Professional Documents
Culture Documents
ملخص جاك دريدا
ملخص جاك دريدا
مقدمة
يعد التفكيك أهم حركة ما بعد بنيوية في النقد األدبي فضًال عن كونها الحركة األكثر إثارة للجدل أيض ً,ا .وربم,,ا
ال توجد نظرية في النقد األدبي قد أثارت موجات من اإلعجاب وخلقت حالة من النفور واالمتع,,اض مثلم,,ا فع,,ل
التفكي,,ك في الس,,نوات األخ,,يرة .فمن ناحي,,ة نج,,د أن بعض أعم,,دة النق,,د ( مث,,ل ج .هيليس ميل,,ر وب,,ول دي م,,ان
وجيفري هارتمن وهارولد بلوم ) هم رواد التفكي,,ك على الص,,عيدين النظ,,ري والتط,,بيقي على ال,,رغم من تب,,اين
أسلوبهم وحماسهم ،ومن ناحية أخرى نجد أن الكثير من النقاد ال,,ذين ينض,,وون في خان,,ة النق,,د التقلي,,دي يب,,دون
سخطهم على التفكيك الذي يعدونه سخيفًا وشريرًا ومدمرًا .ولم يخل أي مرك,,ز فك,,ري في أوروب,,ا وأمريك,,ا من
الجدل في قيمة هذه النظرية الجديدة في النقد .
يمكن الق,,ول إن النظري,,ة التفكيكي,,ة بحاج,,ة إلى الكث,,ير من التحليالت الجدي,,دة ،ألن مث,,ل ه,,ذه النظري,,ة المعق,,دة
والشائكة تستعصي على التعريف .وعلى العكس من ذلك بإمكان المرء محاولة تفس,,ير المص,,طلحات األساس,,ية
التي شكلها دريدا لتدمير النقد التقليدي وتسهيل فعل التفكيك .ويخبرنا داري,,دا أن س,,لطة اللغ,,ة ليس,,ت متأتي,,ة من
س,,لطة األدب وال من نس,,ق اللغ,,ة ألن س,,لطة اللغ,,ة ،ش,,أنها في ذل,,ك ش,,أن س,,لطة الموس,,يقى والرس,,م والنحت
والطقوس ...إلخ ،بل هي متأتية من حس بدائي أص,,يل بش,يء مفق,ود وغ,ائب ،وتوجي,ه إدراك اإلنس,ان بع,د
ذلك.
ومن خالل سعي دريدا إلى عرض األساس الميتافيزيقي الذي يرتكز عليه فهمنا للغة ،ومحاولة تحري,,ر فهمن,,ا
من الميتافيزيقا ،شرع دريدا في إطاحة األديان عن عروشها في ممالك اللغة .وينبغي التأكيد عند هذه النقط,,ة
تحديدًا أن دريدا ال يوحي بأي شيء مهول ،فهو يتبنى منهج البحث الحر في مجال المعرفة ،ويحاول تحري,,ر
الذهن من الضغوط والضوابط التي فرضت عليه باسم ال,,رب أو األدي,,ان .وي,,دفعنا دري,,دا ،بق,,وة ،إلى إع,,ادة
التفكير بالمصدر أو الحقيقة من خالل عرض ال,,ذهن على الحري,,ة الجدي,,دة في البحث ،وله,,ذا الس,,بب تنط,,وي
جداالت دريدا وحججه على مضامين روحية.
لقد استند مفهوم الكتابة الجديد الذي صاغه دريدا إلى ثالث كلمات معق,,دة ج,,دًا ،هي :االختالف difference
واألث ر traceوالكتاب ة األص لية [األولى] .arche - writingوس,,نحاول تفس,,ير ك,,ل مص,,طلح من ه,,ذه
المصطلحات الثالث بالقدر الممكن ،وسنبين الكيفية التي تؤدي بها هذه المصطلحات إلى فعل التفكيك.
لقد مّيز (روسو) الذي أشبعه دريدا دراسة وتمحيصا ونقدا ،بين نوعين من الكتابة :كتابة حسنة طبيعية وكتابة
سيئة ،فاحشة وقبيحة .الكتابة األولى تتصل بالذات اإللهية باعتب,ار أنه,ا "خ,ط إلهي في القلب وال,روح" ،يش,دد
روسو على أن الكالم هو أصل اللغة .ولكن لدريدا فيما تقدم رأي آخر ،فهو ي رى أس بقية للكتاب ة على الكالم
مستلهما من روسو نفسه ،ومجيبا عليه ،بقوله "إذا ك انت الكتاب ة خط يرة ومقلق ة فألنه ا بدئي ة وتدش ينية
بالمعنى األكثر فتوة للكلمة" ،معتبرا أن الكتابة تقطن أصل الكالم ،وأن "الكالم األصلي كتابة".
وقد استلهم دريدا أيض,,ا ،من إدمون,,د هوس,,ول كي,,ف أن الظ,,واهر ال,,تي تنطب,,ع في ال,,وعي على ش,,كل ماهي,,ات
ومعيشات وعي حاضرة ،هي كتابة أولية سابقة على الكالم المنطوق ،ولكن يجب التنبه إلى ع دم فص لها عن
وجودها الحقيقي المتحقق في الخارج أو في المخيل ة إذ ال يمكنن ا أن ننس اها ألنه ا المس وغ الوج ودي له ا
وعليه فإن الكتابة المبحوث عنها -يقول دريدا -موجودة قبل الكالم وداخل الكالم.
ويرى دريدا أن ثمة عنصرًا آخ,ر ه,و " التمرك,ز ح,ول الكتاب,ة " ،graphocentrismومن الممكن أن نب,دأ
الق,,ول ب,,أن الكتاب,,ة writingكتابي,,ة ، graphicوأن الج,,رافيم graphemeه,,و ح,,رف في األبجدي,,ة أو أن,,ه
مجموع الح,روف أو المجموع,ات الحرفي,ة ال,تي من الممكن أن تش,ير إلى الف,ونيم ( phonemeال,ذي يمكن
تعريفه بأنه أصغر وحدة كالم تميز ملفوظا م,,ا أو كلم,,ة م,,ا من ملف,,وظ آخ,,ر أو كلم,,ة أخ,,رى في اللغ,,ة) .وإذا
علمنا أن الكتابة كتابية لذا يمكن القول أن الجرافيم ،تبعًا إلى ما يذكره المفهوم التقليدي ،دال صرف يقصد به
أن وحدة الكتابة ليس لها أية صلة عدا كونها تمثل الصورة الصوتية .وله,,ذا الس,,بب يمكن الق,ول أن المقص,,ود
بالتمركز حول الكتابة هو انتقال األهمية من الكالم إلى الكتابة ،وهو يمثل قلبًا للمفهوم التقليدي القائل بأولوي,,ة
الكالم أو الكلمة المنطوقة على الكتابة أو الكلمة المكتوبة .
ل قد أطلق دريدا تسمية " الكتابة األصلية " على الفرق بين مفهوم الكتابة هذا ومفهوم الكتابة المبت,,ذل الض,,يق .
وتعمل الكتابة األصلية في التعبيرات الكتابية وغير الكتابي,,ة .والكتاب,,ة بمعناه,,ا الض,,يق تع,,د كتابي,,ة graphic
تعتمد مفهوم الجرافيم الذي هو في حقيقته دال صرف .أما في النظرية التفكيكية التي حدد دريدا أبعادها ،فق,,د
أصبح لصفة الكتابية معنى مختلفً,ا عن المع,نى ال,ذي ك,ان مت,داوًال في االس,تعمال التقلي,دي .ويمكن الق,ول أن
الشكل الكتابي grapheهو " أثر متمأسس.
وقد أصبح لتوجه النظرية التفكيكية نحو التمركز حول الكتابة داللة تض,,مين واس,,عة بس,,بب األث,,ر المتمأس,,س،
ولهذا السبب فإن التغيير الذي أحدثه دري,,دا لم يكن تغي,,يرا باألهمي,,ة ال,,تي تمت,,ع به,,ا مفه,,وم الكالم على مفه,,وم
الكتابة ،قدر تعلق األمر بالفهم التقليدي لهذه المص,,طلحات .إذ ي,,وحي التمرك,,ز ح,,ول الكتاب,,ة ،ب,,المعنى ال,,ذي
حدده دريدا ،بالتوجه الذي يسلكه الفهم على نحو يدفع الذهن إلى تصور وظيفة األثر في أن,,واع التعري,,ف كله,,ا
التي تسير الوعي أو اإلدراك .فاألثر يب,,دي عمل,,ه في ص,,ورة الب,,ورتريت (الص,,ورة الشخص,,ية) ،والملص,,ق
الجداري (البوستر) واسم الَع َلم ،واإليماءة والكلم,,ة المنطوق,,ة والكلم,,ة المكتوب,,ة ،وغيره,,ا .ويمث,,ل التمرك,,ز
حول الكتابة اإلدراك الجديد لوظيفة األثر .فأنا حينما أتصور ص,,ورة شخص,,ية يب,,دأ ذه,,ني أو إدراكي بالعم,,ل
رغبة مني في فهم داللة هذه الصورة ،وتعد عملية اشتعال الذهن غير مادية .فالذهن يتحرك بحث ً,ا عن ش,,يء
بعيد عما موجود في الص,,ورة (بمع,,نى البحث عن ش,,يء خّل ف بص,,ماته الش,,بحية على الص,,ورة) ،وتل,,ك هي
وظيفة االختالف .في حين أن البصمة الشبحية هي األثر .ألن األثر بذاته غ,ير موج,ود ( . )GO, p. 167
ويمكن تعريف التمركز حول الكتابة بأن,,ه ه,,ذا اإلدراك الحس,,ي الجدي,,د ب,,أن ش,,يئًا م,,ا ،ش,,يئًا غائبً,ا ،ق,,د ت,,رك
بصماته ( بصماته الشبحية ) على الموضوعات التي تخلق حركات معينة في الذهن (وتلك البصمات الش,,بحية
هي األثر) .ويبدأ األثر بالعمل من خالل االختالف واإلرجاء (االختالف +اإلرجاء = االخـ" ت " الف).
-2االختالف واالرجاء:
اعتبر دري,,دا أن ال,,دال ال ي,,دل دائم,,ا على الم,,دلول وهم,,ا ليس,,ا واح,,دا أو وجهين لعمل,,ة واح,,دة ،واالختالف «
»Différenceمص,,طلح مش,,تق من الالتيني,,ة differreول,,ه معني,,ان في الفرنس,,ية واإلنكليزي,,ة؛ differو
deferيشير األول إلى حركة مميزة ومفهومة مكانّيا ،ويشير الثاني إلى حركة تأجيل وتريث في الزمن.
انطالقا من ذلك ،ابت,,دع دري,,دا مص,,طلح « »Différanceبح,,رف « »Aب,,دال من « »Eالمس,,تمد من لفظ,,ة «
»Différenceالتي تعني اختالف ،معتبرا إّن هذا من شأنه أن يسمح باستحضار ال,,دالالت األخ,,رى المخالف,ة
للمعنى األّو ل من اللفظة السابقة ،Différenceفتكون الداللة الجدي,,دة لعب,,ارة « »Différanceمنطوي,,ة على
اإلرجاء والخالف واإلخالف معا ،من خالل األثر « .»Aحيث يجب النظر إلى لفظة Différanceعلى أنها
سلسة من الحروف التي من الممكن أن ُينظر إلى كل حرف واحد منه,,ا بمع,,زل عن ب,,اقي الح,,روف األخ,,رى،
وليس كتصور أو مفهوم.
إّن تفكيك اللفظة األولى وفقا لهذه الطريقة في التأويل لهو عملية خلخلة وتصّد ع للمعنى األحادي المزع,,وم في
الكلم,ات ،إذ إن كلم,ة االختالف Différenceتبقى تع,ني االختالف إلى أن نص,ل إلى ح,رف « »Eونس,تبدله
بحرف « ،»Aحينها يدخل اإلرجاء ،وهذا يحيلنا إلى عدم إمكاني,,ة التمرك,,ز ح,,ول الص,,وت ،ألن اللف,,ظ هن,,ا أو
الدال ال يدل على المعنى المقصود أو المدلول .وباالنطالق من كّل ما من ش,,أنه أن يش ّ,تت ويقّ,,و ض باآلث,,ار «
»Les tracesالعالقة بهذا المعنى المزعوم ،سيكون أّو ل ما تقّوضه هذه الخلخل,,ة النقدي,,ة ه,,و االدع,,اء القائ,,ل
بمركزية الوظيفة التعبيرية للغة ،والبّين أّن هذا الزعم مجرد فرض مسبق ال يق,,در على الص,,مود أثن,,اء تفكي,,ك
التصور اللساني للعالمة اللغوية كما أّسس له دسوسير .والواقع أّن غرضه األساسي من هذه العملي,ة التفكيكي,ة
هو أن يمّك ن تقويض هذه الخلخلة القدرة على َم ْح و تلك اآلثار العالقة بالمعنى األّو ل المزعوم للكلمة أو العالمة
بعد إبرازها وكشفها .ولذلك ،أصبح تفكيك اآلثار العالقة بالعبارات والعالمات اللسانية وغير اللسانية ممارس,,ة
تفكيكية لعملية تخصيب مستمرة للكلمات والنصوص ،ومن ثّم إبراز االختالفات التي تقبع فيها ،ورف,,ع الحجب
عن اله,,وامش ال,,تي توج,,د ب,,داخلها .ويمكن توض,,يح م,,ا ذكرن,,اه بالمث,,ال اآلتي :فنحن نم,,يز بين كلم,,تي three
[وتعني ثالثة] و [ treeتعني شجرة] في الكالم والكتابة ،فهما مختلفتان تمامً,ا وتكش,فان عن هويتهم,ا .ويع,د
هذا االختالف إحدى الق,,وتين الموج,,ودتين في ك,,ل عالم,,ة .أم,,ا الق,,وة األخ,,رى في العالم,,ة فهي ق,,درتها على
اإلرجاء ،أي قابليتها على التأجيل .فعلى سبيل المثال إن كلمة " وردة " في قصيدة ما ال تبدأ بكش,,ف المع,,نى
إال حينما ندرك أنها ليست تلك الوردة التي نراها في الواقع ،بل أن لها ش,,يئًا آخ,,ر ،ذل,,ك الش,,يء ال,,ذي ينبغي
اكتشافه .ولهذا السبب فإن العالمة نصفها واف والنصف اآلخ,ر غ,ير واٍف ،وه,ذه الحقيق,ة ض,رورية لبداي,ة
فهمنا إال إنها غير كافية بسبب نقصها .وعلى خالف ما أكد سوسير فإن العالمة هي ليست " الدال +الم,دلول
" بل هي " االختالف +اإلرجاء " .حيث يرى سوسير أن العالمة اتحاد في حين يراها دريدا اختالف .وبم,,ا
إن العالمة غير وافية وناقص,ة ل,ذلك ينبغي أن تفهم على إنه,ا " تحت الش,طب [ المح,و] " under erasure
وهو مصطلح صاغه دريدا ليشير إلى عدم كفاية العالمات ونقصها .فهي مكتوب,,ة لكنه,,ا م,,ع ذل,,ك مش,,طوبة ،
فنحن نشطبها لنشير إلى نقصها .ولهذا السبب تحمل كل عالم,,ة ه,,ذه اإلش,,ارة عليه,,ا .وينبغي أال نأخ,,ذ فك,,رة
تشطيب العالمة على نحو حرفي ،بل على نح,,و إيح,,ائي فق,,ط .فه,,ذه الش,,طبة ت,,وحي بنقص العالم,,ات وع,,دم
كفايتها ،بل عدم قطعيتها .إذ ال توجد عالمة يمكن أن نق,ول عنه,ا انه,ا دال لش,يء أزلي ،فهي ال تتمت,ع بأي,ة
قيمة مطلقة ،كما إنها ال تحيل أي شيء متعاٍل ..فالعالمة سياقية ، contextualوهي تخلق سراب المدلول ،
وإن جل ما تستطيع القيام به أنها ترسلنا بحثًا عما تحتاج هي إليه وتذكرنا بما هو غير كائن فيها .
-3األثر:
ينطلق دريدا من أن نسيج اآلثار ،يشير بصورة ال نهائية إلى أش,ياء غ,ير نفس,ها ،إلى آث,ار اختالف,ات متع,ددة،
وهذا ما تؤكده طبيعة اللغة االختالفية .وتظهر هذه االختالف,,ات بين العناص,,ر أو ب,,األحرى تنتجه,,ا أو تجعله,,ا
تنبثق بوص,,فها ك,,ذلك ،وتش,,كل نصوص,,ا وسالس,,ل ونظم آث,,ار .ه,,ذه السالس,,ل وه,,ذه النظم ال يمكن أن تتح,,دد
معانيها إال في نسيج هذا األثر أو البصمة .إن ما هو كائن في العالمة يحرك ال,,ذهن باتج,,اه م,,ا ه,,و غ,,ير ك,,ائن
فيها ،ولهذا السبب فإن ما هو موجود في العالمة يحمل أثر ما هو غير موجود فيها ،وتس,,تطيع العالم,,ة أس,,ر
الذهن ألن بمقدورها أن تذكرنا بما هو غير موجود فيها ،وتستطيع عبر هذا التذكير تحف,يز ال,ذهن ودفع,ه إلى
الحركة .وهك,,ذا نق,,ول أن العالم,,ة أث,,ر ،وتحم,,ل في أثره,,ا ق,,وتين هم,,ا االختالف واإلرج,,اء .ل,,ذا ص,,ار من
الضروري أن يتغير مفهوم الكتابة مع ظهور مصطلحي " االختالف " و " األثر" إذ ما عاد باإلمك,,ان اإلبق,,اء
على تعريفها بأنها "الحرف" و "النقش المحسوس" و "الجسد والمادة" الخارجية بالنسبة إلى العق,,ل .حيث إن
األثر يرتبط -لدى دريدا -ارتباطا وثيقا بمفاهيم االختالف والكتاب,,ة والحض,,ور ،ف,,االختالف ال يمكن أن يظه,,ر
بدون األثر ،وفي هذا األثر الخالص يكمن اإلرجاء نفسه .يقول دريدا في هذا الس,ياق" :إن األث,ر ه,و اإلرج,اء
الذي يفتح الظهور والداللة .وهو ال,,ذي يرب,,ط الحي بغ,,ير الحي بوج,,ه ع,ام .وه,,و أص,,ل لك,,ل تك,,رار ،وأص,,ل
المثالية ،ولكنه ليس مثاليا أكثر منه واقعيا ،وليس معقوال أكثر منه محسوسا ،وليس داللة شفافة أكثر منه طاقة
معتمة ،وال يمكن ألي مفهوم ميتافيزيقي أن يصفه.
إن اإلحساس بالغياب و التوق للحضور هو الكتابة األصلية ،أما بصمات ذلك الحض,,ور الغ,,ائب ال,,ذي ندرك,,ه
في كل مكان فهو األثر .واألثر ينبثق من قلب النص كقوة تنتعش وتتشكل بها الكتابة ،وإن كان سحرا ال ُيدرك
بحس ،ولكنه يتحرك من أعمق أعماق النص متسربا من داخ,,ل مغ,,اوره ،ليش,,عل طاقات,,ه بالفعالي,,ات الملتهب,,ة،
مؤثرا بذلك على كل ما حوله دون أن تستطيع يٌد مسه .حيث أن "هناك في كل نص ميتافيزيقي (أث,,ر) موش,,وم
يحيلن,,ا إلى نص آخ,,ر حاض,,ر بغياب,,ه ،وأن وش,,مة ه,,ذا األث,,ر على النص الميت,,افيزيقي ال يمكن أن ت,,درك إال
(كمحو) لألثر نفسه ،وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المحو يخلف أثره في النص .إن,,ه لف,,ظ تض,,اد ينط,,وي على
قوة للخلخلة والتفكيك عملت الميتافيزيقا على الدوام على الحط من أحد معانيه.
الخاتمة:
الظاهر مّم ا سبق أّن الكتابة في ظّل فلسفة االختالف هذه ،لهي اس,,تراتيجية نقدي,,ة لتفكي,,ك ميتافيزيق,,ا الحض,,ور
القاضية باعتبار اللغ,ة مق,والت وق,والب للتفك,ير العقلي .ويس,تتبع تق,ويض مركزي,ة الص,وت والكالم في ه,ذه
الفلس,,فة االختالفي,,ة تق,,ويض مركزي,,ة العق,,ل من حيث ه,,و لوغ,,وس الكالم المش,,حون بالص,,وت وبال,,دالالت
واإلش,,ارات العقلي,,ة والتمّثلي,,ة المش,,بعة بميتافيزيق,,ا الحض,,ور .إن,,ه ال يمكن للكتاب,,ة هن,,ا أن تك,,ون مفهوًم ا أو
موض,,وًعا لممارس,,ة منهجّي ة مح ّ,د دة ،كم,,ا أّنه,,ا ال يمكن أن تع,,رف كموض,,وع للدراس,,ة المنهجي,,ة ،بالت,,الي
فالنحويات ،أو ما يمكن إّن يسّم ى أيضا بعلم الكتابة ،لن يكون علًم ا إطالًق ا ب,,المعنى التقلي,,دي ال,,ذي نع,,رف ب,,ه
العلم .ولكن خالًفا لذلك ،الكتابة هنا لعبة تدمير إمكان قيام أي نسق تصّ,,وري لل,,دال والم,,دلول للعالم,,ات ،إّنه,,ا
لعبة تأويل ال نهائي للعالمة حّد تقويضها وخلخلتها .كم,ا ان أهم المش,كالت ال,تي واجهت دري,دا في مش,روعه
هذا ،هي هروبه الدائم من تعريف محدد لالختالف المرجئ مما اضطره الى االستدالل عليه ب,,التلميح والس,,لب
أو النفي .فبمقتضى هذه الممارسة النقدية ،تغدوا االختالفات الثانوية في البنية الداخلي,,ة للنص,,وص اس,,تراتيجية
فّعالة لتوزيع الداللة المزعومة وتشتيتها .وفي هذه الحالة ال تع ُّ,د لفظ,,ة "االختالف" تصّ,,وًرا كم,,ا ق,,د يمكن أن
يفهم للوهلة األولى من منطلق تمّثلي للغ,ة ،وال هي بمفه,وم خ,اص بدري,دا ،وإّنم,ا هي مجّ,رد عالم,ة مفتوح,ة
الداللة ،يمكن تأويلها باستمرار حسب تغّير النصوص مّم ا يجعلها غير قابلة للترجمة إطالًقا.