال ،فقال« :إ ّن اهلل ليس بأعور ،أال إ َّن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ،كأ ّن عينه عنب ٌة طافية».
➢ ولمسلم عنه مرفوعًا؛ أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال« :وأراين اهلل عند الكعبة يف المنام» فذكر صفة
رأيت وراءه
ُ عيسى ڠ -وسنذكرها إن شاء اهلل عز وجل ،-ثم قال النبي صلى اهلل عليه وسلم« :ثم
هذا؟ قالوا :الدجال ،وأقرب الناس به َشبَ ًها :ابن َقطَن» قال الزهري":رجل من خزاعة ،هلك يف
الج ُعودة يقال لصاحبه :إنه َق َطط. أبدً ا ،وال َق َطط :هو شديد ُج ُعودة َّ
الشعر .إذا كان َّ
الشعر شديد ُ
وأ َّما قوله« :كأنها عنبة طافية» فإنه يعني أهنا ظاهرة منتفخةَ ،ط ْ
فت على وجهه كما يطفو الشيء على الماء ،كأهنا
ففي هذه األحاديث -أيها اإلخوة :-أنَّه أعور العين اليمنى ،وعينه ظاهر ٌة بارز ٌة منتفخة.
ويف مسلم :عن أنس بن مالك ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :الدجال ممسوح العين)).
وفيه عن حذيفة ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :الدجال أعور العين اليسرى)).
19
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وفيه أيضا -أي يف صحيح مسلم -عن حذيفة ﭬ أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال(( :وإ َّن الدجال ممسوح
الطفرة:هي اللحمة التي تكون يف مقدَّ مة العين ،وقد تمتد إلى السواد؛ لحمة حمراء تكون من داخل العين يف
هنا سنلحظ يا إخوة؛ أ ّن يف الحديث المتفق عليه ُو ِص َفت عين الدجال اليمنى بال َع َور وأهنا طافية ،ويف الحديث
الوصف األول يف الصحيحين ،والوصف الثاين يف صحيح مسلم ،كالهما صحيح! وقد وقف العلماء من هذه
الروايات موقفين:
ِ
فمن العلماء َمن ذهب إلى الرتجيح؛ فقال :رواية الصحيحين مقدَّ مة على رواية مسلم ،وذهب إلى هذا
وذهب بعض أهل العلم إلى الجمع بين الروايات ،وهذا َأولى.
وانتفخت ،وأ ّما عينه اليسرى فممسوحة ،يظهر فيها العيب ،عليها لحمة،
ْ وبرزت
ْ اليمنى فعوراء قد انطفأ ضوؤها
عيب يف عينَيه.
لك ّن ضوءها لم ينطفئ ،فهو َم ٌ
الح ْم َل على هذا المعنى ممكن فإنه ُيصار إليه؛ أل ّن الجمع مقدَّ ٌم على الرتجيح.
وما دام أ َّن َ
ومن أهل العلم من قال :إ ّن العين اليمنى ممسوحة ،لك ّن األَ ْو َفق القول إ ّن العين اليمنى هي عوراء قد ذهب
ضوؤها وهي منتفخة ظاهرة بارزة كالعنبة ،وأ ّما العين اليسرى فممسوحة ،وفيها لحمة ظاهرة ،ولك ّن ضوءها لم
ينطفئ.
20
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وجاء يف حديث النواس عند مسلم -وسنذكره إن شاء اهلل -قول النبي صلى اهلل عليه وسلم عن الدجال(( :إ َّنه
شاب)).
صححه األلباين -رحم اهلل جميع علماء اإلسالم -يف حديث عبادة بن الصامت أ ّن ٍ
وجاء عند أبي داود بإسناد َّ
َ
الفخذين؛ فهذا وصفه. بين الساقين وما بين
ويف صحيح مسلم أ ّن بعض أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عيه وسلم قال :إ َّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال
مكتوب بين عينَيه كافر ،يقرؤه من َكرِ َه عمله ،أو يقرؤه ُّ
كل مؤمن)). ٌ يوم َّ
حذر الناس الدجال(( :إنه
ُوب ب ْي َن َع ْي َن ْي ِه
وح ال َع ْي ِن َم ْكت ٌ
وعن أنس بن مالك قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :الدَّ َّج ُال َم ْم ُس ُ
أيضا -عن حذيفة ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمَ « :ألَنا َأ ْع َل ُم بما مع الدجال منه،
ويف مسلم ً -
ِ
فليأت النهر كن أحدً ا تأجج ،فإما َأ َ
در ّ نار َّ
رأي العين ٌ
رأي العين ما ٌء أبيض ،واآلخر َ
معه نهران يجريان؛ أحدهما َ
شرب منه فإنه ما ٌء بارد ،وإ ّن الدجال ممسوح العين عليها َط َف َرة ِ
نارا ،ول ُيغمض ،ثم ل ُيطأطئ رأسه ف َي َ
الذي يراه ً
ٍ
«كاتب وغير كاتب». كاتب وغير كاتب» و َي ِص ُّح أن يقال:
ٌ مكتوب بين عينيه :كافر ،يقرؤه ُّ
كل مؤمن ٌ غليظة،
إ ًذا؛ يف هذا الحديث أ ّن الدجال من صفته أنه مكتوب بين عينيه" :كافر" ،وهذه الكتابة حقيقي ٌة ظاهرةٌ؛ لكن ال
21
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
فالمؤمن -أيها اإلخوة -يقرأ بين عيني الدجال :كافر ،مع أ ّن الدجال من أكثر الناس قدرة على الكذب ومعه
إ ًذا؛ نقول :إ ّن الدجال من بني آدم ،وهو شاب ،أحمر ،جسيم -يعني كبير الخلقة ،-متباعدُ ما بين
الشعر ،شديد َتج ُعد الشعرَ ،معيب العينَين؛ فعينه اليمنى عوراء قد ذهب ضوؤها، الساقينوالفخذينِ ،
منكسر َّ َ
مكتوب بين عينيه :كافر؛ فهذه أوصافه التي بيّنها النبي صلى اهلل عليه
ٌ وعينه اليسرى ممسوحة لم يذهب ضوؤها،
وسلم.
الدجاجلة فتنة ،فإنه ما خلق اهلل مِن َلدُ ن آدم إلى قيام الساعة أعظم من
ِ وأ ّما فتنته -عيا ًذا باهلل منها -فهو أعظم
وهنَا". خرج وهو يف طائفة النخل" ،فلما رحنَا إليه عرفَ َذلِ َ ِ
وج َ
ك في ُ ََ ّ ُ ْ
الر ْو َحة أن تط َلق على المجيء يف المساء؛ لك ّن ذلك ليس بالزم؛ ألنَّها قد ُتط َلق ً
أيضا على الصباح؛ واألصل يف َّ
22
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
غير الدجال َأخْ َو ُفني عليكم))؛ أي أين ال أخاف عليكم إال الدجال ،ثم َذك ََر سبب هذا؛ فقال(( :إن ُ
يخرج و (( ُ
ناحجيج ُه دو َنكُم» ،إن يخرج فيكم معاشر الصحابة؛ فأنا حجيجه دونكم؛ أي مدافِ ُعه و ُمبطِ ٌل أمره فال
ُ َأنافيكُم فأَ
شاب قطَ ٌط،عينُه ُ َطافِ َيةٌ، نفس ِه ،واهلل ُخَ ليفتي على ِّ
كل مسلمٍ ،إنَّه ُ ٌّ
يضركم(( ،وإن يخرج و لستُفيكم ،فامرؤٌ حجيج ِ
ُ ُ ُ
يه فواتح سورةِالك َْه ِ
طن،من َأدر َكه ِمنكُم،فليقرأ ْع َل ِ كأنِّي أشب ُهه ب ِ
ف ،إ َّن ُه َ َ بن َق ٍ َ ْ َ ُعبدالعزَّى ِِّ ُ َ
ِ
ِ،والعراق))؛ ما معنى َخ َّلة؟ يعني يف طريق ،أي خارج من طريق بين الشام والعراق، ٍ ِ
الشام ارج من خ َّلة َ
بين َّ خَ ٌ
ً
شماال؛ أي أفسد فسا ًدا شديدً ا يف األرض، ماال))؛ يعني إذ َخ َر َج عاث يمينًا وعاث َ
ًا،وعاث َش ً (( َ
فعاث يمين
ِ
((ياعبا َداهلل اثبُتوا))(( ،يا عباد اهلل اثبتوا))(( ،يا عباد اهلل اثبتوا))؛ َأ ْم ٌر بالثبات ،ويف ذلك إشار ٌة إلى أ ّن َّ
مما َيقي
يثبت على اإلسالم بالعلم والعمل ،فيتع َّلم و َيعمل ،ويسأل اهلل أن يثبته على دينه؛ فإ ّن القلوب بين أصب َعين من
أصابع الرحمن يق ِّلبها كيف يشاء ،فال َيغرت بعلمه ،وال َيغرت بعمله ،وإنَّما يلجأ إلى ربه ً
أيضا(( :يا مقلب القلوب
23
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ويو ٌم كشهر -يمتد اليوم بطول الشهر وهو يوم ،-ويو ٌم كجمعة؛ يمتد اليوم بطول األسبوع ،وسائر أيامه
كأيامكم.
((فاقدُ روالَ ُه َ
قدر ُه))ما معنى هذا؟
يعني ُاقدُ روا األيام– قدِّروها -أ ّن هذا المقدار ليوم؛ فصلوا فيه خمس صلوات ،ثم المقدار الثاين لليوم الثاين
وأخذ الفقهاء من هذا فائدة :وهي أ ّن المسلمين يف البلدان التي ال تط ُلع عليهم الشمس يف بعض أيام السنة
كبعض بلدان أوروبا؛ ي َقدرون َقدْ َر اليوم؛ يعني لو فرضنا جاء رمضان وال هنار ،ال شمس ،ال َيرون الشمس؛ ماذا
24
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
خواصر))؛ أي يظهر
َ يوم واحد(( ،وأسب َغ ُه ُضرو ًعا))؛أي أطوله ضروعًا؛ لكثرة اللبن فيهايف يوم واحد(( ،وأمدَّ ُه
عليها ِ
الس َمن يف يوم واحد ،انظروا الفتنة نعوذ باهلل منها!
ِ ِ ِ
ثم يأتي القو َم فيدعوهم فير ُّدو َن ع َليه))؛ ال يؤمنون بهَ « ،فير ُّدو َن ع َليه قولَ ُه،فينصرِفُ عنهم ف ُيصبح ون َُممح َ
لين- (( َّ
مربالخَ ر َب ِة))؛ ِ
أي ُمجدبِين ،-ليس بِأيديهم شي ٌءمن أموالهم)) تموت مواشيهم يف يوم ،نعوذ باهلل من الفتنة! « َي َّ
يقول لَها :أخرِجي كُنوز ِ
َك–يأمرها -فتتب ُع ُه ُكنو ُزها مربالخَ ر َب ِة َف ُ
أي باألرض الخراب وبالبيوت الخرابَ ((،و َي َّ
ِ
جزلتين-أي دعورجال ممتلئًا َشبابا ،فيضربه بالس ِ
يف فيقط ُع ُه ً َّحل-يعني كجماعة النحلُ ،-ث ّم َ َي ِ
عاسيب الن ِ ك َي
ُ ُ َّ ً
وجزْ ل ًة يف جهة أخرى ،وتكون المسافة بينهما مسافة قِطعتَينِ ،ش ّقينَ -رميةَال َغ ِ
رض))؛ أي أنه يجعل َجزْ ل ًة يف جهة َ
شق بعيد فيَدعوه فيأيت ُيقبِل َيته َّلل وجهه باهلل من الفتنة ،يقطعه نصفين ويجعل َّ
كل نصف يف ٍّ
ِ
البيضاء)) ،وسنتكلم عن هذا -،فينزل عندَ المنارةِ
ُ مريم ڠ ابن ك،فبينَما ُهوكذلِ َ
ك،إذ َ ضح ُ
َ َ اهلل عيسى َ
بعث ُ « َو َي َ
إن شاء اهلل عز وجل -عند كالمنا على نزول عيسى ڠ.
أيضا -عند مسلم عن أبي سعيد الخدري ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
وجاء يف فتنته ً -
ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
الرجال الذين ينَ ،فتَ ْلقا ُه َ
المسال ُحَ ،مسال ُح الدَّ َّجال))؛ المسالح :هم ِّ « َيخْ ُر ُج الدَّ َّج ُال َفيَت ََو َّج ُه قبَ َل ُه َر ُج ٌل م َن ُ
الم ْؤمن َ
ي ِ
حملون السالح ،ير ِّتبون الناس للدجال ،و َيجمعون الناس للدجال ،رجال الدجال -والعياذ باهلل(( ،-فيَقولو َن َ
25
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وال بسكين وال بآلة قاطعة وإنَّما بالمنشار ،وأنتم تعلمون حال المنشارمن أعلى رأسه حتى يخرج المنشار من
يقول له: يقول لهُ :ق ْمَ ،ف َي ْستَ ِوي قائِ ًم َ
ا،قالُ :ث ّم َ ُ ُ بين رجليهَ (( ،ق َالََُ :ثم َيم ِشي الدَّ ج ُال بين ِ
القطْ َعتَ ْين ِ ُث َّم َْ َّ ّ َْ
الي ْف َع ُل َب ْع ِدي بأَ َح ٍد))؛
َّاس إنَّه َ
ياأيهاالن ُ يك َّإال َب ِص َير ًة -ال إله إال اهلل!َ -
قالُ :ث َّم ُ
يقولُّ : ت فِ َ أت ُْؤ ِمنُبي؟ف َي ُ
قول :ماا ْز َد ْد ُ
يعني يقول :أيها الناس ال تخافوا منه؛ فإن اهلل لن يم ِّكنه من أحد بعدي أن َيف َعل به هذاٌ ،
أمر عظيم يا إخوة! فتنة
عظيمة! ُي َ
نشر بالمنشار ،هذا العذاب األليم ،حتى ُيفرق فلقتين ،ثم يمشي الدجال بينهما ،ثم يأمره أن يقوم فيقوم
حيَّا! ال إله إال اهلل! ولكنه اإليمان ،ثبّتَه اهلل عز وجل ،لكنه ُيطمئِن َمن بعده من الناس :ال تخافوا فإنه ال يتم َّكن
قالَ :فيَأْخُ ُذ ُه الدَّ َّج ُال لِيَ ْذبَ َح ُه -يريد اآلن أن يذبحه-فيُ ْج َع َل ما بيْن َ َر َقبَتِ ِه إلى ت َْر ُق َوتِ ِه
مِن فِ ْعل هذاَ (( ،
وغدً ا -إن شاء اهلل -سنذكر بعض فتنته لألعراب ،فإنه يفتن األعراب ،وسنذكر -إن شاء اهلل -كيف َيفتن
األعراب.
وسنذكر -إن شاء اهلل -األحاديث المبينة لحاله وما يقي منه -إن شاء اهلل -يف أول درس ٍ
غد -إن شاء اهلل عز ِّ
وجل.-
26
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
أيها اإلخوة؛ نحن -بحمد ربنا -نجتمع يف هذا المكان المبارك على حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من
ونحن ال زلنا على عهدنا مع قول النبي صلى اهلل عليه وسلم عن الساعة(( :إنها لن تقوم حتى َترون عشر آيات؛
فذكر :الدخان ،والدجال ،والدابة ،وطلوع الشمس من مغربها ،ونزول عيسى بن مريم عليه السالم ،ويأجوج
ومأجوج ،وخسوفات ثالث :خسف بالمغرب ،وخسف بالمشرق ،وخسف بجزيرة العرب)) ،ثم ذكر النبي
َطرد الناس إلى محشرهم». صلى اهلل عليه وسلم أ ّن ((آخر ذلك ٌ
نار تخرج من اليمن ت ُ
وكنا نتك َّلم يف المجلس الماضي عن عالمة كربى ،ذكرها النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ وهي :خروج الدجال،
ووقف بنا الكالم يف الكالم عن فتنته ،فذكرنا شيئًا من عظيم فتنته -عيا ًذا باهلل منها -ونواصل اليوم الكالم عن
هذا األمر.
ول ال ّل ِه صلى اهلل عليه وسلم ينَادِي:الصالَةَج ِ
ام َعةًَ ،فخَ َر ْج ُ
ت فعن فاطمة بنت قيس ڤ قالت" :نادى منَادِي رس ِ
َ ّ ُ َ ُ ُ
ِ ِ ِ فِي َصفّ ول ال ّل ِه صلى اهلل عليه وسلمَ ،ف ُكن ُ
ت م َع رس ِ إِلَى الْمس ِ ِ
الن َّساء الّتي تَلي ُظ ُه َ
ورالْ َق ْو ِم"؛ ْت جد َف َص ّليْ ُ َ َ ُ َ َ ْ
سمعت ذلك تحقي ًقا؛ ألهنا كانت يف ّأول ِّ
صف النساء ،فكانت قريبة من مقام ْ ومقصودها مِن ذِك ِْر هذا أن تبيِّن أهنا
َف َل ِعب َيبِ ِه ُم الْ َم ْو ُج ال ِم ْن لَخْ ٍم َو ُج َذا َم -من قبيلتين - ِ
َمع َ َثالَث َ
ين َر ُج ً ب فِي َس ِفينَة ٍبَ ْحرِ ّي ٍة ِ ِ
َحدّ َثني َأ ّن ُه َرك َ
الش َعرِ» أهلب :يعني كثيرة الشعر ،وقولهم :كثير الشعر؛ هذا تفسير ((ال ََيدْ ُرو َن َما ُق ُب ُل ُه ِم ْن
ب كَثِ ُير ّ ِ
َف َلق َيت ُْه ْم َدا ّب ٌة َأ ْه َل ُ
28
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ك م َاأن ِ
ِ ُد ُبرِ ِه ِم ْن َكثْ َرةِ ّ
بالجساسة؛ ألهنا تتجسس األخبار
َّ تَ :أنَاالْ َج ّس َ
اس ُة))؛ ُ
وسميت ْت؟ َف َقالَ ْ الش َعرَِ .ف َقالُواَ :و ْي َل َ
للدجال ،فهي تتجسس األخبار للدجال؛ أل ّن الدجال -كما سيأيت -مو َثق ،فهي َتخرج وتتجسس األخبار له؛
يت بالجساسة.
فسم ْ
ِّ
االر ُج ِل فِي الدّ ْيرِ))؛ والدَّ ْير هنا المراد به :القصر؛ أي أنه ِ
تَ :أ ّي َهاالْ َق ْو ُم!ا ْنطَل ُقواإِلَ َى َه َذ ّ
اسةُ؟ َقالَ ْ
(( َقالُواَ :و َماالْ َج ّس َ
يف قصر.
(( َفإِ ّن ُه إِلَ َى خَ بَرِك ُْم بِاألَ ْش َو ِاق))؛ ومعنى هذا أنَّه أخربها عن أنَّها ستصادف قو ًما؛ ويكون قد علم هذا ،أو أنه أمرها
االر ُج ِل فِي الدّ ْيرِ؛ َفإِ ّن ُه إِلَ َى خَ َبرِك ُْم بِاألَ ْش َو ِاقَ ،ق َال: ِ
تَ :أ ّي َهاالْ َق ْو ُم!ا ْنطَل ُقواإِلَ َى َه َذ ّ
اسةُ؟ َقالَ ْ
(( َقالُواَ :و َماالْ َج ّس َ
ال َفرِ ْقن َِامن َْها -خفناَ -أ ْن َتكُو َن َش ْيطَا َن ًة.
ت لَن ََار ُج ً لَ ّم َ
اس ّم ْ
َق َالَ :فا ْنطَ َل ْقنَا ِسراعًا حتّى دخَ ْلنَا الدّ ير؛ َفإِ َذافِ ِ
يه َأ ْعظَ ُم إِن َْس ٍ
ان َر َأ ْينَا ُه َق ّط خَ ْلقًا -كما قلنا يف المجلس الماضي: َْ َ َ َ َ
جسيم،كبيرالخلقة-و َأ َشدّ ه ِو َثاقًا ،مجموع ٌة يدَ اه إِلَى عن ُِق ِه ،مابين ر ْكبتَي ِه إِلَى َكعبي ِه بِالْح ِد ِ
يدُ ،ق ْلنَاَ :و ْي َل َ
ك ِ
َ َ َْ َ ُ َ ْ َ َْْ َ ُ َ ْ ُ َ َ ُ ُ َ
َم َاأن َ
ْت؟ َق َالَ :قدْ َقدَ ْرت ُْم َع َل َى خَ بَرِي))؛ أنا اآلن بين أيديكم مو َثق وستعرفون الخرب(( ،فأخبروين ما أنتم؟ قالوا:
ٍ
سفينة بحرية فصا َد ْفنا البحر حين اغتَ َلم ))؛ أي كانت هنالك أمواج شديدة، نحن أناس من العرب َركِبنا يف
ب كَثِ ُير ِ ِ (( َف َل ِعب بِنَا الْموج َش ْهراُ ،ثم َأر َفأْنَا إِلَى ج ِزيرتِ َ ِ ِ
ك َهذهَ ،ف َج َل ْسنَا في َأ ْق ُربِ َهاَ ،فدَ خَ ْلنَـا الْ َج ِز َيرةََ ،ف َلق َيتْنَا َدا ّبة ٌَأ ْه َل ُ َ َ َ ً ّ ْ َْ ُ َ
ك م َاأن ِ
الشعرَِ .ف ُق ْلنَا :وي َل ِِ ِ ِ ِ
تَ :أنَاالْ َج ّس َ
اس ُةُ .ق ْلنَا: ْت؟ َف َقالَ ْ َ َْ ى َما ُق ُب ُل ُه م ْن ُد ُب ِره م ْن َكثْ َرة ّ َ
الش َعرِ ،ال َُيدْ َر َ
ّ
ك ِس َراعًا.
َفإِ ّن ُه إِلَ َى خَ بَرِك ُْم بِاألَ ْش َو ِاقَ .فأَ ْقبَ ْلنَا إِلَيْ َ االر ُج ِل فِي الدّ ْيرِ. ِ
ا ْعمدُ واإِلَ َى َه َذ ّ
وماالْجساسةُ؟ َقالَ ِ
ت: ََ َ ّ َ
ا،ولَ ْم نَأْ َمنْأَ ْن َتكُون ََشيْطَا َن ًة))؛ فأخبَروه بكل ما وقع. ِ
َو َف ِز ْعنَامن َْه َ
(( َف ًق َالَ :أخْ بِ ُرونِي َع ْن نَخْ ِل بَ ْي َسا َن))؛ وبيسان قرية يف الشام فيها نخلَ (( ،ف ًق َالَ :أخْ بِ ُرونِي َع ْن نَخْ ل ِبَ ْي َسا َنُ ،ق ْلنَا:
ك َأ ْن الَ ُتثْ ِم َرَ ،ق َال: عن َأي َشأْنِ َها تَستَخْ بِر؟ َق َالَ :أسأَلُكُم عن نَخْ ِل َها ،ه ْل يثْ ِمر؟ ُق ْلنَالَهَ :نعمَ .ق َالَ :أما إِ ّنه ي ِ
وش ُ َ ُ ُ ُ َْ َ ُ ُ ْ َ ْ ْ ْ ُ َ ْ ّ
َأخْ بِرونِي عن بحيرةِ الطّبرِي ِةُ ،ق ْلنَا :عن َأي َشأْنِ َها تَستَخْ بِر؟ َق َال :ه ْل فِ َيها ماء؟ َقالُواِ :هي كَثِير ُة الم ِ
اءَ .ق َالَ :أ َما إِ ّن َ َ َ َ ٌ َ ْ ُ َ ْ ّ َ ّ َ ْ ُ َ َْ ُ
29
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
بَ .ق َالَ :أخْ بِ ُرونِي َعن ْ َع ْي ِن ُزغ ََر))؛بلدة يف الشام قليلة بالنسبة للشام ،الشام معروف كثير
ك َأ ْن َي ْذ َه َ
ماءها ي ِ
وش ُ َ ََ ُ
ي َشأْنِ َها
النبات؛ لك ّن هذه البلدة قليلة النبات ،فيها نبات ،لكنها بالنسبة للشام قليلة النباتَ ((.قالُواَ :ع ْن َأ ّ
،و َأ ْه ُل َه َايز َْر ُعو َن ِم ْن ِ ِ ِ ِ ِ
ت َْستَخْ بِر؟ َق َالَ :ه ْل في الْ َعيْن َِما ٌء؟ َو َه ْل َيز َْر ُع َأ ْه ُل َها بِ َماءالْ َعيْ ِن؟ ُق ْلنَالَ ُهَ :ن َع ْم .ه َي كَث َيرةُالْ َماء َ
ِ ِ
َمائ َهاَ .ق َالَ :أخْ بِ ُروني َعن ْ َنبِ ّي األُ ّميّ َ
ين َما َف َع َل؟))؛ هو يقصد محمدً ا صلى اهلل عليه وسلم؛ أل ّن أمة محمد صلى
ومعنى كون أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم أ َّمة أميَّة أهنا تأخذ بالظاهري ،بالعالمات الظاهرة التي يشرتك فيها
الناس ،فال تأخذ بالحساب الفلكي الذي ال َيعرفه إال المختصون ،وال تأخذ بعلوم أ َبا جاد واألرقام واستخراج
األخبار منها ،ولذلك يا إخوة! ليس هناك مناقضة بين كون أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم أم ّية وبين الحث على
العلم يف أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم؛ ألنه ليس المقصود باألم ّية بالنسبة لألمة عدم العلم ،وال عدم القراءة
َحسب وال نكتب))؛ ال ِ
نحسب حساب الفلكيين، والكتابة؛ وإنَّما المقصود كما جاء تفسيره يف الحديث(( :ال ن ِ
وال نكتب كتابة أبا جاد ،وإنَّما نأخذ بالظاهر ،فيدخل الشهر بالهالل ،فإن لم يكن فباإلكمال.
ين َما َف َع َل؟ َقالُواَ :قدْ خَ َر َج ِم ْن َم ّكة ََو َنز ََل َيثْرِ َبَ .ق َالَ :أ َقا َت َل ُه الْ َع َر ُب؟ ُق ْلنَاَ :ن َع ْمَ .ق َال: ِ
(( َق َالَ :أخْ بِ ُروني َع ْن َنبِ ّي األُ ّم ّي َ
ُ،ه ِذ ِه
((ه ِذ ِه َطيْبَةَُ ،ه ِذه ِ َطيْبَة َ
ول ال ّل ِه صلى اهلل عليه وسلم – َو َط َع َن بِ ِمخْ َص َرتِ ِه فِي الْ ِمنْبَرَِ : -
َقا َلتْﭫَ " :ق َال َر ُس ُ
َط ْي َب ُة»؛ أي ما أنتم فيه هذه المدينة هي طيبة التي لن يدخلها الدجال.
30
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
مر معنا أ ْن ذكرنا وجه هذه التسمية ،وأنَّها من ال ِّطيب الذي هو الرائحة ،أو من طِيب ال َعيش ،أو من ال ُّطهر -
وقد ّ
ْت َحدّ ْثتُك ُْم َذلِ َ
ك؟))َ ،ف َق َال الن ُ
ّاسَ :ن َع ْم". يعني المدينة ،-ثم قال النبي صلى اهلل عليه وسلمَ (( :أالَ َه ْل ُكن ُ
تميما على ما حكى ،وإقرار النبي صلى اهلل عليه وسلم ُحجة؛ أل ّن بعض
أقر ًأوال :النبي صلى اهلل عليه وسلم ّ
الناس يقول :هذا الخرب من خرب تميم ،وليس من خرب الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،فأ ً
وال نقول :النبي صلى اهلل
ّاسَ :ن َع ْم" ،إ ًذا النبي صلى اهلل عليه وسلم قبل أن يأيت تميم َذك ََر لهم هذا الكالم ،فحدَّ ثهم عنه،
الجميعَ "،قال َالن ُ
ويف هذا َر ٌّد على من َي ُر ّد هذا الحديث ،ويقول أنه ليس من كالم النبي صلى اهلل عليه وسلم.
يث ت َِمي ٍم َأ ّن ُه َوا َف َق الّ ِذي ُكنْت ُُأ َحدّ ُثك ُْم َعنْ ُه َو َع ِن الْ َم ِدين َِة َو َم ّك َةَ .أالَ إِ ّن ُه فِي
قالَ (( :فإِ ّن ُه َأ ْع َجبَنِي َح ِد ُ
الشام َِأ ْوبَ ْحرِالْيَ َم ِن))؛ يعني الدجال يف بحر الشام أو بحر اليمن.
بَ ْحرِ ّ
طيِّب؛ هنا "أو" للشك؛ يعني يمكن أن يكون يف بحر الشام ،ويمكن أن يكون يف بحر اليمن.
أو بقصد اإلهبام على السامع ،يعني أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان َيع َلم لكن َق َصدَ اإلهبام على
الشا ِم َأ ْوبَ ْحرِالْ َي َم ِن،بَ ْل ِم ْن قِبَل ِالْ َم ْشرِ ِق)) إ ًذا؛ َأ ْض َرب عن التخيير
قال صلى اهلل عليه وسلمَ (( :أالَ إِ ّن ُه فِي بَ ْحرِ ّ
31
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وم ْن قِ َبل ِالْ َم ْشرِ ِق)) ،الذين ال يفهمون أسرار العربية َي ِقفون عند هذه
قال(( :ماهو ِمن قِبل ِالْم ْشرِ ِق،ماه ِ
َ ُ َ َُ ْ َ َ
الجملة َوقف َة َحيرة؛ ألنه صلى اهلل عليه وسلم قال(( :بَل ِْم ْن قِبَل ِالْ َم ْشرِ ِق))جزَ م! ثم ماذا
وم ْن قِبَ ِل الْ َم ْشرِ ِق))؛ فيظنون أنه َأ ْثبَت ثم نفى! وليس األمر كذلك؛ بل هذه
قال؟((ماهو ِمن ْقِبل ِالْم ْشرِ ِق،ماه ِ
َ ُ َ َ َ َُ
"الميم" عند العرب زائدة لتأكيد اإلثبات ،وليست نافية ،لم ي ِ
نف النبي صلى اهلل عليه وسلم ،وإنَّما الميم هذه َ
وم ْن قِ َب ِل الْ َم ْشرِ ِق))؛ أي :هو مِن قِ َبل المشرق ،هو من قِ َبل المشرق.
ليتأكد اإلثبات ((ماهو ِمن قِب ِل الْم ْشرِ ِق،ماه ِ
َ ُ َ َُ ْ َ َ
ول ال ّل ِه صلى اهلل عليه وسلم".
ت َه َذا ِم ْن رس ِ
َ ُ " َو َأ ْو َمأَ بِ َي ِد ِه إِلَ َى الْ َم ْشرِ ِق"َ ،قا َل ْتَ " :ف َح ِفظْ ُ
وبه نعلم أ ّن اهلل أعطاه خوارق َيفتن هبا الناس ،فإنه أخرب عن أشياء تقع ،لم تقع عندما تكلموا معه لكنه أخرب أهنا
ستقع.
دجال ما ُتصدِّ ق! وهذا هو السر يف التفريق بين زيارة النساء والرجال يف زيارة القبور؛ أ ّن المرأة سريعة الفتنة؛
فقد ُتفتن بالقرب ،وقد ُتفتن عند القرب ،وقد ُتفتن برؤية القرب.
فقد تُفتن بالقبر :فتتع َّلق بالقرب و ُتع ِّلق أمورها بالقرب.
وقد تُفتن عند القبر :بأن تجد صاحب فتنة؛ فتقع سري ًعا يف حبائله.
وقد تُفتن بما يف القبر :أي أهنا يتجدَّ د حزهنا؛ فقد تعود إلى النياحة والندب ونحو ذلك؛ كما هو
32
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
؛إذا ذهبوا إلى القرب ومعهم النساء بدأ النساء يلطمن ،ويف األربعين تجد أ ّن الرجال قد يتحدثون حديثًا
معتا ًدا ،وأ ّما النساء تجد الواحدة تلطم وتشق وتحثو الرتاب ،وكذلك يف الحولية ،فالمرأة سريعة
التأثر بالفتنة.
ُأ ِّم ِه َوا ْبنَتِ ِه َو ُأ ْختِ ِه َوع ََّمتِ ِه َف ُيوثِ ُق َها َم َخا َف َة َأ ْن َت ْخ ُر َج إِ َل ْي ِه))؛ يعني حتى أ ّن الرجل يرجع إلى بيته ف َيربط زوجته ربا ًطا
وثي ًقا ،ويربط أمه ربا ًطا وثي ًقا ،ويربط أخواته ربا ًطا وثي ًقا ،ويربط عمته ،وخالته ..وهكذا سائر نسائه؛ لماذا؟
مخافة أن َيخرجن إليه .رواه اإلمام أحمد يف المسند ،وصححه الشيخ أحمد شاكر.
بعثت
ُ أيضا؛ فقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم(( :إ ّن من فتنته أن يقول لألعرابي :أرأيت إن
ويفتن األعراب ً
َ
بعثت لك أباك وأمك من القرب؛ أتشهد أين ربك؟
ُ أرأيت لو
َ َ
لك أباك وأمك أتشهد أين ربك؟)) ،يقول له:
أخرجت أبي من القرب أشهد لك هبذا ،قال النبي صلى اهلل عليه وسلم(( :فيتمثَّل له شيطانان
َ ((فيقول :نعم)) ،إن
يف صورة أبيه وأمه فيقوالن :يا بني ا ْت َبعه فإنَّه ربك)) ،رواه ابن ماجه وصححه األلباين ،فالدجال معه أعوان من
ويتبعه اليهود؛ أل ّن اليهود ع ّباد المال ،وهو صاحب أموال تتبعه الكنوز؛ كالنحل -كما تقدَّ م معنا ،-فعند
مسلم عن أنس بن مالك ﭬ أ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :يتْبَع الدجال من يهود أصبهان سبعون
33
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
والثبات على اإلسالم -كما قدمنا ساب ًقا -يكون :بالعلم ،والعمل ،وبسؤال اهلل -من قبل ومن بعد -التثبيت،
وهذه قضية مهمة ينبغي أن يراعيها العبد؛ أن يكون باطنه مطاب ًقا لظاهره ،فإ ّن هذا معنى الثبات .ولذلك جاء يف
سوء الخاتمة(( :وإ ّن الرجل ل َيعمل بعمل أهل الجنة -فيما يظهر للناس -حتى إذا لم َ
يبق بينه وبينها إال ذراع؛
الحظوا يا إخوة!((فيما يظهر للناس))؛ فالباطن ال يوافق الظاهر ،فمن الثبات على الدين :أن يحرص المسلم
▪ العلم.
▪ العمل.
ودليل هذا األمر أنه يقي من الفتنة :النبي صلى اهلل عليه وسلم عندما ذكر فتنة الدجال ماذا قال؟ قالُ (( :أيها
34
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال(( :من قرأ العشر األواخر من سورة الكهف ع ِ
ُص َم من فتنة
قال بعض أهل العلم :معنى هذا :أن يجمع بينها؛ فيحفظ العشر األُ َول ويحفظ العشر األُ َخر.
اهلل ،-و َمن َح ِف َظ العشر األُ َخر تح َّقق له الوعد إن شاء اهلل .وهذا ٌ
قول َو ِجيه.
فعن أنس بن مالك ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :لَ ْي َس ِم ْن َب َل ٍد إِ َّال َس َي َ
ط ُؤ ُه الدَّ َّج ُال،
ص المدينة؛ ألنه ثبت أ ّن اإليمان ِ ِ
يأرز إليها يف آخر الزمان ،وأ ّن فيها خيار خلق اهلل، إِ َّال َمكَّة ََوالْ َمدينَ َة)) ،لكن ُت َخ ُّ
مع ما تقدَّ م ،ال يكفي اللجوء إلى المدينة مع الفساد ،الذي يف المدينة وال يصلي ال خير له يف البقاء يف المدينة،
بل ال يجوز -على ما نختاره -أن يبقى يف المدينة ،أعني الحرم ،وإن كانت المدينة اآلن أوسع من الحرم.
والمبتدع ليس من أهل الحق يف المدينة؛ أل ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال(( :من َأحدَ ث فيها َحدَ ًثا أو آوى
فيها ِ
محد ًثا؛ فعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين ،ال يقبل اهلل منه صر ًفا وال عد ً
ال)).
أيضا عن أنس بن مالك قال :قال النبي صلى اهلل عليه وسلم(( :يجيء الدجال ،حتى
ويدل على ذلك ما جاء ً
وهذا أصل يف الفتن يا إخوة قررناه ساب ًقا؛ وهو :أ ّن السالمة من الفتنة يكون بالبعد عنها ،وأ ّن اإلنسان كلما
معر ًضا ألن تحرقه نارها ولو َظ ّن أنه بعيد ،بعض الناس يظن أنه بعيد عن الفتنة ،ليس من
اقرتب من الفتنة كان َّ
35
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أهلها ،فيتساهل ،فيسمع ألهل الفتنة؛ فيقع يف الفتنة .بعض الناس يظن أنه بعيد عن الفتنة بعلمه؛ فال يحذر؛ فيقع
يف الفتنة.
المستبين؛ الذي تظهر له الفتنة فيكون بعيدا عنها ،تظهر له يف إقبالها وليس يف إدبارها؛ ألنَّها
منهم ُ
يف إدبارها تظهر لكثير من الناس ،أ ّما يف إقبالها فإنَّما تظهر ألهل البصيرة ،فهذا المستبين يبتعد عن الفتنة بعدً ا
كامال.
ً
خير من
وأ ّما غيره فيقرتب منها؛ فيكون ُعرضة ألن يقع فيها ،ولذلك جاء يف الحديث« :النائم فيها ٌ
خير من القائم ،والقائم
خير من القاعد ،والقاعد ٌ
اليقظان -ويف رواية(( :خير من المضطجع)) -والمضطجع ٌ
خير من الساعي)).
خير من الماشي ،والماشي ٌ
ٌ
وسبق أن ذكرنا -يا إخوة -أ ّن النائم ال يدري عن الفتنة؛ لكنها يف قلبه ،يف قلبه بواعث الفتنة ،لم يسلم القلب،
فهذا نائم.
والنائم خير من المضطجع ،والمضطجع :هو الذي يف قلبه شيء من أثر الفتنة ،ولكنه مضطجع فيسمع ،تصله
مرارا :الفتنة ُسميت فتنة ألهنا تتزين عند إقبالها ،فهي مثل الشيطان ُيقبِل متزينًا و ُيدبر متربئًا ،إذا جاء
وكما قلنا ً
لإلنسان ليغويه أقبل إليه متزينًا إليه ومز ِّينًا له؛ فإذا وقع أدبر ،وقد ُيندِّ م اإلنسان ال مِن أجل أن يتوب ،ولكن من
خير من الماشي ،سبق قلنا أ ّن الماشي هو الذي يمشي إلى الفتنة مرتد ًدا،
فالشاهد؛ أ ّن القائم أقرب ،والقائم ٌ
وبعض أهل العلم يقول :الماشي إلى الفتنة المقصود به َمن يمشي يف الفتنة لغير الفتنة؛ تجارة ،يبيع أشرطة ،هو
36
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ليس من أهل الفتنة ،لكن األشرطة تمشي ،تأيت بأرباح؛ فيمشي فيها لهذا األمر؛ فيكون ُعرضة للوقوع ،والماشي
حذر من ِّ
كل هذه األقسام إال المقصود -أيها اإلخوة -أ ّن العلماء قالوا :أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم ُي ِّ
فيها.
ففتنة الدجال مما يقي منها -بإذن اهلل :-أن يبتعد اإلنسان عنها؛ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمَ (( :من َس ِم َع
سبب للسالمة ،لكنها ليست استعاذة الكذابِين؛ الذي يقول أعوذ باهلل من الفتنة
ٌ االستعاذة الصادقة من الفتن
ويغمس نفسه فيها؛ بعض الناس من جهله قد يقول :أعوذ باهلل من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ وهو ي ِ
غمس نفسه َ
الكذابِين.
الكذابِين ،وكاستغفار َّ
الكذابين ،هي كتوبة َّ
غمسا؛ هذا ال تنفعه االستعاذة؛ هذه استعاذة َّ
يف الفتنة ً
مثال ،-فتقول له :يا أخي ،اتق اهلل هذا ي ِ
غضب اهلل ،فيقول :أستغفر اهلل؛ مص السيجارة ً -
تجد بعض الناس َي ُّ
ُ
فيمص الثانية! هذا مثال لِما يذكره شيخ اإلسالم ابن القيم $من أهنا توبة َّ
الكذابِين.
فاستعاذة الك َّذابين ال تنفع ،وإنما الذي ينفع -بفضل اهلل -االستعاذة الصادقة؛ أن يعلم اهلل منك أنك ُت ِ
بغض
االستعاذة.
37
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وهذا أصل –يا إخوة -يف الدعاء ،البد أن يكون الدعاء من القلب صاد ًقا ،أ ّما إذا لم يكن من القلب؛ فهذا ليس
بنافع ،دعاء اللسان ال ينفع ،الذي يأيت يقول :اللهم اهدنا ،اللهم اهدانا ،اللهم اهدنا ،ولم يستشعر يف قلبه هذا
جرب؛ ما ينفعه.
السؤال العظيم؛ ما ينفعه ،والبد أن يكون الدعاء عن تحقيق ،يقين ،أ ّما الذي يدعو ُي ِّ
ستجب لي!
دعوت لم ُي َ
ُ دعوت
ُ ولذلك؛ الداعي الصادق يصرب ،ال يعجلَ ،يستمر ،ال يقول:
قال النبي صلى اهلل عليه وسلم(( :إذا تشهد أحدكم فلي ِ
ستعذ باهلل من أربع؛ يقول :اللهم إين أعوذ بك من عذاب َ ّ
جهنم ،ومن عذاب القرب ،ومن فتنة المحيا والممات ،ومن فتنة المسيح الدجال)) رواه مسلم .وكان النبي صلى
38
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
39
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وأ ّما العالمة الثالثة التي ذكرها النبي صلى اهلل عليه وسلم فهي :الدابة ،وما أدراك ما الدابة؟
الدابة المذكورة يف هذا الحديث؛ هي الدابة المذكورة يف قول اهلل عز وجلَ ﴿ :وإِ َذا َو َق َع الْ َق ْو ُل َع َل ْي ِه ْم َأخْ َر ْجنَا
قال ابن كثير " :$هذه الدابة تخرج يف آخر الزمان ،عند فساد الناس ،وتركهم أوامر اهلل ،وتبديلهم الدين الحق،
﴿ َو َق َع ﴾:بمعنى َو َج َ
ب.
و﴿الْ َق ْو ُل﴾:
قال بعض أهل العلم":إذا تركوا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؛ هذا قاله ابن مسعود ﭬ.
وجاء ما يؤ ِّيده يف حديث (( :أنه يكون يف آخر الزمان َأ ْمثَ ُل الناس َمن إذا رأى الرجل َوقع على امرأة يف الطريق
يقول :لو واراها خلف الحائط ،ال ينكر هذا المنكر العظيم؛ لكن فقط أنَّها يف الشارع! والعياذ باهلل ،فإذ ذاك
يستحقون الغضب.
40
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الخير.
ضحى ،يف وقت الضحى؛ كما ثبت يف حديث البخاري ،عن عبد اهلل بن عمرو ﭭ.
ً والدابة َتخرج
وأخرج اإلمام أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال(( :تخرج الدابة فت َِس ُم على خراطيمهم -
ِ
أي َتسم الكفار على خراطيمهم-ثم ُي َّ
عمرون فيكم -يعني ال يموتون مباشرة -حتى يشتري الرجل الدابة فيُقال:
ممن اشتريتها؟ فيقول :من الرجل المخَّ طم)) ُتصبح عالمة؛ حتى يشرتي الرجل الدابة فيقال له :اشرتيتها ممن؟
َّ
يقول :من الرجل المخ َّطم .هذا الحديث رواه اإلمام أحمد ،وصححه األلباين.
وروى ابن ماجه والرتمذي واإلمام أحمد عن أبي هريرة أ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :تخرج الدابة
ومعها خاتم سليمان ،وعصا موسى بن عمران ڽ ،فتَجلو وجه المؤمن بالعصا ،وتَخطِم أنف الكافر بالخاتم،
ِ
حتى أ ّن اهل الخُ وان لَيَجتَمعون ،فيقول هذا :يا مؤمن ،ويقول هذا :يا كافر))ّ ،
صححه الشيخ أحمد شاكر،
((يجتمعون)) يعني على الطعام ،وهذا مخطوم وهذا مج ّلى ،فيقول المخطوم للمجلى :يا مؤمن ،ويقول ذاك
فقد روى ابن ماجه عن بريدة قال :ذهب بي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى موض ٍع بالبادية ،قريب من
أرض يابسة حولها رمل ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :تخرج الدابة من هذا الموضع»،
مكة ،فإذا ٌ
41
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
إ ًذا على هذا؛ أهنا تخرج من مكان بقرب مكة .قال اإلمام البخاري" :فيه نظر"-يعني الحديث ،-وقال
كج ْر ِي ال َف َر ِ
س ثالثة أيام وما وروى ابن جرير عن ابن عمر ﭭ قال" :تخرج الدابة من َصدْ ٍع يف الصفاَ ،
خرج ثلثها".
قال" :وما خرج ثلثها" :وعلى هذا فهي عظيمة جدً ا؛ لك ّن األثر ضعيف.
ض ُت َك ِّل ُم ُه ْم﴾؛ قال" :للدابة ثالثة أيضا -عن حذيفة يف قولهَ ﴿ :أخْ َر ْجنَا لَ ُه ْم َدا َّب ًة ِّم َن ْ َ
األ ْر ِ وروى ابن جرير ً -
ٍ
وخرجة يف بعض القرى حين ُيهرِيق األمراء الدماء؛ ثم تكمن، خَ َرجات :خَ ْر َج ٍة يف بعض البوادي؛ ثم َتك ُْمن،
أيضا ضعيف.
الدري ،ثم تنطلق ،فال يدركها طالب ،وال ينجو منها هارب" ،وهذا ً
ّ وجوههم مثل الكوكب
ْب من الحاج"؛ يعني خلف أيضا -عن عبد اهلل بن عمرو ﭭ" :أنها تخرج يف َع ِق ِ
ب َرك ٍ ورى ابن جرير ً -
ور ِو َي مرفوعًا(( :تخرج الدابة من أجياد)) أجياد تعرفونه؛ مكان يف مكة «تخرج الدابة من أجياد ،فيبلغ صدرها
ُ
ولما يخرج ذنبها بَ ْعد ،وهي دابة ذات وبر وقوائم» قال األلباين :ضعيف.
الركن اليماينّّ ،
عتمد عليه ،وما ُيذكَر من تحديد مكان خروجها يف كتب التفسير أو يف كتب إ ًذا؛ لم يصح يف تحديد مكاهنا ٌ
أثر ُي َ
شروح األحاديث ال ُيركَن إليه.
وأوردت ما
ُ نحن نؤمن أهنا ستَخرج ،وأ ّما مكان خروجها فلم ُيخبِرنا اهلل عز وجل به ،فنَكِ ُل ذلك األمر إلى اهلل.
42
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
إذا كان ذلك كذلك؛ فما عمل الدابة؟ ما الذي تعمله الدابة؟
وقرأ أبو زرعة بن عمروَ " :ت ْك َل ُمهم" أي َت ِس ُمهم و ُت َع ِّل ُمهم؛ تضع عليهم عالمة.
قال ابن كثير" :وهو قول حسن ،وال منافاة" ،ما دام أهنا قراءتان ،ويمكن العمل بالمعن َيين؛ فال منافاة ،فهي
وأيضا َت ِس ُمهم.
تك ِّلمهم وتخاطبهم ً
َّاس كَانُوا بِ َآياتِنَا َال ُيوقِنُو َن﴾؛ ومن آيات اهلل :خروج الدابة؛ أهنم
قال بعض العلماء :تقول لهمَ ﴿ :أ َّن الن َ
وهبذا -يا إخوة :-بيان خطورة َر ِّد األحاديث التي جاءت يف عالمات الساعة.
وقال بعض أهل العلم :تكلمهم ببطالن األديان سوى اإلسالم؛ فتقولُّ :
كل دين باطل سوى اإلسالم.
وقال بعض أهل العلم :تك ِّلمهم بما َيسوؤهم؛ ومعنى هذا أهنا تك ِّلم الكفار؛ تك ِّلمهم بما يسوؤهم.
43
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
▪ قيل :لها أربع قوائم ،وزغب وريش وجناحان -وهذا غريب ،-وليس هذا يف العادة.
▪ وقيل :لها ريش وزغب وحافر وما لها ذنب؛ بل لها لحية.
▪ قيل- :وهذا من أعجب ما قيل ،-ذكره ابن جريج عن أبي الزبير :-إ ّن رأسها رأس ثور ،وعينها
عين خنزير ،وأذهنا أذن فيل ،وقرهنا قرن َأ ِّيل،وعنقها عنق نعامة ،وصدرها صدر أسد ،ولوهنا لون
أمر غيبي ال يجوز القول فيه إال بنقل ،ولم يثبت يف ذلك ٌ
نقل. مسألة وصف الدابة ،فإنه ٌ
خالصة الباب :أنَّا نؤمن بالدابة ،وأهنا ستخرج ،وأهنا تك ِّلم الناس ،وأهنا َت ِسم الناس ،وأهنا قريبة من طلوع
44
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الشمس من مغربها
45 طلوع
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
يمانِ َها َخيْ ًرا ُق ِل انتَظِ ُرو ْا إِنَّا ُمنتَظِ ُرو َن)[األنعام ،]1٥٨ :قال ابن جرير " :$يقول -تعالى ِ
َقبْ ُل َأ ْو ك ََسبَ ْت في إِ َ
ذكره :-يوم يأيت بعض آيات ربك ؛ ال ينفع من كان قبل ذلك مشركًا باهلل أن يؤمن بعد مجيء تلك اآلية".
oوقيل إ ّن تلك اآلية التي أخرب اهلل -عز وجل -عنها :هي طلوع الشمس من مغرهبا؛ وعليه
األكثر من العلماء.
أ ّما الدابة وطلوع الشمس من مغرهبا؛ فاألمر فيها قريب؛ ألهنما قريبتان جدً ا ،لك ّن الدجال مشكِل؛ أل ّن الدجال
خرجت
ْ َيخرج قبل َغ ْلق باب التوبة و ُيسلِم بعض الناس ،وقد ورد يف حديث صحيح أ ّن هذه اآليات الثالث إذا
لم ينفع اإليمان ،لك ّن الدجال ُذكر يف بعض الروايات ،و ُذكر يف الروايات األخرى الدخان ،ولذلك بعض أهل
العلم يقول( :إن ذكر الدجال يف هذا الحديث -وإن كان صحيح اإلسناد -ال يثبت؛ من جهة أنه تارة ُيذكَر
الدجال وتارة ُيذكَر الدخان ،والدخان من حيث المعنى أقرب يف إغالق باب التوبة).
.2وقيل -قول ثالث :-وهي أ ّن هذه اآلية المذكورة هي ُأولى اآليات الكربى؛ ّ
فأول آية من اآليات الكربى
لكن ابن جرير $قال" :وأولى األقوال بالصواب يف ذلك :ما تظاهرت به األخبار عن رسول اهلل صلى اهلل
46
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
روى البخاري ومسلم يف تفسير هذه اآلية ،عن أبي هريرة ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم((:ال
وروى البخاري عن أبي ذر ﭬ قال" :قال النبي صلى اهلل عليه وسلم لي حين غربت الشمس(( :تدري أين
تحت العرش ،فتستأذن فيؤ َذن لها ،ويوشك أن تسجد فال ُيقبَل منها ،وتستأذن فال يؤذن لها ،يقال لها :ارجعي
من حيث ِ
س ََتْ ِري لِ ُم ْستَ َق ٍّر ََلَا ذَلِ َ
ك تَ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز جئت؛ فتطلع من مغرهبا؛ فذلك قول اهلل -عز وجلَ :-و َّ
الش ْم ُ
ال َْعلِي ِمﱠ ))وهذا عند البخاري يف الصحيح.
وروى مسلم عن أبي ذر ﭬ أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال يو ًما(( :أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟))هذا
خطاب للصحابة ويتبعهم المؤمنون؛ ((أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟)) قالوا :اهلل ورسوله أعلم ،قال(( :إ ّن
هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرشِ ،
فتخ َّر ساجدة ،فال تزال كذلك حتى يقال لها :ارجعي حيث
َيستنكر الناس منها شيئًا ،حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها :ارتفعي ،أصبحي طالع ًة من
مغربك ،فتصبح طالعة من مغربه))فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين ال ينفع
47
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ويف صحيح مسلم عن أبي هريرة -رفعه(( :-من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغرهبا؛ تاب اهلل عليه)) ،وهذا
وألبي داود والنسائي من حديث معاوية -رفعه(( :-ال تزال ُتقبَل التوبة حتى تطلع الشمس من مغرهبا)) ،قال
المغرب ُأغلق باب التوبة ولم ُيفتَح بعد ذلك ،وأ ّن ذلك ال يختص بيوم الطلوع بل يمتد إلى يوم القيامة" .فإذا
وروى اإلمام أحمد أ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :إ ّن الهجرة َخصلتان))-واسمعوا يا إخوة -قال:
هجر السيئات))هذه هجرة ((واألخرىِ :
هتاجر إلى اهلل ورسوله ،وال تنقطع ما ُتق ِّبلت ((إ ّن الهجرة َخصلتانَ :ت ُ
التوبة ،وال تزال التوبة ُتقبَل حتى تطلع الشمس من مغرهبا)) ،قال ابن كثير " :هذا الحديث حسن اإلسناد ،ولم
قال العلماء :لماذا يغلق باب التوبة عند طلوع الشمس من مغرهبا؟
قالوا " :ألنه إذا طلعت الشمس من مغرهبا انقطعت اآلمال ،وماتت الشهوات ،وسقطت الرغبات ،فأصبح األمر
كأن العلماء يقولون :معاينة الممات تكون بأحد أمرين :خاصة وعامة.
.1أما الخاصة :فهي بغرغرة اإلنسان؛ أل ّن اإلنسان ال يزال يرجو الحياة ما لم يغرغر؛ فإذا غرغر عَلِ َم أ ّن
.2والعام :إذا طلعت الشمس من المغرب ،فإذا طلعت الشمس من المغرب عَلِ َم اإلنسان أنه لم َ
يبق يف
48
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وهي كما قلنا :تخرج قري ًبا من خروج الدابة ،كما روى مسلم عن عبد اهلل بن عمرو ﭭ قال :سمعت من
ضحى ،فأيتهما كانت قبل صاحبتها؛ فاألخرى على إثرها))يعني هما متقاربتان .وطب ًعا -أنا أذكِّر اإلخوة -أنّا
شرحنا األَولوية فيما مضى من الدروس وبيّنا الرتتيب بالنسبة لكلمة «األولى».
قال العلماء :الحكمة يف اقرتان طلوع الشمس من المغرب وظهور الدابة :أ ّن الشمس إذا طلعت من المغرب لم
ِ
نسدّ الباب ،فتأيت الدابة لتُع ِّلم الناس؛ هذا مؤمن وهذا كافر؛ َ
فناسب اقرتاهنما. باب لإليمان وال للتوبة؛ ُا ُ
يبق ٌ
َ
طلوع الشمس ينسدُّ به باب التوبة؛ فتأيت الدابة فتُع ِّلم الناس بحسب أحوالهم؛ َت ِس ُم الناس بحسب أحوالهم.
49
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
الدرس العشرون
باب في اآليات التي تكون قبل الساعة:
نزول عيس ى بن مريمڠ
50
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ونحن بحمد اهلل نقرأ من صحيح اإلمام مسلم -رحمه اهلل عز وجل رحم ًة واسعة وأعلى درجته يف الجنة ،ورحم
سائر علماء المسلمين -من كتاب الفتن من هذا الصحيح .وكنا يف المجلس السابق نتكلم عن الحديث الذي
أورده اإلمام مسلم يف بيان أشراط الساعة ،حيث أخرب النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أنه لن تقوم الساعة حتى
نرى عشر آيات؛ فذكر منها :الدخان ،والدجال ،والدابة ،وطلوع الشمس من مغرهبا ،وخروج يأجوج ومأجوج،
ٍ
خسوفات :خسف بالمغرب ،وخسف بالمشرق، ونزول عيسى بن مريم -صلى اهلل عليه وسلم ،-وثالث
مغرهبا.
واليوم-إن شاء اهلل عز وجل -نتكلم عن نزول عيسى بن مريم ڠ ،وعن يأجوج ومأجوج ،وعن الخسوفات.
ثم يف الغد-إن شاء اهلل عز وجل -نختم دروسنا يف هذا المكان بالكالم عن آخر اآليات؛ وهي النار ،ثم نختم
ٍ
مسلم ومسلمة؛ تتعلق بأسباب الوقوع يف الفتن ،وأسباب السالمة منها ،وسنذكر الضوابط من بضوابط ُت ِه ُّم كل
أما نزول عيسى بن مريم فقد تواترت األخبار عن رسول اهلل-صلى اهلل عليه وسلم -أ ّن عيسى بن مريم ڠ
ينزل يف آخر الزمانِ ،
فمن األمور القطع َّية يف ديننا أ ّن عيسى بن مريم ڠ سينزل يف آخر الزمان ،وأنه َيقتل
الدجال ،وأنه يموت ،وأنه ُيصلي عليه المسلمون و ُيد َفن ،وهذه َم َ
كرم ٌة لعيسى ڠ اخت َّ
ُص هبا من دون سائر
أ ّما إسمه ڠ :فاسمه المسيح عيسى بن مريم ،قال اهلل عز وجل ﴿ :إ ْذ قَالَت ال َْم ََلئ َكةُ ََي َم ْرَيُ إِ َّن ََّ َُ ُ
اَّلل ي ب ِشر ِك بِ َكلِمةٍّ ِ ِ
َ
ِ ِ ِ اْسُه الْم ِس ِ ِ
ي﴾ [آل عمران.]4٥ : يسى ابْ ُن َم ْرَيَ َو ِج ً
يها ِِف الدُّنْ يَا َو ْاْلخ َرة َوم َن ال ُْم َق َّربِ َ يح ع َ
منْهُ ْ ُ َ ُ
والمسيح لقبٌّ لعيسى ڠ ،فاسمه :عيسى ،ولقبه :المسيح .والمسيح :معناه الصدِّيق ،فهو -ڠ صدِّ يق.
51
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
▪ فقيل :إنه ُأخذ من مسح األرض؛ ألنه يمسح األرض :أي ال يستقر يف مكان .وقال بعض أهل
مفص ٌل يف التفسير".
العلم ":إنه اليستقر يف مكان ألنه ابتُلي ببني إسرائيل ،كما هو ّ
ٍ
مريض إال ٍ
مريض إال ُشفي بإذن اهلل ،فكان ال يمسح على مي بالمسيح؛ ألنه كان ال يمسح على
▪ وقيلُ :س َ
بَ ِرئ.
▪ وقيلُ :سمي المسيح؛ ألن الجمال َم َسحه وأصابه ،فهو جميل ڠ .والزالت الناس تقول هذا؛ فتقول
مي بالمسيح؛ ألنه ُم ِسح من الذنوب ،أي ُط ِّهر من الذنوب .ولذلك يا إخوة؛ يف حديث
▪ وقيل :إنما ُس َ
الشفاعة يف بيان المقام المحمود لحبيبنا ونبينا محمد -صلى اهلل عليه وسلم -عندما يعتذر األنبياء عن
الشفاعةٌّ ،
كل يذكر ذنبًا يراه؛ إال عيسى ڠ؛ فإنه ال يذكر ذنبًا ،لكنه يعتذر عن الشفاعة؛ ألهنا لنبينا -
صلى اهلل عليه وسلم ،-فقال بعض أهل العلم :هو مسيح؛ أي أنه مط َّهر من الذنوب.
▪ وقال بعض أهل العلم :هو مسيح ألنه ُخلِق َخل ًقا حسنًا ڠ.
وصفة عيسى ڠ وردت هبا األحاديث ،واإليمان بصفة عيسى ڠ من اإليمان باألنبياء ،فإ ّن اإليمان باألنبياء
ً
رسوال؛ يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن الشرك. كل ٍ
أمة المجمل :فنؤمن أ ّن اهلل -عزوجل -بعث إلى ِّ أ ّما
َ
فهذا إيما ٌن َ
مجمل باألنبياء.
52
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وعيسى ڠ جاء وصفه يف األحاديث الصحيحة؛ ففي مسلم جاء أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال:
رجل آدم ،كأحسن ما ترى من ُأ ْدم الرجالَ ،ت ْض ِر ُب ل ِ َّمتُه بين َمنْكبيه،
((وأراين الليلة يف المنام عند الكعبة ،فإذا ٌ
وروى البخاري عن ابن عمر ﭭ قال" :ال واهلل ،ما قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم -لعيسى أحمر؛ ولكن
الشعرَ ،يتهادى بين َر ُج َلينَ ،ين ُطف رأسه ما ًء))أو نائم أطوف بالكعبة ،فإذا َر ٌ
جل آدمَ ،س ْب ُط َّ قال(( :بينما أنا ٌ
(( ُي َه َر ُاق رأسه ما ًء)).
وروى اإلمام مالك $يف الموطأ بالسند الذهبي؛ عن نافع ،عن ابن عمر ﭭ أ ّن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
أنت ٍ
راء من ال ِّل َمم ،قد أنت ٍ
راء من آدم الرجال ،له ل ِ َّم ٌة كأحسن ما َ رجال آدم كأحسن ما َ
رأيت ً
وسلم -قالُ (( :
فعيسى ڠ رجل آدم ،وما المقصود باآلدم؟ اآلدم :هو األسمر ،الذي فيه سمرة .واألُ ْد َمة -كما قال العلماء:-
سرحه.
و ُي ِّ
وهو َر ِج ُل َّ
الشعر :أي أنه مسرتسل َّ
الشعر ،فشعره مسرتسل وليس مج َّعدً ا.
ظاهرا. ٍ
صاف ُيرى ٍ
صاف ،فعرقه قال بعض أهل العلم :أنه صاحب عرق .1
ً
53
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقال بعض أهل العلم :المراد بيان جماله ونضرته ،فهو ن َِض ٌر ،كأنه َيقطر ماء من شدة نضارته ڠ. .2
وروى مجاهد عن ابن عمر -مرفوعا -يف صفة المسيح ڠ« :أنه أحمر َج ِعد».
طيِّب؛ إذن يف هذا الحديث َو َص َفه بأنه أحمرَ ،من الراوي؟ ابن عمر ،ويف الحديث اآلخر -الذي ّ
مر معنا قبل
أيضا يف البخاري" :-ال واهلل ،ما قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف عيسى
قليل -قال ابن عمر -وهذا ً
جمع بين نفي ابن عمر وإثبات أنه أحمر؛ بأ ّن ابن عمر حكى ما يعلم ،وغيره حكى ما
قال بعض أهل العلمُ :ي َ
مر معنا يف صفة الدجال ،أعاذنا اهلل من فتنته :-هو الذي ال يسرتسل
والج ْعد -كما ّ
طيب؛ قال" :أحمر َج ْعد"؛ َ
مر معنا قبل قليل أ ّن عيسى ڠ " َر ِج ُل الشعر" أي مسرتسل ،وهنا َج ْعد ،فاستشكل بعض العلماء ذلك!
ط ِّيب؛ ّ
وال إشكال؛ أل ّن جعدً ا هنا لم ُت َضف إلى َّ
الشعر؛ وإنما قيل" :جعد" والجعودة قد تكون يف الشعر وقد تكون يف
الجسم ،وهي هنا يف الجسم؛ بدليل األحاديث األخرى ،أي أنه ممتلئ الجسم ،ڠ ،والعرب تقول لممتلئ
54
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ويف حديث عبد الرحمن بن آدم ،عن أبي هريرة ﭬ أ ّن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال((:إ ّن روح اهلل
عيسى بن مريم نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه؛ رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ،عليه ثوبان ُم َم َّصران ،كأ ّن
الوجنة
الحسن والجمال؛ أن تكون َ وبعض أهل العلم قال :إ ّن لونه فيه سمرة و َت َ
حم ُّر وجنتاه ،وهذا من صفات ُ
حم َّرة.
ُم َ
الح ْمرة هو للوجنة ،ولونه هو لون األُ ْد َمة؛ فهو آدم من الرجال.
ف ُ فقال بعض أهل العلمَ :و ْص ُ
ممصران -قال أهل اللغة -أي :فيهما ُصفرة خفيفة ،فثيابه صفراء صفرة خفيفة.
مصران))؛ َّ
قال(( :عليه ثوبان ُم َّ
((كأن رأسه يقطر ،وإن لم يصبه بلل))؛ هذا من شدة الجمالُ ،يخيَّل لمن ينظر إليه ڠ أ ّن رأسه يقطر؛ وليس
ويف حديث النواس بن سمعان ،الذي يف مسلم ،قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم(( :-فينزل عند المنارة البيضاء
((واض ًعا كفيه على أجنحة م َلكين ،إذا طأطأ رأسه ق َطر))قطر ڠ من العرق ((وإذا رفعه َتحدَّر منه مثل جمان
ٍ
صاف كجمان اللؤلؤ. اللؤلؤ))؛ أي من عرقه ،عرقه
ولمسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم(( :-ليلة ُأسري بي ُ
لقيت موسى ڠ ،فنَ َعتُّه،
مضطرب َر ِجل الرأس ،كأنه من رجال شنوءة ،قال :ولقيت عيسى ،فنَ َعتَه النبي صلى اهلل
ٌ فإذا رجل ،أحسبه قال:
ولده به)).
55
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
متوسط ،معتدل.
ِّ
تحمر وجنتاه .المعلوم أ ّن الحمام: ِ
حمام؛ أي أنه صايف اللون؛ َّ
((كأنما خرج من ديماس))؛ يعني كأنما خرج من َّ
وهو المكان الذي ُيغتَسل فيه بالماء الحار ،ليس الحمام كما نقول اليوم هو مكان قضاء الحاجة عندنا هنا ،وإنما
متوسط ال بالطويل وال بالقصير ،أسمر سمرة صافية تضرب إلى الحمرة،
ّ إذن؛ عيسى ڠ ٌ
رجل َمربو ٌع؛
الجواب :ال ،فإ ّن عيسى ڠ ال َينزل نبيًّا ،هو نبي لكنّه ال ينزل نبيًّا ،وإنما ينزل آية ،مع بقاء صفة َّ
النبوة له؛ لكنّه
ال ينزل نب ًّيا للناس عند نزوله؛ ألنه ال نبي بعد محمد صلى اهلل عليه وسلم إلى قيام الساعة ،فهو ڠ يحكم
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ﭬ قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :والذي نفسي بيده،
حكما عدْ ًال ،فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ،ويضع الجزية ،و َيفيض المال
ً ليوشك ّن أن ينزل فيكم ابن مريم
56
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ينزل حكما عدْ ًال(( ،مقسطًا ،فيكسر الصليب)) أي يهدم الصليب ،ومعنى أنه يهدم الصليب :أي أنه ُيبطِل هذه
والصليب :خشبة مث ّلثة ،تختلف هيأهتا من كنيسة إلى كنيسة ،ولكنها تتَّفق على هيأة واحدة؛ وهي أهنا خشبة
بالصلبان!
السجادة ثم يأيت يقول :هذه السجادة مليئة ُّ
ومرة قيل للشيخ ابن العثيمين هذا ،فقال :اإلنسان لو مدّ يديه لكان كما قلتُم -اإلنسان لو مدّ يديه هكذا لكان
على هيأةٍ مث ّلثة -وإنما الصليب على الهيأة المعلومة التي يفعلها النصارى للتع ُّبد ،فليس ك ّلما رأينا خ ّطين قد
وبعض الناس عندهم مغاالة ،يعني رأينا بعض الناس َيحكي عن أحذية َتقدُ م ً
مثال من بلدان النصارى أوغيرها
فيتخيّلون أ ّن لفظ الجاللة مكتوب أسفل ويخ ِّطون خطو ًطا ويرسموهنا ويرسلوهنا ،وهي قد تكون هكذا وقد ال
وصال من قِبَل الناس ،ونحن نعلم أ ّن النصارى مع كفرهم وتحريفهم يؤمنون باهلل ،فهم
ً توصل
تكون؛ ألهنا َ
محر ًفا؛ فمن البعيد أن يضعوا اسم اهلل تحت الحذاء ،لك ّن بعض الناس عنده مغاالة يف
يؤمنون باهلل إيمانًا َّ
أوال :ال يتط َّلب غير الواضحات .بعض الناس يأيت إلى المسجد وينظر
األمور ،واإلنسان ينبغي أن يكون متّزنًا؛ ً
يف الزخرفة :هذه نجمة سداسية ،وهذا صليب ،وهذا كذا! يتط َّلب الشيء حتى ُيقنِع نفسه به ،ثم يفتن نفسه
وغيره هبذا! وهذا ليس مطلوبًا وال ينبغي ،وإذا أشكل شي ٌء على اإلنسان ف ْليسأل العلماء وال ينشر شيئًا.
وجدت أ ّن هذا
َ نظرت
َ بعض الناس يكتب حتى يف الشبكة العنكبوتية :المسجد النبوي فيه كذا وفيه كذا ،وإذا
ك َّله إ ّما مكذوب؛ أل ّن بعض الناس َيحقدون على هذه الدولة المباركة دولة التوحيد ،إ ّما ممن ال يحبون التوحيد
أصال ،وإ ّما من خوارج هذا الزمان ،وخوارج هذا الزمان أسوأ من الخوارج المتقدِّمين ،أل ّن الخوارج المتقدِّ مين
ً
57
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
طائفة منحرفة َت ِ
نتسب إلى اإلسالم أسوأ ما ٍ وقد قال بعض مشايخنا" :إ ّن خوارج هذا الزمان قد َأخذوا مِن ِّ
كل
فيها ،فكانوا عبارة عن مجموعة َسوءات الطوائف المنحرفة" ،وهذا له باب آخر.
يوجد من ُت َ
وضع عليه الجزية". العلمُ ":يبطِل الجزية بأن ُيسلِ َم ُّ
كل من يف األرض يف زمنه ،فال َ
وقال بعض أهل العلمُ ":يبطل الجزية؛ معنى ذلك :أنه يرفع الجزية؛ أل ّن الجزية يف دين محمد صلى اهلل عليه
ارتفعت".
ْ وسلم مؤقت ٌة بظهور المسيح ،فإذا ظهر المسيح ڠ
وقال بعض أهل العلم" :معنى يضع الجزية :أنه ِ
يفرض الجزية ،فيعيد الجزية مرة أخرى ،بعد أن يكون الكفار
معنى آخر.
مرة أخرى" ،وهذا ً
مر معنا -فيعود عيسى ڠ ويضعها عليهم ّ
تقووا فمنعوها -كما ّ
قد َّ
وبعض أهل العلم قال" :يضع الجزية يعني ُيبطِل الجزية؛ ألنه ال يوجد من يأخذها ،ال ّن المال كثير فال يوجد
من يأخذها".
ويمر بطريق مكة الذي يسمى بطريق مكة القديم ،ليس طريق مكة الذي
سيحج بعد نزوله ويعتمرُّ ،
ّ وعيسى ڠ
الروحاء،
بفج َّ
يمر ّ
يسلكه الحجاج اليوم ،وإنما الطريق القديم الذي سلكه النبي صلى اهلل عليه وسلم ،فهو ّ
كيال ،حوالي خمسة والروحاء مرت بنا يف الحج ،قرية يف طريق مكة ،قرية تبعد عن المدينة بني ٍ
ف وسبعين ً ِّ ّ َّ
وسبعين كيلو مرت.
58
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الروجاء جاء يف مسلم عن أبي هريرة ﭬ أ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :ل ُيه ُّلن عيسى بن مريم ِّ
بفج َّ
بالحج أو بالعمرة أو ل ُيثَنِّ َينَّ ُه َما)).
وتكون اإلمامة -كما قلنا -عند نزوله للمسلمين ،قال النبي صلى اهلل عليه وسلم« :كيف بكم إذا نزل فيكم
ويف حديث النواس بن سمعان الذي يف مسلم؛ قال النبي صلى اهلل عليه وسلم(( :إذ بعث اهلل المسيح ابن مريم
الدجال ((فيمسح عن وجوههم ،ويحدّ ثهم بدرجاهتم يف الجنة ،فبينما هو كذلك إذ أوحى اهلل -عز وجل -إلى
ٍ
ألحد بقتالهم))وهؤالء هم يأجوج ومأجوج ،كما سيأيت إن شاء اهلل، أخرجت عبادا لي ال ي ِ
دان ُ عيسى :إين قد
َ ً
ٍ
حدب ينسلون)) ،وهذا سيأيت -إن شاء اهلل فحرز عبادي إلى ال ّطور ،ويبعث اهلل يأجوج ومأجوج وهم من كل
(( ِّ
عز وجل -بيانه.
عيسى ڠ سيبقى يف األرض ثم يموت .وقد جاء يف حديث صحيح(( :أ ّن عيسى ڠ يمكث يف األرض بعد
نزوله أربعين سنة)) وهذا الحديث رواه أبو داود ،والحاكم وصححه ،وابن حبان وصححه ،وصححه الحافظ
59
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وجاء يف حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ عند مسلم؛ أنه يمكث سبع سنين؛ ط ّيب وهذا إشكال! يف حديث صحيح
أنه يمكث أربعين سنة ،ويف حديث آخر أنه يمكث سبع سنين!
قال العلماء :ال إشكال ،ففي الحديث األول أنه يمكث أربعين سنة أي بمجموع عمره ڠ؛ فإنه ُرفِع إلى
فالحديث األول :يف مدّة بقائه يف األرض ،والحديث الثاين :يف مدّ ة بقائه بعد نزوله.
وهو سيموت ڠ ،وسيصلي عليه المسلمون ،وما صلى المسلمون الذين هم أفضل األمم إال على نبيَّيْن:
محمد بن عبد اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعيسى بن مريم ڠ ،فهذه من َمكارم عيسى ڠ أنه تصلي عليه خير
األمم كما ص ّلت على خير األنبياء؛ محمد بن عبد اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
ولم َيثبت حديث صحيح وال أثر صحيح بمكان موته وال بمكان دفنه ،لكن َيشيع بين المسلمين -أعني بين
عوا ِّمهم -أنه ُيد َفن يف المدينة ،و ُيدفن مع النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف قربه ،يف القرب الرابع .وبعضهم يقول:
ُيدفن يف الروضة.
وأ ّما قولهمُ :يدفن يف الروضة ،فلم أعثر عليه أبدً ا ،بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال.
وأ ّما قولهم :إنه ُيدفن مع النبي صلى اهلل عليه وسلم يف قربه؛ أي يف حجرة عائشة؛ فموجو ٌد يف كتب المتقدّ مين،
وقال ابن عرب الرب يف التمهيد" :روى عبد اهلل بن نافع الصائغ -صاحب مالك -عن عثمان بن الضحاك بن
األسدي عن محمد بن يوسف عن عبد اهلل بن سالم عن أبيه عن جدّه قالُ " :يدفن عيسى ڠ مع النبي
عثمان َ
ڠ وصاحبَيهَ ،ث َّم موض ُع قربٍ رابع" يعني يوجد موضع قرب رابع .وليس يف ذلك خرب يجوز أن ُي َ
عتمد عليه.
60
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
يعتقد المسلم أ ّن عيسى ڠ سيموت و ُيصلى عليه ،و ُيدفن يف األرض كسائر الناس.
61
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
62
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وأ ّما يأجوج ومأجوج؛ فيأجوج ومأجوج يقال لهم :يأجوج ومأجوج ،ويقال :ياجوجوماجوج .وقال بعض
ماج الشيء؛ إذ اضطرب،أي أهنم يموج بعضهم يف بعض من كثرهتم ،من كثرهتم
وياجوجوماجوج :من َ
فقيل من أجيج النار ،وهو التهاهبا ،فهم كالنار التي تأكل كل شيء.
وقيل :من األَ ّج؛ وهي سرعة العدو ،فهم يسرعون سرعة شديدة.
و َمن هم يأجوج ومأجوج؟ هم قو ٌم مفسدون ،من ساللة آدم -عليه السالم-؛ كما ثبت يف الصحيحين(( :إ ّن اهلل
-تعالى -يقول :يا آدم! فيقول :لبيك وسعديك)) ،فيقول(( :ابعث َب ْعث النار)) ،فيقول :وما َب ْع ُث النار؟ فيقول:
((من كل ٍ
ألف تسع مئة وتسعة وتسعون)) ،تسع مئة وتسعة وتسعون!من كل ألف واحد يف الجنة،وتسع مئة
وتسعة وتسعون يف النار من ذرية آدم-عليه السالم ، -فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها،
وهم من نسل نوح ،من أوالد يافثابن نوح ،كما ثبت يف مسند اإلمام أحمد.
63
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وحكى النووي -رحمه اهلل-يف شرح مسلم عن بعض الناس -وجاء يف بعض الروايات أنه عن كعب األحبار:-
أ ّن يأجوج ومأجوج من ذرية آدم وليسوا من ذرية حواء ،كيف؟! قالوا" :إ ّن آدم احتلم يوما فأصاب من ُّيه الرتاب
دليل عليه؛ ال مِن عق ٍل وال مِن نقل ،وال يجوز االعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب" .طبعا هو
َ
باطل المتن؛ ألنه أوال االحتالم من تالعب الشيطان ،والشيطان ال يتالعب باألنبياء-عليهم السالم.-
ولذلك؛ ُيحكى عن بعض السلف أنه َيختَبِر طالبه ليعرف ذكاءهم -وهذا يسميه اآلن الرتبويون بالفروق
الفردية ،-فقال لهم :إذا احتلم النبي صلى اهلل عليه وسلم كيف يصنع بثيابه؟ منهم من قال :يغسلها ،ومنهم من
قال :يحتها ،ومنهم من قال :إذا كانت رطبة غ ُِسلت وإذا كانت يابسة ،..وأحدهم قال :النبي صلى اهلل عليه
وسلم ال يحتلم ،وكان يفض ُّله على غيره من الطالب فأراد أن يبين لهم سبب تفضيله ،وهو استخدم "إذا"،
دجلة ،إذا عطش نزل فشرب ،وهم يعرفون أ ّن الشيخ ثقة ال يكذب والمسألة مشكلة !..صنم ،ينزل ،ويشرب!
فأخذوا َيدُ وكون يف المسألة ،وما عرفوها ،ثم ب ّين لهم؛ هو استخدم "إذا" قال :إذا عطش ،والصنم ال يعطش،
فلو عطش لنزل وشرب ،لكنه ال يعطش ،وبالتالي ال ينزل وال يشرب.
فهذا القول ال يصح؛ ألن آدم -عليه السالم-نبي ،والنبي ال يحتلم ،فيأجوج ومأجوج من ذرية آدم وحواء ،من
بني آدم.
وهم قو ٌم ُكثُر؛ قال الحافظ ابن حجر" :وأخرج الحاكم وابن مردوية من طريق عبد اهلل بن عمر أ ّن يأجوج
ومأجوج من ذرية آدم ،ووراءهم ثالث أمم ،ولن يموت منهم رجل إال ترك من ذريته أل ًفا فصاعدً ا ،قال :وأخرج
64
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقد ذكر اهلل قصتهم يف القرآن ،وهي معروفة ،و ُتقرأ يف سورة الكهف ،فقد أخرب اهلل تعالى أ ّن ذا القرنين سار
ُيقتِّلون الناس" .وقال بعض المفسرين ":أي َين َهبون ما عند الناس ،فيأكلون األخضر واليابس".
"آتوين -جيؤوينِ -بقطَ ِع الحديد" فجاؤوا هبا ،حتى إذا ساوى بين الجبلين؛ فبلغ الحديد رؤوس الجبال؛ قال
للعمال ":انفخوا عليها بالنار" ،فنفخوا ،حتى إذا َج َع َل الحديد نار ًا ،قال ":أعطوين نح ً
اسا" ،وقال بعض
صاصا ،وقال بعض المفسرين قال :أعطوين حديدً ا ُمذا ًبا -من أجل أن يتماسك
المفسرين قال :أعطوين َر ً
الحديد -فوضعه عليه فما اسطاعوا؛ ما استطاعوا أن َيعلوه ،أن يرتقوه" ،وما استطاعوا له نقبا" ما استطاعوا أن
فلما رأى ذو القرنين هذا قال ":هذا رحمة من ربي"بي وبأهل األرض"،حتى إذا جاء وعد ربي
يحفروهّ ،
سواه باألرض ،ومِن المفسرين من قال :أي جعل فيه ِ
بخروجهم جعله دكّا "؛ فمن المفسرين من قال :أي َّ
كان.
65
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقد روى ابن ماجه حديثًا يف هذا؛ أنّمالرسول -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :إ ّن يأجوج ومأجوج يحفرون كل
يوم ،حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ،قال الذي عليهم :ارجعوا فسنحفره غد ًا ،فيعيده اهلل أشد ما كان ،حتى
إذا بلغت مدهتم وأراد اهلل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ،قال الذي عليهم:
ارجعوا فستحفرونه غد ًا إن شاء اهلل تعالى ،واستثنوا ،فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ،فيحفرونه،
بسهامهم إلى السماء ،فرتجع عليهم الدم الذي ْأج َفض» ما معنى الذي ْ
أج َفض؟ يعني الذي مألها ،ترجع وقد
امتألت د ًما من السماء ،فتن ًة لهم «فيقولونَ :ق َهرنا أهل األرض ،و َع َلونا أهل السماء ،فيبعث اهلل نغ ًفا يف َأ ْق َفائهم
ويف صحيح مسلم يف حديث النواس ﭬ بعد أن َذك ََر النبي -صلى اهلل عليه وسلمَ -قتْل عيسى للدجال قال:
َف فِي ِر َقابِ ِه ْم؛ َفيُ ْصبِ ُحو َن َف ْر َسى» أي :موتى
اهلل َع َل ْي ِه ْم النَّغ َ ِ
والنغف :دو ٌد يكون يف أنوف الدوابَ « ،فيُ ْرس ُل ُ
ض َم ْو ِض َع ِشبْ ٍر إِ َّال َم َ َ
جدُ و َن فِي ْاألَ ْر ِ
ض َف َال َي ِ
يسى َو َأ ْص َحا ُب ُه إِ َلى ْاألَ ْر ِ ِ ِ ت نَ ْف ٍ ِ ٍ
«كَمو ِ
أل ُه س َواحدَ ةُ ،ث َّم َي ْهبِ ُط نَبِ ُّي اهلل ع َ َْ
َاق ا ْلب ْخ ِ ِ ِ ِ ِ زَ َهمهم ونَتْنُهم» أي :رائحتهم ِ
ت» اهلل َط ْي ًرا َك َأ ْعن ِ ُ
يسى َو َأ ْص َحا ُب ُه إِ َلى اهللَ ،ف ُي ْرس ُل ُ
َب نَبِ ُّي اهلل ع َ
المنْتنَة « َف َي ْرغ ُ
ُ ُُ ْ َ ُ ْ
66
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
َو َب ٍر» َ
المدر :هو الطين القاسي ،فهو بيت من الطين القاسي« ،وال وبر» أي :البيت المصنوع من وبر الجمال ،فال
صححه األلباين -جاء أهنم عند موت يأجوج ومأجوج يقول النبي صلى اهلل عليه ٍ
وعند ابن ماجه -بإسناد َّ
َيسمعون لهم ِح ًّسا» ال يسمعون لهم صو ًتا ،وهم يخافون منهم «فيقولونَ :من َر ُج ٌل َيشري نفسه و َينظر ما
فعلوا؟» أي هل مِن َر ُج ٍل يبيع نفسه هلل وينظر ما فعلوا؟ «فينزل منهم رجل قد َو َّطن نفسه على أن َيقتلوه،
فيجدهم موتى؛ فيناديهم :أال أبشروا أال أبشروا؛ قد أهلك اهلل عدوكم! فيخرج الناس ،و ُي ْخ ُلون سبيل مواشيهم،
ت مِن ٍ
نبات أصابته َقط» أي َت ْس َمن كأحسن كأح َس ِن ما َشكِ َر ْ
فما يكون لهم َرع ٌْي إال لحومهم ،فت َْش ُك َر عليها ْ
الس َمن.
ِّ
وهم -والعياذ باهلل منهم -قو ٌم معهم سالح كثير؛ وذلك لكثرهتم ،قال النبي صلى اهلل عليه وسلم « :سيوقد
المسلمون مِن قِ ِس ِي يأجوج ومأجوج ون َُّشابِهم و َأ ْت ِ
راسهم سبع سنين» رواه ابن ماجه وصححه األلباين ،يعني
يوقد المسلمون من أسلحة يأجوج ومأجوج سبع سنين؛ من كثرهتا ،والعياذ باهلل.
أمورا ال تصح ،وذكر الحافظ ابن حجر يف "الفتح" بعض اآلثار التي
وقد ذكر المفسرون يف يأجوج ومأجوج ً
تدل على ما ذكروه؛ وال تصح ،ومن ذلك -مثالً -قولهم :إن يأجوج ومأجوج ثالثة أصناف:
واألرز شجرة بالشام ،يكثر يف لبنان اليوم ،يقولون :إ ّن طول الشجرة منه
َ ▪ صنف بِطول َ
األرز؛
حجر قال" :هو شجر طويل" ولم يحدِّ د؛ لكن يف كتب التفسير جاء :إ ّن طوله عشرون ومائة
ذراع.
ْف طوله وعرضه سواء؛ أربعة أذرع يف أربعة أذرع ،أي أ ّن هيئتهم مربعة. ▪ قالواِ :
وصن ٌ
67
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
اليمرون بفيل وال وحش وال جمل وال خنزير إال أكلوه ،ومن مات منهم أكلوه.
ُّ فلباسهم الشعر .قال بعضهم:
أتعمد ذكره؛ أل ّن هذه األمور تشتهر بين الناس ،و ُتذكَر لكن كل هذا -كما قلت -لم ِ
يأت يف ٍ
عتمد عليه ،وأنا َّ
أثر ُي َ
يف الكتب ،وقد يظن بعض طالب العلم أهنا صحيحة ،وهي ليست بصحيحة؛ بل الذي نعتقده :أ ّن يأجوج
68
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
والخسوفات الثالث ُخ َّصت بالذكر لعظهما ،وإال فالخسوف قد وقع قبل أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم -ويقع
قدرا زائدًا قال الحافظ ابن حجر" :قد ُو ِجد الخسف يف مواضع؛ لكن ُي َ
حتمل أن يكون المراد بالخسوفات الثالث ً
مر بنا أ ّن ً
جيشا يؤُ ُّم الكعبة -يقصد الكعبة -يخسف اهلل به ،وهذا يف آخر الزمان. وأظنكم تذكرون أنه ّ
خسف بالمغرب ،وليس المراد بالمغرب ما يسمى
ٌ خسف يف جزيرة العرب عظيم يف آخر الزمان .وسيقع
ٌ وسيقع
بالمغرب اآلن ،وإنما المراد بالمغرب :الغ َْرب .ويقع بالمشرق؛ وهذه هي الخسوفات العظيمة.
وقذف»،
ٌ ٌ
ومسخ، خسف،
ٌ وسيقع خسف يف آخر الزمان؛ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :سيقع يف هذه األمة
ٌ
رجل من حتمل غير هذا" .قال
خسف ببعضهم .وقال بعض أهل العلمُ :ي َ بعضهم ،و ُي َ
قذف ببعضهم ،و ُي َ
المسلمين :يا رسول اهلل ،ومتى ذاك؟" ما هي عالمة الخسف؟ قال« :إذا ظهرت ال َقيْنات» أي المطربات ،النساء
ونحن -والعياذ باهلل -يف هذا الزمان نرى شيئًا من هذا؛ فقد ظهرت المطربات ،وأصبح بعض من ال يخافون اهلل
ِ ِ
المطربات ،ف ُيحضر أحدهم مطرب ًة تغنِّي ،و ُيعزف بالمعازف ،و ُي َ
شرب الخمر يف المجلس. يتباهون بمجالس
َ
70
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وجاهر هبا الناس عمو ًما ،حتى يزين الرجل بالمرأة على قارعة الطريق ،ويزين اآلخر بجواره
َ وظهرت المنكرات،
ِ
ظهور -والعياذ باهلل-؛ فال ُين َكر ذلك ،وال ُيؤ َمر بمعروف وال ُينهى عن منكر ،إذا ظهر هذا؛ فهذه عالمات ُق ْر ِ
ب
العالمات الكربى.
إذن؛ العالمات الكربى ذكرنا لها عالمة سابقة ،ما هي؟ كثرة الروم ،والملحمة التي تقع بيننا وبينهم ،وأضيفوا ما
ٍ
محمد وعلى آله وصحبه وس ّلم. واهلل أعلم .وصلى اهلل على
71
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
72
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وكنا نقرأ يف الحديث الذي أخرب فيه النبي صلى اهلل عليه وسلم عن الساعة أهنا لن تقوم حتى ترون عشر آيات؛
فذكر :الدخان ،والدجال ،والدابة ،وطلوع الشمس من مغرهبا ،ونزول عيسى بن مريم عليه السالم ،ويأجوج
ٍ
وخسف بجزيرة العرب ،قال« :وآخر ذلك ٍ
وخسف بالمغرب، ٍ
خسف بالمشرق، ومأجوج ،والخسوفات الثالث:
الدنيا ،فليس بعدها من الدنيا شيء ،فهي أول اآليات وهي آخر اآليات.
هي أول اآليات؛ باعتبار اآليات التي تدل على حصول القيامة وانتهاء الدنيا وليس بعدها شيء من الدنيا.
وهي آخر اآليات؛ باعتبار اآليات الكربى التي ُذكِ َرت معها ،فهي آخر تلكم اآليات.
نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» ،ويف رواية عند
وقول النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-وآخر ذلك ٌ
خرج من ُق ْعرة عدن» أو « َق ْعرة عدن».
أيضاَ « :ت ُ
مسلم ً
قال بعض أهل العلم :إهنا ُسميت عَدَ نًا من ال ُعدوان؛ وهو اإلقامة ،قالوا :أل ّن الملك " ُت َّبع" -وكان من ملوك
73
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
حشر َبقيَّتهم النارَ ،ت ِق ُيل معهم حيث قالوا ،و َتبِ ُ
يت معهم حيث على بعير ،وأربعة على بعير ،وعشرة على بعير ،و َت ُ
باتوا ،و ُتصبِح معهم حيث أصبحوا ،و ُتمسي معهم حيث أمسوا» ،وهذا يف الصحيحين.
قال الحافظ ابن حجر :قوله« :على ثالث طرائق» الطرائق :جمع طريق ،وهي ُتذكَّر و ُتؤنَّث.
ٍ
رواية لمسلم« :راهبين» بغير الواو ،يعني «راغبين راهبين» بدون الواو -فهذه هي وقوله« :راغبين وراهبين» -ويف
وقوله« :واثنان على بعير ،وثالثة على بعير ،وأربعة على بعير ،وعشرة على بعير» هذه هي الطريقة الثانية.
وقوله« :و َتحشر بقيتهم النار» ،قال الحافظ ابن حجر :هذه هي النار المذكورة يف حديث حذيفة بن َأسيد -التي
معنا .-قال :وعند مسلم يف حديث فيه ذكر اآليات الكائنة قبل قيام الساعة كطلوع الشمس من مغرهبا ففيه« :وآخر
قال الحافظ ابن حجر :هذا الحشر يكون قبل قيام الساعةَ ،تحشر الناس أحيا ًء إلى الشام ،وأ ّما الحشر من القبور
إلى الموقف فهو على خالف هذه الصورة -مِن الركوب على اإلبل والتعاقب عليها -وإنما هو على ما ورد يف
74
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
«حفا ًة ُعرا ًة ُمشاةً» وهذا يكون للجميع ،ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم قالُ « :تحشرون يوم
حديث ابن عباسُ :
طيب؛ هنا النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف الحديث الذي يف الصحيحين قال« :اثنان على بعير ،وثالثة على بعير،
وأربعة على بعير ،وعشرة على بعير» وهذا بالنسبة لزيادة العدد على خالف العادة ،كون عشرة على بعير ،وخمسة
على بعير ،وستة على بعير؛ ألن العلماء قالوا :من اثنين إلى عشرة ،هذا على خالف العادة.
فبعض أهل العلم قال :المراد أهنم َيتعاقبون؛ فهذا ينزل وهذا يركب.
والذي يظهر -واهلل أعلم -أ ّن المراد بيان ق َّلة ما ُيركَب ،فئذ ذاك يكون ما ُيركَب ً
قليال؛ فيركب االثنان على بعير
يمكن أن تكون إال يف الدنيا ،أل ّن النار َتقيل معهم حيث قالوا ،وتصبح معهم حيث أصبحوا؛ وهذا ال يكون يف
وركبانا و ُت ُّ
جرون على وجوهكم»، جدّ هبز بن حكيم -رفعه« :-إنكم محشورون -ونحا بيده نحو الشام -رجا ً
ال ُ
قال الحافظ :أخرجه الرتمذي والنسائي وسنده قوي ،قال وحديث« :ستكون هجر ٌة بعد هجرة و َتنحاز الناس إلى
هاجر إبراهيم ،وال َيبقى يف األرض إال ِشرارها» قال :أخرجه أحمد ،وسنده ال بأس به.
ُم ِ
75
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قلت :ويؤيد ذلك ما رواه اإلمام أحمد والرتمذي عن ابن عمر ﭭ قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم:-
ُ
نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل يوم القيامة؛ تحشر الناس» ،قالوا :يا رسول اهلل ،فما
«ستخرج ٌ
تأمرنا؟ قال« :عليكم بالشام» صححه األلباين.
نارا ستخرج من حضرموت ،وهي مِن اليمن ،هذه النار متى ستكون؟ قال
فهنا النبي صلى اهلل عليه وسلم يقول إ ّن ً
نص يف المسألة ،وأشار -النبي صلى اهلل عليه وسلم -إلى
النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-قبل يوم القيامة» وهذا ٌ
أهنا تحشرهم إلى الشام؛ ألنه قال الرسول صلى اهلل عليه وسلم« :عليكم بالشام».
وقال النووي :قوله -صلى اهلل عليه وسلمُ « :-يحشر الناس على ثالث طرائق راغبين راهبين »..إلى آخر الحديث
هذا الحشر يف آخر الدنيا قبل القيامة وقبيل النفخ يف الصور؛ بدليل قوله -صلى اهلل عليه وسلم« :-وتحشر بقيتهم
النار تبيت معهم وتقيل وتصبح وتمسي» وهذا آخر أشراط الساعة كما ذكر مسلم -يعني يف هذا الحديث الذي
نار تخرج من اليمن» إذن؛ هذه هي اآليات العشرة يف العالمات الكربى قبل خروج الساعة.
معنا« -وآخر ذلك ٌ
76
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
شرح كتاب
الفتن وأشراط الساعة
من صحيح مسلم
77
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الفتن.
وأتوسع فيها؛
َّ ضوابط كثيرة ُتستخ َلص من أدلة الكتاب والسنة وكالم سلف األمةُ ،
كنت أحب أن أبسطها ُ وهناك
اإلنسان ال ُيط َلب منه أن يكون بال عاطفة ،أن يكون جامد العاطفة؛ فهذا ال يمكن ما دام أ ّن اإلنسان إنسا ٌن؛
فاإلنسان البد له من العاطفة ،لك ّن المطلوب منه أن ُيقيِّد العاطفة بعقله الذي رزقه اهلل -عز وجل -إ َّياه؛ فالعقل
َقيْدٌ للعواطف ،وال ينساق وراء عاطفته بما ُتر ُّده العقول.
78
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
النقل.
ولذلك؛ إذا وقع يف عقلك شي ٌء فاعرضه على النقل الصحيح؛ فإن وافق النقل فاعْلم أنه خير ،وإن خالف النقل
مكذوب على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم. ➢ إما أن يكون النقل غير ٍ
ثابت؛ فهو
ٌ
مريضا.
➢ وإما أن يكون العقل ً
وكال!
مثال يف الصحيحين أو يف أحدهما -ويخالفه العقل السليم؛ فال َّ
أ ّما أن يكون النقل ثابتًا -كأن يكون ً
ٍ
حديث يف الصحيح ويقول :هذا الحديث ُأر ُّده أل ّن عقلي ال َيقبله .نقول له :إ ّن عقلك مريض، فالذي يأيت إلى
يحتاج إلى عالج؛ وعالجه :أن ُتالزم العلماء الربانيين أهل السنة ،فتتع َّلم منهم تعظيم السنة ومعانيها ،أ ّما أن
فالشاهد يا إخوة؛ أنه يف الفتن البد من عدم ا ِّتباع العواطف ،وتقييدها بالعقل ،وتقييد العقل بالشرع.
الحظوا -يا إخوة-؛ أنا أذكر يف الضابط سبب الوقوع وسبب السالمة.
قلنا يف األول :ال تتبع العاطفة وقيِّدها بالشرع؛ سبب الوقوع يف الفتنة :اتباع العاطفة ،وسبب السالمة :تقييد
العاطفة بالشرع.
سبب للسالمة من الفتنة. نقول هنا :إ َّياك والعجلة والز ِم األناة .العجلةٌ :
سبب للوقوع يف الفتنة ،واألناةٌ :
79
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وروى الرتمذي عن سهل بن سعد الساعدي ،قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :األناة من اهلل ،والعجلة
قال العلماء :العجلة مذموم ٌة يف الغالب وال تأيت بخير ،إما يف ذاهتا وإما فيما يرتب عليها.
ولذلك؛ المطلوب من المسلم يف كل حال :األناة ،لكنه عند الفتنة يلزم ذلك أكثر.
80
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
احذر الجهل واحرص على العلم الشرعي ،فإ ّن الفتن مِن بضاعة الشيطان ،وبضاعة الشيطان ال َتروج إال
علما؛ س َّهل اهلل له طريقا إلى الجنة ،وإ ّن المالئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ ً
رضا بما َيصنع، طريقا يلتمس به ً
وإ ّن العالِم َليستغفر له من يف السماوات ومن يف األرض حتى الحيتان يف الماء ،وفضل العالِم على العابد كفضل
ورثوا
درهما؛ وإنما َّ
ً القمر على سائر الكواكب ،أال إ ّن العلماء ورثة األنبياء ،وإ ّن األنبياء لم ُي ِّ
ورثوا دينا ًرا وال
ٍ ِ
بحظ وافر» .
13
الع ْلمَ ،
فمن أخذه أخذ
وفضل النبي -صلى اهلل عليه وسلم -العالم على العابد -كما سمعنا يف الحديث -قال« :فضل العالم على العابد
ّ
ويف الحديث اآلخر ُذكِ َر للنبي -صلى اهلل عليه وسلم -عالم وعابد؛ فقال« :فضل العالم على العابد كفضلي على
أدناكم» ؛ ألن العالِم ال َتروج عليه بضاعة الشيطان ،و َمن تع َّلم َأمِن -بفضل اهلل -مكايد الشيطان ،والعلم الشرعي 14
الشهوات.
()13أخرجهالرتمذي يف سننه( ،)2682كتاب:العلم،ابب:ماجاءيف فضل الفقه على العبادة .يف سننه.وأبوداود (،)3641كتاب:العلم ،ابب:احلثعلىطلبالعلم.
منحديث أيب الدرداء ﭬ .وحسنهابن حجريف ختريج مشكاةاملصابيح.وصححهاأللباين يف صحيح اجلامع(.)6297
()14أخرجهالرتمذي يف سننه (،)268٥كتاب:العلم،ابب:ماجاءيف فضل الفقه على العبادة.من حديثأبيأمامةالباهلي.وصححهاأللبانيفيصحيحاجلامع( .)4213
81
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
العلم ،والزم الكبار من العلماء؛ فإ ّن صغار السن والشباب فيهم ِحدَّ ة الشباب ،وحرارة الشباب ،وعجلة الشباب،
تيسر للشباب.
فهم عن العلم َيصدرون وعن الحكمة َيفهمون ،وهذا ال َي َّ
دح يف الشباب؛ وإنما فيه بيان الحال؛ مِن أنه إذا حصل االختالف واختلف الناس فعليك بالكبار.
وهذا ليس فيه َق ٌ
مثال الكالم
فمثال؛ لو اختلف الناس يف مسألة فقال بعض الناس :هذا جائز ،وقال بعض الناس :هذا محرم ،يعنيً :
ً
محرم وقد ذ َّمه السلف والنصوص فيه ظاهرة؛ فعليك بالكبار؛ فإهنم ِ
وهو ومن الجهاد ،وقال بعض العلماء :هذا َّ
أهل بصيرة وحكمة .وهناك آثار كثيرة عن السلف سنذكرها إن شاء اهلل عند التفصيل.
82
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
إذا جاء األمر فانظر فيه؛ هل هو قديم؟ هل هو على ما كان عليه النبي -صلى اهلل عليه وسلم -وأصحابه؟
(...كل ما خالف هدي رسول اهلل وهدي صحابة رسول اهلل) فهي بدعة من البدع ،وكل بدعة فهي ضاللة ،ال
15
تقود إلى خير؛ ال يف الدنيا وال يف اآلخرة وإنما تقود إلى ضالل.
وقد روى أبو داود عن يزيد بن عميرة أ ّن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه :كان ال يجلس مجلسا للذكر حين يجلس
كم عدْ ل ،هلك المرتابون" ،فقال معاذ بن جبل يوما" :إ ّن من ورائكم فتنًا يكثر فيها
(أي للتعليم) إال قال" :اهلل َح ٌ
ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق ،والرجل والمرأة ،والصغير والكبير ،والعبد والحر"؛ يعني
المالُ ،
إن وراءكم فتنا يكثر فيها المال بين أيدي الناس ويفتح فيها القرآن أي أن العلم يعطي للناس فال يختص به قلة؛ بل
يكثر فيتعلم الرجال والنساء الصبيان والكبار العبيد واألحرار فيكون ماذا ؟قال رضي اهلل عنه-":هذا ما كان يف
يجعلونني رأسا مالي أكون يف الصف ويقدم غيري من كثرة من يتكلم بالعلم-قال :فيقول:فيوشك ٌ
قائل أن
تبعي حتى أبتدع لهم غيره-ما دمت على هذا العلم فهذا
بم َّقرأت القرآنما ُهم ُ
ُ يقول":ما للناس ال يتبعوين وقد
العلم يعرفه الناس ويف علماء أعلم مني وأنا سأكون يف الصف لكن متى أصبح رأسا؟ إذا ابتدعت شيئا جديدا
علمته للناس ودعوت الناس إليه -يقول رضي اهلل عنه ":فإياكم وما ابتُدع؛ فإ ّن ما ابتدع ضاللة ،وأحذركم
زيغةالحكيم؛-أحذركم زلة الحكيم؛ قد يزل حكيم لكن اليزل كل الحكماء-فإن الشيطان قد يقول كلمة الضاللة
قد يقول كلمة الضاللة؟-هو حكيم ،ما الذي يدريني أهنا ضاللة؟ وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟المنافق
()1٥انقطاع التسجيل.
83
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ُمبغَض فإذا علمتُه كيف أعرف أنه قال كلمة الحق؟ والحكيم متبَع ،فإذا قال كلمة كيف أعرف أهنا زيغة؟ قال معاذ
رضي اهلل عنه" :بلى اجتنب من كالم الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه؟ اجتنب من كالم الحكيم ما يأيت به
المحدَ ثات التي ُي ْح ِدثها ،ف ُيقال :فالن قال قوال ،ما هذه
من عجائب تخالف ما يأيت به الحكماء؛ الغرائب ُ
السنة الربانيين ،وقال كلم ًة فخا َلف فيها
عرفت أنه حكيم؛ وأنه من علماء ُّ
َ المقولة؟! وال يثنيك ذلك عنهإذا
قال ":وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا" .
16
ويف رواية؛ قال ابن مسعود عندما سأله الراوي عن :ما يدريه إذا قال الحكيم كلمة الضاللة؟ قال" :بلى؛ ما تشابه
عليك من قول الحكيم حتى تقول :ما أراد هبذه الكلمة؟" يعني إذا جاء بالغريب الذي يخالف كالم العلماء علماء
وروى أبو داود أ ّن رجال كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدَر ،فكتب -وهذه وصية عظيمة يا إخوان؛
"أما بعد؛ أوصيك بتقوى اهلل ،واالقتصاد يف أمره ،وا ّتباع سنة نبيه -صلى اهلل عليه وسلم ،-وترك ما أحدث
الم ْحدثون بعدما َجرت به سنته ،و ُك ُفوا ُمؤُ ونته ،فعليك بلزوم السنة؛ فإهنا لك بإذن اهلل عصمة" .واهلل! عصمة من
ُ
الفتن ،وعصمة من الزيغ ،وعصمة من الضاللة.
()1٦أخرجه أبو داود يف كتاب السنة ( .)4٦11قال الشيخ األلباين :$صحيح اإلسناد موقوف.
84
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
علم ما يف خالفها".
"السنة إنما سنها من قد علم ما يف خالفها"؛ فال يتطرق األمر أ ّن الذي قال السنة قد يكون لم يتن ّبه لهذا األمر ،ألن
مثال -قد يقول :هذه البدعة يمكن أنه لم يتنبه لها السابقون؛ السنة سنّها من يعلم ما يف خالفها ،ولو
بعض الناس ً -
المحدثات ،-وهم على كشف األمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى ،فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد
سبقتموهم إليه -وهذا ال يكون -ولئن قلتم إنما حدَ ث بعدهم ما أحدثه إال من اتبع غير سبيلهم -يعني ولئن قلتم:
ٍ
مسلم أن َيعلمها ويفهمها ،فهي وهذه وصي ٌة عظيم ٌة جليلة ينبغي على طالب العلم أن يتنبّهوا لها ،وينبغي على كل
خالصة عظيمة للنصوص ولِما كان عليه السلف الصالح رضوان اهلل عليهم.
بأي أنواع
سبب للسالمة منها ،ال تقرتب من الفتنة ِّ
ٌ سبب للوقوع فيها ،والبعد عنها
ٌ القرب من الفتنة
يسيرا.
االقرتاب ولو كان االقرتاب ً
85
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
وقد مر بنا ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي اهلل عنهقال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :ستكون فت ٌن
وعند مسلم عن أبي هريرةرضي اهلل عنه قال :قال النبي صلى اهلل عليه وسلم« :تكون فتن ٌة النائم فيها ٌ
خير من
خير من الساعي».
خير من القائم ،والقائم فيها ٌ
اليقظان ،واليقظان فيها ٌ
خير من
ثم تكون فتن؛ القاعد فيها ٌ
وعن أبي بَكرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إهنا ستكون فت ٌن ،أال َّ
فمن كان له إبل ف ْليلحق بإبله ،ومن
وقعتَ :
ْ نزلت أو
ْ خير من الساعي إليها ،أال فإذا
الماشي فيها ،والماشي فيها ٌ
أريت َمن لم
َ كانت له غنم ف ْليلحق بغنمه ،ومن كانت له أرض ف ْليلحق بأرضه» ،قال :فقال ٌ
رجل :يا رسول اهلل!
قريب من
ٌ أثرا يف قلبه ،فاألثر يف القلب ،هذا
المضطجع وهو يقظان ،-النائم هو الذي ال يعلم عن الفتنة لك ّن لها ً
قريب من الفتنة بسمعه.
ٌ خير من اليقظان؛ ألن اليقظان
الفتنة بقلبه ،والنائم ٌ
قريب من الفتنة ببصره وسمعه.
ٌ خير من القاعد؛ ألن القاعد
واليقظان ٌ
قريب من الفتنة أكثر بسمعه وبصر.
ٌ خير من القائم؛ أل ّن القائم
والقاعد ٌ
86
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
خير من الماشي؛ ألن الماشي اقرتب من الفتنة بالسمع والبصر والمشي .وسبق أن ذكرنا أ ّن للماشي
والقائم ٌ
ٍ
لغرض غير الفتنة كالتجارة مثال. تفسيرا آخر :وهو الذي يمشي مع أهل الفتنة
ً
خير من الساعي؛ ألنه يسرع من الفتنة ،فاقرتابه أكثر.
الماشي ٌ
ثم بيّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أ ّن المسلم ينبغي عليه أن يبتعد عن الفتنة ،إن كانت له إبل يف الصحراء (يف
الرب) فليلحق بإبله؛ يبتعد عن الفتنة ،يذهب مع اإلبل هناك ،ومن كانت له غنم بعيدة عن المدينة فليلحق هبا ،ومن
كسر جميع أسباب الفتنة،فإن كانت الفتنة فتنة قتال ك ََسر السيف؛
فإن لم يكن له شيء يذهب إليه ،ماذا يصنع؟! ُي ّ
كسر آلة القتال ويبقى يف بيته ،وإن كانت الفتنة فتنة كُتب ابت َعد عنها ،وإن كانت الفتنة فتنة أشرطة ابت َعد عنها .فالبعد
ّ
عن الفتنة من أعظم أسباب السالمة.
وقد مر معنا قريبا أ ّن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال يف فتنة الدجال« :من سمع به فلينأ عنه» هذا الحديث الذي
متعلق بالذي قبله؛ البعد عن الفتنة حتى ال تقع يف القلب هو المتعيِّن؛ ألنه كما يقول
ٌ وهذا -يا إخوة-
الفقهاء :المنع أسهل من الدفع .ما هو المنع؟ المنع :منع الشيء قبل وقوعه .والدفع :رفع الشيء بعد
متعلق بالماضي.
ٌ وقوعه.ومنع الشيء قبل وقوعه أسهل ،وهذا
كما مر معنا قول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل" :إ ّن الفتنة إذا وقعت صعب على الحكماء إطفاؤها"؛ فالفتنة
87
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الضابط الثامن :اِحــذر الهوى عندما تأخذ بالفتوى ،وخُ ــذ بما أضاءه الدليل.
مثال -يف مسألة من المسائل ،يبحث َمن يقول بالقول الذي يريده؛ فإذا سمع
بعض الناس إذا أراد أن يستفتي ً -
مثال -ونحن نقول :ال يجوز الذهاب إلى العراق -إذا أراد أن يخالف
بعض شبابنا الذين يذهبون إلى العراق ً
والدَ يه و َيذهب؛ يسأل َمن مِن المشايخ يقول :الجهاد يف العراق فرض عين؟ فيقال له :فالن نسمع يقول هبذا؛
فيذهب إليه ويجلس عنده؛ فإذا سمعه ذهب وطار ،ويظن أنه برئت ذمته هبذا ،واهلل ما برئت! ألنه ما أخذ ال ُفتيا
يا أخي! أنت ال تتعامل مع الناس؛ الناس تغشهمُ ،تظ ِهر لهم خالف ما يف قلبكَ ،
أنت تتعامل مع من يعلم خائنة
كنت عام ًّيا :فال تأخـذ بالتَّشهي ،وق ِّلــد األع َلم.
إن َالضابط التاسعْ :
والتّشهي! إياك أن تأخذ من الفتاوى تشهيًّا؛ فتقول :فالن فتاواه سهلة فأنا أسأله ،فالن الحرام عنده قليل فأنا
88
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أسأله ،وإنما يجب عليك أن تق ِّلد األعلم؛ قال العلماءَ " :من لم يعرف الدليل وجب عليه أن يق ِّلد أعلم َمن يف
البلد".
شيخا..ال! يجب أن تق ِّلد األعلم وهو الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه اهلل ،فشبابنا -
ً عامي وأق ِّلد
ٌّ وتقول :أنا
عندنا -الحمد هلل -علماء كبار معروفون؛ يجب أن تق ِّلد األعلم ،واألعلم عندنا هنا يف البلد -اآلن -هو الشيخ:
ولي أ ْمرنا -وفقه اهلل -لل ُفتيا ،فتُق ِّلد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إذ ذاك يف
نصبه ُّ
عبد العزيز آل الشيخ ،وهو الذي ّ
89
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ٍ
بحال ،واثبُ ْت على الدين بنور القرآن والسنة. ٍ
بحال وتمسي إ َّياك والتقلب؛ أن تصبح
السنة أكثر التن ُّقل" ،فاث ُب ْت على الدّ ين ،وذلك باألخذ بالقرآن والسنة على ضوء فهم
والسلف يقولونَ " :من ترك ّ
خير األمة؛ سلف األمة.
وقد مر معنا قول النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يف فتنة الدجال« :عباد اهللُ ،اثبتوا» ،أي اثبتوا على اإلسالم .وقد
ذكرنا -أيها اإلخوة -أ ّن الثبات على اإلسالم يكون :بسؤال اهلل الثبات ،وبالعلم ،وبالعمل.
َح ِل الفطرة شاهدَ ِ
ت األشيا َء على الحق ،فإذا لم َتست ِ
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل" :إ ّن اهلل َف َط َر عباده على ّ
ْ
منكرها و َعر َف ْت معروفها؛ قال عمر ﭬ" :الحق أبلج ال يخفى على َفطِن" ،فإذا كانت
َ ت
فأنكر ْ
َ ما هي عليه،
وانتفت عنها
ْ منور ًة بنور القرآن؛ تج َّل ْت لها األشياء على ما هي عليه يف تلك المزايا،
الفطرة مستقيم ًة على الحقيقة َّ
األمور عيانًا مع غيبها عن غيرها" ،قال" :ويف السنن والمسند وغيره؛ عن النواس بن ِ
فرأت ظلمات الجهاالت؛
َ
مستقيما؛ وعلى جنَبَتَي الصراط ُسوران؛
ً مثال صرا ًطا
سمعان عن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :ضرب اهلل ً
تور ُمرخاة ،ودا ٍع يدعو على رأس الصراط ،ودا ٍع يدعو من فوق
أبواب مفتّحة؛ وعلى األبواب ُس ٌ
ٌ السورين
ويف ُّ
المفتَّحة :محارم اهلل ،فإذا أراد
المرخاة :حدود اهلل ،واألبواب ُ
والستور ُ
الصراط؛ والصراط المستقيم :هو اإلسالمُّ ،
العبد أن َيفتح با ًبا من تلك األبواب ناداه المنادي :يا عبد اهلل! ال تفتحه؛ فإنك إ ْن فتحته َتلِ ْج ُه ،والداعي على رأس
الصراط :كتاب اهلل ،والداعي فوق الصراط :واعظ اهلل يف قلب ِّ
كل مؤمن»؛ فقد ب َّين يف هذا الحديث العظيم -الذي
َمن عرفه انتفع به انتفاعًا بالغًا إن ساعده التوفيق ،واستغنى به عن علوم كثيرة -أ ّن يف قلب ِّ
كل مؤمن واع ًظا" اهـ.
90
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
أمر عظيم.
مكتوب بين عينيه وأنه كافر ،وهذا ٌ
ٌ معه من مخاريق؛ المؤمن يتب َّين له ما هو
الضابط الحادي عشر :ال تُنازع النصوص بما تريد ،واجعل ما تريد على وفق النصوص.
ممن َيتساقطون يف الفتن ال ُيس ِّلمون للنصوص ،وإن ظهر منهم تد ُّين؛ بل ير ُّدون النصوص ُ
لمراداهتم، كثير َّ
ٌ
لخيَ َرةُمِن َأ ِ
مر ِهم وقد قال اهلل -عز وجل ﴿ :-وما كَا َن لِمؤمِن و َال مؤمِن ٍَة إِ َذا َق َضى ٱهلل ورسو ُل ۥهّٓ َأمرا َأن ي ُكو َن َلهم ا ِ
ُ ُ َ ُ ََ ُ ُ ً َ ُ ُ َ َ
هلل َو َر ُسو َل ُۥه َف َقد َض َّل َضالال ُّمبِينا ﴾[األحزاب ،]٣٦ :وقال اهلل -عز وجلَ ﴿ :-ف َال َو َربِّ َك َال ُيؤمِنُو َن
صا ََو َمن َيع ِ
اهلل لَك ُْم َآياتِ ِه لَ َع َّلك ُْم ت َْهتَدُ و َن ﴾ آل َّار َفأَ ْن َق َذك ُْم ِمن َْها ك ََذلِ َ
ك ُي َب ِّي ُن ُ َفأَ ْص َب ْحت ُْم بِن ِ ْع َمتِ ِه إِخْ َوانًا َو ُكنْت ُْم َع َلى َش َفا ُح ْف َرةٍ ِم َن الن ِ
عمران 103
وكنت
ُ وروى مسلم عن حذيفة بن اليمان قال" :كان الناس يسألون رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -عن الخير
ٍ
جاهلية وشر ،فجاءنا اهلل هبذا الخير؛ فهل بعد أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني ،فقلت :يا رسول اهلل! إنّا كنا يف
91
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
قلت :فما تأمرين إن أدركني ذلك؟ قالَ « :تلزَ م جماعة المسلمين وإمامهم»ُ ،
قلت :فإن لم يكن لهم بألسنتنا»ُ ،
ْتزل تلك ِ
الفرق كلها؛ ولو أن َت َع ّض بأصل شجرة ،حتى يدركك الموت وأنت على جماع ٌة وال إمام؟ قال« :فاع ِ
ذلك» .
18
ظالما ،واحذر ما فيه ظلم ،وإياك والشر ،واحذر ما فيه شر ،وإياك والعذاب،
ً إياك والظلم ،إياك أن تكون
واحذر ما فيه عذاب ،والزم العدل وأهله ،والخير وأهله ،والرحمة وأهلها؛ فإ ّن الخير والعدل تكون عندهما
الشريعة.
خرجت
ْ ٍ
مسألة ومصالح كلها ،وحكم ٌة كلها ،فكل يقول ابن القيم رحمه اهلل" :الشريعة ٌ
عدل كلها ،ورحم ٌة كلها،
ُ
فليست
ْ المفسدة ،ومِن الحكمة إلى ال َع َبث؛ ِ ِ
الجور ،ومن الرحمة إلى ضدِّ ها ،ومن المصلحة إلى َ
ِ
من العدل إلى َ
19 ٍ
شيء وإن ُأ ْد ِخ َل ْت فيها بتأويل" . مِن الشريعة يف
جاءت إال بالعدل ،فإذا جاءتك فتنة سرتى فيها الظلم؛ فاحذرها ،سرتى فيها الشر لك وللمسلمين؛
ْ الشريعة ما
فاحذرها ،سرتى فيها العذاب لك وللمؤمنين؛ فاحذرها ،والزم جانب العدل ،والزم جانب الخير ،والزم جانب
92
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الضابط الرابع عشر :ال تتط َّلب الفتن ،واستعذ باهلل من شرها.
من الفتن.
الضابط الخامس عشر :ال تَغتر بزخرفة الفتن ،وانظر إلى حقيقتها ببصيرة المؤمن.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل" :الدجال َأك َْذب َخ ْلق اهلل؛ مع أ ّن اهلل ُيجري على َيديه ً
أمورا هائل ًة و َمخاريق
زلزلة؛ حتى أ ّن َمن رآه افتَتن به ،ف َيكش ُفها اهلل للمؤمن؛ حتى َيعتقد ك َِذ َبها وبطالهنا"؛ الدجال معه ما ُي ِ
زخرف فتنته ُم ِ
مر معنا -لك ّن المؤمن الذي ينظر إليه ببصيرة المؤمن؛ ينكشف له حال الدجال.
-كما َّ
ٍ
وقال شيخ اإلسالم يف قاعدة شريفة -يا إخوة؛ اسمعوها وانتبهوا لها" :-قد ا َّتفق أهل المعرفة والتَّحقيق أ ّن َّ
الرجل
لو طار يف الهواء ،أو مشى على الماء ،لم ُيتَّبع إال أن يكون مواف ًقا ألمر اهلل ورسوله"؛ الرجل لو رأيناه يطير يف
الهواء أو َيسير على الماء ال نتَّبعه لذلك؛ إال إذا رأيناه مواف ًقا ألمر اهلل وأمر رسوله صلى اهلل عليه وسلم.
فالناس الذين يأتون ويقولون :هؤالء أهل بركة ،أهل خير ،مشت سيارهتم بدون بنزين ،وضعوا الماء مشت
السيارة ،هؤالء أهل كرامات نتّبعهم! هذه ليست قاعدة أهل السنة والجماعة يف هذا الباب.
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل " :قد ا َّتفق أهل المعرفة والتَّحقيق أ ّن ّ
الرجل لو طار يف الهواء ،أو مشى
تأثيرا فا َّتبَعه يف خالف على الماء ،لم ُيتَّبع إال أن يكون مواف ًقا ألمر اهلل ورسوله ،و َمن رأى مِن َر ُج ٍل ُم َ
كاشف ًة أو ً
الكتاب والسنة؛ كان مِن جنس أتباع الدجال؛ فإ ّن الدجال يقول للسماء :أمطري؛ فتُمطِر ،ويقول لألرض :أنبتي؛
93
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
الماء و ُيخيَّل للناس أ ّن الماء مِن الهواء؛ مِن أجل أن َيغرتّ الناس هبذه البدعة أو هبذا الشر؛ فيقعوا يف هذا الشر.
ولذلك يا إخوة؛ أهل السنة والجماعة يؤمنون بكرامات أهل اإليمان ،بكرامات أولياء اهلل ويذكرون لها ضوابط؛
أهم الضوابط :أن يكون صاحب هذا األمر مواف ًقا للكتاب والسنة ،أ ّما إذا كان يخالف الكتاب والسنة ويقول هذه
ِ
مخاريق الشيطان ،هذا ضابط عند أهل السنة والجماعةَ :من ا َّدعى خارقا إن كان موافقا للكتاب كرامة؛ هذه من
ٍ
شيء شر ،واالعتدال خير ،قال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :ال َق ْصدَ ال َق ْصدَ َتبلغوا» رواه فإ ّن الغلو يف ِّ
كل
البخاري ومسلم .وقال النبي -صلى اهلل عليه وسلم« :-إياكم والغُلو ،فإنما َأ ْه َل َك َمن َقبْ َلكم الغُلو» رواه اإلمام
وصححه النووي.
َّ أحمد ،وابن ماجه،
()20الفتاوى الكربى.
94
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
االعتدال .واالعتدال إنما َتح َّقق يف أهل السنة؛ فأهل السنة أهل وسط بين الغالة ُ
والجفاة.
َ
الحقوق بأنواعها؛ عاق ،فأ ِّد الحقُّ ،
فكل َمن قطع ح ًّقا عليه فهو ّ ال ُعقوق :هو َق ْط ُع ّ
معصية اهلل.
وإ ّياك أن َتقطع الحقوق؛ فإ ّن قطع الحقوق مِن أعظم أسباب الوقوع يف الفتن بأنواعها.
ِ ِ
عاوضة؛ إ ْن ُأحسن َأحسنت! ال؛ وإنما اجعل أداءك للحقوق عباد ًة َّ
تتقرب هبا إلى اهلل. للحقوق ُم َ َ
أداءك وال َتجعل
فأعرض عنه ،فسأله الثالثة ،فقال« :اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما ُح ِّملوا
فأعرض عنه ،فسأله الثانيةَ ،
فما تأمرنا؟ َ
ٌ
مسئول بين يدي اهلل. ُّ
والكل أنت عليك ما ُح ِّملت من أداء الحقوق ،وعليهم ما ُح ِّملوا،
وعليكم ما ُح ِّملتم»؛ َ
فمن أعظم الضوابط يف الفتن :أن تحرص على أداء الحقوق وأن تحذر العقوق.
95
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
ف َّ
الحق بأصله وأثره. الضابط الثامن عشر :اِحذر ِقصر النَّظر ،واعرِ ِ
َ َ
الحق ال يكون ح ًّقا إال إذا كان ح ًّقا يف أصله ح ًّقا يف أثره" .فيكون ح ًّقا يف أصله وح ًّقا يف
ُّ فالعلماء يقولون":
َ
إنكارك عليه باطل وليس مسلما؛
ً أنكرت عليه َتع َل ُم مِن حاله أنه َيذهب فيقتل
َ رجال َيشرب الخمر لو
وجدت ً
َ فلو
ح ًّقا.
أنكرت عليه َلذهب يقرأ يف كتب الشبهات والكفر؛ فإنه ال يجوز لك أن ُتنكِر
َ وعلمت منه أنك لو
َ مثال
الشهوات ً
الحق ال يكون ح ًّقا إال إذا كان ح ًّقا يف أصله ح ًّقا يف أثره.
عليه .إذن يا إخوة؛ ُّ
رأيت قو ًما
َ جمع ،وال تكن سي ًفا َيقطع" ،إذا
حبال َي َ
الحق ً
ِّ ولذلك؛ مِن األمور العظيمة قول بعضهم" :كُن يف
حبال يزيدهم اجتماعًا ،وإياك أن تكون سي ًفا بلسانك ُيق ِّطعهم .نعم؛ ِ
مجتمعين على السنة فاحرص على أن تكون ً
فرق أهل السنة و ُيق ِّطعهم و ُيمزِّ قهم فال ُت ِشعه حتى َترجع إلى العلماء و َيتبيَّن لك الخير.
قد َتع َل ُم ح ًّقا لكن إذا كان ُي ِّ
96
شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم
وسائإلصالحالمجتمعودرالشباببهذاالواجب
حرصت فيها على المراجعة لكالم أهل التحقيق ،وقد َأر ِجع يف درس اليوم الواحد
ُ ُيربئ ِّ
الذمة و َينفع األ َّمة ،وقد
ٍ
كتاب أو أكثر؛ رغب ًة يف أن ال نقول يف المجلس إال ح ًّقا ،ينتفع به السامع و َمن وراءه. إلى ما يزيد عن مئة
أن يجزي القائمين على شؤون المسجد النبوي خير الجزاء على ما كان لهم مِن فض ٍل -بعد فضل اهلل سبحانه
تفرقنا
وتعالى -يف إقامة هذه الدروس ،وأسأل اهلل -عز وجل -أن يجعل اجتماعنا اجتماعًا مرحو ًما وأن َيجعل ُّ
تفر ًقا معصو ًما .واهلل أعلم .وصلى اهلل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بعده ّ
97