Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 723

2021 ۩ ‫دجنرب‬ ۩ 37 ‫الــعدد‬

‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

‫للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية‬


Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies
‫مجلة قانونية علمية محكمة تعنى بنشر المقاالت واألبحاث القانونية والفقهية والقضائية‬
‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬ ***** ‫مدير المجلة – األستاذ محمد القاسمي‬

‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬


…… ………………
…….. … ……………… 
‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬ 

08 31 149 


19 




19 







 Les Droits Fondamentaux dans la Constitution Marocaine . DOUCTOR Abdelhamid Adnane

 L’autonomie financière des établissements de coopération intercommunale DOUCTOR Tarik ECHBARI

 Le droit de la preuve à l’épreuve du Blockchain................................. ..... PR. LOUKILI Ghizlane

:ISSN: 2550 – 603X ‫ر دمد‬


® ‫ م‬2017 ‫جميع حقوق النشر محفوظة لسنة‬

P1 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


FCB- majalatlbahit Majalatlbahit2017@gmail.com www.allbahit.com
‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫(‬
‫)‬
‫صدق اهلل العظيم‬

‫اآلية الحادية عشر (‪ )11‬من سورة المجادلة‬

‫‪P2‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪P3‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪P4‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬سعيد عليد‪. ...................................................................................‬مهتم بالشؤون القانونية (المغرب)‬


‫‪.‬‬

‫‪ ‬أحمد تشيك‪ ..................................................................................‬مهتم بالشؤون القانونية (المغرب)‬


‫‪ ‬بشرى واعراب‪ .................................................................................‬مهتم بالشؤون القانونية (المغرب)‬
‫‪ ‬حياة وقسو‪ ...................................................................................‬مهتمة بالشؤون القانونية (المغرب)‬

‫‪P5‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪P6‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فهرسة العدد‬

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬


‫‪12‬‬ ‫سؤال العدالة في ممارسة اإلدارة الضريبية لحق الشفعة لفائدة الدولة…………………‪…..........................‬‬

‫الدكتور هشام بندرقاوي‬

‫‪37‬‬ ‫النطاق الموضوعي لمعاملة الحدث الجانح عقابيا ‪-‬دراسة مقارنة‪..……..........…................………………-‬‬

‫الدكتور حميد اسحاب‬

‫‪71‬‬ ‫من مراقبة الحدود إلى تسيير الحدود‪ :‬تصور جديد للتعاون األمني األ ورومغربي‪.......................................‬‬

‫الدكتور محسن المدني‬

‫‪87‬‬ ‫األهداف ذات القيمة الدستورية‪ :‬المفهوم‪ ،‬األساس والوظائف‪...........................................................‬‬

‫الدكتور نبيل الحجوي و الدكتور حجاجي امحمد‬

‫‪102‬‬ ‫مقاربة المادة ‪ 141‬من القانون رقم ‪................................................................................. 80-31‬‬

‫الدكتور يوسف الزوجال‬

‫‪121‬‬ ‫دور االجتهاد القضائي الدستوري في تعزيز دسترةحقوق المعارضة البرلمانية‪.......................................‬‬

‫الدكتور يوسف بن هيبة‬

‫‪168‬‬ ‫ضوابط سلطات الضبط اإلداري ضمانة فعالة للحقوق والحريات‪...........................................................‬‬

‫الدكتور وديع البقالي‬

‫‪198‬‬ ‫تجربة التعليم عن بعد في المغرب زمن جائحة كوفيد‪..................................................................11-‬‬

‫الدكتور محمد بومديان‬

‫‪217‬‬ ‫تجربة ماليزيا إلصالح التعليم العالي‪ :‬دعوة لإلقتداء‪.........................................................................‬‬

‫الدكتور محمد محاسني‬

‫‪P7‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪241‬‬ ‫نطاق اختصاص المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة‪............................................................................‬‬

‫الدكتورة اللة إكرام العلمي‬

‫‪271‬‬ ‫تطـور عالقـة الدولة بالجماعـات الترابية في اتجــاه الحكامة الترابيـة‪.....................................................‬‬

‫األستاذ محيب عبد الصمد‬

‫‪313‬‬ ‫مدونة السير على الطرق في ضوء العمل القضائي‪.........................................................................‬‬


‫األستاذة مالك روكي‬

‫‪337‬‬ ‫خـصوصية الـعقوبات زمن انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد ‪..............................................."11‬‬

‫األستاذ أنوار غنام‬

‫‪365‬‬ ‫السياسة القضائية على ضوء المقتضيات الدستورية والتشريعية الراهنة‪................................................‬‬

‫الدكتور محمد البغدادي‬

‫‪392‬‬ ‫مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية للمشغل‪...................................................................................‬‬

‫األستاذ عاللى عبد اللطيف‬

‫‪441‬‬ ‫النطاق الشخصي للضمان العشري في التشريع المغربي‪....................................................................‬‬

‫األستاذ مصطفى عمالقي‬

‫‪462‬‬ ‫رهان االرتقاء بمجال الموارد البشرية التعليمية‪................................................................................‬‬

‫األستاذ محمد ضريف‬

‫‪489‬‬ ‫بعض مظاهر الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪......................................................‬‬

‫األستاذ سعيد ليزي‬

‫‪536‬‬ ‫المسؤولية على أساس المخاطر للمرفق العام الطبي‪.........................................................................‬‬

‫األستاذ عبد الخالق أمغار‬

‫‪P0‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪564‬‬ ‫الطبيعة القانونية لعقد ا لكراء الفالحي لملك الدولة الخاص‪...............................................................‬‬

‫األستاذ مروان الباقي‬

‫‪584‬‬ ‫التخطيط العمراني بالوسط القروي المحدودية واالفاق‪....................................................................‬‬

‫األستاذ يحيى ابهندا‬

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة الفرنسية‬


‫‪619‬‬ ‫‪Les Droits Fondamentaux dans la Constitution Marocaine..........................‬‬

‫‪DOUCTOR Abdelhamid Adnane‬‬

‫‪651‬‬ ‫‪L’autonomie financière des établissements de coopération intercommunale........‬‬

‫‪DOUCTOR Tarik ECHBARI‬‬

‫‪669‬‬ ‫‪Le droit de la preuve à l’épreuve du Blockchain.........................................‬‬

‫‪PR. LOUKILI Ghizlane‬‬

‫تقارير علمية لندوات أكادميية قانونية وقضائية‬


‫‪716‬‬ ‫تقرير بعنوان" التعامل السليم مع المساطر اإلجرائية أثناء كتابة األطروحة"‪..........................................‬‬

‫األستاذة سميرة خزرون‬

‫‪P1‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بسم هلل الكريم‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وبفضله نمضي ونغدو‬


‫في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫أشرف المرسلين‪ ،‬نهر الهدى وبحر الندى وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري‬
‫واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‪...‬أما بعد‪ :‬تتمة‬
‫للمسار الذي بدأناه مند سنوات خلت في مجال النشر‬
‫العلمي والبحث األكاديمي‪ ،‬فإنه لمن دواعي السرور أن‬
‫نقص شريط عدد جديد من أعداد مجلتنا‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بالعدد ‪ 37‬دجنبر ‪ ،0202‬هذا األخير جاء بعد اصدار ثلة من األعداد المتنوعة من‬
‫المجلة‪ ،‬بين تلك المتعلقة بالقانون الخاص أو تلك المتعلقة بالقانون العام‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى إصدار ستة أعداد متعلقة بجائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية التي مازال العالم‬
‫يتجرع ويالتهما‪ ،‬راجين من اهلل العلي القدير أن يعجل برفعهما‪ ،‬آمين‪...‬‬

‫فالعدد السابع والثالثون (‪ ) 37‬من هذا الصرح غني بمقاالت وأبحاث في مجال‬
‫القانون والعدالة‪ ،‬ألفها أساتذة التعليم العالي ودكاترة وممارسين وباحثين في أسالك‬
‫الدكتوراه من المغرب وبعض الدول العربية الشقيقة‪ ،‬ستشكل بال شك أو أدنى ريب‬
‫إضافة للخزانة القانونية الرقمية‪ ،‬ومادة علمية يعتمدها الفقيه والمتخصص والباحث‬
‫وكل مهتم بالتأليف في الشأن القانوني والقضائي المغربي والمقارن سواء في القانون‬
‫العام أو الخاص على حد سواء‪...‬‬

‫فالشكر الجزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تأليف وصياغة بنيان هذا‬
‫ال عدد‪ ،‬والشكر الجزيل للجنة العلمية وللجنة التنقيح والمراجعة اللغوية والنشر‪ ،‬وفي‬
‫انتظار اصدار العدد ‪ 38‬يناير ‪ ،0200‬تفضلوا بقبول أسمى عبارات التقدير واالحترام؛‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‪...‬‬

‫حرر بخريبكة – المملكة المغربية في ‪0202/20/08‬‬

‫‪P 18‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور هشام بندرقاوي‬


‫دكتور يف القانون العام والعلوم السياسية‬
‫جامعة القاضي عياض – مراكش‬

‫سؤال العدالة في ممارسة اإلدارة الضريبية لحق الشفعة‬


‫لفائدة الدولة‬
‫‪The question of equity in the exercise of the right of preemption in the State’s interest by‬‬
‫‪the tax administration‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫تملك اإلدارة الضريبية سلطة تقديرية واسعة في تقدير الواجبات التكميلية‬
‫التي يتعين على األطراف أداؤها باملراضاة وبدون سلوكها ملسطرة تصحيح‬
‫الضريبة‪.‬‬
‫فقد خول املشرع املغربي لإلدارة الضريبية فيما يخص املراقبة الضريبية في‬
‫مجال التسجيل إجراء موازيا لإلجراءات التي تضمنتها املدونة العامة للضرائب‬
‫واملتعلقة باملسطرة العادية لتصحيح الضرائب‪ ،1‬يتمثل في إمكانية ممارسة حق‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الشفعة‪ ،32‬لتهديد الخاضع لواجبات التسجيل وحثه على التوصل إلى حل‬
‫توافقي حول الواجبات التكميلية‪.‬‬
‫إن حق الشفعة لفائدة الدولة امتياز يسمح لإلدارة الضريبية بالحلول محل‬
‫املفوت له العقار أو الحقوق العينية العقارية‪ ،‬عندما تقدر بناء على سلطتها‬
‫التقديرية بأن ثمن البيع املصرح به أو التصريح التقديري لقيمة هذه املمتلكات‬
‫ناقص‪ ،‬وأن أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة لم يتأت الحصول‬
‫عليه باملراضاة‪ ،‬وذلك مقابل تعويض يتمثل في دفع مبلغ الثمن املصرح به‬
‫وواجبات التسجيل املؤداة ورسوم املحافظة العقارية في حالة وجودها و‪ %5‬من‬
‫مبلغ الثمن املصرح به‪.‬‬
‫وقد حددت املادتان ‪ 341‬و‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب شروط ومسطرة‬
‫ممارسة اإلدارة الضريبية لسلطتها التقديرية في شفعة العقار موضوع التفويت‬
‫لفائدة الدولة (املبحث األول)‪ .‬غير أن توفر اإلدارة الضريبية على إجراء موازي‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ملراقبة الضريبة في مجال التسجيل‪ ،‬يتطلب تقييم ممارسة اإلدارة الضريبية‬


‫لسلطتها التقديرية في شفعة العقار موضوع التفويت لفائدة الدولة (املبحث‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬شروط ومسطرة ممارسة اإلدارة الضريبية لسلطتها التقديرية‬
‫في الشفعة لفائدة الدولة‬
‫إن عدم التوصل إلى اتفاق بين اإلدارة الضريبية واملفوت له (الخاضع‬
‫للضريبة) بشأن الواجبات التكميلية‪ ،‬يخول لإلدارة الضريبية سلطة تقديرية في‬
‫شفعة العقار موضوع التفويت‪.‬‬
‫ولقد حدد املشرع املغربي في املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب الشروط‬
‫املوضوعية الالزم توفرها ملمارسة اإلدارة الضريبية لسلطتها التقديرية في‬
‫الشفعة لفائدة الدولة (املطلب األول) وأحال على املادة ‪ 332‬من نفس املدونة‬
‫فيما يخص اإلجراءات املسطرية املفروض على اإلدارة الضريبية سلوكها اتجاه‬
‫الخاضع للضريبة عند ممارستها لهذا الحق (املطلب الثاني)‪ ،‬ضمانا لحقوق‬
‫الخاضعين للضريبة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الشروط املوضوعية ملمارسة حق الشفعة الضريبية‬
‫نصت املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب على مجموعة من الشروط‬
‫املوضوعية الالزم توفرها ملمارسة اإلدارة الضريبية سلطتها التقديرية في الشفعة‬
‫لفائدة الدولة‪.‬‬
‫إن حق الشفعة لفائدة الدولة ال يمكن أن يمارس إال إذا تعلق األمر بتفويت‬
‫عقار أو حقوق عينية عقارية‪ ،‬بمعنى أن املشرع استثنى ممارسة حق الشفعة‬
‫لفائدة الدولة على املنقوالت وباقي الحقوق األخرى وحصرها في العقارات‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والحقوق العينية العقارية فقط‪ .4‬وهذا الحصر من شأنه عدم توسع اإلدارة‬
‫الضريبية في محل حق الشفعة لفائدة الدولة‪.5‬‬
‫ويجب أن تكون هذه العقارات والحقوق العينية العقارية التي تكون موضوع‬
‫الشفعة لفائدة الدولة موضوع نقل رضائي‪ ،‬وبالتالي فقد تم استبعاد النقل‬
‫الجبري للملكية (البيع باملزاد العلني)‪ .6‬وهذا ش يء منطقي باعتبار أن البيوع‬
‫الجبرية ال يمكن إخفاء الثمن فيها فضال عن أنها تتم تحت إشراف السلطة‬
‫القضائية‪.7‬‬
‫كما اشترط املشرع في املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب أن يكون نقل‬
‫امللكية بين األحياء‪ ،‬بمعنى استبعاد نقل امللكية بسبب املوت (اإلرث)‪.8‬‬
‫كما سوى املشرع بين حالة نقل امللكية بعوض أو بغير عوض باستثناء الهبات‬
‫بين األصول والفروع‪ ،‬وعليه فإن الهبة لغير األصول والفروع تكون تحت إمكانية‬
‫ممارسة اإلدارة الضريبية لحق الشفعة لفائدة الدولة‪.9‬‬
‫وأعطى املشرع لوزير املالية أو الشخص املفوض له ذلك سلطة تقديرية واسعة‬
‫فيما يخص مدى تناسب القيمة التجارية للعقار مع الثمن املصرح به أو التصريح‬
‫التقديري‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل استعماله لعبارة "إذا بدا له"‪.10‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يظهر عدم التناسب في وجود نقصان في الثمن‪ 11‬املصرح به في العقد‪ ،‬بحيث‬


‫يعمد األطراف إلى دفع مبلغ أقل من املبلغ الحقيقي الواجب دفعه كرسم‬
‫للتسجيل‪.12‬‬
‫ولكي تستطيع اإلدارة الضريبية معرفة القيمة التجارية للعقار وقت التفويت‪،‬‬
‫فهناك مجموعة من اآلليات التي تعتمدها‪ ،13‬فهي تعتمد على ثالثة شرائح لألثمنة‬
‫حسب موقع العقار ونوعية بنائه ومحتوياته ومساحته‪ ،14‬كما تعتمد اإلدارة‬
‫أحيانا على أسلوب املقارنة‪ 15‬واألسعار املرجعية للعقارات حسب كل منطقة‪.16‬‬
‫وهي معايير غير ثابتة ومجال تطبيقها تختلف من جهة إلى أخرى وحسب‬
‫األشخاص املنفذين لها‪.17‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن حق الشفعة لفائدة الدولة يستهدف كل مشتر صرح بثمن شراء‬
‫يقل عن القيمة التجارية للعقار وقت التفويت‪.‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فعدم تطابق الثمن املصرح به مع القيمة املقدرة من قبل اإلدارة الضريبية‬


‫للملك العقاري املفوت تؤدي إلى ممارسة اإلدارة الضريبية لحق الشفعة لفائدة‬
‫الدولة‪ ،‬فهذا األخير ال يهدف إلى زجر الغش الضريبي‪ ،‬وإنما يلجأ إليه حتى عندما‬
‫يكون الثمن املصرح به يساوي الثمن املدفوع فعليا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهو يرمي إلى‬
‫الحيلولة دون عدم فرض واجبات تسجيل أكبر‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن حسن‬
‫أو سوء نية املفوت إليه‪ ،‬ما دام أن نقصان الثمن يمكن أن يفسر بأسباب غير‬
‫خطيرة‪ ،‬مثل الحسنى والجهل واالستعجال‪.‬‬
‫غير أن ما تجدر اإلشارة إليه هو أن مقدار واجبات التسجيل تختلف اختالفا‬
‫كبيرا حسب ما إذا كانت اإلدارة الضريبية تعتقد أنها أمام "مشتر حسن النية" أو‬
‫أمام "مشتر س يء النية"‪.18‬‬
‫ففي الحالة األولى تقتصر الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة الضريبية‬
‫على الواجبات التكميلية وغرامة التأخير بنسبة ‪ %35‬من مبلغ الواجبات‬
‫التكميلية إضافة إلى فوائد التأخير‪.‬‬
‫أما في الحالة الثانية فتشمل الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة‬
‫الضريبية الواجبات التكميلية وغرامة سوء النية بنسبة ‪ %311‬من مبلغ‬
‫الواجبات التكميلية إضافة إلى فوائد التأخير‪.‬‬
‫وتبين املمارسة اإلدارية في هذا املجال‪ ،‬أن تقدير حسن أو سوء نية املشتري‬
‫يكون في ضوء الفرق بين ثمن البيع املصرح به وبين تقدير اإلدارة الضريبية‬
‫للقيمة التجارية للعقار وقت التفويت‪ ،‬فكلما كان هذا الفرق كبيرا كلما مالت‬
‫اإلدارة الضريبية إلى اعتبار املشتري س يء النية‪.‬‬
‫ويلعب التفاوض والصلح دورا كبيرا في الحد بشكل ملموس من عدد الحاالت‬
‫التي تصل فيها مسطرة الشفعة لفائدة الدولة إلى تجريد الخاضع للضريبة من‬
‫ممتلكاته‪ ،‬ففي الغالبية العظمى من الحاالت يبدي الخاضع للضريبة استعداده‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لألداء الحبي للواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة الضريبية مقابل‬
‫تخفيض متفق عليه‪ ،‬يضمن في عقد الصلح الذي يضع حدا نهائيا لكل منازعة‬
‫يمكن أن يتقدم بها الخاضع للضريبة الحقا‪.‬‬
‫أما إذا امتنع املشتري عن أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة‬
‫الضريبية‪ ،‬فتقدم اإلدارة الضريبية آنذاك على اتخاذ مقرر الشفعة لفائدة‬
‫الدولة‪.‬‬
‫وال يمكن أن يفسر امتناع املشتري عن أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير‬
‫اإلدارة الضريبية‪ ،‬في جميع األحوال برغبته في التملص من الوفاء بالتزاماته‬
‫الضريبية بدون وجه حق‪ ،‬وإنما يمكن أن يفسر بأسباب غير خطيرة مثل العجز‬
‫عن الوفاء الفوري باملبالغ املطلوبة أو اقتناعه بأن تقدير اإلدارة الضريبية للقيمة‬
‫التجارية للعقار وقت التفويت مبالغ فيه وال يستند على أي أساس ورغبته في‬
‫املنازعة في هذا التقدير‪.‬‬
‫ويجب على اإلدارة الضريبية مطالبة الخاضع للضريبة بأداء الواجبات على‬
‫أساس الثمن التقديري املحدد من طرفها بشكل رضائي‪ ،‬إال أن هذا الشرط يعتبر‬
‫في جوهره شرطا ذي طبيعة مسطرية وإجرائية‪ ،‬يتعين على اإلدارة الضريبية‬
‫سلوكه قبل االنتقال ملمارسة حق الشفعة لفائدة الدولة وفقا لإلجراءات املحددة‬
‫في املادة ‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اإلجراءات املسطرية املتبعة في ممارسة حق الشفعة الضريبية‬
‫أحالت املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب على املادة ‪ 832‬من نفس‬
‫املدونة‪ ،‬باعتبارها هي التي تحدد اإلجراءات املسطرية التي يتعين على اإلدارة‬
‫الضريبية سلوكها ملمارسة حق الشفعة لفائدة الدولة‪ ،‬وهي إجراءات مسطرية‬
‫يترتب عنها مجموعة من اآلثار القانونية‪ ،‬كما يترتب عن اإلخالل بها مجموعة من‬
‫النتائج قد تؤدي إلى إبطال مسطرة الشفعة لفائدة الدولة‪.‬‬

‫‪P 10‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فإذا الحظ مفتش الضرائب املكلف بالتسجيل وجود نقصان في الثمن‪ ،‬يقوم‬
‫بمراسلة الخاضع لرسم التسجيل ألداء الواجبات التكميلية املتمثلة في الفرق‬
‫بين الثمن املصرح به وبين القيمة التجارية للعقار املقدرة من قبل مفتش‬
‫الضرائب املكلف بالتسجيل‪ ،‬ويمنحه في ذلك أجل ‪ 31‬أيام من تاريخ توصله بهذا‬
‫اإلنذار من أجل أداء الرسوم التكميلية تحت طائلة ممارسة حق الشفعة لفائدة‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ولم ينص املشرع املغربي على األجل املمنوح لألطراف بين تاريخ توجيه اإلدارة‬
‫الضريبية لإلشعار من أجل أداء الرسوم التكميلية وممارستها لحقها في الشفعة‬
‫لفائدة الدولة‪ ،‬وترك ذلك للسلطة التقديرية لإلدارة الضريبية‪ ،‬والتي قامت‬
‫بوضع أجل ‪ 31‬أيام‪ 19‬بدون أية مراعاة لظروف كل حالة على حدة أو املبالغ‬
‫الضخمة التي قد يصعب على املشفوع منه تدبيرها خالل تلك املدة‪.‬‬
‫و قد ذهبت الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض في قرارها املؤرخ في ‪8135/31/12‬‬
‫بهذا الخصوص إلى أنه‪" :20‬بالرجوع إلى مقتضيات املادتين ‪ 341‬و‪ 832‬من املدونة‬
‫العامة للضرائب التي نظمت حق الشفعة في املادة الضريبية‪ ،‬يتضح أن املشرع‬
‫ولئن لم يحدد األجل الذي يتعين على اإلدارة منحه للملزم (املشتري) من أجل‬
‫أداء الواجبات التكميلية املقدرة من طرفها‪ ،‬واكتفى بالتنصيص على أنه يصار‬
‫إلى اتخاذ قرار الشفعة إذا لم يتأت الحصول على الواجبات املفروضة بناء على‬
‫تقدير اإلدارة باملراضاة‪ ،‬إال أن قبول املنازعة التي يبديها املعني باألمر في كيفية‬
‫ممارسة اإلدارة لسلطتها التقديرية في هذا الشأن وعدم كفاية األجل املمنوح له‬
‫من أجل األداء يتوقف بداية على إثبات قيامه بأداء الواجبات املطلوبة منه وعدم‬
‫االعتداد به من جانب اإلدارة لوروده خارج األجل املحدد‪ ،‬ال أن يكتفي فقط‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫باإلثارة املجردة للدفع بعدم كفاية األجل دون أن يقرنه باألداء حيث يسقط حقه‬
‫في طلب إلغاء مقرر الشفعة إذا لم يقم الدليل على وقوع األداء املذكور كشرط‬
‫مسبق إلثارة املنازعة"‪.‬‬
‫وفي حالة عدم حصول اإلدارة الضريبية على املصاريف التكميلية باتفاق بينها‬
‫وبين املفوت له‪ ،‬آنذاك تلجأ اإلدارة الضريبية في مرحلة الحقة ملمارسة حقها في‬
‫الشفعة لفائدة الدولة‪.‬‬
‫لكن قبل ذلك‪ ،‬تراسل اإلدارة الضريبية وزارة املالية في شخص الوزير املكلف‬
‫باملالية تخبره بعدم التوصل لحل مع األطراف وتضمن فيه جميع املعلومات‬
‫املتعلقة باملوضوع‪ ،‬وتدعوه إلصدار مقرر الشفعة لفائدة الدولة‪.‬‬
‫لقد أعطى املشرع املغربي لإلدارة الضريبية الحق في ممارسة الشفعة لفائدة‬
‫الدولة خالل أجل ‪ 6‬أشهر كاملة‪ 21‬ابتداء من تاريخ تسجيل التفويت‪ 22‬بإدارة‬
‫التسجيل‪.‬‬
‫وقد أخذ املشرع بعين االعتبار حاالت نقل امللكية املبنية على شرط واقف‪،‬‬
‫ونص على أن األجل املذكور ال يسري إال من تاريخ تسجيل تحقق هذا الشرط‪،‬‬
‫واملشرع هنا كان دقيقا ذلك أن العبرة في احتساب األجل هو تاريخ التسجيل سواء‬
‫بالنسبة للتفويت التام أو التفويت املبني على شرط واقف‪ ،‬وليس بتاريخ تحقق‬
‫التفويت أو تحقق الشرط‪ ،‬ألن اإلدارة الضريبية لن تكون على علم بذلك إال بعد‬
‫تسجيله لدى إدارة التسجيل‪.23‬‬

‫‪P 28‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كما تولى املشرع في املادة ‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب تحديد األشخاص‬
‫الذين يتوجب تبليغهم بمقرر الشفعة لفائدة الدولة وفق اإلجراءات املنصوص‬
‫عليها في املادة ‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ -‬كل طرف من أطراف العقد الناقل للملكية ( البائع و املشتري الذي مورست‬
‫الشفعة ضده )؛‬
‫‪ -‬قاض ي التوثيق املختص بالنسبة للعقود املحررة من طرف العدول واملتعلقة‬
‫بعقارات غير محفظة؛‬
‫‪ -‬املحافظ على األمالك العقارية التابع له موقع العقار بالنسبة للعقارات‬
‫املحفظة أو التي هي في طور التحفيظ‪.‬‬
‫كما نص البند ‪ III‬من املادة ‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب على أن املفوت‬
‫له املنزوعة منه األمالك يتسلم خالل الشهر املوالي لتبليغه مقرر الشفعة لفائدة‬
‫الدولة مبلغ الثمن املصرح به أو القيمة التجارية املثبتة‪ ،‬إضافة إلى واجبات‬
‫التسجيل املؤداة والرسوم املدفوعة إلى املحافظة العقارية‪ ،‬وكذا مبلغ يحتسب‬
‫على أساس ‪ %5‬من الثمن املصرح به أو القيمة التجارية املثبتة يمثل تكاليف‬
‫العقد القانونية واملصاريف‪.‬‬
‫وفي حالة عدم األداء داخل األجل املعين‪ ،‬يترتب بحكم القانون لفائدة املفوت‬
‫له املنزوعة منه األمالك‪ ،‬وبمجرد انصرام األجل املذكور‪ ،‬فوائد محسوبة على‬
‫أساس املقدار القانوني املعمول به في القضايا املدنية‪.‬‬
‫ولقد كان املشرع املغربي مجحفا في حق الخاضع للضريبة املنزوع ملكيته عن‬
‫طريق الشفعة الضريبية‪ ،‬ألنه كان عليه أال يكتفي بتغريم اإلدارة الضريبية فقط‪،‬‬
‫وإنما النص على بطالن املسطرة بمجرد فوات أجل أداء الثمن‪ ،‬وذلك حتى يشكل‬
‫ضمانة ولو نسبيا للممارس ضده حق الشفعة الضريبية على غرار ما هو معمول‬
‫به بالنسبة للشفعة في املادة العقارية‪ ،‬حيث أن إيداع الشفيع للثمن‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملصروفات يعتبر هو الفيصل في رغبته بممارسة الشفعة وهذا ما أيده االجتهاد‬


‫القضائي‪.24‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة رفض املشفوع منه املفوت له تسلم املبلغ‬
‫الواجب تسديده إليه من طرف اإلدارة الضريبية‪ ،‬فإن هذه األخيرة تعمد بناء‬
‫على قرار السيد الوزير املكلف باملالية إلى إيداعه بصندوق اإليداع و التدبير‪.25‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تقييم ممارسة اإلدارة الضريبية لسلطتها التقديرية في الشفعة‬
‫لفائدة الدولة‬
‫يتمثل هدف حق الشفعة الضريبية في تحسين شروط أداء ضريبة التسجيل‬
‫بصفة عامة‪ ،‬كما جاء في قرار الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى سابقا (محكمة‬
‫النقض حاليا) املؤرخ في ‪ 33‬غشت ‪ ،3292‬الذي ورد في حيثياته‪" :26‬حيث إن‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 18‬املشار إليه أعاله ‪-‬التي تقابلها حاليا مقتضيات املادتين‬
‫‪ 341‬و‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب‪ -‬تستهدف تحسين شروط جباية ضريبة‪...‬‬
‫"‪ ،‬وفي ضمان أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة الضريبية للقيمة‬
‫التجارية للعقار وقت التفويت بصفة خاصة‪.‬‬
‫ويندرج هدف حق الشفعة الضريبية املتمثل في تحسين شروط أداء ضريبة‬
‫التسجيل بامتياز ضمن إطار املصلحة العامة‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان احترام حق الفرد في امللكية الخاصة هو املبدأ العام‪ ،‬فإن‬
‫االستثناء املتمثل في الحرمان من املمتلكات لدواعي املصلحة العامة ال يكون‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مبررا ما لم يكن يراعي التوازن العادل بين ضرورات املصلحة العامة ومتطلبات‬
‫حماية حق الفرد في امللكية الخاصة‪.‬‬
‫وال يمكن القول بأن هذا التوازن العادل قد تمت مراعاته‪ ،‬عندما يغيب‬
‫التناسب بين أهمية الهدف وبين خطورة الوسيلة املستعملة من أجل تحقيق‬
‫هذا الهدف (املطلب األول)‪ ،‬وكذلك عند عدم احترام الرقابة القضائية على‬
‫مقرر الشفعة الضريبية ملعايير الدعوى العادلة (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إخالل حق الشفعة الضريبية بالتناسب العادل بين الهدف‬
‫والوسيلة‬
‫ال يتوفر التناسب بين الهدف املتمثل في تحسين شروط أداء ضريبة التسجيل‪،‬‬
‫والوسيلة املتمثلة في حق الشفعة الضريبية‪ ،‬عندما يتبين من جهة الطابع‬
‫االنتقائي لحق الشفعة الضريبية (الفقرة األولى)‪ ،‬ومن جهة ثانية عندما ينتفي‬
‫التعويض العادل عن فقدان ملك مكتسب في غياب نية الغش (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الطابع االنتقائي لحق الشفعة الضريبية‬
‫نصت الفقرة األولى من املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب على أنه‪:‬‬
‫"بصرف النظر عن حق املراقبة املنصوص عليه في املادة ‪ 839‬أدناه‪ ،‬يجوز للوزير‬
‫املكلف باملالية أو الشخص الذي يفوض إليه ذلك أن يمارس‪ ،‬لفائدة الدولة‪،‬‬
‫حق الشفعة‪."...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فعندما تعاين اإلدارة الضريبية أن ثمن البيع املصرح به ال يناسب‬
‫القيمة التجارية للعقارات وقت التفويت‪ ،‬يكون لها مطلق الحرية في اختيار‬
‫اللجوء إلى إحدى املسطرتين التاليتين‪:27‬‬
‫‪ -‬مسطرة حق الشفعة الضريبية املنصوص عليها في املادة ‪ 341‬من املدونة‬
‫العامة للضرائب التي يمكن أن تؤدي إلى حرمان الخاضع للضريبة من ممتلكاته‪،‬‬
‫في غياب مسطرة تمكنه من االطالع على األسباب القانونية والواقعية التي تستند‬

‫‪P 23‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إليها اإلدارة الضريبية لدعم إدعائها بنقصان الثمن املصرح به ومناقشة موقف‬
‫اإلدارة الضريبية وإبداء أوجه دفاعه قبل اتخاذ مقرر الشفعة ضده؛‬
‫‪ -‬أو مسطرة حق املراقبة املنصوص عليها في املادة ‪ 839‬من املدونة العامة‬
‫للضرائب التي تلزم اإلدارة الضريبية بسلوك مسطرة تصحيح ثمن البيع املصرح‬
‫به التي تمكن الخاضع للضريبة من إبداء أوجه دفاعه أمام اإلدارة الضريبية ثم‬
‫أمام اللجنة املحلية لتقدير الضريبة قبل فرض الواجبات في حدود ما أقرته‬
‫اللجنة املحلية لتقدير الضريبة وتحصيلها وفقا لإلجراءات املنصوص عليها في‬
‫مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫وهذا‪ ،‬ما أكده قرار محكمة النقض املؤرخ في ‪ 8135/19/81‬الذي جاء في‬
‫حيثياته‪" :28‬حيث صح ما نعته الطاعنة على القرار املطعون فيه‪ ،‬ذلك أن املشرع‬
‫أكد في املادة ‪ 341‬املحتج بخرقها "بأنه بصرف النظر عن حق املراقبة املنصوص‬
‫عليه في املادة ‪ ،839‬يجوز للوزير املكلف باملالية أو الشخص الذي يفوض إليه‬
‫ذلك أن يمارس‪ ،‬لفائدة الدولة‪ ،‬حق الشفعة‪ ...‬إذا بدا له أن ثمن البيع املصرح‬
‫به أو التصريح التقديري ال يناسب القيمة التجارية للعقارات وفق التفويت وأن‬
‫أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة لم يتأت الحصول عليه‬
‫باملراضاة" ومؤدى ذلك أنه يجب التمييز بين حق املراقبة املنصوص عليه في املادة‬
‫‪ 839‬وحق الشفعة املنصوص عليه في املادة ‪ 341‬فاألمر يتعلق بمسطرتين‬
‫مختلفتين‪ ،‬يجوز لإلدارة أن تمارس املسطرة التي تريد منهما بشروط محددة‪ ،‬وفي‬
‫نازلة الحال مارست اإلدارة املسطرة املنصوص عليها في املادة ‪ 341‬التي ال تشترط‬
‫إال أن ال يتأتى أداء الواجبات املفروضة بناء على تقدير اإلدارة باملراضاة وهو ما‬
‫حصل فعال"‪.‬‬
‫وهذا‪ ،‬يبين الطابع االنتقائي لحق الشفعة الضريبية‪ ،‬ذلك أن اإلدارة الضريبية‬
‫يمكن أن تختار ممارسة حق الشفعة الضريبية ضد خاضع معين وأن تختار‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫سلوك مسطرة التصحيح ضد خاضع آخر على الرغم من كونها تشك في نقصان‬
‫ثمن التملك الذي صرح به كل منهما‪ ،‬وال يورد النص أي ضوابط أو معايير يمكن‬
‫االحتكام إليها ملعرفة نطاق تطبيق كال املسطرتين‪ ،‬وهذا يعني أن اإلدارة الضريبية‬
‫تمارس سلطة تقديرية مطلقة ال رقابة للقضاء اإلداري عليها في انتقاء الخاضعين‬
‫للضريبة الذين تمارس ضدهم حق الشفعة الضريبية‪ ،‬وبالتالي فهي من ناحية‬
‫تحرمهم من جميع الضمانات القانونية التي يتمتع بها غيرهم من املفوت لهم‬
‫الذين اختارت اإلدارة الضريبية أن تسلك في مواجهتهم مسطرة تصحيح الثمن‬
‫املصرح به‪ ،‬كما أنها من ناحية أخرى تجردهم من ممتلكاتهم وال تكتفي بفرض‬
‫وتحصيل الواجبات املفروضة بناء على القيمة التجارية الحقيقية للعقار وقت‬
‫التفويت‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يكون الخاضعين لهذه املسطرة قد تحملوا عبئا استثنائيا‪ ،‬لم يتحمله‬
‫غيرهم ممن تعتقد اإلدارة الضريبية أنهم صرحوا بثمن بيع يقل عن القيمة‬
‫التجارية الحقيقية للعقارات وقت التفويت‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتبين أن املادة ‪ 341‬من املدونة العامة للضرائب تترك ممارسة حق‬
‫الشفعة للسلطة التقديرية لإلدارة الضريبية الش يء الذي يخول لها انتقاء‬
‫الخاضعين للضريبة بكيفية تعسفية وانتقائية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬انتفاء التعويض العادل عن فقدان ملك مكتسب في غياب نية‬
‫الغش‬
‫يتبين الطابع املجحف للتعويض الذي يفترض أن يحصل عليه املفوت له‬
‫املنزوعة أمالكه في إطار مسطرة الشفعة الضريبية‪ ،‬من خالل تقدير مبلغ‬
‫التعويض‪ ،‬حيث ال يحصل املشتري سوى على ثمن البيع املصرح به وتكاليف‬
‫العقد القانونية واملصاريف املقدرة في نسبة جزافية ال تتعدى ‪ %5‬من الثمن‬

‫‪P 25‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املصرح به‪ ،29‬علما أن الفقرة الثانية من البند ‪ II‬من املادة ‪ 65‬من املدونة العامة‬
‫للضرائب‪ 30‬قدرت جزافيا تكاليف العقد القانونية واملصاريف في نسبة ‪ %35‬من‬
‫ثمن التملك ما عدا إذا أثبت الخاضع للضريبة أن املصاريف املذكورة تقدر بمبلغ‬
‫أعلى عندما يتعلق األمر بفرض الضريبة على األرباح العقارية على من قام بتفويت‬
‫عقاره طوعا أو جبرا‪ ،‬وهذا يبين أن املشرع في املدونة العامة للضرائب في حالة‬
‫ممارسة حق الشفعة الضريبية ضد املشتري‪ ،‬لم يكتف فقط بتقدير ضعيف‬
‫جدا للنسبة الجزافية التي تمثل تكاليف العقد القانونية واملصاريف‪ ،‬وإنما حرمه‬
‫أيضا من حقه في الحصول على مبلغ أعلى في حالة إثباته أن املصاريف املذكورة‬
‫تقدر بمبلغ أعلى‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فاملشتري محروم من حق استرداد املبالغ التي يستطيع أن‬
‫يثبت أنه تحملها قبل الشفعة الضريبية‪.‬‬
‫ويقبض املفوت له املنزوعة منه األمالك خالل الشهر املوالي لتبليغ مقرر‬
‫الشفعة الضريبية مبلغ التعويض‪ ،31‬وفي حالة عدم األداء داخل األجل املعين‪،‬‬
‫يترتب بحكم القانون لفائدة املفوت له املنزوعة منه األمالك‪ ،‬وبمجرد انصرام‬
‫الشهر املوالي لتبليغ مقرر الشفعة الضريبية‪ ،‬فوائد محسوبة على أساس املقدار‬
‫القانوني املعمول به في القضايا املدنية‪.32‬‬

‫‪P 26‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وهذا‪ ،‬يعني أن املفوت له املنزوعة منه األمالك بمجرد تبليغ مقرر الشفعة‬
‫الضريبية عمليا ال يفقد فقط أمالكه‪ ،‬وإنما من املحتمل جدا أيضا أن ال يقبض‬
‫مبلغ التعويض طيلة فترة زمنية قد تقصر وقد تطول‪ ،‬فال هو يحتفظ بحيازة‬
‫أمالكه وال هو يسترد أمواله التي دفعها مقابل تملك العقار‪ ،‬علما أن اإلدارة‬
‫الضريبية نفسها تؤكد بأن ثمن التملك املصرح به زهيد مقارنة إلى األثمنة التي‬
‫كانت سائدة في السوق في تاريخ التفويت‪.‬‬
‫و إن كانت تحسب للمشرع إخضاعه للعقار املمارس بشأنه الشفعة الضريبية‬
‫للبيع باملزاد العلني‪ ،33‬إال أنه تحسب عليه أنه لم يحدد أي أجل لإلدارة الضريبية‬
‫للقيام بهاته العملية مما يفتح الباب أمام اإلدارة الضريبية لتأجيل البيع باملزاد‬
‫العلني لعدة سنوات إلى حين ارتفاع ثمن امللك‪ ،‬الش يء الذي يمكنها من تفادي‬
‫افتضاح واقعة أن الثمن املتفق عليه في عقد البيع لم يكن يشوبه أي نقصان‬
‫في الثمن وأنه كان مطابق للقيمة التجارية الحقيقية للعقار وقت التفويت‪.‬‬
‫كما أن عدم تحديد أجل معقول إلجراء املزاد العلني ال يحول فقط دون إمكانية‬
‫التحقق من كون ثمن التملك املصرح به كان مطابقا للقيمة التجارية للعقار‬
‫وقت تفويته‪ ،‬وإنما يجعل اإلدارة الضريبية تقوم بممارسة املضاربات العقارية‬
‫أيضا‪.34‬‬
‫إال أن ما يالحظ هو أن املشرع أغفل اإلشارة إلى الجزاء القانوني الذي يتعين‬
‫ترتيبه في حالة اإلخالل بهذا املقتض ى – بيع العقار من جديد عن طريق املزاد‬
‫العلني ‪ ،-‬ومدى إمكانية مطالبة املفوت له املنزوعة منه األمالك بإلغاء مقرر‬
‫الشفعة الضريبية واملطالبة ببطالن مسطرتها‪ ،‬ألنها تكون قد حادت عن الهدف‬
‫والغاية املتوخاة منها‪.35‬‬

‫‪P 27‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وهكذا‪ ،‬فال توجد أية ضمانات تحول دون أن ينقلب حق الشفعة الضريبية‬
‫إلى مصادرة فعلية ألمالك املفوت له املنزوعة منه األمالك‪.36‬‬
‫وطبقا للفقرة الرابعة من املادة ‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب‪ ،‬فبمجرد‬
‫تبليغ مقرر الشفعة داخل األجل القانوني‪ ،‬تحل الدولة محل املفوت له املنزوعة‬
‫منه األمالك فيما يرجع للمنافع والتحمالت الخاصة بالعقد ابتداء من يوم نقل‬
‫امللكية‪ ،‬بحيث تعتبر هي املشترية من البائع مباشرة وأي تصرف يكون قد أقدم‬
‫عليه املشتري يكون الغيا وكأن لم يكن‪ ،‬ذلك أن مقرر الشفعة الضريبية يسري‬
‫بأثر رجعي لكون املشرع قد نص على أن الدولة تحل محل املفوت له من يوم‬
‫نقل امللكية‪ .37‬ويشطب عليها إذا سبق إدراجها في الدفاتر العقارية‪.38‬‬
‫ويبدو أن املشرع لم يعر أي اهتمام في هاته املادة إلى حقوق الغير خصوصا إذا‬
‫كان هذا الغير حسن النية وهذا املقتض ى خطير جدا‪ ،‬ويعتبر هذا االتجاه خروجا‬
‫عن املبادئ املقررة في ميدان الشفعة‪.‬‬
‫فاملفوت له يعتبر مالكا بين فترة انتقال امللكية إليه وتاريخ تبليغه بمقرر‬
‫الشفعة الضريبية‪ ،‬ويجب أن تعتبر تصرفاته خالل هاته الفترة صحيحة ألنها‬
‫مبنية على حسن نية وصادرة من مالك‪ .‬وأن اإلبطال يجب أن ينصرف إلى‬
‫التصرفات الالحقة لتبليغ مقرر الشفعة الضريبية ألنها تعتبر مبنية على سوء‬
‫نية‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬فإن االتجاه الذي سار فيه املشرع في هذا املجال يعتبر ذا طابع تحكمي‬
‫مخالف للقواعد العامة املعمول بها في مجال الشفعة‪.‬‬

‫‪P 20‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فحلول الدولة محل املفوت له يكون بالنسبة للحقوق فقط وليس التزاماته‬
‫تجاه البائع‪ ،‬بحيث يبقى املفوت له ملتزما في مواجهة املفوت بااللتزامات املضمنة‬
‫في العقد‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬غياب الطابع العادل للدعوى القضائية ضد مقرر الشفعة‬
‫الضريبية‬
‫قبلت الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض (املجلس األعلى سابقا) الطعن من أجل‬
‫تجاوز السلطة ضد مقرر الشفعة الضريبية في قرارها املؤرخ في ‪،393292/12/33‬‬
‫مما يعني أنها اعتبرت أن األمر يتعلق بمنازعة ذات طبيعة إدارية‪ ،‬وهو نفس الحل‬
‫الذي أقرته في قرار حديث لها مؤرخ في ‪ ،8135/19/81‬والذي جاء في حيثياته‪:40‬‬
‫"حيث أثارت الطاعنة عدم اختصاص املحكمة اإلدارية نوعيا بالبت في الطلب‬
‫ألن النزاع ينصب حول شفعة العقار والبت في املنازعة من اختصاص القضاء‬
‫العادي‪.‬‬
‫لكن حيث إن األمر ال يتعلق بدعوى شفعة عقار مبيع التي يمارسها الشريك‬
‫الذي له حق الشفعة وإنما بالطعن باإللغاء في مقرر إداري بشفعة العقار املبيع‬
‫لعدم كفاية رسوم التسجيل املؤداة على عقد البيع وعدم تحصيل الرسوم‬
‫التكميلية املفروضة بناء على تقدير اإلدارة‪ ،‬فإن الدفع ال أساس له ويتعين رده"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يكون القضاء اإلداري املغربي هو الجهة املختصة نوعيا في البت في‬
‫املنازعة في قانونية مقرر الشفعة الضريبية‪.‬‬
‫كما استقر االجتهاد القضائي املغربي على أن املنازعة في قانونية مقرر الشفعة‬
‫الضريبية‪ ،‬تندرج في إطار طلبات اإللغاء بسبب تجاوز السلطة‪ ،‬سواء قبل إحداث‬
‫املحاكم اإلدارية‪ ،‬عندما كانت الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى سابقا (محكمة‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫النقض حاليا) تبت كدرجة ابتدائية ونهائية في الطعن من أجل تجاوز السلطة‪،‬‬
‫حيث لم تتردد الغرفة اإلدارية في قبول الطعن من أجل تجاوز السلطة ضد مقرر‬
‫الشفعة الضريبية في قرارها املؤرخ في ‪ .413292/12/33‬وهو نفس التوجه الذي‬
‫سارت عليه الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض بعد إحداث املحاكم اإلدارية‪،‬‬
‫عندما أصبحت تبت في طلبات النقض املرفوعة ضد القرارات الصادرة عن‬
‫محاكم االستئناف اإلدارية من أجل تجاوز السلطة‪ ،‬في قرارها املؤرخ في‬
‫‪.428135/19/81‬‬
‫وفيما يخص نطاق الرقابة القضائية على مقرر الشفعة الضريبية‪ ،‬فقد اعتبر‬
‫املجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا)‪ ،‬قبل دخول قانون إجبارية تعليل‬
‫القرارات اإلدارية حيز النفاذ‪ ،‬في قراره املؤرخ في ‪ ،3292/12/33‬أن قابض‬
‫التسجيل وحده من يرجع له تقدير كفاية ثمن البيع املصرح به أو القيمة التجارية‬
‫املثبتة من عدمه‪ ،‬بحيث تصبح تقديرات قابض التسجيل لثمن التملك مهما‬
‫كانت متعسفة محصنة ضد أي رقابة قضائية‪ ،‬مادام أن القاض ي لم يكتف فقط‬
‫باعتبار الخبرة إجراء داخليا‪ ،‬وإنما لم يكلف نفسه أيضا مشقة التحقق من‬
‫واقعة نقصان الثمن التي يدعيها قابض التسجيل‪ ،‬وإنما سلم بها على الرغم من‬
‫منازعة املنزوعة أمالكه فيها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬جاء في حيثياته‪ ،‬ما يلي‪" :43‬حيث إن الخبرة التي قامت بها إدارة‬
‫التسجيل في نطاق مقتضيات الفصل ‪ 18‬تشكل إجراء داخليا يلتجئ إليه قابض‬
‫التسجيل إذ يرجع له وحده في نطاق الفصل ‪ 18‬أن يقدر هل مبلغ ثمن البيع‬

‫‪P 38‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املصرح به أو القيمة التجارية املثبتة غير كاف‪ .‬ولهذا فليس من الواجب على‬
‫اإلدارة أن تستدعي املعني باألمر للحضور وقت إجراء الخبرة املذكورة"‪.‬‬
‫وقد سارت محكمة النقض في نفس التوجه‪ ،‬حتى بعد دخول قانون إجبارية‬
‫تعليل القرارات اإلدارية حيز النفاذ‪ ،44‬ففي قرار حديث صادر عن محكمة النقض‬
‫بتاريخ ‪ ، ،8135/19/81‬اعتبر أن اإلدارة الضريبية تتمتع بسلطة تقديرية في‬
‫ممارسة حق الشفعة الضريبية‪ ،‬عندما يبدو لها بأن الثمن املصرح به ال يتناسب‬
‫مع القيمة التجارية للعقار وقت إبرام العقد‪ ،‬وهي غير ملزمة بإثبات عدم تناسب‬
‫القيمة املصرح بها في عقد البيع مع القيمة التجارية للعقار ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬جاء في حيثياته‪ ،‬ما يلي‪" :45‬وملا كان املشرع قد استعمل عبارة إذا بدا‬
‫للوزير أن القيمة املصرح بها ال تتناسب مع القيمة التجارية للعقار‪ ،‬فذلك يعني‬
‫أن األمر يتعلق بسلطة تقديرية لإلدارة في ممارسة الحق املذكور‪ ،‬وقد مارسته‬
‫بعدما بدا لها بأن الثمن املصرح به ال يتناسب مع القيمة التجارية للعقار وقت‬
‫إبرام العقد ومحكمة االستئناف التي حملت اإلدارة عبء إثبات عدم تناسب‬
‫القيمة املصرح بها في عقد البيع مع القيمة التجارية للعقار حملت النص ما ال‬
‫يطيق ولم تبين من أين استقت ضرورة إثبات اإلدارة عدم التناسب بينهما‪ ،‬فجاء‬
‫قرارها ناقص التعليل على النحو ينزل منزلة انعدامه وخرقت املقتضيات‬
‫القانونية املحتج بخرقها القانون ‪ 21.11‬املحدثة بموجبه محاكم االستئناف‬
‫اإلدارية وعرضت قرارها للنقض"‪.‬‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يتبين لنا من خالل هاتين النازلتين‪ ،‬أن املنزوعة أمالكه محروم من حقه في‬
‫الدعوى العادلة‪ ،‬ذلك أن تحصين تقدير اإلدارة الضريبية للقيمة التجارية للعقار‬
‫وقت التفويت ضد كل رقابة قضائية يؤدي بالضرورة إلى حرمان الطاعن من كل‬
‫إمكانية لتقديم منازعة معقولة في تقديرات اإلدارة الضريبية املتعلقة بنقصان‬
‫الثمن‪ ،‬وهو األمر الذي يدفع الخاضعين للضريبة املهددين بنزع ملكيتهم بموجب‬
‫مسطرة حق الشفعة الضريبية إلى صرف النظر عن ممارسة حقهم في الدعوى‬
‫وقبول دفع واجبات التسجيل التكميلية والغرامات وفوائد التأخير مهما كانت‬
‫ظاملة‪ ،‬لتفادي فقدان أمالكهم نتيجة ملمارسة اإلدارة الضريبية لحقها في الشفعة‬
‫في مواجهتهم‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬تظهر املمارسة أن جميع مقررات الشفعة الضريبية التي صدرت‬
‫سواء قبل أو بعد دخول قانون تعليل القرارات اإلدارية حيز النفاذ‪ ،‬تكتفي‬
‫باالدعاء بأن ثمن الشراء املصرح به يقل عن القيمة التجارية الحقيقية للملك‪،‬‬
‫دون اإلشارة إلى عناصر املقارنة التي تم االستناد عليها لالستدالل على نقصان‬
‫الثمن املصرح به‪.‬‬
‫خاتم ــة‪:‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه بعد إلغاء فرنسا لحق الشفعة الضريبية سنة ‪ 3226‬على‬
‫إثر إدانة املحكمة األوربية لحقوق اإلنسان لهذه اآللية‪ ،‬لم يعد لحق الشفعة‬
‫الضريبية مثيل في األنظمة الضريبية للبلدان األوربية‪ ،‬بل وفي جميع البلدان‬
‫املتقدمة‪ .‬بل وحتى على مستوى دول العالم الثالث‪ ،‬لم يقدم سوى عدد قليل‬
‫من البلدان على استنساخ حق الشفعة الضريبية عن القانون الفرنس ي‪ ،‬نذكر‬
‫منها إلى جانب املغرب كال من تونس والجزائر‪ ،‬وإذا كانت تونس قد سبقت إلى‬
‫إلغاء حق الشفعة الضريبية جميع بلدان العالم الثالث التي استنسخت هذا‬
‫النظام عن التشريع الفرنس ي وذلك منذ دخول املادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪22-91‬‬

‫‪P 32‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املؤرخ في ‪ 4‬غشت ‪ 463222‬حيز النفاذ والتي نسخت مقتضيات املادة ‪ 331‬من‬


‫مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي‪ ،‬فال يجب أن يكون املغرب آخر بلد‬
‫يتخلص من هذا النظام املجحف والغير العادل‪.‬‬

‫‪P 33‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫* الكتب‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الغني خالد‪ ،‬املسطرة في القانون الضريبي املغربي‪ ،‬دار النشر املغربية‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.8118 ،‬‬
‫‪ -‬محمد شكيري‪ ،‬القانون الضريبي املغربي‪ :‬دراسة تحليلية ونقدية‪ ،‬منشورات‬
‫املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬الرباط‪.8115 ،‬‬
‫‪ -‬فاطمة الزهراء دحماني‪ ،‬حق الشفعة لفائدة الدولة –املجال الضريبي‬
‫نموذجا‪ ،-‬دار اآلفاق املغربية للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪.8135 ،‬‬
‫‪ -‬هشام املراكش ي‪ ،‬حق الشفعة لفائدة الدولة في املجال الضريبي‪ :‬دراسة في‬
‫املادتين ‪ 341‬و‪ 832‬من املدونة العامة للضرائب‪ ،‬منشورات مجلة املنارة‬
‫للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬سلسلة البحوث الجامعية‪ ،‬العدد ‪.8136 ،31‬‬
‫* املقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬توفيق زيداني‪ ،‬إستعمال حق الشفعة لفائدة الخزينة في مجال الجباية‬
‫العقارية‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات األكاديمية‪ ،‬العدد ‪.8136 ،2‬‬
‫‪ -‬حسن املولودي‪ ،‬ممارسة حق الشفعة في املادة الجبائية بين النص القانوني‬
‫واالجتهاد القضائي‪ ،‬دفاتر املجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪.8133 ،36‬‬
‫‪ -‬سفيان صابر‪ ،‬الشفعة الضريبية وضمانات امللكية العقارية الخاصة‪ ،‬مجلة‬
‫القانون املغربي‪ ،‬العدد ‪.8132 ،19‬‬
‫‪ -‬عبد هللا اإلدريس ي‪ ،‬ممارسة إدارة الضرائب لحق الشفعة الضريبية بين‬
‫السلطتين التقديرية واملقيدة‪ ،‬املنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬عدد خاص‬
‫‪.8132‬‬
‫‪ -‬محمد بيصة‪ ،‬حق الشفعة لفائدة الدولة وحقوق اإلنسان‪ ،‬م‪.‬م‪.‬إ‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬عدد‬
‫مزدوج ‪.8131 ،25-24‬‬

‫‪P 34‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬محمد خيري‪ ،‬حق الشفعة لفائدة الدولة‪ :‬املادة ‪ 341‬من املدونة العامة‬
‫للضرائب املضمنة بقانون املالية لسنة ‪ ،8119‬مجلة املحاكم املغربية‪ ،‬عدد ‪،338‬‬
‫‪.8112‬‬
‫* التقارير‪:‬‬
‫‪ -‬تقرير لجنة املالية والتنمية االقتصادية حول مشروع قانون املالية رقم‬
‫‪ 42.12‬للسنة املالية ‪.8131‬‬
‫* القوانين‪:‬‬
‫‪ -‬املدونة العامة للضرائب املحدثة بموجب املادة ‪ 5‬من قانون املالية رقم ‪41.16‬‬
‫للسنة املالية ‪ 8119‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.16.818‬بتاريخ ‪31‬‬
‫ذي الحجة ‪ 13( 3489‬ديسمبر ‪ ،)8116‬املنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪5429‬‬
‫بتاريخ ‪ 33‬ذو الحجة ‪( 3489‬فاتح يناير ‪ ،)8119‬ص‪.1.‬‬
‫‪ -‬القانون رقم ‪ 11.13‬بشأن إلزام اإلدارات العمومية والجماعات املحلية‬
‫واملؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف‬
‫رقم ‪ 3.18.818‬بتاريخ ‪ 38‬جمادى األولى ‪ 81( 3481‬يوليو ‪ ،)8118‬املنشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5182‬بتاريخ ‪ 1‬جمادى اآلخرة ‪ 38( 3481‬أغسطس‬
‫‪ ،)8118‬ص‪.8828.‬‬
‫‪ -‬قانون عدد ‪ 91‬لسنة ‪ ،3222‬مؤرخ في ‪ ،3222/12/14‬يتعلق بالتبسيط في‬
‫اإلجراءات الجبائية والتخفيض في نسب األداء‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية‬
‫التونسية‪ ،‬العدد ‪ 64‬لسنة ‪.3222‬‬
‫* القرارات القضائية‪:‬‬
‫‪ -‬قرار املجلس األعلى عدد ‪ 148‬الصادر بتاريخ ‪ 33‬غشت ‪ 3292‬في امللف اإلداري‬
‫عدد ‪ ،49584‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪.3292 ،382‬‬
‫‪ -‬قرار محكمة النقض بتاريخ ‪ 8135/19/81‬تحت عدد ‪ 3/3913‬في امللف‬
‫اإلداري عدد ‪ ،38/3/4/35‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 35‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬قرار الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض عدد ‪ ،8/988‬املؤرخ في ‪،8135/31/12‬‬


‫ملف إداري عدد ‪،8131/8/4/3264‬‬

‫‪P 36‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور حميد اسحاب‬


‫دكتور في الحقوق‪ ،‬باحث في العدالة الجنائية لألحداث‪ .‬كلية احلقوق بفاس‪،‬‬
‫املغرب‬

‫النطاق الموضوعي لمعاملة الحدث الجانح عقابيا ‪-‬دراسة‬


‫مقارنة‪-‬‬
‫‪The objective scope of the punitive delinquent juvenile treatment - a comparative study‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫إذا كان األصل في ظاهرة جنوح األحداث أن الحدث الجانح في حقيقة األمر‬
‫ضحية لظروف وعوامل مختلفة التي تآمرت عليه‪ ،‬وفرضت عليه سلوكا غير‬
‫اجتماعي وأجبرته على ارتكاب الفعل الجانح‪ ،‬فإن مؤدى هذا القول يتمثل في‬
‫وجوب اعتباره مجني عليه وليس جانيا‪ ،‬وهذا يقتض ي أن تتم معاملته وفقا‬
‫ألساليب إنسانية تخلو من اإليالم والردع واالنتقام والتكفير‪ ،‬وتهدف إلى الرعاية‬
‫والحماية واإلصالح (‪.)47‬‬
‫ونظرا إلمكانية ارتكاب الجريمة من قبل الكبار أو الصغار على حد سواء‪ ،‬فقد‬
‫أولت كافة الدول ظاهرة جنوح األحداث وانحرافهم اهتماما كبيرا‪ ،‬حيث تعتبر‬
‫هذه الظاهرة إحدى أخطر وأعقد املشكالت االجتماعية التي تواجه معظم أقطار‬

‫‪ -47‬نبيل صقر وصابر جميلة‪ ،‬األحداث في التشريع الجزائري‪ ،‬موسوعة الفكر القانوني‪ ،‬دار الهدى للطباعة والنشر ‪،8002‬‬
‫ص ‪.28‬‬

‫‪P 37‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العالم املعاصر‪ ،‬سواء املتقدمة منها أو النامية‪ ،‬فهي تعرض مستقبل أجيالها‬
‫للخطر‪ ،‬وقد عمدت الدول املختلفة على وضـع تشريعات خاصة بصغار السن‬
‫من مرتكبي الجرائم (األحداث) تختلف عن تلك املقررة للبالغين من املجرمين‪،‬‬
‫نظرا ألن حرية االختيار واإلدراك والتمييز عند الحدث تختلف عنها لدى اإلنسان‬
‫البالغ‪ ،‬وهناك اهتمام بالغ لدى دول العالم بظاهرة انحراف األحداث ملا تتصف‬
‫به من خطورة مزدوجة؛ فهي من جهة لها تأثير سلبي ومدمر على األحداث أنفسهم‪،‬‬
‫حيث يغدون طاقات معطلة ال تفيد منهم مجتمعاتهم بش يء بل يشكلون عبء‬
‫عليها‪ ،‬ومن جهة أخرى فهم يضرون بمجتمعاتهم ملا ينتج عن جرائمهم من أضرار‬
‫تلحق باألشخاص واألموال‪ ،‬باإلضافة إلى ما تشكله ظاهرة انحراف األحداث من‬
‫هدم وتدمير للطاقات الخالقة املتمثلة في عنصر الشباب(‪.)48‬‬
‫وهكذا فإن النطاق املوضوعي ملعاملة الحدث الجانح عقابيا في هذه الدراسة‬
‫التي أتى بها املشرع تجاه الحدث‬ ‫التدابير(‪ )49‬والعقوبات(‪)50‬‬ ‫ارتكز على دراسة‬
‫الجانح والوقوف على مدى فعاليتها‪ ،‬حيث عمل املشرع املغربي على مواجهة‬
‫جنوح األحداث من خالل وضع أساليب التقويم واإلصالح املتمثلة في مجموعة‬
‫على اعتبارها هي األصل‪،‬‬ ‫باألولوية(‪)51‬‬ ‫من التدابير االحترازية التي يتم تطبيقها‬

‫‪ -48‬قيس جبارين‪ ،‬تقرير حول جنوح األحداث في التشريعات الفلسطينية‪ ،‬سلسلة التقارير (‪ ،)6‬الهيئة المستقلة لحقوق المواطن‪،‬‬
‫رام اهلل‪ ،‬تشرين الثاني ‪ ،8882‬ص ‪ 2‬و‪.8‬‬
‫‪ -49‬التدابير االحت ارزية أو الوقائية هي وسيلة للحماية والوقاية لمنح خطورة المجرم أي منع احتمال عودته إلى ارتكاب جريمة‬
‫في المستقبل‪.‬‬
‫‪ -50‬العقوبة هي الجزاء الجنائي الذي يفرضه المجتمع بواسطة هيئاته القضائية على مرتكبي الجرائم لردعهم وردع غيرهم بما‬
‫تباشره العقوبة من تهديد وارهاب نفس المجرم ونفس الكافة‪ .‬ومن هنا يتضح أنه بينما أن الوظيفة األصلية للعقوبات هي وظيفة‬
‫أخالقية جوهرها الردع‪ ،‬فإن الوظيفة األساسية للتدابير هي وظيفة نفعية مضمونها الدفاع عن المجتمع ضد خطورة المجرم‬
‫لمنع ارتكابه جرائم جديدة‪ .‬انظر‪ :‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬أصول علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬ج ‪ ،8‬علم العقاب‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪ ،8882 ،86‬ص ‪ 55‬و‪ 56‬و ‪.25‬‬
‫‪ -51‬كذلك بالنسبة للمشرع الفرنسي يسير في اتجاه تقرير أولوية التدبير على العقوبة‪ ،‬وعموما ما يستفاد من المادة ‪ 8‬من قانون‬
‫‪ 8‬فبراير ‪ ،8895‬حيث أعطت لمحاكم األحداث بأن تجنح للحكم بتدابير الحماية والمساعدة والتعليم‪ ،‬وقد ربط المشرع أفضلية‬
‫التدبير على العقوبة بما تراه المحكمة من ظروف الحال وشخصية الجاني انظر ‪:‬‬
‫‪.Merle et Vitu ; Traité de droit criminel ; Tome 1 ; éd Cujas ; Paris ; 1974 ; p 747 -‬‬

‫‪P 30‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫(املطلب األول)‪ ،‬ثم العقوبات التي تأتي كاستثناء في قضايا األحداث وذلك من‬
‫خالل تطبيقها وفق منهج يساير خصوصية الحدث ومتطلبات إصالحه‪( ،‬املطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬القضاء بالتدابير كخيار إلصالح الحدث الجانح وتأهيله‬
‫إذا كان املشرع أثناء وضعه ملجموعة من التدابير(‪ )52‬لم يقتصر على األحداث‬
‫ما بين ‪ 38‬و‪ 32‬سنة‪ ،‬إذ جعلها ممكنة التطبيق أيضا على من هم دون سن ‪38‬‬
‫سنة‪ ،‬فإن اإلشكاليات التي تتبادر إلى أذهان الفقه تتعلق بطبيعة هذه التدابير‪،‬‬
‫هل هي مجرد جزاءات تقويمية مجردة من عنصر اإليالم املقصود؟ أم أنها‬
‫عقوبات حقيقية نص عليها القانون في مجال خاص؟ أم هي في النهاية تدابير‬
‫مختلطة تجمع بين الصفتين العقابية والتربوية في نفس الوقت؟(‪.)53‬‬
‫التهذيبية(‪)54‬‬ ‫وفي ظل هذه االختالفات سنعمل على توضيح أنواع التدابير‬
‫املقررة للحدث الجانح (فقرة أولى)‪ ،‬على أن نقف على الطبيعة القانونية لهذه‬
‫التدابير (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫‪ -52‬سنعمل على دراسة تدابير الحماية أو التهذيب الواردة بالمواد ‪ 962‬و‪ 920‬من ق‪.‬م‪.‬ج المغربي‪.‬‬
‫‪ -53‬علي محمد جعفر‪ ،‬حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر االنحراف‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،8009 ،8‬ص ‪ 080‬و ‪.088‬‬
‫‪ -54‬وردت تدابير الحماية أو التهذيب بالمادة ‪ 928‬من ق‪.‬م‪.‬ج وفق الترتيب التالي "يمكن للمحكمة أن تتخذ في شأن الحدث‬
‫واحدا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب اآلتية‪:‬‬
‫‪ 8‬ـ تسليم الحدث ألبوية أو للوصي عليه أو للمقدم عليه أو لكافله أو لحاضنه أو شخص جدير بالثقة أو للمؤسسة أو‬
‫للشخص المكلف برعايته؛‬
‫‪8‬ـ إخضاعه لنظام الحرية المحروسة؛‬
‫‪0‬ـ إيداعه في معهد أو مؤسسة عمومية أو خاصة للتربية أو التكوين المهني ومعدة لهذه الغاية؛‬
‫‪9‬ـ إيداعه تحت رعاية مصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة بالمساعدة؛‬
‫‪5‬ـ إيداعه بقسم داخلي صالح إليواء جانحين أحداث ال يزالون في سن الدراسة؛‬
‫‪6‬ـ إيداعه بمؤسسة معدة للعالج أو للتربية الصحية؛‬
‫‪7‬ـ إيداعه بمصلحة أو مؤسسة عمومية معدة للتربية المحروسة أو للتربية اإلصالحية‪.‬‬
‫يتعين في جميع األحوال أن تتخذ التدابير المشار إليها أعاله لمدة معينة ال يمكن أن تتجاوز التاريخ الذي يبلغ فيه عمر‬
‫الحدث ثمان عشرة سنة ميالدية كاملة"‪..‬‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التدابير املقررة للحدث الجانح‬


‫لقد أفض ى التطور في مجاالت علم العقاب(‪ )55‬والسياسة الجنائية(‪ )56‬إلى بروز‬
‫صورة أخرى من صور الجزاء الجنائي أال وهي التدابير الوقائية‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫ثبت عجز العقوبة عن الحد من تعاظم معدالت الظاهرة اإلجرامية(‪.)57‬‬
‫وتعد التدابير(‪ )58‬من صور تخفيف الجزاء ضد الحدث املنحرف (الجانح)‪،‬‬
‫حيث تهدف إلى إنقاذه من الوضع السيئ‪ ،‬الذي يوجد فيه حتى ال يؤدي به إلى‬
‫سبيل الجريمة‪ ،‬للعيش في وفاق مع املجتمع(‪ .)59‬وهكذا‪ ،‬ووفقا لهذه املتغيرات‪،‬‬
‫عدد املشرع املغربي مجموعة من التدابير‪ ،‬انطالقا من نوع الجريمة(‪ )60‬وتماشيا‬
‫مع سن الحدث(‪،)61‬وجعل منها ما تمنح الحدث البقاء في وسطه الطبيعي‪ ،‬وهي‬

‫‪ -55‬للتوسع في ماهية علم العقاب واهتماماته‪ .‬يراجع‪ :‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحمان عثمان‪( ،‬م‪ .‬س)‪ ،‬ص ‪ 8‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪La politique criminelle désigne ainsi L’ensemble des procédés susceptibles d’être proposés -56‬‬
‫‪au législateur, ou effectivement utilisés par celui-ci a un moment un pays donné , pour‬‬
‫‪combattre la criminalité (voir Roger Merle et André Vêtu, « traité de droit criminel, Problèmes‬‬
‫)‪généraux de la Science criminelle, Droit pénal ». Editions Cujas, Paris 6eme éd, 1984, p 97.‬‬
‫‪ -57‬لطيفة اشويردي‪ ،‬إدماج الحدث الجانح بالسجن‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8008 – 8002‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -58‬وضع المشرع مجموعة من التدابير وجعلها تتخذ كتدابير مؤقتة بموجب أوامر قضائية‪ ،‬وهي تختلف عن تدابير الحماية‬
‫والتهذيب التي تطبق بموجب أحكام وق اررات نهائية‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل الفقرة األولى واألخيرة من المادة ‪ 977‬ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫الفقرة ‪ -8‬يمكن للقاضي في قضايا الجنح أن يصدر "أمرا" يخضع بمقتضاه الحدث لواحد أو أكثر من تدابير نظام الحراسة‬
‫المؤقتة‪ - . ...‬الفقرة األخيرة ‪ -‬تنفذ هذه التدابير المؤقتة رغم كل طعن وتكون قابلة دائما لإللغاء‪.‬‬
‫‪ -59‬رشيد النووي‪ ،‬التفريد العقابي لألحداث الجانحين بين النظرية والتطبيق‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8002 – 8007‬ص ‪.50‬‬
‫‪ -60‬إذا كان األمر يتعلق بمخالفة يرجع للمادة ‪ 962‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬أما في حال الجنحة فتطبق المادة ‪ ،920‬واذا تعلق األمر بجناية‬
‫فيتم تطبيق المادة ‪ 980‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ -61‬إن منهج تطبيق التدابير الحمائية يأخذ بعين االعتبار انعدام المسؤولية (أقل من ‪ 88‬سنة) أو نقصانها (أكثر من ‪ 88‬سنة‬
‫والى حدود ‪ 82‬سنة)‪.‬‬

‫‪P 48‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التدابير املتمثلة في التوبيــخ(‪ )*()62‬التسليم(‪ )63‬والحرية املحروسة(‪ ،)64‬حيث يقوم‬


‫التوبيخ على تأديب الحدث ولومه وإشعاره بحجم الخطأ الذي ارتكبه واألضرار‬
‫التي تترتب عنه كما يهدف إلى بث روح املسؤولية فيه وحثه على االستقامة وعدم‬
‫العود(‪ ،)65‬هكذا يترك القاض ي تأثيره اإليجابي على الحدث دون أن يكون له‬
‫انعكاس سلبي على نفسيته(‪ ،)66‬وحتى يؤتي هذا التدبير أثره تجاه الحدث فقد‬
‫اتجه بعض الفقه إلى ضرورة إصداره بحضور الحدث‪ ،‬حيث ال يتصور أن يكون‬
‫هذا التدبير غيابيا(‪ ،)67‬ونظرا ملا يمثله هذا التدبير(‪ )68‬من أهمية وملا يمكن أن‬

‫‪ -62‬يعد التوبيخ من التدابير األصلية في مادة المخالفات بالنسبة لألحداث ما بين ‪ 88‬و‪ 82‬سنة وقد نص عليه المشرع بالمادة‬
‫‪ 962‬ق‪.‬م‪.‬ج " في حالة ثبوت المخالفة يمكن للقاضي أن يقتصر إما على توبيخ الحدث‪ ،‬أو الحكم بالغرامة المنصوص عليها‬
‫قانونا "‪.‬‬
‫أما بالنسبة لألحداث أقل من ‪ 88‬سنة فقد استبدل المشرع مصطلح التوبيخ بمصطلح التنبيه – في حالة ارتكاب جنحة‪ -‬وذلك‬
‫بالمادة ‪ 920‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ 8 ..." :‬ـ إذا كان عمر الحدث يقل عن ‪ 88‬سنة كاملة‪ ،‬فإن المحكمة تنبهه وتسلمه‪"...‬‬
‫*‪ -‬وقد عرفت المادة ‪ 808‬من قانون الطفل المصري رقم ‪ 886‬لسنة ‪ " 8002‬التوبيخ هو توجيه اللوم والتأنيب إلى الطفل‬
‫على ما صدر منه وتحذيره بأال يعود إلى مثل هذا السلوك مرة أخرى"‪.‬‬
‫‪ -63‬إن تدبير التسلم يصدر في حق الحدث أقل من ‪ 88‬سنة في حالة ارتكابه لمخالفة وذلك بنص المادة ‪ 962‬ق‪.‬م‪.‬ج "‪...‬‬
‫في حالة ثبوت المخالفة‪ ... ،‬ال يتخذ في حق الحدث الذي لم يبلغ ‪ 88‬سنة من عمره‪ ،‬سوى التسليم ألبويه أو ‪ .".....‬كذلك‬
‫في حالة ثبوت ارتكابه لجنحة المادة ‪ (/920‬ف‪ )8‬هذا ويصدر تدبير التسليم في حق الحدث الذي يبلغ من العمر ‪ 88‬والى‬
‫حدود ‪ 82‬سنة في حالة ارتكابه أي جريمة كيفما ما كان نوعها بموجب المادة ‪ 928‬ق‪.‬م‪.‬ج (ف ‪.)8‬‬
‫‪ -64‬يصدر تدبير الحرية المحروسة في حق الحدث الذي تجاوز ‪ 88‬سنة من عمره بموجب المادة ‪( 920‬ف ‪ )8‬و‪ 980‬ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫التي تحيل على المادة ‪ 928‬ألنها تتضمن كل تدابير الحماية أو التهذيب بما فيها تدبير الحرية المحروسة‪.‬‬
‫‪ -65‬انظر في ذلك‪ :‬أكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،8882‬ص‬
‫‪ - .007‬عمر الفاروق الحسني‪ ،‬انحراف األحداث‪ ،‬المشكلة والمواجهة‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬ط ‪ ،8885 ،0‬ص ‪.860‬‬
‫‪ -66‬أحمد سلطان عثمان‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألطفال المنحرفين‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬المؤسسة الفنية‪ ،‬القاهرة ‪ ،8008‬ص ‪.876‬‬
‫‪ -67‬أنظر في هذا الصدد‪:‬ـ عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬المعاملة الجنائية واالجتماعية لألطفال‪ ،‬دراسة متعمقة في قانون الطفل‬
‫المصري مقارنة بقانون األحداث اإلمارتي‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬مصر‪ ،‬المجلة الكبرى ‪،8007‬‬
‫ص ‪.898‬‬
‫ـ فوزية عبد الستار‪ ،‬المعاملة الجنائية لألطفال‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،8888‬ص ‪.802‬‬
‫ـ محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،8870‬ص ‪.808‬‬
‫‪ -68‬كثي ار ما يعمد قضاة األحداث إلى إرفاق تدبير التوبيخ بتدبير آخر‪ ،‬كما توضح األحكام التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط بتاريخ ‪ 8080/08/87‬في ملف رقم ‪" 8008/078/89‬حيث تمت إدانة‬
‫الحدث من أجل ما النسب إليها ومعاقبتها بالتوبيخ وتسليمها ألولياء أمرها مع إخضاعها لنظام الحرية المحروسة لمدة ‪ 0‬أشهر‪.‬‬
‫غير منشور‪ .‬وفي حكم آخر صادر عن المحكمة االبتدائية بالروماني بتاريخ ‪ 8006/8/0‬في ملف رقم ‪" 8005/98‬حيث تمت‬
‫مؤاخذة الحدثين من أجل ما نسب إليهما ومعاقبتهما بالتوبيخ مع تسليمهما لوليهما القانوني وتحميل هذين األخيرين صائر‬
‫الدعوى‪ .‬غير منشور‪( .‬أورد هذه األحكام‪ :‬إبراهيم يوسات‪ ،‬حماية األحداث الجانحين في ضوء قانون المسطرة الجنائية والعمل‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يحققه من تقويم‪ ،‬فقد تبنته عدة قوانين مقارنة سواء العربية منها(‪ ،)69‬أو‬
‫متفقين بذلك على كون األحداث بعد توبيخهم سيشعرون بالخطأ‬ ‫الغربية(‪)70‬‬

‫الذي اقترفوه‪ ،‬ويدركون في ضوء هذا التدبير خطورة فعلهم على املجتمع‬
‫ويشفقون من وطأة الجزاء الذي ينتظرهم إذا عادوا إلى الجنوح(‪ .)71‬إلى جانب‬
‫تدبير التوبيخ فقد منح املشرع لقاض ي األحداث إمكانية تسليم الحدث إلى وليه‬
‫أو إلى أشخاص حددهم باملادة ‪ 423‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬وهو ال يعني أن القاض ي يطلق سراح‬
‫الحدث وإنما يمكن اعتباره كتدبير حمائي(‪ ،)72‬بل اعتبره بعض الفقه تدبيرا مقيدا‬
‫للحرية ألنه يفترض خضوع الحدث إلشراف ورقابة متسلمة واستجابته لتوجيهه‪،‬‬
‫بتربيته وتحسين سيرته(‪،)74‬‬ ‫التزامه(‪)73‬‬ ‫وذلك حتى يستطيع من تسلمه أن ينفذ‬
‫فالتسليم يتم بصفة مبدئية إلى األبوين – وبغض النظر عن نوع الجريمة(‪،-)75‬‬

‫القضائي ومؤسسات التنفيذ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8088 – 8088‬ص ‪.06‬‬
‫‪ -69‬القانون المصري رقم ‪ 886‬لسنة ‪( 8002‬المادة ‪ ،)808‬القانون اليمني رقم ‪ 86‬لسنة ‪( 8887‬المادة ‪ )06‬والقانون العراقي‬
‫رقم ‪ 76‬لسنة ‪( 8820‬المادة ‪.)78‬‬
‫‪ -70‬القانون اليوغسالفي في (المادة ‪ ،)78‬القانون الروماني (المادة ‪ ،)808‬انظر في ذلك‪ :‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪،802 – 807‬‬
‫ـ كذلك أشار إلى ذلك قانون األحداث الجانحين الفرنسي (‪ )8895/8/8‬في المادة ‪/88‬ف‪.8‬‬
‫‪Art 21-2 « Toute fois, les mineurs de Treize ans ne pouvant faire l’objet que d’une‬‬
‫‪admonestation ».‬‬
‫‪ -71‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.802‬‬
‫‪ -72‬فيصل اإلبراهيمي‪ ،‬السلطة التقديرية لقاضي األحداث بين التدابير والعقوبة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8002 – 8007‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -73‬اتجهت بعض القوانين إلى ترتيب مسؤولية جنائية عن عدم التزام متسلم الحدث بواجب رعايته وتربيته‪ ،‬وذلك كما هو‬
‫الشأن في قانون الطفل المصري (المادة ‪ )888‬التي تنص على أنه "يعاقب بغرامة ال تقل عن مائتين جنيه وال يتجاوز ألف‬
‫جنيه من سلم إليه طفل وأهمل في أداء أحد واجباته واذا ترتب على ذلك ارتكاب الطفل جريمة أو تعرضه للخطر‪ ...‬فإذا كان‬
‫ذلك ناشئا عن إخالل جسيم بواجباته تكون العقوبة الحبس مدة ال تقل عن ثالثة أشهر وال تجاوز سنة وغرامة ال تقل عن ألف‬
‫جنيه وال يتجاوز ‪ 5‬ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين"‪.‬‬
‫‪ -74‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.888‬‬
‫‪ -75‬يتم اللجوء لتدبير التسليم بغض النظر عن الجريمة (مخالفة‪ ،‬جنحة‪ ،‬جناية) المرتكبة من طرف الحدث‪ ،‬هذا التوجه يؤكده‬
‫القرار الصادر عن غرفة الجنايات االستئنافية بفاس عدد ‪ 06/89‬أ بتاريخ ‪ ،8006/08/89‬غير منشور‪ ،‬حيث قررت الهيئة‬
‫تسليم كل من الحدثين لوليه القانوني رغم ارتكابهما لجناية هتك عرض قاصر بالعنف‪.‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وذلك على افتراض أهليتهما وأحقيتهما باحتضان الحدث الجانح(‪ ،)76‬وبصفة‬


‫احتياطية‪ ،‬وفي حالة ثبوت عجز األبوين(‪ )77‬عن التكفل بعالج الحدث وإصالحه‪،‬‬
‫فإنه يمكن عندئذ أن يلجأ القاض ي إلى أي من األطراف األخرى املذكورة باملادة‬
‫(‪ 423‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪ ،‬وانطالقا من أهمية هذا التدبير – التسليم‪ ،)78(-‬فقد تبنته عدة‬
‫قوانين عربية‪ ،‬كقانون الطفل املصري (املادة ‪ 313‬و‪ )311‬وقانون رعاية األحداث‬
‫العراقي (املادة ‪ 98‬و‪.)91‬‬
‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬فقد تبنى املشرع املغربي‪ ،‬وفي إطار الحفاظ على الحدث‬
‫داخل وسطه الطبيعي‪ ،‬تدبير الحرية املحروسة(‪ )79‬كأسلوب عالجي يسمح ببقاء‬
‫الحدث في بيئته الطبيعية متمتعا بحريته وتحت مراقبة ومالحظة شخص مكلف‬
‫الطبيعي(‪)81‬‬ ‫بهذه املهمة(‪ ،)80‬فهي إذن وسيلة ترمي إلى مراقبة الحدث بوسطه‬
‫بعيدا عن اإليداع باملراكز التربوية واإلصالحية‪ ،‬لتحافظ بذلك على االستقرار‬
‫النفس ي للحدث وتساعده على تجاوز أزماته واكتشاف شخصيته‪ ،‬ونظرا ألهمية‬
‫هذا التدبير فقد أوصت به املؤتمرات الدولية‪ ،‬فكان من ضمن توصيات املجلس‬

‫‪ -76‬حسن الجوخدار‪ ،‬قانون األحداث الجانحين‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪ ،8888 ،8‬ص ‪.86‬‬
‫‪ -77‬هذا التوجه الذي اعتمده المشرع المغربي يتفق مع المادة ‪ 08‬من اتفاقية حقوق الطفل ‪8828‬والتي دعت إلى "عدم فصل‬
‫الطفل عن والديه على كره منهما إال عندما تقرر السلطات المختصة‪ ....‬أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل‬
‫الفضلى"‪.‬‬
‫‪ -78‬يعكس هذا التدبير – التسليم‪ -‬الدور المحوري لألسرة باعتبارها مؤسسة اإلصالح األولي في التربية والحماية وترسيخ القيم‬
‫األخالقية واالجتماعية في الحدث واعداده بالطرق المالئمة لمواجهة الحياة االجتماعية (انظر في ذلك‪ :‬فيصل اإلبراهيمي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)89‬‬
‫‪ -79‬نظم هذا التدبير بموجب قانون المسطرة الجنائية من خالل المواد من ‪ 986‬إلى ‪ ،500‬وقد اختلفت التشريعات حول‬
‫المصطلح الذي يعطى لهذا اإلجراء‪ ،‬حيث أن التشريع العراقي – قانون رعاية األحداث – أطلق عليه تدبير مراقبة السلوك (م‬
‫‪ ،)27‬أما قانون الطفل المصري فسماه االختبار القضائي (المادة ‪ 808‬ف‪ ،)6‬في حين التشريع السوري أخذ بمصطلح الحرية‬
‫المراقبة (م ‪ ،)09‬وقد عرف المشرع السوري الحرية المراقبة بالمادة ‪ 88‬من قانون األحداث الجانحين بكونها "مراقبة سلوك‬
‫الحدث والعمل على إصالحه بإسداء النصح له ومساعدته على تجنب السلوك السيئ وتسهيل امتزاجه بالمجتمع"‪ ،‬وهو بذلك‬
‫يكون يتفق مع أهداف الحرية المحروسة الموضحة في المادة ‪ 987‬ق‪.‬م‪.‬ج المغربي‪.‬‬
‫‪ -80‬يعهد في دائرة كل محكمة استئنافية إلى مندوب أو عدة مندوبين دائمين والى مندوبين متطوعين باإلشراف والتتبع التربوي‬
‫لألحداث الجاري عليهم نظام الحرية المحروسة (م ‪ 8/986‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪- JEAN CHAZAL ; L’enfant délinquant : que Sais je ; éd Peuf 9eme ed 1993 ; p 88.‬‬

‫‪P 43‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االقتصادي واالجتماعي التابع لألمم املتحدة عام ‪ ،3253‬حيث اعتبر أن االختبار‬


‫القضائي يعد طريقة إنسانية فعالة في عالج املذنبين‪ ،‬وبالتالي الحد من حاالت‬
‫العود(‪ ،)82‬وهذا ما أكده التطبيق القضائي بفرنسا حينما اعتبر نظام الحرية‬
‫املحروسة من أنجح الوسائل ملعالجة انحراف األحداث وظاهرة العود(‪.)83‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن إصدار قاض ي األحداث لهذا التدبير – الحرية املحروسة‪ -‬يرتبط‬
‫بتوضيح جوهره لآلباء كي يساهموا في إنجاحه‪ ،‬ثم يراعي مجموعة من الظروف‬
‫املرتبطة بالحدث‪ ،‬كظروفه االجتماعية‪ ،‬وانعدام سوابقه(‪.)84‬‬
‫استنادا إلى ما سبق‪ ،‬فإن عرض هذه التدابير – تسليم‪ -‬الحرية املحروسة –‬
‫وما تمثله من أهمية في الحفاظ على استقرار الحدث نفسيا واجتماعيا نظرا‬
‫لبقائه بوسطه الطبيعي‪ ،‬يستدعي بالضرورة الوقوف على نسبة اللجوء إليها على‬
‫مستوى املحاكم‪ ،‬حتى تتضح النظرة التي تسود لدى قضاة اململكة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل عرض إحصائيات لثالث سنوات متتالية(‪.)85‬‬
‫إحصائيات خاصة بتدابير الحرية املحروسة والتوبيخ والتسليم لسنوات‬
‫‪.8131/8112/8112‬‬
‫(الجدول رقم ‪)3‬‬
‫‪8131‬‬ ‫‪8112‬‬ ‫‪8112‬‬
‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫السنة‬
‫املئوية‬ ‫املئوية‬ ‫املئوية‬ ‫أنواع‬
‫التدابير‬

‫‪ -82‬علي محمد جعفر‪ ،‬حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر االنحراف‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.002‬‬
‫‪83‬‬
‫; ‪- (J) Chazal et (J) Gazier; caractère et exécution des décisions rendues par le Juge des enfants‬‬
‫‪dans : problèmes contemporains de procédure pénale; Recueil d’études en hommage à louis‬‬
‫‪hugueney ; paris ; sirey ; 1964 ; p 269.‬‬
‫‪ -84‬هذا ما يتضح من خالل الحكم الصادر في الملف الجنحي أحداث رقم ‪ 88/09‬عن المحكمة االبتدائية بتازة بتاريخ‬
‫‪ 8088/00/80‬والذي جاء فيه "ونظ ار لدرجة إجرام الحدث ولوضعيتها االجتماعية ولكونها لم تصل بعد للسن التي تمكنها من‬
‫إدراك خطورة األفعال بشكل يقين‪ ،"....‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ -85‬إحصائيات صادرة عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو سنوات ‪ 8002‬و ‪ 8008‬و‪.8080‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪%35,83‬‬ ‫‪8216‬‬ ‫‪%31,91‬‬ ‫‪2704‬‬ ‫‪%31,95‬‬ ‫‪8431‬‬ ‫التوبيخ‬


‫‪%11,41‬‬ ‫‪5691‬‬ ‫‪%82,51‬‬ ‫‪5212‬‬ ‫‪%86,92‬‬ ‫‪4933‬‬ ‫التسليم‬
‫‪%9,18‬‬ ‫‪3112‬‬ ‫‪%2,15‬‬ ‫‪3526‬‬ ‫‪%9,64‬‬ ‫الحرية املحروسة ‪3192‬‬
‫‪32641‬‬ ‫‪32623‬‬ ‫‪39522‬‬ ‫املجمــوع‬
‫يتبين لنا من خالل هذه النسب(‪ )86‬أن قضاة األحداث أصبح لهم وعي بأهمية‬
‫هذه التدابير تبعا ألهمية الوسط الذي تنفذ فيه‪ ،‬إال أن األمر يقتصر على املحاكم‬
‫االبتدائية‪ ،‬أي إصدار هذه التدابير في الجنح واملخالفات أما الجنايات فيغلب‬
‫عليها الطابع الزجري‪ ،‬كل هذا يتبين من خالل اطالعنا على إحصائيات صادرة‬
‫عن محكمة االستئناف بفاس(‪ ،)87‬حيث لم يتم اللجوء لتدبير التوبيخ والحرية‬
‫املحروسة بصفة نهائية ‪ %1‬على امتداد ‪ 1‬سنوات متتالية من ‪ 8112‬إلى ‪،8133‬‬
‫أما تدبير التسليم فعرف نسبا متذبذبة‪ ،‬حيث في سنة ‪ 8112‬تم الحكم بالتدبير‬
‫بنسبة ‪ %31‬أما سنة ‪ 8131‬فكانت النسبة هي ‪ %83‬في حين لم يتم اللجوء له‬
‫سنة ‪ 8133‬إال بنسبة ‪.%3‬‬
‫وباإلضافة إلى التدابير السابقة‪ ،‬فقد اعتمد املشرع املغربي منهجية اللجوء إلى‬
‫وضع الحدث داخل بعض املؤسسات(‪ ،)88‬وذلك لتطبيق التدابير على من تبين أن‬
‫وضعه بالوسط الطبيعي غير مفيد له ولم يحقق له االنسجام االجتماعي‪ ،‬هذه‬
‫التدابير تفيد في العمل على كل ما من شأنه توجيه الفرد لسلوك الطريق السليم‪،‬‬

‫‪ -86‬إذا رجعنا إلى إحصائيات و ازرة الشباب والرياضة فإننا نجد تدبير الحرية المحروسة قد صدر في حق ‪ 8206‬حدث (طور‬
‫التربية) سنة ‪ ،8080‬أما خالل سنة ‪ 8088‬فقد صدر في حق ‪ 825‬حدث (طور التربية)‪ .‬وهو ما يوضح مدى اهتمام قضاة‬
‫األحداث بهذا التدبير لما قد يحققه من نفع على الحدث‪ ،‬خصوصا في الجنح والمخالفات التي ال تنم عن خطورة كبيرة‪ ،‬وذلك‬
‫لما قد يقوم به المندوب (مندوب الحرية المحروسة الرسمي أو المتطوع) من أعمال وتوجيهات تجاه الحدث‪ ،‬وأولياء أمره ليتمكنوا‬
‫من تربيته وارجاعه لجادة الصواب‪.‬‬
‫‪ -87‬إحصائيات صادرة عن النيابة العامة لدى المحكمة االستئناف – شعبة اإلعالميات واإلحصاء بفاس‪ ،‬منشور على الموقع‬
‫الرسمي للمحكمة‪ ،www.cafes.ma .‬تاريخ االطالع ‪.8088/80/88‬‬
‫‪ -88‬المادة ‪ 928‬من ق‪.‬م‪.‬ج البنود ‪ .7 – 6 – 5 – 9 – 0‬والمادة ‪ 808‬من قانون الطفل المصري البند ‪ ،7‬كذلك المادة ‪9‬‬
‫من قانون األحداث السوري البنود (ج – هـ)‪.‬‬

‫‪P 45‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ليعاد إلى املجتمع عضوا صالحا ونافعا له‪ ،‬فقد يحدث في الواقع أال يفلح أي‬
‫تدبير من تدابير إعادة التربية مع الحدث‪ ،‬ما لم يقترن بالخوف من التدبير في حد‬
‫ذاته‪ ،‬لذلك ينبغي أن تتوفر في هذه التدابير صفتي السجن واملدرسة‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أن ال يفرض هذا التدبير إال في الحاالت الصعبة(‪ ،)89‬هذا ويهدف اإليداع‬
‫ومهنية(‪)91‬‬ ‫إلى تحقيق العملية اإلصالحية(‪ )90‬من خالل برامج تعليمية وتثقيفية‬
‫من شأنها أن تمحو النزعة اإلجرامية الكامنة في نفسية الحدث‪ ،‬وبالتالي مواجهة‬
‫عوامل الفساد واإلجرام‪ ،‬وهو ما يشكل عملية بحث في أعماق الحدث‬
‫واستكشاف للقدرات واملواهب الكامنة فيه حتى يتم صقلها وتطويرها‪ ،‬ثم‬
‫توجيهها نحو مجاالت الحياة الشريفة(‪ ،)92‬هذا ما لم يمنع القضاة من إصدار هذا‬
‫التدبير حتى في الجنايات‪ ،‬ففي قرار صادر عن غرفة الجنايات االبتدائية عدد‬
‫‪ 8116/22‬بتاريخ ‪ 8116/16/5‬قضت املحكمة بإيداع الحدث بمركز حماية‬
‫الطفولة عبد العزيز بن إدريس بفاس إلى حين بلوغه سن ‪ 32‬سنة من أجل جناية‬
‫الضرب والجرح بالسالح املؤدي إلى عاهة مستديمة(‪.)93‬‬
‫ولتجاوز األفعال الناتجة عن حالة األحداث ذوي النزعات املرضية والبدنية‬
‫والنفسية خول املشرع املغربي لقاض ي األحداث‪ ،‬املستشار املكلف باألحداث‪،‬‬
‫إمكانية وضع الحدث بمؤسسة طبية أو للتربية الصحية مؤهلة لهذا الغرض(‪،)94‬‬

‫‪ -89‬عبد الرحمان مصلح الشرادي‪ ،‬انحراف األحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬ط‪ ،8008 ،8‬ص‬
‫‪.808‬‬
‫‪ -90‬محمد العروصي‪ ،‬الحدث الجانح بين التدابير التهذيبية والعقوبة‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬ع ‪ ،88‬يونيو ‪ ،8088‬ص ‪.80‬‬
‫‪ -91‬هذا ما يترجم ما جاء في المادة ‪ 02‬من اتفاقية حقوق الطفل‪ ،‬والمادة ‪ 78‬من قواعد الحد األدنى لمعاملة السجناء‪ ،‬وكذا‬
‫القاعدة ‪ 89‬و‪ 86‬من قواعد بكين‪ ،‬باإلضافة للقاعدة ‪ 98‬من قواعد األمم المتحدة بشأن حماية األحداث المجردين من حريتهم‬
‫ثم المبدأ ‪ 80‬من مبادئ الرياض التوجيهية لسنة ‪.8880‬‬
‫‪ -92‬انظر في هذا الصدد‪ - :‬محمد أفقير‪ ،‬واقع التوجيه التربوي والمهني بمراكز حماية الطفولة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم المعهد الملكي‬
‫لتكوين األطر‪ ،8826 -8825 ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -‬نبيل صقر وصابر جميلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪889‬‬
‫‪ -93‬قرار غير منشور‪ ،‬أورده فيصل اإلبراهيمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ -94‬عبد الرحمان مصلح الشرادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.896‬‬

‫‪P 46‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وال يقف األمر عند هذا الوضع وإنما يمتد إلى حالة الحدث النفسية أو سلوكه‬
‫العام‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يمنع القاض ي من االستعانة بأهل الخبرة من األطباء‬
‫قبل إصدار األمر باإليداع على أن ال يتجاوز ثالثة أشهر بمركز مقبول مؤهل‬
‫لذلك(‪.)95‬‬
‫وإذا رجعنا للواقع العملي فإن حاالت التطبيق القضائي لهذا التدبير تبقى نادرة‬
‫باملقارنة مع تدبير اإليداع بمؤسسة تربوية (خصوصا مراكز حماية الطفولة)‪،‬‬
‫حيث وصلت نسب اإليداع باملؤسسات الطبية خالل سنوات ‪ 8112‬و‪8112‬‬
‫و‪ )96(8131‬إلى أقل من ‪ %1,5‬مقارنة مع تدبير اإليداع بمراكز التربية والتي وصلت‬
‫سنة ‪ 8112‬إلى ‪ %33,4‬وسنة ‪ 8112‬إلى ‪ %38,1‬أما نسبة ‪ 8131‬فسجلت نسبة‬
‫‪ ،%34,81‬وهي نسب منخفضة بالنظر ألهمية هذه التدابير إذا ما تم تفعيلها‬
‫بشكل جيد‪.‬‬
‫وهذا إن دل على ش يء فإنما يدل على أن اللجوء إلى تلك املؤسسات أو املراكز‬
‫ال يوجد ما يفعله على أرض الواقع بالنظر للتكلفة املالية التي تحتاجها هذه‬
‫التدابير باإليداع في املؤسسات واملعاهد وغيرها(‪ ،)97‬مما يبقى التساؤل مطروحا‬
‫عن فلسفة املشرع في التعامل مع الحدث وعن غايته من إقراره هذه التدابير إذا‬
‫لم يتم تفعيلها واقعيا‪.‬‬
‫وهنا ال يمكن أن نفوت الفرصة للقول بأن جل هذه التدابير تمت معالجتها في‬
‫الشريعة اإلسالمية وتأكيدها من لدن الفقه اإلسالمي الذي أعطى األولية‬
‫للتأديب عن العقاب(‪ ،)98‬وهذا الطرح هو ما نهل منه الفقه النوازلي في معالجة‬

‫‪ -95‬محمد لعروصي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬


‫‪ -96‬إحصائيات صادرة عن و ازرة العدل‪ ،‬مديرية الشؤون الجنائية والعفو سنوات ‪ 8002‬و ‪ 8008‬و ‪.8080‬‬
‫‪ -‬كذلك إذا اطلعنا على اإلحصائيات الصادرة عن محكمة االستئناف بفاس فإننا نجد هذا التدبير غائب بصفة نهائية‪( .‬االطالع‬
‫على الموقع الرسمي للمحكمة "سبق ذكره" )‪.‬‬
‫‪ -97‬محمد لعروصي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ -98‬تعتبر عقوبة الحدث تأديبية خالصة وال يسأل جنائيا بحال ألنه ليس من أهل العقوبة الجنائية كما لم تحدد الشريعة نوع‬
‫العقوبات التأديبية التي يمكن أن توقع الحدث‪ .‬فيجوز للحاكم أن يعاقب بالوعظ واإلرشاد والتسليم‪ ...‬وغيرها من الطرق التي‬

‫‪P 47‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الذين يقدمون على أفعال مخالفة لضوابط‬ ‫الصبيان‪)99(-‬‬ ‫قضايا األحداث –‬


‫الشرع واملجتمع‪ ،‬وهنا نشير إلى النازلة التي عرضها ابن مزين على أصبغ فقال‪" :‬‬
‫يؤدب الصبيان في تعديهم وشتمهم وقذفهم وجراحاتهم العمد وقتلهم؟" فقال‬
‫أصبغ " نعم يؤدبون إذا كانوا عقلوا وراهقوا "(‪.)100‬‬
‫يتضح لنا أن الفقهاء النوازليين كان لهم الوعي التام بما يتميز به الحدث من‬
‫خصائص الضعف في التمييز واإلدراك وغيرهما‪ ،‬وهو ما أعطى نوازل تركز على‬
‫التأديب بشكل أساس ي مستبعدين بذلك كل أنواع العقاب ولو في الجرائم‬
‫الشديدة كالقتل والجرح العمد‪ ،‬وهو ما يجعلنا نقول بأن األساليب التي كانت‬
‫سائدة منذ فترة ملعاملة الحدث الجانح كان لها األثر اإليجابي في اإلصالح نظرا‬
‫لسالستها وواقعيتها‪ ،‬وذلك على العكس مما هو عليه الحال‪ ،‬حيث أنه رغم‬
‫اللجوء ألساليب التأديب(‪ )101‬واعتبارها تطبق باألولوية على العقوبة إال أن عدد‬
‫األحداث الجانحين في ارتفاع كما تبين اإلحصائيات الصادرة عن وزارة العدل‪،‬‬
‫حيث سجلت سنة ‪ 8112‬ما يقدر بـ ‪ 39522‬حدثا صدرت في حقهم تدابير مختلفة‪،‬‬
‫ليرتفع هذا العدد إلى ‪ 32623‬سنة ‪ ،8112‬ليتراجع العدد بشكل طفيف سنة‬

‫قررها الفقه‪( .‬انظر في هذا الصدد‪ :‬حسن محمد األمين‪ ،‬إجرام األحداث ومحاكمتهم في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل درجة الماجستير في الفقه اإلسالمي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪8902 –8907 ،‬ه‪،‬ص ‪).082‬‬
‫‪ -99‬وفي هذا الشأن سئل الشيخ أبو الحسن اللخمي عن بعض ضوابط التأديب وفق النازلة التالية‪" - :‬سئل الشيخ أبو الحسن‬
‫اللخمي‪ :‬عن معلم صبيان ضرب أحدهم ثالثا أو أقل أو أكثر فمات‪ ،‬فهل يقاد منه؟ وهل للضرب محل يعده كاألرجل والظهر‬
‫أم ال؟ وكيف لو ضربه ضربة على العمامة فمات أو أصاب طرف السوط عينه ففقأها هل يقتص منه أم ال؟ فأجاب‪ :‬األدب‬
‫غير محصور وليس كل الصبيان سواء من القوة والضعف فمنهم من يخاف فيرده أقل الضرب‪ ،‬ومن جرمه أشد من غيره‬
‫فيكون أشد‪ ،‬فحال الصبيان مختلف‪ ،‬فيوقع به من العقوبة ما يستحقه مما ال يخاف معه موت وال مرض‪ ،‬فإن قدر موته فال‬
‫قود فتحسن الدية على العاقلة‪ ،‬وان أصاب عينه فعليه ديتها"‪( .‬راجع‪ - :‬فتاوى الشيخ أبي الحسن اللخمي القيرواني – جمع‬
‫وتحقيق وتقديم حميد بن محمد لحمر‪ ،‬دار المعرفة الدار البيضاء‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪ .‬ص ‪ .800‬وكذلك‪ - :‬فتاوى البرزلي‪ ،‬جامع مسائل‬
‫األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام‪ ،‬لإلمام الفقيه أبي القاسم بن أحمد البلوي التونسي المعروف بالبرزلي‪ ،‬تقديم‬
‫وتحقيق محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،6‬ط‪ ، 8008 ،8‬ص ‪.)26‬‬
‫‪ -100‬فتاوى البرزلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.886‬‬
‫‪ -101‬وهي باألساس تدابير الحماية أو التهذيب التي تتفق على مستوى الصياغة إلى حد كبير مع أساليب التأديب في الشريعة‬
‫والفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪P 40‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ 8131‬إلى ‪ 32641‬حدث(‪ ،)102‬وهو ما يبرر القول بعدم فعالية املعاملة التي‬


‫يتلقاها الحدث الجانح ‪.‬‬
‫وهنا يبقى التساؤل مطروحا حول الطبيعة القانونية لهذه التدابير ؟ فهل هي‬
‫تدابير تبتغي اإلصالح؟ أم طرق تفعيلها تجعل منها عقوبات زجرية تفشل في‬
‫تحقيق أهدافها؟‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الطبيعة القانونية للتدابير املقررة للحدث الجانح‬
‫إن تحديد الطبيعة القانونية للتدابير يؤثر في كيفية تنظيم وتفسير أحكامها‬
‫املوضوعية واإلجرائية(‪ ،)103‬التي ستؤثر على املنطق الذي سيعامل به املحكوم‬
‫عليه بعد الحكم عليه بتدبير معين‪ ،‬هذا التحديد أفرز نقاشا فقهيا واسعا حول‬
‫وجوب التمييز بين التدابير والعقوبة أو عدمه ‪ -‬خصوصا إذا تعلق األمر بموضوع‬
‫حساس يرتبط بالحدث في نزاع مع القانون‪ -‬ومرد هذا االختالف إلى أن التدابير‬
‫تلتقي مع العقوبات في خصائص مشتركة(‪ ،)104‬لهذا يتعين عدم التمييز بينهما‪،‬‬
‫االختالف(‪)105‬‬ ‫فهما من طبيعة واحدة‪ ،‬فيما نجد جانب آخر متمسك بوجود‬
‫ومصر على ضرورة التمييز بينهما‪.‬‬
‫إن أنصار مذهب وحدة العقوبة والتدابير ‪ -‬وعلى رأسهم مؤيدي املدرسة‬
‫الوضعية‪ -‬يتشبثون باملزايا املشتركة بين العقوبة والتدبير للقول بوحدتهما وعدم‬
‫إمكانية التمييز بينهما‪ ،‬ومن بين األدلة والبراهين التي تؤكد ذلك‪ ،‬غياب إمكانية‬
‫إليجاد ضابط مميز يمكن االعتماد عليه بشكل كاف‪ ،‬فكالهما يصيب بالنقص‬
‫أحد الحقوق القانونية نتيجة ارتكاب جريمة محددة‪ ،‬ويخضعان إلجراءات‬

‫‪ -102‬اإلحصائيات التي سبقت اإلشارة إليها‪( ،‬سنوات ‪.)8080 – 8008 – 8002‬‬


‫‪ -103‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.888‬‬
‫‪ -104‬يشير بعض الفقه إلى الخصائص المشتركة بين التدابير والعقوبات ويحددها في خاصية الشرعية‪ ،‬الشخصية‪ ،‬النفعية‪،‬‬
‫ثم اإللزامية‪( .‬انظر‪ ،‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)889 – 880‬‬
‫‪ -105‬إن أوجه االختالف التي يركز عليها الفقه تتلخص في‪ ،‬االختالف في األسباب‪ ،‬االختالف في األساس‪ ،‬االختالف في‬
‫المضمون‪ ،‬االختالف في الوظيفة‪ ،‬ثم االختالف في الموضوع واالختالف في الخصائص‪.‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫قانونية منظمة‪ ،‬وأيضا تماثل املصالح التي يعتدى عليها والتي تتطلب التدخل‬
‫التخاذ إجراء معين‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن التدابير يوقعها القضاء على إثر أحكام‬
‫أو أوامر قضائية مضبوطة مما يدل على أنها تشترك مع العقوبات في خضوعها‬
‫ملبدأ الشرعية ومبدأ التدخل القضائي(‪.)106‬‬
‫وينتصر مارك أنسل لهذا االتجاه‪ ،‬إذ يرى أن الدفاع االجتماعي الحديث يضم‬
‫العقوبات‪ ،‬بمعناها القائم على املسؤولية األدبية والتهذيب‪ ،‬والتدابير االحترازية‬
‫أيضا وال يرى أي فارق أساس ي بينهما‪ ،‬فالعقوبة نفسها لها خاصية التهذيب(‪،)107‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول‪" :‬إن الذي يهم الدفاع االجتماعي ليس هو اسم الجزاء‬
‫وإنما هو مضمونه الذي يجب أن يتجه إلى عالج املحكوم عليه‪ ،‬فإذا تسنى التقدم‬
‫في مجال فحص الشخصية وفي التوصل إلى نظام عقابي يصلح املجرم‪ ،‬فإن‬
‫التفرقة بين العقوبة والتدبير مجرد مجاز أو مسألة مدرسية تخلو من حقيقة‬
‫ذاتية"(‪.)108‬‬
‫وارتباطا بمذهب مارك أنسل نجد أن الدكتور أحمد فتحي سرور يقول‪..." :‬‬
‫وهكذا أصبحت العقوبة كالتدبير االحترازي من حيث االستناد إلى مذهب الدفاع‬
‫االجتماعي‪ ،‬والسياسة الجنائية ال تسترشد فيما تأمر باتخاذه إال بمدى فعالية‬
‫الجزاء على الفرد أن يخضع له على ضوء ما تبين من فحص شخصيته‪ ،‬وعلى‬
‫هذا األساس فال أهمية للتمييز بين العقوبة والتدابير االحترازية في السياسة‬
‫الجنائية الحديثة طاملا أن االثنين يعتبران من تدابير الدفاع االجتماعي"(‪.)109‬‬

‫‪ -106‬انظر في هذا الصدد‪ -:‬عبد اهلل سليمان‪ ،‬النظرية العامة للتدابير االحت ارزية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،8880 ،‬ص ‪.800‬‬
‫‪ -‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.880 – 888‬‬
‫‪ -‬أحمد لطفي السيد‪ ،‬أحمد لطفي السيد‪ :‬المدخل لدراسة الظاهرة اإلجرامية والحق في العقاب‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬د‪.‬د‪.‬ن‪–8008 ،‬‬
‫‪ ،8000‬ص ‪.886‬‬
‫‪ -107‬عبد الحكم فودة‪ ،‬جرائم األحداث في ضوء الفقه وقضاء النقض‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية ‪ ،8887‬ص‬
‫‪.896‬‬
‫‪108‬‬ ‫‪eme‬‬
‫‪- Ancel Marc ; La défense sociale nouvelle ; 2 éd Paris 1966 ; p 144.‬‬
‫‪ -109‬أحمد فتحي سرور‪" :‬أصول السياسة الجنائية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،8878 ،‬ص ‪.880‬‬

‫‪P 58‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وقد أخذت محكمة النقض املصرية بهذا الرأي واستقر عليها قضاؤها‪ ،‬وفي‬
‫هذا املعنى قضت بأن الجزاءات التقويمية املقررة لألحداث‪ ،‬وإن كانت لم تذكر‬
‫باملواد ‪ 2‬وما يليها من قانون العقوبات املبينة ألنواع العقوبات األصلية والتبعية‪،‬‬
‫إال أنها في الواقع عقوبات حقيقية نص عليها القانون لصنف من الجناة هم‬
‫األحداث ألنه رآها أكثر مالئمة وأعظم أثر في تقويم أخالقهم(‪ ،)110‬وإذا كان القانون‬
‫لم ينص عليها في باب العود ولم يعدها من قبيل السوابق‪ ،‬فإن ذلك ال يفقدها‬
‫صفتها‪ ،‬بل كل ما أراده من ذلك هو أال يكون لها أثر س يء في مستقبل هؤالء‬
‫األحداث(‪.)111‬‬
‫أما الرأي الذي يأخذ باختالف العقوبات‪-‬التي جوهرها الردع ‪ -‬عن التدابير‪-‬‬
‫التي تهدف إلى العالج والتهذيب‪ -‬يتجه فيه فريق من الفقه معزز باالتجاهات‬
‫الحديثة سواء في القانون الدولي أو السياسة الجنائية املعاصرة إلى أن األصل‬
‫في التدابير املطبقة في مجال معاملة األحداث الجانحين‪ ،‬أنها تدابير تربوية‬
‫تستهدف إصالحهم وتقويمهم وإعادة تنشئتهم‪ ،‬ومن تم ال تعتبر من قبيل العقوبات‬
‫أو التدابير الوقائية(‪.)112‬‬

‫‪ -‬وقد اعتبر البعض أن التدابير ال تخرج من نطاق العقوبات‪ ،‬فلها‪ -‬أي لتلك التدابير‪ -‬صفة الجزاء ووظيفة العقوبة‪ ،‬فهي‬
‫مقررة لمصلحة الحدث ومصلحة المجتمع معا‪ ،‬وفي الحكم بها معنى اإلدانة غاية ما في األمر أن هذه التدابير تمثل نوعا‬
‫خاصا من العقوبات مقررة لصنف محدد من الجناة‪ ،‬ولهذا يعبر عنها المشرع بمصطلح العقوبات الخاصة باألحداث والمقصود‬
‫بها محض التهذيب واإلصالح ومن أجل ذلك كانت أخف من العقوبات العادية المقررة في القانون‪( ،‬راجع في ذلك‪ :‬نبيل صقر‬
‫وصابر جميلة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)85 – 89‬‬
‫‪ -110‬مدحت الدبيسي‪ ،‬محكمة الطفل والمعاملة الجنائية لألطفال في ضوء القانون رقم ‪ 886‬لسنة ‪ 8002‬المعدل للقانون رقم‬
‫‪ 88‬سنة ‪ 8886‬بشأن األطفال‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،8088 ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ -111‬نبيل صقر وصابر جميلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫=‬ ‫‪ -112‬انظر في هذا الصدد‪ :‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫=‪ -‬نجاة جرجس جدعون‪ ،‬جرائم األحداث في القانون الدولي والداخلي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،8080 ،‬ص‬
‫‪.098‬‬
‫‪ -‬وكانت محكمة النقض المصرية اتجهت في أول األمر إلى اعتبار التدابير من طرق التربية وليست عقوبات بالمعنى المقصود‬
‫في قانون العقوبات استنادا إلى أنها ليست داخلة ضمن البيان الرسمي للعقوبات األصلية والتبعية كما هو مقرر في ذلك‬
‫القانون‪( .‬يراجع في ذلك‪ :‬مدحت الدبيسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)00‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كما أن هناك من الفقه من اتجه إلى أن التدابير التي توقع على األحداث‬
‫الجانحين يمكن أن تحتمل الصفتين – العقوبة والتدبير‪ -‬معا وذلك حتى تواجه‬
‫بها الخطيئة باإلضافة إلى الخطورة اإلجرامية(‪.)113‬‬
‫وفي نظرنا فإن تحديد الطبيعة القانونية للتدابير الصادرة في حق األحداث‬
‫الجانحين‪ ،‬تنطلق من غايتها‪ ،‬حيث إذا كانت هذه التدابير الصادرة في حق الحدث‬
‫تتجه إلى تركه في وسطه الطبيعي‪ ،‬مع ما يرافق ذلك من توجيهات فاألمر في هذه‬
‫الحالة يتعلق بتدبير وليس فيه ما يمكن إعطاءه صبغة العقوبة‪ ،‬أما إذا كان‬
‫التدبير يهدف إلى وضع الحدث في مكان مغلق أو شبه مغلق‪ -‬مع ما تعرفه هذه‬
‫املؤسسات من ممارسات ونظام وطرق معاملة قاسية نوعا ما‪ -‬فاألمر هنا يعد‬
‫عقوبة من نوع خاص‪ ،‬موجهة إلى فئة خاصة وتنفذ في مؤسسات خاصة‪.‬‬
‫بعد عرض مختلف التدابير التي قررها املشرع في حق الحدث الجانح‪ ،‬ثم‬
‫الوقوف على طبيعتها القانونية(‪ ،)114‬من حيث أنها تدابير تربوية ال تحمل معنى‬
‫الردع واإليالم أم أنها صورة خاصة لنوع من العقوبات التي تطبق على صنف‬
‫من املذنبين‪ ،‬سنقوم بدراسة مراحل تدرج املسؤولية ومدى تأثيرها على إيقاع‬
‫العقوبات في حق الحدث الجانح‪ ،‬وذلك ضمن مطلب يحمل عنوان (منهج‬
‫العقوبات املقررة للحدث الجانح)‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬منهج العقوبات املقررة للحدث الجانح‬
‫ارتبطت العقوبة ارتباطا وثيقا بالظاهرة اإلجرامية‪ ،‬فقد أدت في العصر القديم‬
‫دور االنتقام من الجاني‪ ،‬ومع مرور األيام وتقدم البشرية‪ ،‬اختلفت النظرة إلى‬
‫العقوبات‪ ،‬ولم تعد تقتصر على االرتباط بخطورة الفعل اإلجرامي‪ ،‬بل أخذت‬
‫شخصية املتهم وظروفه دورا تتزايد أهميته مع التطور العلمي الحديث‪ ،‬فمن يتم‬

‫‪ -113‬مدحت الدبيسي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪..05‬‬


‫‪ -114‬للتوسع في موضوع الطبيعة القانونية للتدابير المقررة لألحداث راجع‪ :‬علي محمد جعفر‪ ،‬األحداث المنحرفون – عوامل‬
‫االنحراف‪ ،‬المسؤولية الجزائية‪ ،‬التدابير‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،8829 ،8.‬ص ‪800‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 52‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫توقيع العقوبة عليه ال يعتبر مجرما‪ ،‬وإنما هو ضحية عوامل خارجية وداخلية‬
‫محيطه به ويتأثر بها فتدفعه إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬لذلك تدرج املشرع باملسؤولية‬
‫والعقوبة للحدث بتدرج السن فوضع الجزاءات على قدر مسؤوليتهم على أن‬
‫يكون الهدف اإلصالح والتهذيب وتجنب الحدث العوامل اإلجرامية‪ ،‬ووضع‬
‫عقوبات مخففة له‪ ،‬لذلك سوف تقتصر دراستنا في هذا املقام على بيان مراحل‬
‫تدرج املعاملة العقابية للحدث الجانح (الفقرة األولى) ومن ثم العقوبات الجنائية‬
‫املقررة للحدث الجانح (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مراحل تدرج املعاملة العقابية للحدث الجانح‬
‫بالسن وجودا ونقصا وعدما‪ ،‬حيث تنتفي في‬ ‫الجنائية(‪)115‬‬ ‫ترتبط املسؤولية‬
‫أول مراحل العمر‪ ،‬ثم تنشأ ناقصة في املرحلة الالحقة‪ ،‬وتتدرج إلى أن تكتمل‬
‫باكتمال األهلية عند بلوغ سن الرشد الجنائي‪ ،‬لذا فمن الطبيعي أن تختلف‬
‫التشريعات القانونية في تصنيفها ملراحل الحداثة تبعا الختالف وتباين الظروف‬
‫واألحوال الطبيعية‪ ،‬واالجتماعية والحضارية السائدة في كل مجتمع‪ ،‬ولهذا سوف‬
‫نشير إلى التقسيم الذي ساد في أغلب النظم الجنائية ملراحل الحداثة‪ ،‬وهو‬
‫التقسيم الذي يصنف هذه املراحل تبعا لتقسيم ثنائي يضم مرحلة انعدام‬
‫املسؤولية وهي املرحلة األولى من العمر‪ ،‬ثم مرحلة املسؤولية الجنائية املخففة‬
‫أو الناقصة‪ ،‬ففي املراحل األولى أعفى املشرع الصغير من كل مسؤولية جنائية‬
‫النعدام اإلدراك والتمييز لديه وحرية االختيار(‪.)116‬‬

‫‪ -115‬تعرف المسؤولية الجنائية بأنها "االلتزام بتحمل تبعة األفعال اإلجرامية‪ ،‬والخضوع من ثم للجزاءات الجنائية المقررة لها"‬
‫وهي بذلك تعبر عن حالة الشخص وصالحيته بتحمل تبعة سلوكه المخالف للقاعدة التجريمية‪( ،‬انظر في ذلك‪ :‬عادل يحي‬
‫قرني علي‪ ،‬النظرية العامة لألهلية الجنائية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،8000 ،‬ص ‪ 8‬و ‪).8‬‬
‫‪ -‬وللتوسع أكثر في نظرية المسؤولية الجنائية راجع‪ :‬محمد كمال الدين إمام‪ ،‬المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها دراسة مقارنة‬
‫في القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪.8880 ، 8‬‬
‫‪ -116‬المبدأ في القانون الجنائي هو إقامة المسؤولية الجنائية على أساس أخالقي‪ ،‬أي على الخطأ بحيث نجده يشترط للمساءلة‬
‫الجنائية أن يكون اإلنسان سليم العقل (الفصل ‪ 808‬من القانون الجنائي المغربي)‪ ،‬وأن يكون كذلك عامل اإلرادة أي مختا ار‬
‫لها غير مكره أو مجبر على إتيانها (الفصل ‪ 809‬ق‪.‬ج‪.‬م) أما إذا فقد اإلنسان إدراكه أو كان غير مميز أو انتفت إرادته‪،‬‬

‫‪P 53‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬تنص أغلب التشريعات العربية(‪ )117‬على أنه ال مسؤولية على‬
‫من لم يتم السنة السابعة من العمر وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬وإذا ما ارتكب الطفل‬
‫جريمة قبل هذا السن فال توقع عليه أية تدابير أو عقوبات‪ ،‬كما ال يجوز إقامة‬
‫الدعوى العمومية عليه‪ ،‬والعلة في ذلك أن الحدث غير املميز لم يتوافر له اإلدراك‬
‫السليم لالختيار بين الخير والشر‪ ،‬والغالب أنه ال يقدر على ارتكاب جريمة ما في‬
‫هذا السن‪ ،‬وإذا حصل وارتكب أي فعل فإن هذه التشريعات تعتبره غير مسؤول‬
‫جنائيا‪ ،‬ألن هذه األخيرة ال تقوم إال إذا توافر الخطأ لدى الجاني‪ ،‬وهذا الخطأ ال‬
‫محل لبحثه في حال انعدام األهلية(‪ ،)118‬أما مشرعنا املغربي فقد رفع بشكل كبير‬
‫مرحلة انعدام التمييز وحددها في سن اثني عشرة سنة(‪ ،)119‬وهذه نقطة إيجابية‬
‫تميز بها مشرعنا في الوقت الذي تسعى فيه بعض التشريعات إلى الرفع هي األخرى‬
‫من مرحلة انعدام التمييز التي ال تتطلب تحريك املتابعة الجنائية(‪.)120‬‬
‫هذا وقد أثير خالف بين النظم القانونية الجنائية في مختلف الدول حول وضع‬
‫حد أدنى لبدء املسؤولية الجنائية(‪ )121‬وتدرجها تصاعديا حسب تقدير درجة نمو‬
‫ملكتي اإلدراك والتمييز لدى الحدث‪ ،‬فهناك فريق من الفقهاء يتجه إلى تحديد‬
‫سن معينة كحد أدنى تبدأ بعده مساءلة الحدث جنائيا‪ ،‬بحيث ال يتخذ ضد‬

‫امتنعت مسؤوليته الجنائية كليا‪( .‬انظر في ذلك‪ :‬محمد السراحني‪ ،‬تأمالت في المسؤولية الجنائية لألحداث في التشريع الجنائي‬
‫المغربي‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬ع ‪ ،08‬يونيو ‪ ،8002‬ص ‪.)888‬‬
‫‪ -117‬قانون األحداث السوري (المادة ‪ ،)8‬قانون معدل لقانون األحداث األردني‪ ،‬رقم ‪ 58‬لسنة ‪( 8008‬المادة ‪ 8‬والمادة‪.)88‬‬
‫‪ -118‬لحسن فضل اهلل‪ ،‬دور المؤسسة السجنية في إعادة تأهيل الحدث الجانح – دراسة مقارنة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات‬
‫العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8006 – 8005‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -119‬الفصل ‪ 852‬من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬والمادة ‪ ،952‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬المغربي‪.‬‬
‫‪ -120‬نجد تشريعات ترفع سن عدم المسؤولية الجنائية إلى عشر سنوات‪ ،‬منها قانون رعاية األحداث اليمني‪ ،‬وتعديالته رقم‬
‫(‪ )86‬سنة ‪( 8887‬المادة ‪ )06‬والمادة (‪ )2/888‬من قانون العقوبات الفرنسي بموجب (المادة ‪ )88‬من قانون ‪ 8‬دجنبر ‪.8008‬‬
‫(انظر‪ :‬محمود سليمان موسى‪ ،‬اإلجراءات الجنائية لألحداث الجانحين ‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،-‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية‬
‫‪ ،8002‬ص ‪.)800‬‬
‫‪ -121‬في بعض الدول يتم تقسيم مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية إلى مرحلتين‪ ،‬المرحلة األولى ال يجوز اللجوء فيها ألي إجراء‬
‫أو إصدار أي تدبير وحددها غالبا في عمر أقل من ‪ 7‬سنوات‪ ،‬أما المرحلة الثانية فهي من ‪ 7‬إلى ‪ 88‬سنة وفيها يمكن اللجوء‬
‫لبعض التدابير من أجل تجاوز ما قد يظهر من خطورة إجرامية (سلوكات غير سوية)‪ ،‬من هذه التشريعات نجد قانون الطفل‬
‫المصري (المادة ‪ )89‬وقانون األحداث السوري (المادة ‪.)0‬‬

‫‪P 54‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحدث الذي تقل سنه عن ذلك أي إجراء وال يكون محال إلنزال أية عقوبة أو‬
‫تدبير في حالة اقترافه سلوك معين يصبغ عليه القانون صفة اإلجرام‪ ،‬إذ تضع‬
‫الدول في اعتبارها قابلية الحدث‪ ،‬في هذه السن‪ ،‬للتربية واإلصالح(‪ ،)122‬بينما‬
‫يميل اتجاه آخر إلى عدم تحديد هذا السن مسبقا ألن خصوصية كل حدث‬
‫تختلف من شخص إلى آخر وينبغي االعتماد على معايير علمية لتقييم الشخصية‬
‫الجانحة لدى الحدث لتحديد سن التمييز واإلدراك‪ ،‬دون اللجوء إلى النصوص‬
‫القانونية لوحدها‪ ،‬حسب املصلحة الالزم تحقيقها للطفل انطالقا من التطورات‬
‫الفيزيولوجية والنفسية(‪ ،)123‬ولعل هذا التوجه هو الذي أخذ به املشرع املغربي‬
‫عندما ترك مرحلة انعدام املسؤولية في أقل من ‪ 38‬سنة دون وضع سن ال يمكن‬
‫اللجوء دونها ألي إجراء كيفما كان‪ ،‬وكيفما كانت الجريمة املرتكبة‪ ،‬حيث بقي‬
‫الحدث الذي لم يجاوز ‪ 38‬سنة محط تدبير التنبيه أو التسليم في حالة ارتكابه‬
‫لجنحة أو مخالفة‪ ،‬أو إحدى التدابير املنصوص عليها في املادة ‪ 423‬ق‪.‬م‪.‬ج إذا‬
‫تعلق األمر بجناية‪.‬‬
‫هذا وسار الفقه والتشريع الفرنسيين في نفس االتجاه‪ ،‬حيث يذهبان إلى إقامة‬
‫قرينة قانونية قاطعة غير قابلة إلثبات العكس على امتناع املسؤولية الجنائية‬
‫دون الثالثة عشرة سنة(‪ ،)124‬وبذلك ال يجوز توقيع أية عقوبة عليه في هذه‬
‫املرحلة(‪ ،)125‬إنما يقتصر األمر على اتخاذ تدابير تهذيبية وتعليمية وكذا تدابير‬
‫التكوين املنهي واإليداع في مؤسسات مساعدة الطفولة أو املؤسسات ذات الطابع‬

‫‪ -122‬أحمد سلطان عثمان‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألطفال المنحرفين – دراسة مقارنة‪ ،-‬المؤسسة الفنية للطباعة والنشر القاهرة‬
‫‪ ،8008‬ص ‪.85‬‬
‫‪123‬‬
‫‪- Chahid Slimani ; La politique criminelle en matière de délinquance ; Mémoire de D.E-S-A.‬‬
‫‪Faculté de sciences Juridiques Fes ; année universitaire 2002 – 2003, p 44.‬‬
‫‪ -‬انظر كذلك‪ :‬باسم عبد الرحمن الغويري‪ ،‬االتجاهات المستحدثة في المعاملة العقابية لألحداث‪ ،‬بحث لنيل درجة الماجستير‬
‫في الحقوق‪ ،‬قسم القانون العام – جامعة مؤته‪ ،8088 -‬ص ‪ 80‬و ‪.88‬‬
‫‪ -124‬عادل يحيى قرني علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.898‬‬
‫‪ -125‬كانت الشريعة اإلسالمية السباقة إلى إفراد معاملة عقابية خاصة بالحدث الجانح وذلك انطالقا من مراحل نضجه وادراكه‪.‬‬

‫‪P 55‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العالجي التعليمي املشترك‪ ،‬فضال عن التسليم إلى الوالدين أو إلى شخص‬


‫مؤتمن(‪.)126‬‬
‫وعلى الرغم من اختالف التشريعات حول الحد األدنى للمساءلة الجنائية‪ ،‬فإنه‬
‫من املتفق عليه أن هناك مرحلة أخرى تستدعي عدم مساءلة الجانح بنفس‬
‫الكيفية التي تتم بها معاملة البالغين(‪ )127‬ألن إجرام الحدث في املرحلة الثانية من‬
‫حداثة سنه ال تستدعي اليأس من إصالحه بل يجب العمل على إصالحه وإعادة‬
‫إدماجه في املجتمع الذي يعيش فيه(‪ ،)128‬فالحدث في هذه املرحلة ما زال في طور‬
‫النمو‪ ،‬واألمل في إصالحه يبقى واردا‪ ،‬وامليوالت اإلجرامية التي اكتسبها من‬
‫ال تعني بالضرورة معاملته كالبالغ‪ ،‬ولكن من الضروري العمل على‬ ‫البيئة(‪)129‬‬

‫تأهيله ما دام ناقص األهلية(‪.)130‬‬

‫‪ -126‬عادل يحي قرني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 855‬و ‪.856‬‬


‫‪ -127‬إذا كانت التدابير تطبق على شخص غير مسؤول وفقا للرأي الراجح في الفقه والقانون المقارن‪ ،‬فإن العقوبات تطبق على‬
‫شخص مسؤول بقصد ردعه عن ارتكاب الجريمة وانتزاع روح اإلجرام من المجتمع‪ ،‬والتشريعات تراعي في مرحلة ما قبل البلوغ‬
‫الكامل أن شخصية الحدث ما تزال محدودة الخطورة‪ ،‬ألن خبرته في الحياة لم تكتمل بعد‪( .‬انظر في هذا الصدد‪ :‬علي محمد‬
‫جعفر‪ ،‬األحداث المنحرفون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)888‬‬
‫‪ -128‬علي محمد جعفر‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 820‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -129‬للتوسع في النظريات واالتجاهات المفسرة للسلوك االنحرافي‪ ،‬ومدى مساهمة البيئة الخارجية في تلك السلوكات (يراجع‬
‫في ذلك ‪ -‬بدر محمد غاري السيحاني‪ ،‬العالقة بين عدم التكيف االجتماعي وانحراف األحداث – دراسة تطبيقية على األحداث‬
‫المودعين بدار المالحظة االجتماعية بمنطقة القصيم‪ ،‬بحث استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في برامج‬
‫مكافحة الجريمة‪ ،‬المعهد العالي للعلوم األمنية‪ ،‬المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬الرياض ‪.8885‬‬
‫‪ -‬حسن محمد األمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 868‬إلى ‪.820‬‬
‫‪ -‬علي محمد جعفر‪،‬األحداث المنحرفون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص من ‪ 57‬إلى ‪.800‬‬
‫‪ -130‬استطاعت جل التشريعات العربية منها أو الغربية تحديد حد أقصى لنهاية مرحلة نقصان المسؤولية‪ ،‬وكان الفصل في‬
‫ذلك يرجع إلى اتفاقية حقوق الطفل (‪ )8828‬الذي عرفت الطفل في (المادة ‪ )8‬منها‪ ،‬وبذلك عملت التشريعات على مالءمة‬
‫مقتضيات قوانينها الوطنية مع هذه االتفاقية وأخذا بمبادئ هذه االتفاقية نص المشرع المغربي في المادة ‪ 952‬ق‪.‬م‪.‬ج على أنه‬
‫يدرك سن الرشد الجنائي ببلوغ الحدث ‪ 82‬سنة ميالدية كاملة‪ .‬فمرحلة نقصان المسؤولية تمتد من سن ‪ 88‬إلى ‪ 82‬سنة‪ .‬هذه‬
‫المرحلة= =اختلف المشرع المصري في تحديدها مع المشرع المغربي‪ ،‬حيث جعل المشرع المصري هذه المرحلة مقسمة إلى‬
‫قسمين مرحلة من ‪ 88‬إلى ‪ 85‬وتطبق فيها التدابير فقط بغض النظر عن نوع الجريمة‪ .‬ومن ‪ 85‬إلى ‪ 82‬سنة يمكن اللجوء‬
‫للعقوبات بنسب متفاوتة في االنخفاض‪( .‬المادة ‪ )808‬و(المادة ‪ )888‬من قانون الطفل المصري‪ ،‬نفس التوجه سار عليه‬
‫المشرع السوري في المواد ‪ 0‬و‪ 88‬من قانون رعاية األحداث‪.‬‬

‫‪P 56‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واألصل في التشريعات أن الحدث في مرحلة نقصان األهلية إذا ما ثبت ارتكابه‬


‫لفعل إجرامي يعاقب عليه القانون‪ ،‬فإنه ال يحكم عليه إال بتدابير الحماية‬
‫أوالتهذيب وهو ال يتعرض إلى عقوبات جنائية إال استثناء‪ ،‬لهذا يتم تخصيص‬
‫الحدث بمعاملة تختلف عن البالغين بهدف تربيته وتقويمه‪ ،‬ألنه خالل هذه‬
‫املرحلة من تكوينه النفس ي والعقلي قد ال يتحمل ألم العقوبة‪ ،‬ويمكن أن تقوده‬
‫القسوة والشدة في املعاملة إلى إتيان املزيد من األفعال اإلجرامية‪ ،‬ولتجاوز مثل‬
‫هذه اآلثار السلبية قرر له املشرع إجراءات وقائية وحمائية(‪.)131‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن خصوصية هذه املرحلة جعلت املشرع املغربي يتجه إلى تطبيق‬
‫منهج العقوبات املخففة كاستثناء بعد اللجوء إلى التدابير كأصل(‪ ،)132‬وهو نفس‬
‫توجه التشريع الفرنس ي الذي يؤكد على أن األحداث بين سن الثالثة عشرة و ‪32‬‬
‫سنة يستفيدون من نظام الحماية والتهذيب‪ ،‬وهم ال يتعرضون لعقوبات جنائية‬
‫إال استثناء‪ ،‬وهذا يعني أن للمحكمة أن تختار بين توقيع التدابير وبين إنزال‬
‫العقوبات على الحدث بين سن ‪ 31‬و‪ 32‬سنة‪ ،‬وهي ال تقض ي عادة بالعقوبة إال‬
‫إذا تبين لها أن شخصية الحدث وظروف ارتكاب الجريمة تتطلب ذلك(‪.)133‬‬
‫غير أنه ورغم رفع سن املسؤولية – من طرف املشرع – وتمديد املدة التي‬
‫يستفيد فيها األحداث من الرعاية والحماية والتي تصل إلى ‪ 6‬سنوات‪ ،‬إال أنه‬
‫يالحظ أن ترك املادة ‪ )134(421‬على حالها سيعطي حاالت من الوضع في السجون‬

‫‪ -131‬لحسن فضل اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬


‫‪ -132‬تنص المادة ‪ 8/928‬من ق‪.‬م‪.‬ج على أنه "يمكن بصفة استثنائية‪ ،‬أن تعوض أو تكمل التدابير المنصوص عليها في‬
‫المادة السابقة بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة لألحداث الذي تتراوح أعمارهم بين ‪ 88‬أو ‪ 82‬سنة‪ ،‬إذا ارتأت أن ذلك ضروري‬
‫نظ ار لظروف أو لشخصية الحدث الجانح‪ ،‬وبشرط أن تعلل مقررها بخصوص هذه النقطة‪ ،‬وفي هذه الحالة يخفض الحدان‬
‫األقصى واألدنى المنصوص عليهما في القانون إلى النصف"‪.‬‬
‫‪ -133‬علي محمد جعفر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.808‬‬
‫‪ -134‬تنص المادة ‪ 920‬على أنه "‪ ...‬إذا تبين من المناقشات أن األفعال لها صفة جنحة وأنها تنسب إلى الحدث فإن المحكمة‬
‫تتخذ التدابير التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ‪............................‬‬

‫‪P 57‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وملدة قصيرة في حق أحداث قد يصل عمرهم إلى‪ 38‬أو ‪ 31‬سنة وارتكبوا جنح‬
‫بسيطة‪ ،‬وهو ما يهددهم في استقرارهم ونموهم السليم‪ ،‬ومن ثم نشير إلى ضرورة‬
‫نهج السبيل الذي اتخذه املشرع املصري حينما جعل تطبيق العقوبة غير وارد‬
‫إذا كان عمر الحدث ال يتجاوز ‪ 35‬سنة كيفما كانت الجريمة املرتكبة(‪ ،)135‬ومن‬
‫ثم سيتم تخفيض عدد األحداث املودعين في السجون واملؤسسات اإلصالحية‪،‬‬
‫وهو نفس التوجه الذي ينبغي اعتماده في املادتين ‪ 428‬و‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬فإنه إذا كانت هناك من إمكانية لتطبيق عقوبات سالبة‬
‫للحرية ولو بصفة استثنائية على الحدث الجانح‪ ،‬فإن السؤال يبقى مفتوحا حول‬
‫مضمون وماهية هذه العقوبات املخفضة‪ ،‬وذلك لتوضيح الرؤية بشأن العقوبة‬
‫السالبة للحرية املتخذة في حق الحدث‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العقوبات الجزائية املقررة في حق الحدث الجانح‬
‫لقد أصبح توقيع العقوبة السالبة للحرية على الحدث أمرا واردا ومحتمل‬
‫الوقوع ولو بشكل استثنائي ما دامت إجراءات الحماية أو التهذيب ال تجدي نفعا‬
‫في تأهيل الحدث الجانح نظرا لخطورته اإلجرامية‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي إتباع‬
‫أسلوب مغاير ومعايير محددة من أجل اتخاذ مثل هذا اإلجراء‪ ،‬حيث البد من‬
‫اللجوء إلى التخفيف بإعمال الظروف واألعذار املخففة للعقاب كصغر السن‪،‬‬
‫الذي أعطى تدرجا للمسؤولية الجنائية‪ ،‬وبالتالي العقوبة ال توقع إال بقدر توافر‬
‫ملكتي الوعي واإلدراك‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إذا كان الحدث يتجاوز عمره ‪ 88‬سنة يمكن أن يطبق في حقه إما تدبي ار أو أكثر من بين تدابير الحماية أو التهذيب‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 928‬بعده‪ ،‬أو بإحدى العقوبات المقررة في المادة ‪ ،928‬أو تكمل هذه العقوبات بواحد أو أكثر‬
‫من تدابير الحماية أو التهذيب‪.‬‬
‫‪"........................‬‬
‫‪ -135‬المادة ‪ 808‬من قانون الطفل المصري تنص على أنه "يحكم على الطفل الذي لم يتجاوز سنه ‪ 85‬سنة ميالدية كاملة –‬
‫إذا ارتكب جريمة‪ -‬بأحد التدابير اآلتية‪" :‬التوبيخ‪ ،‬التسليم‪ ،‬اإللحاق بالتدريب المهني‪ ،‬اإللزام بواجبات معينة‪."... ،‬‬

‫‪P 50‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فإذا كان صغر السن يشكل عذرا مخففا للعقوبة‪ ،‬فإنه في‬
‫بعض الحاالت قد يجتمع هذا العذر إلى جانب أعذار أخرى حددها القانون‬
‫وتطبق على الجميع بدون استثناء‪ ،‬فلمن تعطى األولوية في التطبيق؟ وهل من‬
‫املمكن الجمع بينهما لتقرير تخفيض العقوبة؟‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد أثار موضوع الجمع بين عذر صغر السن وأعذار أخرى نقاشا فقهيا‬
‫واسعا في بعض القوانين املقارنة حول مدى جواز أو عدم جواز الجمع بينهما‪،‬‬
‫خصوصا الفقه املصري الذي يغلب فيه الرأي املتجه إلى عدم جواز الجمع بين‬
‫عذر صغر السن وظروف الرأفة(‪ ،)136‬أما الفقه الفرنس ي فيرى جواز الجمع بين‬
‫عذر صغر السن واألعذار األخرى وذلك يعود حسب اعتقادهم إلى عمومية ظروف‬
‫الرأفة‪ ،‬حيث يمكن أن يستفيد منها األحداث والبالغون واملجرمون املبتدئون‬
‫وحتى العائدون إلى اإلجرام(‪.)137‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬فإنه إذا كانت هناك من خالفات على مستوى الفقه املقارن‪ ،‬فإن‬
‫املشرع املغربي حسم هذا التوجه بإمكانية الجمع بين عذر صغر السن وظروف‬
‫التخفيف وذلك بمقتض ى الفصل ‪ 363‬من القانون الجنائي الذي أعطى‬
‫الصالحية للقاض ي عند تحديد العقوبة أن يراعي توافر األعذار القانونية املرتبطة‬
‫بارتكاب الجريمة واملخفضة للعقوبة‪ ،‬ثم يراعي األعذار القانونية املتعلقة‬
‫بشخصية الجاني واملخفضة للعقوبة‪ ،‬على أن يراعي كمرحلة أخيرة الظروف‬
‫القضائية املخفضة للعقوبة(‪.)138‬‬

‫‪ -136‬عمر الفاروق الحسني‪ ،‬انحراف األحداث‪ -‬المشكلة والمواجهة‪ ،‬د‪.‬د‪.‬ن‪ ،‬ط ‪ ،8885 ،8‬ص ‪ 085‬و ‪.086‬‬
‫‪ -‬علي محمد جعفر‪ ،‬األحداث المنحرفون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.888‬‬
‫‪ -137‬انظر في هذا الصدد‪ -:‬فيصل اإلبراهيمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -‬مراد دودوش‪ ،‬حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي جانحا وضحية – دراسة مقارنة‪ ،-‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة‪ ،‬كلية الحقوق بفاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8000 – 8008‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -138‬وفي هذا الصدد نجد الفصل ‪ 868‬من القانون الجنائي يتحدث عن الحدث بشكل صريح‪ ،‬حيث ينص على أنه إذا كان‬
‫الجاني حدثا وقرر القاضي أن يطبق عليه عقوبة بمقتضى المادة ‪ 928‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬فإن تخفيض العقوبة أو تبديلها المقررين‬
‫في تلك المادة يراعي في تحديدها العقوبة الواجب تطبيقها على المجرم البالغ حسب مقتضيات الفصل ‪ 868‬ق‪.‬ج‪.‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي هذا الصدد سار العمل القضائي على تأكيد الجمع بين عذر صغر السن‬
‫وظروف التخفيف‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عن غرفة الجنايات االبتدائية بفاس‬
‫عدد ‪ 12/3‬أ بتاريخ ‪ )139(8131/13/32‬أنه " وحيث اقتض ى نظر املحكمة استبدال‬
‫التدابير الواردة في املادة ‪ 423‬من قانون املسطرة الجنائية بعقوبة حبسية‬
‫لخطورة األفعال املرتكبة مع جعلها موقوفة التنفيذ لحداثة سنهما وعدم‬
‫سوابقهما القضائية بعد تمتيعهما بظروف التخفيف لظروفهما‬
‫االجتماعية"(‪.)140‬‬
‫وأخذا بعذر صغر السن وظروف التخفيف فقد قرر املشرع املغربي عقوبات‬
‫مختلفة حسب نوع الجريمة‪ ،‬فجعلها تتدرج بين الغرامة والعقوبات السالبة‬
‫للحرية‪ ،‬حيث نجده في املادة ‪ 463‬ق‪.‬م‪.‬ج يقرر "في حالة ثبوت املخالفة يمكن‬
‫للقاض ي أن يقتصر إما على توبيخ الحدث أو الحكم عليه بالغرامة املنصوص‬
‫عليها قانونا‪."...‬‬
‫ونالحظ من خالل صياغة املادة ‪ 462‬أن املشرع جعل من تدبير التوبيخ وعقوبة‬
‫الغرامة(‪ )141‬األنسب في حالة ارتكاب املخالفة‪ ،‬إال أنه ما يستوقفنا هنا هو عدم‬

‫‪ -139‬قرار غير منشور‪.‬‬


‫‪ -140‬نفس التوجه جاء في القرار عدد ‪ 8007/59‬الصادر عن نفس الغرفة بتاريخ ‪ 8007/05‬الذي يتضمن في حيثياته "وحيث‬
‫أن المتهم وقت ارتكابه الفعل لم يبلغ سن الرشد الجنائي مما يتعين تمتيعه بعذر صغر السن وعدم منحه ظروفه التخفيف‬
‫لخطورة األفعال" وهذا يؤكد على إمكانية الجمع بين عذر صغر السن وظروف التخفيف‪.‬‬
‫‪ -‬وفي بعض الق اررات نجد بعض القضاة ال يميزون بين األعذار القانونية وظروف التخفيف‪ ،‬فمثال القرار ‪ 06/90‬أ الصادر‬
‫عن غرفة الجنايات االبتدائية بفاس بتاريخ ‪ 8006/07/80‬جاء في حيثياته "المحكمة تداولت في شأن تمتيع المتهمة بظروف‬
‫التخفيف وقررت لها ذلك النعدام سوابقها ولظروفها الشخصية واالجتماعية وحداثة سنها (أورده فيصل اإلبراهيمي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.)55‬‬
‫‪ -‬أما في بعض الق اررات فلم نجد فيها ما يدل على اللجوء لألعذار القانونية وظروف التخفيف وذلك كما هو الشأن في القرار‬
‫عدد ‪ 8088/06‬بتاريخ ‪ 8088/00/87‬الصادر عن غرفة الجنايات االبتدائية بمحكمة االستئناف بتازة‪ ،‬جاء في حيثياته "‪...‬‬
‫كما تداولت بشأن التدبير فقررت اتخاذ التدبير الوارد بمنطوق الحكم"‪ .‬غير منشور‬
‫‪ -141‬كما يالحظ كذلك على أن المشرع المغربي لم يشترط عند فرض الغرامة على الحدث أن يتم تنفيذها من ماله أو من مال‬
‫الولي‪ ،‬عكس ما اتجه فيه المشرع التونسي الذي يشترط في المادة ‪ 70‬من مجلة حماية الطفل أن يكون للحدث= =مال للحكم‬
‫عليه بالغرامة‪ .‬الفقرة ‪ 8‬من المادة ‪ 70‬تنص على "واذا ثبتت المخالفة جاز لقاضي األطفال أن يوجه للطفل مجرد توبيخ أو أن‬
‫يحكم عليه بالخطية إن كان له مال أو ‪."...‬‬

‫‪P 68‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التنصيص على استثنائية الغرامة بالنسبة للحدث في حال ارتكابه مخالفة‪ ،‬وذلك‬
‫كما فعل بالنسبة للجنح(‪ ،)142‬حيث تنص املادة ‪ 428‬ق‪.‬م‪.‬ج على أنه " يمكن‬
‫للمحكمة بصفة استثنائية أن تعوض أو تكمل التدابير املنصوص عليها في املادة‬
‫السابقة بعقوبة حبسية أو مالية‪."...‬‬
‫ويتبين من خالل اطالعنا على اإلحصائيات الصادرة عن وزارة العدل لسنة‬
‫‪ 8112‬و ‪ 8112‬و ‪( )143(8131‬جدول ‪ )8‬أن نسبة اللجوء لعقوبة الغرامة تتراوح‬
‫بين ‪ %5‬و ‪ %2‬من مجموع التدابير‪.‬‬
‫كما أنه باطالعنا على بعض األحكام نجد أم مبلغ الغرامة املحكوم بها على‬
‫الحدث يصل إلى ‪ 3111‬درهم(‪ )144‬وفي نظرنا يبقى املبلغ مرتفع بالنسبة للحدث‪.‬‬
‫ونظرا لعدم جدوى هذه العقوبة على مستوى الواقع(‪ ،)145‬وغياب الوسائل‬
‫القانونية املالئمة والكفيلة بااللتزام بتنفيذها يمكن التخلي عليها في قضايا‬

‫‪ -‬أما المشرع األردني في قانون األحداث لسنة ‪ 8008‬لم يحدد الشخص الذي تنفذ عليه الغرامة‪ ،‬بل ترك الباب مفتوحا أمام‬
‫القاضي للحكم على الحدث أو وليه‪ .‬المادة ‪( 88‬د) – ‪ 8‬و"إذا اقترف المراهق جنحة أو مخالفة جاز للمحكمة أن تفصل في‬
‫الدعوى على الوجه اآلتي‪ :‬بالحكم عليه أو على والده أو وصيه بدفع غرامة‪ ."...‬هذا وقد تجاوز المشرع األردني الحكم بالغرامة‬
‫إلى تعويضها باالعتقال إذا امتنع المراهق أو الفتى عن دفع الغرامة‪ ،‬وذلك بمعدل يوم عن كل دينار على أن ال تتجاوز مدة‬
‫االعتقال الشهرين (المادة ‪ 89‬قانون األحداث األردني)‪.‬‬
‫‪ -142‬الفقرة السادسة من المادة ‪ 920‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬التي تحيل بدورها على المادة ‪ 928‬التي تنص على استثنائية عقوبة الغرامة‬
‫المتخذة في حق الحدث المقترف لجنحه‪.‬‬
‫‪ -143‬كذلك إذا اطالعنا على إحصائيات محكمة االستئناف بفاس يظهر لنا أن نسبة اللجوء لعقوبة الغرامة ال تتجاوز نسبة‬
‫‪( %8‬راجع الموقع الرسمي للمحكمة ‪.(www. Cafes.ma‬‬
‫‪ -144‬حكم جنحي عدد ‪ 05/898‬صادر عن المحكمة االبتدائية بتازة بتاريخ ‪ ،8005/08/80‬غير منشور‪ .‬وقاضي األحداث‬
‫في هذا الحكم لم يحدد على من سينفذ هذا الحكم‪ .‬وعلى العكس من ذلك فإن الحكم الصادر في ملف عدد ‪ 88/98‬عن نفس‬
‫المحكمة بتاريخ ‪( 8088/08/89‬حكم غير منشور) نجد قاضي األحداث بعد تحديد الغرامة المالية التي قدرها ‪( 88060‬لفائدة‬
‫إدارة الجمارك) جعل ولي الحدث ملزم بأداء هذه الغرامة تحت طائلة اإلجبار في سنة حبسا نافذا عند عدم األداء‪ ،‬وفي هذا‬
‫الحكم ما يمس بمبدأ شخصية العقوبة‪ .‬وفي المقابل هناك من اعتبر بأنه يمكن أن تبقى هذه العقوبة معلقة دون أن يخضع‬
‫الحدث ألي إجراء الذي من المفترض أن يخضع له من أجل استئصال ما تنم عليه شخصيته من خطورة‪( .‬انظر في ذلك‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ ،‬شرح مجلة حماية الطفل‪ ،‬مركز الدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬و ازرة العدل‪ ،‬تونس ‪ ،8887‬ص ‪.)858‬‬
‫‪ -145‬وفي هذا الصدد يقول بعض الفقه‪:‬‬
‫‪« Mais malheureusement l’amende n’a aucune fonction d’éducation ou de resocialisation. Il‬‬
‫‪s’agit seulement d’un rôle préventif individuel et général ….. cette peine n’a aucune influence‬‬
‫; ‪sur sa personnalité aucune Traitement ne lui est appliqué ». (Chahid slimani, « criminologie‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األحداث – خصوصا في الجنح بنوعيها الضبطية والتأديبية – مع إمكانية اللجوء‬


‫إليها في املخالفات البسيطة التي ال تنم عن خطورة وعن سلوكات متأصلة في‬
‫الحدث‪.‬‬
‫هذا ولم يقتصر املشرع املغربي على التدابير أو عقوبة الغرامة‪ ،‬بل ترك إمكانية‬
‫اللجوء للعقوبة السالبة للحرية واردة‪ ،‬وذلك ألن هناك فئة من األحداث تتكون‬
‫لديهم عادات وتصرفات يصعب التخلي عنها مستقبال‪ ،‬وبالتالي فتدابير الحماية‬
‫أو التهذيب ال تجدي نفعا في حقهم – خصوصا إذا كانت قصيرة املدة‪ ،‬مما يتطلب‬
‫معه اتخاذ بعض العقوبات املخففة بعد أن يتحول صغر السن إلى عذر قانوني‬
‫يستوجب تخفيض العقوبة‪ ،‬وهو نفس التوجه الذي سار فيه املشرع املصري في‬
‫املادة ‪ 333‬حينما منع توقيع عقوبة اإلعدام أو السجن املؤبد أو املشدد بل عوض‬
‫هذه العقوبات بالسجن‪ ،‬أما إذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يتم الحكم‬
‫بالحبس مدة ال تقل عن ‪ 1‬أشهر(‪ ،)146‬أما املشرع املغربي فقد قرر عقوبة تتراوح‬
‫بين ‪ 31‬سنوات و ‪ 35‬سنة(‪ )147‬إذا كانت الجريمة املقترحة ستوجب عقوبة اإلعدام‬

‫‪Avec étude du cas particulier de la délinquance Juvénile et son Traitement au Maroc » ,‬‬
‫‪.(oumayma, Sidi Brahim Fes, 2011 ; p 267 – 268 Imprimerie‬‬
‫‪ -146‬المادة ‪ 888‬من قانون الطفل المصري لسنة ‪ ،8002‬وفيها المشرع يشير إلى إمكانية اللجوء لظروف الرأفة المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ .87‬هذه الظروف التي اعتبرها بعض الباحثين غير ذي جدوى في الجرائم التي تكون عقوبتها اإلعدام أو‬
‫السجن المؤبد أو المشدد‪ ،‬بل تبقى فعالية هذه المادة واردة إذا كانت الواقعة معاقب عليها بالسجن المؤبد أو المشدد إذ يجوز‬
‫استبدالها بعقوبة السجن وفقا للمادة ‪ ،87‬وبالتالي يجوز استبدالها مرة أخرى بالحبس أو تدبير اإليداع‪( .‬راجع في ذلك‪ :‬مدحت‬
‫الدبيسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)95‬‬
‫‪ -147‬هذه العقوبة رغم قساوتها إال أن القضاء المغربي يلجأ إليها دون أي تخفيض أو مراعاة لظروف الحدث وشخصيته‪ ،‬إذ‬
‫نجد في القرار عدد ‪ 8005/80‬أ الصادر عن غرفة الجنايات االستئنافية بفاس بتاريخ ‪ 8005/08/85‬أن المحكمة أيدت القرار‬
‫القاضي ب ‪ 85‬سنة ضد حدث متهم بجريمتي القتل العمد مع سبق اإلصرار‪ ،‬والضرب والجرح المؤدي إلى عاهة مستدامة‪،‬‬
‫غير منشور‪ ،‬وهو القرار الذي تم تأييده من المجلس األعلى في ق ارره رقم ‪ 80/882‬المؤرخ في ‪ ،8007/06/80‬غير منشور‪،‬‬
‫مما يدل على النظرة العقابية السائدة‪ ،‬وغياب روح اإلصالح والتهذيب تجاه األحداث‪ ،‬بل يتم استحضار قيمة الجريمة وخطورتها‬
‫فقط‪ .‬دون مراعاة وضعية شخص لم تكتمل لديه بعد مدارك التمييز واإلدراك‪ ،‬كما ال يعقل أن يتسمر الحدث في السجن لهذه‬
‫المدة‪ ،‬بعدما يكون قد استفاد خالل مدة معينة من تكوين علمي أو مهني باإلضافة إلى تهذيب نفسي‪ ،‬وهو ما يستدعي من‬
‫المشرع التدخل إليجاد حل لهذه اإلشكالية خصوصا عن طريق تدخل قاضي األحداث بعد زيارته لألحداث داخل السجون‪،‬‬
‫حيث يجب أن تعطى له الصالحية بإصدار ق اررات باإلفراج متى تبين له أن سلوك الحدث جيد وأنه مستعد لالندماج االجتماعي‬
‫بشكل طبيعي‪.‬‬

‫‪P 62‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أو السجن املؤبد أو السجن ملدة ‪ 11‬سنة(‪ .)148‬أما إذا كانت الجريمة املرتكبة‬
‫تستوجب عقوبة الحبس أو السجن فإن العقوبة املقررة في القانون يتم تخفيض‬
‫مقدارها األقص ى واألدنى إلى النصف (املادة ‪ / 428‬ف‪.)8‬‬
‫وإذا رجعنا لإلحصائيات الصادرة عن وزارة العدل سيتضح لنا قيمة ونسبة‬
‫اللجوء لهذه العقوبات من قبل القضاء املغربي(‪.)149‬‬
‫إحصائيات خاصة بالعقوبات الصادرة في حق األحداث ونسبها املؤوية لسنوات‬
‫‪ 8112‬و‪8112‬و ‪.8131‬‬
‫(الجدول رقم ‪)8‬‬
‫‪8131‬‬ ‫‪8112‬‬ ‫‪8112‬‬ ‫السنوات‬
‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫العقوبـات‬
‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪%4,25‬‬ ‫‪281‬‬ ‫‪%6,41‬‬ ‫‪3869‬‬ ‫‪%6,34‬‬ ‫إيداع في مؤسسة سجنية ‪3128‬‬
‫‪%5,93‬‬ ‫‪3165‬‬ ‫‪%5,25‬‬ ‫‪3353‬‬ ‫‪%5,15‬‬ ‫‪253‬‬ ‫عقوبة حبسية نافدة‬
‫‪%2,23‬‬ ‫‪3648‬‬ ‫‪%9,41‬‬ ‫‪3461‬‬ ‫‪%6,52‬‬ ‫عقوبة حبسية موقوفة ‪3391‬‬
‫التنفيذ‬
‫‪%5,11‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪%2,81‬‬ ‫‪3634‬‬ ‫‪%9,42‬‬ ‫‪3111‬‬ ‫غرامـة ماليـة‬
‫‪32641‬‬ ‫‪32623‬‬ ‫‪39522‬‬ ‫املجمــوع‬

‫‪ -148‬المادة ‪( 980‬الفقرة األخيرة) ق‪.‬م‪.‬ج تنص على "غير أنه إذا كانت العقوبة األصلية المقررة للجريمة هي اإلعدام أو‬
‫السجن لمدة ثالثين سنة‪ ،‬فإن الغرفة تستبدلها بعقوبة تتراوح بين ‪ 80‬و‪ 85‬سنة سجنا"‪ .‬وقد اعمل بعض الفقه المغربي منهجا‬
‫نعتبره سليما في تطبيق المادة ‪ ،980‬وذلك عندما ذهب إلى إمكانية تطبيق الفصل ‪ 897‬ق‪.‬ج‪ ،‬كفصل يتعلق بالظروف‬
‫االجتماعية سواء كان الفاعل راشدا أو حدثا‪ ،‬بعد إعمال المادة ‪ 980‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬وذلك بإخضاع عقوبة ‪ 80‬سنوات كحد أدنى في‬
‫المادة إلى الفقرة ‪ 0‬من الفصل ‪ 897‬ق‪.‬ج التي تنص على "إذا كان الحد األدنى للعقوبة المقررة هو عشر سنوات سجنا فإنها‬
‫تطبق السجن من ‪ 5‬إلى ‪ 80‬سنوات أو عقوبة الحبس من ‪ 8‬إلى ‪ 5‬سنوات"‪ ،‬وبالتالي تكون العقوبة واجبة التطبيق ال تخرج‬
‫عن ‪ 5‬سنوات‪ ،‬وهي المدة الكافية في نظرنا الكتساب الحدث ما يكفي من الخبرات العلمية والمهنية ما تؤهله لالندماج في‬
‫المجتمع‪( .‬انظر في ذلك‪ :‬رشيد مشقاقة‪ ،‬تعليق على قرار قضائي‪ ،‬مجلة الشارة عدد مزدوج ‪0‬و‪ 9‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‬
‫‪ ،8080 ،8‬ص ‪ 000‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ -149‬إحصائيات صادرة عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو (تمت اإلشارة إليها سابقا)‪.‬‬

‫‪P 63‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يتضح لنا من خالل هذه اإلحصائيات أن نسبة اللجوء للعقوبات السالبة‬


‫للحرية ال تتجاوز ‪ %5‬خالل سنوات ‪ 8112‬و‪ 8112‬و ‪ 8131‬وهي نسبة ضئيلة‬
‫مقارنة مع باقي التدابير األخرى‪ ،‬لكن هذه النسبة ال تمثل في الغالب إال القضايا‬
‫الجنائية ونظرا لقلتها على مستوى املحاكم(‪ )150‬تبقى نسبة العقوبة منخفضة‪،‬‬
‫ولكن رغم ذلك يجب تقليص هذه النسبة وحصرها في الحاالت التي يستعص ي‬
‫تقوميها من خالل التدابير األخرى‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫إن مشكلة جنوح األحداث باعتباره معضلة تؤرق املجتمعات بشتى مستوياتها‪،‬‬
‫أصبحت تقتض ي املزيد من العمل والبحث في سبيل إيجاد الحلول التشريعية‬
‫واالجتماعية التي من شأنها أن تساعد على تخفيف وطأة هذه اآلفة املتعبة‪،‬‬
‫حيث إن املعاملة العقابية سواء على املستوى القضائي أو التنفيذي الزالت تبرز‬
‫العديد من النواقص تؤثر بشكل سلبي على إعادة إدماج هؤالء األحداث‬
‫املنحرفين واملخالفين للقانون‬
‫كل ذلك يدعو إلى استحضار البناء الشخص ي للحدث وظروفه االجتماعية‬
‫واالقتصادية املحيطة به‪ ،‬ثم العمل على تكوين هيئات قضائية متخصصة فعليا‬
‫في هذه القضايا ذات الخصوصية الحساسة داخل املجتمع‪ ،‬والتي تمس شريحة‬
‫تمثل مستقبل كل املجتمعات‪ ،‬باإلضافة إلى العمل على توفير مؤسسات‬
‫متخصصة ومصنفة بشكل جيد الستقبال هؤالء األحداث‪ ،‬حتى تتمكن من إعادة‬
‫إصالحهم وتقويم شخصيتهم بما يتماش ى مع مصلحتهم الفضلى ومصلحة املجتمع‬
‫الذي يؤويهم‪.‬‬

‫‪ -150‬إذا اطلعنا على اإلحصائيات الصادرة عن محكمة االستئناف بفاس سيتجلى لنا أن نسبة اللجوء للعقوبة تتراوح بين ‪%82‬‬
‫و ‪ %86‬خالل سنوات ‪ 8002‬و ‪ 8008‬و ‪( 8080‬انظر موقع المحكمة السالف ذكره)‪.‬‬

‫‪P 64‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫‪ ‬إبراهيم يوسات‪ ،‬حماية األحداث الجانحين في ضوء قانون املسطرة الجنائية‬
‫والعمل القضائي ومؤسسات التنفيذ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم املاستر في العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.8138 – 8133‬‬

‫‪P 65‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إحصائيات صادرة عن النيابة العامة لدى املحكمة االستئناف – شعبة اإلعالميات‬ ‫‪‬‬
‫واإلحصاء بفاس‪ ،‬منشور على املوقع الرسمي للمحكمة‪ ،www.cafes.ma .‬تاريخ‬
‫االطالع ‪.8138/31/33‬‬
‫إحصائيات صادرة عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل املغربية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫سنوات ‪ 8112‬و ‪ 8112‬و‪.8131‬‬
‫إحصائيات محكمة االستئناف بفاس‪ ،‬املوقع الرسمي للمحكمة ‪،www. Cafes.ma‬‬ ‫‪‬‬
‫تاريخ االطالع ‪.8131/11/4‬‬
‫أحمد سلطان عثمان‪ ،‬املسؤولية الجنائية لألطفال املنحرفين – دراسة مقارنة‪،-‬‬ ‫‪‬‬
‫املؤسسة الفنية للطباعة والنشر القاهرة ‪.8118‬‬
‫أحمد سلطان عثمان‪ ،‬املسؤولية الجنائية لألطفال املنحرفين‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املؤسسة الفنية‪ ،‬القاهرة ‪.8118‬‬
‫أحمد فتحي سرور‪ ،‬أصول السياسة الجنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.3298 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫أحمد لطفي السيد‪ :‬املدخل لدراسة الظاهرة اإلجرامية والحق في العقاب‪ ،‬الجزء‬ ‫‪‬‬
‫الثاني‪ ،‬د‪.‬د‪.‬ن‪.8111 –8118 ،‬‬
‫أكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬الحدود القانونية لسلطة القاض ي الجنائي في تقدير العقوبة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دار الثقافة ‪.3222‬‬
‫باسم عبد الرحمن الغويري‪ ،‬االتجاهات املستحدثة في املعاملة العقابية لألحداث‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫بحث لنيل درجة املاجستير في الحقوق‪ ،‬قسم القانون العام – جامعة مؤته‪.8133 -‬‬
‫بدر محمد غاري السيحاني‪ ،‬العالقة بين عدم التكيف االجتماعي وانحراف األحداث‬ ‫‪‬‬
‫– دراسة تطبيقية على األحداث املودعين بدار املالحظة االجتماعية بمنطقة‬
‫القصيم‪ ،‬بحث استكماال ملتطلبات الحصول على درجة املاجستير في برامج مكافحة‬
‫الجريمة‪ ،‬املعهد العالي للعلوم األمنية‪ ،‬املركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‪،‬‬
‫الرياض ‪.3225‬‬
‫حسن الجوخدار‪ ،‬قانون األحداث الجانحين‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪.3228 ،3‬‬ ‫‪‬‬
‫حسن محمد األمين‪ ،‬إجرام األحداث ومحاكمتهم في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫رسالة لنيل درجة املاجستير في الفقه اإلسالمي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية الشريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية‪3412 –3419 ،‬ه‪.‬‬

‫‪P 66‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫رشيد النووي‪ ،‬التفريد العقابي لألحداث الجانحين بين النظرية والتطبيق‪ ،‬بحث‬ ‫‪‬‬
‫لنيل دبلوم الدراسات العليا املتخصصة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق فاس‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪.8112 – 8119‬‬
‫رشيد مشقاقة‪ ،‬تعليق على قرار قضائي‪ ،‬مجلة الشارة عدد مزدوج ‪1‬و‪ 4‬مطبعة‬ ‫‪‬‬
‫األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط ‪.8131 ،3‬‬
‫عادل يحي قرني علي‪ ،‬النظرية العامة لألهلية الجنائية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة‬ ‫‪‬‬
‫العربية‪.8111 ،‬‬
‫عبد الحكم فودة‪ ،‬جرائم األحداث في ضوء الفقه وقضاء النقض‪ ،‬دار املطبوعات‬ ‫‪‬‬
‫الجامعية اإلسكندرية ‪.3229‬‬
‫عبد الرحمان مصلح الشرادي‪ ،‬انحراف األحداث في التشريع املغربي والقانون‬ ‫‪‬‬
‫املقارن‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬ط‪.8118 ،3‬‬
‫عبد الفتاح بيومي حجازي‪ ،‬املعاملة الجنائية واالجتماعية لألطفال‪ ،‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫متعمقة في قانون الطفل املصري مقارنة بقانون األحداث اإلمارتي‪ ،‬دار الكتب‬
‫القانونية‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬مصر‪ ،‬املجلة الكبرى ‪.8119‬‬
‫عبد هللا سليمان‪ ،‬النظرية العامة للتدابير االحترازية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املؤسسة‬ ‫‪‬‬
‫الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.3221 ،‬‬
‫علي محمد جعفر‪ ،‬األحداث املنحرفون – عوامل االنحراف‪ ،‬املسؤولية الجزائية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫التدابير‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،3.‬‬
‫‪.3224‬‬
‫علي محمد جعفر‪ ،‬حماية األحداث املخالفين للقانون واملعرضين لخطر االنحراف‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪.8114 ،3‬‬
‫عمر الفاروق الحسني‪ ،‬انحراف األحداث‪ ،‬املشكلة واملواجهة‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬ط‬ ‫‪‬‬
‫‪.3225 ،1‬‬
‫فتاوى البرزلي‪ ،‬جامع مسائل األحكام ملا نزل من القضايا باملفتين والحكام‪ ،‬لإلمام‬ ‫‪‬‬
‫الفقيه أبي القاسم بن أحمد البلوي التونس ي املعروف بالبرزلي‪ ،‬تقديم وتحقيق‬
‫محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،6‬ط‪.8118 ،3‬‬

‫‪P 67‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فتاوى الشيخ أبي الحسن اللخمي القيرواني – جمع وتحقيق وتقديم حميد بن‬ ‫‪‬‬
‫محمد لحمر‪ ،‬دار املعرفة الدار البيضاء‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪.‬‬
‫فوزية عبد الستار‪ ،‬املعاملة الجنائية لألطفال‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة ‪.3222‬‬
‫فيصل اإلبراهيمي‪ ،‬السلطة التقديرية لقاض ي األحداث بين التدابير والعقوبة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا املتخصصة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.8112 – 8119‬‬
‫قيس جبارين‪ ،‬تقرير حول جنوح األحداث في التشريعات الفلسطينية‪ ،‬سلسلة‬ ‫‪‬‬
‫التقارير (‪ ،)6‬الهيئة املستقلة لحقوق املواطن‪ ،‬رام هللا‪ ،‬تشرين الثاني ‪.3222‬‬
‫لحسن فضل هللا‪ ،‬دور املؤسسة السجنية في إعادة تأهيل الحدث الجانح – دراسة‬ ‫‪‬‬
‫مقارنة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.8116 – 8115‬‬
‫لطيفة اشويردي‪ ،‬إدماج الحدث الجانح بالسجن‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات‬ ‫‪‬‬
‫العليا املتخصصة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪8112‬‬
‫– ‪.8112‬‬
‫محمد أفقير‪ ،‬واقع التوجيه التربوي واملنهي بمراكز حماية الطفولة‪ ،‬بحث لنيل‬ ‫‪‬‬
‫دبلوم املعهد امللكي لتكوين األطر‪.3226 -3225 ،‬‬
‫محمد الحبيب الشريف‪ ،‬شرح مجلة حماية الطفل‪ ،‬مركز الدراسات القانونية‬ ‫‪‬‬
‫والقضائية‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬تونس ‪.3229‬‬
‫محمد السراحني‪ ،‬تأمالت في املسؤولية الجنائية لألحداث في التشريع الجنائي‬ ‫‪‬‬
‫املغربي‪ ،‬مجلة املعيار‪ ،‬ع ‪ ،12‬يونيو ‪.8112‬‬
‫محمد العروص ي‪ ،‬الحدث الجانح بين التدابير التهذيبية والعقوبة‪ ،‬مجلة امللف‪ ،‬ع‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،32‬يونيو ‪.8138‬‬
‫محمد كمال الدين إمام‪ ،‬املسؤولية الجنائية أساسها وتطورها دراسة مقارنة في‬ ‫‪‬‬
‫القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط ‪.3221 ، 8‬‬

‫‪P 60‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬محمود سليمان موس ى‪ ،‬اإلجراءات الجنائية لألحداث الجانحين ‪ -‬دراسة مقارنة‪،-‬‬


‫دار املطبوعات الجامعية اإلسكندرية ‪.8112‬‬
‫‪ ‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة ‪.3291‬‬
‫‪ ‬مدحت الدبيس ي‪ ،‬محكمة الطفل واملعاملة الجنائية لألطفال في ضوء القانون رقم‬
‫‪ 386‬لسنة ‪ 8112‬املعدل للقانون رقم ‪ 38‬سنة ‪ 3226‬بشأن األطفال‪ ،‬املكتب‬
‫الجامعي الحديث‪.8133 ،‬‬
‫‪ ‬مراد دودوش‪ ،‬حماية الطفل في التشريع الجنائي املغربي جانحا وضحية – دراسة‬
‫مقارنة‪ ،-‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة‪ ،‬كلية الحقوق بفاس‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.8111 – 8118‬‬
‫‪ ‬نبيل صقر وصابر جميلة‪ ،‬األحداث في التشريع الجزائري‪ ،‬موسوعة الفكر القانوني‪،‬‬
‫دار الهدى للطباعة والنشر ‪.8112‬‬
‫‪ ‬نجاة جرجس جدعون‪ ،‬جرائم األحداث في القانون الدولي والداخلي‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫منشورات زين الحقوقية‪.8131 ،‬‬
‫‪ ‬يسر أنور علي وآمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬أصول علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬ج ‪ ،8‬علم‬
‫العقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪.3222 ،36‬‬
‫‪ Chahid Slimani ; La politique criminelle en matière de‬‬
‫‪délinquance ; Mémoire de D.E-S-A. Faculté de sciences Juridiques‬‬
‫‪Fes ; année universitaire 2002 – 2003.‬‬
‫‪ Chahid slimani, « criminologie ; Avec étude du cas particulier de la‬‬
‫‪délinquance Juvénile et son Traitement au Maroc » , Imprimerie‬‬
‫‪oumayma, Sidi Brahim Fes, 2011.‬‬
‫‪ Chazal (J) et Gazier (J) ; caractère et exécution des décisions‬‬
‫‪rendues par le Juge des enfants ; dans : problèmes contemporains‬‬
‫‪de procédure pénale; Recueil d’études en hommage à louis‬‬
‫‪hugueney ; paris ; sirey ; 1964.‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

 JEAN CHAZAL ; L’enfant délinquant : que Sais je ; éd Peuf 9eme ed


1993.
 Marc Ancel ; La défense sociale nouvelle ; 2eme éd Paris 1966.
 Merle et Vitu ; Traité de droit criminel ; Tome 1 ; éd Cujas ; Paris ;
1974.
 Roger Merle et André Vêtu, « traité de droit criminel, Problèmes
généraux de la Science criminelle, Droit pénal ». Editions Cujas,
Paris 6eme éd, 1984.

P 78 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور حمسن املدني‬


‫دكتور يف القانون العام والعلوم السياسية كلية احلقوق‬
‫السويسي الرباط‬

‫من مراقبة الحدود إلى تسيير الحدود‪ :‬تصور جديد‬


‫للتعاون األمني األ ورومغربي للحد من الهجرة غير النظامية‬
‫‪From border control to border management: a new vision for Euro-Moroccan security cooperation‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫اقترن التحول في مفهوم األمن بعد الحرب الباردة بظاهرة ال أقلمة التهديدات‪،‬‬

‫كما اقترن بإعادة النظر في مفهوم الحدود في حد ذاتها‪ ،‬فالحدود الراهنة التي تنشئها‬

‫البنى االجتماعية واألطر املعرفية‪ ،‬هي نتاج ظهور جماعات أمنية جديدة التي تعمل‬

‫على أقلمة حدود جديدة بين الداخل والخارج‪ ،‬نتيجة لذلك يعرف االتحاد األوربي‬

‫ككيان جغرافي‪ ،‬حدوده حسب مدركاته وممارساته ملجاالت األمن الخاصة به‪ ،‬الش يء‬

‫الذي أدى إلى ظهور خطاب جديد ال يفرق بين األمن الداخلي واألمن الخارجي‪ ،‬حيث‬

‫يتميز هذا الخطاب بنظرته املوسعة ملفهوم األمن‪ ،‬بما يتضمنه هذا األخير من قضايا‬

‫الطاقة‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬مسالة الهجرة‪ ،‬أما بالنسبة لدول جنوب املتوسط‪ ،‬فقد‬

‫أصبحت التهديدات غير دولية املصدر‪ ،‬تهديدات هجينة تثير مخاوف كبيرة بسبب‬

‫أشكالها املتعددة وطبيعتها املستعصية الفهم‪ ،‬نظرا اللتباس معالم وهوية الفواعل‬

‫املعنية‪ ،‬وتداخل العوامل في نشأتها وتطورها وتفاعالتها ونشاطها القائم باألساس‬

‫على الحرب غير املتوازنة‪ ،‬فضال عن طبيعتها العابرة لألوطان في أغلب األحيان‪ ،‬كما‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أصبحت هذه التهديدات الهجينة خاصة الهجرة غير النظامية السبب الرئيس ي في‬

‫االضطرابات على حدود هذه الدول‪ ،‬نتيجة ضعف الدولة أو غيابها‪ ،151‬لذلك طغت‬

‫إلى السطح مسالة تامين الحدود باعتبارها معادلة بسيطة‪ ،‬ألنها تقتض ي وجود‬

‫طرفين مقتدرين‪ ،‬يتفقان على تأمين حدودهما املشتركة‪ ،‬أي وجود دولتين تسعى كل‬

‫منهما إلى جعل حدودها أمنة ومستقرة‪.152‬‬

‫ومن أجل التعامل مع هذه التهديدات األمنية خاصة الهجرة غي النظامية‪ ،‬وجه‬

‫االتحاد األوربي نشاطه حول تسيير الحدود كحل يفرضه القرب الجغرافي لجيرانه‬

‫الجنوبيين خاصة املغرب باعتباره مصدر تهديد في املنطقة‪ ،‬وبذلك يعتبر تسيير‬

‫الحدود ضمانا لألمن الداخلي الخاص باالتحاد األوربي‪ ،‬كما أصبح يعنى بإدارة‬

‫الحدود بشكل أكثر دقة من ذي قبل‪ ،153‬حيث تدعى أيضا عمليات تسيير الحدود هذه‬

‫باسم "جهاز التحكم عن بعد"‪ ،154‬بحكم أنها تعمل على نقل محل الحكم أيضا بعيدا‬

‫عن اإلقليم املشترك‪ ،‬مما يعتبر محركا لبلدان العالم الثالث وخاصة املغرب نحو‬

‫‪-151‬اما حجيج‪" ،‬نحو قوة اورو‪-‬متوسطية للشرطة وتسيير الحدود"‪ ،‬مجلة دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬العدد الثاني عشر‬
‫جانفي ‪5102‬‬
‫‪152‬‬
‫‪-Sarah Wolff « border management in the Mediterranean ;internal ، external and‬‬
‫‪ethical challenges” Cambridge review of international affairs 2 (June 2008) page 254‬‬
‫‪153‬‬
‫‪-A. zolborg ، « the archeology « remote control » ; in a. fahrmeir، O. faron and p.‬‬
‫‪weil (eds); migration control in the north Atlantic world (new York; berghahn books،‬‬
‫‪2003)، page 195،196‬‬
‫‪154‬‬
‫‪-Sandra lavenex، “ the external face of Europeanization”; third countries and‬‬
‫‪international organizations.in . Thomas faist and andandreasette (eds). The‬‬
‫‪Europeanization of national policies and politics of immigration between autonomy and‬‬
‫‪the European union (new York; PALGRAVE MACMILLAN; 2007) page 247‬‬

‫‪P 72‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مراقبة الحدود من خالل تبني مبدأ البعد الثالث لألمن‪ .155‬فهل من شأن هذا‬

‫التعاون الثنائي األورومغربي في املجال األمني "الشرطة وتسيير الحدود" أن يشكل‬

‫قوة دفاعية –أمنية مشتركة لكل من املغرب واالتحاد األوربي؟ إن اإلجابة على هذه‬

‫اإلشكالية تستدعي التعرض لنقطتين رئيستين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬التعاون االورومغربي لتسيير الحدود في مجال الهجرة‬

‫يتميز التعاون األورومغربي في مجال تسيير الحدود بشبكات مكثفة تعمل على‬

‫تجميع املعلومات وتبادل أفضل املمارسات‪ ،‬وهي شبكة تعنى بتفعيل أنشطتها وكاالت‬

‫تطبيق القانون كفواعل محورية في مجال تسيير الحدود‪ ،156‬حيث نجد أن االتحاد‬

‫األوربي نشط في إدراج مثل هذا النوع من التعاون إلى جانب التعاون القضائي‪،‬‬

‫بتنظيم العديد من امللتقيات واملنتديات املختلفة‪ ،‬ومع أواخر التسعينات شرعت‬

‫الدول األعضاء في االتحاد بتدشين عمليات تعاون مع املغرب تسهر على إنجازها‬

‫جماعات مختصة في هذا املجال‪.157‬‬

‫‪155‬‬
‫‪-Alice hills، « Towards a rationality of democratic border management » in marina‬‬
‫‪caparini and otwinmarenin (eds) borders and security governance; managing borders‬‬
‫‪in a globalised world (geneva; genevacentre for the democratic control of Armed forces‬‬
‫‪DCAF،2006)، page 33.‬‬
‫‪-156‬كما هو الحال بالنسبة لالوروبولواالوروجيستوالسيبولوالفرونتكس التي تمت اإلشارة إليهم في القسم األول‬
‫‪157-‬تجدر اإلشارة هنا إلى خطورة هامة على مستوى االنجازات في هذا الحقل األمني‪ ،‬ففي ‪ ،0111‬انضم الدرك‬
‫الملكي المغربي إلى جمعية قوات الشرطة والدرك االورو‪-‬وطني برتبة عسكرية (وهي جمعية فرنسية‪-‬ايطالية‪-‬‬
‫برتغالية تأسست عام ‪http://www.fiep-asso.org/. )0111‬‬

‫‪P 73‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يعتبر املغرب بالنظر إلى موقعه الجغرافي املتميز‪ ،‬ذو أهمية كبرى بالنسبة‬

‫لالتحاد األوربي عند تعزيز التعاون في مجال الشرطة في إطار قضايا الهجرة‪ ،‬فهو‬

‫مفترق طرق بالنسبة للمهاجرين‪ ،‬لذلك أصبح بلد لعبور املهاجرين غير النظاميين‬

‫القادمين من جنوب الصحراء‪ ،‬وعجلت بدون شك األحداث الدرامية التي عرفتها‬

‫سبتة ومليلية من املنطق السائد لدى الجانب األوربي بضرورة التدخل في إدارة‬

‫وتسيير ظاهرة الهجرة‪ ،‬فاملغرب يعد من األوائل املندمجين ضمن مبادرات التعاون‬

‫بين فرنسا وإسبانيا حول املؤتمر اإلوروإفريقي الذي إنعقد في يونيو‪.158 8116‬‬

‫حيث أكدت الورقة االستراتيجية اإلقليمية أن القضايا التي طغت إلى السطح‬

‫في اآلونة األخيرة مثل الهجرة‪ ،‬تتطلب تطوير العالقات وتمتين الروابط بين سياسات‬

‫كل من االتحاد األوروبي وشركائه املتوسطيين‪ ،‬في سياق تعميق الحوار وتعزيز‬

‫االتصاالت بين بلدان ضفتي املتوسط‪ ،‬حيث تمكن االتحاد من تمويل بعض املشاريع‬

‫الخاصة بالهجرة من خالل برنامج ‪ AENEAA‬حتى مطلع ‪.8116‬‬

‫إذا كانت بعض املشاريع تهدف إلى دمج بعض املهاجرين‪ ،‬فان اختصاص هذه‬

‫امليزانية املقدرة ب ‪ 851‬مليون أورو خالل الفترة ‪ 8112_8114‬وضعت أيضا من أجل‬

‫إنجاز النشاطات الخاصة بإدارة وتسيير الحدود‪ ،‬وفي هذا اإلطار قدم مشروع‬

‫"‪ "seahorse‬الذي يديره الحراس اإلسبان املدنيين‪ ،‬ملنع الهجرة غير النظامية إلى‬

‫‪7 February 2006.، Brussels،158- Confidential interview; Moroccan mission to the EU‬‬

‫‪P 74‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫جزر الكناري‪ ،‬بالتعاون مع الدول التي تعتبر مصدرا أو معبرا للمهاجرين غير‬

‫النظاميين ومنها املغرب‪.‬‬

‫إال أن هذا املشروع تم استبداله منذ حلول ‪ 8119‬ببرنامج دقيق ومحدد في إطار‬

‫التعاون مع البلدان الثالثية في مجال الهجرة واللجوء‪ ،159‬وهو املجال التي تم توجيهه‬

‫نحو مفهوم "طرق املهاجر"‪ ،‬في حين وضعت تدفقات وموجات الهجرة اآلتية من‬

‫الضفة الجنوبية للمتوسط‪ ،‬كأولوية هامة ضمن السياسة األوربية للهجرة في‬

‫املنطقة املتوسطية‪ ،‬حيث خصص لها غالف مالي قدر ب ‪ 34‬مليون أورو‪ ،‬حيث يؤكد‬

‫هذا البرنامج الدقيق على مفهومي التسيير املشترك و "امللكية املشتركة"‪.160‬‬

‫من جهة أخرى أعلن االتحاد األوربي في إطار محاربة الهجرة غير النظامية‬

‫على إطالق املفاوضات فيما يتعلق بإعادة تسليم املهاجرين كمسالة أولوية في‬

‫عالقاته مع البلدان الشريكة في سياسة الجوار األوربية‪ ،‬فالهدف من إبرام هذه‬

‫االتفاقيات األوربية لترحيل املهاجرين مع املغرب‪ ،‬أدى إلى عقد اجتماع لتسع دورات‬

‫تفاوضية على األقل‪ ،‬لكن في الوقت الحاضر لم يتم إنهاء إي اتفاقية‪ ،‬في حين طالب‬

‫املغرب مقابل انصياعه للطلبات وللقرارات األوربية بالعديد من الطلبات بدوره‪ ،‬من‬

‫‪159‬لالطالع على برنامج عمله السنوي انظر‬


‫‪http://ec.europa.eu/europeaid/worldwide/migration-aslyum/docments/annual‬‬
‫‪action program consulted on 02-05-‬‬
‫‪2016‬‬
‫‪“the Mediterranean dimension of EU’s’intenal security ».in. Balzac ،160Sarah wolff‬‬
‫‪the external dimension of EU justice and home affairs ،Thierry‬‬
‫‪2009 page 165، new York: PalgraveMacmillan، security،neighbors،governance‬‬

‫‪P 75‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بينها تسهيل الحصول على التأشيرة مرفقة بزيادة معتبرة من األموال املخصصة‬

‫للتنمية االجتماعية‪ -‬االقتصادية‪ ،‬كما أنه طالب باملزيد من األموال ليتم التعامل مع‬

‫املهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى إلفريقيا والذين يتخذون املغرب‬

‫كمعبر ألوربا‪.‬‬

‫أكد عدد من املشاركين في املفاوضات مع املغرب‪ ،‬بان هذه املحادثات ساهمت‬

‫في توضيح وتفصيل ما يسمى ب "املقاربة الشاملة" حول الهجرة التي طاملا دعا إليها‬

‫االتحاد األوربي‪ ،‬منذ قمة هامبتون في نوفمبر ‪ ،8115‬حيث تشكل هذه املقاربة‬

‫محاولة التخطيط إلبرام جملة من االتفاقيات في مجال له ميزة الحركية‪ ،‬تحاول‬

‫إرضاء كل من طلبات االتحاد األوربي وطلبات البلدان الشريكة‪ ،‬وبتعبير آخر‪ ،‬تحاول‬

‫هذه املقاربة الشاملة إحداث توازن بين رغبة االتحاد في جعل البلدان الشريكة تعمل‬

‫وتنشط أكثر ملحاربة الهجرة غير النظامية‪ ،‬وبين طلبات البلدان الشريكة املتعلقة‬

‫بتقديم العون لها من قبل االتحاد‪ ،‬وهذا بفتح قنوات الهجرة النظامية وتسهيل‬

‫الحصول على التأشيرة وبذلك املساعدة إلحداث التنمية االجتماعية‬

‫واالقتصادية‪.161‬‬

‫لم يكن الخطاب املحاط بالحاجة إلى مقاربة شاملة ومتوازنة بخصوص‬

‫الهجرة‪ ،‬تجديدا وال ابتكارا داخل االتحاد األوربي‪ ،‬بل يعنى فقط بتقديم تفصيل‬

‫لإلجراءات التطبيقية لسياسة الهجرة‪ ،‬أما من ناحية إصدار الوثائق الخاصة بهذه‬

‫‪” promoting the rule of low in the ENP –strategies or normative ،161- Nicolewichmann‬‬
‫”‪page13، 2007،politiqueeuropéenne 22،power EU‬‬

‫‪P 76‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السياسة‪ ،‬فقد تطورت هذه املقاربة الشاملة بسرعة مدهشة خالل السنوات‬

‫األخيرة‪ ،‬حيث تمثلت الوثيقة األولى في إبالغ املفوضية املتبع بإمضاءات لقرارات‬

‫املجلس األوربي ملحكمة هامبتون‪ ،162‬حيث تركز هذه الوثيقة بشكل دقيق على‬

‫التعاون مع الجيران املتوسطيين والدول اإلفريقية‪ ،‬وقد استكملت وتممت باإلعالن‬

‫على أن هناك سنة واحدة لتطبيق املقاربة‪ ،163‬وهو اإلعالن الذي يرسم بيان ميزانية‬

‫السنة األولى من تطبيق املقاربة الشاملة حول الهجرة‪ ،‬كما تتوجب العملية املعنية‬

‫بتفصيل املقاربة الشاملة بتبني إعالنين‪ ،‬األول حول الهجرة الدائرية ‪circulaire‬‬

‫‪ migration164‬والثاني حول تطبيق املقاربة الشاملة على الجيران في الشرق والجنوب‬

‫الشرقي‪ 165‬في ماي ‪ ،8119‬حيث أسفر اإلبالغ الخاص بالهجرة الدائرية وإبرام عقود‬

‫الشراكة حول الهجرة على إدراج قائمة تخص التنازالت التي يطلع إليها االتحاد‬

‫األوربي من لدن البلدان الشريكة واملمثلة في حق إعادة تسليم املهاجرين وتسيير‬

‫‪162‬‬
‫‪- European commission ; “communication on priority actions for responding to the‬‬
‫‪challenges‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪migrations‬‬ ‫;‬ ‫‪first‬‬ ‫‪follow-up‬‬ ‫‪to‬‬ ‫‪Hampton‬‬ ‫‪court‬‬ ‫‪»،‬‬
‫‪COM621،brusseks،30.11.2005.‬‬
‫‪163‬‬
‫‪- European commission، «the global approach to migration on year on :towards‬‬
‫‪comprehensive European migration policy »،COM 375 final، Brussels ; 30.11.2006.‬‬
‫‪164‬‬
‫‪- European commission، “communication on circular migration and modality‬‬
‫‪partnership between the European union and partner countries” ، COM 248 ،final،‬‬
‫‪Brussels، 16.05.2007.‬‬
‫‪165‬‬
‫‪- European commission ; “ communication on applying the global approach to‬‬
‫‪migration to the eastern and south eastern regions neighboring the European‬‬
‫‪union” ;COM 247 final،brussels، 16.05.2007.‬‬

‫‪P 77‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحدود وتبادل املعلومات‪ ،‬كما يعدد هذا اإلعالن االلتزامات القابلة للتطبيق التي‬

‫تقع على عاتق الدول األعضاء في االتحاد األوربي‪.‬‬

‫في هذا السياق يوص ي اإلعالن بتحسين قنوات الهجرة النظامية نحو االتحاد‬

‫األوربي‪ ،‬واملعنية بالدرجة األولى بالعمال املوسميين ومن ذوي الكفاءة العالية‪،‬‬

‫مؤسسا بذلك اآلليات الالزمة ملراقبة ومجاراة األشغال التي دخلت حيز التطبيق‬

‫وكذلك مقتضيات األعمال‪ ،‬مدعما بذلك بناء اإلمكانيات املتعلقة بالهجرة وتلك‬

‫الخاصة بإصدار تأشيرات الدخول املتعدد لفئات معينة من األشخاص‪ ،‬وفي هذا‬

‫الصدد يمكن القول أن عالقة اإلتحاد األوربي مع املغرب فيما يتعلق بقضايا الهجرة‬

‫بدأت تحرز تقدما ملحوظا وإن كان نسبيا في إطار املقاربة الشاملة‪ ،‬حيث بإمكاننا‬

‫أن نلمس التزاما واضحا من جانب املغرب لتكثيف التعاون مع االتحاد األوربي‬

‫ملحاربة الهجرة غير النظامية‪ ،‬وهذا من خالل استمرار املفاوضات للتوقيع على‬

‫االتفاقيات األوربية لترحيل املهاجرين على أمل أن ينظم إلى ترتيبات أعمال التعاقد‬

‫إلبرام اتفاقيات مع الفرونتكس‪ ،‬وهذا ما يجعل االتحاد األوربي في املقابل‪ ،‬يلزم‬

‫نفسه بتقديم املساعدة التقنية وبناء القدرات لدى هذه البلدان وتسهيل الحصول‬

‫على التأشيرة وعقد شراكات حول قابلية تحرك األشخاص فقط مع البلدان التي‬

‫تحرز التقدم األكبر في خطط عمل سياسة الجوار األوربية فيما يتعلق بنقل قضايا‬

‫"العدالة والشؤون الداخلية"‪.‬‬

‫‪P 70‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فاالتحاد األوربي يزود شركائه املتوسطيين بالخبرة والدعم في كيفية إدارة‬

‫وتسيير هؤالء للهجرة غير النظامية في إطار برنامج الحماية اإلقليمي‪ ،‬الذي يحاول‬

‫تسهيل الحركة بين االتحاد وشركائه بما فيهم املتوسطيين‪ ،‬كما أنه يقدم تشجيعات‬

‫في امليدان العلمي من أجل إدارة الحدود‪ ،‬وبشكل عام تتميز املفاوضات بشأن الهجرة‬

‫غير النظامية بمزيج مميز من الحوافز املادية وترقية وتحسين املهارات الناعمة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تأثير البعد األوربي على قانون الهجرة املغربي والتعاقد البنيوي األمني‬

‫بدا تصنيف قضايا الهجرة في اغلب دول املجموعة األوربية من أهم القضايا‬

‫األمنية التي ما فتئت تتطور إال بتصعيد السياسات املناوئة للظاهرة‪،‬من تضييق على‬

‫نظام التأشيرات وطرد فردي وجماعي وتوسيع نظام اإلقصاء وتفعيل مراقبة وتسيير‬

‫الحدود وصوال إلى تجريم املهاجرين غير النظاميين داخل وخارج الحدود األوربية‪.166‬‬

‫لعل أكبر اإلنجازات التي تصب في األمن األوربي لحد اآلن فيما يخص إمكانية‬

‫بلورة سياسة عامة أمنية متعلقة بالهجرة في املتوسط‪ ،‬املتعلقة بقضايا الهجرة في‬

‫املنطقة‪ ،‬هي تبني دول الجنوب في أواخر ‪ 8112‬قانون تجريم الهجرة الذي يعكس‬

‫بوضوح مدى مخاوف الهجرة في سياسة العالقات الخارجية األوربية‪ ،167‬مع ضرورة‬

‫‪166‬‬
‫‪Laura feliumartinez، « les migrations en transit au Maroc : attitudes et comportement‬‬
‫‪de la sociétécivile face au phénomène »،l’année du Maghreb (paris : cnrsEdition،‬‬
‫‪2009)، page 345‬‬
‫‪-167‬صادق االتحاد األوروبي يوم األربعاء‪ 01‬يونيو ‪ ، 5111‬والقاضي بترحيل األشخاص المقيمين في االتحاد‬
‫األوروبي في شكل غير قانوني‪ ،‬وكان النواب األوروبيين قد صادقوا على مشروع قانون يضع حدا أدنى من المعايير‬
‫المشتركة لترحيل األشخاص المقيمين في االتحاد األوروبي في شكل غير قانوني‪ ،‬وأثار هذا المشروع انتقاد اليسار‬
‫والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬حيث ينص القانون على إمكان إبعاد المهاجرين أو احتجازهم لفترة ال تتجاوز ‪ 01‬شهرا‪،‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تبني وجهة نظر أكثر شمولية ملوضوع الهجرة‪ ،‬رغم التباين في مواقف دول الجنوب‬

‫بخصوص قانون التجريم‪ ،‬ولكي يحقق االتحاد األوربي هدفه األول واملتمثل في‬

‫السيطرة على حركات الهجرة داخل الدول املصدرة لها‪ ،‬ويضمن عودة املهاجرين إلى‬

‫بلدانهم‪ ،‬فإن هذه املقاربة أدت إلى تصدير التأشيرة (املراقبة) للدول الخارجية‬

‫لالتحاد وسياسات الهجرة غير النظامية إلى بلدان العالم الثالث‪ ،‬وهي سياسات تبدو‬

‫متزايدة في طرحها وتطبيقاتها حتى تتبناها أكثر هذه البلدان بقوانينها املتشددة التي‬

‫تعاقب املهاجرين غير النظاميين‪.‬‬

‫فاملغرب لم يكن بمنأى عن هذه التطورات األمنية التي لم تقده إلى تبني قانون‬

‫تجريم املهاجرين غير النظاميين فحسب‪ ،‬وإنما الحرص أكثر على تكثيف نشاطاته في‬

‫إطار تطبيق هذا القانون وتقديم نفسه كمتعاون حقيقي لسياسات اإلتحاداألوربي‬

‫باملقارنة مع باقي الدول املتوسطية الشريكة األخرى‪ ،168‬حيث أدت كل من‬

‫الضغوطات الخارجية والعوامل الداخلية املتمثلة في زيادة توافد املهاجرين على‬

‫األراض ي املغربية وبذلك تفاقم األمن الداخلي‪ ،‬إلى وضع السلطات املغربية آليات‬

‫جديدة لتسيير الظاهرة وهي آليات ذات طابع قيدي كما أنها تزيد من صرامة الشروط‬

‫ونفيهم لخمس سنوات بعد اإلبعاد‪ .‬ولم يقر القانون ترحيل قاصرين‪ ،‬وشهدت الكتلة االشتراكية التي ترفض المشروع‬
‫انقساما كبيرا‪ ،‬في حين أيد االشتراكيون األلمان واإلسبان والبريطانيون التوصل إلى تسوية‪ ،‬وتمت المصادقة على‬
‫النص الذي جاء ثمرة توافق بين الدول األعضاء السبعة والعشرين‪ ،‬ب‪ 763‬صوتا مقابل‪ ، 516‬وامتناع‪ 011‬نواب‬
‫عن التصويت‪ ،‬وذلك بفضل تحالف بين المحافظين والليبراليين والمناهضين لالتحاد األوروبي‪ ،‬في ظل انقسام الكتلة‬
‫االشتراكية‪ ،‬كما تم رفض تعديالت اقترحها معارضو المشروع مرات عدة بفارق أكثر من مئة صوت‪ .‬انظر‬
‫الموقع‪ http://www.infomigrants.net/ar/post/1783/‬تاريخ التصفح ‪5103/15/50‬‬
‫‪op cite 345، « les migrations en transit au Maroc،168- Laura feliumartinez‬‬

‫‪P 08‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التي بمقتضاها يتم دخول وإقامة وخروج األجانب من املغرب‪ ،‬حيث عقد البرملان‬

‫املغربي سنة ‪ 8111‬دورة استثنائية حول اثنين من مشاريع القوانين‪ ،‬اللذين تبناهما‬

‫املجلس الوزاري‪ ،‬يتعلق األول بمكافحة اإلرهاب والثاني فيعنى باألجانب املتواجدين‬

‫باملغرب‪ ،‬إال أن النصين تم وضعهما وفقا للمنطق األمني السائد‪ ،‬حيث تمت‬

‫املصادقة وبدون نقاش على القانون ‪ 11.18‬املتعلق بدخول وإقامة األجانب في‬

‫اململكة املغربية‪ ،‬كما تم اإلجماع عليه من قبل جميع فئات البرملان‪.169‬‬

‫باإلضافة إلى كون القانون رقم ‪ 11.18‬يهدف إلى تجديد وتوحيد وكذلك تفعيل‬

‫النصوص القانونية القديمة واتخاذ موقف في ظل االلتزامات الدولية والضغوطات‬

‫الخارجية‪ ،‬فهو يعمل أيضا على أقلمة تعريف الجرائم والجنايات‪ ،‬وكذلك العقوبات‬

‫والجزاءات املتعلقة بالهجرة غير النظامية‪ ،‬حيث أن هذا القانون الذي يحتوي على‬

‫‪ 52‬مادة موزعة إلى ثالث عناوين وسبعة فصول‪ ،‬يحدد شروط الدخول إلى اإلقليم‬

‫املغربي كما يخول لإلدارة الحق في إمكانية رفض دخول كل أجنبي بإمكانه أن يشكل‬

‫خطرا على األمن الداخلي والخارجي للبلد‪ ،‬على خالف الخطاب الرسمي فالقانون‬

‫رقم ‪ 11.18‬يحتوي على عدد كبير من اإلجراءات القمعية‪ ،‬فهو ال يضمن حقوق‬

‫املهاجرين وال يحدد اإلجراءات التي من شانها أن تحمي هؤالء املهاجرين‪ ،170‬كما أن‬

‫بعض املواد التي تعمل على تجريم املهاجرين والتأسيس ملعاقبة املهاجرين غير‬

‫‪169‬‬
‫» ‪- « entrée et séjour des étrangers au Maroc، émigration et immigration irrégulier‬‬
‫‪publication de la remald،serie textes et documents. n 123 ; rabat، 2005.‬‬
‫‪170‬‬
‫‪- Laura feliu martinez ; op cit، page 348‬‬

‫‪P 01‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫النظاميين‪ ،‬وهو األمر الذي أدى باألستاذ بلكندوز إلى التأكيد على أن "هؤالء‬

‫املهاجرين غير النظاميين يعاملون اآلن كمجرمين حقيقيين تماما كما هو الحال‬

‫بالنسبة لإلرهابيين وتجار املخدرات"‪ ،171‬كما ينص على عقوبة السجن التي قد تصل‬

‫إلى عشر سنوات لكل من يتورط في ملف التهجير السري‪ ،172‬وتم التأكيد على هذا‬

‫التوجه من خالل خطاب امللك محمد السادس يقول فيه‪" :‬وإدراكا منا لخطورة هذه‬

‫الظاهرة املنافية لكرامة اإلنسان واملؤثرة سلبا على عالقات التعاون وحسن الجوار‪،‬‬

‫فقد اتخذ املغرب تشريعات عصرية صارمة لتجريم ومحاربة العصابات املتاجرة‬

‫بالهجرة السرية مجندا بذلك كل السلطات العامة في ظل سيادة القانون‪ ،‬وفيا‬

‫اللتزاماته الثنائية واإلقليمية والدولية‪ "...‬وارتباطا بنفس املوضوع‪ ،‬يرى املغرب أن‬

‫تنسيقه مع االتحاد األوروبي في مجال الهجرة غير النظامية هو دفاع عن مصالحه‬

‫قبل كل ش يء‪ ،‬وقد أكد وزير الخارجية والتعاون الطيب الفاس ي الفهري هذا األمر في‬

‫اجتماع للجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس املستشارين قائال‪" :‬أن املغرب لن‬

‫يكون دركياألوربا لحمايتها من زحف التصحر‪ ،‬واالتجار الدولي بالبشر‪ ،‬والهجرة غير‬

‫الشرعية‪ ،‬واالتجار الدولي باملخدرات‪ ،‬ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬كون كل هذه اآلفات‬

‫الخطيرة تهدد امن واستقرار املغرب بالدرجة األولى‪ ،‬فاملغرب يدافع عن مصلحته كما‬

‫‪171‬‬
‫‪- Abdelkrim belguendouz، « EU-Maroc-Afrique migrante، politique européenne de‬‬
‫‪voisinage »، barrage aux sudistes ; rabat، 2005، page 91‬‬
‫‪-12-55‬‬ ‫‪172‬جواد الفرخ‪" ،‬التعاون الثنائي المغربي‪ -‬األوربي في المجال األمني"‪ ،‬تاريخ التصفح‬
‫‪http://jaoudelfarkh.maktoobbog.com/category/5101‬‬

‫‪P 02‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫هو الشأن بالنسبة ألوربا‪ ،‬لذلك سيشارك في تدبير األزمات‪ ،‬وسيطور شراكته من‬

‫اجل السلم واألمن في إفريقيا"‪.173‬‬

‫إن العدوى األمنية التي انتقلت إلى قانون ‪ 11.18‬الخاص باألجانب‪ ،‬تبدو‬

‫واضحة بشكل خاص في بعض النقاط املشتركة‪ ،‬مثل إمكانية نص املادة ‪ 43‬على‬

‫وضع األجانب تحت طارئ "خاص" بدون الحاجة إلى تحديد ال األهداف وال الدوافع‬

‫وراء ذلك‪.174‬‬

‫من جهة أخرى إن املقاربة التي تلغي الحدود بين الداخل والخارج والتي‬

‫تعمل على تنظيم سياسة الجوار األوربية كما يوضحه ظهور بعد العدالة والشؤون‬

‫الداخلية‪ ،‬تشكل عامال بنيويا في سياسة االتحاد األوربي تجاه البلدان الشريكة‪،‬‬

‫فعملية األمننة‪ securitization‬بما تحتويه من تجريم ‪ criminalization‬للقضايا‬

‫األمنية التي ينظر لها ويعمل على تطبيقها اإلتحاد األوربي‪ ،175‬هي اآلن تظهر في املغرب‬

‫الذي يرحب باستقبال املفهوم األوربي للقضايا األمنية في املتوسط وعلى رأسها‬

‫قضية الهجرة غير النظامية‪ ،‬كما أن املغرب يجتهد في االستجابة لسياسة اإلتحاد‬

‫الذي يعمل على مناولتها في هذا املجال‪ ،‬حيث تحرص السلطات املغربية في هذا‬

‫‪173‬جواد الفرخ‪ ،‬نفس المرجع الصفحة ‪050‬‬


‫‪174‬‬
‫‪- Laura feliumartinez ، op. cit، page 348‬‬
‫‪175‬‬
‫‪- Abdennourbenacer، « European union security practices، Algerian perspectives »،‬‬
‫‪paper presented at the workshop & _mapping _of index project « converging and‬‬
‫‪conflicting ethnical values in the internal/external security continuum in Europe”،bilking‬‬
‫‪university، Ankara، January 23624(2009) page 09.‬‬

‫‪P 03‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الصدد على زيادة ارتفاع عدد املوقوفين واملطرودين بشكل دقيق‪ ،‬وهذا بهدف‬

‫اإلعالن عن فعالية اآلليات الجديدة وكذا النتائج الجيدة وراء تطبيق هذه‬

‫السياسات الجديدة في هذا املجال‪.176‬‬

‫رغم أن السلطات املغربية تؤكد بأن هذه اإلجراءات املتخذة في مجال الشرطة‬

‫تتم وفقا الحترام الضمانات التي يحددها القانون‪ ،‬إال أن املغرب في واقع األمر يكون‬

‫مشترك في تعاقد بنيوي بخصوص محاربة ظاهرة الهجرة بما يصب في مصالح الدول‬

‫األوربية بالدرجة األولى‪ ،‬إال أن هذه األمننة بخصوص التعاقد البنيوي األمني‬

‫املتوسطي في مجال الهجرة لم تغير من حركة املهاجرين غير النظاميين في‬

‫املنطقة‪،‬فهذه الظاهرة ال يمكن لها أن تنظم من منظور أمني فحسب‪ ،‬وإنما في حاجة‬

‫أيضا إلى املعالجة بوسائل أخرى ذات بعد إنساني ترتكز على احترام كرامة املهاجر‬

‫كما هي متعارف عليها عامليا‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫صدر عن الزيارة التي قامت بها نائبة رئيس الحكومة االسبانية ماريا تري از فيرنانديز دي فيغا للرباط يومها‬ ‫‪176‬‬

‫الثالث‪.‬‬

‫‪P 04‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عمل االتحاد األوربي والدول األعضاء على نهج سياسة جديدة تتمثل في تطبيق‬

‫سياسة التعاون فيما بينها وبين الدول املصدرة للهجرة من الضفة الجنوبية‬

‫للمتوسط ومنها املغرب‪ ،‬هدفه إشراك هذه الدول في عملية مراقبة التدفقات‬

‫الهجروية ولعب دور الحارس الذي يحمي الحدود الخارجية لدول االتحاد عبر‬

‫اتفاقياتأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ذات طبيعة أمنية‪ ،‬مقابل الحصول على‬

‫مساعدات مالية واقتصادية‪.‬‬

‫هذه اإلجراءات فرضت إشكاالت أساسية حول استراتيجيات التوفيق بين‬

‫الرهان األمني "تحول الهجرة من ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة تهدد أمن الطرفين"‪،‬‬

‫والتحدي اإلنساني "كل املواثيق الدولية املتعلقة بحقوق اإلنسان تنص على احترام‬

‫الحقوق األساسية للمهاجرين" في سياسة التعاون بين الطرفين‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫‪P 05‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اما حجيج‪" ،‬نحو قوة اورو‪-‬متوسطية للشرطة وتسيير الحدود"‪ ،‬مجلة دفاتر‬

‫السياسة والقانون‪ ،‬العدد الثاني عشر جانفي ‪.8135‬‬

‫جواد الفرخ‪" ،‬التعاون الثنائي املغربي‪ -‬األوربي في املجال األمني"‪ ،‬تاريخ‬

‫التصفح‪-88‬‬

‫‪Laura feliumartinez، « les migrations en transit au Maroc : attitudes‬‬

‫‪et comportement de la sociétécivile face au phénomène »،l’année du‬‬

‫‪Maghreb (paris : cnrsEdition، 2009).‬‬

‫‪P 06‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور جنيب احلجيوي‬


‫أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسطات‬
‫الدكتور حجاجي احممد‬
‫باحث يف القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسطات‬

‫األهداف ذات القيمة الدستورية‪ :‬المفهوم‪،‬‬


‫األساس والوظائف‬
‫‪Objectives with constitutional value: concept, basis and functions‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫تعد عبارة «األهداف ذات القيمة الدستورية» اختراعا قضائيا بحثا‪ ،‬وليس لهذه‬

‫العبارة وجود ال في النصوص القانونية وال الدستورية‪ 177،‬إذ ظهرت ألول مرة في متن‬

‫قرار املجلس الدستوري الفرنس ي املؤرخ بتاريخ ‪ 27‬يوليوز ‪ ،3228‬في موضوع‬

‫«السمعي البصري»‪ ،‬حيث ورد في نص التعليل ما يلي‪:‬‬

‫« إن الحفاظ على النظام العام‪ ،‬واحترام حرية الغير وحماية الطابع التعددي‬
‫دستورية»‪178.‬‬ ‫للتيارات االجتماعية‪ -‬الفكرية‪ ،‬هي أهداف ذات قيمة‬

‫‪ -177‬يوسف حاش ي‪ :‬في النظرية الدستورية‪ ،‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪ ،‬منشورات الحبلي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،9002‬ص‪.893 ،‬‬
‫‪178 - C. Cons. DC 141.82 ; 27.juillet 1982, in : François Luchaire : « Brèves remarque sur une création du‬‬

‫‪conseil constitutionnel : L’objectif de valeur constitutionnelle », Revue Français de Droit Constitutionnel, n°‬‬
‫‪64, 2005/04, p. 675‬‬

‫‪P 07‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫انطالقا من هذا القرار تجلت وارتسمت هذه العبارة وأخذت كل مدركاتها‪،‬‬

‫وأصبحت جزءا من مفردات القاموس القضائي الدستوري الفرنس ي‪ .‬وعليه؛ فقد‬

‫اعتبر املجلس الدستوري الفرنس ي في قرارات الحقة أن حقوق‪ :‬حماية النظام العام‪،‬‬

‫الحق في عيش حياة عائلية طبيعية‪ ،‬حماية الصحة العامة‪ ،‬احترام حرية الغير‪،‬‬

‫مكافحة التهرب الضريبي‪ ،‬إمكانية كل فرد الحصول على سكن الئق‪ ،‬واملحافظة على‬

‫صفة التعددية لتيارات التعبير االجتماعية‪-‬الثقافية‪ ،‬تعدد الصحف اليومية لإلعالم‬

‫السياس ي العام‪ ،‬التوازن املالي‪ ،‬وسهولة فهم والوصول إلى القاعدة القانونية‪،‬‬

‫املساواة القانونية بين الرجل واملرأة في الولوج إلى الوكاالت والوظائف االنتخابية‪....‬‬
‫دستورية‪179.‬‬ ‫هي أهداف ذات قيمة‬

‫أما في التجربة الدستورية املغربية‪ ،‬فنجد أن املجلس الدستوري املغربي‬

‫(املحكمة الدستورية حاليا) قد بلور هذه العبارة وإن بصيغة مختلفة قليال عن‬

‫املجلس الدستوري الفرنس ي‪ ،‬إذ استعمل عبارة‬

‫« األهداف الدستورية»‪ ،‬وكان ذلك في أولى قراراته بعيد دخول دستور اململكة‬

‫لسنة ‪ 8133‬حيز النفاذ‪ ،‬وبالضبط في متن القرار رقم ‪ 239.8133‬حول القانون‬

‫« ‪179- De Montalivet (P) :‬‬ ‫‪Les objectifs de valeur constitutionnelle », C.C.C., n° 20, Juin, 2006, p. 4, en ce sens,‬‬
‫‪voir aussi, Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur‬‬
‫‪constitutionnelle », op.cit., p. 676 et S.‬‬
‫هنري روسيون‪" :‬املجلس الدستوري"‪ ،‬ترجمة‪ ،‬محمد وطفة‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،9000 ،‬‬
‫ص‪20 .‬‬

‫‪P 00‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حيث اعتبر كل من‪ :‬تعميم الطابع‬ ‫النواب‪180،‬‬ ‫التنظيمي رقم ‪ 89.33‬املتعلق بمجلس‬

‫الفعلي لحرية املواطنات واملواطنين واملساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة‬

‫السياسية‪ ،‬والسعي إلى تحقيق مبدإ املناصفة بين الرجال والنساء‪ ،‬وتشجيع تكافؤ‬

‫الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف االنتخابية وتوسيع وتعميم مشاركة‬

‫الشباب في التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية للبالد‪ ،‬أهداف‬

‫دستورية‪.‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬يتبين أن الفضل في ظهور هذه العبارة يعود إلى كال‬

‫املجلسان‪ ،‬سواء في فرنسا أو املغرب‪ ،‬غير أن مجاالت استعمالها يختلف‪ ،‬إذ يالحظ‬

‫أن املجلس الدستوري الفرنس ي‪ ،‬عمم هذه العبارة على مختلف امليادين‪ ،‬إذ طالت‬

‫كل من الحقوق والحريات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية واملالية‪ ،‬في‬

‫حين أن املجلس الدستوري املغربي حصرها في الحقوق والحريات السياسية‬

‫واالنتخابية‪ ،‬وبذلك يبدو أن مجال استعمالها في فرنسا واسع‪ ،‬وضيق في املغرب‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬إذا كان الفضل يرجع في بروز هذا املفهوم «األهداف ذات القيمة‬

‫الدستورية» أو «األهداف الدستورية» إلى القضاء الدستوري الفرنس ي واملغربي‪،‬‬

‫فماذا عن مفهومها؟ وأساسها والوظائف التي تؤديها؟‬

‫أوال‪ :‬األهداف ذات القيمة الدستورية‪ :‬املفهوم واملاهية‬

‫‪ -180‬قرار املجلس الدستوري رقم ‪ ،300.9000‬الصادر في ‪ 01‬من ذي القعدة ‪ 08 ( 0389‬أكتوبر ‪ ،)900‬ج‪.‬ر‪ ،.‬عدد‬
‫‪ ،1230‬بتاريخ ‪ 00‬أكتوبر ‪ ،9000‬ص‪1033 .‬‬

‫‪P 01‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بداية نشير إلى أن القضاء الدستوري الفرنس ي واملغربي لم يقدما تعريفا ملفهوم‬

‫األهداف ذات القيمة الدستورية أو األهداف الدستورية‪ ،‬إال أن هذا لم يمنع الفقه‬

‫الدستوري من التصدي لهذا املفهوم‪ ،‬خاصة الفرنس ي منه‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فكيف تعامل‬

‫الفقه مع هذا املفهوم؟ وهل اعتمد الرأي بصورة توافقية حوله؟ هذا ما سنحاول‬

‫تسليط الضوء عليه من خالل هذه الورقة البحثية‪.‬‬

‫يكاد يجمع الفقه حول صعوبة تحديد تعريف جامع مانع ملفهوم األهداف ذات‬

‫القيمة الدستورية‪ .‬وفي هذا السياق؛ أشار الوفد الفرنس ي في املؤتمر السابع للمحاكم‬

‫الدستورية األوروبية املنعقد في لشبونة عام ‪ 3229‬أن « ظهور األهداف ذات القيمة‬

‫الدستورية كان لغرض تجنب منح الطابع املطلق للمبادئ ذات القيمة‬

‫الدستورية‪ . »181‬أما األستاذ ‪ B. Faure‬فقد تساءل في البداية عما إذا كانت األهداف‬

‫ذات القيمة الدستورية تشكل مجموعة قانونية جديدة في املنظومة الدستورية‬

‫والقانونية الفرنسية؟ وقال إنها « تشكل أنماط الترابط بين املبادئ الدستورية‬

‫املختلفة‪ ،‬وأن ما يدعم وجودها هو مساهمتها في إعمال وتفعيل الحقوق والحريات‬

‫األساسية‪ ،»182‬وانضم الفقيه ‪ B. Genevois‬إلى وجهة نظر األستاذ ‪ ،Faure‬حيث‬

‫عرف األهداف ذات القيمة الدستورية « بكونها النتيجة الالزمة لتنفيذ حق معترف‬

‫‪181 - Cons. Const. « Le contrôle de constitutionnalité des normes juridiques par le Conseil constitutionnel »,‬‬

‫‪rapport présenté par la délégation française à la VIIe conférence des Cours constitutionnelles européennes‬‬
‫‪(Lisbonne, 26−30 avr. 1987), RFD adm. 1987, p. 851, souligné par : de Montalivet (P) : « Les objectifs de‬‬
‫‪valeur constitutionnelle », op.cit., p. 1‬‬
‫‪182 -Faure (B) : « Les objectifs de valeur constitutionnelle : une nouvelle catégorie juridique ? », R.F.D.C., n°‬‬

‫‪21, 1995, p.47. Et S.‬‬

‫‪P 18‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫به دستوريا من أجل البحث عن فعالية أكثر للحقوق األساسية‪ ،‬وهي بذلك بمثابة «‬

‫تأهيل» ‪ Habilitation‬منح للمشرع لغرض الحد من آثار بعض الحقوق والتوفيق‬

‫بينها‪.»183‬‬

‫أما ‪ P. Jan‬فقد اعتبر أن األهداف ذات القيمة الدستورية هي « بمثابة قواعد‬

‫أو مبادئ دستورية‪ ،‬تسمح للمشرع إضفاء بعض االستثناءات على املبادئ الدستورية‬

‫الصريحة‪ ،‬وهي بهذا املعنى‪ ،‬موجهة إلى املشرع أكثر من اإلدارة‪ ،‬ألن هذه األخيرة من‬

‫الصعب أن تقرر هذه االستثناءات بدون ترخيص من املشرع‪ .» 184‬في حين نجد الفقيه‬

‫‪ D. Rousseau‬يضع األهداف ذات القيمة الدستورية ضمن مكونات الكتلة‬

‫الدستورية‪ ،‬غير أنها في نظر الفقيه «ال تشكل قواعد وإنما هي بمثابة توجيهات‪،‬‬

‫والقصد منها تعيين تطبيق القواعد الدستورية‪ ،‬وهذا التعيين يمكن أن يكون إلزاميا‪،‬‬

‫وهي في نهاية التحليل ال تشكل قواعد في حد ذاتها‪ ،‬وبالتالي من الصعب وضعها في‬

‫أما الفقيهان ‪ L. Favoreu‬و ‪ L. Philip‬فقد‬ ‫القانونية»‪185.‬‬ ‫هرمية تراتبية القواعد‬

‫اعتقدا أن « وظيفة األهداف ذات القيمة الدستورية هي التوفيق بين املبادئ‬

‫الدستورية املتناقضة‪ ،‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ينبغي على املشرع أال يقيد املبادئ‬

‫‪183-‬‬ ‫‪La jurisprudence du Conseil constitutionnel, n° 342, in : Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une‬‬
‫‪création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur constitutionnelle », op.cit., p. 681‬‬
‫‪184 - Jan (P) : Les Petites Affiches du 26 septembre 2002, cité par : Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une‬‬

‫‪création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur constitutionnelle », op.cit., p. 681‬‬


‫‪185 - Rousseau (D) : « Droit du contentieux constitutionnel », coll. Damant droit public, delta Montchrestien,‬‬

‫‪7 éd., 2006, p. 110‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدستورية بواسطة هذه األهداف دون أن يقدم ضمانات تعادلها‪ .»186‬وتقريبا في‬

‫نفس املعنى يذهب األستاذان ‪ B. Mathieu‬و ‪ M. Verpeaux‬حينما اعتبرا «أن‬

‫األهداف ذات القيمة الدستورية أداة للتوفيق بين املبادئ الدستورية‪ ،‬وموجهة‬

‫أما األستاذ‬ ‫األفراد»‪187.‬‬ ‫للمشرع‪ ،‬ولكن ال يمكن االحتجاج بها أمام القضاء من قبل‬

‫‪ F. Luchaire‬فقد عرفها بكونها «األهداف املنشودة‪ ،‬ألن في نظره أي قانون ينطوي‬

‫على هدف أو عدة أهداف‪ ،‬إذا كان املجلس الدستوري يعترف لبعض أهداف القانون‬

‫بالقيمة الدستورية‪ ،‬فذلك لغرض التوفيق بين املبادئ والحقوق الدستورية‪ ،‬وإدخال‬

‫استثناءات على هذه األخيرة‪ .‬ولتبرير العالقة الترابطية بين املبادئ ذات القيمة‬

‫الدستورية واالستثناءات الواردة عليها‪ ،‬كان الزما االعتراف لها باألساس الدستوري‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فالهدف ذو القيمة الدستورية هو تبرير للقيود أو االستثناءات املفروضة على‬

‫تطبيق بعض القواعد واملبادئ الدستورية الصريحة‪ ،‬بشرط أال يحل هذا الهدف‬

‫محل القاعدة الدستورية أو املبدأ الدستوري الذي قيده‪ ،‬وأال يقيده بشكل سافر‪.‬‬

‫ويضيف األستاذ "لوشير" أن الهدف ليس قاعدة بحد ذاتها‪ ،‬وإنما دائما ما يرتبط‬

‫بالقاعدة أو املبدأ الدستوري‪ ،‬بمعنى آخر؛ أن الهدف يرتبط بقاعدة أو مبدأ دستوري‬

‫‪186 Favoreu (L) et Philip (L) : Les grandes décisions, n° 36, cité par : Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une‬‬

‫‪création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur constitutionnelle », op.cit., p. 681‬‬


‫‪187 - Mathieu (B) et Verpeaux (M) : Contentieux constitutionnels des droits fondamentaux, p. 275, in :‬‬

‫‪Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur‬‬
‫‪constitutionnelle », op.cit., p. 681‬‬
‫وفي نفس املعنى ال يعتبر األستاذ هنري روسيون املبادئ ذات القيمة الدستوري حقوقا أساسية وذلك لسبب بسيط‬
‫وهو أنها ليست معايير‪ ،‬انظر مرجعه‪:‬‬
‫هنري روسيون‪ :‬املجلس الدستوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪20 .‬‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫صريح‪ ،‬وهو موجه في الغالب إلى املشرع وليس لإلدارة التي ال تملك سلطة خاصة‬
‫الدستورية»‪188.‬‬ ‫النتقاص من املبادئ‬

‫وعليه؛ فقد كانت هذه أهم اآلراء الفقهية التي صيغت حول ماهية األهداف‬

‫ذات القيمة الدستورية‪ ،‬ورغم ذلك بقي هذا املفهوم غامضا‪ ،‬وخصوصا في ظل غياب‬

‫تعريف قضائي دستوري‪ ،‬ألن الزاوية التي تم من خاللها التطرق إلى هذا املفهوم‪،‬‬

‫تتمثل في الوظيفة التي تؤديها هذه األهداف‪ ،‬والتي يمكن إجماالها‪- ،‬من خالل هذه‬

‫اآلراء الفقهية‪ -‬بكونها أداة لتقييد الحقوق واملبادئ الدستورية األساسية أو للتوفيق‬

‫بين املبادئ الدستورية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األهداف ذات القيمة الدستورية‪ :‬األساس واملرتكز‬

‫إن السؤال املطروح في هذا الصدد يتمثل في ما مدى اعتبار األهداف ذات‬

‫القيمة الدستورية أو األهداف الدستورية قواعد غير مكتوبة‪ ،‬وأن القضاء‬

‫الدستوري هو مصدرها؟‬

‫في هذا السياق؛ يذهب جانب من الفقه الدستوري إلى اعتبار األهداف ذات‬

‫القيمة الدستورية بمثابة قواعد غير مكتوبة‪ ،‬وأنها من خلق املجلس الدستوري‪.189‬‬

‫غير أن هذا املوقف مردود عليه‪ ،‬ذلك لسبب بسيط‪ ،‬هو أن معظم األهداف ذات‬

‫القيمة الدستورية التي سبقت اإلشارة إليها أعاله‪ ،‬سواء في فرنسا أو املغرب تم‬

‫‪188‬‬ ‫‪- Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur‬‬
‫‪constitutionnelle », op.cit. p. 689‬‬
‫‪189 - De Montalivet (P) : « Les objectifs de valeur constitutionnelle », op.cit., p. 2‬‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اإلشارة إليها بشكل صريح في النصوص الدستورية‪ ،‬أو مضمنة في هذه النصوص‪،‬‬

‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬نجد أن هدف « إمكانية حصول كل فرد على سكن الئق» قائم‬

‫على أساس الفقرة األولى من ديباجة دستور ‪ ،3246‬التي تشكل جزء ال يتجزأ من‬

‫دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة ‪ ،3252‬وكذلك نفس الش يء بالنسية‬

‫لهدف «الحق في الحصول على العمل» فهو مضمون بموجب الفقرة الخامسة من‬

‫ديباجة دستور ‪ ،3246‬ومن جهة أخرى‪ ،‬نجد هدف « حماية النظام العام» و‬

‫« واحترام حرية الغير» منصوص عليهما في إعالن حقوق اإلنسان واملواطن لعام‬

‫‪ 3922‬الفصلين ‪8‬و‪ 4‬وهدف « مكافحة التهرب الضريبي» يجد سنده في الفصل ‪ 31‬من‬

‫إعالن ‪ ،3922‬وهدف «حماية تعددية تيارات التعبير االجتماعية‪-‬الثقافية» مضمون‬

‫بمقتض ى الفصل ‪ 33‬من إعالن عام ‪ ،3922‬وهذا نفس الش يء بالنسبة لألهداف ذات‬
‫األخرى‪190.‬‬ ‫القيمة الدستورية‬

‫ذات الش يء في املغرب‪ ،‬فاألهداف الدستورية التي أشار إليها املجلس الدستوري‬

‫املغربي في قراره السابق ورادة بشكل صريح في فصول دستور ‪ ،8133‬فهدف «تعميم‬

‫الطابع الفعلي لحرية املواطنات واملواطنين واملساواة بينهم ومشاركتهم في الحياة‬

‫السياسية»‪ ،‬منصوص عليه في الفصل ‪ 6‬من الدستور‪ ،‬وكذلك هدف « السعي نحو‬

‫تحقيق مبدإ املناصفة بين الرجال والنساء» يجد أساسه في الفصل ‪ 32‬من الدستور‪،‬‬

‫‪ -190‬ملزيد من التفاصيل حول هذا املوضوع أنظر على سبيل املثال كل من‪:‬‬
‫‪Luchaire (F) : « Brèves remarque sur une création du conseil constitutionnel : L’objectif de valeur‬‬
‫‪constitutionnelle », op.cit. Et, Pierre de Montalivet : « Les objectifs de valeur constitutionnelle », op.cit. Et‬‬
‫‪Faure (B) : « Les objectifs de valeur constitutionnelle : une nouvelle catégorie juridique ? », op.cit.‬‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وهدف «تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف االنتخابية» يجد‬

‫أساسه في الفصل ‪ 11‬من الدستور‪ ،‬أما هدف « توسيع وتعميم مشاركة الشباب في‬

‫التنمية االجتماعية واالقتصادية والسياسية للبالد» فهو منصوص عليه في الفصل‬

‫‪ 11‬من الدستور‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يستفاد من كل هذه التوضيحات سواء في فرنسا أو املغرب أن األهداف‬

‫ذات القيمة الدستورية أو األهداف الدستورية أنها ال تشكل قواعد أو مبادئ‬

‫دستورية في حد ذاتها‪ ،‬على اعتبار أن سندها يكمن في النصوص الدستورية املكتوبة‪،‬‬

‫بصيغة أخرى‪ ،‬هي شرط فعال لتطبيق القواعد واملبادئ الدستورية‪ .‬وعليه؛ فإن‬

‫تكريس األهداف ذات القيمة الدستورية يمكن إرجاعه إلى حرص املشرع الدستوري‬

‫على ضمان فعالية بعض «الحقوق والحريات الدستورية»‪ ،‬وهي بذلك ليست من‬

‫خلق القضاء الدستوري‪ ،(ex nihilo) 191‬فدور هذا األخير كما قلنا سلفا يمكن من‬

‫جهة‪ ،‬في خلق هذه «التسمية» أي هو صاحب تسمية «األهداف ذات القيمة‬

‫الدستورية»‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬يصنفها ضمن مجموعة من« القواعد» يطلق عليها‬

‫األهداف ذات القيمة الدستورية‪.‬‬

‫‪ -191‬في هذا اإلطار يقول األستاذ ‪ Faure‬إن ليس هناك مجال للمقارنة بين املبادئ العامة للقانون اإلداري واألهداف‬
‫ذات القيمة الدستورية‪ ،‬ألن األولى تم خلقها من منطلق عدم كفاية ونقص القواعد املكتوبة‪ ،‬وهي من خلق إرادة‬
‫القاض ي اإلداري‪ ،‬وهذا التعارض في األساس‪ ،‬هو الذي يوضح ضعف عدد األهداف ذات القيمة الدستورية باملقارنة‬
‫مع املبادئ العامة للقانون‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫‪Faure (B) : « Les objectifs de valeur constitutionnelle : une nouvelle catégorie juridique ? », op. Cit., p. 57‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫على هذا األساس‪ ،‬يمكن القول أن األهداف ذات القيمة الدستورية هي « قواعد‬

‫خام»‪ ،‬مستقاة من معطيات اجتماعية‪ ،‬اقتصادية أو سياسية‪ ،‬يتم تطبيقها في سياق‬

‫سياس ي واجتماعي خاصين؛ بحيث يقوم القاض ي الدستوري« بتمديد» القواعد‬

‫واملبادئ الدستورية األصلية‪ ،‬من أجل تبرير القيود أو االستثناءات املفروضة على‬

‫هذه القواعد واملبادئ الدستورية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األهداف ذات القيمة الدستورية‪ :‬الوظائف والغايات‬

‫عالوة على وظيفتها التقييدية لبعض الحقوق واملبادئ الدستورية األساسية‬

‫والتوفيق بين املبادئ الدستورية‪ ،‬تقوم األهداف ذات القيمة الدستورية بتحديد‬

‫سلوك املشرع إزاء رصد أهداف القانون‪ ،‬وهي بذلك يمكن أن تؤدي وظيفة املنع أو‬

‫اإللزام أو الترخيص‪.192‬‬

‫وعليه؛ يمكن للقاض ي الدستوري أن يراقب تجاهل املشرع لألهداف ذات‬


‫األهداف‪193،‬‬ ‫القيمة الدستورية؛ أي يمنعه من اعتماد مقتضيات قانونية ضد هذه‬

‫ويجد هذا املنع تبريره في كون أن هذه األهداف شرط لضمان فعالية الحقوق‬

‫والحريات الدستورية التي ال يمكن تجاهلها‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬يمكن للقاض ي‬

‫الدستوري أن يلزم املشرع أثناء تحديد أهداف القانون بغية تحقيق بعض األهداف‬

‫ذات القيمة الدستورية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬إذا لم يلتزم املشرع بهذه األهداف‪ ،‬فإنه سيقع‬

‫« ‪192- De Montalivet (P) :‬‬ ‫‪Les objectifs de valeur constitutionnelle », op.cit. p.5‬‬
‫‪193 - Faure (B) : « Les objectifs de valeur constitutionnelle : une nouvelle catégorie juridique ? », Op. Cit.,‬‬

‫‪p.92‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تحت طائلة عدم الدستورية‪ ،‬وذلك على أساس عدم االختصاص السلبي للمشرع‪-‬‬

‫أي االمتناع ‪ ،-‬وفي األخير يمكن للقاض ي الدستوري أن يرخص للمشرع بتقييد ممارسة‬

‫بعض الحقوق والحريات األساسية باسم تحقيق األهداف ذات القيمة الدستورية‪،‬‬
‫الدستورية‪194.‬‬ ‫ألن ممارسة هذه الحقوق تقتض ي توفيقها مع األهداف ذات القيمة‬

‫وألجل ذلك‪ ،‬فاألهداف الدستورية مدعوة لتحديد سلوك املشرع‪ ،‬خاصة عند‬

‫إعداد القانون‪ ،‬وذلك سواء باملنع أو باإللزام أو الترخيص‪ ،‬على اعتبار أن هذه‬

‫األهداف ال يمكن بلوغها إال بتدخل املشرع عن طريق سن تدابير قانونية‪ ،‬التي من‬

‫شأنها أن تحقق تلك األهداف‪ ،‬وتجدر اإلشارة في هذا اإلطار إلى أن رقابة القاض ي‬

‫الدستوري تنصب أساسا على هذه التدابير التشريعية وليس على النتائج‪ ،‬ألن املشرع‬

‫غير مقيد بتحقيق نتائج محددة سلفا‪ ،‬وهذا ما يعطي الحرية للمشرع في اختيار نوعية‬

‫التدابير التشريعية التي يراها كفيلة لبلوغ هذه األهداف‪.‬‬

‫بالعودة إلى الحالة املغربية‪ ،‬تبين أن األهداف الدستورية التي تطرقنا إليها أعاله‬

‫أتاحت للقاض ي الدستوري دعم املشرع في أهدافه‪ ،‬وذلك عن طريق إضفاء الطابع‬

‫الدستوري على التدابير التشريعية التي اختارها املشرع لبلوغ أهدافه‪ ،‬واملتمثلة في‬

‫تيسير املشاركة الفعلية في الحياة السياسية لفئات واسعة من املجتمع‪ ،‬ونخص‬

‫بالذكر النساء والشباب‪ ،‬عبر تمتيعهم بمقتضيات قانونية خاصة‪ ،‬من قبيل تخصيص‬

‫الدائرة االنتخابية الوطنية النتخابات مجلس النواب‪ ،‬وتقسيمها إلى جزأين ( ‪61‬‬

‫« ‪194- De Montalivet (P) :‬‬ ‫‪Les objectifs de valeur constitutionnelle », op.cit., p.6‬‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مقعدا للنساء و‪ 11‬مقعدا للذكور البالغين من العمر أقل من أربعين سنة‪،)195‬‬

‫باإلضافة إلى منع كل من سبق أن ترشح في مجلس النواب برسم الدائرة االنتخابية‬

‫الوطنية وكل شخص سبق انتخابه عضوا في املجلس املذكور برسم نفس الدائرة‬

‫وإحداث على صعيد النفوذ الترابي لكل جماعة أو مقاطعة دائرة‬ ‫االنتخابية‪196،‬‬

‫وذلك من أجل تحسين تمثيلية النساء‬ ‫إضافية‪197،‬‬ ‫انتخابية تسمى دائرة انتخابية‬

‫داخل مجالس الجماعات‪ ،‬وإحداث كذلك دائرتين انتخابيتين على صعيد كل عمالة‬

‫بغية تشجيع تكافؤ الفرص بين‬ ‫للنساء‪198،‬‬ ‫أو إقليم مقاطعات تخصص إحداهما‬

‫النساء والرجال في ولوج الوظائف االنتخابية في أفق تحقيق املناصفة التي تسعى‬

‫الدولة إلى بلوغها‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يتبين أن التدابير القانونية التي اتخذها املشرع قصد بلوغ أهدافه‪،‬‬

‫تنطوي على معامالت خاصة وإجراءات تمييزية‪ ،‬تتعارض في العمق مع مجموعة من‬

‫املبادئ الدستورية‪ ،‬كمبدأ املساواة‪ ،‬وحضر ومكافحة كل أشكال التمييز‪ ،‬ومبدأ حرية‬

‫االنتخاب والترشح‪ ،‬وهي بذلك تشكل استثناءات على املبادئ الدستورية املذكورة‪،‬‬

‫رغم اعتراف املجلس الدستوري لها بالقيمة الدستورية‪ ،‬إال أن هذا األخير نبه املشرع‬

‫بالطابع االستثنائي واملؤقت واملحدود لهذه التدابير‪ ،‬حيث ينبغي توقف العمل بها‬

‫‪ -195‬املادة ‪ 98‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 90.00‬املتعلق بمجلس النواب‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف‪ ،‬رقم‬
‫‪0.00.091‬الصادر بتاريخ ‪ 03‬أكتوبر ‪ ،9000‬ج‪.‬ر‪ ،.‬عدد ‪ ،1230‬بتاريخ ‪ 90‬نوفمبر ‪.9000‬‬
‫‪ -196‬املادة ‪ 01‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 90.00‬املتعلق بمجلس النواب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -197‬املادة ‪ 038‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 12.00‬املتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬الصادر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ ،0.00.008‬بتاريخ ‪21‬نوفمبر ‪ ،9000‬ج‪.‬ر‪ ،.‬عدد ‪ 5997‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪22‬نوفمبر ‪.9000‬‬
‫‪ -198‬املادة ‪ 09‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 12.00‬املتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪P 10‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بمجرد تحقيق األهداف التي بررت اللجوء إليها‪ .‬الش يء الذي أدى باملجلس الدستوري‬

‫التصريح في موضع أخر بعدم دستورية بعض املقتضيات التي ترمي إلى تخصيص‬

‫نسبة مسبقة ألحد الجنسين في العضوية باملحكمة الدستورية‪ ،199‬معتبرا ذلك من‬

‫جهة أولى أمرا مخالفا ملبدأ املساواة بين الجنسين في تقلد الوظائف العمومية‪ ،‬ومن‬

‫ناحية ثانية‪ ،‬أن العضوية باملحكمة الدستورية أحاطها املشرع الدستوري بشروط‬

‫صارمة وجوهرية‪ 200،‬وهي شروط ال تسمح بتخصيص نسب مسبقة سواء تعلق األمر‬

‫بالرجال أو النساء‪ ،‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬أن إمكانية ضمان تحسين تمثيلية النساء في‬

‫العضوية باملحكمة الدستورية‪ ،‬يمكن أن يأتي من خالل االقتراح والترشيح‪.‬‬

‫يفيد هذا التعليل األخير‪ ،‬أنه وإن كان املشرع في إطار األهداف الدستورية يملك‬

‫حرية اختيار نوعية التدابير القانونية التي يرتضيها سبيال لبلوغ أهدافه‪ ،‬فإنها باملقابل‪،‬‬

‫هي وسيلة بيد القاض ي الدستوري للتأثير على أهداف املشرع‪ ،‬وذلك سواء عن طريق‬

‫منع املشرع من سن تدابير تشريعية متعارضة مع املبادئ الدستورية ‪ –201‬حالة‬

‫‪ -199‬قرار املجلس الدستوري رقم ‪ ، ،238.03‬الصادر بتاريخ ‪ 91‬يوليوز ‪ ،9003‬ج‪.‬ر‪ ،.‬عدد ‪ ،9130‬بتاريخ ‪ 00‬غشت‬
‫‪ ،9003‬ص‪9803 .‬‬
‫‪ -200‬أنظر الفصل ‪ 080‬من دستور ‪9000‬‬
‫‪ -201‬في نفس السياق أبطل املجلس الدستوري بعض مقتضيات النظام الداخلي للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي املحال عليه بتاريخ ‪ 03‬فبراير ‪ ،9001‬حينما نصت على تخصيص مقعدين في مكتب هذا املجلس ومقعد رئيسة‬
‫لجنة ومقعد مقرر لجنة أخرى للنساء‪ ،‬معلال ذلك‪ ،‬بأن التدابير التي ترمي إلى تشجيع تمثيلية تشجيع تكافؤ الفرص بين‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬تقتصر فقط على الوظائف االنتخابية الوطنية ومجالس الجماعات الترابية‪ ،‬أما دون سواها فيتعين‬
‫على الفئات املمثلة داخل املجلس ترشيح النساء والرجال معا لهذه املناصب‪ ،‬انظر قرار رقم ‪ ،213.01‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 09‬مارس ‪ ،9001‬ج‪.‬ر‪ ،.‬عدد ‪ ،9839‬بتاريخ ‪ 09‬مارس ‪ ،9001‬ص‪0932 ،‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العضوية باملحكمة الدستورية ‪ -‬أو الترخيص له باتخاذ تدابير قانونية متعارضة مع‬

‫املبادئ الدستورية‪.‬‬

‫‪P 188‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫يوسف حاش ي‪ :‬في النظرية الدستورية‪ ،‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪ ،‬منشورات‬

‫الحبلي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت ‪.8112‬‬

‫هنري روسيون‪" :‬املجلس الدستوري"‪ ،‬ترجمة‪ ،‬محمد وطفة‪ ،‬املؤسسة‬

‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪.8113 ،‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور يوسف الزوجال‬


‫دكتور يف احلقوق وحمام بهيئة طنجة‬

‫مقاربة المادة ‪ 342‬من القانون رقم ‪ 12-13‬وفق األسس‬


‫الشرعية والنظريات الفقهية واالجتهادات القضائية‬
‫‪Objectives with constitutional value: concept, basis and functions‬‬
‫‪Approaching Article 149 of Law No. 31-08‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫يأخذ القانون ‪ 31.08‬بيد الفرد في استهالكه من بداية العملية االستهالكية إلى‬

‫نهايتها بحيث يحرص على تقويم سلوكه من خالل ترشيد تصرفاته كما سبق اإلشارة‬

‫إلى ذلك‪ ،‬وقاية من مختلف األضرار التي قد تلحق به من جراء عدم االنضباط لتلك‬

‫القواعد املسطرة شرعا كإجراءات رقابية وحمائية لذاته‪ ،‬ألن الخضوع لهذه األخيرة‬

‫تعود عليه بالنفع الكبير‪.‬‬

‫فالرقابة الذاتية للفرد املسلم باعتباره مستهلكا تضمن تفادي الوقوع في‬

‫املديونية أيضا ‪ endettement‬واملديونية املفرطة ‪ ،surendettement202‬التي تنتج‬

‫‪ 202‬عرف البعض مفهوم المديونية المفرطة على النحو االتي‪:‬‬

‫‪P 182‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عن تغير نمط العيش‪ ""،‬فالتغيير الذي طال بنية االستهالك لدى املغاربة شكل ولو‬

‫بكيفية نسبية مؤشرا مهما على تطور املستوى املعيش ي ونمط العيش‪ ،‬فقد تقلصت‬

‫اليوم حصة اإلنفاق الغذائي‪ ،‬بينما مثلت سنوات الستينات مرحلة الوفرة‬

‫االستهالكية لدى الساكنة‪ .‬أما املصاريف األخرى املرتبطة بالتجهيز والترفيه‪ ،‬فقد‬

‫عرفت تضاعفا ملحوظا‪ ،‬كما أن تحسين املستوى العام للمعيشة والذي واكبه تطور‬

‫التمدرس‪ ،‬قد أدى خاصة في املدن إلى الركون إلى نوع من االستهالكية‪ ...‬ومن زاوية‬

‫االستهالك العام لألسر‪ ،‬تم تسجيل حصول تحسن في مستوى نفقات كل فرد‪ ،‬مع‬

‫مراعاة ما عرفت هذه النفقات من تغيير‪ ،‬ذلك أنه وبغض النظر عن ما هو قائم‬

‫لحد اآلن من سلوكات االستهالك الذاتي واإلنتاج املنزلي واملبادالت غير النقدية فإن‬

‫معدل اإلنفاق لكل فرد قد ارتفع‪ .‬وفي غياب معطيات حول مداخيل األسر‪ ،‬فإن‬

‫مستوى عيشها يظل موضوع مقاربة غير مباشرة عن طريق معرفة حجم استهالكها‪،‬‬

‫إال أن هذا التطور قد تقلص بفعل التدني الذي عرفته القدرة الشرائية لألسر‬

‫املغربية خالل بعض فترات التضخم‪.203 "...‬‬

‫‪«« un individu est surendetté dès lors qu’il est âgé d’au moins 18 ans, que lui seul et/ou l’un des‬‬
‫‪membres majeurs de la solidarité budgétaire à laquelle il appartient sont redevables de dettes et que‬‬
‫‪la capacité de remboursement de cette solidarité budgétaire, c’est-à-dire le revenu subsistant après‬‬
‫‪déduction des dépenses incompressibles assurant un niveau de vie décent à la solidarité budgétaire et‬‬
‫‪aux éventuelles personnes dont elle a la charge, devient inférieure de manière durable à la dépense à‬‬
‫» ‪effectuer pour satisfaire l’ensemble des engagements.‬‬
‫‪REBIERE (N) « Les surendettés Définition, dénombrement, caractéristiques et dynamique de la sous-‬‬
‫‪population : application au cas français » , Th Doctorat UNIV MONTESQUIEU – BORDEAUX IV, 2006‬‬
‫‪p : 20.‬‬
‫‪203‬‬
‫تقرير الخمسينية المعنون "المغرب الممكن‪ ،‬إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك"‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،5116 ،‬ص ‪.72 :‬‬

‫‪P 183‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و االستدانة كما هو معلوم منهي عنها في الشريعة االسالمية بدليل قول الرسول‬

‫صلى هللا عليه وسلم "" أعوذ باهلل من الكفر و الدين '' فقال رجل يا رسول هللا‬
‫‪204‬‬ ‫أتعدل الكفر بالدين؟ ’ قال نعم '''‬

‫و جاء في حديث اخر عن الرسول صلى هللا عليه وسلم "" ال تخيفوا أنفسكم‬

‫بعد أمنها "" قالوا وماذاك يارسول هللا؟ قال "" الدين"" ‪ 205‬كما أوص ى النبي عليه‬

‫الصالة و السالم رجال "" أقل من الذنوب يهن عليك املوت وأقل من الدين تعش حرا‬
‫‪206‬‬ ‫""‬

‫و هكذا غالبا ما قد يقع املستهلك إثر تصرفاته القانونية التي يبرمها‪ ،‬في موقف‬

‫غير عادي وهو أن يصبح مدينا للمنهي وبالتالي يكون مطالبا بسداد دينه في األجل‬

‫املحدد في العقد‪ 207‬أو في القانون وإال اعتبر في وضعية تماطل التي تناولها ق‪.‬ل‪.‬ع‬

‫و قد عمل بعض الدارسين على وضع معايير موضوعية و داتية لتوضيح ماهية المديونية المفرطة بحيث عبر عن دلك بقوله‪:‬‬
‫‪« les critères offrant une vision extensive du surendettement sont traditionnellement subdivisés en‬‬
‫‪deux groupes (dont les intitués paraissent quelque peu source à confusion mais conservés ici en‬‬
‫‪raison de leur usage courant) :‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Les critères dits objectifs : sous entendu définis mathématiquement ou quaifiant un évènement‬‬
‫‪précis. Le premier de ces critères venant à l’esprit est l’incident de paiement….En matière‬‬
‫‪immobilière, on considère par exemple qu’il y a surendettement si l‘endettement dépasse trois‬‬
‫‪années de revenus.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Les critères dits subjectifs : la sous popuation des surendettés pourrait être définie comme‬‬
‫‪l’ensemble des individus qui se considèrent comme surendettés. Ce serait une caractérisation‬‬
‫‪de type auto-identification….on pourrait également déterminer qu’un individu est surendetté si‬‬
‫‪le renboursement de ses dettes le fait vivre au dessous d’un niveau de vie acceptable ».‬‬
‫‪REBIERE (N) Th, op.cit, p : 18-19.‬‬
‫‪ 204‬رواه النسائي و الحاكم‬
‫‪ 205‬رواه احمد و ابو داود‬
‫‪ 206‬رواه البيهقي‬
‫‪207‬‬
‫انظر في هدا االتجاه قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم‪ 5111/ 1151‬بتاريخ ‪ 5111/05/51‬منشور بالموقع‬
‫االلكتروني ‪ www.cabinetbassamat.ma :‬الدي جاء فيه " حيث تتمسك الطاعنة بخرق الحكم المستأنف لمقتضيات الفصلين ‪571‬‬

‫‪P 184‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املغربي في الفصول من ‪ 854‬إلى ‪ ،869‬إذ اعتبر أن املدين يكون في حالة مطل إذا‬

‫تأخر عن تنفيذ التزامه كليا أو جزئيا من غير سبب معقول‪ 208‬أو بمجرد حلول األجل‬

‫املقرر في السند املنش ئ لاللتزام‪.209‬‬

‫و بناء عليه للدائن الحق في إجبار املدين املماطل على تنفيذ االلتزام مادام‬

‫تنفيذه ممكنا‪ ،‬فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد وله الحق في‬

‫و ‪ 160‬من ق ل ع‪ ،‬حين اقتصر على الحكم على المستأنف عليه بأداء قسط من الدين و الحال أن استحقاق الطاعنة لمجموع الدين المبين‬
‫في المقال االفتتاحي للدعوى مستمد من شروط العقد‪ ،‬و كذا حين شمل الدين بالفوائد القانونية من تاريخ الطلب عوض الفوائد االتفاقية‬
‫المحددة بمقتضى العقد في سعر ‪ 05 %‬من تاريخ قفل الحساب‪ ،‬و بأن التعويض المحكوم به ابتدائيا ال يغطي حجم الضرر الالحق بها‪.‬‬

‫و حيث أن الثابت من عقد القرض المبرم بين المستأنفة و المستأنف عليه أن هذا األخير تم منحه قرضا بمبلغ ‪ 221.111011‬درهم و انه‬
‫تم االتفاق على أدائه على شكل أقساط عددها ‪ 16‬قسطا بمبلغ ‪ 1.161031‬درهم لكل قسط شامل للفوائد بنسبة ‪ % 00‬سنويا‪.‬‬
‫و حيث أن الثابت من الحكم المستأنف أن محكمة الدرجة األولى اقتصرت في الحكم على المستأنف عليه أدائه مبلغ القرض و المحدد في‬
‫مبلغ ‪ 221.111011‬درهم دون الفوائد االتفاقية إضافة إلى مبلغ القرض المحكوم به ابتدائيا و التي وجب فيها مبلغ ‪ 61.211011‬درهم‪،‬‬
‫الشيء الذي يتعين معه تبعا لذلك رفع مبلغ الدين المحكوم به من قبل أصل الدين إلى مبلغ ‪ 601.211011‬درهم "‪.‬‬

‫‪ 208‬ينص الفصل ‪ 521‬ق ل ع على أنه "يكون المدين في حالة م ْ‬


‫َطـل‪ ،‬إذا تأخر عن تنفيذ التزامه‪ ،‬كليا أو جزئيا‪ ،‬من غير سبب مقبول "‪.‬‬

‫ينص الفصل ‪ 522‬ق ل ع على ما يلي " يصبح المدين في حالة م ْ‬ ‫‪209‬‬
‫َطـل بمجرد حلول األجل المقرر في السند المنشئ لاللتزام‪.‬‬

‫فإن لم يعين لاللتزام أجل‪ ،‬لم يعتبر المدين في حالة م ْ‬


‫َطـل‪ ،‬إال بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين‪ ،‬ويجب أن‬
‫يتضمن هذا اإلنذار‪:‬‬

‫‪ - 0‬طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول؛‬

‫‪ - 5‬تصريحا بأنه إذا انقضى هذا األجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين‪.‬‬

‫ويجب أن يحصل هذا اإلنذار كتابة‪ ،‬ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير‬
‫مختص "‪.‬‬

‫و تطبيقا لهدا النص قضى المجلس األعلى بما يلي‪ " :‬حيث إنه لما كان الوعد بالييع المؤرخ في ‪ 5116/05/56‬تحت ما أسماه بالشروط‬
‫الواقفة تضمن التزامات متبادلة بين الطرفين المتعاقدين فالبائع تحمل التزامات الحصول على رخصة السكنى وتحيين الرسم العقاري‬
‫والحصول على رفع اليد من كل التكاليف المتقل بها العقار المبيع ‪ ،‬والمشتري يتحمل التزام أداء الثمن بكل الوسائل المتاحة ‪ ،‬وكل هذه‬
‫االلتزامات المتقابلة اتفق الطرفان المذكوران على تنفيذها معا داخل أجل ينتهي ‪ 17/7/70‬لكنهما توانيا عن تنفيذها األمر الذي يعتبر‬
‫تنازال ضمنيا منهما عن هذا األجل بحيث يصبح غير محدد المدة وال يكون أي من الطرفين في حالة مطل إال إذا أنذر من جديد من لدن‬
‫الطرف اآلخر من أجل تنفيذ التزامه بأجل بقي بدون جواب ومحكمة االستئناف لما استجابت لطلب المطعون ضده الرامي إلى إتمام‬
‫إجراءات البيع تكون قد طبقت مقتضيات الفصل ‪ 522‬من قانون االلتزامات والعقود الذي يستلزم مطل المدين لرفع الدعوى لكنها لم‬
‫تتعرض في قرارها إلى ما إذا كان الطا عن (المدين) كان متماطال قبل مباشرة دعوى المطعون ضدها في تنفيذ التزامه من عدمه فكان‬
‫قرار ناقص التعليل ومعرضا للنقض‪" .‬‬
‫قرار المجلس األعلى رقم ‪ 2370‬صادر بتاريخ ‪ 53‬دجنبر ‪ 5100‬ملف ع ‪ 1615/1/7/2010‬منشور بالموقع االلكتروني‬
‫‪www.cabinetbassamat.com‬‬

‫‪P 185‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التعويض في الحالتين‪ 210‬ألن التعويض يستحق إما بسبب عدم الوفاء بااللتزام وإما‬

‫بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب املدين‪.211‬‬

‫و هكذا يصبح املستهلك أمام حالة عدم تنفيذ التزامه التي تعرضه‬

‫للمسؤولية‪ 212‬إذ يترتب التماطل إما بتعمد املستهلك في عدم نيته االلتزام بما قام به‬

‫وإما عن غير قصد وجهله وعدم اقتصاده في االستهالك وفق املقاصد الشرعية التي‬

‫تقتض ي االعتدال والوسطية كما تم بيانه آنفا‪.‬‬

‫ففي قرار للمجلس األعلى‪ 213‬نجد ما يلي‪ " :‬بناء على الفصول ‪ 854‬و‪ 855‬و‪852‬‬

‫من قانون االلتزامات والعقود بان املدين يصبح في حالة مطل بمجرد حلول االجـل‬

‫كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ االلتزام‪ ،‬مادام تنفيذه‬ ‫م ْ‬


‫َطـل‪210‬‬ ‫‪ 210‬ينص الفصل ‪ 521‬ق ل ع على أنه " إذا كان المدين في حالة‬
‫ممكنا‪ .‬فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد‪ ،‬وله الحق في التعويض في الحالتين‪.‬‬

‫إذا أصبح تنفيذ االلتزام غير ممكن إال في جزء منه‪ ،‬جاز للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي مازال ممكنا‪ ،‬وإما فسخه‬
‫وذلك مع التعويض في الحالتين‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك تطبق القواعد المقررة في األبواب المتعلقة بالعقود الخاصة‪.‬‬

‫ال يقع فسخ العقد بقوة القانون‪ ،‬وإنما يجب أن تحكم به المحكمة "‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫ينص الفصل ‪ 567‬ق ل ع على ما يلي " يستحق التعويض‪ ،‬إما بسبب عدم الوفاء بااللتزام‪ ،‬وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك‬
‫ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين "‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫يعتبر أحد الفقهاء المغاربة أن مطل المدين هو مرادف لعدم تنفيذ العقد ويتخذ صورة له بقوله ‪:‬‬
‫‪"L'hypothèse de l'inexécution apparaît ainsi comme une anomalie, comme une hypothèse pathologique‬‬
‫‪contraire à la norme, aux engagements pris, à la parole donnée : le débiteur n'a pas fait ce qu'il devait‬‬
‫‪faire, il n'a pas respecté ses engagements et le créancier n'a pas obtenu ce qu'il attendait du contrat.‬‬
‫‪L'inexécution est aussi attentatoire au droit notamment à la force obligatoire du contrat… car la force‬‬
‫‪obligatoire n'aurait aucune signification si les contractants pouvaient se dérober impunément à leurs‬‬
‫‪obligations. Le créancier de l'obligation inexécutée doit donc disposer de moyens lui permettant d'agir‬‬
‫‪contre le débiteur défaillant ou récalcitrant et de fait, le droit met à sa disposition divers moyens pour‬‬
‫‪faire face à cette situation".‬‬
‫‪- AZZIMAN (O) : op.cit, p : 259.‬‬
‫‪213‬‬
‫بتاريخ ‪ 71‬أبريل ‪ 7811‬ملف ع ‪ 81077‬منشور بمجموعة قرارات المجلس األعلى في المادة‬ ‫قرار رقم ‪7711‬‬
‫المدنية بمناسبة الدكرى الخمسينية لتأسيسه مركز النشر و التوثيق ‪ 7001‬ص ‪. 758‬‬

‫‪P 186‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املتفق عليه التنفيذ االلتزام ويكون للدائن في هذه الحالة الحق بين اجباره على‬

‫التنفيذ العيني مادام ممكنا وبين طلب الفسخ‪ ،‬اما اذا كان التنفيذ غير ممكن فال‬

‫يبقى له اال طلب الفس‪....‬‬

‫حيث يعيب الطاعن القرار بخرق القانون لكون املحكمة قضت عليه باتمام‬

‫البيع وبرفض طلب الفسخ املضاد دون ان تلتفت الى حالة املطل التي كان عليها‬

‫املشتري وان الوعد بالبيع ينص على وجوب اداء باقي الثمن في اخر شهر يوليوز ‪3295‬‬

‫وان املشتري لم يؤد بقية الثمن وان الفصل ‪ 854‬من قانون االلتزامات والعقود ينص‬

‫على ان املدين يكون في حالة مطـل اذ تاخر في تنفيذ التزامه كال او بعضا كما ان‬

‫الفصل ‪ 852‬منه يخول للدائن الحق في حال املطل ان يطلب فسخ العقد وان هذا‬

‫ما فعله هو اال ان املحكمة لم تستجب لطلبه‪.‬‬

‫حقا لقد تبين صحة ما نعاه الطاعن من ان العقد املبرم بينه وبين املدعي‬

‫املشتري ينص على وجوب اداء بقية الثمن في متم شهر يوليوز ‪ 3295‬وطبقا للفصلين‬

‫‪ 854‬و‪ 855‬فان هذا املشتري اصبح في حالة مطل بمجرد عدم اداء بقية الثمن في‬

‫االجل املتفق عليه من دون ضرورة سابق انذار وان الفصل ‪ 852‬املوالي للفصلين‬

‫املذكورين يعطي للبائع في هذه الحالة الحق في ان يطلب اما تنفيذ االلتزام مادام‬

‫ذلك ممكنا او الفسخ اما اذا اصبح التنفيذ غير ممكن فال يبقى له اال طلب الفسخ‬

‫وان املحكمة اختلط عليها الحال بين هذه املقتضيات التي تبيح الفسخ جزاء املطل‬

‫ولو لم يكن هناك شرط فاسخ وبين الفسخ الشرطي املنصوص عليه في الفصل ‪861‬‬

‫‪P 187‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الذي يقع في هذه الحالة بقوة القانون ملجرد معانية تحقق واقعة الشرط الفاسخ‬

‫واعتبرت ان البائع لم يطالب بفسخ العقد في حين انه طلبه‪ ،‬وقالت بانه كان على‬

‫البائع ان ينفذ التزامه وانه ملا لم يفعل فـان التزامات املشتري توقفت نحوه في حين‬

‫انه ملا كان العقد يلزم املشتري بان يدفع اوال فان الفصل ‪ 115‬من قانون املسطـرة‬

‫املدنية يمنع عليه ان يدفع بعدم التنفيذ بل هو يجبر على التنفيذ اوال في االجل‬

‫املتفق عليه تحت طائلة فسخ العقد ثم يطالب فيما بعد بتنفيذ االلتزام املقابل و‬

‫أن املحكمة ملا بتت في الدعوى على هذا النحو تكون قد خرقت احكام القانون وبنت‬

‫قضاءها على غير اساس وعرضت قرارها للنقض‪".‬‬

‫و في نفس السياق قضت املحكمة التجارية بالدار البيضاء‪ 214‬بما يلي‪ " :‬حيث‬

‫إن الطلب يرمي إلى الحكم على املدعى عليه بأداء مبلغ ‪ 822.211,31‬درهم مع الفوائد‬

‫البنكية وتعويض عن التماطل مع النفاذ املعجل والصائر واإلكراه البدني في‬

‫األقص ى‪.‬‬

‫و حيث دفع املدعى عليه بأن الدين املتخلذ بذمته ينحصر في مبلغ ‪392.382,69‬‬

‫درهما وأنه ال يمانع في أدائه بل أنه على استعداد ألداء األقساط الحالة مع االستمرار‬

‫في أداء األقساط املتبقية لغاية استنفادها وذلك بالفوائد املتفق عليها‪.‬‬

‫و حيث إنه بالرجوع إلى العقد الرابط بين الطرفين فإنه ينص على أن الدين‬

‫يصبح حاال برمته في حالة مغادرة املقترض للعمل‪.‬‬

‫‪ 214‬حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم ‪ 2001/10164‬صادر بتاريخ ‪ 13‬نونبر‪ 5110‬ملف ع ‪ 1973/01‬منشور بالموقع‬
‫االلكتروني ‪www.cabinetbassamat.ma‬‬

‫‪P 180‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و حيث إن املدعى عليه يقر أنه غادر العمل مما يجعل الدين قد أصبح حاال‬

‫وبالتالي فإن تمسكه باالستمرار في أداء الدين في اآلجال والفائدة املتفق عليها ال ترتكز‬

‫على أساس ويتعين استبعادها‪.‬‬

‫و حيث إن الدين ثابت بمقتض ى كشف حسابي يتوفر على حجية ويوثق‬

‫بالبيانات الواردة به طبقا للفصل ‪ 316‬من ظهير ‪ 16/19/21‬ولم يكن محل منازعة‬

‫من طرف املدعى عليه مما يجعل املديونية ثابتة في ذمته ويتعين الحكم عليه باألداء‪.‬‬

‫و حيث إن املدعى عليه لم يؤد ما بذمته رغم توصله باإلنذار املوجه له مما‬

‫يجعله في حالة مطل ويتعين الحكم عليه بتعويض"‪.‬‬

‫و حتى في فرضية مديونية الفرد املسلم وعدم احترامه لتلك الضوابط الشرعية‬

‫املحددة في اإلنفاق واالستهالك‪ ،‬فإن اإلسالم كان حكيما ورؤوفا بهذا األخير‪ ،‬ودعا‬

‫الطرف اآلخر إلى مراعاة ظروفه ومركزه ومنحه فرصة إضافية لتحمل التزاماته‬

‫التعاقدية وتنفيذها كما تم االتفاق على ذلك في العقد املبرم بينهما طبقا ملا يسمى‬

‫فقها "نظرية امليسرة" التي تجد دليلها الشرعي في القرآن الكريم من خالل قوله تعالى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نف ْق ذو َس َع ٍة ِمن َس َع ِت ِه َو َمن ق ِد َر‬ ‫ُ‬
‫‪ :‬فنظرة إلى ميسرة‪ 215.‬و قوله تعالى أيضا‪{ِ :‬لي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ ْ ُ ُ َ ْ ُ ْ َّ َ ُ َّ ُ ُ َ ُ َّ‬
‫الل ُه َن ْف ًسا إ َّال َما َآت َ‬
‫اها َس َي ْج َع ُل الل ُه َب ْع َد‬ ‫ِ‬ ‫علي ِه ِرزقه فلي ِ‬
‫نفق ِمما آتاه الله ال يك ِلف‬

‫ُع ْس ٍر ُي ْس ًرا}‪.216‬‬

‫‪ 215‬سورة البقرة اآلية ‪.511‬‬


‫‪ 216‬سورة الطالق االية‪3:‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و قد تم األخذ بها في التشريع املغربي وتطبيقها في جوانب عديدة‪ ،‬إذ تناولتها‬

‫والقوة‬ ‫الطارئة‪217‬‬ ‫عند التطرق إلى املقتضيات العامة املرتبطة بحاالت الظروف‬

‫القاهرة‪ 218‬واإلكراه البدني فضال عن التدكير بمبدأها في الفصل ‪ 382‬ق‪.‬ل‪.‬ع " ال‬

‫يسوغ للقاض ي أن يمنح أجال أو أن ينظر إلى ميسرة‪ ،‬ما لم يمنح هذا الحق بمقتض ى‬

‫االتفاق أو القانون‪.‬‬

‫إذا كان األجل محددا بمقتض ى االتفاق أو القانون‪ ،‬لم يسغ للقاض ي أن يمدده‪،‬‬

‫ما لم يسمح له القانون بذلك "‪.‬‬

‫و تعتبر نظرية الظروف الطارئة ‪ théorie de l’imprévision‬نظرية حديثة‬

‫بالنسبة للقوانين الوضعية‪ ،‬التي استمدتها من قواعد الشريعة اإلسالمية‪ .‬فاألصل‬

‫‪ 217‬حول هذه النظرية وشروط تطبيقها‪ ،‬أنظر ‪:‬‬


‫في القانون المغربي ‪:‬‬
‫‪ -‬جميلة العماري ‪" :‬مدخل إلى القانون المقارن"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.33-23 :‬‬
‫‪ -‬أسامة عبد الرحمان ‪" :‬نظرية العذر وآثارها على االلتزام التعاقدي"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪.0111 ،‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور ‪" :‬نظام التعاقد ونظريتا الظروف الطارئة والقوة القاهرة"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،0117 ،‬ص ‪.065 :‬‬
‫‪ -‬محمد بونبات ‪" :‬نظرية الظروف الطارئة بين األخذ والرد في المغرب"‪ ،‬سلسلة اآلفاق القانونية‪ ،‬رقم ‪ ،7‬مطبعة الوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،5111-0111 ،‬ص ‪ 25 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫وفي القانون المقارن ‪:‬‬
‫‪ -‬رشوان حسن رشوان أحمد ‪" :‬أثر الظروف االقتصادية على القوة الملزمة للعقد"‪ ،‬دار الهاني للطبع‪ ،‬ط‪.0111 ،0‬‬
‫‪ 218‬عرف الفصل ‪ 561‬ق‪.‬ل‪.‬ع القوة القاهرة على أنها ‪" :‬كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقعه‪ ،‬كالظواهر الطبيعية (الفيضانات‬
‫والجفاف‪ ،‬والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة‪ ،‬ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال‪ ،‬قد تفيد‬
‫المستهلك في حالة ما إذا أثبت أن السبب المؤدي إلى عدم تنفيذ العقد يعود إليه‪ ،‬بل هو عامل خارجي غير متحكم فيه ويفوق طاقته‬
‫البشرية وأنه قام بكل ما يلزم من عناية واحتياط لتجنب الحادث‪.‬‬
‫حول هذه النظرية‪ ،‬راجع ‪:‬‬
‫في القانون المغربي ‪:‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور ‪" :‬نظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.0117 ،‬‬
‫‪ -‬فاطمة أسحاق ‪" :‬آثار القوة القاهرة على االلتزام العقدي في القانون المغربي والمقارن"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون المدني‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،5116-5112 ،‬ص ‪ 021 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬خالد عبد هللا عيد ‪" :‬نظرية القوة القاهرة بين الفقه والقانون"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪.0132 ،‬‬
‫وفي القانون المقارن ‪:‬‬
‫‪- ANTONMATTEI (PH) : "contribution à l'étude de la force majeure", LGDJ, 1992.‬‬

‫‪P 118‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن يفي الشخص في األحوال العادية بالعقد املتفق عليه مع الطرف اآلخر بحيث‬

‫يكون ملزما وغير معفى من املسؤولية غير أنه بحكم ظروف خارجة عن إرادته‪ ،‬يصبح‬

‫مدينا وال يستطيع معها الوفاء وتنفيذ االلتزام بسبب إرهاقه رغم ما قد يحمله ذلك‬

‫األمر أو الظرف الطارئ من خسارة له وللطرف الدائن‪.‬‬

‫و من هنا بدأت اتجاهات فقهية وقضائية‪ 219‬تدعو إلى تعديل العقد بناء على‬

‫القواعد اإلسالمية والعرفية التي يمكن أن تدخل في إطار نظرية العذر‪ ،‬أو الجائحة‪.‬‬

‫وقد اشار اليها القانون ‪ 31.08‬في املادة ‪ 149 220‬بشكل حصري عند معالجته لالمهال‬

‫القضائي في حالة توقف املستهلك عن دفع مستحقات املؤسسة البنكية املانحة‬

‫‪ 219‬انظر على سبيل المثال قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم‪ 0011‬صادر بتاريخ ‪ 0116/16/17‬منشور بمجلة القانون المغربي‬
‫ع ‪ 07‬يوليوز‪-‬غشت ‪ 0113‬الدي جاء فيه " وحيث إن نظرية الظروف الطارئة تؤكد أنه ليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى القضاء طلبا‬
‫لتطبيق حكم الظروف الطارئة‪.‬‬

‫حيث إن مطل المدين تسبب للدائن في خسارة يجب أن تعوض‪ ،‬ذلك أن سعر الفرنك الفرنسي يعرف ارتفاعا أو انخفاضا وبالتالي فإنه من‬
‫العدالة االستجابة لالستئناف الفرعي وذلك بتحويل أصل الدين يوم التنفيذ على أساس السعر الذي تكون عليه العملة الفرنسية‪.‬‬

‫وحيث إن الفوائد يجب أن يتم احتسابها لكل سنة وعلى ضوء القيمة الحقيقية للفرنك الفرنسي من خالل كل سنة إذ ال يعقل احتسابها على‬
‫أساس سعر يوم التنفيذ سواء ارتفع الفرنك الفرنسي أو انخفض‪.‬‬

‫وحيث يجب بناء على ذلك تأييد الحكم االبتدائي في مبدإ األداء لكن بما يوازي المبلغ المطلوب بالعملة الوطنية يوم التنفيذ "‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫و المالحظ أن المادة ‪ 011‬من القانون رقم ‪ 70.11‬تم نقلها حرفيا من الفصل ‪ L313-12‬من دونة االستهالك الفرنسية الدي نص‬
‫على ما يلي‪:‬‬

‫‪Art L313-12 .C.Cons. « L'exécution des obligations du débiteur peut être, notamment en cas de‬‬
‫‪licenciement, suspendue par ordonnance du juge d'instance dans les conditions prévues aux articles‬‬
‫‪1244-1 à 1244-3 du code civil. L'ordonnance peut décider que, durant le délai de grâce, les sommes‬‬
‫‪dues ne produiront point intérêt.‬‬

‫‪En outre, le juge peut déterminer dans son ordonnance les modalités de paiement des sommes qui‬‬
‫‪seront exigibles au terme du délai de suspension, sans que le dernier versement puisse excéder de plus‬‬
‫‪de deux ans le terme initialement prévu pour le remboursement du prêt ; il peut cependant surseoir à‬‬
‫‪statuer sur ces modalités jusqu'au terme du délai de suspension ».‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للقرض بقوله‪ "" :‬بالرغم من احكام الفقرة ‪ 2‬من الفصل‪ 243‬من الظهير الشريف‬

‫الصادر في ‪9‬رمضان ‪) 12 1331‬اغسطس ‪ (1913‬بمثابة قانون االلتزامات و العقود‬

‫يمكن والسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة ان يوقف‬

‫تنفيذ التزامات املدين بأمر من رئيس املحكمة املختصة ويمكن أن يقرر في االمر على‬

‫ان املبالغ املستحقة ال تترتب عليها فائدة طيلة مدة املهلة القضائية‪.‬‬

‫يجوز للقاض ي عالوة على ذلك ان يحدد في االمر الصادر عنه كيفيات اداء‬

‫املبالغ املستحقة عند انتهاء أجل وقف التنفيذ دون أن تتجاوز املبالغ املستحقة عند‬

‫انتهاء اجل وقف التنفيذ دون ان تتجاوز الدفعة االخيرة االجل االصلي املقرر لتسديد‬

‫القرض بأكثر من سنتين غير أن له أن يؤجل البت في كيفيات التسديد املذكور الى‬

‫حين انتهاء اجل وقف التنفيذ ""‬

‫و في اعتقادي كان األحرى أن يتم تعميم هذا املقتض ى على كافة العقود‬

‫االستهالكية عوض تقييد نطاق تطبيقه بجعله استثنائيا يهم القرض فحسب‪ .‬ومع‬

‫ذلك أرى أنه ال مانع أبدا من االلتجاء الى القاعدة القانونية املنصوص عليها في‬

‫الفصل ‪ 243‬ق ل ع بالنسبة للتصرفات التعاقدية االخرى مادام أنها وردت بصيغة‬

‫عامة بحيث اكدت على مايلي " إذا لم يكن هناك إال مدين واحد‪ ،‬لم يجبر الدائن‬

‫على أن يستوفي االلتزام على أجزاء‪ ،‬ولو كان هذا االلتزام قابال للتجزئة‪ ،‬وذلك ما لم‬

‫يتفق على خالفه إال إذا تعلق األمر بالكمبياالت‪.‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مع ذلك‪ ،‬يسوغ للقضاة‪ ،‬مراعاة منهم ملركز املدين‪ ،‬ومع استعمال هذه السلطة‬

‫في نطاق ضيق أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء‪ ،‬وأن يوقفوا إجراءات املطالبة‪ ،‬مع‬
‫حالها"‪221.‬‬ ‫إبقاء األشياء على‬

‫بيد أن الواقع التطبيقي‪ ،‬ونظرا للثغرات التي تكتنف الفصول املنظمة لنظرية‬

‫الظروف الطارئة في التشريع املغربي سواء في ق ل ع أو في القانون ‪ ، 31.08‬يكشف‬

‫عدم فعاليتها وصعوبة التشبت بها في االلتزامات التعاقدية‬

‫لذلك نادى البعض‪ 222‬بإعادة النظر في صياغة الفصل ‪ 811‬ق‪.‬ل‪.‬ع الذي أجده‬

‫اقتراحا جيدا بواسطة إضافة فقرة جديدة على النحو اآلتي ‪" :‬االلتزامات التعاقدية‬

‫املنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها وال يجوز إلغاؤها‬

‫إال برضاهما أو في الحاالت املنصوص عليها في القانون‪.‬‬

‫و مع ذلك‪ ،‬إذا طرأت حوادث استثنائية لم يكن بإمكان الطرفين توقعها عند‬

‫إبرام العقد بحيث يصبح تنفيذ االلتزام سببا يهدد أحد املتعاقدين بخسارة فادحة‪،‬‬

‫جاز للمحكمة عندئذ وبعد املوازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد االلتزام املرهق إلى‬

‫‪221‬‬
‫أما في القانون العربي‪ ،‬فقد نص عليها القانون المدني المصري في المادة ‪ 013‬التي تنص على أن " العقد شريعة المتعاقدين ‪ ،‬فال‬
‫يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين ‪ ،‬أو لألسباب التي يقررها القانون‪.‬‬

‫ومع ذلك إذا طرأت حوادث استئنافية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي ‪ ،‬وأن لم يصبح‬
‫مستحيال ‪ ،‬صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخس ارة فادحة ‪ ،‬جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد‬
‫االلتزام المرهق إلى الحد المعقول ‪ .‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك "‪.‬‬

‫أما القانون المدني الجزائري أشار اليها في الفصل ‪0‬في فقرته الثالثة ‪ 13‬بقوله " غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في‬
‫الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي‪ ،‬وان لم يصبح مستحيال‪ ،‬صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز‬
‫للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة لمصلحة الطرفين أن يرد االلتزام المرهق إلى الحد المعقول‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك‬
‫"‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫عبد هللا خالد عيد ‪" :‬نظرية القوة القاهرة بين الفقه والقانون"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.066 :‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحد املعقول أو أن تقض ي بفسخ العقد ما لم يدرأ الدائن هذا الفسخ بعوضه‬

‫تعديال لشروط العقد يتفق مع مبدأ العدالة ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك"‪.‬‬

‫و مما يزيد من ضعف نظرية الظروف الطارئة من حيث الجانب الحمائي‬

‫للمستهلك املدين في االلتزام‪ ،‬أن القضاء املغربي ال يزال يرفض االعتداد بها‪ .‬وقد‬

‫أجمل البعض‪ 223‬أسباب الرفض بالقول ‪" :‬لم نقف على اجتهاد قضائي أقر نظرية‬

‫الظروف الطارئة‪ ،‬ذلك أن القاض ي املغربي مثل نظيره الفرنس ي يرفض بشدة الحكم‬

‫وفقا لهذه النظرية اعتمادا على اعتبارات عديدة ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬عدم وجود سند قانوني‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تطبيق ما جاء به املشرع في الفصل ‪ ،811‬كما أن التقليد مستقر بين‬

‫املحاكم على احترام نصوص القانون وتقديم سيادة االتفاق‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تغليب جانب االستقرار في املعامالت ولو على حساب العدالة العقدية‬

‫وهو استقرار شكلي فقط‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬اهتمام الفقه بالنظرية واقتناعه بضرورة التأثير على االجتهاد القضائي‬

‫لم يكتمل إال منذ أمد قريب"‪.‬‬

‫أما اإلكراه البدني فهو مصطلح حديث نسبيا تداولته العديد من املؤلفات‬

‫القانونية والفقهية‪ ،‬يجد جذوره األصلية في القانون الروماني ثم بدأ يتطور في‬

‫الشرائع األخرى بما فيها الشريعة اإلسالمية‪ .‬و يقصد به "حبس املحكوم عليه مدة‬

‫‪ 223‬جميلة العماري ‪" :‬مدخل إلى القانون المقارن"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.33 :‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عينة يحددها الحكم الصادر به طبقا ملقتضيات القانون املنظم لهذا اإلجراء القهري‬

‫إلجباره على أداء ما التزم أو ألزم به قضاء"‪.224‬‬

‫وكثيرة هي األحاديث النبوية الشريفة التي وردت في مدى مشروعية تطبيق‬

‫اإلكراه البدني على الفرد املسلم املدين‪ .‬لكن أمام عدم تمييز الحكم الشرعي الوارد‬

‫في هذا اإلطار بين الشخص املوسر واملعسر‪ ،‬ثار نقاش فقهي مذهبي‪ 225‬يمكن تلخيصه‬

‫في نقطتين ‪:‬‬

‫بالنسبة للمدين املوسر ‪ :‬أجاز املذهب الحنفي والحنبلي حبس املدين‪ ،‬في حين‬

‫قال الشافعية واملالكية بعكس ذلك‪.‬‬

‫بالنسبة للمدين املعسر ‪ :‬يرى الحنابلة والشافعية أن حالة إعسار املدين ال‬

‫تحول دون حبسه حتى يثبت نفاذ ماله‪ .‬أما املالكية فيعتقدون أنه يجب التمييز بين‬

‫حالتين ‪ :‬األولى وهي حالة املدين املعسر غير املعدم التي يجوز فيها عدم حبسه إلى‬

‫أن يوسر الثانية وهي حالة املدين املعسر املعدم التي يجب فيها بالضرورة عدم‬

‫حبسه‪.‬‬

‫فعلى غرار التشريعات املقارنة األخرى‪ ،‬أخذ املغرب بتطبيق مسطرة اإلكراه‬

‫البدني منذ زمن غير بعيد خاصة مع بداية الستينيات عندما أصدر ظهيرا يؤطر هذه‬

‫املسألة‪ ،‬ويتعلق األمر بظهير رقم ‪ 3.61.115‬الصادر بتاريخ ‪ 4‬رمضان ‪ 3121‬املوافق‬

‫‪ 81‬فبراير ‪.3263‬‬

‫‪224‬‬
‫حسن الرميلي ‪" :‬اإلكراه البدني على ضوء التشريع المغربي والمقارن"‪ ،‬نشر البديع‪ ،‬مراكش‪ ،‬ط‪ ،5111 ،5‬ص ‪71‬‬
‫‪ 225‬للتوسع في هذه اآلراء الفقهية‪ ،‬راجع ‪ :‬حسن الرميلي ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.11-77 :‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومباشرة بعد مصادقة الدولة املغربية على االتفاقية الدولة املتعلقة بحقوق‬

‫اإلنسان وبالحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬أصبح هذا الظهير محط انتقاد من لدن‬

‫الفقهاء‪ .‬فاملادة ‪ 33‬من االتفاقية الدولية املتعلقة بالحقوق املدنية والسياسية أثارت‬

‫نقاشا عميقا بين مختلف األجهزة الدستورية والفقهية واألكاديمية والقضائية‪.‬‬

‫فعلى مستوى الفقه واألكاديميون‪ ،‬انكبت جل الدراسات على تبيان مدى عدم‬

‫مشروعية تطبيق مسطرة اإلكراه البدني طبقا للظهير املذكور أعاله مقارنة مع‬

‫االتفاقيات املصادقة عليها من طرف املغرب في مجال حقوق اإلنسان مما جعل‬

‫البعض‪ 226‬يتساءل عن جدوى إبقاء هذه املسطرة‪.‬‬

‫أما بخصوص القضاء‪ ،‬لوحظ تذبذب في املواقف‪ ،‬ويمكن التمييز هنا بين‬

‫مرحلتين ‪:‬‬

‫املرحلة األولى ‪ :‬عرفت اتجاها ما بين التقييد واإلطالق‪ ،‬فقبل دستور ‪،3228‬‬

‫لم يكن املغرب يعترف بشكل واضح بسمو االتفاقيات على القوانين الداخلية‪.‬‬

‫وانعكس هذا الوضع على األحكام والقرارات الصادرة عن الجهاز القضائي على‬

‫مستوى مسطرة اإلكراه البدني‪.‬‬

‫في هذه الفترة‪ ،‬اتسمت بعض األحكام الصادرة عن القضاء بالتشديد ويظهر‬

‫ذلك جليا مثال في حكم املحكمة االبتدائية بالرباط الذي قض ى برفض طلب إطالق‬

‫سراح املكره بدنيا بعلة عدم التنصيص في التشريع املغربي على سمو االتفاقية‬

‫‪226‬‬
‫لحسن بيهي وهشام عبودي ‪" :‬اإلكراه البدني في الديون التعاقدية بين اإلبقاء واإللغاء"‪ ،‬مجلة القانون المغربي‪ ،‬ع ‪ ،5112 ،1‬ص‬
‫‪.77:‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدولية على مقتضيات القانون الداخلي وكذا ال يوجد ما يفيد ترجيح األخذ‬

‫باالتفاقية الدولية عند تعارضها مع نص دستوري أو قانوني‪.227‬‬

‫و في الفترة ذاتها‪ ،‬وعلى عكس االتجاه أعاله‪ ،‬كرست املحاكم املغربية مبدأ سمو‬

‫االتفاقيات الدولية على القانون الداخلي املغربي وأمرت بتطبيق املادة ‪ 33‬من‬

‫االتفاقية الدولية املتعلقة بالحقوق املدنية والسياسية‪.‬‬

‫املرحلة الثانية ‪ :‬أي ما بعد دستوري ‪ 3228‬و‪ ،3226‬بدأت املحاكم في مجموعة‬

‫من األحكام والقرارات بتكريس االتفاقية مع االعتراف بحجيتها وقوتها القانونية مثال‬

‫ذلك ‪ :‬قرار املجلس العلى املؤرخ في ‪ 86‬شتنبر ‪،2288111‬‬

‫و أمام هذا الوضع الغامض واالختالف السائد بين األوساط العلمية والفقهية‬

‫والقضائية‪ ،‬عمل املشرع على حسم املسألة عن طريق إصدار ظهير جديد‪ ،‬يتعلق‬

‫األمر بـ ‪ :‬ظهير شريف رقم ‪ 3.16.362‬صادر في (‪ 88‬نونبر ‪ )8116‬بتنفيذ أحكام الظهير‬

‫الشريف رقم ‪ 3.61.115‬الصادر بتاريخ ‪ 81‬فبراير ‪ 3263‬بشأن استعمال اإلكراه‬

‫البدني في القضايا املدنية‪ ،‬ج‪.‬ر رقم ‪ 5499‬الصادرة بتاريخ ‪ 89‬نونبر ‪.8116‬‬

‫‪ 227‬أمر استعجالي عن المحكمة االبتدائية بالرباط صادر بتاريخ ‪ 51‬نونبر ‪ ،0116‬ملف ع‪ 17/212‬منشور بمجلة رسالة المحاماة‪،‬‬
‫ع‪ ،1‬أبريل ‪ ،0113‬ص ‪.010 :‬‬
‫أنظر أيضا في نفس االتجاه ‪:‬‬
‫‪ -‬حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط بتاريخ ‪ 57‬أبريل ‪ ،0111‬ملف مدني ع‪ 0111/011/1‬منشور بمجلة اإلشعاع‪ ،‬ع‪،1‬‬
‫دجنبر ‪ ،0111‬ص ‪.513 :‬‬
‫‪ -‬حكم صادر عن نفس المحكمة بتاريخ ‪ 06‬أبريل ‪ ،0111‬ملف تجاري ع‪ ،11/1‬منشور بمجلة اإلشعاع‪ ،‬ع‪ ،1‬دجنبر ‪ ،0111‬ص ‪:‬‬
‫‪.035‬‬
‫‪ 228‬محمد الكشبور ‪" :‬قراءة في قرار المجلس األعلى المؤرخ في ‪ 56‬شتمبر ‪ 5111‬حول تطبيق المادة ‪ 00‬من المعاهدة الدولية بشأن‬
‫الحقوق المدنية والسياسية"‪ ،‬مجلة المناهج‪ ،‬ع ‪ 7‬و‪ ،5117 ،1‬ص ‪.001 :‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و من مستجدات هذا اإلطار التشريعي تمييزه بين وجهين بالنظر إلى مبدأ تطبيق‬

‫مسطرة اإلكراه البدني على الشخص املدين مباشرة ‪ :‬هما الشق املدني واآلخر‬

‫التجاري‪ .‬فبالنسبة للمادة املدنية‪ ،‬تم إلغاء تطبيق مسطرة اإلكراه البدني بصفة‬

‫مطلقة بينما أبقي عليها في املسائل التجارية‪.‬‬

‫و أعتقد أن سبب املديونية املفرطة التي يعرفها املستهلك في بالدنا هو التحول‬

‫العميق الذي تعرضت له القيم التاريخية املجتمعية وهي نتاج االنتقال من األصالة‬

‫إلى املعاصرة والحداثة‪ .‬وهذا ما عمل على تشخيصه تقرير الخمسينية‪ 229‬بقوله ‪:‬‬

‫"وبالفعل‪ ،‬فقد كان املغاربة يستمدون أهم قيمهم من الحضارة العربية اإلسالمية‪...‬‬

‫إن هذا النظام الذي ترسخ عبر الزمن وتغذى باستمرار من الداخل‪ ،‬قد تأثر‬

‫بإسهامات خارجية‪ ،‬وبالتفاعالت التي أقامها املجتمع مع محيطه‪ .‬إال أنه‪ ،‬وعلى غرار‬

‫البنيات االجتماعية‪ ،‬فإن االتصال مع االستعمار بوجه خاص هو الذي خلخل‬

‫الخزان التقليدي للقيم باملغرب‪ ،‬ووضع على املحك نظام التمثالت واملرجعيات‬

‫بدخول قيم جديدة مرتبطة بالعالقة مع الزمن واملكان والفرد وبالعالقات‬

‫االجتماعية بصفة عامة‪ .‬وخالل العقدين األخيرين فرضت العوملة وتطور اإلعالم‬

‫على املجتمع قيما ومرجعيات جديدة أكثر كونية"‪.‬‬

‫و قد أبدع القانون ‪ 31.08‬حال بديال ووسطيا مستوحى من الشريعة االسالمية‬

‫تفاديا الشكالية املديونية و املديونية املفرطة وهو املتجسد في امكانية التسديد املبكر‬

‫‪ 229‬تقرير الخمسينية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.20 :‬‬

‫‪P 110‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

103 ‫قبل حلول أجل الدفع القانوني أو املتفق عليه مع املنهي بحيث جاء في املادة‬

‫انه "" يجوز للمقترض بمبادرة منه ان يقوم بأي وقت ودون تعويض بالتسديد‬230

‫املبكر ملبلغ القرض املمنوح له كله أو بعضا منه ويعتبر كل شرط مخالف لذلك يعد‬

‫باطال بقوة القانون‬

‫ال تطبق أحكام الفقرة االولى على عقود االيجار ما عدا اذا كانت هذه العقود‬

."" ‫تنص على ان سند امللكية سينقل في النهاية الى املكتري‬


231‫الحدر‬ ‫إذن فاملستهلك في مفهوم الرقابة الداتية ينبغي أن يتخد وضعية‬

‫االيجابي بخصوص كل ما يستعمله أو يستخدمه من أجل اشباع حاجاته الشخصية‬

.‫سواء في األوقات العادية أو في وقت األزمات‬

:‫ من مدونة االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه ما يلي‬L312-21 ‫ المطابقة للفصل‬230


Article L312-21 "L'emprunteur peut toujours, à son initiative, rembourser par anticipation, en partie ou
en totalité, les prêts régis par les sections 1 à 3 du présent chapitre. Le contrat de prêt peut interdire
les remboursements égaux ou inférieurs à 10 % du montant initial du prêt, sauf s'il s'agit de son solde.

Si le contrat de prêt comporte une clause aux termes de laquelle, en cas de remboursement par
anticipation, le prêteur est en droit d'exiger une indemnité au titre des intérêts non encore échus, celle-
ci ne peut, sans préjudice de l'application de l'article 1152 du code civil, excéder un montant qui,
dépendant de la durée restant à courir du contrat, est fixé suivant un barème déterminé par décret.

Pour les contrats conclus à compter de la date d'entrée en vigueur de la loi n° 99-532 du 25 juin 1999
relative à l'épargne et à la sécurité financière, aucune indemnité n'est due par l'emprunteur en cas de
remboursement par anticipation lorsque le remboursement est motivé par la vente du bien immobilier
faisant suite à un changement du lieu d'activité professionnelle de l'emprunteur ou de son conjoint, par
." le décès ou par la cessation forcée de l'activité professionnelle de ces derniers

231
" d’un point de vue psychologique et cognitif, le consommateur malin n’est pas passif face aux
dispositifs de persusion, mais actif. Il traite de l’information et du sens ».
Collectif : « le consommateur malin face à la crise, le cadrage du client et les marges de manœuvre
du consomateur », T 1, l’Harmattan, 2013, p : 18.

P 111 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫أسامة عبد الرحمان ‪" :‬نظرية العذر وآثارها على االلتزام التعاقدي"‪ ،‬أطروحة‬

‫لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪.3221 ،‬‬

‫محمد الكشبور ‪" :‬نظام التعاقد ونظريتا الظروف الطارئة والقوة القاهرة"‪،‬‬

‫مطبعة النجاح الجديدة‪.3221 ،‬‬

‫‪ -‬محمد بونبات ‪" :‬نظرية الظروف الطارئة بين األخذ والرد في املغرب"‪ ،‬سلسلة‬

‫اآلفاق القانونية‪ ،‬رقم ‪ ،1‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪.8111-3222 ،‬‬

‫رشوان حسن رشوان أحمد ‪" :‬أثر الظروف االقتصادية على القوة امللزمة‬

‫للعقد"‪ ،‬دار الهاني للطبع‪ ،‬ط‪.3224 ،3‬‬

‫محمد الكشبور ‪" :‬نظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة"‪ ،‬مطبعة النجاح‬

‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.3221 ،‬‬

‫‪ -‬فاطمة أسحاق ‪" :‬آثار القوة القاهرة على االلتزام العقدي في القانون املغربي‬

‫واملقارن"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون املدني‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬

‫‪.8116-8115‬‬

‫خالد عبد هللا عيد ‪" :‬نظرية القوة القاهرة بين الفقه والقانون"‪ ،‬أطروحة لنيل‬

‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪.3295 ،‬‬

‫‪P 128‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور يوسف بن هيبة‬


‫باحث يف القانون العام والعلوم السياسية عبد‬
‫املالك السعدي – طنجة‬

‫دور االجتهاد القضائي الدستوري في تعزيز دسترة‬


‫حقوق المعارضة البرلمانية‬
‫‪The role of constitutional jurisprudence in strengthening the constitution of the rights of the parliamentary opposition‬‬

‫مقـدمـة‪:‬‬
‫منح دستور ‪ 8133‬امتيازات دستورية جديدة وإمكانيات حقيقية من شأن‬

‫الفرق البرملانية [أغلبية‪ /‬معارضة]‪ ،‬املساهمة في تجويد‬


‫حسن استثمارها من لدن ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مخرجات العمل البرملاني كما ونوعا‪ ،‬وتجاوز بعض املعيقات التي كانت ترهن ضعف‬

‫حصيلة فرق املعارضة البرملانية باملحدودية الذي كانت تعاني منه الترسانة القانونية‬
‫ً‬
‫املؤطرة للعمل البرملاني عموما‪ ،‬من حيث الصالحيات واإلمكانات الدستورية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املمنوحة للمعارضة البرملانية خارج دائرة املقاربة العددية التي تمنح تفوقا دائما‬

‫للسلطة التنفيذية وأغلبيتها البرملانية والتي ترتهن الستحقاقات الديمقراطية‬

‫التمثيلية ‪.‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫في هذا السياق‪ ،‬ينبغي التأكيد أن املغرب شهد منذ انطالق أول تجربة دستورية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تطورا مضطردا في االرتقاء بالترسانة القانونية املؤطرة الشتغال مختلف املؤسسات‬

‫وفي مقدمتها املؤسسة التشريعية والتي حظيت بنصيب وافر من هذه االصالحات‬
‫ً‬
‫بمناسبة التعديل الدستوري األخير لسنة ‪ ،8133‬علما أن عملية اقرار االمكانات‬

‫والضمانات الدستورية استغرقت فترة زمنية طويلة بالنظر لحالة التنازع التي طبعت‬

‫مسار العالقة بين املؤسسة امللكية وبعض القوى السياسية‪ ،‬كما أن آثار هذه‬

‫االصالحات بقي جد محدود ولم يسعف املغرب في االنتقال إلى نظام سياس ي‬
‫ً‬
‫ديمقراطي حقيقي‪ ،‬خصوصا أن الرهان اقتصر على مدخل االصالح الدستوري دون‬

‫اتخاذ اجراءات مصاحبة قادرة على اعادة تشكل البنية املؤسساتية في اتجاه الرفع‬

‫الفرق البرملانية‬
‫من فعاليتها ونجاعتها‪ ،‬لعل أبرزها عدم اإلشتغال على تطوير دور ِ‬
‫واملجموعات النيابية وغير املنتسبين في النهوض بعمل مجلس النواب واالرتقاء‬

‫بحصيلته وجودة مخرجاته ‪.‬‬

‫نسجل أنه لم يتم تفصيل وتدقيق وتوضيح دسترة حقوق ِ‬


‫الفرق البرملانية في‬

‫التجربة الدستورية املغربية‪ ،‬إال مع الدستور الجديد لسنة‪ ،2328133‬رغم امليالد‬

‫املبكر للتجربة الدستورية املغربية والتي انطلقت سنة ‪ ،2333268‬حيث بقيت حقوقها‬

‫جد محدودة ودون حماية قانونية‪ .‬وفي سياق تصحيح مسار هذه الوضعية كان‬

‫‪ -232‬ظهير شريف رقم ‪ 0.00.20‬صادر في ‪ 90‬من شعبان ‪92(0389‬يوليو‪ )9000‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 1293‬مكرر‪ 93 -‬شعبان‬
‫‪ 80(0389‬يوليو‪.)9000‬‬
‫‪ -233‬ظهير شريف بإصدار األمر بتنفيذ الدستور املغربي لسنة ‪ 0299‬بتاريخ ‪ 00‬رجب ‪ 03/0839‬دجنبر ‪ .0299‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 9909‬مكرر‪ 99.‬رجب‬
‫‪ 02(0839‬دجنبر‪.)0299‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السعي نحو البحث عن توازن داخلي بين األغلبية واملعارضة خارج املقاربة العددية‪،‬‬

‫من أجل تجاوز إكراهات مقتضيات الديمقراطية التمثيلية التي تجعل من قاعدة‬

‫التمثيل النسبي أحد أهم أدوات توزيع الحقوق واالستفادة من االمكانات الدستورية‬

‫بين األغلبية واملعارضة البرملانية‪ ،‬األمر الذي من شأنه منح هذه األخيرة مكانة خاصة‬

‫تؤهلها للمساهمة الفاعلة والبناءة في الرفع من نجاعة وجودة العمل البرملاني‪.‬‬

‫إن استحضار تطور املمارسة البرملانية ببالدنا خالل العقود الخمس املاضية وما‬

‫واكبها من تراكمات مهمة ليس فقط على مستوى أداء البرملان ملهمته التشريعية‬

‫والرقابية والدبلوماسية‪ ،‬بل أيضا تفاعله مع كل القضايا املجتمعية واهتمامات‬

‫وانشغاالت املواطنين وانتظاراتهم‪ ،‬وذلك بارتباط مع املستجدات السياسية‬

‫واالقتصادية واالجتماعية التي عرفتها بالدنا خالل تلك املرحلة‪ .‬هذا األمر يفرض علينا‬

‫الوقوف عند أبرز املستجدات التي حملها دستور ‪ 8133‬واألنظمة الداخلية التي‬

‫الفرق‬
‫أطرت اشتغال مجلس النواب خالل الفترة التشريعية (‪ )8136 -8133‬لفائدة ِ‬
‫البرملانية واملجموعات النيابية (املبحث األول)‪ .‬تم الوقوف على دور مساهمة الرقابة‬

‫الدستورية في تحصين وحماية حقوق املعارضة البرملانية من أي تأويل يحد من‬

‫صالحياتها في ممارسة مهامهما البرملانية‪ ،‬ومحاولة تقييم حصيلة املعارضة البرملانية‬

‫في تفعيل حق احالة قضايا خالفية مع الحكومة أو أغلبيتها البرملانية على القاض ي‬

‫الدستوري من أجل النظر في مدى مطابقتها للدستور( املبحث الثاني )‪.‬‬

‫‪P 123‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املبحث األول ‪ :‬االطار القانوني املنظم لعمل املعارضة البرملانية‬

‫الفرق واملجموعات البرملانية في الوثيقة الدستورية الجديدة من عدة‬


‫إن تمكين ِ‬
‫حقوق وضمانات قانونية‪ ،‬لتمكنها من االرتقاء بوظائفها الدستورية‪ ،‬جاء نتيجة‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الفرق النيابية‬
‫اعتماد مدخل االصالح الدستوري جوابا عن مطالبها‪ ،‬حيث ترجع ِ‬
‫ضعف حصيلتها ونجاعة عملها إلى محدودية صالحياتها الدستورية ضعف‬

‫اإلمكانات املادية واللوجستيكية املرصودة لها‪ ،‬والتي سوف تمكنها من االرتقاء‬

‫بوظائفها الدستورية (املطلب األول)‪ .‬إن هذه املكانة الخاصة التي حظيت بها ِ‬
‫الفرق‬

‫البرملانية واملجموعات النيابية سوف تساهم في تعزيز موقعها في العمل البرملاني‬

‫وتمكينها من شروط الرفع من جاهزيتها واالرتقاء بنجاعة أدائها‪ ،‬وهو األمر الذي تم‬

‫اقراره على مستوى مواد األنظمة الداخلية (‪ ،)8139 – 8131 – 8138‬األمر الذي‬

‫الفرق البرملانية‬
‫يفرض التعرف على أهم املستجدات التي حملتها لفائدة عمل ِ‬
‫(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬مستجدات املعارضة البرملانية في دستور ‪8133‬‬


‫ً‬
‫الفرق البرملانية‪ 234‬أجهزة ضرورية في عمل وسير املؤسسة التشريعية‪ ،‬ال‬
‫تعتبر ِ‬
‫من حيث مساهمتها في عمل اللجان البرملانية‪ ،‬وكذا حضورها في مساطر املناقشة‬

‫والتصويت على القوانين‪ ،‬أو التعبير عن مواقفها خالل الجلسات العامة والتي‬

‫الفرق البرملانية بأنها إطارات سياسية للعمل البرملاني‪ ،‬لها وظائف محددة في تجميع أصوات أعضاء البرملان‪ ،‬وتوفير أدنى حد‬
‫‪ -234‬عرف عبد االاله فونتير‪ِ ،‬‬
‫الفرق البرملانية‪ ،‬هو أحد عناصر امليثاق القائم‬
‫من توحيد الرؤية بينهم‪ ،‬ويضيف أن عنصر االلتزام السياس ي واالنتـماء الحزبي الذي يعتبر أساس تشكيل ِ‬
‫بين الناخبين‪ ،‬والعضو البرملاني الذي تـم انتخابه على أساسه‪ ،‬أنظر‪ :‬عبد االاله فونتير‪ ،‬العمل التشريعي باملغرب‪ ،‬اصوله التاريخية ومرجعياته‬
‫الدستورية‪ ،‬دراسة مقارنة تأصيلية وتطبيقية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬سلسلة دراسات وأبحاث جامعية‪ ،9003- 3‬ص ‪.009‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تخصص ملناقشة السياسات العامة للحكومة وتقارير املؤسسات العمومية وغيرها‪.‬‬

‫الفرق واملجموعات البرملانية‪ ،‬األداة الرئيسية لتنظيـم مشاركة النواب ـ‬


‫كما تمثل ِ‬
‫هيئات وأفراد في هياكل املجلس‪ ،‬وفي التعبير عن املواقف واملساهمة في أشغال‬
‫ً‬
‫البرملان وممارسة الصالحيات املخولة دستوريا ألعضاء املجلس‪ ،‬باعتبارهم‬

‫يستـمدون نيابتهم من األمة‪ 235".‬وهي نفس الصيغة التي جاء بها القضاء الدستوري‬

‫وضمنها مجلس النواب في نظامه الداخلي حيث اعتبر " الفرق واملجموعات البرملانية‬

‫األداة الرئيسية لتنظيـم مشاركة النواب ـ هيئات وأفراد ـ في أشغال املجلس طبقا‬
‫‪236".‬‬ ‫ألحكام الدستور وهذا النظام الداخلي‬
‫ً‬
‫عرف املغرب على مدار التجربة الدستورية ابتداء من دستور ‪ ،3268‬ومرورا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بدساتير ‪ 3291‬و‪ 3298‬ووقوفا عند دستوري ‪ 3228‬و‪ ،3226‬تقييدا لحقوق املعارضة‬

‫من طرف املشرع الدستوري‪ ،‬رغم مطالبة العديد من الفاعلين‬ ‫البرملانية‪237‬‬

‫السياسيين بتقوية هذا الدور‪ ،‬كاملذكرة التي تقدمت بها الكتلة الديمقراطية‬
‫ً‬
‫لإلصالحات الدستورية لسنة ‪ ،3228‬مطالبة بتقوية دور املعارضة البرملانية في مجال‬

‫الرقابة والتشريع‪ ،‬حيث ورد في مذكرتها أن أحزاب الكتلة الديمقراطية " تعتقد أن‬

‫تدعيم الحياة النيابية يقتض ي توفير آليات جديدة ملمثلي األمة‪ ،‬وذلك في ميدان‬

‫‪ -235‬تعريف القضاء الدستوري للفرق البرملانية وقد ورد ذلك في القرار " رقم ‪ 09-392‬الصادر في ‪ 00‬ربيع االول ‪3( 0388‬فبراير‪ )9009‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد‪ 9090‬بتاريخ ‪09‬فبراير‪." 9008‬‬
‫‪ -236‬مجلس النواب‪ ،‬املادة ‪،13‬النظام الداخلي ملجلس النواب بعد صدور قرار املحكمة الدستورية رقم‪ 91/00‬بتاريخ ‪80‬أكتوبر‪ ، 9000‬منشورات مجلس‬
‫النواب ‪.‬‬
‫‪ -237‬يمكن تعريف املعارضة البرملانية أنها االمتداد التنظيمي والتمثيلي لحزب سياس ي داخل املجلس النيابي‪ ،‬لم تسعفه نتائج املشاركة االنتخابية التشريعية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التواجد ضمن األغلبية البرملانية (اختيارا‪ /‬اضطرارا)‪ ،‬ومن تم االنتماء إلى ِفرق املعارضة البرملانية وفق إجراءات مسطرية شكلية وموضوعية‪.‬‬

‫‪P 125‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ممارسة حق املراقبة على الحكومة وفي ميدان تقوية العمل النيابي وحقوق األقلية‬

‫النيابية"‪ . 238‬إال أن املشرع الدستوري لم يستجب إال لبعض هذه املطالب‪ ،‬بالنظر‬

‫الختالل موازين القوى لفائدة املؤسسة امللكية‪ .‬رغم ذلك فقد شكلت املعارضة أحد‬

‫األركان األساسية سواء في الحياة السياسية أو داخل املؤسسة التشريعية‪ ،‬والتي‬

‫بصمت على مجهود مقدر في تاريخ تطور التجربة الدستورية املغربية التي انطلقت‬

‫مع دستور ‪ ،3268‬إلى آخر تعديل دستوري لسنة ‪ ،8133‬إال أنه ُسجل فارغ كبير على‬

‫امتداد هذا املسار من حيث تأطير وضعيتها داخل فضاء املؤسسة التشريعية بوضع‬

‫قانوني خاص‪ ،‬يتجاوز االرتهان ملنطق األغلبية واألكثرية‪ ،‬واالنتقال إلى اقرار حقوق‬
‫ً‬
‫تفضيلية تكسبها حقوقا‪ ،‬تمكنها من الرفع من نجاعة أدائها‪ ،‬وتحريرها من ضغط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مخرجات الديمقراطية التمثيلية التي تمنح هامشا متواضعا من االمكانات‬
‫ً‬
‫والضمانات لألقلية البرملانية للتأثير في صناعة القرار البرملاني عموما‪.‬‬

‫استطاع االصالح الدستوري لسنة ‪ 8133‬من تمكين املعارضة البرملانية من‬

‫مجموعة من الحقوق الخاصة؛ والتي تتخذ شكل امتيازات تقتصر عليها دون غيرها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث أصبحت مكونا أساسيا في مجلس ي البرملان‪ ،‬تشارك في وظيفتي التشریع واملراقبة‬

‫بموجب (الفصل ‪ ،)61‬وتم تخويلها العدید من الحقوق املهمة بمنطوق الفصل‬

‫العاشر‪ ،239‬وفي سياق تقوية وظيفتها التشريعية نص الفصل األخير على حقها في‬

‫‪. https://www.maghress.com/oujdia/9149-238‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -239‬ينص الفصل العاشر على ما يلي ‪ :‬تتمثل فیما یلي ‪ :‬حریة الرأي والتعبير واالجتماع‪ - ،‬التوفر على حيز زمني في وسائل اإلعالم الرسمية تناسب تمثيليتها‪،‬‬
‫‪-‬االستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون‪ - ،‬املشاركة الفعلية في مسطرة التشریع‪ ،‬السيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال‬
‫مجلس ي البرملان‪ - ،‬املشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي السيما عن طريق ملتمس الرقابة‪ ،‬ومساءلة الحكومة‪ ،‬واألسئلة الشفوية واللجان النیابیة‬
‫ّ‬
‫لتقص ي الحقائق‪ - ،‬املساهمة في اقتراح وانتخاب األعضاء املترشحين لعضوية املحكمة الدستورية‪ - ،‬الحصول على تمثيلية مالئمة في األنشطة الداخلية ملجلس ي‬

‫‪P 126‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫"املشاركة الفعلية في مسطرة التشريعي ال سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين‬

‫بجدول أعمال مجلس ي البرملان‪ .‬والتنصيص في الفصل ‪ 61‬على أن "املعارضة مكون‬

‫أساس في املجلسين‪ ،‬وتشارك في وظيفتي التشريع واملراقبة"‪ .‬في نفس املنحى يؤكد‬

‫الفصل ‪ 28‬على (ما يلي)‪" :‬يخصص يوم واحد على األقل في الشهر لدراسة املقترحات‬

‫ومن بينها تلك املقدمة من قبل املعارضة‪ .‬ويقصد بحق االقتراح ذلك العمل الذي‬

‫يضع األسس األولى للتشريع ويحدد مضمونه‪ ،240‬وهو ما يعني تخويل املعارضة‬

‫البرملانية حق وإمكانية طرح مقترحات قوانين يلتزم البرملان بدراستها‪.‬‬

‫ينبغي االشارة أن الفصل العاشر من دستور ‪ 8133‬نص في فقرته األخيرة على‬

‫تحديد كيفيات ممارسة فرق املعارضة لهذه الحقوق‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬بموجب قانون‬

‫تنظيمي أو قوانين أو بمقتض ى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلس ي البرملان‪ ،‬إال‬

‫أن املشرع البرملاني قرر ادراجها ضمن مقتضيات األنظمة الداخلية للسنوات على‬

‫التوالي ‪ 8138‬و ‪ 8131‬و ‪ 8139‬وهو ما أتاح للنواب صالحية حصرية في تنظيم طريقة‬
‫ً‬
‫عملهم بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية والتي يتعاظم تأثيرها من خالل صالحياتها‬

‫في املبادرة التشريعية املتعلقة بإعداد مشروع قانون تنظيمي‪.‬‬

‫البرملان‪ - ،‬حق ترؤس اللجنة املكلفة بالتشريع بمجلس النواب ولجنة أخرى على األقل‪ - ،‬التوفر على وسائل مالئمة للنهوض بمهامها املؤسسية‪ - ،‬املساهمة‬
‫الفاعلة في الدبلوماسية البرملانیة للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحیویة ‪ -‬املساهمة في تأطير وتمثيل املواطنات واملواطنين من خالل األحزاب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املكونة لها طبقا ألحكام الفصل ‪ 7‬من هذا الدستور) ‪ - ، ( 2011‬ممارسة السلطة عن طریق التناوب الدیمقراطي‪ ،‬محلیا وجهويا ووطنيا في نطاق أحكام الدستور‪.‬‬
‫أنظر ‪ :‬الوزارة املكلفة بالعالقات مع البرملان واملجتمع املدني‪" ،‬حصیلة عمل الحكومة في عالقتها مع البرملان ‪ :‬السنة األولى من الوالية التشريعية التاسعة‬
‫ینایر‪/‬أكتوبر" ‪ ، 2012‬اململكة املغربیة‪ - 2012 ،‬ص ص ‪.80-89‬‬
‫‪ - 240‬أم كلثوم جمال الدين‪ ،‬القانون البرملاني املغربي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬وجدة ‪ ،9009 – 9001‬ص ‪.988‬‬

‫‪P 127‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يمكن أن يفهم من تنظيم عمل املعارضة البرملانية من خالل ادراجها ضمن‬

‫مقتضيات النظام الداخلي‪ ،241‬فسح املجال ملكونات املجلس القيام بمراجعاته إن‬

‫اقتضت الضرورة لذلك‪ ،‬وفق الضوابط القانونية املنظمة لذلك‪ .242‬كما أن مسطرة‬

‫تعديل النظام الداخلي قصد تجويده تعد أسهل مقارنة بتغيير قانون تنظيمي‪ .‬إال أن‬

‫بعض االجتهادات اعتبرت تنظيم مجال املعارضة البرملانية بواسطة مقتضيات النظام‬

‫الداخلي للبرملان كي يخول للسادة النواب والنائبات من تنظيم قواعد اشتغالهم‬


‫ً‬
‫بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية والتي استأثرت باملبادرة التشريعية الخاصة‬

‫بإعداد القوانين التنظيمية‪.‬‬

‫يشترط في اكتساب هذه الحقوق من طرف املعارضة البرملانية ضرورة التقيد‬


‫ً‬
‫بإجراء محدد وموجب من أجل حيازة موقع االنتماء للمعارضة البرملانية سواء فرقا‬

‫أو مجموعات نيابية أو نائب غير منتسب‪ ،‬حيث يؤكد النظام الداخلي لسنة ‪8131‬‬

‫الفرق واملجموعات النيابية " من املادة الخامسة والثالثون (‪)15‬‬


‫في بابه الخامس " ِ‬
‫الفرق واملجموعات النيابية التي‬
‫على شرط النظام التصريحي‪ ،‬حيث " يتعين على ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تختار االنتماء إلى املعارضة أن تقدم تصريحا مكتوبا يعلن عن ذلك إلى رئاسة املجلس‪.‬‬

‫كما يمكن للفرق وللمجموعات النيابية املنتمية للمعارضة أن تسحب التصريح‬

‫املنصوص عليه أعاله في أي وقت‪ .‬ينشر التصريح باالنتماء إلى املعارضة وكذا سحبه‬

‫‪ -241‬نص الفصل العاشر من دستور ‪ 9000‬على " تحدد كيفيات ممارسة فرق املعارضة لهذه الحقوق‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين‬
‫أو بمقتض ى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلس ي البرملان "‪.‬‬
‫‪ -242‬املادة ‪ 039‬من النظام الداخلي لسنة ‪ " 9009‬يشكل املجلس عند الحاجة لجنة تسمى لجنة النظام الداخلي يعهد إليها بالنظر في مقترحات التعديالت‬
‫املتعلقة بالنظام الداخلي للمجلس " ‪.‬‬

‫‪P 120‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بالجريدة الرسمية "‪ .‬إنه إجراء مسطري يتميز بالوضوح واألهمية في عملية اكتساب‬

‫حقوق املعارضة البرملانية التي يخولها دستور‪ 8133‬ومختلف األنظمة الداخلية‬

‫لسنوات ‪ 8138‬و‪ 8131‬و ‪.8139‬‬


‫التصريحي"‪243‬‬ ‫ً‬
‫خالفا لهذا األمر‪ ،‬سجل تراجع املشرع البرملاني عن " النظام‬

‫الذي اعتمد في الوالية التاسعة (‪ )8136-8133‬وتم االكتفاء فقط بمقتضيات املادة‬

‫الذي أطر اشتغال الوالية‬ ‫‪2448139‬‬ ‫‪ 66‬ضمن مقتضيات النظام الداخلي لسنة‬

‫التشريعية العاشرة (‪ )8183 -8136‬والتي تنص على أن "يشعر كل فريق أو مجموعة‬

‫نيابية وكل نائب غير منتسب اختار املعارضة رئيس مجلس النواب كتابة ويتم اإلعالن‬

‫عنه في الجلسة العمومية املوالية لهذا االشعار"‪ .‬وهو نفس اإلجراء الذي نصت عليه‬

‫املادة ‪ 41‬من النظام الداخلي لسنة ‪ ،8131‬مع اضافة أن حق اشعار اختيار املعارضة‬

‫ال يقتصر فقط على الفرق بل يشمل كذلك املجموعات النيابية وكل نائبة أو نائب‬

‫غير منتسب‪ ،‬ويمكن اجمال الحقوق الخاصة بفرق املعارضة البرملانية في دستور‬

‫‪ 8133‬في الفصول التالية (‪. 245)28-62-61 -31‬‬

‫‪ -243‬إن التصريح السياس ي ليس بأمر جديد على العمل البرملاني‪ ،‬إذ تم اقراره في أول نظام داخلي لسنة ‪ 0298‬في الفصل الثامن عشر من الباب الخامس‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الفرق بعد أن تضع لدى مكتب املجلس تصريحا سياسيا موقعا عليه من طرف أعضائها‪ ،‬ومصحوبا‬ ‫للنظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ‪ : 0298‬يتم تكوين ِ‬
‫بالئحة النواب املنخرطين فيها‪ ،‬ويشار في هذه لالئحة كذلك إلى اسم رئيس الفريق‪ ،‬وبعد كل هذه اإلجراءات تنشر املستندات برمتها في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬محمد بتيس‪ ،‬املوسوعة البرملانية‪ ،‬املسار البرملاني املغربي‪ ،‬من النشأة إلى االنتقال الديمقراطي‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬
‫املعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة‪،9000‬ص‪.908‬‬
‫‪ -244‬النظام الداخلي النظام الداخلي لسنة ‪ ،9000‬قرار املحكمة الدستورية في رقم ‪ 00/91‬الصادر يوم االثنين ‪ 00‬من صفر ‪ 0382‬املوافق ل ـ ‪ 80‬أكتوبر‬
‫‪.9000‬‬
‫ً‬
‫‪ -245‬تمت االشارة إلى مضامين الفصل العاشر سابقا‪:‬‬
‫الفصل ‪ :90‬املعارضة مكون أساس ي في املجلسين‪ ،‬وتشارك في وظيفتي التشريع واملراقبة‪ ،‬طبقا ملا هو منصوص عليه خاصة في هذا الباب‪.‬‬
‫الفصل ‪ :92‬عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها‪ ،‬مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة‪ ،‬على األقل‪ ،‬مع مراعاة مقتضيات الفصل ‪00‬‬
‫من هذا الدستور‪.‬‬
‫الفصل ‪ :39‬يخصص يوم واحد على األقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين‪ ،‬ومن بينها تلك املقدمة من قبل املعارضة‪.‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الحقوق الخاصة ِبفرق املعارضة البرملانية في النظام الداخلي‬

‫نص الفصل ‪ 62‬من دستور ‪ 8133‬على تخويل النظام الداخلي بصفة خاصة‬

‫الفرق واملجموعات البرملانية واالنتساب إليها‪ ،‬والحقوق‬


‫قواعد تأليف وتسيير ِ‬
‫الخاصة املعترف بها لفرق املعارضة‪ ،‬األمر الذي تم من خالل تخصيص الباب‬

‫للفرق واملجموعات النيابية‪ .‬إذ نسجل‬


‫الخامس من النظام الداخلي لسنة ‪ِ 8131‬‬
‫عدم تنصيص النظام الداخلي لسنة ‪ 8138‬عن االجراءات املسطرية التي سوف يحوز‬
‫ً‬
‫بها فريق برملاني موقعا ضمن مكونات املعارضة البرملانية‪ ،‬وتم استدراك ذلك في‬

‫النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬من خالل مقتضيات املادة األربعون (‪ ،)41‬حيث نصت‬

‫هذه األخيرة على ضرورة اشعار " كل رئيس فريق نيابي رئيس مجلس النواب باختياره‬

‫املعارضة ويتم اإلعالن عن ذلك في الجلسة العمومية املوالية لهذا اإلشعار"‪ ،‬إن‬

‫التقيد "بالتصريح السياس ي "‪ .‬اشعار يترتب عنه مباشرة االستفادة من حقوق‬

‫املعارضة البرملانية املنصوص في الدستور أو في النظام الداخلي‪ ،‬مقتض ى تنص عليه‬

‫الفقرة الثانية من املادتين ‪ 41‬و ‪ 66‬على التوالي من النظاميين الداخليين لسنتي‬

‫‪ 8131‬و‪ " 8139‬تستفيد فرق املعارضة بمجلس النواب من الحقوق املنصوص عليها‬

‫في الفصل العاشر من الدستور"‪.‬‬

‫عمل املشرع البرملاني على التقيد بمالحظات قرارات املجلس الدستوري في شأن‬

‫مالحظاته على مدى دستورية مقتضيات النظام الداخلي لسنة ‪ ،8131‬خاصة‬

‫املتعلقة بحقوق املعارضة البرملانية‪ ،‬حيث اعتبر قرار املجلس أن ما تضمنته هذه‬

‫‪P 138‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املواد ‪ 41‬و‪ 43‬و‪ 48‬و‪ ،45‬من " حقوق لفرق املعارضة بمجلس النواب ليس فيه ما‬

‫يخالف الدستور‪ ،‬شريطة أن يشمل كذلك املجموعات النيابية والنواب غير‬

‫املنتسبين ألي فريق أو مجموعة نيابية املنتمين للمعارضة" ‪ .246‬األمر الذي يفيد أن‬

‫حقوق املعارضة البرملانية ال تقتصر على ِ‬


‫الفرق البرملانية بل تشمل املجموعات‬

‫النيابية وغير املنتسبين‪.‬‬

‫ساهم بدوره قرار املجلس الدستوري رقم ‪ 31/284‬في تدقيق اجراءات‬

‫االنتساب الى املعارضة البرملانية‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 66‬من النظام الداخلي لسنة‬

‫‪ 8139‬على أن اشعار رئيس املجلس لم يعد يقتصر فقط على رئيس كل فريق بل‬

‫يمكن أن يشمل كل مجموعة نيابية وكل نائبة أو نائب غير منتسب اختار املعارضة‪.‬‬
‫ً‬
‫عالوة على ذلك نص نفس الفصل على حق املعارضة البرملانية سحب (التصريح‪/‬‬

‫اإلشعار) في أي وقت‪ ،‬دون االشارة إلى طريقة سحبه‪ ،‬فراغ عالجه نص قرار املجلس‬

‫الدستوري من خالل اقتران السحب بالطلب الكتابي ‪.247‬‬

‫يعد " النظام التصريحي"‪ ،‬تعبير عن اختيار سياس ي إرادي واعي ملوقع املعارضة‬

‫البرملانية‪ ،‬أمر سوف يمكن من فرز خريطة سياسية واضحة داخل املؤسسة‬

‫التشريعية مبنية على أساس تنوع في املقاربات البرنامجية لصياغة وتدبير مجمل‬

‫الفرق البرملانية‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬إن التقيد بالتصريح السياس ي من طرف ِ‬

‫‪ -246‬القرار ‪ 08-293‬الصادر بتاريخ ‪ 99‬أغسطس ‪ ،9008‬بشأن النظام الداخلي‪ ،‬ملجلس النواب املراجع في فاتح أغسطس‪. 9008‬‬
‫‪ -247‬املادة ‪ ) 99‬الفقرة األخيرة (ليس فيها ما يخالف الدستور مع مراعاة مالحظات املحكمة الدستورية)القرار رقم ‪ 80/00‬بشأنها ‪ ":‬حيث إن ما نصت عليه‬
‫الفقرة األخيرة من هذه املادة من أنه" يمكن للفرق وللمجموعات النيابية والنواب غير املنتسبين املنتمين للمعارضة أن يسحبوا التصريح املنصوص عليه أعاله‬
‫في أي وقت "ليس فيه ما يخالف الدستور‪ ،‬مع مراعاة أن يتم سحب التصريح كتابة‪ ،‬طبقا لقاعدة توازي األشكال‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملجموعات النيابية وغير املنتسبين يخولهم االستفادة من حقوق املخولة لهم في‬

‫النظام الداخلي والتي يمكن حصرها في النقط التالية ‪:‬‬

‫‪ ‬رئاسة لجنتين دائمتين‪ :‬نص الفصل ‪ 62‬من دستور ‪ 8133‬في فقرته الخامسة‬

‫على" تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة‪ ،‬على األقل"‪ .‬وهو األمر الذي‬

‫نص عليه الفصل العاشر من دستور ‪ 8133‬على تحديد رئاسة اللجنة املكلفة‬

‫بالتشريع بمجلس النواب‪ ،‬بينما سكت املشرع الدستوري عن ذكر اللجنة‬


‫ً‬
‫الثانية‪ ،‬بحيث ترك األمر مفتوحا للنواب عبر مقتضيات النظام الداخلي‬

‫لتحديد باقي اللجان وهو األمر التي تم إغفاله على مستوى اقراره في النظاميين‬

‫الداخليين لسنتي‪ 8138‬و ‪ ،8131‬وقد تم استدراك هذا األمر في النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪ 8139‬في مادته السبعون ‪ 91‬بتسمية اللجنة الثانية ‪ ،‬حيث‬


‫ُ‬
‫تمنح " باألسبقية لجنة مراقبة املالية العامة إذا تقدمت املعارضة ترشيحها‬
‫ً‬
‫"‪ ،‬مما يجعل اللجنة األولى تمنح وجوبا للمعارضة البرملانية‪ ،‬بينما الثانية‬

‫تبقى اختيارية‪ ،‬رغم أن املمارسة العملية خالل الوالية التشريعية التاسعة ‪،‬‬

‫تفيد أن املعارضة تستفيد من رئاسة أكثر من لجنة‪ .248‬األمر الذي يؤكد أن‬

‫واقع املمارسة متقدم على ما تم التنصيص عليه ضمن مقتضيات دستور‬

‫‪ ،8133‬الذي نص في فقرته األخيرة من الفصل ‪ 62‬على أن النظام الداخلي‬

‫يحدد " عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها‪ ،‬حيث يتم تخصيص‬

‫‪ -248‬حصيلة أشغال مجلس النواب للسنتين التشريعيتين ‪ 9009-9000‬و ‪،9008-9009‬الجزء األول‪ :‬هياكل مجلس النواب‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪،‬‬
‫العدد ‪ ،38‬ص ص ‪.090 -008‬‬

‫‪P 132‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة‪ ،‬على األقل‪ ،‬مع مراعاة‬

‫مقتضيات الفصل ‪ 31‬من هذا الدستور"‪ ،‬حيث نجد املعارضة البرملانية تترأس‬

‫أكثر من لجنة ‪.‬‬

‫‪ ‬إمكانية تشكيل لجان تقص ي الحقائق ‪ :‬عمل املشرع الدستوري على تخفيض‬

‫نصاب تفعيل مسطرة تشكيل اللجان النيابية لتقص ي الحقائق‪ ،249‬وهو ما‬

‫يشكل فرصة للمعارضة البرملانية من أجل تفعيل هذه اآللية الرقابية املهمة‬

‫والضغط على الحكومة من أجل تجويد مخرجات سياساتها العمومية‪ ،‬وفي‬

‫سياق تعزيز موقعها الرقابي من خالل عمل لجان تقص ي الحقائق فقد نصت‬

‫املادة ‪ 48‬من النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬على مجموعة من الحقوق لفائدة‬

‫املعارضة البرملانية والتي يمكن حصرها في النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تخصيص منصب رئيس أو مقرر اللجان النيابية لتقص ي الحقائق‬

‫لفرق املعارضة‪.‬‬

‫‪ ‬تعطى األسبقية في االختيار ما بين هذين املنصبين لفرق املعارضة‪ ،‬وال‬

‫يصح الترشح للمنصب الذي تم اختياره إال لعضو من فرق املعارضة‪.‬‬

‫‪ ‬تخصص لفرق املعارضة نصف الحصة الزمنية املخصصة ملناقشة‬

‫تقارير لجان تقص ي الحقائق‪.‬‬

‫ً‬
‫‪ -249‬نص دستور ‪ 9000‬في مادته ‪ 90‬على نصاب ثلث أعضاء مجلس النواب من أجل تشكيل لجان تقص ي الحقائق أي ‪ 089‬عضوا‪ ،‬عوض نصاب األغلبية‬
‫في دستور ‪ ،0229‬أي بانخفاض يقارب ‪ ،%90‬على اعتبار أن مجلس النواب من ‪ 821‬عضو ينتخبون باالقتراع العام املباشر عن طريق االقتراع بالالئحة‬
‫حسب تنص عليه املادة األولى من القانون التنظيمي رقم ‪ 90.00‬املتعلق بمجلس النواب الصادر بتاريخ الصادر بتاريخ ‪ 03‬أكتوبر ‪ ،9000‬عدد ‪ 1230‬بتاريخ‬
‫‪ 00‬أكتوبر ‪ ،9000‬ص ‪.1018‬‬

‫‪P 133‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬تمثل كافة فرق املعارضة في هذه اللجان‪.‬‬

‫‪ ‬املهام االستطالعية املؤقتة ‪ :‬تعتبر املهام االستطالعية للجان الدائمة من‬

‫بين أهم اآلليات الرقابية التي يستعين بها البرملان في تقييم السياسات‬

‫العمومية‪ ،‬وتتبع أعمال السلطة التنفيذية ومختلف املؤسسات العمومية‪،‬‬

‫وقد تم التنصيص عليها في املادة ‪ 41‬من النظام الداخلي لسنة ‪ ، 8138‬بحيث‬

‫" يجوز للجان الدائمة أن تكلف‪ ،‬بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة‬

‫مكتب اللجنة أو رئيس فريق أو ثلث أعضاء اللجنة‪ ،‬عضوا أو أكثر من‬

‫أعضائها‪ ،‬بمهمة استطالعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص‬

‫تشريعي معين‪ ،‬أو موضوع يهم املجتمع‪ ،‬أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة‬

‫واالدارات واملؤسسات واملقاوالت العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب‬


‫العامة‪250‬‬ ‫"‪ .‬إال أن عدم ترتيب آثار سياسية على تقاريرها املقدمة إلى الجلسة‬

‫يحد من تواضع حصيلة تفعيلها‪ .‬ومن أجل ضمان فعالية املعارضة البرملانية‬

‫من موقع اشتغال اللجنة املكلفة باملهام االستطالعية فقد نص على مجموعة‬

‫من الضمانات الدستورية الحصرية املهمة لفائدتها ‪.‬‬

‫‪ ‬يخصص منصب رئيس أو مقرر مهمة استطالعية لفرق املعارضة‪،‬‬

‫وتعطى األسبقية في االختيار ما بين هذين املنصبين لفرق املعارضة‪.‬‬

‫‪ -250‬تنص املادة ‪ 93‬من النظام الداخلي لسنة ‪ " 9000‬يحال تقرير اللجنة رفقة تقرير املهمة االستطالعية على مكتب املجلس الذي يقوم بدراسة التخاذ‬
‫قرار رفعه إلى الجلسة العامة "‪ .‬في حالة رفع تقرير اللجنة إلى الجلسة العامة ملناقشته‪ ،‬يمكن للحكومة من حضور الجلسة لإلجابة عن التساؤالت‬
‫واالستفسارات بمناقشة التقرير املذكور‪".‬‬

‫‪P 134‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي سياق ضمان تضمين مالحظاتها ضمن تقرير اللجنة في حالة ما إذا‬

‫الحظت عدم تسجيلها فقد تم التنصيص على أنه يحق لكل فريق أن‬

‫يتقدم بمذكرة توضح مواقفه من القضايا موضوع املهمة‬


‫ً‬
‫االستطالعية‪ ،‬وتلحق هذه املذكرة بالتقرير دون أن تعتبر جزءا منه‪.‬‬

‫‪ ‬العضوية في املحكمة الدستورية ‪ :‬عمل دستور ‪ 8133‬على ضمان حق إشراك‬

‫املعارضة البرملانية في اقتراح املترشحين وفي انتخاب أعضاء املحكمة‬

‫الدستورية‪ 251‬وذلك وفق الكيفيات املنصوص عليها في املادة ‪ 888‬من هذا‬

‫النظام الداخلي"‪ .252‬بحيث اشترط املشرع الدستوري وفق مقتضيات الفصل‬

‫‪ 311‬من دستور ‪ 8133‬خالل عملية التصويت باالقتراع السري على أعضاء‬

‫املحكمة الدستورية نصاب أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس‬

‫‪ ،‬بحيث ينتخب ستة أعضاء نصفهم من قبل مجلس النواب‪ ،‬وينتخب‬

‫النصف االخر من قبل مجلس املستشارين من بين املترشحين الذين يقدمهم‬

‫مكتب كل مجلس‪ .‬املالحظ إن نصاب ثلثي األعضاء يعتبر نصاب تعجيزي وال‬

‫ً‬
‫‪ -251‬ورد في خطاب امللك محمد السادس بمناسبة تقديم الدستور الجديد‪ ،‬الرباط‪ 00 ،‬يونيو ‪ 9000‬على أنه " وتأكيدا ملبدأ سمو الدستور والقانون‪،‬‬
‫تم االرتقاء باملجلس الدستوري إلى "محكمة دستورية " ‪ ،‬ذات اختصاصات واسعة ‪ ،‬تشمل‪ ،‬عالوة على صالحياته الحالية‪ ،‬مراقبة دستورية االتفاقيات‬
‫ً‬
‫الدولية‪ ،‬والبت في املنازعات بين الدولة والجهات‪ ،‬وتعزيزا للديمقراطية املواطنة‪ ،‬تم تخويل هذه املحكمة صالحية البت في دفوعات املتقاضين بعدم‬
‫دستورية قانون تبين للقضاء أن من شأنه املساس بالحقوق والحريات الدستورية ‪ ،‬أنظر‪ :‬الدستور الجديد للملكة املغربية ‪ ،9000‬املجلة املغربية لإلدارة‬
‫املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،939‬مطبعة املعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪ ،0‬سنة‪ ،9000‬ص ‪.300‬‬
‫ً‬
‫‪ -252‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 080‬من الدستور‪ ،‬ينتخب مجلس النواب‪ ،‬عند تشكيل املحكمة الدستورية ألول مرة‪ ،‬ثالثة أعضاء من بين املترشحين الذين‬
‫يقدمهم مكتب مجلس النواب‪.‬‬
‫الفرق واملجموعات النيابية‬‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫للترشيح‬ ‫املقترحة‬ ‫يتلقى مكتب املجلس األسماء‬
‫يعلن املكتب عن أسناء املترشحين قبل جلسة االنتخاب‪.‬‬
‫يتم التصويت على كل مرشح على حدة‪.‬‬
‫يتم التصويت باالقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضاء املجلس‪.‬‬

‫‪P 135‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تستطيع األغلبية البرملانية الحصول عليه‪ ،‬األمر الذي يوحي إلى أن غاية‬

‫املشرع من ذلك وهو محاولة بناء توافقات بين األغلبية واملعارضة‪ .‬األمر الذي‬

‫من شأنه أن يضمن بالضرورة حضور مكونات املعارضة البرملانية ضمن‬

‫تمثيلية عضوية املحكمة الدستورية‪.‬‬

‫‪ ‬املساهمة في الدبلوماسية البرملانية‪ :‬نصت املادة ‪ 45‬من النظام الداخلي لسنة‬

‫‪ 8131‬على املشاركة الفعلية في الدبلوماسية البرملانية‪ ،‬حيث يحق لفريق أو‬

‫أكثر من ِفرق املعارضة تقديم اقتراحات ملكتب املجلس بهدف تعزيز دور‬

‫الدبلوماسية البرملانية‪ .‬إذ تساهم املعارضة في جميع الشعب البرملانية بنسبة‬

‫ال تقل عن تمثيليتها ويراعى في تشكيل الوفود البرملانية في املهام الخارجية‬

‫حضور املعارضة‪.‬‬

‫‪ ‬العضوية بمكتب مجلس النواب ‪ :‬يخصص باألسبقية منصب محاسب و‪ /‬أو‬

‫منصب أمين ال يترشح لهما إال نائبة أو نائب من املعارضة لعضوية في مكتب‬
‫ً‬
‫مجلس النواب وذلك تفعيال ملقتضيات املادتين ‪46‬و‪ 34‬ومن النظام الداخلي‬

‫لسنة ‪ .8131‬يالحظ أن املادة األخيرة اتاحت للمعارضة الجمع بين املنصبين‬


‫ً‬
‫(املحاسب‪ /‬ومنصب أمين)‪ ،‬إال أن املمارسة البرملانية كرست عمليا حرمان‬

‫املعارضة من أحد املنصبين ‪.‬‬

‫‪P 136‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ً‬
‫‪ ‬العضوية في لجنة مراقبة صرف امليزانية ‪ :‬يخصص وجوبا منصب رئيس أو‬

‫مقرر لجنة صرف امليزانية لعضو ال يترشح فيه إال نائب أو نائبة من املعارضة‬
‫ً‬
‫وذلك طبقا ملقتضيات (املادة ‪ )49‬من النظام الداخلي لسنة ‪.8131‬‬

‫‪ ‬الحق في وسائل العمل‪ :‬نصت (املادة‪ )42‬من النظام الداخلي لسنة ‪8131‬‬

‫على حق املعارضة التوفر على االمكانيات املادية والبشرية للنهوض بمهامها‬

‫من اعتمادات وخبرات وفضاءات لالشتغال‪،‬‬

‫‪ ‬املبادرة التشريعية البرملانية ‪ :‬نص املشرع البرملاني على مجموعة من‬

‫املستجدات في مجال التشريع وذلك من خالل تمكينها من امكانات دستورية‬

‫تخولها الرفع من جاهزيتها واالرتقاء بمخرجات مبادراتها التشريعية‪ ،‬وفي سياق‬

‫تفعيل وأجرأة ذلك ‪ ،‬نصت املادة ‪ 86‬من النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬على‬

‫أن "يخصص يوم واحد على األقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين‪ ،‬ومن‬

‫بينها تلك املقدمة من قبل املعارضة"‪.‬‬

‫‪ ‬األسئلة الكتابية والشفوية ‪ :‬تنص املادة ‪ 324‬من النظام الداخلي لسنة ‪8131‬‬

‫على إجراءات تنظيمية تخص توجيه أسئلة شفهية أو كتابية إلى رئيس‬

‫الحكومة حول السياسة العامة أو إلى الوزراء حول السياسات الخاصة‬

‫بالقطاعات الحكومية ‪ .‬حيث " تحدد باتفاق مع الحكومة جلسة واحدة كل‬

‫شهر لألسئلة املتعلقة بالسياسة العامة املوجهة إلى رئيس الحكومة‪ ،‬وتقدم‬
‫ً‬
‫األجوبة عنها خالل الثالثين يوما املوالية إلحالة األسئلة على رئيس الحكومة‬

‫‪P 137‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬
‫ً‬
‫وفقا ألحكام الفصل ‪ .311‬كما تخصص نسبة من األسئلة الشفهية للمعارضة‬

‫ال تقل عن نسبة تمثيليتها"‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬الحيز الزمني لألسئلة الشفوية‪ :‬يحدد مكتب املجلس وفقا ملقتضيات املادة‬

‫‪ 322‬من النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬الغالف الزمني املخصص للجلسة‬

‫األسبوعية لألسئلة الشفهية في مدة ال تقل عن ساعة ونصف وال تزيد عن‬

‫الفرق واملجموعات النيابية واألعضاء‬


‫ثالث ساعات توزع بالتمثيل النسبي بين ِ‬
‫غير املنتسبين ويجب أال يقل النسبة املخصصة للمعارضة عن نسبة تمثيليتها‬

‫الفرق واملجموعات النيابية بتحديد املدة الزمنية التي خصصتها لكل‬


‫‪ .‬وتقوم ِ‬
‫سؤال على أن ال تقل مدة السؤال عن دقيقة واحدة‪.‬‬

‫‪ ‬التعقيبات اإلضافية‪ :‬تنظم املادة ‪ 321‬من النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬أحد‬

‫املستجدات الرقابية‪ ،‬حيث يخصص للتعقيبات اإلضافية غالف زمني ال يقل‬

‫عن خمس الحصة االجمالية لجلسة األسئلة الشفهية ‪ .‬ويعطى الحق في‬

‫التعقيبات االضافية على التوالي للنائبات والنواب غير املنتمين إلى الفريق أو‬

‫املجموعات النيابية طارحة السؤال تم لصاحب السؤال‪ .‬ويمنح رئيس‬

‫الجلسة الكلمة في إطار التعقيبات اإلضافية بالتناوب بين األغلبية واملعارضة‪.‬‬

‫ابتداء من املعارضة إذا كان واضع السؤال ينتمي إلى األغلبية‪ ،‬ومن األغلبية‬

‫إذا كان واضع السؤال ينتمي إلى املعارضة‪ ،‬مع مراعاة حقوق النواب غير‬

‫املنتسبين ألي فريق أو مجموعة نيابية على أساس القاعدة النسبية‪.‬‬

‫‪P 130‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬األسئلة الشفهية التي تليها مناقشة‪ :‬تنص املادة ‪ 324‬من النظام الداخلي‬

‫لسنة ‪ 8131‬على حق النائبات والنواب في تقديم أسئلة شفهية تليها مناقشة‪.‬‬

‫بحيث تنظم املناقشة بالتناوب بين األغلبية واملعارضة وعلى أساس قاعدة‬

‫التمثيل النسبي‪.‬‬

‫‪ ‬االستفادة من وسائل االعالم‪ :‬يسهر مكتب املجلس وفق املادة ‪ 329‬من النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪ 8131‬على تخصيص حيز زمني في وسائل االعالم العمومية‬

‫ألنشطة املجلس باتفاق مع الحكومة‪ ،‬مع مراعاة حق املعارضة املنصوص‬

‫عليها في الفصل العاشر من الدستور‬

‫‪ ‬االسئلة الشفهية املوجهة لرئيس الحكومة‪ :‬تنظم املادة ‪ 814‬من النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪ 8131‬األسئلة الشفهية الشهرية املوجهة إلى رئيس الحكومة‬

‫حول السياسة العامة‪ ،‬بحيث ال يمكن أن يتعدى عددها اثنان‪ .‬فإذا تعلق‬

‫األمر بوحدة املوضوع يتم طرح السؤال في حدود دقيقة واحدة لكل من‬

‫األغلبية واملعارضة‪ .‬كما تفتح مناقشة واحدة في شكل تعقيبات تعطى فيها‬

‫الكلمة بالتناوب بين فرق األغلبية وفرق املعارضة واملجموعات النيابية( مع‬

‫مراعاة حقوق النواب غير املنتسبين)‪.‬‬

‫‪ ‬توزيع الحيز الزمني لألسئلة الشفهية الشهرية‪ :‬تنص املادة ‪ 819‬من النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪ 8131‬على كيفية توزيع الغالف الزمني لجلسة األسئلة‬

‫الشفهية الشهرية املوجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة‪ ،‬بحيث‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫نصف الحصة الزمنية االجمالية لرئيس الحكومة‪ ،‬يوزع النصف األخر‬

‫مناصفة بين األغلبية واملعارضة ‪ ،‬توزع الحصة الزمنية املخصصة لفرق‬

‫ومجموعات ( األغلبية‪ /‬املعارضة) على أساس قاعدة التمثيل النسبي فيما‬

‫بينها‪ .‬تراعي في هذا التوزيع حقوق النواب غير املنتسبين ‪.‬‬

‫‪ ‬حق املعارضة البرملانية في التمويل العمومي‪ :‬نص الفصل العاشر من دستور‬

‫‪ 8133‬على أحقية املعارضة البرملانية االستفادة من التمويل العمومي‪ ،‬وفق‬

‫مقتضيات القانون‪ ،‬وهذا النوع من التمويل أخذت به مجموعة من التجارب‬

‫الدستورية‪ ،‬ألنها أنظمة ديمقراطية تأسست على صرح مؤسسات حزبية‬

‫قوية‪ ،‬حيث شكل لها الدعم املالي أحد مصادر تمتين عملها‪ ،‬وجعله يندرج‬

‫ضمن جهود بناء دولة الحق والقانون‪ ،‬وهكذا أصبحت ميزانية الدولة املغربية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحدد مبلغا ماليا كدعم سنوي لألحزاب‪ ،253‬ولتحديد كيفية توزيع هذا‬

‫الدعم‪ ،‬جرى اعتماد املشاركة في االنتخابات كشرط أولي البد منه ليستفيد‬

‫الحزب السياس ي من الدعم‪ ،254‬وتم تعزيز هذا الشرط من خالل ضرورة‬

‫الحصول على نسبة من عدد األصوات والتي تخول لك الظفر بمقاعد في‬

‫‪ -253‬ينص الفرع الثاني (املادة‪ ،)89‬الذي ينظم عملية الدعم السنوي املمنوح لألحزاب السياسية على منح "تمنح الدولة لألحزاب السياسية املؤسسة بصفة‬
‫قانونية دعما سنويا للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها‪ ،‬و ذلك وفق القواعد اآلتية بعده‪ :‬بحيث تخصص حصة سنوية جزافية لجميع األحزاب‬
‫السياسية املشاركة في االنتخابات العامة التشريعية و التي غطت نسبة ‪ 00‬في املائة على األقل من عدد الدوائر االنتخابية املحلية الخاصة بانتخابات‬
‫أعضاء مجلس النواب‪ ،‬توزع بالتساوي فيما بينها؛ انظر‪ :‬ظهير شريف رقم ‪ 0.00.099‬صادر في ‪ 93‬من ذي القعدة ‪ 99( 0389‬أكتوبر ‪، )9000‬بتنفيذ القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 92.00‬املتعلق باألحزاب السياسية‪.‬‬
‫‪ -254‬املادة ‪ 89‬من القانون التنظيمي ‪ 92.00‬املتعلق باألحزاب السياسية " تخصص حصة سنوية جزافية لجميع األحزاب السياسية املشاركة في االنتخابات‬
‫العامة التشريعية و التي غطت نسبة ‪ 00‬في املائة على األقل من عدد الدوائر االنتخابية املحلية الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس النواب‪ ،‬توزع بالتساوي‬
‫فيما بينها "؛ وأيضا املادة ‪ : 89‬يراعى في توزيع مبلغ مساهمة الدولة املشار إليها في املادة ‪ 83‬أعاله عدد األصوات التي يحصل عليها كل حزب على الصعيد‬
‫الوطني و عدد املقاعد التي يفوز بها كل حزب على الصعيد نفسه‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪P 148‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬
‫ً‬
‫املؤسسات املنتخبة‪ .255‬علما أن حق التمويل هو حق تستفيد منه جميع‬

‫الفرق البرملانية بغض النظر عن موقعها (أغلبية‪ /‬معارضة)‪.‬‬


‫ِ‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دور الرقابة الدستورية في تعزيز وظائف املعارضة البرملانية‬

‫مرت الرقابة الدستورية باملغرب بثالث مراحل أساسية؛ حيث نص دستور‬

‫‪ 3268‬على إحداث غرفة دستورية باملجلس األعلى ‪ ،‬بعد ذلك تم إحداث املجلس‬

‫الدستوري‪ 256‬مع مراجعة ‪ 14‬شتنبر ‪ ،3228‬ولم يشرع العمل به حتى عام ‪ ،3224‬وهو‬
‫ً‬
‫ما أكدته الحقا مراجعة ‪ 31‬شتنبر ‪ ،3226‬ليتوج هذا املسار بإحداث املحكمة‬
‫ُ‬
‫الدستورية التي نص عليها الفصل ‪ 382‬من دستور‪ " 8133‬تحدث محكمة دستورية‬
‫" ‪ ،‬والتي تم تنصيبها بتاريخ ‪ 4‬أبريل ‪ ،8139‬وقد ُ‬
‫اعتبرت كذلك ألنها تتمتع بنفس‬

‫الضمانات واالجراءات التي توجد لدى القضاء العادي‪ ،‬مع بعض الخصوصيات التي‬

‫تنفرد بها عنها من قبيل عدم قابلية قراراتها للطعن كما نص على ذلك الفصل ‪311‬‬

‫من الدستور‪ " :‬ال تقبل قرارات املحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن‪ ،‬وتلزم‬

‫كل السلطات العامة وجميع الجهات اإلدارية والقضائية"‪.257‬‬

‫‪ -255‬املادة ‪ 89‬من القانون التنظيمي ‪ 92.00‬املتعلق باألحزاب السياسية "يخصص دعم سنوي لألحزاب السياسية التي حصلت على نسبة ‪ 1‬في املائة على‬
‫األقل من عدد األصوات املعبر عنها في االنتخابات املشار إليها أعاله‪ ،‬و يوزع هذا املبلغ على أساس عدد املقاعد و األصوات التي حصل عليها كل حزب‬
‫سياس ي خالل نفس االنتخابات"‪.‬‬
‫‪ -256‬اشتغل املجلس الدستوري منذ تنصيبه في‪ 90‬مارس ‪ 0223‬في ظل دستوري ‪ 0229‬و‪ 0229‬واملرحلة االنتقالية من دستور ‪ 9000‬إلى عشية تنصيب‬
‫املحكمة الدستورية بتاريخ ‪ 3‬أبريل ‪ 9000‬مدى ثالثة وعشرين عاما أصدر خاللها ‪ 0009‬قرارا منها ‪ 91‬قرارا‪ ،‬يتعلق بالنظام الداخلي لكل من مجلس النواب‬
‫ومجلس املستشارين ‪.‬أنظر ‪ :‬اشتغل املجلس الدستوري منذ تنصيبه في‪ 90‬مارس ‪ 0223‬في ظل دستوري ‪ 0229‬و‪ 0229‬واملرحلة االنتقالية من دستور‬
‫‪ 9000‬إلى عشية تنصيب املحكمة الدستورية بتاريخ ‪ 3‬أبريل ‪ 9000‬مدى ثالثة وعشرين عاما أصدر خاللها ‪ 0009‬قرارا منها ‪ 91‬قرارا‪ ،‬يتعلق بالنظام‬
‫الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس املستشارين‪ ،‬أنظر‪ :‬رشيد املدور‪ ،‬القضاء الدستوري واألنظمة الداخلية للبرملان‪ ،9009 – 0298 ،‬سلسلة الحوار‬
‫العمومي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،9009‬ص ‪.0‬‬
‫‪ -257‬الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 088‬من دستور ‪.9000‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عرف مسار تطور الرقابة الدستورية باملغرب تعاقب هيئات على مستوى‬

‫مباشرة هذه املهمة‪ ،‬فمن غرفة دستورية تابعة للمجلس األعلى‪ ،‬إلى مجلس دستوري‬

‫مستقل عن جسم القضاء العادي‪ ،‬ثم دسترة محكمة دستورية باختصاصات أوسع‬

‫مع دستور ‪ .8133‬باملوازاة مع ذلك‪ ،‬تم االرتقاء بصالحيات هذه الهيئات بشكل‬

‫مضطرد‪ ،‬فمن رقابة دستورية على القوانين التنظيـمية واألنظمة الداخلية ملجلس ي‬

‫البرملان (رقابة إجبارية)‪ ،‬إلى رقابة دستورية على القوانين العادية (رقابة اختيارية)‬
‫َُ‬
‫لتتوج بالدفع بعدم الدستورية‪ 258‬التي تسمح لألفراد وألول مرة الولوج إلى العدالة‬

‫الدستورية في إطار الرقابة على الدستورية الالحقة‪.‬‬

‫شهدت دسترة املحكمة الدستورية في دستور ‪ 8133‬مجموعة من املستجدات‬

‫املهمة؛ من قبيل اختيار رئيس املحكمة دستورية فقد نص الفصل ‪ 311‬على أن "‬
‫ً‬
‫يعين امللك رئيس املحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم" ‪ ،‬خالفا‬

‫ملا كان منصوص عليه في دستور ‪ 3226‬من خالل الفصل ‪ ،92‬الذي ينص على أن‬

‫" يختار امللك رئيس املجلس الدستوري من بين األعضاء الذين يعينهم " ‪ .‬بينما‬

‫دساتير ‪ 3268‬و ‪ 3291‬و‪ 3298‬فإن رئيس الغرفة الدستورية‪ 259‬هو الرئيس األول‬

‫للمجلس األعلى‪ ،‬تم مع دستور ‪ 3228‬أصبح رئيس املجلس الدستوري شخص معين‬

‫من طرف امللك ‪.‬كما أن اختصاصه الجديد في مجال املصادقة على املعاهدات‬

‫‪ -258‬ينص الفصل ‪ 088‬من دستور ‪ 9000‬فهو ينص على أنه" تختص املحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر‬
‫في قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يـمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور"‬
‫‪ -259‬مارست الغرفة الدستورية اختصاصاتها منذ تنصيبها أول مرة بتاريخ ‪ 00‬ديسمبر ‪ 0298‬بمعية اللجنتين الدستوريتين املؤقتتين في ظل الدساتير الثالثة‬
‫(‪ 0299‬و‪ 0200‬و‪ )0209‬واملرحلة االنتقالية من دستور ‪ 0229‬وذلك ملدة أكثر من ثالثين سنة‪ ،‬وأصدرت خاللها ‪ 390‬مقررا‪ ،‬منها ‪ 01‬مقررا خاصا بمراقبة‬
‫القانون الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس املستشارين‪ ،‬أنظر ‪ :‬رشيد املدور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدولية خاصة تلك املتعلقة بحقوق اإلنسان من شأنه أن يقوي مركزه ويفسح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املجال واسعا أمامه ليرتاد آفاقا غير معهودة من ذي قبل وفي نفس السياق‪ ،‬سيشهد‬

‫موضوع حماية حقوق اإلنسان والنهوض بحرياته األساسية طفرة نوعية وتحوال‬

‫منقطع النظير في املستقبل القريب بفضل التفعيل األمثل للمقتض ى الدستوري غير‬
‫‪260.‬‬ ‫املسبوق وهو الدفع بعدم دستورية القوانين‬

‫شكل عنصر املزاوجة بين التعيين واالنتخاب أحد أبرز مستجدات منهجية‬

‫انتقاء أعضاء املحكمة الدستورية في دستور ‪ ، 8133‬وهو األمر الذي نصت عليه‬
‫ً‬
‫الفقرة األولى من الفصل ‪ " 311‬تتألف املحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا‪،‬‬

‫يعينون ملدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد‪ ،‬ستة أعضاء يعينهم امللك‪ ،‬من بينهم‬

‫عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى‪ ،‬وستة أعضاء ُينتخب نصفهم‬

‫من قبل مجلس النواب‪ ،‬وينتخب النصف اآلخر من قبل مجلس املستشارين من بين‬

‫املترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس‪ ،‬وذلك بعد التصويت باالقتراع السري‬

‫وبأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس" ‪ .‬كما عمل املشرع الدستوري‬

‫على اضافت اختصاص جديد للمحكمة الدستورية واملتمثل في اإلعالن عن شغور‬

‫املقعد البرملاني في الحالة التي يتم فيها تغيير االنتماء السياس ي أو الفريق البرملاني‪،261‬‬

‫وكذا املساهمة في‬ ‫ي‪262‬‬ ‫األمر الذي من شأنها الحد من ظاهرة الترحال السياس‬

‫‪ -260‬حميد اربيعي ‪ ،‬قراءة في قرارات املجلس الدستوري الصادرة في ظل الدستور الجديد‪ ،‬املجلة املغربية لالدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد رقم ‪،23‬‬
‫سنة ‪ .9008‬ص‪.033‬‬
‫‪ -261‬القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية‬
‫‪ -262‬أي أن أي أم الدستور لم يعد وثيقة سياسية تعبر عن توافق أطراف معينة بل وثيقة قانونية ملزمة يستوجب احترامها عقوبة قانونية‪ ،‬أنظر‪ :‬محمد‬
‫أتركين ‪ ،‬الدستور والدستورانية من دساتير فصل السلط إلى دساتير صك الحقوق ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪ ،‬ط‪،9000 ،0‬ص‪.03‬‬

‫‪P 143‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫استعادة رمزية الوفاء لالنتماء السياس ي الذي بموجبه النائب نال استحقاق التمثيل‬

‫النيابي‪ .‬وفي سياق التدقيق في شروط اختيار أعضاء املحكمة تم التنصيص على‬

‫املؤهالت التي ينبغي أن تتوفر عليها تلك الشخصيات واملتمثلة في " تكوين عال في‬

‫مجال القانون‪ ،‬وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية‪ ،‬والذين مارسوا مهنتهم ملدة‬

‫تفوق خمس عشرة سنة‪ ،‬واملشهود لهم بالتجرد والنزاهة‪. "263‬‬

‫منحت املحكمة الدستورية حق مراقبة األنظمة الداخلية لكل الهيئات املنظمة‬

‫بموجب قوانين تنظيمية‪ ،‬كما تم إضافة نوعا جديدا من الرقابة و هي الرقابة البعدية‬

‫حيث منحها حق النظر في كل دفع بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية‬

‫معروضة أمام املحاكم‪ ،‬عالوة على الحق في البت في دستورية االلتزامات الدولية‬

‫كذلك‬ ‫‪264.‬‬ ‫للمغرب ومراقبة صحة املراجعات الدستورية التي تتم عن طريق البرملان‬

‫احتفظت املحكمة الدستورية واملجلس الدستوري بنفس عدد أعضاء في اثنا عشر‬
‫ً‬
‫عضوا‪ ،‬حيث انطلقت تجربة الغرفة الدستورية للمجلس األعلى بخمسة أعضاء‬

‫فقط (الرئيس وقاض ي من الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى وأستاذ بكليات الحقوق‪،‬‬

‫وعضوين يعين أحدهما رئيس مجلس النواب‪ ،‬واآلخر رئيس مجلس املستشارين‪،‬‬

‫وذلك في مستهل مدة النيابة أو أثر كل تجديد جزئي)‪ .‬وقد أكد دستور ‪ 3298‬على أن‬

‫" ثالثة أعضاء يعينهم في مستهل مدة النيابة رئيس مجلس النواب بعد استشارة فرق‬

‫‪ -263‬الفصل ‪ 080‬من دستور ‪.9000‬‬


‫‪ -264‬بلفقيه عبد الحق‪ ،‬املحكمة الدستورية ما بين الطبيعة القانونية واملمارسة القضائية ودورها في تعزيز دولة القانون في النموذج املغربي‪ :‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ‪ ،‬أطروحة نيل دكتوراه في القانون العام‪ .‬السنة الجامعية‬
‫‪ .9003-9000‬ص ‪.91‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املجلس "‪ .‬إن منطق االستشارة يحيل بشكل مباشر على البحث عن ضرورة التوافق‪،‬‬

‫األمر الذي من شأنه ضمان فرص ملختلف مكونات املجلس التمثيل في الغرفة‬

‫الدستورية كما برز ذلك بشكل جلي مع دستور ‪.8133‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املعارضة البرملانية واجتهادات القضاء الدستوري‬

‫تعتبر مهمة الحفاظ على سمو القواعد الدستورية وظيفة أساسية مسندة إلى‬

‫املحاكم واملجالس الدستورية في األنظمة السياسية التي تعمل بتراتبية املنتجات‬

‫القانونية املكتوبة‪ ،‬بموازاة مع وجود تراتبية أخرى للهيئات املشرفة مباشرة على إنتاج‬

‫مختلف هذه األشكال القانونية كالبرملان والحكومة‪ ،265‬كما شكل االجتهاد القضائي‬

‫أحد املداخل األساسية في تمكين لحقوق املعارضة البرملانية‪ ،‬وحمايتها من أي تغول‬

‫لألغلبية البرملانية واستقوائها بأغلبيتها العددية في فرض رؤيتها ومنطقها في تفسير‬

‫وتأويل غير ديمقراطي لحقوقها‪ ،‬من هنا تكمن أهمية االجتهاد القضائي في االنتصار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للقواعد القانونية مضمونا وشكال‪ .‬وبالنظر إلى أن املؤسسة التشريعية اختارت‬

‫تنظيم حقوق املعارضة البرملانية في األنظمة الداخلية للمؤسسة التشريعية والتي‬

‫أوجب دستور ‪ 8133‬في فصله ‪ 318‬إحالة النظام الداخلي ملجلس النواب‪ ،266‬قبل‬

‫الشروع في تطبيقه على املحكمة الدستورية للبث في مطابقته للدستور‪ .‬أي أن‬

‫‪politiques et in : revue marocaine des sciences Adil Moussebbih, « la justice constitutionnelle au Maroc : Evolution et perspective », -265‬‬
‫‪.Rabat, Juin 2012, p 241 sociales, N° 3, V : 5, Edit : Top press-‬‬
‫‪ -266‬أن دسترة إجبارية إحالة النظام الداخلي للبرملان إلى القضاء الدستوري‪ ،‬لم تتـم إال بموجب دستور‪ ،0229‬وتكرست في دستور ‪ 0229‬بالفصل ‪" 02‬‬
‫‪...‬تحال القوانين التنظيـمية قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬والنظام الداخلي ملجلس النواب قبل الشروع في تطبيقه إلى املجلس الدستوري ليبت في مطابقتها‬
‫للدستور "‪،‬أنظر ‪ :‬الحبيب الدقاق‪ ،‬العمل التشريعي للبرملان‪ ،‬مقاربة نقدية للقانون البرملاني واملمارسة باملغرب‪ ،‬اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في‬
‫الحقوق‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪9002 ،‬اكدال الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪9000‬ـ‪ ،9009‬ص ‪.810‬‬

‫‪P 145‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القاض ي الدستوري قد حول الدستور إلى عمل قضائي ‪ ،‬ويتم الحد من السياسة‬

‫بواسطة العدالة‪ ،‬وتتم مراقبة األغلبية بواسطة العقوبة القضائية ‪.267‬‬

‫ينبغي التأكيد على أن الفصل ‪ 399‬من الدستور ينص على أن املجلس‬

‫الدستوري يستمر في ممارسة صالحياته إلى أن يتم تنصيب املحكمة الدستورية‬

‫املنصوص عليها في هذا الدستور‪ .‬حيث ساهمت قرارات القضاء الدستوري‬

‫(املجلس‪ /‬املحكمة ) في التمكين القانوني وحماية حق األقلية البرملانية من أي‬

‫استقواء للحكومة بأغلبيتها البرملانية‪ .‬ومن أجل إبراز ذلك سوف نعمل على تقديم‬

‫نماذج من قرارات للمجلس الدستوري واملحكمة الدستورية والتي يمكن من خاللها‬

‫الوقوف على مدى مساهمة اجتهادات القضاء الدستوري في التمكين القانوني‬

‫ملكونات املعارضة البرملانية‪.‬‬

‫تحديد مكونات املعارضة البرملانية ‪ :‬لم ُيعرف دستور ‪ِ 8133‬فرق املعارضة‬

‫البرملانية على اعتبار أن طبيعة الوثيقة الدستورية تتسم بطابع التجريد والعموم‬

‫وعدم الخوض في التفاصيل‪ ،268‬إال أن اجتهاد املجلس الدستوري من خالل النظر في‬

‫مقتضيات النظام الداخلي لسنة ‪ 8138‬للبث في مطابقته للدستور‪ ،‬حاول تدقيق‬

‫الفرق‬
‫سؤال استحقاق مكانة املعارضة البرملانية؛ هل هو موقع تحوزه فقط ِ‬
‫ً‬
‫البرملانية؟ استطاع القاض ي الدستوري أن يقدم لنا جوابا لذلك من قراره في شأن‬
‫َ‬
‫املادة‪ 41‬حيث اعتبر أن ما " ورد في هذه املادة من تخويل حقوق معينة ل"فريق "أو‬

‫‪Guenaire Michel : La constitution ou de la politique « REV Débat n° 64 , Mars-Avril 1991p152.-267‬‬


‫‪ -268‬مصطفى قلوش‪ ،‬املبادئ العامة للقانون الدستوري ‪،‬بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪، 0221‬ص ‪.913‬‬

‫‪P 146‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫" ِفرق "من املعارضة ليس فيه ما يخالف الدستور‪ ،‬مع مراعاة أن الفصل العاشر من‬
‫ْ‬
‫الدستور‪ ،‬وإن استخدم في فقرتيه الثالثة واألخيرة عبارة" ِفرق املعارضة "إال أنه‬

‫استعمل في فقرتيه األولى والثانية عبارة" املعارضة "بصيغة اإلطالق مما يستفاد منه‬

‫أن الحقوق املخولة للمعارضة‪ ،‬وكذا الواجبات الواقعة على عاتقها بموجب هذا‬

‫الفرق البرملانية‪ ،‬بل تشمل كافة مكونات املعارضة من‬


‫الفصل‪ ،‬ال تقتصر على ِ‬
‫مجموعات نيابية ونواب غير منتسبين‪269‬؛ لقد ساهم هذا االجتهاد في تأمين حقوق‬
‫ً‬
‫املعارضة البرملانية انسجاما واملقتضيات الدستورية الواردة في دستور ‪،8133‬‬

‫وخاصة في الفصل العاشر منه‪ ،‬إذ حاول تقديم تعريف وظيفي وليس داللي مما وسع‬

‫من مجال استفادة األقلية البرملانية في مختلف الحقوق الخاصة باملعارضة البرملانية‬
‫ً‬
‫وخصوصا املجموعات النيابية وغير املنتسبين‪ .‬هذا التعريف يمكن األقلية البرملانية‬

‫من االستفادة من الحقوق الدستورية التي خولها إياها دستور‪ 8133‬واألنظمة‬

‫الداخلية (‪.) 8139-8131-8138‬‬

‫تعزز هذا التحديد مع قرار املجلس الدستوري خالل نظره في مطابقة النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪ 8131‬ملقتضيات الدستور‪ ،‬حيث اعتبر أن ما ورد في شأن املادة ‪35‬‬

‫الفرق واملجموعات النيابية التي تختار االنتماء إلى املعارضة تقدم تصريحا‬
‫" من أن ِ‬
‫مكتوبا بذلك إلى رئيس املجلس‪ ،‬وأن هذا التصريح يمكن أن يسحب في أي وقت‪ ،‬وأن‬

‫ذلك كله ينشر في الجريدة الرسمية‪ ،‬ليس فيه ما يخالف الدستور‪ ،‬طاملا أن هذا‬

‫‪ -269‬القرار رقم ‪ ،09-392‬الصادر في ‪ 03‬فبراير‪ 9009‬بشأن النظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ‪.9009‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 9090‬بتاريخ ‪ 08‬فبراير‬
‫‪.9009‬‬

‫‪P 147‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اإلجراء ينطبق أيضا على النواب غير املنتسبين ألي فريق أو مجموعة نيابية "‪270‬؛ وهو‬
‫ً‬
‫ما يجعل حق االستفادة من حقوق املعارضة البرملانية انطالقا من التقيد بإجراء‬

‫النظام التصريحي‪ ،‬ال ينحصر فقط في مكون ِ‬


‫الفرق بل يشمل املجموعات النيابية‬

‫وغير املنتسبين ‪ .‬أمر يستفاد منه أن املعارضة البرملانية ال تقتصر فقط على ال ِفرق‬

‫بل تشمل املجموعات النيابية وغير املنتسبين مع التقيد بإجراءات شكلية‬

‫وموضوعية‪.‬‬

‫املشاركة في املنظمات واملؤتمرات ‪ :‬استطاعت مالحظة املجلس الدستوري في‬

‫شأن املواد ‪ 51‬و ‪ 53‬و‪ ، 54‬تأمين مشاركة املعارضة البرملانية ضمن مكونات مجلس‬

‫النواب في " املنظمات واملؤتمرات‪ ،‬وتشكيل الوفود‪ ،‬واملشاركة في لجان نيابية خارج‬
‫مقر مجلس النواب‪ ،‬وفي مجموعات األخوة والصداقة البرملانية‪َ ،‬‬
‫يتعين أن تشمل‬

‫املجموعات النيابية‪ ،‬ومع مراعاة ذلك فليس في هذه املواد ما يخالف الدستور‪ .271‬إنها‬

‫مالحظة من شأنها مساهمة أحد مكونات املعارضة البرملانية في االرتقاء بالوظيفة‬


‫ً‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬والسماح لها باالطالع على مجال ظل محفوظا فقط لألغلبية‬

‫البرملانية‪ ،‬وما ما يجعل خبرتها متواضعة ويرهن مستوى مشاركتها في التدبير الحكومي‬

‫املستقبلي في سياق التناوب على السلطة بالضعف والتواضع ‪.‬‬

‫إن عدم ادراج املجموعات النيابية ضمن مكونات املعارضة البرملانية في مجال‬

‫الدبلوماسية البرملانية‪ ،‬يعد أحد مبررات اعتبار املادة ‪ 50‬غير مطابقة للدستور‪:‬‬

‫‪ -270‬القرار ‪ 08-293‬الصادر بتاريخ ‪ 99‬أغسطس ‪ ،9008‬بشأن النظام الداخلي‪ ،‬ملجلس النواب املراجع في فاتح أغسطس‪. 9008‬‬
‫‪ -271‬القرار رقم ‪ ،09-392‬الصادر في ‪ 03‬فبراير‪ 9009‬بشأن النظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ‪.9009‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 9090‬بتاريخ ‪ 08‬فبراير‬
‫‪.9009‬‬

‫‪P 140‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬
‫ً‬
‫حيث إن هذه املادة تنص على أن املجلس يشكل في مستهل فترته النيابية شعبا وطنية‬

‫للفرق تمثل املجلس لدى املنظمات البرملانية‬


‫دائمة على أساس التمثيل النسبي ِ‬
‫الدولية والجهوية التي هو عضو فيها مع مراعاة مبدإ املناصفة‪ ،‬فإنها‪ ،‬فضال عن عدم‬

‫مراعاتها تمثيل املجموعات النيابية‪ ،‬تفتقر إلى بيان كيفية مساهمة فرق املعارضة‬

‫النيابية في" الدبلوماسية البرملانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه"‪،‬‬

‫طبقا ألحكام الفصل ‪10‬من الدستور‪ ،‬مما يجعلها مخالفة للدستور‪.272‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬فإن عدم استفادة املجموعات النيابية من الحقوق التي‬

‫خولها دستور ‪ 8133‬للمعارضة البرملانية يعد أحد الدفوعات األساسية للمجلس‬

‫الدستوري في اعتبار مادة غير مطابقة للدستور‪ ،‬وهو ما يفسر قراره في شأن املادة‬

‫‪ 19‬من النظام الداخلي لسنة ‪ " 8138‬حيث إنه‪ ،‬بناء على أن الدستور أقر‪ ،‬في فصليه‬

‫الفرق‪ ،‬فإن ما تضمنته هذه املادة في‬


‫‪61‬و ‪ ، 69‬وجود املجموعات النيابية إلى جانب ِ‬
‫الفرق وأعضاء اللجنة‬
‫الفقرة األخيرة منها من أن الكلمة تعطى فقط باألسبقية لرؤساء ِ‬
‫ثم لباقي أعضاء املجلس الحاضرين دون ذكر رؤساء املجموعات إسوة بنظرائهم رؤساء‬

‫الفرق النيابية‪ ،‬يجعل الفقرة األخيرة من املادة املذكورة غير مطابقة للدستور" ‪.273‬‬
‫ِ‬
‫كذلك موقف املجلس الدستوري في شأن املواد ‪ 40‬و ‪ 41‬و ‪ 42‬و‪ : 45‬حيث إن ما‬

‫تضمنته هذه املواد من حقوق ِلفرق املعارضة بمجلس النواب ليس فيه ما يخالف‬

‫‪ -272‬نفس القرار ‪.‬‬


‫‪ -273‬نفس القرار ‪.‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدستور‪ ،‬شريطة أن يشمل كذلك املجموعات النيابية والنواب غير املنتسبين ألي‬

‫فريق أو مجموعة نيابية املنتمين للمعارضة‪274‬؛‬

‫االرتقاء بالوظيفة الرقابية للمعارضة البرملانية‪ :‬إن السعي نحو تأمين حق‬
‫ً‬
‫املعارضة البرملانية في ممارسة الوظيفة الرقابية بعيدا عن أي تأويل مخل بحقها‬

‫الدستوري‪ ،‬فرض على املجلس الدستوري اعتبار ما تضمنه النظام الداخلي في‬

‫فقرته الثالثة من املادة ‪ "157‬أنه تخصص نسبة معينة من األسئلة الشفوية‬

‫للمعارضة دون تحديد لتلك النسبة مخالف للدستور الذي يستفاد من فصله‬

‫العاشر‪ ،‬أن إسهام املعارضة النيابية في العمل النيابي ينبغي أن ال يقل عن نسبة‬

‫تمثيليتها‪ 275" ،‬؛ وهو ما يعتبر حماية قانونية مهمة للمعارضة البرملانية في ممارستها‬

‫للوظيفية الرقابية ‪.‬‬

‫ضبط وسائل االشتغال‪ :‬نص قرار املجلس الدستوري رقم ‪ 38 /282‬على أن‬

‫النظام الداخلي للمجلس لسنة ‪ 8138‬يجب أن يتضمن تحديد الكيفيات والضوابط‬

‫التي تمكن املجلس من تنظيم أشغاله وممارسة االختصاصات املخولة له دستوريا‬

‫؛وهو تحول نوعي في طبيعة الرقابة الدستورية التي اتسعت لتشمل التنصيص على‬

‫اآلليات الكفيلة لضمان حقوق مكونات مجلس النواب وخاصة منها حقوق املعارضة‬

‫البرملانية‪ ،‬وهو األمر الذي اقره املجلس الدستوري في شأن املادة ‪ 160‬من النظام‬

‫الداخلي لسنة ‪،8131‬حيث اعتبر أن أما ما ورد فيها من أن مكتب املجلس يقوم‬

‫‪ -274‬القرار ‪ 08-293‬الصادر بتاريخ ‪ 99‬أغسطس ‪ ،9008‬بشأن النظام الداخلي‪ ،‬ملجلس النواب املراجع في فاتح أغسطس‪. 9008‬‬
‫‪ -275‬القرار رقم ‪ ،09-392‬الصادر في ‪ 03‬فبراير‪ 9009‬بشأن النظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ‪ ،9009‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،9090‬بتاريخ ‪ 08‬فبراير‬
‫‪.9009‬‬

‫‪P 158‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بتسجيل األسئلة الشفوية الجاهزة في جدول األعمال دون بيان لألساس الذي توزع‬

‫الفرق واملجموعات النيابية وكذا األعضاء غير املنتسبين‬


‫بناء عليه مساهمة كل من ِ‬
‫إليهما‪ ،‬فمخالف للدستور الذي ينص في الفصل العاشر منه على أن النظام الداخلي‬

‫ملجلس النواب يبين كيفية ممارسة فرق املعارضة لحقوقها‪ ،‬وألن عدم تضمين النظام‬

‫الداخلي لإلجراءات العملية من شأنه اإلضرار بحقوق املعارضة البرملانية‪.‬‬

‫الدعم املالي للمعارضة البرملانية‪ :‬نص الفصل العاشر من دستور ‪ 8133‬على‬

‫حق املعارضة البرملانية في االستفادة من التمويل العمومي‪ ،‬وفق مقتضيات القانون‪،‬‬

‫وقصد تحصين هذا الحق‪ ،‬دعا قرار املجلس الدستوري رقم ‪ 31/284‬في شأن املادة‬

‫‪ 88‬من النظام الداخلي لسنة ‪ 8131‬إلى أن عدم بيان كيفية استفادة أحد مكونات‬

‫املعارضة البرملانية‪ ،‬حيث نص مضمون القرار على ما يلي‪ " :‬لئن كانت الفقرة األخيرة‬

‫من هذه املادة أشارت إلى أنه" يراعى في هذا التوزيع حقوق املجموعات النيابية"‪ ،‬فإن‬

‫الفقرة األولى من نفس املادة بتنصيصها على أن مكتب املجلس يحدد املوارد املالية‬

‫املخصصة لدعم األنشطة للفرق النيابية تكون أغفلت بيان حقوق املجموعات‬

‫النيابية في تلك املوارد املالية وطريقة توزيعها‪ ،‬وهو ما يعد غير مطابق للدستور الذي‬

‫الفرق‪ ،‬من ضمن هيئات املجلس "؛ وهو ما يخول‬


‫يعتبر املجموعات النيابية‪ ،‬إلى جانب ِ‬
‫األقلية البرملانية حق االستفادة من موارد مالية تسعفها املساهمة في االرتقاء‬

‫بمخرجات العمل البرملاني وتجويده‪.‬‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حقوق تفضيلية لفائدة املعارضة البرملانية ‪ :‬لقد أثار موضوع توزيع التوقيت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املؤسسة‬ ‫مكونات‬ ‫بين‬ ‫كبيرا‬ ‫خالفا‬ ‫واألغلبية‬ ‫املعارضة‬ ‫بين‬

‫التشريعية(أغلبية‪/‬معارضة‪/‬حكومة) أسبوعية كانت أو شهرية‪ .‬وحيث إن العالقة‬

‫بين البرملان والحكومة‪ ،‬باعتبارهما سلطتين دستوريتين مستقلتين ومتعاونتين‪،‬‬

‫تخضع ملبدأ التوازن املقرر في الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور بما‬

‫ينطوي عليه ذلك من املساواة بينهما وتمتعهما بنفس الحقوق‪ ،‬األمر الذي يترتب‬

‫عنه ضرورة توزيع الحصة الزمنية اإلجمالية املخصصة ألسئلة النواب وأجوبة‬

‫الحكومة‪ ،‬مناصفة بينهما‪ .‬وذلك ألن قاعدة التمثيل الديمقراطي يأسس على نتائج‬
‫ً‬
‫االنتخابات‪ ،‬وفقا ألحكام الفصل الثاني وللفصلين ‪ 33‬في (الفقرة األولى) و‪ 49‬في‬
‫ً‬
‫(الفقرة األولى ) من الدستور؛ تقتض ي مبدئيا أن تؤول لألغلبية حصة زمنية تفوق‬

‫تلك التي تؤول للمعارضة‪ ،‬فإن املكانة التي حرص الدستور على تخويلها للمعارضة‪،‬‬

‫ال سيما بموجب الفصلين ‪31‬و ‪ 62‬منه تبرر‪ ،‬فيما يخص مناقشة موضوع يتصل‬

‫بالسياسة العامة للحكومة يتولى رئيسها اإلجابة عنها‪ ،‬العدول عن القاعدة املذكورة‬

‫بشكل استثنائي ومنح املعارضة نفس الحصة الزمنية املمنوحة لألغلبية‪ .‬لذلك قرر‬

‫القاض ي الدستوري أن ما نصت عليه املادة ‪ 819‬من النظام الداخلي من ثلث‬

‫الحصة الزمنية املخصصة ملجلس النواب مناصفة بين األغلبية واملعارضة ليس فيه‬

‫ما يخالف الدستور‪.276‬‬

‫‪ -276‬القرار رقم ‪ 08-293‬في شأن املادة ‪.900‬الصادر بتاريخ ‪ 99‬أغسطس ‪ ،9008‬بشأن النظام الداخلي‪ ،‬ملجلس النواب املراجع في فاتح أغسطس‪. 9008‬‬

‫‪P 152‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تقييم حصيلة الرقابة الدستورية‬

‫حملت الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 8133‬مستجد تخفيض النصاب املوجب في‬

‫تحريك مسطرة الطعن أمام املحكمة الدستورية‪ ،‬وذلك من أجل تیسير مهمة‬

‫املعارضة البرملانية‪ ،‬وتمكينها من ممارسة املهام املخولة لها بمقتض ى الدستور‬

‫والقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية الجاري بها العمل‪ ،‬وذلك بعدما كشفت‬

‫املمارسة على صعوبة إن لم تكن استحالة توفر النصاب القانوني للطعن في دستوریة‬

‫مجموعة من القوانين العادیة في إطار الدساتير السابقة‪ .‬إن معطيات الجدول التالي‬

‫سوف تمكننا من الوقوف على عينة من القرارات الصادرة عن املجلس الدستوري‬

‫من سنة ‪ 8133‬إلى ‪.8136‬‬

‫جدول رقم ‪ :3‬القرارات الصادرة عن املجلس الدستوري من سنة ‪ 8133‬إلى‬

‫‪8136‬‬

‫تطبيق‬

‫املنازعات النظام‬
‫األنظمة‬ ‫القوانين‬
‫الداخلي‬ ‫االنتخابية‬ ‫القوانين‬
‫الداخلية‬ ‫التنظيمية‬
‫ألعضاء البرملان ألعضاء‬

‫البرملان‬

‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2011‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪2012‬‬

‫‪P 153‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪4‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2013‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪2014‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2015‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2016‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪312‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪82‬‬ ‫املجموع‬

‫املصدر‪ :‬مجلة املحكمة الدستورية ‪ ،‬العدد األول ‪ 8139‬على موقع‬

‫‪https://cour-constitutionnelle.ma‬‬

‫يتبين من خالل معطيات الجدول أعاله هيمنة االحاالت املرتبطة باملنازعات‬

‫االنتخابية ألعضاء البرملان‪ ،277‬إذا بلغت ‪ 312‬إحالة بنسبة تقدر ‪ ، % 53.48‬وهو رقم‬

‫يؤشر على طبيعة انشغال املؤسسات الحزبية التي لها امتداد تنظيمي داخل مجلس‬

‫النواب خاصة املعارضة البرملانية باملنازعات االنتخابية‪ ،278‬وذلك من أجل الرفع من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عدد نوابها بالبرملان املغربي‪ ،‬ايمانا منها أن هذا األمر سوف ينعكس ايجابا على‬

‫موقعها في الخريطة السياسية ويحسن قدرتها التفاوضية مع املكونات الحكومية في‬

‫‪ -277‬هيمنة االحاالت التي تندرج ضمن الطعون االنتخابية حول املجلس الدستوري إلى قاض ي انتخابي بامتياز‪ ،‬ذلك أن الطعون التي أحيلت عليه منذ‬
‫ً‬
‫إحداثه بمقتض ى املراجعة الدستورية لسنة ‪ 0229‬حطمت أرقاما قياسية مقارنة بمجاالت تدخله األخرى ‪ .‬وهي نفس املالحظة التي يمكن تسجيلها مع‬
‫تطبيق مقتضيات دستور ‪ 92‬يوليو‪ .9000‬أنظر ‪ :‬حميد اربيعي ‪ ،‬قراءة في قرارات املجلس الدستوري الصادرة في ظل الدستور الجديد‪ ،‬املجلة املغربية‬
‫لالدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد رقم ‪ ،23‬سنة ‪ .9008‬ص‪.01‬‬

‫‪ --278‬إذا رجعنا إلى االحصائيات نجد أنه إلى حدود ‪ 9000‬أي ما يقارب ‪ 00‬سنة من وجود املجلس الدستوري كمؤسسة مستقلة‪ ،‬سنجد أنه‬
‫من أصل ‪ 390‬قرار متخذ من طرف املجلس الدستوري ‪ 933‬قرار يخص النزاعات االنتخابية‪ ،‬أي ما يعادل تقريبا ‪ %30‬من القرارات كلها‬
‫تعالج النزاعات االنتخابية‪ ،‬مما يجعل القاض ي الدستوري قاض ي انتخابي بامتياز‪ ،‬أنظر ‪ :‬بلفقيه عبد الحق‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.80‬‬

‫‪P 154‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حالة االنتماء إلى صفوف األغلبية‪ ،‬أو الرفع من وزنها السياس ي في التأثير على القرار‬

‫البرملاني من موقع املعارضة البرملانية‪.‬‬


‫ً‬
‫إن اللجوء إلى قضائية السياسة كان محتشما إذ باستثناء اإلحاالت الوجوبية‪،‬‬

‫أو الحاالت التي أول فيها الدستور أثناء وضع يده على امللف‪ ،‬فإن القاض ي الدستوري‬

‫لم تتح له الفرصة ‪ ،‬في العديد من تمارين التأويل‪ ،‬للتدخل لحل نزاعات الفاعلين‬

‫التأويلية‪ ،‬هل يعكس ذلك رغبة للفاعلين في ترك قواعد اللعب أسيرة العالقات‬
‫ً‬
‫السياسية وميزان القوى القائم؟ أم عدم ثقة في القضاء الدستوري‪ ،‬خصوصا أمام‬

‫" التسييس " املتزايد ملنطوق قراراته‪ ،‬وتقديمها على أنها تخدم الحكومة وليس‬

‫البرملان‪ ،‬األغلبية وليس املعارضة؟ أم ألن وظيفة حراسة الدستور ليست مخولة‬

‫صراحة للقاض ي الدستوري املغربي ‪.279‬‬

‫إن تواضع اإلحالة على القضاء الدستوري من طرف املعارضة البرملانية ساهم‬

‫في تواضع اجتهادات الرقابة الدستورية خالل الوالية التاسعة مثال (‪،)8136-8133‬‬

‫ويعزى هذا األمر إلى ''أن املنازعات الدستورية‪ ،‬في هذه املرحلة‪ ،‬لم تكن إال في حالة‬

‫عدم الوصول إلى التراض ي بين مختلف الفرقاء السياسيين املتمثلة داخل البرملان‬

‫"‪280‬وهو األمر الذي لن يمكن الرقابة الدستورية من الرفع من وتيرة ومنسوب تحصين‬

‫املمارسة البرملانية من أي مخالفة ملقتضيات دستور ‪ ،8133‬كما أن تواضع امكانات‬

‫الخبرة القانونية للمعارضة البرملانية جعلت من االحاالت التي تقدمت لم تسهم في‬

‫‪ -279‬محمد أتركين‪ ،‬مباحث في فقه الدستور املغربي‪ ،‬دار النشر املعاصرة‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،‬يونيو ‪ ،9090‬ص ‪.999‬‬
‫‪ -280‬عبد املنار اسليمي " مناهج عمل القاض ي الدستوري ‪:‬دراسة سوسيو قضائية'' ‪ ،‬منشو ا رت املجلة املغربية لإلدارة املحلية و التنمية‪ ،‬سلسلة ''‬
‫مؤلفات و أعمال جامعية ''عدد ‪ ، 65‬الطبعة األولى ‪،‬ص ‪.08‬‬

‫‪P 155‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االرتقاء باملمارسة البرملانية‪ ،‬ويتبين ذلك من خالل إقدام مجموعة من نواب‬

‫املعارضة البرملانية على تقديم عريضتين للطعن في عدم دستورية بعض مواد من‬

‫النظام الداخلي ملجلس النواب املصادق عليه في فاتح أغسطس ‪ ،8131‬وذلك بعد‬

‫إحالته إلى املجلس الدستوري بتاريخ ‪ 15‬أغسطس ‪ ،8131‬يلتمسون بموجبها من‬

‫املجلس الدستوري التصريح بعدم دستورية مجموعة من املواد في الطعن األول‪،‬‬

‫إلى املجلس الدستوري بتاريخ ‪ 15‬أغسطس ‪ ،8131‬يلتمسون بموجبها من املجلس‬

‫الدستوري التصريح بعدم دستورية مجموعة من املواد في الطعن األول (‪ 34‬و‪ 14‬و‬

‫‪ 43‬و ‪ 52‬و‪ 61‬و‪ 64‬و ‪ 316‬و ‪ 332‬و ‪ 322‬و ‪ 815‬و ‪ 816‬و ‪ 819‬و ‪ )881‬وفي الطعن الثاني‬

‫املواد ‪ 32‬و ‪ 88‬و ‪ 14‬و ‪ 29‬من نفس النظام الداخلي ‪ .‬وحيث أن الفصل ‪ 62‬يؤكد في‬

‫فقرته األولى "على أنه يضع كل من املجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت إال‬

‫أنه ال يجوز العمل به إال بعد أن تصرح املحكمة الدستورية بمطابقته ألحكام هذا‬

‫الدستور‪".‬‬

‫إن من بين مؤشرات ضعف فعالية املعارضة البرملانية‪ ،‬عدم قدرتها على تفعيل‬

‫صالحياتها‪ ،‬ويتجلى ذلك في عدم تحقق عنصر اليقظة املستمرة من أجل مراقبة‬

‫مدى تطابق القوانين الصادرة عن مجلس النواب مع املقتضيات الدستورية‪،‬‬

‫والطعن كلما بدى لها ذلك‪ ،‬لكن حصيلتها خالل الوالية التاسعة تبدو واضحة من‬

‫خالل ‪ 15‬قرارات أصدرها (املجلس‪/‬املحكمة) الدستورية‪ ،‬مما يوضع قلة الطعون‬

‫املوجهة للمحكمة الدستورية‪ .‬وهو ما يرهن عمل املعارضة البرملانية لحالة من‬

‫‪P 156‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الضعف التي استمرت رغم االمكانات الدستورية التي وضعت رهن إشارتها في دستور‬

‫‪ .8133‬أو ضمن مقتضيات النظام الداخلي ‪.‬‬


‫ً‬
‫البد من التأكيد على أن نجاعة العمل البرملاني مرتبطة أساسا بدينامية‬

‫الفرق البرملانية‪ ،‬وإن إقدامها على تحريك آليات مراقبة مدى دستورية بعض‬
‫اشتغال ِ‬
‫مواد النظام الداخلي‪ ،‬عليه أن يقابل من املحكمة الدستورية بتفاعل ايجابي‬
‫ً‬
‫خصوصا أن مقتضيات الفصل ‪ 62‬من دستور ‪ 8133‬لم تحدد مسطرة معينة أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نصابا ينبغي التقيد به لتحريك مسطرة املراقبة‪ ،‬لذلك اعماال للتأويل الديمقراطي‬

‫كان يتوجب على املحكمة قبول الطعن من الناحية الشكلية من أجل إقرار مساهمة‬

‫الفرق البرملانية بما فيها املجموعات النيابية في تطوير النظام الداخلي من خالل‬
‫ِ‬
‫مالحظاتهم‪ .‬وقد اصدر املجلس الدستوري بشأن عريضتي الطعن املذكورتين‪ ،‬قرارين‬

‫اثنين تحت رقم ‪ 288-31‬و‪ 281-31‬صادرين بالتتابع في ‪ 36‬أغسطس ‪ 8131‬و‪88‬‬


‫ً‬
‫أغسطس ‪ ،8131‬وصرح بشأنهما معا بعدم قبول الطعن‪.‬‬

‫وقد صرح عضو املجلس الدستوري سابقا رشيد املدور أنه قد " حان الوقت‬

‫إلتاحة الفرصة أمام جميع األطراف املعنية باألنظمة الداخلية للمجالس البرملانية‬

‫في أن تبدي مالحظاتها إلى القضاء الدستوري بمناسبة فحصه لتلك األنظمة‬

‫الداخلية‪ ،‬وذلك على نحو ما هو مقرر بالنسبة للقوانين العادية التي تحال للبث في‬

‫مطابقتها للدستور‪ ،‬وأخص بالذكر من األطراف‪ ،‬األقلية البرملانية والحكومة‪ ،‬فاألولى‬

‫‪P 157‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لحمايتها من استقواء األغلبية بتفوقها العددي والرقمي‪ ،‬والثانية لحمايتها من‬

‫تجاوزات السلطة التشريعية"‪.281‬‬

‫إن فتح املجال للفرق النيابية لتقديم طعونها في مقتضيات النظام الداخلي ‪،‬‬

‫بغض النظر عن مدى توفرها على النصاب املنصوص عليه في الفصل ‪ 318‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الدستور‪ ،‬يعد تأويال إيجابيا في سياق دعم موقع مكانة البرملانية خاصة ألجل تمكينها‬

‫من األدوات واآلليات التي تتيح لها االشتغال وجعل مخرجات النظام الداخلي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تنضبط للقانون نصا وروحا‪ .‬وكذا اتاحة الفرصة للمجلس الدستوري للمساهمة في‬

‫تعميق االختيار الديمقراطي على مستوى مختلف البنيات املؤسسية وفي مقدمتها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املؤسسة التشريعية‪ .‬علما أن املعارضة البرملانية واملجموعات النيابية تشكل مكونا‬

‫من مكونات مجلس النواب‪ ،‬مما يعطيها املشروعية في تقديم طعنها في النظام‬
‫ً‬
‫الداخلي للمجلس‪ ،‬خصوصا وأن الفصل ‪ 62‬من الدستور لم يحدد مسطرة معينة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أو نصابا معينا إلبداء وجهة نظر املجموعات النيابية في دستورية النظام الداخلي‬

‫املذكور ‪.‬‬

‫إن حرص اجتهادات القضاء الدستوري على توسيع مكونات املعارضة البرملانية‬

‫(الفرق‪ ،‬املجموعات النيابية‪ ،‬غير املنتسبين)‪ ،‬يعتبر خطوة جد مهمة‪ ،‬لم يقابله نفس‬
‫ِ‬
‫االهتمام في ممارسة مهامها الرقابية‪ ،‬إذ أن املادة ‪ 42‬تنص على أنه "يمكن للجان‬

‫الدائمة بمجلس النواب أن تخصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية‬

‫‪ -281‬رشيد املدور‪ ،‬النظام الداخلي ملجلس النواب – دراسة وتعليـق‪ ،-‬منشـورات مجلـس النـواب‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ 0399‬ه ‪2005‬م‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪.‬‬
‫ص‪.931‬‬

‫‪P 150‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها" وحيث أن الفقرة الثانية من الفصل‬

‫‪ 313‬من الدستور تنص على تخصيص جلسة سنوية من قبل البرملان ملناقشة‬

‫السياسات العمومية وتقييمها‪ ،‬مما يستفاد منه أن مناقشة السياسات العمومية‬

‫وتقييمها يتم من قبل مجلس ي البرملان في جلسات عمومية تعقد في نفس الفترة وليس‬

‫في نطاق اللجان البرملانية الدائمة‪ ،‬مما يكون معه ما تضمنته هذه املادة من إمكان‬

‫تقييم السياسات العمومية في إطار اللجان الدائمة مخالفا للدستور‪ .‬وهو ما اعتبر‬
‫ً‬
‫تقليصا من مساحات الوظيفة الرقابية التي يمكن للفرق البرملانية املساهمة من‬

‫خاللها في تقييم السياسات العمومية‪ .‬ومن تم الحد من سلطة مجلس النواب في‬

‫دمقرطة املخرج البرملاني بما يسمح من تطوير النموذج الديمقراطي املغربي‪.‬‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫في ختام هذا املقالة‪ ،‬نخلص إلى أن املعارضة البرملانية تعد لبنة أساسية في‬

‫بناء أنظمة سياسية معاصرة من خالل مساهمتها في توازن نسقه وتجويد مخرجات‬

‫املؤسسة التشريعية‪ ،‬لذلك فإن اجتهادات قرارات القاض ي الدستوري ساهمت‬

‫خالل مرحلة الوالية التشريعية التاسعة والتي تعد والية التأسيسية (‪)8136-8133‬‬

‫بعد املصادقة على دستور ‪ ،8133‬وكذا الوالية التشريعية العاشرة (‪،)8183 -8136‬‬

‫والتي تعتبر والية الستكمال ورش تنزيل الدستور؛ على تقوية وتحصين املركز القانوني‬

‫للمعارضة البرملانية ضمن اشتغال مجلس النواب خاصة واملؤسسة التشريعية عامة‬

‫‪ ،‬حيث مكنت عملية مراقبة القضاء الدستوري من تحديد الكيفيات والضوابط في‬

‫النظام الداخلي التي تمكن مجلس النواب من تنظيم أشغاله وممارسة االختصاصات‬

‫املخولة له دستوريا و تأمين حقوق املعارضة البرملانية من أي اقصاء محتمل من‬

‫طرف الحكومة أو أغلبيتها البرملانية ‪.‬‬

‫إن جزء من أسباب ضعف االحالة البرملانية لقضايا خالفية على أنظار القاض ي‬

‫الدستوري مرتبطة بالعائق القانوني املتعلق باقتصار االحالة على رئيس الحكومة أو‬

‫رئيس ي مجلس البرملان دون أن يتسع هذا الحق ليشمل مكونات املجلسين خاصة‬

‫املعارضة البرملانية ‪ ،‬لذلك حان الوقت إلتاحة الفرصة أمام جميع األطراف املعنية‬

‫باألنظمة الداخلية للمجالس البرملانية في أن تبدي مالحظاتها إلى القضاء الدستوري‬

‫بمناسبة فحصه لتلك األنظمة الداخلية‪ ،‬وذلك على نحو ما هو مقرر بالنسبة‬

‫‪P 168‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للقوانين العادية التي تحال للبث في مطابقتها للدستور‪ ،‬وأخص بالذكر من األطراف‪،‬‬

‫األقلية البرملانية والحكومة‪ ،‬فاألولى لحمايتها من استقواء األغلبية بتفوقها العددي‪،‬‬

‫والثانية لحمايتها من تجاوزات السلطة التشريعية‪ .‬كما أن سيادة منطق الترضيات‬

‫والتسويات بين الفرقاء السياسيين على حساب االنتصار للقواعد الدستورية جاء‬

‫كنتيجة منطقية الستمرارية االشتغال النسق السياس ي بمنهجية ايالء أهمية وأولوية‬

‫للعامل السياس ي على حساب العامل القانوني‪ ،‬ألن اتساع مجال االحالة البرملانية‬
‫ً‬
‫على القضاء الدستوري خاصة من طرف فرق املعارضة البرملانية املعنية أساسا‬
‫ً‬
‫بالدور الرقابي‪ ،‬سوف ينعكس ايجابا على مستوى جودة مخرجات االجتهاد القضائي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما وكيفا ‪.‬‬

‫في األخير ‪،‬إن من شأن اجتهادات القاض ي الدستوري باعتباره فاعل أساس ي في‬

‫النظام الدستوري املغربي خاصة بعد املصادقة على دستور ‪ ،8133‬والذي أسس‬

‫ملرحلة انتقال من الدساتير السياسية إلى دساتير صك الحقوق والحريات‪ .‬فقد شكل‬

‫جزء من استحقاقات هذا التحول الدستوري على مستوى املؤسسة التشريعية‬

‫االرتقاء بمكانة املعارضة البرملانية من خالل تمكينها من ضمان االستفادة من‬

‫االمكانات والضمانات الدستورية وكذا مقتضيات النظام الداخلي والتي تخول لها‬

‫تجاوز ادعاء ضعف حصيلتها بسبب ضعف الصالحيات القانونية‪ ،‬مما يخولها‬

‫ممارسة وظائفها ومحاولة تقديم بدائل ناجعة من شأنها تعزيز مسار دمقرطة الدولة‬

‫واملجتمع‪ .‬وهو اختيار سوف يتعزز معه الطلب على دور ومساهمة الرقابة الدستورية‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في تعزيز سمو الدستور وجعله مرجعا ناظما ومؤطرا للممارسة البرملانية الفضلى‪.‬‬

‫مع شرط تحقق قناعة الفاعلين بأهمية التأويل الدستوري للنص الذي تنقله‬
‫ً‬
‫ممارسة الفاعل السياس ي عموما من طابع الجمود إلى مستوى الحكامة البرملانية‪.‬‬

‫‪P 162‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫قائمة املراجع ‪:‬‬

‫املراجع باللغة العربية‬

‫‪ .3‬أم كلثوم جمال الدين‪ ،‬القانون البرملاني املغربي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬

‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬وجدة ‪.8116 – 8115‬‬

‫‪ .8‬بلفقيه عبد الحق‪ ،‬املحكمة الدستورية ما بين الطبيعة القانونية واملمارسة‬

‫القضائية ودورها في تعزيز دولة القانون في النموذج املغربي‪ :‬دراسة مقارنة‪،‬‬

‫جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫طنجة‪ ،‬أطروحة نيل دكتوراه في القانون العام‪ .‬السنة الجامعية ‪.8132-8139‬‬

‫‪ .1‬الحبيب الدقاق‪ ،‬العمل التشريعي للبرملان‪ ،‬مقاربة نقدية للقانون البرملاني‬

‫واملمارسة باملغرب‪ ،‬اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق‪ ،‬كلية العلوم‬

‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪8112 ،‬اكدال الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪8113‬ـ‪.8118‬‬

‫‪ .4‬رشيد املدور‪ ،‬القضاء الدستوري واألنظمة الداخلية للبرملان‪،8136 – 3261 ،‬‬

‫منشورات سلسلة الحوار العمومي‪ ،‬ط‪ ،3‬سنة ‪.8136‬‬

‫‪ .5‬رشيد املدور‪ ،‬النظام الداخلي ملجلس النواب – دراسة وتعليـق‪ ،-‬منشـورات‬

‫مجلـس النـواب‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪،‬ط‪.2005 ،3‬‬

‫‪P 163‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ .6‬عبد االاله فونتير‪ ،‬العمل التشريعي باملغرب‪ ،‬أصوله التاريخية ومرجعياته‬

‫الدستورية‪ ،‬دراسة مقارنة تأصيلية وتطبيقية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬سلسلة‬

‫دراسات وأبحاث جامعية‪.8114 - 4‬‬

‫‪ .9‬محمد أتركين ‪ ،‬الدستور والدستورانية من دساتير فصل السلط إلى دساتير‬

‫صك الحقوق‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.8119 ،3‬‬

‫‪ .2‬محمد أتركين‪ ،‬مباحث في فقه الدستور املغربي‪ ،‬دار النشر املعاصرة‪ ،‬ط‪،3‬‬

‫يونيو ‪.8181‬‬

‫‪ .2‬محمد بنيس‪ ،‬املوسوعة البرملانية‪ ،‬املسار البرملاني املغربي‪ ،‬من النشأة إلى‬

‫االنتقال الديمقراطي‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ط‪ ،3‬مطبعة املعارف‬

‫الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة‪.8119‬‬

‫مصطفى قلوش‪ ،‬املبادئ العامة للقانون الدستوري”‪ ،‬بابل للطباعة‬ ‫‪.31‬‬

‫والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪.3225‬‬

‫الدستور الجديد للملكة املغربية ‪ ،8133‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية‬ ‫‪.33‬‬

‫والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،846‬مطبعة املعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪ ،3‬سنة‪.8133‬‬

‫حميد اربيعي‪ ،‬قراءة في قرارات املجلس الدستوري الصادرة في ظل‬ ‫‪.38‬‬

‫الدستور الجديد‪ ،‬املجلة املغربية لالدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد رقم ‪ ،22‬سنة‬

‫‪.8131‬‬

‫‪P 164‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عبد املنار اسليمي " مناهج عمل القاض ي الدستوري ‪:‬دراسة سوسيو‬ ‫‪.31‬‬

‫قضائية'' ‪ ،‬منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية و التنمية‪ ،‬سلسلة ''‬

‫مؤلفات وأعمال جامعية ''عدد ‪ ، 65‬ط‪،3‬ص ‪.91‬‬

‫نصوص تنظيمية وتشريعية‬

‫‪ .3‬حصيلة أشغال مجلس النواب للسنتين التشريعيتين ‪ 8138-8133‬و ‪-8138‬‬

‫‪ ،8131‬الجزء األول‪ :‬هياكل مجلس النواب‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪ ،‬العدد‬

‫‪.41‬‬

‫‪ .8‬حصیلة عمل الحكومة في عالقتها مع البرملان‪ :‬السنة األولى من الوالية‬

‫التشريعية التاسعة ینایر‪/‬أكتوبر" ‪ ، 2012‬اململكة املغربیة‪. 2012،‬‬

‫‪ .1‬ظهير شريف بإصدار األمر بتنفيذ الدستور املغربي لسنة ‪3268‬بتاريخ ‪39‬‬

‫رجب ‪ 34/3128‬دجنبر ‪ ،3268‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 8636‬مكرر‪ 88 ،‬رجب‬

‫‪32(3128‬دجنبر ‪.)3268‬‬

‫‪ .4‬ظهير شريف رقم ‪ 3.33.366‬صادر في ‪ 84‬من ذي القعدة ‪ 88( 3418‬أكتوبر‬

‫‪، )8133‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 82.33‬املتعلق باألحزاب السياسية‪.‬‬

‫‪ .5‬ظهير شريف رقم ‪ 3.33.23‬صادر في ‪ 89‬شعبان ‪82( 3418‬يوليو‪ )8133‬بتنفيذ‬

‫شعبان‬ ‫مكرر‪82،‬‬ ‫الرسمية‪،‬عدد‪5264‬‬ ‫الجريدة‬ ‫الدستور‪،‬‬ ‫نص‬

‫‪11(3418‬يوليو‪.)8133‬‬

‫‪P 165‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ .6‬القانون التنظيمي رقم ‪ 89.33‬املتعلق بمجلس النواب الصادر بتاريخ الصادر‬

‫بتاريخ ‪ 34‬أكتوبر ‪ ،8133‬عدد ‪ 5229‬بتاريخ ‪ 39‬أكتوبر ‪.8133‬‬

‫‪ .9‬القرار ‪ 31-284‬الصادر بتاريخ ‪ 88‬أغسطس ‪ ،8131‬بشأن النظام الداخلي‪،‬‬

‫ملجلس النواب املراجع في فاتح أغسطس‪. 8131‬‬

‫‪ .2‬القرار رقم ‪ ،38-282‬الصادر في ‪ 14‬فبراير‪ 8138‬بشأن النظام الداخلي ملجلس‬

‫النواب لسنة ‪.8138‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6183‬بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪.8138‬‬

‫‪ .2‬النظام الداخلي لسنة ‪.8138‬الجريدة الرسمية عدد‪ 6189‬بتاريخ ‪ 15‬مارس‬

‫‪.8138‬‬

‫النظام الداخلي لسنة ‪ ،8139‬قرار املحكمة الدستورية في رقم ‪39/65‬‬ ‫‪.31‬‬

‫الصادر يوم االثنين ‪ 31‬من صفر ‪ 3412‬املوافق ل ـ ‪ 11‬أكتوبر ‪.8139‬‬

‫النظام الداخلي ملجلس النواب كما أقره مجلس النواب في جلسته‬ ‫‪.33‬‬

‫املنعقدة ي ـ ــوم الخميس ‪ 81‬رمضان ‪ 3414‬املوافق لفاتح غشت ‪.8131‬وكما‬

‫قض ى به املجلس الدستوري‪ ،‬في قراره رقم ‪ 8131/284‬بتاريخ ‪ 34‬شوال ‪3414‬‬

‫املوافق ل ‪ 88‬غشت ‪.8131‬‬

‫املراجع باللغة األجنبية‬

‫‪1. Adil Moussebbih, « la justice constitutionnelle au Maroc :‬‬

‫‪Evolution et perspective », in : revue marocaine des sciences‬‬

‫‪P 166‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

politiques et sociales, N° 3, V : 5, Edit : Top press - Rabat, Juin

2012.

2. Guenaire Michel : La constitution ou de la politique « REV

Débat n° 64 , Mars-Avril 1991.

P 167 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور وديع البقالي‬


‫دكتور يف القانون العام ‪ -‬املغرب‬

‫ضوابط سلطات الضبط اإلداري ضمانة فعالة للحقوق‬


‫والحريات‬
‫‪Controls of administrative control authorities are an effective guarantee of rights and freedoms‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫إن الضبط اإلداري باعتباره تلك اإلجراءات والتدابير التي تتخذها السلطات‬

‫املختصة لحماية األمن والنظام في املجتمع‪ ،‬يشكل مجاال مناسبا وخصبا لتقييد‬

‫حريات األفراد وذلك تحت ذريعة الحفاظ على النظام العام‪ ،‬حيث تملك إدارة‬

‫الضبط سلطة تقديرية لتحقيق ذلك الهدف‪ ،‬والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو‬

‫هل تخضع اإلدارة في تدخالتها لضوابط وقيود تحد من سلطاتها وتضمن عدم‬

‫تعسفها وانحرافها في استعمال تلك السلطة؟‬

‫إذا كانت اإلدارة بإصدارها لقرارات الضبط اإلداري تهدف إلى حماية النظام‬

‫العام‪ ،‬وذلك بتقنين وتنظيم ممارسة األفراد لحرياتهم‪ ،‬فهي ملزمة بمراعاة الحدود‬

‫والضوابط املرسومة لها من طرف القانون‪ .‬فإذا كان مفهوم النظام العام واسع وغير‬

‫‪P 160‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫محدد من الناحية القانونية‪ ،‬فإن ذلك ال يجب أن يكون وباال على حريات وحقوق‬

‫األفراد‪ ،‬لذلك فإن كل تدبير ضبطي من شأنه املساس بحرية فردية يجب أن يندرج‬

‫ضمن األعمال املخالفة للقانون‪ .‬ويشكل تقيد إدارة الضبط بمبدأ املشروعية‬

‫ضمانة مهمة للحقوق والحريات ‪ ،‬ذلك أن املبدأ يمثل في الدولة املعاصرة أهم‬

‫الضمانات الجدية لألفراد في مواجهة السلطة العامة‪ ،‬فهو يساهم في إخضاع الدولة‬

‫للقانون من خالل وجود مبادئ عليا تسمو على الدستور وتشريعات الدولة وتسبق‬

‫في وجودها وجود الدولة نفسها‪ ،‬كما تظهر قيمته وأهميته أيضا في مجال حماية‬

‫الحريات والحقوق‪ ،‬فالتأكيد على مبدأ املشروعية وضمان تطبيقه يعد أحد‬

‫الضمانات الالزمة الحترام الحريات وكفالتها ويتحقق ذلك بالتصدي ألي تجاوز يقوم‬

‫على إهدار مبدأ املشروعية والخروج عن إطاره‪.‬‬

‫باإلضافة ملبدأ املشروعية‪ ،‬تعد فكرة النظام العام من الضوابط األساسية‬

‫التي تقيد من سلطات الضبط اإلداري‪ ،‬باعتبارها الهدف الرئيس ي لكل القرارات‬

‫املرتبطة بمجال الشرطة اإلدارية‪ ،‬إال أن غياب التحديد الدقيق ملفهوم النظام العام‬

‫من الناحية القانونية‪ ،‬وكذا ما يميزه من مرونة وتطور‪ ،‬يمنح لسلطات الضبط‬

‫اإلداري هاشما مهما من حرية التصرف مما يعرض حقوق وحريات األفراد للخطر‬

‫واالنتهاك في أية لحظة‪ ،‬الش يء الذي يتطلب ضرورة تقييد السلطة التقديرية لإلدارة‬

‫بصدد تكييفها للحاالت املهددة للنظام العام والوسائل الكفيلة بمواجهتها‪ ،‬كما‬

‫يستدعي االمر تقييد اإلجراءات والقرارات الضبطية بقيود أخرى ال تقل أهمية‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مرتبطة أساسا بطبيعة الحرية والظروف املحيطة بها‪ .‬وهذا ما سنعالجه ضمن‬

‫محاور هذه الدراسة‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬فكرة النظام العام وانعكاساتها على سلطات الضبط اإلداري‬

‫املطلب األول‪ :‬النظام العام‪ :‬املفهوم‪ ،‬الخصائص والعناصر‬

‫أوال‪ :‬املفهوم‬

‫يعتبر النظام العام مفهوما واسعا وغامضا من الصعب إدراكه أو تحديده‪،‬‬

‫ولذلك نجد أن السلطات العمومية تحظى بهامش واسع من السلطة التقديرية‬

‫وقد أجمع أغلب الفقهاء على صعوبة وضع‬ ‫به‪282.‬‬ ‫بصدد تحديد حاالت املساس‬

‫تعريف جامع مانع للنظام العام‪ ،‬نظرا لتغيره ومرونته وارتباطه بتغير ظروف املكان‬

‫والزمان‪ .‬وذهب البعض إلى إضفاء طابع سلبي على فكرة النظام العام من خالل‬

‫تعريفه على أنه حالة واقعية تعارض حالة واقعية أخرى هي الفوض ى‬

‫واالضطرابات‪ 283.‬وذهب الفقيه هوريو في نفس االتجاه من خالل ربطه للنظام العام‬

‫فلم يعطي االهتمام إال للمظهر املادي‬ ‫ى‪284.‬‬ ‫بالحالة الواقعية املناهضة للفوض‬

‫للنظام العام‪ ،‬دون مظهره املعنوي أو األدبي‪.‬‬

‫باملقابل يذهب الفقيه ‪ George Burdeau‬إلى أن النظام العام فكرة ذات‬

‫مفهوم موسع يشمل كافة صور النظام العام‪ ،‬املادي واألدبي واالقتصادي‪ ،‬بل يمتد‬

‫‪282‬‬
‫‪YELLES CHAOUCHE (B) : "La liberté de communication et l'ordre public", Université d'Alger, Revue‬‬
‫‪Algérienne des sciences juridiques économiques et politiques, Vol. 36, n°1, 1998 p : 28.‬‬
‫‪ 283‬عادل أبو الخير ‪" :‬الضبط اإلداري وحدوده"‪ ،‬مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ص ‪.858 :‬‬
‫‪ 284‬محمد شريف إسماعيل عبد المجيد ‪" :‬سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة الحصول على‬
‫الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس ‪ ،8878‬ص ‪.56 :‬‬

‫‪P 178‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ليغطي كافة صور النشاط االجتماعي‪ 285.‬ونجد أن الفقيه ‪ ،Bernard‬قد خرج عن‬

‫اتفاق أغلب الفقهاء حول فكرة أن النظام العام مفهوم واسع وغير محدد‪ ،‬واعتبر‬

‫أن ذلك يؤدي إلى التشكيك في جدوى دراسة املفهوم في أساسه‪ 286.‬وقد اعتبر البعض‬

‫أن فكرة النظام العام هي فكرة قانونية محايدة وثابتة ال تتغير بتغير غايات املجتمع‪،‬‬

‫وبالتالي فهي تختلف عن فكرة الخير املشترك التي تختلف من دولة ألخرى حسب‬
‫فيها‪287.‬‬ ‫الفلسفة السائدة في املجتمع واالعتبارات السياسية املتدخلة‬

‫القضاء اإلداري بدوره لم يحدد تعريفا دقيقا للنظام العام وأحال في ذلك إلى‬

‫التعريف الفقهي‪ ،‬فقد قررت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة‬

‫الفرنس ي أن النظام العام –كما يعرفه الفقهاء‪ -‬هو األساس السياس ي واالجتماعي‬

‫واالقتصادي والخلقي الذي يقوم عليه كيان الدولة‪ ،‬أو بعبارة أخرى هو مجموعة‬
‫القواعد القانونية التي تنظم املصالح التي تهم املجتمع مباشرة أكثر مما تهم الفرد‪288.‬‬

‫واملالحظ أن القضاء اإلداري الفرنس ي كان في البداية يشترط في اجتهاداته أن‬

‫يكون النظام العام ماديا‪ ،‬بيد أنه ما لبث أن عدل عن هذا املوقف‪ ،‬واتجه في تحول‬

‫كبير إلى التوسع في تحديد مدلول النظام العام‪ ،‬بحيث يتسع ليشمل األخالق واآلداب‬

‫‪ 285‬منيب محمد ربيع ‪" :‬ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط اإلداري"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة عين‬
‫شمس‪ ،‬ص ‪.68 :‬‬
‫‪286‬‬
‫‪BERNARD (P) : "La notion d'ordre public en droit administratif", éd. 1962, p:230.‬‬
‫‪ 287‬صبري محمد السنوسي ‪" :‬االعتقال اإلداري بين الحرية الشخصية ومقتضيات النظام العام"‪ ،8886 ،‬ص ‪.89 :‬‬
‫‪ 288‬وديع البقالي‪ :‬النظام العام والحريات‪ ،‬مجلة القانون المغربي‪ ،‬عدد ‪ 8086 ،08‬ص ‪.878 :‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التي تتماش ى وتقاليد وأعراف املجتمع‪ 289.‬وسار االجتهاد القضائي في املغرب على نفس‬
‫املنوال‪290.‬‬

‫وعموما‪ ،‬يمكن القول أن فكرة النظام العام تهدف أساسا إلى املحافظة على‬

‫األسس والقيم السائدة في املجتمع‪ ،‬فهي تختلف باختالف املجتمعات كما تختلف‬

‫داخل املجتمع الواحد وذلك باختالف ظروف الزمان واملكان أيضا‪ .‬ولهذا نجد أن‬

‫النظام العام يتميز ببعض الخصائص املهمة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخصائص‬

‫‪ -‬النظام العام هو مجموعة من القواعد اآلمرة التي ال يجوز مخالفتها ‪:‬‬

‫يستهدف النظام العام املحافظة على القيم واملثل العليا في املجتمع‪ ،‬فهو يمثل‬

‫مجموعة من القواعد والنظم التي تقوم على ضبط السلوك االجتماعي وبالتالي ال‬

‫يجوز لألفراد انتهاكها‪ 291.‬وما يضفي أكثر الصفة اآلمرة على النظام العام أنه يهدف‬

‫الحفاظ على كيان املجتمع‪ ،‬وذلك من خالل التوفيق بين ممارسة الحريات وضرورات‬

‫الحياة االجتماعية‪ .‬خاصة وأن حماية الحريات تتبع للنظام العام‪ 292.‬فحماية هذا‬
‫وحرياتهم‪293.‬‬ ‫األخير يعد ضرورة لضمان ممارسة األفراد لحقوقهم‬

‫‪ -‬النظام العام ليس من صنع املشرع وحده ‪:‬‬

‫‪ 289‬عبد المنعم محفوظ ‪" :‬عالقة الفرد بالسلطة ‪ :‬الحريات العامة وضمانات ممارستها‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫ص ‪.887 :‬‬
‫‪ 290‬ويتضح ذلك من خالل اجتهادات الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى التي تأخذ بالمفهوم المادي واألدبي للنظام العام‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫‪BERNARD (P) : op.cit, p : 42.‬‬
‫‪292‬‬
‫‪Ibid, p : 75.‬‬
‫‪293‬‬
‫‪LUCHAIRE (F) : "La sûreté : Droit de l'homme ou sabre de M. Prud'homme ?", RDP, LGDJ, 1989, p :‬‬
‫‪630.‬‬

‫‪P 172‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الشك أن املشرع يقوم بدور هام في التعبير عن النظام العام وإرساء قواعده‪،‬‬

‫لكن ال يعني ذلك أنه يستطيع فرض النظام العام الذي يريده بالقوة‪ ،‬ذلك أن األخير‬

‫ليس نتاج النصوص القانونية وحدها‪ .‬وإنما املصدر املباشر للنظام العام يتمثل في‬

‫الوسط االجتماعي والسياس ي والفلسفي وحالة اآلداب السائدة في لحظة معينة‪،‬‬

‫ولذلك كان للتقاليد واألعراف املحلية قيمتها الكبرى في تكوين قواعد النظام‬
‫العام‪294.‬‬

‫كما أن القضاء يلعب دورا مهما في تحديد مضمون النظام العام مستمدا إياه‬

‫من واقع القضية املطروحة عليه‪ .‬فنظرا ألن النظام العام مفهوم غير محدد بشكل‬

‫دقيق ويتسم بالعمومية والغموض‪ ،‬فإن القاض ي اإلداري باعتباره منشئا للقواعد‬

‫ومفسرا لها‪ ،‬فإنه يتكفل بتحديد مضمون معين لهذا املفهوم‪ ،‬بصدد النظر في‬

‫املنازعات التي يكون فيها النظام العام بمثابة إشكالية في القضية‪ .‬والقاض ي هنا ال‬

‫يضع تعريفا محددا ودقيقا للمفهوم حتى ال يقيد نفسه مستقبال فيما يعرض عليه‬

‫من منازعات‪.‬‬

‫‪ -‬مرونة فكرة النظام العام ‪:‬‬

‫إن النظام العام فكرة مرنة ومتطورة‪ ،‬فهي تتغير باختالف ظروف الزمان‬

‫واملكان‪ ،‬ولذلك فهي ال تتفق مع النصوص القانونية الجامدة‪ ،‬فطبيعة النظام العام‬

‫املتطورة واملتكيفة مع مختلف الظروف واملستجدات‪ ،‬جعلته من أكثر املفاهيم‬

‫‪ 294‬وديع البقالي‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.273 :‬‬

‫‪P 173‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القانونية قدرة على التكيف والتأقلم مع واقع الحياة‪ 295.‬فما يعتبر من النظام العام‬

‫في دولة ال يعتبر كذلك في دولة أخرى‪ ،‬وكذلك تختلف مكونات النظام العام من‬

‫مجتمع آلخر وأحيانا داخل نفس املجتمع‪ ،‬فما كان يعتبر من النظام العام في وقت‬

‫معين في مجتمع ما قد ال يكون كذلك في الوقت الحاضر داخل نفس املجتمع‪ .‬كما‬

‫أن نطاق النظام العام يختلف باختالف النظام واملذهب السائدين في الدولة‪،‬‬

‫فمضمون النظام العام في دولة ذات نظام شمولي حيث تقيد الحريات ليس هو في‬

‫دولة ديمقراطية تحترم حقوق وحريات أفرادها‪ .‬هذا دون إغفال تأثير تزايد تدخل‬

‫الدولة في مختلف األنشطة االقتصادية واالجتماعية على نطاق النظام العام‪ ،‬بحيث‬

‫يتسع هذا األخير ليشمل أمورا كانت ال تعتبر من النظام العام في إطار الدولة الحارسة‬

‫التي تقتصر على التدخل في املجاالت التقليدية دون غيرها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العناصر‬

‫اتفق أغلب الفقه على أن النظام العام بمفهومه املادي يتضمن ثالثة‬

‫عناصر أساسية وهي األمن العام‪ ،‬السكينة العامة والصحة العامة‪.‬‬

‫األمن العام‪ :‬ويقصـد به اطمئنان األفراد والجماعات على أنفسهم وأموالهم من‬

‫خطر االنتهاكات التي يمكن أن تقع في األماكن العمومية‪ ،‬ومنع كل ما من شأنه تهديد‬

‫‪295‬‬
‫‪BERNARD (P) : op.cit, p : 227.‬‬

‫‪P 174‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أمن واستقرار البلد‪ 296.‬فهو عنصر النظام العام الذي يتضمن غياب األخطار التي‬

‫تهدد الحياة‪ ،‬وحماية حق امللكية لألفراد‪ ،‬وتدارك أخطار الحوادث‪.‬‬

‫ويعد مصطلح األمن العام األقرب إلى مفهوم النظام العام‪ ،‬حيث يتم استعماله‬

‫في أحيان كثيرة للداللة على هذا األخير‪ ،‬باعتباره مرادفا له‪ .‬فباإلضافة إلى األمن‬

‫العام يتم استعمال مفاهيم شبيهة به للداللة على النظام العام بمفهومه الواسع‬

‫فاألمن العام يعد تعبيرا‬ ‫الدستوري‪297.‬‬ ‫كاألمن الوطني والوحدة الترابية والنظام‬

‫واضحا عن املفهوم األمني للنظام العام‪ ،‬فهذا األخير تملك إدارة الضبط اإلداري‬

‫بصدده سلطات تقديرية واسعة لتقييد الحريات الفردية‪ ،‬بخالف املفهوم‬

‫الديمقراطي للنظام العام الذي يعمل أكثر على خلق التوازن بين متطلبات األمن‬
‫الحريات‪298‬‬ ‫والنظام وممارسة‬

‫الصحة العامة‪ :‬ويقصد بحماية الصحة العامة‪ ،‬اتخاذ اإلجراءات الكفيلة‬

‫والالزمة للوقاية من األمراض واألوبئة‪ ،‬وذلك عن طريق املراقبة املستمرة لألغذية‬

‫واملياه واملطاعم وجميع املحالت التي يرتادها األفراد والتي يمكن أن تشكل خطرا على‬

‫صحتهم‪ ،‬ويندرج في نطاق حماية الصحة العامة أيضا الحمالت العمومية لإلرشاد‬

‫والتوعية التي تقوم بها السلطات العمومية لنفس الهدف‪.‬‬

‫السكينة العامة‪ :‬يقصد بحماية السكينة العامة املحافظة على الهدوء‬

‫والطمأنينة في الطرق واألماكن العامة‪ ،‬ويتحقق ذلك بمنع كل ما من شأنه أن يؤدي‬

‫‪ 296‬ثورية لعيوني ‪" :‬القانون اإلداري المغربي"‪ ،‬دار النشر الجسور‪ ،‬وجدة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،8888‬ص‪.825:‬‬
‫‪297‬‬
‫‪YELLES CHAOUCHE (B) : op.cit, p : 39.‬‬
‫‪298‬‬
‫‪BURDEAU (G) : "Les libertés publiques", 4 ème éd., LGDJ, Paris, 1972, p : 32.‬‬

‫‪P 175‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إلى إقالق راحة املواطنين كالضوضاء الناتج عن أبواق السيارات ومكبرات الصوت‬

‫وخاصة في الليل‪ ،‬وكذا تصرفات الباعة املتجولون واملتسولون في األماكن‬


‫العمومية‪...‬إلخ‪299.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة تدخل ضمن‬

‫العناصر التقليدية للنظام العام‪ ،‬لكن هناك من يضيف عناصر أخرى إلى هذه‬

‫العناصر‪ ،‬فنظرا للتطور الذي تعرفه املجتمعات الحديثة وازدياد تدخل الدولة في‬

‫مختلف مجاالت الحياة‪ ،‬أصبحت العناصر التقليدية غير كافية ملواجهة مختلف‬

‫صور اإلخالل بالنظام العام‪ ،‬لذا فإن عناصر جديدة تنضاف إلى فكرة النظام العام‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تطور فكرة النظام العام‬

‫إن امتداد فكرة النظام العام‪ ،‬جاء نتيجة ملرونته وقابليته للتطور والتغير‬

‫للتكيف مع مختلف املستجدات والظروف الزمانية واملكانية‪ .‬فلم يعد مفهوم النظام‬

‫العام يقتصر كما قلنا على عناصره التقليدية املتمثلة في األمن العام والسكينة‬

‫العامة والصحة العامة‪ ،‬ولم يعد يحيل فقط إلى انعدام الفوض ى‪ ،‬فانتقل من‬

‫املفهوم التقليدي الذي يحكمه الهاجس األمني الضيق إلى مفهوم أكثر اتساعا يغطي‬

‫مجاالت لم تكن تندرج ضمن العناصر التقليدية السابقة‪ .‬وقد كان التساع دور‬

‫الدولة كما سبق وأن أشرنا‪ ،‬وتدخلها في مجاالت أوسع من األمن والدفاع والخارجية‬

‫‪ 299‬عبد المنعم محفوظ ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.880 :‬‬

‫‪P 176‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والعدل‪ ،‬لتشمل امليادين االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪...‬إلخ‪ ،‬دوره‬

‫الحاسم في هذا االمتداد‪.‬‬

‫أ‪ -‬النظام العام الخلقي ‪:‬‬


‫الواسع‪300،‬‬ ‫إن النظام العام الخلقي هو مكون آخر للنظام العام بمفهومه‬

‫وليس النظام العام املادي واملحسوس‪ ،‬املناقض للفوض ى واالضطرابات‪ ،‬وذلك كون‬

‫النظام العام األدبي ذو مضمون معنوي يعبر عن األفكار واملشاعر واملعتقدات‪.‬‬

‫ويفرض النظام العام الخلقي‪ ،‬حماية اآلداب العامة واألخالق الحميدة من‬

‫اإلخالل بها‪ ،‬واملالحظ أنه ال يوجد مفهوم دقيق ومحدد لآلداب أو األخالقيات أو ما‬

‫شابههما‪ .‬حيث يختلف مفهومها بحسب العادات والتقاليد املتعارف عليها في‬
‫الفردية‪301.‬‬ ‫املجتمع‪ ،‬وكذا مدى تقبل هذا األخير للتصرفات‬

‫كان هناك في السابق شبه إجماع على أن تهديد النظام العام الذي يبيح لإلدارة‬

‫التدخل وفقا لسلطات الضبط اإلداري ينبغي أن يكون تهديدا ماديا‪ .‬ولذلك لم يكن‬

‫من الجائز استعمال هذه السلطات لحماية املشاعر أو األخالق أو األمور األدبية‬

‫واملعنوية عموما إال إذا تبين أن األمر يؤدي إلى املساس املادي بالنظام العام‪ 302.‬وقد‬

‫كرس االجتهاد القضائي ذلك التوسع في فكرة النظام العام ليشمل النواحي املعنوية‬

‫كاألخالق واآلداب‪ ،‬وقد اعتبر القضاء الفرنس ي العديد من الحاالت منافية للنظام‬

‫‪300‬‬
‫‪YELLES CHAOUCHE (B) : op.cit, p : 41.‬‬
‫‪ 301‬ربيع محمد منيب ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.75 :‬‬
‫‪ 302‬محمد مرغيني خيري ‪":‬الوجيز في القانون اإلداري المغربي"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبوعات دار المغرب ‪.8872‬ص ‪.807 :‬‬

‫‪P 177‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العام األدبي كعرض املطبوعات املخلة باآلداب العامة عالنية‪ ،‬وارتياد القاصرين‬
‫واملالهي‪...‬إلخ‪303.‬‬ ‫لبعض املحالت‬

‫إن اآلداب العامة أو حسن اآلداب يقصد بها مجموعة األسس األخالقية التي‬

‫يقوم عليها نظام املجتمع والتي يعتبرها األفراد أنها واجبة االتباع في عالقاتهم ولذلك‬

‫ال يباح الخروج عليها عن طريق االتفاقات الخاصة املخالفة‪ .‬وملا كانت فكرة اآلداب‬

‫العامة تشمل مجموع املصالح والقواعد األخالقية التي يقوم عليها نظام الجماعة‪،‬‬

‫فهي تتصل بنظام املجتمع وتمس كيانه ولذلك فإن هذه الفكرة تندرج ضمن فكرة‬

‫أوسع وأشمل وهي فكرة النظام العام بمعناها الواسع‪.‬‬

‫ب‪ -‬النظام العام االقتصادي ‪:‬‬

‫يمكن أن نعرف النظام العام االقتصادي بشكل عام على أنه تدخل الدولة في‬

‫املجاالت االقتصادية واتخاذ التدابير الالزمة لحماية االقتصاد من املخاطر‬

‫واالضطرابات‪ ،‬وذلك من خالل شرطة الضبط االقتصادي التي تقوم بتنظيم‬

‫األنشطة االقتصادية‪.‬‬

‫واملالحظ أن النظام العام االقتصادي يعتبر مفهوما واسعا‪ ،‬فهو يرتبط‬

‫بالنظريات االقتصادية واالجتماعية في لحظة معينة‪ ،‬الش يء الذي يشكل خطرا على‬
‫سياسية‪304.‬‬ ‫حريات األفراد‪ ،‬خاصة مع توظيف القانون واملفاهيم القانونية ملصالح‬

‫‪303‬‬
‫‪Voir : WALINE (M) : "Précis de droit administratif", éd. Montchristien, Paris, 1969., p : 440.‬‬
‫‪304‬‬
‫‪BERNARD (P) : op.cit, p : 40.‬‬

‫‪P 170‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتحظى إدارة الضبط االقتصادي أو الشرطة االقتصادية بسلطات واسعة‬

‫التخاذ من التدابير ما تراه مناسبا لحماية النظام العام االقتصادي األمر الذي يشكل‬

‫في كثير من األحوال مساسا بحرية املبادرة وما تكفله لألفراد من حرية التجارة‬

‫والصناعة‪ 305.‬فاملساس بالحريات ال يستدعيه حماية النظام العام التقليدي فقط‪،‬‬


‫االقتصادي‪306.‬‬ ‫وإنما أيضا يقتضيه حماية النظام العام‬

‫ج‪ -‬النظام العام الجمالي ‪:‬‬

‫لقد أثيرت مشكلة املحافظة على جمالية املدن من طرف الفقه الفرنس ي ومدى‬

‫اعتباره من عناصر النظام العام التي تبرر تدخل سلطات الضبط اإلداري للمحافظة‬

‫عليها‪ .‬فاعتبر جانب من الفقه أن مسألة املحافظة على جمال الرونق والرواء ال تبرر‬

‫ذلك التدخل إال إذا تالقت بصورة ما مع أحد عناصر النظام العام التقليدية‪،‬‬

‫كاملحافظة على الصحة العامة مثال وما يستتبعه من العناية بالبيئة ومحاربة التلوث‪.‬‬

‫في حين نجد جانب من الفقه ال يشترط ذلك التالقي معتبرا املحافظة على جمالية‬
‫اإلداري‪307.‬‬ ‫املدن عنصرا من عناصر النظام العام التي تبرر تدخل سلطات الضبط‬

‫وكان مجلس الدولة الفرنس ي يشترط وجود نصوص قانونية صريحة العتبار‬
‫لحمايته‪308.‬‬ ‫املحافظة على جمال الرونق من النظام العام ويبرر تدخل السلطات‬

‫‪305‬‬
‫‪YAHYA (M) : "La notion d'autorité entre le droit et la politique au Maroc", Thèse, Université‬‬
‫‪Mohamed V, Rabat, 1998, p : 101.‬‬
‫‪306‬‬
‫‪LEMASURIER (J) : "Vers un nouveau principe général du droit", Le principe "Bilan-Caut-Avantages",‬‬
‫‪Mélanges WALINE (M) : "Le juge et le droit public", Tome II, Paris, LGDJ, Juillet 1974, p : 551.‬‬
‫‪ 307‬عادل أبو الخير ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.806 :‬‬
‫‪308‬‬
‫‪CE 4 Mai 1828, Leroy, Rec. 178.‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لكن بعد ذلك عدل من موقفه‪ 309.‬وبالتالي أضحت اإلجراءات التي تتخذها سلطة‬
‫السلطة‪310.‬‬ ‫الضبط اإلداري العتبارات الجمال ال يشوبها انحراف في استعمال‬

‫إن االمتداد والتوسع في فكرة النظام العام الشك أن له انعكاسات سلبية كثيرة‬

‫على مجال ممارسة الحقوق والحريات الفردية‪ ،‬ألن ذلك التوسع واكبه تشديد‬

‫وامتداد للقيود والعراقيل املفروضة على تلك املمارسة مما يجرد األفراد من الكثير‬

‫من حقوقهم وحرياتهم بدعوى تهديدها للنظام العام بمفهومه الواسع سواء املادي‬

‫أو املعنوي‪ .‬فعندما تصبح األخالق واآلداب مندرجة ضمن مفهوم النظام العام‪ ،‬فإن‬

‫كل ما من شأنه املساس بها يشكل إخالال بهذا األخير‪ .‬ومع أن مفهوم اآلداب العامة‬

‫أو األخالق الحميدة أو ما شابههما تعتبر أفكارا عامة ونسبية تختلف من مجتمع آلخر‪،‬‬

‫فإن مسألة تقدير حاالت املساس بها يعود للسلطات اإلدارية املعنية‪ ،‬الش يء الذي‬

‫سيوسع من نطاق السلطة التقديرية لإلدارة في هذه الحالة‪ ،‬وقد كانت هذه األخيرة‬

‫تحظى أصال بهامش كبير من الحرية في تقدير مفهوم النظام العام التقليدي‪ .‬وهكذا‬

‫ففي الوقت الذي ينتظر فيه الفرد التقليص من نطاق السلطة التقديرية لإلدارة في‬

‫املجال الضبطي أساسا‪ ،‬يجد نفسه أمام إدارة ضبطية تتسع سلطاتها أكثر فأكثر مع‬

‫التطور الذي طرأ على النظام العام‪ ،‬وفي مثل هذا الوضع ليس بوسعنا إال التشكيك‬

‫‪309‬‬
‫‪CE 23 octobre 1936, Union parisienne des syndicats de l'imprimerie, Rec. 966.‬‬
‫‪310‬‬
‫‪CE 2 Août 1924 Leroux, Rec 780.‬‬
‫‪CE Mars 1941, Cie nouvelle des chalets de commodités, Rec. 44.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪P 108‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫في كل ما يقال حول الرغبة في تحسين العالقة بين السلطة والفرد وتحقيق التوازن‬

‫والتوافق من خاللها‪.‬‬

‫لكن باملقابل نجد أن هناك جانب إيجابي لتوسع وتطور فكرة النظام العام‬

‫يتمثل في تعزيز وتقوية الحماية الفعالة للنظام العام واملصلحة العامة على حد‬

‫سواء‪ ،‬من خالل ردع كل من سولت له نفسه املساس باألخالق واآلداب السائدة في‬

‫املجتمع مما يضمن احترام تقاليده وأعرافه وعقيدته‪ .‬فالنظام العام بمفهومه‬

‫املعنوي يفرض حماية كيان املجتمع من كل ما يمس مشاعره وأخالقه ومعتقداته‪.‬‬

‫الش يء الذي سيساهم في القضاء على الكثير من املمارسات والظواهر الدخيلة على‬

‫املجتمع‪ ،‬والتي في غياب تدخل فعال من قبل السلطات الضبطية سيشجع من‬

‫التصرفات الشاذة لبعض األفراد بدعوى ممارستهم لحرياتهم وحقوقهم القانونية‪.‬‬

‫ألن الفهم الخاطئ لتلك الحرية أو ذلك الحق سيؤدي إلى اإلضرار بحقوق وحريات‬

‫اآلخرين‪ .‬ولذا فإن شمول النظام العام للجانب األخالقي سيساهم في التصدي لكل‬

‫من يستغل الحقوق والحريات بشكل خاطئ لتمرير أفكار وممارسات ال عالقة‬

‫للمجتمع والدين بها‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الضوابط املقيدة لسلطات الضبط اإلداري ودورها في حماية‬

‫الحريات‬

‫املطلب األول‪ :‬دور مبدأ املشروعية واملصلحة العامة في ترشيد قرارات الشرطة‬

‫االدارية‬

‫‪P 101‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫معلوم أن مختلف التصرفات واألعمال الصادرة من اإلدارة في إطار قيامها‬

‫بمهامها ال تكون متمتعة إزاءها بسلطة مطلقة في اتخاذ ما تشاء من قرارات حتى ولو‬

‫كانت متمتعة بسلطة تقديرية في التصرف بشأن مسألة معينة‪ ،‬بحيث تكون خاضعة‬

‫ملبدأ املشروعية الذي يحدد إطار وحدود تحركات السلطات اإلدارية في مختلف‬

‫املجاالت ومنها املجال الضبطي‪.‬‬

‫فإذا كانت اإلدارة بإصدارها لقرارات الضبط اإلداري تهدف إلى حماية النظام‬

‫العام‪ ،‬وذلك بتقنين وتنظيم ممارسة األفراد لحرياتهم‪ ،‬فهي ملزمة بمراعاة الحدود‬

‫والضوابط املرسومة لها من طرف القانون‪ ،311.‬لذلك فإن كل تدبير ضبطي من شأنه‬

‫املساس بحرية فردية يجب أن يندرج ضمن األعمال املخالفة للقانون‪ ،‬فسلطات‬

‫اإلدارة في املجال الضبطي يجب أن تتقيد بضرورة احترام الحريات األساسية لألفراد‬
‫القوانين‪312.‬‬ ‫والتي تضمنها مختلف‬

‫إن الضبط اإلداري يعد امليدان الذي يبرز فيه الصراع بين السلطة والحرية‬

‫بشكل جلي‪ 313،‬األمر الذي يتطلب البحث عن كيفية تحقيق التوافق بين الطرفين‬

‫املتعارضين أي بين متطلبات النظام العام وممارسة الحريات‪ 314.‬وهنا يلعب مبدأ‬

‫املشروعية دورا محوريا في إحداث ذلك التوافق من خالل الضمانات التي يوفرها‬

‫لألفراد في ممارسة حقوقهم وحرياتهم‪ ،‬وما يضعه من ضوابط وحدود يتوجب على‬

‫‪ 311‬الحسن سيمو ‪" :‬الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري"‪ ،‬م‪.‬م‪.‬إ‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬عدد ‪ ،89‬يوليوز‪-‬شتنبر ‪ ،8882‬ص ‪.85 :‬‬
‫‪ 312‬حسن صحيب ‪" :‬القضاء اإلداري المغربي"‪ ،‬م‪.‬م‪.‬إ‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬سلسلة "مؤلفات وأعمال جامعية"‪ ،‬عدد ‪ ،8002-20‬ص ‪.000 :‬‬
‫‪313‬‬
‫‪OUAZZANI CHAHDI (H) : "Le juge administratif et les droits de l'homme", Remald, série "Thèmes‬‬
‫‪actuels", n°47, 2007, p : 11.‬‬
‫‪314‬‬
‫‪EL YAAGOUBI (M) : "Le droit administratif marocain", Tome 1, 1987, p: 177.‬‬

‫‪P 102‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السلطات اإلدارية مراعاتها والخضوع لها فيما تتخذه من تدابير وإجراءات للمحافظة‬

‫على النظام العام بصوره املختلفة‪ .‬حيث أن تلك اإلجراءات ال تكون مشروعة إال‬
‫فعال وكان هذا األخير يواجه تهديدا واقعيا‪315.‬‬ ‫إذا كانت تستهدف حماية النظام العام‬

‫إن الخضوع ملبدأ املشروعية أمر ضروري في ميدان الضبط اإلداري الذي تكون‬

‫القرارات اإلدارية املتخذة في صدده األكثر مساسا بالحقوق والحريات واألشد قساوة‬

‫عليها بالنظر لطبيعة عمل الشرطة اإلدارية التي تلتزم بحماية النظام العام الذي‬

‫يمنح لها حرية التصرف التخاذ كافة اإلجراءات والتدابير املمكنة والكفيلة بمواجهة‬

‫مختلف التهديدات املحتملة‪.‬‬

‫وبفضل قواعد وضوابط املشروعية‪ ،‬فإن السلطات الضبطية تحرص على‬

‫ضمان مشروعية قراراتها وإجراءاتها وتفادي التعسف واالنحراف من خاللها‪ .‬وهذا‬

‫ما يصب في صالح املصلحة العامة والحريات على حد سواء‪ ،‬من خالل الحرص على‬

‫حماية النظام العام واملحافظة عليه دون التفريط في حقوق وحريات األفراد من‬

‫خالل توفير شروط ممارستها في أفضل الظروف وأنسبها‪.‬‬

‫إن احترام مبدأ املشروعية‪ ،‬يفرض على سلطات الضبط اإلداري ضرورة‬

‫استهداف املصلحة العامة من وراء قراراتها واملتمثلة في هذه الحالة في حماية النظام‬

‫العام وكل ما من شأنه املساس واإلخالل به‪ ،‬وبالتالي يمنع عليها استغالل صالحياتها‬

‫في تحقيق أهداف أخرى غير التي حددها املشرع‪ .‬فاإلدارة تكون أحيانا ملزمة بتحقيق‬

‫‪315‬‬
‫‪DE LAUBADERE (A), VENEZIA (J.C), GAUDMET (Y) : "Traité de droit administratif", Tome 1, 14ème‬‬
‫‪édition, 1994, p : 800.‬‬

‫‪P 103‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫هدف محدد من وراء إجراءاتها الضبطية كحماية الصحة العامة‪ ،‬فإذا ما استهدفت‬

‫تحقيق هدف آخر ولو كان مندرجا ضمن إطار املصلحة العامة كحماية عنصر آخر‬

‫للنظام العام كالسكينة العامة أو األخالق الحميدة‪ ،‬فإن قراراتها تكون مفتقدة‬

‫للمشروعية وتكون معرضة لإللغاء‪ ،‬وذلك وفقا لقاعدة تخصيص األهداف‪ .‬أما في‬

‫حالة عدم التخصيص فإن اإلدارة تلتزم بحماية النظام العام‪ ،‬وكل خروج عليه‬

‫لتحقيق أغراض شخصية أو حزبية أو فئوية‪ ...‬إلخ‪ ،‬يكون معها اإلجراء املتخذ غير‬

‫مشروع‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى دور مبدأ املشروعية في تقييد التصرفات اإلدارية في مختلف‬

‫املجاالت ومنها ميدان الضبط اإلداري‪ ،‬نجد أن استهداف املصلحة العامة من وراء‬

‫تلك التصرفات يعتبر في الحد ذاته قيدا فعاال لسلطة اإلدارة التقديرية‪ .‬فبالرغم من‬

‫عمومية وشساعة مفهوم املصلحة العامة‪ ،‬إال أنه يبقى عنصرا مؤثرا في تحديد نطاق‬

‫اختصاصات اإلدارة وتوجيه اختياراتها‪ .‬كل قرار من قراراتها إال ويكون هدفه وغايته‬

‫الوحيدة هو تحقيق املصلحة العامة سواء بتخصيصها أم بدون ذلك‪ .‬واألمر ينطبق‬

‫بالتالي على قرارات الضبط اإلداري التي ال تغيب املصلحة العامة عن هدفها‪ ،‬وإن‬

‫كانت هذه األخيرة يعبر عنها بصيغ مختلفة بحسب اختالف مجاالت تواجدها‪ .‬وهكذا‬

‫فإن تحقيق املصلحة العامة في مجال الضبط اإلداري يتحقق باملحافظة على النظام‬

‫العام بمختلف صوره‪ .‬وبالتالي نصل إلى خالصة مفادها أن مبدأ املشروعية يرتبط‬

‫بشكل وثيق بفكرة املصلحة العامة‪ ،‬فكل عمل إداري لن يتسم باملشروعية ما لم‬

‫‪P 104‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يستهدف تحقيق املصلحة العامة‪ 316.‬وقياسا على ذلك فإن إجراءات الضبط اإلداري‬

‫ال تكون مشروعة إال إذا كانت تهدف حماية النظام العام الذي يعتبر بدوره جزءا‬

‫من فكرة أشمل وأعم وهي املصلحة العامة‪.‬‬

‫لكن بالرغم من تلك القيود والضوابط التي تؤطر تحركات السلطات الضبطية‬

‫لحماية النظام العام‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني بحال من األحوال عدم املساس بالحريات‬

‫الفردية وتقييدها إن استدعت الظروف ذلك‪ .‬ومعنى ذلك أن مبدأ املشروعية ال‬

‫يهدف فقط حماية حريات وحقوق األفراد‪ ،‬وإنما أيضا وجد لحماية مصالح املجتمع‬

‫والدول ومتطلباتهما املتمثلة في النظام العام واملصلحة العامة‪ .‬وبالتالي فإن البحث‬

‫عن تحقيق التوافق بين السلطة والفرد ليس معناه إطالق الحريات دون قيد أو رادع‬

‫وعلى حساب حماية النظام العام الذي هو في األخير أحد الضمانات التي تمكن‬

‫األفراد من ممارسة حرياتهم بالشكل املطلوب وفي أحسن الظروف واألحوال‪ ،‬وهنا‬

‫نتساءل هل يمكن االنتقال من إلزامية التصرف لحماية النظام العام من طرف‬

‫سلطة الضبط إلى الحق في األمن للمواطنين‪ ،‬علما أن هذا األخير يضمن من طرف‬

‫السلطة واختياراتها التقديرية ؟‪ 317‬فاألمن باعتباره عنصرا من عناصر النظام العام‬

‫املادية‪ ،‬يعد حقا طبيعيا للفرد‪ ،‬فهو عنصر مالزم للحرية التي ال يمكن تصور‬

‫‪316‬‬
‫‪TRUCHET (D) : "Les fonctions de la notion d'intérêt général dans la jurisprudence du conseil d'Etat",‬‬
‫‪LGDJ, Paris, 1977, p : 87.‬‬
‫‪317‬‬
‫‪REDOR (M-J) : "L'ordre public : Ordre public ou ordres publics, ordre public et droits fondamentaux",‬‬
‫‪Actes du colloque de Caen des 11 et 12 mai 2000. Droit et justice : Collection dirigée par Pierre Lambert,‬‬
‫‪2001, p : 309.‬‬

‫‪P 105‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ممارستها في غياب األمن وفي ظل شيوع الفوض ى واالضطرابات‪ 318.‬وحالة الالأمن‬

‫هذه تعد النتيجة الحتمية إلطالق ممارسة الحريات دون قيود وفي غياب تدخل من‬
‫وتنظيمها‪319.‬‬ ‫املشرع واإلدارة لتقنينها‬

‫لهذا‪ ،‬فالتوافق الذي نتغياه في هذا الصدد‪ ،‬هو ذلك الذي يكفل حماية النظام‬

‫العام دون املساس بحق األفراد في ممارسة حرياتهم في نطاق ما يسمح به القانون‬

‫ودون املساس بحريات اآلخرين وبالنظام العام‪ .‬فصحيح أن السلطة ليس من السهل‬

‫أن تتخلى عن قساوتها واستعالئها ونظرتها الحذرة اتجاه ممارسة بعض الحريات ذات‬

‫الطابع السياس ي‪ .‬وفي نفس الوقت ليس من السهل تغيير النظرة السلبية لألفراد‬

‫اتجاه السلطة والتي يشوبها الشك والخوف وعدم الثقة‪ .‬هذه الصورة يلخصها لنا‬

‫األستاذ بارتالند راصل بقوله‪" :320‬في عالم في منتهى التعقيد والخطورة تصبح كل‬

‫فضائل السلطة من تخطيط وتروي وعقالنية من الضرورات القصوى لتحاش ي‬

‫الفوض ى والدمار‪ ،‬ومع ذلك فهذه الفضائل –من وجهة نظر الفرد الذي يحتاج إلى‬

‫التلقائية والتمجيد‪ -‬تعني موتا روحيا ومطردا‪ ،‬وكيف يمكن التوفيق بين االثنين؟"‪.‬‬

‫إن املصلحة العامة تشكل قيدا فعاال على التصرفات اإلدارية وإطارا لتحركاتها‪،‬‬

‫ففي املجال الضبطي‪ ،‬نجد أنه بالرغم من السلطات التقديرية الواسعة التي تحظى‬

‫بها الشرطة اإلدارية بالنظر لحساسية وأهمية مجال الضبط اإلداري‪ ،‬إال أن هدف‬

‫‪ 318‬حيث غياب الظروف المواتية لممارسة الحريات األساسية ‪ :‬فكيف يمكن ممارسة حرية التجول مثال في ظل االنفالت األمني وغياب‬
‫االستقرار‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫‪DREVELLE (D) : "Du besoin de sécurité à la doctrine de la sécurité in : Variation autour de l'idéologie‬‬
‫‪de l'intérêt général", Vol. 1, PUF, 1978 p : 80.‬‬
‫‪ 320‬بارتراند راصل ‪" :‬السلطة والفرد"‪ ،‬ترجمة لطيفة عاشور‪ ،8889 ،‬ص ‪.88 :‬‬

‫‪P 106‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املصلحة العامة يقلص من نطاق تلك السلطات ويلزم اإلدارة بتفادي االنحراف في‬

‫قراراتها واالعتداء على الحقوق والحريات‪ ،‬مما يجنب األفراد الكثير من حاالت‬

‫االعتداء الناتجة عن استهداف اإلدارة من وراء قراراتها للمصالح الخاصة والفئوية‬

‫البعيدة عن املصلحة العامة‪ .‬أما حاالت املساس بالحقوق والحريات الفردية الناتجة‬

‫عن اإلجراءات الضبطية التي تستهدف حماية النظام العام‪ ،‬فهي بدورها كثيرة وإن‬

‫لم تكن بالخطورة التي تميز اإلجراءات الضبطية التعسفية والغير املشروعة‪ .‬فاإلدارة‬

‫املواطنة والحريصة فعال على املصلحة العامة لن تفرط في املصالح الخاصة لألفراد‪،‬‬

‫بل ستعمل على البحث عن كيفية حماية النظام العام واملحافظة عليه مع السماح‬

‫بممارسة الحقوق والحريات الفردية‪.‬‬

‫إن مسألة انتهاك اإلدارة للحقوق والحريات الفردية‪ ،‬نجدها مرتبطة بنوعية‬

‫تلك اإلدارة وعالقتها باملحيط ومدى رغبتها في تحسين تلك العالقة وردم الهوة‬

‫املوجودة من خاللها‪ ،‬فإذا كانت اإلدارة مواطنة وتشاركية وديمقراطية وتسعى فعال‬

‫وراء املصلحة العامة‪ ،‬فإنها لن تعمد إلى استغالل سلطاتها التقديرية لإلضرار‬

‫بمصالح جمهورها‪ ،‬وإنما على العكس من ذلك ستحرص على تلك املصالح وتحافظ‬

‫عليها قدر املستطاع وهي بصدد اتخاذ قرار في مسألة معينة‪ .‬ففي موضوعنا املرتبط‬

‫بالضبط اإلداري فإن السلطات املعنية يجب أن تحرص على الحقوق والحريات‬

‫الفردية مثل حرصها على النظام العام من خالل حمايته واملحافظة عليه‪ .‬أما إذا‬

‫كانت اإلدارة بخالف ذلك‪ ،‬وتفتقد لروح املواطنة وااالنفتاح والتشاور‪ ،‬فإنها ستتخذ‬

‫‪P 107‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من املصلحة العامة والنظام العام املبرر والذريعة للتغطية على تصرفاتها التعسفية‬

‫في حق األفراد‪ ،‬وسوف تستغل كل فرصة أمامها لتوسيع سلطتها التقديرية وتوظيفها‬

‫للتضييق على ممارسة الحقوق والحريات وليس بهدف حماية النظام العام وتحقيق‬

‫املصلحة العامة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القيود املرتبطة بطبيعة الحرية واإلجراء الضبطي‬

‫أوال‪ :‬القيود املستمدة من طبيعة الحرية‬

‫تمثل الحرية مصدرا للكثير من الحدود والقيود التي تفرض على سلطات‬

‫الضبط أهمها ‪:‬‬

‫‪ -3‬عدم مشروعية الحظر املطلق للحرية ‪:‬‬

‫إن سلطة الضبط في تنظيم الحرية ال تعني مصادرتها أو إطالق يد اإلدارة‬

‫في تنظيمها إلى حد التحريم املطلق‪ ،‬فاإلدارة ال تملك تعطيل ممارسة الحرية إال إذا‬

‫كانت الوسيلة الوحيدة الكفيلة بحماية النظام العام‪ ،‬ويكون ذلك اإلجراء بصفة‬

‫مؤقتة‪ .‬فالهدف الذي يجب أن يشغل السلطة الضبطية ليس هو كيف تحافظ على‬

‫النظام العام‪ ،‬بل كيف تسمح بممارسة الحرية دون املساس بالنظام العام‪ ،‬فهي‬

‫يجب عليها املحافظة على االثنين معا‪.‬‬

‫‪ -8‬حرية األفراد في اختيار وسيلة املحافظة على النظام العام ‪:‬‬

‫يقوم جوهر هذه القاعدة على محورين متالزمين‪ ،‬األول مقتضاه أن اإلدارة‬

‫تترخص في تحديد مضمون الخلل أو االضطراب الذي قد يلحق النظام العام‪ .‬والثاني‬

‫‪P 100‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مفاده التزام جهة الضبط بترك الحرية لألفراد في اختيار وسائل تفادي هذا الخلل‪.‬‬

‫وقد تفرض مقتضيات املصلحة العامة عدم تطبيق القاعدة في بعض الحاالت‬
‫مثال‪321.‬‬ ‫الخاصة كاالستعجال‬

‫‪ -1‬اختالف موقف السلطة باختالف قيمة الحرية والظروف املرتبطة بها ‪:‬‬

‫ومعنى ذلك أنه كلما كانت قيمة الحرية بالنسبة للفرد هامشية‪ ،‬كلما توسعت‬

‫سلطة اإلدارة إزاءها‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬فالحريات ليست بنفس الدرجة من األهمية‬

‫والقيمة‪ ،‬فهناك حريات أساسية وأخرى ثانوية‪ ،‬أو لنقل حريات من الدرجة األولى‬

‫وهي األكثر حماية وأخرى من الدرجة الثانية وهي األقل حماية‪ ،‬فمثال حرية التمثيل‬

‫والعروض املسرحية أقل أهمية وحماية من حرية التجمع‪322.‬وقد يحدث أن تتعارض‬

‫الحريات فيما بينها‪ ،‬ومن ثم يجب على اإلدارة املفاضلة بينها لتغليب أوالها بالرعاية‬

‫والحماية ولذا فإن التضييق من نطاق حرية معينة يصبح مشروعا متى كان من أجل‬
‫أكثر أهمية‪323.‬‬ ‫توفير حرية أخرى‬

‫وعموما‪ ،‬فإن سلطات إدارة الضبط اإلداري في تعاملها مع الحريات تختلف‬

‫بحسب ما إذا كانت الحرية التي بصدد التنظيم منصوص عليها تشريعيا أم ال‪ ،‬كما‬

‫تختلف باختالف الظروف املكانية والزمانية وكذلك درجة أهمية الحرية وما إذا كانت‬

‫أساسية أم ثانوية‪.‬‬

‫‪ 321‬ربيع محمد منيب ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.867 :‬‬


‫‪322‬‬
‫‪PHILIPPE (X) : "Droit administratif général", Presse universitaire d'Aix-Marseille, 1993, p : 301.‬‬
‫‪ 323‬عادل أبو الخير ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.056 :‬‬

‫‪P 101‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫موقف السلطة من الحريات في حالة وجود نص ‪:‬‬

‫في حالة وجود نصوص تشريعية خاصة في شأن تنظيم حرية ما فإن السلطات‬

‫العمومية يجب أن تلتزم بما ورد فيها من قيود‪ ،‬وبالتالي فإن كل إجراء تتخذه اإلدارة‬

‫متجاوزة به تلك النصوص ينطوي على تجاوز للسلطة‪ ،‬كما يتعين تفسير القيود‬

‫الواردة في النصوص التشريعية تفسيرا ضيقا‪.‬‬

‫موقف السلطة من الحريات في غياب النص ‪:‬‬

‫في حالة غياب نصوص تشريعية خاصة بتنظيم ممارسة الحريات‪ ،‬فإن ذلك ال‬

‫يعني أن اإلدارة تملك سلطة مطلقة في التصرف كما تشاء وحسب رغباتها وأهوائها‪.‬‬

‫وإنما تكون لها سلطة تقديرية تختلف ضيقا واتساعا بحسب اختالف ظروف املكان‬

‫والزمان املحيطة بممارسة الحرية‪ .‬وتكون مقيدة في ذلك بقيود مرتبطة بعضها‬

‫بطبيعة سلطة الضبط واألخرى مرتبطة بطبيعة فكرة الحرية‪.‬‬

‫واملالحظ أن سلطة اإلدارة في حالة غياب نص تشريعي تكون أوسع نطاقا منها‬

‫في حالة وجود النص‪ ،‬ينطبق األمر على الحريات املنصوص عليها دستوريا في غياب‬
‫اإلضراب‪324.‬‬ ‫قوانين تنظيمية تتناولها بالتفصيل كما هو الشأن بالنسبة لحق‬

‫تغاير سلطة اإلدارة بتغاير ظروف الزمان واملكان ‪:‬‬

‫تتغير سلطة إدارة الضبط في مواجهة حرية معينة لم ينظمها نص تشريعي‪،‬‬

‫بتغير ظروف املكان والزمان املحيطة بممارسة الحرية‪ .‬وهنا يتوجب التفريق بين ما‬

‫‪324‬‬
‫‪EL YAAGOUBI (M) : "Le droit administratif marocain", Tome 1, 1987, p : 178.‬‬

‫‪P 118‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إذا كانت القيود التي تفرضها اإلدارة بصدد ممارسة األفراد لحرية ما مؤقتة ومحددة‬

‫بفترة زمنية‪ ،‬أو قيود أبدية وغير محددة زمنيا‪ .‬حيث يتوجب أن تكون سلطة اإلدارة‬

‫في الحالة األخيرة أضيق وأخف وطأة من سلطتها في الحالة األولى‪ .‬وكذلك يجب‬
‫نهارا‪325.‬‬ ‫التمييز بين ما إذا كانت القيود التي تفرضها إدارة الضبط ستطبق ليال أم‬

‫وتختلف سلطة اإلدارة في مواجهة ممارسة الحرية باختالف املكان أيضا‪،‬‬

‫ونالحظ ذلك من خالل اختالف تعامل اإلدارة مع الحريات فيما إذا كانت تمارس في‬

‫امللك الخاص أو الطريق العام أو املرفق العام‪ .‬ويتضح ذلك من مدى سلطة اإلدارة‬

‫إزاء االجتماعات الخاصة‪ ،‬واالجتماعات العامة بمعناه الضيق وإزاء التظاهر في‬

‫الطريق العمومي‪ ،‬حيث تتسع تلك السلطة في مواجهة الحالتين األخيرتين وتضيق في‬
‫األولى‪326.‬‬ ‫مواجهة الحالة‬

‫ثانيا‪ :‬القيود املستمدة من اإلجراءات الضبطية‬

‫إضافة إلى القيود املرتبطة بطبيعة الحرية‪ ،‬هناك قيود متعلقة باإلجراءات‬

‫الضبطية ووسائله ‪:‬‬

‫‪ -3‬يجب أن يكون اإلجراء الضابط ضروريا وفعاال ‪:‬‬

‫ومعنى ذلك أن يكون ذلك اإلجراء هو األكثر ضرورة وفعالية وتأثيرا‪ ،‬وأن‬

‫يستهدف القضاء على املخاطر الحقيقية التي قد تلحق بالنظام العام‪ ،‬وليس مجرد‬

‫‪ 325‬عادل أبو الخير ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.079 :‬‬


‫‪ 326‬عبد المنعم محفوظ ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.825 :‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التهديد البسيط الذي ال يرخص لإلدارة مشروعية اتخاذ اإلجراء‪ ،‬كما يفترض في هذا‬

‫األخير أن يكون فعاال لدفع كل تهديد يمكن أن يلحق بالنظام العام‪.‬‬

‫‪ -8‬وجوب التناسب بين اإلجراء الضبطي وجسامة الخلل واالضطراب املراد‬

‫تفاديه ‪:‬‬

‫ومفاد هذه القاعدة أنه إذا كان االضطراب قليل األهمية فال يجب التضحية‬

‫بكامل الحرية أو التشديد في تقييدها‪ .‬كما ال يجوز التضحية بحرية أساسية خشية‬

‫اإلخالل بممارسة حرية ثانوية أو أدنى منها‪ .‬وتعد فكرة التناسب من بين العناصر‬

‫األكثر حساسية في تحديد مدى توسع سلطات الضبط وقسوتها‪ ،‬كما تتجلى أهميتها‬

‫كونها تحقق نوعا من التوازن بين متطلبات الحفاظ على النظام العام وممارسة‬
‫الحريات‪327.‬‬

‫‪ -1‬يجب أن يتصف اإلجراء الضبطي باملساواة ‪:‬‬

‫ومفاده أنه إذا كان القيد الوارد على ممارسة الحرية ضروريا‪ ،‬فإن اإلجراء‬

‫الضبطي يجب أن يطبق على كافة األفراد املتماثلين في األوضاع واملراكز القانونية‪.‬‬

‫فمبدأ املساواة يجب أن يكون أساس كل تنظيم قانوني ملمارسة الحقوق والحريات‪.‬‬

‫وبمراعاة هذه الضوابط والقيود من طرف سلطات الضبط اإلداري فإنه سيتم‬

‫التخفيف من حدة الصراع بين الحرية والسلطة‪ ،‬خاصة إذا التزمت هذه األخيرة‬

‫بمراعاة قاعدة أن الحرية هي األصل والقيد هو االستثناء‪ ،‬وهكذا يتوجب على‬

‫‪ 327‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.889 :‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫سلطات الضبط عند الشك تغليب الحرية وإيثارها‪ 328،‬كما يجب عليها أال تستغل‬

‫الفراغ التشريعي بصدد تنظيم ممارسة حريات معينة لتوسع من سلطاتها‪ ،‬وفي حالة‬

‫وجود نصوص تشريعية مقيدة ملمارسة حرية ما‪ ،‬وجب تفسير تلك النصوص تفسيرا‬

‫ضيقا‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتضح أن عالقة السلطة بالحرية تتأثر بعوامل وظروف‪ ،‬فأحيانا تتسم‬

‫بالصراع والصدام مما يوسع من نطاق الهوة القائمة بينهما‪ ،‬وأحيانا أخرى تكون‬

‫األقرب إلى التوافق‪ .‬وتعد سلطة اإلدارة التقديرية العنصر الذي يحدد نوعية‬

‫العالقة وطبيعتها‪ ،‬فكلما اتسع نطاقها بصدد مسألة معينة وإال كان لذلك انعكاسا‬

‫سلبيا على عالقة السلطة بالحرية بالنظر لالستغالل الس يء من طرف اإلدارة لتلك‬

‫السلطة في الغالب‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬كلما كان االختصاص املقيد هو الغالب على‬

‫صالحيات اإلدارة وسلطاتها إال وقلت حاالت انحرافها وتعسفها على حقوق وحريات‬

‫األفراد‪ .‬وبالتالي فتحقيق التوافق بين السلطة والفرد وتحسين العالقة بينهما يمر عبر‬

‫ضرورة التقليص من سلطة اإلدارة التقديرية مع ما يقابلها من تقوية الضمانات‬

‫الكفيلة بممارسة األفراد لحرياتهم وحقوقهم في ظروف مناسبة‪.‬‬

‫إن ميدان الضبط اإلداري يشهد احتكاكا دائما بين السلطة واالفراد‪ ،‬ونجد أن‬

‫ظروف كثيرة تتدخل في تحديد طبيعة العالقة بينهما من خالل دورها في توسيع‬

‫سلطة اإلدارة التقديرية أو التقليص منها‪ ،‬هذه السلطة التي تتأثر كما أشرنا بظروف‬

‫‪ 328‬محمد شريف إسماعيل ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.802 :‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الزمان واملكان‪ ،‬كما تختلف في مداها بين حالة وجود النص أو غيابه‪ .‬وهكذا نجد‬

‫أن ممارسة األفراد لحقوقهم وحرياتهم في أوقات وأماكن محددة تتم في ظروف أفضل‬

‫بكثير من ممارستهم لها في أوقات وأماكن أخرى‪ .‬كما أن وجود نص قانوني ينظم تلك‬

‫املمارسة يوفر لألفراد ضمانات أقوى وحرية أكبر من حالة عدم وجود النص‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن تقدير املصلحة العامة وحاالت تهديد النظام العام ودرجة‬

‫الخطورة املحتملة‪ ،‬يجعل إدارة الضبط تحتفظ بحرية التصرف واتخاذ اإلجراء‬

‫املناسب ملواجهة ذلك التهديد‪ .‬وهذا ما يتيح لها اختيارات كثيرة وذلك في جميع‬

‫األحوال حتى التي تبدو فيها اإلدارة مقيدة كحالة وجود النص املنظم للحرية أو‬

‫ممارستها في أماكن خاصة مثال‪ .‬فمادام أن األمر يتعلق بالنظام العام فإن التضحية‬

‫بالحرية يكون هو الحل عند حدوث أي اصطدام أو تعارض بين اإلثنين‪.‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫قائمة املراجع املعتمدة‪:‬‬


‫املراجع باللغة العربية‬
‫الكتب‬
‫‪ ‬عادل أبو الخير‪" :‬الضبط اإلداري وحدوده"‪ ،‬مطابع الهيئة املصرية العامة‬
‫للكتاب‬
‫‪ ‬صبري محمد السنوس ي‪" :‬االعتقال اإلداري بين الحرية الشخصية ومقتضيات‬
‫النظام العام"‪3226 ،‬‬
‫‪ ‬ثورية لعيوني‪" :‬القانون اإلداري املغربي"‪ ،‬دار النشر الجسور‪ ،‬وجدة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪3222‬‬
‫‪ ‬حسن صحيب‪" :‬القضاء اإلداري املغربي"‪ ،‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬سلسلة "مؤلفات وأعمال جامعية"‪ ،‬عدد ‪8112-21‬‬
‫‪ ‬محمد مرغيني خيري‪ ":‬الوجيز في القانون اإلداري املغربي"‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مطبوعات دار املغرب ‪3292‬‬
‫‪ ‬بارتراند راصل‪" :‬السلطة والفرد"‪ ،‬ترجمة لطيفة عاشور‪3224 ،‬‬
‫االطروحات‬
‫‪ ‬محمد شريف إسماعيل عبد املجيد‪" :‬سلطات الضبط اإلداري في الظروف‬
‫االستثنائية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة الحصول على الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫عين شمس ‪3292‬‬
‫‪ ‬منيب محمد ربيع‪" :‬ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط اإلداري"‪،‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة عين شمس‬
‫املقاالت‬
‫‪ ‬الحسن سيمو‪" :‬الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري"‪ ،‬املجلة‬
‫املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،84‬يوليوز‪-‬شتنبر ‪3222‬‬
‫‪ ‬وديع البقالي‪ :‬النظام العام والحريات‪ ،‬مجلة القانون املغربي‪ ،‬عدد ‪8136 ،13‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

‫املراجع باللغة الفرنسية‬


Ouvrages
BERNARD (P) : "La notion d'ordre public en droit administratif", éd.
1962 -
- TRUCHET (D) : "Les fonctions de la notion d'intérêt général dans la
jurisprudence du conseil d'Etat", LGDJ, Paris, 1977
BURDEAU
(G) : "Les libertés publiques", 4 ème éd., LGDJ, Paris, 1972-
- WALINE (M) : "Précis de droit administratif", éd. Montchristien,
Paris, 1969
- EL YAAGOUBI (M) : "Le droit administratif marocain", Tome 1, 1987
- PHILIPPE (X) : "Droit administratif général", Presse universitaire
d'Aix-Marseille, 1993
- DE LAUBADERE (A), VENEZIA (J.C), GAUDMET (Y) : "Traité de droit
administratif", Tome 1, 14ème édition, 1994
Articles
- YELLES CHAOUCHE (B) : "La liberté de communication et l'ordre
public", Université d'Alger, Revue Algérienne des sciences juridiques
économiques et politiques, Vol. 36, n°1, 1998
LUCHAIRE (F) : "La sûreté : Droit de l'homme ou sabre de M.
Prud'homme ?", RDP, LGDJ, 1989-
- LEMASURIER (J) : "Vers un nouveau principe général du droit", Le
principe "Bilan-Caut-Avantages", Mélanges WALINE (M) : "Le juge et le
droit public", Tome II, Paris, LGDJ, Juillet 1974

P 116 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

- OUAZZANI CHAHDI (H) : "Le juge administratif et les droits de


l'homme", Remald, série "Thèmes actuels", 1994-2004 : "Dix ans de
jurisprudence des tribunaux administratifs au Maroc", n°47, 2004
- REDOR (M-J) : "L'ordre public : Ordre public ou ordres publics, ordre
public et droits fondamentaux", Actes du colloque de Caen des 11 et 12
mai 2000. Droit et justice : Collection dirigée par Pierre Lambert, 2001
- DREVELLE (D) : "Du besoin de sécurité à la doctrine de la sécurité in
: Variation autour de l'idéologie de l'intérêt général", Vol. 1, PUF, 1978
Thèses
YAHYA (M) : "La notion d'autorité entre le droit et la politique au
Maroc", Thèse, Université Mohamed V, Rabat, 1998

P 117 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور حممد بومديان‬


‫أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫‪ -‬سال اجلديدة‬

‫تجربة التعليم عن بعد في المغرب زمن‬


‫جائحة كوفيد‪19-‬‬
‫‪The experience of distance education in Morocco during the Covid-19 pandemic‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫شكل التعليم حقا إنسانيا لكل األفراد وقضية مصيرية لكل الشعوب‪ ،‬واملغرب‬
‫بدوره التزم بهذا الحق من خالل مصادقته على مجموعة من املعاهدات واملواثيق‬
‫والتي صادق عليها سنة ‪،1993‬‬ ‫‪329،3222‬‬ ‫الدولية كاتفاقية حقوق الطفل لسنة‬
‫وكذلك الوطنية منها من خالل أسمى قانون في املغرب وهو دستور ‪.3308133‬‬

‫‪ -329‬املادة ‪ 82‬من اتفاقية حقوق الطفل س نة ‪ -9:” 9121‬تعرتف ادلول الاطراف حبق الطفل يف التعلمي وحتقيقا ل ألعامل الاكمل لهذا احلق‬
‫تدرجييا وعىل اساس تاكفؤ الفرص تقوم بوجه خاص مبا ييل‪ :‬أأ) جعل التعلمي الابتدايئ الزاميا ومتاحا جماان للجميع؛ب) تشجيع تطوير ش ىت اشاكل‬
‫التعلمي الثانوي سواء العام او املهين‪ ،‬وتوفريها وااتحهتا مجليع الاطفال واختاذ التدابري املناس بة مثل ادخال جمانية التعلمي وتقدمي املساعدة املالية عند‬
‫احلاجة الهيا؛ج) جعل التعلمي العايل بش ىت الوسائل املناس بة متاحا للجميع عىل اساس القدرات؛د) جعل املعلومات واملبادئ الارشادية الرتبوية‬
‫واملهنية متوفرة مجليع الاطفال ويف متناوهلم؛هـ) اختاذ تدابري لتشجيع احلضور املنتظم يف املدارس والتقليل من معدالت ترك ادلراسة‪ -8.‬تتخذ ادلول‬
‫الاطراف اكفة التدابري املناس بة لضامن ادارة النظام يف املدارس عىل حنو يمتىش مع كرامة الطفل الانسانية ويتوافق مع هذه االتفاقية‪ - 3.‬تقوم‬
‫ادلول الاطراف يف هذه االتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون ادلويل يف الامور املتعلقة ابلتعلمي واخاةة دهدف الاسهام يف القضاء عىل اجلهل والامية‬
‫يف مجيع احناء العامل وتيسري الوةول اىل املعرفة العلمية والتقنية واىل وسائل التعلمي احلديثة وتراعى بصفة خاةة احتياجات البدلان النامية يف هذا‬
‫الصدد‪.‬‬
‫‪ -330‬الفصل ‪ 38‬من دس تور اململكة املغربية لس نة ‪”:8199‬التعلمي ا ألسايس حق للطفل وواجب عىل الارسة واجملمتع”‬

‫‪P 110‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫في هذا السياق يعد التعليم عن بعد أو التعليم الرقمي أو التعليم اإللكتروني‬

‫هو أحد أساليب التعليم الحديثة التي انتشرت عبر العالم خالل األعوام األخيرة بعدد‬

‫من املؤسسات التعليمية واملعاهد والجامعات في جميع التخصصات‪ .‬فهو تعليم‬

‫يعتمد فيه على استخدام تقنيات التواصل واالتصال باإلنترنت‪ ،‬وتتم فيه التفاعالت‬

‫عبر املنتديات واألقسام االفتراضية وتقسيم الدورات إلى وحدات تتضمن أشرطة‬

‫مصورة ومواد مقروءة تحمل كميات وافرة من املعلومات التربوية‪ ،‬ومن أبرز مميزاته‬

‫أنه يساهم في تقليص املسافة واختزال الوقت وال يحتاج إلى وجود مدرس بالقرب‬

‫من املتعلمين والطلبة في املكان نفسه‪ .‬في هذا الصدد ومباشرة بعد تسجيل بالدنا‬

‫ألول إصابة بجائحة فيروس كورونا املستجد التي اجتاحت العالم‪ ،‬بادرت الحكومة‬

‫بشكل استعجالي إلى اتخاد مجموعة من التدابير االحترازية واالجراءات االستباقية‪،‬‬

‫الهادفة إلى محاصرة العدوى والحفاظ على صحة وسالمة املواطنين واملواطنات‪.‬‬

‫وكان من بين الترتيبات الوقائية املتخذة اإلعالن عن تعليق الدراسة بجميع‬

‫املؤسسات التعليمية والجامعية ابتداء من ‪ 36‬مارس ‪ 8181‬وتعويضها بعملية‬

‫التعليم عن بعد لضمان االستمرارية البيداغوجية‪.‬‬

‫تحاول الدراسة الوقوف عند تجربة املغرب في التعليم عن بعد زمن جائحة‬

‫كوفيد ‪ ،32‬وذلك برصد اإلجراءات التي اتخذتها الدولة في شخص الوزارة الوصية‬

‫عن القطاع‪ ،‬مبرزة اإلكراهات التي اعترضتها في هذه الجائحة‪ .‬وبالتالي يمكن‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االنطالق في مقاربة هذا املوضوع من خالل طرح إشكال محوري يتجلى في قياس‬

‫حدود نجاح تجربة نمط التعليم عن بعد ببالدنا في زمن جائحة كورونا‪.19 -‬‬

‫تنبثق عن هذه اإلشكالية جملة من األسئلة الفرعية في مقدمتها‪ :‬هل يعتبر‬

‫التعليم عن بعد خيارا استراتيجيا أم قرارا اضطراريا؟ ثم هل تتوفر بالدنا على‬

‫االمكانات اللوجيستيكية الضرورية إلنجاح هذا النمط من التعليم؟‬

‫املطلب األول‪ :‬اإلطار القانوني للتعليم عن بعد باملغرب‬

‫شهد العالم في العقدين املاضيين تطورات تكنولوجية ومعلوماتية متالحقة‬

‫وسريعة‪ ،‬وقد عملت الدول على بذل الكثير من الجهد ملواكبة هذه التطورات بما‬

‫ينعكس إيجابا على تجويد املرافق العامة‪ ،‬ولبلوغ هذا الهدف كان من الواجب أوال‬

‫ترسيخ الدور القيادي لليونسكو في األوساط الدولية املعنية بالتعليم‪ ،‬وذلك من‬

‫خالل تعزيز الحركة العاملية للتعليم بين الجميع‪ ،‬وتكثيف الجهود الرامية إلى تقديم‬

‫املشورة فيما يخص السياسات وبناء القدرات بالتعاون مع الدول األعضاء‪ .331‬هذه‬

‫التحوالت طالت العديد من املجاالت "الخدماتية" في املؤسسات الرسمية للدول‬

‫عموما‪ ،‬وقطاع التربية والتعليم بشكل خاص‪ ،‬إذ يمكننا‪-‬وبنظرة سريعة‪ -‬أن نتتبع‬

‫كيف تطور التعليم عن بعد في السنوات املاضية‪ ،‬وكيف تأثرت إيجابا الخطط‬

‫والبرامج الدراسية والخدمات املعرفية نتيجة توظيف هذه التقنيات في املجال‬

‫‪-331‬محمد الهادي‪ ،‬التعلمي االلكرتوين عرب ش بكة االنرتنيت‪ ،‬ادلار املرصية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،8112 ،9‬ص ‪.981‬‬

‫‪P 288‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التربوي‪ ،‬حيث تتزايد أهمية االنتفاع بتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في جميع‬

‫جوانب حياة املجتمعات في هذا الصدد‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية التعليم عن بعد‬

‫يعتبر "التعليم عن بعد" أو "التعليم املفتوح" أو "تعليم املستقل" كما يسميه‬

‫البعض أحد الطرق الحديثة في نقل املعلومة‪ ،‬والذي يعتمد على البعد املكاني بين‬

‫مصدر املعلومة الذي في العادة يكون املعلم ومتلقي املعلومة وهو الطالب‪.‬‬

‫وسنحاول من خالل هذه الفقرة تحديد مفهوم التعليم عن بعد (أوال)‪ ،‬ثم بعد‬

‫ذلك نميزه عن بعض املصطلحات املشابهة له(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف التعليم عن بعد‬

‫عرفه هوملبرج ‪ Holmberge‬في عام ‪ 3299‬على أنه ذلك النمط من التعليم الذي‬

‫يشمل مختلف املكونات األساسية لكافة املستويات التعليمية والتي ال تخضع فيها‬

‫العملية التعليمية إلشراف مباشر ومستمر من األساتذة في القطاعات الدراسية‪،‬‬

‫ولكن يحدد مكانه الوسائل التقنية من مواد مطبوعة ووسائل إلكترونية‪ ،‬بحيث‬
‫لوجه‪332.‬‬ ‫تحقق االتصال بين األستاذ واملتعلمين دون االتصال وجها‬

‫ويعرفه نيجل ‪ Negil‬بأنه "التعليم الذي يسمح للمتعلم باختيار متى يتعلم‬

‫وكيف يتعلم وأين يتعلم وماذا يتعلم ضمن الحدود املتاحة‪ ."333‬كما تعرفه اليونسكو‬

‫‪-332‬‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بأنه "عملية تربوية يتم فيها كل أو أغلب التدريس من شخص بعيد في املكان والزمان‬

‫عن املتعلم عبر الوسائط اإللكترونية‪."334‬‬

‫من خالل ما سبق نخلص إلى أن هذه التعاريف تطرح مسألة في غاية من‬

‫األهمية وهي العالقة بين املعلم واملتعلم‪ ،‬هذه العالقة التي تتصف في فصول‬

‫الدراسة التقليدية بأنها عبارة عن تفاعل مباشر ما بين املعلم واملتعلم‪ ،‬بحيث يحدد‬

‫املعلم أهداف الدرس ويعد محتواه‪ ،‬ويستخدم أسلوب التدريس املناسب مع طالبه‬

‫ويناقشهم فيه‪ ،‬يختار ويصمم الوسائل التقليدية املناسبة‪ ،‬يقترح األنشطة‬

‫التعليمية‪ ،‬يدير الفصل ويحدد قواعد النظام ويقوم نتائج التعلم‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تمييز التعليم عن بعد عن بعض املصطلحات املشابهة له‬

‫سنقتصر في هذه الجزئية للبحث بداية في الفرق بين التعليم عن بعد والتعليم‬

‫عبر اإلنترنيت‪ ،‬ثم بعد ذلك ننتقل لذكر الفروقات بين التعليم الطارئ عن بعد‬

‫والتعليم اإللكتروني‪.‬‬

‫أ‪ -‬التعليم عن بعد والتعليم اإللكتروني‬

‫يعد موقع الطالب وأسلوب التعلم االختالف الرئيس بين التعليم عن بعد‬

‫والتعليم اإللكتروني‪ ،‬ففي التعليم اإللكتروني يمكن للطالب أن يكون مع املعلم في‬

‫نفس الفصل الدراس ي ويستخدم اإلنترنيت والتقنيات اإللكترونية األخرى في التعلم‪،‬‬

‫‪P 282‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أما التعليم عن بعد فإنه يتضمن الفصل بين الطالب واملعلم‪ ،‬إذ يمكن أن يضمن‬
‫وقت‪335.‬‬ ‫الوصول إلى املادة التعليمية من أي مكان في العالم وفي أي‬
‫اإللكتروني‪336‬‬ ‫ب‪ -‬التعليم عن بعد الطارئ والتعليم‬

‫يعتمد التعليم اإللكتروني على تخطيط وتصميم تعليمي دقيق باستخدام‬

‫نموذج ممنهج للتخطيط والتصميم الذي يعتمد على ثمانية أبعاد شاملة تحدد‬

‫بالضبط كل جوانب التعليم اإللكتروني‪ ،‬أما التعليم أو التدريس الطارئ عن بعد‬

‫فيهدف إلى إيجاد حل مؤقت للتدريس بما يمكن تجهيزه بشكل سريع بحيث يمكن أن‬

‫يعتمد عليه خالل أوقات الطوارئ واألزمات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األسس املرجعية العتماد التعليم عن بعد باملغرب‪.‬‬

‫ال يمكن إنكار أن التحول إلى التعليم عن بعد سيمكن الطالب من التمتع‬

‫بمهارات فكرية عالية وقدرة على التوصل للحلول في أسرع وقت ممكن‪ ،‬هذا االنتقال‬

‫بطبيعته مرتكز على مجموعة من املرجعيات منها ما هو متعلق باملبادئ الدستورية‬

‫وغيرها من املرجعيات‪ ،‬والتي سنبحث فيها بش يء من التفصيل في هذه الفقرة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬املبادئ الدستورية (استمرارية املرفق العام)‬

‫‪ -335‬هديل رسور‪ ،‬الفرق بني التعلمي عن بعد والتعلمي االلكرتوين‪ ،‬اترخي النرش ‪ 82‬عشت ‪،8191‬اترخي الاطالع ‪،83/19/8198‬‬
‫‪/https://hyatok.com‬‬
‫‪ -336‬اعمتدت ةياغة التعلمي عن بعد الطارئ ألن ا ألخطار النامجة عن كوفيد‪ 91‬أأدت ابلعديد من املؤسسات اىل الغاء الفصول ادلراس ية احلضورية‬
‫مبحارضات تلقى عرب االنرتنيت‪ .‬اذن فالتعلمي عن بعد يندرج يف تدابري اس تثنائية وقتية ستنقيض وسزتول ابنهتاء دوافعها الرتباطها بقانون الطوارئ‬
‫الصحية‪.‬‬

‫‪P 283‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يعتبر مبدأ استمرارية املرافق العمومية في أدائها لنشاطها بانتظام وإطراد من‬

‫املبادئ الكالسيكية التي تحكم سير املرافق العمومية بمختلف أنواعها‪ ،‬ويقتض ي‬

‫ذلك بأن تقوم املرافق بتقديم خدماتها على سبيل الدوام واالستمرار دون انقطاع أيا‬

‫كانت الظروف التي تواجهها‪ .‬فدوام سير املرافق العمومية هو دوام للدولة باعتبارها‬

‫مجموعة من املرافق العمومية حسب بعض الفقه‪.337‬‬

‫ونظرا ألهمية هذا املبدأ نص الدستور املغربي لسنة ‪ 8133‬صراحة على‬

‫استمرارية املرفق العام في فصله ‪ 354‬الفقرة األولى "يتم تنظيم املرافق العمومة على‬

‫أساس املساواة بين املواطنات واملواطنين في الولوج إليها‪ ،‬واالنصاف في تغطية التراب‬

‫الوطني‪ ،‬واالستمرارية في أداء الخدمات"‪.‬‬

‫كما أن الفصل ‪ 48‬من الدستور املغربي نص على أن "امللك هو ضامن دوام‬

‫الدولة واستمراريتها"‪ .‬أي أن امللك يسهر على استمرارية أداء جميع املرافق واإلدارات‬
‫للمواطنين‪338.‬‬ ‫واملؤسسات العمومية لخدماتها‬

‫وملواجهة حالة الطوارئ الصحية الناتجة الوبائية جراء انتشار وباء كوفيد ‪32‬‬

‫في جميع أرجاء العالم بادرت اململكة املغربية في شخص وزارة التربية الوطنية‬

‫والتكوين املنهي والتعليم العالي والبحث العلمي توقيف الدراسة بجميع األقسام‬

‫والفصول انطالقا من يوم االثنين ‪ 36‬مارس ‪ 8181‬حتى إشعار آخر بما في ذلك رياض‬

‫‪ -337‬كرمي حلرش‪،‬القانون االداري املغريب‪،‬مكتبة الرشاد للنرش‪،‬الطبعة الرابعة‪،‬س نة ‪،8181‬ص ‪.52‬‬


‫‪ -338‬هنا نس تحرض املبادرة امللكية يف هذا االطار ابةدار تعلاميته للحكومة ابحداث حساب مرةود ألمور خصوةية حيمل أأمس الصندوق اخلاص‬
‫بتدبري جاحئة كوفيد ‪ 91‬بر أأسامل يبلغ عرشة مليارات درمه وتربع من ماهل اخلاص حلساب الصندوق مبلياري درمه‪.‬‬

‫‪P 284‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األطفال وجميع املؤسسات التعليمية ومؤسسات التكوين املنهي واملؤسسات‬

‫الجامعية التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي والتعليم العالي والبحث‬

‫العلمي‪ ،‬سواء منها العمومية أو الخصوصية‪ ،‬وكذا مؤسسات تكوين األطر غير‬

‫التابعة للجامعة واملدارس ومراكز اللغات التابعة للبعثات األجنبية وكذا مراكز‬

‫اللغات ومراكز الدعم التربوي الخصوصية‪ .‬ولكنها في نفس الوقت نبهت إلى أن‬

‫الدروس الحضورية ستعوض بدروس عن بعد تسمح للتالميذ والطلبة واملتدربين‬


‫بعد‪339.‬‬ ‫باملكوث في منازلهم ومتابعة دراستهم عن‬

‫إال أن االشكال الحقيقي الذي طرح هو تمثل في الوصول إلى املوقع اإللكتروني‪،‬‬

‫فالتحديات التقنية الخاصة بالبنى التحتية وضعف شبكات االتصال‪ ،‬وعدم توافر‬

‫بالدرجة التي ستمكن جميع شرائح املجتمع من الوصول إلى املعلومات‪.‬‬

‫‪ -339‬اليت اختذت أأشاكال خمتلفة‪:‬‬


‫‪ -‬بث دروس عرب القنوات الرس مية‪ :‬اس تحضارا لعدم متكن عدد من املتعلمني واملتعلامت لولوج املنصات الرمقية أأو التواةل مع مدرس هيم عرب وسائل‬
‫التواةل الاجامتعي أأو الواتساب فقد استبقت الوزارة ذكل من خالل بث دروس خمتلف املواد واملس توايت من خالل القناة الثقافية يف البداية‬
‫لتشمل قنوات أأخرى الحقا(القناة ا ألمازيغية وقناة العيون)‪.‬‬
‫‪-‬عرب البوابة االلكرتونية ‪ :TELMIDTICE‬قدمت البوابة االلكرتونية ‪ TELMIDTICE‬دروسا مصنفة حسب ا ألسالك واملس توايت التعلميية‬
‫وكذا املواد ادلراس ية‪ .‬ففي مرحةل أأوىل مت نرش املوارد الرمقية املتوفرة سابقا دلى الوزارة‪ ،‬وقد اكن عددها قليال‪ ،‬مث اس متر تطعمي هذه البوابة بصفة‬
‫منتظمة بدروس جديدة وذكل وفق برجمة زمنية تراعي التدرج البيداغويج املعمتد يف ادلروس احلضورية‪.‬‬
‫وقد بلغ مجموع املوارد الرمقية املتوفرة حاليا ‪ 5811‬مورد رمقي تغطي مجيع ا ألسالك (الابتدايئ‪ ،‬اعدادي‪ ،‬اثنوي) واملساكل واملس توايت واملواد‬
‫ادلراس ية وهو اجناز غري مس بوق مل يمت حتقيقه خالل العرش س نوات ا ألخرية‪ ،‬ويصل معدل التتبع اليويم للتالميذ عرب هذه املنصة ‪ 511‬أألف‬
‫تلميذ‪.‬‬
‫‪ -‬منصة ‪ :TEAMS‬ويه منصة تتيح تواةل ا ألساتذة مع تالمذهتم انطالقا من حسادهم يف منظومة مسار ومتكن من التواةل ةوات وةورة‪،‬‬
‫وتوظيف مجموعة من التطبيقات املساعدة يف عرض ادلروس‪.‬‬
‫أأنظر يف هذا الصدد‪:‬‬
‫‪ -‬جواب الس يد وزير الرتبية الوطنية والتكوين املهين والتعلمي العايل والبحث العلمي خالل جلسة ا ألس ئةل الشفهية املربجمة يوم االثنني ‪ 92‬ماي‬
‫‪ 8181‬مبجلس النواب‪ ،‬اترخي الاطالع ‪،83/19/8189‬‬
‫‪https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/MAmzazi-Prlmnt180520.pdf‬‬

‫‪P 285‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والبيئي‪340‬‬ ‫ثانيا‪ -‬توصيات املجلس االقتصادي واالجتماعي‬

‫دعا املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي في دراسة أنجزها حول‬

‫"االنعكاسات الصحية واالقتصادية واالجتماعية لفيروس كورونا(كوفيد ‪ )32‬إلى‬

‫تحسين جودة التعليم عن بعد‪ ،‬كمكمل للتعليم الحضوري‪ .‬كما أوص ى بإجراء‬

‫اإلطار‬ ‫مرونة‬ ‫مستوى‬ ‫على‬ ‫التربوية‬ ‫املنظومة‬ ‫على‬ ‫تعديالت‬

‫الزمني‪،‬واملناهج‪،‬والتكوينات‪،‬والنماذج واملنصات املالئمة‪،‬والوحدات القائمة على‬


‫‪341‬‬ ‫هندسة خاصة تتالءم مع كل نمط من أنماط التعليم‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬التوجه نحو املدن الذكية‬

‫تعتبر املدن الذكية توجها ناشئا في أواسط صناع السياسات في مختلف أنحاء‬

‫العالم لتجاوز هذه املعضلة‪ .‬فغالبية سكان عالم اليوم يعيشون في املدن‪ ،‬ومن أجل‬

‫ذلك يعد استيعاب وتطبيق مفاهيم املدينة الذكية أمرا ال غنى عنه لضمان مستوى‬

‫‪ -340‬خضعت مؤسسة اجمللس الاقتصادي والاجامتعي والبييئ لتطور ملحوظ بعد احلرب العاملية ا ألوىل‪ ،‬اذ يعترب المنوذج الفرنيس املثال الرائد‬
‫يف هذا اجملال‪ ،‬حيث رامكت فرنسا العديد من التجارب منذ س نة ‪ ،9182‬اذ مت احداث أأول هيئة اقتصادية واجامتعية بطلب من النقاابت العاملية‪،‬‬
‫وذكل مضن تيار فكري ينادي برضورة متثيل القوى الاقتصادية والاجامتعية داخل البنيات الس ياس ية والادارية لدلوةل‪ .‬ولقد متت دسرتة هذه‬
‫املؤسسة يف دس تور امجلهورية الرابعة س نة ‪ 9195‬ودس تور امجلهورية اخلامسة س نة ‪ ،9122‬ونظرا لتعاظم املقاربة البيئية يف اخلطاب الس يايس‬
‫وادلويل‪ ،‬فقد تبىن التعديل ادلس توري لس نة ‪ 8112‬التسمية احلالية ويه اجمللس الاقتصادي والاجامتعي والبييئ‪.‬‬
‫وعىل غرار هذا المنوذج‪ ،‬برز اجمللس الاقتصادي والاجامتعي يف التجربة املغربية مع املراجعة ادلس تورية لس نة ‪ ،9118‬بيد أأنه مل يمت تفعيهل مع‬
‫هذه املراجعة‪-‬رمغ فتح عدة أأوراش تمنوية شهدها مغرب التسعينيات‪ ،-‬اذ بقيت املسأأةل الاجامتعية معلقة ليتكرس حضور هذا اجمللس مع ادلس تور‬
‫املعدل لس نة ‪ ،9115‬تدشينا لبناء‪ ،‬عالقة جديدة يف تعاطي ادلوةل واجملمتع املغريب مع القضااي الاسرتاتيجية للبدل‪ ،‬حيث تقوم عىل أأساس االنصات‬
‫اىل اجملمتع وارشاكه يف ةياغة لك القرارات الاسرتاتيجية‪ .‬وهو البعد اذلي حاول املرشع ادلس توري اقراره يف ادلس تور املغريب اجلديد لس نة ‪8199‬‬
‫بتقوية ماكنة هذه املؤسسة داخل الهرم املؤسسايت لدلوةل‪ ،‬اذ متت اعادة تنظميها مكؤسسة دس تورية يف الباب احلادي عرش منه‪ ،‬حتت امس اجمللس‬
‫الاقتصادي والاجامتعي والبييئ يف التناول الس يايس ادلويل والوطين‪ ،‬مؤطرا بثالثة فصول (من الفصل ‪ 929‬اىل ‪.)923‬‬
‫للمزيد من املعلومات حول اجمللس الاقتصادي والاجامتعي والثقايف والبييئ راجع‪:‬‬
‫‪ -‬خادل الغازي‪ ،‬الاطار البنيوي والوظيفي للمجلس الاقتصادي والاجامتعي والبييئ بفرنسا‪ ،‬اجملةل املغربية لالدارة الحملية والتمنية‪ ،‬سلسةل‪ ،‬مواضيع‬
‫الساعة‪ ،‬عدد ‪ ،8111 ،59‬ص ‪.911‬‬
‫‪ -341‬اجمللس الاقتصادي والاجامتعي والبييئ يدعو اىل حتسني جودة التعلمي عن بعد‪ ،‬اترخي النرش ‪7‬نومفرب‪،8181 ،‬اترخي الاطالع ‪،19/83/8189‬‬
‫‪/https://alislah.ma/majlisechami‬‬

‫‪P 286‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫متميز من املعيشة للسكان‪ ،‬فالتفكير اإلبداعي والتعاون فيما بين كل الجهات املعنية‪،‬‬

‫واألفكار العلمية يمكن أن يحقق املنافع املنشودة للمدن بما في ذلك القدرة على‬

‫استيعاب الطفرة الكبيرة في عدد السكان بكفاءة وفعالية‪ ،‬وتعزيز النمو االقتصادي‪،‬‬

‫واالرتقاء بمستوى رفاهية سكان املدينة‪ ،‬إال أنه ال يوجد تعريف موحد ملفهوم‬

‫"املدينة الذكية"‪ ،‬فمشاريع املدن الذكية تكون عادة جزءا من برنامج عام لتحديث‬

‫املدن ويشمل التخطيط العمراني والبيئة وتكنولوجيا املعلومات‪ .‬ومصطلح "املدينة‬

‫الذكية" ظهر في املؤتمر األوروبي الرقمي سنة ‪ ،3224‬وفي سنة ‪ 3226‬دشن األوروبيون‬

‫مشروع املدينة الذكية في عدد من املدن تبنت السلطات األوروبية مدينة أمستردام‬
‫هلنسكي‪342.‬‬ ‫كمدينة رقمية تلتها مدينة‬

‫وتعرف املوسوعات ومراكز الدراسات واألبحاث التكنولوجية املدينة الذكية‬

‫بأنها مدينة "املعرفة" أو مدينة "رقمية" أو مدينة "إيكولوجية" تعتمد خدماتها على‬

‫البنية التحتية لتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت‪ ،‬مثل أنظمة مرور ذكية تدار أليا‪،‬‬

‫وخدمات إدارة األمن املتطورة وأنظمة تسيير املباني واستخدام عدادات للفوترة‪.343‬‬

‫أما االتحاد األوروبي فيعرف املدن الذكية بأنها تلك املدن التي تجمع املدينة‬

‫والصناعة واملواطنين معا لتحسين الحياة في املناطق الحضرية من خالل حلول‬

‫متكاملة أكثر استدامة‪ ،‬ويشمل ذلك ابتكارات تطبيقية وتخطيطا أفضل واستخداما‬

‫‪ -342‬حنان النحاس‪ ،‬المدن الذكية دراسة للمفهوم واألسس ‪،‬تاريخ النشر ‪ 01‬يوليوز‬
‫‪ ،8102‬تاريخ االطالع ‪/https://www.maroclaw.com ،82/10/8180‬‬
‫‪ -343‬ماريتا فارجاس‪،‬المدن الذكية بين الحلم والحقيقة‪،‬مجلة بيئة المدن‪،‬المدن‬
‫الذكية المستدامة‪ ،‬مركز البيئة للمدن العربية‪،‬العدد الثامن ماي ‪،8102‬ص‪.10‬‬

‫‪P 287‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ذكيا لتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت‪ ...‬ومن ثم يمكن تعريفها بأنها املدينة التي‬

‫تحقق أداء جيدا في جميع هذه املجاالت من خالل تفاعل مشترك بين القطاع‬

‫االقتصادي والحوكمة والنقل والبيئة والحياة مع مواطنين يتمتعون بالوعي‬


‫واالستقاللية‪344.‬‬

‫ومن املدن التي نهجت مسار بناء مدن متطورة‪ ،‬أساسها االستعانة بكل ما هو‬

‫تكنولوجي مستقبلي نجد مثال‪:‬‬

‫‪ -‬دبي من خالل استراتيجية “دبي املدينة الذكية”‪ ،‬تشمل أكثر من ‪ 311‬مبادرة‬

‫وخطة لتحويل ‪ 3111‬خدمة من الخدمات الحكومية إلى خدمات ذكية‪ .‬ويهدف‬

‫املشروع إلى تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق ستة أهداف‬

‫“ذكية” في مجاالت تشمل‪ :‬الحياة الذكية‪ ،‬النقل الذكي‪ ،‬املجتمع الذكي‪ ،‬االقتصاد‬

‫الذكي‪ ،‬الحكم الذكي‪ ،‬والبيئة الذكية‪ .‬إذ تعتمد على ثالثة مبادئ أساسية‬
‫والتعاون‪345.‬‬ ‫هي‪:‬االتصاالت‪ ،‬االندماج‪،‬‬

‫‪ -‬لندن التي تبنت رؤية اعتمدتها لعام ‪، “Mayor’s Vision 2020″8181‬والتي‬

‫ترتكز على ست نقاط أساسية تتمثلي في اآلتي‪ :‬جعل اللندنيين في صميم الرؤيا؛النفاذ‬

‫إلى البيانات املتاحة؛ رفع نسبة البحث والتكنولوجيا واملواهب اإلبداعية في لندن؛‬

‫‪ -344‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪ -345‬يونس مليح‪ ،‬املدن اذلكية "الواقع والافاق"‪ ،‬اترخي النرش‪ :‬االثنني ‪ 89‬أأكتوبر ‪ ،8191‬اترخي الاطالع ‪،83/19/8189‬الرابط‬
‫‪/https://www.hespress.com‬‬

‫‪P 280‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التجمع من خالل الشبكات؛ تمكين لندن من التكيف والنمو؛ وتعزيز التعاون بين‬
‫املدينة‪346.‬‬ ‫اللندنيين وحكومة‬

‫أما املغرب فينبغي التأكيد على أن رهان التحول إلى املدن الذكية في أفق ‪8186‬‬

‫يبقى متوقفا على العمل على توفير سياسات وتشريعات في خدمة التعليم عن بعد‪،‬‬

‫على اعتبار أن هذا النوع من التعليم يعتبر من أهم التطبيقات التي تتيحهااملدن‬

‫الذكية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تقنين التعليم عن بعد باملغرب‬

‫يمكن حصر مرجعيات اعتماد التعليم عن بعد باملغرب في‪:‬‬

‫أ‪ -‬امليثاق الوطني للتربية والكوين‪:‬‬

‫نص امليثاق على أن األبعاد املستقبلية للتكنولوجيات سيتم استثمارها في‬

‫املجاالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ .3‬معالجة بعض حاالت صعوبة التمدرس والتكوين املستمر بالنظر لبعد‬

‫املستهدفين وعزلتهم؛‬

‫‪ .8‬االستعانة بالتعليم عن بعد في مستوى االعدادي والثانوي في املناطق‬

‫املعزولة‪.‬‬

‫ب‪ -‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪:8111-8135‬‬

‫‪ -346‬نفس املرجع‪.‬‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تضمنت فقرات تدل على ضرورة وأهمية االستعانة بالتعليم عن بعد باعتباره‬

‫معززا ومكمال للتعليم الحضوري‪:‬‬

‫‪" -‬تنويع أنماط التعلم والتكوين‪ ،‬خصوصا في املستويات العليا من التعليم‬

‫والتكوين (التعلم عن بعد‪ ،‬التعلم مدى الحياة…) بهدف إتاحة الفرصة ألكبر عدد‬

‫ممكن من الراغبين في تغيير مكتسباتهم أو تعميقها‪ ،‬أو التصديق عليها‪ ،‬بالحصول‬

‫على شهادات مطابقة لخبراتهم"‪.‬‬

‫‪ -‬شمل التكنولوجيات التربوية مجموع البرامج املعلوماتية والتفاعلية‪ ،‬واملوارد‬

‫الرقمية‪ ،‬واألدوات التكنولوجية واألجهزة اإللكترونية املختلفة؛ عالوة على شبكات‬

‫وأنظمة االتصال وما توفره من خدمات وتطبيقات من قبيل التبادل اآلني للمعلومات‬
‫الرقمية‪347..‬‬ ‫واألفكار‪ ،‬واملؤتمرات عن طريق الفيديو‪ ،‬والتعلم عن بعد واملكتبات‬

‫ت‪ -‬القانون اإلطار ‪ 53.39‬املتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪.‬‬

‫ركز قانون ‪ 53.39‬على أهمية إدماج تكنولوجيا اإلعالم والتواصل في التعليم‪،‬‬

‫إذ يلزم الحكومة أن تتخذ جميع التدابير الالزمة واملناسبة لتمكين مؤسسات التربية‬

‫والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد‬

‫ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬وال‬

‫سيما من خالل اآلليات التالية‪:‬‬

‫‪ -347‬وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬ادلعامة العارشة‪ ،‬املادة‪.991 :‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ .3‬تعزيز إدماج تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في النهوض بجودة التعلمات‬

‫وتحسين مردوديتها؛‬

‫‪ .8‬إحداث مختبرات لالبتكار وإنتاج املوارد الرقمية‪،‬وتكوین مختصين في هذا‬

‫املجال؛‬
‫الحضوري‪348.‬‬ ‫‪ .1‬تنمیة وتطویر التعلم عن بعد‪،‬باعتباره مكمال للتعلم‬

‫الشك أن التعليم عن بعد فرض نفسه بقوة كبيرة نتيجة جائحة كورونا‪ ،‬لكن‬

‫هذا االنتقال يتطلب كذلك مرونة كبيرة في التعامل مع املتعلمين‪،‬إضافة إلى الحاجة‬

‫إلى فريق لوجستي يواكب املعلمين من خالل طرق تفكير إبداعية تساعدهم على‬

‫تحقيق عملية التعليم وإنجاز مقرراتهم الرئيسية‪.‬‬

‫من هذا املنطلق نرى أن التطرق إلى التجارب املقارنة في هذا الشأن من شأنه‬

‫أن يعطينا رؤية استشرافية ملستقبل التعليم عن بعد باملغرب من خالل الوقوف‬

‫على االيجابيات التي تزخر بها هذه التجارب‪ ،‬بغية الحدو حدوها مستقبال‪ ،‬وهو‬

‫موضوع الشق الثاني من تحليلنا‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التعليم عن بعد‪ :‬تجارب مقارنة‬

‫يعد التعليم عن بعد أحد املفاهيم والتقنيات الحديثة للتعلم بكافة مستوياته‪،‬‬

‫وقد أصبح هذا النوع من التعليم ركنا مهما لالقتصاد املعرفي‪ ،349‬ومن الجدير بالذكر‬

‫‪ -348‬قانون – اطار رمق ‪ 29.95‬يتعلق مبنظومة الرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الباب اخلامس‪ ،‬املادة‪.33 :‬‬
‫‪ -349‬اقتصاد املعرفة هو الاقتصاد املعمتد عىل ةناعة وتداول وتقيمي املعرفة؛ حيث تقل فيه الأمهية املرتتبة عىل تاكليف العامةل‪ ،‬كام ال يس تخدم‬
‫املفاهمي التقليدية لالقتصاد‪ ،‬مثل الندرة يف املواد‪ ،‬ويعرف اقتصاد املعرفة بأأنه نوع من أأنواع الاقتصاد اذلي يعمتد منوه عىل نوعية ومكية املعلومات‬
‫املتاحة‪ ،‬والقدرة عىل الوةول اليه‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن التعليم عن بعد‪ ،‬أو ما يسمى أحيانا التعلم اإللكتروني أو التعلم عبر اإلنترنيت ال‬

‫يعني تدريس املناهج وتخزينها على أقراص مدمجة‪ ،‬ولكن جوهر التعليم عن بعد هو‬

‫النمط التفاعلي‪ ،‬حيث يعني وجود مناقشات متبادلة بين الطلبة وبعضهم‪ ،‬والتفاعل‬

‫مع املحاضر‪ .‬فهناك دائما معلم يتواصل مع الطالب‪ ،‬ويحدد مهامهم واختياراتهم‪.350‬‬

‫وفي هذا اإلطار يمكن استعراض بعض التجارب الناجحة في هذا املجال‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعليم عن بعد في الواليات املتحدة األمريكية‬

‫أشارت دراسة أجرتها عام ‪ 8133‬مجموعة "سلون كونسورتيوم"‪ ،‬وهي إحدى‬

‫املؤسسات األمريكية الرائدة في مجال التعليم عن بعد‪،‬أن ‪ 6‬ماليين طالب في الواليات‬


‫اإلنترنت‪351.‬‬ ‫املتحدة يتلقون دورة تعليمية واحدة على األقل على‬

‫ونتيجة تزايد اإلقبال على الدورات الدراسية املقدمة عبر نظام التعليم عن‬

‫بعد‪ ،‬فقد شجع ذلك جامعات أمريكية مرموقة ‪-‬مثل‪ :‬استانفورد‪ ،‬وبيركلي‪،‬‬

‫وبرينستون‪ ،‬وجامعة كاليفورنيا‪ ،‬وعدد من املؤسسات التعليمية األمريكية األخرى‪-‬‬

‫على تقديم دورات تعليمية عبر اإلنترنت ألولئك الذين يفضلون هذه الطريقة وال‬

‫يستطيعون املشاركة في الصفوف الدراسية بشكلها التقليدي‪.‬‬

‫‪ -350‬اميان خفري‪ ،‬جتارب "التعلمي عن بعد" الحتواء ا ألزمات العاملية‪ ،‬اترخي النرش ا ألحد ‪ 92‬مارس ‪،8181‬اترخي الاطالع ‪،83/19/8189‬‬
‫‪/https://futureuae.com‬‬
‫‪ -351‬نفس املرجع‪.‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التعليم عن بعد في فرنسا‬

‫يعد املركز الوطني للتعليم عن بعد (‪ )CNED‬بفرنسا من أهم مراكز التعليم‬

‫والتكوين في أوروبا والعالم الفرنكفوني‪ ،‬وهو مؤسسة وطنية عامة ذات طابع إداري‬

‫تحت إشراف وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬ويعتمد املناهج الرسمية‪،‬‬

‫وتعترف السلطات بالشهادات التي يمنحها املركز‪ ،‬لذلك تتعامل معه الكثير من‬

‫مؤسسات التعليم املهتمة باملناهج الفرنسية‪ ،‬وتتلخص مهام املركز كما أشار إليها‬

‫املرسوم املؤرخ في ‪ 85‬فبراير ‪ 3226‬في‪ 352‬توفير التعليم عن بعد وتعزيزه‪ ،‬واستخدام‬

‫تقنيات االتصال الحديثة واعتماد تكنولوجيا التعليم‪ ،‬وضمان مسار تعليمي لكل‬

‫فتتمثل في‪:‬‬ ‫املركز‪353‬‬ ‫فرد بما يناسبه مهما كان وضعه‪ .‬أما استراتيجيات‬

‫‪ -‬إعادة الهيكلة التنظيمية للمركز كي يتناسب مع الواقع الذي عرف تحوال‬

‫ملحوظا نتيجة انتشار التكنولوجيا الرقمية‪354‬؛‬

‫‪ -‬املرونة في توفير التعليم عن بعد‪ ،‬فاملركز يوفر دروسا كاملة معتمدا على‬

‫املناهج الرسمية‪،‬موجهة للمتعلمين الفرنسيين‪،‬أو الراغبين في متابعة التعليم وفق‬

‫نظام التعليم الفرنس ي؛‬

‫‪ -‬توفير املادة التعليمية على شكل رقمي ليسهل اقتناؤها واستخدامها على‬

‫املتعلمين بواسطة اللوحات الرقمية والحواسيب والهواتف الذكية؛‬

‫‪ -352‬عبد اجلود بكر‪،‬قراءات يف التعلمي عن بعد‪،‬دار الوفاء دلنيا الطباعة والنرش‪ ،‬الاسكندرية‪،‬ط‪ ،9‬س نة ‪ ،8119‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -353‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ -354‬املقصود دها هو الاس تفادة من لك وسائل التكنولوجيا احلديثة خلدمة العملية التعلميية‪.‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬الجمع بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري في إطار اتفاقيات التعاون‬

‫لدعم وتطوير شبكة من مؤسسات برامج اللغة الفرنسية في الخارج وذلك لضمان‬

‫استمرارية عروض املدرسة الفرنسية في جميع السياقات بما في ذلك في حالة وجود‬

‫أزمات‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تجربة ماليزيا في التعليم عن بعد‬

‫لقد بدأت مرحلة بناء التعليم عن بعد في ماليزيا من عام‪ 3221‬من خالل‬

‫مشروع الحاسوب التعليمي‪ ،‬فقد تم توزيع حواسيب على ستين مدرسة وإعدادية‬

‫على مستوى ماليزيا كاملة لكنه لم يكن ذو جدوى حاله حال كثير من التجارب املثيلة‬

‫في كثير من دول العالم‪ ،‬وأعادت ماليزيا الكرة في عام‪ 3226‬فكانت النتائج أفضل‬

‫ومازالت البنية التحتية اإللكترونية للتعليم في ماليزيا تتطور وإن كان بشكل بطيء‪.‬‬

‫لكن عند الحاجة لهذه املعدات في فترة جائحة كورونا كانت األرضية التعليمية‬

‫قد أخذت زخرفتها وأصبح يمكن االستعانة بها لتحقيق االستمرارية البيداغوجية‪.‬‬

‫وما يثير الدهشة في التجربة املاليزية هو أنه بالرغم من وجود املعدات التعليمية‬

‫التكنولوجية إال أن الفعالية والنجاح الظاهر يعود بدرجة أولى لفرسان املعرفة‪،‬‬

‫بحيث قرر املتعلمون أن ينجحوا في اختبار كورونا على حساب أوقات راحتهم وأوقات‬
‫فضاء‪355.‬‬ ‫أسرهم فلم يعد للدرس وقت بل أوقات ولم يعد للتدريس فصل بل‬

‫‪ -355‬عبد الرحمي أأةليح‪،‬التعلمي عن بعد يف زمن كوروان‪...‬التجربة املالزيية‪،‬اترخي النرش ‪،91/12/8181‬اترخي الاطالع ‪،89/19/8189‬‬
‫‪/https://www.aljazeera.net‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫لقد أكدت جائحة كوفيد ‪ ،32‬بما ال يدع مجاال للشك أن التعليم عن بعد لم‬

‫يعد ترفا‪ ،‬بل أصبح ضرورة وشرطا ملواجهة الطوارئ خصوصا مع ما يتهدد العالم‬

‫من أوبئة قد تفرض على الدول مزيدا من التباعد والعزل‪ ،‬ذلك أن أغلبية األبحاث‬

‫تؤكد على أن التعليم عن بعد سيكون حاضرا بقوة في املستقبل القريب باعتباره‬

‫أحد الشروط الالزمة لولوج مجتمع املعرفة‪ ،‬وعليه فاململكة املغربية أصبح لزاما‬

‫عليها تطوير تجربة التعليم عن بعد وتوسيع قاعدة املستفيدين منها‪،‬األمر الذي‬

‫سيساهم في تحقيق دمقرطة التعليم وتكافؤ الفرص وهذا لن يتأتى إال إذا تم‪:‬‬

‫‪ -‬سن التشريعات والسياسات التي تنظم التعليم عن بعد إلضفاء الشرعية‬

‫على بيئة العمل؛‬

‫‪ -‬زيادة االنفاق واالستثمار في التعليم عن بعد؛‬

‫‪ -‬تأهيل العنصر البشري واطالعهم على كل ما يلزم من التقنيات األساسية‬

‫ملواكبة التعليم عن بعد؛‬

‫‪ -‬تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬وتوفير خدمات اإلنترنيت في‬

‫املناطق غير املشمولة بالخدمة من خالل األقمار الصناعية‪ ،‬واالتفاق مع شركات‬

‫اإلنترنيت بهدف تأمين الوصول املجاني إلى جميع الخدمات التعليمية من خالل‬

‫تطبيق تقنية ‪ white listing‬على عناوين هذه الخدمات‪ ،‬ليتكرس التعليم عن بعد‬

‫حقا للجميع‪.‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫محمد الهادي‪ ،‬التعليم اإللكتروني عبر شبكة اإلنترنيت‪ ،‬الدار املصرية‬

‫اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.8115 ،3‬‬

‫عالء صادق‪ ،‬األسس النظرية للتعليم عن بعد‪ ،‬تاريخ النشر ‪،81/15/8132‬‬

‫تاريخ االطالع ‪. /https://www.edutrapedia.com ،88/13/8183‬‬

‫رمزي أحمد عبد الحي‪،‬التعليم اإللكتروني‪ ،‬محدداته ومبرراته وسسائطه‪ ،‬دار‬

‫الوفاء لدنيا الطباع والنشر‪،‬اإلسكندرية‪،‬مصر‪،‬ط‪ ،3‬سنة ‪.8115‬‬

‫عبد الرحيم الهرنان‪ ،‬ملف شامل ومحكم عن التعليم عن بعد‪ ،‬تاريخ النشر‬

‫‪ 16‬ماي ‪،8181‬تاريخ االطالع ‪./https://al3omk.com ،88/13/8183‬‬

‫هديل سرور‪ ،‬الفرق بين التعليم عن بعد والتعليم اإللكتروني‪ ،‬تاريخ النشر ‪82‬‬

‫عشت ‪،8132‬تاريخ االطالع ‪./https://hyatok.com ،81/13/8138‬‬

‫حنان النحاس‪ ،‬املدن الذكية دراسة للمفهوم واألسس‪ ،‬تاريخ النشر ‪ 31‬يوليوز‬

‫‪ ،8132‬تاريخ االطالع ‪./https://www.maroclaw.com ،84/13/8183‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور حممد حماسيين‬


‫أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ابن زهر‬
‫اكادير‬

‫تجربة ماليزيا إلصالح التعليم العالي‪ :‬دعوة‬


‫لإلقتداء‬
‫‪Malaysia’s Experience in Higher Education Reform: A Call for Example‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫شكلت املسألة التعليمية بالنسبة للعديد من الدول اآللية واملحرك الذي‬

‫استطاعت من خالله بناء حضارات مشرقة واقتصاديات قوية بالتركيز أساسا على‬

‫العنصر البشري‪ ،‬وجعله محورا للسياسات العمومية أجمعها‪ ،‬كما أن واضعي‬

‫اإلصالحات التعليمية أصبحوا مطالبين بضرورة االستفادة من تجارب الدول األخرى‬

‫والتي أثبتت نجاحها‪.‬‬

‫فمسألة إصالح التعليم عموما‪ ،‬والتعليم العالي على وجه الخصوص تعتبر‬

‫عملية طويلة األمد‪ ،‬تتطلب تحديد األهداف ومراقبة تطبيقها‪ ،‬وأخذ العبرة من‬

‫تجارب اآلخرين واالستناد على ممارسات صحيحة‪ ،‬وال يوجد حرج ألي شخص أو أمة‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إذا اتبعوا أساليب نجحت عند غيرهم‪ ،‬فلقد قامت الواليات املتحدة بنقل أساليب‬

‫من اليابان عند حاجتها لتلك األساليب‪.‬‬

‫وقد جربت الدول العربية وسائل وأنواع مختلفة من املؤسسات التعليمية‪،‬‬


‫ُ‬
‫ويجب عليها جميعا أن تناقش وتراجع تجاربها بعقلية متفتحة‪ ،‬ليتم استنباط‬

‫األفضل فيما يتعلق بكل منطقة‪ ،‬شريطة أن ال يكون الهدف هو نسخ التجارب‪ ،‬وإنما‬

‫تعلم كيفية تنفيذ اإلصالح بطرق فعالة‪ ،‬ومنسجمة مع خصوصيات املجتمع‪.‬‬

‫وقد حققت العديد من الدول طفرة تعليمية كبيرة‪ ،‬ومنها اليابان وعدد من‬

‫دول شمال أوروبا‪ ،‬وأبرزها فنلندا ودول أخرى مثل سنغافورة‪ ،‬فهذه الدول سبقت‬

‫الجميع في االنتقال الواسع من فلسفة التعليم املرتبطة بالتلقين واختبارات الذاكرة‬

‫إلى فلسفة التعليم املعنية باإلبداع ونشر قيم التقدم‪ ،‬وإذا كانت النماذج الثالثة‬

‫لفنلندا وسنغافورة واليابان بعيدة عن الواقع املغربي‪ ،‬فهناك نماذج أخرى يمكن‬

‫محاكاتها‪ ،‬ولنا في التجربة املاليزية في إصالح التعليم أكبر الدروس‪ .‬لقد نجحت ماليزيا‬

‫فيما فشلت فيه دول كثيرة‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالتوفيق بين التفوق العلمي والنهضة‬

‫االقتصادية وبين الحفاظ على الهوية اإلسالمية‪ ،‬وهذا ما جعلها في التعليم تجربة‬

‫فريدة وجديرة بالدراسة واإلقتداء واالستلهام‪ ،‬وهو األمر الذي يمكن من خالله‬

‫التساؤل حول حدود نجاح النظام التعليمي بماليزيا في بلورة نموذج تربوي قائم على‬

‫الفعالية والجودة‪ ،‬وجعله مساهما حقيقيا في هندسة سياسات اقتصادية ناجعة‬

‫وناجحة‪ .‬وقبل التطرق إلى مضامين وفحوى التجربة املاليزية في قطاع التعليم‪ ،‬نرى‬

‫‪P 210‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أنه من الضروري التذكير بأهم مبررات اختيارنا لهذه التجربة‪ ،‬وتركيزنا عليها دون‬

‫غيرها‪ ،‬والتي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬قدرة التجربة اإلصالحية بماليزيا على التوفيق بين التفوق العلمي والنهضة‬

‫االقتصادية وبين الحفاظ على الهوية اإلسالمية للبالد؛‬

‫‪ ‬اشتراك ماليزيا مع املغرب في العديد من املعطيات وهي‪ :‬الهوية اإلسالمية‪،‬‬

‫املاض ي االستعماري‪ ،‬فكالهما مستعمرتان سابقتان‪ ،‬حصول املغرب وماليزيا‬

‫على االستقالل في نفس الفترة تقريبا‪ ،356‬تقارب في عدد السكان‪ ،357‬االعتماد‬

‫الكبير للدولتين على القطاع الفالحي‪.‬‬

‫وتعتبر التجربة املاليزية من التجارب الناجحة القليلة التي يجب النظر لها بعمق‪،‬‬

‫ودراستها بشكل مستفيض‪ ،‬لعلنا نجد ما يمكن أن نستفيد منه ونطبقه على‬

‫منظومتنا التي تعاني من اختالالت واضحة على جميع املستويات‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املنظومة التعليمية بماليزيا‪ :‬مظاهر التطور وعناصر النجاح‬

‫إن الحديث عن نظام التعليم في ماليزيا‪ ،‬يمثل قصة النجاح التي عاشها هذا‬
‫ً‬
‫البلد اآلسيوي‪ ،‬على اختالف املشارب املشكلة له‪ ،‬معتمدا في ذلك على اإلرادة القوية‬

‫والتخطيط الدقيق املنظم‪ ،‬فبعد أن كان هذا البلد يعاني من تبعات الصراعات‬

‫العرقية‪ ،‬ومخلفات سنوات االستعمار‪ ،‬استطاع بفضل نظامه التعليمي املتميز أن‬

‫‪ -356‬المغرب حصل على استقالله سنة ‪ 8856‬فيما حصلت ماليزيا على استقاللها بعد ذلك بسنة واحدة وبالضبط في ‪08‬‬
‫غشت ‪.8857‬‬
‫‪ -357‬بلغ عدد سكان ماليزيا حسب إحصاء ‪ 8089‬حوالي ‪ 00‬مليون نسمة‪ ،‬في حين بلغ تعداد الساكنة بالمغرب ‪00,8‬‬
‫مليون نسمة حسب اإلحصاء العام لسنة ‪.2014‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يحقق الوحدة الوطنية‪ ،‬والنمو االقتصادي الكبير‪ ،‬من خالل االستثمار أساسا في‬

‫العنصر البشري‪ ،‬الذي يعد أغلى وأهم ثروات األمم‪.‬‬

‫فقد نجحت ماليزيا في تأسيس نظام تعليمي قوي‪ ،‬ساعد على تلبية حاجاتها‬

‫من القوة العاملة عالية التكوين‪ ،‬من خالل املساهمة في عملية التحول االقتصادي‬

‫من قطاع زراعي تقليدي إلى قطاع صناعي حديث‪.‬‬

‫كما تبنت ماليزيا مقاربة ذكية تقوم على التوظيف الفعال للتعليم لبلوغ مرحلة‬

‫االقتصاد املعرفي القائم على تقنية املعلومات واالتصال‪ ،‬وقد تداخلت مجموعة من‬

‫العوامل املؤثرة في بلورة النظام التعليمي املاليزي‪ ،‬وفي وضع األسس الكفيلة بحسن‬

‫بإدارته وتطويره‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬العوامل املؤثرة في النظام التعليمي بماليزيا‬

‫تظافرت مجموعة من العوامل السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬والتي‬

‫أثرت مجتمعة في نظام التعليم في ماليزيا وساعدت على تطوره‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العوامل السياسية‬

‫وقعت ماليزيا كالعديد من الدول العربية واإلسالمية تحت وطأة االستعمار‬

‫البريطاني‪ ،‬الذي استهدف نشر الثقافة اإلنجليزية‪ ،‬وإعداد فئة من املواطنين َيدينون‬

‫بالوالء للسلطات االستعمارية‪ ،‬حيث قاموا بإنشاء عدد من املدارس في مختلف‬

‫الواليات‪ ،‬وشجعوا أفراد الشعب على االلتحاق بها‪ ،‬على اعتبار أن من سيلتحق بها‬

‫سيتولى أعلى املناصب في البالد‪ ،‬وكانت املناهج التعليمية في هذه املدارس تشبه إلى‬

‫‪P 228‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حد كبير مناهج التعليم في املدارس اإلنجليزية في بريطانيا‪ ،‬وقاموا كذلك بإلغاء اللغة‬

‫املاليوية (وهي اللغة األصلية للبالد) من املناهج واستبدلوها باللغة اإلنجليزية‬

‫والتاريخ اإلنجليزي‪ ،‬من أجل نشر ثقافتهم وأهدافهم االستعمارية‪.‬‬

‫وملواجهة حركات التحرر الوطني‪ ،‬بدأ االستعمار البريطاني يتبنى محاوالت‬

‫مختلفة إلصالح التعليم‪ ،‬يدعم من خاللها كيانه ووجوده‪ ،‬ويهادن بها القوى الوطنية‬

‫املطالبة بالتحرر‪ ،‬وقد تكررت محاوالت اإلصالح والتطوير في هذه املرحلة حتى سميت‬

‫بمرحلة التطوير والتغيير‪ ،‬أو كما عرفها البعض بالعهد التجديدي‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫تبني مجموعة من القرارات واعتماد املشاريع اإلصالحية‪ ،‬ومن أهم مشروعات‬

‫اإلصالح التعليمية التي عرفتها دولة ماليزيا‪ ،‬هناك‪:358‬‬


‫ً‬
‫‪ -‬مشروع "شيسمن" الذي امتد بين سنتي ‪3245‬و‪ ،3242‬والذي شكل مشروعا‬

‫لتطوير التعليم في البالد ورفع مستواه؛‬

‫‪ -‬التقرير اإلنجليزي أو ما عرف بتقرير "برنيس" والذي وضعته لجنة خاصة‬


‫ُ‬
‫لدراسة الشؤون التعليمية في البالد برئاسة (برنيس)‪ ،‬وقد شكلت اللجنة‬

‫سنة ‪ 3242‬وانتهت من إعداد تقريرها في مايو ‪ ،3251‬وتضمن هذا التقرير‬


‫ً‬
‫عددا من العناصر اإليجابية‪ ،‬أهمها أنه حاول أن يجعل من املدرسة‬

‫االبتدائية أو املدرسة الوطنية عموما‪ ،‬أداة لخلق وحدة وطنية وإذابة‬

‫االختالفات العرقية املختلفة؛‬

‫‪ -358‬التعليم والتنافسية في ماليزيا‪ ،‬أحمد محمد نبوي‪ ،‬مجلة العلوم التربوية العدد األول‪ ،‬الجزء ‪ ،10‬يناير ‪ ،7102‬ص‬
‫‪.65‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬تقرير "وين – وو" فقد ُشكلت لجنة ضمت الدكتور ( وين –وو ) الخبير املاليزي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫في التعليم لدى األمم املتحدة‪ ،‬وطلب من هذه اللجنة أن تضع تقريرا عن‬

‫التعليم الصيني بماليزيا‪ ،‬بعدما اعترض الصينيون بشدة على بتقرير "برنيس"‬
‫ً ً‬
‫ورفضوه رفضا تاما بحجة أن تنفيذ مقترحات هذا التقرير سيؤدي إلى القضاء‬

‫على اللغة الصينية‪ ،‬ويضعف ثقافتها بماليزيا؛‬

‫‪ -‬التقرير املشترك والذي جاء كنتيجة لرفض الصينيين واألجناس األخرى‬

‫لتقريري "برنيس اإلنجليزي" و"وين – وو الصيني"‪ ،‬وانتهت إلى األخذ بتقرير‬

‫برنيس مع إحداث تعديالت في بعض بنوده‪ ،‬فأوصت اللجنة باإلبقاء على‬

‫املدارس الوطنية كما هي‪ ،‬وأن يتم التعليم فيها باللغة املاليوية مع وجود اللغة‬

‫اإلنجليزية كلغة ثانية‪ ،‬وجعل اللغة الهندية أو الصينية لغة ثالثة‪ ،‬كما أوصت‬

‫اللجنة باإلبقاء على املدارس الصينية والهندية سواء الحكومية منها أو العامة‬

‫دون تعديل أو تغيير؛‬

‫‪ -‬تقرير التعليم لسنة ‪ 3254‬وهو التقرير الذي حث على ضرورة توحيد النظام‬

‫التعليمي في البالد‪ ،‬وإيجاد مدارس لجميع األجناس حتى يتسنى تعليم أبناء‬

‫الشعب‪ ،‬وجعل اللغة املاليوية واللغة الصينية اللغتين األساسيتين للتعليم‪،‬‬

‫كما أكد التقرير على ضرورة إنشاء املدارس الثانوية الحديثة واملدارس‬

‫املهنية‪ ،‬وإنشاء معاهد لتكوين املعلمين لسد حاجة البالد إليهم؛‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬وملا استقلت ماليزيا سنة ‪ ،3259‬شرعت في تطوير نظامها التعليمي‪ ،‬مستفيدة‬

‫من التجربة البريطانية واليابانية في هذا املجال‪ ،‬حيث أخذت النافع واملفيد‬

‫لدى الشعوب األخرى‪ ،‬دون أن يتعارض ذلك مع هويتها وثقافتها اإلسالمية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل االقتصادية‬


‫ً‬
‫يعد اقتصاد ماليزيا اليوم واحدا من أقوى النظم االقتصادية في جنوب شرق‬

‫آسيا‪ ،‬ويعتمد إلى حد كبير على إنتاج النفط واملطاط واألخشاب والقصدير‪ ،‬إلى‬

‫جانب عدة أنواع من املحاصيل الزراعية‪ ،‬مما جعلها دولة محدودة الدخل‪،‬‬

‫ولتحقيق أهداف ماليزيا في التغيير‪ ،‬كان البد من توظيف التعليم في عمليات الحراك‬
‫ً ً‬ ‫ً ً‬
‫االقتصادي تحت شعار (ازرع تعليما قويا تحصد اقتصادا قويا)‪ ،‬وقد ركزت البالد‬

‫بشكل كبير على التعليم الفني واملنهي في جميع املراحل الدراسية‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫التنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص للمشاركة في إعداد البرامج املهنية للمدارس‬

‫والجامعات‪.‬‬

‫كما أن هناك عدة عوامل اقتصادية ساهمت في تطور التعليم منها‪:‬‬

‫‪ -‬تحول اقتصاد البالد من قطاع زراعي تقليدي إلى قطاع صناعي‪ ،‬جعلها تفكر‬

‫في إيجاد نظام تعليمي قوي يساعد على تلبية الحاجة املتزايدة إلى قوة العمل‬

‫املاهرة؛‬

‫‪ -‬إعالن الخطة الشاملة للتنمية القومية االقتصادية‪ ،‬فالخطة الخماسية‬

‫األولى ‪ ،3291 -3266‬والخماسية الثانية ‪ ،3295-3291‬جعلت ماليزيا تركز على‬

‫‪P 223‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االهتمام بالتنمية الشاملة‪ ،‬والتعليم هو أساس التنمية ومصدر االستثمار‬

‫البشري؛‬

‫‪ -‬تبني الحكومة املاليزية للخطة الطموحة بهدف الوصول بماليزيا إلى مجتمع‬

‫املعلوماتية عام ‪ ،8181‬وكذلك النمو االقتصادي املضطرد جعلها تفكر في‬

‫تغيير النظام التربوي لتحقيق النمو التربوي الدائم‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬العوامل االجتماعية‬


‫ً‬
‫فرضت التعددية القومية والعرقية تنوعا في نظام التربية والتعليم‪ ،‬وهذا‬

‫التعدد جعل البالد تفكر في إيجاد حلول للتخلص من املشاكل املتولدة عن ذلك‬

‫باستمرار‪ ،‬وتوصلت إلى أن يقوم التعليم على أساس التنوع خالل املرحلة االبتدائية‪،‬‬

‫وهذا هو أسلم طريق ملنع أية مواجهات عرقية أو طائفية بالبالد‪.‬‬

‫وقد كانت الوحدة املستقبلية للشعب املتعدد األعراق أهم وأكبر تحديات‬
‫ُ‬
‫املسؤولين املاليزيين‪ ،‬لذا فقد شكلت لجنة في عام ‪ُ 3256‬عهد إليها بوضع سياسة‬

‫تعليمية تهدف إلى تنمية الشعور الوطني في التعليم‪ ،‬وأدى ذلك إلى صدور قانون‬

‫التعليم سنة ‪ ،3259‬والذي ألزم جميع املدارس االبتدائية باستعمال اللغات املاليزية‬

‫واإلنجليزية والصينية والتاميلية كلغات للتعليم‪ ،‬كما نص على استخدام املرحلة‬

‫الثانوية للغة املاليزية واإلنجليزية بصفة مؤقتة فقط‪ ،‬باإلضافة إلى التأكيد على‬

‫ضرورة توحيد املناهج الدراسية لكافة املدارس بالبالد في ظل التعددية العرقية‪.‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يضاف إلى كل ذلك أن فلسفة التربية في ماليزيا استندت إلى الفلسفة اإلسالمية‬

‫مع االستفادة من الفلسفات األخرى وخاصة الفلسفة البراجماتية‪ ،‬وكان لرئيس‬

‫الوزراء األسبق الدكتور (مهاتير محمد) دوره العظيم في نهضة ماليزيا الحديثة‪ ،‬وله‬
‫ً‬
‫أيضا تأثيره الكبير على السياسة التعليمية املاليزية‪.‬‬

‫ويتضح مما سبق مدى تأثير العوامل السابقة‪ ،‬وإسهامها في جعل ماليزيا تمتلك‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫نظاما تعليميا قويا ساعدها على تلبية الحاجة من قوة العمل املاهرة‪ ،‬كما أسهم‬

‫هذا النظام بفعالية كبيرة في عملية التحول من قطاع زراعي تقليدي إلى قطاع‬

‫صناعي حديث‪ ،‬يوظف التعليم اليوم كأداة حاسمة لبلوغ مرحلة االقتصاد املعرفي‬

‫القائم على تقنية املعلومات واالتصاالت‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإلدارة التعليمية بماليزيا‬

‫إدارة التعليم في ماليزيا مركزية قومية‪ ،‬ويشكل هذا القطاع أحد أهم‬

‫مسؤوليات الحكومة الفيدرالية‪ ،‬وتعتمد الهيكلة اإلدارية التعليمية في ماليزيا على‬

‫أربع مستويات‪:359‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املستوى الفدرالي‪/‬املركزي‬

‫تتولى وزارة التربية بماليزيا املسؤولة األولى في عملية ترجمة السياسة التعليمية‬
‫ً‬
‫إلى خطط وبرامج ومشروعات تربوية وفقا للطموحات واألهداف القومية املرسومة‪،‬‬
‫ً‬
‫وتضع الوزارة أيضا اإلرشادات الخاصة بتنفيذ وإدارة برامج التعليم على املستوى‬

‫‪ -359‬زكي أحمد عبد الفتاح‪" ،‬التربية المقارنة ونظم التعليم"‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلسكندرية ‪،7112‬‬
‫ص ‪.62‬‬

‫‪P 225‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الفيدرالي‪/‬املركزي‪ ،‬ويرأس وزارة التربية بماليزيا وزير للتربية يعاونه اثنين من الوكالء‬

‫إلى جانب املدير العام املكلف بإدارة الشؤون اإلدارية بالوزارة‪ ،‬والسكرتير العام‬

‫للتعليم املسؤول عن األمور اإلدارية بالوزارة‪ ،‬وتتبع وزارة التربية املاليزية نظام‬

‫اللجان في إجراءاتها التخاذ القرار‪ ،‬وتعد لجنة التخطيط التربوي أعلى جهاز التخاذ‬
‫ً‬
‫القرار ويرأسها وزير التربية‪ .‬وتتكون وزارة التربية املاليزية من (‪ )81‬قسما (‪ )38‬منها‬

‫تخصصية و (‪ )2‬أقسام إدارية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مستوى الوالية‬

‫تتوفر ماليزيا على ‪ 34‬والية‪ ،‬يوجد في كل واحدة منها إدارة للتعليم يرأسها مدير‬

‫التعليم‪ ،‬وهو املسؤول عن تنفيذ البرامج واملشروعات واألنشطة التعليمية في‬

‫الوالية‪ ،‬وتتحدد الوظيفة اإلدارية الرئيسية إلدارة التعليم على مستوى الوالية في‬

‫تنظيم وتنسيق وإدارة املدارس داخل املجال الترابي للوالية‪ ،‬وتدبير املوظفين والهيئة‬

‫التعليمية والشؤون املالية وتطوير املباني‪ ،‬وتتولى هذه اإلدارة أيضا مسؤولية‬

‫اإلشراف على تنفيذ البرامج التعليمية في الوالية وصياغة وتنفيذ خطط التطوير‬

‫التربوي بالوالية‪ .‬وتزود هذه اإلدارة وزارة التربية املاليزية باملعلومات الكاملة عن السير‬

‫التربوي بالوالية‪ ،‬وعن التطبيق املرن لسياسة التعليم الوطنية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬املستوى املحلي‪/‬املقاطعة‬

‫‪P 226‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مكاتب التعليم في املنطقة أو املقاطعة‪ ،‬هي امتداد إلدارة التعليم في الوالية‬

‫وتشكل حلقة الوصل بين املدرسة وإدارة التعليم في الوالية‪ ،‬وتساعد هذه املكاتب في‬

‫اإلشراف على تنفيذ البرامج واملشروعات واألنشطة التعليمية في املدارس باملنطقة‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬املستوى اإلجرائي‪/‬املدرسة‬

‫يتولى املدير إدارة األعمال اليومية باملدرسة ويعينه في ذلك مساعد واحد‪،‬‬

‫وتتحدد واجبات املدير بشكل أساس ي في إدارة املدرسة بشكل عام‪ ،‬واإلشراف على‬
‫ً‬
‫تطبيق املناهج الدراسية وفقا لسياسة التعليم الوطنية وبرامج التعليم‪ ،‬عالوة على‬
‫ً‬
‫إشرافه على األنشطة املنهجية املصاحبة وتعزيزها وقيادة املدرسة مهنيا‪ ،‬ويوجد في‬

‫كل مدرسة في ماليزيا جمعية لآلباء واملعلمين‪ ،‬حيث تقدم هذه الجمعيات الدعم‬

‫واملساعدة في إدارة املدرسة‪ ،‬تساعد على تعزيز التعاون بين املدرسة واملجتمع‪.‬‬

‫رسم رقم ‪ :13‬بنية اإلدارة التعليمية في ماليزيا‪.‬‬

‫‪P 227‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املصدر‪ :‬القنصلية املاليزية‪ ،‬النظام التربوي الوطني‪ ،‬الدليل اإلرشادي‬

‫للدراسات املاليزية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التجربة املاليزية إلصالح التعليم العالي‬


‫عانت ماليزيا ألعوام عديدة من االستعمار الذي نهب خيراتها ً‬
‫وعزز في أبنائها‬

‫الجهل والتخلف‪ ،‬حيث خضعت لوطأة االستعمار الغربي ملدة خمسمائة عام‪ ،‬بداية‬

‫من االستعمار البرتغالي ثم االستعمار الهولندي ثم االستعمار البريطاني‪ ،‬ولقد كانت‬

‫بداية الحراك املجتمعي نحو النهضة مع ظهور حركات التجديد واإلصالح ملواجهة‬

‫االنتشار الكبير للجهل واألمية‪ ،‬ويبقى أهم البرامج اإلصالحية هو "مشروع ماليزيا‬

‫‪ "8181‬باعتباره برنامجا إصالحيا شامال‪ ،‬وضعه رئيس الوزراء املاليزي "مهاتير محمد"‬

‫والذي دعا فيه أن تصل ماليزيا ألعلى درجات التقدم الشامل مع حلول سنة‬

‫‪ ،3608181‬من خالل وضع التعليم العالي والبحث العلمي على رأس أولويات هذا‬

‫املشروع الضخم والطموح‪ ،‬ووضع العنصر البشري محور كل اإلصالحات‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الجامعة املاليزية من خالل "مشروع ماليزيا ‪"8181‬‬

‫ارتكز "مشروع ماليزيا ‪ "8181‬الذي وضعه رئيس الوزراء مهاتير محمد على‬

‫ميدان التربية والتعليم‪ ،‬باعتباره قطاعا محوريا ومحركا لكل القطاعات األخرى‪،‬‬

‫حيث وضع التعليم العالي والبحث العلمي على رأس األولويات‪ ،‬فقامت الحكومة‬

‫املاليزية بزيادة املخصصات املالية للتعليم‪ ،‬والذي أصبحت توجه له حوالي ‪ 84‬في‬

‫‪ -360‬محمد صادق إسماعيل‪ ،‬التجربة الماليزية "مهاتير محمد والصحوة االقتصادية"‪ ،‬العربي للنشر والتوزيع‪ 7102 ،‬ص‬
‫‪.722‬‬

‫‪P 220‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املائة من إجمالي النفقات الحكومية‪ ،‬ويتم إنفاق هذه املبالغ على بناء املدارس‬

‫والجامعات واملعاهد العليا الجديدة‪ ،‬وإنشاء معامل ومختبرات للعلوم والكمبيوتر‪،‬‬

‫ومنح قروض ملواصلة التعليم العالي داخل وخارج البالد وتشجيع مشاريع البحث‬

‫العلمي‪.361‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مرحلة التعليم قبل الجامعي‬

‫يتميز النظام التعليمي بماليزيا بتوفره على مرحلة تعليمية فريدة‪ ،‬تعرف بمرحلة‬

‫التعليم قبل الجامعي أو برنامج امتحان القبول في الجامعات‪ ،362‬وهو عبارة عن‬

‫صفوف وأقسام تحضيرية مصممة بشكل خاص لتمكين الطالب الجدد من تقديم‬

‫االمتحانات التي تعقدها جامعات معينة لتحقيق متطلبات القبول بها‪ ،‬ومدة‬

‫الدراسة في هذا البرنامج تتراوح ما بين سنة إلى سنتين حسب الجامعة التي تقدم‬

‫البرنامج‪ ،‬وهذه املرحلة هي مرحلة انتقائية‪ ،‬حيث تختار طالبها من املتفوقين من بين‬

‫خريجي املرحلة الثانوية الدنيا‪ ،‬أما غير املتفوقين أو الذين يحصلون على درجات أقل‬

‫فيلتحقون باملدارس املهنية أو الفنية‪ ،‬واملالحظ أن واضعي "مشروع ‪ "8181‬انتبهوا‬

‫إلى العراقيل واملشاكل التي قد تواجه الطلبة الجدد‪ ،‬وصعوبة أو بطئ اندماجهم في‬

‫الحياة الجامعية‪ ،‬لذلك يتم إعداد الطلبة املاليزيين لاللتحاق بالجامعات الوطنية‬

‫أو فروع الجامعات األجنبية بالبالد واملعاهد العليا‪.‬‬

‫‪ -361‬عبد الحفيظ الصاوي‪" ،‬قراءة في التجربة التنموية الماليزية"‪ ،‬عدد ‪ ،95‬سنة ‪ ،8080‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -362‬الصالح فائقة سعيد‪" .‬التعليم في دول جنوب شرق آسيا"‪ ،‬سلسلة نظم التعليم في العالم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬و ازرة التربية‬
‫والتعليم البحرين‪ 0111 ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ُوي َوجه الطالب في مستوى الثانوية العليا إلى تحصيل املزيد من مواد‬

‫التخصص‪ ،‬السيما التعليم التقني واملنهي‪ ،‬وتعتبر اللغة الصينية و اللغة التاميلية‬

‫مواد اختيارية إضافية في هذه املرحلة‪ ،‬وتصنف هذه املواد االختيارية تحت أربعة‬

‫مجموعات هي ‪:‬‬

‫‪ ‬العلوم اإلنسانية؛‬

‫‪ ‬املواد املهنية؛‬

‫‪ ‬التكنولوجيا والعلوم؛‬

‫‪ ‬التربية اإلسالمية‪.‬‬

‫وتدرس مادة الجغرافيا والتربية الفنية كمواد اختيارية ضمن مجموعة العلوم‬
‫ً‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كما تشمل املهارات الحياتية عددا مهما من املواد االختيارية‪ ،‬مثل مبادئ‬

‫املحاسبة والعلوم الزراعية واالقتصاد املنزلي‪ ،‬وهي املواد التي تقع ضمن مجموعة‬

‫املواد املهنية والتكنولوجيا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التعليم العالي والبحث العلمي بماليزيا‬

‫‪ -3‬التعليم العالي‪:‬‬

‫يشتمل التعليم العالي بماليزيا على قطاعين أساسيين هما‪:‬‬

‫‪ -‬قطاع التعليم العالي الحكومي؛‬

‫‪ -‬قطاع التعليم العالي الخاص‪.‬‬

‫‪P 238‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتتولى إدارته وزارة التعليم العالي‪ ،‬بحيث يضم مجموعة من الجامعات‬

‫الوطنية واملعاهد العليا‪ ،‬باإلضافة إلى فروع للجامعات األجنبية‪ ،‬وتتوفر ماليزيا على‬

‫فئتين‪ 363‬من مؤسسات التعليم العالي‪:‬‬

‫‪ -‬الجامعات الحكومية‪ ،‬واملعاهد الفنية‪ ،‬وكليات املجتمع‪ ،‬والكليات املاليزية‪.‬‬

‫‪ -‬املعاهد الخاصة للتعليم العالي (ال تستفيد من تمول الحكومة) وتشمل‪:‬‬

‫‪ +‬املؤسسات غير الجامعية مثل الكليات الخاصة؛‬

‫‪ +‬مؤسسات جامعية مثل الجامعات الخاصة والكليات الجامعية؛‬

‫‪ +‬فروع الجامعات األجنبية على أرض ماليزيا مثل جامعة موناش املاليزية‪،‬‬

‫وجامعة نوتنجهام املاليزية‪ ،‬وتعد اإلنجليزية هي لغة التدريس الرسمية في معظم‬

‫مؤسسات التعليم العالي الخاصة‪.‬‬

‫ويقوم الطالب امللتحقون بالجامعات الحكومية بدفع رسوم دراسية رمزية‪،‬‬

‫َلت َمتعهم بالدعم املالي من الحكومة‪ ،‬بينما طالب الجامعات الخاصة يدفعون‬

‫املصاريف كاملة‪.‬‬

‫وتوفر الجامعات املاليزية العديد من وسائل الدعم املالي للطلبة املاليزيين‪ ،‬ألجل‬

‫مساعدتهم على استكمال تعليمهم العالي في بلدهم‪ ،‬من خالل توفير القروض‬
‫َ‬
‫واملنح الدراسية على صعيدي القطاعين العام والخاص‪.‬‬
‫الطالبية ِ‬

‫‪ -363‬الصالح فائقة سعيد‪" .‬التعليم في دول جنوب شرق آسيا" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 82‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويقدم القطاع الخاص واملنظمات غير الحكومية املاليزية الدعم املالي لقطاع‬

‫التعليم العالي عن طريق منح دراسية‪ ،‬أو قروض طالبية أو مساعدات مادية‪.‬‬

‫وباملقابل هناك الكثير من مؤسسات التعليم العالي التي توفر برامج اإلعفاء من‬

‫الرسوم الدراسية للطلبة غير القادرين على األداء‪.‬‬

‫‪ -8‬البحث العلمي‪:‬‬

‫شهد البحث العلمي بماليزيا طفرة كبيرة وذلك تفعيال ملضامين "مشروع ماليزيا‬

‫‪ "8181‬من أجل جعلها دولة صناعية كبرى‪ ،‬وقد ركزت وزارة التعليم العالي بماليزيا‬

‫على إستراتيجية للبحث العلمي بمراكز البحوث على مستوى الجامعات‪ ،‬وخصصت‬

‫دعما ماليا للبحوث العلمية في كل املجاالت‪ ،‬وسعت الرؤية التي وضعتها ماليزيا إلى‬

‫تحقيق التميز في التعليم والبحث العلمي املبدع‪ ،‬وتلبية حاجات املجتمع‪ ،‬والسعي‬

‫نحو الوصول إلى آخر املستجدات التقنية وتطبيقها على نحو يتيح االرتقاء بجودة‬

‫البحوث والتعليم في كل املجاالت‪.‬‬

‫وما يميز املنظومة التربوية بماليزيا أن البحث العلمي ليس تابعا لوزارة التعليم‬

‫العالي‪ ،‬بل يخضع لوصاية وزارة العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬وقد ارتقت مخصصات‬

‫البحث العلمي من ‪ 651‬مليون دوالر سنة ‪ 8118‬إلى ‪ 2,6‬مليار دوالر سنة ‪،3648131‬‬

‫رغبة من الدولة في إرساء أسس قوية لتنمية اقتصادية كبيرة يلعب فيها التعليم‬

‫والبحث العلمي دورا محوريا‪ ،‬وهكذا فإن ‪ 62.6‬باملائة من تلك النفقات تصرف على‬

‫‪ -364‬القنصلية الماليزية‪ ،‬النظام التربوي الوطني‪ ،‬الدليل اإلرشادي للدراسات الماليزية ‪( ،‬باللغة اإلنجليزية )‪5117 ،‬م‪.‬‬

‫‪P 232‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫البحوث التطبيقية‪ ،‬و ‪ 81‬باملائة على البحوث العلمية ذات الطبيعة التجريبية‪ ،‬فيما‬

‫الباقي (‪ 2.4‬باملائة ) يصرف على البحوث األساسية‪.‬‬

‫والبد من اإلشارة هنا‪ ،‬أن هناك قطاعات معينة تستفيد من قدر كبير من‬

‫التمويل‪ :‬كعلوم الهندسة وتكنولوجيا اإلعالم و املعلومات و التكنولوجيا التطبيقية‪.‬‬

‫وبفضل الشراكة املتينة التي تجمع بين الدولة املاليزية والقطاع الخاص‪،‬‬

‫وأيضا بفضل قوة هذا األخير‪ ،‬فإن ‪ 65.6‬باملائة من نفقات تمويل البحث العلمي‬

‫تأتي من القطاع الخاص بينما تساهم الدولة بـحوالي ‪ 14.4‬باملائة من النفقات‪.365‬‬

‫ويظهر جليا أن الحكومة املاليزية كانت موفقة في تقوية العالقة بين مراكز‬

‫البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص‪ ،‬بحيث فتحت املجال الستخدام أنشطة‬

‫البحث العلمي لخدمة األغراض التجارية‪ ،‬ومن ثم لم تعد مطالبة بدعم األنشطة‬

‫البحثية بمفردها‪ ،‬بل يشاركها في ذلك مؤسسات القطاع الخاص‪ ،‬وبذلك قضت على‬

‫مشكل نقص الدعم الحكومي املوجه للبحث العلمي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نجاح التجربة املاليزية‪ :‬العوامل والدروس‬

‫أصبحت التجربة املاليزية اليوم نموذجا ناجحا ويصدر إلى باقي دول العالم‪،‬‬

‫وأضحت املنظومة التعليمية هناك تستقطب املتميزين من العلماء والباحثين في شتى‬

‫املجاالت املعرفية‪ ،‬وقد توفرت ملاليزيا مجموعة من العوامل واألسباب السياسية‬

‫‪ -365‬مارك براي‪" .‬التعليم في آسيا تمويل التعليم العالي األنماط واالتجاهات واالختيارات" ترجمة ‪ :‬أحمد عطية‪ ،‬مجلة مستقبليات‬
‫التربية‪ ،‬العدد رقم (‪ ، )002‬مكتبة التربية الدولية جنيف سنة ‪.5111‬‬

‫‪P 233‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واالقتصادية‪ ،‬والتي ساعدت مجتمعة على نجاح التجربة وريادتها على املستوى‬

‫التعليمي الدولي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العوامل السياسية واالقتصادية‬

‫توفرت للتجربة التنموية املاليزية العديد من العوامل وظروف النجاح‪،‬‬

‫ساعدت مجتمعة على تحقيق ما تم التخطيط له‪ ،‬وهذه العوامل منها ما هو سياس ي‬

‫وما هو اقتصادي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬العوامل السياسية‬

‫وتتجلى في املناخ السياس ي املستقر الذي تعرفه ماليزيا‪ ،‬إذ كان حاسما في تهيئة‬

‫الظروف املالئمة لإلسراع بالتنمية االقتصادية؛ بحيث توضع السياسات العمومية‬


‫ُ‬
‫وتتخذ القرارات من خالل املفاوضات املستمرة بين األحزاب السياسية القائمة على‬

‫أسس عرقية‪ ،‬وهو األمر الذي جعل سياسة ماليزيا توصف بالديموقراطية في جميع‬

‫األحوال‪ .‬إن هذا العامل له ارتباط وثيق بسابقه‪ ،‬ويتحدد في دور الدولة في النشاط‬

‫االقتصادي املاليزي‪ ،‬والذي يتم من خالل القنوات الديموقراطية للشورى‪ ،‬املتمثلة‬

‫في األحزاب املاليزية املتعددة‪ ،‬والتي توفر أوسع مشاركة ممكنة للمواطنين في مناقشة‬

‫جميع القضايا املتعلقة باملصلحة العامة‪ ،‬ومتابعة السلطة التنفيذية في تفعيلها‬

‫وتطبيقها لجميع السياسات التي تتم املوافقة عليها‪.‬‬

‫عالوة على تبني الحكومة املاليزية ملواقف واضحة من التسلح والتجارب‬

‫النووية‪ ،‬وقيادتها لحملة واسعة أثمرت عن توقيع دول جنوب شرق آسيا العشر‬

‫‪P 234‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشكلة ل "تجمع األسيان" في العام ‪3225‬م على وثيقة إعالن منطقة جنوب شرق‬

‫آسيا منطقة خالية من السالح النووي‪ ،‬وهو األمر الذي مكن من توجيه التمويل‬
‫ً‬
‫املتوفر للتنمية بشكل أساس ي بدال من اإلنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل‪.‬‬

‫ينضاف إلى ما سبق انتهاج ماليزيا لسياسة تنموية تركز بدرجة كبيرة على االعتماد‬

‫على سكان البالد األصليين الذين يمثل املسلمون غالبيتهم‪ .‬كما أنها وضعت رؤية‬

‫مستقبلية للتنمية والنشاط االقتصادي منذ االستقالل وحتى اآلن‪ ،‬من خالل خطط‬

‫متتابعة ومتكاملة كل خمس سنوات منذ االستقالل وحتى اليوم‪ ،‬الش يء الذي مكنها‬

‫من الولوج املبكر والسلس إلى القرن الواحد والعشرين‪ ،‬من خالل التخطيط ملاليزيا‬

‫‪.8181‬‬

‫ثانيا‪ :‬العوامل االقتصادية‬

‫وتتجلى في معارضة ورفض أي تخفيض للنفقات املوجهة ملشاريع البنية‬

‫التحتية‪ ،‬والتي هي سبيل االقتصاد إلى نمو مستقر‪ ،‬وهو األمر الذي ساهم في الرفع‬

‫من ترتيب ماليزيا‪ ،‬لتصبح ضمن دول االقتصاد الخمس األولى في العالم في مجال‬

‫قوة االقتصاد الوطني‪ .‬باإلضافة إلى تحسن املؤشرات االجتماعية لرأس املال البشري‬

‫املاليزي‪ ،‬من خالل تحسين األحوال املعيشية والتعليمية والصحية للسكان‪ ،‬سواء‬

‫كانوا من املواطنين املاليزيين أو من املهاجرين‪ ،‬وهو األمر الذي ساعده تنوع في البنية‬

‫الصناعية‪ ،‬إذ تشمل معظم فروع ومجاالت النشاط الصناعي‪.‬‬

‫‪P 235‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لقد تعاملت الحكومة املاليزية بحذر شديد مع االستثمار األجنبي املباشر حتى‬

‫منتصف الثمانينيات‪ ،‬ثم سمحت له بعد ذلك بالدخول‪ ،‬ولكن وفق شروط تصب‬

‫بشكل أساس ي في صالح االقتصاد الوطني‪ ،‬كعدم منافسة الصناعات الوطنية من‬

‫طرف السلع التي ينتجها املستثمر األجنبي‪ ،‬والسماح للشركات األجنبية التي يصل‬

‫رأس مالها أو يتجاوز ‪ 8‬مليون دوالر باستقدام خمسة أجانب فقط لشغل بعض‬

‫الوظائف في الشركة‪ ،‬وذلك من أجل فسح املجال أمام الطاقات الوطنية‪ ،‬مع إلزامية‬

‫أن تقوم هذه الشركات األجنبية بتصدير ‪ 51‬باملائة على األقل من جملة ما تنتجه؛‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التجربة املاليزية‪ :‬الدروس والعبر‬

‫تمثل التجربة التعليمية والتنموية بماليزيا نموذجا ناجحا يمكن االقتداء به‪،‬‬

‫خاصة من لدن املجتمعات العربية املسلمة‪ ،‬ويرجع نجاح التجربة املاليزية إلى تحديد‬

‫الدولة الدقيق ألولوياتها‪ ،‬بحيث وضعت التعليم والبحث العلمي على رأس أولوياتها‪،‬‬

‫ومن ثم خصصت أكبر قسم من امليزانية لتدريب وتأهيل العنصر البشري والتربية‬

‫والتعليم ومحو األمية وتعليم اللغات والبحوث العلمية وإرسال عشرات اآلالف من‬

‫الطلبة للدراسة في أفضل الجامعات األجنبية‪.‬‬

‫ويمكننا أن نخلص إلى مجموعة من الدروس والعبر‪ ،‬التي يمكن للمغرب‬

‫والبلدان التي توجد في مثل وضعه االستفادة منها وهي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬تفعيل منظومة القيم التي حض عليها اإلسالم في املجال االقتصادي وغيره؛‬

‫‪ -‬جعل التنوع البشري والعرقيات املختلفة مصدرا للقوة؛‬

‫‪P 236‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬االعتماد على الذات في بناء التجارب التنموية‪ ،‬وقد تحقق ذلك بفضل‬

‫االستقرار السياس ي واالجتماعي الذي تعرفه ماليزيا؛‬

‫‪ -‬التنمية البشرية ورفع كفاءة رأس املال البشري‪ ،‬فاإلنسان هو عماد التنمية؛‬

‫‪ -‬التوزيع العادل واملتوازن للتنمية على جميع مناطق البالد‪ ،‬وعدم االهتمام‬

‫بمناطق على حساب أخرى؛‬

‫‪ -‬االستفادة من التكتالت والتجمعات اإلقليمية من خالل تقوية االقتصاديات‬

‫املشتركة بما يؤدي إلى قوة واستقالل هذه الكيانات في املحيط الدولي‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬فإن نجاح أي نظام تعليمي‪ ،‬يجب أن يعتمد في املقام األول‬

‫على التخطيط املرتكز على تطوير الطاقات البشرية وترقية ملكاتها الفكرية ومهاراتها‬

‫الذهنية وخبراتها العملية‪ ،‬فالعنصر البشري هو القوة املفكرة واملبدعة واملنتجة‪،366‬‬

‫وبه يبدأ التطوير وإليه ينتهي التنفيذ‪ ،‬ولعل ما حققته ماليزيا من نمو اقتصادي‬

‫وصناعي و اجتماعي متواصل‪ ،‬يعكس بوضوح مدى استثمارها للعنصر البشري‬

‫وتطوير قدراته ومهاراته الستيعاب التقنيات‪ ،‬فأصبحت بحق من الدول املتقدمة‬


‫ً‬
‫تعليميا حيث تميز نظامها التعليمي باالنفتاح على النظم التعليمية املتطورة‬

‫فاستفادت من تجاربها‪.‬‬

‫وخالصة القول؛ لقد استطاعت ماليزيا خالل فترة زمنية لم تتجاوز عقدين من‬

‫الزمن‪ ،‬وبفضل رئيس وزرائها الدكتور مهاتير محمد (‪ ،) 8111-3223‬من أن تتحول‬

‫‪ -366‬مهاتبر محمد‪" .‬طبيب في رئاسة الوزراء"‪ ،‬مذكرات الدكتور مهتير محمد‪ ،‬ترجمة وتحقيق أمين األيوبي‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنشر‪ ،7102 ،‬ص ‪.712‬‬

‫‪P 237‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير املواد األولية‪ ،‬واستهالكية لكل ما ينتجه‬

‫الخارج‪ ،‬إلى دولة من أهم دول العالم املنتجة واملصدرة للتكنولوجيا‪ ،‬بحيث يساهم‬

‫القطاع الصناعي بنحو ‪ 21‬باملائة من الناتج املحلي اإلجمالي‪ ،‬كما انتقل دخل الفرد‬
‫ً‬
‫من ‪ 311‬دوالر سنويا في عام ‪ 3223‬عندما تسلم مهاتير محمد الحكم إلى ‪ 36‬ألف دوالر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سنويا‪ ،‬وانتقل االحتياطي النقدي من ‪ 1‬مليارات إلى ‪ 22‬مليارا‪ ،‬ووصل حجم‬

‫الصادرات إلى ‪ 811‬مليار دوالر‪ ،367‬وهو األمر الذي أهل ماليزيا لتحتل مكانة متميزة‬

‫بين دول العالم املتقدمة صناعيا‪.‬‬

‫ومع دخول الرؤية االستراتيجية إلصالح منظومة التربية والتكوين ‪،8111-8135‬‬

‫نعتقد أن الوقت قد حان لتبني مقاربات وآليات موازية جديدة‪ ،‬كاالنفتاح على بعض‬

‫التجارب التعليمية الناجحة من جهة‪ ،‬وفق مقاربة تستفيد من تراكمات اإلصالحات‬

‫السابقة من جهة ثانية‪.‬‬

‫كل ذلك سيساهم حتما في تأهيل الجامعة املغربية وجعلها قادرة على مواجهة‬

‫التحديات الخارجية‪ ،‬والولوج السلس "لجامعة املستقبل"‪ ،‬وهي التحديات التي نجد‬

‫على رأسها مواجهة التنافس الدولي بين الجامعات العاملي في ظل عوملة التعليم‬

‫العالي‪ ،‬وأيضا تحدي التنافس على مستوى التصنيفات األكاديمية العاملية‪،‬‬

‫باإلضافة إلى تحدي ولوج مجتمع املعرفة وتقليص الفوارق الرقمية بين الجامعات‬

‫املغربية ونظيراتها العاملية‪ ،‬يضاف إلى كل ذلك تحديات على املستوى الداخلي من‬

‫‪ -367‬تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة لعام ‪.8008‬‬

‫‪P 230‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫قبيل مساهمة الجامعة املغربية في عملية التحول الديمقراطي للمجتمع املغربي‪ ،‬ثم‬

‫تحدي استحضار مقومات الجودة في جميع الخدمات التي تقدمها الجامعة املغربية‬

‫سواء اإلدارية والبيداغوجية والبحثية‪.‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫زكي أحمد عبد الفتاح‪" ،‬التربية املقارنة ونظم التعليم"‪ ،‬دار الوفاء للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلسكندرية ‪.8114‬‬
‫محمد صادق إسماعيل‪ ،‬التجربة املاليزية "مهاتير محمد والصحوة‬
‫االقتصادية"‪ ،‬العربي للنشر والتوزيع‪.8134 ،‬‬
‫الصالح فائقة سعيد‪" .‬التعليم في دول جنوب شرق آسيا"‪ ،‬سلسلة نظم التعليم‬
‫في العالم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬وزارة التربية والتعليم البحرين‪.3222 ،‬‬
‫مارك براي‪" .‬التعليم في آسيا تمويل التعليم العالي األنماط واالتجاهات‬
‫واالختيارات" ترجمة‪ :‬أحمد عطية‪ ،‬مجلة مستقبليات التربية‪ ،‬العدد رقم (‪، )335‬‬
‫مكتبة التربية الدولية جنيف سنة ‪.8111‬‬
‫مهاتبر محمد‪" .‬طبيب في رئاسة الوزراء"‪ ،‬مذكرات الدكتور مهتير محمد‪ ،‬ترجمة‬
‫وتحقيق أمين األيوبي‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪.8134 ،‬‬

‫‪P 248‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتورة اللة إكرام العلمي‬


‫دكتورة يف احلقوق ‪ -‬املغرب‬

‫نطاق اختصاص المحاكم الجنائية الدولية‬


‫المؤقتة‬
‫‪The jurisdiction of the temporary international criminal tribunals‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫مع نهاية الحربين العامليتن‪ ،‬وما خلفناه من كوارث وصدمات إنسانية نتيجة‬

‫الدمار الكبير الذي أفرزته‪ ،‬تبلورت لدى املجتمع الدولي فكرة إنشاء جهاز قضائي‬

‫ملحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية؛ من قبل املنظمات العاملية ومن خالل االتفاقيات‬

‫الدولية وبعض توصيات األمم املتحدة‪ ،‬وبناء على ما سبق فقد تم تشكيل محاكم‬

‫جنائية دولية مؤقتة ملحاكمة مجرمي الحروب واإلبادة االنسانية‪.‬‬

‫فاملحاكم الجنائية الدولية املؤقتة عبارة عن هيئات قضائية تختص بمحاكمة‬


‫اإلبادة‪368‬‬ ‫مرتكبي الجرائم الدولية‪ ،‬كجريمة الحرب والجرائم ضد االنسانية وجريمة‬
‫(والتي تم التطرق إليها في العرض السابق بالتفصيل)‪.‬‬

‫‪ 368‬براهيني صفيان ‪ :‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في عنوان دور المحكمة الجنائية الدولة في مكافحة الجرائم الدولية‪ ،‬سنة ‪7100‬‬
‫ص‪.02 :‬‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وعليه‪ ،‬يمكن القول بأن املجتمع الدولي عرف صنفين من املحاكم الدولية‬

‫املؤقة محاكم جنائية دولية عسكرية والتي أسست على يد املنتصرين بعد الحرب‬

‫العاملية‪ ،‬ومحاكم جنائية دولية خاصة التي أنشأت بموجب قرارات مجلس األمن‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يميز هذه املحاكم هي خصوصية اإلجراءات املتبعة في محاكمتها‬

‫للمجرمين‪ ،‬إذ أنها تنظر في الجرائم بأثر رجعي وضمان ردع مرتكبي الجرائم الدولية‬

‫املنصوص عليها في القانون أو النظام األساس ي لها‪ ،‬وتكمن أهمية إنشاء املحاكم‬

‫الجنائية الدولية املؤقتة سواء العسكرية أو الخاصة في تعزيز األمن الدولي العام‬

‫وأيضا ملحاربة جميع أشكال العنف والقهر ضد اإلنسانية جمعاء وعدم اإلفالت من‬

‫العقوبة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن دراستنا لهذا املوضوع تنطلق من إشكالية رئيسية نتساءل من‬

‫خاللها عن ماهية نطاق اختصاص القضاء الجنائي الدولي املؤقت؟ والتي تفرعت‬

‫منها مجموعة من اإلشكاليات الثانوية التي تكمن في ماهية ظروف نشأة املحاكم‬

‫الجنائية املؤقتة؟ مما يتكون تشكيلها؟ ما هي االختصاصات املوكولة لهذه املحاكم؟‬

‫ما هي األحكام والعقوبات واالنتقادات الصادرة عن هذه املحاكم؟‬

‫وارتأينا لإلجابة على هذه اإلشكاليات أن نتناول املحاكم الجنائية الدولية‬

‫العسكرية املؤقتة (املبحث األول)‪ ،‬واملحاكم الجنائية الدولية الخاصة املؤقتة‬

‫(املبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬املحاكم الجنائية الدولية العسكرية املؤقتة‬

‫سنتناول في هذا املبحث املحاكم الجنائية الدولية العسكرية املؤقتة والتي‬

‫سنقسمها إلى ثالث مطالب‪ ،‬حيث سنخصص املطلب األول ملحكمة ليبزج ‪ 3232‬بينما‬

‫سنخصص املطلب الثاني ملحكمة نورمبرغ ‪ ،3245‬وسنتطرق في املطلب الثالث‬

‫ملحكمة طوكيو ‪.3246‬‬

‫املطلب األول‪ :‬محكمة ليبزج ‪Tribunal de Leipzig 3232‬‬

‫‪-3‬ظروف نشأة محكمة ليبزج‪:‬‬

‫في أعقاب الحرب العاملية األولى شكلت الدول املتحالفة واملنتصرة في الحرب‬

‫لجنة سميت بلجنة "املسؤوليات"‪ ،369‬مهمتها تحديد املسؤولين عن شن حرب‬

‫االعتداء وجرائم الحرب‪ ،‬وخلصت اللجنة إلى تحديد تلك املسؤولية مقررة أنه‬

‫بالنسبة لشن الحرب مسؤولية أدبية لعدم وجود قانون دولي سابق يجرمها ويضع‬

‫العقوبات الجنائية لها‪ ،‬فرأت سدا لهذا النقص وضع جزاء جنائي عن مثل هذه‬

‫األفعال في املستقبل‪.370‬‬

‫وانتهت أعمال اللجنة في مؤتمرها املنعقد سنة ‪3232‬إلى إبرام معاهدة السالم‬

‫في باريس التي نصت على إنشاء محكمة جنائية دولية ملحاكمة قيصر أملانيا غليوم‬

‫الثاني‪ ،‬وقد ضمت اللجنة في عضويتها ممثلين اثنين عن كل دولة من الدول الخمس‬

‫‪ 369‬يوسف صبرينة‪ ،‬االختصاص القضائي في تجريم بعض األفعال بين المجال المحفوظ للدول والتوجه المعاصر نحو العالمية‪ ،‬مذكرة‬
‫لنيل شهادة الماجستير فرع القانون الدولي العام‪ ،‬صفحة ‪.01‬‬
‫‪370‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬دراسات في القانون الدولي الجنائي‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد ‪ ،‬صفحة ‪ 21‬و ‪.61‬‬

‫‪P 243‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العظمى آنذاك (الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬اإلمبراطورية البريطانية‪ ،‬فرنسا‪،‬‬

‫إيطاليا‪ ،‬اليابان)‪.‬‬

‫‪-8‬تشكيلة محكمة ليبيزج‬

‫املالحظ أن تشكيل محكمة ليبزج جاء النص عليه في معاهدة فرساي لسنة‬

‫‪ ،3232‬إذ حددت هاته املعاهدة بنص املادتين ‪ 882-882‬الخطوط العريضة لتشكيل‬

‫املحكمة‪ ،‬وإعماال لنص هاتين املادتين تم تشكيل محكمة مؤقتة من خمس قضاة‬

‫يحملون جنسيات الدول الكبرى آنذاك‪.371‬‬

‫‪-1‬اختصاص محكمة ليبزج‬

‫‪-‬االختصاص املوضوعي‪:‬‬

‫حددت معاهدة فرساي لسنة ‪ 3232‬في املادة ‪ 882‬اختصاص محكمة ليبزج‬

‫بالنظر بانتهاك قوانين وأعراف الحرب فقط‪.372‬‬

‫االختصاص الشخص ي‪:‬‬

‫نصت كل املادتين ‪ 889‬و ‪ 882‬على محاكمة ضباط الجيش األملاني املتهمين‬

‫بانتهاك قوانين وأعراف الحرب‪.‬‬

‫االختصاص الزماني‪:‬‬

‫حدد اختصاص محكمة ليبزج بالنظر في الجرائم املرتكبة أثناء الحرب العاملية‬

‫األولى‪.‬‬

‫‪ 371‬علي يوسف الشكري‪ ،‬الخصائص المشتركة للمحاكم الدولية المؤقتة‪ ،‬المختار للعلوم اإلنسانية العدد الثالث طبعة‪ 7115 ،‬ص‪.028 :‬‬
‫‪ 372‬عبد الواحد الفار‪ ،‬دور محكمة نورمبرج في تطوير فكرة المسؤولية الجنائية الدولية‪ ،‬مجلة دراسات قانونية‪ ،‬جامعة أسيوط‪ 2‬سنة‬
‫‪ 0112‬ص‪.61 :‬‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األحكام والعقوبات‪:‬‬

‫نصت الفقرة األولى من املادة ‪ 882‬من معاهدة فرساي أن الحكومة األملانية‬

‫تعترف بحق الدولة املتحالفة واملتعاونة بتقديم األشخاص املتهمين بارتكابهم أفعاال‬

‫مخالفة لقوانين وأعراف الحرب للمثول أمام املحكمة العسكرية‪ 373‬مما يعني أنه‬

‫لم يتم تحديد النطاقين املكاني لجرائم هؤالء املتهمين‪.‬‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‬

‫بموجب الئحة محكمة ليبزج يحق للمحكمة الحكم بالبراءة أو اإلدانة‪ ،‬وتراوحت‬

‫األحكام التي أصدرتها ما بين ثالثة أشهر وأربع سنوات لكن لم يقض أي منهم مدة‬

‫محكوميته كاملة‪.374‬‬

‫ويالحظ أنه قد وجدت بعض العوائق والصعوبات التي واجهت املحكمة في‬

‫سبيل مباشرة اختصاصاتها‪ ،‬كما ترتبت عليها نتائج غير مرضية وتشمل اآلتي‪:‬‬

‫هرب بعض املتهمين خارج حدود أملانيا (غليوم الثاني)‪ ،‬ومن ثم صعوبة‬

‫محاكمتهم‪ ،‬وأيضا وجود صعوبات تتعلق بكيفية إحضار الشهود أمام املحكمة‪،‬‬

‫باإلضافة إلى عدم التناسب بين األفعال اإلجرامية الشديدة والعقوبات التي قامت‬

‫املحكمة بتوقيعها على بعض املتهمين‪.375‬‬

‫‪ 373‬علي يوسف الشكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.066 :‬‬


‫‪ 374‬علي يوسف الشكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 062 :‬و ‪.068‬‬
‫‪ 375‬عصام عبد الفتاح مطر‪ ،‬القضاء الجنائي الدولي‪ ،‬مبادئه‪ ،‬قواعده اتموضوعية واإلجرائية‪ ،‬الصفحة ‪ 76‬و ‪.75‬‬

‫‪P 245‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬محكمة نورمبرغ ‪Tribunal de Nuremberg 3245‬‬

‫‪ -3‬نشأة محكمة نورمبرغ‬

‫تم بدء اإلعداد ملحاكمة مرتكبي جرائم الحرب العاملية الثانية من دول املحور‬

‫منذ تصريح سان جيمس في ‪ 31‬يناير ‪ 3248‬الذي انتهى بالتوقيع على اتفاقية تشكيل‬

‫لجنة األمم املتحدة لجرائم الحرب ‪ (UNWCC)K‬حيث استطاعت هذه األخيرة تجميع‬

‫‪ 2392‬ملف احتوت على أسماء ‪ 841451‬متهما‪.376‬‬

‫ثم بعد ذلك عقد مؤتمر موسكو في ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3241‬الذي خلص إلى تحديد‬

‫الجرائم املرتكبة من طرف األملان على أقاليم البالد املحتلة‪ ،‬حيث فرق بين طائفتين‬

‫من املجرمين أوال ‪ :‬املجرمين الذين ارتكبوا جرائم على إقليم دولة معينة يحاكم‬

‫هؤالء األشخاص طبقا لقانون هذه الدولة‪ ،‬حتى لو ضبطوا على إقليم دولة أخرى‪،‬‬

‫فوجب تسليمهم لتلك الدولة ملحاكمتهم وثانيا ‪ :‬فئة كبار املجرمين الذين ليس‬

‫لجرائمهم حدود جغرافية معينة‪ ،‬بل انعكست آثار أفعالهم على أكثر من دولة‬

‫حليفة‪ ،‬وهؤالء ستتم محاكمتهم طبقا لقرار الدول الحليفة‪.377‬‬

‫ومباشرة بعد نهاية الحرب العاملية الثانية واستسالم األملان‪ ،‬عقد مؤتمر في‬

‫لندن انتهت أعماله إلى إنشاء محكمة عسكرية دولية بتاريخ ‪ 2‬غشت ‪ 3245‬أنيطت‬

‫‪ 376‬عبد الواحد الفار‪ ،‬دور محكمة نورمبرغ في تطوير فكرة المسؤولية الجنائية الدولية‪ ،‬مجلة دراسات قانونية‪ ،‬ع ‪ ،02‬طبعة ‪.0116‬‬
‫‪ 377‬بوهراوة رفيق‪ ،‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية قسطنطينة ‪ 7102‬ص‪.06 :‬‬

‫‪P 246‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بها مهمة محاكمة كبار مجرمي الحرب‪ ،378‬وتم اختيار برلين مقرا لها‪ ،‬إال أنها عقدت‬

‫كل جلساتها بمدينة نورمبرغ بسبب الدمار الذي شهدته مدينة برلين‪.‬‬

‫‪-8‬تشكيلة محكمة نورمبرغ‪:‬‬

‫تتشكل محكمة نورمبرغ حسب املادة الثانية من قانونها األساس ي من أربع‬

‫قضاة أصليين وأربع قضاة احتياطيين‪ ،‬حيث تتولى كل دولة من الدول األربع‬

‫(الواليات املتحدة‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬االتحاد السفياتي‪ ،‬فرنسا) تعيين قاض ي ونائب له من‬

‫بين مواطنيها‪.‬‬

‫‪-1‬اختصاص محكمة نورمبرغ‪:‬‬

‫‪ ‬االختصاص املوضوعي‬

‫‪-‬جرائم ضد السالم‪ :‬إشعال حرب عدوانية مخالفة للمعاهدات واالتفاقيات‬

‫الدولية‪.‬‬

‫‪-‬جرائم الحرب‪ :‬األفعال التي تخالف قوانين وعادات الحروب‪ :‬قتل األسرى‪،‬‬

‫نهب املمتلكات العامة‪....‬‬

‫‪-‬جرائم ضد اإلنسانية‪ :‬القتل‪ ،‬اإلبادة‪ ،‬االسترقاق‪ ،‬اإلبعاد‪ ،‬االضطهادات التي‬

‫ترتكب ضد السكان املدنيين ألسباب سياسية أو عنصرية أو دينية‪.379‬‬

‫‪ 378‬علي يوسف الشكري – الخصائص المشتركة للمحاكم الدولية المؤقتة‪ ،‬المختار للعلوم اإلنسانية العدد الثالث طبعة ‪ 7115‬ص ‪01‬‬
‫‪ 379‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬القانون الدولي الجنائي‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لبنان‪ ،7110 ،‬ص‪.722 :‬‬

‫‪P 247‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫* االختصاص الشخص ي‪:‬‬

‫األشخاص الطبيعيون‪ :‬القادة الكبار للحرب العاملية الثانيةمن دول املحور‬

‫األوربية‪ ،‬وهم املسيرون‪ ،‬املنظمون‪ ،‬املحرضون‪ ،‬املشاركون في مخطط أو اتفاق‬

‫الرتكاب إحدى الجرائم املشار إليها في االختصاص املوضوعي‪.‬‬

‫الهيئات واملنظمات ذات الطبيعة اإلجرامية‪ :380‬وهي املنظمات التي كانت‬

‫تسيطر على الرايخ األملاني "اإلمبراطورية األملانية"‪ ،381‬مجلس وزراء الرايخ‪ ،‬هيئة‬

‫ورؤساء الحزب النازي‪ ،‬منظمة ‪ (SchtzStaffel) S.S‬أي وحدات وقائية مهمتها حماية‬

‫أودلف هتلر‪ ،382...‬وتتم محاكمة األعضاء املنخرطين في هذه املنظمات بصفتهم‬

‫منشورين تحت لواء منظمة إجرامية ارتكبت جرائم دولية‪ ،‬وليس بصفتهم‬

‫الشخصية‪.‬‬

‫االختصاص الزماني‪:‬‬

‫حددت املادة السادسة من قانون محكمة نورمبرغ اختصاص املحكمة بالنظر‬

‫في جرائم الحرب وجرائم ضد السالم وجرائم ضد االنسانية املرتكبة من دول املحور‬

‫األوربية خالل الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وبالتالي فالنطاق الزماني تحدد في فترة الحرب‬

‫العاملية الثانية‪.‬‬

‫‪ 380‬أيت يوسف صبرينة‪ ،‬االختصاص القضائي في تجريم بعض األفعال بين المجال المحفوظ للدول والتوجه المعاصر نحو العالمية‪،‬‬
‫مذكرة لنيل بحث الماجستير‪ ،‬فرع القانون الدولي العام ‪ ،7102‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ 381‬الموسوعة اإللكترونية‪https:// ar.wikipedia.org//‬‬
‫‪382‬الموسوعة اإللكترونية‪https:// ar.wikipedia.org//‬‬

‫‪P 240‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬االختصاص املكاني‪:‬‬

‫لم يتم تحديد نطاق مكاني الختصاص محكمة نورمبرغ‪ ،‬بل ميز قانونها األساس ي‬

‫فقط بين االختصاص املنعقد للمحاكم الوطنية للدول املحتلة من طرف دول‬

‫املحور‪ ،‬واالختصاص املنعقد ملحكمة نورمبرغ‪ ،‬إذ أن األولى تختص في الجرائم‬

‫املرتكبة على إقليمها فقط‪ ،‬والثانية تختص في الجرائم التي ليس لها حدود جغرافية‬

‫معينة‪.‬‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‪:‬‬

‫عقدت محكمة نورمبرغ في الفترة املمتدة بين ‪ 81‬نونبر ‪ 3245‬وفاتح أكتوبر‬

‫‪ 411 ،3246‬جلسات استمعت خاللها للشهود واملتهمين وتابعت ‪ 84‬متهما‪ ،‬حيث‬

‫أصدرت ‪ 38‬حكما باإلعدام‪ 1 ،‬أحكام بالسجن ‪ 31‬سنوات‪ ،‬وثالث أحكام بالبراءة‪،‬‬

‫فيما لم يحاكم متمهمان واحد النتحاره قبل املحاكمة والثاني لظروفه الصحية‪.383‬‬

‫وأدانت أعضاء أربع منظمات من بين املنظمات السبع املتهمة وهي‪ :‬منظمة‬

‫الجستابو (الشرطة السرية األملانية ‪ ،)Gestapo‬هيئة رؤساء الحزب النازي‪ ،‬منظمة‬

‫‪ (SchtzStaffel) S.S‬أي وحدات وقائية مهمتها حماية أودلف هتلر)‪ ،‬ومنظمة ‪S.D‬‬

‫جهاز االستخبارات األملاني‪.‬‬

‫وقد وجهت ملحكمة نورمبرغ مجموعة من االنتقادات أهمها‪:‬‬

‫‪-‬مخالفتها ملبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية‪.‬‬

‫‪ 383‬أيت يوسف صبرينة‪ ،‬مرجع سابق ص‪.26 :‬‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪-‬محكمة سياسية وال تلتزم الحياد نظرا لتشكيلتها املكونة من قضاة الحلفاء‬

‫املنتصرة‪384....‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬محكمة طوكيو ‪Tribunal de tokyo 3245‬‬

‫‪-3‬نشأة محكمة طوكيو‪:‬‬

‫عرف القرن العشرين ارتكاب أبشع جرائم الحرب واإلبادة الجماعية‪ ،‬وذلك‬

‫بسبب تطور التقنيات الحربية وزيادة قدرة الدول في منظوماتها الحربية‪ ،‬وإلقاء‬

‫القنبلتين النوويتين على هيروشيما ونكازاكي في سنة ‪ ،3245‬مما أدى إلى خراب وهالك‬

‫في املنطقتين وتدهور في جل املجاالت انتهت بتوقيع وثيقة االستسالم في ‪ 8‬شتنبر‬

‫‪ ،3245‬والتي أخضعت سلطة إمبراطور اليابان والحكومة للقيادة العليا لقوات‬

‫الحلفاء لتقرير ما تراه مناسبا من إجراءات‪.385‬وبهذا تم بأمر من قائد قوات الحلفاء‬

‫الجنرال"مارك أرثر" إنشاء محكمة طوكيو سنة ‪ ،3246‬ملحاكمة القادة اليابانيين‪،‬‬

‫وتوقيع جزاء عادل على موجرمي الحرب الكبار في اليابان‪ ،‬وقد أنشأت هذه املحكمة‬

‫في مدينة طوكيو‪.‬‬

‫وفي نفس اليوم تمت املصادقة من طرف الجنرال على الئحة التنظيم اإلجرائي‬

‫للمحكمة‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد اختالف جوهري بين الئحة محكمة طوكيو‬

‫والئحة محكمة نورمبرغ‪.386‬‬

‫‪ 384‬محمد بوبوش‪ ،‬باحث جامعي في العالقات الدولية بالرباط‪ ،‬مقال "محاكمات نورمبرغ‪...‬في ذكراها" منشور على‬
‫موقع ‪http://www.marocdroit .com‬‬

‫‪ 385‬علي عبد القادر القهوجي القانون الدولي الجنائي‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لبنان‪ ،7110 ،‬ص‪.722 :‬‬
‫‪ 386‬من المالحظ أن إنشاء هذه المحكمة‪ ،‬لم يعتمد على اتفاق‪ ،‬ويعود ذلك لعدم رغبة الواليات المتحدة أن يكون لالتحاد السوفياتي أي‬
‫تأثير على إجراءات سير المحكمة‪.‬‬

‫‪P 258‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪-8‬تشكيلة محكمة طوكيو‬

‫تشكل محكمة طوكيو من أحد عشر قاضيا يمثلون إحدى عشر دولة (الواليات‬

‫املتحدة األمريكية‪-‬االتحاد السوفياتي‪-‬بريطانيا‪-‬فرنسا‪-‬الصين‪-‬أستراليا‪-‬كندا‪-‬هولندا‪-‬‬

‫نيوزلندا‪-‬الفلبين‪-‬الهند) بينهم عشر دول حاربوا اليابان ودولة واحدة حيادية هي‬

‫الهند‪ ،‬وقد تم تعيين رئيس املحكمة من طرف القائد األعلى لجيوش الحلفاء‪.387‬‬

‫‪-‬اختصاص محكمة طوكيو‪:‬‬

‫* االختصاص املوضوعي‪:‬‬

‫لقد تم تحديد نطاق اختصاص املحكمة منذ إنشائها بحيث نصت املادة‬

‫الخامسة على االختصاص املوضوعي للمحكمة واملتمثل في النظر في الجرائم ضد‬

‫السالم‪ ،‬والجرائم املرتكبة ضد اإلنسانية وضد املعاهدات‪.388‬‬

‫االختصاص الشخص ي‬

‫املحكمة اختصت بمحاكمة األشخاص الطبيعيين بصفة شخصية ال بوصفهم‬

‫أعضاء في منظمات أو هيئات على عكس ما سارت عليه محكمة نورمبرغ‪.‬‬

‫االختصاص الزماني‪:‬‬

‫‪ 387‬محمود شريف بسيوني‪ ،‬المحكمة الجنائية‪-‬نشأتها ونظامها األساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية السابقة‪،‬‬
‫‪ ،7117‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪.21-28 :‬‬
‫‪ 388‬أحمد بلقاسم "نحو إرساء نظام جنائي دولي"المجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬رقم ‪ 2‬الجزء‬
‫‪ ،26‬جزائر ‪ ،0112‬ص ‪.0012‬‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املحكمة تختص بمتابعة األشخاص الذين ارتكبوا جرائم ما بين ‪ 3‬يناير ‪3282‬‬

‫و ‪ 8‬دجنبر ‪ ،3245‬واملالحظ أن االختصاص الزماني لهذه املحكمة لم تقتصر فقط‬

‫على فترة الحرب العاملية الثانية بل شمل حتى ما قبلها‪.‬‬

‫ويرجع سبب االختصاص الزماني للمحكمة ملا قبل الحرب العاملية الثانية إلى‬

‫قيام اليابان بالعديد من الحروب وتعذيب أسرى الحرب واملساجين وقيامها بتجارب‬

‫بيولوجية على املدنيين واالعتداءات الجنسية املرتكبة من طرف قواتها‪ ،‬واحتاللها‬

‫للعديد من الدول املجاورة‪.389‬‬

‫االختصاص املكاني‪:‬‬

‫تختص املحكمة الجنائية الدولية بطوكيو في الجرائم املرتكبة بمنطقة الشرق‬

‫األقص ى‪.‬‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‪:‬‬

‫بدأ العمل في محكمة طوكيو في ‪ 1‬مايو ‪ 3246‬إلى غاية فاتح نوفمبر ‪ 3242‬وقد‬

‫أصدرت في مجمل أحكامها‪ ،‬سبعة أحكام باإلعدام‪ ،‬ستة عشر حكم بالسجن املؤبد‪،‬‬

‫وحكم واحد ملدة عشرين سنة‪ ،‬وحكم لسبع سنوات‪.‬‬

‫وقد تم توجيهه عدة انتقادات لهذه املحكمة أولها أنها لم تنشأ بموجب معاهدة‬

‫دولية ولكن بناءا على قرار القائد األعلى للحلفاء في الشرق األقص ى‪ ،‬ثانيها أن القضاة‬

‫في تشكيلتها يمثلون دولهم‪ ،‬فهو ليس قاضيا مستقال‪ ،‬وبذلك كانت املحكمة مسيسة‬

‫‪ 389‬محمود شريف بسيوني‪ ،‬المحكمة الجنائية‪ -‬نشأته ا ونظامها األساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية السابقة‪،‬‬
‫‪ ،7117‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪.21 :‬‬

‫‪P 252‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وقد أثر هذا االختبار على عدالة األحكام التي أصدرها هؤالء األعضاء‪ ،‬ثالثهما أن‬

‫تنفيذ العقوبات الصادرة عن املحكمة كان محكوما بإرادة القائد األعلى للحلفاء‪،‬‬

‫كونه صاحب السلطة في تخفيض العقوبة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املحاكم الجنائية الدولية الخاصة املؤقتة‪.‬‬

‫إضافة إلى املحاكم الجنائية الدولية العسكرية املؤقتة التي تطرقنا لها في‬

‫املبحث السابق‪ ،‬هناك محاكم جنائية دولية خاصة مؤقتة التي سنتناولها في هذا‬

‫املبحث من خالل الثالث مطلب التالية‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬محكمة يوغوسالفيا ‪Tribunal de Yougoslavie 3228‬‬

‫‪-3‬ظروف نشأة محكمة يوغسالفيا‬

‫بتفكك االتحاد اليوغسالفي السابق سنة ‪ ،3228‬سعت كل جمهورية من‬

‫جمهوريات هذا االتحاد الستقالل بنفسها‪ ،‬لكن هذا التوجه لم يرق لجمهوريتي‬

‫صربيا والجبل األسود اللتين كانتا ترغبان في اإلبقاء على شكل من أشكال اإلتحاد‬

‫من هنا ثارت املنازعات املسلحة بين الصرب والكروات واملسلمين في جمهورية‬

‫البوسنا والهرسك‪ ،‬وكان هذا الصراع في بدايته عبارة عن حرب أهلية ما لبثت أن‬

‫تحولت إلى صراع دولي أثر تدخل صربيا والجيل األسود ملساندة صرب البوسنة‪.390‬‬

‫ونتيجة لعدم التكافؤ من حيث القوة بين طرفي النزاع‪ ،‬فقد ارتكب الصرب‬

‫الفضائع في مواجهة املسلمين فأبادوا القرى وقتلوا املدنيين األبرياء وشردوا آالف‬

‫علي يوسف الشكري ‪ :‬القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪ ،7118‬الصفحة ‪.25‬‬ ‫‪390‬‬

‫‪P 253‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السكان ومارسوا أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفس ي من اغتصاب النساء وقتل‬

‫األطفال‪.391‬ونتيجة لالنتهاكات الصارخة للقوانين واألعراف الدولية املتعلقة‬

‫بحقوق اإلنسان وما تم ارتكابه من جرائم دولية‪ ،‬فقد أصدر مجلس األمن في ‪36‬‬

‫أكتوبر ‪ 3228‬القرار رقم ‪ 921‬والذي أنشأ بموجبه لجنة الخبراء الخاصة بالتحقيق‬

‫وجمع األدلة في املخالفات الجسيمة ملعاهدة جنيف واالنتهاكات األخرى للقانون‬

‫الدولي اإلنساني‪.392‬‬

‫غشت ‪ 3224‬شغل املدعي العام مكتبه وأطلق القضاة على املحكمة اسم‬

‫املحكمة الجنائية الدولية ليوغوسالفيا السابقة‪.393‬‬

‫تشكيلة محكمة يوغوسالفيا السابقة‬

‫تتألف املحكمة الجنائية الدولية ليوغوسالفيا السابقة من ثالثة أجهزة هي‪:‬‬

‫الدوائر ‪ :‬وهي دائرتان للدرجة األولى ودائرتان لالستئناف‪.‬‬

‫جهاز االدعاء العام‪ :‬يتكون هذا الجهاز من املدعي العام وموظفي املكتب‪.‬‬

‫قلم املحكمة ‪ :‬هو جهاز أنيط به مهمة إدارة املحكمة وتقديم الخدمات لها‪.‬‬

‫‪-1‬اختصاص املحكمة اليوغوسالفية السابقة‪.‬‬

‫‪ 391‬المساعد علي يوسف الشكري‪ ،‬عميد كلية الحقوق جامعة الكوفة‪ ،‬مقال‪ -‬الخصائص المشتركة للمحاكم الجنائية الدولية الصفحة ‪.061‬‬
‫‪ 392‬عصام عبد الفتاح مطر‪ :‬القضاء الجنائي الدولي‪ :‬مبادئه‪ ،‬فواعده الموضوعية واإلجرائية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬الصفحة ‪.22‬‬
‫‪ 393‬محمود شريف بسيوني ‪ :‬المحكمة الجنائية نشأتها ونظامها األساسي ‪ 7117‬الصفحة ‪.66‬‬

‫‪P 254‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االختصاص املوضوعي‪:‬‬

‫حدد اختصاص املحكمة املوضوعية بالنظر في األفعال التالية ‪ :‬التعذيب‪،‬‬

‫القتل‪ ،‬انتهاك قوانين وأعراف مثل استخدام أسلحة سامة وغيرها‪ ،‬جريمة إبادة‬

‫الجنس البشري‪394.....‬‬

‫االختصاص الشخص ي‪:‬‬

‫بالرجوع إلى النظام األساس ي ملحكمة يوغوسالفيا نجد أنه اقتصر اختصاص‬

‫املحكمة الشخص ي على محاكمة األشخاص الطبيعيين فقط دون األشخاص‬

‫املعنويين وهذا ما نصت عليه املادة السادسة‪.‬‬

‫‪-‬االختصاص الزماني‬

‫حدد قرار مجلس األمن الصادر بتاريخ ‪ 85‬مايو ‪ 3221‬اختصاص محكمة‬

‫يوغوسالفيا بالنظر إلى الجرائم الواقعة على اإلقليم اليسوغوسالفي من يناير ‪3223‬‬

‫إلى ‪.3958113‬‬

‫‪-‬االختصاص املكاني‬

‫حدد االختصاص املكاني ملحكمة يوغسالفيا بالجرائم املرتكبة على اإلقليم‬

‫اليوغسالفي‪ ،‬سواء ما وقع منها على اإلقليم البري أو البحري أو الجوي‪.396‬‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‬

‫‪394‬علي يوسف الشكري ‪ :‬عميد كلية الحقوق جامعة الكوفة‪ ،‬مقال –الخصائص المشتركة للمحاكم الجنائية الدولية الصفحة ‪.066‬‬
‫‪- 395‬محمود شريف بسيوني‪ ،‬المحكمة الجنائية نشأتها ونظامها األساسي‪ ،7117 ،‬ص‪.55 :‬‬
‫‪- 396‬علي يوسف الشكري‪ :‬عميد كلية الحقوق جامعة الكوفة‪ ،‬مقال –خصائص المشتركة للمحاكم الجنائية الدولية‪ ،‬ص‪.066 :‬‬

‫‪P 255‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫استبعد النظام األساس ي ملحكمة يوغوسالفيا السابقة عقوبة إلعدام بكونها‬

‫في اعتقادهم ال تحقق اإلصالج وأن تحقق الردع‪ ،‬ولم تنص الئحة املحكمة إال على‬

‫عقوبات السحن‪.397‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬محكمة رواندا ‪Tribunal de Rowanda 3224‬‬

‫‪-3‬ظروف نشأة املحكمة الجنائية الدولية برواندا‬

‫بسبب املجازر وأعمال القتل والتشريد التي وقعت في إقليم رواندا‪ ،‬إثر النزاع‬

‫القبلي بين قبيلتي والهوتو‪ ،‬أصدر مجلس األمن سنة ‪ 33224‬قراره رقم ‪ 215‬القاض ي‬

‫بإنشاء لجنة التحقيق‪ ،‬للتأكد من وجود مجازر وإبادة للجنس البشري في تلك‬

‫الدولة‪ ،‬وبعد أن ثبت للجنة قيام تلك االنتهاكات الخطيرة للقانون الدولي اإلنساني‪،‬‬

‫قدمت تقريرا مفصال ملجلس األمن عن األوضاع في هذا البلد اإلفريقي‪ ،‬وبناء عليه‬

‫أصدر مجلس األمن قراره رقم ‪ 255‬بتاريخ ‪ 3224/33/12‬يقض ي بإنشاء محكمة‬

‫رواندا‪ ،‬بحيث يكون مقر املحكمة بمدينة أورشا بتنزانيا‪ ،‬وذلك من أجل البت في‬

‫الجرائم التي ارتكبت في إطار نزاع داخلي‪.398‬‬

‫‪-8‬تشكيل املحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا‬

‫تتألف املحكمة الجنائية الدولية برواندا‪ ،‬من ثالث أجهزة هي دوائر للمحكمة‬

‫ومكتب املدعي العام وقلم املحكمة وعدد من القضاة منهم ‪ 36‬قاضيا دائما إضافة‬

‫‪ - 397‬لالطالع أكثر على مضمون المحاكمات بالتفصيل وتواريخها يرجى زيارة الموقع اإللكتروني للمحمكمة اليوغوسالفية‪:‬‬
‫‪http://www..icty.org/fr‬‬
‫‪- 398‬روان صالح روان‪ ،‬الجريمة الدول ية في القانون الجنائي الدولي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة منتوري قسطنطينة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق ‪ ،7118‬ص‪.276 :‬‬

‫‪P 256‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إلى التشكيلة القضائية‪ ،‬أربعة قضاة خاصين كحد أدنى‪ ،‬ويتوزع القضاة على دوائر‬

‫املحكمة الثالث ودائرة االستئناف التي يتألف أعضائها من سبع قضاة يشترك خمسة‬

‫منهم في النظر في كل حالة استئناف منفردة‪ ،‬ويقوم قلم املحكمة باملهام اإلدارية‬

‫الخاصة بسير عمل املحكمة‪.‬‬

‫‪1‬اختصاص املحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا‬

‫‪-‬االختصاص املوضوعي‬

‫حددت املادة األولى من النظام األساس ي للمحكمة الدولية الجنائية لرواندا‬

‫االختصاص املوضوعي للمحكمة في النظر فيما يلي‪:‬‬

‫‪-‬جرائم اإلبادة الجماعية‬

‫‪-‬الجرائم ضد اإلنسانية‬

‫‪-‬انتهاكات املادة الثالثة من اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪ 3242‬املتعلق باملعاملة‬

‫غير اإلنسانية للمقاتلين النظاميين والبروتوكول اإلضافي الثاني امللحق بها عام ‪3299‬‬

‫املتعلق بأحكام النزاعات املسلحة غير الدولية‪.399‬‬

‫‪-‬االختصاص الشخص ي‬

‫نص النظام األساس ي على االختصاص الشخص ي في املادة الخامسة منه‪ ،‬بحيث‬

‫يكون للمحكمة الدولية اختصاص على األشخاص الطبيعيين‪ ،‬كما أقر النظام‬

‫‪ - 399‬هاتف محسن كاظم الركابي‪ ،‬مدى مراعاة قانون المحكمة الجنائية الدولية لمعايير القانون الجنائي الدولي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه‪،‬‬
‫األكاديمية العربية في الدنمرك ‪ ،7100‬ص‪.27 :‬‬

‫‪P 257‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا من خالل مادته السادسة على ضرورة‬

‫تحمل املسؤولية الجنائية األفراد العاديين بصفتهم مسؤولين رسميين‪.400‬‬

‫‪-‬االختصاص الزماني‬

‫نص النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا‪ ،‬على أن هذه‬

‫األخيرة تختص بالنظر في النزاعات املرتكبة من ‪ 3224/13/13‬إلى ‪،4013224/38/13‬‬

‫بمعنى ال يمكن للمحكمة أن تنظر في الجرائم التي حدثت قبل هذا التاريخ وال بعده‪.‬‬

‫‪-‬االختصاص املكاني‬

‫حدد النظام األساس ي ملحكمة رواندا اختصاص املحكمة بالنظر في الجرائم‪،‬‬

‫التي وقعت في حدود الدولة على أن يمتد هذا االختصاص غلى الدول املجاورة إذا‬

‫كان مقترف الفعل اإلجرامي من مواطني الدولة الرواندية‪.‬‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن املحكمة الجنائية الدولية أصدرت أولى أحكامها في سبتمبر‬

‫‪ 322‬ضد جون بول أكاييسو عمدة بلدة تابا برواندا‪ ،402‬والذي واجه في بداية‬

‫محاكمته ‪ 38‬تهمة من تهم اإلبادة الجماعية والجرائم ضد اإلنسانية وانتهاكات املادة‬

‫‪ 1‬من اتفاقية جنيف لسنة ‪ ،3242‬اتخذت شكل القتل والتعذيب واملعاملة القاسية‪،‬‬

‫وفي وقت الحق أضاف املدعي العام ثالث تهم تتعلق بجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وانتهاكات‬

‫‪ - 400‬خياطي مختار‪ ،‬دور القضاء الجنائي الدولي في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬القانون األساسي والعلوم‬
‫السياسية فرع القانون الدولي العام ‪ ،7100‬ص‪ 016 :‬و ‪.015‬‬
‫‪- 401‬محمد صالح روان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.276 :‬‬
‫‪- 402‬خياطي مختار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.016 :‬‬

‫‪P 250‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للمادة ‪ 1‬املشتركة للبرتوكول الثاني اإلضافي‪ ،‬والتي تمثلت في شكل االغتصاب‬

‫الإلنسانية وهتك العرض‪.‬‬

‫وفي سبتمبر ‪ ،3222‬أدت املحكمة أماييسو بارتكابه تسع جرائم‪ ،‬حكم عليه‬

‫بمقتضاها بالسجن املؤبد‪.‬‬

‫إضافة إلى محاكمة أكاييسو‪ ،‬تم متابعة جان كامباندا والذي كان يشغل‬

‫منصب رئيس الحكومة املقتة برواندا بارتكابه جرائم إبادة جماعية‪ ،‬والذي أقر بدوره‬

‫بأنه مذنب فيما يتعلق بست تهم ذات صلة بالجرائم املذكورة كسابقة العتراف متهم‬

‫أمام محكمة جنائية دولية بارتكابه ألعمال إبادة جماعية‪ ،‬ومثل أكاييسو فإن‬

‫كامباندا حكم عليه هو اآلخر بالسجن املؤبد‪.403‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املحاكم املختلطة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬محكمة سيراليون‬

‫‪-3‬ظروف نشأة املحكم الجنائية الدولية بسيراليون‬

‫من املقبول بصفة عامة أن الحرب بسيراليون‪ ،‬ترجع إلى ‪ 81‬مارس من سنة‬

‫‪ ،3223‬عندما قامت قوات الجبهة املوحدة الثورة بدخول سيراليون قادمة من‬

‫ليبيريا‪،‬ـ لتشن تمردا من أجل اإلطاحة بالحكم العسكري‪.‬‬

‫ففي ‪ 11‬نوفمبر ‪ 3226‬تم إبرام اتفاق أبيدجان للسالم‪ ،‬وهو أول اتفاق سالم‬

‫بين حكومة سيراليون والجبهة املوحدة الثورية‪ ،‬غير أن هذا االتفاق ما لبث أن تم‬

‫‪www.un.org/law.avl- 403‬‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫نقضه‪ ،‬وذلك بسبب استئناف األعمال القتالية بين الطرفين وعلى نطاق واسع وقد‬

‫سجلت هذه الفترة حدوث انتهاكات جسيمة للقانون اإلنساني الدولي ومنها على وجه‬

‫الخصوص علميات اغتصاب واختطاف واسعة النطاق للنساء وتجنيد إجباري‬

‫لألطفال‪.‬‬

‫ثم في ‪ 6‬يناير ‪،3222‬وهو التاريخ الذي شنت فيه الجبهة املوحدة الثورية عملية‬

‫عسكرية للسيطرة على فريتاون‪ ،‬واتسمت هذه الفترة‪ ،‬بأخطر انتهاكات حقوق‬

‫اإلنسان‪ ،‬والقانون الدولي اإلنساني ضد السكان املدنيين‪ ،‬واختطفت الجبهة املوحدة‬

‫الثورة‪ ،‬أثناء تقهرها في فبراير ‪ 3222‬مئات من الشبان استخدموا كدروع بشرية‬

‫وقوات مقاتلة‪ ،‬والنساء خاصة صغيرات السن وقد تم استخدامهن كعامالت‬

‫للسخرة وفي األسترقاق الجنس ي‪.‬‬

‫وأمام األوضاع املذكورة‪ ،‬تم إبرام اتفاق بين حكومة سيراليون واألمم املتحدة‬

‫بخصوص إنشاء محكمة خاصة من أجل مقاضاة األشخاص األكثر مسؤولية‪ ،‬عن‬

‫االنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي اإلنساني الدولي وجرائم أخرى خاضعة لقانون‬

‫سيراليون‪.‬‬

‫‪-8‬تشكيل املحكمة الجنائية الدولية املختلطة بسيراليون‬

‫‪P 268‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بحسب املادة ‪ 33‬من النظام األساس ي للمحكمة الخاصة بسيراليون فإن‬

‫املحكمة تتشكل من دوائر‪ ،‬وتتألف من دائرتي محاكمة ودائرة االستئناف‪ ،‬ثم من‬

‫مكتب املدعي العام‪ ،‬وأخيرا من قلم املحكمة‪.404‬‬

‫‪-1‬اختصاص املحكمة الدولية الخاصة بسيراليون‬

‫بحسب املادة ‪ 33‬من النظام األساس ي للمحكمة الخاصة بسيراليون فإن‬

‫املحكمة تتشكل من دوائر وتتألف من دائرتي محاكمة ودائرة االستئناف‪ ،‬ثم من‬

‫مكتب املدعي العام وأخيرا من قلم املحكمة‪.‬‬

‫‪-1‬اختصاص املحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون‬

‫‪-‬االختصاص املوضوعي‬

‫يشمل االختصاص املوضوعي للمحكمة الخاصة‪ ،‬الجرائم املحددة بموجب‬

‫القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وقانون سيراليون‪ ،‬ويشمل أفظع ممارسات القتل‬

‫الجماعي‪ ،‬وعمليا اإلعدام بدون محاكمة‪ ،‬والتشويه على نطاق واسع‪ ،‬وبوجه خاص‬

‫بثر األيدي واألذرع واألرجل والشفاه وغيرها من أعضاء الجسد‪ ،‬واالعتداء الجنس ي‬

‫على الفتيات والنساء واالسترقاق الجنس ي واختطاف األشخاص والتجنيد اإلجباري‬

‫في جماعات مسلحة‪ ،‬والنهب وإشعال النيران في املساكن‪.405‬‬

‫‪-‬االختصاص الشخص ي‬

‫‪- 404‬المادة ‪ 00‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون‪.‬‬
‫‪- 405‬مقتطف من تقرير األمين العام حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بسيراليون‪.‬‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يشمل االختصاص الشخص ي للمحكمة األشخاص الذين يتحملون القسط‬

‫األكبر من املسؤولية عن ارتكاب الجرائم‪ ،‬األمر الذي يفهم منه على أنه إشارة إلى‬

‫حصر عدد املتهمين فيمن لديهم سلطة آمرة وربطه بمدى فداحة الجريمة وحجمها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن املسؤولية تشمل كذلك األطفال الذين تتراوح‬

‫أعمالهم بين ‪ 35‬و‪ 32‬سنة وبرر امتداد االختصاص لهؤالء‪ ،‬يكمن في مدى فداحة‬

‫وخطورة الجرائم التي يزعم ارتكابها من طرفهم‪.406‬‬

‫‪-‬االختصاص الزمني‬

‫وفقا ملقتضيات املادة األولى من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الولية‬

‫لسيراليون فإن املحكمة تختص بالنسبة للجرائم السالفة الذكر‪ ،‬ابتداء من ‪1.1‬‬

‫نوفمبر ‪ ،4073226‬مع وجوب اإلشارة إلى أن االختصاص الزمني ترك مفتوحا إلى حين‬

‫اختتام األنشطة القضائية باملحكمة‪ ،‬على أن يتم تمديد االختصاص بالنسبة‬

‫للجرائم التي لم تبت فيها املحكمة للمحاكم الوطنية وذلك بعد التصرف في أصول‬

‫املحكمة املالية وغير ذلك من أصولها‪.408‬‬

‫االختصاص املكاني‬

‫‪- 406‬المادة ‪ 2‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية بسيراليون‪.‬‬


‫‪- 407‬المادة ‪ 0‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية بسيراليون‪.‬‬
‫‪- 408‬راجع تقرير األمين العام حول إنشاء محكمة الجنائية الدولية بسيراليون‪.‬‬

‫‪P 262‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بالرجوع إلى مقتضيات املادة ‪ 3‬من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫لسيراليون‪ ،‬يتضح أن للمحكمة اختصاصا على كافة الجرائم املرتكبة على أراض ي‬

‫سيراليون‪.409‬‬

‫وختاما نشير إلى أن للمحكمة الخاصة والية قضائية مشتركة مع محاكم‬

‫سيراليون الوطنية‪ ،‬ولها أسبقية عليها‪ ،‬ونتيجة لذلك فلها السلطة في أن تطلب من‬

‫أي محكمة وطنية التنازل لها عن اختصاصها‪ .410‬على أن هذه األسبقية مقصورة‬

‫على املحاكم الوطنية وال تشمل محاكم دول ثالثة‪.411‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محكمة لبنان‬

‫‪-3‬نشأة محكمة لبنان الخاصة‬

‫املحكمة الدولية الخاصة في لبنان‪ ،‬هي محكمة أنشأت ملقاضاة املسؤولين‬

‫املفترضين عن الهجوم واالعتداء الذي وقع في ‪ 34‬فبراير ‪/‬شباط ‪ 8115‬الذي أدى إلى‬

‫اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ومقتل وجرح أشخاص آخرين‪،‬‬

‫وقد شكلت بناء على طلب من الحكومة اللبنانية تقدمت به إلى األمم املتحدة في ‪31‬‬

‫ديسمبر ‪/‬كانون األول ‪.4128115‬‬

‫‪-8‬تشكيلة محكمة لبنان‬

‫‪- 409‬راجع المادة ‪ 0‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية بسيراليون‪.‬‬
‫‪- 410‬راجع الفقرة الثانية من المادة ‪ 8‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائي الدولية بسيراليون‪.‬‬
‫‪- 411‬مقتطف من تقرير األمين العام حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاص بسيراليون‪.‬‬
‫‪- 412‬النظام األساسي لمحكمة لبنان‪ ،‬الصفحة األولى‪.‬‬

‫‪P 263‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حسب املاجتين السابعة والثامنة من النظام األساس ي ملحكمة لبنان فهي‬

‫تتألف من أربعة أجهزة‪:‬‬

‫‪-‬الدوائر‪ :‬وتشمل قاض لإلجراءات التمهيدية ودائرة ابتدائية ودائرة االستئناف‪.‬‬

‫‪-‬مكتب املدعي العام‬

‫‪-‬مكتب الدفاع‪.‬‬

‫‪-‬قلم املحكمة‬

‫واملحكمة هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين‪ ،‬وهي ليست‬

‫محكمة تابعة لألمم املتحدة وال جزءا من النظام القضائي اللبناني‪ ،‬غير أنها تحاكم‬

‫الناس بموجب قانون العقوبات اللبناني‪.‬‬

‫‪-1‬اختصاص محكمة لبنان‬

‫‪-‬االختصاص املوضوعي‬

‫جريمة مقتل رئيس الوزراء اللبناني األسبق رفيق الحريري ومقتل أو إصابة‬

‫أشخاص آخرين‪.413‬‬

‫‪-‬االختصاص الشخص ي‬

‫تنص كل من املادتين األولى والثالثة من النظام األساس ي للمحكمة أن لها حق‬

‫مالحقة األشخاص املسؤولين عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني‬

‫‪http://www.stl-tsl.org - 413‬‬

‫‪P 264‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األسبق رفيق الحريري‪ ،‬وكذلك مسؤولية كل شخص ساهم فيه كشريك أو تنظيمه‬

‫أو توجيه اآلخرين الرتكابه‪.414‬‬

‫‪-‬االختصاص الزماني‬

‫كل الهجمات التي وقعت في لبنان في الفقرة ما بين ‪ 3‬تشرين األول ‪/‬أكتوبر‬

‫‪ 8114‬و‪ 38‬كانون األول ‪/‬ديسمبر ‪.8115‬‬

‫‪-‬االختصاص املكاني‬

‫االعتداءات والجرائم الواقعة بلبنان‬

‫‪-4‬األحكام والعقوبات‬

‫سرد املدعي العام نورمان فاريل في تصريح تمهيدي مراحل عملية االنفجار في‬

‫‪ 34‬شباط ‪/‬فبراير ‪ 8115‬وعرض صورا عن االنفجار في ذلك اليوم‪ ،‬وأكد أن "املتهمين‬

‫مصطفى بدر الدين وجميل عياش أعدا ونفذا اعتداء ‪ 34‬شباط‪ ،‬أما املتهمان أسد‬

‫صبرا وحسين بنيس ي فعاوناهما في التنفيذ‪.‬‬

‫وأكد أن األدلة مفصلة مع تعمق في جوانب محددة منها‪ ،‬مشيرا إلى أنها تنقسم‬

‫إلى ‪ 1‬فئات‪ ،‬ولفت أيضا إلى أن "منفذي الجريمة تركوا أدلة لتضليل التدقيق‬

‫واستخدموا شبكات اتصال داخلية للتفجير" ولحد الساعة لم تصدر أي عقوبة‪.415‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪- 414‬المادة األولى والثالثة للنظام األساسي لمحكمة لبنان الخاصة‪.‬‬


‫‪http://www.stl-tsl.org- 415‬‬

‫‪P 265‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وختاما نود الوقوف على بعض املالحظات التي ميزت فترة سيادة املحاكم‬

‫الجنائية الدولية فيما يتعلق بالبت في الجرائم ذات الطابع الدولي‪ ،‬وهي مالحظات‬

‫يمكن تصنيفها إلى سلبية وإيجابية‪.‬‬

‫تتمثل السلبية منها في‪:‬‬

‫‪-‬غلبت الطابع السياس ي وعدم الحياد على أحكام وقرارات املحاكم الجنائية‬

‫الدولية املؤقتة بل والتجسيد لفكرة عدالة املنتصر‪.‬‬

‫‪ -‬فشل معظم املحاكمات في توقيع الجزاء املناسب على مقترفي جرائم الحرب‬

‫ومختلف الجرائم األخرى ضد اإلنسانية‪.‬‬

‫‪-‬إهدار املحاكم الجنائية الدولية لعدة مبادئ قانونية هامة منها‪ ،‬مبدأ شرعية‬

‫التجريم والعقاب‪ ،‬ثم مبدأ عدم رجعية القوانين وكذلك اعتبار األحكام الصادرة منها‬

‫أحكام نهائية ال تقبل الطعن وتصير قابلة للتنفيذ بمجرد صدورها‪.‬‬

‫وفيما يتعلق باملالحظات اإليجابية فتتمثل في‪:‬‬

‫‪-‬املحاكم الجنائية الدولية املؤقتة تعتبر أول تطبيق لفكرة القضاء الجنائي‬

‫الدولي في العصر الحديث‪.‬‬

‫‪-‬املساهمة في تطوير معالم القانون الجنائي الدولي‪.‬‬

‫‪-‬التمهيد لفكرة ضرورة املساءلة الدولية للدول وملختلف املؤسسات وكذا‬

‫بالنسبة لألفراد‪ ،‬مع ضرورة متابعة جميع األشخاص بمعزل عن صفاتهم الرسمية‪.‬‬

‫‪P 266‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولعل أهم مميزات املحاكم الدولية املؤقتة تكمن في التمهيد لفكرة إنشاء‬

‫املحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪ ،‬والتي اعتمدت بدورها وبشكل كبير على تجارب‬

‫املحاكم الجنائية الدولية املؤقتة وعلى اجتهاداتها وأيضا على أنظمتها األساسية في‬

‫نشأتها‬

‫‪P 267‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املراجع املعتمدة‪:‬‬

‫‪-3‬الكتب‪:‬‬

‫علي يوسف الشكري‪ ،‬الخصائص املشتركة للمحاكم الدولية املؤقتة‪ ،‬املختار‬

‫للعلوم اإلنسانية العدد الثالث طبعة ‪.8116‬‬

‫‪-‬عصام عبد الفتاح مطر‪ ،‬القضاء الجنائي الدولي‪ ،‬مبادئه‪ ،‬قواعده املوضوعية‬

‫واإلجرائية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪.‬‬

‫‪-‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬القانون الدولي الجنائي منشورات الحلبي‬

‫الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لبنان ‪.8113‬‬

‫‪-8‬الرسائل واألطروحات‬

‫‪-‬براهيني صفيان‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬في عنوان دور املحكمة‬

‫الجنائية الدولية في مكافحة الجرائم الدولية‪ ،‬سنة ‪.8133‬‬

‫‪-‬بوهراوة رفيق‪ ،‬اختصاص املحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪ ،‬مذكرة لنيل‬

‫شهادة املاجستير في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية قسطنطينة‬

‫‪.8131‬‬

‫‪-‬آيت يوسف صبرينة‪ ،‬االختصاص القضائي في تجريم بعض األفعال بين املجال‬

‫املحفوظ للدول والتوجه املعاصر نحو العاملية‪ ،‬مذكرة لنيل بحث املاجستير فرع‬

‫القانون الدولي العام ‪.8131‬‬

‫‪P 260‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪-‬محمود شريف بسيوني‪ ،‬املحكمة الجنائية –نشأتها ونظامها األساس ي مع‬

‫دراسة لتاريخ لجان التحقي الدولية واملحاكم الجنائية السابقة ‪ ،8118‬الطبعة‬

‫الثانية‪.‬‬

‫‪-‬علي يوسف الشكري‪ ،‬القضاء الجنائي الدولية في عالم متغير‪ ،‬دار الثقافة‬

‫للنشر والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪.8112‬‬

‫‪-‬محمد صالح روان‪ ،‬الجريمة الدولية في القانون الجنائي الدولي‪ ،‬مذكرة لنيل‬

‫شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة منتوري قسطنطينة كلية الحقوق ‪.8112‬‬

‫‪-‬هاتف محسن كاظم الركابي‪ ،‬مدى مراعاة قانون املحكمة الجنائية الدولية‬

‫ملعايير القانون الجنائي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬األكاديمية العربية في‬

‫الدنمارك ‪.8133‬‬

‫‪-‬خياطي مختار‪ ،‬دور القضاء الجنائي الدولي في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مذكرة‬

‫لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬القانون األساس ي والعلوم السياسية فرع القانون الدولي‬

‫العام ‪.8133‬‬

‫‪-1‬املقاالت واملحاالت‬

‫‪-‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬دراسات في القانون الدولي الجنائي‪ ،‬مجلة القانون‬

‫واالقتصاد‪.‬‬

‫‪-‬عبد الواحد الفار‪ ،‬دور محكمة نورمبرغ في تطوير فكرة املسؤولية الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬مجلة دراسات قانونية‪ ،‬ع ‪ ،39‬طبعة ‪.3225‬‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪-‬محمد بوبوش‪ ،‬باحث جامعي في العالقات الدولية‪ ،‬الرباط مقال "محاكمات‬

‫مورمبرغ ‪ ...‬في ذكراها" منشور على موقع ‪http://www.marocdroit.com‬‬

‫‪-‬أحمد بلقاسم‪ ،‬نحو إرساء نظام جنائي دولي‪ ،‬املجلة الجزائية للعلوم القانونية‬

‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬رقم ‪ ،4‬الجزء ‪ ،15‬جزائر ‪.3229‬‬

‫‪P 278‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ حميب عبد الصمد‬


‫أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي وباحث بسلك الدكتوراه‬

‫تطـور عالقـة الدولة بالجماعـات الترابية‬


‫في اتجــاه الحكامة الترابيـة‬
‫‪The development of the state’s relationship with the territorial communities in the‬‬
‫‪direction of territorial governance‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫بادر املغرب منذ عدة سنوات إلى اعتماد جملة من اإلصالحات املؤسساتية‬

‫العميقة لترسيخ ديمقراطية القرب‪ ،‬وإطالق وانجاز مشاريع تنموية كبرى وطنية‬

‫وجهوية ومحلية تضع املواطن في جوهر عملية التنمية‪ ،‬وتقوم على سياسة تعاقدية‬

‫وتشاركية تنهض فيها الجماعات الترابية بدور أساس ي‪.‬‬

‫هذه التجارب واملكتسبات جعلت املسار الديمقراطي للمغرب مؤهال لإلقدام‬

‫على تطوير أنماط الحكامة الترابية في إطار وحدة الدولة وسيادتها في اتجاه ترسيخ‬

‫الديمقراطية املحلية‪ ،‬وفي مقدمتها الجهوية وذلك بإشراك تام للسكان في تدبير‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫شؤونهم من خالل مؤسسات محلية تختص بصالحيات وإمكانيات مادية دون‬

‫املساس بسيادة الدولة ووحدتها‪.‬‬

‫والجهوية وان كانت لها مجموعة من املقومات والشروط املتعارف عليها عامليا‬

‫فان تطبيقاتها تتخذ أشكاال متباينة تبعا لخصوصيات كل دولة‪ ،‬واختياراتها‬

‫السياسية والتاريخية واالقتصادية‪....‬‬

‫وشكلت الالمركزية باعتبارها نمطا من أنماط الحكامة الترابية خيارا ال رجعة‬

‫فيه وورشا يحظى باألولوية وموضوع عدد من اإلصالحات‪ ،‬وهكذا سجل تطور‬

‫ملموس فيما يتعلق باإلطار القانوني واملوارد املالية والبشرية على مدى أزيد من‬

‫أربعين عاما‪ ،‬سعيا إلى تعزيز استقاللية الهيئات املنتخبة‪ ،‬في سبيل جعل الالمركزية‬

‫رافعة حقيقية للتنمية‪.‬‬

‫وملقاربة املسار التاريخي للحكامة الترابية باملغرب سنستعرض من خالل تحقيب‬

‫كرنولوجي ألهم املحطات التي مرت منها الالمركزية ببالدنا انطالقا من البناء‬

‫املؤسساتي للحكامة الترابية ووصوال إلى هندستها الدستورية والقانونية (املبحث‬

‫األول)‪ ،‬وقوفا عند أهم اإلختالالت التي تعاني منها اإلدارة الترابية باملغرب (املبحث‬

‫الثاني)‪.‬‬

‫املبحــث األول‪ :‬املسـار التاريخ ــي للحكامـة الترابيـة فـي املغـرب‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن أي محاولة تنطلق من الرغبة في استعراض مسار‬

‫الحكامة الترابية في املغرب‪ ،‬عبر تبيان كيفية انعكاس خاصية مركزية الدولة على‬

‫‪P 272‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫صيرورة البناء املؤسساتي والقانوني للجماعات الترابية يجب أن تتم من خالل مزج‬

‫تاريخ اإلدارة وتاريخ القانون والتاريخ السياس ي أو تاريخ الدولة‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه إن الالمركزية مرت بمجموعة من املحطات التاريخية سواء‬

‫في عهد الحماية أو في فترة االستقالل‪ ،‬وفي هذا الصدد شكل امليثاق الجماعي املؤرخ‬

‫في ‪ 81‬يونيو ‪ 3261‬أول نص ذي طابع عام‪ ،‬وقد سبقه نصان ينظمان انتخاب‬

‫املجالس البلدية ويرسمان الحدود الترابية للجماعات‪ .‬واحدث الظهير املؤرخ في ‪38‬‬

‫شتنبر ‪ 3261‬مستوى ثانيا من الالمركزية على مستوى مجالس العماالت‬

‫واألقاليم‪.‬‬

‫إال أن صدور ظهير ‪ 3293‬املتعلق بإحداث الجهات االقتصادية شكل نقطة‬

‫مهمة في مسلسل الالمركزية وتعزيز الصرح املؤسساتي باملغرب وهي املكتسبات التي‬

‫كرستها املراجعة الدستورية لسنة ‪ 3228‬و ‪(3226‬املطلب األول) قبل أن يعمد املشرع‬

‫إلى تعزيز هذا املسار من خالل سن مجموعة من القوانين التي تؤطر الحياة املحلية‬

‫مشكلة بذلك الترسانة القانونية للحكامة الترابية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬اإلرهاصات األولى للحكامة الترابية في املغرب‪.‬‬

‫فكرة الجهوية لم تكن وليدة الصدفة فقد عرفها املغرب منذ قدم التاريخ‪ ،‬غير‬

‫أن الحديث عن تجربة واعية تعبر عن تنظيم جهوي حقيقي لم تبدأ إال بعد صدور‬

‫ظهير ‪ ،3293‬الذي مثل منعطفا حاسما انتقلت معه الجهة من مجرد مفهوم تقليدي‬

‫إلى كيان قانوني ومؤسساتي‪( ،‬الفقرة األولى)‪ .‬وقد شكلت هذه املرحلة بداية‬

‫‪P 273‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التأسيس ملفهوم الجهة التنموية الذي لم تكتمل معامله إال بعد االنتقال إلى مرحلة‬

‫الرشد القانوني الذي تبلور عن طريق دسترة الجهة والرقي بها إلى جماعة ترابية (‬

‫الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تجربة الجهة االقتصادية في ظل ظهير ‪ 36‬يونيو ‪.3293‬‬

‫حاول مغرب ما بعد االستقالل أن يجد لنفسه مكانا في ركب التقدم‪ ،‬فاتخذ‬

‫من التنمية االقتصادية هدفا أساسيا وقد كان اإلطار اإلقليمي أول وسيلة‬

‫استخدمت من اجل الوصول إلى تنمية ترابية وبالتالي تحقيق تنمية اقتصادية‪ ،‬إال‬

‫أن األقاليم لم تستطع أن تشكل وحدات جغرافية يمارس في إطارها التخطيط‬

‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬العتبارات مختلفة في مقدمتها االختالل والتمايز بين األقاليم‬

‫على مستوى املوارد املالية والطبيعية والبشربة‪...‬‬

‫لهذا توجهت أنظار مختلف املهتمين بالحقل اإلداري نحو الجهة‪ ،‬فاتخذوا منها‬

‫وسيلة جديدة تتالءم واختيارات إعداد التراب والتنمية املجالية‪ ،‬وهذا ما أكده ظهير‬

‫‪ 36‬يونيو ‪ ،3293‬إذ عرفت الفقرة الثانية من الفصل الثاني من الظهير الجهة بكونها‬

‫إطارا اقتصاديا تدرس في املشاريع وتنجز فيه البرامج من اجل تحقيق تنمية منسجمة‬

‫بين مختلف أنحاء التراب الوطني" ومعنى هذا أن الجهوية أداة لتحقيق التنمية‬

‫االقتصادية واالجتماعية والجهة هي قاعدة ترابية لهذه التنمية"‪.‬‬

‫تتحكم في تقسيم التراب إلى جهات مجموعة من االعتبارات السياسية‪،‬‬

‫االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬التاريخية‪ ...‬تتعلق بتصور حاجيات املجتمع ومشاكله‬

‫‪P 274‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وإمكاناته وكيفية تدبيرها وكذا بالنظر إلى طبيعة الدولة وتوفيقها بين مطالب املجتمع‬

‫املدني والحفاظ على وحدة الدولة‪ ،‬وألجل ذلك منحت الجهات االقتصادية مجموعة‬

‫من االختصاصات ‪.‬‬

‫بــواعـث إقرار جهوي ـ ــة ‪:3293‬‬

‫يعد الباعث االقتصادي أهم باعث ألحداث الجهة كبنية ثالثة في بناء صرح‬

‫إداري محلي في املغرب سنة ‪ ،3293‬إال أن أولوية هذا الباعث ال ينفي وجود بواعث‬

‫أخرى تأرجحت بين اإلداري واألمني ‪.‬‬

‫‪ -‬الدوافع االقتصادية‪:‬‬

‫تبنى املشرع املغربي الجهوية كسياسة ملواجهة اإلختالالت التي خلفها املستعمر‬

‫من خالل تحويل وتركيز النواة االقتصادية للمغرب في الساحل األطلس ي‪ .‬وإلعادة‬

‫التوازن تدخلت الدولة عبر وسيلة التقسيم الترابي وتطوير الالمركزية لوضع حد‬

‫لهذه اإلختالالت‪.‬‬

‫وشكلت الجهة اإلطار املناسب الستقبال املشاريع التنموية التي من الصعب‬

‫على الجماعات الترابية األخرى القيام بها وال بوسع الحكومة املركزية ممارستها‬

‫بفعالية‪ .‬وعليه أصبح املنظور الحديث لفكرة الجهوية ينظر إليه من الزاوية‬

‫االقتصادية فهي بإمكانها تخفيف العبء االقتصادي عن الدولة‪.‬‬

‫‪ -‬الدوافع اإلدارية‪:‬‬

‫‪P 275‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن اتساع مجاالت وتدخالت اإلدارة في الدولة املعاصرة جعل التنظيم اإلداري‬

‫القائم على أساس األسلوب املركزي وحده غير مقبول‪.‬‬

‫إن إقرار الجهة كوحدة ترابية في إطار تنظيم اإلدارة املحلية‪ ،‬يدخل إجماال في‬

‫اإلصالح اإلداري‪ ،‬فتأهيل هياكل اإلدارة املركزية ومصالحها الخارجية وسيلة ال غاية‬

‫في حد ذاته‪ ،‬والدافع اإلداري من إقرار الجهة هو تقليص دور الدولة في بعض‬

‫املجاالت وتفويتها للجهة استجابة لحاجيات املجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬الدوافع األمنية‪:‬‬

‫إذا كانت الجهوية املتبناة سنة ‪ 3293‬بدافع تقريب اإلدارة إلى املدارين و إشراك‬

‫السكان املحليين في تدبير مشاكلهم بشكل جعل منها آلية تدبيرية‪ ،‬وأداة من أدوات‬

‫التشريع بالعمل التنموي‪ ،‬فان ذلك ال ينفي بل يستحضر الهاجس األمني الذي كان‬

‫له حضور كبير في إقرار الجهوية ‪ ،‬حيث تم إحالل الجهة محل اإلقليم كدائرة أوسع‬

‫تستطيع من خاللها الدولة التحكم وتأطير البالد‪.‬‬

‫كما أن هاجس الحفاظ على الوحدة الوطنية شكل احد الدوافع في تبني‬

‫السياسة الجهوية‪ ،‬حيث إن تكوين وحدات جماعية يساهم فيها الجميع تمتص‬

‫طموح النخب املشاركة في اتخاذ القرار على مستويات اكبر من املجالس الجماعية‬

‫واإلقليمية األمر الذي يحافظ على تماسك املجتمع ويؤسس لروح ورغبة العيش‬

‫املشترك‪.‬‬

‫اإلطـ ــار القانونــي للجهــات االقتصاديــة‪:‬‬

‫‪P 276‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عمل ظهير ‪ 36‬يونيو ‪ 3293‬على وضع الجهة في إطارها القانوني والوظيفي من‬

‫خالل اعتماده لسبع مناطق جهوية اقتصادية في البالد‪ ،‬وكذلك هيكلة مجالسها‪،‬‬

‫واالختصاصات املخولة لها ‪.‬‬

‫‪ -‬هيكلة الجهة االقتصادية‪:‬‬

‫بما أن جهة ‪ 3293‬كان يغلب عليها الطابع االستشاري‪ ،‬واعتبرت كإطار للعمل‬

‫االقتصادي هدفه تحقيق التوازن في االقتصاد الوطني‪ ،‬كان من الالزم أن تتوفر على‬

‫هيكلة تمكنها من أداء مهامها‪.‬لذا فان الظهير نص على أن تقام في كل جهة هيئة‬

‫استشارية تضم‪:‬‬

‫‪ -‬رؤساء مجالس العماالت واألقاليم الداخلة في دائرة نفوذ الجهة‬

‫‪ -‬ممثلو الغرف املهنية في مجالس العماالت واألقاليم‪.‬‬

‫‪ -‬أعضاء منتخبون (تنتخب املجالس اإلقليمية املكونة للجهة ‪ 5‬ممثلين عنها في‬

‫املجالس الجهوية)‬

‫‪ -‬ممثلو اإلدارة وهم عمال العماالت واألقاليم الداخلة في نفوذ الجهة ورؤساء‬

‫املصالح الخارجية لإلدارة املركزية‪.‬‬

‫‪ -‬اختصاصات الجهة االقتصادية‪:‬‬

‫منح ظهير ‪ 36‬يونيو ‪ 3293‬الجهة االقتصادية مجموعة من االختصاصات يمكن‬

‫حصرها كالتالي‪:‬‬

‫‪P 277‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬اإلدالء برأيها في جميع برامج التنمية االقتصادية واالجتماعية والترابية التي‬

‫تهم املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬إحاطة الجهة علما بتنفيذ املشاريع االقتصادية واالجتماعية من شانه ان‬

‫يساهم في ازدهار املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬التقدم بكل مقترح يهم تنفيذ املشاريع االقتصادية واالجتماعية من شأنه ان‬

‫يساهم في ازدهار املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬وهكذا يتبين لنا إن الجهة في إطار الجهوية االقتصادية ليست هيئة تقريرية‬

‫يمكن لها اتخاذ تدابير وقرارات‪ ،‬بل هي إطار استشاري صرف يتولى مهمة‬

‫املتابعة واملراقبة‪ ،‬والتدخل إلبداء الرأي في كل ما يخص التنمية االقتصادية‬

‫‪.‬‬

‫وبالرغم من إن جهات ظهير ‪ 3293‬لم ترق إلى مصاف الجماعات الترابية‪ ،‬وال‬

‫تعتبر مؤسسة دستورية‪ ،‬فانه ال يمكن أن ننكر الدور الرائد الذي قام به هذا الظهير‪،‬‬

‫إذ انه استطاع أوال وأخيرا التأسيس ملفهوم جديد للجهة أال وهو الجهة‬

‫االقتصادية‪.‬وذلك ألجل الدفع بعجلة الديمقراطية املحلية وإزالة الفوارق بين جهات‬

‫اململكة‪ ،‬انطالقا من التخلي النسبي عن مركزية اتخاذ القرار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬البناء الدستوري للحكامة الترابية‪:‬‬

‫‪P 270‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إذا كانت الحكامة الترابية تتعلق بتوزيع االختصاصات واإلمكانيات املادية‬

‫والبشرية بين مختلف املستويات املؤسساتية في الدولة‪ ،‬فان الوحدات الترابية‬

‫باعتبارها مؤسسات دستورية‪ ،‬تستمد مشروعيتها القانونية من الدستور‪.‬‬

‫ومنذ أول دستور شاهدته البالد في ‪ 34‬دجنبر ‪ ،3268‬تم التنصيص على وجود‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬غير انه لم يتم التنصيص على اعتبار الجهة جماعة ترابية‪،‬ورغم‬

‫ما شكله دستور ‪ 3268‬من أهمية بالغة في الحياة السياسية إال انه لم يدم طويال‬

‫أمام أزمة املؤسسات الدستورية‪.‬‬

‫ويمكن القول على أن الدساتير املغربية األولى (‪)98-91-68‬شكلت بداية التفكير‬

‫الجدي في الالمركزية اإلدارية من خالل محطات مختلفة أراد من خاللها التأسيس‬

‫للحكامة الترابية‬

‫وقد شكل دستور ‪ 3228‬حلقة مهمة من مسلسل البناء املؤسساتي لإلدارة‬

‫الترابية ببالدنا‪ ،‬حيث تم االرتقاء بالجهة إلى مؤسسة دستورية تتمتع بالشخصية‬

‫املعنوية وباالستقالل املالي واإلداري‪ ،‬وهكذا أصبحت للجهة قاعدة دستورية تستمد‬

‫منها وجودها ألول مرة على هذا املستوى‪ ،‬مما جعل الجهة في مقدمة املؤسسات‬

‫التمثيلية املحلية والالمركزية في خطوة اعتبرت تكريسا للعهد الدستوري للجهة‪.‬‬

‫وهكذا نص الفصل ‪ 24‬من دستور ‪ 3228‬على أن "الجماعات الترابية باململكة‬

‫هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية وال يمكن إحداث‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أي جماعة إال بقانون"‪ .‬بذلك يكون دستور ‪ 3228‬قد أرس ى ركائز الديمقراطية‬

‫املحلية على أسس دستورية ملزمة‪.‬‬

‫دخل املغرب من خالل املراجعة الدستورية في ‪ 31‬شتنبر ‪ 3226‬تجربة خاصة‬

‫على مستوى اإلدارة املحلية وذلك بمقتض ى الفصول ‪:311،313،318‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪" :311‬الجماعات الترابية باململكة هي الجهات والعماالت واألقاليم‬

‫والجماعات الحضرية والقروية‪ ،‬وال يمكن إحداث إي جماعة ترابية أخرى إال بقانون‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ :313‬تنتخب الجماعات الترابية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا‬

‫ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون ‪ -‬الفصل ‪ :318‬يمثل العمال الدولة في‬

‫العماالت واألقاليم والجهات‪ ،‬ويسهرون على تنفيذ القوانين‪ ،‬وهم مسؤولون عن‬

‫تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون‪ ،‬لهذه الغاية‪ ،‬عن تدبير املصالح املحلية‬

‫التابعة لإلدارات املركزية"‬

‫لقد حاول دستور ‪ 3226‬إدماج الجهة في املجال السياس ي بواسطة نظام‬

‫التمثيلي‪ ،‬مثلها مثل األحزاب السياسية والنقابات والغرف املهنية‪ ،‬وذلك في إطار‬

‫مجلس املستشارين كمؤسسة دستورية تمارس السيادة بصفة غير مباشرة وفقا‬

‫للفصل الثاني من الدستور‪ ،‬وفي نفس السياق نص الفصل ‪ 1‬من دستور ‪ 31‬شتنبر‬

‫‪" :3226‬األحزاب السياسية واملنظمات النقابية والجماعات الترابية والغرف املهنية‬

‫تساهم في تنظيم املواطنين وتمثيلهم‪.‬‬

‫‪P 208‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اإلطار القانوني للحكامة الترابية في املغرب‪.‬‬

‫إن الحكامة الترابية كمفهوم يجب إن تكون لها مرجعية قانونية لدواعي الثبات‬

‫واالستمرار‪ ،‬حيث إن االستناد إلى إطار قانوني يعطي الشرعية للحكامة بعدما كانت‬

‫مشروعة إي عبارة عن نظريات وتطلعات للمواطنين‪ ،‬وترتبط هذه املرجعية بمختلف‬

‫القوانين املنظمة لالمركزية باملغرب خاصة وان الجماعات الحضرية والقروية تعرف‬

‫العديد من التعديالت القانونية‪ ،‬حيث اصدر املشرع املغربي قانونين جديدين قانون‬

‫رقم ‪ 92.11‬املتعلق بالتنظيم الجماعي والذي أدخلت عليه تعديالت جديدة واردة في‬

‫القانون رقم ‪( 39.12‬الفقرة األولى)‪ ،‬دون إن ننس ى باقي الجماعات الترابية املنظمة‬

‫على التوالي بالقانون ‪ 92.11‬املتعلق بالعماالت واألقاليم (الفقرة الثانية)‪ .‬والقانون‬

‫‪ 49/26‬املتعلق بالتنظيم الجهوي (الفقرة الثالثة)‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الحكامة الترابية في ضوء امليثاق الجماعي الجديد‬

‫إن تحليل ما يقارب ‪ 42‬سنة من ممارسة الالمركزية الترابية باملغرب يثير بقوة‬

‫مسألة جوهرية‪ ،‬وهي إن نمط الحكامة الترابية ما يزال يبحث عن ذاته ‪ ،‬فتوزيع‬

‫االختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية كان موضوع عدد من اإلصالحات التي‬

‫أطرت عمل الوحدات الترابية‪ ،‬وذلك عبر أربع حقب تاريخية رئيسية وهي ‪-3261‬‬
‫‪.416‬‬ ‫‪ 8112-8118-3296‬قصد تمكين هذه األخيرة من التدبير األمثل للشأن املحلي‬

‫‪416‬‬
‫‪1-Abdelatif Aghnouch.histoire politique du maroc afrique.orient.casablanca 1987.‬‬

‫‪P 201‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وسنحاول خالل هذه الفقرة إبراز أهم مظاهر الحكامة الترابية في امليثاق‬

‫الجماعي ‪( 92.11‬أوال)‪،‬قبل االنتقال للحديث عن املخطط الجماعي باعتباره احد‬

‫أهم مستجدات قانون‪ 12.39‬التي تكرس مبادئ الحكامة الجيدة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مظاهر الحكامة الترابية في ضوء امليثاق الجماعي ‪.92.11‬‬

‫إذا كان ظهير ‪ 11‬شتنبر ‪ 3296‬قد شكل في أوانه قفزة نوعية في مجال تدبير‬

‫الشأن املحلي‪ ،‬فانه قد عانى من مجموعة من السلبيات (غموض اإلطار القانوني‪،‬‬

‫محدودية التقسيم اإلداري والترابي‪ ،‬ضعف املوارد املالية‪)...‬‬

‫ولتفادي االختالالت التي عرفها ظهير ‪ ،3296‬تم التفكير بإصدار قانون جديد‬

‫إلصالح امليثاق الجماعي يقارب مجموعة من املفاهيم الجديدة‪ ،‬يجسد سياسة‬

‫القرب ويؤسس ملرجعية الحكامة الجيدة‪ ،‬ويضع إطارا لتدبير فعال للشأن املحلي من‬

‫خالل عدة مستجدات تهم نظام املنتخب‪ ،‬وسلطة الوصاية ‪ ،‬واالختصاصات‪ ،‬ونظام‬

‫تسيير الجماعات‪.‬‬

‫‪ .3‬تحسين نظام املنتخب‪:‬‬

‫اعتبارا ألهمية العنصر البشري في إنجاح أي تجربة جماعية‪ ،‬ونظرا لكونه حجر‬

‫الزاوية في كل تدبير جيد للشأن املحلي‪ ،‬ولتجاوز بعض االختالالت التي أفرزتها تجربة‬

‫‪ 3296‬جاء املشرع بعدة مستجدات في هذا اإلطار‪:417‬‬

‫‪ 417‬نم تخصيص الباب الثالث من الميثاق الجماعي ‪ 70.88‬للنظام األساسي للمنتخب (المواد ‪ 16‬إلى ‪.)34‬‬

‫‪P 202‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬مراجعة نظام األهلية االنتخابية وحاالت التنافي من خالل حصر ممارسة‬

‫مهام رئاسة املجلس الجماعي واقتصارها على األعضاء الذين يحسنون القراءة‬

‫والكتابة‪.‬‬

‫‪ -‬التنصيص على عدم الجمع بين مهمتين رئاسيتين محليتين‪ ،‬ومنع‬

‫املستشارين الجماعيين القاطنين بالخارج من مزاولة مهام الرئيس واملساعدة‪.‬‬

‫‪ -‬تدعيم الضمانات والتسهيالت املخولة للموظفين وأعوان الدولة املزاولين‬

‫النتداب عمومي‪.‬‬

‫‪ -‬إقرار مسؤولية الجماعات عن األضرار التي تلحق املنتخب الجماعي عند‬

‫ممارسته ملهامه‪...‬‬

‫‪ .8‬تعزيز آليات املراقبة وحماية الصالح العام‪:‬‬

‫لقد تبنى امليثاق الجماعي ‪ 92.11‬العديد من التدابير في اتجاه تعزيز آليات‬

‫املراقبة حماية للصالح العام‪:418‬‬

‫‪ -‬الفصل بين املهام التداولية والتنفيذية ‪ ،‬وحصر التفويض على مساعدي‬

‫رئيس املجلس الجماعي‪.‬‬

‫‪ -‬منع املنتخبين الجماعيين من ربط عالقات مصلحيه مع الجماعة التي ينتمون‬

‫إليها‪.‬‬

‫الباب السادس من الميثاق الجماعي ‪( 70.88‬المواد ‪ 60‬إلى ‪.)77‬‬ ‫‪418‬‬

‫‪P 203‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬تقوية وسائل الرقابة عبر اللجوء إلى قضاء املحاكم املالية‪،‬وفي نفس االتجاه‬

‫يتيح امليثاق الجماعي الجديد إمكانية اللجوء إلى املجلس الجهوي للحسابات فيما‬

‫يخص الحساب اإلداري املتنازع فيه‪.‬‬

‫‪ .1‬االستقالل املحلي‪:‬‬

‫لقد حاول امليثاق الجماعي الجديد تعزيز استقاللية الجماعات الترابية من‬

‫خالل مجموعة من اإلجراءات‪:‬‬

‫‪ -‬امليثاق الجماعي الجديد لم يقلص من حجم االختصاصات املوكولة‬

‫للجماعات الحضرية والقروية مقارنة مع ميثاق سنة ‪ ،3296‬بل يكرس مبدأ‬

‫االختصاص العام للمجلس ويوضح مضمونه ويدقق مختلف الصالحيات الجماعية‪.‬‬

‫‪ -‬امليثاق الجديد وسع اختصاصات الجماعات ووضح عالقاتها مع الدولة‬

‫والجماعات الترابية األخرى كالجهات والعماالت واألقاليم‪ ،‬وكذلك مع املؤسسات‬

‫العمومية في امليادين املختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬امليثاق الجماعي الجديد عمل على تبويب االختصاصات وتصنيفها وضبطها‬

‫إلجالء الغموض الذي كان يحول دون تحمل املجالس املنتخبة ملسؤولياتها‪ .‬األمر‬

‫الذي سيساعد على تفادي التضارب أو التداخل في االختصاصات بين الجماعات‬

‫الحضرية والقروية‬

‫والدولة والجماعات الترابية األخرى وعلى تحقيق االنسجام والتكامل في األدوار‬

‫املسندة لكل الفاعلين‪.‬‬

‫‪P 204‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬امليثاق الجماعي الجديد‪ ،‬رفع اللبس الحاصل بشأن اختصاصات الجماعات‬

‫الحضرية والقروية حيث سيتم ألول مرة فصل اختصاصات املجلس الجماعي عن‬

‫اختصاصات رئيس املجلس الجماعي‪ ،‬فالرئيس يمثل الجهاز التنفيذي‪ ،‬أما املجلس‬

‫الجماعي فهو يعتبر الجهاز التداولي‪ ،‬وهذا التوزيع من شأنه توضيح املسؤوليات بين‬

‫الجهازين‪.‬‬

‫‪ -‬تصنيف االختصاصات الجماعية‪:‬‬


‫أنواع‪419:‬‬ ‫لقد صنف املشرع االختصاصات الجماعية إلى ثالثة‬

‫* االختصاصات الذاتية‪:‬‬

‫املشرع املغربي عمل على توزيع هذه االختصاصات على سبعة ميادين أساسية‬

‫‪:‬‬

‫‪ -‬التنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬املالية والجبايات واألمالك الجماعية‪.‬‬

‫‪ -‬التعمير وإعداد التراب الوطني‪.‬‬

‫‪ -‬املرافق والتجهيزات العمومية املحلية‪.‬‬

‫‪ -‬الوقاية الصحية والنظافة والبيئة‪.‬‬

‫‪ -‬التجهيزات واألعمال االجتماعية والثقافية ثم التعاون والشراكة‪.‬‬

‫* االختصاصات القابلة للنقل‪:‬‬

‫‪ 419‬الباب الرابع من الميثاق الجماعي ‪ 70.88‬المواد (‪ 35‬إلى ‪.)56‬‬

‫‪P 205‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بخصوص االختصاصات التي ستنقل من الدولة إلى الجماعات‪ ،‬فان األمر‬

‫يتعلق بصالحيات لها طابع محلي من شأن تحويلها إلى املجالس الجماعية ترسيخ‬

‫النظام الالمركزي ببالدنا‪.‬‬

‫املدارس ومؤسسات التعليم األساس ي‬ ‫لقد تم إدراج إحداث وصيانة‬

‫واملستوصفات واملراكز الصحية ضمن االختصاصات املمكن نقلها للتحسيس‬

‫بأهمية إسنادها للهيئات املنتخبة وذلك حين توفرها على الوسائل الالزمة للنهوض‬

‫بها تطبيقا للمبدأ الذي أقرته املادة ‪ 41‬من امليثاق الجماعي والقاض ي بان أي نقل‬

‫لالختصاص يجب أن يواكبه نقل موازي للموارد التي كانت مرصودة لها بميزانية‬

‫الدولة‪.‬‬

‫* االختصاصات االستشارية‪:‬‬

‫وهذه االختصاصات أصبحت أكثر وضوحا ودقة مما يتيح للجماعات بإبداء‬

‫رأيها في األعمال الواجب القيام بها إلنعاش التنمية االقتصادية واالجتماعية‬

‫والثقافية للجماعة‪.‬‬

‫‪ .4‬تعزيز آليات التعاون والشراكة‪:‬‬

‫عمل امليثاق الجماعي وباقي أشخاص القانون العام‪ ،‬ووعيا من املشرع بأهمية‬

‫االنفتاح على القطاع الخاص خول املشرع للجماعات الترابية الحق في إبرام عقود‬

‫مع الشركات الخاصة لتدوير بعض مرافقها في عدة مجاالت ( النقل‪ ،‬التطهير‪ ،‬توزيع‬

‫‪P 206‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املاء والكهرباء‪ )..‬وذلك بالطريقة التي تراها مناسبة (الوكالة املستقلة‪ ،‬الوكالة‬
‫االمتياز)‪420.‬‬ ‫املباشرة ‪ ،‬التدبير املفوض‪،‬‬

‫ثانيا‪ :‬املخطط الجماعي ومتطلبات الحكامة الترابية‪.‬‬

‫إذا كان التخطيط االستراتيجي واملنهج التشاركي أهم ركائز الحكامة الترابية فان‬

‫إقرار القانون ‪ 39.12‬املخطط الجماعي يستجيب لهذه املتطلبات‪ ،‬فما هو اإلطار‬

‫التشريعي للمخطط الجماعي؟ وما هي مبادئه؟‬

‫اإلطار التشريعي للمخطط الجماعي‪:‬‬

‫إذا كانت املادة ‪ 11‬من ظهير ‪ 3296‬نصت ألول مرة على صالحية املجلس‬

‫الجماعي في وضع مخطط للتنمية االقتصادية حسب توجيهات املخطط الوطني‪ ،‬وهو‬

‫ما كرسته أحكام املادة ‪ 16‬من امليثاق الجماعي ‪ 92.11‬فان املادة ‪ 16‬من قانون‬

‫‪ 39.12‬قضت بما يلي‪ :‬يدرس املجلس الجماعي ويصوت على مشروع مخطط للتنمية‪،‬‬

‫يعده رئيس املجلس الجماعي‪.‬‬

‫يحدد املخطط الجماعي األعمال التنموية املقرر انجازها ملدة ‪ 6‬سنوات في أفق‬

‫تنمية مستدامة وفق منهج تشاركي‪ ،‬يأخذ بعين االعتبار على الخصوص مقاربة النوع‪.‬‬

‫ويمكن تحبين املخطط ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ‪ ،‬ويعمل‬

‫به إلى غاية السنة األولى من االنتداب املوالي التي يتم خاللها إعداد املخطط الجماعي‬

‫للتنمية املتعلق باملدة االنتدابية املوالية الجديدة‪.‬‬

‫‪ 420‬الباب السابع من الميثاق الجماعي ‪ 70.88‬المواد (‪ 70‬إلى ‪.)03‬‬

‫‪P 207‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مبادئ املخطط الجماعي ‪:‬‬

‫يعتبر املخطط الجماعي للتنمية من املفاهيم الجديدة التي جاء بها امليثاق‬

‫الجماعي الجديد لسنة‪ ،8112‬ولذلك فان إعداد املخطط الجماعي للتنمية يجب ان‬

‫يراعي دمج عدد من املبادئ نصت عليها املادة ‪ 16‬من امليثاق الجماعي‪:‬‬

‫* التخطيط الجماعي ‪:‬‬

‫عرف املخطط الجماعي بأنه مقاربة تشاركيه تسعى إلى دفع الفاعلين املحليين‬

‫إلى تحديد أهدافهم التنموية التي يتطلب تنفيذها تعبئة املوارد املحلية أوال ثم موارد‬

‫الشركاء ثانيا‪ ،‬ويعتبر التخطيط الجماعي استراتيجيا الن األهداف املسطرة نابعة من‬

‫القرار السياس ي املحلي؛ الذي يتخذ خيارات ذات طبيعة هيكلية ترهن مستقبل‬

‫الجماعة وتحدد السبل والوسائل الواجب إتباعها لتحقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫ويوصف املخطط أيضا بأنه تشاركي ألنه يشرك كافة الفعاليات السياسية‬

‫والفاعلين االجتماعيين واالقتصاديين والنسيج الجمعوي والهياكل‬ ‫املحلية‬

‫التقليدية‪...‬‬

‫* التنمية املستدامة‪:‬‬

‫ترتكز التنمية املستدامة التي يسعى املخطط إلى تحقيقها على إدماج ثالثة‬

‫مرتكزات‪:‬‬

‫‪ -‬مرتكز اقتصادي يرمي إلى تحقيق أهداف النماء والفعالية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪P 200‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬مرتكز اجتماعي يستهدف تلبية الحاجيات اإلنسانية واالستجابة ألهداف‬

‫اإلنصاف والتماسك االجتماعي بما في ذلك قضايا الولوج إلى الخدمات واملرافق‬

‫األساسية‪...‬‬

‫‪ -‬مرتكز بيئي يرمي إلى الحفاظ على البيئة واملوارد الطبيعية وتحسينها‬

‫واستثمارها على املدى الطويل‪.‬‬

‫* املقاربة التشاركية‪:‬‬

‫يشترط في إعداد املخطط الجماعي للتنمية إن تشارك في إعداده الساكنة‬

‫واملنظمات املساهمة في تشخيص الجماعة بتقديم املعلومات ورأيها حول ما يجب‬

‫أن يكون عليه مستقبل الجماعة وعلى إعطاء أهمية كبيرة لتمثيلية الساكنة ذات‬

‫األوضاع الهشة (النساء واألطفال واملعاقين والشباب)‪.‬‬

‫* مقاربة النوع االجتماعي‪:‬‬

‫إن إدماج مقاربة النوع االجتماعي في إعداد املخطط الجماعي للتنمية يسمح‬

‫بإدماج انشغاالت وتجارب النساء والرجال والفتيات والفتيان في بلورة وانجاز وتتبع‬

‫وتقييم املخطط الجماعي‪ ،‬حتى يستفيد منها الجميع‪ ،‬وتمكينهم من الولوج بالتساوي‬

‫إلى الخدمات واملرافق العمومية‪ ،‬والتحليل املعتمد على النوع االجتماعي يأخذ بعين‬

‫االعتبار دائما حاجيات ومساهمات الجنسين في إعداد مشاريع وبرامج التنمية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحكامة الترابية في ضوء امليثاق ‪ 92.11‬املنظم العماالت‬

‫واألقاليم‪.‬‬

‫‪P 201‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مر التنظيم اإلقليمي من عدة محطات أساسية‪ ،‬إذ يعود أول نص قانوني‬

‫منظم العماالت واألقاليم إلى ‪ 38‬شتنبر ‪ 3261‬وهو القانون الذي عمر طويال‪ ،‬رغم ما‬

‫افرزه من سلبيات لم تساير تطور املغرب‪ .‬ولتجاوز هذا الجمود ومواكبة اإلصالحات‬

‫التي طالت باقي الجماعات الترابية‪ ،‬وحتى ال تبقى العماالت واألقاليم مؤسسات‬

‫متجاوزة تقع على هامش التحوالت العميقة التي عرفها املغرب‪ ،‬بادر املشرع إلى‬
‫‪421‬‬ ‫إصدار القانون ‪92.11‬املنظم العماالت واألقاليم بتاريخ ‪ 1‬أكتوبر ‪.8118‬‬

‫جاء القانون ‪ 92.11‬املؤطر العماالت واألقاليم بمستجدات مهمة تساهم في‬

‫خدمة الحكامة الترابية ويرمي إلى تأهيل وضع الجماعة الوسيطة‪ ،‬بإدخال تغييرات‪،‬‬

‫عميقة همت تحسين نظام املنتخب وعقلنة تسيير املجلس وتوسيع اختصاصات‬

‫مجالس العماالت واألقاليم التخفيف من نظام الوصاية‪ ،‬وكذا دعم آليات التعاون‬
‫والشراكة‪422.‬‬

‫‪ .3‬تحسين وضعية املنتخب اإلقليمي‪:‬‬

‫تعد إدارة الشأن العام املحلي بواسطة مجالس منتخبة انطالقا من أهمية‬

‫العنصر البشري أساسا لتجسيد الحكامة الترابية‪ ،‬ملا تنطوي عليه من بعد من‬

‫مضمون ديمقراطي من جهة‪ ،‬والسمو بالعمل الجماعي إلى درجة الفعالية واملر دودية‬

‫وجودة الخدمات من جهة ثانية‪ ،‬لذلك فان املشرع ومن خالل القانون ‪ 92.11‬ادخل‬

‫‪ 421‬احمد حضراني‪ ،‬محاضرات في اإلدارة المحلية‪ ،‬مطبعة سجل ماسة‪ ،‬مكناس ‪.2811‬‬
‫‪ 422‬كريم الحرش مغرب الحكامة والتطورات‪ ،‬المقاربات والرهانات‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الرباط ‪.2811‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مجموعة من اإلصالحات تروم تعزيز صالحية املنتخبين وتوضيح واجباتها وحقوقها‬


‫واألقاليم‪423.‬‬ ‫حرصا على تطوير شروط تدبير شؤون العمالة‬

‫‪ .8‬توسيع مجاالت االختصاصات‪:‬‬

‫مما ال شك فيه إن تنظيم العماالت واألقاليم احد العوامل األساسية‬

‫لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‪،‬وفي خضم التحوالت العميقة التي يعرفها‬

‫تدبير الشأن املحلي وإلرساء سياسة جديدة للتدبير‪ ،‬تم إعطاء اختصاصات مهمة‬

‫ومفصلة ملجالس العماالت واألقاليم‪.‬‬

‫فمن خالل املادة ‪ 16‬من القانون املنظم العماالت واألقاليم‪ ،‬فان املجلس‬

‫يتكلف بالشؤون االقتصادية أو االجتماعية واألعمال املتعلقة بالبث في إحداث‬

‫مقاوالت وشركات االقتصاد املختلط‪ ،‬وكل األعمال التي تتعلق بإنعاش التشغيل‪،‬‬

‫فهنا نالحظ تشابه‬

‫قريب بين هده االختصاصات واختصاصات املجالس الجهوية‪ ،‬فهذا يفسر‬

‫إرادة الدولة في جعل توافقات حول الرؤى في التدبير املحلي ال يكون هناك تنازع في‬

‫التدبير‪ ،‬مما يؤدي إلى فشل الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫إلى جانب مجلس العمالة أو اإلقليم يلعب العامل أو الوالي دورا محوريا في‬

‫التدبير املحلي سواء على املستوى االقتصادي و االجتماعي‪ ،‬حيث تقوم بإبرام‬

‫صفقات األشغال أو التوريدات أو الخدمات ويتخذ التدابير املتعلقة بتدبير امللك‬

‫‪ 423‬الباب الثالث من قانون ‪ 71.88‬المتعلق بتنظيم العماالت واالقالبم المواد (‪ 17‬إلى ‪.)34‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العمومي للعمالة أو اإلقليم‪ ،‬باإلضافة إبرام اتفاقيات التعاون والشراكة والتوأمة‬

‫حيث أصبح التعاقد من أهم لبنات الحكامة الترابية‪ ،‬والجديد الذي جاء به قانون‬

‫تنظيم العماالت واألقاليم‪ ،‬وهي إلزامية اطالع رئيس مجلس العمالة أو اإلقليم من‬

‫قبل الوالي أو العامل على تنفيذ مقررات املجلس وذلك بطريقة منتظمة وهذا يوحي‬

‫بوجود حكامة إدارية تعطي لرئيس مجلس العمالة أو اإلقليم مراقبة قرارات‬

‫وتوصيات الوالي أو العامل‪.‬‬

‫‪ .1‬التخفيف من الوصاية‪.‬‬

‫في إطار حكامة تدبير الشأن املحلي على مستوى العماالت واألقاليم عمل‬

‫القانون ‪ 92.11‬على تخفيف الوصاية وحصر مجاالت تطبيقها وتعزيز الرقابة‬

‫القضائية ودور املجالس الجهوية للحسابات من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬حصر املواد املوجبة للرقابة القبلية في االختصاصات املالية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬العمل على حصر اجل املصادقة‪ ،‬وتفويض حق املصادقة للوالة والعمال‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز الرقابة على إعمال مجالس العماالت واألقاليم وذلك عن‬

‫طريق املجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن للمجلس اإلقليمي الطعن في قرارات سلطة الوصاية‪ ،‬عبر اللجوء‬

‫للقضاء اإلداري‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الحكامة الترابية في بعدها الجهوي‪:‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تتضح العالقة التالزمية بين الجهوية والحكامة الترابية ‪ ،‬عند إدراك أن أي‬

‫سياسة جهوية ال يمكن إن تحقق أهدافها إال من خالل النهوض باملجال الترابي‪ ،‬عبر‬

‫اعتماد اآلليات التدبيرية الحديثة وعلى رأسها حكامة التراب‪.‬‬

‫عرف املغرب تطورا تدريجيا على مستوى تدبير الشأن املحلي الجهوي‪،‬‬

‫فالتعديل الدستوري ‪ 2‬أكتوبر ‪ 3228‬ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات الترابية‪،‬‬

‫إال إن املراجعة الدستورية في ‪ 31‬شتنبر ‪ 3226‬أدخلت املغرب تجربة دستورية ذات‬

‫أبعاد خاصة على مستوى اإلدارة املحلية من خالل إدماج الجهة في الحياة السياسية‬

‫عبر تمثيلها في مجلس املستشارين(أوال)‪.‬‬

‫لم يكن وضع اإلطار الدستوري للجهة كافيا بل شكل خطوة أساسية في بلورتها‬

‫واستكمالها من خالل صدور القانون التنظيمي ‪ 49.26‬املؤرخ بتاريخ ‪ 8‬ابريل ‪،3229‬‬

‫الذي رسم معالم ومجاالت تدخل مؤسسة الجهة (ثانيا)‪.‬‬

‫اوال ‪:‬االطار الدستوري للجهة ‪:‬‬

‫التكريس الدستوري للجهة يعني أن هذه األخيرة مثل باقي الجماعات الترابية‬

‫تتمتع بثالث ضمانات‪:‬‬

‫‪ -‬ضمانة الوجود الدستوري شانها في ذلك شأن باقي املؤسسات الدستورية‪.‬‬

‫‪ -‬ضمانة االستقالل املحلي كنتيجة منطقية لالعتراف بالشخصية املعنوية‪.‬‬

‫‪ -‬ضمانة التمثيلية السياسية في الغرفة الثانية‪.‬‬

‫ثاني ــا‪ :‬مجاالت تدخل الجهة في ضوء قانون ‪ 49.26‬الصادر بتاريخ ‪ 8‬ابريل ‪:3229‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إذا كانت فكرة خلق جهات اقتصادية التي جاءت مع ظهير ‪ 36‬يوليو ‪3293‬‬

‫شكلت النواة األولى للجهة في بداية املغرب املستقل‪ ،‬فان األمور تغيرت مع قانون‬

‫‪ 49.26‬الن الجهة أصبحت فضاء ال يقتصر على أكل ما هو اقتصادي محض بل‬

‫تتعداه إلى ما هو سياس ي أو إداري باإلضافة إلى جوانب اجتماعية وثقافية‪ ،‬تنبئ بان‬

‫الجهة بالفعل تلعب دورا كبيرا في تعزيز الالتركيز اإلداري واالقتصادي‪ ،‬وهذا لدليل‬

‫على االتجاه نحو الحكامة الترابية التي تالمسها عبر عدة مجاالت‪.‬‬

‫ففي املجال السياس ي‪ ،‬تعتبر ذلك الفضاء الذي يتيح للساكنة املحلية املشاركة‬

‫في اتخاذ القرارات التي تهم شانهم وذلك عبر منتخبيهم الجهويين‪ ،‬إضافة إن املجالس‬

‫الجهوية تمد مجلس املستشارين بالطرق الالزمة وجعله أداة إلنعاش املمارسة‬

‫التشريعية‪.‬‬

‫أما في املجالين االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬فقد اسند املشرع اختصاصات مهمة‬

‫وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية للمجالس الجهوية‪ ،‬فمن خالل املادة ‪6‬‬

‫من القانون املذكور التي تقر بان املجلس الجهوي‪ ،‬يبث بمداوالته في قضايا الجهة‬

‫‪ ،‬ويتخذ لهذه الغاية تدابير لضمان التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬

‫الكاملة مع مراعاة االختصاصات املسندة إلى الجماعات الترابية األخرى‪ ،‬فاملالحظ‬

‫كذلك إن االختصاصات سواء الخاصة أو املنقولة واالستشارية يتقاسمها عدة‬

‫جوانب تنم عن الرقي بالجهة كفاعل في الحكامة املحلية‪ ،‬ومن أمثلة ذلك صالحياتها‬

‫في خلق األنشطة االقتصادية ومقاوالت االقتصاد املختلط‪ ،‬وإقامة املستشفيات‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملؤسسات الجماعية‪ ،‬أو لتقديم االقتراحات في ميادين تتعلق بالتنمية الجهوية‬

‫وخاصة الجانب املتعلق بتدبير االستثمار‪ ،‬حيث ثم خلق املراكز الجهوية لالستثمار‬

‫ملهمتين‪ ،‬األولى تتعلق بإحداث شباك لتقديم املساعدة على إنشاء املقاوالت والثانية‬

‫تتعلق بشباك خاص ملساعدة املستثمرين‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬معيقات تطبيق الحكامة الترابية في املغرب‪.‬‬

‫تشتكي املمارسة املحلية باملغرب‪ ،‬من العديد من الصعوبات واإلشكاالت‬

‫العملية التي مازالت عائقا أمام تكريس املبادئ العامة للحكامة الترابية‪ ،‬وذلك رغم‬

‫وجود مجموعة من النصوص الدستورية والقانونية التي تقعد وتؤطر الحياة‬

‫املحلية‪.‬‬

‫إن نجاح الحكامة الترابية ال يتوقف فقط على حجم املهام املمنوحة‬

‫للمجالس واملسؤولية املنوطة بها‪ ،‬بل إن هذا النجاح يتوقف باألساس على نطاق‬

‫الوسائل املادية والبشرية املرصودة للجماعات الترابية‪.‬‬

‫فاالستقالل املالي املعلن عنه من قبل املشرع واقع الجماعات الترابية‪ ،‬فمن‬

‫جهة موارد الجماعات ترتبط بالدولة في جزء كبير منها‪ ،‬ومن جهة ثانية فان املوارد‬

‫الخاصة بتأطير الجماعات الترابية تظل دون املستوى املطلوب‪.‬إضافة إلى أن‬

‫املستوى الثقافي للمنتخب وضعف تكوينه قد ينعكس سلبا على مصير الالمركزية‬

‫والديمقراطية املحلية نفسها‪.‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫باإلضافة إلى أن سياسة التقسيم املعمول بها منذ االستقالل‪ ،‬لم تعمل في‬

‫حقيقة األمر إال على تكريس التبعية‪ ،‬وذلك من خالل خلق وحدات محلية ضعيفة‬

‫اإلمكانيات تعتمد بشكل واسع على مساعدات وإعانات الدولة للقيام بمهامها‪ ،‬زيادة‬

‫على تدخل السلطة املركزية والتوسع في رقابتها‪ ،‬والتي تتداخل اختصاصاتها وتتنازع‬

‫مع مهام الجماعات الترابية‪ .‬وهنا تطرح مسألة اتخاذ القرارات التي تصاغ دائما‬

‫بطريقة فوقية‪ ،‬أي من األعلى إلى األسفل‪.424‬‬

‫وعلى العموم يمكن تقسيم معيقات تطبيق الحكامة الترابية في املغرب‬

‫حسب طبيعتها الى سياسية وقانونية من جهة أولى (املطلب األول) وإدارية ومالية من‬

‫جهة ثانية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب االول‪ :‬املعيقات السياسية والقانونية‪:‬‬

‫يكشف واقع الالمركزية ببالدنا أن البعد السياس ي ال زال حاضرا في تدبير‬

‫الشأن املحلي‪ ،‬الش يء الذي يعيق تطوير منظومة الحكامة الترابية (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫وهو ما تعكسه الترسانة القانونية املنظمة لإلدارة املحلية باملغرب(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املعيقات السياسية‪:‬‬

‫املالحظ آن الوعي كآلية لتدبير وإعداد التراب ومحاربة الفوارق املجالية ظل‬

‫خاضعا ملنطق تقنوقراطي مركزي‪ ،‬راهن على تحقيق تنمية قطاعية مجالية بوثيرة‬

‫مرتفعة‪ ،‬معتبرا املجتمع بامليدان الذي تطبق فيه القرارات الفوقية ‪ ،‬كل هذا حال‬

‫السعيدي مزروع فاطمة‪ ،‬اإلدارة المحلية الالمركزية بالمغرب‪،‬ط األولى ‪ ،‬مطبعة النجاح‪،‬الدار البيضاء‪2883‬‬ ‫‪424‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫دون تحقيق سياسة تصحح الفوارق املجالية ‪ ،‬كان نتيجتها بروز تفاوتات كبيرة بين‬

‫مكونات املجال املغربي‪.‬‬

‫فالالمركزية في املغرب اندرجت ضمن دينامية السلطة ونموها‪ ،‬فهي تسمح‬

‫لألعيان للقيام بدور الوساطة‪ ،‬وبذلك نجد المركزية السلطة قوامها "إعادة املركزة"‬

‫لصالح ممثلي األمة‪ ،‬كذلك مستوى كفاءة املنتخب في ممارسة مهامه ال تمكنه من‬

‫مواجهة األشكال األخرى لتعبيرات املركزية إذ أن الطاقة التسييرية تبين أن هؤالء‬

‫يرتضون تدخل اكبر ألعوان الدولة‪ ،‬ويصعب عليهم االنتقال من وضعية امللتمس‬

‫لدى اإلدارة إلى وضعية املسير املسؤول‪.‬‬

‫وقد ارتأينا أن نحصر املعيقات السياسية للحكامة الترابية فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬حضور الهاجس األمني في التسيير املحلي‪.‬‬

‫‪ -‬اعادة إشكالية النخب السياسية‪.‬‬

‫حضور الهاجس األمني في التسيير املحلي‪.‬‬

‫يحمل الحديث عن املعيقات السياسية للحكامة الترابية بين ثناياه الرغبة‬

‫في استحضار الهاجس األمني في التسيير املحلي‪ ،‬حيث أن القراءة املتأنية للمقتضيات‬

‫القانونية املنظمة لإلدارة املحلية باملغرب (قانون ‪ 49.26‬املنظم للجهات‪،‬القانون‬

‫‪ 92.11‬املنظم العماالت واألقاليم‪ ،‬امليثاق الجماعي ‪ )92.11‬تكشف عن كون رجال‬

‫السلطة اللبنة األساسية لهذا النظام املركزي‪ ،‬مراعيا كون الالمركزية املراقبة‬

‫واملحدودة هي التي يجب أن تطبق تماشيا مع األوضاع السياسية للشعب املغربي‪،‬‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فبعدما قرر املشرع في وقت سابق العمل باإلدارة املركزية بغية إشراك ممثلي السلطة‬

‫من الناحية القانونية والعملية في تدبير شؤون الجماعات املحلية‪ ،‬فان تدهور‬

‫األوضاع ستدعوه إلى تبني نظام الالمركزية و ليصبح رجال السلطة تبعا لذلك‬

‫يشرفون إضافة إلى مهمة املحافظة على النظام العام واألمن‪ ،‬على تسيير وتنشيط‬

‫مختلف املصالح العمومية وتمثيل الدولة واملشروعية ومساعدة الجماعات‬

‫الالمركزية والتنسيق بين مختلف املصالح العمومية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫إشكالية النخ ــب السياسيـ ــة‪.‬‬

‫تعتبر مسألة تأهيل النخب املحلية وعالقتها بالحكامة الترابية مسألة‬

‫محورية على اعتبار أنها تمثل إرهاصا من اإلرهاصات الكبرى نحو تطوير مجتمع ما‪،‬‬

‫وتكتس ي دراسة النخبة املحلية أهمية بالغة العتبارات عدة نذكر منها على سبيل‬

‫املثال ال الحصر‪ ،‬أن النخبة تعد صلة وصل رئيسية بين املجتمعات املحلية واملجتمع‬

‫الشامل‪ .‬ذلك أن النخبة املحلية تشكل إحدى الوسائط الرئيسية التي تلجأ إليها‬

‫السلطات املحلية واملركزية والنخبة املحلية للتأثير على املجتمعات املحلية كما أن‬

‫العكس قد يحصل عندما تلجأ املجتمعات املحلية إلى وساطة النخبة املحلية للتأثير‬

‫على بعض أفعال النخبة الوطنية وعلى بعض قرارات السلطتين‪ ،‬املحلية واملركزية‪،‬‬

‫بل وأحيانا ملواجهة هاتين األخيرتين‪ ،‬هذا باإلضافة إلى احتاللها مكانة إستراتيجية‬

‫داخل مختلف املؤسسات اإلدارية والتنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية‬

‫املحلية‪ .‬فهي بذلك تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الحياة السياسية في البالد‬

‫‪P 210‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من خالل التأثير على املواطنين‪ ،‬الش يء الذي ينعكس باإليجاب أو بالسلب على درجة‬

‫فعالية الحكامة الترابية‪.‬‬

‫إن هذه العالقة الجدلية‪ ،‬تفرض من قبل ذلك تناول أهم مفاهيم هذا املوضوع‬

‫بالتحليل‪ ،‬بدءا بالنخبة املحلية‪.‬‬

‫مفهوم النخبة املحلية‪:‬‬

‫تشير اغلب الدراسات إلى أن النخبة مجموعة من األفراد الذين يشغلون‬

‫مراكز متميزة داخل مجتمع ما‪ ،‬وتتميز بمجموعة من الخصائص االجتماعية‬

‫والسياسية وحتى الدينية الش يء الذي يجعلها شريحة محظوظة ومقبولة‪ ،‬بل يمكنها‬

‫من شغل مراكز النفوذ والسيطرة في مجتمع معين‪ .3‬فالنخبة املحلية تظل أقلية‬

‫إستراتيجية تملك السلطة وتتوفر على إمكانيات الفعل والقدرة على التأثير والحكم‪.‬‬

‫فإلى أي حد يصدق هذا التصور على واقع النخب السياسية باملغرب؟‬

‫تشكل النخب السياسية املغربية نوعا من األقليات اإلستراتيجية التي تستطيع‬

‫ألسباب مختلفة‪ ،‬أن تؤثر في سلطة القرار على املستوى الوطني أو املحلي كما في‬

‫مقدورها التدخل في عملية توزيع منافع الدولة‪ ،‬وقد يرتبط نفوذها بشبكات اإلتباع‬

‫واألصدقاء ذوي النفوذ السياس ي‪ ،‬وتضم هذه الشبكات كال من األحزاب السياسية‬

‫والنقابات والجمعيات املهنية واملصالح الخاصة إلى جانب األسر الكبرى والقبائل‬

‫والضباط والعلماء والشرفاء‪ ،‬وقد تتجاوز النخبة السياسية السلطة الحكومية‬

‫لتشمل املعارضة املؤسساتية نظرا الحتوائها اليوم على شبكة قوية من األعيان دون‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن ننس ى املثقفين أو األثرياء أو هما معا‪ .‬فيبقى التساؤل مشروعا حول مدى النضج‬

‫السياس ي والحزبي لهذه النخب حتى تكون قادرة على تدبير امثل للمجال في ظل مغرب‬

‫يتطلع لتطوير أنماط الحكامة الترابية؟ كما أن دور النخب املحلية واملسؤوليات التي‬

‫يتعين عليها تحملها يستوجب عليها التمتع بمستوى معرفي يمكنها من ممارسة مهامها‬

‫االنتدابية ‪ ،‬فهنا كذلك يمكن التساؤل حول توفر هذه النخب على املستوى املعرفي‬

‫املذكور؟‬

‫ضعف التأطير السياس ي والحزبي‪:‬‬

‫تعاني النخب السياسية املغربية في غالب األحيان من ضعف في التاطير‬

‫السياس ي‪ ،‬هذا األخير الذي من املفترض أن تلعبه األحزاب السياسية‪ ،‬إال أن محاولتها‬

‫ظلت محدودة في هذا اإلطار‬

‫واقتصرت على بعض الندوات لبعض األحزاب‪ ،3‬ما يجعل االنتماء السياس ي‬

‫للنخب متقلب وضبابي ‪ ،‬ويفسر عجزا للتنظيمات السياسية والحزبية بشكل خاص‬

‫عن القيام بالتزاماتها الدستورية املتمثلة في التنظيم والتمثيل الشعبي‪ ،‬هذا العجز‬

‫الذي يعود إلى مجموعة من االكراهات السوسيولوجية والتاريخية‪.‬‬

‫نظرا لكون التدبير الترابي في املغرب تاريخيا‪ ،‬ارتبط بمنظومة من األعراف‬

‫والتقاليد‪ ،‬وانساق رمزية في املجتمع املغربي‪ ،‬لذلك نجد أن الهياكل التنظيمية‬

‫املؤطرة للمحيط السوسيوثقافي‪،‬قد تشكلت من مفاهيم القبيلة والجماعة والزاوية‪.‬‬

‫‪P 388‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وعموما فان الوعي السياس ي للنخب‪ ،‬يتحدد من خالل تنشئتها االجتماعية‪،‬‬

‫فالنخب القوية املؤهلة ذات الوعي السياس ي تولد لنا أحزاب قوية ومؤطرة ‪ ،‬ويجعلنا‬

‫نتجاوز شكلية هذه املجالس املحلية املنتخبة‪ ،‬إلى مجالس فعالة‪ ،‬إن املجالس‬

‫التداولية الحالية مضطربة من الناحية السياسية‪ ،‬وغير منسجمة من الناحية‬

‫الوظيفية‪ ،‬األمر الذي يشجع املركز على فرض وصايته‪ ، 8‬هذه األخيرة التي تعتبر‬

‫معطى يضعف مسار املغرب في تطوير أنماط الحكامة الترابية‪.‬‬

‫محدودية التكوين املعرفي‪:‬‬

‫بفعل واقع الالمركزية الذي عايشه املغرب‪ ،‬والذي تميز بمحدودية‬

‫املستوى التكويني واملعرفي للمنتخبين‪ ،‬دخل املغرب في ما سمي بتجربة املناظرات‬

‫الوطنية للجماعات الترابية منذ السبعينات تقريبا‪ ،‬هذه املناظرات التي كانت عبارة‬

‫عن حلقات دراسية يتوقف من خاللها املنتخبون على ثغرات الالمركزية ومستلزمات‬

‫النهوض بها‪ ،‬ما يتيح أمامهم فرصة للتكوين الضروري ملمارسة مهامهم االنتدابية‪.‬‬

‫ويعتبر ضعف املستوى املعرفي لدى النخب من صعوبات العمل السياس ي‬

‫املحلي‪ ،‬ذلك إن املشرع لم يشترط الكفاءة التعليمية في املرشحين للمجالس‬

‫التداولية مما يشكل عقبة أمام تسيير هذه املجالس‪ ،‬فكيف للمنتخبين ذوي املستوى‬

‫التعليمي املتواضع أو املنعدم أحيانا‪ ،‬أن يحللوا الوثائق ذات الطبيعة التقنية‪ ،‬ومما‬

‫ال شك فيه أن عدم اشتراط املشرع ملستوى تعليمي ومؤهالت علمية في املنتخبين‬

‫يسقط املجالس التداولية في أيدي الهواة بدل املختصين أو املؤهلين لذلك‪.‬‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فاملشرع حين يسند للمجالس املحلية مهام واختصاصات‪ ،‬كبيرو وخطيرة‬

‫كإعداد مخططات التنمية وتصاميم تهيئة التراب وغيرها من االختصاصات التي‬

‫يغلب عليها الطابع التقني الدقيق‪ ،‬ال يمكن لذوي القدرات املعرفية املتواضعة‬

‫القيام بها خاصة في ظل الحديث عن اإلدارة االلكترونية‪.‬‬

‫وعلى العموم فان محدودية التكوين املعرفي يسقط املجالس أمام صورتين‪،‬‬

‫إما مجالس تعيش خلال في تدبير الشأن املحلي‪ ،‬وإما تدخل سلطات الوصاية للقيام‬

‫باختصاصات هذه املجالس‪ ،‬وفي كال الصورتين مساس بالديمقراطية املحلية‬

‫وتطاول على مبادئ الحكامة الترابية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬املعيقات القانونية‪:‬‬

‫ال يشكك احد في كون الترسانة القانونية املنظمة لإلدارة املحلية باملغرب‬

‫تعد مكسبا هاما في تقوية وتعزيز الصرح الديمقراطي املحلي‪ ،‬من خالل إقرار‬

‫مجموعة من املبادئ والقواعد التي تؤسس للحكامة الترابية وتضبط سير املؤسسات‬

‫املحلية من قبيل تنظيم الهيئات التداولية‪ ،‬هيكلة االختصاصات‪ ،‬مجاالت التعاون‬

‫والشراكة‪...‬‬

‫إال أن وجود إطار قانوني ال ينفي أن الواقع العملي ال زال يؤشر عن كون‬

‫الجماعات الترابية لم تستطع حتى اآلن تذويب االختالالت املجالية ومعالجة‬

‫اإلشكاالت التنموية‪.‬‬

‫‪P 382‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن االنتظارية والعجز اللذين يتسم بهما تدبير الشأن املحلي ببالدنا‪ ،‬تعود في‬

‫جانب كبير إلى وجود العديد من الحدود واملعيقات القانونية في مقدمتها‪:‬‬

‫‪ -‬محدودية التشريع البرملاني في مجال الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ -‬تداخل االختصاص بين الدولة والجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ -‬الوصاية كآلية للتحكم في حركية املمارسة املحلية‪.‬‬

‫محدودية التشريع البرملاني في مجال الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تتقدم محدودية التشريع البرملاني في مجال الجماعات الترابية املعيقات‬

‫القانونية للحكامة الترابية‪ ،‬حيث أن غياب العقلنة البرملانية في ميدان الجماعات‬

‫الترابية وخاصة فيما يتعلق بتحديد وتوزيع اختصاصات هذه األخيرة اتجاه الدولة‬

‫ومؤسساتها وهيأتها املختلفة‪ ،‬يعتبر سببا رئيسيا إلشكالية تداخل االختصاص بين‬

‫الدولة والجماعات الترابية وهو ما من شأنه أن يضرب في عمق مبادئ الحكامة‬

‫الترابية التي تقوم على التوزيع الدقيق للمسؤوليات‪.‬‬

‫وبتقييم حصيلة التشريع البرملاني في مجال الجماعات الترابية‪ ،‬نالحظ أن تدخل‬

‫البرملان في الواليات التشريعية السابقة تبقى زهيدة للغاية‪ ،‬فباستثناء النصوص‬

‫املتعلقة باالنتخابات الجماعية والرسوم املحلية وبعض النصوص التي همت الحالة‬

‫املدنية والتعمير لم يتدخل مجلس النواب للتوضيح الكثير من القضايا واألمور‬

‫املحلية‪.3‬‬

‫‪P 383‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫هذا التقاعس والقصور الواضحين للمشرع‪ ،‬يعني من جهة غياب رؤية واضحة‬

‫لدى ممثلي األمة الدوار كل من الدولة والجماعات الترابية‪ ،‬ومن جهة ثانية فتح الباب‬

‫في وجه السلطة التنفيذية للتدخل بشكل واسع ومثير من خالل املناشير والدوريات‬

‫لتحديد اختصاصات الجماعات الترابية‪ ،‬خاصة في ظل قضاء لم تتوفر له شروط‬

‫الوعي بحجم مسؤولياته الدستورية في حماية الجماعات الترابية من كل تطاول على‬

‫اختصاصاتها أو تقزيم ألدوارها‪.‬‬

‫تداخل االختصاص بين الدولة والجماعات الترابية‪:‬‬

‫تكمن أسباب التداخل بصفة عامة في اعتماد الصيغ العامة في النصوص‬

‫التشريعية املنظمة للجماعات الترابية خصوصا فيما يتعلق بتحديد اختصاصاتها‪،‬‬

‫األمر الذي يجعل من الصعب وضع حد فاصل بين تدخالت ومسؤوليات الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬وتلك املوكولة للدولة ومؤسساتها وهيأتها وذلك في مختلف القطاعات‬

‫وامليادين‪.8‬‬

‫إن تداخل االختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية يرجع لعدة أسباب‬

‫يمكن تحديدها في النصوص التشريعية املنظمة للجماعات الترابية‪ ،‬خاصة تلك‬

‫املتعلقة بتحديد اختصاصاتها‪ ،‬األمر الذي يجعل من الصعب وضع حد فاصل بين‬

‫تدخالت الجماعات الترابية وتلك املوكولة للدولة ومؤسساتها وهيأتها بمختلف‬

‫القطاعات وامليادين‪.‬‬

‫‪P 384‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فعلى سبيل املثال القانون رقم ‪ 92.11‬في املادة ‪ 15‬منه نجد صياغة ‪" :‬يفصل‬

‫املجلس بمداوالته في قضايا الجماعة‪ ،‬ولهذه الغاية يتخذ التدابير الالزمة لضمان‬

‫تنميتها االقتصادية واالجتماعية والثقافية"‪ ،‬بينما في ‪ 92.11‬نجد املادة ‪ 15‬منه وردت‬

‫فيها عبارة ‪" :‬يفصل مجلس العمالة أو اإلقليم بمداوالته في قضايا العمالة أو اإلقليم‬

‫ولهذه الغاية يتخذ التدابير الالزمة لضمان تنميتها االقتصادية واالجتماعية‬

‫والثقافية مع مراعاة االختصاصات املسندة إلى الجماعات الترابية األخرى"‪.‬‬

‫بينما تنص املادة ‪ 6‬من القانون املنظم للجهة على ‪" :‬يبث املجلس الجهوي‬

‫بمداوالته في قضايا الجهة ولهذه الغاية يقرر التدابير الواجب اتخاذها لضمان‬

‫تنميتها االقتصادية واالجتماعية والثقافية الكاملة‪."...‬‬

‫يتضح من خالل هذه املواد الثالثة أنها جاءت بصيغ عامة تعوق تحديد‬

‫املقصود من عبارة تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وهو ما يتيح‬

‫لكل جماعة محلية أمكانية التدخل بال حدود في كل املجاالت والقطاعات ومن أكثر‬

‫من جهة‪.‬لكن على الرغم من هذه الصيغ التي تضمنتها النصوص التشريعية املنظمة‬

‫للجماعات الترابية‪ ،‬فان املشرع لم يقم بدوره في توضيح مضمون االختصاصات‬

‫وتبيان مجاالت تدخل كل من الدولة والجماعات الترابية خصوصا وان املمارسة‬

‫العملية تقتض ي ذلك‪.‬‬

‫في هذا اإلطار يمكن القول‪ ،‬أن املجال االجتماعي يعرف العديد من مظاهر‬

‫تداخل االختصاصات سواء تعلق األمر بمجال الصحة أو التعليم أو السكن‪ ،‬حيث‬

‫‪P 385‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن الدولة والجماعات الترابية تقوم بنفس املشاريع التنموية وتخطط لنفس‬

‫التجهيزات االجتماعية‪ ،‬مما يساعد على ازدواجية األعمال املنجزة والوقع السلبي‬

‫لهذه األعمال على الساكنة‪ ،‬وهو ما يستدعي أن ينبني توزيع االختصاصات ما بين‬

‫الدولة ومختلف الجماعات الترابية على مبدأ تنظيم التعاون والتعاضد بين الفاعلين‬

‫املحليين باعتباره أهم مبادئ الحكامة الترابية‪.‬‬

‫الوصاية كآلية للتحكم في حركية املمارسة املحلية‪:‬‬

‫يبدو انه رغم االيجابيات التي تضمنتها القوانين املنظمة للجماعات الترابية‪،‬‬

‫إال أنها تبقى غير كافية ‪ ،‬فالوصاية ال زالت مفروضة بقوة ‪ ،‬وخصوصا وصاية املالءمة‬

‫التي تمارس باملصادقة آو عدم املصادقة ويمكن القول بأنها فيتو دائم االحتمال‬

‫ملعارضة تنفيذ قرارات السلطات الالمركزية‪ ،3‬الحكامة الترابية تعني أن تتحمل‬

‫الجماعات الترابية مسؤوليتها الكاملة في تدبير شؤونها املحلية وال يتأتى ذلك إال‬

‫بتمتيعها باالستقاللية الكافية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املعيقات االدارية و املالية‪:‬‬

‫إن تعثر نظام الحكامة الترابية‪ ،‬ليس بالضرورة تعثرا طبيعيا أو من قبيل‬

‫الصدفة‪ ،‬بقدر ما هو نتيجة معيقات مرتبطة بالبناء اإلداري من جهة (الفقرة األولى)‬

‫وضعف االستقالل والتمويل املالي من جهة ثانية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪P 386‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املعيقات اإلدارية‪:‬‬

‫يشكل التقطيع الترابي احد الحدود اإلدارية التي تعرقل تطور الحكامة الترابية‬

‫باملغرب‪ ،‬ذلك أن املعايير التي اعتمدت في هذا التقسيم غلب عليها هاجس املراقبة‬

‫واألمن أكثر مما راعت تحقيق التوازن واالنسجام بين مختلف مكونات املجال املغربي‬

‫إضافة محدودية التاطير اإلداري للجماعات الترابية‪.‬‬

‫التقسيـ ــم التراب ــي‪:‬‬

‫يعتبر التقسيم الترابي ) ‪ (le découpage administratif territorial‬بمثابة‬

‫اإلطار الجغرافي الذي يحكم ويضبط حركية التنمية املحلية‪.‬‬

‫وترتبط عملية التقسيم الترابي املعمول بها من طرف السلطات العمومية‬

‫بدوافع عديدة تنطوي على مجموعة من األهداف‪ ،‬فهناك العامل اإلداري املتجسد‬

‫في رغبة الدولة في تقريب اإلدارة من املواطنين وتوسيع نطاق املشاركة في إدارة‬

‫الشؤون املحلية‪ ،‬وهناك العامل الديمغرافي املرتبط برغبة الدولة في تحقيق تناسب‬

‫ما بين اإلطار الجغرافي للوحدة املحلية واملعطيات الديمغرافية لهذه الوحدة‪ ،‬ثم‬

‫هناك العامل االقتصادي املتمثل في سعي الدولة إلى الرفع من املستوى املعيش ي‬

‫للسكان وتحقيق التوازن االقتصادي بين مختلف مناطق البالد‪.3‬‬

‫ومهما كان دور هذه العوامل في خلق الوحدات الترابية التي تسعى الدولة إلى‬

‫خلقها‪ ،‬غير إن الش يء املؤكد هو أن العامل السياس ي ببالدنا في العديد من األحيان‬

‫السبب الرئيس ي في تحديد الخريطة الترابية للبالد‪. 8‬‬

‫‪P 387‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫في نفس اإلطار ‪ ،‬تتمثل إستراتيجية الدولة من وراء التقسيم الترابي في إيجاد‬

‫تأطير سياس ي‪ -‬امني أكثر فعالية‪ ،‬فسياسة التقسيم شكلت بالنسبة للدولة وسيلة‬

‫فعالة للحفاظ على وحدثها الترابية وضمان سيطرة عامة على مجموع التراب‬

‫الوطني‪ ،‬عن طريق رجال السلطة الذين يوجدون على رأس كل التقسيمات اإلدارية‪،‬‬

‫والذين يلعبون دورا أساسيا بخصوص عملية ضبط األمن واملحافظة على النظام‪،‬‬

‫تم مراقبة السياسة الحكومية ومتابعة الالمركزية عن قرب‪.1‬‬

‫محدودية التأطير االداري‪:‬‬

‫تعد املوارد البشرية حجر الزاوية في الحكامة الترابية‪ ،‬فمهما توسعت‬

‫وتعددت مجاالت اختصاصات الجماعات الترابية‪ ،‬ومهما كانت سلطاتها وصالحياتها‬

‫التقريرية فان عدم توفرها على اطر إدارية ملمارسة هذه االختصاصات يفرغ الحكامة‬

‫الترابية من مضمونها‪.‬‬

‫تعاني املوارد البشرية للجماعات الترابية من محدودية التاطير اإلداري سواء‬

‫تعلق األمر باملنتخب املحلي أو املوظف الجماعي‪.‬‬

‫املوظف الجماعي‪:‬‬

‫إذا كانت إرادة املشرع من خالل إعالنه عن خلق وظيفة عمومية جماعية‬

‫تهدف إلى تعزيز املوارد البشرية للجماعات وعقلنه تسييرها‪ ،‬وذلك من خالل تكريس‬

‫السلطة التسلسلية لرئيس املجلس الجماعي‪ ،‬إضافة إلى تحديد الوضعية القانونية‬

‫‪P 380‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للموظف الجماعي‪ ،‬من خالل تشبيه وضعيته بوضعية موظفي الدولة رغبة منه في‬

‫منح نفس الضمانات والحقوق‪.‬‬

‫إال أن الوظيفة الجماعية كما تم تنظيمها بمقتض ى مرسوم ‪ 89‬شتنبر ‪3299‬‬

‫ورغم مرور حوالي أكثر من ربع قرن من التجربة‪ ،‬تبقى بعيدة عن االستجابة ملتطلبات‬

‫الالمركزية‪ ،‬خاصة أمام ضعف املوارد املالية للجماعات وقلة خبرة املنتخب الجماعي‬

‫في مجال التدبير‪ ،‬األمر الذي جعل الجماعات تكتفي فقط بتسيير شؤون موظفيها‬

‫دون التفكير في االنتقال من التسيير إلى التدبير الجيد للموارد البشرية‪.‬‬

‫إن السلطة التي أعطيت للجماعات خاصة في مجال توظيف املوارد البشرية‬

‫كان لها تأثيرات سلبية على اإلدارة الجماعية‪ ،‬حيث عرفت هذه األخيرة تضخما كبيرا‬

‫خاصة على مستوى الفئات الدنيا‪ ،‬باإلضافة إلى اختالالت على مستوى التوزيع‬

‫الجغرافي للموظفين‪...‬‬

‫إن مشاكل املوارد البشرية باإلدارة الجماعية ارتبطت بشكل أساس ي بغياب‬

‫تلك النظرة التدبيرية لدى املسؤولين بالجماعات‪ ،‬حيث غابت املخططات التي على‬

‫أساسها يتم تحديد االحتياجات من املوارد البشرية باإلضافة إلى غياب العناصر‬

‫األساسية للتوظيف كاالستقطاب واالختيار والتعيين‪ ،‬واعتماد تنظيم ال ينسجم مع‬

‫االختصاصات واملسؤوليات وال يساير تطور الجماعات‪ .‬وقد امتدت هذه االختالالت‬

‫إلى منظومة تقييم األداء‪ ،‬وذلك باقتصارها على تقييم أداء املوظفين من املستحقين‬

‫منهم للترقي ولم يمتد إلى تقييم كل برامج ومخططات الجماعات‪ ،‬مما أصبح يتسم‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫باملحدودية‪ ،‬نفس األمر بالنسبة ملنظومة التحفيز باإلدارة الجماعية حيث أنها لم‬

‫تساير التطورات االقتصادية واالجتماعية مما كان له تأثير سلبي على سلوك‬

‫املوظفين الجماعيين‪.‬‬

‫يظهر إذن أن الوظيفة العمومية الجماعية باملغرب كشفت عن‬

‫مجموعة من العيوب والنقائص‪ ،‬والتي ترجع باألساس إلى حدود تشريعية وتنظيمية‬

‫إضافة إلى صعوبات بالنسبة لتأهيل املوارد البشرية باإلدارة الجماعية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املعيقات املالية‪:‬‬

‫تشكل أزمة االستقالل والتمويل املحلي احد ابرز املعيقات املوضوعية التي‬

‫تعيق عمل الوحدات الترابية في القيام بمهامها التنموية على الخصوص ‪ ،‬وحيث‬

‫فان املمارسة املحلية أفرزت مجموعة من الظواهر املالية السلبية التي شكلت عائقا‬

‫أمام الحكامة الترابية‪.‬‬

‫ضعف االستقالل املالي املحلي‪:‬‬

‫إذا كانت الجماعات الترابية تتمتع من الناحية القانونية باالستقالل املالي‪ ،‬فان‬

‫هذا االستقالل ال يعتبر عمليا استقالال مطلقا‪ ،‬بل يبقى نسبيا‪ ،‬لكون االستقالل‬

‫املطلق يعني ممارسة الجماعات الترابية لنشاطها املالي في استقالل تام عن الدولة‬

‫وبعيدا عن دعمها أو توجيهاتها‪.‬‬

‫فإمدادات الدولة عرفت تزايدا كبيرا نظرا للخصاص املالي للجماعات الترابية‬

‫مما يجعلها تحت رحمة سلطة الوصاية ويحد من استقالليتها‪.‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن سياسة اإلمدادات ترهن الوحدات الترابية بالسياسة املالية العامة للدولة‪،‬‬

‫وهو ما من شأنه أن يؤثر على مسار الحكامة الترابية‪.‬‬

‫أزمة التمويل املحلي‪:‬‬

‫عدم كفاية املوارد املالية الذاتية إحدى الهموم املحلية التي تشغل جميع‬

‫املسؤولين واملهتمين بقضايا الجماعات على مستوى الجماعات الحضرية والقروية‬

‫نجد أن الجماعات إن كانت تعد كوحدات ترابية تتمتع بالشخصية املعنوية‬

‫واالستقالل املالي فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق المركزية فعلية في ظل الضعف املالي‬

‫الذي تعاني منه‪ ،‬كذلك محدودية التجربة املحلية باملغرب على الصعيد املالي بسبب‬

‫تأخر النصوص املالية وضعف املوارد الذاتية وإضافة أن اإلمكانيات املالية املخولة‬

‫للجهة ما زالت ضعيفة على مستوى املوارد الذاتية بحيث نجدها عبارة عن رسوم‬

‫بمثابة نسب مضافة إلى ضرائب محلية موجودة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫فتح الدستور الجديد طريقا واسعا نحو املغرب املوحد للجهات القائم على‬

‫توزيع جديد وديمقراطي للصالحيات بين الدولة والجهات على أساس مجموعة من‬

‫املبادئ تتمثل في الوحدة الوطنية والترابية والتوازن والتضامن والديمقراطية‬

‫التشاركية‪.‬‬

‫إال أن التنزيل السليم لكل هذه املبادئ املعلن عنها في الوثيقة الدستورية يبقى‬

‫رهين صدور القانون التنظيمي الذي أحال عليه الفصل ‪ 346‬من دستور ‪.8133‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫رشيد كديرة ‪ :‬النخب اإلدارية في املغرب‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪،‬‬

‫جامعة محمد الخامس الرباط ‪.8115/8114‬‬

‫السعيدي مزروع فاطمة‪ ،‬اإلدارة املحلية الالمركزية باملغرب‪،‬ط األولى ‪ ،‬مطبعة‬

‫النجاح‪،‬الدار البيضاء‪.8111‬‬

‫ملكية وكاس‪ ،‬الحكامة املحلية على ضوء امليثاق الجماعي ‪ ،92.11‬رسالة دبلوم‬

‫الدراسات العليا املعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم‬

‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالدار البيضاء ‪.8111‬‬

‫محمد اليعقوبي‪ ،‬تأمالت حول الديمقراطية املحلية باملغرب‪ ،‬ص ‪ 399‬الطبعة‬

‫األولى ‪.8115‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذة مالك روكي‬


‫باحثة يف سلك الدكتوراه يف القانون احلاص جبامعة‬
‫حممد احلامس‬

‫مدونة السير على الطرق في ضوء‬


‫العمل القضائي‬
‫‪Road Traffic Code in the light of judicial work‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫تعتبر حوادث السير إحدى اآلفات التي يعرفها العالم منذ أواخر القرن العشرين‬

‫والتي استمرت في تصاعد مضطرد‪ ،‬حيث أصبحت من املعضالت التي يبدو أنها‬

‫تستعص ي على الحل وذلك بسبب التزايد الكبير لعدد العربات وتشابك حركات السير‬

‫على الطرق‪.‬‬

‫فقد حصدت حرب الطرقات هاته ‪-‬وال زالت تحصد‪-‬الكثير من األرواح وتخلف‬

‫العديد من اإلعاقات‪ ،‬متسببة بذلك في الكثير من املآس ي في غالبية البلدان‪ ،‬وبالدنا‬

‫ال تشكل مع كامل األسف استثناء من هذه الحقيقة‪.‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومن أجل مواجهة هذه املعضلة التي تشكل عائقا كبيرا أمام التنمية في املجالين‬

‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬حرصت الدولة على تعبئة جميع إمكانياتها املادية والبشرية‬

‫والتكنولوجية الكفيلة بالحد من السلوكيات املتسببة فيها‪ ،‬إضافة إلى القيام‬

‫بحمالت التحسيس والتوعية باملخاطر الناجمة عنها وذلك عبر جميع الوسائل‬

‫(السمعية البصرية والورقية واإللكترونية‪.)...‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فقد عملت بالخصوص على وضع اآلليات القانونية الالزمة‬

‫عن طريق خلق مؤسسات ولجان ذات اختصاصات متنوعة في املجال وذلك بوضع‬

‫توجهات استراتيجية وترسانة قانونية متطورة لردع وزجر املخالفات لقانون السير‬

‫التي يعتبر العنصر البشري املتسبب األول فيها من أجل تحقيق السالمة الطرقية‪.‬‬

‫إال أن هذه الترسانة القانونية بقيت غير كافية وكان البد من مراجعتها وتطويرها‬

‫للوقوف عند مكامن النقص فيها وتدارك اإلشكاالت القانونية املطروحة‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬جاء القانون ‪ 15.58‬بمثابة مدونة السير على الطرق في إطار‬

‫اإلصالحات التشريعية التي عرفتها وال زالت تعرفها بالدنا من أجل تعزيز الترسانة‬

‫القانونية بغاية الوقاية من جهة والزجر من جهة ثانية لفرض احترام قانون السير‬

‫وااللتزام بقواعد السير العام على الطرق املفتوحة للسير العمومي وإعادة تأهيل‬

‫السائقين بعد ارتكابهم لبعض مخالفات قانون السير وذلك من خالل ما جاء به من‬

‫إجراءات مسطرية وموضوعية وأخرى تقنية وعملية أكثر حداثة وتقدما في مجال‬

‫إثبات الجرائم‪.‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولقد أناط املشرع املغربي بكل املتدخلين املعنيين بتطبيق أحكام املدونة‬

‫اختصاصات دقيقة ورصد لها آليات محددة لضبط املخالفات ملقتضياتها‪ .‬ومن بين‬

‫ذلك القضاء‪ ،‬سواء النيابة العامة من خالل تحريكها للدعوى العمومية –حيث‬

‫تعتبر الطرف الرئيس ي الذي يرجع إليه حق تحريك الدعوى العمومية باسم املجتمع‬

‫‪-‬أو قضاء الحكم – باعتباره الجهة التي خول لها القانون صالحية إصدار األحكام في‬

‫الدعوى املعروضة أمامها‪ ،‬حيث جعل لهاتين الجهتين القضائيتين دورا محوريا في‬

‫التطبيق السليم ملدونة السير والتقيد بأحكامها‪.‬‬

‫غير أنه ورغم ما تضمنته مدونة السير من إجراءات ومساطر مفصلة‪ ،‬ورغم‬

‫وجود مجموعة من النصوص التنظيمية التي تهدف إلى التطبيق السليم ألحكامها‪،‬‬

‫فإن الجهاز القضائي بشقيه املتمثلين في النيابة العامة وقضاء الحكم واجه صعوبات‬

‫في تطبيقها بسبب اإلشكاليات التي تطرحها‪ .‬ولتدارك القصور امللحوظ في بعض‬

‫املقتضيات القانونية التي تضمنتها مدونة السير‪ ،‬والذي أفرزه التطبيق العملي لها‪،‬‬

‫جاء القانون رقم ‪ 366.34‬بشأن تغيير وتتميم القانون رقم ‪ 58-15‬املتعلق بمدونة‬

‫السير‪ ،‬حيث تم إدخال عدة تعديالت تروم سد الفراغ التشريعي القائم‪ .‬ويشمل هذا‬

‫القانون مجموعة من املستجدات الهامة التي طالت أحكام مدونة السير‪ ،‬خاصة‬

‫على مستوى التجريم والعقاب والعديد من الجوانب ذات الصلة باإلجراءات‬

‫القضائية املرتبطة باملوضوع‪.‬‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ورغم كل هذه التعديالت فقد بقي هذا التشريع بحاجة إلى ما يكمله من تفسير‬

‫وتأويل‪ ،‬وهو الدور املنوط بالعمل القضائي الذي عرف تطورا مهما على مدى العشر‬

‫سنوات من تطبيق أحكام هذه املدونة‪.‬‬

‫فلالجتهاد القضائي دور بالغ األهمية واآلثار في مجال القانون‪ ،‬ال يكاد يقل في‬

‫أهميته عن دور التشريع نفسه‪ .‬فهو الذي يضفي على القانون طابعه العملي الحي‬

‫ويحدد مداه وأبعاده‪.‬‬

‫و" إذا كان التشريع يعبر عن اختيارات األمة ومصالحها العامة‪ ،‬فإن االجتهاد‬

‫القضائي يتميز بكونه يضمن استمرارية القواعد التشريعية‪ ،‬من خالل مالءمتها مع‬

‫الوقائع والنوازل‪ .‬فالتشريع بما يتميز به من عمومية وتجريد ال يضع إال حلوال‬

‫وسطى‪ ،‬وال يخصص حلوال فردية لكل النزاعات‪ ،‬وهذا ما يجعل من االجتهاد‬

‫القضائي مصدرا مستقال ومساويا لباقي مصادر القانون‪ ،‬فهو يخصص القاعدة‬

‫القانونية‪ ،‬ويقوم بتحيينها‪ ،‬إذ بدونه ال يتمكن التشريع من التوفيق بين خاصيتي‬

‫االستقرار واالستمرارية‪ ،‬فاالجتهاد القضائي يؤمن للتشريع مالحقة تطورات املجتمع‬

‫من خالل تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة‪ ،‬كما أنه يساهم في تفسير‬

‫النصوص الغامضة ويكمل الناقص منها فيصير االجتهاد القضائي مصدرا مباشرا‬

‫للقانون"‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬قد يجتهد القاض ي من خالل النصوص التشريعية التي يلزم تطبيقها‬

‫أو من خارج هذه النصوص‪ .‬فعند تطبيق النصوص التشريعية‪ ،‬يضطر القاض ي إلى‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن يجتهد في حالتين أساسيتين‪ :‬في حالة غموض النص أو إبهامه من جهة‪ ،‬وفي حالة‬

‫النقص في النص أو سكوته عن بعض املسائل من جهة ثانية‪.‬‬

‫فغموض النص يعني أن هذا األخير ليس له معنى واضح محدد‪ ،‬وإنما يحتمل‬

‫أكثر من تأويل وعلى القاض ي في هذه الحالة أن يجتهد في فهم النص وتحديد معناه‪.‬‬

‫وهو حين يفعل ذلك إنما يحدد الحكم الذي يتضمنه هذا النص‪ .‬ولذا‪ ،‬قد تختلف‬

‫االجتهادات القضائية تبعا الختالف القضاة في فهم النصوص وتفسيرها‪.‬‬

‫وأما النقص في النص فيقع عندما يتعرض املشرع لبعض املسائل مباشرة‬

‫ويغفل في الوقت نفسه مسائل أخرى فال يبين أحكامها‪ .‬ويتمثل دور القاض ي في هذه‬

‫الحالة في استخالص الحلول املناسبة للمسائل التي سكت عنها املشرع مستعينا في‬

‫ذلك بطرق التفسير املتاحة له‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فقد "أصبح االجتهاد القضائي مطلبا حقوقيا بالنظر إلى ما يكفله من‬

‫توحيد للحلول القضائية وتوقعها على نحو يرسخ األمن القانوني‪ ،‬الذي يهدف إلى‬

‫تمكين املواطن بدون جهد مضني من تحديد ما هو مباح وما هو محظور بمقتض ى‬

‫القانون الجاري به العمل‪ ،‬ويتطلب ذلك أن تكون النصوص القانونية واضحة‬

‫ومفهومة وال تتعرض لتغيرات متكررة وال سيما غير متوقعة"‪.‬‬

‫وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على بعض من أهم توجهات العمل‬

‫القضائي بخصوص بعض اإلشكاليات املطروحة في مجال تطبيق أحكام مدونة السير‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫على الطرق والتعديالت الطارئة عليها‪ ،‬سواء على مستوى محكمة النقض أو محاكم‬

‫املوضوع‪.‬‬

‫السكر والسياقة في حالة سكر‬ ‫‪‬‬

‫جنحتي السكر العلني البين والسياقة في حالة سكر‪ :‬فعالن منفصالن‬

‫تحكمهما مقتضيات مختلفة‬

‫جنحتي السكر العلني البين والسياقة في حالة سكر – فعالن منفصالن‬

‫تحكمهما مقتضيات مختلفة – ال مجال لتطبيق مقتضيات الفصل ‪ 332‬من القانون‬

‫الجنائي‪.‬‬

‫عندما توبع املطلوب من أجل جنحتين مختلفتين وهما السكر العلني البين‬

‫والسياقة في حالة سكر طبقا ملرسوم ‪ 34/33/3269‬واملادة ‪ 321‬من مدونة السير‪،‬‬

‫فإنه ال مجال لتطبيق مقتضيات الفصل ‪ 332‬من القانون الجنائي ما دام األمر يتعلق‬

‫بجنحتين مستقلتين وليس فعال واحدا قابال ألوصاف متعددة‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد‪425 :‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪.8135/8/6/6126‬‬

‫قيام جنحة السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير الكحول مشروطة بتولي‬

‫السياقة مع وجود السائق في إحدى الحالتين‬

‫‪P 310‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن املادة ‪ 321‬من مدونة السير تعاقب كل شخص يسوق مركبة وهو في حالة‬

‫سكر أو تحت تأثير الكحول مما يستلزم القول بأن اإلدانة تبقى مشروطة بتولي‬

‫السياقة مع وجود السائق في إحدى الحالتين‪ ،‬وهو ما ينتفي في نازلة الحال‪ ،‬وبالتالي‬

‫فإن املحكمة ملا صرحت ببراءة املطلوب من السياقة في حالة سكر على أساس أن‬

‫التهمة غير ثابتة بدليل إنكاره ومحضر الضابطة القضائية املتضمن أن السيارة كانت‬

‫متوقفة ولم تكن في حالة سير مما يجعل قرارها مؤسسا ومعلال تعليال كافيا‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪538/8‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8138/35116‬‬

‫السياقة في حالة سكر‪ :‬اعتراف املتهم بحالة السكر يغني عن إثبات الحالة‬

‫عن طريق التحقق من نسبة الكحول في الدم أو من خالل الهواء املنبعث من‬

‫الفم بواسطة الرائز‬

‫املحكمة ملا أيدت الحكم االبتدائي القاض ي بالبراءة من أجل السياقة في حالة‬

‫سكر على اعتبار أن السياقة في تلك الحالة غير ثابتة بالنظر لعدم التحقق من نسبة‬

‫الكحول في الدم أو من خالل الهواء املنبعث من فم السائق‪ ،‬والحال أن املتهم قد‬

‫اعترف اعترافا قضائيا أمام النيابة العامة باحتسائه كمية من الخمر ثم ركب سيارته‬

‫وفي طريقه وقعت الحادثة مما تكون معه املحكمة بعدم مناقشتها ملا نسب إليه‬

‫بمحضر االستنطاق قد جعلت ما قضت به دون أساس سليم من القانون فجاء‬

‫قرارها تبعا لذلك مشوبا بنقصان التعليل املوازي النعدامه‪.‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪8/324‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 16‬فبراير ‪8131‬‬

‫ملف جنحي عدد ‪8138/33538‬‬

‫رخصة السياقة‬ ‫‪‬‬


‫سحب رخصة السياقة كعقوبة إضافية‪ :‬املحكمة ال تملك سلطة الخيار‬

‫في تطبيق مقتضيات القانون‬

‫أيدت محكمة االستئناف بفاس الحكم االبتدائي فيما قض ى به من إدانة‬

‫املطلوب في النقض من أجل الجرح الخطأ وعدم احترام حق األسبقية وقامت‬

‫بتعديله بحذف عقوبة توقيف رخصة سياقة املتهم بعلة أنه ال مبرر لها بالنظر‬

‫لطبيعة األفعال املنسوبة للمتهم وظروفه االجتماعية وكونه يحتاج إلى رخصة‬

‫السياقة في عمله والحال أنها ال تملك سلطة الخيار في تطبيق املقتضيات املذكورة‪،‬‬

‫فلم تجعل ملا قضت به أساسا من القانون‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد‪31/3458 :‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد‪8132/36428 :‬‬

‫رخصة سياقة أجنبية غير صالحة لسياقة السيارات داخل املغرب‪ :‬تعتبر‬

‫مخالفة لقانون السير وال أثر لها على قيام الضمان‬

‫لئن كانت املادة السابعة من الشروط النموذجية العامة للعقود املتعلقة‬

‫بتأمين املسؤولية املدنية عن العربات ذات محرك‪ ،‬واملضمنة بقرار وزير املالية‬

‫‪P 328‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والخوصصة الصادر في ‪ 8116/15/86‬قد رتبت في فقرتها األولى عن عدم التوفر على‬

‫رخصة السياقة عدم قيام الضمان‪ ،‬فإنها لم تشترط في تلك الرخصة أن تكون‬

‫صادرة عن السلطات املغربية‪ ،‬وإنما جاءت مطلقة غبير مقيدة‪ ،‬وهو ما يحمل على‬

‫القول وبالنتيجة بأن مخالفة مقتضيات قرار وزير األشغال واملواصالت الصادر‬

‫بتاريخ ‪ ،3291/11/16‬والذي حدد على سبيل الحصر البلدان التي تكون رخصة‬

‫السياقة املسلمة فيها صالحة لسياقة السيارات داخل املغرب‪ ،‬إنما تشكل مخالفة‬

‫لقانون السير‪ ،‬وال أثر لها على قيام الضمان‪ ،‬وذلك بغض النظر عن الدولة املصدرة‬

‫لرخصة السياقة ما دام أن الحصول على هذه األخيرة تتحقق به قرينة الدراية‬

‫بالسياقة‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪893‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 13‬مارس ‪8139‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/8/6/83498‬‬

‫رخصة السياقة املسلمة من دولة أجنبية‪ :‬اتفاقية جينيف تمنح للدول حق‬

‫سحب رخصة السياقة وليس إلغائها‪.‬‬

‫إن املحكمة ملا أيدت الحكم االبتدائي فيما قض ى به من إلغاء رخصة السياقة‬

‫األجنبية املسلمة للطاعن بدولة إيطاليا أو بأية دولة أجنبية والحال أن اتفاقية‬

‫جينيف املؤرخة في ‪ 32‬شتنبر ‪ 3242‬واملتعلقة بالسير الدولي في البند الخامس من‬

‫الفصل ‪ 84‬منها‪ ،‬وكدا التعديالت املدخلة عليها تعطي الحق للدول املتعاقدة في‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫سحب رخصة السياقة الوطنية أو الدولية إذا ارتكب في أراضيها مخالفة لقانونها‬

‫الوطني املتعلق بالسير وليس إلغائها كما ذهب إليه القرار املطعون فيه‪ ،‬مما تكون‬

‫معه املحكمة ملا قضت بما ذكر لم تجعل لقضائها أساسا من القانون وجعلته عرضة‬

‫للنقض بهذا الخصوص‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪8/285‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 13‬يونيو ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/1252‬‬

‫رخصة السياقة املؤقتة‪ :‬انتهاء صالحيتها ال يعني عدم التوفر على رخصة‬

‫السياقة‬

‫ما دام الطالب كان يقود سيارته وهو حاصل على رخصة سياقة مؤقتة صالحة‬

‫ملدة ‪ 61‬يوما لغاية استبدالها بالرخصة اإللكترونية‪ ،‬فإنه يتوفر فعال على رخصة‬

‫السياقة وال يدخل في خانة الفقرة األولى من املادة ‪ 342‬من مدونة السير‪ .‬واملحكمة‬

‫ملا قضت بإدانته من أجل املخالفة املنسوبة إليه استنادا إلى انتهاء صالحية رخصة‬

‫السياقة في حين أن املادة املشار إليها تتحدث عن عدم التوفر على رخصة السياقة‬

‫ال عن انتهاء صالحيتها يكون قرارها قد جاء مشوبا بسوء التعليل املوازي النعدامه‬

‫ومعرضا للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪8/212‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 33‬يونيو ‪8134‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8131/36121‬‬

‫الدراجات الثالثية العجالت‪ :‬إلزامية الحصول على رخصة سياقة مناسبة‬

‫لصنف الدراجة تتوقف على صدور نص تنظيمي‬

‫نصت املادة ‪ 9‬من مدونة السير على ضرورة الحصول على رخصة سياقة‬

‫مناسبة لصنف الدراجة واعتبرت أن تطبيق هذه املقتضيات يتوقف على صدور‬

‫نص تنظيمي‪ .‬لكن بالرجوع للقانون رقم ‪ 336-34‬بتاريخ ‪ 8136/12/33‬فإن املشرع‬

‫اعتبره واجب التنفيذ من يوم صدوره وأن ما ذهب إليه القرار ال يرتكز على أساس‬

‫ويعرضه للنقض‪ .‬ولو أن املادة ‪ 9‬املذكورة كما تم تغييرها نصت على كون الدراجة‬

‫ثالثية العجالت بمحرك من العربات التي ينبغي توفر سائقها على رخصة سياقة‬

‫سارية الصالحية ومسلمة من اإلدارة طبقا للمادة األولى من القانون ذاته‪ ،‬فإن‬

‫تطبيق املقتض ى املذكور معلق على تحديد الكيفيات واآلجال املتعلقة به وفقا ملا‬

‫تنص عليه املادة الخامسة من نفس القانون‪ ،‬وهو األمر الذي لم يكن محققا وقت‬

‫الحادثة‪ ،‬واملحكمة مصدرة القرار املطعون فيه ملا اعتبرت ضمان شركة التأمين‬

‫للحادث يظل قائما وما أثارته بهذا الخصوص يكون غير مؤسس استنادا للمقتضيات‬

‫أعاله تكون قد عللت قرارها تعليال سليما والوسيلة غير مؤسسة‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 11‬شتنبر ‪8181‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8132/31859‬‬

‫‪P 323‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫جنحتي القتل والجرح غير العمديين الناتجين عن حادثة سير واملقرونين‬

‫بظروف التشديد‪ :‬االكتفاء بتوقيف رخصة السياقة دون إلزامية الخضوع لتكوين‬

‫خاص في التربية على السالمة الطرقية فيه خرق ملقتضيات مدونة السير‬

‫املحكمة ملا قضت بإدانة املتهم من أجل جنحتي القتل والجرح غير العمديين‬

‫الناتجين عن حادثة سير وعدم احترام مسافة األمان والتجاوز املعيب‪ ،‬بعد تبني علل‬

‫وحيثيات الحكم االبتدائي الذي اكتفى بتوقيف رخصة سياقة املطلوب دون أن ينص‬

‫على العقوبة اإلضافية األخرى املتمثلة في إلزامية خضوع املطلوب لتكوين خاص في‬

‫التربية على السالمة الطرقية‪ ،‬تكون قد خرقت مقتضيات مدونة السير‪.‬‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪4258/451‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 11‬مارس ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي رقم ‪8135/6321‬‬

‫الغرامة التصالحية والجزافية‬ ‫‪‬‬


‫غرامة تصالحية وجزافية‪ :‬عدم أدائها يترتب عنه توقيف رخصة السياقة‬

‫من طرف اإلدارة‬

‫لئن كانت املادة ‪ 358‬من مدونة السير التي توبع املطلوب طبقا ملقتضياتها‬

‫تشترط لإلدانة من أجل قيادة مركبة تتطلب سياقتها الحصول على رخصة سياقة‬

‫أن يكون السائق قد صدر في حقه مقرر قضائي حائز لقوة الش يء املقض ي به أو قرار‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إداري بتوقيف رخصته للسياقة أو بسحبها أو بإلغائها‪ ،‬فإنه بمقتض ى الفقرة‬

‫السادسة من املادة ‪ 882‬من نفس املدونة توقف رخصة السياقة بقوة القانون إذا‬

‫لم يتم أداء الغرامة التصالحية والجزافية داخل أجل ‪ 35‬يوما من اليوم املوالي‬

‫لتسليم رخصة السياقة للعون محرر محضر املخالفة وذلك في حالة عدم األداء‬

‫الفوري ملبلغ تلك الغرامة‪ ،‬مما يفض ي إلى القول بأن ذلك التسليم يترتب عنه في‬

‫هذه الحالة اآلثار القانونية لتوقيف رخصة السياقة من طرف اإلدارة املنصوص‬

‫عليه في املادة ‪ 25‬من ذات املدونة‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪432‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 11‬مارس ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/8/6/34152‬‬

‫العقوبات اإلضافية‬ ‫‪‬‬


‫الجرح الخطأ املقترن بمخالفة عدم احترام حق األسبقية‪ :‬ضرورة الحكم‬

‫بالعقوبات اإلضافية‬

‫عندما تقض ي املحكمة باإلدانة من أجل الجرح الخطأ الناتج عن حادثة سير‬

‫واقتران ذلك بمخالفة عدم احترام حق األسبقية‪ ،‬أي تحقق إحدى الحاالت‬

‫املنصوص عليها في الفقرة الثانية من املادة ‪ 69‬من مدونة السير‪ ،‬ومعاقبتها بالغرامة‪،‬‬

‫فإنها لم تطبق العقوبات اإلضافية املتمثلة في توقيف رخصة السياقة من ستة أشهر‬

‫إلى سنة وإلزامية الخضوع على نفقة املدان إلى تكوين خاص في التربية على السالمة‬

‫‪P 325‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الطرقية املنصوص عليها في الفقرة الثالثة من املادة ‪ 362‬من املدونة املذكورة‪ ،‬مما‬

‫تكون قد أتت خرقا للمقتضيات القانونية املشار إليها أعاله‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪8/835‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 38‬أبريل ‪8139‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8136/39316‬‬

‫الجرح الخطأ الناتج عن حادثة سير مقرون بالسياقة خرقا ملقرر قضائي بسحب‬

‫رخصة السياقة‪ :‬االقتصار على عقوبة إضافية واحدة فيه خرق للقانون وغير خاضع‬

‫للسلطة التقديرية‬

‫املحكمة رغم إدانتها للمطلوب من أجل الجرح الخطأ الناتج عن حادثة سير‬

‫املقرون بالسياقة خرقا ملقرر قضائي بسحب رخصة السياقة املنصوص عليها وعلى‬

‫عقوبتها األصلية في املادة ‪ 369‬من مدونة السير‪ ،‬فإنها قضت بعقوبة إضافية واحدة‬

‫تتمثل في توقيف رخصة السياقة ملدة ستة أشهر دون العقوبة اإلضافية األخرى‬

‫املتمثلة في الخضوع على نفقته لتكوين خاص في التربية على السالمة الطرقية رغم‬

‫أنها ال تملك أية سلطة بخصوصها ومن قبولها استئناف النيابة العامة الذي ينشر‬

‫الدعوى أمامها‪ ،‬مما تكون معه قد خرقت مقتضيات املادة ‪ 362‬من مدونة السير‬

‫وعرضت قرارها للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪8/515‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 38‬أبريل ‪8139‬‬

‫‪P 326‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8136/2294‬‬

‫ظروف التخفيف في العقوبات األصلية وليس اإلضافية‬

‫العقوبات األصلية هي وحدها التي يمكن لقضاة املوضوع أن ينزلوا عن حدها‬

‫األدنى متى قرروا تمتيع املحكوم عليه بظروف التخفيف بشرط التعليل‪ .‬ومن تم‬

‫فإن األثر القانوني ملنح الظروف املخففة ال يمكن أن يمس العقوبات اإلضافية عند‬

‫نظر املحكمة في جنحة الجروح غير العمدية وقطع خط متصل‪ .‬واملحكمة مصدرة‬

‫القرار املطعون فيه تكون قد خرقت القانون ملا اكتفت بتأييد الحكم االبتدائي الذي‬

‫قض ى فقط على املطلوب بغرامتين ماليتين بعلة تمتيعه بظروف التخفيف والحال‬

‫أن إدانة املطلوب من أجل الجروح غير العمدية يقتض ي وجوبا األمر بتوقيف رخصة‬

‫املدان ملدة ثالثة أشهر على األكثر وإلزامه بالخضوع على نفقته لتكوين خاص في‬

‫التربية على السالمة الطرقية إعماال ملقتضيات الفقرة األولى من املادة ‪ 362‬من‬

‫مدونة السير‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪8/558‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 81‬أبريل ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/39363‬‬

‫اإلدانة من أجل الجروح غير العمدية الناتجة عن حادثة سير املترتب عنها عاهة‬

‫مستديمة واملقرونة بعدم احترام عالمة قف تستوجب أوال إلغاء رخصة السياقة مع‬

‫املنع من اجتياز امتحان الحصول على رخصة جديدة خالل مدة من سنة إلى سنتين‬

‫‪P 327‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وثانيا إلزامه بالخضوع على نفقته لتكوين خاص في التربية على السالمة الطرقية‪،‬‬

‫واملحكمة املطعون في قرارها ملا قضت‪ ،‬تأييدا منها للحكم االبتدائي فيما تعلق منه‬

‫بالعقوبات اإلضافية‪ ،‬فقط بتوقيف رخصة سياقة املطلوب ملدة سنة بقضائها على‬

‫ذلك النحو تكون قد خرقت مقتضيات املادة ‪ 391‬من مدونة السير‪.‬‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪8/3383‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 82‬شتنبر ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي رقم ‪8135/81332‬‬

‫جنحة الفرار‬ ‫‪‬‬


‫التحاق املتهم بسيارته املتسببة في الحادث بمصلحة الدرك بعد الحادث لإلخبار‬

‫تنعدم به لديه نية التملص من املسؤوليتين املدنية والجنائية وبالتالي جنحة الفرار‪.‬‬

‫اعتبرت محكمة النقض ان املحكمة مصدرة القرار عندما قضت بإلغاء الحكم‬

‫املستأنف فيما قض ى به من إدانة املتهم من أجل جنحة الفرار و حكمت من جديد‬

‫ببراءته من ذلك بعلة انه التحق بمصلحة الدرك امللكي لإلخبار قد اساءت تطبيق‬

‫مفهوم محاولة التملص من املسؤولية الجنائية و املدنية لكون جنحة الفرار تتحقق‬

‫حسب املادة ‪ 328‬من مدونة السير بمجرد عدم توقف السائق عقب ارتكاب الحادثة‬

‫و التسبب فيها و ان املتهم عندما قام بصدم الضحية و استمر في السير و ان توجهه‬

‫للدرك ال يعد مبررا للقول بانتفاء الجنحة مادام قد فوت على الضابطة اجراء‬

‫‪P 320‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املعاينات الالزمة لتحديد مسؤولية كل طرف فيها على ضوء حالة االمكنة و تموقع‬

‫املركبتين‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وبالنظر إلى أن العبرة في االثبات في املادة الجنائية هي باالقتناع الصميم‬

‫لقضاة املوضوع‪ ،‬انتهت محكمة النقض إلى أن استخالص ثبوت الجريمة او عدم‬

‫ثبوتها من الوقائع يرجع لقضاة املوضوع بما لهم من كامل السلطة التقديرية‪ ،‬وال‬

‫رقابة لها عليهم في هذا الصدد‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪31/1‬‬

‫‪ -‬الصادر بتاريخ ‪8136/13/19‬‬

‫‪ -‬ملف عدد ‪8135/36444‬‬

‫الفرار عقب ارتكاب حادثة وعدم التوقف بمكان الحادثة‪ :‬محاولة التملص‬

‫من املسؤولية الجنائية واملدنية‬

‫ما دام الثابت من محضر الضابطة القضائية أن السيارة املتسببة في الحادثة‬

‫وجدت على بعد كيلومترين من مكان الحادثة متوقفة في إحدى األزقة وذلك بعد‬

‫قيام رجال الضابطة القضائية بتحرياتهم لضبط مرتكب الحادثة‪ ،‬وأنه بعد العثور‬

‫عليها قام السائق بااللتحاق بمخفرهم فإنه ال مجال لنفي توافر العناصر التكوينية‬

‫لجنحة الفرار ومحاولة التملص من املسؤولية الجنائية واملدنية عمال بمقتضيات‬

‫املادة ‪ 328‬من مدونة السير‪.‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪4268/452‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 2‬أبريل ‪8135‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي رقم ‪8134/35161‬‬

‫‪ ‬القتل غير العمدي‬

‫القتل غير العمدي ‪-‬السياقة في حالة سكر ‪-‬الفرار‪ :‬عقوبات أصلية وإضافية‬

‫في حالة ما إذا تسبب السائق في حادثة سير نتج عنها قتل غير عمدي واقترن‬

‫هذا الفعل بالسياقة في حالة سكر وبالفرار يجب على املحكمة إلغاء رخصة سياقة‬

‫السائق مع املنع من اجتياز امتحان الحصول على رخصة جديدة خالل سنتين إلى‬

‫أربع سنوات مع إلزامية خضوعه على نفقته لتكوين في التربية على السالمة الطرقية‬

‫طبقا ملقتضيات املادة ‪ 391‬من مدونة السير واملحكمة ملا قضت بعقوبة املطلوب من‬

‫أجل القتل غير العمدي الناتج عن حادثة سير والسياقة في حالة سكر وتحت تأثيره‬

‫والفرار والتملص من املسؤولية الجنائية إال أنها اقتصرت على توقيف رخصة‬

‫سياقته ملدة سنة واحدة فقط تأييدا منها للحكم االبتدائي تكون قد خرقت‬

‫املقتضيات القانونية املنصوص عليها بمدونة السير‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪4278/151‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 2‬مارس ‪8136‬‬

‫‪P 338‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/3184‬‬

‫قتل غير عمدي وعدم التوقف‪ :‬إلغاء رخصة السياقة‬

‫ملا كان الثابت من مضمون القرار املطعون فيه أن املطلوب في النقض أدين‬

‫من أجل التسبب في حادثة سير نتج عنها قتل غير عمدي والفرار عقب ارتكاب الحادثة‬

‫طبقا للمواد ‪ 29‬و‪ 28‬و‪ 391‬و‪ 328‬و‪ 326‬من مدونة السير وعدم مالءمة السرعة‬

‫لظروف الزمان والسير‪ ،‬فإن املحكمة املطعون في قرارها ملا قضت بتوقيف رخصة‬
‫ً‬
‫السياقة للمطلوب ملدة سنة واحدة تأييدا منها للحكم االبتدائي دون مراعاتها‬

‫للمقتضيات أعاله‪ ،‬تكون قد خرقت املادة املومأ إليها آنفا فيما يخص العقوبة‬

‫اإلضافية حين لم تقض سوى بتوقيف رخصة السياقة‪ .‬والحال أن املادة ‪ 398‬من‬

‫نفس املدونة تستوجب إلغاء الرخصة املذكورة‪ ،‬لذلك تكون املحكمة بقضائها‬

‫بخالف ذلك‪ ،‬قد أساءت تطبيق القانون وعرضت قرارها للنقض واإلبطال‪.‬‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪8/638‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 89‬أبريل ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي رقم ‪8135/2881‬‬

‫القتل غير العمدي‪ :‬إلزامية توقيف رخصة السياقة والخضوع لتكوين خاص في‬

‫التربية على السالمة الطرقية‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املحكمة املطعون في قرارها بالرغم من إدانتها للمطلوب من أجل القتل الخطأ‬

‫وهو من األفعال املنصوص عليها وعلى عقوبتها في املادة ‪ 398‬من مدونة السير‪ ،‬فإنها‬

‫لم تقض عليه سوى بعقوبة إضافية واحدة تتمثل في توقيف رخصة السياقة ملدة‬

‫سنة دون العقوبة اإلضافية األخرى املتمثلة في الخضوع على نفقته لتكوين خاص‬

‫في التربية على السالمة الطرقية والحال أن العقوبتين اإلضافيتين املذكورتين ال‬

‫تخضعان للسلطة التقديرية لقضاة املوضوع في تحديد العقوبة وتفريدها من‬

‫صياغة نص املادة ‪ 391‬من نفس املدونة‪ ،‬وبقضائها على هذا النحو تكون قد خرقت‬

‫القانون‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪8/448‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 81‬ماي ‪8135‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8134/83925‬‬

‫الفحص التقني‬ ‫‪‬‬


‫مراقبة وثائق املركبة‪ :‬إلزامية اإلدالء بشهادة املراقبة التقنية‬

‫يجب لزوما أن توجد وثيقة الفحص التقني على متن املركبة أثناء سيرها على‬

‫الطريق العمومية‪ ،‬وهو ما يفض ي إلى القول بأن سائق املركبة وإن لم يكن مالكها‬

‫يبقى مطالبا باإلدالء بشهادة املراقبة التقنية متى تمت مطالبته بها في إطار ما‬

‫تقتضيه أحكام مدونة السير على الطرق بشأن العقوبات والتدابير اإلدارية ومعاينة‬

‫املخالفات‪ ،‬األمر الذي يكون معه القرار املطعون فيه عندما انتهى إلى التصريح ببراءة‬

‫‪P 332‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلوب من انعدام شهادة الفحص التقني قد جاء مشوبا بسوء التعليل املوازي‬

‫النعدامه ومعرضا بذلك للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪8/616‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 81‬ماي ‪8135‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8134/83858‬‬

‫الطريق السيار‬ ‫‪‬‬


‫دخول الراجل الطريق السيار ‪-‬سبب خارجي الرتكاب الحادثة ‪-‬‬

‫استحالة تجنبه ماديا ‪ -‬براءة‬

‫بمقتض ى املادة ‪ 324‬في فقرتها ‪ 83‬من مدونة السير‪ ،‬فإنه يحظر على الراجلين‬

‫دخول الطريق السيار‪ ،‬وأن املرور بها يقتصر على العربات املجهزة بمحرك آلي‪ ،‬وعلى‬

‫األشخاص الوارد حصرهم في املادة ‪ 351‬من املرسوم املتعلق بتطبيق مدونة السير‬

‫والذين ال يندرج ضمنهم الهالك وهو ما يتعين معه القول بأن دخول الهالك بالطريق‬

‫السيار ليال وإقدامه على عبوره خالفا ملا يقتضيه القانون يشكل سببا خارجيا أدى‬

‫باملطلوب إلى ارتكاب الحادثة بسبب استحالة تجنبها ماديا وهو ما يشكل أحد‬

‫األسباب املبررة التي تمحو الجريمة عمال بمقتضيات املادة ‪ 384‬من القانون الجنائي‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬ملا قضت املحكمة املطعون في قرارها ببراءة املتهم من أجل القتل‬

‫غير العمدي‪ ،‬تكون بذلك قد طبقت القانون‪.‬‬

‫‪P 333‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪4288/862‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 84‬فبراير ‪8136‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي رقم ‪8135/36816‬‬

‫تحديد مسؤولية الحادثة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫تحديد مسؤولية الحادثة خاضع للسلطة التقديرية ملحكمة املوضوع‬

‫إن تحديد املسؤولية تتخذ املحكمة األساس له مما تستخلصه من الوقائع‬

‫الثابتة لديها بناء على سلطتها التقديرية في تقييم األدلة املعروضة عليها‪ ،‬والتي ال‬

‫تمتد إليها رقابة محكمة النقض ما لم يقع تحريف أو تناقض مؤثران‪ ،‬وهو ما لم يثر‬

‫ولم يالحظ من خالل مضمون القرار املطلوب نقضه‪ ،‬ومن تم تكون املحكمة املصدرة‬

‫لذلك القرار استعملت سلطتها اآلنفة الذكر ملا حملت سائق املركبة املؤمن عليها من‬

‫طرف الطالبة نصف مسؤولية الحادثة مراعاة لألخطاء الصادرة من طرفه‪ ،‬واملتمثلة‬

‫في الوقوف املعيب‪ ،‬وعدم استعمال املثلث الدال على العطب‪ ،‬وعدم استعمال‬

‫الضوء األحمر الخلفي املشير للتوقف ليال‪ ،‬فجاء قرارها بذلك مؤسسا ومعلال تعليال‬

‫كافيا‪.‬‬

‫‪ -‬القرار عدد ‪224‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 86‬شتنبر ‪8132‬‬

‫‪P 334‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8135/8/6/83131‬‬

‫حزام السالمة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫خالفة عدم استعمال حزام السالمة غير موجبة لتوقيف رخصة السياقة‬

‫املحكمة مصدرة القرار املطعون فيع ملا قضت على املطلوب في النقض بغرامة‬

‫نافذة قدرها ‪ 111‬درهم من اجل مخالفة عدم استعمال حزام السالمة في إطار املادة‬

‫‪ 326‬من مدونة السير‪ ،‬وهي مخالفة من الدرجة الثالثة يعاقب عليها القانون بغرامة‬

‫من ‪ 111‬إلى ‪ 611‬درهم‪ ،‬وال تدخل ضمن الحاالت التي أوجب فيها املشرع توقيف‬

‫رخصة السياقة واملنصوص عليها في املواد ‪ 328-362-369‬و‪ 321‬من مدونة السير‪،‬‬

‫وقضت بإرجاع رخصة السياقة إليه لنفس العلة أعاله لم تخرق أي مقتض ى قانوني‬

‫وجاء قرارها مبنيا على أساس‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪8/533‬‬

‫‪ -‬املؤرخ في ‪ 8‬أبريل ‪8134‬‬

‫‪ -‬ملف جنحي عدد ‪8131/34395‬‬

‫‪P 335‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫‪ -‬سلسلة اجتهادات قضائية‪ ،‬يناير ‪ ،8183‬عن مركز الدراسات وأبحاث السياسة‬

‫الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو‪.‬‬

‫‪" -‬تعميم االجتهاد القضائي‪ :‬مساهمة في خدمة العدالة"‪ ،‬ذ‪ .‬محمد عبد النباوي‪،‬‬

‫رئيس النيابة العامة‪ ،‬مجلة سلسلة االجتهاد القضائي‪.‬‬

‫‪ -‬نشرة قرارات محكمة النقض‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬العدد ‪.12‬‬

‫‪P 336‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ أنوار غنام‬


‫باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي حممد بن عبد اهلل فاس‬

‫خـصوصية الـعقوبات زمن انتشار فيروس‬


‫كورونا المستجد "كوفيد ‪"32‬‬
‫‪Privacy of penalties during the spread of the new Corona virus “Covid 19‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫بعد انتشار فيروس كورونا املستجد كوفيد ‪ 32‬في جميع بقاع العالم ومنها‬

‫بلدنا العزيز حفظه هللا ورفع عنه هذا الوباء‪ ،‬أعلنت اململكة املغربية عن حالة‬

‫الطوارئ الصحية بهدف الحد من انتشار الفيروس بين املواطنين املغاربة‪ ،‬وقد جاء‬

‫هذا القرار تناسبا وتطبيقا ملبادئ ومقتضيات الوثيقة الدستورية والتي تنص على‬

‫واجب الدولة في حماية الصحة العامة والحق في الحياة "الفصلين ‪ 81‬و ‪ 83‬من‬

‫الدستور املغربي"‪ ،429‬وتم بناء على ذلك إصدار مرسوم بقانون رقم ‪ 4308.81.82‬نشر‬

‫‪ - 429‬ينص الفصل ‪ 02‬من الدستور على أنه‪" :‬الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان‪ .‬ويحمي القانون هذا الحق"‪.‬‬
‫‪ - 2‬المرسوم بقانون رقم ‪ 0.02.0.0‬الصادر في ‪ 02‬رجب ‪ 1441‬الموافق ل ‪ 02‬مارس ‪ ،0202‬المتعلق بسن أحكام خاصة‬
‫بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 8286‬مكرر بتاريخ ‪ 0.‬رجب ‪ 1441‬الموافق ل ‪04‬‬
‫مارس ‪ ،0202‬ص‪.1620 :‬‬

‫‪P 337‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 84‬مارس ‪ ،8181‬والذي تضمن قواعد جنائية زجرية‬

‫حددت مجموعة من األفعال واعتبرتها جرائم‪ ،‬وخلفت على مرتكبيها عقوبات زجرية‬

‫كان الهدف منها تحقيق الردع بغية انضباط الجميع للمقتضيات التي تضمنها‬

‫املرسوم بقانون وبالتالي الحد من انتشار فيروس كوفيد ‪ 32‬والقضاء عليه نهائيا‬

‫وإعالن اململكة خالية من هذا الفيروس‪ ،‬األمر الذي لم يتحقق لحدود كتابة هذه‬

‫األسطر رغم أن تلك العقوبات وصفت بالقاسية واملشددة من طرف مختلف‬

‫املتتبعين واملهتمين بالقانون الجنائي والعدالة الجنائية‪.‬‬

‫ينصرف معنى الردع إلى تلك التدابير واإلجراءات املرصودة من قبل املشرع‬

‫والهادفة على وجه العموم لتقرير نظام عقابي مثالي‪ ،‬سعيا للحد من الظاهرة‬

‫اإلجرامية وما تخلفه هذه األخيرة من تهديد ألمن وسالمة حياة الجماعة من جهة‪،‬‬

‫وما قد تخلفه من مساس وانتهاك للحياة الفردية من جهة ثانية‪ ،‬وقد عرف الردع‬

‫تبعا لهذا املعنى تطورا كبيرا شمل جميع الجوانب املرتبطة به خاصة تلك املتصلة‬

‫بالغايات واألهداف التي رصدت لتحقيق أغراض العقوبة‪ ،‬وما صاحب ذلك من‬

‫وسائل وبرامج وأنظمة عالجية وتقويمية يخضع لها املحكوم عليه ملواجهة الخطورة‬

‫اإلجرامية الكامنة بداخله والحد من عوامل اإلجرام املحيطة به على النحو الذي‬

‫يمكن من تأهيله اجتماعيا وذلك بأن تبنت التشريعات العقابية عدة أنظمة والتي‬

‫من شأنها أن تزيد من فعالية السياسة العقابية وتيسر لها تحقيق أهدافها‪.‬‬

‫‪P 330‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫حيث كشف التطور الحديث الذي لحق بالسياسة الجنائية عن مبدأ هام وهو‬

‫مبدأ التناسب ويتوجه مضمون هذا املبدأ إلى املشرع وينبه إلى ضرورة مراعاة‬

‫التناسب بين إيالم العقوبة الجنائية والجريمة التي تقررت لها هذه العقوبة وظهر‬

‫بموازاته مبدأ املساواة في العقاب كرد فعل ضد نظام عدم املساواة الذي اتسمت‬

‫به اإلدارة الجنائية في النظم القديمة‪ ،‬لكن املساواة في القانون الجنائي أدت إلى عدم‬

‫املساواة بين أناس مختلفين؛ ألن العقاب وإن كان واحدا في االسم فإنه يختلف في‬

‫الحقيقة باختالف النوع والسن والظروف‪ ،‬وغير ذلك من األحوال‪ ،‬فالشكلية التي‬

‫اتسم بها االتجاه املحافظ كادت تقض ي على املبررات التي من أجلها نودي بمبدأ‬

‫الشرعية‪ ،‬وذلك بالنزول بالقاض ي إلى مستوى اآللة في تطبيقه للقانون بحرمانه من‬

‫أي سلطة تقديرية‪ ،‬وهذا بطبيعة الحال‪ ،‬يضر بمبدأ املساواة أمام القانون الذي‬

‫يتطلب بالضرورة أن يأخذ في االعتبار التغيرات االجتماعية للمصالح‪ ،‬وأيضا الظروف‬

‫الواقعية التي أحاطت بارتكاب الجريمة ومن تم فإن املساواة الحقيقية هي املساواة‬

‫بين جميع الجناة في اآلالم‪.‬‬

‫وحيث أن التجريم والعقاب البد وأن يخضع لقاعدة عامة مفادها "الضرورة‬

‫والتناسب"‪ ،‬فإذا كان معيار الضرورة واضح وال خالف حوله وهو ما تعيشه اإلنسانية‬

‫من أزمة صحية بسبب جائحة كورونا أرخت بظاللها على جميع املجاالت‪ ،‬فإن معيار‬

‫التناسب يبقى محط تساؤل ويثير نقاشات متعددة ومختلفة تنصب أساسا عن مدى‬

‫تناسب العقوبات املقررة بمقتض ى املرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية وتطبيق‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القضاء لهذه املقتضيات مع األفعال املجرمة باالرتكاز على فلسفة العقاب واحترام‬

‫مقتضيات الوثيقة الدستورية واملبادئ الجنائية ذات الصلة؟‬

‫لإلجابة على هذه اإلشكالية سنتناول املوضوع وفق خطة دراسية ثنائية تعتمد‬

‫على محورين على الشكل التالي‪:‬‬

‫املحور األول‪ :‬قراءة في العقوبات الواردة في املرسوم بقانون رقم ‪8.81.828‬‬

‫املتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجرءات اإلعالن عنها‪.‬‬

‫املحور الثاني ‪ :‬قراءة في أحكام قضائية صدرت خالل فترة الحجر الصحي ‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬قراءة في العقوبات الواردة في املرسوم بقانون رقم ‪8.81.828‬‬

‫املتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‬

‫عملت الحكومة املغربية على تنظيم حالة الطوارئ الصحية بموجب‬

‫املرسوم بقانون رقم ‪ 8.81.828‬الصادر في ‪ 81‬مارس ‪ 8181‬املتعلق بسن أحكام خاصة‬

‫بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‪.431‬‬

‫وهذا املرسوم بقانون حدد مبررات اللجوء إلى إعالن حالة الطوارئ الصحية‬

‫واإلجراءات املتبعة من أجل اإلعالن عنها وتمديدها‪ ،‬كما أنه حدد صالحيات الشرطة‬

‫اإلدارية التي تم تأهيل السلطات العمومية التخاذها في سبيل مواجهة تفش ي الوباء‪،‬‬

‫فضال عن تجريمه املخالفات املتعلقة بحالة الطوارئ وتحديد العقوبات املخصصة‬

‫لها من خالل املادة الرابعة من نفس املرسوم‪.‬‬

‫‪ - 431‬المرسوم بقانون رقم ‪ 0.02.0.0‬الصادر في ‪ 02‬رجب ‪ 1441‬الموافق ل ‪ 02‬مارس ‪ ،0202‬المتعلق بسن أحكام خاصة‬
‫بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 8286‬مكرر بتاريخ ‪ 0.‬رجب ‪ 1441‬الموافق ل ‪04‬‬
‫مارس ‪ ،0202‬ص‪.1620 :‬‬

‫‪P 348‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أوال‪ :‬قراءة في املادة الرابعة من املرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية‬

‫إن األصل في تشريع القوانين يعود للبرملان بوصفه سلطة تشريعية (الفصلين‬

‫‪ 91‬و ‪ 93‬من الدستور)‪ ،‬إال أن الحكومة تتقاسم معه ممارسة السلطة التشريعية‬

‫من خالل اصدار مراسيم القوانين في مجال القانون سواء بمقتض ى الفقرة الثالثة‬

‫من الفصل ‪ 91‬أو بموجب الفصل ‪ 23‬منه‪ ،‬وهو ما يثير تساؤالت حول السلطة التي‬

‫لها الحق في التشريع وتجريم األفعال وخصوصا تحديد العقوبات الخاصة بهذه‬

‫الجرائم علما أن هذه العقوبات كما هي واردة في املادة ‪ 4‬من املرسوم بقانون تمس‬

‫حريات األفراد وحقوقهم باإلضافة إلى املس بذمتهم املالية‪.‬‬

‫نصت املادة الرابعة من املرسوم بقانون رقم ‪ 8.81.828‬على أنه "يعاقب‬

‫على مخالفة أحكام الفقرة السابعة بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر وبغرامة تتراوح‬

‫بين ‪ 111‬و ‪ 3111‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬وذلك دون اإلخالل بالعقوبة‬

‫الجنائية األشد"‪.‬‬

‫يتضح من خالل هذه املادة أن املشرع املغربي اعتمد نفس السياسة الجنائية‬

‫املتبعة في الظروف العادية رغم أن األمر يتعلق بظرف صحي استثنائي يتمثل في‬

‫انتشار فيروس كوفيد ‪ 32‬وتهديده لألمن الصحي بالبلد‪ ،‬ومع ذلك فاملشرع اتبع نظام‬

‫العقوبة املوحدة للجرائم الناتجة عن خرق تدابير حالة الطوارئ الصحية‪.‬‬

‫وتتميز هذه العقوبة بأنها جنحة ضبطية معاقب عليها بالحبس أو بالغرامة‬

‫بحيث يمكن للقاض ي االختيار بين الحبس أو الغرامة أو الجمع بينهما تبعا لسلطته‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التقديرية في تفريد العقاب طبقا للفصل ‪ 343‬من القانون الجنائي مراعيا في ذلك‬

‫خطورة الجريمة من جهة وشخصية املتابع من جهة أخرى‪.‬‬

‫ولم يلزم املشرع املحكمة أن تعلل تفريد العقاب بل أوجب عليها الفصل ‪55‬‬

‫من القانون الجنائي في حالة جعل العقوبة موقوفة أن تعلل ذلك‪ ،‬وكذا في حالة‬

‫النزول عن الحد األدنى للعقوبة أو تجاوز الحد األقص ى‪.‬‬

‫وتكون املحكمة غير ملزمة ببيان عدم منح ظروف التخفيف للمتهم متى ارتأى‬

‫نظرها ذلك لكون ذلك يخضع للسلطة التقديرية ملحكمة املوضوع وال رقابة في ذلك‬

‫ملحكمة النقض‪.432‬‬

‫كما أشارت املادة الرابعة من املرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬أن هذه‬

‫العقوبة املخصصة لخرق أحكام الطوارئ يراعى فيها عدم وجود عقوبة جنائية لفعل‬

‫أشد وفقا لعناصر املتابعة‪ ،‬ويقصد بالعقوبة الجنائية األشد أي عقوبة أشد سواء‬

‫أكانت جنحة تأديبية أو جنائية ألن عبارة الجنائية وردت هنا ليس بمنطق الجناية‬

‫وإنما بمنطق العقوبة األشد‪.‬‬

‫بالرجوع للقانون الفرنس ي نجده قد ركز أساسا على العقوبات املالية‪ ،‬حيث تم‬

‫تعديل مقتضيات املادة ‪ 3-1316‬من القانون رقم ‪ 8181.821‬وذلك بإضافة خمس‬

‫فقرات نصت على عقوبات ملخالفة أحكام قانون الطوارئ الصحية‪ ،‬وقد نصت على‬

‫املعاقبة بغرامة ‪ 315‬أورو عن مخالفة التدابير املشار إليها أعاله‪ ،‬وفي حالة العود‬

‫‪ - 432‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 820‬بتاريخ ‪ ،0218/5/4‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،15-5042‬منشور بنشرة قرارات محكمة‬
‫النقض الغرفة الجنائية‪ ،‬الجزء السادس والعشرون‪ ،‬ص‪.122:‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يحكم بغرامة تتراوح بين ‪ 3511‬و ‪ 1111‬أورو‪ ،‬أما إذا تكررت املخالفة ألكثر من ثالث‬

‫مرات خالل الثالثين يوما‪ ،‬فتكون العقوبة هي الحبس ملدة ستة أشهر وغرامة ‪1951‬‬

‫أورو ويحكم بعقوبة تكميلية إذا ارتكبت املخالفة باستعمال عربة وذلك بسحب‬

‫رخصة السياقة ملدة ال تزيد عن ثالث سنوات‪ ،‬وفي حالة مخالفة األوامر بالتسخير‬

‫فتكون العقوبة الحبس ملدة ستة أشهر وغرامة ‪ 31.111‬أورو‪.433‬‬

‫وقد اعتمدت فرنسا على غرار عدد من الدول األوروبية مقاربة تعتمد على‬

‫التدرج في العقوبة من الغرامة إلى الرفع منها ثم النص على العقوبة الحبسية كعقوبة‬

‫مشددة‪ ،‬وبمقارنة التشريع املغربي في هذا الصدد نالحظ أن املرسوم بقانون حالة‬

‫الطوارئ الصحية لم يكن موفقا في إعمال مبدأ تفريد العقاب‪ ،‬حيث أنه اعتمد‬

‫الغرامة والعقوبة الحبسية كأساس لعقاب مخالف مقتضيات حالة الطوارئ‪ ،‬بل‬

‫أكثر من ذلك أشار إلى أنه باإلمكان اللجوء إلى القانون الجنائي إذا ما تطلب األمر‬

‫ذلك وبهدف تشديد العقاب أي الحكم بعقوبات أشد‪ ،‬وهذا التوجه يزيد من تكريس‬

‫أزمة العقوبات السالبة للحرية ويعمق من أزمة السجون التي تعاني من االكتظاظ‬

‫وما يؤدي إليه ذلك من استفحال الجريمة وتنامي ظاهرة العود إلى اإلجرام‪ ،‬فقد‬

‫يرتكب شخص ما جريمة بسيطة تتمثل في عدم ارتداء الكمامة الواقية أو الخروج‬

‫بدون ترخيص السلطات املعنية في ظل حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬ويحكم عليه بعقوبة‬

‫سالبة للحرية فيلتقي في السجن بمجرمين أكثر خطورة فيتعلم منهم ويتأثر بهم ليصبح‬

‫‪ - 433‬اطلع عليه بالموقع االلكتروني‪ www.maroclaw.com :‬بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪.0202‬‬

‫‪P 343‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مستقبال محترفا لإلجرام فكان حريا باملشرع املغربي وتالفيا لتلك النتائج الوخيمة‬

‫على منظومة العدالة وعلى املجتمع كله أن يكتفي بالغرامات كعقوبات مخصصة‬

‫لخرق حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬وأن يعتمد أساليب أخرى لردع مخالفي مقتضيات‬

‫الحجر الصحي‪ ،‬كسحب رخصة السياقة أو حجز املركبات التي يتم بواسطتها خرق‬

‫أحكام قانون الطوارئ الصحية وغيرها‪ ،‬وحتى إن تم اللجوء إلى العقوبات السالبة‬

‫للحرية فكان من األجدر جعلها تسري في أضيق الحدود ومرتبطة بالعود إلى خرق بنود‬

‫حالة الطوارئ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬قراءة في الدوريات والبالغات الصادرة عن الجهات املعنية بتفعيل‬

‫املرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية‬

‫‪ -3‬دوريات النيابة العامة‬

‫ورد في بالغ عن رئاسة النيابة العامة "أن النيابات العامة بمحاكم اململكة‬

‫تابعت منذ دخول املرسوم بقانون املذكور حيز التنفيذ بتاريخ ‪ 84‬مارس ‪ 8181‬إلى‬

‫غاية يوم الخميس ‪ 18‬أبريل ‪ 8181‬على الساعة الرابعة زواال‪ ،‬ما مجموعه ‪4215‬‬

‫شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬من بينهم ‪ 114‬أحيلوا على املحكمة في‬

‫حالة اعتقال‪ ،‬كما كانت النيابات العامة قد تابعت ‪ 861‬شخصا منهم ‪ 41‬شخصا في‬

‫حالة اعتقال‪ ،‬من اجل مخالفة بعض مقتضيات القانون الجنائي‪ ،‬منذ إعالن‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السلطات العمومية لحالة الحجر الصحي بتاريخ ‪ 81‬مارس وإلى غاية ‪ 81‬مارس من‬

‫هذه السنة‪ ،‬ليصل بذلك مجموع املتابعين في هذا اإلطار إلى ‪ 5122‬شخصا‪."434‬‬

‫وبتأمل هذه اإلحصائيات الرسمية يتبين أنه خالل مدة عشرة أيام تم تقديم ما‬

‫مجموعه ‪ 4215‬شخصا من أجل خرق قانون الطوارئ الصحية بمعدل ‪ 412.5‬يوميا‪،‬‬

‫وبلغت نسبة املتابعين في حالة اعتقال ‪ ،%6.23‬وهذا يعيد طرح إشكالية االعتقال‬

‫االحتياطي واملساوئ التي تترتب عنه وتمس باملتهم وأسرته ويزيد الوصم االجتماعي‬

‫الطين بلة‪.‬‬

‫عالوة على ما ذكر فإن هذا الكم الهائل من املتابعات‪ ،‬سواء في حالة اعتقال‬

‫أو في حالة سراح‪ ،‬بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية سيشكل ضغطا هائال على‬

‫مختلف مصالح الشرطة القضائية وعلى القضاء ملعالجة ملفاتهم‪ ،‬ويطرح تحدي‬

‫إنجاز محاضر قانونية ومحاكمات عادلة تراعي الضمانات القانونية املمنوحة‬

‫للمتهمين وتخضع لألجل املعقول للمحاكمة كمبدأ دستوري منصوص عليه في‬

‫الفصل ‪ 381‬من الدستور‪ ،435‬زد على ذلك إصدار عقوبات حبسية قصيرة املدة كما‬

‫هو منصوص عليه في املادة ‪ 4‬من القانون بمرسوم حالة الطوارئ الصحية لن تجدي‬

‫نفعا في إصالح املتهم بل تزيد من إمكانية احتراف اإلجرام‪.‬‬

‫‪ - 434‬الموقع الرسمي للنيابة العامة‪ www.presidenceministrepublic.ma :‬اطلع عليه بتاريخ‪ ،0202/5/02 :‬على‬
‫الساعة‪.12:22 :‬‬
‫‪ - 435‬ينص الفصل ‪ 102‬من الدستور المغربي على أنه‪" :‬لكل شخص الحق في محاكمة عادلة‪ ،‬وفي حكم يصدر داخل أجل‬
‫معقول‪.‬‬
‫حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم"‪.‬‬

‫‪P 345‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -8‬البالغ املشترك بين مجموعة من الوزارات القاض ي بإجبارية حمل الكمامات‬

‫الواقية من فيروس كورونا‬

‫أعلنت وزارة الداخلية والصناعة واالستثمار والتجارة واالقتصاد الرقمي‬

‫في بالغ مشترك‪ ،‬صدر بتاريخ ‪ 6‬أبريل ‪ 8181‬على إلزامية وضع الكمامات الواقعية‬

‫بالنسبة لجميع األشخاص املسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحاالت‬

‫االستثنائية املقررة سلفا‪ ،‬وذلك ابتداء من يومه الثالثاء سابع أبريل ‪.8181‬‬

‫وقد تم االستناد في هذا على املرسوم بقانون رقم ‪ 8.81.828‬الصادر بتاريخ ‪81‬‬

‫مارس ‪ ،8181‬املتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن‬

‫عنها‪ ،‬والذي منح السلطات الحكومية املكلفة بتدبير حالة الطوارئ الصحية اتخاذ‬

‫اإلجراءات املناسبة لحماية صحة وأمن املواطنين‪ ،‬والسهر على تطبيق كافة التدابير‬

‫الواجب اتخاذها خالل فترة الحجر الصحي‪ ،‬ويتم اتخاذ تلك التدابير بموجب مراسيم‬

‫ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبالغات‪.‬‬

‫تبعا لذلك أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ 8181‬وتتعلق‬

‫بمخالفة "حمل الكمامات" خالل فترة الحجر الصحي‪ ،‬وقد جاءت هذه الدورية‬

‫بعدما تم اعتبار عدم حمل "الكمامات الواقية" من طرف األشخاص املسموح لهم‬

‫بمغادرة مساكنهم ألسباب خاصة‪ ،‬يشكل جنحة يعاقب عليها بمقتض ى املادة الرابعة‬

‫من املرسوم بقانون رقم ‪ ،8.81.828‬وهذه الجنحة تعتبر منفصلة عن جنحة خرق‬

‫‪P 346‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تدابير الحجر الصحي املتعلق بعدم مالزمة مكان اإلقامة‪ ،‬أو خرق غيرها من التدابير‬

‫األخرى التي قررتها السلطات العمومية املختصة في هذا املجال‪.436‬‬

‫واملالحظ من خالل ما ورد في هذه الدورية أنه تم توسيع األفعال املجرمة‬

‫بمناسبة حالة الطوارئ الصحية بواسطة بالغ مشترك صدر من وزارة الداخلية‪،‬‬

‫والصناعة واالستثمار والتجارة واالقتصاد الرقمي‪ ،‬هذا البالغ لم يتم اإلعالن عنه‬

‫من أجل االطالع عليه إال في وقت متأخر من يوم ‪ 6‬أبريل ليلزم جميع املواطنين‬

‫املغاربة بوضع الكمامة الواقية ابتداء من يوم ‪ 9‬أبريل ‪ ،8181‬وهذا الوقت لم يكن‬

‫كافيا ووصف البالغ باملتسرع في اإللزام بهذا املقتض ى عموما‪ ،‬وما زاد اإلشكال‬

‫تعقيدا هو عدم توفر الكمامات الواقية بالصيدليات واملتاجر وهو ما يجعل تطبيق‬

‫هذه املقتضيات غير ذي منطق وال يتماش ى وواقع الحال‪ ،‬فكان من األولى توفير‬

‫الكمامات الواقية بمختلف املحالت التجارية والصيدليات أوال ثم إعطاء مهلة كافية‬

‫ال تقل عن يومين حتى يستطيع املواطن اقتناء الكمامة وبعد ذلك يمكن جعل عدم‬

‫وضع الكمامة مخالفة‪ ،‬أقول مخالفة حسب رأيي وليس جنحة كما ورد في الدورية؛‬

‫ألن فعل ارتداء الكمامة الواقية من غيره ال يشكل خطرا كبيرا يهدد املجتمع‪،‬‬

‫خصوصا إذا ما قرنا ذلك بتصريح سابق لرئيس الحكومة يؤكد فيه أنه ال داعي‬

‫الرتداء الكمامات وأن من يجب عليه وضعها هو الشخص الصاب بالفيروس فقط‬

‫‪،‬وما صاحب ذلك من تضارب في اآلراء من طرف املختصين في املجال الطبي حول‬

‫‪ - 436‬المملكة المغربية‪ ،‬رئاسة النيابة العامة‪ ،‬الدورية تتعلق بمخالفة "حمل الكمامات" خالل فترة الحجر الصحي‪ ،‬صادرة‬
‫بتاريخ ‪ 6‬أبريل ‪ ،0202‬ص‪ 1 :‬و ‪.0‬‬

‫‪P 347‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫طريقة انتشار فيروس كورونا ومدى فعالية استعمال الكمامة في الحد من انتشار‬

‫الفيروس‪ ،‬وبناء عليه كان من األجدى اعتبار عدم وضع الكمامة الواقعية مخالفة‬

‫واالقتصار في معاقبة مخالفي هذا األمر على الغرامات وذلك أقص ى ما كان يلزم‬

‫كعقوبة مخصصة لهذا املقتض ى‪ ،‬إال أن الدورية‪ ،‬أحالت على العقوبات الواردة في‬

‫املادة الرابعة من املرسوم بقانون رقم ‪ 8.81.828‬والتي تتضمن عقوبات حبسية‬

‫تتراوح بين شهر وثالثة أشهر والغرامة التي تتراوح بين ‪ 111‬و ‪ 3111‬درهم أو بإحدى‬

‫هاتين العقوبتين‪ ،‬وهو ما ال يتناسب بتاتا مع مخالفة وضع الكمامة الواقعية‪ ،‬ثم إن‬

‫اإلحالة على املرسوم بقانون وهذا األخير تضمن أيضا إحالة على القانون الجنائي‬

‫فكثرة اإلحاالت سواء منها الداخلية أو الخارجية وكذلك التضخم في النصوص‬

‫الجنائية أمور تضر بالقانون الجنائي وتمس باألمن القانوني‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أيضا هو ما تضمنته الدورية بأن للحكومة الحق بمقتض ى‬

‫املرسوم بقانون ‪ 8.81.828‬في اتخاذ اإلجراءات الالزمة للحفاظ على سالمة وأمن‬

‫املواطنين وذلك بموجب مراسيم أو مقررات تنظيمية وإدارية‪ ،‬أو بواسطة مناشير‬

‫وبالغات (املادة الخامسة من املرسوم بقانون)‪ ،‬ومن خالل املقتض ى السالف الذكر‬

‫واملتعلق بمخالفة وضع الكمامة الواقية يتضح أن الحكومة لها الحق حسب هذا‬

‫السياق في أن تجرم ما شاءت من األفعال وأن تحدد العقوبات كما تريد وذلك‬

‫بواسطة منشور فقط‪ ،‬وهذا ما يطرح بشكل قوي اإلشكال املتعلق بالشرعية‪،‬‬

‫خصوصا وأن سلطة التشريع في األصل تعود للبرملان أما الحكومة فلها هذه‬

‫‪P 340‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الصالحية بشكل استثنائي‪ ،‬واالستثناء ال يجب التوسع في تفسيره وال يجب أن يتنافى‬

‫مع املبادئ العامة وأال يمس بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور املغربي‬

‫والقوانين األخرى الجاري بها العمل‪.‬‬

‫وإذا كان املشرع قد تشدد في العقوبات املخصصة لخرق حالة الطوارئ‬

‫الصحية كما يبدو من املادة ‪ 4‬فإن الضابطة القضائية قد كانت صارمة في تطبيق‬

‫بنود املرسوم بقانون ويتجلى ذلك من خالل عدد املتابعين‪ ،‬وما صاحب ذلك من‬

‫إسراف في اللجوء إلى االعتقال ويظهر ذلك من خالل اإلحصائيات السالفة الذكر‬

‫وما يزيد األمر تعقيدا هو توقف املحاكم عن العمل بالشكل العادي كما هو معروف‬

‫في األيام قبل انتشار فيروس كورونا‪ ،‬اللهم الحل الذي ابتدع ملحاولة تصريف قضايا‬

‫املتابعين في حالة اعتقال والذي يتمثل في املحاكمة عن بعد وما يطرحه هذا األمر‬

‫أيضا من إشكاالت تتعلق أساسا بمبدأ الشرعية ومدى احترام ضمانات املحاكمة‬

‫العادلة‪ ،‬ليبقى املتابعون في حالة سراح غير معروف تاريخ محاكمتهم وهو ما يجعلنا‬

‫نتساءل عن مدى احترام الحق في األجل املعقول للمحاكمة؟‬

‫املحور الثاني‪ :‬قراءة في أحكام قضائية صدرت خالل فترة الحجر الصحي‬

‫بخصوص بعض األحكام القضائية الصادرة زمن كوفيد ‪ 32‬واملتعلقة‬

‫بتطبيق مقتضيات خرق حالة الطوارئ الصحية املرتبطة بانتشار فيروس كورونا‬

‫املستجد "كوفيد‪ ،"32‬فاملالحظ أنها اتسمت بنوع من تشديد العقوبة وتطبيق‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لظروف التشديد في الحاالت التي عرفت تجاوز وعدم االنضباط لبنود وما جاء به‬

‫مرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الحكم الصادر عن ابتدائية فاس بتاريخ ‪ 8‬أبريل ‪8181‬‬

‫‪ -3‬وقائع القضية و منطوق الحكم‬

‫حيث أن أحد األحكام الصادر عن املحكمة االبتدائية بفاس بتاريخ ‪ 8‬أبريل‬

‫‪ 4378181‬واملتعلق بضبط أحد عشر شخصا وهم يتواجدون بمحل خاص باألنترنيت‬

‫ولم يكونوا يتوفرون على رخصة التنقل الخاصة‪ ،‬حيث تمت متابعة شخصين منهم‬

‫في حالة اعتقال وأن أحدهما حسب ما جاء في الحكم تنازل عن حقه في الدفاع وبعد‬

‫التأمل طبقا للقانون قضت املحكمة ابتدائيا علنيا وحضوريا في حق املتهم األول‬

‫والثاني وبمثابة حضوري في حق الباقين‪ ،‬بمؤاخذة املتهمين من أجل املنسوب إليهم‬

‫والحكم على املتهم األول والثاني بالحبس النافذ ملدة شهرين اثنين وغرامة نافذة‬

‫قدرها ‪ 3111‬درهم والحكم على باقي املتهمين بالحبس املوقوف التنفيذ ملدة شهرين‬

‫اثنين وغرامة نافذة قدرها ‪ 3111‬درهم مع تحميلهم الصائر تضامنا وتحديد مدة‬

‫اإلكراه البدني في حقهم في الحد األدنى‪.‬‬

‫‪ -8‬التعليق على الحكم‬

‫من خالل هذا الحكم ال بد من إبداء بعض املالحظات في عالقة الحكم‬

‫بفلسفة العقاب والظروف التي فرضتها حالة انتشار وباء كورونا وما يجب مراعاته‬

‫‪ - 437‬حكم في ملف جنحي تلبسي عدد ‪ ،8080/299‬الصادر بتاريخ‪ ،8080-09-08 :‬عن المحكمة االبتدائية بفاس‪ ،‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 358‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من مبادئ قانونية‪ ،‬وحيث إن متابعة شخصين في حالة اعتقال كان من األولى عدم‬

‫اللجوء إلى االعتقال ومتابعة الجميع في حالة سراح‪ ،‬نظرا ملا في االعتقال من مساس‬

‫بالحرية أوال‪ ،‬ثم إن دخول الشخص ملؤسسة العقاب ومخالطة مجرمين محترفين‬

‫قد يجعل منه مجرما خطيرا في حين أنه مبدئيا خرق حالة الطوارئ وهو األمر الذي‬

‫يمكن النظر إليه من زاوية الشخص ودوافع ارتكابه لهذا الخرق بأنه ال يشكل خطورة‬

‫بمعنى غياب الخطورة اإلجرامية لدى الشخص‪ ،‬رغم ما يمكن أن يقال من جهة‬

‫أخرى على أن فعل خرق حالة الطوارئ الصحية أي الجريمة تشكل خطرا بالغا على‬

‫األمن الصحي للمجتمع‪ ،‬وهو ما يبرر التشدد في معاقبة املخالفين‪ ،‬إال أن هذا األمر‬

‫لم يثبت في وقائع القضية أنه تحققت هذه النتيجة ليبقى الحكم املتشدد الصادر‬

‫معاقبا ملا يحتمل أن يحدث وليس ما وقع بالفعل وهو ما يطرح السؤال عن مدى‬

‫صحت مبرراته أوال وعن تحقيقه ألغراض العقوبة ثانيا‪ ،‬علما أن السجون تعاني‬

‫اكتظاظا وهو ما يسهل أمر جعل كل من دخل إليها بمناسبة جريمة بسيطة أن يصير‬

‫من عتاة املجرمين‪ ،‬كما أن العقوبات السالبة للحرية قصيرة املدة ال تصلح لتحقيق‬

‫التأهيل واالندماج اللذين يعتبران أهم أغراض وأهداف السياسة العقابية الحديثة‪.‬‬

‫ولعل ما جاء في الحكم بخصوص أحد املتابعين في حالة اعتقال أنه تنازل عن‬

‫حقه في الدفاع أي أن محاكمته كانت بدون مؤازرة محامي‪ ،‬وهذا األمر يضع ضمانات‬

‫املحاكمة العادلة على املحك‪ ،‬وهو ما يؤدي أيضا إلى التساؤل عن شرعية العقوبة‪،‬‬

‫خصوصا وأن املحكمة قضت بعقوبات سالبة للحرية‪ ،‬فكان على املحكمة تعيين‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫محام‪ ،‬في إطار املساعدة القضائية ملؤازرة املتهم احتراما لضمانات املحاكمة العادلة‬

‫وتحقيقا للموازنة بين حق االدعاء وحق الدفاع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحكم الصادر عن ابتدائية القنيطرة بتاريخ ‪ 2‬أبريل ‪8181‬‬

‫‪ -3‬وقائع القضية و منطوق الحكم‬

‫أصدرت املحكمة االبتدائية بالقنيطرة وهي تبت في القضايا الجنحية‬

‫التلبسية‪ ،‬اعتقال‪ ،‬بتاريخ ‪ 2‬أبريل ‪ 8181‬حكما ابتدائيا علنيا وحضوريا بعدم‬

‫االختصاص للبت في القضية‪ ،438‬مع إحالة مقيم الدعوى العمومية على من له حق‬

‫النظر‪ ،‬معتمدة في ذلك على املادة ‪ 121‬من قانون املسطرة الجنائية والتي تنص على‬

‫أنه "إذا لم يكن للفعل وصف جنحة أو مخالفة تدخل ضمن اختصاص املحكمة‪،‬‬

‫فإنها تصرح بعدم اختصاصها وتحيل الطرف الذي أقام الدعوى العمومية على من‬

‫له حق النظر"‪.‬‬

‫وبالرجوع لوقائع القضية نجد أن فعل السرقة ارتكب من طرف شخصين قاما‬

‫بسرقة كبش ووضعاه بصندوق سيارة لشخصين آخرين‪ ،‬وعند ضبطهما قامت‬

‫عناصر الشرطة بتفتيش صندوق السيارة الخلفي لتجد بداخله كيس به كبش من‬

‫الحجم الكبير ومبلغ مالي بحوزة أحد املتهمين بقيمة ‪ 1381‬درهم‪ ،‬فباإلضافة لظرف‬

‫التعدد‪ ،‬وبما أن هذا الفعل ارتكب في زمن الطوارئ الصحية‪ ،‬بمناسبة انتشار‬

‫فيروس كورونا املستجد "كوفيد ‪ ،"32‬األمر الذي اعتبرته املحكمة كارثة‪ ،‬وأعطت‬

‫‪ - 438‬حكم جنحي رقم ‪ ،02-0122-4.5‬صادر بتاريخ ‪ ،2./24/0202‬عن المحكمة االبتدائية بالقنيطرة غير منشور‪.‬‬

‫‪P 352‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لهذا الفعل املرتكب من طرف هؤالء تكييفا يجعل من هذا الجرم خارج اختصاص‬

‫املحكمة االبتدائية معتمدة في ذلك على ما نص عليه الفصل ‪ 531‬من القانون‬

‫الجنائي وبالضبط عبارة "أو أي كارثة أخرى" حيث جعلت املحكمة من انتشار فيروس‬

‫كوفيد ‪ 32‬باملغرب كارثة يمكن معها تطبيق مقتضيات الفصل ‪ 531‬من القانون‬

‫الجنائي‪ ،‬واعتبار السرقة في زمن كوفيد ‪ 32‬جناية‪.‬‬

‫‪ -8‬التعليق على الحكم‬

‫ال بد من اإلشارة بداية إلى أن جائحة كورونا شكلت خطرا على سكان‬

‫املعمور‪ ،‬وتسببت في أزمة صحية أثرت بدورها على مختلف القطاعات واملجاالت‬

‫األخرى فأصبحت أزمة عامة‪ ،‬مما دفع باململكة املغربية إلى إصدار مرسوم بقانون‬

‫رقم ‪ 8.81.828‬يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن‬

‫عنها‪ ،‬حيث تم فرض الحجر الصحي وإلزام املواطنين بالبقاء في محل سكناهم وعدم‬

‫مغادرته إال للضرورة القصوى في محاولة لحصر انتشار الفيروس والقضاء عليه‬

‫نهائيا‪ ،‬وبسبب ذلك هناك من اعتبر أن هذا الوضع أصبح معه من املتعذر على‬

‫األشخاص حماية ممتلكاتهم كما أن الوضعية املادية ألغلب األسر املغربية التي ال‬

‫تتوفر على دخل قار أصبحت متأزمة‪ ،‬وهو ما يستدعي ويؤكد طرح املحكمة في جعل‬

‫انتشار فيروس كوفيد ‪ 32‬ظرف تشديد لتصير معه السرقة املرتكبة في ظل حالة‬

‫الطوارئ الصحية جناية‪.‬‬

‫‪P 353‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن مواد وفصول القانون الجنائي تمس بشكل‬

‫مباشر حقوق وحريات األفراد وتتضمن قواعد زجرية يغلب عليها طابع الشدة‬

‫والصرامة في التعاطي مع كل من خرق مقتضيات القانون الجنائي باإلضافة إلى‬

‫عبارات ومفاهيم فضفاضة وواسعة‪ ،‬مما يترتب عنه مساسا خطيرا بحقوق األفراد‪،‬‬

‫إذا ما ارتبط ذلك بسوء فهم مقتضيات القانون الجنائي أو التوسع في تفسير ما جاء‬

‫في فصوله‪ ،‬وهو ما يتناقض مع طبيعة القانون الجنائي‪ ،‬والتي تعتمد باألساس مبدأ‬

‫الشرعية أي "ال جريمة وال عقوبة إال بنص قانوني" ثم االرتكان في تطبيق القانون‬

‫على عدم التوسع في تفسير عباراته ومصطلحاته بهدف عدم املس بحقوق الناس‬

‫التي لم يحرمها القانون وكذلك من أجل تفادي تشديد العقاب في غير محله وال في‬

‫نازلته‪ ،‬ألن أمر تجريم سلوكات وأفعال األفراد من صلب اختصاصات السلطة‬

‫التشريعية‪.‬‬

‫هذه األخيرة لم تكن موفقة في صياغة نص قانوني جنائي واضح ودقيق كما هو‬

‫عليه األمر في الفصل ‪ 531‬من القانون الجنائي والذي يتضمن عبارة "أو أي كارثة‬

‫أخرى" الش يء الذي جعل الباب مفتوحا على مصراعيه من أجل االجتهاد في تفسير‬

‫وإدخال النازلة موقع الحال في مفهوم الكارثة وبالتالي إيجاد مصوغ قانوني لتشديد‬

‫العقاب‪ ،‬وهو ما نجده غير سليم ويذكرنا بقانون "كل ما من شأنه" الذي ثارت بشأنه‬

‫أقالم الكثير من املتخصصين في املادة الجنائية حتى تم استبعاد هذه العبارة من‬

‫القانون الجنائي املغربي لنجد أنفسنا أمام عبارة أخرى شبيهة إلى حد كبير بعبارة‬

‫‪P 354‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫"كل ما من شأنه"‪ ،‬و حتى اذا قبلنا جدال بالخوض في تفسير مصطلح "كارثة" فإنه‬

‫البد من الرجوع في ذلك إلى األصل ‪،‬أي القانون الفرنس ي‪ ،‬هذا األخير نجده استعمل‬

‫مصطلح"‪ "Trouble‬وهذا املصطلح يعني االضطراب‪ ،‬أي عدم استتباب األمن‪ ،‬وحالة‬

‫من الفوض ى العامة‪ ،‬ومصطلح االضطراب يساير إلى حد كبير سياق الفصل ‪531‬‬

‫من القانون الجنائي املغربي‪ ،‬ألنه هو ما يحصل و يحدث في أوقات الحريق أو‬

‫الفيضان أو االنفجار أو التمرد أو الغرق أو االنهدام‪ ،‬حيث يكون األمن غير مستتب‬

‫ويصبح من العسير جدا على الفرد حماية ممتلكاته الخاصة‪.‬‬

‫وحيث أن الدولة قائمة‪ ،‬بل أصبحت أكثر حذرا وتواجدا في الشوارع وجميع‬

‫األمكنة من أجل مراقبة مدى التزام املواطنين بالحجر الصحي‪ ،‬كما أن فعل السرقة‬

‫موضوع القضية تم ضبطه بالسرعة املطلوبة‪ ،‬فإن هذا ينفي ما اعتبره البعض من‬

‫أن حالة الحجر الصحي تجعل الناس غير قادرة على مراقبة وحماية ممتلكاتها‪ ،‬وحيث‬

‫أن هذا األمر واجب أوال على الدولة من خالل السلطات املكلفة باستتباب األمن‬

‫والحفاظ على املصالح ورعاية املواطنين في كل مناحي حياتهم‪ ،‬عالوة على ما قيل‬

‫فإننا نعتبر أنه من املستحسن أن يتجه القاض ي في تفسير نصوص القانون الجنائي‪،‬‬

‫إذا ما كان لذلك لزوم‪ ،‬في منحى حماية حقوق املتهم وصيانة حقوق الدفاع‪ ،‬بناء‬

‫على مجموعة من املبادئ الجنائية مثل املبدأ العام الذي يقض ي بأن "كل ما ليس‬

‫محرم فهو مباح"‪ ،‬وكذلك مبدأ "تفسير الشك لصالح املتهم"‪ ،‬باإلضافة إلى أن "تبرئة‬

‫مئة متهم خير من إدانة بريء واحد"‪.‬‬

‫‪P 355‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لقد شدد املشرع العقوبة للسرقة املرتكبة أثناء هذه الحوادث نظرا ملا تكشف‬

‫عنه من خطورة واضحة‪ ،‬فالجاني بدل أن يؤدي ما يفرضه عليه واجب التضامن‬

‫االجتماعي من تقديم املساعدة للضحايا للتخفيف عليهم من اثار الكوارث‪ ،‬يستغل‬

‫حالة االضطراب والفوض ى وعجز الضحية عن حماية ملكه‪ ،‬فيقوم بالنهب و االثراء‬

‫والجشع على حساب الضحايا املذعورين من هول الكارثة وآالمها‪ ،‬وال شك أن هذا‬

‫يبرز ما يضمره السارق من قساوة القلب‪ ،‬و األنانية الطاغية‪.439‬‬

‫والعلة من تشديد العقوبة في حالة وقوع السرقة وقت الكوارث تبرز من خالل‬

‫األمثلة التي مثل بها املشرع للكوارث في الفقرة ما قبل األخيرة من الفصل ‪ 531‬من‬

‫القانون الجنائي‪ ،‬حيث قرر تشديد عقوبة السرقة التي تقع في أوقات الحريق‪ ،‬أو‬

‫االنفجار‪ ،‬أو االنهدام‪ ،‬أو الفيضان أو الغرق أو التمرد أو أية كارثة أخرى‪ ،‬حيث يسود‬

‫الناس فيها االضطراب والخوف على حياتهم فيبحثون عن سبل النجاة بأنفسهم‬

‫وأبنائهم‪ ،‬قبل التفكير في املال أووسائل حمايته من اللصوص‪ ،‬أو ان هم فكروا فيه‬

‫فال سبيل لهم غالبا إلى حمايته وصيانته‪.440‬‬

‫وبالرجوع ملقتضيات القانون الجنائي املغربي الخاصة بتفريد العقاب نجده‬

‫يتأطر بالفصول من ‪ 343‬إلى ‪ 368‬من القانون الجنائي املغربي‪ ،‬واملثير للجدل في هذه‬

‫الفصول هو الفصل ‪ 441363‬الذي ينص على أنه "في حالة اجتماع أسباب التخفيف‬

‫‪ - 439‬أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪،1.28‬‬
‫ص‪.282 :‬‬
‫‪ - 440‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪ ،022.‬ص‪.282 :‬‬
‫‪ - 441‬الفصل ‪ 181‬من القانون الجنائي المغربي‪.‬‬

‫‪P 356‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وأسباب التشديد‪ ،‬يراعي القاض ي في تحديد العقوبة مفعول كل منها على الترتيب‬

‫التالي‪:‬‬

‫‪ -‬الظروف املشددة العينية املتعلقة بارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫‪ -‬الظروف املشددة الشخصية املتعلقة بشخص املجرم‪.‬‬

‫‪ -‬األعذار القانونية املتعلقة بارتكاب الجريمة واملخففة للعقوبة‪.‬‬

‫‪ -‬األعذار القانونية املتعلقة بشخص املجرم واملخففة للعقوبة‪.‬‬

‫‪ -‬حالة العود‪.‬‬

‫‪ -‬الظروف القضائية املخففة‪.‬‬

‫ومن خالل هذا الفصل يتضح أن املشرع أعطى األولوية للظروف املشددة‬

‫بنوعيها في التطبيق‪ ،‬وقيد بذلك السلطة التقديرية للقاض ي الجنائي بحيث جعل‬

‫الظروف القضائية املخففة آخر ما يتم األخذ به عند النظر في القضية من أجل‬

‫تقدير العقوبة‪ ،‬إال أن هذا القول ال يعفي القاض ي من مسؤولية تحديد عقوبة عادلة‬

‫كفيلة بتحقيق غايات ومرامي علم العقاب واستحضار ما تعاني منه املنظومة‬

‫الجنائية من إشكاالت‪ ،‬ومدى مساهمة املجتمع كذلك في انتشار اإلجرام‪.‬‬

‫وعموما فإن املحكمة ‪-‬أو القاض ي‪ -‬ال يمكنها بأي حال من األحوال أن تتجاهل‬

‫الكيفية التي ارتأى املشرع نهجها عند اعمال األسباب املخففة للعقوبة أو األسباب‬

‫‪P 357‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشددة لها‪ ،‬وال كيفية إعمال هذه األسباب املختلفة في حالة اجتماعها وتنوعها ما‬

‫لم يوجد نص خاص يقض ي بخالف ذلك‪.442‬‬

‫وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن املشرع نهج سياسة تشديد العقوبة في حالة العود‬

‫إلى الجريمة وهو ما تؤكده الفصول ‪ 355‬و ‪ 359‬و ‪ 352‬من القانون الجنائي‪ ،‬حيث‬

‫أن العقوبة السالبة للحرية قد تصل لضعف العقوبة املقررة للجريمة في حالة‬

‫العود‪ ،‬والذي نريد اإلشارة إليه في هذا الصدد هو عالقة تشديد العقوبة بإصالح‬

‫الجاني واإلقالع عن ارتكاب الجرائم‪ ،‬فإذا كانت العقوبة السالبة للحرية لم تفلح عند‬

‫ارتكاب املجرم لجريمته األولى فكيف لها أن تفلح في ردعه عند معاودة إتيان الجريمة؟‬

‫فاملشرع يدرك أنه ال يستطيع من خالل العمل التشريعي أن يحقق التناسب‬

‫العادل بين العقوبة وبين ظروف الجاني والجريمة‪ ،‬ألنه ال يعرف املجرمين‬

‫بأشخاصهم‪ ،‬ويستحيل عليه أن يحصر ظروفهم‪ ،‬أو أن يتنبأ بكل االعتبارات التي‬

‫تحقق العدالة الجنائية‪ ،‬لذلك فمن املناسب أن يمنح القاض ي سلطة تقديرية ألنه‬

‫ومن خالل بحثه في الوقائع والظروف واملالبسات التي أحاطت بالجريمة واملجرم‪،‬‬

‫يكون وحده القادر على تحديد نوع العقوبة املناسبة ومقدارها ساعيا من وراء ذلك‬

‫إلى تحقيق أغراض العقوبة‪.443‬‬

‫فالعمل التشريعي والعمل القضائي في تحديد العقوبة مرتبطان ومكمالن‬

‫بعضهما بعضا‪ ،‬فإذا كان العمل القضائي ال يتصور بغير عمل تشريعي سابق يستند‬

‫‪ - 442‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬سنة ‪ ،0212‬ص‪.2.8 :‬‬
‫‪ - 443‬نوفل عبد هللا الصفو‪ ،‬بحوث في القانون الجنائي المقارن‪ ،‬المكتبة العصرية للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ ،0212‬ص‪.022 :‬‬

‫‪P 350‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إليه ويستمد منه حدوده وقواعده‪ ،‬فإن العمل التشريعي الذي ال يكمله عمل قضائي‬

‫هو جهد نظري عاطل ال يحقق املنفعة االجتماعية‪.444‬‬

‫ويمكن القول أن التجريم سلطة أصيلة للمشرع وتحديد العقوبة يجب أن‬

‫يكون بشكل واضح ودقيق ال يترك مجاال للغموض أو كثرة االحتماالت‪ ،‬كما يجب على‬

‫القضاء إعمال النص التشريعي بما يتوافق ومبادئ العدالة وتحقيقا ألغراض‬

‫العقوبة‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال من خالل االنطالق في ذلك من فلسفة العقاب ونظرية‬

‫الحق والتشبع بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها دوليا‪.‬‬

‫وباملناسبة‪ ،‬فمعظم الفقه الجنائي أصبح يتبنى اتجاها موسعا لنطاق الحد من‬

‫التجريم والعقاب‪ ،‬بحيث يجب أن ال يقتصر ذلك على القانون الجنائي وإنما يجب‬

‫أن يمتد لكافة القوانين املتضمنة للنصوص الجنائية بإلغائها أو الحد من تجريمها‪،‬‬

‫والحد يشمل العقاب بتخفيضه وذلك بالنزول من حالة الجناية إلى الجنحة أو من‬

‫الجنحة للمخالفة‪ ،‬أو تقرير نظام عقابي آخر قد يكون القانون املدني أو اإلداري أو‬

‫التوفيق بينهما‪ ،‬أو على األقل التوسيع من الحاالت التي يعطي فيها املشرع للقاض ي‬

‫صالحية تخفيض العقوبة في الحد األدنى املقرر لها قانونا أو االعتماد تشريعيا و‬

‫قضائيا على بدائل العقوبات السالبة للحرية كالعمل لفائدة املنفعة العامة أو‬

‫الغرامة اليومية وغيرهما من البدائل التي تنطلق من فلسفة العقاب وتستهدف‬

‫تهذيب وإصالح الجاني وإعادة ادماجه داخل املجتمع وبالتالي الحد من انتشار‬

‫‪ - 444‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النقري للطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪ ،1.65‬ص‪.688 :‬‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الجريمة والعود إليها وهذا هو الغرض الذي يصبو إليه كل مجتمع من خالل القانون‬

‫الجنائي‪.‬‬

‫خـ ــاتـم ــة‪:‬‬

‫صفوة القول‪ ،‬أن حالة الطوارئ الصحية تتعلق بموضوع حيوي يتصل‬

‫بأهم السياسات االجتماعية والقطاعية‪ ،‬وأكثرها حساسية التصالها بعموم‬

‫املواطنين وبمبادئ وقواعد املنظومة الصحية من جهة‪ ،‬والحريات والحقوق‬

‫األساسية من جهة أخرى‪ ،‬لذا فانه يتعين على الحكومة وكل املتدخلين في هذا الصدد‬

‫مراعاة و محاولة املوازنة بين حماية املصلحة العامة وبين صيانة الحقوق والحريات‬

‫في احترام ملبادئ وقواعد العدالة واإلنصاف‪ ،‬والتشبع بثقافة حقوق اإلنسان وتقدير‬

‫املواثيق واملعاهدات الدولية التي صادق عليها املغرب واعتبرتها الوثيقة الدستورية‬

‫تسمو على القوانين الداخلية‪ ،‬بناء عليه يمكن تقديم مجموعة من التوصيات لها‬

‫عالقة بموضوع الدراسة وهي كاآلتي‪:‬‬

‫توخي الدقة والوضوح في التشريع سواء ما تعلق بالقانون الجنائي أو‬ ‫‪-‬‬

‫باملرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬حيث وجب أن يكون النص واضحا ويدفع‬

‫كل لبس أو تفسير قد يمس بحقوق األفراد وحرياتهم‪.‬‬

‫تجنب اإلحاالت بنوعيها‪ ،‬اإلحالة الداخلية والخارجية‪ ،‬بهدف تعزيز‬ ‫‪-‬‬

‫األمن القانوني وضمان الوصول إلى املعلومة بشكل أيسر‪.‬‬

‫‪P 368‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحد من التجريم والعقاب‪ ،‬واعتماد مقاربة وقائية وتدابير اجتماعية‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫وفتح قنوات تواصلية تكون كفيلة بالحد من خرق القوانين الجاري بها العمل‪.‬‬

‫اإلسراع بإخراج مشروعي القانون الجنائي واملسطرة الجنائية إلى حيز‬ ‫‪-‬‬

‫الوجود‪ ،‬ملا فيهما من حماية أكبر للحقوق والحريات‪ ،‬ولتضمنهما حلوال ملجموعة من‬

‫اإلشكاالت املطروحة على العدالة الجنائية‪.‬‬

‫التوجه نحو اقرار واعتماد بدائل العقوبات السالبة للحرية‪ ،‬كالعمل‬ ‫‪-‬‬

‫من أجل املنفعة العامة والغرامة اليومية وغيرهما من البدائل‪.‬‬

‫االهتمام بمبدأ تفريد العقاب وتجويد النصوص الجنائية بناء على‬ ‫‪-‬‬

‫هذا املبدأ عن طريق اعتماد التدرج في سن العقوبات وتطبيقها‪ ،‬وجعل الظروف‬

‫املخففة ذات مكانة مهمة في إقرار العقوبة وتقديرها‪.‬‬

‫الحد من العقوبات السالبة للحرية قصيرة املدة‪ ،‬والتي ال تحقق‬ ‫‪-‬‬

‫الهدف من العقاب واملتمثل في اإلصالح واإلدماج من جديد داخل املجتمع‪.‬‬

‫التخفيف من اللجوء إلى االعتقال االحتياطي وجعله تدبيرا استثنائيا‬ ‫‪-‬‬

‫احتياطيا مسايرة لفلسفة املشرع بخصوص هذا املقتض ى‪.‬‬

‫وضع مدونة للصحة العامة تكون كفيلة بمواجهة واحتواء ما استجد‬ ‫‪-‬‬

‫من كوارث مثل فيروس كورونا املستجد كوفيد ‪.32‬‬

‫احترام مبدأ قرينة البراءة مهما كانت الظروف‪ ،‬وبغض النظر عن‬ ‫‪-‬‬

‫الشخص املتابع جنائيا‪.‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية لتشديد العقوبة أو لجعل‬ ‫‪-‬‬

‫أفعال مباحة في خانة األفعال املجرمة‪ ،‬رغم عدم تجريمها من طرف املشرع بنص‬

‫واضح ودقيق‪.‬‬

‫احترام قاعدة الشك يفسر لصالح املتهم و جعل األحكام القضائية‬ ‫‪-‬‬

‫مبنية على اليقين‪.‬‬

‫استحضار القاعدة الفقهية التي تقول بأن تبرئة مئة متهم خير من ادانة‬ ‫‪-‬‬

‫بريء واحد‪.‬‬

‫وأخيرا البد من تحيين الترسانة القانونية في مجملها وعدم االكتفاء بالتعديالت‬

‫الجزئية‪ ،‬بما يجعلها أكثر دقة وأكثر انضباطا لحقوق االنسان واملواثيق الدولية‬

‫والوثيقة الدستورية املغربية‪ ،‬كما يجب أن يصاحب هذا تشبع القضاة بثقافة‬

‫حقوق اإلنسان وإعمالهم ملبادئ العدالة واإلنصاف في كل ما يحال عليهم من قضايا‪.‬‬

‫‪P 362‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئ ـح ــة ال ـم ـراجـ ــع‪:‬‬

‫‪ -‬دستور اململكة املغربية لسنة ‪ ،8133‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪-33-23‬‬

‫‪ 3‬في ‪ 89‬شعبان ‪ 3481‬املوافق ل ‪ 82‬يوليوز ‪ ، 8133‬الجريدة الرسمية عدد ‪5264‬‬

‫مكرر بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪8133‬م‪.‬‬

‫‪ -‬القانون الجنائي املغربي‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ،3.52.431‬الجريدة‬

‫الرسمية عدد ‪ 8641‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 38‬محرم ‪ 3121‬املوافق ل‪ 5‬يونيو‬

‫‪،3261‬ص‪ ،3851‬كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم ‪ 26.34‬لسنة ‪. 8135‬‬

‫‪ -‬املرسوم بقانون رقم ‪ 8.81.828‬الصادر في ‪ 82‬رجب ‪ 3443‬املوافق ل ‪ 81‬مارس ‪،8181‬‬

‫املتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬جريدة‬

‫رسمية عدد ‪ 6269‬مكرر بتاريخ ‪ 82‬رجب ‪ 3443‬املوافق ل ‪ 84‬مارس ‪.8181‬‬

‫‪ -‬اململكة املغربية‪ ،‬رئاسة النيابة العامة‪ ،‬الدورية تتعلق بمخالفة "حمل الكمامات"‬

‫خالل فترة الحجر الصحي‪ ،‬صادرة بتاريخ ‪ 9‬أبريل ‪.8181‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي املغربي‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬

‫سنة ‪.8132‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي املغربي‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬الطبعة‬

‫الثانية‪ ،‬سنة ‪.8112‬‬

‫‪ -‬أحمد الخمليش ي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة املعارف للنشر‬

‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪.3226‬‬

‫‪P 363‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النقري‬

‫للطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪.3295‬‬

‫‪ -‬نوفل عبد هللا الصفو‪ ،‬بحوث في القانون الجنائي املقارن‪ ،‬املكتبة العصرية للنشر‬

‫والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪.8131 :‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 618‬بتاريخ ‪ ،8136/5/4‬في امللف الجنحي عدد ‪،35-5841‬‬

‫منشور بنشرة قرارات محكمة النقض الغرفة الجنائية‪ ،‬الجزء السادس والعشرون‪.‬‬

‫‪ -‬حكم في ملف جنحي تلبس ي عدد ‪ ،8181/244‬الصادر بتاريخ‪ ،8181-14-18 :‬عن‬

‫املحكمة االبتدائية بفاس‪ ،‬غير منشور‪.‬‬

‫‪ -‬حكم جنحي رقم ‪ ،81-8311-425‬صادر بتاريخ ‪ ،12/14/8181‬عن املحكمة االبتدائية‬

‫بالقنيطرة غير منشور‪.‬‬

‫‪ -‬املوقع االلكتروني‪www.maroclaw.com :‬‬

‫املوقع الرسمي للنيابة العامة‪www.presidenceministrepublic.ma :‬‬

‫‪P 364‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدكتور حممد البغدادي‬


‫دكتور يف احلقوق يف حتصص القانون احلاص‬
‫كلية احلقوق طنجة‬

‫السياسة القضائية على ضوء المقتضيات الدستورية‬


‫والتشريعية الراهنة‬
‫‪Judicial policy in light of current constitutional and legislative requirements‬‬
‫مقـدمـة‪:‬‬
‫معلوم أن السياسة القضائية تندرج ضمن السياسة العمومية للدولة‪ 445‬وذلك‬

‫في إطار تجسيد وترجمة مخطط البرنامج الحكومي‪ ،‬حيث تتناول مجموعة من‬

‫‪445‬السياسة العمومية للدولة من منظور المعهد العالي للدراسات العمومية الفرنسي هو " مجموع الق اررات واألعمال والتدخالت‬
‫المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين واالجتماعيين ألجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما‪".‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن السياسات العمومية للدولة‪ :‬هي التي تنقسم إلى ‪ 3‬أصناف حسب مستجدات دستور المملكة لسنة‬
‫‪.2811‬‬
‫‪-‬السياسة العمومية الوطنية‪ :‬هي التي تصدر عن مخطط البرنامج الحكومي ويتم تداولها داخل مجلس الحكومة تحت رئاسة‬
‫رئيس الحكومة حسب الفصل ‪ 12‬من دستور ‪. .2811‬‬
‫‪-‬السياسة العمومية القطاعية‪ :‬هي التي تصدر عن القطاعات الحكومية ويتم تداولها داخل مجلس الحكومة تحت رئاسة‬
‫رئيس الحكومة حسب الفصل ‪ 12‬من دستور ‪.2811‬‬
‫‪-‬السياسة العمومية الترابية‪ :‬بالعودة للوثيقة الدستورية التي يمكن اعتبارها وثيقة أو دستور للسياسات العمومية‪ ،‬فإننا‬
‫نجدها تشير في مناسبات عديدة إلى مفهوم السياسات العمومية وماله من عالقة مباشرة بها‪ ،‬إال أن اإلشارة إلى السياسات‬
‫العمومية الترابية لم ترد بهذا المعنى إال في الفصل ‪ 137‬من الوثيقة الدستورية التي تنص على أنه "تساهم الجهات‬
‫الترابية األخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد السياسات الترابية‪ ،‬من خالل ممثيلها في مجلس‬
‫ً‬ ‫والجماعات‬

‫‪P 365‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املواضيع ذات الصلة بمنظومة العدالة ببالدنا‪ ،‬بما في ذلك السياسة الجنائية في‬

‫الشق املتعلق باآلليات الوقاية والزجرية ملكافحة الجريمة والتصدي لها السياسة‬

‫الحقوقية في مجال تحقيق ضمانات املحاكمة العادلة للمتهم‪ ،‬هذا فضال عن‬

‫السياسة األمنية سواء االستيباقية القائمة على تفكيك الخاليا اإلجرامية بشكل‬

‫استباقي من طرف املكتب املركزي لألبحاث القضائية قبل وقوع الجريمة أو بعد‬

‫المستشارين"‪ ،‬كما أن بالعودة للقانون التنظيمي للجهات المؤرخ بموجب الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.03‬صادر في ‪ 28‬من‬
‫رمضان ‪ 7( 1436‬يوليو ‪ ) 2815‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات‪ ،‬منشور بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 0836‬بتاريخ ‪ 0‬شوال ‪ 38 ( 6380‬يوليو ‪ ،)3662‬ص‪ ،0032:‬سوف نجد بأنها ال تتضمن ضمن‬
‫مقتضياتها ما يشير إلى السياسات العمومية الترابية بصفة عامة أو الجهوية بصفة خاصة شأنها شأن باقي‬
‫القوانين التنظيمية المنظمة للجماعات الترابية‪ ،‬فهي ال تحتوي على تعبير السياسات العمومية الترابية‪ ،‬وانما فقط‬
‫على برنامج التنمية الجهوية‪ ،‬حسب مضمون المادة ‪ 38‬من القانون التنظيمي للجهات ‪ ،111111‬والذي ينبغي‬
‫أن يواكب التوجهات اإلستراتيجية لسياسة الدولة‪ ،‬حيث أن هذه الوثيقة يجب أن تعد تحت إشراف رئيس الجهة‬
‫واعتمادا على مقاربة تشاركية‪ ،‬مع ضمان التقائيتها مع التوجهات االستراتيجية والسياسية للدولة ومع التصميم‬
‫الجهوي إلعداد التراب‪ ،‬وذلك بالتنسيق مع والي الجهة بصفته ممثل السلطة المركزية ومنسق المصالح الالمتمركزة‬
‫لإلدارة المركزية ‪ ،‬والتي تنص على مايلي‪ :‬يضع مجلس الجهة‪ ،‬تحت إشراف رئيس مجلسها خالل السنة األولى‬
‫من مدة انتداب المجلس‪ ،‬برنامج التنمية الجهوية وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه‪.‬‬
‫يحدد برنامج التنمية الجهوية لمدة ست سنوات األعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة‪ ،‬اعتبا ار‬
‫لنوعيتها وتوطينها وكلفتها‪ ،‬لتحقيق تنمية مستدامة و وفق منهج تشاركي وبتنسيق مع والي الجهة بصفته مكلفا‬
‫بتنسيق أنشطة المصالح الالممركزة لإلدارة المركزية‬
‫يجب أن يتضمن برنامج التنمية الجهوية تشخيصا لحاجيات وامكانيات الجهة وتحديدا ألولوياتها وتقييما لمواردها‬
‫ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثالث األولى وأن يأخذ بعين االعتبار مقاربة النوع‪.‬‬
‫يتعين أن يواكب برنامج التنمية الجهوية التوجهات اإلستراتيجية لسياسة الدولة وأن يعمل على بلورتها على‬
‫المستوى الجهوي وأن يراعي إدماج التوجهات الواردة في التصميم الجهوي إلعداد التراب‪ ،‬وااللتزامات المتفق‬
‫بشأنها بين الجهة والجماعات الترابية األخرى وهيئاتها والمقاوالت العمومية والقطاعات االقتصادية واالجتماعية‬
‫بالجهة‪ .‬يتم تفعيل برنامج التنمية الجهوية‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬في إطار تعاقدي بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين‪".‬‬
‫وتطبيقا ألحكام المادة ‪ 38‬من القانون التنظيمي للجهات صدر مرسوم يحدد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية‬
‫وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور إلعداده"‬

‫‪P 366‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وقوعها من خالل تدخل ضباط الشرطة القضائية في مرحلة البحث التمهيدي‬

‫العادي أو التلبس ي سواء تلقائيا وإما بناء على تعليمات وتكليف من النيابة العامة‬

‫املختصة باعتبارها الجهة املشرفة على أعمال ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬بحيث‬

‫تكون الغاية منه إعداد ملف كامل عن الجريمة املدعى ارتكابها ومرتكبيها‪.‬‬

‫وتعرف السياسة القضائية بأنها توجهات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل‬

‫في مجال منظومة العدالة ببالدنا‪ ،‬وذلك بالتنسيق والتناغم والتكامل مع باقي‬

‫السياسات العمومية األخرى شريطة عدم املساس باستقاللية السلطة القضائية‬

‫واحترام ملبدأ الفصل بين السلط في النظام الدستوري املغربي الذي يقوم على‬

‫الفصل املرن حسب الفقرة الثانية من الفصل ‪ 3‬من دستور ‪ 8133‬التي تنص على‬

‫مايلي‪ :‬يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪،‬‬

‫والديمقراطية املواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط املسؤولية‬


‫‪446‬‬ ‫باملحاسبة‪.‬‬

‫ونظرا ألهمية السياسة القضائية في تاريخ املغرب املعاصر و مكانة جهاز‬

‫القضاء املغربي في تطبيق القوانين سواء تعلق األمر بقضاة األحكام أو بقضاة النيابة‬

‫العامة والنظر في املنازعات القضائية من خالل الدساتير املغربية التي خصصت‬

‫للقضاء بابا خاصا لدرجة أن القضاء انتقل من وظيفة إلى سلطة قضائية مستقلة‪،‬‬

‫محمد عبد النبوي‪،‬السياسة الجنائية بالمغرب‪ ،‬مجلة المحاكمة‪ ،‬عدد ‪14‬فبراير‪/‬أبريل ‪،2810‬ص‪.13:‬‬ ‫‪446‬‬

‫‪P 367‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فإن اإلشكالية املركزية واملحورية تتمثل فيما يلي‪:‬هل السياسة القضائية هي سياسة‬

‫عمومية أم قطاعية؟‬

‫وتحت هذه اإلشكالية الرئيسية تتفرع عنا التساؤالت التالية‪ :‬ما هي السياسة‬

‫القضائية من منظور‬

‫الدساتير املغربية؟ و ماهي السياسة القضائية وفق املقتضيات التشريعية‬

‫والتنظيمية ؟‬

‫وملقاربة املوضوع من جميع أبعاده وجوانبه‪ ،‬ارتأينا اعتماد التقسيم التالي‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬السياسة القضائية من منظور الدساتير املغربية‪ .‬املبحث الثاني‪:‬‬

‫السياسة القضائية وفق املقتضيات التشريعية والتنظيمية‬

‫املبحث األول‪ :‬السياسة القضائية من منظور الدساتير املغربية‬

‫انسجاما مع التوجهات العامة التي ما فتئ العاهل املغربي امللك محمد‬

‫السادس في السياسة القضائية باعتبارها وظيفة من وظائف إمارة املؤمنين وهو‬

‫املؤتمن على استقالل السلطة القضائية في ظل تكرس وتوطيد الصرح الديمقراطي‬

‫والتنموي للبالد‪ ،‬فإن املشرع املغربي بادر إلى تنظيم السلطة القضائية في في صلب‬

‫دستور ‪ 8133‬الذي ارتقى بمكانة القضاء من وظيفة إلى سلطة قضائية مستقلة‪،‬‬

‫وذلك عبر تحديث ورش إصالح منظومة العدالة سنة ‪. 8131‬‬

‫وعليه‪ ،‬سوف نتطرق إلى السياسة القضائية ملا قبل دستور ‪ 8133‬في املطلب األول‬

‫وملا بعد دستور ‪ 8133‬في املطلب الثاني‪.‬‬

‫‪P 360‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬السياسة القضائية ملا قبل دستور‪8133‬‬

‫معلوم أن السياسة القضائية في املغرب في ظل الدساتير املغربية السالفة كانت‬

‫عبارة عن سياسة قطاعية وليست سياسة عمومية بحكم أن املشرع املغربي لم ينص‬

‫على مصطلح السياسات العمومية‪ ،‬هذا فضال عن أن القضاء كان شأنا قضائيا‬

‫فئويا ومهنيا وليس مجتمعيا‪ ،‬حيث أصبح وظيفة في يدي السلطة الحكومية املكلفة‬

‫بالعدل في شخص وزير العدل الذي يترأس املجلس األعلى للقضاء والنيابة العامة‬

‫معا‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الدساتير املغربية السابقة ‪ 3268‬و‪ 3291‬و‪ 3298‬و‪ 3228‬و‪3226‬‬

‫في الباب السادس على أن القضاء عبارة عن هيئة قضائية مستقلة عن السلطتين‬
‫والتنفيذية‪447.‬‬ ‫التشريعية‬

‫وينبغي التذكير إلى أن السياسة القضائية هي سياسة قطاعية تضعها وزارة‬

‫العدل بشكل مستقل وفردي‪ ،‬خالفا ملا هو منصوص عليه في السياسة القضائية ملا‬

‫بعد دستور ‪ 8133‬في املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬السياسة القضائية ملا بعد دستور‪8133‬‬

‫من الواضح جيدا أن دستور ‪ 8133‬جاء بمجموعة من املكتسبات الدستورية‬

‫والتنظيمية‬

‫‪447‬قواري مجدوب‪ ،‬مبدأ استقاللية القضاء في الدساتير المغاربية‪ ،‬مجلة دساتير السياسة والقانون‪ ،‬العدد‪، 15‬‬
‫جوان ‪،2816‬ص‪ 381:‬و‪.382‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بخصوص تعزيز استقاللية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية‬

‫والتنفيذية تماشيا مع مبدأ‬

‫الفصل بين السلط القائم على التعاون والتوازن وتكريس األمن القضائي الذي‬

‫هو جزء ال يتجزأ من األمن القانوني‪ ،‬وذلك في إطار من التناغم والتكامل مع املعايير‬

‫الدولية واإلقليمية الستقاللية السلطة القضائية وامتثاال للتوجهات العامة والرؤية‬

‫امللكية الحكيمة والبصيرة من خالل عدة خطب ملكية التي أشارت في أكثر من‬

‫مناسبة إلى توطيد استقاللية السلطة القضائية‪ ،‬وخاصة مضمون الخطاب امللكي‬

‫التاريخي بمناسبة ثورة امللك والشعب املؤرخ في ‪ 81‬غشت ‪ 8112‬والخطاب امللكي‬

‫السامي بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية الرابعة من الوالية‬

‫وفي هذا املضمار‪ ،‬تدخلت السلطة‬ ‫أكتوبر ‪448.8131‬‬ ‫التشريعية الثامنة املؤرخ في ‪2‬‬

‫الحكومة املكلفة بالعدل لوضع ميثاق إصالح منظومة العدالة سنة ‪ 8131‬والذي‬

‫ركز بشكل واضح على أهمية تكريس استقاللية السلطة القضائية عن السلطتين‬

‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬السيما في الشق املتعلق باستقاللية النيابة العامة عن وزارة‬

‫العدل‪ ،‬هذا فضال عن القانون التنظيمي رقم ‪ 311.31‬املتعلق باملجلس األعلى‬

‫للسلطة القضائية املؤرخ في ‪ 84‬مارس‬

‫‪448‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.11..1‬صادر ‪ 72‬من شعبان ‪ 7. )1347‬يوليوز ‪)7111‬المتعلق بتنفيذ نص‬
‫الدستور‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4.93‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 41 )1347‬يوليوز‪،) 7111‬‬
‫ص‪.4911:‬‬

‫‪P 378‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ 8136‬والقانون التنظيمي رقم ‪ 316.31‬املتعلق بالنظام األساس ي للقضاة‬

‫املؤرخ في ‪84‬مارس ‪ ،8136‬وكذا القانون رقم ‪ 11.39‬املتعلق بنقل اختصاصات‬

‫السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‬

‫بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة املؤرخ في‬

‫‪ 11‬غشت ‪.8139‬‬

‫لكن من خالل مراجعة مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل األول من دستور‬

‫‪ 8133‬نجد أن املشرع املغربي أشار إلى املفهوم الجديد للسلطة الذي هو مذهب في‬

‫الحكم ويسري على مبدأ الفصل بين السلط‪ ،‬فهو يندرج ضمن آليات الحكامة‬

‫الجيدة‪ .‬وينبغي التذكير إلى أن تحديث السلطة القضائية مرتبط أساسا باملفهوم‬

‫الجديد للسلطة التي تعتمد على هامش من املبادرة والحرية في اتخاذ القرار القضائي‬

‫مع تمكينها من االستقالل اإلداري واملالي للجهاز القضائي‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬عندما نستحضر مقتضيات الباب السابع الذي عنوانا‬

‫السلطة القضائية في‬

‫الفصول من ‪ 319‬إلى ‪ 382‬من دستور ‪ 8133‬لم يوضح بشكل واضح من هو‬

‫رئيس السلطة القضائية‪ ،‬وإنما اكتفى باإلشارة إلى املجلس األعلى للسلطة القضائية‬

‫الذي له صالحية اإلشراف على الحياة املهنية للقضاة‪ ،‬حيث إن الدستور لم يضع‬

‫توازنات وتفاعالت بين السلطة القضائية وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية‬

‫وحيث إنه من جهة أخرى‪ ،‬السلطة الحكومية املكلفة بالعدل هي التي تضع السياسة‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القضائية أو الجنائية ولها اإلشراف على التسيير اإلداري واملالي للمحاكم ولها أيضا‬

‫سلطة اإلشراف على باقي املهن الحرة املساعدة للقضاء‪ ،‬في حين أن املجلس األعلى‬

‫للسلطة القضائية هي جزء من السلطة القضائية ومهمته اإلشراف على الحياة‬

‫املهنية للقضاة‪ ،‬كما أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الرئيس الفعلي‬

‫كما أن السياسة‬ ‫العامة‪449.‬‬ ‫للنيابة العامة وله مهمة اإلشراف على قضاة النيابة‬

‫الجنائية ما هي إال تعبير واضح عن توجهات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل من‬

‫خالل رسم الوسائل الضرورية ملجابهة الجريمة والتصدي لها‪ ،‬وذلك عبر وضع‬

‫اآلليات الزجرية والوقائية‪ ،‬وهي وجه من أوجه السياسة القضائية التي تندرج ضمن‬

‫السياسة العمومية التي تترجم البرنامج الحكومي الذي يتضمن الخطوط الرئيسية‬

‫للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجاالت النشاط الوطني‪ ،‬وباألخص‬

‫في ميادين السياسة االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية‪ ،‬حسب‬

‫الفصل ‪ 22‬من دستور ‪ ،8133‬هذا فضال عن أن السياسية العمومية يتم تداولها‬

‫أمام مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة حسب الفصل ‪ 28‬من الدستور‬

‫نفسه‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن السياسة الجنائية هي سياسة عمومية تتداخل فيها‬

‫العديد من الفاعلين داخل الجسم القضائي وخارجه‪ ،‬بحكم أن الشأن القضائي‬

‫‪449‬ياسمين صالحي‪ ،‬مفهوم السياسة العامة والسياسات العمومية والسياسات القطاعية في ضوء دستور ‪،1122‬‬
‫بدون دار الطبع‪ ،‬بدون سنة النشر‪،‬ص‪ :‬من ‪ 2‬إلى ‪.5‬‬

‫‪P 372‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أصبح شأنا مجتمعيا أو عاما‪ ،‬وذلك من خالل استحضار مراحل السياسة الجنائية‬

‫من حيث وضعها وتنفيذها وتقييمها حسب الفصل ‪ 335‬من ذات الدستور‪.‬‬

‫وفي املقابل نجد أن قرار املحكمة الدستورية رقم ‪ 228/36 :‬املؤرخ في ‪ 35‬مارس‬

‫‪ 8136‬ذهب على خالف السلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ ،‬والذي ينص على ما‬

‫يلي‪":‬وحيث إن صالحية وضع السياسة الجنائية‪ ،‬التي تعد جزءا من السياسات‬

‫العمومية‪ ،‬من خالل سن قواعد وقائية وزجرية ملكافحة الجريمة‪ ،‬حماية للنظام‬

‫العمومي وصيانة لسالمة األشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم‪ ،‬وكذا تحديد الكيفيات‬

‫والشروط القانونية ملمارسة قضاة النيابة العامة ملهامهم‪ ،‬تظل من الصالحيات‬

‫املخولة إلى السلطة التشريعية التي يعود إليها أيضا تقييم هذه السياسة‪ ،‬طبقا‬

‫ألحكام الدستور؛ وحيث إنه‪ ،‬تأسيسا على كل ما سبق بيانه‪ ،‬واعتبارا لكون عمل‬

‫النيابة العامة يعد دستوريا عمال قضائيا‪ ،‬ومع مراعاة الصالحية املخولة للسلطات‬

‫الدستورية املختصة في وضع ومراجعة السياسة الجنائية على ضوء املمارسة‪ ،‬فإن‬

‫رئاسة النيابة العامة ـ التي يعد قضاتها جزءا من السلطة القضائية‬

‫ـ ال يمكن إسنادها إال لجهة تنتمي إلى هذه السلطة‪ ،‬مما يكون معه ما تضمنته‬

‫املادة ‪ 85‬املذكورة من وضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام‬

‫للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬مطابقا للدستور؛"‪ ،‬في حين أن دستور ‪ 8133‬جعل‬

‫السلطة التشريعية حسب ما أكدته الفقرة الثانية من الفصل‬

‫‪P 373‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ 91‬من هذا الدستور الذي تنص على ما يلي‪":‬يصوت البرملان على القوانين‪،‬‬
‫العمومية"‪450.‬‬ ‫ويراقب عمل الحكومة‪ ،‬ويقيم السياسات‬

‫واملالحظ أن السياسة الجنائية من خالل دستور ‪ 8133‬تضعها السلطة‬

‫الحكومية املكلفة بالعدل منذ وضعها ومرورا بتنفيذها ووصوال إلى تقييمها‪ ،‬وذلك‬

‫عن طريق االلتقائية والتنسيق مع جميع السياسات العمومية األخرى‪ ،‬إال أن‬

‫السلطة التشريعية يبقى اختصاصها األصيل هو تقييم السياسات الجنائية‬

‫باعتبارها سياسة عمومية‪.‬‬

‫كما أن املشرع املغربي لم يبين بشكل واضح عالقة الوكيل العام للملك لدى‬

‫محكمة النقض باملجلس األعلى للسلطة القضائية في ظل قانون رقم‪ 11.39‬املتعلق‬

‫بنقل اختصاصات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى‬

‫محكمة النقض وسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة املؤرخ في ‪ 11‬غشت‬

‫‪ ،8139‬مما جعل الباحثين واملختصين واملهتمين طرح إشكالية إمكانية املساءلة‬

‫واملحاسبة فيما يخص بوضع السياسة الجنائية وتنفيذها‪:‬‬

‫‪-‬كيف يمكن أن يساءل ويحاسب وزير العدل على وضع السياسة الجنائية وهو‬

‫لم يقم بتنفيذها ؟‬

‫‪450‬مداخلة محمد البغدادي في موضوع حول السياسة الجنائية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في ندوة‬
‫وطنية عن بعد في موضوع حول السياسة القضائية على ضوء المستجدات التشريعية من تنظيم مركز الكفاءات‬
‫لألبحاث والدراسات عبر منصة ‪ zoom‬في الصفحة الرسمية للمركز في فايس بوك بتاريخ يوم السبت ‪ 6‬مارس‬
‫‪.2821‬‬

‫‪P 374‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كيف يمكن أن يساءل ويحاسب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على‬

‫تنفيذ السياسة الجنائية وهو لم يقم بوضعها؟‬

‫املبحث الثاني‪ :‬السياسة القضائية وفق املقتضيات التشريعية‬

‫والتنظيمية‬

‫من املؤكد أن السياسة القضائية في املغرب ما هي إال شكل من أشكال الخطط‬

‫والبرامج الحكومية ذات الصلة بمنظومة العدالة ببالدنا‪ ،‬حيث تقوم السلطة‬

‫الحكومية املكلفة بالعدل بتدبير قطاع العدالة بمعية املجلس األعلى للسلطة‬

‫القضائية و النيابة العامة في ما يتعلق باإلشراف على املسار املنهي للقضاة وترأس‬

‫الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أعضاء النيابة العامة‪ ،‬خاصة وأن املشرع‬

‫املغربي عمد على وضع هيئة مشتركة بين السلطة الحكومية املكلفة بالعدل واملجلس‬

‫األعلى للسلطة القضائية في تدبير اإلدارة القضائية‪.‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬سوف نتناول السياسة القضائية في إطار مقتضيات القانون‬

‫التنظيمي للسلطة القضائية في املطلب األول والسياسة القضائية في إطار مقتضيات‬

‫القانون التشريعي و املرسوم التنظيمي للسلطة القضائية في املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬السياسة القضائية في إطار مقتضيات القانون التنظيمي‬

‫للسلطة القضائية‬

‫من املالحظ أن السياسة القضائية ما هي إال جزء ال يتجزأ من السلطة‬

‫القضائية في الشق املتعلق باملجلس األعلى للسلطة ورئاسة النيابة العامة ومحاكم‬

‫‪P 375‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اململكة بما في ذلك قضاة األحكام وقضاة النيابة العامة‪ ،‬فالسلطة القضائية بقدر‬

‫ما هي مستقلة عن الجهازين التشريعي والتنفيذي‪ ،‬فإنها جزء ال يتجزأ سلطة الدولة‪،‬‬

‫فالقضاء مؤتمن سمو دستور اململكة‪ ،‬وسيادة قوانينها‪ ،‬وحماية حقوق والتزامات‬

‫املواطنة‪ .‬ومن خالل مراجعة الفقرة األولى من املادة ‪ 54‬من القانون التنظيمي‬

‫املتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية املؤرخ في ‪ 84‬مارس ‪ ،8136‬نجد أن املشرع‬

‫املغربي نص على مايلي‪":‬تحدث هيئة مشتركة‪ 451‬بين املجلس والوزارة املكلفة بالعدل‬

‫تتولى التنسيق في مجال اإلدارة القضائية‪ ،‬تعمل تحت إشراف كل من الرئيس‬

‫املنتدب للمجلس والوزير املكلف بالعدل‪ ،‬كل فيما يخصه‪ ،‬بما ال يتنافى واستقالل‬
‫القضائية‪452".‬‬ ‫السلطة‬

‫كما من خالل مراجعة املادة ‪ 1‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 316.31‬املتعلق‬

‫بالنظام األساس ي للقضاة املؤرخ في ‪ 84‬مارس ‪ ،8136‬نجد أن السلطة القضائية‬

‫تتكون من قضاة األحكام وقضاة النيابة العامة وباقي مكونات العدالة أي كافة‬

‫‪451‬قرار مشترك للرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية ووزير العدل رقم ‪ 863263‬صادر في ‪ 68‬من‬
‫شوال ‪ 68( 6336‬يونيو‪ )3662‬بتحديد تأليف واختصاصات الهيئة المشتركة بين المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية والوزارة المكلفة بالعدل بشأن التنسيق في مجال اإلدارة القضائية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪0823‬‬
‫بتاريخ فاتح ذي القعدة ‪ 63( 6336‬يوليو ‪)3662‬؛ ص‪.4805 :‬‬
‫‪452‬الظهير الشريف رقم ‪ 6260236‬صادر في ‪ 63‬من جمادى اآلخرة ‪ 33( 6388‬مارس ‪ )3660‬المتعلق بتنفيذ‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪666268‬المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪0320‬‬
‫بتاريخ ‪ 0‬رجب ‪ 63( 6388‬أبريل ‪، )3660‬ص‪.8638 :‬‬

‫‪P 376‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كذلك نصت املادة ‪ 68‬من القانون ذاته على‬ ‫العدالة‪453.‬‬ ‫املهنيون واملهنيات‬

‫مايلي‪":‬تكون للمجلس ميزانية خاصة به‪ ،‬وتسجل االعتمادات املرصودة له في امليزانية‬

‫العامة للدولة تحت فصل يحمل عنوان "ميزانية املجلس األعلى للسلطة القضائية"‪.‬‬

‫كما نصت املادة ‪ 61‬من هذا القانون على ما يلي‪ ":‬الرئيس املنتدب للمجلس هو اآلمر‬

‫بصرف اعتماداته وله أن يفوض ذلك‪ ،‬وفق األشكال والشروط املنصوص عليها في‬

‫القوانين واألنظمة املعمول بها في هذا املجال"‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬السياسة القضائية في إطار مقتضيات القانون التشريعي‬

‫واملرسوم التنظيمي للسلطة القضائية‬

‫وباالطالع إلى الفقرة األولى من املادة ‪ 83‬من مشروع مسودة قانون التنظيم‬

‫القضائي املغربي رقم ‪ 12.35‬املؤرخ سنة ‪ 8132‬نجد أن املشرع املغربي نص على ما‬

‫يلي‪":‬تتولى وزارة العدل اإلشراف اإلداري واملالي على املحاكم بتنسيق وتعاون مع‬

‫املسؤولين القضائيين بها بما ال يتنافى واستقالل السلطة القضائية"‪ .‬وكما نصت‬

‫الفقرة الثانية من نفس املادة من نفس املشروع قانون التنظيم القضائي املغربي‬

‫مهام التسيير والتدبير اإلداري‬ ‫للمحكمة‪454‬‬ ‫على ما يلي‪":‬يتولى الكاتب العام‬

‫باملحكمة‪،‬وضبط عمل‬

‫‪453‬الظهير الشريف رقم ‪ 6260236‬صادر في ‪ 63‬من جمادى اآلخرة ‪ 33( 6388‬مارس ‪ )3660‬المتعلق بتنفيذ‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪ 660268‬المتعلق بالنظام األساسي للقضاة‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0320‬بتاريخ‬
‫‪ 0‬رجب ‪ 63( 6388‬أبريل ‪ ،)3660‬ص‪.8606 :‬‬
‫‪ 454‬وتجدر اإلشارة إلى أن الكاتب العام للمحكمة الذي حل محل رئيسي مصلحة كتابة الضبط ومصلحة كتابة النيابة‬
‫العامة‪:‬هو جهازي خضع لسلطة الوزارة الوصية على قطاع العدل وبالتالي يضرب في صميم مبدأ استقاللية مؤسسة‬

‫‪P 377‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مختلف مصالح كتابة الضبط واملصالح املحاسبية بها‪،‬واإلشراف على موظفي‬

‫هيئة كتابة الضبط العاملين بها‪،‬ويساعد في ذلك رؤساء مصالح كتابة الضبط‬

‫باملحكمة"‪ .‬وفي نفس املادة‪ ،‬نصت الفقرة الثالثة من نفس املشروع على ما‬

‫يلي‪":‬يخضع الكاتب العام للمحكمة إداريا لسلطة ومراقبة وزير العدل‪ ،‬ويمارس‬
‫باملحكمة‪455".‬‬ ‫مهامه تحت السلطة املباشرة للمسؤولين القضائيين‬

‫وبالرجوع إلى املادة ‪ 53‬من ظهير املسطرة الجنائية املغربي‪ ،456‬نجد أن‬

‫السلطة الحكومية املكلفة بالعدل هي الجهاز الرئيس ي واملباشر على قضاة النيابة‬

‫العامة في شخص الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ولدى محاكم االستئناف‬

‫ومحاكم االستئناف التجارية وفي شخص الوكيل امللك لدى املحاكم االبتدائية‪ ،‬حيث‬

‫تنص على مايلي‪ ":‬يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية‪ ،‬ويبلغها إلى‬

‫الوكالء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها‪457.‬بالرجوع إلى مقتضيات املادة‬

‫‪ 3‬من املرسوم التنظيمي املؤرخ في ‪ 33‬أبريل ‪ 8133‬املتعلق بتحديد اختصاصات‬

‫وتنظيم وزارة العدل نصت على مايلي‪:‬تناط بوزارة العدل مهام إعداد وتنفيذ سياسة‬

‫القضاء لما له من سلطة على الموظفين ولما له من سلطة تنقيط عملهم‪ ،‬لكن هذه النقطة لم يحسم فيها النقاش فيها‬
‫الممارسين والباحثين والمختصين وكافة الفاعلين خارج منظومة العدالة‪.‬‬
‫‪455‬مشروع مسودة قانون التنظيم القضائي رقم ‪.41.14‬‬
‫(‪ 4‬أكتوبر ‪ )7117‬بتنفيذ القانون رقم‬ ‫‪456‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.17.744‬صادر في ‪ 74‬من رجب ‪1374‬‬
‫‪77.11‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4121‬بتاريخ ‪ 72‬ذي القعدة ‪1374‬‬
‫(‪41‬يناير‪،)7114‬ص‪.414 :‬‬
‫‪457‬الحسن بيهي‪ ،‬مفهوم السياسة الجنائية في ضوء مفهوم المادة ‪ 51‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬بدون دار‬
‫الطبع‪ ،‬بدون سنة النشر‪،‬ص‪.1:‬‬

‫‪P 370‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحكومة في ميدان العدالة‪ .‬تمارس وزارة العدل الصالحيات املخولة لها وفقا‬

‫ألحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬ال سيما ما يتعلق‬

‫باملجاالت التالية ‪:‬‬

‫‪ ‬السهر على تنفيذ االختصاصات املخولة للوزارة بمقتض ى قوانين‬

‫املسطرة املدنية‪ ،‬واملسطرة الجنائية‪،‬ومدونة األسرة‪ ،‬والقوانين املتعلقة‬

‫بمساعدي القضاء‪،‬وغيرها من القوانين؛‬

‫‪ ‬إعداد وتنفيذ السياسة الجنائية‪ ،‬واإلشراف على النيابة العامة‪،‬‬

‫واإلسهام في احترام وتطوير حقوق اإلنسان؛‬

‫‪ ‬وضع اإلستراتيجية املتعلقة باملوارد البشرية واملالية‪ ،‬والتجهيزات‪،‬‬

‫والبنايات‪ ،‬واملعلوميات‪ ،‬وذلك بما يخدم حسن سير عمل املحاكم‬

‫وتصريف العدالة؛‬

‫‪ ‬ممارسة الوصاية على املؤسسات العامة التابعة لوزارة العدل؛‬

‫‪ ‬إعداد مشاريع النصوص القانونية املتعلقة بمجال اختصاصات‬

‫الوزارة‪ ،‬وإنجاز الدراسات القانونية؛‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬إعداد مشاريع اتفاقيات التعاون الدولي في امليدان القضائي‪ 458".‬كما‬

‫نصت املادة ‪ 9‬من املرسوم التنظيمي ذاته على ما يلي‪ ":‬تناط بمديرية‬

‫الشؤون الجنائية والعفو املهام التالية‪:‬‬

‫‪ ‬املساهمة في إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية في مادة‬

‫القانون الجنائي واملسطرة الجنائية والقوانين الخاصة ذات الطابع‬

‫الجنائي‪ ،‬بتنسيق مع املديريات املعنية؛‬

‫‪ ‬تنفيذ السياسة الجنائية وتنشيط مراقبة عمل النيابة العامة في املادة‬

‫الجنائية؛‬

‫‪ ‬تتبع ومواكبة القضايا التي لها عالقة بالجريمة املنظمة وبالجرائم ذات‬

‫الطابع االقتصادي واملالي‪ ،‬وقضايا اإلرهاب‪ ،‬وقضايا املخدرات‪ ،‬وقضايا‬

‫األحداث الجانحين‪ ،‬والعنف ضد املرأة والطفل؛‬

‫‪ ‬تتبع وتحليل ظاهرة اإلجرام؛‬

‫‪ ‬السهر على حسن سير الدعاوى في امليدان الجنائي؛‬

‫‪ ‬تنفيذ التدابير املتعلقة بالتعاون القضائي في امليدان الجنائي؛‬

‫‪ ‬وضع وتنفيذ البرامج املتعلقة بتحديث وتطوير القضاء الجنائي وبرامج‬

‫التعاون بشأنه‪ ،‬بتنسيق مع املديريات املعنية؛‬

‫‪458‬المرسوم التطبيقي رقم ‪ 2.18.318‬صادر في ‪ 7‬جمادى األولى ‪ 11( 1432‬أبريل ‪ )2811‬المتعلق بتحديد‬
‫اختصاصات وتنظيم وزارة العدل‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2236‬بتاريخ فاتح جمادى اآلخرة ‪ 2( 6383‬ماي‬
‫‪ ،)3666‬ص‪23383 :‬‬

‫‪P 308‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬إعداد ودراسة مشاريع االتفاقيات في املواد التي تدخل ضمن‬

‫اختصاصها بتنسيق مع املديريات املعنية؛‬

‫‪ ‬السهر على إعداد ملفات طلبات واقتراحات العفو أو اإلفراج املقيد؛‬

‫‪ ‬القيام بدراسات وإنجاز أبحاث في املادة الجنائية؛‬

‫‪ ‬القيام بتسيير السجل العدلي الوطني؛‬

‫‪ ‬السهر على تتبع تنفيذ املقررات القضائية واإلجرائية في املجال الجنائي؛‬

‫‪ ‬دراسة الشكايات والتظلمات واتخاذ ما يناسب من إجراءات بشأنها‪،‬‬

‫واإلفادة بمآلها بتنسيق مع مركز تتبع وتحليل الشكايات بالوزارة‪.‬‬

‫‪ ‬تتبع وتقييم األنشطة املكلفة بها ورفع تقرير دوري بذلك إلى الوزير‪".‬‬

‫كما أنه بالرجوع إلى املادة ‪ 3‬قانون رقم ‪ 11.39‬يتعلق بنقل اختصاصات‬

‫السلطة الحكومية املكلفة بالعدل إلى الوكيل للملك لدى محكمة النقض بصفته‬

‫رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة املؤرخ في ‪ 11‬غشت‬

‫‪ 8139‬نجد املشرع املغربي ينص على مايلي‪":‬تطبيقا ملقتضيات املادة ‪ 85‬من القانون‬

‫التنظيمي رقم ‪ 316.31‬املتعلق بالنظام األساس ي للقضاة يمارس الوكيل العام للملك‬

‫لدى محكمة النقض‪ ،‬بصفته رئيسا للنيابة العامة‪ ،‬سلطته على قضاة النيابة‬

‫العامة التابعين له بمختلف محاكم اململكة‪.‬وفي هذا اإلطار يمارس قضاة النيابة‬

‫‪P 301‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العامة مهامهم واختصاصاتهم املنصوص عليها في التشريعات الجاري بها العمل تحت‬
‫التسلسليين‪459".‬‬ ‫سلطة وإشراف ومراقبة رئيس النيابة العامة ورؤسائهم‬

‫كما نصت املادة ‪ 8‬من القانون نفسه على ما يلي‪" :‬يحل الوكيل العام للملك‬

‫لدى محكمة النقض‪ ،‬بصفته رئيسا للنيابة العامة‪ ،‬محل وزير العدل في ممارسة‬

‫االختصاصات املوكلة لهذا األخير املتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى‬

‫قضاتها‪ ،‬بما في ذلك إصدار األوامر والتعليمات الكتابية القانونية املوجهة إليهم طبقا‬

‫للنصوص التشريعية الجاري بها العمل‪ .‬وعالوة على االختصاصات املوكلة إليه‬

‫بموجب النصوص التشريعية الجاري بها العمل‪ ،‬يحل الوكيل العام للملك لدى‬

‫محكمة النقض‪ ،‬بصفته رئيسا للنيابة العامة‪ ،‬محل وزير العدل في‪:‬‬

‫‪ -‬اإلشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صالحياتها‬

‫املرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها في إطار احترام‬

‫مضامين السياسة الجنائية طبقا للتشريعات الجاري بها العمل؛‬

‫على‬ ‫السهر‬ ‫‪-‬‬

‫حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصها؛‬

‫‪ -‬ممارسة الطعون املتعلقة بالدعاوى املشار إليها في البند الثاني أعاله؛‬

‫‪459‬الظهير الشريف رقم ‪ 6268282‬صادر في ‪ 3‬ذي الحجة ‪ 86( 6383‬أغسطس ‪ )3668‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 88268‬المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‬
‫بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة‪،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪0062‬بتاريخ ‪ 38‬ذو الحجة ‪ 63( 6383‬سبتمبر ‪ )3668‬ص‪.2622 :‬‬

‫‪P 302‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬تتبع القضايا املعروضة على املحاكم التي تكون النيابة العامة طرفا‬

‫فيها‪.‬‬

‫وفي ذات السياق‪ ،‬نصت املادة‪ 5‬من هذا القانون على مايلي‪ ":‬تسجل‬

‫االعتماد املرصودة لرئاسة النيابة العامة في امليزانية العامة للدولة‪ .‬الوكيل العام‬

‫للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة هو اآلمر بصرف‬

‫االعتمادات‪ ،‬وله أن يفوض ذلك وفق األشكال والشروط املنصوص عليها في القوانين‬

‫واألنظمة الجاري بها العمل‪".‬وبالرجوع إلى الفقرة األولى من املادة ‪ 53-8‬من مشروع‬

‫مسودة قانون املسطرة الجنائية املغربي نجد أن املشرع املغربي ينص على ما‬

‫يلي‪":‬يبلغ وزير العدل كتابة املضامين العامة للسياسة الجنائية التي تضعها الحكومة‬

‫إلى رئيس الحكومة ‪ "...‬وكما نصت نفس املادة في فقرتها الثانية من نفس املشروع‬

‫على مايلي‪":‬يشرف رئيس النيابة العامة على تنفيذ السياسة الجنائية وفقا‬

‫للقانون‪،‬ويعمل على إحاطة وزير العدل علما باإلجراءات والتدابير املتخذة بشأن‬

‫تنفيذها"‪ .‬وفي ذات السياق نصت الفقرة الثالثة من نفس املادة من املشروع على‬

‫مايلي‪":‬يحيل وزير العدل إلى رئيس النيابة العامة ما يصل إلى علمه من جرائم ليتخذ‬

‫بشأنها ما يراه مالئما‪،‬ويجب إشعاره باإلجراءات والتدابير املتخذة في شأنها "‪.‬وفي نفس‬

‫املادة نصت الفقرة الرابعة من نفس املشروع على مايلي‪":‬يرفع رئيس النيابة‬

‫‪P 303‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العامة‪،460‬تقريرا سنويا إلى املجلس األعلى للسلطة القضائية وكذا إلى وزير‬
‫العامة‪461".‬‬ ‫العدل حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة‬

‫وباالطالع إلى الفقرة األولى من املادة ‪ 83‬من مشروع مسودة قانون التنظيم‬

‫القضائي املغربي رقم ‪ 12.35‬املؤرخ سنة ‪ 8132‬نجد أن املشرع املغربي نص على ما‬

‫يلي‪":‬تتولى وزارة العدل اإلشراف اإلداري واملالي على املحاكم بتنسيق وتعاون مع‬

‫املسؤولين القضائيين بها بما ال يتنافى واستقالل السلطة القضائية"‪.‬‬

‫وكما نصت الفقرة الثانية من نفس املادة من نفس املشروع قانون التنظيم‬

‫القضائي املغربي على ما يلي‪":‬يتولى الكاتب العام للمحكمة‪ 462‬مهام التسيير والتدبير‬

‫اإلداري باملحكمة‪،‬وضبط عمل مختلف مصالح كتابة الضبط واملصالح املحاسبية‬

‫بها‪،‬واإلشراف على موظفي هيئة كتابة الضبط العاملين بها‪،‬ويساعد في ذلك رؤساء‬

‫مصالح كتابة الضبط باملحكمة"‪ .‬وفي نفس املادة‪ ،‬نصت الفقرة الثالثة من نفس‬

‫املشروع على ما يلي‪":‬يخضع الكاتب العام‬

‫للمحكمة إداريا لسلطة ومراقبة وزير العدل‪ ،‬ويمارس مهامه تحت السلطة‬
‫باملحكمة‪463".‬‬ ‫املباشرة للمسؤولين القضائيين‬

‫‪460‬تم تعويض وزير العدل بالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حسب دستور المملكة ‪ 7111‬والقانون‬
‫التنظيمي المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية سنة ‪.7119‬والمادة األولى من مشروع مسودة قانون‬
‫المسطرة الجنائية المغربي‪.‬‬
‫‪461‬مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية المغربي‪.‬‬
‫‪ 462‬وتجدر اإلشارة إلى أن الكاتب العام للمحكمة الذي حل محل رئيسي مصلحة كتابة الضبط ومصلحة كتابة النيابة‬
‫العامة‪:‬هو جهازي خضع لسلطة الوزارة الوصية على قطاع العدل وبالتالي يضرب في صميم مبدأ استقاللية مؤسسة‬
‫القضاء لما له من سلطة على الموظفين ولما له من سلطة تنقيط عملهم‪ ،‬لكن هذه النقطة لم يحسم فيها النقاش فيها‬
‫الممارسين والباحثين والمختصين وكافة الفاعلين خارج منظومة العدالة‪.‬‬
‫‪463‬مشروع مسودة قانون التنظيم القضائي رقم ‪.41.14‬‬

‫‪P 304‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي ذات االتجاه‪ ،‬نالحظ أن محاكم اململكة تتكون من ثالث رؤوس وهي رئيس‬

‫املحكمة ورئيس وكيل امللك ورئيس هيئة كتابة الضبط سواء على الصعيد محاكم‬

‫الدرجة األولى أو محاكم الدرجة الثانية في ظل ظهير التنظيم القضائي الحالي املؤرخ‬

‫في ‪ 35‬يوليوز ‪ 4643294‬أو الكاتب العام للمحكمة في ظل مشروع قانون رقم ‪12.35‬‬

‫املتعلق بالتنظيم القضائي‪.‬‬

‫‪464‬الظهير الشريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.74.330‬بتاريخ ‪ 24‬جمادى الثانية ‪ 15( 1314‬يوليوز ‪ )1174‬يتعلق‬
‫بالتنظيم القضائي للمملكة‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3228‬بتاريخ ‪ 26‬جمادى الثانية ‪ 17( 1314‬يوليوز‬
‫‪ ،)1174‬ص ‪.2827:‬‬

‫‪P 305‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫وترتيبا على ما تقدم‪ ،‬يتضح أن بالرجوع إلى املادة األولى من املرسوم التنظيمي‬

‫املتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل‪ ،‬نجد أن املشرع املغربي يخول‬

‫للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل مهام ووظائف في مجال قطاع العدل‪ ،‬كصياغة‬

‫السياسات العمومية في ميدان العدالة والسياسة الجنائية والتسيير اإلداري واملالي‬

‫للمحاكم تحديدا واإلدارة القضائية عموما‪ ،‬تماشيا مع مقتضيات الفصل ‪ 22‬من‬

‫دستور اململكة حيث يقض ي بأن‪" :‬اإلدارة موضوعة تحت تصرفها"‪ ،‬أي الحكومة‬

‫التي لها سلطة على اإلدارة العمومية عامة واإلدارة القضائية خاصة‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فإن االقتراحات التي يجب الخروج بها في هذا الصدد‪ ،‬هي كالتالي‪:‬‬

‫يجب الحسم في مسألة العمل اإلداري والعمل القضائي داخل اإلدارة‬ ‫‪-‬‬

‫املركزية للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل وباملجلس األعلى للسلطة‬

‫القضائية و داخل محاكم اململكة‪.‬‬

‫ضرورة خلق آليات تنزيل السياسة القضائية بين الوزارة الوصية على‬ ‫‪-‬‬

‫قطاع العدل واملجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬وذلك من خالل توضيحها‬

‫داخل الهيئة املشتركة بينهما ‪.‬‬

‫ضرورة وجود قنوات الوصل بين الوكيل العام للملك لدى محكمة‬ ‫‪-‬‬

‫النقض واملجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫‪P 306‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تفعيل دور الجمعية العمومية للمحاكم في مجال توزيع القضايا بدال‬ ‫‪-‬‬

‫من املسؤول اإلداري الذي يضرب في صميم استقاللية القضاء ‪.‬‬

‫ضرورة التعديل الدستوري وذلك بالتنصيص صراحة على القانون‬ ‫‪-‬‬

‫التنظيمي املتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها في‬

‫الباب املخصص للسلطة القضائية حتى يكون مالئما ملشروع قانون الذي تم‬

‫مصادقة عليه من قبل الحكومة املغربية‪.‬‬

‫‪P 307‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫املقاالت‬

‫‪ ‬الحسن بيهي‪ ،‬مفهوم السياسة الجنائية في ضوء مفهوم املادة ‪ 53‬من قانون‬

‫املسطرة الجنائية‪ ،‬بدون دار الطبع‪ ،‬بدون سنة النشر‪.‬‬

‫‪ ‬ياسمين صالحي‪ ،‬مفهوم السياسة العامة والسياسات العمومية والسياسات‬

‫القطاعية في ضوء دستور ‪،8133‬بدون دار الطبع‪ ،‬بدون سنة النشر‪.‬‬

‫‪ ‬محمد عبد النبوي‪ ،‬السياسة الجنائية باملغرب‪ ،‬مجلة املحاكمة‪ ،‬عدد‬

‫‪34‬فبراير‪/‬أبريل ‪.8132‬‬

‫‪ ‬قواري مجدوب‪ ،‬مبدأ استقاللية القضاء في الدساتير املغاربية‪ ،‬مجلة دساتير‬

‫السياسة والقانون‪ ،‬العدد‪ ، 35‬جوان ‪.8136‬‬

‫النصوص القانونية‬

‫‪ ‬الدستور‬

‫‪ ‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.33.23‬صادر ‪ 89‬من شعبان ‪ 82 )3418‬يوليوز ‪)8133‬‬

‫املتعلق بتنفيذ نص الدستور‪،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5264‬مكرر‬

‫بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 11 )3418‬يوليوز‪،) 8133‬ص‪.1611:‬‬

‫‪ ‬القانون التنظيمي‬

‫‪ ‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.36.41‬صادر في ‪ 34‬من جمادى اآلخرة ‪ 84( 3419‬مارس‬

‫‪)8136‬الخاص بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪311.31‬املتعلق باملجلس األعلى‬

‫‪P 300‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للسلطة القضائية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6456‬بتاريخ ‪ 6‬رجب‬

‫‪ 34( 3419‬أبريل ‪، )8136‬ص‪.1341 :‬‬

‫‪ ‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.36.43‬صادر في ‪ 34‬من جمادى اآلخرة ‪ 84( 3419‬مارس‬

‫‪ )8136‬الخاص بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 316.31‬املتعلق بالنظام‬

‫األساس ي للقضاة‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6456‬بتاريخ ‪ 6‬رجب ‪3419‬‬

‫(‪ 34‬أبريل ‪ ،)8136‬ص‪.1361 :‬‬

‫‪ ‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.35.21‬صادر في ‪ 81‬من رمضان ‪ 9( 3416‬يوليو ‪8135‬‬

‫) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 333.34‬املتعلق بالجهات‪ ،‬منشور بالجريدة‬

‫الرسمية عدد ‪ 6121‬بتاريخ ‪ 6‬شوال ‪ 81 ( 3416‬يوليو ‪ ،)8135‬ص‪،6685:‬‬

‫‪ ‬القانون العادي‬

‫‪ ‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.39.95‬صادر في ‪ 2‬ذي الحجة ‪ 11( 3412‬أغسطس‬

‫‪ )8139‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 11.39‬املتعلق بنقل اختصاصات السلطة‬

‫الحكومية املكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‬

‫بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة‬

‫العامة‪،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪6615‬بتاريخ ‪ 89‬ذو الحجة ‪32( 3412‬‬

‫سبتمبر ‪ )8139‬ص‪.5355 :‬‬

‫‪ ‬الظهير الشريف بمثابة قانون رقم ‪ 3.94.112‬بتاريخ ‪ 84‬جمادى الثانية ‪3124‬‬

‫(‪ 35‬يوليوز ‪ )3294‬يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة‪ ،‬منشور بالجريدة‬

‫‪P 301‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الرسمية عدد ‪ 1881‬بتاريخ ‪ 86‬جمادى الثانية ‪ 39( 3124‬يوليوز ‪ ،)3294‬ص‬

‫‪.8189:‬‬

‫‪ ‬املراسيم التنظيمية أو التنظيمية‬

‫‪ ‬املرسوم التطبيقي رقم ‪ 8.31.131‬صادر في ‪ 9‬جمادى األولى ‪ 33( 3418‬أبريل‬

‫‪)8133‬‬

‫املتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية‬

‫عدد ‪ 5241‬بتاريخ فاتح جمادى اآلخرة ‪ 5( 3418‬ماي ‪ ،)8133‬ص‪.8494 :‬‬

‫‪ ‬القرارات التنظيمية‬

‫‪ ‬قرار مشترك للرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية ووزير العدل‬

‫رقم ‪ 938.32‬صادر في ‪ 31‬من شوال ‪ 39( 3441‬يونيو‪ )8132‬بتحديد تأليف‬

‫واختصاصات الهيئة املشتركة بين املجلس األعلى للسلطة القضائية والوزارة‬

‫املكلفة بالعدل بشأن التنسيق في مجال اإلدارة القضائية‪ ،‬منشور بالجريدة‬

‫الرسمية عدد ‪ 6928‬بتاريخ فاتح ذي القعدة ‪ 14( 3441‬يوليو ‪)8132‬؛ ص‪:‬‬

‫‪.4805‬‬

‫الخطب امللكية‬

‫‪ ‬الخطاب امللكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية‬

‫الرابعة من الوالية التشريعية الثامنة املؤرخ في ‪ 2‬أكتوبر ‪.8131‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬الخطاب امللكي التاريخي بمناسبة ثورة امللك والشعب املؤرخ في ‪ 81‬غشت‬

‫‪.8112‬‬

‫الندوات‬

‫‪ ‬مداخلة محمد البغدادي في موضوع حول السياسة الجنائية بين السلطة‬

‫التشريعية والسلطة التنفيذية في ندوة وطنية عن بعد في موضوع حول‬

‫السياسة القضائية على ضوء املستجدات التشريعية من تنظيم مركز‬

‫الكفاءات لألبحاث والدراسات عبر منصة ‪ zoom‬في الصفحة الرسمية للمركز‬

‫في فايس بوك بتاريخ يوم السبت ‪ 6‬مارس ‪.8183‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ عاللي عبد اللطيف‬


‫باحث دكتوراه يف القانون الخاص جامعة احلسن‬
‫االول – سطات ‪-‬‬

‫مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية للمشغل بين النص‬


‫القانوني واالجتهاد القضائي‬
‫‪The principle of gradualism in disciplinary penalties for the operator‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد متع املشرع املغربي املشغلين بمجموعة من السلط‪ ،‬لضمان حسن‬

‫سيرورة العمل داخل املقاولة‪ ،‬كسلطة اإلشراف وسلطة التوجيه وكذا سلطة‬

‫الرقابة‪ ،‬وذلك لتمكينهم من إصدار األوامر والتعليمات لألجراء واإلشراف على‬

‫عملهم‪ ،‬وهذا ما يساعدهم على تحقيق األهداف املتوخاة من إنشاء املقاولة‪.‬‬

‫غير أن هذه السلط لن يكون لها أي أثر إذا لم يتم تدعيمها ببعض العقوبات‬

‫التأديبية التي يمارسها املشغل في مجال اختصاصاته‪ 465‬في إطار السلطة التأديبية‬

‫‪-‬أسماء الشرقاوي‪ ،‬الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي ‪-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص سنة‪ 8080:‬ص‪.78‬‬
‫‪.465‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التي خولها له املشرع‪ ،‬وذلك لكون األجير بالرغم من إطالعه وعلمه باألوامر‬

‫والتعليمات الصادرة عن املشغل ومع ذلك فإنه يعمد إلى خرقها و مخالفتها‪.‬‬

‫السلطة التأديبية بأنها سلطة قانونية‪ ،‬موضوعها‬ ‫الفقه‪466‬‬ ‫وقد عرف أحد‬

‫فرض قاعدة سلوكية على األجراء الدين يشتغلون في مشروع من املشاريع‪ ،‬وذلك‬

‫عن طريق جزاءات محددة توقع على املخل بهذه القاعدة التي تتبلور في شكل أوامر‬

‫وتعليمات للمشغل‪ ،‬قد تكون عامة موجهة لجميع األجراء‪ ،‬أو للبعض منهم‪ ،‬وقد‬

‫تكون موجهة إلى أجير بعينه فقط‪.‬‬

‫ونظرا ملا تمثله السلطة التأديبية من خطورة على مبدأ إستقرار العالقة‬

‫الشغلية‪ ،‬فإن املشرع قد عمل على إحاطتها بمجموعة من القيود واإلجراءات‬

‫املسطرية التي تعتبر كضمانات هدفها األساس ي هو حماية األجراء من تعسف‬

‫املشغل أثناء ممارسته لهذه السلطة‪.‬‬

‫ومن بين هذه الضمانات ‪ ،‬نجد مبدأ التدرج في توقيع العقوبات التأديبية‬

‫الذي أقره املشغل ضمن املادة ‪ 12‬من مدونة الشغل التي نصت على أنه ‪" :‬يتبع‬

‫املشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة "‪.‬‬

‫حيث أصبح املشغل ملزم بإحترام الترتيب التشريعي الوارد ضمن املادة ‪ 19‬من‬

‫املدونة‪ ،‬التي نصت على مجموعة من العقوبات التأديبية التي يكون من حق‬

‫‪466‬‬
‫‪-‬عبد اللطيف خالفي‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل –الجزء االول‪-‬عالقات الشغل الفردية‪-‬الطبعة االولى ‪8009‬ص‪.980‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشغل توقيعها على األجير املرتكب لبعض األخطاء الغير جسيمة واملتمثلة في‬

‫سواء تلك التي جاءت بها مدونة‬ ‫‪467‬‬ ‫اإلخالل بإلتزاماته القانونية أو التعاقدية‬

‫الشغل أو املضمنة في عقد الشغل أو في إطار القانون الداخلي أو إتفاقية الشغل‬

‫الجماعية ‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فهل مبدأ التدرج في العقوبة كضمانة جاءت بها مدونة الشغل‪.‬‬

‫إستطاع أن يحقق الحماية الكافية لألجير من تعسف املشغل أثناء توقيعه‬

‫للعقوبات التأديبية ؟ وكيف تعامل القضاء مع تأويل ما نص عليه هذا املبدأ من‬

‫خالل رقابته على السلطة التأديبية للمشغل؟‬

‫هذه األسئلة سنحاول مقاربتها من خالل محورين‪ :‬املبحث االول‪ :‬األخطاء الغير‬

‫الجسيمة والعقوبات التأديبية املوجبة لها من خالل مدونة الشغل‪ .‬املبحث الثاني‪:‬‬

‫التقيد بمبدأ التدرج في توقيع العقوبات التأديبية من خالل النص القانوني‬

‫واالجتهاد القضائي‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫‪-‬عبد اللطيف خالفي م‪.‬س ص‪.950:‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬االخطاء الغير الجسيمة والعقوبات التأديبية املوجبة لها من‬

‫خالل مدونة الشغل‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية االخطاء التأديبية واألخطاء الغير الجسيمة من خالل‬

‫مدونة الشغل‪.‬‬

‫إن تحريك السلطة التأديبية للمشغل بإعتباره رئيس املؤسسة‪ ،‬يكون كل‬

‫مادعت الضرورة لذلك وهو رهين بإرتكاب بعض األجراء ملخالفات مهنية تعتبر‬

‫كأخطاء مهنية أو باألحرى أخطاء تأديبية يتم تحديد طبيعتها من طرف املشغل‬

‫قبل توقيع الجزاء التأديبي على األجير املخطئ‪ .‬لهذا فلدراسة موضوع األخطاء‬

‫املوجبة للعقوبات التأديبية‪ .‬يستدعي منا أوال دراسة االخطاء التأديبية ضمن‬

‫الفقرة االولى على أن نخصص الفقرة الثانية لدراسة طبيعتها‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪ :‬مفهوم الخطاء التأديبي‪.‬‬

‫إن الخطأ التأديبي يكاد يكون‪ ،‬ذلك الخطأ الناتج عن عدم القيام بعمل‪ ،‬وذلك‬

‫عن طريق االمتناع‪ ،‬أو القيام بعمل مخالف ألوامر وتعليمات املشغل والقواعد‬

‫العامة املتعلقة بتنظيم العمل في املؤسسة‪ ،‬ويكون أي إخالل بهذه القواعد بمثابة‬

‫خطأ تأديبي يخول للمشغل سلطة تأديب األجير املخالف‪.‬‬

‫إن املشرع املغربي وعلى غرار العديد من التشريعات املقارنة كالتشريع املصري‬

‫والفرنس ي والجزائري والتونس ي لم يعطي أي تعريف للخطأ التأديبي بل ترك األمر‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مفتوحا للفقه والقضاء‪ ،‬على أساس أن إعطاء التعاريف للمصطلحات القانونية‬

‫يبقى موكول بهما ‪.‬‬

‫وهكذا فإن جانب من الفقه املصري ‪ 468‬يرى أن الخطأ التأديبي‪ ،‬هو إنحراف‬

‫في سلوك العامل داخل مجتمعه الصغير الذي يشكله املشروع الذي يشتغل فيه‪،‬‬

‫اعتبر أن الخطأ التأديبي‪ ،‬عبارة عن إخالل‬ ‫أن جانب آخر من الفقه املصري‪469‬‬ ‫كما‬

‫األجير بالقيام بالواجبات التي يقتضيها حسن إنتظام وإستمرار العمل باملنشأة‪.‬‬

‫وكذلك االمتناع عن كل ما من شأنه إلحاق الضرر بنظام جماعة املنشأة التي‬

‫ينتمي إليها امللتزم أو عرقلة تحقيق األهداف التي خصصت من أجلها‪.‬‬

‫أما الفقه التونس ي‪ ،‬فقد عرف جانب منه‪ 470‬الخطأ التأديبي بأنه "عبارة عن‬

‫تصرف يؤدي إلى اإلخالل باالنضباط داخل املؤسسة‪".‬‬

‫بأن الخطأ التأديبي لألجير هو كل إخالل بالقواعد‬ ‫ي‪471‬‬ ‫ورأى الفقه الفرنس‬

‫السارية في الشركة بما فيها القواعد غير املكتوبة‪ ،‬والتي تفرض على كل واحد سلوكا‬

‫مناسبا في عالقاته مع األعضاء اآلخرين‪.‬‬

‫كما أكد جانب من الفقه الفرنس ي أيضا‪ ،472‬بأن الخطأ التأديبي هو كل مخالفة‬

‫غير مبررة لألوامر والتعليمات والقواعد العامة املتعلقة بتنظيم العمل في املؤسسة‪.‬‬

‫‪468‬محمود جمال الدين زكي‪ :‬قانون العمل‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 8820‬ص ‪.828‬‬
‫‪469‬‬
‫‪-‬علي عوض حسن‪ :‬الفصل التأديبي‪ ،‬في قانون العمل ‪-‬دراسة مقارنة‪ -‬دار الثقافة للطبع والنشر‪ ،‬القاهرة ‪ 8875‬ص ‪ 05‬و‪808‬‬
‫‪470‬‬
‫فريدة العبيدي‪ :‬السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪ .8002‬ص ‪.98‬‬
‫‪Bernard Teyssie: Droit du travail "relations individuelles du travail" 2ème édition – litec 1992 p 383.-471‬‬
‫‪472‬‬
‫‪- Rivero Savatier: Droit du travail 1991, p 191.‬‬
‫‪Camerlynch – Caen: Droit du travail, 15ème édition 1990 p 454.‬‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فقد اعتبر أن الخطأ هو كل فعل ناتج عن‬ ‫الجزائري‪473‬‬ ‫أما بخصوص الفقه‬

‫قصد أو إهمال‪ ،‬يمس النظام املعمول به في املؤسسة‪ ،‬ومن شأنه إلحاق أضرار بها‬

‫أو بالعاملين بها‪ ،‬أو يشكل خرقا إللتزامات العامل املهنية تجاه صاحب العمل‪.‬‬

‫أما فيما يخص الفريق املغربي‪ ،‬فإن جانبا من الفقه‪ 474‬عرف الخطأ التأديبي‬

‫بأنه" كل مخالفة غير مبررة ألوامر وتعليمات املشغل‪ ،‬أو كل مخالفة ترتكب داخل‬

‫املؤسسة أو خارجها ‪،‬والذي يترتب عنها مسؤولية األجير تجاه مشغله‪ ،‬مما يشكل‬

‫إخالل من األجير بأحد إلتزاماته املهنية الناتجة عن عقد الشغل‪".‬‬

‫فقد عرف الخطأ التأديبي بكونه" مخالفة‬ ‫املغربي‪475‬‬ ‫أما جانب آخر من الفقه‬

‫األجير للقوانين والنظم املعمول بها في املؤسسة املستخدمة في املجالين املنهي‬

‫والتنظيمي"‪.‬‬

‫بأنه كل مخالفة غير مبررة ألوامر وتعليمات املشغل‪.‬‬ ‫آخر‪476‬‬ ‫وعرفه فقه‬

‫أن الخطأ التأديبي‪ ،‬إخالل األجير‬ ‫املغربي‪477‬‬ ‫وأضاف جانب آخر من الفقه‬

‫بواجبه املنهي أو بقواعد العمل‪.‬‬

‫أجميله سليمان‪ :‬التنظيم القانوني لعالقات العمل في التشريع الجزائري ‪-‬عالقة العمل الفردية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫‪.473‬الجزائرية‪ ،‬طبعة ‪ ،8008‬ص ‪808‬‬
‫‪.474‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬الوسيط في مدونة الشغل‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،8009‬ص ‪988‬‬
‫‪475‬دنيا مباركة‪ :‬ضمانات توقيع العقوبات التأديبية في ظل مدونة الشغل الجديدة ص ‪..80‬‬
‫إدريس فجر‪ :‬مساهمة ما في دراسة نظرية‪ :‬أسباب انقضاء عقد العمل‪-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪-‬جامعة الحسن الثاني عين‬
‫‪.476‬الشق الدار البيضاء ص ‪ 29‬نوقشت سنة ‪8888‬‬
‫‪.477‬محمد عابي‪ :‬رقابة القضاء على فصل األجير‪ ،‬طبعة ‪ 8882‬الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪806‬‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بأنه ارتكاب األجير فعال من شأنه اإلخالل بنظام‬ ‫آخر‪478‬‬ ‫كما عرفه فقه‬

‫املؤسسة وحسن سير العمل بها وإعاقة أغراضها أو مخالفة األجير ألوامر صاحب‬

‫أن الخطأ التأديبي ‪:‬هو إخالل األجير‬ ‫الباحثين‪479‬‬ ‫املؤسسة‪.‬كما رأى بعض‬

‫بالواجبات التي يقتضيها حسن نظام املقاولة وإستمرار العمل بها أو عرقلة األهداف‬

‫التي قامت ألجلها‪ ،‬ومن خالل التعاريف السابقة الذكر يمكن لنا أن نستخلص‬

‫تعريف للخطأ التأديبي على أنه إرتكاب مخالفة من طرف األجير ناتجة عن إخالله‬

‫بالتزامات عقدية أو مهنية أو لعدم اإلمتثال لتعليمات املشغل‪ ،‬والذي نتج عنه‬

‫إعاقة وإضطراب السير العادي وحسن العمل باملؤسسة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األخطاء الغير الجسيم‪.‬‬

‫يمكن لنا إعطاء مقاربة ملفهوم الخطأ الغير الجسيم من خالل بعض‬

‫املقتضيات التشريعية‪ ،‬و من خالل الفقه‪ ،‬واالجتهاد القضائي وذلك في غياب‬

‫تعريف هذا الخطأ في مدونة الشغل‪ ،‬وهذا ما سوف نحاول أن نتطرق إليه ضمن‬

‫هذه الفقرة ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الخطأ الغير الجسيم من خالل التشريع‪.‬‬

‫إن املشرع املغربي وكغيره من التشريعات األخرى املقارنة‪ ،‬لم يعطي تعريفا‬

‫للخطأ الغير الجسيم‪ ،‬وإنما إكتفى بتحديد آثاره على مستوى العقوبات التأديبية‪،‬‬

‫‪478‬بشرى العلوي الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي‪ ،‬طبعة ‪ ،8007‬ص ‪.09‬‬
‫‪-479‬أحمد لنصار الضمانات التشريعية والقضائية لحماية األجير من الفصل التعسفي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬يونيو ‪ ،8082‬ص ‪-.88‬‬

‫‪P 310‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الواجبة التطبيق على األجير إذا ما أرتكب ذلك الخطأ‪ ،‬ومن ثمة فإن وجود الخطأ‬

‫غير الجسيم املبيح لتأديب األجير مسألة تندرج ضمن السلطة التقديرية ملحكمة‬

‫املوضوع‪.‬‬

‫والخطأ الغير الجسيم‪ ،‬يصدر عن األجير على شكل مخالفة خفيفة لاللتزامات‬

‫التي تفرضها عالقته باملشغل‪ ،‬بحيث ال يكون هناك أي إضرار باملقاولة‪ ،‬وحسن‬

‫سير العمل بها‪ ،‬وال ينطوي على أية جسامة‪ ،‬وهذا ما يفتح املجال للمشغل من‬

‫أجل إعمال سلطته التأديبية وذلك بإصدار عقوبات تأديبية ال ترقى إلى درجة‬

‫الفصل من العمل‪.‬‬

‫كما أن مدونة الشغل‪ ،‬لم تنص على نماذج للخطأ غير الجسيم‪ ،‬ولم تذكر عدد‬

‫حاالته وبعض صوره‪ ،‬خالفا ملا نصت عليه في املواد ‪ 12‬و‪ 41‬منها التي جاءت فيها‬

‫نماذج وصور من األخطاء الجسيمة ولو أنها ذكرت على سبيل املثال‪ ،‬بإ ستثناء‬

‫بعض الحاالت التي يمكن إستنباطها من خالل املواد الواردة ضمن مدونة الشغل‪.‬‬

‫فمثال املادة ‪ 2‬في فقرتها األولى نصت على أن األجير يكون مرتكبا لخطأ تأديبي‬

‫غير جسيم في حالة إقدامه على املس بالحريات والحقوق املتعلقة باملمارسة‬

‫النقابية داخل املقاولة وفقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل في هذا اإلطار‪،‬‬

‫بل نصت املدونة على عقوبات تأديبية في حق األجير املرتكب لهذه األخطاء من املادة‬

‫‪ 38‬في فقرتها الثالثة واملتمثلة في التوقيف عن العمل ملدة سبعة أيام وفي حالة‬

‫تكرار األجير لنفس املخالفة خالل السنة‪ ،‬فإنه يتم توقيفه ملدة ‪ 35‬يوما‪.‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫غير أن تكرار نفس املخالفة للمرة الثالثة‪ ،‬يعرض األجير للفصل نهائيا من‬

‫الشغل‪ ،‬واملالحظة التي يمكن اإلشارة إليها هنا أن مدونة الشغل لم تتطرق إلى‬

‫اإلجراءات املسطرية التي تتعلق بتوقيع هذه العقوبة كما فعلت في املواد ‪ 19‬و‪12‬‬

‫وكذا ضمن املواد ‪ 68‬و‪61‬و‪ 64‬منها‪ ،‬حيث حددت كيفية ممارسة هذه اإلجراءات‬

‫التأديبية‪.‬‬

‫وعلى خالف هذه املقتضيات‪ ،‬فإنه يبقى للمشغل كامل السلطة في تحديد‬

‫طبيعة الفعل املرتكب وتكييفه كخطأ تأديبي غير جسيم أم ال‪ ،‬مع األخذ بعين‬

‫االعتبار أن السلطة تبقى خاضعة لرقابة القضاء وذلك طبقا للمادة ‪ 48‬من م‪ .‬ش‬

‫في فقرتها األخيرة والتي جاء فيها أنه‪" :‬تخضع ملراقبة السلطة القضائية‪ ،‬القرارات‬

‫التي يتخذها املشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية"‬

‫والقضاء طبقا لهذه املادة وبحكم السلطة التقديرية التي يتمتع بها‪ ،‬فإنه يمكن‬

‫له تحديد نوع األخطاء املرتكبة من طرف األجير املخطئ‪ ،‬وهل يدخل في خانة‬

‫األخطاء الغير الجسيمة أم األخطاء الجسيمة‪ ،‬وذلك بالنظر إلى ظروف العمل‬

‫باملقاولة‪ ،‬وطبيعة النشاط املزاول فيها‪ ،‬وحجم الضرر الذي ألحقه الخطأ‬

‫باملقاولة‪ ،‬ومدى تأثيره على سير العمل فيها‪ ،‬ولذلك فإن القرارات واألحكام التي‬

‫تصدرها محاكم املوضوع‪ ،‬ال تكون عليها رقابة ملحكمة النقض إال من حيث‬

‫التعليل‪.‬‬

‫‪P 488‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فالخطأ يمكن إعتباره جسيما في إحدى املقاوالت‪ ،‬وقد ال يكون كذلك في‬

‫مقاوالت أخرى‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق‪ ،‬يمكن لنا أن نستخلص أن التمييز بين الخطأ الجسيم‬

‫والخطأ الغير الجسيم يرجع في األساس إلى السلطة التقديرية للمحكمة طبقا ملا‬

‫نصت عليه املادة ‪ 48‬من م‪ .‬ش‪.‬‬

‫وهذا يعني أن املشرع أعطى سلطة واسعة ومفتوحة للقضاء من أجل تقدير‬

‫جسامة األخطاء من عدمه ومدى تأثيره على وثيرة العمل باملقاولة وحسن السير‬

‫بها‪ ،‬وكذلك حجم الضرر الذي لحق املقاولة لكن شريطة أن يكون تعليل القاض ي‬

‫ألحكامه تعليال كافيا وصحيحا ومؤسسا قانونا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من خالل الفقه‪.‬‬

‫الخطأ الغير الجسيم بأنه ذلك الخطأ الذي ال يصل‬ ‫الفقه‪480‬‬ ‫لقد عرف بعض‬

‫من الخطورة والحدة إلى درجة الخطأ الجسيم‪.‬‬

‫إن الخطأ يمكن أن يكون بعدم احترام املقتضيات القانونية أوعدم التقيد‬

‫بالنظام الداخلي أو االتفاقية الجماعية أو عقد الشغل أو نتيجة إهمال وتقصير أو‬

‫عدم إحتياط ‪ 481‬األجير أثناء مزاولته لعمله‪ ،‬أو إنطالقا من الوصف أو التكييف‬

‫املحدد من طرف املشغل للخطأ الذي يوقع على األجير بعض العقوبات التأديبية‬

‫‪. 480‬إدريس فجر‪ :‬دور القضاء في حماية األجير‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪ 88‬لسنة ‪ ،8880‬ص ‪88‬‬
‫‪. 481‬محمد بنحساين‪ :‬القانون االجتماعي المغربي‪ ،‬عالقات الشغل الفردية والجماعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪886‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الخفيفة حسب الضرر أو االضطراب الذي يصيب املقاولة‪ ،‬مع تقييد املشغل‬
‫ش‪482.‬‬ ‫باحترام مبدأ التدرج في العقوبة طبقا للمادة ‪ 12‬من م‪.‬‬

‫ولقد عرف الخطأ الغير الجسيم بعض الباحثين‪ 483‬بأنه‪" :‬كل مخالفة مخلة‬

‫باآلداب وبوجه عام‪ ،‬كل خطأ توقع عليه عقوبات تأديبية"‬

‫كما عرفته بعض الباحثات‪ ،‬بأنه كل خطأ تأديبي يرد في صورة مخالفة النظام‬

‫الذي يقتضيه حسن سير العمل‪ ،‬أو أنه كل فعل يصدر عن األجير من شأنه اإلخالل‬

‫بنظام املقاولة وحسن سير العمل بها أو إعاقة أهداف املقاولة‪ ،‬أوهو كل فعل يدل‬

‫على مخالفة أوامر رئيس املقاولة دون أن يستتبع ذلك عقوبة الطرد‪ ،‬إال حالة‬

‫العود في مجال زمني محدد‪.‬‬

‫وفي نظرنا "إن الخطأ الغير الجسيم‪ ،‬هو فعل مرتكب من األجير‪ ،‬بحيث ينتج‬

‫عنه إضطراب في سير العمل باملقاولة ولكنه لم يؤثر على استمرارية العمل وعلى‬

‫العالقة الشغلية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخطأ الغير الجسيم في ظل االجتهاد القضائي‪.‬‬

‫إن املشرع املغربي لم يحدد أية الئحة ولو على سبيل املثال لألخطاء الغير‬

‫الجسيمة‬

‫‪". 482‬تنص المادة ‪ 02‬من م‪ .‬ش‪ ،‬على أن "يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة‪.‬‬
‫محمد بوعزيز‪ :‬السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة في قطاع الشغل الخاص بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون‬
‫‪. 483‬الخاص لسنة ‪ ،8829‬ص ‪898‬‬

‫‪P 482‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أو البسيطة‪ ،‬كما فعل بالنسبة لألخطاء الجسيمة والتي أوردها ضمن املادة‬

‫‪ 12‬من م‪ .‬ش على سبيل املثال‪ ،‬ولقد أحسن صنعا عندما لم يحدد الئحة لألخطاء‬

‫الغير الجسيمة ألنه يصعب حصر كل األفعال التي تعتبر أخطاء تأديبية‪ ،‬كما أن‬

‫وصف الخطأ الجسيم أو غير الجسيم يتعلق بطبيعة النشاط املزاول في املقاولة‪،‬‬

‫ويختلف من مقاولة ألخرى‪ ،‬فما يمكن اعتباره خطأ جسيما في إطار نشاط معين‪،‬‬

‫ال يعتبر كذلك في نشاط آخر‪ 484‬لهذا فإن املشرع املغربي قد أعطى سلطة تقديرية‬

‫واسعة ومفتوحة للقضاء في هذا املجال من أجل تكييف األخطاء املرتكبة من طرف‬

‫األجير على أنها جسيمة أو غير جسيم‪..‬‬

‫وهذا يرتبط بجسامة الخطأ وخطورته‪ ،‬وكذا مدى تأثيره على السير الحسن‬

‫والعادي للمقاولة‪ ،‬فالخطأ الذي ال يعد جسيما يمكن إعتباره غير جسيم‪.‬‬

‫وفي هذا االتجاه‪ ،‬فإننا سنقوم بسرد بعض النماذج من االخطاء التي قام‬

‫القضاء بتكييفها‪.‬‬

‫فمثال جاء في قرار ملحكمة االستئناف بالدار البيضاء‪" : 485‬حيث إنه وعلى فرض‬

‫أن ما قام به األجير من إرتداء جوارب املشغلة التي تصرح بواسطة ممثلها أثناء‬

‫جلسة البحث بأن األجير ال علم له ما إذا كانت صالحة أو غير صالحة وأن الشاهد‬

‫شاهد األجير وهو خارج من املسجد يرتدي الجوارب‪ ،‬فإنها ال ترقى إلى درجة الخطأ‬

‫الزهرة أنوار‪ :‬مقال منشور بمجلة القضاء المدني‪ ،‬سلسلة دراسات وأبحاث المنازعات االجتماعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العدد ‪ ،88‬ص ‪22‬‬
‫‪. 484‬و‪28‬‬
‫‪. 485‬القرار عدد ‪– 809‬ملف عدد ‪ 8005/5058‬بتاريخ ‪ 85‬ماي ‪ 8006‬صادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء‪.‬‬

‫‪P 483‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الجسيم بل كان على املشغلة أن تحترم التدرج في العقوبة املنصوص عليها في‬

‫الفصل ‪ 19‬من مدونة الشغل‪".‬‬

‫كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض‪" : 486‬أن رفض األجير السائق غسل‬

‫السيارة بعد مطالبته بذلك‪ ،‬ال يعتبر خطأ جسيما‪".‬‬

‫كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض‪" : 487‬إن رفض األجير ارتداء البذلة‬

‫املخصصة للعمال ال يعتبر خطأ جسيما وإنما بسيطا يستوجب عند وقوعه تطبيق‬

‫العقوبات املنصوص عليها باملادة ‪ 19‬من مدونة الشغل‪".‬‬

‫وجاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بطنجة‪ 488‬إعتبر أن السب والشتم‬

‫الصادر عن املستأنف عليها في حق مشغلها "أنت كذاب أنت منافق" ليس من‬

‫السب الفادح لدرجة إعتباره بالخطأ الجسيم‪.‬‬

‫وفي قرار آخر ملحكمة النقض‪ 489‬جاء فيه أن "إن تفوه األجير بكلمة "أسكت"‬

‫في حق املدير ال ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم بمفهوم املادة ‪ 12‬من مدونة الشغل‪".‬‬

‫من خالل دراسة القرارات الواردة أعاله يمكن لنا أن نستخلص أن تحديد نوع‬

‫الخطأ املرتكب من طرف األجير نتيجة لعدم التزامه باملقتضيات القانونية التي‬

‫يفرضها قانون الشغل أو لعدم امتثاله ألوامر وتعليمات املشغل يبقى من‬

‫‪486‬قرار لمحكمة النقض عدد ‪ 800‬االجتماعي عدد ‪ 89/8/5/58‬بتاريخ ‪.8085/08/85‬‬


‫‪. 487‬قرار لمحكمة النقض عدد ‪ 850‬في الملف االجتماعي عدد ‪ 80/8/5/285‬بتاريخ ‪8089/08/00‬‬
‫‪488‬قرار عدد ‪ 8025‬في الملف رقم ‪ 8087/8508/785‬بتاريخ ‪.8087/88/88‬‬
‫‪ 489‬قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد ‪ 8788‬صادر بتاريخ ‪ 8088/8/6‬في الملف عدد ‪.80/8729‬‬

‫‪P 484‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إختصاص املشغل في إطار سلطته التأديبية غير أن هذه السلطة ليست مطلقة‬

‫ولكن تمارس تحت مراقبة القضاء الذي يملك سلطة تقديرية تمكنه من تمييز‬

‫االخطاء عن بعضها وال رقابة ملحكمة النقض على محاكم املوضوع إال من ناحية‬

‫التعليل‪.‬فاألخطاء التي ال ترقى إلى مصاف األخطاء الجسيمة فهي تعد أخطاء غير‬

‫جسيمة أو بسيطة كمعيار للتمييز بين أنواع األخطاء التأديبية‪.‬‬

‫فإذا بلغ الخطأ التأديبي درجة كبيرة من الجسامة إلى درجة أنه سبب اضطرابا‬

‫في املقاولة واثر بشكل كبير على حسن سير العمل بها‪ ،‬وكذلك سبب ارتباكا واضحا‬

‫في العالقة الشغلية بين املشغل واألجير‪ ،‬فإنه يعتبر بمثابة خطأ جسيم يستلزم‬

‫فصل األجير املرتكب لهذا الخطأ من عمله وبدون تعويض‪ ،‬أما إذا كان الخطأ‬

‫املرتكب ال يشكل جسامة كبيرة وال يؤثر عن العالقة الشغلية وحسن سير العمل‬

‫باملقاولة فهو يعتبر فقط خطأ غير جسيم أو بسيط يستوجب تطبيق العقوبات‬

‫الواردة في املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل مع التدرج في العقوبة طبقا للمادة ‪ 12‬من‬

‫املدونة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬ماهية العقوبات التأديبية‪.‬‬

‫إن عنصر التبعية الذي يميز عقد الشغل عن العقود االخرى يستلزم وفاء‬

‫االجير بإلتزاماته املهنية وأي إخالل بها يعرضه لعقوبات تأديبية تختف من حيث‬

‫درجة الخطورة والتي تكون من توقيع املشغل بإعتباره مالكا للسلطة التأديبية‪.‬‬

‫‪P 485‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولدراسة هذه العقوبات التأديبية فإننا سوف نعرفها اوال ضمن الفقرة االولى‬

‫من هذا املطلب ثم بعد ذلك نتعرف على أنواعها من خالل الفقرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف العقوبات التأديبية‪.‬‬

‫إن مدونه الشغل‪ ،‬قد تحاشت إعطاء تعريف للعقوبة التأديبية‪ ،‬كما فعلت‬

‫بالنسبة لألخطاء التأديبية وتركت املجال للفقه واالجتهاد القضائي وأكتفت فقط‬

‫بالتنصيص ضمن املادتين ‪ 19‬و‪ 12‬منها على الجزاءات التأديبية التي يتخذها‬

‫املشغل في حق األجزاء املرتكبين لألخطاء التأديبية‪ ،‬كما أن تعريف العقوبات‬

‫التأديبية لم يتطرق له أيضا املشرع املغربي ضمن النظام النموذجي للظهير‬

‫الشريف املؤرخ في ‪ 81‬أكتوبر ‪ ،3242‬بل إكتفى بذكر أمثلة من العقوبات التأديبية‪،‬‬

‫التي يمكن إنزالها على األجراء في حالة إرتكابهم لخطأ منهي أو مخالفة مخلة باآلداب‬

‫وذلك ما جاء مفصال ضمن الفصل السادس من هذا الظهير‪ ،‬وبالنظر إلى كون‬

‫تعريف العقوبات التأديبية أو الجزاء التأديبي يكتس ي أهمية جوهرية‪ ،‬ألنه يحدد‬

‫تطبيق املقتضيات التأديبية من منطلق سلطة املشغل ‪ 490‬فإن التشريعات املقارنة‬

‫أعطت تعريفا للجزاء التأديبي‪ ،‬حيث نجد أن املشرع الفرنس ي أورد تعريفا للعقوبة‬

‫التأديبية ضمن املادة ‪3-3113 :L‬من مدونة الشغل الفرنسية بكونها "كل إجراء‬

‫عدا املالحظات الشفوية‪ ،‬الذي يتخذه املشغل ‪ ،‬بعد إرتكاب األجير فعال يعتبر بمثابة‬

‫خطأ تأديبي من طرفه سواء كان لهذا اإلجراء‪ ،‬التأثير الفوري أوال على بقاء األجير‬

‫‪.490‬محمد سعيد بناني‪ ،‬عالقات الشغل للفردية ‪ -‬الجزء الثاني ‪ -‬المجلد الثاني ‪ -‬المرجع السابق ص‪822‬‬

‫‪P 486‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫باملقاومة‪ ،‬أو على مهنته‪ ،‬أو مستقبله املنهي‪ ،‬أو مستحقاته أو األجر الذي يتقاضاه "‪.‬‬

‫ولقد ذهبت مجموعة من التشريعات املقارنة في نفس إتجاه املشرع املغربي‬ ‫‪491‬‬

‫الذي لم يعطي تعريفا للعقوبات التأديبية ‪.‬‬

‫فبالنسبة لقانون الشغل املوريتاني‪ 492‬فلم يتطرق إلى تعريف الجزاء التأديبي‬

‫وإنما إكتفى فقط بإسناد مهمة توقيع الجزاءات التأديبية لرئيس املؤسسة طبقا‬

‫ألحكام اإلتفاقية الجماعية‬

‫أو النظام الداخلي طبقا للمادة ‪ 319‬من املدونة‪ ،‬كما أنه في حالة عدم وجود‬

‫إتفاقية جماعية أو نظام داخلي‪.‬‬

‫فإن املشرع املوريتاني أعطى كامل الصالحية لرئيس املؤسسة لتسليط الجزاء‬
‫الخطأ‪493.‬‬ ‫التأديبي على العامل املخطئ وذلك حسب جسامة‬

‫أما املشرع املصري فقد إكتفى بالتنصيص على ضرورة وضع الئحة تنظيم‬

‫العمل والجزاءات التأديبية من طرف صاحب العمل ضمن املادة ‪ 52‬من قانون‬

‫العمل املصري رقم ‪ 38‬لسنة ‪ ،8111‬كما إشترط في الفعل الذي تجوز مسائلة‬

‫العامل عنه تأديبيا أن يكون ذا صلة بالعمل ‪،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 52‬من‬

‫هذا القانون دون إعطاء تعريف للعقوبات التأديبية‪.‬‬

‫‪491‬‬
‫‪Art 1331-1- Constitue une sanction toute mesure autre les observations verbales Prise par l’em payeur‬‬
‫‪à la suite d’un agissement du salarie considéré par l’employeur comme fautif que cette mesure soit de‬‬
‫‪mature à affecter l’immédiatement ou hop la présence du satané dans l’entreprise sa camérè ou sa‬‬
‫‪rèmunération.‬‬
‫‪.492‬ـ القانون رقم ‪ 087 - 8009‬صادر بتاريخ ‪ 06‬يوليو ‪ 8009‬المتعلق بمدونة الشعل الموريتانية‬
‫‪. 493‬المادة ‪ 880‬من مدونة الشغل الموريتاني ‪-‬‬

‫‪P 487‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبالنسبة ملجلة الشغل التونسية فلم تتطرق هي كذلك إلى تعريف العقوبات‬

‫التأديبية‪ ،‬بل نصت فقط على شروط وكيفية إنهاء عقد الشغل في حالة إرتكاب‬

‫اآلجير لخطأ فادح‪ ،‬ضمن الفصل ‪ 34‬في فقرته الرابعة (‪ ،)34-4‬حيث أعطت أمثلة‬

‫لألخطاء التي يمكن إعتبارها فادحة والتي بموجبها يتم فصل األجير وإنهاء عقد‬

‫شغله‪.‬‬

‫أما التشريع الجزائري‪ :‬فإنه لم يتطرق املشرع إلى موضوع العقوبات التأديبية‬

‫ولم يحدد حتى طبيعة األخطاء املوجبة لها‪.‬‬

‫وفيما يخص الفقه‪ ،‬فإن جانب من الفقه املغربي‪ ،494‬عرف العقوبة التأديبية‬

‫بأنها‪:‬‬

‫تلك التي ينزلها املشغل على األجير نتيجة إرتكابه خطأ غير جسيم‪.‬‬

‫كما عرفها فقه أخر‪ :495‬بكونها العقوبة التي يوقعها رب العمل على العامل‬

‫املخل بأحد التزاماته ‪ ،‬كما أنها تشكل حقا لرب العمل في محاسبة األجير على‬

‫األخطاء التي يرتكبها أثناء العمل مخالفا بذلك األوامر‪.‬‬

‫عرف العقوبة التأديبية بأنها العقوبة التي‬ ‫الفقه‪496‬‬ ‫كما أن جانب أخر من‬

‫يوقعها املشغل على األجير جراء مخالفة وقعت منه داخل محل الشغل‪ ،‬أو متعلقة‬

‫‪.494‬ـ بشرى العلوي‪ :‬الفصل التعسفي لآلجير على ضوء العمل القظائي‪ ،‬طبعة ‪ 8007‬ص ‪09‬‬
‫‪ 495‬سيد محمود رمضان‪ :‬الوسيط في شرح قانون العمل ‪ -‬دار الثقافة والتوزيع ‪ 8006‬ص ‪872‬‬
‫‪ 496‬محمود جمال الدين زكي‪ ،‬قانون العمل المصري مطبعة جامعة القاهرة ‪ -‬الطبعة الثالثة ‪ 8820‬ص ‪.829‬‬

‫‪P 480‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫به وإن وقعت خارج محل الشغل‪ ،‬متى كانت هذه املخالفة قد صدرت عنه عمدا‬

‫أو عن غير عمد أو إهمال‪.‬‬

‫ولقد عرفه بعض الباحثين املصريين‪ 497‬كذلك بأن الجزاء التأديبي عبارة عن‬

‫رد فعل للخطأ التأديبي‪ ،‬فهو يرتبط بهذا الخطأ ويدور معه وجودا وعدما‪.‬‬

‫وأضاف بعض الفقه املصري‪" 498‬بأن العقوبة التأديبية عبارة عن الجزاء الذي‬

‫يوقعه صاحب العمل على أحد عماله إلقترافه خطأ يلحق إضطرابا بالعمل"‪.‬‬

‫من خالل التعاريف التي تم ذكرها أعاله‪ ،‬يمكن لنا أن نستخلص على أن إعطاء‬

‫تعريف واضح ومدقق وشامل ملفهوم العقوبات التأديبية له أهمية بالغة وذلك‬

‫ألن توقيع الجزاء التأديبي على األجير املخطئ يكون له تأثير كبير على الحياة املهنية‬

‫لهذا األجير وعلى معنوياته أثناء مزاولته لعمله داخل املقاولة ‪ ،‬كما يتسبب في‬

‫خدش صورته أمام زمالئه والتأثير على سمعته‪ ،‬وفقدانه لبعض اإلمتيازات التي‬

‫كان يتمتع بها قبل إرتكابه للخطأ التأديبي‪ ،‬وهذا ما يعرقل أحيانا مساره املنهي لهذا‬

‫فإن أغلب التشريعات املقارنة تجنبت إعطاء تعريف واضح وشامل وبشكل جد‬

‫محدد ملفهوم العقوبات التأديبية وذلك لصعوبة حصره في مجال واحد أو على‬

‫أشخاص معينين‪ ،‬ورغم أن املشرع الفرنس ي قد أعطى تعريفا للجزاء التأديبي‬

‫أيمن عبد العزيز‪ :‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل في قانون العمل رقم ‪ 888‬لسنة ‪( 8000‬دراسة مقارنة) ‪ -‬أطروحة لنيل درجة ‪-‬‬
‫‪497‬الدكتوراه في الحقوق ‪ -‬بجامعة عين شمس كلية الحقوق ‪ -‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪498‬محمد حلمي مراد‪ :‬قانون العمل والتأمينات اإلجتماعية ص ‪.067‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وكذلك بعض الفقه غير أن هذه التعاريف تبقى فضفاضة وصعبة الفهم وغير‬

‫كافية لإلحاطة بجميع جوانب هذا املفهوم‪.‬‬

‫كما أنها أغفلت بعض الفئات وأعطت تعريفا بشكل عام دون ذكرها وهي‬

‫الفئات املحمية والتي خصتها مجموعة من التشريعات ومن ضمنها التشريع املغربي‬

‫بحماية خاصة‪ ،‬وبإجراءات تأديبية ومسطرية خاصة بها‪ ،‬وهذا ما يوضح الطابع‬

‫الحمائي الذي يتميز به قانون الشغل عن القوانين األخرى‪.‬‬

‫ولعل هذا هو السبب في نظرنا لترك مجموعة من التشريعات سواء التشريع‬

‫املغربي أو التشريعات املقارنة لتعريف العقوبات التأديبية للفقه ولإلجتهاد‬

‫القضائي‪ ،‬حتى تكون هناك مجموعة من التعاريف لعلها تحيط بهذا املفهوم من‬

‫جميع جوانبه ‪ ،‬وكذا تشمل جميع الفئات املعنية بالجزاء التأديبي بل وتشكل‬

‫أرضية خصبة للمشرع لتعديل مواد مدونة الشغل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أنواع العقوبات التأديبية‪.‬‬

‫إن عنصر التبعية القانونية الذي يحكم و يؤطر العالقة الشغلية بين املشغل‬

‫واألجير ‪ ،‬يقتض ي خضوع هذا األخير لسلطات املشغل والتي تفترض أن يؤدى عمل‬

‫األجير تحت إشراف وتوجيه ورقابة املشغل ‪،‬وهذه العناصر يصعب تحقيقها ‪،‬‬

‫وكذلك ال يمكن أن تعطي فعاليتها إال إذا كانت تمارس تحت سلطة تأديبية تمكن‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشغل من توقيع وفرض عقوبات تأديبية على األجراء املخلين بااللتزامات املهنية‬

‫وفق ماهو منصوص عليه ضمن املقتضيات القانونية والتنظيمية‪.‬‬

‫وهذه السلطة التي تعطي الحق للمشغل لتوقيع جزاءات تأديبية ‪ ،‬تكون‬

‫مقيدة بما هو وارد في الئحة الجزاءات التأديبية املنصوص عليه قانونيا ورغم أن‬

‫املشروع املغربي لم يعطي تعريفا للعقوبات التأديبية كتشريعات أخرى مقارنة ‪،‬‬

‫ولم يعرف كذلك الخطأ الغير الجسيم ‪ ،‬بل اكتفى فقط على التنصيص على الئحة‬

‫للعقوبات التأديبية ونظم تدرجها بحيث يكون توقيعها فقط على األجراء الذين‬

‫يقترفون األخطاء الغير الجسيمة أو البسيطة ولقد نصت املادة ‪ 19‬من مدونة‬

‫الشغل على ما يلي‪:‬‬

‫"يمكن للمشغل إتخاذ إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق األجير إلرتكابه‬

‫خطأ غير جسيم"‬

‫‪-3‬اإلنذار‬

‫‪ -8‬التوبيخ‬

‫‪ -1‬التوبيخ الثاني أو التوقيف عن الشغل مدة ال تتعدى ثمانية أيام‪.‬‬

‫‪ -4‬التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند االقتضاء‪ ،‬مع‬

‫مراعاة سكنى األجير‪.‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تطبق العقوبتين الواردتين في الفقرتين ‪1‬و‪ 4‬من هذه املادة‪ ،‬مقتضيات املادة‬

‫‪ 68‬أدناه‪.‬‬

‫وعند استقراءنا لهذه املادة يتبين لنا من الوهلة األولى‪ ،‬أن املشرع املغربي‬

‫إستهلها بكلمة "يمكن" والتي تشير إلى أن املشغل له حرية االختيار بأن يوقع العقوبة‬

‫على األجير املرتكب لخطأ غير جسيم أو أن يتغاض ى عن ذلك ‪ ،‬فهو غير ملزم‬

‫بتطبيق مقتضياتها ألنها بالنسبة له تعتبر مجرد رخصة من املشرع‪ ،‬من حقه أن‬

‫يستعملها أو أن يتغاض ى عنها ‪،‬وهذا معناه أن املشغل إذا تبين له أن األجير‬

‫املرتكب للخطأ ذو سمعة حسنة وكفاءة عالية ومحترمة ‪،‬ومساره املنهي خالي من‬

‫العقوبات التأديبية ‪ ،‬و يساهم بشكل فعال في النمو االقتصادي للمقاولة ‪ ،‬يكون‬

‫من املمكن تراجعه على توقيع جزاءات تأديبية على هذا األجير ‪،‬ألن ذلك من‬

‫شأنه التأثير عليه ‪ ،‬وعلى مساره املنهي ووضعه داخل املقاولة وسيحول دون تحفيزه‬

‫وتشجيعه على العطاء‪.‬‬

‫كما يمكن لنا أن نستخلص من مقتضيات هذه املادة كذلك بأن العقوبات‬

‫الواردة ضمنها جاءت على سبيل الحصر وليس على سبيل املثال ‪،‬وهذا التحديد‬

‫القانوني لها يمنع املشغل من توقيع غير هذه العقوبات الواردة في املادة ‪ 19‬أعاله‬

‫‪،‬وهو نفس التوجه الذي اعتمده املشرع املصري في قانون العمل املصري‪ 499‬ضمن‬

‫املادة ‪ 61‬منه والتي حدد من خاللها القانون املصري أنواع العقوبات التأديبية التي‬

‫‪ 499‬قانون العمل المصري رقم ‪ 88‬لسنة ‪. 8000‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يجوز توقيعها على العامل‪ ،‬حيت أن املشغل اليستطيع الخروج عن هذه الالئحة‬

‫‪،‬أو توقيع جزاءا تأديبيا غير منصوص عليه في الئحة تنظيم العمل و الجزاءات ‪،‬‬
‫القانون‪500.‬‬ ‫طبقا ملا أورده املشرع املصري كذلك ضمن املادة ‪ 52‬من هذا‬

‫أما املشرع املوريتاني فقد أجاز لرئيس املؤسسة أن يسلط حسب جسامة‬

‫الخطأ إنذارا أو توبيخا أو توقيفا عن العمل ملدة ال تفوق ثمانية أيام أو فصال‬
‫املوريتانية‪501.‬‬ ‫بإخطار أو بدون إخطار ضمن املادة ‪331‬من مدونة الشغل‬

‫وبالرجوع إلى املشروع املغربي‪ ،‬وتحديدا املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل ‪ ،‬فان‬

‫إلى عقوبات ذات‬ ‫الفقه‪502‬‬ ‫العقوبات التأديبية الواردة ضمنها صنفها جانب من‬

‫طابع معنوي وأخرى ذات طابع منهي‪.‬‬

‫كما أن املادة ‪ 16‬من مدونة الشغل قد نصت على أنه ال تعد بعض األمور من‬

‫املبررات املقبولة لإلتخاذ العقوبات التأديبية أو الفصل من الشغل كاالنتماء‬

‫النقابي ‪،‬أو ممارسة مهمة املمثل النقابي ‪،‬املساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات‬

‫الشغل ‪ ،‬طلب الترشيح ملمارسة مهمة مندوب اإلجراء ‪ ،‬أو ممارسة هذه املهمة‪،‬‬

‫تقديم شكوى ضد مشغل ‪ ،‬أو املشاركة في دعاوى ضده ‪ ،‬العرق أو اللون أو الجنس‬

‫تنص المادة ‪ 58‬من قانون العمل المصري وتحدد الئحة الجزاءات المقررة لها مما هو منصوص عليه في المادة ‪60‬من هذا القانون‬
‫‪500‬وبما يحقق تناسب الجزاء من المخالفة ‪.‬‬
‫‪ 501‬قانون رقم ‪ 087-8009‬صادر بتاريخ ‪06‬يوليو ‪.8009‬‬
‫‪ 502‬الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول –عالقات الشغل الفردية ‪.‬الطبعة األولى ‪ 8009‬ص‪:905‬عبد اللطيف خالفي‪.‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ،‬أو الحالة الزوجية أو املسؤوليات العائلية أو العقيدة أو الرأي السياس ي‪ ،‬أو‬

‫األصل الوطني أو األصل االجتماعي أو اإلعاقة‪.‬‬

‫ولدراسة أنواع العقوبات التأديبية فإننا سنتناول ضمن الجزء األول من هذه‬

‫الفقرة العقوبات التأديبية املعنوية ‪ ،‬على أن نتطرق ضمن الجزء الثاني لدراسة‬

‫العقوبات املهنية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقوبات املعنوية‪.‬‬

‫يقصد بالعقوبات املعنوية هي تلك التي ال يكون لها تأثير مباشر على مركز األجير‬

‫داخل املقاولة وحياته املهنية‪ ،‬أو تلك العقوبات التي تهدف املس بالجانب املعنوي‬

‫والنفس ي لألجير‪ ،‬أوهي العقوبات التي إما ال يكون لها تأثير مباشر على مركز األجير‬

‫املتخذ لإلجراء التأديبي في حقه وإما تكون مقدمة إلتخاذ إجراءات تأديبية أشد‬

‫مستقبال إذا تمادى األجير في إقتراف نفس املخالفة التأديبية أو غيرها‪.‬‬

‫ومن خالل استقراءنا للمادة ‪ 19‬من مدونة الشغل يتبادر إلى ذهننا منذ الوهلة‬

‫األولى‪ ،‬أن املشرع املغربي قد استجاب لآلراء الفقهية التي كانت تنادي بإلغاء‬
‫‪503‬‬ ‫العقوبات املالية التي كان ينص عليها الفصل ‪ 31‬من قرار ‪ 81‬أكتوبر ‪3242‬‬

‫‪ :‬لقد نص الفصل ‪ 80‬من قرار ‪ 80‬أكتوبر ‪ 8892‬على مايلي‬


‫‪ :‬بالنسبة لعقوبة مخالفة قواعد الصحة تتحدد فيما يلي – ‪I‬‬
‫‪.‬المخالفة األولى ‪ :‬غرامة قدرها ‪ 80%‬من األجرة اليومية‪-‬‬
‫‪.‬المخالفة الثانية‪ :‬التوقيف عن الشغل مدة يوم واحد ‪-‬‬
‫‪.‬المخالفة الثالثة‪ :‬التوقيف عن الشغل من يومين إلى أربعة أيام ‪-‬‬
‫‪.‬المخالفة الرابعة‪ :‬الطرد من العمل ‪-‬‬
‫‪ :‬بالنسبة للعقوبات التي تطبق في حالة مخالفة مقتضيات السالمة فتتحدد كمايلي‬
‫‪.‬المخالفة األولى‪ :‬غرامة قدرها خمس األجرة اليومية‬
‫‪.‬المخالفة الثانية‪ :‬التوقيف عن الشغل من يوم إلى خمسة أيام‬
‫‪.‬المخالفة الثالثة‪:‬التوقيف عن الشغل من يومين إلى أربعة أيام‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بشأن النظام النموذجي امللغى وذلك للحفاظ على الطابع الحمائي‪ ،‬الذي يتميز به‬

‫قانون الشغل ‪،‬و هذا األمر يعتبر من بين املستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل‪.‬‬

‫وتتكون العقوبات املعنوية من اإلنذار والتوبيخ‪.‬‬

‫‪-3‬اإلنذار‬

‫ويقصد باإلنذار‪ ،‬تنبيه األجير إلى املخالفة التأديبية التي إرتكبها وتحذيره من‬
‫املصري‪505‬‬ ‫تكراراها تحت طائلة تعرضه لعقوبة أشد‪ 504،‬كما عرفه بعض الفقه‬

‫بأنه تحذير العامل فيما يختص باإلخالل بواجبات عمله كي ال يتعرض لتوقيع‬

‫الجزاءات األشد‪،‬كما يعتبر زجرا للعامل ملا ارتكبه من ذنب‪.‬‬

‫كما أن املشرع الفرنس ي عرف اإلنذار بأنه العقوبة األخف التي ينص عليها‬

‫النظام الداخلي‪ ،‬وذلك ضمن مدونة الشغل الفرنسية في املادة ‪ L1331-1‬كما‬

‫عرفته املادة‪ L122-40 :‬من نفس املدونة في صيغتها القديمة بأن اإلنذار يعتبر‬

‫عقوبة تأديبية بمفهوم هذه املادة‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل املغربية نجد أن اإلنذار يتصدر الئحة‬

‫العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل أن يوقعها على األجير عند إرتكابه لخطأ‬

‫تأديبي غير جسيم ‪،‬وهذا جاء عكس مانص عليه النظام النموذجي امللغى ل‪81‬‬

‫‪.503‬المخالفة الرابعة‪ :‬الطرد من العمل‬


‫‪- 504‬عبد اللطيف خالفي م‪.‬س ص ‪.906‬‬
‫‪ - 505‬على عوض حسن ‪ .‬وعالء فوزي زكي م‪.‬س ص ‪-26‬‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أكتوبر ‪ ، 3242‬الذي لم يشر إلى اإلنذار ضمن العقوبات التي جاءت محددة في‬

‫الفصل السادس منه‪.‬‬

‫أما ظهير ‪ 84‬ابريل ‪ 3291‬املتعلق بشروط تشغيل املأجورين الفالحين وأداء‬

‫أجورهم والذي نص في فصله السادس على أنه " يمكن في حالة إرتكاب خطأ توجيه‬

‫إنذار إلى العامل واإلشارة إليه في بطاقة الشغل‪."....‬‬

‫ولذلك فان عقوبة اإلنذار تعتبر من بين مستجدات مدونة الشغل‪.‬‬

‫غير أن املشرع املغربي لم يوضح ما إذا كان هذا اإلجراء التأديبي يجب أن يكون‬

‫كتابيا أو شفويا‪ ،‬والواقع أنه يجب أن يوجه اإلنذار إلي األجير كتابة وذلك إذا ما‬

‫رجعنا إلى ما تضمنته املادة ‪ 61‬من م‪.‬ش "يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة‬

‫ضمن املادة ‪ 19‬أو مقرر الفصل إلي األجير املعني باألمر يدا بيد مقابل وصل أو‬

‫بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل ‪ ،‬داخل أجل ثمانية وأربعين ساعة‬

‫من تاريخ اتخاذ املقرر املذكور"‪.‬‬

‫وهذه اإلجراءات القانونية ال يمكن التأكد من احترامها إال إذا كان اإلجراء‬

‫التأديبي الخاص باإلنذار مكتوبا ‪.506‬‬

‫‪-8‬التوبيخ‪.‬‬

‫د عبد الرحمان حموش سلطة المشغل التاديبية في ضوء مضمونة الشغل وقضاء محكمة النقض –مقال منشور بمجلة العلوم القانونية‬
‫‪.506‬العدد الثالث سنة‪ 8080‬ص‪-72‬‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يعتبر التوبيخ عقوبة معنوية تأتي في الدرجة الثانية بعد اإلنذار إذا ما راعينا‬

‫الترتيب الذي نصت عليه مدونة الشغل في املادة ‪ 19‬منها‪.‬‬

‫بأنه عقوبة تأديبية على ما سبق أن أنذر عليه‬ ‫‪507‬‬ ‫ولقد عرفه بعض الفقه‬

‫األجير‪ ،‬وتمادى مع ذلك في اقترافه‪ ،‬ويقصد به ليس فقط تحذير األجير من العودة‬

‫إلى ما اقترفه من مخالفة تأديبية وإنما إفصاح املشغل عن عدم الرضا عن سلوكه‬

‫أو فعله وفضح هذا السلوك‪.‬‬

‫التوبيخ بإعتباره عقوبة تأديبية اشد من اإلنذار يوقعها‬ ‫كما عرف فقه أخر‪508‬‬

‫املشغل على األجير‪ ،‬ويعتبر كذلك مظهرا من مظاهر التبعية التي تربط املشغل‬

‫باألجير‪ ،‬وتكشف عما للمشغل من حق الرقابة واإلشراف على األجير فيما يتعلق‬

‫بأداء عمله‪.‬‬

‫وفي تعريف أخر لبعض األستاذات الباحثات‪ 509‬أن التوبيخ هو اللوم املوجه‬

‫من طرف املشغل لألجير‪ ،‬يستنكر من خالله العمل املرتكب من طرفه وينبهه في‬

‫نفس الوقت الى عواقب هذا العمل املخالف لألنظمة والقانون ‪،‬والذي قد يكون‬

‫سببا في فصل األجير إذا ما تم ارتكابه مرة أخرى ‪.‬‬

‫‪507‬عبد اللطيف خالفي م‪.‬س ص ‪ 906‬وما يليها ‪- -‬‬


‫‪ - 508‬بشرى العلوي ‪ :‬الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي طبعة ‪ 8007‬ص ‪.06‬‬
‫فريدة اليوموري ‪:‬حدود السلطة التأديبية للمشغل قراءة في المادتين ‪ 07‬و ‪ 08‬من مدونة الشغل‪ .‬مقال منشور بمجلة االبحات ‪-‬‬
‫‪509‬والدراسات القانونية العدد ‪ 6‬نونبر ‪8085‬ص ‪- 97‬‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ثانيا‪ :‬العقوبات املهنية‪.‬‬

‫بعد توقيع العقوبات املعنوية على اإلجراء الذين يخالفون تعليمات املشغل في‬

‫إطار املقتضيات القانونية املتعلقة بالشغل أو إعتمادا على عنصر التبعية الذي‬

‫يميز عقد الشغل عن العقود األخرى‪ ،‬والتي تتكون من اإلنذار والتوبيخ باعتبارها‬

‫عقوبات خفيفة‪ ،‬وفي حالة معاودة األجير ارتكاب أخطاء أخرى من نفس الصنففان‬

‫املشغل يلجأ إلى توقيع عقوبات أخرى أشد من األولى ويتعلق األمر بالعقوبات‬

‫املهنية التي سنتعرف عليها ضمن هذه الفقرة‪.‬‬

‫‪ -3‬التوبيخ الثاني أو التوقيف عن العمل ملدة ال تتعدى ثمانية أيام‪.‬‬

‫يتعلق األمر بعقوبة من الدرجة الثالثة يوقعها املشغل على األجير إذا أخل‬

‫بإلتزاماته تجاه املقاولة املشغلة دون أن يصل إلى درجة الخطأ الجسيم ويمكن‬

‫لهذه العقوبة أن تكون على شكل توبيخ ثاني بعدما أن توصل األجير بالتوبيخ األول‪،‬‬

‫كما أنه يبقى من حق املشغل أن يلجا إلى توقيف األجير املرتكب لخطأ غير جسيم‬

‫ملدة ‪ 12‬أيام بشكل مؤقت مع حرمانه من األجر خاللها طبقا ملا نصت عليه مدونة‬

‫الشغل ضمن املادة ‪ 19‬منها‪.‬‬

‫كما أن النظام النموذجي لسنة ‪ 3242‬امللغى نص على هذه العقوبة ضمن‬

‫الفصل السادس منه وهي جاءت مرتبة كذلك في الدرجة الثالثة من الئحة‬

‫‪P 410‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العقوبات التأديبية حيت سماها املشرع طردا مؤقتا عن العمل وقيدها كذلك‬

‫بمدة ثمانية أيام كما منع تجاوزها‪.‬‬

‫ولقد ميزت املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش بين ثالث درجات من التوبيخ‪.‬‬

‫‪-‬التوبيخ األول‪.‬‬

‫‪-‬التوبيخ الثاني أو التوقيف عن العمل ملدة ال تتجاوز ‪ 12‬أيام‪.‬‬

‫‪-‬التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أخرى أو مؤسسة أخرى مع مراعاة سكنى‬

‫االجير‪.‬‬

‫و املشرع ملا إعتبر التوبيخ الثاني وقارنه بالتوقيف عن العمل ملدة ‪ 12‬أيام يكون‬

‫قد ضرب عرض الحائط قاعدة مهمة التي نص عليها املشرع ضمن املادة ‪ 12‬من‬

‫م‪.‬ش وهي مبدأ التدرج الذي ال يستقيم مع هذا املقتض ى‪ ،‬هذا من جهة أولى أما‬

‫من جهة ثانية فان الخيار الذي أقرته مدونة الشغل هو خيار غير منطقي على إعتبار‬

‫أنه يساوي بين عقوبة معنوية وعقوبة مهنية واألجدر أن يقارن باألحرى بين‬
‫لألجير‪510.‬‬ ‫عقوبتين من نفس النوع حتى ال يكون ذلك مؤثر على الوضع املادي‬

‫وعلى عكس ما جاءت به مدونة الشغل بخصوص التوبيخ األول حيث أنها لم‬

‫تحدد مسطرة خاصة بتوقيع هذه العقوبة فان التوبيخ الثاني إشترطت لتوقيعه‬

‫‪ -510‬عبد القادر بوبكري ‪ :‬حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي طبعة ‪ 8086‬ص ‪50‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪511‬‬ ‫تطبيق مسطرة تأديبية خاصة وهي التي نصت عليها املدونة ضمن املادة ‪68‬‬

‫منها ‪ ،‬ويتعلق األمر بمسطرة االستماع إلى األجير قبل توقيع العقوبة التأديبية عليه‪،‬‬

‫وهي تعتبر من بين املستجدات كذلك التي جاءت بها مدونة الشغل ‪،‬على عكس‬

‫النظام النموذجي امللغى لسنة ‪ 3242‬الذي لم ينص على هذا اإلجراء التأديبي الذي‬

‫يعتبر من الضمانات التي خولها املشرع لألجير من أجل إضفاء الطابع الحمائي‬

‫للفئات الضعيفة في العالقة الشغلية الذي كرسته مدونة الشغل‪.‬‬

‫ولقد أخضعت املادة ‪ 19‬من املدونة هذه العقوبة التأديبية ملسطرة اإلستماع‬

‫حيت نصت ضمن الفقرة األخيرة منها على انه "تطبق على العقوبتين الواردتين في‬

‫الفقرتين ‪ 1‬و ‪ 4‬من هذه املادة مقتضيات املادة ‪ 68‬أدناه "‪.‬‬

‫وفي رأينا بأن الجدوى من تطبيق مسطرة االستماع إلى األجير على هاتين‬

‫العقوبتين هو فرض شروط مسطرية على املشغل لتوقيعها ‪،‬حيث أن هذه‬

‫اإلجراءات املسطرة تدفع في غالب األحيان املشغل للتراجع عن العقوبة التي كان‬

‫يعزم توقيعها على األجير‪ ،‬وذلك إذا ما تبين له أن املبررات التي أعطاها هذا األخير‬

‫صحيحة ومنطقية من جهة أولى أما من جهة ثانية فإن هذه اإلجراءات بكونها تتميز‬

‫بالصعوبة والتعقيد أحيانا‪ ،‬وتستلزم تطبيق جميع مقتضياتها وحيثياتها‪ ،‬فان‬

‫املشغل يفضل في غالب األحيان إنذار األجير شفويا أو تطبيق بعض اإلجراءات‬

‫‪ -‬نصت المادة ‪ 68‬من م‪.‬ش على انه (يجب قبل فصل األجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه باالستماع إليه من طرف المشغل أو‬
‫من ينوب عنه بحضور مندوب اإلجراء او الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره االجير بنفسه‪ .‬وذلك داخل اجل ال يتعدى ثمانية أيام‬
‫‪511‬ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه‪.‬‬

‫‪P 428‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اإلدارية التي ال تدخل ضمن العقوبات التأديبية وتساهم في مساعدة األجير على‬

‫عدم الرجوع إلى إرتكاب هذا الخطأ‪ ،‬كتغيير فرقة العمل التي يتواجد فيها هذا األجير‬

‫أو اقتراح عليه االستفادة من حصص التكوين املستمر لصقل قدراته املهنية‬

‫وكفاءاته وذلك من أجل مساعدته على التغلب على ظروف العمل الصعبة‪ ،‬أو غير‬

‫ذلك من اإلجراءات التي تحول دون توقيع عقوبات عليه‪ ،‬خصوصا إذا تبين‬

‫للمشغل أن هذا األجير ذو أخالق عالية وسلوك جيد وله قابلية لتغير سلوكه ‪.‬‬

‫أما فيما يخص عقوبة التوقيف عن العمل فان املشرع حددها في الفصل ‪19‬‬

‫من املدونة وأجاز ذلك ملدة ال تتعدى ثمانية (‪ )12‬أيام عن املخالفة الواحدة كما‬

‫أنه ال يجوز توقيف األجير ملدة مفتوحة‪ .‬وهذا التوقيف عن العمل يكون مصحوبا‬

‫بحرمان األجير من األجر خالل هذه املدة وإن كان املشرع ال ينص صراحة على ذلك‬

‫ولكن األمر مادام يتعلق بعقوبة تأديبية وأن األجير هو الذي كان سببا في هذه‬

‫العقوبة فانه ال يستحق خالل مدة توقيفه أجرا‪.‬‬

‫ولقد نص املشرع املصري خالفا للمشرع املغربي مدة الوقف عن العمل في‬

‫خمسة أيام من الخصم من األجر طيلة مدة التوقيف‪ .‬من خالل املادة ‪63‬من قانون‬

‫العمل املصري رق ‪ 38‬لسنة ‪.8111‬‬

‫كما أن املشرع األردني حدد فترة التوقيف عن الشغل في ثالثة أيام مع الخصم‬

‫من األجرة‪ ،‬مقدار األيام التي طالها التوقيف‪.‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي مدونة الشغل املوريتانية نص املادة ‪ 331‬منها على التوقيف ملدة ثمانية‬

‫(‪ )12‬أيام وسار بذلك في نفس اتجاه املشرع املغربي‪ ،‬و أما املشرع الفرنس ي فقد‬

‫تطرق ملوضوع التوقيف عن العمل ضمن املادة ‪ L.1332-2‬حيث فرق فيها بين‬

‫التوقيف التأديبي الذي تكون له مدة محددة وفقا ملا هو متضمن في النظام‬

‫الداخلي للمؤسسة واتفاقية الشغل الجماعية ‪،‬ويحرم األجير املخطئ من األجر‬

‫املوافق ملدة هذا التوقيف عن الشغل التي تعرف كذلك توقف عقد الشغل طيلة‬

‫هذه املدة‪ ،‬مادام األمر يتعلق بعقوبة تأديبية وأن األجير هو الذي كان سببا فيها‬

‫الذي ال يعتبر‬ ‫االحتياطي‪512‬‬ ‫فإنه ال يستحق خالل مدة توقيفه أجرا وبين التوقيف‬

‫عقوبة تأديبية وإنما إجراء مسطري في إنتظار إحالة األجير املخطئ على لجنة‬

‫التأديب في حالة إرتكابه لخطأ جسيم‪.‬‬

‫ونصت هذه املادة بالنسبة ملندوب اإلجراء حيث ال يتم منعهم من مزاولة‬

‫مهامهم طيلة مدة التوقف‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق يمكن أن نستخلص أن العقوبات الواردة ضمن املادة ‪19‬‬

‫في فقرتها الثالثة والتي تتعلق بالتوبيخ الثاني أو التوقيف عن العمل ملدة (‪)12‬‬

‫ثمانية أيام‪ ،‬تعتبر من ناحية الترتيب كعقوبة من الدرجة الثالثة التي يوقعها‬

‫املشغل على األجير املخل بالتزامات املهنية في إطار الخطأ الغير الجسيم‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫‪La mise à pied à titre de conversation‬‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫غير أننا نعيب عن املشرع املغربي ما نصت عليه هذه املادة حيث جعل التوبيخ‬

‫الثاني مساويا للتوقيف عن العمل ملدة ‪ 12‬أيام وهذا يجعل هذا اإلجراء التأديبي‬

‫غير منطقي من ناحية كونه ال يحترم مقتضيات املادة ‪ 12‬التي تتعلق بإتباع مبدأ‬

‫التدرج في توقيع العقوبات التأديبية‪ ،‬والذي يقتض ي من جهة نظرنا توقيع التوبيخ‬

‫الثاني وجعله ضمن الدرجة الثالثة من العقوبات التأديبية وإتباعه بالتوبيخ الثالث‬

‫كمرتبة رابعة تم بعد ذلك التوقيف عن العمل كدرجة خامسة وهذا من شأنه أن‬

‫يكفل حماية لألجير وضمانه له من تعسف املشغل أو لجوئه الى إختيار العقوبة‬

‫األشد عند تخييره بين التوبيخ الثاني والتوقيف عن الشغل ملدة ‪ 12‬أيام ‪.‬‬

‫وبهذا فان املشغل حتما أو في غالب األحيان سيلجأ إلى توقيف األجير بدال من‬

‫توبيخه وذلك لحرمانه من األجر املوافق ملدة التوقيف مما سيؤثر عن الوضعية‬

‫املادية لألجير حيث سوف تمس مصدر رزقه وأجرته الشهرية التي يعتمد عليها في‬

‫عول أسرته‪.‬‬

‫‪-8‬التوبيخ الثالث‪ ،‬أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند االقتضاء مع‬

‫مراعاة مكان سكنى األجير‪.‬‬

‫هذه العقوبة ترتب في الدرجة الرابعة بل واألخيرة من العقوبات التأديبية‪،‬‬

‫التي تمس نوع أو مكان عمل األجير‪ ،‬عندما يقوم املشغل بتغيير مكان عمله سواء‬

‫من مصلحة إلى أخرى‪ ،‬أو من مؤسسة إلى أخرى ‪513 ،‬وفي هذه العقوبة أجاز املشرع‬

‫‪513‬محمد سعد الجرندي ‪ .‬م ‪ .‬س ص ‪807‬‬

‫‪P 423‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫للمشغل خيارين بين التوبيخ الثالث كعقوبة معنوية وبين النقل إلى مصلحة أخرى‬

‫أو مؤسسة أخرى كعقوبة مهنية واألجدر أن يكون الخيار بين عقوبتين من نفس‬

‫وفي هذا اإلطار فان املشغل سوف‬ ‫لألجير‪514،‬‬ ‫النوع حتى ال يتأثر الوضع املادي‬

‫يتوجه إلى عقوبة التوبيخ وذلك من أجل استكمال هذه العقوبات داخل السنة‬

‫ويقوم بفصل األجير حيث يكون الفصل في هذه الحالة مبررا‪.515‬‬

‫ومن املالحظ أن في هذه العقوبات أصبح املشغل ال يقتصر فقط على توقيع‬

‫العقوبات املعنوية‪ ،‬وإنما أصبح من حقه إتخاذ عقوبات أشد تنتقل من درجة‬

‫العقوبة املعنوية إلى عقوبة تصيب األجير في صفته املهنية أو عمله‪ 516 ،‬مما يهدد‬

‫األجير بعدم االستقرار في شغله أو مكانه أو إلى توقف عقد الشغل ملدة معينة كما‬

‫نصت على ذلك املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل‪ .‬وإذا استمر هذا األجير العنيد في‬

‫فان ذلك‬ ‫إقتراف األخطاء التأديبية وإستمر في االنتهاكات املتكررة لنظام الشغل‪517‬‬

‫يعرضه لعقوبة هي األقس ى ضمن الئحة العقوبات التأديبية ويتعلق األمر بالفصل‬

‫بعد إستنفاذ جميع العقوبات أعاله املعنوية واملهنية ‪.‬‬

‫وإذا ما الحظنا بدقة الئحة العقوبات التأديبية نجد أن املشرع كلما زادت درجة‬

‫خطورة العقوبة التأديبية إال ونص على تطبيق مسطرة االستماع إلى األجير وهذا‬

‫إن ذل على ش يء فإنما يدل على أنه كفل مسطرة تأديب األجير بضمانات أثناء‬

‫‪ -514‬دنيا مباركة ‪ :‬ضمانات توقيع العقوبات التأديبية في ظل مدونة الشغل – مجلة القصر ‪ ،‬عدد ‪،89،8006‬ص ‪.82‬‬
‫خالد ايت عالل‪ :‬حدود السلطة التأديبية للمشغل تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬وجدة‬
‫‪515‬السنة الجامعية ‪ 8006/8005‬ص‪.08‬‬
‫‪ -516‬محمد سعيد بناني ‪ :‬قانون الشغل بالمغرب – عالقات الشغل الفردية – دار النشر المغربية طبقة ‪-8828‬ص ‪. 806‬‬
‫‪517‬ميمون الوكيلي – المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل ص ‪:28‬‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ممارسة العقوبات التأديبية عليه وذلك بإجراءات مسطرية‪ ،‬كالتي جاءت بها‬

‫مقتضيات املادة ‪ 68‬من مدونة الشغل الخاصة بمسطرة التأديب أو االستماع إلي‬

‫األجير‪ ،‬وذلك من أجل إعطاءه الفرصة للدفاع عن نفسه باالستماع إليه من طرف‬

‫املشغل أو من ينوب عنه مع حضور مندوب اإلجراء أو املمثل النقابي باملؤسسة‬

‫الذي يختاره بنفسه ‪ ،‬وذلك داخل أجل اليتعدى ‪ 12‬أيام من التاريخ الذي تبين‬

‫فيه ارتكاب الفعل املنسوب إليه‪.‬‬

‫واملدونة من خالل هذا اإلجراء تكون قد ساوت بين هذه الحالة وحالة الخطأ‬

‫الجسيم املوجب للفصل عن العمل واملنصوص عليه ضمن املادة ‪ 12‬من مدونة‬

‫الشغل‪ ،‬عندما ألزمت املشغل بتطبيق مقتضيات املادة ‪ 68‬من املدونة‪.‬‬

‫كما أن املشرع املغربي قد نص على حماية األجير في حالة العقوبة املتعلقة‬

‫بنقل األجير من مؤسسة إلى أخرى وخصوصا إذا كانت املؤسسة األخرى املراد نقل‬

‫األجير إليها تتموقع في مدينة أخرى غير املدينة التي يعمل بها األجير املرتكب للخطأ‬

‫التأديبي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار فان املادة ‪ 19‬إشترطت في هذه العقوبة مراعاة مكان سكنى‬

‫األجير ‪ ،‬يعني أن ال يكون املكان الجديد الذي تم فيه تنقيل األجير بعيدا عن محل‬

‫سكناه ‪ ،‬أو إذا اقتض ى الحال توفير له وسيلة للتنقل عبرها الى مكان عمله الجديد‪،‬‬

‫أو أن يخصص له املشغل تعويض يغطي مصاريف هذا التنقل‪.‬‬

‫‪P 425‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولإلشارة كذلك فان أي عقوبة يوقعها املشغل على األجير مهما كانت درجتها إال‬

‫وسوف تؤثر ال محالة على مساره املنهي‪ ،‬حيث تكون مسجلة في ملفه الخاص وهذا‬

‫ما من شأنه أن يتسبب في تعطيل ترقيته أو حرمانه من بعض مناصب املسؤولية‪،‬‬

‫أو من بعض االمتيازات التي قد يحصل عليها زمالئه في العمل‪ ،‬ويفقد مكانته بين‬

‫رؤسائه املباشرين والثقة التي يضعونها فيه‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التقيد بمبدأ التدرج في توقيع العقوبات التأديبية من خالل‬

‫النص القانوني واالجتهاد القضائي‪.‬‬

‫إن مبدأ التبعية القانونية الذي يعتبر املميز األساس ي لعقد الشغل‪ ،‬يقتض ي‬

‫عدم اإلخالل من طرف األجراء باإللتزامات القانونية أو إالتفاقية‪ 518‬التي جاءت بها‬

‫مدونة الشغل أو مضمنة في عقد الشغل أو في إطار القانون الداخلي للمقاولة أو‬

‫ضمن إتفاقية الشغل الجماعية ‪ ،‬والتي من شأنها أن تضمن حسن سير العمل‬

‫وتحقيق األهداف التي وضعت من أجلها املقاولة‪ ،‬وأي إخالل بهذه االلتزامات‬

‫يعرض األجير لعقوبات تأديبية يتم توقيعها عليه من طرف املشغل باعتباره مالكا‬

‫للسلطة التأديبية وكذا سلطة التوجيه واإلشراف واملراقبة‪ ،‬غير أن مرونة العالقة‬

‫الشغلية هنا تكتس ي أهمية أساسية ‪ ،‬فاملبدأ أن األجير ال يقوم بأداء عمل محدد‬

‫دائما وإنما ينبغي أن يضع طاقته الشغلية رهن إشارة املشغل ‪ ،‬وهذا ما يفسر‬

‫مبدأ أن األجير يؤدي مهمته بصفة شخصية‪ 519‬وهذا ما يوقعه أحيانا في ارتكاب‬

‫عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسط في مدونة الشغل الجزء األول –عالقات الشغل الفردية ص ‪999:‬‬
‫قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل –الجزء الثاني طبعة ‪ 8007‬المجلد األول‪ :‬محمد سعيد بناني ‪886‬‬

‫‪P 426‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أخطاء عمديه أو غير مقصودة أو بسبب إهماله وتقصيره ويؤذي هذا إلى تعرضه‬

‫لجزاءات تأديبية من توقيع املشغل‪.‬‬

‫غير أن املشرع املغربي أحاط تطبيق هذه العقوبات بمجموعة من الضمانات‬

‫التي تحقق حماية األجير‪ ،‬يمكن أن تسبق أو تصاحب توقيع هذه العقوبات‬

‫التأديبية تحت طائلة إعتبارها باطلة بقوة القانون‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية من خالل النص التشريعي‪.‬‬

‫لقد تضمنت مدونة الشغل مستجدات حمائية لألجير من خالل التنصيص‬

‫على العقوبات التأديبية التي جاءت على سبيل الحصر‪،‬وفي هذا الصدد نصت‬

‫املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل على أنه ‪:‬‬

‫"يمكن للمشغل إتخاذ إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق األجير الرتكابه‬

‫خطا غير جسيم ‪" :‬‬

‫‪ -3‬اإلنذار‬

‫‪ -8‬التوبيخ‬

‫‪ -1‬التوبيخ الثاني‪ ،‬أو التوقيف عن الشغل مدة ال تتعدى ثمانية أيام‪.‬‬

‫‪519‬ص‪-060‬‬

‫‪P 427‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -4‬التوبيخ الثالث آو النقل إلى مصلحة‪ ،‬أو مؤسسة أخرى عند االقتضاء مع‬

‫مراعاة مكان سكني لألجير‪.‬‬

‫تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين (‪)1‬و (‪ )4‬من هذه املادة مقتضيات‬

‫املادة ‪ 68‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫ومن خالل إستقراءنا لهذه املادة يتبين أن الئحة العقوبات التأديبية املنصوص‬

‫عليها غير إلزامية‪ ،‬بحيث أن املشرع استهلها بعبارة " يمكن" التي تعني بان املشغل‬
‫عنها‪520.‬‬ ‫غير ملزم بتطبيق هذه العقوبات وبإمكانه االستعاضة‬

‫وذلك في رأينا إما اعتبارا ملساره املنهي أو لكفاءته العالية أو لظروفه العائلية أو‬

‫الشخصية أو من الناحية اإلنسانية واألخالقية‪ ،‬وهذا هو االتجاه الذي إعتمده‬

‫جانب من الفقه ‪521‬حينما إعتبر أن تطبيق العقوبات املضمنة باملادة ‪ 19‬من مدونة‬

‫الشغل أعاله هي مجرد رخصة للمشغل بإمكانه أن يستعملها أوأن يتغاض ى عنها‬

‫وأكد كذلك على أن العقوبات التأديبية واردة على سبيل الحصر ضمن مدونة‬

‫الشغل‪.‬‬

‫كما أشار إلى أنه يمكن تخفيفها ال تشديدها تطبيقا للقواعد العامة لقانون‬
‫الفقه‪522‬‬ ‫الشغل التي تراعي مصلحة األجير على وجه الخصوص وأكد جانب من‬

‫‪520‬عمر تيزاوي –مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق األجراء –مطبعة سليكي إخوان –طنجة –يونيو ‪ 8088‬ص ‪-‬‬
‫‪521‬محمد الكشبور –إنهاء عقد الشغل طبعة ‪ 8002‬ص‪- 890‬‬
‫‪-522‬أدريس فجر ‪ :‬مساهمة في دراسة نظرية أسباب انقضاء عقد العمل ص ‪886-885‬‬

‫‪P 420‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كذلك بأنه يتعين على املشغل التقيد بقاعدة "ال عقوبة إال بنص " ومن تم ال يجوز‬

‫له أن يفرض على األجير عقوبة تأديبية غير منصوص عليها‪.‬‬

‫وهذا هو االتجاه الذي سار عليه املشرع املصري الذي حدد الئحة للجزاءات‬

‫التأديبية التي يجوز للمشغل توقيعها على العامل وحصرها في ثمانية عقوبات‬

‫ضمن املادة ‪ 61‬من قانون العمل املصري‪.523‬‬

‫غير أنه في بعض الحاالت يعمد املشغل إلى توقيع عقوبات تأديبية أخرى غير‬

‫تلك املنصوص عليها قانونا ومن بين هذه العقوبات نجد التخفيض في مبلغ‬
‫الدرجة‪524.‬‬ ‫املكافآت املالية أو حرمان األجير منها بكاملها‪،‬أو التدحرج من‬

‫وفي رأينا يجب على القضاء في إطار رقابته على السلطة التأديبية للمشغل الحد‬

‫مع هذه املمارسات التي من شأنها أن تقلل من الحماية الخاصة باألجراء باعتبارهم‬

‫الطرف األضعف في العالقات الشغلية‪ ،‬كما سيؤدي إلى خرق املقتضيات‬

‫القانونية املنصوص عليها ضمن مدونة الشغل فيما يتعلق باحترام مبدأ التدرج في‬

‫توقيع العقوبات التأديبية ‪ ،‬كما سيحد من تقييد سلطة املشغل التأديبية‬

‫بإجراءات قانونية ومسطرية تحول دون تعسف املشغل في توقيعها ومن شأنها‬

‫ضمان حماية قوية لألجراء‪.‬‬

‫‪ 523‬قانون العمل المصري رقم ‪ 88‬لسنة ‪- 8000‬‬


‫‪ 524‬عبد اللطيف خالفي م‪.‬س‪.‬ص ‪-999‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولقد نص املشرع املغربي ضمن مدونة الشغل على العديد من اإلجراءات‬

‫الشكلية والضوابط األساسية التي يجب على املشغل إحترامها أثناء توقيعه‬

‫للعقوبات التأديبية في مواجهة أي أجير تبث في حقه املسؤولية التأديبية وهذه‬

‫اإلجراءات تعتبر من الضمانات التي يبقى هدفها هو حماية األجير وتحقيق العدالة‬

‫في العقاب ‪ ،‬وهي ضمانات تعتبر من املستجدات التي جاءت بها املدونة حيث نصت‬

‫ضمن املادة ‪ 19‬في فقرتيها األخيرتين على ضرورة إحترام مسطرة االستماع إلى األجير‬

‫املنصوص عليها ضمن املواد ‪68‬و‪61‬و‪64‬و‪ 65‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫ولقد نصت املادة ‪ 68‬على أنه يجب قبل فصل األجير أن تتاح له فرصة الدفاع‬

‫عن نفسه باالستماع إليه من طرف املشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب‬

‫األجراء أو املمثل النقابي الذي يختاره األجير بنفسه كما يستشف من قراءة املادة‬

‫‪ 19‬من م‪.‬ش في بدايتها والتي نصت على أنه يمكن للمشغل إتخاذ إحدى العقوبات‬

‫التأديبية‪.‬‬

‫كما نص املشرع على منع معاقبة األجير على الخطأ اليسير آو الغير الجسيم‬

‫مرتين وكرس بذلك مبدأ وحدة العقوبة على الخطأ التأديبي الوحيد‪.‬‬

‫ومن بين الضمانات الحمائية املتعلقة بتأديب األجير املخطئ‪ ،‬ما نصت عليه‬

‫املادة ‪ 12‬من مدونة الشغل التي قيدت املشغل باحترام مبدأ التدرج في توقيع‬

‫العقوبات التأديبية وهذا هو املحور الذي ستناوله ضمن هذا املبحث‪.‬‬

‫‪P 438‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أن مبدأ التدرج في إنزال العقوبات‬ ‫الفقه‪525‬‬ ‫وفي هذا الصدد إعتبر بعض‬

‫التأديبية الواردة بالترتيب ضمن املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش يعتبر كضمانة أساسية بالنسبة‬

‫لألجراء خصوصا الذين تكثر أخطاؤهم من أجل إتخاذ جميع االحتياطات الالزمة‬

‫لتقويم سلوكهم بمجرد تلقي الجزاء على املخالفة األولى أو الثانية كما يعتبر‬

‫كضمانة للمشغل إلضفاء طابع املشروعية على قراراته التأديبية‪.‬‬

‫ولقد رأى فقه أخر ‪526‬أن املشغل ليس حرا في اتخاذ الجزاء التأديبي الذي يشاء‬

‫بل هو مقيد بضرورة إتباع مبدأ التدرج في العقوبة ‪.‬‬

‫إلى أن تقييد سلطة املشغل في توقيع اإلجراء‬ ‫‪527‬‬ ‫ولقد أشار بعض الفقه‬

‫التأديبي باحترام مبدأ التدرج معناه‪ ،‬أنه ملزم بعدم اللجوء إلى العقوبة األشد إال‬

‫بعد إستنفاذ العقوبة األخف ‪ ،‬حيث على املشغل أن يبدأ في حالة إرتكاب األجير‬

‫للمخالفة األولى بإنذاره وفي الثانية بتوبيخه وفي الثالثة بتوبيخه للمرة الثانية أو‬

‫توقيفه عن العمل ملدة ال يجب أن تتعدى ثمانية أيام و في الرابعة بتوبيخه للمرة‬

‫الثالثة أو نقله إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند االقتضاء مع مراعاة سكنى‬
‫األجير‪528‬‬

‫‪-525‬عمر تيزاوي‪،‬مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق األجراء ‪،‬مطبعة سليكي إخوان‪-‬طنجة‪-‬يونيو‪،8088‬ص‪.972‬‬
‫‪ -‬محمد بنحاسين‪ :‬القانون االجتماعي المغربي عالقات الشغل الفردية والجماعية –الجزء األول الطبعة‪ 8088‬ص‪886:‬‬
‫‪526‬‬

‫‪ - 527‬عبد اللطيف خالفي م‪.‬س‪.‬ص ‪950‬‬


‫‪- 528‬المادة ‪ 07‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كما ذهبت بعض الباحثات ‪ 529‬إلى القول بأن األصل أن املشغل يلزم باحترام‬

‫اإلجراءات املحددة قانونا وذلك عند إتخاذه قرارا بمعاقبة األجير املخطئ ‪،‬وإن‬

‫إغفال تطبيقها أو عدم إحترامها يترتب عنه سقوط الحق في التمتع بالسلطة‬

‫التأديبية على األجير بناءا على املقتضيات التي جاءت بها املادة ‪ 12‬من مدونة‬

‫الشغل‪.‬‬

‫وعلى خالف ما أشار إليه هذا الجانب من الفقه فقد ذهب بعض الفقه أالخر‬

‫‪530‬إلى اإلشارة إلى أنه من الصعب من الناحية العملية أن يتقيد املشغل بمبدأ‬

‫التدرج في توقيع العقوبات التأديبية عن جميع هذه األخطاء مهما كانت درجتها ‪.‬‬

‫وأن إختالف األخطاء البسيطة التي يرتكبها األجير من حيث الدرجة‪ ،‬هو السر في‬

‫كون العقوبات تختلف مستوياتها أيضا‪.‬وأنه مهما كان التنصيص على إحترام مبدأ‬

‫التدرج في العقوبة ضمن املادة ‪ 12‬من املدونة وذلك يعني في رأيه أن األمر ينطبق‬

‫على األخطاء التي يرتكبها األجير عدة مرات ‪ ،‬أو إذا كان األمر يرتبط بأخطاء متماثلة‬

‫من حيث درجة الخطورة‪ ،‬فاملهم هو مالئمة العقوبة للخطأ الغير الجسيم املرتكب‬

‫من طرف األجير فإذا كانت العقوبة التي تم توقيعها عليه عند ارتكابه للخطأ لم‬

‫تحقق املقصود منها وهو الردع و التحذير من عدم الرجوع إلى ارتكاب هذا الخطأ‬

‫‪ ،‬ففي هذه الحالة يمكن للمشغل أن يلجا إلى عقوبة أخطر تم إلى أخطر منها وهكذا‬

‫فريد اليوموري حدود السلطة التأديبية للمشغل قراءة في المادتين ‪ 07‬و ‪ 08‬من مدونة الشغل ‪.‬مقال منشور‬
‫‪529‬بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية عدد ‪ 880-888‬ماي –غشت من ‪-8085-8089‬‬
‫‪530‬محمد سعد جرندي الدليل العلمي لمدونة الشغل‪-‬الجزء األول‪ -‬ص‪889:‬‬

‫‪P 432‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫دواليكن دون االهتمام أو االلتزام بتراتبية العقوبات التأديبية املنصوص عليه‬

‫ضمن املادة ‪ 19‬من املدونة ‪.‬‬

‫كما أشار بعض الباحثين ‪531‬إلى انه لضمان احترام مبدأ التدرج في العقوبة‬

‫يجب حصر العقوبات التأديبية املنصوص عليها قانونا وال يجوز للمشغل إقرار‬

‫عقوبات تأديبية غير تلك املحددة قانونا‪.‬‬

‫ولقد ذهب حد الفقه ‪ 532‬إلى القول بأن املشرع رغم فرضه ملبدأ التدرج في‬

‫العقوبات من خالل املادة ‪ 12‬من مدونة الشغل ‪.‬ونظرا لكونه يستعجل الوصول‬

‫إلى حالة الفصل فقد خالف هو نفسه مبدأ التدرج‪.‬حينما نص على أنه بإمكان‬

‫املشغل بعد إستنفاذ العقوبات الواردة ضمن املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش داخل سنة أن‬

‫يفصل األجير ‪،‬مما قد يدفع باملشغل أيضا إلى تطبيق تلك العقوبات داخل السنة‬

‫وبالتالي يصبح من حقه أن يفصل األجير دون أي تعويض وفي هذا االتجاه ذهب‬

‫بعض الفقه ‪ 533‬إلى القول بأنه بإمكان املشغل أن يخلق بعض املشاكل والعراقيل‬

‫لألجير من اجل الدفع به الرتكاب بعض األخطاء ويكون آنذاك من حق املشغل‬

‫توقيع العقوبات التأديبية على هذا األجير و سيصل بذلك إلى استنفاد جميع‬

‫العقوبات املنصوص عليها ضمن املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل داخل السنة‪،‬ويكون‬

‫عبد القادر بوبكري‪ :‬حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي –دراسة مقارنة‪ -‬الطبعة‪8086:‬ص ‪62‬‬
‫‪531‬وما يليها‬
‫‪532‬عمر تيزاوي م‪.‬س ص ‪-920‬‬
‫‪- Abdallah Boudahrain : le droit du travail au Maroc Tome 2 1er édition 2005 p172 Almadariss -‬‬
‫‪533‬‬

‫‪CASABLANCA‬‬

‫‪P 433‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بالتالي للمشغل الحق في فصل األجير بدون تعويض بحيث يكون الفصل في هذه‬

‫الحالة مبررا‪.‬‬

‫و بالنظر إلى ما جاءت به املادة ‪ 12‬من املدونة حيث أعطت إلى املشغل الحق‬

‫في فصل األجير رغم ارتكابه ألخطاء غير جسيمة وذلك في حالة استنفاذ جميع‬

‫العقوبات املنصوص عليها ضمن املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش داخل السنة وهذا ما اعتبره‬

‫بعض الفقه ‪534‬بان هذا املقتض ى يدفع املشغل إلى تطبيق تلك العقوبات على األجير‬

‫ألبسط األسباب قد استنفادها داخل السنة وبالتالي يصبح من حقه فصل األجير‬

‫دون أي تعويض لذا فان األمر يتطلب مراقبة صارمة من القضاء للتأكد من جدية‬

‫األسباب التي دفعت إلى إصدار عقوبة تأديبية في حق األجير ‪.‬‬

‫وإعتبر جانب أخر من الفقه ‪ 535‬بان اإلمكانية املتاحة للمشغل لفصل األجير‬

‫بعد استنفاد جميع العقوبات املنصوص عليها ضمن املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش تكتس ي‬

‫خطورة كبيرة الن املشغل يكون في متناوله أن يخلق عقوبات تأديبية ليصل إلى‬

‫األعداد األربعة داخل السنة ‪ ،‬ليتأتى له فصل األجير بدون تعويض ويكون بذلك‬

‫قد صنع الحجة بيده‪،‬وهو ما يمكنه إدخاله في باب التعسف في استعمال الحق‪.‬‬

‫إلى القول بان الضمانات التي جاءت بها مدونة‬ ‫‪536‬‬ ‫وذهب بعض الباحثين‬

‫الشغل تبقى غير كافية لحماية األجير ما دام املشرع لم يحدد طبيعة الخطأ غير‬

‫–‪ -‬محمد بنحسان م‪.‬س ص‪886:‬‬


‫بشرى العلوي مسطرة فصل األجير إطار مدونة الشغل‪ 8088‬مقال منشور بسلسلة ندوات محكمة االستئناف بالرباط‬
‫‪535‬العدد ‪ 8‬مطبعة الجديدة ص‪802:‬‬
‫‪536‬السعد بارك هللا ‪:‬العقوبات التأديبية لألجير بين االهانة ونسبة المالئمة –دراسة مقارنة‪ -‬مقال منشور بمجلة قانون وأعمال العدد الرابع ص‪- 807‬‬

‫‪P 434‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الجسيم الش يء الذي يتيح للمشغل صالحية واسعة في كيفية تحديد طبيعة‬

‫األخطاء التي يمكن أن يعاقب عليها األجير ‪.‬‬

‫وفي رأينا ‪،‬إن إحترام مبدأ التدرج في توقيع العقوبات التأديبية يجب أن يطبق‬

‫عن طريق مالئمة العقوبة للخطأ الغير الجسيم املرتكب من طرف األجير‪،‬حتى‬

‫التبقى هناك فرصة للمشغل لخلق عقوبات تأديبية وتوقيعها على األجير ألبسط‬

‫األسباب وذلك بغية إستنفاذ جميع العقوبات املنصوص عليها ضمن املادة ‪19‬‬

‫من املدونة تحت إصرار املشغل ورغبته املستعجلة في إبعاده عن املقاولة بكل‬

‫الوسائل املتاحة له وبالتالي الوصول إلى فصل األجير من الشغل بدون تعويض‪،‬‬

‫وهي كأخطر عقوبة تأديبية يمكن أن يتعرض لها األجير في مساره املنهي خصوصا‬

‫وأن املادة ‪ 19‬من م‪.‬ش أتاحت الفرصة للمشغل إلختيار العقوبات الواردة في‬

‫الترتيب الثالث والرابع بين التوبيخ الثاني والتوبيخ الثالث عوض التوقيف أو‬

‫النقل وبذلك سيختار العقوبة األسهل من بينهما حتى يتأتى له اإلسراع في‬

‫إستنفادها داخل السنة وبالتالي فصل األجير عن شغله‪.‬‬

‫‪P 435‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية من خالل اإلجتهاد القضائي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إلزامية املشغل في إحترام التدرج في العقوبة‪.‬‬

‫جاء في قرار ملحكمة النقض تحت عدد ‪ 8824‬بتاريخ ‪ 32‬أكتوبر‪ 8136‬في امللف‬

‫اإلجتماعي عدد‪.8136537/3/5/982:‬‬

‫على أنه "طبقا للمادتين ‪ 19‬و‪12‬من مدونة الشغل‪ ،‬فإن املشغل ملزم بإتباع‬

‫مبدأ التدرج في العقوبة‪ ،‬وال يسوغ له فصل األجير من العمل إال بعد إستنفاذ‬

‫العقوبات الوارد النص عليها باملادة‪،19‬داخل أجل سنة ‪،‬وإال أعتبر الفصل من‬

‫العمل فصال غير مبرر"‬

‫كما جاء في قرار ملحكمة النقض تحت عدد‪ 823‬في امللف االجتماعي‬

‫رقم‪8138/8/5/3122:‬بتاريخ‪ 8131/18/83 :‬بأن‪:‬‬

‫"ثبوت إرتكاب األجير لخطأ جسيم‪ ،‬ال يلزم املشغل بتطبيق مبدأ التدرج في‬

‫العقوبة وال يبرره قضاء األجير مدة طويلة في خدمة املشغل‪ ،‬واملحكمة ملا ثبت‬

‫لديها إرتكاب األجير لخطأ جسيم ومع ذلك إعتبرت قرار فصله من عمله كان تعسفيا‬

‫بعلة أنه على املشغلة تطبيق مبدأ التدرج في العقوبة‪ ،‬نظرا لكون األجير قض ى مدة‬

‫طويلة في خدمتها‪ ،‬يكون قرارها ناقص التعليل املوازي إلنعدامه"‬

‫‪-537‬قرار لمحكمة النقض‪ -‬الغرفة اإلجتماعية ‪-‬منشور بنشرة قرارات محكمة النقض عدد‪ 85‬ص ‪ 57‬ومايليها‪-‬‬

‫‪P 436‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من خالل هذا القرار يتضح بأن مبدأ التدرج في توقيع العقوبات التأديبية‬

‫ينطبق على األخطاء الغير الجسيمة املرتكبة من طرف األجير‪ ،‬وأنه في حالة إرتكاب‬

‫األجير لخطأ جسيم فإن املشغل يصبح غير ملزم بإتباع التدرج في إنزال الجزاء‬

‫التأديبي وفق التراتبية املنصوص عليها ضمن املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫كما جاء في حكم صادر عن املحكمة اإلبتدائية بفاس تحت عدد ‪ 312‬بتاريخ‬
‫رقم‪53835/3513/266:‬‬ ‫‪ 8136/13/32:‬في امللف اإلجتماعي‬

‫"يحق للمشغل إتخاد عقوبات تأديبية في حق أجراءه في حالة إرتكابهم ألخطاء‬

‫غير جسيمة ومخالفة ملقتضيات القانون الداخلي للمؤسسة املشغلة طبقا ألحكام‬

‫املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل شريطة التقيد باملقتضيات القانونية املنصوص عليها‬

‫في املادة ‪ 68‬من املدونة وإتباع مبدأ التدرج املنصوص عليه في املادة ‪ 12‬من نفس‬

‫املدونة"‪.‬‬

‫"إن العقوبات التأديبية املخول للمشغل إتخادها في حق األجراء بمقتض ى‬

‫املادة ‪ 19‬من مدونة الشغل في نطاق سلطته التقديرية في معاقبة أجرائه في حالة‬

‫مخالفتهم للقانون الداخلي للمؤسسة والرقابة للمحكمة في هذه العقوبات‬

‫التأديبية إال في حالة ثبوت خرق املشغلة للمقتضيات القانونية املنصوص عليها في‬

‫مدونة الشغل"‪.‬‬

‫‪-‬حكم منشور بكتاب نمادج من العمل القضائي للمحكمة اإلبتدائية بفاس‪-‬الجزء الثاني‪-‬المادة اإلجتماعية ص‪ 888‬ومايليها أورده محمح‬
‫‪538‬بفقير ضمن كتاب مدونة الشغل والعمل القضائي المغربي –الجزء االول‪-‬الطبعة‪ 8080:‬ص‪.882‬‬

‫‪P 437‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬صالحية املشغل في إتخاد العقوبة‪.‬‬

‫جاء في قرار ملحكمة النقض تحت عدد ‪ 334‬بتاريخ ‪ 8136/13/32‬في امللف‬


‫عدد‪53934/3/4/3112:‬‬ ‫اإلجتماعي‬

‫"للمشغل صالحية إختيار العقوبة املناسبة للخطأ املرتكب وهو غير ملزم بإتباع‬

‫مبدأ التدرج في العقوبات‪ ،‬فهو صاحب السلطة التأديبية التي ال يحد منها سوى‬

‫أن تكون العقوبة مالئمة للخطأ املرتكب"‪.‬‬

‫كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد ‪ 8532‬بتاريخ‪/31/31‬‬


‫‪540.8135/3/5/8141‬‬ ‫‪ 8135‬في امللف اإلجتماعي عدد‬

‫"أن املشغلة لها صالحية إختيا ر العقوبة التي تعتبرها مناسبة للفعل املرتكب‪،‬‬

‫وهي غبر ملزمة بإ تخاد نفس العقوبة في مواجهة العمال الذين إرتكبوا نفس الفعل‬

‫مادامت تستند في قرارها على أسباب مهنية صرفة وبعيدة عن أي معايير تمييزية‬

‫على أساس العرق أوالدين أو الجنس أواإل نتماء النقابي أو السياس ي"‪.‬‬

‫من خالل دراستنا لهذه القرارات ‪،‬يمكن أن نستخلص بأن املادة ‪ 12‬من مدونة‬

‫الشغل قد خلقت تضاربا في قرارات اإلجتهاد القضائي ملحكمة النقض‪ ،‬في إطار‬

‫الرقابة القضائية للسلطة التأديبية للمشغل التي نصت عليها املادة ‪ 48‬من املدونة‬

‫من حيث تطبيق مقتضياتها فبعضها أعطى الحق للمشغل و الصالحية في إتخاد‬

‫‪539‬قرار لمحكمة النقض منشور بالتقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة ‪ 8087‬ص‪.20‬‬
‫‪-540‬قرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض العدد‪ 20‬ص ‪ 065‬ومايليها‪.‬‬

‫‪P 430‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العقوبات التأديبية وال يجب أن يراعي في ذلك إال مالئمة العقوبة للخطأ التأديبي‪،‬‬

‫وبعضها أقر بأن املشغل ملزم بإحترام مبدأ التدرج في توقيع هذه العقوبات مما‬

‫يبين بشكل واضح بأن املشرع قد ترك ثغرة في مقتضيات املادة ‪ 12‬من املدونة‬

‫حيث أصبح فهم مدلول هذا اإلجراء التأديبي صعبا‪ ،‬مما أثر على تطبيقه على‬

‫أرض الواقع ‪،‬خصوصا وأن مبدأ التدرج يعتبر من القواعد الجوهرية التي جاءت‬

‫بها مدونة الشغل كضمانات حمائية لألجراء من تعسف املشغلين في ممارستهم‬

‫للسلطة التاديبية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إذا كانت السلطة التأديبية التي يتمتع بها املشغل ‪ ،‬تمكنه من توقيع ما يراه‬

‫مناسبا من عقوبات تأديبية على األجراء عند إرتكابهم لبعض األخطاء الغير‬

‫الجسيمة ‪،‬فإن املشرع لم يترك للمشغل الحرية املطلقة في توقيع هذه الجزاءات‬

‫بل قيدها بإجراءات مسطرية كانت من بين املستجدات التي جاءت بها مدونة‬

‫الشغل ‪،‬وهذه اإلجراءات من شأنها أن تكفل حماية لألجير املخطئ من تعسف‬

‫املشغل أثناء ممارسته للسلطة التأديبية بحيث تعتبر من بين الضمانات التي‬

‫نص عليها املشرع ضمن املدونة ‪.‬‬

‫والتدرج في العقوبات التأديبية يعتبر واحد من بين هذه الضمانات بحيث‬

‫ألزمت املادة ‪ 12‬املشغل بإحترام التراتبية أثناء توقيعه للجزاءات التأديبية على‬

‫بعض األجراء املخليين بالإللتزامات املهنية امللقاة على عاتقهم‪ ،‬ومعنى ذلك أن‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشغل ال يلجأ إلى إنزال العقوبة التأديبية األشد خطورة إال بعد توقيع‬

‫العقوبة األخف ‪ ،‬غير أن تأويل مانصت عليه مقتضيات هذه املادة بخصوص‬

‫مبدأ التدرج يعرف بعض الصعوبات في التقيد بهذا املبدأ من طرف املشغلين‬

‫كما أنه خلق جدال كبيرا في أوساط اإلجتهاد القضائي الذي عرف تضاربا في األراء‬

‫ضمن قراراته ‪.‬‬

‫وهذا في رأينا يرجع باألساس إلى عدم تحديد املشرع لتعريف الخطأ الغير‬

‫الجسيم ودرجة خطورته‪ ،‬بحيث يصعب عمليا تطبيق مبدأ التدرج في العقوبات‬

‫وذلك راجع إما لصعوبة فهمه أو صعوبة تأويله بطريقة سليمة من طرف املشغل‬

‫الش يء الذي يجعله يتعسف في إستعمال هذا الحق في غالب األحيان‪ ،‬وال يبقى‬

‫آنذاك لألجير سوى اللجوء إلى القضاء بحيث سيكون هو املالذ األخير بالنسبة‬

‫إليه من أجل إبطال العقوبة التأديبية املوقعة عليه‪ ،‬أو حصوله على التعويض‪.‬‬

‫ومن هذا املنطلق فإننا ندعوا املشرع إلى تعديل مقتضيات املادة ‪ 12‬من املدونة‬

‫بمقتضيات أوضح إلزالة اللبس الذي يعتري هذه املادة مع تحديد الئحة لألخطاء‬

‫الغير الجسيمة و العقوبات املناسبة لها وذلك لسد الباب أمام املشغل ومنعه من‬

‫التعسف في تطبيق العقوبات التأديبية وتكريسا للمبدأ الحمائي الذي يميز قانون‬

‫الشغل‪.‬‬

‫‪P 448‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ مصطفى عمالقي‬


‫باحث بسلك الدكتوراه ‪ -‬كلية العلوم القانونية – سطات –‬
‫قاض بالمحكمة االبتدائية بتنغير‬
‫النطاق الشخصي للضمان العشري في التشريع‬
‫المغربي‬
‫‪The personal scope of the decimal guarantee in Moroccan legislation‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫عرف املجال العمراني تطورا كبيرا‪ ،‬وذلك بسبب ظاهرة التمدن وتزايد‬

‫حاجة اإلنسان إلى مسكن يليق به وبأفراد أسرته‪ ،‬نتيجة النمو الديموغرافي‬

‫السريع‪ ،‬وقد أدى التسارع نحو إنجاز املباني الضخمة واألشغال العمومية إلى فتح‬

‫أوراش كبرى على الصعيد الوطني لتغطية الطلب الداخلي املتزايد في هذا املجال‪،‬‬

‫مما دفع بعض املهندسين املعماريين ومقاولي البناء إلى ابتكار طرق جديدة في تنفيذ‬

‫أشغال تمتاز بالسرعة في اإلنجاز واالقتصاد في التكلفة مع ضبط أكثر للمعايير‬

‫املتوافق عليها دوليا‪.‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويقوم بأعمال البناء والتشييد‪ ،‬غالبا أشخاص مهنيون‪ ،‬مما يعني تعدد‬

‫وتنوع املتدخلين في ميدان البناء‪ ،‬فنجد املقاولين واملهندسين بمختلف‬

‫تخصصاتهم‪ ،‬من معماريين‪ ،‬ومختصين في الكهرباء وشبكات الغاز واملياه‪ ،‬وتركيب‬

‫املصاعد‪ ،‬وباقي املتدخلين‪.‬‬

‫وإذا كان الضمان كأصل عام هو االلتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف‬

‫ملال أو ضياع املنافع‪ ،‬أو عن الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس‬

‫اإلنسانية‪541.‬فإن الضمان العشري‪ ،‬هو ظاهرة حديثة أفرزتها حضارة القرن‬

‫العشرين‪ ،‬نتيجة عوامل املضاربة واألساليب املستعجلة والحديثة التي يتم بها‬

‫تشييد املباني‪ ،‬حيث أن املنعشين العقاريين واملقاولين يسعون إلى تحقيق أكبر قدر‬

‫ممكن من الربح وفي مدة زمنية بسيطة‪542،‬ويترتب عن هذا ظهور عيوب في البناء‬

‫وكذا سهولة تعرض املباني للتهدم‪ ،‬مما قد يشكل هذا خطورة على أرواح الناس‪،‬‬

‫كل هذا دفع املشرع املغربي وباقي التشريعات املعاصرة إلى وضع نظام خاص‬

‫ملسؤولية املقاولين واملنعشين العقاريين في مجال البناء‪ ،‬وذلك بجعل كل من‬

‫املقاول واملهندس املعماري مسؤولين بالتضامن فيما بينهم في إطار الضمان‬

‫العشري‪ ،‬وجعل املشرع هذا األخير من النظام العام‪ ،‬حيث ال يجوز لألطراف‬

‫املتعاقدة إلغاء أو إنقاص هذا الضمان‪.‬‬

‫‪ -541‬محمد لشقار‪ " :‬الحماية القانونية للمشتري في عقود اقتناء السكن " دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –‬
‫الرباط‪ ، -‬الطبعة األولى ‪ ،8088‬ص ‪.808‬‬
‫‪ -542‬فاطمة متميز ‪ " :‬المسؤولية المعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات االصالح " مطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪-‬‬
‫طبعة ‪ ، 8080‬ص ‪.88‬‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويعد الضمان العشري من اآلثار املترتبة عن تسلم أشغال البناء من طرف‬

‫رب العمل أو من ينوب عنه بوكالة‪ ،‬وبالتالي عدم إمكانية قيام هذا الضمان في‬

‫الفترة التي تسبق التسلم‪ ،‬وقد حدد املشرع املغربي اإلطار العام لهذا الضمان في‬

‫نص الفصل ‪ 962‬من قانون االلتزامات والعقود والذي جاء فيه‪ ":‬املهندس‬

‫املعماري أو املهندس واملقاول املكلفان مباشرة من رب العمل يتحمالن املسؤولية‬

‫إذا حدث خالل العشر سنوات التالية إلتمام البناء أو غيره من األعمال التي نفذاها‬

‫أو أشرفا على تنفيذها إن انهار البناء كليا أو جزئيا‪ ،‬أو هدده خطر واضح باالنهيار‬

‫بسبب نقص املواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في األرض‪.‬‬

‫املهندس املعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته‪،‬‬

‫ال يضمن إال عيوب تصميمه‪.‬‬

‫تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم املصنوع‪ ،‬ويلزم رفع الدعوى خالل‬

‫الثالثين يوما التالية ليوم ظهور الواقعة املوجبة للضمان‪ ،‬وإال كانت غير مقبولة"‪.‬‬

‫وينقسم أشخاص الضمان العشري إلى طرفين أحدهما الدائن واآلخر‬

‫املدين‪ ،‬فالدائن بالضمان هو صاحب الحق في الضمان العشري‪ ،‬وهو رب العمل‬

‫والطرف اآلخر مسؤول عن هذا الضمان‪ ،‬وهو كل من املهندس املعماري واملقاول‪،‬‬

‫لكن التطورات األخيرة في مجال البناء التي تستدعي تدخل بعض املتدخلين‬

‫اآلخرين‪ ،‬تم توسيع نطاق الضمان العشري خاصة في جانب األشخاص امللزمين‬

‫به‪ ،‬وقد كان التشريع الفرنس ي سباقا للنص على ذلك‪.‬‬

‫‪P 443‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كل هذا يستدعي منا األمر التطرق الى األشخاص املسؤولون بالضمان‬

‫العشري (املحور األول) ثم األشخاص املستفيدون من هذا الضمان (املحور‬

‫الثاني)‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬املسؤولون بالضمان العشري ‪:‬‬

‫إذا كان املشرع املغربي كغيره من التشريعات األخرى تتفق في أن املهندس‬

‫واملقاول هما أولى األطراف املسؤولة تجاه املستفيدين بالضمان‪ ،‬إال أن هناك‬

‫أطراف أخرى مسؤولة تختلف من تشريع آلخر‪ ،‬حيث أصبح املسؤول بالضمان‬

‫يتجاوز النطاق الشخص ي وكذا من يرتبط مع رب العمل بعقد مقاولة‪ ،‬ليمتد على‬

‫أشخاص ال تربطهم عالقة تعاقدية مع رب العمل‪ ،‬لذا سوف نحاول الوقوف أوال‬

‫على املسؤولين بالضمان الرتباطهم بعقد مقاولة وثانيا على املسؤولين بهذا‬

‫الضمان بصرف النظر عن عقد املقاولة‪ ،‬وأخيرا على مدى إمكانية امتداد هذا‬

‫الضمان ليشمل املقاول من الباطن‪.‬‬

‫أوال‪ :‬املسؤولون بالضمان الرتباطهم بعقد مقاولة ‪:‬‬

‫حدد الفصل ‪ 962‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬األشخاص املسؤولون‬

‫بالضمان العشري في كل من املقاول واملهندس املعماري‪ ،‬وفي نفس اإلطار ذهبت‬

‫باقي التشريعات العربية األخرى منها التشريع املصري في املادة ‪ 653‬من القانون‬

‫املدني املصري‪ ،‬وكذا التشريع الجزائري في املادة ‪ 554‬من القانون املدني الجزائري‪.‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -3‬املقاول‪:‬‬

‫املقاول هو الشخص الذي يعهد إليه بتشييد املباني وإقامة املنشآت الثابتة‬

‫األخرى ويستوي أن تكون املواد التي أقام بها املنشآت قد أحضرها من عنده أو‬

‫قدمها له رب العمل‪ ،‬وفي الحالتين يلتزم بالضمان‪.‬‬

‫كما أنه ليس ضروريا لاللتزام بالضمان أن يكون من قام بالعمل مقاول‬

‫واحد‪ ،‬بل يجوز لرب العمل التعاقد مع عدة مقاولين‪ ،‬فيعهد إلى أحدهم مثال بدق‬

‫األساسات وإلى آخر بأعمال البناء من أعمدة وجدران‪ ،‬وإلى ثالث بأعمال النجارة‪،‬‬

‫فكل هؤالء املقاولون ملتزمون بالضمان الخاص كل في نطاق العمل الذي أسند‬
‫إليه‪543.‬‬

‫ويلتزم املقاول كذلك بالضمان العشري سواء قام بالعمل بنفسه أو بواسطة‬

‫تابعيه أو عماله أو مقاول من الباطن‪ ،‬فهؤالء يلتزم املقاول األصلي أمام رب العمل‬

‫بضمان أعمالهم بينما هم ال يسألون إال أمام املقاول األصلي فقط‪ ،‬وتكون‬

‫مسؤوليتهم عقدية وفق القواعد العامة وليست مسؤولية خاصة‪.‬‬

‫‪ -8‬املهندس املعماري‪:‬‬

‫‪ -543‬عبد الغاني معافي‪ " :‬المسؤولية العقدية و الخاصة للمقاول وفق أحكام التشريع المغربي والمقارن " رسالة‬
‫لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ,‬وحدة التكوين و البحث قانون العقود و العقار‪ ,‬جامعة محمد‬
‫األول كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.8005-8009‬ص ‪.82‬‬

‫‪P 445‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يعرف املهندس بأنه ذلك الشخص الحاصل على مؤهل هندس ي في هندسة‬

‫املعمار يؤهله ألن يضع التصميمات والرسومات ويقدر األبعاد والقياسات املختلفة‬

‫للمنشآت واألبنية املراد إقامتها ويشرف على تنفيذها‪.‬‬

‫وإذا كان املقاول لم يتم تنظيم مهنته بموجب قوانين ومراسيم خاصة بها‪،‬‬

‫فإن األمر على خالف ذلك بالنسبة للمهندس املعماري حيث تم تقنين مهنته من‬

‫خالل القانون رقم ‪ 544136-22‬املتعلق بمزاولة مهنة الهندسة املعمارية وإحداث‬


‫التطبيقي‪545.‬‬ ‫هيئة املهندسين املعماريين الوطنية وكذا مرسومه‬

‫وقد حددت املادة األولى من القانون رقم ‪ 136-22‬دور املهندس املعماري‬

‫حيث جاء فيها‪ ":‬تناط باملهندس املعماري مهمة التخطيط املعماري للمباني‬

‫والتجزئات العقارية وإعداد التصاميم املتعلقة بها واالشراف على تنفيذها‪.‬‬

‫ويمكن أن تناط كذلك باملهندس املعماري مهمة مراقبة صحة البيانات‬

‫الحسابية للمقاولين املساهمين في إنجاز األعمال الخاصة بهذه العمليات‪.‬‬

‫ويقوم املهندس املعماري بجميع أو بعض األعمال املنصوص عليها في هذه‬

‫املادة وفق الوكالة التي يسندها إليه عميله‪ ،‬وذلك‪ ،‬دون إخالل باألحكام املقررة في‬

‫‪ -544‬ظهير شريف رقم ‪ 8-88-888‬صادر في ‪ 88‬من ربيع األول ‪ 80( 8989‬شتنبر ‪ )8880‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 086-28‬المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية‪ ،‬منشور بالجريدة‬
‫الرسمية بتاريخ ‪ 9‬جمادى األولى ‪ 8989‬موافق ‪ 80‬أكتوبر ‪.8880‬‬
‫‪ -545‬مرسوم رقم ‪ 8-80-66‬صادر في ‪ 89‬من ربيع اآلخر ‪ 8( 8989‬أكتوبر ‪ )8880‬بتطبيق القانون رقم ‪-28‬‬
‫‪ 86‬المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية‬
‫بتاريخ ‪ 9‬جمادى األولى ‪ 80( 8989‬أكتوبر ‪.)8880‬‬

‫‪P 446‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحاالت التي يفرض فيها القانون االستعانة بمهندس معماري إلنجاز أعمال‬

‫معينة"‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى نص الفصل ‪ 962‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬نجده لم يميز‬

‫بين املهندس املعماري واملهندس‪ ،‬إال أن هناك فروقا جوهريا تميز بين هؤالء‬

‫املهنيين‪ ،‬فاملهندس املعماري‪ ،‬وهو الذي يضع التصور العام للبناء‪ ،‬أما املهندس‬

‫فهو تقني مختص بأحد الجوانب الفنية في املشروع كمهندس االسمنت ومهندس‬

‫األسالك الكهربائية‪ ،...‬ومسؤوليته تتحدد في جانب تخصصه األخير‪.‬‬

‫وإذا كان القانون رقم ‪ 136-22‬املتعلق بمزاولة مهنة الهندسة املعمارية‬

‫وإحداث هيئة املهندسين املعماريين ينص في مادته الرابعة على أنه ال يجوز ألي‬

‫شخص أن يحمل صفة مهندس معماري أو يزاول الهندسة املعمارية ما لم يكن‬

‫حاصال على شهادة معادلة‪ ،‬فإن هذا من باب التنظيم املنهي ال غير وحتى يسمح‬

‫للشخص بحمل صفة مهندس معماري‪ ،‬أما في شأن تطبيق الفصل ‪ 962‬من قانون‬

‫االلتزامات والعقود‪ ،‬فال عبرة بالحصول على مؤهل دراس ي في الهندسة‪ ،‬بل يكفي‬

‫لتطبيق أحكام املسؤولية الخاصة املنصوص عليها في هذا الفصل أن يقوم‬

‫الشخص بمهام املهندس املعماري من وضع الرسومات والتصاميم وتعيين‬


‫األبعاد‪546،‬‬

‫‪ -546‬عبد الغاني معافي ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪P 447‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إال أننا ال نساير هذا القول‪ ،‬حيث أن الصفة القانونية للمهندس املعماري‬

‫شرط جوهري لرفع الدعوى واملطالبة بالتعويض في إطار أحكام الضمان العشري‬

‫كما نص عليها الفصل ‪ 962‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬املسؤولون بالضمان بصرف النظر عن عقد املقاولة‪:‬‬

‫إذا كانت القاعدة أن ضمان املهندس املعماري واملقاول أساسه العقد الذي‬

‫يربطهما برب العمل‪ ،‬فإذا تخلف هذا العقد‪ ،‬فال يلتزم املهندس واملقاول قبل رب‬

‫العمل بهذا الضمان‪ ،‬وإنما أي إخالل بأحد االلتزامات يخضع للقواعد العامة‬

‫للمسؤولية املدنية‪ 547،‬ولكن نظرا لتطور املجتمع ومتطلبات الحياة أدت إلى ظهور‬

‫بعض التعقيدات في تحديد األشخاص امللزمين بالضمان العشري كون أن‬

‫املتدخلين في الهندسة املعمارية لم يبق محصورين في املقاول واملهندس املعماري‬

‫بل تعداهم إلى أشخاص آخرين مما توجب تحملهم املسؤولية الخاصة‬

‫بأعمالهم‪548،‬وهو ما ذهب إليه املشرع الفرنس ي الذي وسع من دائرة األشخاص‬

‫امللزمين بالضمان العشري عكس املشرع املغربي الذي حصره في املهندس املعماري‬

‫أو املهندس واملقاول‪.‬‬

‫‪ -547‬لم يشترط المشرع المغربي في الفصل ‪ 768‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬لألخذ بالضمان العشري أن يكون‬
‫هناك عقد رابط بين رب العمل من جهة والمهندس المعماري أو المهندس والمقاول‪.‬‬
‫‪ -548‬أحمد خديجي ‪ " :‬نطاق المسؤولية العشرية –دراسة مقارنة‪ " -‬بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة قاصدي مربوح ورقلة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم االقتصادية –الجزائر‪ ،-‬نوقشت يوم ‪ 5‬نوفمبر ‪ ،8006‬ص‬
‫‪.82‬‬

‫‪P 440‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبالتالي سنحاول الوقوف على باقي األشخاص امللزمين بالضمان العشري‬

‫غير املهندس املعماري واملقاول‪.‬‬

‫‪ -3‬البائع ‪:‬‬

‫قبل صدور قانون ‪ 3292‬لم يكن املقاولون البائعون في القانون الفرنس ي‬

‫يخضعون للضمان العشري بسبب عدم ارتباطهم مع عمالئهم بعقد مقاولة‪ ،‬فبائع‬

‫البناء كان خاضعا ألحكام عقد البيع من ناحية ضمان العيوب الخفية‪ .‬أما بعد‬

‫صدور هذا القانون أصبح البائع ملزم بالضمان الخاص وهو ما تنص عليه املادة‬

‫‪ 549 3-3928‬من القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬والتي جاء فيها أنه يعتبر مشيدا للبناء كل‬

‫شخص يبيع بعد تمام اإلنجاز‪ ،‬بناءا يكون قد شيده بنفسه أو بواسطة آخرين‪.‬‬

‫لكن إذا كان الشخص هو من عمل على تشييد البناء‪-‬بصفته مقاول‪ -‬ثم قام‬

‫ببيعه‪ ،‬وخضع ألحكام الضمان الخاص‪ ،‬فإن السؤال الذي يطرح يتعلق بكيفية‬

‫احتساب مدة الضمان العشري مادام أنها تبدئ من تاريخ التسلم‪ ،‬ومن الصعب‬

‫في هذه الحالة اإلشارة إلى تسلم العمل إذ أن املقاول مثال الذي يبني لحساب نفسه‬

‫ال يمكن القول أنه يسلم البناء لنفسه‪.‬‬

‫‪549‬‬ ‫‪-article 1792-1 du code civil français :‬‬


‫‪"est réputé constructeur de l’ouvrage :‬‬
‫‪2- toute personne qui vend après achévement, un ouvrage qu’elle a construit ou fait‬‬
‫" …‪construire‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن عملية احتساب مدة الضمان العشري في هذه الحالة تبتدئ من تاريخ‬
‫العقار ملشتريه‪550.‬‬ ‫بيع‬

‫كما أضاف املشرع الفرنس ي حالة أخرى يخضع فيها البائع للضمان الخاص‬

‫وهي حالة بيع العقار في طور اإلنجاز ‪ le vente d’immeuble à construire‬بحيث‬

‫عرفته املادة ‪ 3-3613‬من القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬بأنه ذلك العقد الذي بمقتضاه‬

‫يلتزم البائع بإنجاز بناء داخل أجل محدد في العقد‪ ،‬وأخضع املشرع الفرنس ي هذا‬

‫من نفس‬ ‫‪5513-3646‬‬ ‫النوع من البيوع للضمان العشري وذلك من خالل املادة‬

‫القانون‪ ،‬حيث جاء في هذه املادة أن بائع العقار في طور اإلنجاز يلتزم ابتداء من‬

‫تسلم األعمال بااللتزامات الواقعة على املهندسين واملقاولين وباقي األطراف‬

‫املرتبطة برب العمل بعقد مقاولة تطبيقا للمواد ‪ 8-3928 ،3-3928 ،3928‬و ‪-3928‬‬

‫‪ ،1‬ويستفيد من هذه الضمانات كل من آلت إليه ملكية العقار‪.‬‬

‫وإذا كان املشرع الفرنس ي أخضع بائع العقار في طور اإلنجاز لهذا الضمان‬

‫الخاص‪ ،‬فإن املشرع املغربي أغفل تضمين هذا الضمان ضمن أحكامه‪ ،‬رغم أن‬

‫‪ -550‬فاطمة متميز‪ " :‬المسؤولية المعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات االصالح " مطبعة األمنية‪-‬‬
‫الرباط‪ -‬طبعة ‪ ،8080‬ص ‪.885‬‬
‫‪551 -article 1646-1 du code civil français :‬‬

‫‪"le vendeur d’un immeuble est tenu, à compte de la réception des travaux, des‬‬
‫‪obligations dont les architecte, entrepreneurs et autres personnes liées au maitre de‬‬
‫‪l’ouvrage par un contrat de louage d’ouvrage sont eux-mêmes tenus en application des‬‬
‫‪articles 1792, 1792-1, 1792-2 et 1792-3 du présent code.‬‬
‫‪Ces garanties bénéficient aux propriétaires successifs de l’immeuble… ".‬‬

‫‪P 458‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املشرع املغربي في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬نظم مؤخرا أحكام بيع العقار في طور‬
‫‪553.44-11‬‬ ‫اإلنجاز‪ 552‬بمقتض ى القانون رقم‬

‫وفي هذا االتجاه ذهب قرار ملحكمة النقض الفرنسية إلى إلزام بائع العقار‬

‫في طور اإلنجاز بهذا الضمان الخاص‪ ،‬مع إعطاء الحق لهذا البائع في الرجوع على‬
‫املبنى‪554.‬‬ ‫املقاولة املتسببة في العيوب التي أصابت‬

‫‪ -8‬الوكيل ‪:‬‬

‫بالرجوع إلى نص املادة ‪555 3-3928‬في فقرتها األخيرة نجدها تنص على أنه‬

‫يعتبر مشيدا للبناء كل شخص يؤدي مهمة مشابهة ملهمة املقاول بالرغم من أنه‬

‫يتصرف بصفته وكيال عن مالك البناء‪.‬‬

‫‪ -552‬يمكن القول أن تضمين هذا المقتضى في التشريع المغربي من شأنه تدعيم الضمانات الخاصة لمشتري العقار‬
‫في طور االنجاز‪.‬‬
‫‪ -553‬القانون رقم ‪ 99-00‬الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪ 8-08-008‬بتاريخ ‪ 85‬من رجب ‪ 0( 8980‬أكتوبر‬
‫‪ )8008‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5059‬بتاريخ ‪ 8‬رمضان ‪ 7( 8980‬نوفمبر ‪ ،)8008‬ص ‪ .0820‬كما تم‬
‫تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ‪ 807-88‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 8-86-05‬بتاريخ ‪ 80‬من ريع‬
‫اآلخر ‪ 0( 8907‬فبراير ‪ )8086‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6990‬بتاريخ ‪ 8‬جمادى األولى ‪ 82( 8907‬فبراير ‪)8086‬‬
‫ص ‪.808‬‬
‫‪554 " -…au visa des articles 8696-8 et 8788 du code civil, qui le vendeur en l’état future‬‬

‫‪d’achévement est tenu de la garantie décennale rien de plus, somme toute, que‬‬
‫‪l’illusrtation de la distinction entre les obligations de responsabilité et de garantie,‬‬
‫‪précisions enfin que la portée de cette interprétation stricte doit être relativisée, car le‬‬
‫" …‪vendeur pourra utilement se retourner contre l’entreprise à l’origine des désordres‬‬
‫‪Cass.civ.3e, 8 septembre 2010.n 08-22-062. Publie sur le site web www.juricaf.org du‬‬
‫‪date 17-07-2018.‬‬
‫‪555 -article 1792-1 du code civil français :‬‬

‫‪"est réputé constructeur de l’ouvrage :‬‬


‫‪…0- toute personne qui, bien qu’agissant en qualité de mandataire du propriétaire de‬‬
‫‪l’ouvrage, accomplit une mission assimilable à celle d’un locateur d’ouvrage.‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وهكذا وبمقتض ى هذا النص لو أن رب العمل كلف املهندس املعماري بمهمة‬

‫وكالة لدى بعض املصالح ذات العالقة بالبناء‪ ،‬وذلك باإلضافة إلى عملية التصميم‬

‫واإلشراف يكون بذلك املهندس املعماري ملتزما اتجاه رب العمل بموجب أحكام‬

‫الضمان العشري عن كامل العمل سواء بشقه الخاص بعقد املقاولة أو بشقه‬
‫الوكالة‪556.‬‬ ‫املتعلق بالتصرف القانوني موضوع عقد‬

‫‪ -1‬الصانع و املستورد‪:‬‬

‫أخضع املشرع الفرنس ي في املادة ‪557 4-3928‬من القانون املدني الفرنس ي‪،‬‬

‫ضمن امللزمين بالضمان العشري صانع البناء أو صانع جزء منه أو صانع أحد‬

‫العناصر التجهيزية‪ ،558‬وألحق به مستورد البناء أو مستورد جزء منه أو مستورد‬

‫‪ -556‬فاطمة متميز ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.886‬‬


‫‪557‬‬ ‫‪-article 1792-4 du code civil français :‬‬
‫‪"le fabricant d’un ouvrage, d’une partie d’ouvrage ou d’un élément d’équipement‬‬
‫‪conçu et produit pour satisfaire, en état de service, à des exigences précises et l’avance,‬‬
‫‪est solidairement responsable des obligation mises par les articles 1792, 1792-2, 1792-‬‬
‫‪0 à la charge du locateur d’ouvrage qui a mis en œuvre, sans modification et‬‬
‫‪conformément aux règles édictées par le fabricant, l’ouvrage, la partie d’ouvrage ou‬‬
‫‪élément d’équipement considéré.‬‬
‫‪Sont assimilés à des fabricants pour l’application du présent article :‬‬
‫‪Celui qui a importé un ouvrage, une partie d’ouvrage ou un élément d’équipement‬‬
‫; ‪fabriqué à l’étranger‬‬
‫‪Celui qui l’a présenté comme son œuvre en faisant figurer sur lui son nom, sa marque‬‬
‫‪de fabrique ou tout autre signe distinctif ".‬‬
‫‪ " -558‬يقصد ب ‪:‬‬
‫‪ -‬صانع البناء ‪ :‬المقصود من المباني هنا‪ ،‬المباني سابقة التصنيع منظورا إليها في مجموعها باعتبارها كال ال‬
‫يتجزأ‪،‬‬
‫‪ -‬صانع جزء من عمل ‪ : le fabricant d’une partie d’ouvrage‬لكي يخضع هذا الصانع للضمان العشري‬
‫يجب أن يكون هذا الجزء عنصرا تأسيسيا أو تكوينيا في البناء بمعنى أن البناء لن يؤدي وظيفته إال بضم هذا الجزء‬
‫مثال ذلك أعمال األساسات وهياكل البناء والحوائط ‪،‬‬
‫‪ -‬العناصر التجهيزية ‪ :‬المقصود بها العناصر التي صممت لكي تفي بأغراض خاصة بها‪ ،‬مثال ذلك المصاعد‬
‫الميكانيكية أو الكهربائية وبصفة عامة كل اآلالت التي تثبت بالبناية "‬
‫أحمد خديجي ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪P 452‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عنصرا تجهيزيا تم صنعه بالخارج‪ ،‬وكذلك الشخص الذي يقدم البناء على أنه من‬

‫صنعه وذلك بوضع إسمه أو عالمة مصنعة أو أي عالمة أخرى مميزة له عليه‪.‬‬

‫‪ - 4‬مدى إمكانية خضوع املقاول من الباطن للمسؤولية العشرية‪:‬‬

‫بالعودة إلى نص الفصل ‪ 962‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬نجده يشترط‬

‫لقيام املسؤولية املفترضة أن يكون املهندس املعماري أو املهندس واملقاول مكلفان‬

‫مباشرة من رب العمل‪ ،‬مما يعني أن من ال يرتبط مباشرة برب العمل بعقد مقاولة‬
‫الباطن‪559.‬‬ ‫ال يخضع لهذه املسؤولية وهذا حال املقاول العقاري من‬

‫ويمكن القول أن هذا الرأي هو إعمال لقاعدة نسبية آثار العقد‪ ،‬ذلك أن‬

‫املقاول من الباطن ال يعتبر طرفا مباشرا في عقد املقاولة األصلي‪ ،‬وبالتالي فهو ال‬

‫يخضع للضمان العشري‪ ،‬إال إذا نص القانون صراحة على إخضاعه لدائرة هذا‬

‫الضمان كما هو الحال بالنسبة للصانع واملورد في التشريع الفرنس ي‪.‬‬

‫أما بخصوص القضاء الفرنس ي فقد ذهب إلى رفض إخضاع املقاول من‬

‫الباطن ألحكام الضمان العشري‪ ،‬من ذلك قرار صادر عن محكمة النقض اعتبرت‬

‫‪ -559 -0‬آمنة سميع ‪ " :‬المقاولة من الباطن للصفقة‪ ،‬دراسة للمركز القانوني للمقاول العقاري من الباطن "‪ ،‬مطبعة‬
‫صناعة الكتاب ‪ ،8002‬ص ‪.882‬‬

‫‪P 453‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فيه أن املقاول الذي يتدخل في عملية البناء بصفته مقاول من الباطن ال يكون‬
‫العشري‪560.‬‬ ‫مسؤوال عن إصالح العيوب التي تسبب فيها في إطار أحكام الضمان‬

‫املحور الثاني‪ :‬املستفيدون من الضمان العشري‪:‬‬

‫كما سلف الذكر فإن قواعد املسؤولية العشرية وإن كانت تثقل كاهل بعض‬

‫األطراف إال أنها باملقابل تحمي أطراف أخرى‪ ،‬وال شك أن املستفيد األول من‬

‫املسؤولية العشرية للمقاول واملهندس املعماري هو رب العمل املرتبط معهم بعقد‬

‫مقاولة‪ ،‬ومن املسلم به كذلك أن لورثة رب العمل في عقد مقاولة البناء بعد وفاته‬

‫باعتبارهم خلفا عاما حق اإلستفادة من أحكام الضمان العشري‪ ،‬ولكن السؤال‬

‫الذي يطرح هو هل يجوز في حالة انتقال ملكية العقار الذي تم تشييده من ذمة‬

‫رب العمل إلى ذمة شخص آخر الرجوع على املعماري مباشرة وفق أحكام هذا‬

‫الضمان الخاص؟ وهل يجوز ألشخاص آخرين اإلستفادة من أحكام هذا الضمان؟‬

‫أوال‪ :‬رب العمل‪:‬‬

‫املقصود برب العمل هو ذلك الشخص الذي يشيد البناء أو يقام املنشأ‬
‫أو عاما‪561.‬‬ ‫الثابت لحسابه سواء كان طبيعيا أو معنويا‪ ،‬خاصا‬

‫‪560‬‬ ‫‪" -un entrepreneur intervenu en qualité de sous-traitant ne peut être tenu de‬‬
‫‪réparer les conséquences de malfaçon sur le fondement de la garantie décennale, alors‬‬
‫‪que les sous-traitants ne sont pas tenus des garanties légales " .‬‬
‫‪Civ.3e , 20 juin 1989.bull.civ.III.n 164.‬‬
‫‪561 -B.boubli "la responsabilité et l’assurance des architectes, entrepreneurs et autres‬‬

‫‪constructeurs "op.cit. p 65.‬‬

‫‪P 454‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويكون رب العمل بهذا املعنى هو املستفيد األول من مسؤولية القواعد‬

‫الخاصة للمعماريين‪ ،‬ذلك أن رب العمل هو الذي يصاب عادة بالضرر من جراء‬

‫تهدم البناء أو من جراء ظهور عيب في املنشآت يهدد سالمتها أو متانتها فيرجع‬
‫املعماريين‪562.‬‬ ‫بالضمان الخاص على‬

‫وإذا كانت دعوى الضمان العشري تنتقل حالة انتقال ملكية العقار موضوع‬

‫الدعوى إلى أشخاص آخرين حيث أن هذه الدعوى ترتبط بامللكية‪ ،‬فإنه يبقى من‬

‫حق رب العمل مباشرة هذه الدعوى إذا كان في ذلك مصلحة مباشرة وأكيدة له‪،‬‬
‫الفرنسية‪563.‬‬ ‫وهو ما ذهب إليه قرار صادر عن محكمة النقض‬

‫ثانيا‪ :‬الخلف العام ‪:‬‬

‫جاء في الفصل ‪ 882‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬بأنه ‪:‬‬

‫" تنتج االلتزامات أثرها ال بين املتعاقدين فحسب‪ ،‬ولكن أيضا بين ورثتهما‬

‫وخلفائهما‪ ،‬ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة االلتزام أو عن‬

‫القانون‪."...‬‬

‫ومقتض ى ذلك أن الحقوق التي ينشئها العقد تنتقل إلى الوارث بعد وفاة‬

‫املورث املتعاقد أو صاحب الحق في الضمان وبتطبيق هذه القاعدة على عقد‬

‫‪ -562‬أحمد خديجي ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪563‬‬ ‫‪" -si l’action en garantie décennale se transmet en principe avec la propriété de‬‬
‫‪l’immeuble aux acquéreurs, le maitre de l’ouvrage ne perd pas la faculté de l’exercer‬‬
‫‪quand elle présente pour lui un intérêt et certain… ".‬‬
‫‪Cass.civ.3e, 20 avril 1982, bull.civ.III.n 95.p 101.‬‬

‫‪P 455‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املقاولة فإن الحقوق التي يرتبها هذا العقد لرب العمل كطرف فيه تنتقل بعد‬

‫وفاته إلى خلفه العام‪ ،‬ومن أهم هذه الحقوق نجد الحق في الضمان العشري‪.‬‬

‫هذا وال يطعن فيما قبل ما جاء في الفصل ‪ 882‬من قانون االلتزامات‬

‫والعقود‪ ،‬من أن أثر العقد ال ينصرف إلى الورثة والخلف إذا تبين ذلك من العقد‬

‫أو كان ناتجا عن طبيعة االلتزام أو عن القانون‪ ،‬ألن هذا االستثناء ال محل لتطبيقه‬

‫فيما نحن بصدد دراسته‪ ،‬فاملتعاقدين ال يمكنهم االتفاق على عدم انتقال دعوى‬

‫الضمان العشري إلى الخلف ألن هذا يتعارض مع نص الفصل ‪ 998‬من قانون‬

‫االلتزامات والعقود‪ ،‬الذي يبطل كل شرط موضوعه إنقاص أو إسقاط الضمان‬

‫العشري‪ 564،‬والحال أن مثل هذا االتفاق هو إنقاص لهذا الضمان‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخلف الخاص‪:‬‬

‫الخلف الخاص املستفيد من الضمان العشري هو من انتقلت إليه ملكية‬

‫العقار موضوع الحماية‪.‬‬

‫وال يوجد هناك نص في التشريع املغربي يقض ي صراحة بانتقال الحق في‬

‫الضمان العشري من رب العمل إلى خلفه الخاص الذي آلت إليه ملكية البناء‬

‫املعيب‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة للمشرع الفرنس ي قبل صدور قانون ‪ ،3292‬ومع‬

‫ذلك فإن الفقه والقضاء الفرنسيين ذهبا إلى أن الخلف الخاص كمشتري البناء‬

‫‪ -564‬عبد الغاني معافي ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.800‬‬

‫‪P 456‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومشتريه من الباطن واملوهوب له واملوص ى له به‪ ،‬لهم حق رفع دعوى الضمان‬

‫وهو ما يعني خصوصا‬ ‫املقاول‪565،‬‬ ‫العشري مباشرة ضد املهندس املعماري و‬

‫للمشتري بالذات أن يكون له دعويان واحدة ضد البائع طبقا للقواعد العامة في‬

‫ضمان العيوب الخفية وأخرى ضد املهندس املعماري واملقاول طبقا للقواعد‬


‫العشري‪566.‬‬ ‫الخاصة بالضمان‬

‫إال أنه قد يفضل الدعوى الثانية دون األولى خصوصا في الحاالت التي تكون‬

‫فيها دعوى ضمان العيوب الخفية وفق لعقد البيع قد سقطت بالتقادم‪ ،‬أو كان‬

‫رب العمل قد اشترط عليه عدم ضمان تلك العيوب‪.‬‬

‫وقد يكون املالك‪ ،‬وقت تقديم دعوى الضمان‪ ،‬هو املشتري األول الذي تلقى‬

‫ملكية العقار من رب العمل‪ ،‬كما قد يكون املشتري األخير‪ ،‬واملشتري وهو يباشر‬

‫دعوى الضمان الخاص‪ ،‬ال يمكن أن يوصف بأنه يستعمل حقوق مدينه " كرب‬

‫العمل " وإنما يستعمل حقا أصليا وثابتا له‪ ،‬ألن هذا الحق انتقل إليه بانتقال‬
‫العقار‪567.‬‬ ‫ملكية‬

‫‪ -565‬أحمد خديجي ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪ -566‬حتى ولو افترضنا جدال‪ ،‬أنه ال يحق للمشتري مساءلة المهندس المعماري والمقاول بالضمان العشري‪ ،‬فإنه‬
‫يبقى بإمكانه إقامة أحد الدعويين‪ ،‬الدعوى التي يرفعها على رب العمل في إطار المسؤولية العقدية عن ضمان‬
‫العيوب الخفية‪ ،‬ثم دعوى المسؤولية التقصيرية يرفعها على المهندس المعماري والمقاول بصفته أجنبيا عن العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬غير أنه ال يعوض مرتين عن ذات العيب‪.‬‬
‫‪ -567‬محمد زاليجي ‪ " :‬انتقال الضمان العشري وأثره على المشتري " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‬
‫في القانون الخاص –جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –مراكش‪ ، -‬السنة‬
‫الجامعية ‪ ،8888-8882‬ص ‪.28‬‬

‫‪P 457‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫رابعا ‪ :‬املالكون املشتركون في ملكية الطبقات ‪:‬‬

‫ال تخرج هذه الحالة عما سبق بيانه من أن دعوى الضمان العشري ترتبط‬

‫بامللكية وليس باألشخاص‪ ،‬إال أن ما يدعو إلى بيانها هو ازدواجية امللكية فيها‪،‬‬

‫حيث أن العقار ينقسم إلى نوعين من امللكية‪ ،‬ملكية مفرزة يختص بها كل شريك‬

‫على حدة‪ ،‬وملكية مشتركة بين جميع الشركاء‪ ،‬ومن هنا نطرح السؤال من املختص‬

‫بمباشرة دعوى الضمان العشري عند توافر مقتضاها ؟‬

‫يجيب األستاذ عبد القادر العرعاري بأنه‪ ":‬إذا كان البناء مشتركا بين أكثر من‬

‫مالك في شكل ملكية طبقات أو شقق فإنه يلزم التمييز بين األجزاء املشتركة‬

‫املخصصة لإلستعمال الجماعي كالساللم والدهاليز‪ ،‬واألبواب والجدران الخارجية‬

‫ومرآب السيارات‪ ،‬التي يسهر اإلتحاد أو النقابة على رعايتها وصيانتها‪ ،‬فإنها تدخل‬

‫ضمن مهام السنديك‪ ،‬وله أن يرفع دعوى الضمان بشأنها ضد املعماريين‪ ،‬أما‬

‫بالنسبة لألجزاء املفرزة التي تدخل ضمن امللكية الخاصة لكل صاحب شقة على‬

‫حدة فإن دعوى الضمان العشري تكون من نصيب املالك الخصوص ي للشقة أو‬
‫"‪568.‬‬ ‫الطبقة التي تستوجب سريان الضمان السابق‬

‫‪ -568‬عبد القادر العرعاري ‪ " :‬المسؤولية العقدية للمقاول والمهندس المعماري بالمغرب "‪ ،‬مطبعة الكرامة –‬
‫الرباط‪ -‬الطبعة األولى ‪ ،8008‬ص ‪.899‬‬

‫‪P 450‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبالرجوع إلى املادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪569 32-11‬املتعلق بامللكية املشتركة‬

‫للعقارات املبنية نجدها تنص على أنه ‪... " :‬ينشأ بقوة القانون بين جميع املالك‬

‫املشتركين في عقارات مقسمة إلى شقق وطبقات ومحالت كما هو منصوص على‬

‫ذلك في املادة األولى من هذا القانون إتحاد للمالك‪...‬يحق التحاد املالك التقاض ي‬

‫ولو ضد أحد املالك املشتركين‪."...‬‬

‫ويستفاد من هذا الفصل أن اتحاد املالك هو الهيئة املنوط بها ممارسة‬

‫دعوى املسؤولية العشرية حال تهدم أو تعرض األجزاء املشتركة لالنهيار أو لخطر‬

‫واضح باالنهيار‪ ،‬ذلك أن ممارسة هذه الدعوى تدخل في إطار التدابير التي من‬

‫شأنها الحفاظ على سالمة العقار املشترك وصيانته‪.‬‬

‫أما بخصوص األجزاء املفرزة والتي عرفتها املادة الثانية من القانون املتعلق‬

‫بامللكية املشتركة للعقارات املبنية بكونها‪ " :‬تعتبر أجزاء مفرزة من العقار األجزاء‬

‫املبنية أو غير املبنية التي يملكها كل واحد من املالك املشتركين بغرض االنتفاع‬

‫الشخص ي والخاص‪ .‬وتعتبر األجزاء املذكورة ملكا خاصا لكل مالك مشترك "‪.‬‬

‫‪ -569‬ظهير شريف رقم ‪ 8-08-882‬صادر في ‪ 85‬من رجب ‪ 0( 8980‬أكتوبر ‪ )8008‬بتنفيذ القانون رقم ‪-00‬‬
‫‪ 82‬المتعلق بنظام الملكية المشترطة للعقارات المبنية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5059‬بتاريخ ‪ 8‬رمضان ‪7 ( 8980‬‬
‫نوفمبر ‪ ) 8008‬ص ‪ .0875‬كما تم تعديله بموجب القانون رقم ‪ 806.88‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 8.86.98‬بتاريخ ‪ 88‬من رجب ‪ 87(8907‬أبريل ‪)8086‬؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 6965‬من ‪ 8‬شعبان ‪86( 8907‬‬
‫ماي ‪ ،)8086‬ص‪.0728‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فهذه األجزاء يبقى لكل مالك لها الحق في رفع دعوى الضمان العشري‬

‫للمطالبة بالتعويض‪ ،‬مثال ذلك ظهور شقوق في الشقة التي يسكنها‪ ،‬والتي تعتبر‬

‫جزءا مفرزا‪.‬‬

‫ختاما‪:‬‬

‫على امتداد مراحل هذا البحث‪ ،‬حاولنا جهد اإلمكان الوقوف على النطاق‬

‫الشخص ي للضمان العشري‪ ،‬واتضح جليا أنه ال زال يثير بعض املالحظات‪ ،‬بهدف‬

‫مواكبة التطور السريع والحاصل في مجال العقار عموما‪.‬‬

‫من هنا نقترح تمديد وتوسيع نطاق الضمان العشري ليشمل كل من له‬

‫عالقة مباشرة أو غير مباشرة بعملية البناء‪ ،‬وسواء كانوا مرتبطين برب العمل بعقد‬

‫مقاولة أم ال‪ ،‬ومن أهم املتدخلين الذين يجب تحميلهم بالضمان العشري نجد‬

‫املهندسين املتدخلين في عملية البناء‪ ،‬حيث نجد مهندس اإلسمنت والحديد وليس‬

‫اإلقتصار على املهندس املعماري‪ ،‬ثم نجد املقاولين من الباطن وكذا موردوا مواد‬

‫البناء‪ ،‬حيث وجب توسيع نطاق الضمان العشري ليشمل هؤالء‪ ،‬نظرا ملا أصبح‬

‫عليه تدخلهم في عملية البناء من أهمية كبرى‪ ،‬كما يجب أن يكون خضوع املقاول‬

‫من الباطن لهذا النوع من الضمان الخاص مطلقا ودون النظر لصفة الطرف‬

‫املدعي أي سواء كان املقاول األصلي أو رب العمل‪ ،‬وهذا كله مع إقرار املساءلة‬

‫التضامنية بين جميع املعماريين بقوة القانون‪ ،‬ليكون من حق الطرف الذي دفع‬

‫التعويض أن يرجع على باقي املعماريين وفقا لدعوى الرجوع‪.‬‬

‫‪P 468‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫عبد الغاني معافي‪ " :‬املسؤولية العقدية و الخاصة للمقاول وفق أحكام‬
‫التشريع املغربي واملقارن " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون‬
‫الخاص‪ ,‬وحدة التكوين و البحث قانون العقود و العقار‪ ,‬جامعة محمد األول‬
‫كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪-8114‬‬
‫‪.8115‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 3-28-388‬صادر في ‪ 88‬من ربيع األول ‪ 31( 3434‬شتنبر‬


‫‪ )3221‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 136-22‬املتعلق بمزاولة مهنة الهندسة املعمارية‬
‫وإحداث هيئة املهندسين املعماريين الوطنية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪4‬‬
‫جمادى األولى ‪ 3434‬موافق ‪ 81‬أكتوبر ‪.3221‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 8-21-66‬صادر في ‪ 34‬من ربيع اآلخر ‪ 3( 3434‬أكتوبر ‪)3221‬‬


‫بتطبيق القانون رقم ‪ 36-22‬املتعلق بمزاولة مهنة الهندسة املعمارية وإحداث‬
‫هيئة املهندسين املعماريين الوطنية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 4‬جمادى‬
‫األولى ‪ 81( 3434‬أكتوبر ‪.)3221‬‬

‫أحمد خديجي ‪ " :‬نطاق املسؤولية العشرية –دراسة مقارنة‪ " -‬بحث لنيل‬
‫شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة قاصدي مربوح ورقلة‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم االقتصادية –الجزائر‪ ،-‬نوقشت يوم ‪ 5‬نوفمبر ‪،8116‬‬

‫فاطمة متميز‪ " :‬املسؤولية املعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات‬
‫االصالح " مطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪ -‬طبعة ‪8131‬‬
‫آمنة سميع‪ " :‬املقاولة من الباطن للصفقة‪ ،‬دراسة للمركز القانوني للمقاول‬
‫العقاري من الباطن "‪ ،‬مطبعة صناعة الكتاب ‪8112‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ محمد ضريف‬


‫متصرف تربوي بقطاع التربية الوطنية ‪ -‬باحث بسلك الدكتوراه‬
‫كلية العلوم القانونية السويسي الرباط‬

‫رهان االرتقاء بمجال الموارد البشرية التعليمية بين تصور‬


‫الرؤية االستراتيجية وطموح النموذج التنموي الجديد في المغرب‬
‫‪The bet of advancing the field of educational human resources : Between the conception‬‬
‫‪of the strategic vision and the ambition of the new development model in Morocco‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر إصالح التعليم رهانا كبيرا وأحد االنشغاالت الهامة لدى صانعي القرار‬

‫باملغرب‪ ،‬وذلك لدوره األساس ي في مواكبة تطورات العصر املتالحقة‪ ،‬وإسهاماته‬

‫الكبرى في تحقيق التنمية والرقي واالزدهار‪ .‬ومما ال شك أن هذا اإلصالح يأتي‬

‫انسجاما مع منطق التفاعل بين مختلف مكونات النسق املجتمعي العام‪،‬‬

‫واستحضارا لعالقات التأثير والتأثر في ظل املتغيرات والتحوالت االقتصادية‬

‫واالجتماعية والسياسية في أبعادها الوطنية والدولية‪ .‬كما أن ربح تلك التحديات‬

‫والرهانات التي يفرضها املحيط االقتصادي واالجتماعي والسياس ي‪ ،‬ترتبط بشكل‬

‫‪P 462‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كبير بتطوير أداء املدرسة العمومية‪ ،‬والرفع من مستوى مردوديتها وفعالية‬

‫مخرجاتها وفق متطلبات الجودة والفعالية وحسن األداء‪.‬‬

‫فضمان تنزيل اإلصالحات املنتظرة من املدرسة املغربية رهين بنهج‬

‫سياسة تعليمية فعالة في مجال تدبير الشأن التربوي بشكل عام‪ ،‬وتدبير املوارد‬

‫البشرية على الخصوص‪ ،‬حيث إن هذه األخيرة أصبحت لها أدوار ووظائف أساسية‬

‫في مجال تحقيق مخرجات املنظومة التربوية املنشودة‪ ،‬لذلك فهي تعد من‬

‫الرهانات التي يحاول قطاع التربية الوطنية االعتماد عليها في تحقيق أهداف‬

‫املنظومة التعليمية بأقص ى درجة من الفعالية واملردودية وحسن التدبير‪.‬‬

‫ولتلك الغاية‪ ،‬ووعيا منه باألهمية القصوى التي يلعبها العنصر البشري‬

‫في بلورة دعائم نظام تعليمي قوي ومنتج وذي جودة‪ ،‬نجد امليثاق الوطني للتربية‬

‫والتكوين أولى حيزا هاما من انشغاالته ملا ينبغي أن يكون عليه واقع املوارد البشرية‬

‫التربوية والتدبيرية‪ ،‬حيث أكد في دعامته الثالثة عشرة على حفز املوارد البشرية‬

‫وتحسين ظروف عملها ومراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية‪.‬‬

‫ونجد املخطط االستعجالي لإلصالح الذي حاول تدارك نقائص سياسات‬

‫تنزيل مقتضيات امليثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬حيث اعتبر أن مجال املوارد‬

‫البشرية أحد األوراش األساسية لإلصالح من خالل ترشيد تدبيرها ونهج التدبير‬

‫الالمتمركز‪ ،‬وتعزيز التدبير التوقعي لها‪ ،‬ودعم كفاءات األطر وتمكينها من تأطير‬

‫جيد‪.‬‬

‫‪P 463‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبعد اعتماد الرؤية االستراتيجية لإلصالح (‪ )8111-8135‬التي تلت عدد‬

‫من املشاورات والتقارير والدراسات التي أجمعت على ضعف السياسات التعليمية‬

‫في املغرب‪ ،‬وعدم مواكبتها لتحوالت وتطورات العصر‪ ،‬أصبح التركيز أيضا على‬

‫مجال املوارد البشرية من زاوية إسهامها في إرساء دعائم مدرسة تتسم بالجودة‬

‫واالنصاف وتكافؤ الفرص‪ ،‬في إطار نظام للحكامة يؤسس لتصور متقدم يساير خيار‬

‫الجهوية املتقدمة‪ .‬إذن فال أحد يجادل في كون املورد البشري في مجال التعليم‬

‫يعد من أثمن املوارد؛ بل ومن أهمها‪ ،‬وذلك ملا له من دور فعال في الرفع من‬

‫املردودية‪ ،‬واستثمار كل الطاقات والقدرات لبلوغ أرقى النتائج وأحسنها‪ ،‬للوصول‬

‫إلى تعليم يستجيب لرفع تحدي التطورات املتالحقة لعالم اليوم‪ ،‬وضمان كسب‬

‫رهان التنمية الشاملة‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق تتضح راهنية هذه الدراسة‪ ،‬خصوصا ونحن اليوم‬

‫أمام مقترحات للنموذج التنموي الجديد باملغرب الداعية إلى االرتقاء بمجال املوارد‬

‫البشرية التعليمية وتحسين مستويات تدبيرها‪ .‬وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال‬

‫املركزي اآلتي‪ :‬مدى مساهمة التوجهات االستراتيجية الحالية إلصالح املنظومة‬

‫التعليمية في االرتقاء بمجال املوارد البشرية في املغرب؟‬

‫وتتفرع عن هذا السؤال املحوري التساؤالت الثانوية اآلتية‪:‬‬

‫ما تصور الرؤية االستراتيجية إلصالح التعليم ملكون املوارد البشرية‬ ‫‪-‬‬

‫التعليمية؟ وما هي التدابير اإلجرائية املتخذة لتحقيق ذلك؟‬

‫‪P 464‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كيف نظر النموذج التنموي الجديد لسياسة تدبير املوارد البشرية؟ وماهي‬ ‫‪-‬‬

‫آفاق االرتقاء باألطر التعليمية اإلدارية والبيداغوجية؟‬

‫ولإلجابة عن تلك التساؤالت سنعالج في محور أول إلى رهان االرتقاء بمجال‬

‫املوارد البشرية التعليمية على ضوء الرؤية االستراتيجية لإلصالح (‪،)8135-8111‬‬

‫من خالل الوقوف على تصور الرؤية االستراتيجية لسياسة إصالح املوارد البشرية‬

‫التعليمية في املغرب‪ ،‬ومكانة هذه األخيرة في مضامين تنزيلها‪ ،‬مع إبراز منظور‬

‫القانون اإلطار ‪ 53.39‬لتلك املوارد‪ .‬وفي محور ثاني سنبرز آفاق إصالح مجال املوارد‬

‫البشرية التعليمية في ظل طموح النموذج التنموي الجديد في املغرب‪ ،‬بالتركيز‬

‫سياسة التوظيف الحالية للموارد البشرية التعليمية‪ ،‬وتوضيح تصور النموذج‬

‫التنموي الجديد لها‪ ،‬في أفق تدبير استراتيجي لالرتقاء بمستويات التوظيف‬

‫والتكوين والتحفيز‪.‬‬

‫أوال‪ :‬رهان االرتقاء بمجال املوارد البشرية التعليمية على ضوء الرؤية‬

‫االستراتيجية لإلصالح (‪)8135-8111‬‬

‫إن البدايات األولى ملا يمكن أن نسميه "بالعشرية الثانية" لتفعيل‬

‫توجهات امليثاق الوطني للتربية والتكوين؛ قد عايشت سياقا دستوريا جديدا‪،‬‬

‫ووضعا سياسا بطبيعة مختلفة‪ ،570‬األمر الذي استدعى اتخاذ قرارات والقيام‬

‫بتدابير تساير املرحلة الجديدة‪ ،‬خصوصا وقد تزامن ذلك مع دخول املخطط‬

‫‪ -570‬يتمثل هذا السياق في إصدار دستور ‪ ،5100‬الذي جاء استجابة للحراك االجتماعي المغربي‪ ،‬في ظل ما سمي بالربيع العربي‪.‬‬

‫‪P 465‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االستعجالي في سنته األخيرة؛ حيث عملت الوازرة الوصية على مراجعة تنفيذ‬

‫مشاريعه‪ ،‬وطي بعض الجوانب املهمة منه‪ ،571‬مما مهد إلى اتخاذ جملة من التدابير‬

‫واإلجراءات‪ 572‬بغية تحقيق بعض املكاسب واإلنجازات‪ ،‬إال أن ذلك لم يسعف في‬

‫تجاوز االختالالت املزمنة التي تعاني منها املدرسة املغربية‪ ،‬هذا ما دفع من جديد‬

‫بالوزارة الوصية إلى إطالق مشاورات موسعة حول املشروع التربوي‪ ،‬انتهت‬

‫بالتدابير ذات األولوية‪ .‬وبناء على جلسات االستماع والتشاور‪ ،‬واللقاءات الجهوية‬

‫التي قام بها املجلس األعلى للتربية والتكوين‪ ،‬واستجابة للدعوة امللكية للمجلس‬

‫من أجل وضع خارطة طريق إلصالح املدرسة‪ ،‬جاءت الرؤية االستراتيجية إلصالح‬

‫منظومة التربية والتكوين في مدى زمني يمتد من ‪ 8135‬إلى‪.5738111‬‬

‫‪ -3‬تصور الرؤية االستراتيجية لسياسة إصالح املوارد البشرية التعليمية في‬

‫املغرب‬

‫ترتبط سياسة إصالح املوارد البشرية التعليمية‪ ،‬حسب مجاالت الرؤية‬

‫االستراتيجية‪ ،‬بمقومات املدرسة املغربية الجديدة‪ ،574‬كخيارات كبرى ناظمة‬

‫لإلصالح التربوي وكفيلة بتحقيق أهدافه املنشودة‪ .‬وتذهب الرؤية االستراتيجية إلى‬

‫‪ -571‬مثال التراجع عن النموذج البيداغوجي المتمثل في بيداغوجيا اإلدماج‪.‬‬


‫‪ -572‬من ذلك إعداد و ازرة التربية الوطنية في مارس ‪ ،5105‬وبناء على منشور رئيس الحكومة رقم ‪ 5105-0‬بتاريخ ‪ 06‬فبراير ‪،5105‬‬
‫برنامج عملها القطاعي الذي حمل اسم "وثيقة اإلجراءات االستعجالية"‪ .‬وأيضا إطالق الو ازرة لبرنامج العمل المتوسط المدى (‪-5107‬‬
‫‪ ،)5106‬المعتمد على منهجية المقاربة بالمشروع‪.‬‬
‫‪ -573‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -574‬تستهدف بناء المدرسة الجديدة التي ينشدها المغرب‪ ،‬مدرسة قوامها‪ :‬اإلنصاف وتكافؤ الفرص‪ ،‬الجودة للجميع‪ ،‬االرتقاء بالفرد‬
‫والمجتمع‪ .‬وهي أسس وخيارات كبرى ناظمة لإلصالح‪ ،‬كفيلة بتحقيق أهدافه‪ ،‬تقدم خارطة طريق بمداخل نسقية وبرافعات للتغيير المستهدف‪،‬‬
‫وتواكب التحديات والرهانات في مجاالت تجديد المنظومة التربوية‪.‬‬

‫‪P 466‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اعتبار مطلب تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير أسبقية أولى للرفع من مقوم‬

‫جودة املدرسة املغربية بما يحقق فعالية مردوديتها وتحسين أدائها‪ .‬فمسألة االرتقاء‬

‫بتدبير املوارد البشرية تعد رافعة ضرورية لضمان تحقيق الحكامة الجيدة في إطار‬

‫التعبئة املطلوبة لتنزيل اإلصالح‪.‬‬

‫على أساس ذلك نجد املجلس األعلى للتربية والتكوين في الرافعة التاسعة‬
‫التربويين‪575‬‬ ‫من الرؤية االستراتيجية‪ ،‬يدعو إلى إتقان تكوين الفاعالت والفاعلين‬

‫وحفزهم‪ ،‬وإعادة االعتبار ألدوارهم‪ ،‬واحترام كرامتهم‪ ،‬وتحسين ظروف مزاولتهم‬


‫"املهننة"‪577‬‬ ‫للعمل‪ .576‬وهذا ما دفع بالرؤية االستراتيجية إلى التأكيد على مسألة‬

‫باعتبارها مدخال أساسيا للنهوض بأداء الفاعلين التربويين‪ ،‬وذلك من خالل مايلي‪:‬‬

‫‪ -‬إعادة تحديد املهام واألدوار واملواصفات املرتبطة بمهن التربية والتكوين‬

‫والبحث والتدبير؛‬

‫‪ -‬جعل التكوين األساس إلزاميا وممهننا بحسب خصوصية كل مهنة؛‬

‫‪ -‬نهج تكوين مستمر ومؤهل مدى الحياة املهنية؛‬

‫‪ -575‬من مدرسين ومكونين ومؤطرين وباحثين ومدبرين‪.‬‬


‫‪ -576‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -577‬يقصد بالمهننة حسب الرؤية االستراتيجية‪ " :‬مجموع العمليات التي تستهدف تحويل نشاط ما إلى مهنة اجتماعية منظمة‪ ،‬يحركها‬
‫إنتاج موضوعات أو خدمات معينة‪ ،‬ولها إطارها التنظيمي و االجتماعي‪ ،‬وقواعدها ومتطلباتها الخاصة باألداء المهني‪ ،‬وفي مجال التربية‬
‫و التكوين‪ ،‬ترتبط المهننة بالتكوين المعرفي و التربوي والعملي الدائم‪ ،‬الذي يستغرق المسار المهني بأكمله‪ ،‬بهدف إكساب الكفايات الالزمة‬
‫لممارسة المهام التي تتطلبها المهن التربوية (التدريس والتكوين و التأطير والتدبير والتوجيه)‪ ،‬بغاية االرتقاء بجودة األداء المهني‬
‫ومردوديته‪. "...‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪P 467‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬تدبير ناجع للمسار املنهي‪ ،‬قائم على املواكبة والتقييم والترقية املهنية على‬

‫أساس االستحقاق وجودة األداء واملردودية؛‬

‫‪ -‬الحفز املادي واملعنوي وتحسين ظروف العمل ومزاولة املهنة؛‬

‫‪ -‬التوازن بين التمتع بالحقوق وااللتزام بواجبات وأخالقيات املمارسة املهنية‬

‫وربط املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬

‫فسياسة توظيف املوارد البشرية الالزم أجرأتها‪ ،‬بحسب الرؤية‬

‫االستراتيجية‪ ،‬يجب أن تحرص على انتقاء أجود الكفاءات‪ ،‬واالختيار األمثل‬

‫لألجيال الجديدة من املدرسات واملدرسين‪ ،‬باالعتماد على معايير محددة لولوج‬

‫املهن التعليمية‪ .‬تتمثل أساسا في الجاذبية للمهنة‪ ،‬واالستعدادات النفسية‬

‫واملعرفية والقيمية‪ ،‬والتوافر على املعارف واملؤهالت والكفايات الضرورية‪ .578‬مع‬

‫نهج سياسة تدبيرية للمسار املنهي‪ ،‬تنطلق من االعتماد على التدبير الجهوي‬

‫للكفاءات البشرية‪ ،‬في انسجام مع النهج الالمتمركز ملنظومة التربية والتكوين‪ ،‬ومع‬

‫توجهات الجهوية املتقدمة‪ ،‬مع تنويع أشكال توظيف مدرس ي التعليم املدرس ي‪.579‬‬

‫على أن يتم ذلك بتشاور وتنسيق مع الفاعلين املعنيين واملنظمات النقابية ذات‬

‫الصلة‪ .580‬كما يقوم تدبير املسار املنهي بالتعليم املدرس ي‪ ،‬على أساس تقييم يعتمد‬

‫‪ -578‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص‪.71‬‬
‫‪ -579‬تستند الرؤية االستراتيجية هنا على المادة ‪ 072‬من الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي تنص على أنه "يتم تنويع أوضاع المدرسين‬
‫الجدد بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد‪ ،‬على صعيد المؤسسات واألقاليم والجهات"‪.‬‬
‫‪ -580‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص ‪.75‬‬

‫‪P 460‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫معايير ومؤشرات موحدة ووظيفية لقياس األداء واملردودية‪ ،581‬مع الحرص على‬

‫إنجاز تقييم منتظم ألداء أطر هيئات التفتيش والتخطيط والتوجيه و التدبير‪ ،‬يتم‬

‫على أساس ترقيتهم واضطالعهم باملسؤولية املنوطة بهم‪ ،‬في إطار االعتماد على‬

‫معايير املردودية و نجاعة النتائج و االلتزام بالواجب املنهي‪ .‬وذلك في استحضار‬

‫خصوصية أدوار ومهام وكفايات كل هيئة من الهيئات العاملة في قطاع التربية‬

‫الوطنية‪ ،‬حيث يتعين‪:‬‬

‫‪ ‬تدقيق تلك األدوار واملهام والعمل على ضبطها بالتنصيص القانوني عليها‪،‬‬

‫واعتمادها كأساس لتحديد املسؤولية والتقييم والترقي املنهي‪582‬؛‬

‫‪ ‬إرساء أطر مرجعية للكفايات الالزمة ملزاولة مختلف مهام أطر قطاع‬

‫التعليم املدرس ي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬مع اعتبار التكوين األساس مقوما إلزاميا لولوج مهن التعليم‬

‫املدرس ي الذي يتم أساسا‪ ،‬بخصوص مهنة التدريس‪ ،583‬باملراكز الجهوية للتكوين‬

‫‪ -581‬ارتباطا بذلك يتم وضع شبكة جديدة مفتوحة للترقي بحسب كل هيئة‪ ،‬ويتم توسيع نظام الساللم على نحو يومن حفز الفاعلين‬
‫التربويين طيلة حياتهم المهنية‪ .‬كما يتم كذلك إيالء عناية خاصة بالعاملين في المناطق النائية ذات الظروف الصعبة والنائية (تعويضات‬
‫مادية‪ ،‬السكن‪ ،‬التنقل وباقي الخدمات االجتماعية‪ .)....‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬المجلس األعلى للتربية والتكوين‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -582‬بخصوص هيئات التدريس‪ ،‬يتطلب اإلحاطة الشاملة بالمهام الموكولة للمدرسين‪ ،‬التربوية والتقييمية واالجتماعية والثقافية والتواصلية‪،‬‬
‫وضبطها والتنصيص القانوني عليها واالعتماد عليها كأساس لتحديد المسؤوليات والتقييم والترقي المهني‪ .‬أما بخصوص هيئات التفتيش‬
‫والتخطيط والتوجيه والتدبير يتعين بلورة نموذج جديد يحدد ويضبط األدوار والمهام واالنتساب اإلداري والوظيفي لهذه المهن‪ ،‬مع تحديد‬
‫مواصفاتها العامة والنوعية‬
‫‪ -583‬بخصوص مهن التفتيش والتخطيط والتوجيه تدعو الرؤية االستراتيجية إلى تجديد المناهج والبرامج والطرائق المعتمدة في التكوين‪،‬‬
‫ومالءمتها مع متطلبات االرتقاء بأداء المدرسة ومع األدوار الجديدة لمهن التربية والتكوين‪ ،‬وأيضا مالءمة مهام وأدوار المؤسسات التي‬
‫تضطلع بتكوين هذه الهيئات في انسجام مع المهام واألدوار الملقاة على عاتق خريجيها‪ .‬وبالنسبة لمهنة التدبير واإلدارة يتعين على المدى‬
‫المتوسط تعزيز وتوسيع المسلك المخصص لتكوين أطر وفاعلي هذه الهيئة على صعيد المراكز الجهوية للتكوين‪.‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملؤسسات التعليمية للتدريب امليداني على صعيد كل جهة‪ ،‬مع استشراف إمكانية‬

‫التعاون مع الجامعات على املدى املتوسط في إطار تكوين يقوم على مراجعة مناهج‬

‫وبرامج تكوين األطر‪ ،584‬ويرتكز على إرساء مسالك بتكوينات معرفية ومنهجية‬

‫وبيداغوجية وديداكتيكية‪ ،‬مع املزاوجة بين التحصيل املعرفي املتين املنفتح على‬

‫التنوع اللغوي‪ ،‬واملكتسبات البيداغوجية الالزمة‪.585‬‬

‫وبخصوص التكوين املستمر‪ ،‬تؤكد الرؤية االستراتيجية على أنه (في املدى‬

‫القريب) يتعين إعداد وتفعيل استراتيجيات للتكوين املستمر‪ ،‬بحسب الهيئات‪،‬‬

‫وبمخططات تستجيب لحاجاتهم الفعلية‪ ،‬بتنسيق مع األكاديميات الجهوية ومع‬

‫مراكز التكوين والجامعات‪ ،‬مع استشراف إمكانية االستفادة من رصيد الخبرة‬

‫والتجربة املهنية (البيداغوجية والتدبيرية) املتوافرة لدى املتقاعدين واملتقاعدات‬

‫من أطر التربية والتكوين‪.586‬‬

‫وضمانا لترسيخ االلتزام الفعلي بالواجب املنهي‪ ،‬ركزت الرؤية االستراتيجية‬

‫في سياسة إصالح منظومة املوارد البشرية على إرساء تعاقد ثقة مع مختلف‬

‫الهيئات التعليمية لالرتقاء بمهامها وأدوارها‪ ،‬يقوم على أساس نهج املقاربة‬

‫التشاركية في بلورته واعتماده‪ ،‬متجسدا في إطار االلتزام املشترك بالحقوق‬

‫‪ -584‬كتطوير التكوين في اتجاه دعم التخصص السيما في التعليم االبتدائي‪.‬‬


‫‪ -585‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص‪.71‬‬
‫‪ -586‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪P 478‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والواجبات‪ ،‬ويحدد بأهداف قابلة للتتبع والتقييم‪ .587‬فأي تصريف لتلك التوجهات‬

‫على التنزيل الفعلي لها؟‬

‫‪ -8‬سياسة إصالح املوارد البشرية على ضوء تنزيل مضامين الرؤية‬

‫االستراتيجية‬

‫سعيا منها إلى تجسيد مقتضيات الرؤية االستراتيجية‪ ،‬ذات العالقة‬

‫بقطاع التربية الوطنية‪ ،‬على أرض الواقع‪ ،‬بادرت السلطة الحكومية املكلفة‬

‫بالشأن التعليمي إلى اتخاذ جملة من التدابير اإلجرائية‪ ،‬هي بمثابة تصريف فعلي‬

‫ملضامين الرؤية االستراتيجية‪ ،‬معتمدة في ذلك على إعمال مقاربة التدبير‬

‫باملشاريع‪ .588‬حيث تم اعتماد ‪ 36‬مشروعا مندمجا‪ ،‬تستحضر املنظور الشمولي‬

‫والنسقي للرؤية االستراتيجية‪ ،‬وتتوزع على ثالثة مجاالت استراتيجية‪:589‬‬

‫‪ ‬مجال التدخل رقم ‪ :3‬اإلنصاف وتكافؤ الفرص‪ ،‬وشمل ‪ 6‬مشاريع مندمجة؛‬

‫‪ -587‬المملكة المغربية‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،5171-5102‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -588‬جاءت هذه المشاريع عبر سيرورة متدرجة أخذت ثالث مراحل‪ :‬تمثلت المرحلة األولى في قراءة معمقة لما ورد في هذه الرؤية من‬
‫توجهات ومستلزمات بغية استخالص األهداف االستراتيجية‪ ،‬وكذا التدابير ذات الطابع اإلجرائي المرتبطة بها‪ .‬أما المرحلة الثانية فهمت‬
‫تجميع األهداف وترجمتها الى مشاريع مهيكلة باعتماد مجموعة من المعايير‪ ،‬أهمها ضمان انسجام األهداف الخاصة والتمكن من تحديد‬
‫المسؤوليات وسهولة تتبع وقيادة وتقييم المشاريع‪ ،‬حيث خلصت هذه المرحلة بإعداد حافظة مشاريع أولية مكونة ‪ 56‬مشروعا‪ .‬وفي المرحلة‬
‫الثالثة تم تحيين الهيكلة العامة لمشاريع الرؤية االستراتيجية باالعتماد على معايير التقنين التالية‪:‬‬
‫الحفاظ على روح الرؤية االستراتيجية وعلى عدد الرافعات؛‬ ‫‪‬‬
‫قيادة وتتبع المشاريع في إطار مجاالت منسجمة؛‬ ‫‪‬‬
‫التحكم في عدد المشاريع؛‬ ‫‪‬‬
‫ادماج التنسيق في الهيكلة التنظيمية للمشاريع؛‬ ‫‪‬‬
‫التوازن في إسناد مسؤوليات تنسيق وتدبير المشاريع؛‬ ‫‪‬‬
‫تحديد المديرية المسؤولة عن الجزء األكبر من أهداف المشروع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -589‬وثيقة حافظة المشاريع المندمجة لتفعيل الرؤية االستراتيجية (‪ ،)5102-5151‬الصادرة عن و ازرة التربية الوطنية والتكوين المهني‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 00‬يوليوز ‪. https://www.men.gov.ma/Ar/Pages/portfeuille_PVS1516.aspx .5106‬‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬مجال التدخل رقم ‪ :8‬االرتقاء بجودة التربية والتكوين‪ ،‬وشمل ‪ 6‬مشاريع‬

‫مندمجة؛‬

‫‪ ‬مجال التدخل رقم ‪ :1‬الحكامة والتعبئة‪ ،‬وشمل ‪ 4‬مشاريع مندمجة؛‬

‫ويمكن استخالص تدابير إصالح مجال املوارد البشرية‪ ،‬حسب املشاريع‬

‫السابقة الذكر‪ ،‬من خالل مشروعين أساسين‪:‬‬

‫‪ -3‬املشروع املندمج رقم ‪ 590:2‬املخصص ملوضوع "تجديد مهن التربية والتكوين‬

‫واالرتقاء بتدبير املسارات املهنية"‪ ،‬حيث حدد هدفه العام في االرتقاء بجودة مهن‬

‫التدريس والتدبير والتكوين‪ ،‬كما دقق أهدافه الخاصة‪ ،591‬ونتائجه املنتظرة‪،592‬‬

‫مركزا في ذلك على ثالث تدابير إجرائية انتظمت في ثالث مستويات يراها أساسية‬

‫إلصالح تدبير املوارد البشرية‪.‬‬

‫‪ -590‬هذا المشروع يندرج ضمن مجال التدخل الثاني الخاص باالرتقاء بجودة التربية والتكوين‪ ،‬وقد تم تحديد المديريات المركزية المسؤولة‬
‫عن هذا المشروع في‪ :‬الوحدة المركزية لتكوين األطر ‪ -‬المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب ‪ -‬مديرية الموارد البشرية وتكوين األطر‬
‫‪ -‬مديرية الشؤون القانونية والمنازعات ‪ -‬مديرية المناهج‪.‬‬
‫‪ -591‬تتحدد األهداف الخاصة في‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد األدوار والمهام والكفايات المرتبطة بمهن التدريس والتدبير والتكوين ومواصفات الفاعلين حسب الهيئات؛‬
‫‪ -‬الرفع من نجاعة التكوين األساس وجعله إلزاميا ومم ِ‬
‫هننا؛‬ ‫َُ‬
‫‪ -‬نهج تكوين مستمر مؤهل على امتداد الحياة المهنية‪.‬‬
‫‪ -592‬لل تفصيل أكثر في النتائج المنتظرة من المشروع المندمج رقم ‪ ، 1‬الرجوع إلى الوثيقة الصادرة عن الوحدة المركزية لتكوين األطر‬
‫والمركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب‪ ،‬حافظة المشاريع المندمجة لتنزيل الرؤية االستراتيجية ‪.5171-5102‬‬
‫‪.https://www.men.gov.ma/Ar/Pages/portfeuille_PVS1516.aspx‬‬

‫‪P 472‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الذي يحمل اسم "االرتقاء بتدبير املوارد‬ ‫‪593:31‬‬ ‫‪ -1‬املشروع املندمج رقم‬

‫البشرية"‪ ،‬حيث وضع أربعة تدابير لبلوغ أهداف االرتقاء بمجال املوارد‬

‫البشرية‪ ،‬وذلك وفق جملة من التدابير واإلجراءات‪.‬‬

‫كما شكل تفعيل التدابير ذات األولية في إطار التنزيل األولي للرؤية‬

‫االستراتيجية‪ ،‬وأيضا من خالل توطينها في املشاريع املندمجة‪ ،594‬فرصة ألجرأة‬

‫سياسة إصالح املوارد البشرية‪ ،‬ويتمظهر ذلك من خالل التركيز على التأطير‬

‫التربوي‪ 595‬لهيئة التدريس‪ ،‬حيث األولوية لتكريس املهننة في مزاولة مهن التربية‬

‫والتكوين‪ ،‬وخاصة من خالل تعزيز التكوين األساس ملزاولة هذه املهن‪ ،‬مع االستناد‬

‫على آليات جديدة تقوم على املصاحبة أثناء مزاولة املهام‪ .596‬وهذا ما تبلور من‬

‫خالل‪:‬‬

‫‪ -‬التدبير رقم ‪ :35‬الخاص بموضوع "املصاحبة والتكوين عبر املمارسة"‪،‬‬

‫فآلية مصاحبة املدرسين أثناء مزاولة مهامهم‪ ،‬تساهم في تسهيل االندماج‬

‫‪ -593‬هذا المشروع يندرج ضمن مجال التدخل الثالث الخاص بالحكامة والتعبئة‪ ،‬وقد تم تحديد المديريات المركزية المسؤولة عن هذا‬
‫المشروع في‪ :‬مديرية الموارد البشرية وتكوين األطر ‪ -‬مديرية الشؤون القانونية والمنازعات‪.‬‬
‫‪ -594‬تم توطين التدابير ذات األولوية ضمن المشاريع االستراتيجية (‪ )5171-5102‬وفق ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬التدبير رقم ‪( 02‬المصاحبة والتكوين عبر الممارسة) والتدبير رقم ‪( 06‬الرفع من جودة التكوين األساس للمدرسين)‪ ،‬تم توطينهم‬
‫في المشروع المندمج رقم ‪ 1‬المخصص لموضوع "تجديد مهن التربية والتكوين واالرتقاء بتدبير المسارات المهنية"؛‬
‫‪ ‬التدبير رقم ‪( 01‬النظام األساسي الخاص بمهن التربية والتكوين)‪ ،‬تم توطينه في المشروع المندمج رقم ‪ 07‬المخصص لموضوع‬
‫" االرتقاء بتدبير الموارد البشرية "‪.‬‬
‫‪ -595‬التأطير التربوي خص له المحور السادس من محاور التدابير ذات األولوية‪.‬‬
‫‪ -596‬حافظة التدابير ذات األولوية المتضمنة في المذكرة اإلطار رقم ‪ 111-02‬بتاريخ ‪ 05‬أكتوبر ‪ ،5102‬في شأن التنزيل األولي للرؤية‬
‫االستراتيجية من خالل تفعيل التدابير ذات األولوية‪ ،‬ص‪.00‬‬

‫‪P 473‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املنهي لخريجي املراكز الجهوية ملهن التربية والتكوين‪ ،‬كما تساعد األساتذة‬

‫املمارسين على تحسين ممارستهم الصفية‪ ،‬وتعزيز تبادل تجارب وخبراتهم‪.‬‬

‫‪ -‬التدبير رقم ‪ :36‬ذو موضوع "الرفع من جودة التكوين األساس للمدرسين"‪،‬‬

‫وذلك بالتركيز على تزويد املنظومة التربوية بأطر ذات كفاءات عالية من‬

‫مدرسين وأساتذة مبرزين وأطر اإلدارة التربوية‪ ،‬فالرفع من كفاءات‬

‫املدرسين الجدد تتم بسلك تأهيل أطر هيئة التدريس بتفعيل التكوين‬

‫األساس على مدى ثالث سنوات كاملة وبمضامين ذات جودة‪ ،‬وإحكام تأطير‬

‫وتنظيم مباريات التبريز‪ ،‬واستكمال إرساء سلك تكوين أطر اإلدارة التربوية‪.‬‬

‫كما يتمظهر تفعيل التدابير ذات األولوية من خالل التركيز على وضع نظام‬

‫أساس ي خاص بمهن التربية والتكوين (التدبير رقم ‪ ،)32‬هذا النظام يستوجب أن‬

‫يثمن مهنة التدريس باعتبارها ذات خصوصية يتطلب القيام بها التوفر على‬

‫مجموعة من املقومات‪ ،‬وذلك من خالل مراجعة النظام األساس ي الحالي ملوظفي‬

‫وزارة التربية الوطنية إلصالح أوجه القصور التي يعرفها‪ ،‬وتحديد مهن التربية‬

‫والتكوين‪ ،‬والعمل على تحيين الرؤية بخصوص املسارات املهنية‪ ،‬إلى جانب إعداد‬

‫ميثاق ألخالقيات املهن املرتبطة بالتربية والتكوين‪.‬‬

‫‪ -4‬منظور القانون اإلطار ‪ 53.39‬ملجال املوارد البشرية التعليمية‬

‫‪P 474‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لقد خص القانون اإلطار بابه السادس‪ 597‬ملجال املوارد البشرية‪ ،‬حيث دعا‬

‫في مادته ‪ 16‬جميع املتدخلين املعنيين بتنفيذ املشاريع والبرامج الرامية إلى إصالح‬

‫منظومة التربية والتكوين اإلسهام في تحقيق األهداف األساسية لهذه األخيرة‪،‬‬

‫والعمل على تفعيلها خالل مداها الزمني‪ ،‬وذلك في إطار االلتزام املشترك لكل‬

‫املتدخلين على أساس مبدأ التالزم بين الحقوق والواجبات‪ ،‬التي يحددها ميثاق‬

‫تعاقدي ألخالقيات مهن التربية والتعليم والتكوين والبحث‪ ،‬يوضع لهذا الغرض‬

‫من قبل السلطة الحكومية املختصة‪.‬‬

‫أما املادة ‪ 19‬فهي تؤكد على ضرورة تحديد مهام وكفايات األطر التربوية‬

‫واإلدارية والتقنية املنتمية ملختلف الفئات املهنية العاملة في مجاالت التربية‬

‫والتعليم والتكوين والبحث العلمي في دالئل مرجعية للوظائف والكفاءات‪ ،‬تعتمد‬

‫على إسناد املسؤوليات التربوية والعلمية واإلدارية‪ ،‬وتقييم األداء‪ ،‬والترقي املنهي‪.‬‬

‫ويتم إعداد تلك الدالئل بمراعاة مبادئ املرونة والقابلية للتكيف وخصوصية كل‬

‫مهنة‪ ،‬ووفق منهجية تشاورية مع ممثلي الهيئات واملنظمات املهنية املعنية‪ ،‬وتعرض‬

‫على املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلبداء الرأي قبل املصادقة‬

‫عليها بمرسوم‪ .‬كما يتعين على السلطات الحكومية املعنية مالءمة األنظمة‬

‫األساسية الخاصة بمختلف الفئات املهنية مع املبادئ والقواعد واملعايير‬

‫املنصوص عليها في الدالئل املرجعية املذكورة سابقا‪.‬‬

‫‪ -597‬لقد جاء القانون اإلطار ‪ 20.03‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في عشرة أبواب‪ ،‬موزعة على ‪ 21‬مادة‪.‬‬

‫‪P 475‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وعالوة على الشروط النظامية املطلوبة لولوج مهن التدريس والتكوين‬

‫والتأطير والتدبير والتفتيش بالقطاع العام‪ ،‬وفضال عن االستجابة للمعايير‬

‫واملؤهالت املحددة في الدالئل املرجعية املشار إليها سابقا‪ ،‬تعتبر املادة ‪ 12‬أن‬

‫التكوين األساس شرطا الزما لولوج مهن التربية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬كما‬

‫تدعو املادة ‪ 12‬السلطات الحكومية ومؤسسات التكوين املعنية بأن تعمل على‬

‫مراجعة برامج ومناهج التكوين األساس ي لفائدة األطر العاملة بمختلف مكونات‬

‫منظومة التربية والتكوين‪ ،‬بقصد تأهيلهم وتنمية قدراتهم‪ ،‬والرفع من أدائهم‬

‫وكفاءتهم املهنية‪ ،‬وذلك من خالل مالءمة أنظمة التكوين مع املستجدات التربوية‬

‫والبيداغوجية والعلمية والتكنولوجية‪ ،‬أيضا تلك السلطات واملؤسسات هي‬

‫مدعوة ألن تضع بشراكة مع الهيئات العامة والخاصة‪ ،‬كل في مجال اختصاصه‪،‬‬

‫برامج سنوية للتكوين املستمر واملتخصص لفائدة األطر املذكورة‪ ،‬من أجل تطوير‬

‫مهاراتهم وتحسين مردوديتهم‪ ،‬حيث يصبح التكوين املستمر إلزاميا وضمن عناصر‬

‫تقييم األداء والترقي املنهي املشار إليها في الدالئل املرجعية املحددة مسبقا‪.‬‬

‫وبذلك يكون القانون اإلطار قد نظر إلى مجال تدبير املوارد البشرية من‬

‫زاوية إلزام وإجبار السلطات واملؤسسات املعنية‪ 598‬باتخاذ العديد من التدابير التي‬

‫تسعى االرتقاء بها‪ ،‬ومن ذلك بالخصوص‪:‬‬

‫‪ ‬جعل التكوين األساس شرطا الزما لولوج مهن التربية والتكوين والبحث العلمي؛‬

‫‪ -598‬أهم تلك المؤسسات السلطات الحكومية ومؤسسات التكوين‪.‬‬

‫‪P 476‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬جعل التكوين املستمر إلزاميا وضمن عناصر تقييم األداء والترقي املنهي؛‬

‫‪ ‬وضع نظام خاص لتحفيز وتشجيع األطر التربوية واإلدارية على ممارسة مھامھا‬

‫باألوساط القروية واملناطق ذات الخصاص‪.599‬‬

‫ثانيا‪ :‬آفاق إصالح مجال املوارد البشرية التعليمية في ظل طموح النموذج‬

‫التنموي الجديد في املغرب‬

‫يقتض ي بناء تصور إجرائي لسياسة إصالح مجال املوارد البشرية التعليمية‬

‫على ضوء طموح النموذج التنموي الجديد في املغرب‪ ،‬ضرورة توضيح سياسة‬

‫التوظيف الحالية للموارد البشرية التعليمية في ظل سياقاتها وتفاعالتها‪ ،‬ثم إبراز‬

‫تصور النموذج التنموي الجديد ملجال املوارد البشرية التعليمية وما يتطلبه من‬

‫تدبير استراتيجي يضمن االرتقاء بتلك املوارد‪.‬‬

‫‪ -3‬سياسة التوظيف الحالية للموارد البشرية التعليمية‬

‫ابتداء من سنة ‪ 8136‬لجأت الوزارة الوصية على قطاع التعليم إلى سياسة‬

‫التوظيف بموجب عقود في قطاع التربية الوطنية‪ ،‬بتزامن مع سياق تنزيل الرؤية‬

‫االستراتيجية لإلصالح (‪ ،600)8111-8135‬وما ارتبط بها من ضغوط اقتصادية‬

‫‪599‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ 51‬من القانون اإلطار رقم ‪ 20.03‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 0.01.007‬بتاريخ ‪ 3‬ذي الحجة ‪ 1( 0111‬أغسطس ‪ .)5101‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6112‬بتاريخ ‪ 03‬ذو الحجة ‪ 01( 0111‬أغسطس‬
‫‪.)5101‬‬
‫‪600 -‬دعت الرؤية االستراتيجية إلى اعتماد تدبير جهوي للكفاءات البشرية في انسجام مع النهج الالمتمركز لمنظومة التربية والتكوين‬
‫وتوجهات الجهوية المتقدمة‪ ،‬مع تنويع أشكال توظيف مدرسي التعليم المدرسي طبقا للمادة ‪ 072‬من الميثاق الوطني للتربية والتكوين‪.‬‬

‫‪P 477‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وسياسية واجتماعية‪ ،‬حيث كان لها تأثير واضح على تحوالت الصيغ القانونية التي‬

‫تنظم العالقة بين املوارد البشرية التعليمية واإلدارة املوظفة املتمثلة في‬

‫األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ .‬فكان أول أساس قانوني منظم لعملية‬

‫التوظيف بموجب عقود‪ ،601‬املقرر املشترك رقم ‪ 9852‬بين وزارة التربية الوطنية‬

‫والتكوين املنهي ووزارة االقتصاد واملالية بتاريخ ‪ 19‬أكتوبر ‪ ،8136‬الذي ينظم‬

‫وضعية األساتذة املتعاقدين‪ ،‬وأيضا املقرر املشترك رقم ‪ 9295‬بين وزارة التربية‬

‫الوطنية والتكوين املنهي ووزارة االقتصاد واملالية بتاريخ ‪ 13‬نونبر‪ ،8136‬الذي ينظم‬

‫التوظيف بالتعاقد باألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪.‬‬

‫فباالستناد إلى هذين املقررين أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي‬

‫مذكرات تنظيمية ملباراة التوظيف بالتعاقد لدى األكاديميات الجهوية للتربية‬

‫والتكوين‪ ،602‬متخذة من املقرر املشترك السابق مرجعا لها‪ ،‬وهكذا صار العقد‬

‫املبرم بين األستاذ واألكاديمية اإلطار التعاقدي املحدد للعالقة بين الطرفين‪.‬‬

‫‪ -601‬تعود جذور التوظيف بالتعاقد إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نص في مادته ‪ 072‬عل أنه "‪ ...‬يتم تنويع أوضاع المدرسين‬
‫الجدد من اآلن فصاعدا بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد‪ ،‬على صعيد المؤسسات واألقاليم والجهات‪،‬‬
‫وفق القوانين الجاري بها العمل"‪ ،‬ومن ذلك ما ينص عليه الفصل السادس مكرر من النظام األساسي للوظيفة العمومية على أنه "يمكن‬
‫لإلدارات العمومية‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬أن تشغل أعوانا بموجب عقود‪ ،‬وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم"‪ .‬كما أن المادة ‪00‬‬
‫من القانون المحدث لألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين نصت على أنه من مكونات هيئة المستخدمين الخاصة باألكاديمية هناك أعوان‬
‫يتم توظيفهم من لدنها طبقا لنظام أساسي خاص يحدد بمرسوم‪.‬‬
‫‪ -602‬بخصوص األفواج الثالثة األولى للتوظيف بموجب عقود من طرف األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬صدرت على التوالي‬
‫المذكرات الو ازرية اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬المذكرة الو ازرية الرقم ‪ 166-06‬بتاريخ ‪ 0‬نونبر ‪5106‬؛‬
‫‪ -‬المذكرة الو ازرية رقم ‪ 135-03‬بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪5103‬؛‬
‫‪ -‬المذكرة الو ازرية رقم ‪ 013-03‬بتاريخ ‪ 51‬دجنبر ‪.5103‬‬

‫‪P 470‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إال أن ضغط الفئات املوظفة بصيغة العقد والتي كانت رافضة له بشدة‪،‬‬

‫ومن خالل إضراباتها املتكررة واعتصاماتها مركزيا وجهويا ومحليا‪ ،‬جعل من مدبري‬

‫ملف سياسة التعاقد بقطاع التربية الوطنية اتخاذ منحى آخر غير صيغة العقد‪،603‬‬

‫فأصبحنا أمام ما يسمى بالتوظيف الجهوي في إطار صيغة نظام قانوني خاص‬

‫بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬مماثل للنظام األساس ي الخاص‬

‫بموظفي وزارة التربية الوطنية على حد تعبير مسؤولي الوزارة الوصية على قطاع‬

‫التعليم باملغرب‪.604‬‬

‫فهذا النظام األساس ي الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‬

‫في صيغته الثانية‪ ،605‬نجده يتناول مسألة املوارد البشرية من خالل تحديد‬

‫الشروط املتعلقة بالتوظيف واملسار املنهي والحقوق والواجبات واألجور‬

‫والتعويضات والوضعيات اإلدارية‪ ،‬كما يحدد شروط الحماية االجتماعية والنظام‬

‫التأديبي وتمثيلية تلك األطر في اللجان املتساوية األعضاء‪ ،606‬وهي شروط ال تختلف‬

‫‪ -603‬بالنسبة للفوج الرابع صدرت المذكرة الو ازرية رقم ‪ 0537-01‬بتاريخ ‪ 01‬دجنبر ‪ 5101‬في شأن تحديد شروط واجراءات وضوابط‬
‫تنظيم مباريات توظيف االساتذة أطر االكاديميات‪ ،‬والتي من خالل تم موافاة السيدة والسادة مديرة ومديري االكاديميات الجهوية للتربية‬
‫والتكوين بالمقرر رقم ‪ ،01.117‬بتاريخ ‪ 01‬دجنبر ‪ 5101‬يتعلق بتحديد شروط واجراءات وضوابط تنظيم مباريات توظيف األساتذة أطر‬
‫األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وبعض المقتضيات المتعلقة بفترة التكوين التأهيلي‪ -‬دورة دجنبر ‪.5101‬‬
‫‪ -604‬كما صرح بذلك السيد وزير التربية الوطنية في مناسبات عدة‪ ،‬وأيضا مديرو األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديرون‬
‫اإلقليميون‪ ،‬ومسؤولو مصالح الموارد البشرية باإلدارة المركزية وكذلك األكاديميات االكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪.‬‬
‫‪ -605‬الصيغة األولى من النظام األساسي الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين صادق عليها المجلس اإلداري لألكاديمية‬
‫الجهوية للتربية والتكوين بتاريخ ‪ 10‬يونيو‪ ،5101‬وتم التأشير عليه من طرف وزير االقتصاد والمالية بتاريخ ‪ 01‬يوليوز ‪ ،5101‬وناسخة‬
‫بذلك المقتضيات القانونية السابقة المتمثلة في المقرر المشترك رقم ‪ 3132‬بين و ازرة التربية الوطنية والتكوين المهني وو ازرة االقتصاد والمالية‬
‫بتاريخ ‪ 10‬نونبر‪.5106‬‬
‫‪ -606‬المادة األولى من النظام األساسي الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬نموذج جهة الدار البيضاء سطات‪ ،‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 02‬مارس ‪.5101‬‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عن تلك املحددة في النظام األساس ي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية كما‬

‫وقع تتميه وتغييره‪ .‬وبذلك حصر النظام األساس ي الخاص بأطر األكاديميات‬

‫الجهوية للتربية والتكوين املوارد البشرية العاملة باألكاديمية في ثالثة أصناف‬

‫تتألف من‪:607‬‬

‫‪ .3‬أطر نظامية‪ :‬تتكون من سبع فئات وهي‪:‬‬

‫أطر التدريس‬

‫أطر الدعم اإلداري‬


‫أطر إدارية‬
‫والتربوي‬
‫وتقنية‬
‫واالجتماعي‬

‫أطر التسيير‬
‫أطر متصرفين‬
‫المادي‬
‫التربويين‬
‫والمالي‬

‫أطر التوجيه‬ ‫أطر التأطير‬


‫تخطيط‬ ‫والمراقبة‬
‫التربوي‬ ‫التربوية‬

‫‪ .8‬خبراء‪ :‬توظفهم األكاديمية بموجب عقود ملدة أقصاها سنتان قابلة‬

‫للتجديد مرة واحدة‪.608‬‬

‫‪ .1‬موظفو اإلدارات العمومية امللحقين لدى األكاديمية طبقا للنصوص‬

‫التشريعية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫‪ -607‬المادة الثانية من النظام األساسي الخاص بأطر األك اديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬نموذج جهة الدار البيضاء سطات‪ ،‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 02‬مارس ‪.5101‬‬
‫‪ -608‬تحدد المادة الخامسة من النظام األساسي الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الشروط المطلوبة لذلك التوظيف‪.‬‬

‫‪P 408‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن لجوء الدولة إلى سن نظام أساس ي خاص بأطر االكاديميات الجهوية‬

‫للتربية والتكوين‪ ،‬كاستجابة لضغط تنسيقيات تلك األطر التي تم تشغيلها بداية‬

‫عن طريق التعاقد‪ ،‬يطرح العديد من التحديات املستقبلية‪ ،‬فكيف يتم التصريح‬

‫بمبدأ املماثلة بين النظامين‪ 609‬في وقت الزال فيه النظام األساس ي الخاص بموظفي‬

‫وزارة التربية الوطنية موضوع نقاش وجدال بين السلطة الوصية ومختلف‬

‫الفاعلين االجتماعيين‪ ،‬على اعتبار السلبيات التي يطرحها تنزيله بعدم مواكبته‬

‫لإلصالحات واملستجدات التي تعرفها املنظومة التربوية في املغرب‪ .‬ثم هناك إشكال‬

‫الطبيعة القانونية لتلك األنظمة؛ حيث صدرت عن املجالس اإلدارية لألكاديميات‬

‫الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬في حين كان يستوجب أن تصدر في شكل مراسيم‬

‫تنظيمية للسلطة التنفيذية‪ ،‬مع إجراء تعديالت و تتميمات على القانون ‪11.19‬‬

‫القاض ي بإحداث األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪.610‬‬

‫‪ -8‬تصور النموذج التنموي الجديد ملجال املوارد البشرية التعليمية‬

‫يركز النموذج التنموي الجديد في املحور الثاني من املحاور االستراتيجية‬

‫للتحول‪ ،‬وخصوصا في االختيار األول‪ ،‬على التعليم ذي الجودة للجميع واضعا أربع‬

‫رافعات يراها كفيلة لالرتقاء بجودة النظام التربوي والتكويني بشكل جوهري‪ .‬ويبقى‬

‫أول تلك الرافعات ذات االرتباط بمجال املوارد البشرية التعليمية‪ ،‬االستثمار في‬

‫‪ -609‬األنظمة الخاصة بأطر األكاديميات والنظام األساسي الخاص بموظفي و ازرة التربية الوطنية‪.‬‬
‫‪ -610‬ظهير شريف رقم ‪ 0.11.517‬صادر في ‪ 02‬من صفر ‪ 01( 0150‬ماي ‪ )5111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 13.11‬القاضي بإحداث‬
‫األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 1311‬بتاريخ ‪ 50‬صفر ‪ 52( 0150‬ماي ‪ )5111‬ص ‪.0010‬‬

‫‪P 401‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تكوين وتحفيز املدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح التعلمات‪ .‬حيث يعتبر‬

‫النموذج التنموي الجديد أن جودة أي نظام تعليمي يحددها مستوى املدرسين‬

‫العاملين به‪ ،‬وأن إنجاح النهضة التربوية املنشودة رهين بإيالء األهمية الكبرى‬

‫لتثمين هيئة التدريس واالرتقاء بمستوى كفاءاتها وتأطيرها وفق معايير مهنية‬

‫صارمة‪.611‬‬

‫وفي هذا اإلطار توص ي اللجنة بضرورة إحداث تغيير عميق في مهن‬

‫التدريس‪ ،‬وكمقترحين ملموسين توص ي اللجنة بالتحسين الجوهري لجودة تكوين‬

‫املدرسين بإحداث مركز التميز ملهن التدريس‪ ،‬وتصور مسار منهي جديد للمدرس‬

‫يهدف إلى جاذبية املهنة لدى الطلبة املتفوقين‪ ،‬مع حث املدرسين املمارسين على‬

‫تحسين أدائهم عن طريق توفير املزيد من إمكانيات الترقي والتطور في األجرة‬

‫املشروطة حصريا بالنتائج‪.612‬‬

‫‪ -1‬نحو تدبير استراتيجي لالرتقاء بمجال املوارد البشرية التعليمية في املغرب‬

‫إن تحقيق التدبير األمثل ملجال املوارد البشرية التعليمية وفق الطموحات‬

‫السابقة الذكر وكذلك تماشيا مع انتظارات الفئة املعنية بالتغيير‪ ،‬يقتض ي اتخاذ‬

‫قرارات تعليمية تستحضر إشراك ومشاركة كل الفعاليات املعنية بقضية املوارد‬

‫‪ -611‬المملكة المغربية‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد – تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم‬
‫وتحقيق الرفاه للجميع‪ -‬التقرير العام‪ ،‬أبريل ‪ ،5150‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -612‬المملكة المغربية‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد – تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم‬
‫وتحقيق الرفاه للجميع‪ -‬التقرير العام‪ ،‬أبريل ‪ ،5150‬ص ‪.16‬‬

‫‪P 402‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫البشرية‪ .‬فوضع خطة استراتيجية لالرتقاء بمنظومة املوارد البشرية التعليمية وفق‬

‫متطلبات التوجهات االستراتيجية إلصالح التعليم في املغرب‪ ،‬رهين بتبني منطق‬

‫جديد يقوم على مفاهيم حديثة في التدبير‪ 613‬التي تحقق التكامل وااللتقائية بين‬

‫االختيارات االستراتيجية وسياسة الالمركزية املتبناة في ظل خيار الجهوية‪.‬‬

‫وتبقى اآللية القانونية املرجعية األساسية في التزام األطراف املشاركة في‬

‫تحسين تدبير منظومة املوارد البشرية التعليمية‪ ،‬خصوصا القطاعات التي تعنى‬

‫مباشرة بذلك‪ ،‬ونخص بالذكر الوزارة الوصية على القطاع كجهاز تنفيذي‬

‫للسياسة الحكومية املتبعة في مجال املوارد البشرية‪ ،‬وزارة االقتصاد واملالية‬

‫وإصالح اإلدارة كقطاع محوري في سياسة تدبير املوارد البشرية التعليمية‪ .‬فيتجلى‬

‫دور القطاع األول من خالل املكانة املمنوحة لوزارة التربية الوطنية كسلطة‬

‫تنفيذية للسياسات العامة للدولة في مجال التعليم عموما ومجال املوارد البشرية‬

‫على الخصوص‪ ،‬إذ ذلك يجعلها تمارس صالحياتها من خالل التدخل في جميع‬

‫مراحل السياسات العمومية التعليمية ومداخلها‪ .‬أما القطاع الثاني فيتضح‬

‫تدخله انطالقا من االختصاصات املوكولة لوزارة االقتصاد واملالية وإصالح‬

‫اإلدارة‪ ،‬سواء في جوانب االقتصاد واملالية أو من جوانب إصالح اإلدارة العمومية‪،‬‬

‫فنجدها تتدخل في هندسة السياسة التعليمية املتبعة في مجال املوارد البشرية‬

‫العاملة بقطاع التربية الوطنية‪ ،‬ويبرز ذلك من خالل مهامها األساسية في ضبط‬

‫‪ -613‬التدبير بالنتائج وباألهداف‪.‬‬

‫‪P 403‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املالية العامة للدولة‪ ،‬بحيث يؤدي تدبير ميزانيتها وضبط نفقاتها إلى التحكم في‬

‫منظومة املوارد البشرية املخصصة لقطاع التربية الوطنية‪ ،‬كما يتجلى تدخلها من‬

‫خالل اإلصالح اإلداري ملنظومة املوارد البشرية والعمل على تحديثها وتطويرها‪.‬‬

‫عموما يمكن استجالء متطلبات التدبير االستراتيجي الجديد ملجال املوارد‬

‫البشرية التعليمية من خالل العمل على مايلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬على مستوى التوظيف‪ :‬بناء على مقترح النموذج التنموي الجديد‬

‫القائم على خلق مسار منهي جديد للمدرس يهدف إلى جاذبية املهنة لدى‬

‫الطلبة املتفوقين‪ ،‬يمكن فتح مباريات التوظيف في وجه الطلبة حاملي‬

‫اإلجازة خريجي املدارس واملعاهد والكليات املتبنية للتخصصات التربوية‬

‫والبيداغوجية والديداكتيكية في املهن التعليمية‪ ،‬وأيضا في وجه الطلبة‬

‫حاملي شهادة املاستر ذي التخصص في املجال التربوي‪ ،‬وفي مرحلة‬

‫استثنائية‪ ،‬لدواعي الخصاص‪ ،‬يفتح في وجه الطلبة املتميزين حاملي‬

‫اإلجازة التعليمية املتخصصة وبشروط تكوينية في املراكز املتخصصة‪،‬‬

‫كما سنوضح ذلك أسفله‪.‬‬

‫ب‪ -‬على مستوى التكوين‪ :‬ضرورة خضوع الطلبة املتميزين الذين تم‬

‫انتقاؤهم لتكوين أساس في املهن التعليمية املختارة على صعيد املراكز‬

‫الجهوية ملهن التربية والتكوين‪ ،‬يحدد في سنتين بالنسبة للفئة األولى‬

‫والثالثة‪ ،‬وفي سنة واحدة بخصوص الفئة الثانية‪ ،‬حتى تتمكن األطر‬

‫‪P 404‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫التعليمية املنتقاة من امتالك الكفايات املهنية الالزمة ملزاولة املهن‬

‫التعليمية‪ ،‬وأيضا التمكن من القدرات واملهارات الضرورية لتنزيل‬

‫اإلصالحات املنشودة‪ .‬وبخصوص األطر املزاولة يلزم التفعيل السليم‬

‫لسياسة التكوين املستمر‪ ،‬الذي يعتبر الضامن الوحيد لتأهيل تلك‬

‫االطر واالرتقاء بها حتى تواكب املستجدات التربوية والبيداغوجية‬

‫املتسارعة‪.‬‬

‫ت‪ -‬على مستوى التحفيز‪ :‬يبقى مدخل التحفيز عنصرا مهما لضمان حسن‬

‫أداء األطر التعليمية والوصول بها إلى بدل أقص ى دراجات جهدها في‬

‫ممارساتها التدبيرية والصفية‪ ،‬وتحقيق ذلك يبقى رهين بولوج األطر‬

‫الجديدة بدرجات مهنية تعادل شواهد الولوج (شهادة املاستر تخول‬

‫الدرجة األولى كما هو معمول به في سلم الوظيفة العمومية)‪ .‬أما‬

‫املدرسين املمارسين فينغي حثهم على تحسين أدائهم عن طريق توفير‬

‫املزيد من إمكانيات الترقي والتطور في األجرة املشروطة حصريا بالنتائج‪.‬‬

‫ومن التدابير الضرورية التي أصبحت تفرض نفسها اليوم للرفع من حافزية‬

‫األطر التعليمية‪ ،‬هي وجوب إعادة النظر في نظام التعويضات‪ ،‬فمدرس األلفية‬

‫الثالثة في حاجة إلى نظام للتعويضات ثنائي‪ ،‬باإلضافة إلى الجزء الثابت الذي‬

‫يتساوى فيه جميع األطر التعليمية بحسب درجاتها ومهامها‪ ،‬البد من نظام متغير‬

‫ضمانا للعدالة واإلنصاف‪ ،‬فهناك اختالف في شروط مزاولة املهنة تميز فئة على‬

‫‪P 405‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أخرى على مستوى الجهد في العمل‪ ،‬فهاك العالم القروي مقابل العالم الحضري‪،‬‬

‫هناك تفاوت في عدد التالميذ بين أستاذ وآخر أو بين رئيس مؤسسة وآخر‪ ،‬هناك‬

‫من يدرس املستويات اإلشهادية التي تحتاج إلى جهد أكبر‪...‬هذه الفروقات تحتاج‬

‫إلى إقرار نظام متغير للتعويضات يديره صندوق جهوي خاص تنخرط في تمويله‬

‫السلطات التربوية جهويا وإقليميا‪ ،‬والجماعات الترابية في مستوياتها الثالث‪،‬‬

‫ومؤسسة محمد السادس للنهوض باألعمال االجتماعية للتربية والتكوين‪ ،‬واملجتمع‬

‫املدني املحلي ( جمعية آباء وأولياء التالميذ‪ ،‬جمعيات دعم التمدرس‪.)...‬‬

‫‪P 406‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يبقى تفعيل الخطاب اإلصالحي االستراتيجي لالرتقاء باملورد البشري‬

‫التعليمي مقترنا بهندسة سياسة تعليمية واضحة معالم مدخالتها ونتائج مخرجاتها‬

‫بخصوص اإلطار التعليمي‪ .‬إذ تجمع مختلف املؤسسات الرسمية املتدخلة في‬

‫سياسات إصالح التعليم باملغرب والهيآت املؤثرة في ذلك على أهمية املورد البشري‬

‫في تحقيق اإلصالح املنشود وتنزيل متطلباته‪ ،‬فهو يعد املدخل الحقيقي واملباشر‬

‫لتنزيل انتظارات املجتمع من التربية والتكوين في امليدان‪ .‬لذلك أصبحنا اليوم أمام‬

‫مطالب ملحة لالرتقاء بهذا اإلمكان البشري بدء من إحداث تغيير حقيقي في‬

‫سياسات االنتقاء والتوظيف مرورا سياسة التكوين األساس واملستمر ووصوال إلى‬

‫سياسة التحفيز التي إن فشلنا في تنزيلها مؤقتا في شقها املادي‪ ،‬فليس هناك من‬

‫مبررات إلعادة االعتبار لنساء ورجال التعليم معنويا عبر تحقيق أعلى درجات‬

‫التقدير واالحترام‪.‬‬

‫‪P 407‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫اململكة املغربية‪ ،‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية‬

‫االستراتيجية لإلصالح ‪.8111-8135‬‬

‫الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪ ،8111-8135‬املجلس األعلى للتربية والتكوين‬

‫والبحث العلمي‪.‬‬

‫حافظة التدابير ذات األولوية املتضمنة في املذكرة اإلطار رقم ‪ 122-35‬بتاريخ‬

‫‪ 38‬أكتوبر ‪ ،8135‬في شأن التنزيل األولي للرؤية االستراتيجية من خالل تفعيل‬

‫التدابير ذات األولوية‪.‬‬

‫القانون اإلطار رقم ‪ 53.39‬املتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪،‬‬

‫الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.32.331‬بتاريخ ‪ 9‬ذي الحجة ‪2( 3441‬‬

‫أغسطس ‪ .)8132‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6215‬بتاريخ ‪ 39‬ذو الحجة ‪32( 3441‬‬

‫أغسطس ‪.)8132‬‬

‫‪P 400‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ سعيد ليزي‬


‫باحث في سلك الدكتوراه‪ ،‬جامعة الحسن األول سطات‬

‫بعض مظاهر الحماية الجنائية للمعطيات ذات‬


‫الطابع الشخصي‬
‫‪Some aspects of criminal protection for data of a personal nature‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر االنسان كائنا اجتماعيا بالفطرة حيث يميل الى العيش والتفاعل داخل‬

‫الجماعة سواء كانت اسرية او مهنية او ذات طبيعة اجتماعية أخرى‪ .‬اال ان ذلك‬

‫ال يعني بالضرورة انغماسه الكلي في الحياة االجتماعية حيث انه يخصص حيزا من‬

‫حياته بعيدا عن اطالع االخرين ويحرص على جعله مقتصرا عليه فقط او على‬

‫دائرة محددة من مقربيه وغير متاح ملن سواهم‪.‬‬

‫وبناء عليه فان حق الفرد في حياة خاصة يدخل في صميم حقوقه واحد‬

‫متطلبات الحريات الشخصية التي تبنى بها حياة اجتماعية سليمة ومتوازنة‪ .‬لذلك‬

‫حرصت مختلف الشرائع القديمة على تأصيله كمدونة حمورابي والقانونين‬

‫‪P 401‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اليوناني والروماني‪ .‬كما اولته الشرائع السماوية نصيبا مهما من اهتمامها وفي‬

‫مقدمتها الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫من هذا املنطلق كان من البديهي ان يشغل هذا املوضوع على الدوام مساحة‬

‫مهمة من التفكير والنقاش والجدل على مدار التاريخ وفي مختلف مجاالت‬

‫وتخصصات العلوم اإلنسانية والقانونية سعيا نحو ضبط ماهية الحق في الحياة‬

‫الخاصة وتأطيره وحمايته من كافة االنتهاكات املحتملة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار حرصت دساتير الدول ومختلف التشريعات الوطنية‬

‫واملواثيق الدولية الخاصة بحقوق االنسان على حماية املعلومات الشخصية‬

‫املتعلقة باألفراد من اجل ترسيخ الحق في حرمة الحياة الخاصة‪ .‬كما ابرمت‬

‫مجموعة من االتفاقيات الدولية كان أبرزها اتفاقية بودابست لسنة ‪8113‬‬

‫وبروتوكولها اإلضافي املوقع بستراسبورغ سنة ‪ 8111‬والتي ترمي الى مراعاة الدقة‬

‫في جمع البيانات وضمان صحتها وسالمتها واتخاذ كافة التدابير األمنية ملعالجتها‬

‫ونقلها‪ .‬كما أولى الفقه والقضاء اهتماما كبيرا للموضوع من خالل كتابات فقهاء‬

‫القانون واملتخصصين واجتهادات املحاكم التي عملت وتعمل جميعها على فهم‬

‫أعمق وتفسير ادق وتحصين اقوى للحق في الحياة الخاصة تماشيا مع ما يواجهه‬

‫من تحديات مستمرة خصوصا مع الثورة التكنولوجية التي تجتاح العالم منذ‬

‫عقود وما يصاحبها من تعاظم حجم املخاطر التي تحدق بحياة االنسان الخاصة‬

‫على كافة املستويات‪.‬‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬يمكن القول ان "التكنولوجيا الحديثة بمختلف مكوناتها‬

‫أصبحت متهمة بانتهاك الحياة الشخصية التي تعد من الحقوق الدستورية املالزمة‬

‫حيث ان "الكم الهائل من املعطيات ذات‬ ‫عام‪614‬‬ ‫للشخص الطبيعي كأصل‬

‫الطبيعة املختلفة التي تتدفق يوميا عبر قنوات الوسيط الرقمي تطرح إشكالية‬

‫تامين ارسال ووصول هذه املعلومات وعدم وقوعها بين ايدي أطراف أخرى(‪)...‬‬
‫الغير‪615".‬‬ ‫ممن قد يستعملها لتحقيق اهداف خاصة او املساس بحقوق وحريات‬

‫وهو االمر الذي يجعل هذا التقدم نقمة على البشرية‪.‬‬

‫وباعتبار الدولة املسؤول األول عن حماية االفراد من االنتهاكات التي تمس‬

‫معطياتهم الشخصية وحقهم في الحياة الخاصة‪ ،‬يبرز دور القانون واهميته في‬

‫مواكبة كافة املستجدات لتعزيز الترسانة التشريعية واملؤسساتية الكفيلة بحماية‬

‫الحقوق‪ .‬وفي هذا السياق سنت مختلف دول العالم تشريعات محلية وانشات‬

‫هيأت مختصة لحماية املعطيات الشخصية والحق في الحياة الخاصة‪ ،‬كما تم‬

‫بالتوازي مع ذلك صياغة قوانين وابرام اتفاقيات دولية في املجال كان الهدف منها‬

‫وضع قواعد موحدة تروم الوصول الى نظام للحماية موحد ومالئم بين مختلف‬

‫الدول‪ ،‬وهو ما املته الضرورة بالنظر لكون االنتهاكات والجرائم املرتبطة باملعطيات‬

‫والبيانات أصبحت عابرة للحدود بسبب جاذبية الشبكة العاملية للمعلومات‬

‫(االنترنيت) التي تشكل فضاء يسهل فيه انتهاك الحرية الفردية‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫عبد المجيد كوزي "الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ 8088 ،‬ص‪2‬‬
‫‪615‬‬
‫عبد المجيد كوزي‪" ،‬الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ ،8088 ،‬ص ‪6‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبحكم اندماجه وتفاعله مع محيطه اإلقليمي والدولي‪ ،‬فقد انخرط املغرب‬

‫في هذه الدينامية القانونية‪ ،‬حيث عمل على تعزيز ترسانته الوطنية بإقرار قانون‬
‫ي‪616‬‬ ‫لحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص‬

‫واملعروف بالقانون ‪ ،12.12‬الذي تم تأطيره بمرسوم تطبيقي‪ 617‬إضافة الى مجموعة‬

‫من النصوص واملقتضيات املتضمنة في قوانين أخرى نذكر منها القانون ‪19.11‬‬

‫الذي تم دمجه في مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬القانون ‪ 22.31‬املتعلق بالصحافة‬

‫والنشر‪ ،‬والقانون ‪ 51.15‬املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية‬

‫والقانون ‪ 311.31‬املتعلق بالعنف ضد النساء‪ ...‬دون اغفال تنصيص الدستور‬

‫املغربي على الحق في حرمة الحياة الخاصة ‪.‬كما عمل املشرع املغربي من جهة اخرى‬

‫على تقوية الجانب املؤسساتي لعل ابرز تجلياته إحداث لجنة وطنية ملراقبة حماية‬

‫املعطيات ذات الطابع الشخص ي انيطت بها مهمة الحرص على تطبيق القانون‬

‫‪ 12.12‬ومتابعة التنزيل السليم ملقتضياته‪.‬‬

‫ومن اجل دراسة معمقة للموضوع سنحاول مالمسة اإلطار املفاهيمي‬

‫للمعطيات ذات الطابع الشخص ي والحق في الحياة الخاصة ثم نستعرض معظم‬

‫‪616‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 85-08-8‬صادر في ‪ 88‬من صفر ‪ 82( 8900‬فبراير‪ )8008‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 08.02‬المتعلق بحماية األشخاص‬
‫الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ,‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5788‬بتاريخ ‪ 87‬من صفر ‪ 8900‬موافق (‪ 80‬فبراير‬
‫‪)8008‬‬
‫‪617‬‬
‫مرسوم رقم ‪ 865-08-8‬صادر في‪ 85‬من جمادى األولى ‪ 88/8900‬ماي ‪ 8008‬لتطبيق القانون رقم ‪ 08.02‬المتعلق بحماية‬
‫األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ‪,‬ج ر عدد ‪ 5799‬بتاريخ ‪ 89‬من جمادى االخرة ‪ 8900‬الموافق (‪82‬‬
‫يونيو ‪)8008‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املخاطر واالنتهاكات املاسة بهما قبل ان نسلط الضوء على بعض أوجه الحماية‬

‫الجنائية املخصصة لهما ان على املستوى الوطني او على مستوى التشريع املقارن‪.‬‬

‫‪ ‬التأطير املفاهيمي والقانوني للحق في الحياة الخاصة واملعطيات ذات‬

‫الطابع الشخص ي‪:‬‬

‫‪- 3‬مفهوم الحياة الخاصة‪:‬‬

‫رغم رواج مصطلح الحياة الخاصة بكثرة في مختلف الكتابات اال انه من‬

‫الصعب إيجاد اجماع على مدلوله ونطاقه نظرا لعوامل متعددة تتأرجح بين ما هو‬

‫اجتماعي وثقافي وسياس ي وقانوني‪.‬‬

‫ففي القانون الالتيني‪ ،‬يطلق على الحياة الخاصة ‪: la vie privée‬وتعبر عن‬

‫ذات الحق في ان تكون لإلنسان حياة خاصة مستقلة‪ ،618‬بينما يصطلح عليها في‬

‫النظام االنجلو ساكسوني‪ ، privacy‬أي الخصوصية والحق في االنسحاب من‬

‫الحياة العامة والوحدة والتفرد‪ .‬كما عرفها العميد كاربوني" ‪Carbonnier‬بالدائرة‬

‫السرية التي يترك فيها الفرد وشانه دونما تدخل من أحد سلطة وافرادا"‪.619‬‬

‫وباالستناد الى املحاوالت الفقهية لتحديد مفهوم الحياة الخاصة يبرز‬

‫اتجاهان اساسيان‪ ،‬يرتكز األول على تعريف إيجابي بينما يميل الثاني الى تعريف‬

‫سلبي ‪.‬‬

‫‪ 618‬بولين انطونيوس ‪":‬الحماية القانونية للحياة الشخصية في مجال المعلوماتية دراسة مقارنة " منشورات الحلبي بيروت‪ 8008‬ص‪7‬‬
‫‪Jean carbonnier (J) « le droit à etre laissé tranquille » droit civil Tom1 page 239 619‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬التعريف اإليجابي للحياة الخاصة‪ :‬اتجه أصحابه نحو معيار موسع يقترن‬

‫فيه مفهوم الحق في الحياة الخاصة بمفهوم الحرية باعتبارها أرقي القيم اإلنسانية‪.‬‬

‫ومن بين رواده الفقيه ويستن ‪ Westin‬الذي قال " ان الحق الذي يكون لألفراد‬

‫والجماعات والهيئات واملؤسسات في ان يحددوا ألنفسهم متى وكيف وباي قدر‬

‫يمكن إيصال املعلومات الخاصة بهم الى الغير"‪ .620‬كما تبنى األستاذ جون شتوك‬

‫‪John Shattuck‬تعريفا موسعا كذلك بقوله "الحياة الخاصة تعني ان يعيش املرء‬

‫كما يحلو له‪ ،‬مستمتعا بممارسة انشطته الخاصة حتى ولو كان سلوكه على مرأى‬

‫من الناس‪ ،‬فهو حر في ارتداء ما يراه مناسبا وحر في ان يظهر في الهيئة التي يحلو‬

‫له ان تتميز بها شخصيته"‪. 621‬فالحياة الخاصة من منظوره ليست مجرد االمتناع‬

‫عن افشاء املعطيات الشخصية من غير مقتض ى‪ ،‬وال ان يظل االنسان بمعزل عن‬

‫فضول االخرين وتطفلهم‪ ،‬بل يشمل ما هو اعم واشمل من ذلك‪ ،‬وهي ان يعيش‬

‫املرء كما يشاء وحسب رغباته حتى لو كان ما يفعله على املال‪.‬‬

‫‪ -‬التعريف السلبي للحياة الخاصة‪ :‬اعطى أصحاب هذا االتجاه تعريفا ضيقا‬

‫للحياة الخاصة يستند الى معايير محددة وهي‪ :‬السكينة والسرية وااللفة‪ .‬وقد اتجه‬

‫الفقه الفرنس ي الى تعريفه باالرتكاز على التمييز بين الحياة العامة والحياة الخاصة‪.‬‬

‫فالحق في الحياة الخاصة هو "الحق في الحياة غير العامة او غير العلنية"‪ .622‬اال‬

‫‪620‬سعاد الشيخ ماء العينين ‪":‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة في مواجهة االعالم" رسالة الماستر جامعة الدول العربية المنظمة للتربية‬
‫و الثقافة و العلوم معهد البحوث و الدراسات العربية قسم الببحوث و الدراسات القانونية ‪8089‬‬
‫‪John .H.F shattuck : « right of privacy » copyright by national test book company 1977 : p 197-198 621‬‬
‫‪622‬علي احمد عبد الزغبي‪" ،‬الحق في الخصوصية في القانون الجنائي‪-‬دراسة مقارنة" المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان الطبعة األولى‬
‫‪ 8006‬ص ‪.806‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ان الصعوبة هنا تتجلى في صعوبة تحديد مجاالت التداخل واالستقالل بينهما‬

‫وبالتالي يبقى التمييز بينهما على هذا األساس ضبابيا الى حد ما‪.‬‬

‫‪- 8‬الطبيعة القانونية للحق في الحياة الخاصة ‪:‬‬

‫لقد اعترفت معظم األنظمة القانونية بالحق في الحياة الخاصة‪ ،‬لكن‬

‫معظمها لم تضع قواعدا او مبادئا منها املشرع الفرنس ي (سواء الفقه والقضاء)‬

‫الذي جرم التعدي على األمور التي تدخل في نطاق الحياة الخاصة كالشرف‬

‫واالعتبار وحرمة السكن واملراسالت‪ ...‬كما اعتبر ان نطاق الحياة الخاصة يشمل‬

‫حالته العائلية والعاطفية والصحية واملعتقدات الدينية والسياسية والذمة‬

‫املالية‪...‬‬

‫وفيما يخص الطبيعة القانونية للحق في الحياة الخاصة‪ ،‬فقد اوالها الفقه‬

‫والقضاء اهتماما خاصا وظهرت اتجاهات مختلفة في تحديد هذه الطبيعة بين من‬

‫يرى انه حق من حقوق امللكية ومن يعتبره حقا من الحقوق الشخصية ‪.‬‬

‫الحق في الحياة الخاصة حق من حقوق امللكية‪ :‬حيث يرى أنصار‬ ‫‪‬‬

‫هذه النظرية ان لإلنسان حقا على حياته الخاصة ال يجوز االعتداء‬

‫عليه ويعرفون الحياة الخاصة بمقارنتها بالحياة العامة‪.‬حيث ان‬

‫الشخص الطبيعي يملك ان يتصرف وان يستعمل وان يستغل كافة‬

‫الحقوق املتعلقة بشخصه من جسم وصورة واسرار‪ .‬على اعتبار ان‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫جميع هذه املظاهر الشخصية ما هي اال حقوق متفرعة عن حق‬

‫امللكية‪ .623‬وقد اخذ بهذا املذهب الفقيه الفرنس ي "ادملان "‬

‫‪Edelman‬الذي يرى ان الحق في الحياة الخاصة يعد من صميم‬

‫حق امللكية‪ ،‬وبنى موقفه على فكرة الحق في الصورة‪ ،‬فهي تخضع‬

‫ملا يخضع له حق امللكية من احكام‪ ،‬في عدم جواز نشرها دون‬

‫الحصول على اذن من صاحبها تم تعميقها فشملت الحق في الحياة‬

‫ومن أبرز مؤيدي هذه الفكرة العميد "نيرسون "‬ ‫الخاصة‪624‬‬

‫‪Nerson‬الذي عرف الحياة الخاصة بكونها "القطاع الخاص‬

‫املحمي‪ ،‬بحيث ال يتاح للعموم ودون إرادة املعني باألمر االطالع على‬

‫ما يشكل أساس الشخصية‪ ،‬وهو الحق في الحميمية"‪.625‬ويجد‬

‫أصحاب هذا االتجاه مبررات موضوعية لدفوعاتهم في الحقوق‬

‫املالية‪" ،‬حيث تستمر حماية هذا الحق حتى في الحاالت التي توجد‬

‫فيها نصوص قانونية صريحة تجيز هذه الحماية‪ ،‬وقد نشأت هذه‬

‫الفكرة مع الحق في الصورة‪ ،‬وبعده أصبحت تشمل باقي الحقوق‬

‫املرتبطة بالحياة الخاصة"‪ .626‬اال ان الفقه الفرنس ي مع مرور‬

‫‪623‬نور الدين الناصري‪" ،‬النظام القانوني للحق في الحياة الخاصة‪ -‬دراسة في ضوء التشريع المغربي والمقارن" مجلة الفقه والقانون‪،‬‬
‫ع التاسع ‪ 8080‬ص ‪80‬‬
‫‪ 624‬سليم جالد‪ " ،‬الحق في بين الخصوصية بين الضمانات و الضوابط في التشريع الجزائري والفقه اإلسالمي"‪ ،‬جامعة وهران ‪8089‬‬
‫ص ‪99‬‬
‫‪625‬‬
‫‪Nerson Roger, « La protection de l’intimité » p 28‬‬
‫‪626‬عبد المجيد كوزي‪ " ،‬الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫السنوات بات متجاوزا لهذه النظرية ويرفضها نظرا لبروز مظاهر‬

‫التعارض بين الحياة الخاصة وحق امللكية‪.‬‬

‫الحق في الحياة الخاصة باعتباره حقا من الحقوق الشخصية ‪ :‬يرى‬ ‫‪‬‬

‫بعض فقهاء هذا االتجاه ومنهم "بيير كايزر ‪" Pierre Kayser‬ان الحق‬

‫في الحياة الخاصة يدخل في صميم الحقوق الشخصية الن الفرد‬

‫يمتلك كامل ارادته بجعل بعض جوانب وتفاصيل حياته سرية وغير‬

‫معلومة‪ .‬كما عرف العميد "كاربونيي ‪" Carbonier‬الحياة الخاصة‬

‫بكونها "املجال السري لحياة الفرد لبذي يكون له فيه سلطة اقصاء‬

‫الغير(‪ )...‬والحق في حماية الطابع الخاص لشخصه‪،‬والحق في ان‬

‫يترك في هدوء"‪.627‬وقد ايد الفقه الفرنس ي هذا التوجه وصار يعتبر‬

‫ان حرمة الحياة الخاصة حق من الحقوق الشخصية‪.‬‬

‫وقد تعرضت هذه النظرية بدورها للنقد خصوصا على يد الفقيه الفرنس ي‬

‫"مونيك رامون ‪" Monique Raymond‬حيث يرى ان هناك اختالفا بين هذه الحالة‬

‫وبين موجب االمتناع الذي ال يلقى اال على عاتق شخص واحد محدد‪ ،‬اوعلى بعض‬

‫األشخاص القانونيين‪ .‬لكن باملقابل فعدم افشاء االسرار واالمتناع عن التدخل في‬

‫الحياة الخاصة يقع على جميع مكونات املجتمع(‪)...‬الن الشمولية في الحقوق‬

‫‪627‬‬
‫‪J. Carbonier « Droit civil, les personnes », T.I, PUF, 1990, 17e ED, p 124‬‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تقابلها شمولية في الواجبات وبالتالي يحق التساؤل عما يمكن االحتجاج به في وجه‬

‫الجميع"‪.628‬‬

‫والجدير بالذكر ان التشريع املغربي قد نص على الحق في الحياة‬

‫الخاصة في املادة ‪ 84‬من دستور ‪ 8133‬التي جاء فيها ان‪" :‬لكل شخص الحق في‬

‫حماية حياته الخاصة "‪ ،‬كما تطرق للحياة الخاصة في القانون ‪ 12.12‬املتعلق‬

‫بحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي الذي‬

‫شكل نقلة نوعية في مسار تحصين حقوق االفراد وحماية خصوصيتهم لدرجة يمكن‬

‫معها الحديث عن تماهي مفهومي الحق في حرمة الحياة الخاصة وحماية املعطيات‬

‫ذات الطابع الشخص ي على اعتبار ان الغاية تبقى واحدة‪.‬‬

‫‪- 1‬مفهوم املعطيات ذات الطابع الشخص ي‬

‫تعريف املفهوم على املستوى التشريعي‬ ‫‪‬‬

‫عملت مختلف التشريعات الوطنية والدولية على وضع تعاريف ملصطلح‬

‫"املعطيات ذات الطابع الشخص ي" قصد مساعدة الفقه والقضاء في االستناد‬

‫عليها في أعمالهم دون الوقوع في الكثير من اللبس والتأويل وتحقيق "االمن‬

‫القانوني"‪ .‬وقد تميزت هذه التعاريف بشكل عام بطابعها شبه املوحد‪.‬‬

‫‪628‬‬
‫‪Monique Raymond, « Le secret de la vie privée, et l’information en droit privé », 8872, p 988‬‬

‫‪P 410‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فقد عرفت مثال االتفاقية االوربية رقم ‪ 312‬الصادرة عن مجلس اوربا‪،‬‬

‫املعطيات ذات الطابع الشخص ي من خالل املادة ا‪ 8 /‬التي نصت على ان‪:‬‬

‫"املعطيات ذات الطابع الشخص ي هي كل املعلومات املتعلقة بشخص طبيعي‬

‫معرف او قابل للتعرف عليه"‪ .‬كما أعطت املادة ا‪ 8/‬من التوجيه األوربي رقم ‪25‬‬

‫‪ 46/‬الصادر بتاريخ ‪ 84‬أكتوبر ‪ 3225‬تعريف شبه مطابق لسابقه بالقول ان‬

‫"املعطيات ذات الطابع الشخص ي هي كل معلومة متعلقة بشخص طبيعي معرف‬

‫او قابل للتعرف عليه‪ .‬يعد قابال للتعرف عليه الشخص الذي يمكن معرفته بصفة‬

‫مباشرة او غير مباشرة ال سيما بالرجوع الر رقم تعريف او الى عنصر او عدة عناصر‬

‫خاصة مميزة لهويته الطبيعية‪ ،‬الفيزيولوجية‪ ،‬النفسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬الثقافية او‬

‫االجتماعية"‪ .‬كما قدمت القواعد االرشادية ملنظمة التعاون االقتصادي والتنمية‬

‫باعتبارها احدى مكونات املراجع املؤطرة تعريفا للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‬

‫بكونها‪ " :‬كل معلومة عائدة لشخص طبيعي محددا او قابال للتحديد"‪ 629‬ويقصد‬

‫بالبيانات الشخصية في املادة الثانية من قانون املعلوماتية والحريات الفرنس ي رقم‬

‫‪92‬لسنة ‪ 3292‬واملعدل بأحكام القانون الصادر في ‪11‬يناير‪ 8118‬بانها‪ ”:‬كل‬

‫املعلومات املتعلقة بشخص طبيعي محدد أو يمكن تحديده مباشرة بواسطة رقم‬

‫معين‪ ،‬أو بواسطة عنصر أو أكثر خاص به‪".‬‬

‫‪ 629‬تعريف منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ‪.OCED‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫اما النظام األوروبي الجديد رقم ‪ 692/8136‬واملسمى اختصارا بالفرنسية‬

‫‪RGPD‬وباإلنجليزية ‪ GDPR‬والصادر عن البرملان األوروبي واملجلس األوروبي بتاريخ‬

‫‪ 89‬أبريل ‪ ،8136‬واملتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات ذات‬

‫الطابع الشخص ي وحرية نقلها‪ ،‬والذي دخل حيز التنفيذ في ‪ 84‬ماي ‪ ،8136‬وبدا‬

‫تطبيقه مباشرة من طرف الدول األعضاء ابتداء من ‪ 85‬ماي ‪(8132‬حل محل‬

‫التوجيه رقم ‪/EC 46/25‬الصادر عن البرملان األوروبي بتاريخ ‪ 84‬أكتوبر ‪ 3225‬بشأن‬

‫حماية األفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية وبشأن حرية حركة تلك‬

‫البيانات) ‪.،‬هذا النظام الجديد وضع تعريفا يتحرى اقص ى درجات الدقة والوضوح‬

‫للمعطيات الشخصية حيث جاء في املادة ‪ 4‬ان املعطيات الشخصية هي ‪ ":‬البيانات‬

‫الشخصية تعني أي معلومات تتعلق بشخص طبيعي محدد او قابل للتحديد‬

‫(صاحب البيانات)‪.‬والشخص الطبيعي الذي يمكن تحديده هو الشخص الذي‬

‫يمكن تحديده بشكل مباشر او غير مباشر‪ ،‬بشكل خاص بالرجوع الى معرف مثل‬

‫االسم او رقم التعريف او بيانات املوقع او معرف عبر االنترنيت او الى أي واحد او‬

‫اكثر من العوامل املحددة للفيزيائية‪ ،‬الفيزيولوجية ‪،‬الهوية الجينية او العقلية او‬

‫االقتصادية او الثقافية او االجتماعية لهذا الشخص الطبيعي‪".‬‬

‫اما على مستوى املشرع املغربي‪ ،‬فقد عمل في إطار سعيه ملالئمة قوانينه مع‬

‫مثيالتها االوربية في هذا املجال على اقتباس التعريف الذي ورد في التوجيه األوربي‬

‫رقم ‪ ،46/25‬حيث نصت املادة ‪ 3/3‬من القانون ‪ 12-12‬على ان املقصود بمعطيات‬

‫‪P 588‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ذات طابع شخص ي‪« :‬كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها بما في‬

‫ذلك الصوت والصورة واملتعلقة بشخص ذاتي معرف او قابل للتعرف عليه‬

‫واملسمى بعده "بالشخص املعني‪".‬‬

‫ويكون الشخص قابال للتعرف عليه إذا كان باإلمكان التعرف عليه‪ ،‬بصفة‬

‫مباشرة او غير مباشرة‪ ،‬بالرجوع الى رقم تعريف او عنصر او عدة عناصر مميزة‬

‫لهويته البدنية او الفيزيولوجية او الجينية او النفسية او االقتصادية او الثقافية‬

‫او االجتماعية ‪".‬‬

‫خصائص املعطيات ذات الطابع الشخص ي‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬تتعلق بشخص طبيعي‪ :‬اكدت املادة‪ 3/3‬من القانون ‪ 12-12‬على ان‬

‫املعطيات ذات الطابع الشخص ي يلزم ان تكون متعلقة بشخص ذاتي‪ ،‬وقد ركز‬

‫التوجيه األوربي على هذه الخاصية في مواضع عديدة وكذلك في املادة ‪ 8‬أ وسارت‬

‫في نفس املسار اغلب التشريعات كالفرنس ي والبلجيكي والهولندي‪.‬‬

‫وبالنسبة للفقه‪ ،‬فالراجح ان نطاق حماية املعطيات الشخصية يجب ان‬

‫يقتصر على األشخاص الطبيعيين اخذا بعين االعتبار ان حماية البيانات‬

‫الشخصية يعتبر حماية للحق في الحياة الخاصة الذي يدخل في خانة الحقوق‬

‫املتعلقة بالشخصية اإلنسانية و هو ما دفع به بعض الفقهاء من أمثال ‪Wiliam‬‬

‫‪Prosser‬و ‪ Warcen‬و‪ Brandeis .‬ومن جهة أخرى فان الحق في الحياة الخاصة‬

‫‪P 581‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يترجم في الواقع من خالل حق االنسان في االحتفاظ بخصوصية أفكاره وعالقاته‬

‫االسرية واالجتماعية األخرى بعيدا عن اطالع االخرين على تفاصيلها مما يجعل‬

‫هذا الحق متصال اتصاال وثيقا باإلنسان ومظهرا أساسيا من مظاهر الشخصية‬

‫اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -‬يجب ان تمكن من التعرف على الشخص الذاتي‪ :‬لكي تكتسب املعطيات‬

‫الطابع الشخص ي يلزم ان تعرف بالشخص الذي تتعلق به‪ .‬وبالعودة الى مضمون‬

‫املادة‪3/3‬من القانون ‪ 12-12‬وكذا تعريف التوجيه األوربي وبعض القوانين املحلية‬

‫األخرى‪ ،‬يتبين ان مفهوم املعطيات ذات الطابع الشخص ي يتميز باالتساع‪ ،‬وهو ما‬

‫يستنتج منه ان مجرد االقتصار على االسم كمرجع للتعريف له عيوب أبرزها انه‬

‫يحمل نظرة ضيقة يكون من تبعاتها التقدير الخاطئ الذي ال يأخذ بعين االعتبار‬

‫ظهور وتطور وسائل التعريف غير املباشرة‪.630‬وتبعا لذلك‪ ،‬فان املعطيات‬

‫الشخصية التي يلزم ان تعرف بالشخص الذاتي هي كل املعطيات غير املجهولة‬

‫وبالتالي فإنها ال تكتسب خاصية الطابع الشخص ي‬ ‫االفراد‪631‬‬ ‫املتعلقة بأحد‬

‫املعطيات التي تعد في الواقع مجهولة سواء بشكل اصلي(كاملعطيات اإلحصائية‬

‫مثال)‪،‬او باستعمال مسطرة كيفما كانت دون التمكن من تعريف الشخص املعني‪،‬‬

‫وباملقابل فانه بمجرد ان تصبح املعلومات عبارة عن معطيات يمكن نسبتها بصفة‬

‫‪630‬‬
‫‪André Lucas, Jean Deveze et Jean Frayssinet, « Droit de l’informatique et de l’Internet », presses‬‬
‫‪universitaires de France,Economica, Paris 2001, p 77‬‬
‫‪631‬‬
‫‪Arian Mole, » Le nouveau droit des flux transfrontières des données personnelles », Rev. Dr, soc. , n‬‬
‫‪12 déc. 20O4, p1072‬‬

‫‪P 582‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مباشرة الى او غير مباشرة الى شخص طبيعي حصريا‪ ،‬معرف او قابل للتعرف عليه‪،‬‬

‫فان املعطيات‪-‬املعلومات تكتسب صفة البيانات ذات الطابع الشخص ي حسب‬

‫مدلول النصوص‪.632‬‬

‫وإذا كانت مسالة تحديد هوية الشخص املعرف ال تطرح أية صعوبة‪ ،‬فان‬

‫االمر ليس كذلك بالنسبة للشخص القابل للتعرف عليه‪ .‬فقد جاء في املادة ‪3/3‬‬

‫من القانون ‪ 12-12‬بانه‪« :‬يكون الشخص قابال للتعرف عليه إذا كان باإلمكان‬

‫التعرف عليه‪ ،‬بصفة مباشرة او غير مباشرة‪ ،‬والسيما بالرجوع الى رقم تعريف او‬

‫عنصر او عدة عناصر مميزة لهويته البدنية او الفيزيولوجية او الجينية اوالنفسية‬

‫اواالقتصادية اوالثقافية او االجتماعية‪ .»...‬اما املادة ‪ 8/8‬من قانون ‪ 6‬يناير ‪3292‬‬

‫الفرنس ي‪ ،‬فقد عرفت الشخص القابل للتعرف عليه بشكل مختصر حيث انه هو‬

‫الذي‪« :‬يمكن التعرف عليه‪ ،‬بصفة مباشرة او غير مباشرة‪ ،‬بالرجوع الى رقم تعريف‬

‫او الى عنصر او عدة عناصر مميزة له‪.633"...‬‬

‫وفي جانب اخر‪ ،‬فان جميع أنواع املعطيات يمكن ان تكتسب الطابع‬

‫الشخص ي‪ ،‬مهما كان مدلولها‪ ،‬ومنفعتها‪ ،‬واستعمالها‪ ،‬وحجمها‪ ،‬ودعامتها‪ ،‬بل‬

‫وحتى طريقة عرضها‪ .‬ويتجلى ذلك من خالل العبارة العامة التي وردت في املادة‬

‫‪ 3/3‬من القانون ‪ ":12-12‬كل معلومة كيفما كان نوعها وبغض النظر عن دعامتها"‪،‬‬

‫غير انه يلزم االخذ في الحسبان ما إذا كان للمعلومة إطار قانوني يوفر لها الحماية‬

‫‪632‬‬
‫‪-André Lucas, Jean Deveze et Jean Frayssinet, op.cit, p 77‬‬
‫‪633‬‬
‫‪Yves Mayaud, Code pénal, 106e éd. Dalloz, Paris 2009‬‬

‫‪P 583‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ام انه من اليسير االعتداء عليها‪ ،‬وما إذا كانت متعلقة بشخص بالغ ام قاصر‪،‬‬

‫وهذا من أوجه قصور القانون ‪ 12-12‬الذي لم يتضمن اية مقتضيات متعلقة‬

‫بالقاصرين‪ .‬وبخصوص هذا املوضوع‪ ،‬فقد اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات‬

‫بفرنسا بالحصول على موافقة اإلباء عندما يتعلق االمر بمعالجة معطيات‬

‫شخصية خاصة بالقاصرين‪.634‬‬

‫وفي زخم التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم‪ ،‬صار حتميا ان يأخذ‬

‫في االعتبار عند تحديد مفهوم املعطيات ذات الطابع الشخص ي ما هو مستجد في‬

‫مجال تكنولوجيا الصوت والصورة‪ ،‬لذلك نجد املشرع املغربي قد ادراجهما ضمن‬

‫املعطيات الشخصية في املادة ‪ 3/3‬من القانون ‪ 12-12‬دون ان نغفل اهمية‬

‫املعطيات الشخصية غير املباشرة املتوفرة على شبكة االنترنيت والتي تمكن بدورها‬

‫من التعرف بشكل مباشر او غير مباشر على الشخص الذاتي‪.‬‬

‫وبالرغم من تعدد املعايير املعتمدة لتعريف املعطيات الشخصية التي وردت‬

‫في القانون ‪ 12-12‬او بعض التشريعات املقارنة‪ ،‬فان االمر ال يخلو من إشكاليات‬

‫يمكن ان تواجه القضاء الذي يتمتع بسلطة تقديرية للبث في مدى توافر الطابع‬

‫الشخص ي في معلومة معينة‪ 635‬مع الحرص على ضرورة تحقيق التوازن بين التدفق‬

‫‪634‬‬
‫‪Michel Bibent, « Le droit de traitement de l’informatique » », Nathan/ HER, Paris 8000, p 77‬‬
‫‪635‬غنام محمد غنام‪" ،‬الحماية اإل دارية والجنائية لألفراد عند تجميع بياناتهم الشخصية في أجهزة الكمبيوتر"‪ ،‬مجلة االمن والقانون‪ ،،‬ع‬
‫‪ 8‬يوليوز ‪ 8000‬ص‪89‬‬

‫‪P 584‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الحر للمعلومات ومستجدات التطور التكنولوجي وحماية الحياة الخاصة لألفراد‬

‫من كافة االنتهاكات املهددة لها‪.‬‬

‫‪ ‬املساس باملعطيات ذات الطابع الشخص ي وانتهاك حرمة الحياة الخاصة‬

‫بقدر ما تشكل الحياة الخاصة مبدا "مقدسا" لدى االفراد وحرصهم الدائم‬

‫على حمايتها والحفاظ على سريتها بقدر ما تعتبر التحديات كبيرة امامهم في مواجهة‬

‫املخاطر املحدقة بها سواء في تمظهراتها التقليدية او الحديثة املستجدة مع ثورة‬

‫تكنولوجيا االعالم واالتصال‪ .‬اذ ان هذه األخيرة تساهم بشكل كبير في نقل‬

‫املعطيات والبيانات الخاصة باألفراد بسرعة وسهولة كبيرتين اال ان ذلك ال يخلو‬

‫من انعكاسات سلبية على الحقوق والحريات بسبب اختراق بنوك املعلومات‬

‫وشبكات التواصل االجتماعي وسرقة املعطيات الشخصية او معالجتها دون سند‬

‫قانوني او إساءة استغاللها والترصد والتصوير بواسطة الكاميرات‪ ،‬ونشر االخبار‬

‫الزائفة ‪.‬‬

‫لقد ظهرت املخاطر املهددة للحياة الخاصة مع بدء املعالجة اليدوية‬

‫للمعلومات الشخصية وادراجها ضمن ملفات ورقية ومستندات تقليدية‪ ،‬اال انه‬

‫مع ظهور نظام املعلوميات والشبكة العنكبوتية‪ ،‬تطورت أساليب املعالجة املبنية‬

‫على الرقمنة املعلوماتية الحديثة‪ ،636‬كصورة الشخص ومعلوماته البيومترية‬

‫وتكوين بطاقات الكترونية اسمية‪ ،‬مما زاد من حدة املخاطر الناجمة عن املعالجة‬

‫‪636‬‬
‫‪Rapport de la CNIL, « voix, image et protection des données personnelles », 19961, p 120‬‬

‫‪P 585‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املهددة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي من قبل الدولة او من طرف بعض‬


‫او االعتباريين‪637.‬‬ ‫األشخاص الذاتيين‬

‫وهذا االمر يقودنا للحديث عن بنوك املعلومات او ما يسمى بقواعد البيانات‬

‫وتبيان ماهيتها ومخاطرها ثم نتطرق بتفصيل أكثر الهم االنتهاكات التي تمس‬

‫املعطيات ذات الطابع الشخص ي وتأثير ذلك على حرمة الحق في الحياة الخاصة‪.‬‬

‫‪ - 3‬مخاطر بنوك املعطيات على الحياة الخاصة‬

‫يقصد بمصطلح بنك املعلومات او ما يسمى كذلك بقاعدة البيانات‪:‬‬

‫«تكوين قاعدة بيانات تفيد موضوعا معينا او تهدف لخدمة غرض معين‪،‬‬

‫ومعالجتها بواسطة أجهزة الحاسبات االلكترونية إلخراجها في صورة معلومات‬

‫تفيد مستخدمين في أغراض متعددة"‪.638‬‬

‫فمصطلح "بنوك املعلومات" مصطلح تقني صرف وال يوجد أي تحديد‬

‫قانوني له‪ ،‬حيث ان هذه البنوك تمر بمجموعة من العمليات او الوظائف التقنية‬

‫التي تتم بواسطة الحاسوب االلي‪ ،‬واملتمثل في جمع البيانات وتبويبها وتخزينها ثم‬

‫تشغيلها وتحليلها إلخراجها في صورة معلومات يمكن االستفادة منها‪.639‬‬

‫‪ 637‬مريم احمد مسعود‪" ،‬اليات مكافحة جرائم تقنية تكنولوجيا االعالم واالتصال في ضوء قانون ‪ " 09-08‬مذكرة لنيل الماجستير تخصص‬
‫القانون الجنائي‪ 8080-8088-‬الجزائر ص ‪0‬‬
‫‪ 638‬أسامة عبد هللا قايد‪ " ،‬الحماية الجنائية الخاصة وبنوك المعلومات‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪ ،8‬القاهرة ‪ 8828‬ص‬
‫‪92‬‬
‫‪639‬أسامة عبد هللا قايد‪ " ،‬الحماية الجنائية الخاصة وبنوك المعلومات‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬مرجع سابق ص ‪92‬‬

‫‪P 586‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتوجد أنواع متعددة من بنوك املعلومات محددة بحسب املجال الذي‬

‫ترتبط به كبنوك املعلومات القانونية اوالطبية اواألمنية اوالسياسية اواملالية‪.‬‬

‫وفي سياق وطني وعاملي مطبوع بمنافسة محمومة على كافة املستويات‬

‫يستقوي فيه من يملك ناصية املعلومة‪ ،‬أصبحت قواعد البيانات الشخصية تمثل‬

‫سوقا قائما بذاته‪ .640‬ورغم املزايا التي تشكلها بنوك املعلومات في تقديم خدمات‬

‫متنوعة واستخدامها على نطاق واسع من طرف الدولة ومؤسساتها او من قبل‬

‫الشركات الخاصة اال ان ذلك ال ينفي وجود اختالالت كثيرة‪ ،‬حيث ان عددا من‬

‫األطراف تستعمل املعلومات أحيانا اثناء عمليات الجمع والتخزين واملعالجة‬

‫ألغراض غير مشروعة النتهاك الحق في الحياة الخاصة لألشخاص في غياب‬

‫الرقابة‪. 641‬‬

‫وفي واقع االمر‪ ،‬فان املتاجرة غير املشروعة باملعطيات الشخصية‪ ،‬ليست‬

‫امرا مستحدثا‪ ،‬بل هي من املمارسات الرائجة منذ زمن‪ ،‬غير ان مداها قد تعاظم‬

‫بسبب االستعمال املتزايد لشبكة االنترنيت رغم صياغة القوانين املؤطرة لكافة‬

‫العمليات املتعلقة بجمع وتخزين ومعالجة ونشر املعلومات‪ .‬فشبكة االنترنيت تضع‬

‫كل ما تجمعه من معلومات ليكون في متناول الجميع وتسهل عمل الشركات‬

‫‪640‬‬
‫‪Christian Féral-Schuhl, Cyberdroit, « Le droit à l’épreuve de l’Internet »,0e édition, Dunod, Paris ,‬‬
‫‪2002, p 65‬‬
‫‪641‬عبد المجيد كوزي‪ " ،‬الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ 8088 ،‬ص ‪99‬‬

‫‪P 587‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملؤسسات الراغبة واملتخصصة في جمع البيانات الشخصية لجهات أخرى‬

‫بمقابل مادي‪.642‬‬

‫والفرد عند استخدامه لشبكة االنترنت يقوم برغبته او من غير وعي منه‬

‫باإلدالء بمعلوماته الشخصية وكشف هويته وهذا خطر في حد ذاته الن الشخص‬

‫يعرض نفسه تلقائيا النتهاك حياته الخاصة‪ .‬ولعل ما قامت به الشركة االمريكية‬

‫لالتصاالت ‪ G.T‬من اخبار زبنائها عبر موقعها على االنترنت‪ ،‬انها تعتبر جميع‬

‫املعلومات التي تصلها من مشتركيها عبر شبكة املعلومات العاملية غير سرية‪ ،‬الش يء‬

‫الذي يعني استخدامها ونشرها ونقلها لطرف ثالث بغير قيود ومن دون تحمل أي‬

‫تبعات‪ ،‬كما يسهل باملناسبة ذاتها تغيير البيانات وتعديلها عند املعالجة او من‬

‫خالل األخطاء التقنية التي يقوم بها املسؤول عن املعالجة‪.643‬‬

‫وعلى صعيد معالجة البيانات‪ ،‬تبرز اهم املخاطر التي تهدد حرمة الحياة‬

‫الخاصة عند ارتباط الحواسيب واملنصات الرقمية ببعضها البعض او ارتباطها‬

‫بخادم مركزي )‪ (serveur central‬او بشبكات عامة لالتصاالت‪ ،‬حيث تتم عملية‬

‫تبادل املعلومات عن بعد بشكل يسمح بتجميع وتكوين معلومات جديدة عن فرد‬

‫معين‪.‬‬

‫‪642‬عبد المجيد كوزي‪ " ،‬الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ 8088 ،‬ص ‪97‬‬
‫‪643‬احمد فتحي سرور‪" ،‬الحماية الجنائية ألسرار االفراد في مواجهة النشر"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ 8888 ،‬ص ‪80‬‬

‫‪P 580‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتتجلى خطورة بنوك املعلومات أيضا على املستوى التقني‪ ،‬حيث تقع أخطاء‬

‫عند تغذية الحاسب االلي باملعلومات او عند إعادة تنظيمها او بسبب عيوب‬

‫ميكانيكية او خلل بأحد األجهزة قد ينتج عنه دمج املعلومات املخزنة او اختالل في‬

‫تصنيفها او محو او اضافة لبعضها مما قد يفرز قاعدة بيانات ال تعبر عن حقيقة‬

‫أصحابها واوضاعهم ويعطي بالتالي صورة غير صحيحة عن الحياة الخاصة للفرد‪.‬‬

‫‪ - 8‬بعض اشكال االعتداء على املعطيات الشخصية واملاسة بالحياة الخاصة‬

‫ان االعتداءات على حرمة الحياة الخاصة بالطرق التقليدية امر واقع‬

‫وواضح للعيان‪ ،‬اال ان استخدام التكنولوجيات الحديثة ضاعف من حجمها‬

‫وحدتها‪ .‬ونسرد هنا بعضا من صور االنتهاكات املعلوماتية للمعطيات ذات الطابع‬

‫الشخص ي والتي تمس بحرمة الحياة الخاصة‪:‬‬

‫املخاطر املرتبطة بالتجميع والتخزين واالستخدام غبر املشروع‬ ‫‪‬‬

‫للمعطيات‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬استخدام معطيات شخصية غير صحيحة‬

‫حيث يتم االنتهاك هنا بصورتين‪ .‬اولهما املحو او التالعب في املعطيات‬

‫الشخصية من قبل اشخاص غير مصرح لهم بذلك اما ألهداف مادية اوشخصية‬

‫بنية االنتقام او خدمة مصالح أطراف أخرى‪ .‬وثانيهما جمع اومعالجة او نشر‬

‫‪P 581‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫معطيات شخصية غير صحيحة من قبل االشخاص املرخص لهم‪ ،‬وهذه األفعال‬

‫قد تكون بصورة عمدية او عن طريق االهمال‪.644‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬جمع وتخزين ومعالجة بيانات شخصية حقيقية بدون ترخيص‬

‫يتم االعتداء على حرمة الحياة الخاصة هنا اما من خالل عدم مشروعية‬

‫طرق الحصول على املعطيات وجمعها وتتم هذه األفعال مثال من خالل مراقبة‬

‫واعتراض وتفريغ املعلومات املرسلة عبر الشبكات واألنظمة املعلوماتية او من خالل‬

‫تجميع او تخزين غير مشروع ملعطيات حساسة جدا وذات طابع سري ألنها تتعلق‬

‫بأدق تفاصيل الحياة الخاصة لألفراد‪.‬‬

‫املخاطر املرتبطة بنشر املعطيات او مخالفة القواعد املتعلقة‬ ‫‪‬‬

‫بحمايتها‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬النشر غير املشروع للمعطيات الشخصية وسوء استخدامها‬

‫على الرغم من الجمع املشروع للمعطيات الشخصية‪ ،‬اال ان نشرها قد يتم‬

‫أحيانا بصورة غير مشروعة ويتم االطالع عليها من طرف اشخاص غير مرخص لهم‬

‫بذلك مما يعرض سريتها للخطر‪ .‬وتعتبر املعطيات املجمعة لدى املؤسسات‬

‫العمومية او الشركات عن عمالئها او لدى املؤسسات البنكية او األمنية من اكثرها‬

‫‪ 644‬عفيفي كامل عفيفي‪" ،‬جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬منشورات‬
‫الحلبية الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ 8000‬ص ‪876‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تعرضا للتسرب والنشر بسبب االعتماد املتزايد على التكنولوجيات املعلوماتية‬

‫الحديثة‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬خرق القواعد الشكلية الخاصة بجمع ومعالجة وحماية املعطيات‬


‫الشخصية‬

‫لقد وضعت اغلب األنظمة القانونية مجموعة من القواعد الشكلية‬

‫واملساطر التي يتوجب اتباعها في جمع وتخزين ومعالجة ونشر املعطيات الشخصية‬

‫بهاجس حماية حقوق االفراد من االنتهاكات املحتملة‪ ،‬اال ان ذلك لم يمنع من‬

‫وجود خروقات عديدة لعل من أبرزها عدم مراعاة مقتضيات السالمة التي‬

‫تقتض ي االلتزام بالدقة في عملية املعالجة وتؤدي مخالفة ذلك الى وقوع أخطاء‬

‫ذات طبيعة تقنية او بشرية‪ .‬كما ان عدم الحصول على ترخيص يعد مخالفة‬

‫للقواعد ويعتبر جريمة يعاقب عليها القانون‪ .‬ومن امثلة ذلك ما أقدمت عليه‬

‫شركة ‪ SKF‬الفرنسية‪ ،‬التي قامت بتخزين املعطيات التي تتعلق بالحياة الخاصة‬

‫ألصحابها واتجاهاتهم السياسية وعضوية االتحادات والنقابات العمالية ملوظفيها‪،‬‬

‫واملجمعة من طلبات التوظيف التي كانت محفوظة لديها بالطرق اليدوية‪ ،‬وذلك‬

‫بدون موافقة مسبقة من "لجنة املعلوماتية والحريات"‪ ،‬وهو ما يعد تسجيال او‬

‫حفظا غير مشروع لبيانات الشخصية‪ ،‬يعاقب عليها بالحبس من سنة الى خمس‬

‫سنوات وفقا لنص املادة ‪ 48‬من القانون الفرنس ي الخاص‪.645‬‬

‫‪645‬عبد المجيد كوزي‪ " ،‬الحماية القانونية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي"‪ 8088 ،‬ص ‪58‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وامام تفاقم الجرائم التي تطال املعطيات الشخصية خصوصا باستعمال‬

‫تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬كان لزاما مساءلة الترسانة القانونية على املستويين الوطني‬

‫والدولي‪ ،‬ومدى قدرتها على مجابهة هذه التحديات‪ .‬وقد تدخلت مختلف‬

‫التشريعات من خالل إقرار حماية جنائية تهدف صون حرمة الحق في الحياة‬

‫الخاصة‪ .‬وفي هذا اإلطار سنتطرق الى بعض مظاهر الحماية الجنائية للمعطيات‬

‫ذات الطابع الشخص ي والحياة الخاصة في التشريع املقارن والقانون املغربي‪.‬‬

‫‪ ‬بعض صور الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخص ي في نطاق‬

‫الحق في الحياة الخاصة‬

‫‪ -3‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة في إطار تكنولوجيا املعلومات في‬

‫التشريعات املقارنة‬

‫عملت العديد من األنظمة التشريعية على مجابهة املخاطر املعلوماتية‬

‫املهددة للحياة الخاصة وذلك بصياغة عدد من القوانين املؤطرة لجمع ومعالجة‬

‫ونشر املعطيات الشخصية وتخصيص عقوبات جنائية لكل خرق لها حماية لحقوق‬

‫االفراد‪ .‬ويعد التشريع الفرنس ي رائدا حيث نص في املادة األولى من القانون ‪92-39‬‬

‫لسنة ‪ 3292‬املتعلق باملعلوميات والحريات (تم تعديله عدة مرات الحقا) على "ان‬

‫املعلوميات يجب ان تكون في خدمة الفرد‪ )...( ،‬ويجب ان ال تمس بحقوق االنسان‪،‬‬

‫وبالحياة الخاصة‪ ،‬وبالحريات الفردية والعامة" كما اكد نفس القانون في مواد‬

‫أخرى على ضرورة تجميع ومعالجة البيانات الشخصية املقصودة بطريقة قانونية‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومشروعة وألغراض محددة وصريحة‪ ،‬وان تتم هذه املعالجة الحقا من اجل تلك‬

‫الغايات املحددة لها‪ ،‬وان تتم عملية حفظها بطريقة تمكن من اظهار شخصية‬

‫املعني باألمر‪ ،‬وملدة ال تتعدى املدة الالزمة لتحقيق الغرض من التجميع واملعالجة‪.‬‬

‫كما ان القانون املذكور اشترط ضرورة الحصول على موافقة صاحب البيانات‬

‫الشخصية قبل معالجتها وااللتزام بالحفاظ على حقوقه وحماية حياته الخاصة‬

‫ومنحه من جهة أخرى الحق في مساءلة املكلفين بمعالجة معطياته‪ ،‬عن نوعية‬

‫هذه البيانات والغرض من معالجتها وعن األطراف املستغلة لها وكذا الحق في‬

‫الحصول على نسخة منها‪.‬‬

‫ونص نفس القانون على احداث لجنة إدارية مستقلة تسمى "اللجنة‬

‫الوطنية للمعلوميات والحريات ‪Commission Nationale de l’Informatique et‬‬

‫"‪des Libertés‬يعهد اليها بمراقبة تطبيق احكام القانون ‪ 92-39‬وتقرير العقوبات‬

‫واإلجراءات الالزمة في حاالت االخالل بمقتضياته‪.‬‬

‫كما افرد املشرع الفرنس ي عددا من مواد قانون العقوبات الفرنس ي لتجريم‬

‫االعتداء على حرمة الحياة الخاصة‪ ،‬حيث جرم دخول املنزل او البقاء فيه‬

‫باستخدام القوة او التهديد‪ ،‬فهو مستودع السر لالنسان‪ ،646‬وتعاقب املادة ‪4-886‬‬

‫على انتهاك حرمة مسكن الشخص‪ ،‬سواء كان الدخول اليه باالحتيال او بالتهديد‬

‫‪646‬بشرى ناده‪" ،‬حرمة المسكن بين حماية الحق في الحياة الخاصة وضرورة العدالة الجنائية"‪ ،‬بحث لنيل الماستر في العدالة الجنائية‬
‫والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬فاس ‪ 8086‬ص ‪86‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫او باستخدام القوة او االكراه‪ .647‬وخصص ذات املشرع حماية جنائية لسرية‬

‫املراسالت والبريد االلكتروني ضمن مقتضيات املادة ‪ 35-886‬من قانون العقوبات‪،‬‬

‫التي نصت على انه‪ ":‬كل من قام بسوء نية بفتح او حذف او تأخير او تحوير‬

‫املراسالت املرسلة الى الغير سواء وصلت ملكان الوصول ام ال‪ ،‬او اطلع بطريقة غير‬

‫مشروعة على مضمونها‪ ،‬يعاقب بالسجن ملدة سنة وبغرامة ‪ 45111‬الف يورو‪،‬‬

‫كما يعاقب بنفس العقوبات كل فعل ارتكب بسوء نية بقصد اعتراض او تحويل‬

‫او استخدام او نشر االتصاالت الخاصة‪ ،‬املرسلة او املستقبلة بوسيلة اتصاالت او‬

‫بواسطة اعداد أجهزة مهمتها ارتكاب هذه األفعال ‪".‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض الفرنسية من انه إذا كان من حق الوكيل الخاص‬

‫ان يتسلم الرسائل الخاصة باملوكل وان يتولى الرد عليها‪ ،‬فان ذلك ينصرف فقط‬

‫الى الرسائل املتعلقة بأعماله واليمتد الى رسائله الشخصية‪ ،‬فاذا تجاوز هذا الحد‬

‫ووسع نطاق رقابته ليشمل تلك األخيرة‪ ،‬فانه يكون بذلك قد انتهك خصوصية‬

‫موكله‪.648‬‬

‫وبخصوص الحماية الجنائية للصورة والتقاط املكاملات‪ ،‬قرر املشرع‬

‫الفرنس ي في املادة ‪ 3-886‬من قانون العقوبات‪ ،‬ان يعاقب‪:‬‬

‫‪ 647‬وليد سليم النمر‪" ،‬حماية الخصوصية في االنترنت‪-‬دراسة مقارنة" ‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬الطبة األولى ‪ 8087‬ص ‪502‬‬
‫‪ 648‬وليد سليم النمر‪" ،‬حماية الخصوصية في االنترنت‪-‬دراسة مقارنة" ص ‪988‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ - 3‬كل من قام عمدا باي وسيلة بالتقاط او تسجيل او نقل حديث خاص او‬

‫سري دون موافقة أصحاب الشأن‪.‬‬

‫‪ -8‬كل من قام عمدا بالتقاط او تسجيل او نقل صورة شخص محدد من‬

‫مكان خاص دون رضاه‪ ،‬يعاقب بالسجن ملدة سنة وبغرامة ‪ 45111‬يورو‬

‫وإذا تمت االعمال املذكورة في هذه املادة على مرأى ومسمع من‬

‫الشخص املعني بالحديث او الصورة ولم يعترض‪ ،‬رغم تبوث قدرته على االعتراض‪،‬‬

‫فيفترض في هذه الحالة موافقته الضمنية على هذه االعمال‪".‬‬

‫وقانون العقوبات هنا‪ ،‬يقوم بتجريم فعل التجسس على الحياة‬

‫الخاصة سواء عن طريق التقاط اوتسجيل او نقل املحادثات‪ ،‬وتعتبر الجريمة‬

‫قائمة بمجرد االلتقاط حتى وان لم تتم عملية التسجيل او النقل ويقصد املشرع‬

‫هنا توسيع نطاق التجريم النتهاك حرمة الحق في الحياة الخاصة‪.‬‬

‫وفي الواليات املتحدة االمريكية‪ ،‬تمت صياغة عدة تشريعات لحماية‬

‫املعطيات الشخصية من مخاطر بنوك املعلومات كالقانون رقم ‪ 23-512‬الصادر‬

‫سنة ‪ 3291‬والذي أكد على حق الفرد في الوصول الى بياناته‪ ،‬والقانون ‪21-592‬‬

‫لسنة ‪ 3294‬الخاص بحماية الخصوصية الذي يعد من القوانين الرائدة في ترسيخ‬

‫حماية االفراد من انتهاك حرمة حياتهم الخاصة حيث وضع ضوابط ملنع النشر‬

‫غير املشروع للبيانات الشخصية‪ .‬كما عمل املشرع األمريكي على اصدار قانون‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خصوصية االتصاالت االلكترونية سنة ‪ 3226‬الذي قام بفرض حماية لخصوصية‬

‫االفراد اثناء اجراء االتصاالت وتبادل املعطيات‪.649‬‬

‫‪ -8‬بعض صور الحماية الجنائية للحق في الحياة الخاصة في التشريع املغربي‬

‫على مستوى مجموعة القانون الجنائي‬ ‫‪‬‬

‫لقد افرد املشرع املغربي الحماية لجميع عناصر الحق في الحياة الخاصة‪،‬‬

‫حيث أولى من خالل القانون الجنائي حماية خاصة لحرمة السكن وميز بين نوعين‬

‫من االنتهاكات‪ ،‬بحسب ما إذا كانت صادرة عن افراد عاديين او ممثلي السلطة‪.650‬‬

‫فبخصوص االنتهاكات املرتكبة من طرف افراد عاديين‪ ،‬فقد نص عليها‬

‫الفصل ‪ 443‬من القانون الجنائي الذي جاء فيه ان‪" :‬من دخل او حاول الدخول‬

‫الى مسكن الغير‪ ،‬باستعمال التدليس او التهديد او العنف ضد األشخاص او‬

‫األشياء‪ ،‬يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر وغرامة من مائتين الى مائتين‬

‫وخمسين درهما‪".‬‬

‫وتتحقق هذه الجريمة بالدخول او محاولة الدخول الى مسكن الغير‪،‬‬

‫باستعمال التدليس او التهديد او العنف‪ ،‬ويتم الدخول بتجاوز الحدود التي رسمها‬

‫القانون باعتبارها منزل‪ ،‬باي طريقة ومن أي مكان سواء من الباب او من‬

‫‪649‬‬
‫‪Christopher John Millard, « Légal protection of computer programmes and Data », sweet a Marwell,‬‬
‫‪1985, p 673‬‬
‫‪ 650‬فؤاد بوظنيشط‪" ،‬الحماية الجنائية للحق في حرمة الحياة الخاصة"‪ ،‬مجلة الخزامى للدراسات القانونية واالجتماعية‪ ،‬العدد األول‬
‫‪ ، 8082‬ص ‪.808‬‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫النافذة‪ .651‬وال يشترط ان يكون دخول مسكن الغير تاما‪ ،‬اذ ان مجرد محاولة‬

‫وضبط الفاعل قبل اكماله لفعل الدخول يجعل الركن املادي للجريمة مكتمال‬

‫حسب منصوص الفصلين ‪ 334‬و‪ 335‬من القانون الجنائي‪ .‬اما الركن املعنوي‬

‫فيقام بوجود القصد الجنائي أي العمدية في ارتكاب هذا الفعل الجرمي‪ ،‬وهذا‬

‫القصد يمكن ان نستنبطه من طبيعة الوسائل املحددة لقيام الركن املادي‪ .‬وقد‬

‫شدد املشرع أكثر العقوبة املقررة لهذه الجريمة حيث قد تصل من ستة أشهر الى‬

‫ثالث سنوات والغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم إذا ارتكبت الجريمة ليال‪ ،‬او‬

‫باستعمال التسلق او الكسر او بواسطة عدة اشخاص‪ ،‬او كان الفاعل او أحد‬

‫الفاعلين يحمل سالحا ظاهرا او مخبأ‪. 652‬‬

‫اما فيما يتعلق باالنتهاكات الصادرة عن أحد ممثلي السلطة‪ ،‬فقد نص عليها‬

‫القانون الجنائي في املادة ‪ 811‬منه التي ورد فيها ان‪ ":‬كل قاض او موظف عمومي‪،‬‬

‫او أحد رجال او موظفي السلطة العامة او القوة العمومية يدخل‪ ،‬بهذه الصفة‪،‬‬

‫مسكن أحد االفراد‪ ،‬رغم عدم رضائه‪ ،‬في غير األحوال التي قررها القانون‪ ،‬يعاقب‬

‫بالحبس من شهر الى سنة وغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم ‪....".‬‬

‫وعالقة باملجال املعلوماتي‪ ،‬وحرصا من املشرع املغربي على مواكبة التطور‬

‫التكنولوجي‪ ،‬ورغبة في حماية حقوق االفراد واملؤسسات معا‪ ،‬فقد أصدر القانون‬

‫رقم ‪ 11-19‬املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة االلية للمعطيات واملتمم ملجموعة‬

‫‪ 651‬فؤاد بوظنيشط‪" ،‬الحماية الجنائية للحق في حرمة الحياة الخاصة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪808‬‬
‫‪652‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 998‬من القانون الجنائي المغربي‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القانون الجنائي‪ .‬ويضم القانون املذكور تسعة فصول (من الفصل ‪ 1-619‬الى‬

‫الفصل ‪.)33-619‬‬

‫ويعتبر املشرع املغربي طبقا ملضامين القانون ‪ ،11-19‬ان مجرد الدخول او‬

‫البقاء داخل نظام معالجة معلوماتية‪ ،‬جريمة بمجرد ان يكون ذلك الفعل قد تم‬

‫بصفة غير مشروعة‪ .‬ويتحقق الدخول الى نظام املعالجة االلية للمعلومات‬

‫باستعمال مختلف الوسائل‪ ،‬حيث لم يحدد املشرع وسيلة بعينها وجرم بالتالي‬

‫مجرد الولوج ولو كان بالخطأ وحتى ان لم يترتب عن ذلك ضرر‪ .‬واستعمل املشرع‬

‫كلمة ""عن طريق االحتيال" كشرط من شروط قيام جريمة الدخول والبقاء أي‬

‫ضرورة توفر شرط العمدية‪ ،‬لكن ان حصل الدخول بالخطأ وبقي الفاعل داخل‬

‫النظام‪ ،‬فان جريمة البقاء قائمة لوجود الركن املعنوي أي البقاء ملدة تتجاوز املدة‬

‫املسموح بها للخروج منه وان انتفت جريمة الدخول لعدم وجود القصد‪ .‬وعاقب‬

‫الفصل‪ 1-619‬جريمة الدخول او البقاء داخل نظام املعالجة االلية للبيانات‬

‫بالحبس من شهر الى ثالثة أشهر وبغرامة مالية من ‪ 8111‬الى ‪ 31111‬درهم او‬

‫بإحدى العقوبتين‪ .‬كم نص نفس الفصل في فقرته الثالثة على مضاعفة العقوبة‬

‫إذا ترتب عن فعل الدخول او البقاء اضطراب او حذف او تغيير للمعطيات املخزنة‬

‫في نظام املعالجة‪ .‬وتغلظ العقوبة إذا كان الفعل مرتكبا من طرف موظف او‬

‫مستخدم اثناء مزاولة ملهامه او بسببها حيث تصل العقوبة الى الحبس من سنتين‬

‫‪P 510‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الى خمس سنوات والغرامة من ‪ 311111‬الى ‪ 811111‬درهم مغربي كما نص على‬

‫ذلك الفصل ‪.4-619‬‬

‫وبالنسبة لجريمة العرقلة املتعمدة لسير نظام املعالجة االلية للمعطيات او‬

‫احداث خلل به‪ ،‬فقد نص الفصل ‪ 619-5‬على عقوبتها التي قد تصل الى ثالث‬

‫سنوات وبالغرامة من ‪ 31111‬الى ‪ 811111‬درهم او بإحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬

‫ويشترط العمد لقيام هذه الجريمة أي ان تتوفر إرادة الجاني الى عرقلة سير النظام‪.‬‬

‫كما جرم املشرع كذلك تغيير طريقة معالجة او ارسال املعطيات عن طريق االحتيال‬

‫ضمن مقتضيات الفصل ‪ 6-619‬بالحبس من سنة الى ثالث سنوات وبالغرامة من‬

‫‪ 31111‬الى ‪ 811111‬درهم او احدى هاتين العقوبتين‪ .‬ونظرا لألهمية القصوى التي‬

‫تكتسيها البيانات املعلوماتية‪ ،‬فيظهر من خالل هذه العقوبة (الفصل ‪)6-619‬‬

‫تشدد املشرع إذا ارتبط الجرم باالعتداء على البيانات التي يختزنها نظام املعالجة‬

‫االلية للمعطيات‪.‬‬

‫بعض صور الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخص ي في القانون‬ ‫‪‬‬

‫‪09-08‬‬

‫ومن مظاهر الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخص ي في التشريع‬

‫املغربي كذلك‪ ،‬سن قانون يروم حماية حقوق االفراد اثناء عمليات تجميع‬

‫معطياتهم الشخصية‪ ،‬وهو القانون ‪ 12-12‬املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين‬

‫تجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي‪.‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وقد نص هذا القانون في الباب السابع منه على مجموعة من العقوبات‬

‫الزجرية لألفعال التي تمس بحقوق وحريات االفراد املعنيين بمعالجة معطياتهم‬

‫الشخصية‪ .‬وهكذا فقد جرم املشرع‪:‬‬

‫‪ -‬املعالجة غير املشروعة‪ :‬حيث يعاقب طبقا ألحكام املادتين ‪ 54‬و‪ 55‬من‬

‫القانون ‪ ،12-12‬كل من قام بجمع معطيات ذات طابع شخص ي بطرق غير نزيهة‬

‫اوتدليسية او غير مشروعة‪ ،‬او قام بمعالجتها ألغراض أخرى غير تلك املصرح بها‬

‫او املرخص لها‪ ،‬او اخضع املعطيات ملعالجة الحقة متعارضة مع األغراض املصرح‬

‫بها او املرخص لها‪ ،‬او قام بحفظها أكثر من املدة القانونية‪ ،‬يعاقب بالحبس من‬

‫ثالثة أشهر الى سنة وبغرامة مالية من ‪ 81111‬الى ‪ 811111‬درهم او بإحدى هاتين‬

‫العقوبتين‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها أصدرته‬

‫الغرفة الجنائية بتاريخ ‪ 1‬نونبر‪ 3229‬ان الجريمة ال تقوم فقط بجمع املعطيات‬

‫بطرق غير مشروعة او تدليسية او غير نزيهة‪ ،‬وانما يلزم كذلك ان يتم تسجيل او‬

‫حفظ هذه املعطيات في ملف سواء كان اليا او يدويا‪ .653‬وفي قرار اخر صادر عن‬

‫نفس املحكمة بتاريخ ‪34‬مارس ‪ ،8116‬اعتبرت ان الجمع غير النزيه للمعطيات‬

‫االسمية يعتبر متحققا عند‪:‬‬

‫كل اطالع على العناوين االلكترونية واستعمالها‪ ،‬ولو دون تسجيلها في‬ ‫‪-‬‬

‫ملف‪ ،‬من اجل ارسال رسائل الكترونية ألصحاب هذه العناوين‪.‬‬

‫‪653‬‬
‫‪André Lucas, Jean Deveze et Jean Frayssinet, op.cit, p 673‬‬

‫‪P 528‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كل تجميع للعناوين االلكترونية الشخصية لألشخاص الطبيعيين بدون‬ ‫‪-‬‬

‫علمهم‪ ،‬بالفضاء العام لألنترنت باعتبار هذه الطريقة تشكل عائقا امام ممارسة‬

‫حقهم في التعرض‪.654‬‬

‫واجماال يمكن القول ان املشرع املغربي اعتبر هذه الجريمة جنحة ضبطية‪،‬‬

‫ونص على عقوبة مخففة لها مقارنة بنظيره الفرنس ي الذي عاقب عليها في املادة‬

‫‪ 886/32‬من قانون العقوبات بالحبس ملدة خمس سنوات وغرامة مالية قيمتها‬

‫‪ 111111‬أورو مع الزامية الحكم بهما معا‪.655‬‬

‫‪ -‬االستعمال غير املشروع للمعطيات‪ :‬من خالل منصوص الفصل ‪ 63‬من‬

‫القانون ‪ ، 12-12‬يتبين ان كل مسؤول عن معالجة وكل معالج من الباطن وكل‬

‫شخص‪ ،‬بالنظر الى مهامه مكلف بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي‪ ،‬يتسبب‬

‫او يسهل‪ ،‬ولو بفعل اإلهمال‪ ،‬االستعمال التعسفي او التدليس ي للمعطيات‬

‫املعالجة او املستلمة‪ ،‬او يوصلها ألغيار غير مؤهلين‪ ،‬يعاقب بالحبس من ستة اشهر‬

‫الى سنة وبغرامة من ‪ 81111‬الى ‪ 111111‬درهم او بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬وزيادة‬

‫على ذلك يمكن للمحكمة ان تقض ي بحجز املعدات املستعملة في ارتكاب هذه‬

‫املخالفة‪ ،‬وكذا بمسح كل املعطيات ذات الطابع الشخص ي موضوع املعالجة التي‬

‫أدت الى ارتكاب املخالفة او جزء منها‪.‬‬

‫‪654‬‬
‫‪Yves Mayaud,op cit, p 674‬‬
‫‪655‬‬
‫المادة ‪ 8/5‬من القانون ‪02-08‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبالرجوع الى مضامين الفصل ‪ ،63‬فلكي تعتبر الجريمة قائمة‪ ،‬يلزم ان‬

‫ترتكب من املسؤول عن املعالجة الذي هو‪ ":‬الشخص الذاتي او املعنوي او السلطة‬

‫العامة او املصلحة او أي هيئة تقوم‪ ،‬سواء بمفردها او باشتراك مع اخرين‪ ،‬بتحديد‬

‫الغايات من معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي ووسائلها‪ ."...‬اما املعالج من‬

‫الباطن فهو‪ ":‬الشخص الذاتي او املعنوي او السلطة العامة او املصلحة او اية‬

‫هيئة أخرى تعالج املعطيات ذات الطابع الشخص ي لحساب املسؤول عن‬

‫املعالجة"‪ .656‬وبخصوص االستعمال التعسفي او التدليس ي‪ ،‬فان النص يطرح‬

‫صعوبة على مستوى دقة العبارتين‪ ،‬ويمكن القول بان االستعمال يكون تعسفيا‬

‫او تدليسيا حينما يتم االنحراف عن الغرض او الغاية من معالجة املعطيات‬

‫الشخصية‪ .657‬وفيما يتعلق بإيصال املعطيات الى اغيار غير مؤهلين‪ ،‬فيقصد به‬

‫ارسال هذه املعطيات الى اشخاص يمنع القانون توصلهم بها‪ .‬وال يشترط هنا تسبب‬

‫هذا االمر في املس بالحياة الخاصة للشخص املعني بل تعتبر الجريمة قائمة بمجرد‬

‫إيصال املعطيات الشخصية الى اغيار غير مؤهلين باستالمها‪ .‬ومن النوازل في هذا‬

‫الصدد‪ ،‬قضية "شركات التامين الفرنسية" باالشتراك مع بعض العاملين في شركة‬

‫كهرباء فرنسا»‪ ، «EDF‬وفي وقائعها توصل عدد من األشخاص عند انتقالهم الى‬

‫مساكنهم الجديدة‪ ،‬بخطابات تتضمن عرضا من احدى شركات التامين لتامين‬

‫منازلهم الجديدة‪ .‬وبعد تحري املعنيين باألمر‪ ،‬تبين ان االمر يتعلق بشركة الكهرباء‬

‫‪656‬المادة ‪ 8/6‬من القانون ‪02-08‬‬


‫‪ 657‬ادم عبد البديع ادم حسين‪ " ،‬الحق في حرمة الحياة الخاصة ومدى الحماية التي يكفلها له القانون الجنائي‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬رسالة‬
‫الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 8000 ،‬ص ‪578‬‬

‫‪P 522‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ،‬مما دفعهم الى تقديم شكوى الى اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات التي‬

‫قامت بدورها بالتحريات الالزمة التي يجيزها لها قانون ‪ 6‬يناير ‪ ، 3292‬فتوصلت‬

‫الى ان شركة التامين تسير أنشطتها عن طريق نظام للمعالجة االلية للمعلومات‬

‫االسمية دون ترخيص بذلك من قبل اللجنة املذكورة‪ ،‬وان املعلومات املبرمجة قد‬

‫حصلت عليها بصورة غير مشروعة بمساعدة بعض مستخدمي شركة كهرباء فرنسا‬

‫مقابل مبالغ مالية وهو ما أدى الى متابعة مسؤولي شركة التامين وعمال شركة‬

‫الكهرباء املتورطين امام محكمة باريس االبتدائية التي ادانت في حكمها الصادر‬

‫بتاريخ ‪ 36‬دجنبر ‪ 3224‬عمال شركة الكهرباء بجريمة افشاء بيانات شخصية‪،‬‬

‫وإدانة مسؤولي شركة التامين بجرائم أخرى‪.658‬‬

‫‪ -‬املعالجة دون رض ى الشخص املعني باألمر‪ :‬تنص املادة ‪ 56‬من القانون ‪-12‬‬

‫‪ 12‬على انه "يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر الى سنة وبغرامة من ‪ 81111‬الى‬

‫‪ 811111‬درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بمعالجة معطيات‬

‫ذات طابع شخص ي خرقا ألحكام املادة ‪ 4‬أعاله"‪ .‬اما جريمة االعتداء على حقوق‬

‫الشخص املعني‪ ،‬فقد نصت عليها املادتان ‪ 51‬و‪ 52‬من القانون ‪ .12-12‬وتكون هذه‬

‫الجريمة متحققة اما برفض حقوق الولوج او التصريح او التعرض او بالقيام‬

‫باملعالجة رغم تعرض الشخص املعني‪ ،‬ويعاقب عليها بغرامة مالية من ‪ 81111‬الى‬

‫‪ 811111‬درهم‪ ،‬او إذا تمت معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي التي تهم‬

‫‪ 658‬نائلة عادل محمد فريد قورة‪" ،‬جرائم الحاسب االلي االقتصادية‪ ،‬دراسة نظرية وتطبيقية"‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ، 8006 ،‬ص‬
‫‪808‬‬

‫‪P 523‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫شخصا ذاتيا رغم تعرضه‪ ،‬إذا كان هذا التعرض مبنيا على أسباب مشروعة‪ ،‬او‬

‫إذا كان الغرض من املعالجة القيام بأعمال االستقراء‪ ،‬ال سيما التجاري‪ ،‬على نحو‬

‫ما هو منصوص عليه في املادة ‪ 2‬من هذا القانون او عبر وسائل الكترونية وفق‬

‫املادة ‪ 31‬من هذا القانون‪ ،‬وحددت العقوبة على هذا الفعل في الحبس من ثالثة‬

‫اشهر الى سنة وغرامة مالية من ‪ 81111‬الى ‪ 811111‬درهم او بإحدى هاتين‬

‫العقوبتين‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة أخيرا‪ ،‬الى ان جريمة االعتداء على حقوق الشخص املعني‬

‫بصورتيها هي جريمة شكلية ال يشترط لقيامها تحقق نتيجة معينة كإلحاق الضرر‬

‫بالحياة الخاصة للفرد‪ ،‬بل تكون الجريمة قائمة بمجرد رفض حقوق الشخص‬

‫املعني‪ ،‬او اجراء املعالجة رغم تعرضه‪.‬‬

‫اما فيما يخص الجرائم املاسة بالقواعد الشكلية للمعالجة‪ ،‬فنذكر منها‬

‫جريمة املعالجة في غياب التصريح او االذن‪ ،‬التي نصت عليها املادة ‪ 58‬من القانون‬

‫‪ 12-12‬التي جاء فيها انه‪ ":‬دون املساس باملسؤولية املدنية اتجاه األشخاص الذين‬

‫تعرضوا ألضرار نتيجة هذه املخالفة‪ ،‬يعاقب بغرامة من ‪ 31111‬الى ‪ 311111‬درهم‬

‫كل من انجز ملف معطيات ذات طابع شخص ي دون التصريح بذلك او الحصول‬

‫على االذن املنصوص عليه في املادة ‪ 38‬أعاله او واصل نشاط معالجة املعطيات‬

‫ذات الطابع الشخص ي رغم سحب وصل التصريح او االذن‪ .‬اما جريمة معالجة‬

‫املعطيات الحساسة بدون رض ى مسبق‪ ،‬فقد جاء النص عليها في املادة ‪.59‬‬

‫‪P 524‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كما افرد القانون ‪ 12-12‬مجموعة من العقوبات ذات الطابع اإلداري على‬

‫الجهات التي ال تحترم املقتضيات والقواعد املتعلقة بحماية املعطيات ذات الطابع‬

‫الشخص ي ويمكن ان ترتقي هذه العقوبات الى الطابع الجنائي حسب مستوى‬

‫خطورة املخالفات املرتكبة‪ ،‬حيث قد تصل العقوبات الى سنتين حبسا وغرامة‬

‫قدرها الف درهم على كل جهة تعمل على معالجة معطيات ذات طابع شخص ي‪،‬‬

‫دون موافقة صريحة من األشخاص املعنيين‪ ،‬تبين بشكل مباشر او غير مباشر‬

‫األصول العرقية او االثنية او اآلراء السياسية او الفلسفية او الدينية‪ ،‬او االنتماءات‬

‫النقابية لألشخاص املعنيين او املتعلقة بصحتهم‪ .‬كما يعاقب بثالثة أشهر وبغرامة‬

‫تتراوح بين ‪ 81111‬الى ‪ 811111‬درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬كل من قام‬

‫او عمل على القيام بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي دون انجاز اإلجراءات‬

‫الهادفة الى حماية املعطيات املنصوص عليها في املادتين ‪ 81‬و‪ 84‬من هذا القانون‪،‬‬

‫وتطبق نفس العقوبات على كل من قام بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي تهم‬

‫شخصا ذاتيا رغم تعرضه‪ ،‬خصوصا إذا كانت املعالجة ذات طابع تجاري‪ ،‬او في‬

‫حالة نقل معطيات ذات طابع شخص ي نحو دولة اجنبية خرقا ألحكام املادتين ‪41‬‬

‫و‪ 44‬من القانون ‪.12-12‬‬

‫على مستوى بعض القوانين االخرى‬ ‫‪‬‬

‫وفي خضم الثورة التكنولوجية وما يرافقها من رواج كبير للمعلومات‬

‫والصور‪ ،‬ظهرت مجموعة من الجرائم املستحدثة التي تلحق الضرر باألفراد‬

‫‪P 525‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبحرمة حياتهم الخاصة‪ ،‬مما فرض على املشرع املغربي التحرك السريع‬

‫واالستجابة ملبدأ الشرعية الجنائية وذلك بسن قوانين وتعديل أخرى لضمان‬

‫الحماية القانونية الكافية للحق في الحياة الخاصة‪ .‬وهكذا أدخلت تعديالت على‬

‫القانون الجنائي من خالل قانون محاربة العنف ضد النساء رقم ‪ 331-31‬الذي‬

‫دخل حيز التنفيذ في ‪ 38‬شتنبر ‪ ،8132‬والذي جرم في الفصول ‪ 449-3‬و‪ 449-8‬و‪-1‬‬

‫‪ 449‬عددا من األفعال التي اعتبرها ماسة بحرمة الحق في الحياة الخاصة خصوصا‬

‫املرتكبة بواسطة وسائل معلوماتية ‪.‬‬

‫ولعل من أبرز اشكال االعتداء الجنائي‪ ،‬جريمة التشهير والتقاط او تسجيل‬

‫او نقل الصورة‪ .659‬حيث جرم املشرع املغربي التشهير باعتباره يمس بكرامة االفراد‬

‫وشرفهم وذلك ببث او توزيع صور للمس بحياتهم الخاصة وهو ما نص عليه‬

‫الفصل ‪ 449-8‬من القانون الجنائي الذي جاء فيه انه‪ ":‬يعاقب بالحبس من سنة‬

‫واحدة الى ثالثة سنوات وغرامة من ‪ 8111‬الى ‪ 81111‬درهم‪ ،‬كل من قام باي وسيلة‬

‫بما في ذلك األنظمة املعلوماتية‪ ،‬ببث او توزيع تركيبة مكونة من اقوال شخص او‬

‫صورته‪ ،‬دون موافقته‪ ،‬او قام ببث او توزيع ادعاءات او وقائع كاذبة‪ ،‬بقصد املس‬

‫بالحياة الخاصة لألشخاص او بالتشهير بهم‪".‬‬

‫وتتحقق جريمة التقاط او تسجيل او نقل الصورة في حاالت ثالث‪ :‬اولها إذا‬

‫قام الفاعل بتثبيت او تسجيل او بث او توزيع صورة شخص اثناء تواجده في مكان‬

‫‪ 659‬كمال شكوك‪" ،‬الحق في الصورة"‪ ،‬بحث لنيل الماستر في القانون المدني‪ ،‬جامعة ابن زهر‪،‬اكادير ‪ ،8086‬ص ‪25‬‬

‫‪P 526‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خاص دون موافقته‪ ،‬عمدا او باي وسيلة‪ ،‬وتكون العقوبة هي الحبس من ستة‬

‫أشهر الى ثالثة سنوات وغرامة من ‪ 8111‬الى ‪ 81111‬درهم‪ ،‬حسب منصوص‬

‫الفصل ‪ 3-449‬من القانون الجنائي (الفقرة الثانية)‪ ،‬ثانيها ان قام الشخص ببث‬

‫او توزيع تركيبة مكونة من اقوال شخص او صورته دون موافقته‪ ...‬فان العقوبة‬

‫تكون بالحبس من سنة واحدة الى ثالث سنوات وغرامة من ‪ 8111‬الى ‪ 81111‬درهم‬

‫حسب ما نص عليه الفصل ‪ ،449-8‬اما ثالثها فيكون في حالة العود او ارتكاب‬

‫الجريمة من طرف الزوج او الطليق او الخاطب او احد الفروع او احد األصول او‬

‫الكافل او شخص له والية او سلطة على الضحية او مكلف برعايتها او ضد امرأة‬

‫بسبب جنسها او ضد قاصر‪ ،‬ترفع العقوبة الى الحبس من سنة واحدة الى خمس‬

‫سنوات وغرامة من ‪ 5111‬الى ‪ 51111‬درهم طبقا ملا جاء في الفصل ‪ 449-1‬من‬

‫القانون الجنائي‪.‬‬

‫وفي نفس إطار حماية حرمة الحق في الحياة الخاصة‪ ،‬حرص املشرع املغربي‬

‫على ايالئه مساحة مهمة من االهتمام ضمن بعض القوانين الخاصة كالقانون ‪-31‬‬

‫‪ 22‬املتعلق بالصحافة والنشر الذي جرم القذف واملس بالحياة الخاصة‪ .‬وقد تم‬

‫تعريف هذا الجرم في املادة ‪ 21‬من قانون الصحافة على انه‪« :‬يعد قذفا ادعاء‬

‫واقعة او نسبتها الى شخص او هيئة‪ ،‬إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف او اعتبار‬

‫الشخص او الهيئة التي نسبت اليه او اليها"‪ ،‬كما عرفه القضاء املغربي على انه‬

‫‪P 527‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫االدعاء او االتهام علنا بواقعة محددة تمس شرف واعتبار الشخص املنسوبة له‪.660‬‬

‫والقذف املجرم من وجهة نظر املشرع قد يكون موجها الى شخص ذاتي او شخص‬

‫معنوي او الهيئات املنظمة او بعض األشخاص بسبب صفاتهم ومهامهم او كان‬

‫موجها الى األموات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬وطبقا لنص املادة ‪ 22‬التي تعتبر تدخال في‬

‫الحياة الخاصة "كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه وذلك عن طريق اختالق‬

‫ادعاءات او افشاء وقائع او صور فوتوغرافية او أفالم حميمية ألشخاص او تتعلق‬

‫بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها عالقة وثيقة بالحياة العامة او تأثير على تدبير‬

‫الشأن العام"‪ .‬وقد ايدت محكمة النقض هذا التوجه في احدى قراراتها التي جاء‬

‫فيها ان "لكل انسان الحق في االعتراض على نشر صورته بدون اذن منه‪ ،‬ورتب على‬

‫نشر صورة الشخص بدون اذنه الحكم بتعويضه جبرا للضرر الناتج عن الفعل‬

‫الضار"‪.661‬‬

‫ويعاقب هذا التدخل في الحياة الخاصة إذا تم نشره دون موافقة الشخص‬

‫املعني باألمر او دون رضاه املسبقين بغرامة من ‪ 31111‬الى ‪ 311111‬درهم وهي‬

‫العقوبة املنصوص عليها في الفقرة الثانية من املادة ‪ 25‬إضافة الى احتمال الحكم‬

‫بتعويض مدني‪.‬‬

‫‪660‬قرار صادر عن محكمة االستئناف‪ ،‬رقم ‪ 8788‬بتاريخ ‪ 8000/88/88‬ملف رقم ‪ 8000/8/8000‬المحاكم المغربية‪،‬ع ‪ 22‬ص‬
‫‪805‬‬
‫‪ 661‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0887‬بتاريخ ‪ /06/8008 82‬ملف مدني رقم ‪8008/0/8775‬‬

‫‪P 520‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وال تعتبر جرائم الصحافة قائمة اال إذا نتجت عن النشر كيفما كانت‬

‫الوسيلة املستعملة حسب ما جاء في نص املادة ‪ 98‬من قانون الصحافة والنشر‪،‬‬

‫حيث تكون بالخطب او الصياح او التهديدات املفوه بها في األماكن او االجتماعات‬

‫العمومية او املكتوبات واملطبوعات املبيعة او املوزعة او املعروضة للبيع او‬

‫املعروضة في األماكن واالجتماعات العمومية او امللصقات املعروضة على انظار‬

‫العموم او النشر بمختلف وسائل االعالم السمعية البصرية او االلكترونية واية‬

‫وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية‪.‬‬

‫كما يعاقب نفس القانون على نشر أفعال السب والقذف بشكل مباشر او‬

‫بالنقل عن مصدر اخر‪ ،‬وللضحية الحق في اختيار الجهة التي يرغب في متابعتها‬

‫ممن قاموا بنشر السب والقذف‪.‬‬

‫ونصت املادة ‪ 312‬من قانون الصحافة والنشر على سن إجراءات احترازية‬

‫قبل البث في دعوى السب والقذف او اإلساءة للحياة الخاصة او الحق في الصورة‬

‫عبر تمكين املحكمة من ان تامر بحجز كل عدد من املطبوع الذي نشرت فيه املادة‬

‫موضوع الدعوى او سحب املادة من الصحيفة االلكترونية بحكم مشمول بالنفاذ‬


‫املشتكي‪662.‬‬ ‫املعجل بناء على ملتمس من النيابة العامة او بناء على طلب من‬

‫وفي ختام هذا العمل نقول ان حرمة الحق في الحياة الخاصة من الحقوق‬

‫االصيلة للفرد‪ ،‬لكنه ليس حقا مطلقا وال يجب ان ينسينا بعض االستثناءات التي‬

‫‪662‬شرفة البقالي‪" ،‬الحق في الصورة‪ ،‬اية حماية (على ضوء قانون الصحافة الجديد)"‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬عدد ‪ ،50‬يونيو ‪8082‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يمكن ان تحد منه او تقننه بشكل خاص دون تعسف إذا تعلق االمر بإكراهات‬

‫تمس امن وسالمة الدولة واملجتمع او وجود عناصر من الحياة الخاصة مرتبطة‬

‫بالحياة العامة ككل‪ .‬وقد عمل املشرع سواء وطنيا او دوليا على صياغة القوانين‬

‫وتعديلها باستمرار لحماية حقوق األشخاص الذاتيين من انتهاك حياتهم الخاصة‬

‫رغم الصعوبات واالكراهات املتعددة خصوصا التي تفرضها الثورة التكنولوجية‬

‫الحديثة‪ .‬لكن يجدر القول كذلك ان مسؤولية هذه الحماية ال تقع فقط على عاتق‬

‫املشرع‪ ،‬بل تخاطب الوعي املجتمعي عموما بضرورة صون هذا الحق‪.‬‬

‫‪P 538‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املراجع‪:‬‬

‫مؤلفات ودراسات‬
‫‪ ‬عبد املجيد كوزي "الحماية القانونية للحياة الخاصة في املجال‬
‫املعلوماتي"‪8132 ،‬‬
‫‪ ‬بولين انطونيوس‪ ":‬الحماية القانونية للحياة الشخصية في مجال‬
‫املعلوماتية دراسة مقارنة " منشورات الحلبي بيروت‪.8112‬‬
‫‪ ‬علي احمد عبد الزغبي‪" ،‬الحق في الخصوصية في القانون الجنائي‪-‬دراسة‬
‫مقارنة" املؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان الطبعة األولى ‪8116.‬‬
‫‪ ‬احمد فتحي سرور‪" ،‬الحماية الجنائية ألسرار االفراد في مواجهة النشر"‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪.3223 ،‬‬
‫‪ ‬وليد سليم النمر‪" ،‬حماية الخصوصية في االنترنت‪-‬دراسة مقارنة" ‪ ،‬دار‬
‫الفكر الجامعي‪ ،‬الطبعة األولى ‪8139‬‬
‫‪ ‬نائلة عادل محمد فريد قورة‪" ،‬جرائم الحاسب االلي االقتصادية‪ ،‬دراسة‬
‫نظرية وتطبيقية"‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪8116 ،‬‬
‫‪ ‬عفيفي كامل عفيفي‪" ،‬جرائم الكمبيوتر وحقوق املؤلف واملصنفات الفنية‬
‫ودور الشرطة والقانون‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬منشورات الحلبية الحقوقية‪،‬‬
‫لبنان‪8111‬‬
‫‪ ‬أسامة عبد هللا قايد‪ " ،‬الحماية الجنائية الخاصة وبنوك املعلومات‪،‬‬
‫دراسة مقارنة"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪ ،8‬القاهرة ‪3222‬‬
‫‪ Jean carbonnier (J) « le droit à etre laissé tranquille » droit civil‬‬
‫‪Tom1 -‬‬
‫‪ John .H.F shattuck : « right of privacy » copyright by national test‬‬
‫‪book company 1977 -‬‬

‫‪P 531‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

 J. Carbonier « Droit civil, les personnes », T.I, PUF, 1990, 17e ED-
 Monique Raymond, « Le secret de la vie privée, et l’information
en droit privé », 1978-
 Nerson Roger, « La protection de l’intimité »-
 André Lucas, Jean Deveze et Jean Frayssinet, « Droit de
l’informatique et de l’Internet », presses universitaires de
France,Economica, Paris 2001
 Michel Bibent, « Le droit de traitement de l’informatique » »,
Nathan/ HER, Paris 2000-
 Yves Mayaud, Code pénal, 106e éd. Dalloz, Paris 2009
 Christian Féral-Schuhl, Cyberdroit, « Le droit à l’épreuve de
l’Internet »,3e édition, Dunod, Paris , 2002
 Christopher John Millard, « Légal protection of computer
programmes and Data », sweet a Marwell, 1985-
‫ مقاالت وتقارير‬،‫ بحوث‬،‫رسائل‬
‫ " الحق في حرمة الحياة الخاصة ومدى‬،‫ ادم عبد البديع ادم حسين‬
‫ رسالة الدكتوراه في‬،"‫ دراسة مقارنة‬،‫الحماية التي يكفلها له القانون الجنائي‬
8111 ،‫ جامعة القاهرة‬،‫الحقوق‬
،‫ بحث لنيل املاستر في القانون املدني‬،"‫ "الحق في الصورة‬،‫ كمال شكوك‬
.8136 ‫ اكادير‬،‫جامعة ابن زهر‬
‫ "حرمة املسكن بين حماية الحق في الحياة الخاصة وضرورة‬،‫ بشرى ناده‬
،‫ بحث لنيل املاستر في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية‬،"‫العدالة الجنائية‬
8136 ‫ فاس‬،‫جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‬

P 532 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬مريم احمد مسعود‪" ،‬اليات مكافحة جرائم تقنية تكنولوجيا االعالم‬


‫واالتصال في ضوء قانون ‪ " 14-12‬مذكرة لنيل املاجستير تخصص القانون‬
‫الجنائي‪ 8131-8138-‬الجزائر‬
‫‪ ‬سليم جالد‪ " ،‬الحق في بين الخصوصية بين الضمانات و الضوابط في‬
‫التشريع الجزائري والفقه اإلسالمي"‪ ،‬جامعة وهران ‪8134‬‬
‫‪ ‬نور الدين الناصري‪" ،‬النظام القانوني للحق في الحياة الخاصة‪ -‬دراسة في‬
‫ضوء التشريع املغربي واملقارن" مجلة الفقه والقانون‪ ،‬ع التاسع ‪8131‬‬
‫‪ ‬سعاد الشيخ ماء العينين ‪":‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة في مواجهة‬
‫االعالم" رسالة املاستر جامعة الدول العربية املنظمة للتربية و الثقافة و العلوم‬
‫معهد‬
‫البحوث و الدراسات العربية قسم الببحوث و الدراسات القانونية ‪8134‬‬
‫‪ ‬شرفة البقالي‪" ،‬الحق في الصورة‪ ،‬اية حماية (على ضوء قانون الصحافة‬
‫الجديد)"‪ ،‬مجلة املعيار‪ ،‬عدد ‪ ،51‬يونيو ‪8132‬‬
‫‪ ‬فؤاد بوظنيشط‪" ،‬الحماية الجنائية للحق في حرمة الحياة الخاصة"‪،‬‬
‫مجلة الخزامى للدراسات القانونية واالجتماعية‪ ،‬العدد األول ‪8132‬‬
‫‪ ‬غنام محمد غنام‪" ،‬الحماية اإلدارية والجنائية لألفراد عند تجميع بياناتهم‬
‫الشخصية في أجهزة الكمبيوتر"‪ ،‬مجلة االمن والقانون‪ ،،‬ع ‪ 8‬يوليوز ‪8111‬‬
‫‪Arian Mole, » Le nouveau droit des flux transfrontières des ‬‬
‫‪-données personnelles », Rev. Dr, soc. , n 12 déc. 20O4‬‬
‫‪Rapport de la CNIL, « voix, image et protection des données ‬‬
‫‪-personnelles », 1996‬‬
‫نصوص قانونية واجتهادات قضائية‬
‫‪ ‬القانون‪ 09-08‬املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات‬
‫ذات الطابع الشخص ي‪.‬‬

‫‪P 533‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ ‬القانون ‪ 11-19‬املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة االلية للمعطيات‬


‫‪ ‬القانون رقم ‪ 331-31‬املتعلق بمحاربة العنف ضد النساء‬
‫‪ ‬القانون ‪ 22-31‬املتعلق بالصحافة والنشر‬
‫‪ ‬قانون العقوبات الفرنس ي‬
‫‪ ‬القانون ‪ 17-78‬لسنة ‪ 3292‬املتعلق باملعلوميات والحريات‬
‫‪ ‬النظام األوربي العام رقم ‪ 692/8136‬واملتعلق بحماية األشخاص الذاتيين‬
‫تجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي‬
‫‪ ‬مرسوم رقم ‪ 365-12-8‬صادر في‪ 85‬من جمادى األولى ‪ 1430/21‬ماي ‪8112‬‬
‫لتطبيق القانون رقم ‪ 12.12‬املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه‪.‬‬
‫معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي ‪,‬ج ر عدد ‪ 5944‬بتاريخ ‪ 84‬من‬
‫جمادى االخرة ‪ 3411‬املوافق (‪ 32‬يونيو ‪.)8112‬‬
‫‪ ‬قرار صادر عن محكمة االستئناف‪ ،‬رقم ‪ 2932‬بتاريخ ‪ 19/12/2000‬ملف‬
‫رقم ‪ 2000/1/2000‬املحاكم املغربية‪،‬ع ‪.22‬‬
‫‪ ‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 1389‬بتاريخ ‪ 2009/06/ 82‬ملف مدني رقم‬
‫‪.8112/3/8995‬‬
‫‪ -‬اململكة املغربية‪ ،‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرؤية‬
‫االستراتيجية لإلصالح ‪.8111-8135‬‬
‫‪ -‬اململكة املغربية‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي‬
‫الجديد – تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه‬
‫للجميع‪ -‬التقرير العام‪ ،‬أبريل ‪.8183‬‬
‫‪ -‬اململكة املغربية‪ ،‬اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين‪ ،‬امليثاق الوطني لتربية‬
‫والتكوين‪ ،‬الرباط‪ ،‬يناير ‪.8111‬‬

‫‪P 534‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -‬القانون اإلطار رقم ‪ 53.39‬املتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث‬


‫العلمي‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.32.331‬بتاريخ ‪ 9‬ذي الحجة ‪3441‬‬
‫(‪ 2‬أغسطس ‪ .)8132‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6215‬بتاريخ ‪ 39‬ذو الحجة ‪3441‬‬
‫(‪ 32‬أغسطس ‪.)8132‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 3.11.811‬صادر في ‪ 35‬من صفر ‪ 32( 3483‬ماي ‪)8111‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 19.11‬القاض ي بإحداث األكاديميات الجهوية للتربية‬
‫والتكوين‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 4922‬بتاريخ ‪ 83‬صفر ‪ 85( 3483‬ماي ‪ )8111‬ص‬
‫‪.3323‬‬
‫‪ -‬املقرر املشترك رقم ‪ 9852‬بين وزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي ووزارة‬
‫االقتصاد واملالية بتاريخ ‪ 19‬أكتوبر ‪ ،8136‬الذي ينظم وضعية األساتذة‬
‫املتعاقدين‪.‬‬
‫‪ -‬املقرر املشترك رقم ‪ 9295‬بين وزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي ووزارة‬
‫االقتصاد واملالية بتاريخ ‪ 13‬نونبر‪ ،8136‬الذي ينظم التوظيف بالتعاقد‬
‫باألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪.‬‬
‫‪ -‬املذكرة اإلطار رقم ‪ 122-35‬بتاريخ ‪ 38‬أكتوبر ‪ ،8135‬الصادرة عن وزارة‬
‫التربية الوطنية والتكوين املنهي في شأن التنزيل األولي للرؤية االستراتيجية من‬
‫خالل تفعيل التدابير ذات األولوية‪.‬‬
‫‪ -‬النظام األساس ي الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪،‬‬
‫نموذج جهة الدار البيضاء سطات‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 35‬مارس ‪.8132‬‬
‫‪ -‬وثيقة حافظة املشاريع املندمجة لتفعيل الرؤية االستراتيجية (‪-8181‬‬
‫‪ ،)8135‬الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي‪ ،‬بتاريخ ‪ 33‬يوليوز‬
‫‪.8136‬‬

‫‪P 535‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ عبد الخالق امغاري‬


‫باحث بسلك الدكتوراه‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬سال‬

‫المسؤولية على أساس المخاطر للمرفق العام الطبي‬


‫‪Risk-Based Liability for the Gene‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يرجع الفضل في تطور املسؤولية اإلدارية بدون خطأ إلى تطور أساسها األول‪،‬‬
‫املتمثل في نظرية املخاطر‪ .‬فاعتمادا على هذا األساس استطاع القاض ي اإلداري ـ‬
‫الفرنس ي على وجه الخصوص ـ ابتداع وخلق تطبيقات وحاالت جديدة مبنية عليه‪.‬‬

‫فبعدما كانت نظرية املخاطر يقتصر تطبيقها على األغيار فحسب‪ ،‬توسعت‬
‫لتشمل فيما بعد املتعاونين مع املرافق العمومية‪ ،‬مسخرين كانوا أو متطوعين‪ ،‬ثم‬
‫توسعت أكثر لتشمل حتى املرتفقين‪ ،‬وخصوصا املنتفعين من خدمات املرفق العام‬
‫الطبي؛ فهذا األخير تطورت فيه تطبيقات املسؤولية الطبية بناء على نظرية املخاطر‬
‫بشكل واضح‪ ،‬في سبيل حماية حقوق املتضررين بصفة خاصة‪ ،‬وحقوق اإلنسان‬
‫بصفة عامة‪ .‬وهذا يدفعنا نحو طرح التساؤل التالي‪ :‬إلى أي حد استطاع القاض ي‬
‫اإلداري املغربي التوسع في تطبيق مسؤولية املرافق العامة الطبية حماية لحقوق‬
‫املتضررين من أنشطتها اإلدارية املادية واملشروعة؟ و يفرض هذا التساؤل طرح‬
‫تساؤل آخر حول مدى مسايرة القضاء اإلداري املغربي الجتهاد القضاء اإلداري‬
‫الفرنس ي في تطبيق نظام املسؤولية بال خطأ للمرفق العام الصحي؟‬

‫‪P 536‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ولقد عرفت مسؤولية املرفق العام الطبي بدون خطأ تطورا كبيرا‪ ،663‬حيث‬
‫لم تعد مسؤولية هذا األخير قائمة على أساس الخطأ فحسب‪ ،‬بل أضحى في اإلمكان‬
‫قيامها ولو في غيابه أو باألحرى تعذر إثباته؛ ويظهر ذلك في تحميل هذا املرفق‬
‫مسؤولية التعويض عن األضرار التي يمكن أن تصيب املرتفقين‪ ،‬سواء لحظة‬
‫خضوعهم ملخاطر عالج استثنائي (املبحث األول)‪ ،‬أو لحظة خضوعهم لتلقيح‬
‫إجباري (املبحث الثاني)‪ ،‬أو لحظة إجراء عملية نقل الدم إلى أجسام بعض املرض ى‬
‫املحتاجين إلى هذه املادة الحيوية والخطرة في ذات الوقت (املبحث الثالث)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املسؤولية عن مخاطر العالج االستثنائي في القضاء اإلداري‬


‫الفرنس ي واملغربي‬

‫لم يكن في السابق يستفيد من املسؤولية بناء على فكرة املخاطر إال األغيار‬
‫واملتعاونين مع اإلدارة‪ ،‬أما اليوم فقد أصبح بإمكان حتى املرتفقين من خدمات‬
‫املرفق العام‪ ،‬وتحديدا املرفق العام الطبي االستفادة من هذا النظام القانوني‬
‫االستثنائي للمسؤولية اإلدارية‪.‬‬

‫ففي مستهل عقد التسعينات من القرن املاض ي‪ ،‬عرفت املسؤولية السالفة‬


‫الذكر تطبيقات قضائية جديدة‪ ،‬ابتدعها القضاء اإلداري الفرنس ي‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بالقرارين الهامين الشهيرين الصادرين عن القضاء اإلداري الفرنس ي‪ :‬قرار ‪Bianchi‬‬
‫وقرار ‪ .Gomez‬األول يعرف بحالة املرتفق الخالص (أوال)‪ ،‬واآلخر يعرف بحالة‬
‫املرتفق املساهم ( ثانيا)‪.‬‬

‫‪ - 663‬لمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر عبد الخالق امغاري‪" ،‬المسؤولية اإلدارية بدون خطأ‪ :‬دراسة في نظريتي المخاطر‬
‫والتضامن الوطني"‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬تخصص القضاء اإلداري‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7008/7001‬ص‪.31-12 :‬‬

‫‪P 537‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أوال– قرار ‪ Bianchi‬وحالة املرتفق الخالص‪:‬‬

‫يقصد بمفهوم املرتفق الخالص‪ ،‬ذلك املرتفق أو املنتفع من خدمات املرفق‬


‫العام الصحي بشكل خالص بحت ولحسابه الشخص ي‪.664‬‬

‫وقد جاء قرار ‪ ،Bianchi‬الصادر عن مجلس الدولة الفرنس ي‪ ،‬بتاريخ ‪ 2‬أبريل‬


‫‪ ،6653221‬في وقت كان الجو العام مهيأ لتوسيع مساحة نظرية املخاطر في مجال‬
‫املسؤولية الطبية‪ ،‬السيما وأن ظهور قضاء الخطأ املفترض على وجه الخصوص‬
‫ساهم في التحول شيئا فشيئا‪ ،‬جزئيا ال كليا‪ ،‬نحو املسؤولية اإلدارية بدون خطأ‪،‬‬
‫وتحديدا على أساس املخاطر‪ ،‬خصوصا وأن املشرع الفرنس ي كثيرا ما تدخل بنفسه‬
‫لوضع قوانين للمسؤولية بناء على املخاطر في بعض مجاالت النشاط الطبي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى االتجاهات القضائية املخففة لنظم املسؤولية الطبية والتي عكسها‬
‫بصفة خاصة قرار ‪ ،Gomez‬الذي ظهرت من خالله ألول مرة املسؤولية على أساس‬
‫املخاطر في مجال األعمال الطبية البحتة‪ ،‬ثم قرار ‪ Epoux v‬الذي ودع به القضاء‬
‫اإلداري الفرنس ي الخطأ الجسيم في هذا املجال‪ .666‬وبالتالي‪ ،‬فال غرابة في أن يجد‬
‫مجلس الدولة املناخ مناسبا‪ ،‬ليكمل هذه التطورات ويتوجها بحكم من أحكام‬
‫املبادئ‪ ،‬التي أسست لنظرية املخاطر في مجال النشاط الطبي‪.667‬‬

‫وتتلخص وقائع هذه القضية في أن املريض ‪ Bianchi‬كان قد صادف سلسلة‬


‫من املشاكل الصحية‪ ،‬تجسدت في هبوط ضغط الدم وانهيار حاد مع نوبات دوخة‬

‫‪664‬‬
‫‪- "Dans le cas de figure de l’affaire Bianchi, au contraire, l’acte est accompli dans‬‬
‫‪l’intérêt exclusif du malade".‬‬
‫انظر د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط ‪ ،‬تراجع فكرة "الخطأ" أساسا لمسؤولية المرفق الطبي العام‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،5117،‬ص‪ 06 :‬الهامش رقم (‪.)0‬‬
‫‪C.E, Ass, 9 Avril 1993, Bianchi -‬‬ ‫‪665‬‬

‫‪C.E, 10 Avril 1992, Epoux v. -‬‬ ‫‪666‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 052 :‬و‪.056‬‬ ‫‪667‬‬

‫‪P 530‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وفقدان للتوازن‪ ،‬وبدت عليه عالمات الشلل في الجانب األيمن من الوجه‪ ،‬مما‬
‫تطلب نقله إلى املستشفى العام‪ .‬و حيث تبين ـ ـ و ليس تيقن ـ ـ من خالل الفحص‬
‫اإلكلينيكي لحالته باحتمال وجود خلل ما في الجزء الدماغي‪ ،‬فقد وصف له تصوير‬
‫شعاعي مفصلي تحت التخدير العام‪ ،‬وعند إفاقته من التخدير‪ ،‬اتضح إصابته‬
‫بشلل رباعي (األطراف األربعة)‪.‬‬

‫وفي املرحلة األولى من التقاض ي رفضت املحكمة اإلدارية بمرسيليا في ‪ 2‬نونبر‬


‫‪ 3224‬دعوى التعويض التي أقامها السيد ‪ ،Bianchi‬بدعوى انتفاء أي خطأ من‬
‫جانب املستشفى‪ ،‬حيث ال يوجد أي دليل يسمح بالشك بوجود خطر خاص لرد‬
‫فعل من املتضرر ضد مادة اليود )‪ ،(Iode‬وبأن الجرعة التي أعطيت له لم تكن‬
‫أكثر من الالزم‪.‬‬

‫وأمام هذا الرفض‪ ،‬استأنف املدعي دعواه أمام مجلس الدولة‪ ،‬الذي قض ى‬
‫في ‪ 81‬شتنبر ‪ 3222‬بإجراء خبرة حول بعض األمور الفنية الخاصة بتأثير محلول‬
‫الصيغة الالزم إلجراء األشعة‪ ،‬والذي حقن به املريض فيما حدث له من أضرار بعد‬
‫ذلك‪ ،‬مع استبعاد بعض دفوع املدعي‪.‬‬

‫وبعد إيداع تقرير الخبير‪ ،‬تبين ملجلس الدولة الفرنس ي أن األضرار التي لحقت‬
‫بالسيد ‪ Bianchi‬وإن ثبت أنها نتيجة مباشرة لعمل طبي‪ ،‬ولم تكن في ذات الوقت‬
‫من تبعات ونتائج مرضه األصلي الذي من أجله دخل املستشفى‪ ،‬إال أنه لم يثبت‬
‫أن هذا العمل الطبي مشوبا بأي خطأ‪ .‬وبالتأسيس على ما سبق‪ ،‬فال يمكن انعقاد‬
‫مسؤولية املستشفى العام إال على أساس تحمل تبعة املخاطر‪ ،‬وهو ما يعني إقرار‬
‫مسؤولية هذا األخير بدون خطأ‪.668‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 056 :‬و ‪ ، 053‬و انظر أيضا‪ :‬د‪ .‬محمد عبد اهلل حمود‪،‬‬ ‫‪668‬‬

‫المسؤولية الطبية للمرافق الصحية العامة‪ ،‬مجلة الحقوق الكويتية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة ‪ ،71‬مارس‪ ،5116‬ص‪:‬‬
‫‪.031‬‬

‫‪P 531‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فمن خالل وقائع قضية السيد ‪ ،Bianchi‬يتبين أن مجلس الدولة قض ى‬


‫بإلغاء حكم املحكمة اإلدارية في مرسيليا‪ ،‬وبتقرير التعويض املناسب له‪ ،‬وذلك على‬
‫أساس فكرة مخاطر العالج االستثنائي ‪.669 Risque thérapeutique‬‬

‫إن هذه الحالة الجديدة للمسؤولية اإلدارية بدون خطأ التي ظهرت بفضل‬
‫قرار ‪ Bianchi‬لم يتم إقرارها إال بناء على جملة شروط‪ ،‬تتسم بالشدة والصرامة‪،‬‬
‫والغاية منها عدم شل عمل األطباء على نحو يمكن في النهاية أن يضر باملرض ى‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫وتتمثل هذه الشروط‪ ،‬حسبما ورد في القرار ذاته‪ ،‬في اآلتي ‪:‬‬

‫أ – أن يكون الفعل الضار عمال طبيا الزما وضروريا لتشخيص حالة املريض‬
‫ولعالجه؛ فقد امتدت صفة أو شرط اللزوم والضرورة حتى إلى عمليات التخدير‬
‫نفسها‪ ،‬بالنظر إلى أن التخدير ليس بذاته وسيلة عالج واستشفاء‪ ،‬وإنما وسيلة‬
‫للحد بقدر اإلمكان من آالم املريض الخاضع لتدخل جراحي‪ .‬فقد أوضحت مفوض‬
‫الحكومة ‪ Mme Pécresse‬في تقريرها أمام مجلس الدولة حول قضية ‪Hôpital-‬‬
‫‪ ،joseph Imbert‬أن أغلب حاالت التدخل الجراحي ال يمكن إجراؤها دون تخدير‪،‬‬
‫مقدرة أنه ال تفرقة بهذا الخصوص بين التخدير الالزم إلجراء العملية الجراحية‬
‫التي ال يستطيع املريض تحمل آالمها‪ ،‬وبين التخدير ملجرد التخلص من أي آالم ولو‬
‫كان باإلمكان احتمالها‪ ،‬لتخلص إلى القول بإمكان توسيع نطاق الضرورة املستوجبة‬
‫بحكم ‪ Bianchi‬في العمل الطبي‪ ،‬ليشمل أيضا بقضائه ما يكون الزما لتنفيذ العالج‬
‫ولو لم يكن بذاته وسيلة استشفاء‪ ،‬وهو ما استجاب إليه املجلس في قراره ‪:‬‬

‫‪ -‬يقول ‪ Jacques Moreau‬في تعليقه على هذا القرار‪:‬‬ ‫‪669‬‬

‫"‪"Le juge administratif..choisit…de créer un nouveau cas de responsabilité pour risque‬‬


‫أورده د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.015 :‬‬

‫‪P 548‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪C.E, 3 Novembre 1997 , Hôpital joseph Imbert d’Arles670‬‬

‫ب – انطواء هذا العمل الطبي على مخاطر طبية معروفة في ذاتها‪ ،‬غير أن‬
‫تحققها فعال يظل مع ذلك أمرا استثنائيا؛ ففي الواقعة محل القرار كان الخطر‬
‫يمثل (‪ )4 - 1‬حوادث لكل (‪ )3111‬حالة تصوير شعاعي مفصلي فقري‪ " ،‬بمعنى‬
‫أن األمر يتعلق بحادثة نادرة إحصائيا"‪.671‬‬

‫فهو إذن‪ ،‬عمل طبي يتضمن خطرا استثنائيا غير مألوف‪ ،‬لكنه نادر الحدوث‬
‫وغير مستبعد كليا‪ .672‬فحينما أجريت األبحاث والدراسات تبين نجاعة هذا العالج‬
‫أو هذه الوسيلة العالجية‪ ،‬كما تبين أنه من املمكن أن تحدث ضررا أو خطرا على‬
‫بعض املرتفقين من خدمات املرفق العام الطبي‪ ،‬ولكن نسبة حدوثها استثنائية‪.‬‬
‫والنتيجة أن هذه املخاطر معلومة ال مجهولة‪ ،‬إال أن حدوثها أمر نادرا جدا‪ ،‬ومن‬
‫ثم فاملسؤولية ال تتقرر في مثل هذه الحالة إال على أساس فكرة مخاطر العالج‬
‫االستثنائي‪.‬‬

‫ج – عدم وجود أي دالئل تشير إلى كون املريض معرضا بصفة خاصة لهذه‬
‫املخاطر‪673‬؛ يتعين عدم توافر العالمات والفحوصات الكاشفة والدالة على أن حالة‬
‫املريض املعالج توضح قابليته أصال لهذه املخاطر‪ ،‬فإذا ما حدث له أي ضرر ناتج‬
‫عن ذلك العمل الطبي الالزم والضروري فله الحق في رفع دعوى التعويض على‬
‫أساس املخاطر‪.‬‬

‫‪ - 670‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ . 013 – 017 :‬وانظر كذلك ‪ :‬د‪ .‬محمد عبد اهلل حمود‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.031 :‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد حمود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.032 :‬‬ ‫‪671‬‬

‫‪672‬‬
‫‪- “ C’est un risque dont la survenance est exceptionnelle, c’est –à – dire à fait inhabituelle‬‬
‫‪au regard de l’évolution normale que connaît un patient soumis à un examen en un traitement‬‬
‫“ ‪médical‬‬
‫انظر ‪ :‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 020 :‬و ‪.025‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.027 :‬‬ ‫‪673‬‬

‫‪P 541‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫د – أن يكون العمل الطبي هو السبب املباشر للضرر الجسيم وليس له‬


‫عالقة بالحالة األصلية للمريض والتي خضع بسببها للعالج أو بالتطور املتوقع لهذه‬
‫الحالة؛ فال يكفي إذن مجرد كون األضرار الحاصلة للمريض هامة وجدية‪ ،‬بل يجب‬
‫أن تكون على درجة قصوى من الخطورة والجسامة‪ ،‬وفي هذا االطار أظهرت‬
‫إحصائية لتطبيقات ‪ Bianchi‬اإليجابية‪ ،‬في الفترة املمتدة من فاتح يناير ‪ 3224‬حتى‬
‫‪ 6‬أبريل ‪ ،8111‬صدور ‪ 9‬قرارات على مستوى مجلس الدولة ومحاكم االستئناف‬
‫اإلدارية‪ ،‬قضت بتعويض املتضررين طبقا لقضاء ‪ ،Bianchi‬إما بسبب وفاة املريض‬
‫أو بسبب عجزه الجسماني بنسبة تتجاوز ‪.67450%‬‬

‫فهذا الشرط ضروري ومنطقي‪ ،‬إذ لو كانت هذه األضرار من تداعيات املرض‬
‫األصلي لفقدت طابعها االستثنائي‪ ،‬وهو لذلك يتكامل مع شرط عدم وجود أي‬
‫دالئل تشير إلى قابلية املريض بصفة خاصة للتعرض للمخاطر محل النظر‪ ،‬ويجب‬
‫أن تحدث هذه األضرار أو املخاطر وقت تنفيذ العالج وليس بعده‪.675‬‬

‫يالحظ إذن‪ ،‬أن مجلس الدولة الفرنس ي بقدر ما هو ماض في توسيع حاالت‬
‫وتطبيقات املسؤولية دون خطأ على أساس املخاطر على املستوى األفقي‪ ،‬بقدر ما‬
‫يجتهد لوضع ضوابط وشروط تضيق من تطبيقها بشكل واضح على املستوى‬
‫العمودي‪ ،‬بغية التوفيق بين املصلحة العامة التي يسعى لبلوغها املرفق العام‬
‫الطبي‪ ،‬وبين املصلحة الخاصة لحقوق املرض ى املتضررين من نشاط هذا األخير‪،‬‬
‫وذلك "تحقيقا العتبارات العدالة وإعماال للمبادئ الدستورية العامة"‪.676‬‬

‫ورغم صرامة تلك الشروط التي وضعها مجلس الدولة الفرنس ي على إثر قراره‬
‫املبدئي في قضية السيد ‪ ،Bianchi‬فإن ذلك لم يمنعه وباقي املحاكم اإلدارية‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 021 :‬و ‪ 022‬وانظر كذلك‪ :‬د‪ .‬محمد حمود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.032 :‬‬ ‫‪674‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 022 :‬الهامش رقم (‪.)0‬‬ ‫‪675‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد عبد اهلل حمود‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.011 :‬‬ ‫‪676‬‬

‫‪P 542‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومحاكم االستئناف اإلدارية‪ ،‬من تطبيق وتوسيع هذا القضاء بل وتثبيته حتى يصير‬
‫مبدأ من املبادئ الكبرى للقضاء اإلداري الفرنس ي‪ .‬ويتأكد ذلك من خالل عدة‬
‫قرارات وأحكام منها ‪:‬‬

‫‪ -‬بالنسبة للمحاكم اإلدارية‪:‬‬

‫‪T.A. de Lille, 22 septembre 1994, consort Prévost centre hospitalier‬‬


‫‪de Seclin, Rec., p.705.‬‬

‫‪ -‬بالنسبة ملحاكم االستئناف اإلدارية ‪:‬‬

‫‪C.A.A. de Lyon ,20 septembre 1993 , Hôpital –joseph Imbert‬‬


‫‪d’Arles ,Rec.,p.470‬‬

‫‪ -‬على مستوى قضاء مجلس الدولة الفرنس ي ‪:‬‬

‫‪C.E. 3 Novembre 1997, Hôpital joseph Imbert d’Arles677‬‬

‫هذا‪ ،‬ويالحظ أن القضاء املغربي سبق وأن أصدر قرارا مثل قرار ‪Bianchi‬‬
‫السالف الذكر‪ ،‬و يتعلق األمر بقرار ملحكمة االستئناف بالرباط في قضية ‪،Pasquis‬‬
‫بتاريخ ‪ 4‬يناير ‪ .3241‬وتتلخص وقائع هذه القضية في أن السيد ‪ ،Pasquis‬الذي‬
‫كان يزاول مهنة تقني في القطاع الفالحي‪ ،‬دخل إلى املستشفى العمومي ملدينة‬
‫‪( Mazagan‬الجديدة حاليا) في ‪ 39‬أبريل ‪ 3216‬وهو في أوج قوته وشبابه‪ ،‬قصد‬
‫تلقي العالج من مرض حاد ألم به‪ ،‬وفور دخوله للمستشفى وصف له الدكتور‬
‫‪ Delanoé‬عالجا‪ ،‬يتمثل في حقنه بثالث حقن من مادة ‪Intramusculaire‬‬
‫‪ ،Quininax‬خالل أيام ‪ 32،39‬و ‪ 32‬أبريل‪ ،‬وفي اليوم الرابع ـ أي في يوم ‪ 81‬أبريل ـ‬
‫حقن أحد املمرضين املدعي املذكور‪ ،‬فأصيب بشلل في اليوم التالي‪ ،‬أي في يوم ‪83‬‬
‫أبريل‪ ،‬وعلى إثر ذلك نقل حاال إلى مستشفى آخر بالدار البيضاء‪ ،‬حيث خضع للعالج‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،143 :‬الهامش رقم (‪.)0‬‬ ‫‪677‬‬

‫‪P 543‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫في هذا املستشفى األخير ملدة ‪ 1‬سنوات‪ ،‬خرج بعدها وقد أصيب بعجز جزئي دائم‬
‫يقدر بنسبة ‪.60%678‬‬

‫ففي هذه القضية‪ ،‬أكدت محكمة االستئناف أنه "إذا كان هناك خطر جسيم‬
‫في تقديم عالج ولو لم تكن له صبغة جديدة صرفة‪ ،‬وجب أن ال يتحمل املريض‬
‫وحده هذا الخطر‪ ،‬بل أن يقتسمه مع املرفق الذي طبقه تطبيقا غير مالئم"‪.679‬‬
‫فقد استبعدت املحكمة املذكورة فكرة قيام املسؤولية في هذه الحالة على الخطأ‬
‫الثابت‪ ،‬لتقيم مسؤولية املرفق العام الطبي بناء على املخاطر؛ ألن نتائج العالج‬
‫الذي تضرر منه السيد ‪ Pasquis‬كانت ضارة وجسيمة‪ ،‬و لكنها لم تكن متوقعة‪.‬‬

‫و هكذا‪ ،‬يبدو أن الشروط التي وضعها مجلس الدولة الفرنس ي من خالل قرار‬
‫‪ ،Bianchi‬والتي على ضوئها استحق هذا األخير تعويضا بناء على نظرية املخاطر‪،‬‬
‫هي تقريبا نفسها التي أقر بموجبها "القضاء املغربي" مسؤولية الدولة املغربية عن‬
‫األضرار الجسيمة التي لحقت السيد ‪.Pasquis‬‬

‫وهذا يعني‪ ،‬أن القضاء املغربي يرجع له الفضل مسبقا‪ ،‬بنحو أكثر من نصف‬
‫قرن‪ ،‬في ابتكار وابتداع حالة جديدة من حاالت مسؤولية اإلدارة بناء على املخاطر‪،‬‬
‫وهي مسؤولية ترتبط بفكرة مخاطر العالج االستثنائي التي لم يكتشفها أو يطبقها‬
‫القضاء اإلداري الفرنس ي إال في العقد األخير من القرن املاض ي‪ .680‬والغريب أن‬
‫الفقه والقضاء املغربيين لم يتوقفا مليا عند قرار‪ ، Pasquis‬ولم يعيراه االهتمام‬

‫‪678‬‬
‫‪- C.A.R, 4 Janvier 1940, Pasquis, N°2122, Recueil des arrêts d’appel de Rabat,‬‬
‫‪Tome X, Années 1939 -1940, Rabat, Imprimerie officielle, 1941, p : 422-425.‬‬
‫‪ - 679‬د‪ .‬ادريس البصري وآخرون‪ ،‬القانون اإلداري المغربي‪ ،‬المطبعة الملكية‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى للنص العربي‪،‬‬
‫‪ ،0111‬ص‪.216 :‬‬
‫‪ -‬ألن قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية ‪ Bianchi‬لم يصدر إال في ‪ 1‬أبريل ‪.0117‬‬ ‫‪680‬‬

‫‪P 544‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫البالغ‪ ،‬رغم أنه يتشابه إلى حد كبير مع قرار ‪ ،Bianchi‬من حيث استعمال وسيلة‬
‫عالجية تقليدية "غير مبتكرة" تنطوي على مخاطر جسيمة‪.681‬‬

‫لكل ذلك‪ ،‬يتوجب على الفقه والقضاء اإلداريين املغربيين إعادة االعتبار ملثل‬
‫هذا القرار املبدئي النموذجي‪ ،‬بإحيائه وتطبيقه في حالة ما إذا عرضت على املحاكم‬
‫اإلدارية ومحاكم االستئناف اإلدارية ببالدنا قضايا من هذا القبيل‪ ،‬ليساهم‬
‫القاض ي اإلداري املغربي – وكما عودنا – في حماية حقوق املرض ى من جهة‪،‬‬
‫وليواكب التطور الذي عرفه القضاء اإلداري الفرنس ي من جهة أخرى‪ .682‬ثم إن‬
‫التطور الكبير الذي جاء به قرار ‪ Bianchi‬واملتعلق بحالة املرتفق الخالص ما هو‬
‫إال تتويج ملسار قضائي بدأ مع قرار ‪ ،Gomez‬ويتجه نحو توسيع املسؤولية على‬
‫أساس املخاطر في املجال الطبي‪.‬‬

‫ثانيا – قرار ‪ Gomez‬وحالة املرتفق املساهم‬

‫يتعين في البداية‪ ،‬اإلشارة إلى أن السيد ‪ Gomez‬لم يكن في مركز‬


‫املرتفق أو املنتفع الخالص من املرفق العام الطبي‪ ،‬بل كان في ذات الوقت مرتفقا‬
‫ومساهما فيما يقوم به املستشفى العمومي من نشاطات‪ ،‬مستهدفا تطوير البحث‬
‫العلمي في مجال العالج بالتقنيات الحديثة‪ ،‬نظرا لقبوله عن طواعية الخضوع‬
‫لوسيلة عالج حديثة غير معلومة نتائجها من قبل‪ .‬لذلك‪ ،‬يطلق على حالة السيد‬
‫‪ Gomez‬بـ "حالة املرتفق املساهم"‪.683‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬ميشيل روسي‪ ،‬المنازعات اإلدارية بالمغرب‪ ،‬ترجمة د‪.‬محمد هيري و د‪ .‬الجياللي أمزيد‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪681‬‬

‫المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،،‬ص‪ ،515 :‬ود‪ .‬أحمد ادريوش‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬البوكيلي للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬القنيطرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،،0111 ،‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ -‬لقد سبق أن وصف األستاذ روسي القرار الصادر في قضية ‪ Pasquis‬بأنه‪ " :‬ابتكار مثير لالهتمام‪،‬‬ ‫‪682‬‬

‫وتجسيد للبيرالية القاضي إزاء الضحية" ‪ ،‬انظر د‪.‬ميشيل روسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.517 :‬‬
‫‪ -‬الباحث أحمد عيسى‪ ،‬مسؤولية المستشفيات الحكومية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة لنيل ماجستير في القانون العام‪،‬‬ ‫‪683‬‬

‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،5111 ،‬ص‪ .33- 36 :‬وانظر كذلك د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.061 :‬‬

‫‪P 545‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويبدو أنه بقدر ما ساهمت التطورات الطبية املستخدمة في املرافق الصحية‬


‫العامة في حل كثير من األمراض املستعصية نهائيا‪ ،‬أو على األقل التخفيف من‬
‫حدتها‪ ،‬بقدر ما تعرضت الثقة بين تلك املرافق وبين املنتفعين من خدماتها للخطر‪،‬‬
‫وذلك بسبب كثرة الحوادث التي وقعت من جراء استخدام التقنيات الطبية‬
‫الفعالة والخطرة في العالج‪ ،‬والتي قد تسفر عن أضرار غير عادية للمرتفقين‪ ،‬وهذا‬
‫ما دفع القاض ي اإلداري الفرنس ي إلى إقرار فكرة مخاطر العالج االستثنائي‪ ،‬قصد‬
‫إيجاد نوع من املصالحة الكافية لصالح املرض ى املتضررين من هذا النوع من‬
‫العالجات والوسائل الطبية الحديثة التي يتم استخدامها ألول مرة‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬قضت محكمة االستئناف اإلدارية ملدينة ليون الفرنسية في‬
‫قرارها الصادر عنها بتاريخ ‪ 83‬دجنبر ‪ 3221‬في قضية عائلة ‪ ،684 Gomez‬بأن‬
‫استخدام التقنيات العالجية الحديثة قد سبب ضررا جسيما غير عادي للمريض‬
‫املعالج‪ ،‬الذي يعتبر من املنتفعين بخدمات املرفق العام الطبي‪ .‬فقد تم عالج الفتى‬
‫‪ Gomez‬الذي كان في الخامسة عشر من عمره واملصاب بتشوه في العمود الفقري‬
‫بطريقة جديدة تسمى طريقة (‪ ،)luqué‬وعلى إثر هذا العالج الجديد أصيب بأضرار‬
‫استثنائية‪ ،‬جعلته يعيش باقي أيامه مشلول األطراف السفلى‪.685‬‬

‫و إزاء عدم تحقق الفائدة التي تعود على املرتفقين من نشاط املرفق العام‬
‫الصحي كما هو الشأن في حالة السيد ‪ ،Gomez‬والتي تتمثل في إعطاء املريض‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول األستاذ ‪:Michel Paillet‬‬


‫‪« Le malade ce qui l’on applique une thérapeutiques nouvelle est considéré en quelque‬‬
‫‪sorte indirectement comme un collaborateur bénévole qui fait progresser les‬‬
‫‪connaissance médicales ».‬‬
‫‪Voir, Michel Paillet, la responsabilité administrative, Dalloz,1996, p : 153.‬‬
‫‪C.A.A., de lyon, 21 Décembre 1990, consorts Gomez -‬‬ ‫‪684‬‬

‫‪ -‬الباحث أحمد عيسى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 31 :‬وانظر أيضا‪ :‬محمد عبد اهلل حمود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪685‬‬

‫‪.037‬‬

‫‪P 546‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫العالج املالئم الذي يحقق شفائه من املرض الذي يعاني منه‪ ،‬لم يتردد القاض ي‬
‫اإلداري الفرنس ي في إقرار املسؤولية دون خطأ للمرفق املذكور‪ .686‬وهو ما يعني‬
‫وجوب تعويض املتضرر بدون خطأ‪ ،‬بسب الضرر االستثنائي الذي تعرض له‬
‫املتضرر‪ ،‬سيما وأن صحة املريض لم تكن تستدعي اللجوء إلى هذا األسلوب الجديد‬
‫من العالج‪.687‬‬

‫إن دراسة وتحليل قرار ‪ ،Gomez‬تبين أن القضاء اإلداري الفرنس ي قد وضع‬


‫ضوابطا وشروطا الستحقاق املرتفق املساهم من خدمات املرفق العام الصحي‬
‫التعويض بناء على املخاطر‪ ،‬وهي كالتالي ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يلجأ الطبيب إلى أسلوب عالجي ال تكون نتائجه معلومة‬
‫تماما وبصورة كاملة‪ :‬ففي قضية ‪ ،Gomez‬لم يكن أسلوب العالج الذي يدعـى بـ‬
‫‪ Luqué‬شائعا ومنتشرا بعد‪ .‬فقد استخدم أوال في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ولم‬
‫يتم استخدامه في فرنسا إال ابتداء من سنة ‪ ،3221‬كما لم يتم إجراء سوى عدد‬
‫محدود من العمليات وفق هذا األسلوب‪ ،‬إضافة إلى أن نتائجه لم تكن معلومة‬
‫تماما نظرا لضآلة وقلة عدد العمليات التي استخدم فيها هذا األسلوب العالجي‬
‫الحديث‪ .‬والسؤال املطروح ‪ -‬كما طرحه الباحث أحمد عيس ى – هو في أي وقت‬
‫يصبح األسلوب العالجي عاديا ومعلوم النتائج ؟ وما هو عدد املرات التي يجب فيها‬
‫استعمال األسلوب العالجي الجديد لكي يصبح معروفا؟‪ .‬أسئلة قد ال نجد لها‬
‫أجوبة‪ ،‬إال بالعودة إلى األطباء أهل الخبرة واالختصاص في مجال علم الطب‪ ،‬مادام‬
‫بإمكان القاض ي اإلداري االستعانة بهم‪.688‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬حمدي علي عمر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.721 :‬‬ ‫‪686‬‬

‫‪ -‬الباحث أحمد عيسى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.31 :‬‬ ‫‪687‬‬

‫‪ -‬الباحث أحمد عيسى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 31 :‬و ‪.32‬‬ ‫‪688‬‬

‫‪P 547‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون األسلوب العالجي الجديد ضروريا للمحافظة على‬
‫حياة املريض‪ :‬ففي قضية ‪ Gomez‬دائما‪ ،‬يالحظ أن حياة هذا األخير لم تكن مهددة‬
‫بالخطر‪ ،‬ومن ثم فالطبيب ليس مضطرا وال مجبرا للجوء إليها‪ ،‬ومع ذلك لجأ إليها‬
‫بقصد عالج املريض أو التخفيف من آالمه‪ ،‬فمثل هذه الحالة تستوجب إقرار مبدأ‬
‫التعويض عن األضرار الجسيمة الناشئة عن استخدامها على أساس فكرة مخاطر‬
‫العالج االستثنائي‪.689‬‬

‫وفي ذات السياق‪ ،‬يرى كل من األستاذين ‪ Moreau‬و ‪ Medouze‬أن إقرار‬


‫القاض ي اإلداري للمسؤولية دون خطأ للمرفق الطبي تجاه املرض ى أنفسهم ـ أي‬
‫املرتفقين املساهمين ـ إنما يستند إلى فكرة مخاطر العالج االستثنائي‪ ،‬وهذا الخطر‬
‫منسوب للتقنية العالجية الجديدة‪ ،‬التي استخدمها الطبيب الجراح بدون ضرورة‬
‫ملحة إلجراء العملية الجراحية‪ ،‬ناهيك عن أن نتائجها لم تكن معلومة تماما ويمكن‬
‫أن تكون عكسية‪ ،‬ومن ثم تعتبر األساس املباشر ملسؤولية املرفق املذكور‪.690‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬يجب أن يحدث األسلوب العالجي الحديث أضرارا استثنائية‬


‫وعلى درجة عالية من الخطورة‪ .‬فقد اعتبر القاض ي اإلداري في قضية ‪ Gomez‬أن‬
‫إصابة الفتى بشلل في أطرافه السفلية بشكل دائم‪ ،‬يشكل ضررا استثنائيا‬
‫وجسيما‪ ،‬ولكنه ال يؤدي إلى درجة تهديد حياته نفسها‪.691‬‬

‫إن قرار ‪ Gomez‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بليون‪ ،‬الذي لم‬


‫يكتب له الطعن فيه بالنقض أمام مجلس الدولة الفرنس ي‪ ،‬أضاف حالة جديدة‬
‫من حاالت تطبيق املسؤولية على أساس املخاطر‪ ،‬وفي املجال الطبي على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬متجاوزا بذلك القضاء املستقر حتى ذلك الحين‪ ،‬والذي كان ال يعتبر‬

‫‪ -‬د‪ .‬حمدي علي عمر‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.721 :‬‬ ‫‪689‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.721 :‬‬ ‫‪690‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،11 :‬والباحث أحمد عيسى‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.36 :‬‬ ‫‪691‬‬

‫‪P 540‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من قبيل الخطأ الطبي الجسيم استعمال طريقة عالج ملجرد أنها لم تكن األفضل‬
‫بين الطرق املتاحة لذلك‪ ،‬مادام ال يشوبها أي مخالفة لقواعد وأصول ممارسة‬
‫املهنة‪ ،692‬وهو ما كان من شأنه في مثل هذه القضية انتفاء املسؤولية؛ ألن هذه‬
‫األخيرة لم تكن قائمة‪ ،‬وفقا للقضاء املتجاوز الحقا‪ ،‬إال على أساس الخطأ الجسيم‬
‫كلما تعلق األمر بمرفق من مرافق الصحة العمومية‪.‬‬

‫ثم إن نظام املسؤولية على أساس املخاطر كان قاصرا على الغير فقط‪ ،‬فجاء‬
‫قرار ‪ Gomez‬و قرار ‪ Bianchi‬السالفي الذكر‪ ،‬فأكد من خاللهما القاض ي اإلداري‬
‫إمكانية استفادة كل مرتفق من خدمات املرفق العام بوجه عام‪ ،‬واملرفق العام‬
‫الطبي بوجه خاص‪ ،‬من نظام املسؤولية اإلدارية دون خطأ وعلى أساس املخاطر‬
‫تحديدا؛ ألن كل واحد منهما لم يجن أي فائدة من املرفق املذكور‪ ،‬بقدر ما أصيب‬
‫بأضرار استثنائية فادحة الخطورة والجسامة‪ ،‬تستدعي لزوما تعويض املتضررين‬
‫منها تعويضا عادال ولو في غياب الخطأ‪.693‬‬

‫و جدير بالذكر‪ ،‬أن اتساع نظام املسؤولية دون خطأ للمرفق العام الصحي‬
‫ليشمل حتى املرض ى على أساس نظرية مخاطر العالج االستثنائي‪ ،‬سوف يحمي‬
‫حرية الطبيب الذي يمارس عمله في املستشفى العمومي في اختيار وسائل العالج‬
‫املناسبة؛ ألنه في حالة إخفاقه لن يتحمل تبعاته‪ ،‬فمسؤولية املستشفى تحل محل‬
‫مسؤولية الطبيب‪ ،‬ماعدا في حالة ارتكابه خطأ شخصيا ال مراء فيه‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فالطبيب إذن لن يدفع التعويض من ماله الخاص بل الدولة هي التي تحل محله‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فلماذا الخوف من إقرار املسؤولية دون خطأ للمرفق العام الطبي مادام‬
‫ثمة خطرا استثنائيا تولد عن نشاط هذا املرفق من ناحية‪ ،‬ومادام التعويض على‬
‫أساس مخاطر العالج االستثنائي مقترنا‪ ،‬وجودا وعدما‪ ،‬بتوفر وتحقق الضوابط‬

‫‪ -‬من ذلك القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي ‪C.E, 27 avril 1990, M.Mirabel‬‬ ‫‪692‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 011 :‬و ‪.010‬‬ ‫‪693‬‬

‫‪P 541‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والشروط التي حددها القضاء اإلداري الفرنس ي في مثل هذه الحاالت والقضايا‪،‬‬
‫من ناحية أخرى؟ أليس في قرار التعويض عن هذه األضرار غير العادية حماية‬
‫لألطباء أنفسهم؟‪ ،‬حيث أنها تحد من تزايد الدعاوى الجنائية املرفوعة ضدهم‪،‬‬
‫فمثل هذه الدعاوى هي التي تؤثر على حريتهم وقدراتهم في اختيار وسائل العالج‬
‫املناسبة والالزمة‪ ،‬بل وقد تهدد مسارهم املنهي‪.694‬‬

‫كل هذا‪ ،‬يمثل في رأي األستاذ حمدي علي عمر أحدث تطور للقضاء اإلداري‬
‫الفرنس ي في مجال استخدام الوسائل العالجية الجديدة (‪ )Gomez‬والتقليدية‬
‫)‪ ،(Bianchi‬وتطوره هذا لم يقف عند هذا الحد كما سنرى الحقا‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫القاض ي اإلداري ليس كالقاض ي العادي الذي يقف عند حدود النص القانوني‪،‬‬
‫إنما يمتــد دوره إلـى إنشاء القواعد القانونية وابتداع الحلول‪ .695‬وهذا ما سيتم‬
‫تأكيده من قبل القاض ي اإلداري أيضا في مناسبات وقضايا أخرى كما هو الشأن‬
‫بالنسبة ملنتجات الدم الخطرة‪ ،‬وكذا فيما يتعلق بمسؤولية الدولة عن مخاطر‬
‫التلقيح اإلجباري واالختياري على حد سواء‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املسؤولية عن مخاطر التلقيح في اجتهاد القضاء اإلداري‬


‫املغربي‬

‫يراد بالتلقيح لغة‪ " :‬وضع اللقاح في الجسم إلكسابه املناعة والقدرة على‬
‫مقاومة األمراض‪ ،‬ويكون التلقيح حقنا باإلبرة أو غير ذلك "‪ .696‬والتلقيح والتطعيم‬
‫مصطلحان يحمالن نفس املعنى اللغوي‪.697‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬حمدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.765 :‬‬ ‫‪694‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪765 :‬‬ ‫‪695‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬جبران مسعود‪ ،‬الرائد‪ :‬معجم لغوي عصري‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬يناير ‪،0131‬‬ ‫‪696‬‬

‫ص‪.116 :‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬المجلد األول‪ .‬ص‪ .111 :‬ويجدر التذكير‪ ،‬أن مصطلح التلقيح مصطلح شائع التداول في‬ ‫‪697‬‬

‫منطقة المغرب العربي‪ ،‬على خالف مصطلح التطعيم السائد استعماله في المشرق العربي عموما‪.‬‬

‫‪P 558‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و ينقسم التلقيح الى نوعين‪ :‬التلقيح االختياري الذي يتم بمحض إرادة املعني‬
‫به‪ ،‬والتلقيح اإلجباري "‪ "la Vaccination Obligatoire‬هو التلقيح أو التطعيم‬
‫املفروض من قبل السلطات العمومية املختصة على األفراد‪ ،‬من أجل تحصيل‬
‫فائدة عامة ترجع على املجتمع برمته‪ ،‬وهذا التلقيح يتسم بطابع اإللزام واإلجبار‬
‫على املواطنين‪ ،‬بغية تجنب انتشار حاالت العدوى والوباء فيه‪ ،‬وفي حالة ما إذا‬
‫أصابهم ضرر خطير من جراء ذلك‪ ،‬فإنه يطبق نظام مسؤولية الدولة بدون خطأ‪،‬‬
‫سواء على أساس املخاطر أو على أساس مبدأ املساواة أمام األعباء العامة‪.698‬‬

‫إن مسؤولية الدولة عن أضرار التلقيح اإلجباري يمكن أن تنبني على نظرية‬
‫املخاطر‪ ،‬بالنظر الحتمال تعرض الفرد للخطر بعد إجراء هذا التلقيح‪ ،‬وألنه من‬
‫الثابت أن التلقيح اإلجباري يمكن أن تنتج عنه مخاطر خاصة لبعض املرتفقين‪،‬‬
‫الذين يحق لهم مطالبة اإلدارة بتعويضهم عما أصابهم من ضرر بسببه‪.699‬‬

‫كما يمكن أن تؤسس هذه املسؤولية على أساس آخر‪ ،‬وهو صحيح كذلك‪،‬‬
‫ويتعلق األمر بمبدأ املساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬حيث تسأل اإلدارة في الحالة التي‬
‫يكون الضرر ناتجا عن التلقيح اإلجباري الذي فرضه القانون‪ ،‬فحينما تفرض‬
‫السلطة اإلدارية على بعض املواطنين التزاما قانونيا‪ ،‬يقتض ي تحمل أعباء خاصة‬
‫باسم الصالح العام‪ ،‬فيجب تعويضهم مقابل هذا العبء الخاص الواقع عليهم‪،‬‬
‫وإال اختل مبدأ املساواة بين األفراد أمام التكاليف العمومية‪ .700‬والخالصة أنه " ال‬
‫يوجد مانع لدى القاض ي اإلداري في أن يحكم بالتعويض على أساس فكرة الخطر‬
‫أو مبدأ املساواة أمام األعباء العامة"‪.701‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬يوسف سعد اهلل الخوري‪ ،‬القانون اإلداري العام‪ ،‬الجزء الثاني ‪ :‬القضاء اإلداري‪،‬مسؤولية السلطة العامة‪،‬‬ ‫‪698‬‬

‫بدون دار النشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ، 0111،‬ص‪ .112 :‬ود‪ .‬حمدي علي عمر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.573 :‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬حمدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 572 :‬و ‪.513‬‬ ‫‪699‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬حمدي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 511 :‬و ‪511‬‬ ‫‪700‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪773 :‬‬ ‫‪701‬‬

‫‪P 551‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وإذا كان القضاء اإلداري الفرنس ي قد عرف ترددا واضحا فيما يخص األساس‬
‫القانوني إلقرار مسؤولية اإلدارة عن مخاطر التلقيح‪ ،‬ولم يتم حسم هذا التردد إال‬
‫بتدخل من املشرع الفرنس ي‪ ،‬فإن القضاء املغربي لم يعرف هذا التردد إطالقا‪،‬‬
‫سواء قبل إحداث املحاكم اإلدارية أو بعد إحداثها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يعتبر القرار الصادر عن محكمة النقض في قضية حمو‬
‫الزويند‪ ،‬بتاريخ ‪ 86‬نونبر ‪ ،3292‬أول قرار قضت فيه محكمة النقض بمسؤولية‬
‫الدولة عن األضرار الالحقة بابن املدعي املذكور نتيجة التلقيح اإلجباري‪ ،‬وهي‬
‫مسؤولية غير خطئية قائمة على أساس نظرية املخاطر‪.702‬‬

‫وتتلخص وقائع هذه النازلة حينما تم التصريح من قبل السلطات املعنية‬


‫خالل سنة ‪ 3269‬بانتشار مرض معد في بعض األوساط املدرسية‪ ،‬وعلى إثر ذلك‪،‬‬
‫اضطرت الجهات املعنية إلى إصدار قرار تنظيمي بتلقيح تالميذ إحدى مدارس فاس‪،‬‬
‫من خالل إعطائهم أقراصا من مادة "الفانازيل" وقاية من ذلك املرض املعدي‪.703‬‬
‫وقد تسببت هذه األقراص في إلحاق ضرر بأحد التالميذ وهو املدعو عبد الناصر‬
‫الزويند‪ ،‬تمثل في البداية في قروح عينية‪ ،‬وانتهى بفقده البصر من عينه اليسرى‬
‫على إثر هذا التلقيح اإلجباري‪ .‬ومن أجل رفع وجبر هذا الضرر‪ ،‬طالب السيد‬
‫الزويند حمو‪ ،‬والد التلميذ املتضرر‪ ،‬من محكمة الدرجة األولى الحكم له‬
‫بالتعويض‪ ،‬إال أنها لم تستجب لطلبه بعلة "عدم ثبوت العالقة السببية بين املرض‬
‫الذي أصاب الطفل وتناول أقراص "الفانازيل"‪ ،‬لكن محكمة االستئناف ألغته‬

‫‪ -‬القرار رقم ‪ ،21 016‬تحت عدد‪ ،716 :‬منشور بمجلة "قضاء المجلس األعلى‪ ،0110 ،‬عدد ‪ ،51‬ص‪7 :‬‬ ‫‪702‬‬

‫أورده كل من ‪ :‬د‪ .‬أحمد ادريوش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .71 :‬ود‪ .‬ميشيل روسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.517 :‬‬
‫‪ -‬ألن التلقيح ال يكون دائما بالحقن بل قد يكون كذلك بواسطة األقراص‪ ،‬مادامت الغاية منه هو الوقاية وليس‬ ‫‪703‬‬

‫العالج‪ ،‬وهو ما يتفق مع المعنى اللغوي السابق الذكر‪.‬‬

‫‪P 552‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وقضت له بالتعويض بحجة أن مسؤولية الدولة هنا ال تقوم على الخطأ"‪ ،‬وهذا‬
‫القرار األخير هو الذي أيدته محكمة النقض‪.704‬‬

‫هذا بالنسبة للتعويض عن مخاطر التلقيح اإلجباري‪ ،‬وأما بالنسبة للتعويض‬


‫عن مخاطر التلقيح االختياري االحتياطي‪ ،‬فقد صدر في هذا املجال حكم حديث‬
‫عن املحكمة اإلدارية بالرباط في قضية عطوش بنعزة‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 31‬نونبر‬
‫‪ ،8112‬قضت فيه بمسؤولية مركز محاربة السعر التابع للجماعة الحضرية‬
‫بالرباط‪ ،‬على أساس املخاطر وليس الخطأ‪.705‬‬

‫وتتمثل وقائع هذه القضية في أنه بتاريخ ‪ 88‬أكتوبر ‪ 3224‬كانت السيدة‬


‫عطوش بنعزة متواجدة باملستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط‪ ،‬وفي نفس‬
‫اليوم أصيبت بخدش على مستوى جسمها تسببت فيه إحدى القطط املتواجدة‬
‫باملستشفى املذكور‪ ،‬ونتيجة لهذا الحادث تم نقلها إلى مركز محاربة السعر بمدينة‬
‫الرباط قصد الكشف عليها ومعرفة مدى خطورة اإلصابة والخدش املذكور‪ ،‬فقام‬
‫املركز املذكور بمعالجتها بمجموعة من الحقن ضد السعر دون إجراء الفحوصات‬
‫والتحاليل الالزمة ملعرفة خطورة اإلصابة ودرجة تسمم جسمها‪ ،‬فتسببت لها في‬
‫أضرار بليغة الزالت تعاني منها الى اليوم‪.‬‬

‫ولهذا السبب‪ ،‬ارتأت املحكمة عرضها على خبرة طبية‪ ،‬خلصت إلى أنه بمجرد‬
‫تلقي املدعية لتلقيح ضد داء السعر االحتياطي بتاريخ ‪ 84‬أكتوبر ‪ ،3224‬أصيبت‬
‫بشلل كامل وإعاقة نهائية أقعدتها على كرس ي متحرك‪ ،‬أما نسبة العجز فقد حددها‬

‫‪ -‬انظر بهذا الصدد‪:‬‬ ‫‪704‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬ادريوش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬


‫‪ -‬د‪ .‬روسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.517 :‬‬
‫‪ -‬الحكم رقم‪ 0357 :‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬بتاريخ ‪ ،5111/00/07‬ملف رقم‪،12/3/106 :‬‬ ‫‪705‬‬

‫في قضية عطوش بنعزة ضد مركز محاربة السعر التابع للجماعة الحضرية بالرباط ‪.‬‬

‫‪P 553‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الخبير بنسبة ‪ ،100%‬أي أن هذا العجز دائم‪ ،‬فضال عن ضرورة االستعانة بشخص‬
‫آخر‪.‬‬

‫ولقد أقرت املحكمة مسؤولية الجماعة الحضرية عن األضرار الالحقة‬


‫باملدعية املذكورة بناء على نظرية املخاطر وليس الخطأ‪ ،‬وذلك استنادا إلى تقرير‬
‫الخبير ذاته حيث أوضح فيه "أن اإلعاقة املذكورة ليست نتيجة خطأ طبي‪ ،‬وإنما‬
‫من اآلثار الخطيرة لتلقيحات تستلزم املوافقة األولية للمعني بها قبل إخضاعه لها‪،‬‬
‫وتشترط تنويره حول املضاعفات االحتمالية التي قد تترتب عنها"‪.‬‬

‫يتضح من خالل ما سبق‪ ،‬الدور املهم الذي أصبح يضطلع به القضاء اإلداري‬
‫املغربي في حماية حقوق اإلنسان بصفة عامة‪ ،‬وحقوق املرض ى املتضررين من‬
‫بعض العالجات الطبية بصفة خاصة‪ ،‬ويتجسد ذلك من خالل إقراره ملسؤولية‬
‫اإلدارة بدون خطأ‪ ،‬وعلى أساس املخاطر‪ ،‬عن األضرار التي قد تصيب بعض‬
‫االختياري‪.‬‬ ‫امللقحين بسبب التلقيح اإلجباري أو التلقيح‬

‫هذا‪ ،‬وإن مسؤولية املرفق العام الصحي القائمة على أساس املخاطر لم‬
‫تتوقف عند هذا الحد‪ ،‬فقد ذهب القضاء اإلداري أبعد من ذلك حينما أقر‬
‫بمسؤوليته حتى عن املنتجات الخطرة املشتقة من الدم‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املسؤولية عن "منتجات الدم الخطرة"‬

‫رغم أن القرن املاض ي كان قرن التقدم العلمي الهائل بصفة عامة‪ ،‬وقرن‬
‫االكتشافات الطبية بصفة خاصة‪ ،‬فإنه قد شهد في عقد الثمانينات أسوأ كوارث‬
‫العالج في التاريخ الحديث‪ ،‬حيث انتشرت على نطاق واسع عن طريق منتجات الدم‬
‫امللوثة أمراض فيروسية‪ ،‬من أبرزها وأشدها فيروس اإليدز وفيروس التهاب الكبد‬
‫"‪ "B‬و "‪.C‬‬

‫‪P 554‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويقصد بمنتجات الدم‪ ،‬طبقا لتعريف منظمة الصحة العاملية ‪ ،‬تلك "املواد‬
‫العالجية املشتقة من دم اإلنسان‪ ،‬وتشمل الدم الكامل ومكونات الدم الصغيرة‬
‫واملنتجات الدوائية املشتقة من البالزما"‪ .706‬وقد ورد ذكرها في الفقرة األولى من‬
‫املادة ‪ 33‬من القانون املغربي رقم ‪ 11.24‬املتعلق بالتبرع بالدم البشري وأخذه‬
‫واستخدامه كما يلي‪ " :‬ال يجوز أن تباشر عمليات تحضير وتسليم مشتقات الدم‬
‫ذات العمر القصير‪ ،‬كالبالزما وخثارات الكريات الحمراء وخثارات الصفيحات‬
‫الناتجة عن عزل الدم الكامل إال باملرافق التابعة للدولة"‪.707‬‬

‫إن مسؤولية املرفق العام الطبي عما صنفه البعض"بمنتجات الدم الخطرة"‬
‫هي حالة جديدة من حاالت املسؤولية على أساس املخاطر لصالح املنتفعين من‬
‫خدماته‪ .‬فالواقع‪ ،‬وكما أشار إلى ذلك تقرير منظمة الصحة العاملية السابق الذكر‪،‬‬
‫يثبت ويؤكد أنه لم يتم بعد تبديد املخاطر املقترنة بانتقال األمراض عن طريق‬
‫الدم‪ ،‬خاصة وأن معظم البلدان النامية لم تحقق بعد مستويات مماثلة‪ ،‬من توفير‬
‫مأمونية كافية وجودة جميع املنتجات املشتقة من الدم مثلما هو الشأن في البلدان‬
‫املتقدمة‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أن ما يخضع له املريض من عمليات نقل الدم ينال‬
‫بشكل خطير من درجة التوافر‪ ،‬وما يتبع من ممارسات غير مأمونة في نقل الدم‬
‫ينتقص بشدة من درجة املأمونية؛ ومثل هذه الوضعية "تعرض املريض الحتمال‬
‫حدوث مضاعفات خطيرة نتيجة لنقل الدم واإلصابة بأمراض من جرائه"‪.708‬‬

‫‪ -‬انظر تقرير عن المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية‪ ،‬الدورة ‪ 052‬والتي عقدت في ‪ 3‬ماي ‪5111‬‬ ‫‪706‬‬

‫ص‪ 0 :‬الهامش رقم (‪ ،)0‬منشور في الموقع اإللكتروني التالي‪http://apps.who.int :‬‬


‫‪ -‬القانون رقم ‪ 17.11‬المتعلق بالتبرع بالدم البشري وأخذه واستخدامه‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬ ‫‪707‬‬

‫‪ 0.12.077‬بتاريخ ‪ 01‬من صفر ‪ 01(0106‬يوليو ‪ ،)0112‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1750‬بتاريخ ‪ 52‬ربيع‬


‫األول ‪ 57) 0106‬أغسطس ‪ ،(0112‬ص‪.5755‬‬
‫‪ -‬انظر تقرير منظمة الصحة العالمية‪ ،‬المصدر السابق ص‪0 :‬و‪.5‬‬ ‫‪708‬‬

‫‪P 555‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إنه بقدر ما تنطوي عليه منتجات الدم من فوائد جمة في إنقاذ أرواح‬
‫املرض ى‪ ،709‬بقدر ما قد تنطوي عليه من مخاطر قد تقلب حياة املريض أو املعالج‬
‫رأسا على عقب‪ ،‬وأهل الطب أعرف الناس بذلك‪ .‬ففي حالة عدم تطبيق معايير‬
‫وضوابط صارمة في انتقاء املتبرعين‪ ،‬وتجهيز الدم املتبرع به‪ ،‬وفحصه‪ ،‬فقد تشكل‬
‫عمليات نقل الدم أو منتجاته نواقل قوية لألمراض والفيروسات الفتاكة‪.710‬‬

‫وفي السياق ذاته‪ ،‬سبق وأن أكد أحد وزراء الصحة السابقين باملغرب‪ ،‬عند‬
‫مناقشة قانون التبرع بالدم‪ ،‬أنه " كيفما كان نوع االحتياطات في ميدان الدم‪ ،‬فال‬
‫يمكن تجنب األخطار التي يمكن أن تصاحب عمليات تحاقن الدم‪ ،‬ذلك أن‬
‫االختصاصيين يؤكدون استحالة تجنبها بشكل مطلق‪ ،‬حيث إن اإلصابة يمكن أن‬
‫تقع في ‪ 4‬في كل مليون عملية تحاقن الدم"‪ .711‬واليوم أصبحت حاالت نقل الدم‬
‫امللوث والفاسد تقدر بنسبة ‪ 1‬في كل ‪ 311.111‬حالة‪.712‬‬

‫ولهذا كله‪ ،‬جرى التساؤل حول طبيعة املخاطر التي تتضمنها عملية نقل‬
‫الدم‪ ،‬ومدى إمكانية تعويض األشخاص املرض ى املنقول إليهم دم فاسد؟‪ .‬وتتمثل‬
‫املشكلة املطروحة هنا‪ ،‬في مدى مسؤولية املراكز العامة لنقل الدم عن الحوادث‬
‫الناشئة عن تلوث الدم الوارد منها ؟ وهل يمكن استبعاد املسؤولية الخطئية‬
‫للمستشفى العمومي بوصفه من تكفل بإجراء التدخل الطبي املستوجب نقل الدم‬
‫للمريض ؟‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬هل يمكن أن تنسب املسؤولية مباشرة إلى مراكز نقل الدم أو ما‬
‫يعرف عندنا بمراكز تحاقن الدم‪ ،‬أم أن املسؤولية عن نقل دم فاسد ستكون‬

‫‪ -‬وخير مثال على ذلك المرضى بالقصور الكلوي‪.‬‬ ‫‪709‬‬

‫‪ -‬انظر تقرير منظمة الصحة العالمية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.5 :‬‬ ‫‪710‬‬

‫‪ -‬نقال عن تقرير لجنة الشؤون االجتماعية والصحة والشبيبة والرياضة بمجلس النواب‪ .‬دوره أبريل ‪،0112‬‬ ‫‪711‬‬

‫ص‪ ،01 :‬أورده د‪ .‬أحمد ادريوش‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬


‫‪ -‬الباحث أحمد عيسى‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.31 :‬‬ ‫‪712‬‬

‫‪P 556‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مسؤولية تضامنية يتحملها كل من املستشفى العام الذي أجرى عملية نقل الدم‪،‬‬
‫واملركز الذي سلم ذلك الدم امللوث ؟‪.713‬‬

‫واعتبارا ألهمية هذه التساؤالت‪ ،‬كان تدخل مجلس الدولة الفرنس ي في األمر‬
‫الزما لحسم تعارض األحكام والقرارات القضائية الصادرة في هذا املجال عن‬
‫املحاكم اإلدارية ومحاكم االستئناف اإلدارية‪ .‬وهو ما توج بثالثة قرارات هامة‬
‫وحديثة أصدرها املجلس املذكور في ‪ 86‬ماي ‪،)N’Guyen ،Jouan ،Pavan( 3225‬‬
‫مقررا فيها مسؤولية مراكز نقل الدم العامة عن حوادث الدم امللوث‪ .714‬و هذا ما‬
‫سنتطرق إليه كما يلي‪:‬‬

‫أوال – املسؤولية عن منتجات الدم الخطرة في القضاء اإلداري الفرنس ي‪:‬‬

‫لقد نسبت االتجاهات القضائية التي سبقت قرارات ‪، Jouan ،Pavan‬‬


‫‪ N’Guyen‬الصادرة في ‪ 86‬مايو ‪ 3225‬املسؤولية مباشرة إلى املستشفى العمومي‪،‬‬
‫الذي وقعت فيه حادثة الدم امللوث والتابعة له مراكز الدم الوارد منها هذا الدم‬
‫الفاسد‪ .‬فاالتجاه الذي اعتمد فكرة املخاطر أساسا للمسؤولية عبرت عنه أحكام‬
‫صادرة عن املحاكم اإلدارية؛ فمثال قضت املحكمة اإلدارية في مرسيليا في قضية‬
‫‪ ،Stefano Pavan‬الذي أصيب بفيروس السيدا وفيروس الكبد الوبائي ‪ C‬في ذات‬
‫الوقت‪ ،‬جراء نقل دم ملوث بهما إلى جسمه أثناء إجرائه لعملية جراحية في‬
‫مستشفى تابع للمؤسسة االجتماعية في مرسيليا‪ ،‬قضت املحكمة املذكورة بقيام‬
‫مسؤولية مركز الدم الوارد منه الدم امللوث على أساس املخاطر‪ ،‬وصدر هذا الحكم‬
‫بتاريخ ‪ 1‬يونيو ‪ 3228‬بعد وفاة السيد ‪ ،Pavan‬الذي تابع ورثته أطوار الدعوى‪.715‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.501 :‬‬ ‫‪713‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤادعبد الباسط‪ ،‬السابق الذكر‪ ،‬ص‪.550 :‬‬ ‫‪714‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.555 :‬‬ ‫‪715‬‬

‫‪P 557‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واستؤنف الحكم االبتدائي أمام محكمة االستئناف اإلدارية في مرسيليا‪ ،‬التي‬


‫أصدرت قرارها في ‪ 33‬ماي ‪ ،3221‬وقضت فيه بإلغاء حكم محكمة إدارية مرسيليا‬
‫الوارد أعاله‪ ،‬بحجة عدم توفر شروط املسؤولية بدون خطأ كما حددها قرارا‬
‫‪ Gomez‬و ‪ ،Bianchi‬مما يجعل قيامها محكوما بوجود خطأ في حق املستشفى وهو‬
‫ما لم يثبت في هذه القضية‪ .‬وهذا القرار ما هو إال نموذج من القرارات‪ ،‬التي عبرت‬
‫من خاللها جميع محاكم االستئناف اإلدارية بفرنسا‪ ،‬عن رفضها للتوجه الذي‬
‫صارت عليه مختلف محاكم الدرجة األولى في القضايا السابق ذكرها؛ أي قضايا‪:‬‬
‫‪، Jouan ،Pavan‬و ‪.716 N’Guyen‬‬

‫ولم يحسم هذا التعارض بين أحكام وقرارات تلك املحاكم إال تدخل مجلس‬
‫الدولة الفرنس ي‪ ،‬حيث قض ى هذا األخير بحماية املتضررين من عمليات نقل الدم‪،‬‬
‫وذلك من خالل إقرار مسؤولية مراكز نقل الدم العامة بدون خطأ‪ ،‬اعتبارا من‬
‫القرارات الثالثة السابق ذكرها‪.‬‬

‫فإزاء التعارض اآلنف الذكر‪ ،‬أسس مجلس الدولة الفرنس ي مسؤولية‬


‫مراكز نقل الدم العامة على قاعدة املخاطر‪ ،‬فقد حاول خلق التوازن بين تعويض‬
‫املتضرر على أفضل وجه ممكن‪ ،‬وبين عدم متابعة املستشفى العمومي الذي ينقل‬
‫فيه الدم امللوث إلى املريض بصورة تلقائية عن أخطاء ال عالقة له فيها‪ .‬فهذا‬
‫األخير‪ ،‬ال يعقل أن يتحمل بالضرورة‪ ،‬وفي كل األحوال‪ ،‬أخطاء مراكز الدم العامة‬
‫حتى ال يؤدي تداخل الوقائع – عملية جراحية ونقل دم في ذات الوقت ‪ -‬إلى تداخل‬
‫بين أوضاع كل من املستشفى العمومي‪ ،‬الذي يؤدي الخدمة العالجية من ناحية‪،‬‬
‫وبين مركز الدم‪ -‬كمورد للدم فقط – من حيث املسؤولية عن تلوث الدم‪ ،‬من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬ولهذا‪ ،‬تم تأسيس مسؤولية هذا األخير على أساس فكرة املخاطر؛‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 553 :‬وانظر بتفصيل في نفس المرجع مختلف األحكام والق اررات األخرى ص‪552 :‬‬ ‫‪716‬‬

‫– ‪.571‬‬

‫‪P 550‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ألنها تشكل أفضل وأنسب الحلول لصالح املتضرر‪ ،‬وبناء عليه فقد تم نقض‬
‫قرارات محاكم االستئناف اإلدارية القاضية بغير ذلك‪. 717‬‬

‫غير أن مفوض الحكومة الفرنس ي حرص هنا على التنبيه إلى أنه إذا كان الدم‬
‫املورد إلى املستشفى العمومي سليما‪ ،‬غير متصل بأي عيب من عيوب الدم الذاتية‪،‬‬
‫فإن املسؤولية في حالة وقوع أضرار ألحد املرض ى تقوم على أساس خطأ املرفق‬
‫العام الطبي‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬الخطأ في بيانات الدم أو فصيلته أو حقن املريض بحقنة‬
‫متكررة االستعمال‪.718‬‬

‫ويظل إعمال وتطبيق املسؤولية عن منتجات الدم الخطرة رهينا ومشروطا‬


‫بتوافر عالقة سببية مباشرة‪ ،‬بين نقل الدم وبين األضرار الالحقة باملنقول إليه‬
‫الدم امللوث‪ ،‬بأن يكون هذا األخير هو السبب الوحيد لهذه األضرار‪ ،‬وال وجود ألي‬
‫أسباب أخرى يمكن ردها إليه‪.719‬‬

‫وغني عن البيان‪ ،‬أن االتجاه الحديث ملجلس الدولة الفرنس ي بخصوص‬


‫إقامة مسؤولية مراكز نقل الدم العامة بناء على املخاطر‪ ،‬قد شهد تطبيقات‬
‫قضائية أخرى تؤكد على هذا التوجه الحديث‪ ،‬من ذلك القرار الصادر عنه في‬
‫قضية ‪ Assistance publique -Hôpitaux de paris‬املؤرخ في ‪ 36‬يونيو ‪،3229‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪571 - 572 :‬‬ ‫‪717‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 515 :‬و ‪ 511‬و ‪ .511‬وفي أحد تطبيقات محكمة التنازع‬ ‫‪718‬‬

‫الفرنسية ‪ ،‬أكدت فيه مبدأ مسؤولية مراكز الدم عن عيوب الدم الذاتية على أساس المخاطر ‪ ،‬مضيفة في هذا الصدد‬
‫أن ‪:‬‬
‫‪« Cette responsabilité est de plus fort encourue lorsqu’une faute peut être relevée dans‬‬
‫‪l’organisation ou le fonctionnement d’un centre de transfusion sanguine dépendant‬‬
‫» ‪d’un établissement public d’hospitalisation‬‬
‫أشار إليه د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪T.C. 14 février 2000, Ratinet 511 :‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط ‪ ،‬المرجع السابق ص‪521 :‬‬ ‫‪719‬‬

‫‪P 551‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والذي أكد فيه على نفس املبادئ التي أقرها في قرارات ‪ 86‬مايو ‪ ،3225‬وكذا قراره‬
‫في قضية ‪ Beaumer‬بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪ ،3229‬و غيرها‪.720‬‬

‫أما في الوقت الراهن‪ ،‬فقد تدخل املشرع الفرنس ي بإصدار قانون فاتح يوليوز‬
‫‪ 3222‬املتعلق بتنظيم مرفق الدم‪ ،‬والذي دخل حيز التنفيذ في مستهل يناير ‪8111‬‬
‫من القرن الحالي‪ .‬وبمقتض ى هذا القانون‪ ،‬تم تركيز ممارسة أنشطة الدم والرقابة‬
‫عليها في جهتين‪ :‬املؤسسة الفرنسية‪ ،‬ومهمتها ممارسة نشاط جمع وتوريد نقل‬
‫الدم‪...‬الخ‪ ،‬والهيئة الفرنسية لسالمة املنتجات الصحية‪ ،‬وتتكلف بمهام الرقابة‬
‫واإلشراف على جميع مراكز نقل الدم‪ ،‬العامة منها والخاصة‪ ،721‬فأضحى‬
‫االختصاص العام للقضاء اإلداري في كل ما يرتبط باملنازعات املتعلقة باملسؤولية‬
‫عن حوادث نقل الدم؛ ألن جميع املراكز أصبحت خاضعة ملؤسسة عمومية واحدة‬
‫هي الهيئة الفرنسية اآلنف ذكرها‪.722‬‬

‫ثانيا‪ :‬املسؤولية عن منتجات الدم الخطرة في القضاء اإلداري املغربي‬

‫بالنسبة للمغرب‪ ،‬فيالحظ أن تطبيق املسؤولية الطبية بناء على املخاطر فيما‬
‫يتعلق بالتعويض عن األضرار الناتجة عن عملية نقل الدم ال يزال محدودا‪ ،‬سواء‬
‫قبل أو بعد إحداث املحاكم اإلدارية ببالدنا‪ ،‬فهذه األخيرة ال تزال ‪ -‬في حدود علمنا‬
‫ـ متمسكة بفكرة الخطأ الجسيم إلقرار مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬وخير‬
‫مثال على ذلك القرار الصادر عن املجلس األعلى في قضية أحمد بن يوسف بتاريخ‬
‫‪ 86‬مارس ‪ ،3222‬الذي قض ى فيه بمسؤولية مركز تحاقن الدم عن الضرر الرئيس ي‬
‫الالحق بالضحية أعاله‪ ،‬املتمثل في إصابته بالتهاب كبدي من نوع "س"‪ ،‬نتيجة نقل‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪521 - 520 :‬‬ ‫‪720‬‬

‫‪721‬‬
‫‪- loi n° 98.535 du 1er juillet 1998, relative au renforcement de la veille sanitaire et‬‬
‫‪du contrôle de la sécurité sanitaire des produits destinés à l’homme.‬‬
‫انظر د‪ .‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.011 :‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،501 :‬الهامش رقم (‪)0‬‬ ‫‪722‬‬

‫‪P 568‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫دم ملوث وفاسد من الغير إلى جسمه‪ ،‬في وقت كان في أمس الحاجة إلى تعويض‬
‫الدماء التي فقدها جراء إصابته بانحصار في أمعائه الرقيقة‪ ،‬تسبب فيه نزيف‬
‫دموي‪ ،‬فضال عن األضرار املادية والنفسية الناشئة عن الضرر الرئيس ي الجسيم‬
‫جدا‪.723‬‬

‫وأسست كل من محكمة النقض واملحكمة اإلدارية بالرباط مسؤولية مركز‬


‫تحاقن الدم على أساس الخطأ الجسيم‪ ،‬فقد قضت محكمة النقض في القرار‬
‫املذكور "بأن التصرف الذي أقدم عليه مركز تحاقن الدم ينطوي على خطأ جسيم‬
‫ليس في حاجة إلى إثبات"‪ ،‬مع العلم أن هذا املركز هو املختص بتوزيع الدم‪ ،‬طبقا‬
‫للقانون رقم ‪ 24.11‬السالف الذكر‪ ،‬وهو تابع لوزارة الصحة العمومية طبقا‬
‫للمرسوم التطبيقي للقانون أعاله‪ ،724‬ومن مهامه تسليم الدم أو مشتقاته للغير –‬
‫أي املريض – بناء على طلب مكتوب من طرف الطبيب املعالج‪.725‬‬

‫وإذا كانت محكمة النقض قد أسست مسؤولية مركز تحاقن الدم على أساس‬
‫الخطأ الجسيم‪ ،‬وفي املقابل استبعدت مسؤولية املستشفى العمومي الذي أجريت‬
‫فيه عملية نقل دم "فاسد"‪ ،‬حيث أوردت في هذا الصدد‪ " :‬وحيث أنه فيما يخص‬
‫إخراج مستشفى ابن سينا من الدعوى‪ ،‬فإن الحكم كان في محله عندما أخرج‬
‫املصلحة املذكورة من الدعوى"‪ ،‬فإننا نتساءل كما تساءل األستاذ أحمد ادريوش‬

‫‪ -‬القرار عدد‪ ،563 :‬المؤرخ في‪ ،0111/7/56 :‬الملف اإلداري رقم ‪ ،13/0/2/011‬منشور بمجلة قضاء‬ ‫‪723‬‬

‫المجلس األعلى‪ ،‬عدد خاص بالقضاء اإلداري‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الرباط ‪ ،‬يناير ‪ ،0111‬مجلة رقم ‪ ،20‬السنة‬
‫العشرون‪ ،‬ص‪.32- 61 :‬‬
‫‪ -‬مرسوم رقم ‪ ،5.11.51‬صادر في ‪ 55‬جمادى اآلخرة ‪ 06( 0106‬نونبر ‪ )0111‬لتطبيق القانون رقم‬ ‫‪724‬‬

‫‪ 17.11‬المتعلق بالتبرع بالدم البشري وأخذه واستخدامه‪ ،‬ج‪ .‬ر عدد ‪ 1776‬بتاريخ ‪ 07‬رجب ‪16( 0106‬‬
‫ديسمبر ‪ ،)0112‬ص‪.7012 :‬‬
‫‪ -‬انظر مقتضيات المادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪.17.11‬‬ ‫‪725‬‬

‫‪P 561‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عن مدى صالحية نظرية الخطأ الجسيم لتأسيس وتقرير مسؤولية املركز املذكور‬
‫في القضية أعاله؟‪.‬‬

‫وجوابا عن هذا التساؤل‪ ،‬يقول األستاذ أحمد ادريوش ‪ " :‬ال نعتقد ذلك‪ ،‬بل‬
‫نقول إن املجلس األعلى ( محكمة النقض حاليا) ومعه املحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫تركا الفرصة تفوت لتطبيق نظرية املخاطر‪ ،‬وبالتالي تأسيس املسؤولية هنا على‬
‫الشطر األول من الفصل ‪ 92‬من قانون االلتزامات والعقود املغربي‪ .‬ومما يدعم‬
‫األخذ بهذه النظرية هو أن مجال نقل الدم يعتبر من أكثر املجاالت التي تحفها‬
‫املخاطر"‪.726‬‬

‫إذن‪ ،‬يبدو من األفضل في الوقت الراهن أن يقتدي القضاء اإلداري املغربي‬


‫بما توصل إليه اجتهاد مجلس الدولة الفرنس ي‪ ،‬حيث قض ى بمسؤولية مراكز نقل‬
‫الدم العامة بناء على املخاطر وليس الخطأ الجسيم في قراراته الثالث الشهيرة‬
‫الصادرة في ‪ 86‬مايو ‪ 3225‬املومأ إليها سابقا والتي تلتها أحكام وقرارات أخرى مماثلة‬
‫لها‪.‬‬

‫وقد بنى مجلس الدولة الفرنس ي اتجاهه في مختلف هذه القرارات على أساس‬
‫نظرية املخاطر‪ ،‬ألنها هي التي تبرر إقرار مسؤولية مراكز نقل الدم العامة‪ ،‬وليس‬
‫الخطأ الجسيم كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض في القرار الذي تمت دراسته‬
‫أعاله‪.‬‬

‫ويتضح مما تقدم‪ ،‬األهمية الكبرى التي يكتسيها التوجه الحديث للقضاء‬
‫اإلداري الفرنس ي‪ ،‬والذي يساهم بشكل كبير وفعال في حماية حقوق املتضررين من‬
‫حوادث نقل الدم امللوث إلى أجسامهم‪ ،‬التي كانت سليمة فغدت مريضة بأعتى‬
‫وأفتك الفيروسات‪ ،‬لذلك سميت – وعن حق ‪ -‬منتجات الدم بـ "املنتجات الخطرة"‬

‫‪ -‬د‪ .‬ادريوش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬ ‫‪726‬‬

‫‪P 562‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إلى جانب كونها منتجات جد هامة‪ .‬لهذا كله‪ ،‬نتمنى أن يطور القضاء اإلداري املغربي‬
‫قضاءه في هذا االتجاه الحديث‪ ،‬بأن يبني أحكامه وقراراته في مثل هذه النوازل‬
‫والقضايا على أساس املخاطر‪ ،‬ويستبعد نظرية الخطأ الجسيم التي هجرها القضاء‬
‫اإلداري الفرنس ي‪.‬‬

‫فاملالحظ كما رأينا‪ ،‬أن املسؤولية بناء على أساس املخاطر قد عرفت تطورا‬
‫كبيرا‪ ،‬وهذا التطور عائد إلى أن مسؤولية املرافق العامة الطبية لم تعد حبيسة‬
‫نظرية الخطأ‪ ،‬بل أضحى باإلمكان تأسيسها على املخاطر في حاالت متعددة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬القصد منها سد النقص الذي يعتري نظرية الخطأ‪ ،‬خاصة الخطأ‬
‫الجسيم من ناحية‪ ،‬وضمان حماية أوسع وأيسر لضحايا الحوادث الطبية من‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬

‫بيد أن هذا التوسع الهام و"املذهل" أفقيا‪ ،‬محدود عموديا بمجموعة من‬
‫الضوابط والشروط؛ إذ يالحظ أنه بقدر ما يتوسع القضاء اإلداري في تطبيقات‬
‫املسؤولية على أساس املخاطر‪ ،‬بقدر ما يضيق من تطبيقها وإعمالها عن طريق‬
‫التشدد في تحقق وتوافر شروطها‪ ،‬حتى ال يتوسع في تطبيقها على حساب املبدأ‬
‫واألصل العام للمسؤولية وهو الخطأ‪.‬‬

‫وقد سعى القضاء اإلداري من خالل وضعه لهذه الضوابط والشروط‪،‬‬


‫التوفيق بين املصلحة الخاصة للمرض ى املتضررين وبين املصلحة العامة‪ ،‬املتمثلة‬
‫في عدم إرهاق الخزينة العامة للبالد‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يالحظ أن هناك تطورا كبيرا‬
‫على مستوى القضاء اإلداري ببالدنا‪ ،‬يمكن أن نصفه بأنه تطور متجدد وقديم في‬
‫ذات الوقت‪.‬‬

‫‪P 563‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ مروان الباقي‬


‫باحث بسلك الدكتوراه جامعة القاضي عياض كلية العلوم‬
‫القانونية ‪ -‬مراكش‬

‫الطبيعة القانونية لعقد ا لكراء الفالحي لملك الدولة‬


‫الخاص (عقد شراكة قطاع عام خاص نموذج)‬
‫‪The legal nature of the agricultural lease contract for the private property of the state (a model‬‬
‫)‪of a public-private partnership contract‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعتبر األمالك العقارية اململوكة للدولة ملكية خاصة واملسيرة من طرف‬
‫أمالك الدولة التابعة لوزارة االقتصاد واملالية والتي تقوم بتدبير عقاراتها بكل‬
‫التصرفات القانونية من بيع ومبادلة باعتبارهم تصرفات ناقلة للملكية‪،‬‬
‫والتخصيص والكراء باعتبارهم من التصرفات غير الناقلة للملكية‪ ،‬ومن بين‬
‫األكرية التي تقوم بها‪ ،‬الكراء الفالحي الذي يعتبر الوسيلة الناجعة لتدبير األراض ي‬
‫الفالحية‪.‬‬

‫ومن األهمية بما كان على أن الرصيد العقاري مللك الدولة الخاص يبلغ حوالي‬
‫‪ 3.911.699‬هكتار بقيمة إجمالية مسجلة باملخطط الخماس ي للدولة تقدر بحوالي‬

‫‪P 564‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ 569‬مليار درهم‪ ،‬بحيث يغلب عليها الطابع القروي الذي يشكل نسبة ‪ % 62‬بينما‬
‫يوجد ‪ % 81‬منه في املدار شبه الحضري و ‪ % 2‬منه في املجال الحضري‪. 727‬‬

‫والجدير بالذكر على أن لتحقيق التنمية‪ ،‬ال مناص من الرهان على االستثمار‬
‫سواء كان عمومي او خاص أو في صورة شراكة بينهما‪ ،728‬هذا األخير جاء نتيجة‬
‫استغالل غالبية الرصيد العقاري عبر كراءات قصيرة املدى التي ال تشجع على‬
‫إنجاز مشاريع استثمارية مهمة‪ ،‬وكذا نتيجة ضعف تدبير األراض ي الفالحية من‬
‫طرف شركة صوديا وصوجيطا ملحدودية تدبيرها لهذه األراض ي وذلك لعدة أسباب‬
‫وعوامل جعلت من ذلك تراجع وضعف في التدبير العمومي‪ ،729‬رغم أن أحد الفقه‬
‫يقول عكس ذلك‪.730‬‬

‫على العموم‪ ،‬فإن الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص في إطار شراكة بين‬
‫الدولة والخواص‪ ،‬ما هو إال عقد فالحي خاضع لنفس النصوص القانونية‬
‫والتنظيمية املنظمة للكراء الفالحي االستغاللي‪ ،‬يختلف عنه في طول املدة‪ ،‬إال‬
‫أنه إذا كان الكراء الفالحي لغاية استغاللية قد حسم القضاء في طبيعته‬
‫القانونية املدنية وأن املحكمة املختصة هي املحاكم االبتدائية‪ ،‬فإن الكراء‬
‫الفالحي في إطار شراكة بين الدولة والخواص يعرف تدبدب قضائي حول مسألة‬
‫طبيعته القانونية التي من خاللها يتم تحديد الجهة املختصة‪ ،‬هل هي املحكمة‬
‫االبتدائية أم املحكمة اإلدارية؟‪.‬‬

‫‪ - 727‬محمد نبيل حرزان‪":‬منازعات الملك الخاص للدولة"‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪،‬‬
‫س‪،0216:‬ص‪.15:‬‬
‫‪-728‬حفيظ الحر‪" ،‬الملك الخاص في خدمة التنمية جهة الشرق نموذجا‪" -‬ا‪ ،‬شغال الندوة الوطنية المنظمة يومي‬
‫‪ 05‬و ‪ 08‬نونبر ‪ ،0218‬تحت عنوان العقار والتعمير واالستثمار‪ ،‬ط األولى‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬س‪:‬‬
‫‪ ،0216‬ص‪.114 :‬‬
‫‪729‬‬
‫‪-Mayoussi jelloul," La privatisation des terres agricoles récupérées par l’État",‬‬
‫‪Mémoire pur l’obtention du diplôme études supérieure en sciences juridique droit prive,‬‬
‫‪Université sidi Mohammed ben Abdellah Faculté de droit Fès, le 28 septembre 1991, P‬‬
‫‪135.‬‬
‫‪730‬‬
‫‪-Driss Garraoui , :"Agriculture et développement au Maroc" ,édition maghribines‬‬
‫‪,casablanca,1985,p :80.‬‬

‫‪P 565‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وباعتبار الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص‪ ،‬هو عقد يربط بين مديرية امللك‬
‫الخاص لدولة واملكتري‪ ،‬فإنه يثور إشكال يتعلق بالطبيعة القانونية لهذا العقد‪،‬‬
‫فهل يدخل ضمن العقود اإلدارية باعتبار الدولة طرفا فيه؟ أم عقد خاص كباقي‬
‫العقود الخاصة؟‪.‬‬

‫وإذا ثبتت الطبيعة القانونية وأثير نزاع قضائي بخصوص عقد كراء‬
‫العقارات الفالحية مللك الدولة الخاص‪ ،‬فانه ال بد لإلدارة من ممثل قانوني في‬
‫مواجهة املكتري امام املحكمة املختصة نوعيا والتي كان للقانون والفقه دور في‬
‫اتارة هذه الطبيعة القانونية للكراء الفالحي مللك الدولة الخاص ومعه القضاء‬
‫(فقرة أولى)‪.‬‬

‫ناهيك عن الخالف الحاصل في الشراكة بين الدولة و الخواص‪ ،‬التي منهم‬


‫من يعتبرها خارجة عن الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص خاضعة ملقتض ى‬
‫قانوني خاص‪ ،‬ومنهم من اعتبرها عقد عادي وليس بشراكة بمفهوم الشراكة (فقرة‬
‫ثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تكييف الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص لغاية استغاللية‪.‬‬

‫يتطلب تسيير األمالك الخاصة للدولة إبرام مجموعة من العقود ‪،‬من خاللها‬
‫يمكن لدولة أن تقتني العقارات لضمها إلى رصيدها العقاري وتفويتها كما يمكنها‬
‫أن تكري أمالكها ‪ ،‬إلى غير ذلك من التصرفات القانونية وهي بذلك تتمتع بجميع‬
‫السلطات التي يخولها حق امللكية لشخص عادي من استعمال واستغالل‬
‫وتصرف‪ ،‬كما أنها ال تتمتع في ذلك بأي امتياز بل تعامل معاملة الخواص‪ 731‬فيما‬
‫هو قانوني وقضائي‪.‬‬

‫‪ -731‬عمر االزمي اإلدريسي‪" :‬عقود الملك الخاص لدولة الطبيعة القانونية واالختصاص القضائي"‪ ،‬منشورات‬
‫الحقوق المغربية سلسلة فقه المنازعات اإلدارية‪ ،‬اإلصدار السنوي األول‪ ،‬س‪ ،0211 :‬ص‪.50 :‬‬

‫‪P 566‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبالتالي ما هي طبيعة عقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص؟ ومن يمثلها‬
‫قضائيا؟‬

‫أوال‪ :‬موقف القانون والفقه‬

‫تعمد مديرية أمالك الدولة أو ما كان يعرف إلى عهد قريب بمديرية األمالك‬
‫املخزنية إلى إيجاد الصيغ التعاقدية املختلفة والتي من خاللها تعمد إلى إبرام‬
‫العديد من العقود تمكنها من القيام بمهامها من خالل هذه العمليات يتضح أنها‬
‫ذات طابع تعاقدي‪.‬‬

‫وهذه العقود ليست عقود تخضع لنظام موحد فقد يكون عقد اإلدارة عقدا‬
‫من عقود القانون الخاص يخضع لقواعد القانون الخاص وقد يكون العقد من‬
‫عقود القانون العام يخضع لقواعد القانون العام‪ .732‬وبالتالي ماهي الطبيعة‬
‫القانونية لهذا العقد؟‬

‫لإلجابة عن هذا السؤال وجب بداية استحضار الشروط التي حددها الفقه‬
‫والقضاء لتمييز العقود اإلدارية عن غيرها وبعدها اسقاط هذه الشروط على عقد‬
‫كراء العقارات مللك الدولة الخاص ومالحظة ما إذا كان باإلمكان وضعها أيضا‬
‫بالعقود اإلدارية بدل عقود مدنية‪.‬‬

‫والقضاء العقد‬ ‫الفقه‪733‬‬ ‫بناء عليه يتبين على أن أهم العناصر التي يميز بها‬
‫اإلداري ال تخرج عن العناصر التالية‪:‬‬

‫(أ)‪ -‬أن يكون أحد طرفي العقد شخصا معنويا عاما‬

‫‪ -732‬محمد أوزيان‪" :‬الطبيعة القانونية لعقود وديون الملك الخاص للدولة "مجلة القضاء اإلداري‪ ،‬ع ‪.‬الثاني‪ ،‬السنة‬
‫األولى‪ ،‬شتاء‪/‬ربيع ‪ ،0212‬ص‪.112 :‬‬
‫‪-733‬يمكن العودة على سبيل المثال أحمد أجعون "النشاط اإلداري"‪ ،‬د ط‪ ،‬مطبعة سجلماسة مكناس‪ ،‬س ج‪:‬‬
‫‪ ،0212/0210‬ص‪ .2 :‬وما يليها‪.‬‬

‫‪P 567‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومعنى هذا القول أن يكون هذا الشخص إما‪( :‬الدولة‪ -‬الجماعات الترابية‬
‫‪ -‬املؤسسات العامة) ومن موقع هذا العقد فالدولة هي أحد طرفي العقد لكن هذا‬
‫الشرط لوحده ليس كاف لوصف عقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاصة عقد‬
‫اداري‪ ،‬بحيث ينبغي أن يستكمل العقد باقي الشروط األخرى‪.‬‬

‫(ب)‪ -‬أن يكون العقد متعلق بتسيير مرفق عام أو تحقيق منفعة عامة‬

‫في منزلة عقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص ليس هناك مجال للحديث‬
‫عن تدبير مرفق عام‪ ،‬إال أن النقطة املتعلقة بتحقيق منفعة عامة تبقى محل نظر‪،‬‬
‫كون أن كراء العقارات الفالحية مللك الدولة الخاص به نوع من تحقيق املصلحة‬
‫العامة‪ ،‬فلما تقوم هذه األخيرة إبرام عقد كراء من هذا النوع‪ ،‬فإنها بذلك تحاول‬
‫تحقيق نوع من األمن الغذائي و رفع مؤشرات االستثمار عبر هذا القطاع‪ ،‬ناهيك‬
‫على كون املداخل املتحصل عليها سوف تنفق لصالح العام‪.‬‬

‫(ج)‪ -‬استعمال وسائل السلطة العامة‪.‬‬

‫يعني هذا استعمال شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص‬
‫بدافع تحقيق املنفعة العامة‪ ،‬و هذا ما ينطبق على عقد كراء العقارات الفالحية‬
‫امللك الدولة الخاص كون هذا العقد مبين الشروط‪ 734‬التي يتضمنها عدم التزام‬
‫اإلدارة بالضمان‪ ،‬و إلزام املكتري بالقيام بالتزاماته و تطبيق الجزاء بحقه في حالة‬
‫اإلخالل بها‪ ،‬وفي مقابل هذا ال تمكن اإلدارة املكتري في هذا العقد أي امتياز‪ ،‬بل‬
‫األكثر من ذلك فإنهاء هذا العقد يكون حتميا بانقضاء مدته و ال يمكن إعمال‬

‫‪ 734‬حسب ما جاء في الفصلين ‪ 16‬و ‪ 1.‬من دفتر الكلف و الشروط المنظم للكراء الفالحي التي تتم عن طريق‬
‫المزاد العلني بشكل اساسي‪.‬‬

‫‪P 560‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫نظرية التجديد الضمني املنصوص عليه باملادة ‪ 935‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪،735‬لكن يكون هذا‬
‫التجديد بخصوصية تميزه عن الكراء الفالحي العادي‪.‬‬

‫على العموم‪ ،‬و على الرغم من كون التحليل السابق هو تحليل منطقي يجمع‬
‫بين الحقيقة القانونية و الواقعية إال أن بعض الباحثين و الفقه يتجه صوب‬
‫إسقاط الصبغة املدنية عن عقود الكراء التي تبرمها الدولة بصفة عامة و الكراء‬
‫الفالحي بصفة خاصة‪ ،‬بحيث يذهب أحدهم ‪ 736‬إلى القول أنه بتطبيق معيار العقد‬
‫اإلداري الذي أخذ به الفقه و القضاء‪ ،‬فإن العقود التي تبرمها الدولة في إطار تدبير‬
‫ممتلكاتها هي عقود مدنية بحثة ما دام أنها ال تستجمع كافة معايير العقد اإلداري‬
‫من حضور الدولة و تعلق العملية بتسيير مرفق عام أو تحقيق منفعة عامة و إتباع‬
‫أسلوب القانون العام في إبرام و تنفيد و إنهاء العقود‪،‬و بالتالي فالدولة في إطار تدبير‬
‫ممتلكاتها تتصرف كما يتصرف األفراد بكيفية عادية‪.‬‬

‫و في نفس السياق يتجه باحث‪ 737‬آخر إلى القول أن األكرية التي تنظمها الدولة‬
‫أو تعطي حق االستفادة منها ال تختلف عن تلك األكرية التي يقوم بها األفراد فيما‬
‫بينهم مستندا في ذلك حسب قوله إلى كون االطار القانوني الذي ينظم عمليات‬
‫األكرية يبقى واحد سواء بالنسبة للدولة أو بالنسبة لألفراد و كون الدولة تتعامل‬
‫على هذا املستوى حيال أموالها الخاصة كشأن تعامل األفراد في أموالهم الخاصة‪،‬‬
‫و تبقى اإلشارة إلى أن التمييز الوحيد الذي يقيمه هذا الباحث بين هاذين النوعين‬
‫من األكرية هو خضوع بعض أكرية الدولة لقاعدة السمسرة العمومية كقاعدة‬
‫عامة و أساسية من قواعد املحاسبة العمومية‪ ،‬و خضوع هذه األكرية لبعض‬

‫‪ " -735‬ينص الفصل ‪ 615‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه ‪" :‬اذا بقى المكتري في العين بعد انتهاء مدة الكراء و تركه المكري‬
‫فيه‪ ،‬اعتبر الكراء متجددا لنفس المدة‪ ،‬اذا أبرم لمدة محددة‪ ،‬و لمدة سنة فالحية أي حتى حصاد المحصول القادم‪ ،‬و‬
‫إذا كان قد أبرم لمدة غير محددة"‬

‫‪ -736‬عز الذين أعسيسو‪" :‬عقد الكراء الفالحية"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال الرباط‪ ،‬س‪.‬ج‪،0215/0214 :‬ص‪.116:‬‬
‫‪-737‬حسن الخشين‪":‬ملك الدولة الخاص ‪:‬المقاربة القانونية و المالية"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.415:‬‬

‫‪P 561‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الشروط الواردة في كنانيش التحمالت و الشروط املنظمة لكل صنف من أصناف‬


‫األكرية‪.‬‬

‫من خالل هذا‪ ،‬يمكن أن يستنتج من موقف هاذين الباحثين أنهم أعطوا‬
‫أحكاما عاما عن الطبيعة املدنية ألكرية عقارات امللك الخاص لدولة ولم يستثنوا‬
‫من ذلك كراء العقارات الفالحية‪ ،‬لكن على العموم ومهما ما يقال فإن هذا النوع‬
‫من الكراءات له مرجعية قانونية خاضعة ملقتضيات الشريعة العامة وبالتالي فإن‬
‫لها طابع مدني‪.‬‬

‫صفوة القول أن الطبيعة القانونية لعقد الكراء الفالحي مللك الدولة‬


‫الخاص‪ ،‬عقد مدني خاضع للمقتضيات القانونية الخاصة املنظمة لعالقة األفراد‬
‫فيما بينهم‪ ،‬و الدولة في هذه الحالة تتمتع بكل ما يتمتع به أي شخص إعتباري‬
‫خاص‪ ،‬و هو ما إتجه إليه القضاء في مجموعة من األحكام و القرارات ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء من طبيعة عقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص‪.‬‬

‫إن موقف القضاء من طبيعة العقود التي تبرمها الدولة (امللك الخاص)‬
‫بصفة عامة‪ ،‬و الكراء الفالحي بصفة خاصة‪ ،‬يتجه نحو إعتبارها عقود مدنية‪.‬‬

‫من ذلك ما أكده املجلس األعلى في قرار له‪ 738‬و الذي جاء فيه "إن العقود‬
‫التي تبرمها الدولة (امللك الخاص) و إن كانت تعتبر من أشخاص القانون العام‬
‫فإن عقود الكراء التي تبرمها مع الخواص بشأن أمالكها تعتبر عقودا مدنية تخضع‬
‫النزاعات فيها بإبرامها و تنفيدها ملقتضيات أحكام القانون الخاص"‪.‬‬

‫و عليه تكون العقود التي تبرمها إدارة امللك الخاص لدولة في إطار تسيير‬
‫ممتلكاتها بما في ذلك عقود الكراء املنصبة على امللك الفالحي لها‪ ،‬هي عقود مدنية‬
‫ما يجعل إختصاص البت بشأن منازعاتها سيؤول ال محال للمحاكم العادية‪ ،‬ال‬

‫‪ 738‬قرار عدد ‪ ،11.5‬ملف إداري عدد ‪ ،140222/4/600‬أشار إليه أمساعف بن زيان‪ ،‬م‪.‬س ص ‪10‬‬

‫‪P 578‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫محاكم اإللغاء (املحكمة اإلدارية) و ذلك تبعا ملا تنص عليه املادة ‪32‬من ق‪.‬م‪.‬م‪،‬‬
‫بحيث جاء النص القانوني بما يلي‪:‬‬

‫"تختص املحاكم االبتدائية‪ ،‬مع مراعاة االختصاصات الخاصة املخولة إلى‬


‫أقسام قضاء القرب‪ ،‬بالنظر في جميع القضايا املدنية ابتدائيا وإنتهائيا أو إبتدائيا‬
‫مع حفظ حق االستئناف "‬

‫و هذا ما جاء في عديد من االحكام و القرارات نذكر منها على سبيل املثال ال‬
‫الحصر‪:‬‬

‫حيث جاء في حكم للمحكمة االدارية بوجدة‪ ،739‬على انه "بالنظر إلى الطبيعة‬
‫املدنية للعقود التي تبرمها مع مديرية أمالك الدولة‪ ،‬فإن اختصاص البت ينعقد‬
‫للمحاكم العادية صاحبة الوالية العامة في تطبيق القانون الخاص"‬

‫أما محكمة النقض‪ -‬املجلس األعلى سابقا ‪ -‬فقد أقرت بأن عقود الكراء التي‬
‫تبرمها ادارة امالك الدولة الخاصة تخضع للقانون الخاص‪ ،‬من ذلك قرارها‬
‫‪740‬الذي ورد به‪" :‬وحيث صح ما تمسكت به املستأنفة‪ ،‬ذلك أن الدولة ‪ -‬امللك‬
‫الخاص ‪ -‬و إن كانت تعد من اشخاص القانون العام‪ ،‬فإن عقود الكراء التي تبرمها‬
‫مع الخواص بشأن أمالكها تعتبر أساسا عقودا مدنية تخضع جميع املنازعات‬
‫املتعلقة بإبرامها و تنفيذها و فسخها ملقتضيات القانون الخاص و املنازعات‬
‫املعروضة تتعلق باستمرار العقد الكرائي مع ورثة املكتري و هي منازعة مدنية‪،‬‬
‫لذلك فإن االختصاص ال ينعقد للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫و حيث إن ثبوت الدفع بعدم االختصاص النوعي يترتب عليه اإلحالة بقوة‬
‫القانون على املحكمة املختصة عمال بالفصل ‪ 36‬من قانون املدنية‪.‬‬

‫‪ 739‬حكم عدد ‪ 425‬بتاريخ ‪ 12‬دجنبر ‪ ،0226‬في الملف رقم ‪ ،0228/0.2‬أشار اليه محمد أزيان‪ ،‬األمالك المخزنية‬
‫بالمغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪262‬‬
‫‪740‬قرار عدد ‪ ،0.‬ملف مدني عدد ‪ ،0222/1/4/2615‬بتاريخ ‪( ،0224/1/2‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪P 571‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫لكن وجود عقد كراء أبرمته الدولة في إطار القانون الخاص مع املكتري منها‪،‬‬
‫ثم تراجعها عنه بسبب عدم التزام ذلك املكتري هو ما جعل البعض يقول بتكييف‬
‫طلب عروض األثمان على أنه طلب جديد منفصل عن عقد الكراء االول‪-‬املدني‪ -‬و‬
‫بالتالي فهو قرار إداري و هذا كان هو رأي املحكمة االدارية بالرباط إلى ان تدخلت‬
‫محكمة النقض و قررت خالف ذلك بأن اعتبرت إجراء طلب عروض األثمان إجراء‬
‫تمهيديا لكراء ارض الدولة و ان االمر في الحقيقة يتعلق بتنفيذ مقتضيات عقد‬
‫كراء عادي يعود البت فيه الختصاص املحاكم العادية"‪.‬‬

‫وهو ما ذهبت إليه املحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬حيث جاء في مضمونه أنه" عدم‬
‫توافر العقد اإلداري في عقد الكراء الفالحي املبرم بين املدعي إدارة األمالك الخاصة‪،‬‬
‫يجعل املحكمة اإلدارية غير مختصة بالبت في النزاعات الناشئة عن تنفيذه‪".....‬‬

‫كذلك ما جاء في قرارها‪":741‬حيث إنه من الواضح أن الدولة امللك الخاص و‬


‫إن كانت تعتبر من اشخاص القانون العام فإن عقود الكراء التي تبرمها مع الخواص‬
‫بشأن أمالكها عقودا تخضع النزاعات املتعلقة بإبرامها و تنفيذها و فسخها‬
‫ملقتضيات القانون الخاص‪.‬‬

‫و حيث إن لجوء إدارة امللك الخاص للدولة بخصوص إبرام العقود املذكورة‬
‫ملسطرة عروض األثمان كما يفرض ذلك القانون املنضم مللك الدولة الخاص ال‬
‫يعني في ش يء ان االمر يتعلق بصفقة عمومية تكتس ي طابع العقد االداري الذي‬
‫تخضع النزاعات املتعلقة بتنفيذه و فسخه الختصاص املحاكم االدارية‪ ،‬ولكن‬
‫لوجوب التقيد في ابرام العقود الكرائية املذكورة بمثل االجراءات التي نضمها‬
‫املشرع لهذه الغاية و أن وجود عقد االستبداد الذي حلت بمقتضاه الشركات‬
‫املستأنف عليها محل املكتري السابقة للحقوق املشاعة الراجعة ملصلحة األمالك‬
‫املخزنية ال يغير في االمر شيئا بالنسبة لطبيعة عقد الكراء األصلي املشار إليه‪.‬‬

‫‪ -741‬قرار عدد ‪ ،566‬ملف مدني إداري عدد ‪ ،0220/1/4/52.‬بتاريخ‪( ،0220/5/22‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪P 572‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و حيث يستنتج من كل ما تقدم ان إعالن الدولة امللك الخاص عن عروض‬


‫األثمان الستغالل امللك الفالحي املشار إليها كإجراء تمهيدي لكراء األرض املذكورة‬
‫رغم تمسك املستأنف عليهم بانهم محقات في االستمرار في العالقات الكرائية‬
‫بمقتض ى عقد االستبدال املشار اليها ال يعني اننا امام قرار إداري قابل للطعن‬
‫باإللغاء‪.‬‬

‫و حيث إن من مؤدى ذلك ان النزاع املذكور ال يندرج في نطاق االختصاصات‬


‫املسندة للمحاكم اإلدارية وأن األمر في الحقيقة يتعلق بتنفيذ مقتضيات عقد كراء‬
‫عادي يعود البت فيه الختصاص املحاكم العادية مما يجب معه إلغاء الحكم‬
‫املستأنف"‬

‫و باإلضافة ملا سبق‪ ،‬فقيام الدولة بوضع نهاية لعقد الكراء رغم انصرام‬
‫مدته باعتمادها على شرط في دفتر الكلف و الشروط الذي وقع عليه املكتري‪ ،‬و‬
‫ذلك بواسطة رسالة وجهتها له – للمكتري – ألجل إنهاء العالقة الكرائية معه‪ ،‬ال‬
‫يجعلها مستعملة لوسيلة من وسائل القانون العام حتى يمكن اعتبار تصرفها هذا‬
‫مما يدخل ضمن اختصاص القضاء االداري كما عبر عن ذلك قرار ملحكمة‬
‫النقض‪":742‬حيث انه حقا صح ما نعته الجهة املستأنفة على الحكم املستأنف‪ ،‬ملا‬
‫اعتبر ان القضاء اإلداري هو املختص بالبت في النازلة بعلة أن إدارة األمالك‬
‫املخزنية استعملت وسائل القانون العام املتمثلة في الرسالة املوجهة للمكتري من‬
‫أجل إنهاء العالقة الكرائية‪ ،‬في حين أنه من خالل دراسة دفتر التكاليف و لشروط‬
‫املطبقة على كراء العقارات الفالحية و املوقع عليه من طرف املكتري‪ ،‬فإن املكتري‬
‫يلتزم بإفراغ املحل في أجل أقصاه ‪ 11‬من شتنبر املوالي لإلعالم املبلغ له عن اإلدارة‪،‬‬
‫و بذلك يتضح أن الجهة املستأنفة طبقة العقد الذي هو بمثابة شريعة املتعاقدين‪،‬‬
‫املنظم لعملية الكراء‪ ،‬و ال يوجد فيه أية شروط استثنائية تجعل منه عقدا إداريا‬

‫‪-742‬قرار عدد ‪ ،22 :‬ملف إداري عدد ‪ ،0222/1/4/02‬بتاريخ‪ ( 0222/1/22‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪P 573‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫و النزاع يتعلق بتسيير امللك الخاص للدولة‪ ،‬األمر الذي يبقى االختصاص للبت فيه‬
‫للقضاء العادي"‬

‫إن كل ما سبق ذكره ال يمكن اعتباره تسليم مطلقة بالصيغة املدنية للعقود‬
‫التي تبرمها إدارة أمالك الدولة الخاصة بشأن تدبير رصيدها العقاري بما في ذلك‬
‫كراء أمالكها الفالحية‪ ،‬و بالتالي جعل اختصاص البت في منازعتها هو من اختصاص‬
‫املحاكم العادية و السبب في ذلك هو إمكانية الوقوف على أحكام قضائية تعترف‬
‫بالصبغة و الطابع اإلداري لهاته العقود من تم قبول البت فيها من طرف محاكم‬
‫اإللغاء و هو ما ينطبق على عقد الكراء الفالحي املندرج في إطار شراكة بين الدولة‬
‫و الخواص‪ ،‬الذي سيكون موضوع الدراسة في الفقرة املوالية‪.‬‬

‫على أية حال و بغض النظر عن التذبذبات التي عرفتها املحاكم حول طبيعة‬
‫الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص‪ ،‬فإن طبيعته القانونية تبقى مدنية‪ ،‬تختص‬
‫املحكمة العادية بالبت في النزاعات املتعلقة بها‪ ،‬و ذلك راجع لطبيعة املعاملة و‬
‫العالقة التي تتعامل بها الدولة في هذا العقد‪ ،‬و كذلك للمرجعية القانونية التي‬
‫تنظمه‪ ،‬ناهيك على ما هو عليه في إطار قطاع عام خاص الذي بدوره يعرف اختالف‬
‫قضائي ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الطبيعة القانونية للكراء الفالحي في إطار شراكة قطاع عام‬
‫خاص‬

‫يجب القول والتأكيد منذ البداية أن شراكة قطاع عام خاص أو باألحرى‬
‫شراكة بين الدولة و الخواص التي تقوم بها الدولة ‪-‬امللك الخاص ‪-‬هو عقد كراء‬
‫فالحي منظم في إطار شراكة‪.‬‬

‫‪P 574‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ليحتدم النقاش حول إمكانية إعتبار العقود املبرمجة في إطار هذه الشراكة‪،‬‬
‫هل هي بالفعل شراكة بما تحمله الكلمة من معنى‪ ،‬أم هي في األصل عقد تم إلباسه‬
‫نظام شراكة؟ و ما هي الجهة املختصة في حالة قيام النزاع؟‬

‫و بالتالي يجب معرفة تكييف هذا النوع من الكراء (أوال)‪ ،‬ليتضح من خالله‬
‫الجهة املختصة في حالة قيام النزاع بين طرفي هذا الكراء (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التكييف القانوني للكراء الفالحي في إطار شراكة بين الدولة و الخواص‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن املتتبع للشأن االقتصادي في املغرب و ال سيما مجال‬


‫االستثمار يالحظ أن الدولة ساهمت بقسط و فير في دفع عجلة التنمية االقتصادية‬
‫و االجتماعية‪،‬من خالل عن طريق تعبئة العقار الذي تملكه في إطار ملكها‬
‫الخاص‪.743‬‬

‫فإذا تم اسقاط املقتضيات القانونية املنظمة للشراكة قطاع عام خاص‬


‫الذي تبرمه الدولة ال نجدها تتالئم مع هذا النوع من الشراكة الفالحية مللك الدولة‬
‫الخاص‪ ،‬حيث أنه حتى و لو كانت الجهة املمثلة للقطاع العام موجودة‪ ،‬إال أن‬
‫طبيعة الشراكة التي تبرمها الدولة (امللك الخاص) ال تدخل في مشروع لتدبير مرفق‬
‫عمومي‪.744‬‬

‫و بالتالي فإن الشراكة التي تبرمها الدولة مع الخواص مللك ال تدخل في نطاق‬
‫هذا القانون‪ ،‬بل إن مرجعيتها القانونية أو باألحرى التنظيمية التي من خاللها‬
‫تستمد اإلجراءات املتبعة إلبرامها هو منشور الوزير االول رقم ‪.8119/18‬‬

‫‪ -16‬العربي محمد مياد‪ ":‬االستثمار في أمالك الدولة الخاصة"‪ ،‬مجلة الحقوق المغربية للدراسات القانونية و‬
‫القضائية‪ ،‬ط‪ :‬األولى‪ ،‬دون ذكر المطبعة‪ ،‬ص‪.186 :‬‬
‫‪-12‬فقد جاء في المادة ‪ 1‬من ق ‪ 28 -10‬على أن "عقد شراكة بين القطاعين العام و الخاص عقد محدد المدة‪ ،‬يعهد‬
‫بموجبه شخص عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم و التمويل الكلي أو الجزئي و‬
‫البناء أو إعادة التأهيل و صيانة او استغالل منشاة أو بنية تحتية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي"‬

‫‪P 575‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بحيث يعرف عقد الشراكة بأنه العقد الذي يكون طرفاه الدولة و أحد أو‬
‫عدة مستثمرين الذين رست عليهم الصفقة‪ ،‬يخول بموجبه لذلك أو هؤالء صالحية‬
‫إستغالل امللك الفالحي الخاص لدولة‪ ،‬مقابل االلتزام بتدبير و تسيير ذلك امللك‬
‫و دفتر التحمالت‪745‬‬ ‫بصفة شخصية طبقا ملا ورد في عقد الشراكة‬

‫و بالتالي فإن هذا اإلطار ال يعد و أن يكون سوى عقد أضفت عليه الدولة‬
‫صبغت شراكة‪ ،‬بحيث يتحمل املستثمر مصاريف التهيئة و التحويالت الضرورية‬
‫التي تراها الدولة مناسبة من أجل ضمان حماية و متانة العقار‪ ،‬و كذا تحمله‬
‫الضرائب و الرسوم الجاري بها العمل‪.‬‬

‫هكذا فإن املجال التي تبرم عقود الشراكة بشأنها بين ملك الدولة الخاص و‬
‫القطاع الخاص يكون حول مشروع تنموي مهيكل فالحي‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬يتضمن البعد املوضوعي للشراكة بين القطاعين العام و‬
‫الخاص كل املراحل املختلفة التي يعرفها مسلسل الشراكة من تخطيط و بلورة و‬
‫تشغيل و تمويل‪ ،746‬كل هذا تحت مراقبة قبلية و آنية بل و حتى بعدية وبعدية‬
‫للمشروع و ذلك لتحقيق و تجسيد هذا املشروع كما هو مضمن في دفتر التحمالت‪.‬‬

‫إال ان االشكال الذي يطرح نفسه و هو هل عقد شراكة قطاع عام خاص‪،‬‬
‫هو عقد مدني أم عقد إداري؟‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الفقه والقضاء من طبيعة عقد الكراء الفالحي في إطار شراكة‬
‫بين الدولة و الخواص‬

‫‪ -1.‬العربي محمد مياد‪ ":‬االستثمار في أمالك الدولة الخاصة"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.162:‬‬


‫‪ -746‬عب د الجبارعراش‪ ":‬أي تأطير قانوني للشراكة بين القطاعين العام و الخاص ؟" أعمال الندوة العلمية الدولية‬
‫التي نضمها فريق البحث في تحديث القانون و العدالة يومي ‪ 12‬و ‪ 11‬فبراير ‪ "،0210‬نحو إطار قانون لتنظيم عقود‬
‫الشراكة بين القطاعين العام و الخاص"‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية و اإلقتصادية و‬
‫االجتماعية –السويسي‪ ،-‬س‪ ،0214 :‬ص ‪.10:‬‬

‫‪P 576‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫إن أهمية تكييف هذا النوع من العقود‪ ،‬تعود إلى كون تحديد الطبيعة‬
‫القانونية لهذا النوع من العقود هو الكفيل بتحديد املرونة التي ستواجه املستثمر‬
‫املتقاعد مع الدولة في مرحلة إبرام العقد و أثناء تنفيذه‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإن‬
‫التكييف هو الذي سيحدد القانون الواجب التطبيق على عقود شراكة بين الدولة‬
‫و الخواص‪ ،‬إن على مستوى تغيير بنود هذه العقود أو أثناء البت في النزاعات التي‬
‫من املمكن أن تطرحها هذه العقود‪ .‬كما هو الكفيل بتحديد املحكمة املختصة‪.747‬‬

‫فعقد الشراكة في أغلب تطبيقاته يكتس ي طبيعة العقد املركب‪ ،748‬حيث‬


‫يجمع بين طياته أكثر من عقد‪ ،‬مما يطرح إشكالية تحديد القواعد التي ينبغي‬
‫تطبيقها عليه‪ ،‬و إذا كانت معرفة هذه القواعد تتم بوجه عام عن طريق مؤسسة‬
‫التكييف التي تعتبر من املهام األساسية لقاض ي املوضوع‪.‬‬

‫إضافة لكون عقد الشراكة عقد مركب‪ ،‬فإنه يتميز بطول مدة تنفيذه‪ ،‬مع‬
‫ما يترتب عن ذلك من إمكانية إلغاء أو باألحرى فسخه إذا لم تحترم بنود العقد‬
‫املنظم لها‬

‫(ب)‪ -‬موقف الفقه من طبيعة عقد الكراء الفالحي في إطار شراكة لبن الدولة‬
‫ز الخواص‪.‬‬

‫يعتبر الفقه من بين مصادر القاعدة القانونية التي يمكن من خاللها أن تبين‬
‫وتفسر نقطة قانونية لم ينص عليها القانون أو لم يوضحها بالشكل املفهوم ‪،‬‬
‫وطبيعة عقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص في إطار شراكة قطاع عام خاص‬
‫تقتض ي تدخل الفقه لتبيان ذلك‪.‬‬

‫‪-747‬عبد الرحمن الشرقاوي "تكييف عقد الشراكة قطاع عام خاص"‪ ،‬أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمها فريق‬
‫البحث في تحديث القانون و العدالة يومي ‪ 12‬و ‪ 11‬فبراير ‪ "،0210‬نحو إطار قانوني لتنظيم عقود شراكة قطاع‬
‫عام خاص"‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االجتماعية و االقتصادية بالسويسي‪ ،‬س‪:‬‬
‫‪ ،0214‬ص‪.25-24 :‬‬
‫‪Lahcen Alouate, Zineb tamehmacht, le partenariat public privé comme un nouveau -748‬‬
‫‪mode de gestion du foncier public agricole ,opcit,p :78.‬‬

‫‪P 577‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ومن أجل ذلك فإن أحد الفقه‪ 749‬يرى بأن أنماط عقود الشراكة متعددة‪،‬‬
‫ومن تم يصعب حصرها تحت نظام قانوني واحد‪ ،‬بمعنى أنه ينبغي البحث في كل‬
‫عقد على حدى ملعرفة النظام القانوني الذي يخضع له‪ ،‬ومن ثم ال يمكن الجزم‬
‫بوجود قاعدة عامة تقض ي بتطبيق قواعد القانون اإلداري أو قواعد القانون‬
‫الخاص‪.750‬‬

‫بل حتى ولو أن اإلطار القانوني للشراكة هو منشور ‪ ،8119/18‬فإن ذلك‬


‫يشوبه اإلغفال والغموض‪ ،‬من خالل هذا أوص ى املجلس األعلى للحسابات‬
‫بتصحيح جوانب القصور وااللتباس وأوجه الغموض حتى يتسنى وضع إطار قانوني‬
‫واضح وشفاف للعالقة التعاقدية بين الدولة واملستثمرين‪ ،‬وكذا بالتعاون والتشاور‬
‫بين مختلف املتدخلين في عملية الشراكة‪ ،751‬الذي بالفعل ال يلمس في عقد‬
‫الشراكة التعاون بين مديرية امللك الخاص واملستثمر الذي حسم له العقد‪.‬‬

‫وبالتالي فإنه حسب أحد الفقه‪ 752‬يتعين إيجاد آليات قانونية كفيلة بتتبع‬
‫مراحل تنفيذ بنود عقود االتفاقات والشراكة بين القطاع العام والخاص في مجال‬
‫االستثمار بشكل يجعلها مؤهلة على املطالبة القضائية بفسخ هذه االتفاقات‬
‫استنادا إلى مسطرة إستعجالية‪.‬‬

‫لكن هل يمكن أن يكون التحكيم وسيلة معتمدة لحل النزاعات املرتبطة‬


‫بعقد الشراكة بين الدولة و الخواص؟‪.‬‬

‫‪ -02‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ :‬م‪.‬س‪.‬ص ‪.44‬‬


‫‪Ahmed El Hajjami : Réflexion sur les orientation du projet du cadre juridique de -750‬‬
‫‪contrat de PPP au Maroc, actes du colloque international organisé le 10 et 11 février‬‬
‫‪2012 par l’équipe de recherche sur la modernisation du droit et de la justice, Université‬‬
‫‪med 5, facultés des sciences juridiques économiques et social, souissi, rabat, 2014, P 7‬‬
‫‪et suivant.‬‬
‫‪ - 05‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات‪ .‬ج األول ‪ .‬س‪.0211 :‬‬
‫‪ -08‬العربي محمد مياد‪ ":‬اإلستثمار الدولة الخاصة"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.122 :‬‬

‫‪P 570‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بالرجوع للمقتضيات املنظمة للتحكيم وبالضبط الفصل ‪ 131‬من ق‪.‬م‪.‬م‬


‫نجده ينص على أنه " ال يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات املتعلقة بالتصرفات‬
‫األحادية للدولة أو الجماعات املحلية أو غيرها من الهيئات املتمتعة باختصاصات‬
‫السلطة العمومية‪.‬‬

‫غير أن النزاعات املالية الناتجة عنها‪ ،‬يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما‬
‫عدا املتعلقة بتطبيق قانون جبائي"‪.‬‬

‫وبالتالي فإن النزاعات املرتبطة بعقد الكراء الفالحي في إطار شراكة قطاع‬
‫عام خاص‪ ،‬تدخل في النزاعات املالية الناتجة عن الدولة ( امللك الخاص) ومنه‬
‫يمكن أن يحتكم طرفي النزاع املرتبط بهذا العقد للتحكيم‪.‬‬

‫للقول أنه" في حالة النزاع يمكن اعتماد‬ ‫الفقه‪753‬‬ ‫وهو ما ذهب له أحد‬
‫التحكيم في عقود الشراكة بين ملك الدولة الخاص واملستثمر‪ ،‬وتعتمد اللغة‬
‫العربية أو الفرنسية كلغة للتحكيم‪ ،‬ويعتمد كذلك القانون العربي في فض النزاع‪.‬‬

‫بل األكثر من ذلك‪ ،‬فإن أحد الفقه‪ 754‬اعتبر هذه الشراكة نوع من التدبير‬
‫املفوض على اعتبار انها تتضمن الكثير من خصائص هذا العقد‪ ،‬لكن هذا قول‬
‫مردود عليه بحيث ان العالقة الرابطة بين الدولة( امللك الخاص) و الخواص عالقة‬
‫تعاقدية لكراء فالحي الذي ال يعتبر مرفق عمومي للقول أنه نوع من التدبير‬
‫املفوض‪...‬‬

‫(أ )‪ -‬موقف القضاء من طبيعة عقد الكراء الفالحي في إطار شراكة بين‬
‫الدولة و الخواص‪.‬‬

‫‪ - 753‬محمد العربي مياد‪ " :‬اإلستثمار أمالك الدولة الخاصة"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص‪.164 :‬‬
‫‪ -754‬قاسمي البلغيتي‪" ،‬دور ملك الدولة الخاص في التنمية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪-‬طنجة ‪ ،-‬س‪ .‬ج‪:‬‬
‫‪ ،0215/0214‬ص‪.128:‬‬

‫‪P 571‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ملؤسسة القضاء دور في تحقيق العدالة وضبط استقرار املعامالت القانونية‬


‫من خالل اصدار مقرارات قضائية لفض نزاع معين او للنظر في موقف تمت اثارته‬
‫في الحياة العامة ‪،‬وارتباطا بعقد الكراء الفالحي مللك الدولة الخاص املبرم في إطار‬
‫شراكة بين الدولة و الخواص‪.‬‬

‫على العموم فإن القضاء رايه لم يكن موحد في هذه النقطة‪ ،‬فقد انقسم‬
‫القضاء الى اتجاهين‪:‬‬

‫االتجاه األول متجسد في املحكمة اإلدارية بمكناس للقول أن اإلختصاص‬


‫النوعي لهذا النوع من العقود يرجع للمحكمة اإلدارية‪ ،‬و هو ما أكدته في حكم لها‪755‬‬

‫حيث جاء فيه أن" اإلختصاص النوعي ينعقد للمحكمة اإلدارية للبث في الطلب‬
‫الذي تقدمت به املدعية ( شركة ‪ ).....‬ملتمسة به من املحكمة إلزام املدعى عليهم‬
‫بما فيهم السيد مدير امللك الخاص لدولة‪ ،‬برفع التعرض املادي الصادر عن الغير‬
‫على استغالل القطعة األرضية الفالحية موضوع عقد الكراء وكذلك إعفاؤها من‬
‫واجب كراء السنوات من ‪ 8131‬إلى‪.8136‬‬

‫واحتياطيا‪ ،‬الحكم بتخفيض الكراء إلى مبلغ ‪ 43.532.11‬درهم سنويا املتعلقة‬


‫باستغالل ‪ 81‬هكتار من األرض فقط من أصل ‪125‬هكتار‪ ،‬وانتداب غير لتحديد‬
‫التعويض عن خطأ املدعى عليهم عدم تحديد العين املكتراة وتفويت فرصة الحرمان‬
‫من االستغالل ملدة ‪ 1‬سنوات‪."...‬‬

‫االتجاه الثاني تبنته املحكمة االبتدائية بالفقيه بن صالح بأمر استعجالي‪،756‬‬


‫حيث جاء في مضمونه " أن املدعي –امللك الخاص للدولة‪ -‬طالب رئيس املحكمة‬
‫بصفة استعجالية افراغ املدعى عليهما العقارات موضوع الشراكة‪........‬‬

‫‪ - 755‬حكم رقم‪ ،18/6114/008 :‬بتاريخ‪ ،0218/11/20 :‬في ملف رقم‪ ،0218/6114/21 :‬قسم القضاء الشامل‬
‫( غير منشور)‪.‬‬ ‫شعبة العقود والصفقات‪،‬‬
‫‪ - 22‬أمر استعجالي بالمحكمة االبتدائية بالفقيه بن صالح‪ ،‬عدد‪ ،122 :‬ملف رقم ‪ ،0021/15/025‬صادر بتاريخ‬
‫‪( ،0218/24/12‬غير منشور) ‪.‬‬

‫‪P 508‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وحيث دفع نائب املدعى عليهما بعدم اختصاص قاض ي املستعجالت للنظر في‬
‫القضية لوجود نزاع جدي و ان محكمة املوضوع هي املختصة‪...‬‬

‫وقد صرح رئيس املحكمة بصفته قاض ي املستعجالت بعدم االختصاص مع‬
‫ارجاع البت في الصائر "‪.‬‬

‫لكن محكمة النقض حسمت في الخالف بخصوص من هي املحكمة املختصة‪،‬‬


‫لها " لهذه االسباب قضت محكمة النقض بالغاء الحكم‬ ‫قرار‪757‬‬ ‫حيث جاء في‬
‫املستأنف والتصريح باختصاص القضاء العادي و احالة امللف على املحكمة‬
‫االبتدائية‪." ...‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في الختام يمكن القول على أن قيام إدارة امللك الخاص للدولة بتدبير‬
‫ممتلكاتها عبر عدة صور بما في ذلك كراءها وخاصة الكراء املتعلق بالعقارات‬
‫الفالحية‪ ،‬ملن شأنه تحقيق نجاعة استثمارية على صعيد هذا القطاع‪ ،‬واإلدارة في‬
‫هذا الجانب أبانت عن عزمها التام في تحقيق هذه الغاية من خالل جعل العروض‬
‫املقدمة تتعدى الصعيد الوطني إلى الصعيد العاملي‪ ،‬وهو ما يستشف على أن ملك‬
‫الدولة الخاص قام وما زال يقوم بدور مهم وحيوي في تحقيق التنمية الشاملة‬
‫واملستدامة‪ ،‬من خالل ذلك يجب لزاما الحسم في مثل هذه اإلشكاالت لتيسير فهم‬
‫هذا النوع من الكراء وتوطيد مساهمته في صلب االستثمار وتحقيق التنمية‬

‫ومنه يمكن اقتراح بعض الحلول‪ ،‬لتجاوز هذه املعيقات‪ ،‬فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -)3‬العمل على جمع شتات مختلف النصوص املتفرقة املنظمة لألمالك‬


‫الخاصة للدولة‪ ،‬وإعادة النظر فيها وتحيينها‪ ،‬وصنع مدونة شاملة منظمة ملختلف‬
‫الجوانب املحيطة بنظام عقارات ملك الدولة الخاص‪.‬‬

‫‪ - 757‬قرار رقم ‪ ،1/1.61‬ملف اداري رقم ‪ ،0215/1/4/2121‬المؤرخ في ‪021516/2./‬‬

‫‪P 501‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪ -)8‬تأهيل الجهاز القضائي لكي يتكيف مع التحوالت االقتصادية الكبرى‬


‫بالشكل الذي يؤهله ملواجهة تحديات األلفية الثالثة والسوق العاملية املفتوحة‬
‫وإكراهات العوملة‪ ،‬وذلك لكون مبادرة تشجيع االستثمار ال تتوقف على مجرد‬
‫القيام بإصالحات اقتصادية وإصالحات تشريعية بل البد من القيام بإصالح الجهاز‬
‫القضائي وتفعيله‪ ،‬من خالل وضع قضاء متخصص في األنظمة العقارية‪.‬‬

‫‪-)1‬الحسم في إعطاء االختصاص القضائي للمحكمة االبتدائية لكون الدولة‬


‫تتصرف في ممتلكاتها كالخواص‪.‬‬

‫‪P 502‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫العربي محمد مياد‪ ":‬االستثمار في أمالك الدولة الخاصة"‪ ،‬مجلة الحقوق‬
‫املغربية للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬ط‪ :‬األولى‪ ،‬دون ذكر املطبعة‪.‬‬

‫عبد الجبارعراش‪ ":‬أي تأطير قانوني للشراكة بين القطاعين العام و الخاص؟"‬
‫أعمال الندوة العلمية الدولية التي نضمها فريق البحث في تحديث القانون‬
‫والعدالة يومي ‪ 31‬و ‪ 33‬فبراير ‪ "،8138‬نحو إطار قانون لتنظيم عقود الشراكة بين‬
‫القطاعين العام و الخاص"‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية و اإلقتصادية و االجتماعية –السويس ي‪ ،-‬س‪8134 :‬‬

‫عبد الرحمن الشرقاوي "تكييف عقد الشراكة قطاع عام خاص"‪ ،‬أعمال‬
‫الندوة العلمية الدولية التي نظمها فريق البحث في تحديث القانون و العدالة يومي‬
‫‪ 31‬و ‪ 33‬فبراير ‪ "،8138‬نحو إطار قانوني لتنظيم عقود شراكة قطاع عام خاص"‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االجتماعية و االقتصادية‬
‫بالسويس ي‪ ،‬س‪،8134 :‬‬

‫‪Ahmed El Hajjami : Réflexion sur les orientation du projet du cadre‬‬


‫‪juridique de contrat de PPP au Maroc, actes du colloque international‬‬
‫‪organisé le 10 et 11 février 2012 par l’équipe de recherche sur la‬‬
‫‪modernisation du droit et de la justice, Université med 5, facultés des‬‬
‫‪sciences juridiques économiques et social, souissi, rabat, 2014‬‬

‫قاسمي البلغيتي‪" ،‬دور ملك الدولة الخاص في التنمية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪-‬طنجة ‪ ،-‬س‪ .‬ج‪،8135/8134 :‬‬

‫‪P 503‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذ يحيى ابهندا‬


‫منتدب قضائي من الدرجة الثانية مراكش – باحث‬
‫بسلك الدكتوراه‬

‫التخطيط العمراني بالوسط القروي المحدودية‬


‫واالفاق‬
‫‪Urban planning in rural areas, limitations and prospects‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫شكلت سنة ‪ 3234‬الفترة املفصلية في تنظيم املجال باملغرب‪ ،‬وذلك بإصدار‬
‫أولى القواعد القانونية املكتوبة التي تنظم التعمير أبرزها ظهير ‪ 36‬أبريل‪3234‬‬
‫املتعلق بتصفيف الطرقات والحرمات واألبنية وظهير ‪ 34‬يونيو ‪ 3211‬املتعلق‬
‫بالتجزئات العقارية اللذان تم تغييرهما بكل من ظهير ‪ 3258‬املتعلق بالتعمير ‪ -‬والذي‬
‫كانت بعض أحكامه تطبق على التجمعات العمرانية القروية التي يتم ترقيتها إلى‬
‫مراكز حضرية – و ظهير ‪ 3251‬املتعلق بالتجزئات العقارية وتقسيم األراض ي‬
‫واللذين تم نسخهما على التوالي بقانوني ‪ 21-38‬املتعلق بالتعمير و‪ 21-85‬املتعلق‬
‫بالتجزئات العقارية واملجموعات السكنية وتقسيم العقارات‪.‬‬

‫بيد أن التعمير القروي لم يتم إصدار أي قاعدة قانونية مكتوبة بشأنه إال‬
‫بعد مرور ‪ 46‬سنة على تقنين التعمير باملغرب وذلك بإصدار ظهير ‪ 85‬يونيو ‪3261‬‬

‫‪P 504‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بشأن تنمية التكتالت القروية الذي يشكل أول نص قانوني يعنى باملجاالت القروية‬
‫التي لم يسري عليها ظهير ‪ 3258‬بحيث نص على وثيقة تصميم التنمية كمرجع هام‬
‫للتخطيط إضافة إلى تناول بعض مقتضياته للتدبير العمراني كالتجزئة العقارية‬
‫والبناء في املناطق املغطاة بتصميم التنمية‪.‬‬

‫ولعل الدافع األساس ي وراء تقنين وتنظيم املجال القروي يكمن في التطور‬
‫الذي عرفته املناطق القروية في شتى امليادين‪ ،‬مما انعكس على ذلك مجموعة من‬
‫املشاكل كظهور تجمعات قروية كبرى تغيب فيها الشروط الضرورية للعيش الكريم‬
‫‪ ،‬أضف إلى ذلك تزايد حاجيات الساكنة إلى تجهيزات ومرافق عمومية تستجيب‬
‫لتطلعات الساكنة القروية‪.‬‬

‫ويعتبر التخطيط العمراني من القواعد األساسية التي يتوقف عليها التعمير‬


‫لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وثقافية لكل منطقة على حدى‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل تدخل اإلدارة بأدوات منهجية وظيفية قصد تحقيق نوع من التكامل‬
‫واالنسجام بين املناطق واألفراد التي تعمرها‪.‬‬

‫وتتم بلورة هذه األدوات عبر وثائق التعمير التي تعتبر بمثابة اإلطار القانوني‬
‫للتخطيط العمراني وأداة أساسية الستغالل األراض ي ومؤشرا كذلك لقياس‬
‫التنمية املحلية‪ ،‬و يمكن تصنيف هذه الوثائق إلى وثائق ذات طابع تقديري أو توقعي‬
‫ووثائق تجسد توجهات الوثائق ذات الطابع التقديري عبر وثائق ذات طابع نافذ‬
‫واالشكالية التي تطرح ماهو واقع التخطيط العمراني بالوسط القروي ؟‬
‫ولرصد طبيعة التخطيط العمراني القروي سنحاول التركيز على قانون‬
‫‪ 21.38‬املتعلق بالتعمير باعتباره مرجعا أساسيا لتنظيم التعمير القروي من خالل‬
‫وثائق التعمير ودورها في تنظيم التعمير بالوسط القروي (املطلب األول) ودور الظهير‬
‫املتعلق بالتكتالت العمرانية الذي يعنى باملناطق القروية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪P 505‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬على مستوى قانون ‪21-38‬‬

‫يعتبر قانون ‪ 21-38‬من القوانين التي تنظم التعمير إلى حدود الساعة‪ ،‬ولم‬
‫يغير مختلف النظم التي كان معموال بها في هذا املجال‪ ،‬بل احتفظ باملبادئ‬
‫األساسية التي كان املشرع املغربي قد أسس لها منذ ‪ 3234‬ويمكن القول بأن هذا‬
‫القانون عمل على جمع شتات القوانين والظهائر املعمول بها في التخطيط الحضري‬
‫معززا إياها بمقتضيات جديدة أملتها ضرورة مواكبة مستلزمات النمو السريع‬
‫للتمدن من اجل تخطي مواجهة صعوبات التعمير‪.‬‬

‫ولعل التوجهات التي جاء بها قانون ‪ 21-38‬حرصت على تحقيق املرونة‬
‫الضرورية للتطبيق السليم لوثائق التعمير من جهة‪ ،‬وتبسيط إجراءات وضعها‬
‫واملصادقة عليها من جهة أخرى‪ ،‬كما أنه وضع األساس القانوني ملخطط توجيه‬
‫التهيئة العمرانية الذي يحدد االختيارات األساسية للتعمير‪ ،‬والذي من شأنه كذلك‬
‫وضع تصور عام لتطور املدن بشكل يجعلها تستجيب لحاجيات النمو الحضري‬
‫على املدى البعيد باعتبارها اللبنة الرئيسية التي ترتكز عليها الدراسات األساسية‬
‫لوضع تصاميم التنطيق والتهيئة وتصاميم التنمية إن اقتض ى الحال‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى حماية وتنمية املناطق ذات الصبغة الخاصة‪ ،‬والتي توجد‬
‫في بعض الحاالت خارج الجماعات الحضرية واملناطق املحيطة بها أو املجموعات‬
‫العمرانية ومتابعة تحقيق هدف مزدوج‪ ،‬يجمع بين الجودة املعمارية وسالمة البناء‬
‫وجودته‪ ،‬عن طريق تدخل املهندس املعماري واملهندسين املختصين‪ ،‬ووضع نظام‬
‫زجري أكثر فعالية‪ ،‬يمكن على الخصوص في بعض الحاالت من هدم البنايات غير‬
‫القانونية‪.‬‬

‫نستشف من التوجهات األساسية لقانون ‪ 21-38‬أن له دورا أساسيا في‬


‫التخطيط العمراني بالوسط القروي‪ ،‬إذ يتضمن مقتضيات تهم وثائق التعمير ذات‬
‫الطابع التقديري الذي يشمل وثيقة وحيدة هي مخطط توجيه التهيئة العمرانية‬

‫‪P 506‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من جهة‪ ،‬ووثائق ذات طابع نافذ تتمثل في تصميم التنطيق والتهيئة وكذا قرارات‬
‫التخطيط من جهة ثانية‪ ،‬وللوقوف أكثر على مدى إسهامات قانون ‪ 21-38‬في تنظيم‬
‫التعمير بالوسط القروي سنحاول الوقوف على املخطط التوجيهي للتهيئة‬
‫العمرانية ودوره في توجيه التخطيط العمراني القروي (الفقرة األولى)‪ ،‬على أساس‬
‫التطرق إلى دور باقي الوثائق التعميرية ذات الطابع التنفيذي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وثيقة التعمير التقديري ودورها في توجيه التعمير القروي‬

‫حدد قانون ‪ 21-38‬وثيقة التعمير التقديري في وثيقة وحيدة وهي مخطط‬


‫توجيه التهيئة العمرانية‪ ،‬التي تعد وثيقة توقعية توجيهية غايتها إقامة التوجيهات‬
‫األساسية في مجال تنظيم التجمعات العمرانية‪ ،‬وتحديد متطلبات التوسع‬
‫العمراني وماتستلزمه ممارسة األنشطة االقتصادية واملحافظة على تجانس املنظر‬
‫التجمعات‪758.‬‬ ‫العام داخل هذه‬

‫ولهذه الغاية فاملخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يحدد التنظيم العام املعد‬
‫للتنمية املجالية للرقعة املتعلق بها‪ ،‬باعتباره وثيقة مرجعية يتم التنسيق بواسطتها‬
‫مختلف أعمال الهيئات املعنوية العمومية واملؤسسات شبه العمومية على املدى‬
‫املتوسط و البعيد اليتجاوز ‪ 85‬سنة‪.‬‬

‫ينبغي اإلشارة إلى أن هذه الوثيقة ظهرت في التشريع الفرنس ي بادئ األمر عند‬
‫صدور قانون التوجيه العقاري‪ ،759‬ونقلها عنها مشروع قانون اإلطار للتهيئة‬
‫الحضرية والقروية الذي تم إعداده سنة ‪ 3293‬باسم التصميم املديري لتحديد‬
‫التوجيهات الواجب التقيد بها من أجل االستجابة ملتطلبات التوسع العمراني في‬
‫األمد الطويل‪ ،‬ثم أصبح بعد ذلك يطبق هذا التصميم في إطار املخطط الخماس ي‬
‫‪ 3225 /3223‬باسم التصميم املديري للتهيئة الحضرية‪ ،‬وما يمييز هذه التصاميم‬

‫‪ - 758‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير" ‪،‬الطبعة األولى ‪،‬المجموعة البيداغوجية لوحدة تدبير المجال‪،‬‬
‫مكناس‪ ،‬سنة ‪ ،2811-2818‬ص ‪.145 :‬‬
‫‪759‬‬
‫‪- Loi n° 67-1253 du 30 décembre 1967 d'orientation foncière.‬‬

‫‪P 507‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫هو عدم الزاميتها لالغيار ألنه لم يكن لها سند قانوني ‪ ،‬وعليه فإن العديد من املدن‬
‫املغربية كانت خاضعة في تدبيرها العمراني لتوجهات هذه الوثيقة التي لم يكن لها‬
‫أساس قانوني‪760‬؛ ماعدا إذا استثنينا التصميم التوجيهي ملدينة الدار البيضاء‬
‫الكبرى الذي يتوفر على صبغة تشريع بمقتض ى الظهير رقم ‪ 3.24.39‬الصادر في ‪85‬‬
‫يناير ‪ ،3224‬ومرسوم املوافقة عدد ‪ 8.25.413‬الصادر في ‪ 82‬ماي ‪ ،3225‬فان كافة‬
‫التصاميم التوجيهية بالبالد التعتمد على سند تشريعي‪ ،‬وبالتالي عنصر اإللزام‪،761‬‬
‫ولم تكتسب هذه التصاميم الزاميتها إال في إطار قانون ‪.21-38‬‬

‫ونظرا لكون هذا املخطط ليس بقرار تنظيمي عادي ذو طابع تقليدي وال ينظم‬
‫مختلف األنشطة االقتصادية‪ ،‬التي ترتكز باألساس على معرفة دقيقة ومعمقة‬
‫للمعطيات السوسيو اقتصادية القائمة وتوجهاتها وذلك حتى يتمكن من االستجابة‬
‫للحاجيات الحالية واملستقبلية وتنميتها‪ ،762‬وجب علينا الوقوف على نظامه‬
‫القانوني من خالل إبراز دوره في توجيه التعمير القروي‪ ،‬وآثار مقتضياته عليه‪.‬‬

‫أ‪ -‬تجليات تطبيق املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بالوسط القروي‬

‫بأن "مخطط توجيه التهيئة العمرانية‬ ‫‪76338.21‬‬ ‫تنص املادة ‪ 8‬من قانون‬
‫يطبق على رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب‬
‫الترابط القائم بين مكوناتها في املجاالت االقتصادية والتجارية واالجتماعية‪.‬‬

‫ويمكن أن تشتمل الرقعة األرضية املشار إليها أعاله على جماعة حضرية أو‬
‫عدة جماعات حضرية ومركز محدد أو عدة مراكز محددة وكذلك‪ ،‬إن اقتض ى‬
‫الحال‪ ،‬على بعض أو جميع جماعة قروية أو جماعات قروية مجاورة‪".‬‬

‫‪ - 760‬عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الشركة المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط ‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،8880‬ص‪.05 :‬‬
‫‪ - 761‬محمد السنوسي معنى ‪ " :‬أضواء على قضايا التعمير والسكنى بالمغرب"‪ ،‬دار النشر المغربية ‪،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪ ،8822‬ص‪:‬‬
‫‪.00‬‬
‫‪ - 762‬أحمد مالكي ‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪،‬ألقيت على طلبة ماستر القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية الفوج‬
‫الثالث‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.8080-8088‬‬
‫‪ - 763‬المادة ‪ 8‬من قانون ‪ 80-88‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪P 500‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من خالل الشق األول من هذه املادة يتضح أن مخطط توجيه التهيئة‬
‫العمرانية يطبق بشكل إلزامي على رقعة جغرافية تتميز بخصائص اقتصادية‬
‫وتجارية واجتماعية مشتركة تتطلب تنميتها ضرورة خضوعها لدراسة شمولية‪،‬‬
‫فيما يحيل الشق الثاني من هذه املادة إلى طبيعة هذه الرقعة على إمكانية تطبيقها‬
‫على تراب جماعة حضرية التي عرفها قانون ‪ :76421-38‬بأنها بلديات ومراكز متمتعة‬
‫بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي املسماة "املراكز املستقلة"‪ ،765‬أما املراكز‬
‫املحددة فهي أجزاء من جماعات قروية تعيين حدودها السلطة التنظيمية‪ ،‬وينبغي‬
‫اإلشارة إلى أن املشرع املغربي لم يحدد معايير التمييز بين هذه الوحدات بل أعطى‬
‫لإلدارة السلطة التقديرية في اتخاذ القرار‪ ،766‬على عكس املشرع الفرنس ي الذي‬
‫حدد إلزامية تزويد كل املدن التي يفوق عدد سكانها ‪ 31.111‬نسمة بمخطط‬
‫توجيهي‪ ،‬وبذلك يترك لإلدارة الفرنسية السلطة التقريرية فيما يتعلق بالتجمعات‬
‫السكنية التي اليصل عدد سكانها العدد املحدد في تزويدها باملخطط حسب‬
‫بها‪767.‬‬ ‫متطلبات التنمية‬

‫ومن األهداف التي يتوخاها املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية هو تحديد‬


‫مختلف املناطق العمرانية الجديدة وتواريخ السماح بالعمران فيها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫وضع أغراض عامة لألراض ي مع مراعاة املناطق الزراعية والغابوية التي يتمييز بها‬

‫‪ - 764‬المادة ‪ 8‬من قانون ‪ 80-88‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ - 765‬تجدر اإلشارة أن المراكز المستقلة قد تم إلغاء العمل بها حاليا‪ ،‬انظر المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني‬
‫والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪ - 766‬المعايير المعتمدة في التمييز بين الوحدات اإلدارية بالمغرب هي متعددة‪ :‬كالمعيار اإلحصائي الذي بموجبه يتم التمييز بين التجمعات‬
‫الحضرية والقروية على أساس الكثافة السكانية وذلك تحت سقف ‪ 80.000‬نسمة ‪ ،‬كذلك يمكن االعتماد على المعيار الوظيفي الذي‬
‫ب مقتضاه يتم االعتماد على نسبة السكان النشيطين في المجال الزراعي مقارنة مع إجمالي الساكنة النشيطة بنسبة ‪ %80‬على غرار الساكنة‬
‫الحضرية‪ ،‬ثم المعيار الشكلي الذي يقتصر على طبيعة األبنية وهندستها التي تختلف من التجمعات العمرانية الحضرية عن القروية من‬
‫خالل المواد وضوابط الهندسة المعمارية ‪ ،‬أما المعيار االداري الذي تستعمله اإلدارة المغربية فبموجبه اعتمدت المديرية الوطنية لإلحصاء‬
‫في اإلحصاء الذي قامت به في ‪ ، 8828‬فإنه يعد تجمعا حضريا كل تجمع يصل أو يفوق عدد سكانه ‪ 8500‬نسمة وتتوفر فيه أربعة من‬
‫الشروط السبعة التالية ‪ -1 :‬توفره على شبكة الكهرباء ‪ -8‬توفره على شبكة الماء الصالح للشرب ‪ -3‬وجود شبكة التطهير ‪ -9‬وجود‬
‫مستوصف أو مركز صحي ‪ -5‬وجود ثانوية ‪ -6‬وجود محكمة ‪ -7‬أن تكون نسبة السكان النشيطين فيه في غير المجال الفالحي تتجاوز‬
‫‪ ،%50‬توفر أربعة من هذه الشروط إضافة على الشرط المتعلق بعدد السكان الذي يجب أن يصل إلى ‪ 8500‬نسمة على األقل كاف‬
‫العتبار التجمع العمراني تجمعا حضريا‪ .‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 767‬أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‪ ،‬اإلدارة‬
‫العامة‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،8002-8007‬ص ‪.82‬‬

‫‪P 501‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫غالبا املجال القروي املغربي‪ ،‬من أجل إقامة التوازن ما بين املد العمراني من جهة‬
‫وحماية املجال الفالحي من جهة ثانية‪.‬‬

‫وعموما فان وثائق التعمير التنظيمي والوحدات الترابية سواء حضرية أم‬
‫قروية كانت فهي ملزمة بالخضوع ملا ينص عليه املخطط التوجيهي للتهيئة‬
‫العمرانية في إطار مقتضيات قانون ‪ 21-38‬املتعلق بالتعمير؛ وقد خصص املرسوم‬
‫التطبيقي له‪ ،768‬مكانة مهمة ملخطط توجيه التهيئة العمرانية في كيفية إعداده‬
‫واملصادقة عليه ومتابعة تنفيذه على مستوى اإلدارة املركزية‪ ،‬في حين الجماعات‬
‫الترابية خصوصا املحلية منها أي مجالس العماالت واألقاليم واملجالس الحضرية‬
‫والقروية يبقى دورها شكليا اليعدوا إال أن يكون استشاريا فقط‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الصيغة التي جاءت بها املادة السادسة من قانون ‪" 21-38‬بأنه يتم وضع مشروع‬
‫مخطط توجيه التهيئة العمرانية بمبادرة من اإلدارة وبمساهمة الجماعات املحلية‬
‫وتتم املوافقة عليه طبق اإلجراءات والشروط التي تحدد بمرسوم تنظيمي"‪ ،‬إال أن‬
‫لم يلتزم بنفس الصيغة في وضع وإعداد‬ ‫‪76921-38‬‬ ‫املرسوم التطبيقي لقانون‬
‫املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بل استعمل مصطلح املساعدة عوض‬
‫املساهمة األمر الذي يبرز طغيان الطابع املركزي على املحلي في إنتاج وثيقة التعمير‬
‫التوجيهية‪770.‬‬

‫ب‪ -‬آثار تنفيذ املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على التعمير القروي‬

‫تسري آثار املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمجرد اكتسابه القوة‬


‫اإللزامية عن طريق املصادقة على كل األشخاص املعنوية واملقاوالت الخاضعة‬
‫للقانون الخاص التي تعود ملكية رأسمالها ألحد أشخاص القانون العام بما يفيد‬

‫‪ - 768‬مرسوم رقم ‪ 8.88.208‬صادر في ‪ 87‬من ربيع االخر‪ 8989‬الموافق ل‪ 89‬أكتوبر ‪ 8880‬لتطبيق القانون رقم ‪ 88.80‬المتعلق‬
‫بالتعمير الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 8.88.08‬المؤرخ في ‪ 85‬ذي الحجة ‪ 8988‬الموافق ل ‪87‬يونيو‪ ،8888‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5889‬بتاريخ ‪ 80‬أكتوبر ‪ ،8880‬ص ‪.8068 :‬‬
‫‪ - 769‬المادة ‪ 0‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪ 80-88‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬
‫‪ - 770‬للتفصيل أكثر في هذه النقطة انظر‪ :‬احمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 78‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الدولة والجماعات املحلية واملؤسسات العمومية والشبه عمومية‪ ،771‬وبالتالي‬


‫املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يفرض ويلزم بتوجهاته كل املشاركين في‬
‫إعداده‪ ،‬كما يلزم باقي وثائق التعمير ذات الطابع التنفيذي كتصاميم التنطيق‪،‬‬
‫والتهيئة ‪ ،‬والتنمية إضافة إلى انه في الحاالت التي تغيب فيه هذه التصاميم فان‬
‫املادة ‪ 38‬من قانون ‪ 21-38‬تمنع اإلذن بانجاز مشاريع التجزئة أو إقامة املجموعات‬
‫السكنية أو مشاريع األبنية ماعدا إذا كانت هذه املشاريع تتوافق وتوجهات املخطط‬
‫التوجيهي للتهيئة العمرانية‪.‬‬

‫غير أنه يطرح إشكال من الناحية العملية في مدى التزام هذه الهيئات‬
‫بمقتضيات املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على اعتبار أنه ليس دقيقا بما فيه‬
‫الكفاية ال مجاليا وال زمانيا‪ ،‬خاصة أن التجهيزات واملشاريع والبرامج واستعماالت‬
‫األراض ي التي يتوقع انجازها ال تحدد أمكنتها بالدقة املطلوبة حينما يوجب أو‬
‫األشخاص املعنوية العامة أو الخاصة‪ ،‬خصوصا أن ما ينص عليه‬ ‫يقييد‪772‬‬

‫املخطط ما هي إال فرضيات قد تتحقق أو ال تتحقق في املستقبل وهنا تكمن إشكالية‬


‫التقييد إزاء األشخاص املعنوية سواء الخاصة منها أو العامة؛ في حين أن املشرع‬
‫الفرنس ي ينص على درجة أدنى من التقييد وهو ما أطلق عليه التوافق بين املشاريع‬
‫أو البرامج التي تود األشخاص املعنوية العامة أو الخاصة انجازها مع قرارات‬
‫األشخاص املعنوية العامة أو الخاصة التي لها نفاذ في نفس منطقة املخطط‬
‫التوجيهي فالتوافق اليعني أن اإلدارة التكون ملزمة بتوجهات املخطط‪ ،‬ولكن‬
‫املخططات‪773.‬‬ ‫ملراعاة نسبية عدم الدقة والوضوح التي تتسم بها هذه‬

‫وبذلك فالوسط القروي يدخل في نطاق املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية‬


‫باعتباره ضمن األشخاص املعنوية العامة وعليه فمختلف املشاريع واستعماالت‬
‫‪ - 771‬المادة ‪ 8‬من قانون ‪ 80-88‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬
‫‪ - 772‬تفيد صيغة' تتقيد‪ '..‬التي جاءت بها المواد ‪ 88‬إلى أن المشرع مال إلى مفهوم المطابقة المتعارف عليه في القانون العام المغربي‬
‫وهذا المفهوم سيثير صعوبات أثناء التطبيق بحيث ستضطر اإلدارة إلى تفسير النص تفسيرا واسعا إلدخال المرونة الالزمة التي تفتقدها‬
‫صيغته‪ .‬انظر عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50:‬‬
‫‪ - 773‬للتفصيل أكثر في هذا الصدد انظر عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58 :‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األراض ي التي يمكن انجازها ووثيقة التعمير املزمع انجازها بالوسط القروي ملزمة‬
‫بالخضوع لتوجهات هذا املخطط‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وثائق التعمير ذات الطابع النافذ ودورها في تنظيم التعمير‬
‫القروي‬

‫بعد التطرق إلى دور وثيقة التعمير التقديرية في توجيه التعمير القروي‬
‫باملغرب سنحاول الوقوف على دور وثائق التعمير ذات الطابع التنفيذي (تصميم‬
‫التنطيق‪ ،‬تصميم التهيئة‪ ،‬قرارات تخطيط حدود الطرق العامة) التي تجسد أحكام‬
‫املخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير على ارض الواقع بالوسط القروي‪.‬‬

‫فبمجرد اكتساب هذه الوثائق قوتها اإللزامية فيما يتعلق باستعمال‬


‫األراض ي‪ ،‬تصير قابلة للتطبيق على األفراد مما يفيد بأن "لكل شخص الحق ولو لم‬
‫تكن له مصلحة مباشرة إلزام املصالح املعنية باحترام توقعات التصاميم وبإمكانه‬
‫كذلك الطعن أمام القضاء في مقررات منح الرخص التي تتضمن خرقا لنظام هذه‬
‫التصاميم"‪774.‬‬

‫وسنحاول في هذه الفقرة الوقوف على دور وثائق التعمير النافذة التي يتناولها‬
‫قانون ‪ 21.38‬في تنظيم التعمير بالوسط القروي بدءا بتصميم التنطيق (أوال) ثم‬
‫تصميم التهيئة ( ثانيا) فقرارات التخطيط (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تصميم التنطيق ودوره في التعمير القروي باملغرب‬

‫لقد خصص قانون ‪ 21-38‬فصال واحدا مكون من خمس مواد من الباب‬


‫األول لتصميم التنطيق الذي يهدف إلى تمكين اإلدارة والجماعات املحلية من اتخاذ‬
‫التدابير التحفظية الالزمة إلعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجهات مخطط‬
‫توجيه التهيئة العمرانية؛ وهو بذلك يعد أداة قانونية انتقالية بين وثائق التعمير‬

‫‪774‬‬
‫‪- M’hammed Dryf " Urbanisme et urbanisation au Maroc", C.N.R.S, Année 1999, P : 152.‬‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ووثائق التعمير التنظيمي‪ ،775‬الذي يسري على نفوذ الجماعات‬ ‫التقديري‬


‫الحضرية واملراكز املحددة واملراكز املستقلة واملناطق املجاورة للمدن‪ ،‬مما يفيد أن‬
‫الوسط القروي يعنى بهذا التصميم الذي له دور وقائي ملدة سنتان إلى حين تطبيق‬
‫تصميم التهيئة‪ ،‬ويقوم بتحديد األغراض العامة لألراض ي واملناطق التي يمنع فيها‬
‫البناء وكذا املناطق املخصصة النجاز التجهيزات األساسية واالجتماعية وحصر تلك‬
‫املناطق التي يجوز فيها لرئيس املجلس الجماعي تأجيل البث في طلبات اإلذن بانجاز‬
‫تجزئات أو مجموعات سكنية أو تراخيص بالبناء‪.‬‬

‫وللوقوف أكثر على دور تصميم التنطيق بالوسط القروي سنحاول توضيح‬
‫مسطرة إعداده كنقطة أولى على أساس إبراز أثاره على املناطق التي يطبق فيها‬
‫كنقطة ثانية‬

‫أ‪ -‬مسطرة إعداد تصميم التنطيق ومدى مساهمة الجماعات القروية في‬
‫إعداده‬

‫حسب املرسوم التطبيقي لقانون ‪ 77621-38‬فان تصميم التنطيق يتم وضعه‬


‫بمبادرة من اإلدارة املكلفة بالتعمير وبمساهمة الجماعات املحلية املعنية مع مراعاة‬
‫الصالحيات املسندة بموجب التشريع الجاري به العمل في هذا امليدان إلى الوكاالت‬
‫الحضرية‪.‬‬

‫ثم تقوم بعرض املشروع على نظر لجنة محلية تتألف من‪ :‬العامل املعني‪،‬‬
‫رئيسا؛ أعضاء اللجنة التقنية التابعة للعمالة أو اإلقليم املعني؛ رؤساء املجالس‬
‫الجماعية املعنية؛ رؤساء الغرف املهنية املعنية‪.‬‬

‫‪ - 775‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 776‬من المادة ‪ 88‬إلى المادة ‪ 87‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪ 80.88‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وتوجه اللجنة املحلية موجزا ألعمالها مدعوما بمحضر عن هذه األعمال إلى‬
‫اإلدارة املكلفة بالتعمير أو إلى مدير الوكالة الحضرية بحسب الحالة‪ ،‬قصد اتخاذ‬
‫القرار‪ ،‬وذلك داخل أجل خمسة عشر يوما على األكثر بعد انتهاء األعمال املذكورة‪.‬‬

‫بعد ذلك تحيل السلطة املكلفة بالتعمير أو مدير الوكالة الحضرية بحسب‬
‫الحالة مشروع تصميم التنطيق إلى املجالس الجماعية املعنية لدراسته‪ ،‬ويمكن‬
‫لهذه املجالس أن تبدي‪ ،‬داخل أجل شهرين يبتدئ من تاريخ توصلها بالتصميم‪ ،‬ما‬
‫تراه في شأنه من اقتراحات‪ ،‬و مباشرة بعد ذلك‪ ،‬تتم دراسة تصميم التنطيق بصفة‬
‫نهائية من طرف السلطة املركزية املشرفة على إعداده و توافق عليه بقرار من الوزير‬
‫املكلف بالتعمير و ينشر بالجريدة الرسمية‪.‬‬

‫ويبقى دور الجماعات املحلية في إنتاج هذه الوثيقة ضعيفا بحيث اليتجاوز‬
‫درجة املساهمة وإبداء الرأي كما أن هذا التصميم أصبح مستبعدا من قبل الكثير‪،‬‬
‫نظرا لطابعه املؤقت وكذا ملا تعرفه مساطر املصادقة على تصميم التهيئة من تسريع‬
‫خاصة مع تعميم الوكاالت الحضرية ‪ ،‬ولذلك ينادي البعض بحذف هذه التصاميم‬
‫طاملا أن التجربة أبانت عن عدم الجدوى من إعدادها رغم أهميتها في خلق حلقة‬
‫وصل بين الوثائق التوجيهية والتنفيذية وهذا ما صار إليه واضعو مشروع القانون‬
‫التعمير‪777.‬‬ ‫‪ 48-11‬املتعلق بتأهيل العمران وكذا مشروع مدونة‬

‫ب – أثار تصميم التنطيق على الوسط القروي‬

‫بمجرد املصادقة على تصميم التنطيق ونشرة بالجريدة الرسمية فانه يصبح‬
‫ساري املفعول على املجال املخصص له في مدة سنتان كما سبقت اإلشارة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وتصبح األغراض املخصص لها ملزمة بالنسبة لإلدارات العمومية التي يجب‬
‫أن تحترم التخصيص الذي قام به التصميم فيما يخص املنشات وكذا املناطق‬

‫‪ - 777‬أحمد مالكي ‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20-78 :‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املسموح بها البناء والتجزئ إما بمنح الرخصة أو رفضها أو تقييدها‪ ،‬وبذلك فهو‬
‫يلزم األفراد واإلدارات في نفس الوقت‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن الكثير من هذه التصاميم –تصاميم التنطيق‪ -‬انتهت مدة‬


‫سريانها القانونية بمرور سنتن بعد املصادقة عليها وبالرغم من ذلك نجد السلطات‬
‫الجماعية تستمر في تطبيق مقتضياتها إزاء املواطنين واإلدارات العمومية والسبب‬
‫في ذلك يرجع إلى الفراغ الذي يسببه عدم االنتهاء من مسطرة اإلعداد واملصادقة‬
‫على تصميم التهيئة مما أدى إلى نمو السكن العشوائي ليس فقط خارج املدار‬
‫الحضري بل داخله ويبقى املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ذا الدور األساس ي‬
‫ي‪778.‬‬ ‫في ملء ذلك الفراغ باعتباره يهتم على األقل باالستعماالت األساسية لألراض‬

‫مما يستدعي إعادة النظر في مدة إعداد تصميم التهيئة الذي سنتطرق إليه‬
‫في النقطة املوالية باعتباره أحد أهم وثائق التعمير األساسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تصميم التهيئة ودوره في تنظيم التعمير القروي‬

‫يعتبر تصميم التهيئة بمثابة وثيقة تعميرية تنظيمية هدفها تخطيط املجال‬
‫الحضري بشكل خاص‪ ،‬والتحكم في التوسع العمراني للجماعات الحضرية‬
‫والقروية بشكل عام‪ ،779‬وتتضمن مجموعة من املعطيات البيانية والقانونية‬
‫إضافة إلى الخرائط‪ ،‬كما تشكل أداة لترجمة توجهات املخططات التوجيهية للتهيئة‬
‫العمرانية عن طريق مبادئ قانونية يمكن االحتجاج بها عند االقتضاء أمام اإلدارة‬
‫أو املجالس املحلية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة أن تصميم التهيئة هو أول وثيقة تعميرية نص عليها التشريع‬


‫املغربي في مجال التخطيط الحضري‪ ،‬ضمن أول قانون تنظيمي ألعمال التعمير‬

‫‪ - 778‬انظر عبد الرحمان البكريوي‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28-28:‬‬
‫‪ - 779‬محمد الكنوني ‪" :‬الوكاالت الحضرية وتدبير ميدان التعمير ‪ -‬حالة الوكالة الحضرية لسطات ‪ ،" -‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬
‫العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث تدبير اإلدارة المحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪ ،8002-8007،‬ص ‪.80 :‬‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫صدر سنة ‪ ، 3234‬وقد كانت هذه الوثيقة أول مخطط تنظيمي اعتمدت عليه‬
‫سلطات االستعمار لتهيئة املدن‪ ،‬وتنظيم االستعماالت العقارية وإحداث املناطق‬
‫األساسية‪780.‬‬ ‫وانجاز التجهيزات واملرافق‬

‫لذا فقد أولى املشرع املغربي عناية بالغة لتصميم التهيئة وأدخل عليه الكثير‬
‫من التعديالت‪ ،‬وذلك ملواكبة التطورات التي عرفها التعمير‪ ،‬والتمكن من تجاوز‬
‫الثغرات التي أبانت عنها‪ ،‬وذلك في ظهير ‪ 11‬يوليوز ‪ 3258‬بست مواد ‪ ،‬ثم ظهير ‪39‬‬
‫يونيو ‪ 3228‬الذي خصص له أربعة عشر مادة من املادة ‪ 32‬إلى املادة ‪.78113‬‬

‫وألجل اإلحاطة بمضمون هذه الوثيقة ودورها في التعمير القروي سنعمل‬


‫على إبراز نطاق تطبيقها مع توضيح دور املجالس القروية في إنتاج هذه الوثيقة (أ)‬
‫على أساس دراسة اآلثار املترتبة عن هذه الوثيقة بالوسط القروي(ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬تجليات تطبيق تصميم التهيئة العمرانية بالوسط القروي‬

‫حسب املادة ‪ 32‬من قانون ‪ ،21-38‬فان تصميم التهيئة يشمل فضاء‬


‫الجماعات الحضرية واملراكز املحددة‪ ،‬إضافة إلى املناطق املحيطة باملدن واملراكز‬
‫خاصة‪782.‬‬ ‫املحددة واملجموعات العمرانية واملناطق التي تكتس ي صبغة‬

‫وعليه فان املجاالت القروية هي املناطق املحيطة باملدن واملراكز املحددة‬


‫التي تقع خارج املدار الحضري للمدن‪ ،‬وخارج املدار العمراني للمراكز املحددة التي‬
‫تمتد حسب املادة األولى من قانون التعمير ‪ 21-38‬بالنسبة للمدن إلى مسافة خمسة‬
‫عشر كيلومترا تحتسب من دائرة البلدية‪ ،‬وبالنسبة للمراكز املحددة تمتد إلى مسافة‬
‫يتراوح عمقها بين نصف كيلومتر وخمس كيلومترات تحدد بمرسوم تنظيمي حسب‬
‫أهمية املراكز الديمغرافية والعمرانية‪ ،‬وتحتسب من حدوده‪ ،‬كما أن تصميم التهيئة‬

‫‪ - 780‬أحالم محراث ‪ " :‬وثيقة تصميم التهيئة ‪ -‬حالة مدينة سطات –"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث‬
‫تدبير اإلدارة المحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪ ،8088-8080،‬ص ‪.82 :‬‬
‫‪ - 781‬أحيدار سمير‪":‬قرار نزع الملكية في القانون العام المغربي"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام –وحدة التكوين والبحث ‪:‬‬
‫اإلدارة العامة ‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 8005-8009‬ص ‪.867:‬‬
‫‪ - 782‬المادة ‪ 82‬من قانون ‪ 80-88‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يمكن أن يطبق على أراض ي تابعة لجماعة قروية حينما يكون مدار التهيئة أكبر من‬
‫املدار الحضري للجماعة أو يشمل أراض ي لجماعتين‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يتضح أن قانون ‪ 21.38‬ساهم في عقلنة وترشيد نطاق‬


‫تطبيق وثائق التعمير بحيث عمل على توسيع دائرة املناطق املحيطة إلى حدود‬
‫خمسة عشر كيلومترا بدل عشر كيلومترات التي أقامها ظهير ‪ ،3258‬إضافة إلى ذلك‬
‫فان وثيقة تصميم التهيئة أصبحت قابلة للتطبيق على كل أو بعض األجزاء من‬
‫األراض ي التابعة لجماعة أو جماعات قروية التي لها طابع سياحي أو صناعي أو‬
‫منجمي يتطلب النمو العمراني فيها ضرورة تهيئتها تهيئة خاضعة لرقابة إدارية التي‬
‫يعود لها أمر تحديد هذه املناطق ملقتضيات تصميم التهيئة بناءا على اقتراح من‬
‫مجالس الجماعات املعنية أو بناءا على طلب من عامل العمالة أو اإلقليم املعني في‬
‫الحالة التي التتقدم فيها املجالس املعنية بمثل هذا املقترح‪ ،‬وهو مايفسر تكييف‬
‫محتويات تصميم التهيئة مع التطورات والوقائع املستجدة واملعقدة التي أصبح‬
‫التعمير يعرفها‪ ،‬باعتباره ذا طبيعة عملية وذلك من خالل خلق مرونة في نطاق‬
‫تطبيقه الذي بات يمتد إلى خارج املجاالت الحضرية ليهم املناطق التابعة للجماعات‬
‫القروية‪783.‬‬

‫ومن بين أهداف تصميم التهيئة هي تنظيم املجال وتحسين الطابع الحضري‬
‫وكذا القروي وتدعيمه بالتجهيزات الضرورية التي يحتاجها املجال في تنميته‬
‫اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬لذا فان قانون التعمير خلق نوعا من املرونة واالنسجام لهذه‬
‫الوثيقة وذلك بإمكانية إخضاعها لبعض التعديالت والتغييرات إن اقتض ى‬
‫الحال‪784.‬‬

‫‪ - 783‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.174 :‬‬
‫‪ - 784‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 88‬والمادة ‪ 86‬من قانون ‪ 80.88‬المتعلق بالتعمير‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أما فيما يتعلق بمسطرة إعداد تصميم التهيئة فقبل وضعه‪ ،‬يجوز‬
‫اتخاذ قرار يقض ي بالقيام بدراسته ويعين حدود الرقعة األرضية التي يشملها‬
‫تصميم التهيئة املزمع دراسته من أجل الوقوف على الوضعية التي توجد عليها‬
‫التجهيزات والبنايات التحتية املوجودة باملنطقة ثم بعد ذلك يصدر رئيس مجلس‬
‫الجماعة بطلب من اإلدارة أو بمبادرة منه قرار القيام بدراسة تصميم التهيئة بعد‬
‫تداوله باملجلس ويستمر مفعول القرار املشار إليه حسب املادة ‪ 83‬من قانون ‪21.38‬‬
‫مدة ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية‪ ،‬ويجوز تجديده مرة واحدة ملدة‬
‫مساوية للمدة األولى‪ ،‬وبذلك يؤجل رئيس مجلس الجماعة البت في جميع الطلبات‬
‫الرامية إلى إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو إقامة بناء في الرقعة األرضية‬
‫املعنية‪ ،‬فقط يمكنه أن يأذن في إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو إقامة بناء‬
‫بعد موافقة اإلدارة إذا كان املشروع املتعلق بذلك يتالءم مع األحكام الواردة في‬
‫مخطط توجيه التهيئة العمرانية أو مع ما يصلح له فعال القطاع املعني في حالة‬
‫عدم وجود املخطط اآلنف الذكر؛ وقد وضح املرسوم التطبيقي لقانون ‪ 21.38‬بأن‬
‫تصميم التهيئة يتم وضعه بمبادرة من اإلدارة التي تتمثل في السلطة الحكومية‬
‫املكلفة بالتعمير مع مراعاة الصالحيات املسندة للوكاالت الحضرية بموجب التشريع‬
‫وبمساهمة الجماعات املحلية‪ ،‬بعد ذلك يحال مشروع تصميم التهيئة قبل موافقة‬
‫اإلدارة عليه إلى مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات املعنية لدراسته وللمجالس‬
‫املشار إليها في الفقرة أعاله أن تبدي داخل أجل شهرين من تاريخ إحالة مشروع‬
‫التصميم إليها من اقتراحات تتولى اإلدارة دراستها بمشاركة الجماعات املحلية التي‬
‫يعنيها األمر‪ ،‬وإذا لم تبد املجالس اآلنفة الذكر أي رأي داخل األجل املنصوص عليه‬
‫أعاله فإن سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في موضوع التصميم املحال‬
‫إليها‪ ،‬ويكون مشروع تصميم التهيئة محل بحث علني يستمر شهرا ويجري خالل‬
‫املدة التي يكون فيها مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات املعنية بصدد دراسته‬
‫الذي يهدف إلى إطالع العموم على املشروع وتمكينه من إبداء ما قد يكون لديه‬

‫‪P 510‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫من مالحظات عليه بعد أن يوفر رئيس مجلس الجماعة وسائل النشر واإلشهار قبل‬
‫تاريخ بدء البحث‪،‬ثم يتولى مجلس الجماعة عند دراسته ملشروع تصميم التهيئة‪،‬‬
‫اإلدارة‪785.‬‬ ‫دراسة املالحظات املعبر عنها خالل إجراء البحث قبل عرضها على‬
‫يتضح أن دور الجماعات القروية في إنتاج وثيقة تصميم التهيئة على مستوى‬
‫مسطرة اإلعداد واملصادقة يطغى عليه الطابع التكنوقراطي‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫مفاهيم املواد التي جاء بها قانون ‪ ، 21.38‬فبالرغم من إعطاء رئيس الجماعة‬
‫صالحية اتخاذ قرار القيام بدراسة مشروع تصميم التهيئة فان هذه الصالحية‬
‫مقيدة بشروط غير واضحة مما يجعل السلطة التقديرية لإلدارة سواء منها‬
‫الجماعية أم املكلفة بالتعمير قابلة للنقاش‪ ،‬أضف إلى ذلك أن املنتخبين املحليين‬
‫من الناحية العملية يستغنون في أغلب األحيان عن هذا القرار نظرا للضغوطات‬
‫املحلية التي ينتج عنها إيقاف البناء ملدة طويلة‪ ،‬وبالتالي فجل املناطق املغربية نجد‬
‫أن مخططات التهيئة الجماعية التسبقه قرارات البدء في الدراسة؛ أما فيما يخص‬
‫املفاهيم التي جاء بها قانون ‪ 21.38‬على مستوى إعداد تصميم التهيئة واملصادقة‬
‫عليه فان مصطلح املساهمة يطرح أكثر من إشكال من حيث قيمته القانونية عكس‬
‫ما اتبعه املشرع الفرنس ي الذي وضح أن إعداد تصاميم استعمال السطح تتم‬
‫املحلية‪786.‬‬ ‫بتعاون بين الدولة والجماعات‬

‫ب – أثار تصميم التهيئة على الوسط القروي‬

‫بمجرد إتمام مسطرة اإلعداد واملصادقة على تصميم التهيئة تجعله مصدرا‬
‫لاللتزام به‪ ،‬إال أن املستجد في قانون ‪ 21.38‬هو إمكانية التطبيق القبلي من خالل‬
‫املادة ‪ 89‬من القانون املذكور وعليه فبمجرد اختتام مرحلة البحث العلني الذي‬
‫يتم فيه عرض مشروع التصميم على أنظار املواطنين إلبداء مالحظاتهم حوله والى‬

‫‪ - 785‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 786‬للتفصيل أكثر في هذه النقطة انظر‪ :‬أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.77-76 :‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫غاية صدور النص الذي يقض ي باملصادقة عليه يمنع حسب مقتضيات نفس املادة‬
‫أعاله ملدة محددة في اثني عشر شهرا‪ ،787‬منح اإلذن بانجاز مختلف األعمال املتعلقة‬
‫بالبناء والغرس وإقامة التجزئات واملجموعات السكنية إذا ما تضمنت هذه‬
‫الجديد‪788.‬‬ ‫األعمال ما يخالف أحكام مشروع تصميم التهيئة‬

‫ونشير في هذا الصدد إلى أن املشرع املغربي لم يوضح بشكل صريح اآلثار‬
‫املترتبة عن تصميم التهيئة على عكس املشرع الفرنس ي الذي ألزم كل شخص‬
‫عمومي أو خاص بالنسبة لتنفيذ أي عمل من أعمال التعمير مما يحمل على كل‬
‫أشخاص القانون العام أو الخاص االلتزام بارتفاقات التعمير التي يحدثها وفرض‬
‫فيها‪789.‬‬ ‫طلب الرخصة‬

‫وتتم املصادقة على تصميم التهيئة بقرار تنظيمي ينشر بالجريدة الرسمية‬
‫وتصبح مقتضياته من املنفعة العامة التي حدد املشرع املغربي اجلها في عشر‬
‫سنوات من تاريخ املصادقة عليه والذي يقض ي بالقيام بكل مايلزم من أجل انجاز‬
‫التجهيزات الضرورية كتحديد الطرق بما فيها املسالك والساحات ومواقف‬
‫السيارات الواجب الحفاظ عليها أو إحداثها‪ ،‬وإقامة حدود املساحات الخضراء‬
‫العامة بما تشتمل عليه من أماكن مشجرة وبساتين وإقامة حدود ميادين األلعاب‬
‫واملساحات املعدة للتظاهرات الثقافية والفلكلورية الواجب الحفاظ عليها أو‬
‫تغييرها أو إحداثها‪ ،‬ثم إقامة كل املساحات املخصصة للتجهيزات العامة بما فيها‬
‫السكك الحديدية والتجهيزات الصحية والثقافية والتعليمية واملباني اإلدارية‬
‫واملساجد واملقابر‪ ،‬إضافة إلى تحديد دوائر القطاعات الواجب إعادة هيكلتها أو‬
‫تجديدها‪.‬‬

‫‪ - 787‬غرض المشرع من تحديد المدة في اثني عشر شهرا هو التعجيل بصدور نص المصادقة على مشروع تصميم التهيئة‪.‬‬
‫‪ - 788‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101 :‬‬
‫‪ - 789‬انظر عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.880 :‬‬

‫‪P 688‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يمكن القول أن أحكام تصميم التهيئة تلزم كل الهيئات املعنوية املعنية‬


‫بتطبيقه في نطاق اختصاصاتها وداخل دائرة نفوذها هذا من جهة‪ ،‬أما من جهة‬
‫ثانية فتصميم التهيئة يلزم كذلك الفاعلين الذين يتعين عليهم احترام قواعده‬
‫والتقيد بضوابطه خصوصا فيما يتعلق بمسطرة الحصول على الرخص في انجاز‬
‫والتجهيز واألبنية‪790،‬‬ ‫املشاريع املتعلقة بالتجزئات‬

‫ثالثا‪ :‬قرار تعيين حدود الطرق العامة بالوسط القروي‬

‫يعتبر قرار تخطيط الطرق العامة من وثائق التعمير التي تكتس ي طابع األولوية‬
‫من حيث ظهورها والعمل بها في املغرب‪ ،‬وهو تصميم خاص بتهيئة الطرقات‬
‫والساحات العامة‪ ،‬كما يعد أداة من أدوات التعمير وتخطيط املدن‪.‬‬

‫وسواء تعلق األمر بتخطيط حدود الطرق العامة أم بقرارات تخطيط الطرق‬
‫العامة املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها ملا تستوجبه العملية‪ ،‬فان صالحية‬
‫إصدارهما ‪ -‬عكس باقي وثائق التعمير‪ -‬تعود لرئيس املجلس الجماعي من خالل‬
‫املادة ‪ 18‬من قانون ‪ 21.38‬التي توضح هدفها إما بإحداث طرق جماعية وساحات‬
‫ومواقف عامة للسيارات أو تغيير تخطيطها أو عرضها أو حذفها كال أو بعضا وتكون‬
‫هذه القرارات مصحوبة بخريطة تبين حدود الطرق والساحات ومواقف السيارات‬
‫أو حذفها‪791.‬‬ ‫املزمع احدثها وإدخال تغيير عليها‬

‫ويتم االعتماد على هذه القرارات في الحاالت التي اليوجد فيها مطلقا تصميم‬
‫يعنى بتنظيم العمران داخل هذه التجمعات‪ ،‬باعتباره أداة بيد اإلدارة في اتخاذ‬
‫اإلجراءات الهادفة إلى تحديد امللك العمومي عن امللك الخصوص ي من خالل‬
‫تمييز بينها‪792.‬‬ ‫توضيح الحدود التي‬

‫‪ - 790‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111-118 :‬‬
‫‪ - 791‬أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪. 28 :‬‬
‫‪ - 792‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218-281 :‬‬

‫‪P 681‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫فما هي مسطرة إعداد قرار التخطيط ؟ وما هي اآلثار القانونية املترتبة عنه‬
‫؟‬

‫أ ‪ -‬مسطرة إعداد قرار التخطيط ومدى مساهمة الجماعات القروية في‬


‫إعداده‬

‫حسب املادة ‪ 11‬من قانون ‪ 21.38‬فان قرارات تخطيط حدود الطرق العامة‬
‫املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها ملا تستوجبه العملية‪ ،‬تتخد بعد موافقة‬
‫اإلدارة على مشاريعها والتحقق من مدى مالءمتها ملخطط توجيه التهيئة العمرانية‬
‫أو تصميم التهيئة أو هما معا إن وجدا‪.‬‬

‫فمن خالل هذه املادة يتضح أن اتخاذ قرار التخطيط مقيد بشرط موافقة‬
‫اإلدارة املكلفة بالتعمير الذي يظل غامضا من الناحية العملية‪ ،‬بحيث انه قبل‬
‫افتتاح البحث العلني يجب أن تحمل هذه القرارات تأشيرات توضع من قبل‬
‫املهندسين اإلقليميين املكلفين باألشغال العمومية حينما يكون العقار املشمول‬
‫باملشروع تابعا للملك العمومي أو مجاورا له أما إذا كان العقار يدخل ضمن ما‬
‫يجب حمايته كاملآثر التاريخية فالتأشيرة توضع من قبل وزير الثقافة أو ممثله‪،‬‬
‫ويتم وضع مشروع القرار والخريطة املبينة ملقتضياته بمقر املجلس الجماعي ملدة‬
‫بحث تدوم شهر بالنسبة لقرارات التخطيط‪ ،‬أما قرارات تخطيط حدود الطرق‬
‫العامة املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها ملا تستوجبه العملية والذي يشكل‬
‫مقرر التخلي مدته شهرين يطلع فيها املواطنون على الوثيقتين ويبدون مالحظاتهم‬
‫في سجل يفتح لهذا الغرض‪ ،‬على أن يشهر اإليداع ببالغات تنشر على األقل في‬
‫جريدتين يوميتين وبملصقات بمقر الجماعة أو وسيلة من وسائل اإلعالن املتعارف‬
‫عليها‪ ،‬وبعد انتهاء اجل البحث العلني يتم إدخال التعديالت املقترحة من طرف‬

‫‪P 682‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫املواطنين على املشروع من قبل السلطة املكلفة باإلعداد وهي في شخص رئيس‬
‫املجلس‪793.‬‬ ‫املجلس الجماعي بعد مداولة‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن قرارات التخطيط وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة‬
‫املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها باعتبارها قرارات تنظيمية اليتخذها رئيس‬
‫املجلس الجماعي إال بعد موافقة سلطة الوصاية بتأشيرة أو رفض معلل ابتدءا من‬
‫تسلم القرار داخل اجل ثالثين يوما بالنسبة لتأشيرة السلطة املركزية وخمسة عشر‬
‫يوما بالنسبة للسلطة اإلقليمية املتمثلة في الوالي أو العامل بالنسبة للجماعات‬
‫القروية‪ ،794‬مما يفسر الدور األساس ي الذي أعطي لرئيس املجلس الجماعي في هذا‬
‫املضمار حيث تم تقريب سلطة الوصاية للمجالس الجماعية وعمل املشرع على‬
‫تدعيم قاعدة تعليل القرارات اإلدارية بإصدار قانون ‪ 13.11‬املتعلق بإلزام إدارات‬
‫اإلدارية‪795.‬‬ ‫الدولة والجماعات املحلية واملؤسسات العمومية بتعليل قراراتها‬

‫إال أنه بالرغم من دور املجالس الجماعية على مستوى قرارات حدود الطرق‬
‫العامة الذي اليستهان به مقارنة مع دورها على مستوى باقي وثائق التعمير التي‬
‫تطرقنا إليها‪ ،‬فمن الناحية الواقعية اليتم اللجوء إليها في كثير من األحيان رغم‬
‫الحاجة إليها‪ ،‬ربما لعدم أهميتها بالنسبة للمجالس الجماعية أو لعدم قدرة‬
‫آثار قانونية‪796.‬‬ ‫الجماعات على تحمل مسؤولية إصدارها وما قد يترتب عليها من‬

‫ب ‪ -‬آثار قرارات تخطيط على الوسط القروي‬

‫فكما هو الشأن بالنسبة لتصميم التهيئة فان قرارات تخطيط حدود الطرق‬
‫العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها‬
‫قد تنتج أثارا قبل املصادقة عليها وآثارا بعد ذلك‪.‬‬

‫‪ - 793‬أحيدار سمير‪":‬قرار نزع الملكية في القانون العام المغربي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.829 :‬‬
‫‪ - 794‬المادة ‪ 76‬من قانون رقم ‪ 00.72‬المتعلق بالميثاق الجماعي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 8.08.878‬بتاريخ ‪ 85‬من رجب‬
‫‪ 8980‬الموافق ل ‪ 0‬أكتوبر ‪ 8008‬كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ =.02.87‬جريدة الرسمية‬
‫‪ - 795‬سمير أحيدار‪":‬قرار نزع الملكية في القانون العام المغربي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.825 :‬‬
‫‪ - 796‬أنظر أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.29-20 :‬‬

‫‪P 683‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وباستقرائنا للمادة ‪ 11‬من قانون ‪ 21.38‬نجد أن اآلثار الناتجة عن قرار‬


‫التخطيط قبل املصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية تكمن في منع تسليم أي‬
‫رخصة مدة ستة أشهر إلقامة بناء على األراض ي التي يشملها قرار تخطيط حدود‬
‫الطرق العامة أو قرار تخطيط حدود الطرق املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها‬
‫ملا تستوجبه العملية‪ ،‬بالتالي يستنتج من خالل هذا النص القانوني أن قرارات‬
‫التخطيط تقيد من حرية تصرف األفراد في عقاراتهم ملدة زمنية محددة تدوم لستة‬
‫أشهر حتى قبل أن تتم املصادقة على قرارات التخطيط‪ ،‬وال يتم التعويض عن‬
‫تجميد تلك األراض ي ما يشكل إهدار لحقوق الخواص في الحالة التي ال تتم‬
‫املصادقة على هذه القرارات من قبل سلطات الوصايا‪ ،797‬أما بعد املوافقة على‬
‫قرار التخطيط فانه يصبح بمثابة إعالن املنفعة العامة ملدة عشر سنوات منذ نشره‬
‫بالجريدة الرسمية وتقتصر املدة في سنتين بالنسبة لقرارات تخطيط الطرق العامة‬
‫العملية‪798.‬‬ ‫املعينة فيها األراض ي املراد نزع ملكيتها ملا تستوجبه‬

‫ونشير في هذا الصدد انه ابتدءا من تاريخ نشر هذه القرارات اليجوز إطراء أي‬
‫تغيير على األراض ي التي تشملها الطريق بمقتض ى الخريطة املنصوص عليها في املادة‬
‫‪ 18‬من قانون ‪ 21.38‬املتعلق بالتعمير بأي بناء جديد أو تعلية أو توطئة لألرض‬
‫يكون من شأنها تغيير حالتها اللهم إذا اقتصرت على بعض اإلصالحات املتعلقة‬
‫بالصيانة شرط أن يأذن في ذلك رئيس مجلس الجماعة وفق اإلجراءات والشروط‬
‫املنصوص عليها في الباب الثالث من قانون ‪ 21.38‬املتعلق باألبنية‪ ،799‬والذي‬
‫سنتطرق إليها في املطلب األول املتعلق بالبناء من املبحث الثاني في هذه الدراسة‬
‫بعده‪.‬‬

‫‪ - 797‬محمد أيوب ‪ " :‬وثائق التعمير ومسألة نزع الملكية بالمغرب"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪،‬جامعة القاضي عياض ‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش ‪ ،‬السنة الدراسية ‪،8089-8080‬ص ‪.69 :‬‬
‫‪ - 798‬المادة ‪ 09‬من قانون ‪ 80.88‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬
‫‪ - 799‬الشريف البقالي ‪ " :‬شرطة التعمير بين القانون والممارسة" دراسة عملية ونقدية على ضوء اجتهادات القضاء اإلداري‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،8080‬ص ‪.868 :‬‬

‫‪P 684‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وعموما يمكن القول أن اآلثار التي تنتجها قرارات التخطيط هي نفسها‬


‫بالنسبة ألثار تصميم التهيئة التي تطرقنا إليها سابقا‪ ،‬غير أن هناك بعض اآلثار‬
‫الخاصة التي تترتب عن قرارات التخطيط كإنشاء ارتفاقات الطرق العمومية‬
‫الهدف منها اخضاع القطع األرضية إلى نظام قانوني خاص يلزم املجاورين لتلك‬
‫الطرق باحترام حدودها وال يسمح لهم بالبناء إال على بعد معين من تلك الحدود‪،‬‬
‫إضافة إلى أثار مساهمة املجاورين في إحداث الطرق الجماعية التي فرض املشرع‬
‫املغربي بمقتض ى املادة ‪ 19‬من قانون ‪ 21.38‬املتعلق بالتعمير نطاق املساهمة‬
‫فيها‪800.‬‬ ‫املجانية‬

‫املطلب الثاني‪ :‬على مستوى ظهير ‪3261‬‬

‫يشكل ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ 3261‬أول نص قانوني صدر بعد االستقالل في ميدان‬


‫التعمير‪ ٬‬الذي جاء في سياق وعي رسمي بأهمية تهيئة املجال الترابي ذو الصبغة‬
‫القروية‪ ٬‬ذلك أن اإلنتاج الحقوقي الحمائي في املجال العمراني ال سيما ظهير ‪11‬‬
‫يوليوز ‪ 3258‬الذي ركز باألساس على تنظيم املناطق الحضرية في مقابل تجاهل‬
‫مطلق للعالم القروي‪٬‬مما أدى إلى وضعية سلبية قائمة على عجز السلطات اإلدارية‬
‫في توجيه و مراقبة توسع العمران القروي‪ ،‬وهو ما يوضح إرادة املشرع في إخضاع‬
‫التطور العمراني القروي ملقتضيات مبسطة وسريعة التنفيذ تقوم على أساس‬
‫نظام تصميم التنمية‪ ،‬الذي يكاد يقوم بنفس املهام التي يقوم بها تصميم التهيئة‬
‫فقط االختالف يتجلى على مستوى بساطة املسطرة في اإلعداد واملصادقة‪ ،‬ثم‬
‫قرارات التصفيف التي تقوم على مستوى نطاق تطبيق تصاميم التنمية املتعلق‬
‫بالتكتالت القروية بنفس الدور الذي تلعبه قرارات التخطيط في املناطق الخاضعة‬
‫ملقتضيات تصاميم التهيئة‪.‬‬

‫‪ - 800‬سوف لن نفصل في هذين االرتفاقين ألنه سبق وأن قام عدة باحثين بالدراسة فيهما‪ ،‬نحيل بذلك في هذه النقطة إلى الشريف البقالي‬
‫‪ " :‬شرطة التعمير بين القانون والممارسة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 878 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫‪P 685‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وهذا ما سنحاول إبرازه في فقرتين األولى نوضح فيها تصميم التنمية ودوره في‬
‫الوسط القروي ثم الفقرة الثانية نحاول فيها استجالء طبيعة قرارات التصفيف‬
‫التي لها دور أساس ي في املناطق القروية نظرا لبساطة ومرونة مسطرتها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬بالنسبة لتصميم التنمية‬

‫تتجلى إرادة املشرع بموجب محتوى ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ 3261‬في إخضاع التطور‬
‫العمراني في التجمعات القروية ملقتضيات مبسطة ومرنة وسريعة التنفيذ تراعي‬
‫احتياجات وخصوصية التجمعات القروية الصغرى املعنية بتطبيق أحكامه في‬
‫تنظيم التجمعات ذات الطابع القروي التي لم يسري عليها أحكام ‪ 11‬يوليوز ‪3258‬‬
‫املعدل واملتمم بقانون ‪ 21.38‬املتعلق بالتعمير‪ ،‬مما جعل املسؤولين يفكرون في‬
‫تخطيط يراعي خصوصية املناطق القروية الصغرى دون تطبيق تصاميم التهيئة‬
‫عليها‪ ،‬باعتبارها تتميز بالبطء والتعقيد في مسطرتها‪ ،‬ويعتبر تصميم التنمية وثيقة‬
‫تعميرية تنظيمية تحدد حقوق استعمال األراض ي واملقتضيات التي يطبق عليها‬
‫ويهدف إلى إحداث وتنظيم نواة قروية مستقطبة مع توجيه نموها‪ ،‬وكذا مراقبة‬
‫تعمير التكتالت القروية بفرض إلزامية رخصة البناء والتجزيء فيها‪801.‬‬

‫وعلى هدي املنهج الذي اتبعناه في الفقرات السابقة سنحاول التطرق في هذه‬
‫الفقرة إلى نطاق تطبيق تصميم التنمية ومسطرة إعداده (أوال)‪ ،‬على أساس إبراز‬
‫آثاره القانونية على التجمعات القروية املطبق فيه (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نطاق تطبيق تصميم التنمية ومسطرته‬

‫مما تجدر اإلشارة إليه أن كثيرا من العمارات القروية لم يوضع لها تصميم‬
‫تنمية بالرغم من كونها كانت تدخل ضمن املناطق القروية الخاضعة لظهير ‪85‬‬

‫‪ - 801‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪P 686‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫يونيو ‪ 3261‬املتعلق بتنمية الكتل العمرانية القروية‪ ،‬نظرا لكون املشرع لم يوضح‬
‫املجال الترابي الخاضع لتصميم التنمية بشكل مفصل‪802.‬‬

‫وعليه يمكن استنباط املناطق الخاضعة ملقتضيات تصميم التنمية انطالقا‬


‫من الفصل األول من الظهير ‪ 85‬يونيو‪ ،3261‬حيث نص على أن مقتضياته تخضع‬
‫لها الكثل العمرانية الواقعة خارج الدوائر املشار إليها في الفصل األول من ظهير‬
‫‪ 3258.19.11‬املتعلق بالتعمير‪ ،‬ويتعلق األمر باملناطق الخارجة عن املدن واملراكز‬
‫املحددة ‪ ،‬واملناطق املحيطة بها والتجمعات العمرانية والذي تلعب فيه اإلدارة دورا‬
‫مهما في اختيارها للجماعة القروية عن غيرها بإعداد تصميم لها؛ غير أن املنشور‬
‫الوزاري الصادر بتاريخ ‪ 3291/11/82‬أعطى األسبقية للكتل العمرانية القروية في‬
‫تزويدها بتصميم تنمية شرط وجود معطيات خاصة كتزايد عمراني داخل تجمع‬
‫بشكل ملحوظ بفضل نشاطها التجاري أو موقعها الجغرافي‪ ،‬أو ضرورة إنشاء مركز‬
‫تجتمع فيه أولويات الحياة االجتماعية نظرا لتشتت السكان في املنطقة‪ ،‬أو يكون‬
‫هناك منظر طبيعي يستقطب السياح والزائرين‪ ،‬إضافة إلى حالة وجود طريق‬
‫رئيسية تعرف حركة سير مستمرة وشيدت مباني على جانبها ويستوجب ذلك إعداد‬
‫تصميم التنمية لتنظيم ازدياد العمران فيها‪803.‬‬

‫ويهدف تصميم التنمية إلى تحديد املناطق املخصصة لسكنى الفالحين التي‬
‫تتضمن منشآت وبنايات خاصة باالستغالل الفالحي ؛و املناطق املخصصة للسكنى‬
‫من نوع غير فالحي وللتجارة والصناعة التقليدية ؛ ثم املناطق املحظور بها البناء‬
‫؛و حدود طرق املرور الرئيسية ؛هذا باإلضافة إلى تحديد األمكنة املخصصة‬
‫للساحات العمومية والساحات العارية والغراسة األمكنة املخصصة للبنايات‬

‫‪ - 802‬عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.800 :‬‬
‫‪ - 803‬المنشور الوزاري الصادر بتاريخ ‪ 8870/00/88‬عن وزارة التعمير واإلسكان والمحافظة على البيئة وارد عند عبد الرحمان‬
‫البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.808 :‬‬

‫‪P 687‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫واملصالح العمومية وكذا املنشآت الخاصة بالحياة االجتماعية وال سيما بالسوق‬
‫وبملحقاته‪.‬‬

‫ويتضمن تصميم التنمية تقريرا تبريريا؛ ومذكرات البحث امليداني ؛ وتصميم‬


‫وضابط التنمية ؛ إضافة إلى التناسق املعماري ملحور طرقي أو ساحة عمومية عند‬
‫االقتضاء‪804.‬‬

‫أما فيما يخص مسطرة إعداد تصميم التنمية يتضح من خالل بنود الظهير‬
‫أن املشرع املغربي أراد تبسيط اإلجراءات الشكلية التي يتطلبها إعداد مشاريع‬
‫التصاميم القروية وجعلها أكثر مرونة من الشكليات املتبعة في إعداد تصاميم‬
‫التهيئة حتى تكون مسطرة اإلعداد أكثر انسجاما مع خصوصيات هذه التجمعات‬
‫القروية الصغرى ذات اإلمكانيات املادية واملوارد البشرية املحدودة‪805.‬‬

‫وبالرجوع ملضامين الفصل الثالث من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ 3261‬نالحظ أن تصميم‬


‫التنمية يمر عبر عدة مراحل ‪،‬حيث يتم اإلعداد التقني من قبل اإلدارة املكلفة‬
‫بالتعمير وكذا قسم الهندسة القروية التابع لوزارة الفالحة‪ ،‬باعتبار موافقته‬
‫ضرورية قبل عرض املشروع على أنظار املجلس القروي املعني‪ ،‬وبعد موافقة رئيس‬
‫مقاطعة الهندسة القروية يعرض املشروع الذي تضعه اإلدارة املكلفة بالتعمير على‬
‫املجلس القروي الذي يتعين عليه إبداء رأيه فيه في ظرف شهر واحد‪ ،‬ويخضع‬
‫مشروع التصميم بعد ذلك إلى بحث يدوم شهرا واحدا يطلع خالله العموم عليه‬
‫يبدي مالحظاته بشأنه ويعلن عن إيداع املشروع بإلصاق اإلعالنات الخاصة به‬
‫بمقر السلطة املحلية املعنية باألمر‪ ،‬بعد ذلك تتم استشارة املجلس القروي من‬
‫جديد فيما إذا قدمت مالحظات أثناء البحث‪ ،‬هذه االستشارة التي ال يتوفر عليها‬
‫املجلس الجماعي الذي يتوفر على تصميم تهيئة‪ ،‬ورغم ذلك تظل مساهمة املجلس‬

‫‪ - 804‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 805‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116 :‬‬

‫‪P 680‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫القروي في وضع مشاريع تصاميم التنمية تكاد تكون منعدمة حيث يعود الدور‬
‫األساس ي في ذلك لإلدارة اإلقليمية املكلفة بالتعمير وهذا ما أفرزته املمارسة‬
‫الجماعية حيث يظل رأي املجلس القروي استشاريا في املوضوع كما يوحي بذلك‬
‫القانون ‪ 11.92‬املتعلق بامليثاق الجماعي الذي ينص في بنده األول من فصله‬
‫‪12‬على أن املجلس الجماعي يسهر على احترام االختيارات والضوابط املقررة في‬
‫مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة وكل الوثائق األخرى املتعلقة‬
‫بإعداد التراب والتعمير وفي مرحلة املصادقة فرغم أن الفصل الثالث ينص على أن‬
‫التصميم يصادق عليه بموجب قرار يصدره العامل‪ ،‬إال أن هذا القرار لن ينشر في‬
‫الجريدة الرسمية إال بعد موافقة وزير الداخلية عليه‪ ،‬حيث إن هذه التصاميم‪،‬‬
‫وعلى عكس باقي وثائق التعمير‪ ،‬ال تساهم الجماعات املحلية في وضع مشاريعها‪،‬‬
‫لكون إعدادها يتم إما من قبل مديرية التجهيز القروي التابعة لوزارة الفالحة أو‬
‫أقسام التعمير التابعة للعماالت‪ ،‬وبهذا يظهر بالواضح اعتبار إعداد تصميم التنمية‬
‫واملصادقة عليه شأنا مركزيا بامتياز‪806.‬‬

‫ثانيا‪ :‬آثار تصميم التنمية على الوسط القروي‬

‫بمجرد املصادقة على تصميم التنمية ونشره بالجريدة الرسمية يعد بمثابة‬
‫إعالن عن املنفعة العامة‪ ،‬يقتض ي إنجاز األشغال والعمليات الالزمة لتفعيله‪،‬‬
‫الش يء الذي يعني أن التصميم يكتسب قوته اإللزامية ويصبح مرجعا لعدة حقوق‬
‫والتزامات بالنسبة لألشخاص العمومية من جهة وبالنسبة ملالك األراض ي الواقعة‬
‫داخل دائرة تطبيقه من جهة ثانية‪ ،‬وعليه فان تصميم التنمية ينتج آثارا على‬
‫األشخاص العموميين إضافة إلى مالك األراض ي لذا سنحاول أن نفصل في كل‬
‫نقطة على حدى‪.‬‬

‫‪ - 806‬احمد مالكي ‪ ":‬وثائق التعمير بالمغرب"‪ ،‬دورة تكوينية منظمة من قبل مركز التكوين اإلداري بسطات لفائدة أطر وموظفي‬
‫الجماعات التابعة لجهة الشاوية ورديغة بمقر غرفة الصناعة والتجارة بسطات يومي ‪88‬و‪ 00‬مارس ‪.8080‬‬

‫‪P 681‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫أ ‪ -‬آثار تصميم التنمية على األشخاص املعنوية‬

‫ينتج تصميم التنمية نفس اآلثار شأنه في ذلك شان الوثائق التعميرية األخرى‪،‬‬
‫التي تتمثل في إلزام األشخاص املعنوية بمقتضيات وتوجهات التصميم بعد‬
‫املصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية‪ ،‬ويكسب بذلك قوة إلزامية تفرض على‬
‫األشخاص العمومية دراسات طلبات رخص البناء والتجزيء قبل تسليمها‬
‫ألصحابها‪ ،‬وال يمكن تسليم أي رخصة في هذا الشأن دون التأكد من مطابقتها‬
‫ألحكام التصميم والترخيص بإنجازها‪.‬‬

‫كما أن تصميم التنمية يلزم بشكل ضمني األشخاص العمومية القائمة على‬
‫نزع امللكية القيام بإقتناء ملكية األراض ي‪ ،‬وبالخصوص املنتهية آثارها داخل أجل‬
‫عشر سنوات شأن الطرق واملساحات الفارغة واملناطق الخضراء والبنايات‬
‫العمومية واملرافق ومنشآت الحياة االجتماعية‪ ،‬بحيث أنه بسريان األجل املشار‬
‫إليه يستعيد أصحاب األراض ي التصرف في أمالكهم على خالف االرتفاقات األخرى‬
‫وتعديله‪807.‬‬ ‫كاملتعلقة بمنع البناء والتنطيق التي ال تنتهي آثارها إال بتغيير التصميم‬

‫ب – آثار تصميم التنمية على مالك األراض ي‬

‫باإلضافة إلى اآلثار التي يحدثها تصميم التنمية املتعلقة باألشخاص املعنوية‪،‬‬
‫فان مالك األراض ي تسري عليهم آثار كذلك من خالل الفصل السابع من ظهير ‪81‬‬
‫يونيو ‪ 3261‬الذي ينص على إلزامية الحصول على ترخيص مسبق‪ ،‬إلنجاز مشاريع‬
‫البناء بعد تقديم طلب من طرف املالك أو ممثله في ثالثة نظائر‪ ،808‬إلى السلطة‬
‫املحلية‪ ،809‬التي تصبح ملزمة بالبث فيه داخل أجل شهرين يبتدئ من تاريخ إيداع‬
‫طلب الحصول على إذن بالبناء نظير تسلم وصل باإليداع‪.‬‬

‫‪ - 807‬محمد أيوب ‪ " :‬وثائق التعمير ومسألة نزع الملكية بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58 :‬‬
‫‪ 808‬منشور لوزير الداخلية رقم ‪ 65‬بتاريخ ‪ 00‬مارس ‪.8889‬‬
‫‪ 809‬بالرجوع إلى المادة ‪ 02‬من القانون ‪ 00.72‬المتعلق بالميثاق الجماعي الصادر سنة ‪ 8008‬والمعدل بقانون ‪ 07.82‬بتاريخ ‪8008‬‬
‫‪،‬نجده ينص في البنذ ‪ 8‬على أن " المجلس الجماعي يسهر على إحترام االختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة‬
‫العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق األخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير؛ وينص في البنذ ‪ 8‬على أنه يدرس ويصادق‬

‫‪P 618‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ويعتبر اإلذن بالقيام بعمليات البناء فاقدا ملفعوله في حالة عدم قيام صاحب‬
‫الطلب بمباشرة أشغال البناء في مدة سنة‪ ،‬يبتدئ من تاريخ انقضاء أجل شهرين‬
‫على سكوت السلطة املحلية‪ ،‬أو من تاريخ منح اإلذن بالبناء‪.810‬‬

‫أما بخصوص تيهئ التجزئات العقارية يالحظ كذلك أنه تضمن بعض اآلثار‬
‫تسري على مالك األراض ي بالخصوص املجزئين العقاريين‪ ،‬بحيث يمنع عليهم القيام‬
‫بتجزيء أراضيهم من دون الحصول على إذن مسبق بذلك‪ ،‬تسلمه السلطات املحلية‬
‫املختصة بعد موافقة رئيس مقاطعة الهندسة القروية عليه‪811.‬‬

‫على أن يكون اإلذن املمنوح مرفقا بكل مطلب للتحفيظ العقاري مغير‬
‫للتصميم أو متمم له‪ ،812‬عالوة على مطلب التقييد في السجالت العقارية أو بكل‬
‫إيداع تطبيقا ملقتضيات الفصل ‪ 24‬من ظهير ‪ 38‬غشت ‪ 3231‬املتعلق بالتحفيظ‬
‫العقاري‪.‬‬

‫كما يتعين على املالك تقديم تصميم للتجزئات املراد القيام بها مطابقا‬
‫لبيانات تصميم التنمية‪ ،‬أو مالئما له مع ضرورة اإلشارة فيه للطرق املخصصة‬
‫للسير العام‪ ،‬وكذا املساحات العارية والحدود املخصصة لكل قطعة من قطع‬
‫التجزئة ‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن السلطات املحلية املعنية بتسليم اإلذن بالتجزيء لها‬
‫حق إحداث تغييرات على تصميم التجزئة لفائدة االرتفاقات الخاصة باألمن‬
‫العمومي‪ ،‬واملحافظة على النظافة والصحة العامة‪ ،‬باإلضافة كذلك إلمكانيتها‬
‫لفرض بعض الحرمات تتعلق بنظام األزقة‪ ،‬أو إنجاز األشغال والتجهيزات املرتبطة‬

‫على ضوابط البناء الجماعية طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪ .‬في حين أن الفقرة األولى من الفصل السابع من ظهير ‪ 85‬يونيو‬
‫‪ 8860‬والذي ينص على أنه" يمنع في العمارات القروية المتوفرة على تصميم خاص بتوسيع نطاقها تشييد أي بناية دون الحصول على‬
‫إذن سابق تسلمه السلطة المحلية "‪ .‬لهذا يتضح لنا أن صالحية تسليم الرخص في المناطق القروية المغطاة بوثائق تصاميم التنمية ال‬
‫تختص بها جهة واحدة بل هناك تضارب في اإلختصاص حسب ما جاء في مضامين القانونين المشار إليهما أعاله‪ ،‬عن محمد أيوب ‪" :‬‬
‫‪ " :‬وثائق التعمير ومسألة نزع الملكية بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68 :‬‬
‫‪ - 810‬الفقرات األولى والثانية والثالثة من الفصل السابع من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ 8860‬المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية‪.‬‬
‫‪ - 811‬الفصل العاشر من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪.8860‬‬
‫‪ - 812‬الفقرة الثانية من الفصل العاشر من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪.8860‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫بتفريغ املياه والتزويد باملاء الصالح للشرب وكذا تسخير الطرق الضرورية لسير‬
‫املواصالت بين القطع املكونة للتجزئة موضوع الطلب السالف الذكر‪.‬‬

‫ويعتبر سكوت السلطة املحلية داخل أجل ثالثة أشهر من تاريخ إيداع طلب‬
‫اإلذن بالقيام بالتجزئة بمثابة رفض له‪ ،‬إال أن كل رفض سواء صريحا أو ضمنيا‬
‫يخول للمالك الحق في إطالع األمر على عامل اإلقليم الذي يبت في األمر داخل أجل‬
‫ثالثة أشهر‪ ،‬ويعد عدم إصدار أي مقرر داخل هذا األجل بمثابة مصادقة ضمنية‬
‫على مشروع التجزئة ويكون كل طلب يروم إلى تغييره (املشروع) سواء تقدم به‬
‫املجزئ نفسه أو اإلدارة بمثابة إيقاف لألجل‪.813‬‬

‫أما الفصلين ‪ 33‬و ‪ 38‬من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ 3261‬ينصان على أن اإلذن بإقامة‬
‫البنايات في التجزئات يكون موقوفا في حالة عدم القيام باألشغال املنصوص عليها‬
‫في املشروع موضوع الطلب‪ ،‬ويصير اإلذن باطال في حالة عدم إنجاز املجزئ لألشغال‬
‫املقررة في ظرف ثالث سنوات تبتدئ من تاريخ املصادقة على املشروع بالنسبة‪.814‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬بالنسبة لقرار تصفيف العمارات القروية‬

‫تعتبر قرارات تصفيف العمارات القروية إحدى الوسائل التي يتم بمقتضاها‬
‫احترام توجهات تصميم التنمية الذي يسعى إلى تحقيق مجموعة من األهداف كما‬
‫هي محددة في الفصل الثاني من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪ ،3261‬بالخصوص تخطيط الطرق‬
‫الرئيسية للسير‪ ،‬واألماكن املخصصة للمساحات العارية والساحات العمومية‪،‬‬
‫واألماكن املخصصة للتجهيزات املرتبطة باألمن العمومي والحياة اليومية‬
‫للمواطنين‪815.‬‬

‫‪ 813‬الفقرتين األخيرتين من الفصل العاشر من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪.8860‬‬


‫‪ 814‬الفصول ‪ 88‬و ‪ 88‬من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪.8860‬‬
‫‪ - 815‬يتعلق األمر بالجزء الرابع والخامس والسادس من الفصل الثاني من ظهير ‪ 85‬يونيو ‪.8860‬‬

‫‪P 612‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبذلك فقرارات تصفيف الطرق العامة تقوم بنفس العملية التي تقوم بها‬
‫قرارات التخطيط التي سبق وأن تطرقنا إليها وتختص السلطة املحلية املتمثلة في‬
‫القواد بإصدار قرار توسيع الطرق والساحات العمومية املوجودة سابقا إما‬
‫بتسويتها أو إلغائها كال أو بعضا وكذا يمكن للقواد إصدار قرارات تخص إنشاء طرق‬
‫جديدة أو ساحات عمومية جديدة من خالل الفصل السادس من ظهير ‪ 85‬يونيو‬
‫‪ 3261‬يتضح أن املنتخب املحلي لم تعطى له أية اختصاصات بهذا الشأن مما يفسر‬
‫أن الظهير املشار إليه أصبح من الناحية العملية متجاوزا وهو ما يدعو إلى تعديله‬
‫بحيث أن امليثاق الجماعي قد وسع في اختصاصات رؤساء املجالس الجماعية‪.‬‬

‫‪P 613‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫خالصة‪:‬‬

‫لقد أتاحت لنا هذه الدراسة فرصة للوقوف على واقع التعمير القروي‬
‫باملغرب من زاويته القانونية تم فيها رصد طبيعة التخطيط بالوسط القروي‪ .‬كما‬
‫تم كشف الستار عن مكامن الخلل من جراء تطبيق فوانين التعمير املعمول بها‬
‫لتأطير الوسط القروي على أرض الواقع‪ .‬فمن خالل نتائج هذه الدراسة أبانت عن‬
‫العديد من اإلشكاالت على مستويات عدة انعكست بشكل سلبي على خلق مجال‬
‫قروي يساير التطورات التي عرفها املجال باملغرب‪.‬‬

‫لعل ضعف التنسيق والتناغم بين هذه القوانين في مجال التعمير بالوسط‬
‫القروي يعد أبرز مثال على ذلك‪ .‬وتناولنا ملقتضيات ظهير ‪ 3261‬املتعلق بتنمية‬
‫التكتالت القروية نالحظ أنها تتعارض أحيانا مع مقتضيات قانون ‪ 21.38‬املتعلق‬
‫بالتعمير ‪ .‬هذا باإلضافة إلى صعوبة تصنيف املجال القروي عن الحضري خصوصا‬
‫منها املناطق املحيطة باملدن‪ .‬ولعل هذا هو االتجاه الذي سار عليه القانون‬
‫التنظيمي للجماعات الذي حذف مصطلحي" الحضرية والقروية"‪ ،‬لكن هذا النقد‬
‫ال يتغئ النقص من مجهودات املشرع في تأطير وتنمية الوسط القروي‪ ،‬بل على‬
‫العكس من ذلك التطلع إلى سبل تجاوز ثغرات هذه القوانين وتبسيطها على اعتبار‬
‫أن القاعدة القانونية ال يمكن تحميلها مسؤولية اختالل املجال لوحدها‪ ،‬إذا ما‬
‫استحضرنا الترهل اإلداري وضعف الخبرة في مجال التعمير‪.‬‬

‫وأمام هذا الوضع الذي يعاني منه الوسط القروي‪ ،‬بات من الضروري‬
‫إحداث مؤسسات تعميرية تهتم بسياسة التعمير بالعالم القروي تسهر على تتبع‬
‫املشاريع التنموية املبرمجة‪ .‬من شأنها أن تساهم في تنظيم وتنمية املجال الريفي‬
‫وجعله قاطرة وبوابة لتصدي ملشاكل املدن التي تتفاقم من جراء الهجرة القروية‬
‫املتزايدة‪.‬‬

‫‪P 614‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫والحديث عن تأطير التعمير بالوسط القروي يقتض ي إنشاء مؤسسات التعمير‬


‫الخاصة بالعالم القروي ورصد موارد بشرية متخصصة قادرة على التناغم‬
‫واالبتكار وتنزيل وترجمة توجهات سياسة التعمير على أرض الواقع‪.‬‬

‫على اعتبار أن األشكال ليس إشكال نص قانوني بالدرجة األولى بقدر ما هو‬
‫إشكال بنيوي يستوجب معالجة شمولية للعالم القروي انطالقا من مقاربات‬
‫مجالية تجمع مختلف األبعاد االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‬
‫والسياسية واملالية واإلدارية‪...‬‬

‫وصفوة القول‪ ،‬إن التخطيط العمراني القروي باملغرب في حاجة ماسة إلى‬
‫املوضوعية واملسؤولية و إرادة سياسة قوية تدعم اإلصالحات املتوخاة‪.‬‬

‫‪P 615‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫الئحة املراجع املعتمدة‬

‫‪ -‬عبد الرحمان البكريوي‪ ":‬التعمير بين املركزية والالمركزية"‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬


‫الشركة املغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪.3221‬‬

‫‪ -‬املصطفى معمر‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬الطبعة‬


‫األولى ‪،‬املجموعة البيداغوجية لوحدة تدبير املجال‪ ،‬مكناس‪ ،‬سنة ‪.8133-8131‬‬

‫‪ -‬محمد السنوس ي معنى ‪ " :‬أضواء على قضايا التعمير والسكنى باملغرب"‪ ،‬دار‬
‫النشر املغربية ‪،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪.3222‬‬

‫‪ -‬أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير باملغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‪ ،‬اإلدارة العامة‪ ،‬جامعة محمد‬
‫األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.8112-8119‬‬

‫‪ -‬محمد الكنوني‪ ":‬الوكاالت الحضرية وتدبير ميدان التعمير ‪ -‬حالة الوكالة‬


‫الحضرية لسطات ‪ ،" -‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون‬
‫العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث تدبير اإلدارة املحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪،8112-8119،‬‬

‫‪ -‬أحالم محراث‪ " :‬وثيقة تصميم التهيئة ‪ -‬حالة مدينة سطات –"‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث تدبير اإلدارة‬
‫املحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫سطات ‪،8133-8131،‬‬

‫‪ -‬أحيدار سمير‪":‬قرار نزع امللكية في القانون العام املغربي"‪ ،‬أطروحة‬


‫لنيل الدكتوراه في القانون العام –وحدة التكوين والبحث ‪ :‬اإلدارة العامة ‪ ،‬جامعة‬

‫‪P 616‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫محمد األول‪،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة‬


‫الجامعية ‪، 8115-8114‬‬

‫‪ -‬محمد أيوب ‪ " :‬وثائق التعمير ومسألة نزع امللكية باملغرب"‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم املاستر في القانون العام‪،‬جامعة القاض ي عياض ‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش ‪ ،‬السنة الدراسية ‪،8134-8131‬‬

‫‪ -‬الشريف البقالي ‪ " :‬شرطة التعمير بين القانون واملمارسة" دراسة عملية‬
‫ونقدية على ضوء اجتهادات القضاء اإلداري‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪8131‬‬

‫‪P 617‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مقاالت وأحباث‬
‫قانونية وقضائية‬
‫باللغة الفرنسية‬

‫‪P 610‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Les Droits Fondamentaux dans la Constitution


Marocaine
Fundamental Rights in the Moroccan Constitution
Introduction
La théorie politique qui a accompagné le surgissement et la consolidation
de l'État absolu s’est occupée, de manière prioritaire, de la justification de cette
forme d'organisation politique. Rappelons-nous, dans ce sens, de l'idée de
"raison d'État" qui a caractérisé le courant de pensée s’étendant de Machiavel
à Hobbes816. Cependant, à partir de la deuxième moitié du XVIIe siècle, un
nouveau sujet occupe, de manière centrale, l'attention des auteurs politiques:
l'individu gouverné. Ce changement a représenté un point d'inflexion

816
Javier RUIPÉREZ. El constitucionalismo democrático en los tiempos de la globalización. Reflexiones
rousseaunianas en defensa del Estado constitucional democrático y social. Universidad Nacional
Autónoma de Méjico. Serie Doctrina Jurídica, Núm. 198, México, 2005, p. XV.

P 611 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

historique défini par Norberto Bobbio comme "la révolution copernicienne de


la modernité"817.

À partir de ce moment resurgit l'idée aristotélique du "gouvernement des


lois" qui, suite à sa redéfinition postérieure par Rousseau dans sa nouvelle
conception de la souveraineté comme élément définissant le statut du peuple,
sera repris et garanti par la norme fondamentale de l’organisation étatique. À
la fin du XVIIIème siècle, la reconnaissance des droits fondamentaux et des
libertés publiques est désormais inhérente au système constitutionnel818,
notamment avec l’apparition de nouveaux instruments de défense des droits
et la considération de ceux-ci comme constituant un système de valeurs et
d'éléments légitimant la fondation et l’action de l’État.

Après le cheminement des premières positivations des droits, ayant lieu à la


fin du XVIIIème siècle au continent américain et en France, s'initie la
configuration moderne des libertés caractérisée par l’esprit du jusnaturalisme-
rationaliste; le triomphe de l'universalisation et de l'individualisation des
droits marquant une ligne de séparation avec la conception jus-privatiste des
anciens textes; la reconnaissance des droits intimement liés au mouvement
constitutionaliste de l'État Libéral et la claire imprégnation des droits du
caractère libéral de l'époque, puisque qu’il s’agissait de libertés "négatives" ou
"civiles" dont l’objectif était de garantir l’action libre et privée de l'individu,

817
Cfr. Bobbio, N., El tiempo de los derechos, Madrid, Sistema, 1991, p. 105.
818
GRIMM, D., Constitucionalismo y derechos fundamentales, Trotta, Madrid, 2006; FERRAJOLI, L.,
Derechos y garantías. La ley del más débil, Trotta, Madrid, 2002 y Los fundamentos de los derechos
fundamentales, Trotta, Madrid 2003; DÍEZ-PICAZO, L.M., Sistema de Derechos Fundamentales, Civitas,
Madrid, 2003; PÉ- REZ LUÑO, A., Derechos Humanos, Estado de Derecho y Constitución, Tecnos, Madrid,
2005.

P 628 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

sans ingérence ni interventionnisme public819. Le XIXème siècle apporte une


« relativisation progressive du contenu jus-naturaliste des droits» 820 qui á la fin
de compte assisterait la bourgeoisie à garantir et à conserver le pouvoir
politique, en imposant une lecture dirigiste de la liberté. Toutefois, le modèle
anglo-américain des droits demeure lié à sa tradition historiciste et fort
garantiste, où les juges sont dépositaires de la garantie de la liberté. Aux États-
Unis la Constitution s'impose pour garantir les droits tandis qu'en Europe
continentale c'est la loi étatique, la propre autorité gouvernante qui les
défend821.

En définitive, le résultat de cette option se traduit en Europe par


l’affaiblissement de l’efficacité des droits Constitutionnels et par le recul de
l'idée de liberté comme possible limite face à l’action du pouvoir, en raison de
cette subordination des droits à la volonté du législateur. Ce fût la situation
dans laquelle se trouvait aussi le constitutionnalisme marocain antérieur à la
nouvelle Constitution, abstraction faite de ses propres particularismes. Celle-
ci initie une nouvelle phase qui, dans le sillage des Constitutions des États
modernes, introduit un catalogue complet de droits de signe libéral,
démocratique et économico-social. Dans les pages suivantes nous essayerons
de passer en revue, de manière brève, une série de ces droits, attendu que le

819
Cfr. Enrique Álvarez Conde. LOS DERECHOS EN EL CONSTITUCIONALISMO: TIPOLOGÍA Y TUTELA
«MULTILEVEL». Teoría y Realidad Constitucional, núm. 20, 2007, Páginas 233-234.
820
Ibíd. P. 234
821
FIORAVANTI, M., Los derechos fundamentales. Apuntes de historia de las Constituciones, Trotta,
Madrid, 1998, pp. 112 ss. Cité par, Enrique Álvarez Conde. LOS DERECHOS EN EL
CONSTITUCIONALISMO… Op. Cit… P. 809.

P 621 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

reste sera abordé dans un autre article du même ouvrage par le professeur
Maria Reyes Pérez Alberdi.

I. Approximation au statut constitutionnel des Droits


Fondamentaux au Maroc.

En cohérence avec le concept de « Constitution constitutionnelle » la norme


fondamentale marocaine est divisée en deux parties. La première, dénommée
« partie dogmatique », porte l’emphase sur les décisions politiques
déterminant le statut juridique du phénomène politique et établit une charte
de droits fondamentaux des citoyens. La deuxième, appelée « partie
organique », aborde les organes constitutionnels exerçant, dans la plupart des
cas, un pouvoir de l'État.

Nous nous proposons, en harmonie avec l’intitulé du présent article qui


constitue tout au plus une pré réflexion sur ce sujet, d’aborder les droits
fondamentaux, matière jouissant d’une identité propre dans le texte de la
Constitution marocaine, et dont la fonction principale est de légitimer la
constitution des organes porteurs du pouvoir crée par la dite norme et
d’encadrer leurs fonctionnements.

Les normes relatives aux droits fondamentaux définissent l'élément


personnel de l'État marocain, le distinguant ainsi des Constitutions
antérieures. Ceci est dû au fait qu’elles déterminent la raison d’être du pouvoir
étatique et, définissent, également, sa portée.

P 622 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Avant d'aborder le statut constitutionnel des droits fondamentaux au


Maroc une vérification préalable s’impose. Il s'agit d’examiner le caractère
normatif du texte qui les renferme, condition sine qua non permettant de les
définir comme « droits fondamentaux ». En définitive, l’objectif immédiat est
de localiser les soutiens du caractère normatif de la Constitution marocaine, ce
qui permettra de mettre en relief les garanties constitutionnelles que le
pouvoir constituant a disposé pour protéger la Constitution elle-même.

En premier lieu, les dispositions contenues entre les articles 172822 et 175823
de la CM établissent deux procédures spéciales pour la réforme et pour la
révision de la norme suprême, distinctes de la procédure législative dans toutes
ses modalités.

En deuxième lieu, le titre VIII de la CM dispose la deuxième garantie de la


normativité de la norme fondamentale en vertu de laquelle, à l’instar du
modèle prédominant en Europe, la justice constitutionnelle est l’apanage d’un
organe créé par le pouvoir constituant distinct du pouvoir judiciaire, en
l’occurrence la Cour Constitutionnelle. Les décisions de la dite Cour, au titre de
l'article 126.1 de la CM, ont un effet erga omnes et, en vertu de l'article 134.2
du même texte, s'imposent à tous les pouvoirs publics.

La vérification opérée, nous mène à affirmer le caractère normatif de la


Constitution marocaine et à mettre en valeur la position qu’elle lui correspond

822
«L’initiative de la révision de la Constitution appartient au Roi, au Chef du Gouvernement, à la
Chambre des Représentants et à la Chambre des Conseillers.
Le Roi peut soumettre directement au référendum le projet de révision dont Il prend l’initiative. »
823
«Aucune révision ne peut porter sur les dispositions relatives à la religion musulmane, sur la forme
monarchique de l’État, sur le choix démocratique de la nation ou sur les acquis en matière de libertés et
de droits fondamentaux inscrits dans la présente Constitution. »

P 623 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

au sommet de l'ordre juridique de l'État. Il nous reste à passer en revue les


éléments qui intègrent le système de garanties des droits fondamentaux.

À ce propos, rappelons-nous du contenu de l'article 21 de la nouvelle


Constitution, compris lui-même dans le titre II intitulé "Libertés et Droits
Fondamentaux". L'article cité dispose que "Tous ont droit à la sécurité de leur
personne, de leurs proches et de leurs biens. Les pouvoirs publics assurent la
sécurité des populations et du territoire national dans le respect des libertés et
droits fondamentaux garantis à tous". Cet article occupe une place centrale
dans le nouveau Droit constitutionnel marocain du fait qu’il explique la genèse
de l'État marocain en le rattachant à la sécurité. En effet, il déclare que le sens
du nouvel État ne peut être autre que celui de garantir la sécurité individuelle
et collective. Or, même si l'État marocain est une garantie nécessaire de la
sécurité, il n’en est pas pour autant une garantie suffisante. C’est pour cette
raison que le constituant de 2011 a introduit une série de garanties ajoutées.
Les premières sont de nature politique, les deuxièmes d’ordre normatif et les
troisièmes sont de signe juridictionnel. Encore plus, le constituant a disposé
d'autres garanties extraordinaires relatives au pouvoir de révision de la
Constitution et au Régime d'exception. Voyons brièvement en quoi consistent
ces garanties.

P 624 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

1/ Garanties politiques:

La première est représentée par la division des pouvoirs mise en valeur dans
les articles 1.2824 et 107825 de la CM. Les deux dispositions renvoient à l'article
16 de la Déclaration française des Droits de l'Homme et du Citoyen de 1789826.
La deuxième fait appel au principe de légitimation démocratique du pouvoir
annoncée dans l’article 2.1827 de la norme fondamentale marocaine.

2/ Garanties normatives:

Il s'agit en premier lieu de la « réserve de Loi » comprise dans l'article 71828


de la CM, donnant lieu à la proscription adressée à l'exécutif de réguler par
Décret les droits fondamentaux. Rappelons-nous à ce sujet que le Parlement
marocain ne monopolise pas l'action législative primaire, ce qui signifie qu’au
sein du système des sources de Droit au Maroc opère une définition matérielle
de la Loi. Il en résulte qu’il y a des matières réservées au Règlement. Celui-ci
peut être donc de nature législative, mais au titre de l’article 71 de la CM ne
peut aucunement porter sur les droits fondamentaux. En outre, le constituant

824
«Le régime constitutionnel du Royaume est fondé sur la séparation, l’équilibre et la collaboration des
pouvoirs, ainsi que sur la démocratie citoyenne et participative, et les principes de bonne gouvernance et
de la corrélation entre la responsabilité et la reddition des comptes »
825
«Le pouvoir judiciaire est indépendant du pouvoir législatif et du pouvoir exécutif. Le Roi est le garant
de l’indépendance du pouvoir judiciaire. »
826
«Toute Société dans laquelle la garantie des Droits n'est pas assurée, ni la séparation des Pouvoirs
déterminée, n'a point de Constitution. »
827
«La souveraineté appartient à la nation qui l’exerce directement par voie de référendum et
indirectement par l’intermédiaire de ses représentants. La nation choisit ses représentants au sein des
institutions élues par voie de suffrages libres, sincères et réguliers. »
828
«Sont du domaine de la loi, outre les matières qui lui sont expressément dévolues par d’autres articles
de la Constitution :
• les libertés et droits fondamentaux prévus dans le préambule et dans d’autres articles de la présente
Constitution, …»

P 625 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

a opté pour la forme de Loi Organique pour réguler deux droits fondamentaux,
à savoir le droit de grève829 et l'initiative législative populaire830.

En deuxième lieu, du fait que les droits fondamentaux tracent une sphère
de liberté préservée face à l'action et l'intervention de l'État et des particuliers,
ils jouissent d'une double efficacité, verticale831 et horizontale832. Ceci dit, il
faut noter qu'aucune disposition constitutionnelle n’établit expressément la
question de l’efficacité directe des droits fondamentaux. Cependant, il serait
aisé de l’extraire par le biais d’une lecture systématique de l’ensemble de ses
articles.

3/ Garanties juridictionnelles:

À ce propos la Constitution marocaine octroie au pouvoir judiciaire le statut


de garant naturel des droits fondamentaux en vertu de son article 117833.
S’ajoute à cela le rôle attribué à la Cour Constitutionnelle en vertu des articles

829
Article 29.2 de la CM.
830
Article 14 de la CM.
831
Article 882.8 de la CM portant sur le contrôle de l’Administration et l’article 133 prévoyant la
possibilité de soulever l’exception d’inconstitutionnalité.
832
Articles 37 et 118.1 de la CM.
833
“Le juge est en charge de la protection des droits et libertés et de la sécurité judiciaire des personnes et
des groupes, ainsi que de l’application de la loi.”

P 626 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

132834 et 133835 l'habilitant à contrôler la conformité des actes du législateur à


la norme suprême.

4/ Une autre garantie prévue par la nouvelle Constitution se trouve dans


l'article 175 portant sur la révision du texte fondamental, en vertu duquel les
droits fondamentaux contenus dans la dite Constitution sont configurés
comme des clauses d’intangibilités face au pouvoir constituant dérivé. Il s'agit
dans ce cas d'une limitation d'ordre matériel opposé au pouvoir de révision
dérivant de la Constitution elle-même.

5/ Par ailleurs, il faut souligner le contenu de l'article 59.2 de la CM relatif à


"l’état d'exception" en vertu duquel "les libertés et droits fondamentaux
prévus par la présente Constitution demeurent garantis".

D’ordinaire, "l’état d'exception" affecte l’exercice du pouvoir et amoindrit


la portée de la liberté reconnue aux citoyens en temps de normalité.
Apparemment, cette dernière conséquence ne saurait avoir lieu au Maroc au

834
“La Cour Constitutionnelle exerce les attributions qui lui sont dévolues par les articles de la
Constitution et les dispositions des lois organiques. Elle statue, par ailleurs, sur la régularité de l’élection
des membres du Parlement et des opérations de référendum.
Les lois organiques avant leur promulgation et les règlements de la Chambre des Représentants et de la
Chambre des Conseillers, avant leur mise en application, doivent être soumis à la Cour Constitutionnelle
qui se prononce sur leur conformité à la Constitution.
Aux mêmes fins, les lois et les engagements internationaux peuvent être déférés à la Cour
Constitutionnelle avant leur promulgation ou leur ratification, par le Roi, le Chef du Gouvernement, le
Président de la Chambre des Représentants, le Président de la Chambre des Conseillers, ou par le
cinquième des membres de la Chambre des Représentants ou quarante membres de la Chambre des
Conseillers. Dans les cas prévus aux deuxième et troisième alinéas du présent article, la Cour
Constitutionnelle statue dans un délai d’un mois à compter de sa saisine.
Toutefois, à la demande du gouvernement, s’il y a urgence, ce délai est ramené à huit jours. Dans ces
mêmes cas, la saisine de la Cour Constitutionnelle suspend le délai de promulgation. Elle statue sur la
régularité de l’élection des membres du Parlement dans un délai d’un an, à compter de la date d’expiration
du délai légal du recours. Toutefois, la Cour peut statuer au-delà de ce délai, par décision motivée, dans le
cas où le nombre de recours ou leur nature l’exige.”
835
«La Cour Constitutionnelle est compétente pour connaître d’une exception d’inconstitutionnalité
soulevée au cours d’un procès, lorsqu’il est soutenu par l’une des parties que la loi dont dépend l’issue du
litige, porte atteinte aux droits et libertés garantis par la Constitution. Une loi organique fixe les conditions
et modalités d’application du présent article. »

P 627 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

titre de l’article 59.2 de la CM. La déclaration de l’état d’exception pourrait


avoir des répercussions sur la titularité du pouvoir, mais elle ne saurait affecter
sa portée en raison des limitations imposées par les droits fondamentaux
résistants, au titre dudit article, aux situations d'exception.

6/ En plus de cette liste ample et variée de garanties nous trouvons au long


du texte constitutionnel d’autres de nature organique, c’est-à-dire une série
d'organes et d'institutions établis directement par le constituant, ou dont la
création est déférée au législateur pour permettre la consolidation d’un droits
concret ou d’un ensemble de droits. Nous citons, à titre d’exemple, l'institution
du Médiateur836, la Haute Autorité pour la parité et la lutte contre toutes les
formes de discrimination837, la Haute Autorité de la Communication
Audiovisuelle838, le Conseil Consultatif de la Famille et de l'Enfance, le Conseil
Consultatif de la Jeunesse et de l'action associative839, l'Instance Nationale de
la Probité et de la lutte contre la corruption, le Conseil National des droits de
l'homme840, le Conseil de la Communauté marocaine résidente à l’étranger841,
le Conseil Supérieur de l’éducation, de la formation et de la recherche
scientifique842, etc.

Excursus sur les Droits Fondamentaux et le Droit international:

836
Article 162 de la CM.
837
Article 19.2 de la CM.
838
Article 28.5 de la CM.
839
Article 33.2 de la CM.
840
Article 161 de la CM.
841
Article 163 de la CM.
842
Article 168 de la CM.

P 620 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

La simple lecture du préambule, renforcée par une interprétation


systématique de l'article 55.3 de la Constitution marocaine certifient la
primauté des traités internationaux sur le droit interne. Il s’agit évidemment
du droit infra-constitutionnel, du fait que la ratification d'un Traité dont les
dispositions se contredisent avec le contenu de la Constitution ne peut avoir
lieu qu’après la révision de la norme fondamentale843.

Cependant, on ne trouve pas encore dans le droit interne de voies


procédurales permettant de contrôler la conformité des lois aux traités
internationaux. Mécanisme qui permettrait de calibrer la conformité des
normes infra-constitutionnelles aux standards établis par le Droit
international des droits de l'homme. La dite conformité doit être appréciée non
seulement à la lumière des contenus normatifs mais aussi en prenant compte
de la jurisprudence émanant des organes de protection des droits de l'homme
créés par les dits traités. Rappelons-nous que la création de ces voies
procédurales lui correspond au législateur que nous espérons qu'il le mène à
bien dans les plus brefs délais possibles.

Il ne s'agit pas à ce propos d'une question triviale, du fait que si la


Constitution permet l'établissement par loi des limites à l'exercice des droits
fondamentaux, elle ne se prononce pas sur la question relative aux limites
imposées au législateur lui-même dans cette action limitative des droits. Cela
veut-il dire que le législateur peut arriver là où il estime opportun? Une réponse
affirmative viderait les droits fondamentaux affectés par cette intervention

843
Article 53.3 de la CM.

P 621 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

législative de tout contenu. En conséquence, cette limite non prévue


expressément dans la Constitution peut être extraite de la jurisprudence
élaborée par les organes de contrôle créés par les traités ratifiés par l'État
marocain. La dite jurisprudence permettrait, sans nul doute, de définir le
contenu inaccessible à l’action législative restrictive des droits fondamentaux.

Pour clore ces constatations initiales, et en tant que prélude à l'examen


individualisé des droits fondamentaux, une observation préalable, liée à la
question de la titularité de ces droits, s'impose. A ce propos, le constituant
marocain distingue entre certains droits dont la titularité est reconnue à tous
sans aucune distinction entre les marocains et les étrangers, du fait qu’ils sont
foncièrement liés à la dignité humaine, et d’autres relatifs à la participation
politique, attribués exclusivement aux nationaux avec les nuances qui
pourront être appréciées dans le travail élaboré dans le présent livre par le
professeur Maria Reyes Pérez Alberdi.

II. La configuration Constitutionnelle de l'Égalité

En raison de son caractère central, l'égalité est annoncée au long du texte


constitutionnel. En vertu de ce principe, le législateur exprime la volonté
générale et, ainsi, il lui est prohibé de différencier un secteur de la société par
rapport à l'autre. Le pouvoir législatif doit être neutre, ce qui explique la
proscription de la discrimination. Rappelons-nous, dans ce sens, le rôle lui
correspondant à la justice constitutionnelle.

Mais l'égalité limite non seulement l'action du législateur mais elle


conditionne, en outre, l'exercice du pouvoir exécutif et du pouvoir judiciaire. A

P 638 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l’égard de l'exécutif, il est possible d’intenter un recours par la voie du


contentieux administratif, et Vis-à-vis du pouvoir judiciaire, l'impartialité lui
est exigée en vertu de l'article 109.2 de la CM, et ses décisions qui doivent, au
titre de l'article 125 de la CM, être motivées sont prononcées en audiences
publiques. Les deux pouvoirs, l'exécutif et le judiciaire, doivent agir non sur la
base de leurs propres volontés mais en s'appuyant plutôt de manière exclusive
sur l'expression de la volonté générale exprimée dans la loi.

Il est assez aisé de constater que le contenu décrit met en exergue la


dimension purement formelle de l'égalité. Toutefois, le constituant marocain
n'oublie pas son aspect matériel en adressant des mandats aux pouvoirs
publics afin d’éliminer tous types d'obstacles susceptibles d'empêcher que
l'égalité soit réelle et effective. Il faut soulever à cet égard que la Constitution
ne crée pas un droit subjectif, mais elle se limite plutôt à déclarer une ambition
dont la réalisation dériverait de l’action postérieure des pouvoirs publics.

Arrivé jusqu’ici, il convient de mettre en relief les articles constitutionnels


qui abordent directement le principe d'égalité.

Contrairement à ce qui est commun en Droit constitutionnel Comparé, le


constituant marocain accorde le caractère normatif aux dispositions contenues
dans le préambule de la norme fondamentale. Il en résulte que son dernier
paragraphe mérite d`être mis en valeur. En effet, le préambule, dans son avant-
dernier alinéa, mentionne expressément l'égalité en soulignant l'engagement
du Royaume à bannir et combattre toute discrimination à l’encontre de
quiconque, en raison du sexe, de la couleur, des croyances, de la culture, de

P 631 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l’origine sociale ou régionale, de la langue, de l’handicap ou de quelque


circonstance personnelle que ce soit.

Dans le même sens, l'article 6.1 de la CM affirme que la loi est l'expression
suprême de la volonté sociale, et ajoute que les pouvoirs publics et les
particuliers sont égaux devant elle et sont tenus à se soumettre à ses
dispositions. Le deuxième alinéa du même article aborde la dimension
matérielle de l'égalité en exhortant les pouvoirs publics à créer les conditions
susceptibles de généraliser l'effectivité de la liberté et de l'égalité des citoyens
et de promouvoir leurs participations dans la vie politique, économique,
culturelle et sociale.

Le constituant accorde une considération spéciale à l'égalité entre les


femmes et les hommes en érigeant, à ce propos, l'Autorité pour la parité et la
lutte contre toutes les formes de discrimination comme garantie
institutionnelle.

D'autres manifestations de l'égalité sont facilement palpables au long du


texte de la norme fondamentale marocaine.

En matière électorale l'article 11.2 de la CM précise que les pouvoirs publics


doivent observer la stricte neutralité vis-à-vis des candidats et la non-
discrimination entre ceux-ci. Pour sa part l'article 31 garantit l'égalité dans
l'accès aux soins de la santé, à l'éducation, à la protection sociale, à la formation
professionnelle, à l'éducation physique et artistique, au logement décent, au
travail, à l'eau et à un environnement sain. Les enfants, à partir de l'entrée en
vigueur de la nouvelle Constitution, jouissent, en vertu de son article 32, d’une

P 632 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

égale protection juridique et une égale considération sociale et morale,


abstraction faite de leur situation familiale. De la même manière une
protection égale aux catégories sociales est assurée au titre de l'article 35.3 de
la norme fondamentale. En plus de cette liste de considérations égalitaires
affectant tant la titularité que l’exercice des droits, les dispositions contenues
entre les articles 37 et 40 de la norme fondamentale établissent le principe
d'égalité dans l'accomplissement des devoirs.

Avant d’aborder sommairement deux questions étroitement liées à cet


engagement constitutionnel en faveur de l'égalité, il faut signaler qu’un projet
de loi rapporté à la Convention Internationale relative à l'élimination de toutes
les formes de discrimination des femmes a été approuvé au Maroc, ce qui fait
que son contenu s'intègre de plein droit dans l’ordre juridique national.

Voyons maintenant les deux questions évoquées, à notre sens d'intérêt


constitutionnel en raison de leur relation directe avec le principe d’égalité. La
première affecte la femme, et la deuxième est rattachée aux enfants nés d'une
relation extra-matrimoniale.

Par rapport à la première question faut-il se demander si les dispositions


portant sur l'héritage dans le Code Marocain de la Famille doivent passer le
contrôle de constitutionnalité uniquement à la lumière du principe d'égalité
abstraitement conçu, ou plutôt faudrait-il faire appel à une interprétation
systématique de la Constitution tenant en compte le fait religieux abordé par

P 633 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

le préambule844, par l'article 1.3845, par l'article 3846 et dans l'article 175 dont le
contenu fait partie des clauses d’intangibilité.

En relation à la deuxième question, il s’impose d’affirmer avec certitude le


caractère inconstitutionnel des articles du Code Marocain de la Famille qui
nient aux enfants nés d'une relation extra-matrimoniale le droit d’hériter de
l'ascendant masculin en alléguant l'illégitimité de la relation sexuelle
maintenue. L’usage de tel argument nous mènerait à lui nier également le droit
d’hériter de sa mère. Toutefois ce droit lui est reconnu. N’oublions pas que dans
ce domaine, non seulement l’héritage est mis en jeu mais aussi le droit de
porter le nom du père, le droit à la manutention, à l'éducation et à la protection
paternelle. À cette conclusion on parvient aisément par le biais d’une lecture
combinée des articles 6, 19 et 32.2 de la CM847.

III. Le Droit à la Vie et à l'Intégrité Physique et Morale

L'article 20 de la CM porte sur la base ontologique nécessaire pour l'exercice


de tous les autres droits. Pour cette raison sa titularité lui correspond à toute
personnes fussent-elles nationales ou étrangères, sans exception. Trois
considérations méritent d'être faites par rapport à ce droit.

844
“…État musulman souverain, attaché à son unité nationale et à son intégrité territoriale, le Royaume
du Maroc entend préserver, dans sa plénitude et sa diversité, son identité nationale une et indivisible. Son
unité, forgée par la convergence de ses composantes arabo-islamique, amazighe et saharo-hassanie, s’est
nourrie et enrichie de ses affluents africain, andalou, hébraïque et méditerranéen.
La prééminence accordée à la religion musulmane dans ce référentiel national va de pair avec
l’attachement du peuple marocain aux valeurs d’ouverture, de modération, de tolérance et de dialogue
pour la compréhension mutuelle entre toutes les cultures et les civilisations du monde….”
845
“…La nation s’appuie dans sa vie collective sur des constantes fédératrices, en l’occurrence la religion
musulmane modérée…”
846
“L’Islam est la religion de l’État, qui garantit à tous le libre exercice des cultes.”
847
Voir à ce propos Abdelhamid Adnane. “Lectura en el principio de igualdad y filiación en el derecho de
familia marroquí a la luz del socialismo jurídico de Antón Menguer”, In “Comentarios sobre el Derecho
Civil y los pobres”, Edición Tirant Lo Blanch, Valencia, 8088.

P 634 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

En premier lieu, le constituant le configure comme un droit de liberté.


Configuration se trouvant en harmonie avec le fait que le suicide n’est pas
qualifié de délit dans la législation pénale. Or, il s’agit d’une question tout à fait
différente dans le cas de l’incitation au suicide considérée dans l’article 407848
du code pénal comme une conduite délictueuse.

En deuxième lieu, et par rapport au nasciturus, l’embryon de l’être humain


conçu mais non encore né, le législateur n'a pas opté pour une prohibition
absolue de l'interruption de la grossesse, et non plus pour sa considération
comme un droit de la femme enceinte, mais il a plutôt adopté une
interprétation causale. Ce qui revient à dire que l'interruption de la grossesse
est appréciée comme un acte contraire au droit mais n’engageant pas la
responsabilité pénale dans certains cas au titre de l'article 453 du Code Pénal
marocain disposant que:

“L'avortement n'est pas puni lorsqu'il constitue une mesure nécessaire pour
sauvegarder la santé de la mère et qu'il est ouvertement pratiqué par un
médecin ou un chirurgien avec l'autorisation du conjoint.
Si le praticien estime que la vie de la mère est en danger, cette autorisation
n'est pas exigée. Toutefois, avis doit être donné par lui au médecin- chef de la
préfecture ou de la province.
A défaut de conjoint, ou lorsque le conjoint refuse de donner son
consentement ou qu'il en est empêché, le médecin ou le chirurgien ne peut

848
L’article 407 du Code Pénal dispose que “Quiconque sciemment aide une personne dans les faits qui
préparent ou facilitent son suicide, ou fournit les armes, poison ou instruments destinés au suicide,
sachant qu'ils doivent y servir, est puni, si le suicide est réalisé, de l'emprisonnement d'un à cinq ans.”

P 635 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

procéder à l'intervention chirurgicale ou employer une thérapeutique


susceptible d'entraîner l'interruption de la grossesse qu'après avis écrit du
médecin- chef de la préfecture ou de la province attestant que la santé de la
mère ne peut être sauvegardée qu'au moyen d'un tel traitement.”
La dernière question relative à l'article 20 de la CM est relative à la peine de
mort. Elle est prévue pour certains faits délictueux et la Constitution n'ajoute
rien à ce sujet. L'article 23.4 de la norme suprême dispose que le détenu "peut
bénéficier des programmes de formation et de réinsertion". Le fait que le
constituant ait opté pour le verbe «pouvoir » et non pas pour le verbe «devoir »
nous mène à conclure que la peine de mort serait constitutionnellement
possible.

Avant de passer au droit suivant, il faut bien signaler que, de nos jours, la
question relative au droit à « la propre mort ou à la mort digne » n’est posée ni
au niveau politique ni au niveau de la société civile. Ce qui explique l'omission
que la Constitution marocaine fait à propos de la question de l'euthanasie.

La suite logique du droit à la vie se trouve dans l'article 22849 de la CM. Il


aborde l'intégrité physique et morale en vertu de laquelle l'inviolabilité de la
personne contre toute intervention supposant une lésion ou une détérioration
du corps sans le consentement du titulaire du droit est garantie. L'objet protégé
par ce droit atteint de la même manière l'intégrité morale, donnant lieu,

849
L’article 22 de la CM stipule qu’“il ne peut être porté atteinte à l’intégrité physique ou morale de
quiconque, en quelque circonstance que ce soit et par quelque personne que ce soit, privée ou publique.
Nul ne doit infliger à autrui, sous quelque prétexte que ce soit, des traitements cruels, inhumains,
dégradants ou portants atteinte à la dignité. La pratique de la torture, sous toutes ses formes et par
quiconque, est un crime puni par la loi.”

P 636 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

conséquemment, à la proscription de toutes les agressions psychiques


possibles produisant une humiliation ou un avilissement de l'être humain. La
deuxième partie de l'article 22 bannit tous types de traitements cruels,
inhumains, dégradant ou portant atteinte à la dignité humaine.

Comme élément enrichissant du contenu de ce droit, et dans


l’accomplissement des engagements du Royaume du Maroc avec les droits de
l'homme tels qu’ils sont universellement reconnus, le Conseil du
Gouvernement a déjà procédé à l'adoption du projet de loi 124-12 portant
approbation du Protocole facultatif se rapportant à la Convention contre la
torture et autres peines ou traitements cruels, inhumains ou dégradants,
adopté le 18 décembre 2002 par l'Assemblée générale de l'ONU à New York.

IV. Liberté et Garanties du détenu

Cet article aborde d’une manière prioritaire la liberté dans un sens pédestre,
c’est-à-dire la liberté d'aller et de venir. Nous allons nous limiter à passer en
revue les droits assistant les individus en cas d’arrestation gouvernementale
puisque les droits du détenu en phase judiciaire, compris dans les articles 119,
120 et 121 de la CM, seront traités dans une autre contribution dans le présent
ouvrage.

En premier lieu, cet article interdit la privation arbitraire de la liberté, c’est-


à-dire celle ayant lieu dans les cas non prévus expressément par loi. En outre,
les disparitions forcées sont pénalisées.

P 637 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Par rapport à l’arrestation illégale, le Code de la procédure pénale aborde la


question relative aux délais au-delà desquels l’arrestation devient illégitime et
donc arbitraire. Pour certains délits ce délai consiste en un maximum de 48
heures (les délits prévus entre les articles 163 à 218 du Code Pénal) et pour
d'autres conduites illicites spécifiées dans la loi 03-02 portant modification du
Code Pénal ce délai s’élève au double, à savoir 96 heures.

Ces délais peuvent être prolongés suite à une autorisation écrite du


parquet, et le Code de la Procédure Pénale conditionne la prolongation pour les
infractions ordinaires par la présentation du concerné devant le représentant
du parquet, sauf en cas d’exception. Cette présentation n’est pas exigée pour
les infractions flagrantes.

Trois délais de prolongation sont distingués:

_ D’abord une prolongation de 24 heures en tant que règle générale;

_ Ensuite une prolongation de 96 heures pour les infractions contre la sûreté


de l’Etat;

_ Puis une double prolongation de 96 heures pour les infractions terroristes.

En ce qui concerne la deuxième partie de l'article 23 de la CM, certaines


garanties en faveur du détenu sont introduites, à savoir, le droit d’être informée
immédiatement, d’une façon qui lui soit compréhensible, des motifs de sa
détention et de ses droits, dont celui de garder le silence. De même, il doit
bénéficier, au plus tôt, d’une assistance juridique et de la possibilité de
communication avec ses proches.

P 630 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Il faut préciser que l’absence d'un droit constitutionnel à l'examen médical,


est supplée par l’article 76 du Code de la procédure pénal disposant que «le
procureur du Roi doit soumettre la personne inculpée a un examen médical qui
sera effectué par un médecin expert lorsque la demande lui en est faite ou de
sa propre initiative lorsqu’il a constaté des indices qui justifient cet examen ».
Cette disposition, en harmonie avec la proscription contenue dans l'article 22
de la norme fondamentale et avec l'exigence des conditions humaines de
détention prévues dans le quatrième alinéa de l'article 23 de la même norme,
est considérée non seulement comme une garantie assurant au détenu un
traitement adéquat mais elle permettrait aussi de réagir en cas d’allégation de
torture physique ou mentale. Encore, faut-il le souligner, la disposition
constitutionnelle, suppose la nécessité d'articuler des mécanismes plus
rigoureux de contrôle sur les centres pénitentiaires.

De même, nous soulignons l'absence dans le texte constitutionnel de la


procédure de habeas corpus consistant en la possibilité de demander au juge la
mise à disposition judiciaire du détenu avant même de l’expiration du délai
maximum prévu pour la détention gouvernementale étant donné que le juge
offre plus de garanties que l'administration.

La dernière partie de l'article 23 de la Constitution, en abordant les droits


fondamentaux dans une perspective inclusive et d’intégration, proscrit toute
incitation au racisme, à la haine et à la violence, conduites en pleine
contradiction avec les postulats du nouvel État de Droit basé sur le respect de
la dignité humaine et sur l'égalité de tous les citoyens.

P 631 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

V. Vie privée et droit à l’intimité

J'estime convenable de commencer l’analyse du contenu de ce droit par la


dernière partie de l’article 24 de la CM disposant qu’il est "garantie pour tous
la liberté de circuler et de s’établir sur le territoire national, d’en sortir et d’y
retourner, conformément à la loi ".

Il s’agit d’une liberté dérivant, naturellement, de la liberté personnelle. Le


citoyen est libre dans le temps et dans l'espace, c'est-à-dire à tout moment et
en tout lieu. On ne peut pas être libre si on ne peut pas choisir librement son
lieu de résidence. Ce qui implique, aussi, le droit d'entrer et de sortir librement
du Maroc.

En ce qui concerne les deux premiers alinéas de l'article 24 l’inviolabilité du


domicile est assurée. Néanmoins, le constituant n'attribue pas exclusivement
au juge le pouvoir de lever cette interdiction. De ce fait, la sacralité du domicile
demeure à la merci du législateur. C'est en fait, la loi régulant la procédure
pénale qui permet à la police judiciaire d’y entrer entre 21.00 heures et 06.00
heures du matin sans autorisation judiciaire. Il se révèle donc nécessaire
d’opérer une délimitation de ce droit à la lumière des prévisions contenues
dans les Traités internationaux portant sur la matière pour éviter toute
dénaturation législative de son contenu.

Par rapport aux interceptions des communications, l'article 24 de la CM


souligne le caractère obligatoire de l'autorisation judiciaire. Cependant la loi
de la procédure pénale prévoit des cas ou le procureur du Roi puisse l’ordonner.

P 648 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

L’effort de connexion avec le principe de la double efficacité des droits


fondamentaux nous mène à constater que le législateur marocain prévoit
uniquement la limitation horizontale du dit droit. Limitation dirigée
exclusivement aux particuliers et, apparemment, n’affectant en rien les
pouvoirs publics. Il en résulte que, suite à ces prémisses de raisonnement, les
prévisions légales contenues dans le code de la procédure pénale seraient
entachées, à partir du moment de l'entrée en vigueur de la nouvelle
Constitution, du vice de l’inconstitutionnalité survenue. En d’autres termes, les
dites dispositions seraient dérogés par la mise en œuvre application des
principes classiques: lex posterior derogat legi priori y Lex superior derogat legi
inferiori. Le législateur se trouve dans l’obligation d’introduire les révisions
pertinentes pour garantir sa conformité à la norme suprême, de la quelle toute
norme extrait, de façon directe ou indirecte, sa validité.

Pour clore ces réflexions effectuées à propos de l'article 24, nous signalons
que le constituant marocain ne fait aucune allusion au droit à l'honneur ou à la
propre image comme c'est le cas, par exemple, de la Constitution espagnole.
Faut-il le déduire d’un autre article? Nous tenterons de le vérifier plus tard.

VI. Liberté de pensée et libertés connexes

Au titre de l'article 25 de la CM est reconnue à tous le droit d'avoir sa propre


conception explicative de l'homme, du monde et de la vie. Cette disposition
garantit donc l'existence d'un domaine intime, c'est-à-dire d'un espace
d'autodétermination intellectuelle devant les phénomènes sociaux.

P 641 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Ce droit jouit d’une connexion claire, d’une part avec la liberté d'expression
et, d’autre part avec le pluralisme politique, tous les deux conçus comme
éléments indispensables pour la construction d'un cadre démocratique.

La liberté de pensée est d'une importance suprême attendu que si le droit à


la vie est le support nécessaire pour l'exercice de tous les droits fondamentaux,
la liberté de pensée est considérée comme son Prius logique. Son inclusion
dans la Constitution garantit non seulement la libre formation de la pensée
mais elle protège également ses projections et manifestations extérieures.

Certains droits dérivant directement de cette liberté sont mentionnés


expressément dans la norme fondamentale. Il s’agit de la liberté d’expression
et de communication850, le droit à l’éducation851, la liberté d’association et de
création des partis politiques852, la liberté de manifestation853, la concession
d’asile pour des raisons d’opinion et la création littéraire, artistique et
scientifique854. D’autres droits, au contraire, ne jouissent pas de ce privilège. Il
s’agit de la liberté d'enseignement, l'objection de conscience et la liberté
religieuse. Néanmoins, cette dernière liberté mérite une attention spéciale
étant donné que le préambule bannit la discrimination à cause des croyances,
et l'article 11 de la CM impose la neutralité des pouvoirs publics vis-à-vis des
candidats dans le domaine électorale, de ce qui en découle la prohibition de
tous types de discrimination pour des raisons idéologiques ou religieuses. Il

850
Article 25 de la CM.
851
Article 31 de la CM.
852
Article 7 y 12 de la CM.
853
Article 29 de la CM.
854
Article 25.2 de la CM.

P 642 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

serait donc raisonnable de soutenir que les différents courants de pensées se


trouvent dans une position d'égalité et ne seraient, donc, pas susceptibles
d'être évalués de la part du pouvoir public.

Dans le même sens, il nous semble intéressant de signaler que l’ordre


juridique marocain garantit et protège855’856 certaines manifestations externes
de la liberté religieuse. Il s'agit concrètement des actes de culte, les réunions ou
les manifestations religieuses, la célébration des rites religieux857, la
commémoration de fêtes, la célébration des rites matrimoniaux.

En dernier lieu, en relation avec l'apostasie, question socialement sensible,


aucune norme nationale ne l’interdit expressément. Rappelons-nous que «le
Droit pénal démocratique est discontinu. A sa base, se trouve l’idée de licéité.
Les normes pénales sont dégagées du domaine des actes par voie d’exception.
Dès lors, tout ce que les lois n’interdisent pas est permis »858. Encore plus, il faut
signaler que si le prosélytisme n’est pas expressément prohibé, la tentative
d’ébranler la foi d'un musulman est configurée par le législateur pénal comme
un délit859.

855
L’article 880.8 du Code Pénal dispose que «Quiconque, par des violences ou des menaces, a contraint
ou empêché une ou plusieurs personnes d'exercer un culte, ou d'assister à l'exercice de ce culte, est puni
d'un emprisonnement de six mois à trois ans et d'une amende de 200 à 500 dirhams. »
856
Au titre de l’article 880 du Code Pénal “Quiconque, volontairement, détruit, dégrade ou souille les
édifices, monuments ou objets servant au culte, est puni de l'emprisonnement de six mois à trois ans et
d'une amende de 800 à 500 dirhams”.
857
Selon l’article 888 du Code Pénal « Quiconque entrave volontairement l'exercice d'un culte ou d'une
cérémonie religieuse, ou occasionne volontairement un désordre de nature à en troubler la sérénité, est
puni d'un emprisonnement de six mois à trois ans et d'une amende de 200 à 500 dirhams. »
858
Mohieddine Amzazi, «Code pénal, Code de procédure pénale et Droits de l’Homme », In «Le Maroc
et les Droits de l’Homme». Positions, réalisations et perspectives. Page 806. 8889.
http://books.google.co.ma/books?id=yKy3XUjLDuoC&pg=PA229&lpg=PA229&dq=mohieddine+amzazi
&source=bl&ots=-E8X90mHS9&sig=rbO7gPu3a7x7if1GKdXahF03qdM&hl=es&sa=X&ei=7c-
UUafECbSp7Abc-IHIAg&ved=0CDoQ6AEwAzgK.
859
Le deuxième alinéa de l’article 880 du Code Pénal précise qu’il « est puni de la même peine, quiconque
emploie des moyens de séduction dans le but d'ébranler la foi d'un musulman ou de le convertir à une

P 643 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

VII. Propriété, liberté d'entreprise, libre concurrence et


devoirs constitutionnels

Cet article reprend les droits libéraux par excellence. Il garantit la propriété
bien qu’il prévoie sa limitation par loi au bénéfice des exigences du
développement économique et social, tout en envisageant la possibilité de
l'expropriation.

Dans la même disposition constitutionnelle la liberté d'entreprise et la libre


concurrence sont garanties. De même, on constate l'engagement de l'État à la
réalisation du développement humain durable afin de favoriser la
consolidation de la justice sociale, qui est l’objectif primordial de l'État social
marocain.

Finalement les articles 38, 39 et 40 de la CM mettent l’accent sur les devoirs


des citoyens, à savoir le devoir de défense de la patrie et de son intégrité
territoriale contre toute agression ou menace; l'obligation de supporter, en
proportion de leurs facultés contributives, les charges publiques et le devoir de
supporter solidairement et proportionnellement à leurs moyens, les charges
que requiert le développement du pays, et celles résultant des calamités
nationales et des catastrophes naturelles.

VIII. A propos des soutiens de l'État social marocain: les droits sociaux

autre religion, soit en exploitant sa faiblesse ou ses besoins, soit en utilisant à ces fins des établissements
d'enseignement, de santé, des asiles ou des orphelinats. En cas de condamnation, la fermeture de
l'établissement qui a servi à commettre le délit peut être ordonné, soit définitivement, soit pour une
durée qui ne peut excéder trois années. »

P 644 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Si la "liberté" était à la base de la première génération des droits, la


deuxième génération puise ses fondements dans l’"égalité". L'individualisme
et le caractère abstrait du système des droits mettront en évidence, à l’entrée
du XXème siècle, les énormes déficiences du modèle antérieur: les documents
constitutionnels étaient de simples proclamations formelles qui, dans
plusieurs aspects, s'éloignaient de la réalité sociale. Celle-ci était présidée par
l'inégalité, et compliquée par le progrès technologique, industriel, et
économique et les transformations sociales qui en découlent. Dans ce
contexte, il s'agissait de revendiquer à l'État la garantie d'existence des
conditions basiques de vie pour les individus se trouvant dans l’impossibilité
d’assurer par le biais de leurs efforts personnels. L’égalité revendiquée serait
dorénavant de nature matérielle plutôt que formelle, et qui, en outre, pourrait
être opposable au législateur.

La Constitution marocaine reprend, dans ce sens, une série de droits de


nature prestataire. Ceux-ci se présentent comme des concrétions de certaines
dispositions constitutionnelles. Il s’agit de l'article 1 définissant le Maroc
comme une monarchie constitutionnelle, démocratique, parlementaire et
sociale; l'article 6.2 qui adresse des mandats aux pouvoirs publics pour créer les
conditions susceptibles de généraliser l'effectivité de la liberté et de l'égalité
des citoyens ainsi que de favoriser leur participation dans la vie politique,
économique, culturelle et sociale et l'article 35 qui évoque le concept de justice
sociale, censé moduler l'exercice de certains droits de nature économique.

P 645 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Toutefois, il faut préciser que dans le texte constitutionnel marocain nous


trouvons uniquement un seul droit social configuré comme un vrai droit
subjectif, c.-à-d. dont l'infraction peut être invoquée devant le pouvoir
judiciaire. Il s'agit du droit à l'éducation reconnu aux enfants, consigné dans
l'article 32 de la norme fondamentale.

D'un autre côté, l'article 31 de la CM configure une série de droits sociaux


tout en subordonnant sa pleine jouissance aux moyens disponibles. Dans ce
sillage nous signalons le droit aux soins sanitaires, à la protection sociale, à une
éducation moderne, accessible et de qualité, à la formation professionnelle et
à l'éducation physique et artistique, à un logement décent, au travail et à
l'appui des pouvoirs publics en matière de recherche d'emploi et d’auto-emploi,
à l'accès à l'eau et à un environnement sain.

La troisième catégorie contenue dans les articles 26, 33 et 34 adresse des


mandats au législateur pour soutenir le développement de l'activité culturelle
et artistique; appuyer la recherche scientifique et technique; promouvoir le
sport, généraliser la participation des jeunes dans le développement social,
économique, culturel et politique du pays; aider les jeunes à s’insérer dans la
vie active; prêter assistance à ceux en difficulté d’adaptation scolaire, sociale
ou professionnelle; faciliter l'accès des jeunes à la culture, à la science, à la
technologie, à l'art, au sport et aux loisirs; traiter et prévenir la vulnérabilité de
certaines catégories de femmes et de mères, des enfants et des personnes
âgées, réhabiliter et intégrer dans la vie sociale et civile les handicapés

P 646 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

physiques sensorimoteurs et mentaux et faciliter leur jouissance des droits et


libertés reconnus à tous.

Il s'agit d'une liste assez étendue de possibilités d'action prévue par le


constituant au bénéfice du bien-être matériel des citoyens. Malgré tout, et vu
qu’un droit vaut ce qu'il a de garantie, voyons quelles sont les garanties
possibles des trois catégories exposées, toutes relatives aux droits de
prestations.

En ce qui concerne la première catégorie configurant un véritable droit


subjectif (article 32 CM), le constituant ne distingue pas le système de sa
protection de celui des autres droits fondamentaux, en assignant sa tutelle au
pouvoir judiciaire et, en prévoyant la possibilité d’intenter un recours
d’inconstitutionnalité devant la Cour Constitutionnelle contre toute
disposition législative portant atteinte à son contenu.

Par rapport à la deuxième catégorie, sa réalisation dépend des moyens


disponibles. Ainsi, il apparait que les facultés et les prérogatives reconnues à
son titulaire dépendent des ressources économiques disponibles. Or, à ce sujet,
on sait bien que l'affectation des ressources et la détermination de leurs
quantités dépend du jugement d'opportunité réalisé légitimement par le
pouvoir politique. Toutefois, même en temps de crise ou de contraction
économique le législateur doit maintenir un seuil minimal de facultés sans
lesquels le droit se convertirait en simple nominalisme vidé de tout contenu.
Nous estimons que, par rapport à cette catégorie, il ne serait pas déraisonné de
défendre la possibilité d’un contrôle de constitutionnalité de la loi dont

P 647 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l'objectif serait de vérifier le maintien de ce minimum qui, par ailleurs, est


nécessaire pour sauvegarder la dignité des individus intégrant la communauté.

Finalement, et par rapport aux mandats adressés au législateur, nous


affirmons qu’à cause de cette configuration, elles restent à la pleine disposition
du législateur et qu’aucune voie de de contrôle de l’inaction législative ne serait
pas possible.

Considérations finales

Il résulte de tout ceci que la nouvelle Constitution marocaine répond


largement aux critères minimaux exigés par le concept de « Constitution
constitutionnelle ». Et comme il est connu de tous, la Constitution est une
norme de minimum qui, en plus de tracer le cadre juridique du processus
« d'auto-direction » politique de la société, réclame dans plusieurs aspects
l'action du législateur pour développer ses contenus. Celui-ci est appelé à être
respectueux des contours des droits fondamentaux tracés préalablement par
le pouvoir constituant, sous peine d'encourir une censure pour
inconstitutionnalité. Encore, faut-il le souligner, il est censé mener à bien la
traduction pratique des dispositions de la norme fondamentale dans les plus
brefs délais, notamment lorsqu’il s’agit des droits dont la jouissance dépend de
l'intervention du pouvoir public. Ceci est d’autant plus impérieux vu que son
inaction supposerait la désactivation des dits droits.

Les droits qui ont fait objet de la présente réflexion constituent, sans nul
doute, des éléments de légitimation de l'État marocain ad extra, devant,

P 640 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

évidement, préserver leurs pleines virtualités ad intra en évitant ainsi que la


norme fondamentale soit entachée de simple nominalisme.

P 641 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

:‫الئحة املراجع‬

Javier RUIPÉREZ. El constitucionalismo democrático en los tiempos de la


globalización. Reflexiones rousseaunianas en defensa del Estado
constitucional democrático y social. Universidad Nacional Autónoma de
Méjico. Serie Doctrina Jurídica, Núm. 198, México, 2005.

Cfr. Enrique Álvarez Conde. LOS DERECHOS EN EL


CONSTITUCIONALISMO: TIPOLOGÍA Y TUTELA «MULTILEVEL». Teoría y
Realidad Constitucional, núm. 20, 2007.
FIORAVANTI, M., Los derechos fundamentales. Apuntes de historia de las
Constituciones, Trotta, Madrid, 1998.

P 658 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

à é
è é
L’autonomie financière des établissements de coopération
intercommunale : Encadrement juridique et aspects pratiques
Financial autonomy of intermunicipal cooperation establishments: Legal framework and
practical aspects
Introduction
Les communes sont des acteurs importants du développement local tant au
niveau économique qu’au niveau social. En effet, tout au long du processus de
la décentralisation qu’a connu le Maroc depuis l’indépendance, le législateur a
renforcé ces structures territoriales dans l’exercice de leurs compétences. Ce
renforcement consiste en la mise en place d’un ensemble de mécanismes et de
modes de gestion de services publics locaux, pour permettre aux communes de
choisir l’outil adapté à leurs spécificités économiques, sociales et culturelles.

Face aux exigences multiples des citoyens concernant la fourniture d’un


service de qualité, les communes se voient obligées d’améliorer et de
moderniser leurs modes de gestion. Cette transformation nécessite des
ressources assez importantes tant au niveau financier qu’au niveau humain.

P 651 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Dans cette optique, un ensemble de communes n’ont pas les moyens


nécessaires pour satisfaire les besoins accrus de leurs citoyens, d’où la
nécessité de se grouper sous forme d’établissement pour optimiser les coûts de
gestion de ces services et mutualiser les efforts et les moyens financiers et
humains.

La Constitution marocaine confirme l’importance des services publics en


précisant que ces derniers doivent être accessibles pour l’ensemble des
citoyens et citoyennes, avec une couverture équitable du territoire national,
ainsi que la continuité des prestations rendues860.

S’agissant des communes et des autres collectivités territoriales, la


Constitution précise que l’organisation territoriale se base sur le principe de
coopération et de solidarité et que les collectivités territoriales peuvent
constituer des groupements en vue de la mutualisation des moyens et des
programmes. La solidarité représente, ainsi, un caractère régulateur pour un
développement harmonieux et solidaire des espaces861 qui assure une
complémentarité de l’action communale

Dans cette même optique, les lois organiques régissant les collectivités
territoriales promulguées en 2015, ont concrétisé ce choix stratégique de la
coopération et de la solidarité dans la gestion des services publics locaux. En

860 Dahir n° 1-11-91 du 27 chaabane 1432 (29 juillet 2011) portant promulgation du texte de la Constitution.
861ZAIR Tarik, « Les solidarités territoriales : à propos du principe et de ses applications », in REMALD n°119,
novembre - décembre 2014, p.40.

P 652 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

effet, ces dernières ont mis en place un ensemble de formes de coopération


dont font partie les établissements de coopération intercommunale (ECI).

Commune A Commune B Commune C

Etablissement de Coopération Intercommunale

La création et la gestion des services publics locaux

En effet, selon l’article 133 de la loi organique n°113-14 relative aux


communes862, les établissements de coopération intercommunale sont des
institutions locales dotées de la personnalité morale et de l'autonomie
financière. L’objectif du recours à ces établissements étant la rationalisation de
la gestion des services de proximité tout en assurant un service public de
qualité aux citoyens.

862
Loi organique n° 113-14 relative aux communes, promulguée par le Dahir n°1-15-85 du 20 ramadan 1436 (7 juillet
2015).

P 653 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Le choix de la création de ces établissements est devenu une exigence pour les
communes avec la nécessité de mobiliser des investissements et des
infrastructures colossaux pour la mise en place de certains services et
équipements d’envergure863. Aussi, la gestion des affaires de proximité pour
certaines communes devient de plus en plus complexe surtout dans le milieu
urbain où sont constatées l’augmentation du nombre des populations et celle
de leurs besoins et préoccupations.

Compte tenu de l’importance de l’aspect financier dans toute gestion de


service public, le législateur, à travers la loi organique relative aux communes,
a doté les établissements de coopération intercommunale d’un ensemble de
ressources financières pour garantir l’autonomie financière dans leur gestion.
L’analyse de cette autonomie sera d’une grande importance pour démontrer la
réussite ou l’échec de ces groupements intercommunaux dans l’exercice des
missions qui leur sont dévolues.

I- Le cadre juridique de l’autonomie financière des ECI :

L’autonomie financière peut être définie comme étant la liberté d’une


institution à décider dans l’allocation des ressources financières864 mises à sa
disposition dans les projets et les services qu’elle voit prioritaire ou important
dans sa gestion et ce dans le respect de la réglementation en vigueur. En effet,

863AL HADERI Monsif, « Les partenariats public-privé des collectivités territoriales : cadre juridique et réalités
pratiques », Thèse de Doctorat en droit public, Faculté des Sciences Juridiques, Economiques et Sociales de Fès,
Maroc, 2015, p.13.
864NGONO TSIMI Landry, « L’autonomie administrative et financière des collectivités territoriales décentralisées :
l’exemple du Cameroun », Thèse de Doctorat en droit public, Université Paris-Est Créteil Val-De-Marne, France,
septembre 2010, p.191.

P 654 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l’autonomie financière constitue une composante essentielle du principe de la


libre administration.

L’autonomie financière des établissements de coopération intercommunale a


été énoncée de façon expresse dans la loi organique n°113.14 relative aux
communes, notamment dans son article 133 qui dispose : « Il peut être
constitué entre des communes liées territorialement, à leur initiative, des
"établissements de coopération intercommunale", dotés de la personnalité
morale et de l'autonomie financière ». Cette autonomie se concrétise par
l’existence de ressources financières propres et d’un budget autonome.

1- Les ressources financières propres des ECI

L’établissement de coopération intercommunale dispose d’un ensemble de


ressources financières pour lui permettre d’exercer les missions qui lui sont
confiées par les communes membres. Ces ressources se composent
essentiellement par les contributions des communes constituant
l'établissement de coopération dans le budget de ce dernier, les subventions de
l'Etat, les recettes afférentes aux services transférés à l'établissement de
coopération, les redevances et rémunérations pour services rendus, les revenus
de la gestion du patrimoine, le produit des emprunts autorisés, les dons et legs
et des recettes diverses865.

a- Les contributions financières des communes :

865 Article 205 de la loi organique n° 113.14 relative aux communes, op. cit.

P 655 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

S’agissant des contributions des communes constituant l'établissement de


coopération intercommunale, ces dernières sont fixées dès la constitution de
l’établissement. Elles font l’objet de la convention de constitution de
l’établissement qui constitue la pièce maîtresse de la création de chaque ECI.
En effet, ces ressources assurent le bon démarrage de l’ECI et sa pérennité, ainsi
que la couverture des dépenses relatives à la gestion de son administration. Ces
contributions prennent généralement deux formes, soit des apports en nature,
comme l’achat d’un terrain, du matériel, d’un local par exemple, soit des
apports en argent.

Aussi, lesdites contributions peuvent être fixes ou variables. Les contributions


dites fixes sont des montants forfaitaires transférés chaque année budgétaire
par les communes membres au budget de l’ECI concerné. Les contributions
variables quant à elles, sont généralement calculées sur la base d’un taux lié
aux recettes des budgets des communes ou de la part de la dotation de la taxe
sur la valeur ajoutée (TVA) allouée à ces communes.

Dans une autre optique, les contributions des communes membres font partie
des dépenses obligatoires866 qui doivent être inscrites chaque année dans
l’élaboration du budget de ces communes. Ainsi, dans le cas contraire, le
budget de la commune concernée ne sera pas visé par le gouverneur et ne sera
pas exécutoire par la suite.

b- Les subventions de l'Etat:

866 Article 181, ibid.

P 656 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

En plus des contributions obligatoires des communes membres, l’ECI peut


bénéficier, dans le cadre de l’exercice de ses missions, des subventions de l'Etat.
Ces dernières sont octroyées dans le cadre des programmes et des projets
nationaux des différents départements ministériels, comme par exemple le
plan national des déchets ménagers (PNDM) qui a été initié par le Secrétariat
d'Etat chargé du Développement Durable et le Ministère de l’Intérieur avec
l’appui de la Banque Mondiale867. Ce programme alloue une subvention aux
groupements créés par les communes pour réhabiliter et moderniser le secteur
de gestion des déchets ménagers.

c- Les recettes afférentes aux services transférés à l'établissement


de coopération :

Pour les recettes afférentes aux services transférés à l'établissement de


coopération, celles-ci concernant l’ensemble des produits et redevances reçus
dans le cadre de la gestion d’un service public confiée à l’ECI. Ces recettes
couvrent essentiellement le fonctionnement, l’entretien et la modernisation
de la gestion du service concerné.

d- Les redevances et rémunérations pour services rendus :

S’agissant des redevances et rémunérations pour services rendus, elles


concernent essentiellement des recettes reçues lors des activités ou des études
élaborées par l’ECI pour le compte d’autrui, et ce en relation avec les missions
qui lui sont dévolues. Ces recettes font généralement l’objet de conventions et

867Source site du Secrétariat d’Etat chargé du développement durable :


http://www.environnement.gov.ma/fr/dechets?id=226 (consulté le 14 octobre 2020).

P 657 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

de contrats et constituent des ressources additionnelles qui ne sont pas liées


directement à la gestion d’un service public.

e- Les revenus de la gestion du patrimoine :

Pour les revenus de la gestion du patrimoine, ce sont des recettes liées à


l’exploitation du patrimoine privé de l’ECI et qui peut prendre plusieurs formes,
comme par exemple, la location de matériels acquis par l’ECI, la location des
bâtiments pour des activités diverses, etc.

f- Le produit des emprunts autorisés :

Le produit des emprunts autorisés constitue aussi une autre forme de


ressources financières pour les ECI auquel peuvent y recourir dans le cas d’un
besoin en financement surtout pour les projets et les services publics de grande
envergure. Généralement, c’est le Fonds d’Equipement Communal (FEC) qui
octroie ce type de financement aux collectivités territoriales et à leurs
groupements, surtout dans les domaines d'équipement, d'éclairage public, de
transport public, etc.

g- Les dons et legs :

A l’instar des communes, les ECI peuvent bénéficier des dons et legs provenant
des personnes physiques ou morales. Ces dons constituent une forme
d’acquisition à titre onéreux d’un bien ou équipement qui entre dans le cadre
de la gestion des services publics confiée à l’ECI.

h- Les recettes diverses :

P 650 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Le législateur a précisé dans la loi organique relative aux communes que les
ECI peuvent disposer d’autres recettes diverses sans préciser la nature de ces
dernières. A titre d’exemple, l’ECI peut bénéficier d’un soutien financier dans le
cadre de programmes internationaux.

Dans cette optique, l’Etat peut recevoir des dons ou recourir à des prêts pour
renforcer le chantier de la décentralisation au Maroc en général et
l’encouragement de l’intercommunalité en particulier. Généralement, c’est la
Banque Mondiale qui finance des projets à caractère communal ou régional en
partenariat avec le gouvernement marocain, notamment le Ministère de
l’Intérieur (Direction Générale des Collectivités Territoriales).

2- L’élaboration et le vote d’un budget autonome

Le budget est l’acte par lequel est prévu et autorisé, pour chaque année
budgétaire, l’ensemble des ressources et des charges868 de l’ECI. Le budget est
un acte de prévision car il établit un état estimatif des recettes et des dépenses
à réaliser pendant l'année à venir. Le budget comprend deux parties, la
première trace les opérations relatives au fonctionnement et la deuxième est
réservée aux opérations d'équipement ou d’investissement. En outre, le budget
doit être équilibré869 dans chacune de ses parties.

L’élaboration et le vote d’un budget autonome constituent un aspect


important qui caractérise l’autonomie financière de l’ECI. En effet, ce dernier se
voit libre dans la programmation de ses ressources financières dans le respect

868 Article 152 de la loi organique n° 113.14 relative aux communes, op.cit.
869 Article n° 154, ibid.

P 651 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

de la réglementation en vigueur. Le budget est un acte d'autorisation car il


s'agit d'un acte juridique, pris à la suite d'un vote du conseil de l’établissement.

A l’instar de la nouvelle architecture du budget de l’Etat, la loi organique


relative aux communes précise que le budget doit être présenté sous la forme
de programmes et projets ou actions870. Le programme constitue un ensemble
de projets ou d’actions. Cette nouvelle nomenclature budgétaire permet de
renforcer l’autonomie financière des ECI à l’instar de celle des communes en
optimisant leurs ressources financières et les orienter vers les axes appropriés
à leurs dépenses.

Théoriquement, l’exigence de ressources financières et l’élaboration d’un


budget autonome constituent les piliers d’une autonomie financière telle
qu’elle a été affirmée par le législateur, pour permettre aux ECI de jouer
pleinement leur rôle dans la sphère de la gestion des services publics locaux.
Reste à savoir si en pratique ces deux conditions suffisent pour garantir cette
autonomie.

II- Les limites pratiques de l’autonomie financière des ECI

En pratique, on constate que les ECI dépendent financièrement d’autres


intervenants dans le cadre de l’exercice de leurs missions. Cette dépendance
limite le principe de l’autonomie financière, puisque le fonctionnement et la
gestion des ECI restent toujours tributaires de la participation financière des

870 Article 157, ibid.

P 668 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

communes membres et de celle de l’Etat dans le cadre des programmes


nationaux, en plus de l’absence du pouvoir fiscal local des ECI.

1- La dépendance financière des ECI envers les Communes

La loi organique relative aux communes précise que les communes membres
d’un ECI doivent verser à ce dernier leurs participations financières relatives
aux missions qui lui sont confiées. Ces contributions couvrent à peine les
dépenses de fonctionnement en l’absence d’une convention de financement à
part entière qui fixe ces contributions de façon précise en corrélation avec les
missions transférées.

Par ailleurs, une des limites de l’autonomie financière des ECI, c’est l’absence
de l’autonomie même des communes membres. En effet, plusieurs communes
souffrent du manque de cette autonomie qui est due principalement à des
considérations politiques, financières et humaines.

a- Les considérations politiques:

Le découpage communal est parmi les grands problèmes qui limite


l’autonomie financière des communes, puisqu’il est basé généralement sur des
critères purement politiques, qu’ils soient tribaux ou ethniques, sans faire
référence à des critères économiques et de développement871. En effet, le
nombre des communes a beaucoup augmenté, de 801 communes en 1959 pour
arriver à 1.503 en 2011.

871 BOUJROUF Said, GIRAUT Frédéric, « Des territoires qui s’ignorent ? Dichotomie entre territoires administratifs
et espaces de mobilisation au Maroc », Montagnes Méditerranéennes n° 12, 2000, p.64.

P 661 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Par conséquent, les ressources locales se dispersent. Les dépenses locales se


focalisent dans une grande partie sur l’aspect fonctionnement, ce qui limite le
financement des projets et investissements des ECI.

b- Les considérations financières:

Dans la plupart des cas, les communes ne disposent que d’un budget de
fonctionnement, les espoirs d’investissements publics étant par là-mêmes
réduits à néant872. A la fin du mois de mai 2020, même si les recettes des
communes ont été de 10,568 MMDH et représentent 70,6% des recettes
globales des collectivités territoriales873, les dépenses de fonctionnement des
communes constituent 85,7% du total des dépenses, contre 14,3% réservées
aux dépenses d’investissements.

Cette situation est due à ce que l’essentiel des impôts générés par les
différentes activités économiques sont des impôts au niveau national qui
alimentent d’abord le budget de l’Etat et dont une partie est redistribuée aux
communes. Cette partie est constituée essentiellement par le versement de la
quote-part d’impôt d’Etat correspondant à 30% de la taxe sur la valeur
ajoutée874.

c- Les considérations humaines:

872 GOEHRS Manuel, « L’expérience communale au Maroc - De la Jemaa à la libre administration », Heinrich Böll
Stiftung - Afrique du Nord - Rabat, juillet 2015, p.49.
873 « Bulletin mensuel de statistiques des finances locales », Trésorerie Générale du Royaume, Mai 2020, p.6.
874 La loi n° 30-85 relative à la taxe sur la valeur ajoutée promulguée par le Dahir n° 1-85-347 du 7 rebia II 1406 (20
décembre 1985) prévoit dans son article 65 que : « Le produit de la taxe est pris en recette, au budget général de l'Etat
et, dans une proportion ne pouvant être inférieure à 30% et qui sera fixée par les lois de finances, aux budgets des
collectivités locales après déduction, sur le produit de la taxe perçue à l'intérieur, des remboursements et des
restitutions prévus par la présente loi ».

P 662 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Un ensemble d’agents relevant des communes en charge de la gestion


financière ne disposent pas systématiquement des qualifications requises, ni
d’une réelle maîtrise du cycle budgétaire de l’administration publique locale.
En complément de la publication du décret relatif à la comptabilité publique
des communes et des établissements de coopération intercommunale875, il
serait opportun d’engager une campagne de formation volontariste de ces
agents aux dispositions du décret susmentionné. Aussi, le recrutement et la
motivation des profils et de cadres nécessaires seront essentielles à la bonne
gestion des services en charge du recouvrement des créances.

2- L’absence du pouvoir fiscal local des ECI:

Le pouvoir fiscal constitue le socle de l’autonomie financière. Par pouvoir


fiscal local des ECI, il faut entendre la compétence qu’ont les ECI dans la
maîtrise du processus des impôts locaux (création, modification et
suppression, détermination de l’assiette, vote du montant et des taux d’
imposition, détermination des modalités de recouvrement), un ensemble de
matières qui relèvent du législateur conformément aux lois et règlements et
vigueur876.

Cependant, l’absence de ce pouvoir fiscal limite les ressources financières des


ECI surtout pour les services publics locaux qui génèrent des recettes fiscales.
La loi sur la fiscalité locale877 ne prévoit pas d’impôts ou de taxes pour les

875Décret n° 2-17-451 du 4 rabia I 1439 (23 novembre 2017) portant règlement de la comptabilité publique des
communes et des établissements de coopération intercommunale.
876 NGONO TSIMI Landry, op. cit., p.192.
877 Loi n° 47-06 relative à la fiscalité des collectivités locales, op.cit.

P 663 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

groupements créés par les collectivités territoriales en général et les ECI en


particulier.

En analysant l’expérience française en la matière, on constate qu’il existe des


établissements similaires aux ECI dénommés les établissements publics de
coopération intercommunale à fiscalité propre878. Ces EPCI sont des
établissements publics locaux qui disposent de recettes fiscales directes. Ils ont
ainsi le droit de prélever l'impôt (c’est le cas par exemple de la taxe
professionnelle unique879).

Une autre expérience peut être avancée dans ce contexte d’autonomie fiscale,
c’est le cas de l'Espagne où l’Etat ne peut rien percevoir sur les territoires des
communautés autonomes « de régime foral »880. En contrepartie, ces
communautés autonomes lui versent une contribution (dite « cupo »881), afin
de participer au financement des activités d’ordre régalien (diplomatie,
défense)882.

S’agissant du contexte marocain, il est devenu indispensable de prévoir des


recettes fiscales pour les ECI. Lors de la création de ces recettes, il faut veiller à

878 Article L.5210-1-1 du Code général des collectivités territoriales de la France.


879 Il existe en France, depuis la loi du 12 juillet 1999, la taxe professionnelle unique (TPU). Cette TPU existe
obligatoirement pour les communautés d’agglomérations et sur option pour les communautés de communes. Elle se
substitue à la TP des communes membres des EPCI,
https://fr.wikipedia.org/wiki/Taxe_professionnelle#Taxe_professionnelle_unique _.28TPU.29, dernière consultation
le 01/10/2020.
880Le régime foral désigne en Espagne l'ensemble des institutions et ordres juridiques propres de l'ancien royaume de
Navarre et des territoires historiques basques de l'Alava, de Biscaye et du Guipuscoa. La première forme actuellement
la Communauté forale de Navarre tandis que les seconds constituent le Pays basque.
https://fr.wikipedia.org/wiki/Régime_foral, dernière consultation le 01/10/2020.
881 Le « cupo » correspond aux contributions du Pays basque aux dépenses supportées par l'Etat (dépenses liées
principalement aux affaires ́étrangères et à la disposition ». source : Études économiques de l'OCDE : Espagne, 2000,
p.145
882OUHAJJOU Abdesselam, « Finances Locales », Support de cours du Semestre V/ Droit Public, Faculté des
Sciences Juridiques, Economiques et Sociales- Fès, Année universitaire : 2017-2018, p.7.

P 664 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

une articulation parfaite entre le système fiscal de l’Etat et celui des ECI, de
manière à éviter les externalités négatives liées à la sur-taxation du
contribuable et à l’aggravation en conséquence de la pression fiscale883.

Théoriquement, la loi organique relative aux communes a doté les ECI de tous
les moyens et ressources nécessaires pour mener leurs missions dans de
bonnes conditions. En outre, ils dépendent toujours des communes membres
vu qu’ils ne disposent pas réellement d’une autonomie financière malgré que
l’article 133 de la loi organique relative aux communes énonce de manière
expresse ce principe.

Aussi, les ECI dépendent des subventions de l’Etat pour financer la plupart de
leurs projets, puisque les communes membres elles-mêmes n’ont pas les
moyens pour financer ces projets, même dans le cadre de mutualisation de
leurs moyens. Dans la plupart des cas, ces communes essayent de financer
seulement la partie fonctionnement de l’ECI pour garantir au moins sa
pérennité administrative.

Conclusion:

En guise de conclusion, on constate clairement que le législateur a doté


l’établissement de coopération intercommunale de la personnalité morale et
de l’autonomie pour lui permettre de mener à bien son rôle dans la sphère de

883 « La pression fiscale définit l'importance relative d'un impôt ou d'un groupe d'impôts (ou des prélèvements
obligatoires, telles les cotisations d'assurances sociales sur les salaires) dans l'économie nationale », RADOUI
Marouan, « La pression fiscale: quels impacts sur les entreprises marocaines? Cas des entreprises de la région de
Souss-Massa-Drâa au Maroc », Faculté des sciences juridiques économiques et sociales d'Agadir, Licence 2008, p.37.

P 665 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

gestion des services publics locaux. Néanmoins, le cadre juridique régissant ces
établissements reste insuffisant et ne couvre pas l’aspect managérial.

L’objectif étant à ce que ces établissements n’héritent pas des communes


membres les mêmes modes d’organisation et de fonctionnement sans essayer
de moderniser leur gestion à cause du défaut des ressources humaines et
financières.

Dans cette optique, il faut réfléchir au-delà des aspects purement juridiques à
ceux relatifs aux aspects managériaux pour ériger les ECI d’un simple service
sous la tutelle des communes membres à des vrais établissements autonomes
dotés d’une réelle autonomie administrative et financière.

L’adoption des techniques du management public local884 constituera un plus


pour les ECI pour améliorer la qualité des services publics locaux d’une part, et
d’autre part, pour encourager les communes à créer ce genre de groupement
comme mode de gestion incontournable face aux exigences de plus en plus
pressantes des différents usagers de ces services.

Le renforcement de l’autonomie financière des ECI constituera un atout pour


que ces établissements réussissent dans leur rôle de développement
économique, social et local.

La refonte du cadre juridique régissant les ECI devra être repensée dans la
mesure où une adoption d’un cadre juridique clair et précis885 devrait,

884
HURON David & SPINDLER Jacques, « le management public local », Collection : Politiques locales, éditions
LGDJ - avril 2000, p.4.
885
AL HADERI Monsif, op. cit., p.328.

P 666 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

nécessairement, émaner des points forts et des limites observées dans la


pratique à travers les ECI déjà créés, ainsi que les expériences réussies dans
d’autres pays similaires, notamment la France.

Dans le cadre de cette refonte, le renforcement de l’autonomie financière des


ECI est une chose primordiale pour arriver à l’indépendance recherchée, ce qui
constituera une étape essentielle dans la transformation des ECI en un
véritable acteur de développement local voire national.

P 667 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

:‫الئحة املراجع‬

ZAIR Tarik, « Les solidarités territoriales : à propos du principe et de ses


applications », in REMALD n°119, novembre - décembre 2014.

AL HADERI Monsif, « Les partenariats public-privé des collectivités


territoriales : cadre juridique et réalités pratiques », Thèse de Doctorat en droit
public, Faculté des Sciences Juridiques, Economiques et Sociales de Fès, Maroc,
2015.

NGONO TSIMI Landry, « L’autonomie administrative et financière des


collectivités territoriales décentralisées : l’exemple du Cameroun », Thèse de
Doctorat en droit public, Université Paris-Est Créteil Val-De-Marne, France,
septembre 2010.

BOUJROUF Said, GIRAUT Frédéric, « Des territoires qui s’ignorent ?


Dichotomie entre territoires administratifs et espaces de mobilisation au
Maroc », Montagnes Méditerranéennes n° 12, 2000.

P 660 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

é é
é
Le droit de la preuve à l’épreuve du Blockchain : « Une occasion a
double intérêt juridique, la création d’un droit de la preuve
indépendant et une reconnaissance de la technique. »
Blockchain proof law: "An opportunity has a dual legal interest, the creation of an independent
proof law and recognition of the technique
Propos introductifs :
1.-De la défiance à la confiance, c’est en ces termes que les rapports

entre le Blockchain et le droit peuvent se résumer. Car l’on peut soutenir sans

conteste que la domestication d’une technologie réfractaire au système est en

marche. En effet, cette technique supposée intransgressible est désormais

intégrée dans les usages numériques886, le ver est dans le fruit, on peut donc

affirmer que: « L’ancrage progressif de la Blockchain dans la sphère socio-

économique n’est pas sans soulever de nombreuses questions juridiques alors

886
. M. Mekki, Les mysteres de la blockchain, D. 2017. 2160.

P 661 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

que le droit semble parfois hermétique à cette technologie887. ». Parce que cette

technologie tentaculaire immisce et s’impose dans les différentes branches de

droit888sur la base des qualités indéniables qui lui sont reconnues.

A travers ce processus c’est toutes les branches du droit dans lesquelles

cette technologie est utilisée qui sont affectées par d’éventuelles

transformations juridiques, qui tantôt sont des modifications de surface ou une

attaque à la racine de la discipline juridique.

2.-Pour pouvoir l’abordée de façon superficielle et en résumé l’enjeu et

l’essence, avant de poser les jalons qui la définissent, l’on peut valablement

soutenir que cette technologie889 : « La blockchain ou chaine de blocs est une

technologie numérique qui permet « aux membres d’un réseau de valider par

887
. Blockchain et preuve, Revue Lamy Droit de l’immatériel, n° 180, 1er avril 2021, p 2.
888
. Rapport du groupe de travail présidé par J. Toledano, Les enjeux du Blockchain, France stratégie, juin
2018. Rapport : Les verrous technologiques des blockchains, BCom de la DGE, avril 2021. Blockchain
and the Général Data Protection Regulation, Can distributed ledgers be squared with European data
protection law ? Study Panel for the Future of Science and Technology EPRS, European Parliamentary
Research Service scientific Foresight Unit (STOA) PE 634 445, July 2019. The Policy Environment for
Blockchain Innovation and Adoption 2019, OECD Global Blockchain Policy Forum Report, OECD
Blockchain Policy series, 2019. Vincent Lachene, Livre Blanc sur la Technologie Blockchain, Définitions
et incidences du Blockchain sur la société et le secteur financier, 2018
889
. Par V. Faure-Muntian et M. C De Ganay, R Le Gleut, Rapport au nom de l’Office parlementaire
d’évaluation des choix scientifiques et technologiques sur les enjeux technologiques des Blockchains
(chaines de blocs), enregistré à la présidence de l’Assemblée nationale et à la présidence du Sénat le 20
juin 2018. L. De La Raudière et M. J. M Mis, Rapport d’information sur les chaines de blocs
(blockchains), enregistré à la présidence de l’assemblée nationale, le 12 décembre 2018. Sur la question
du Blockchain et des données personnelles : Rapport : Premiers éléments d’analyse de la CNIL
BLOCKCHAIN, septembre 2018.

P 678 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

consensus des échanges et des transactions […] sans faire intervenir d’organe

central ». C’est une technologie de stockage et de transmission d’informations,

transparente, sécurisée, et fonctionnant sans organe central de contrôle

(Blockchain France ; Direction générale du Trésor, consultation sur le projet de

réformes législative et règlementaire relatif à la Blockchain, 24 mars 2017)890. ».

Il s’agit pour faire court d’ « un dispositif d’enregistrement électronique

partagé891 ». De façon imagée : « Elle est souvent présentée comme un grand

livre comptable sur lequel toutes les transactions sont inscrites et qui peut être

consulté par tous. Comme dit précédemment, tous les utilisateurs peuvent

modifier ce « grand livre comptable », étant entendu que la modification

consiste uniquement en l’ajout de transactions. Il est effectivement impossible

de supprimer ce qui a été inscrit dans la blockchain. Il est également impossible

de modifier les transactions inscrites. C’est ce caractère infalsifiable qui fait le

succès de la blockchain, utilisée principalement pour effectuer des

transactions sécurisées892. ». C’est affublée de l’ensemble des vertus de la

modernité et de la technologie, que la Blockchain et son caractère

890
. A. Lecourt, Répertoire IP/IT et Communication, novembre 2020, p 3.
891
. Définition en provenance de L. 223-12 du code monétaire et financier introduit par l’ordonnance n° 2016-520 du
28 avril 2016 relative aux bons de caisse en droit français.
892
. A. Lecourt, Répertoire IP/IT et Communication, novembre 2020, p 3.

P 671 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

révolutionnaire font l’unanimité et l’engouement autour de la notion se

justifie par les caractéristiques intrinsèques de la notion.

3.-Parait de la « magnificence » que l’on peut légitimement attendre en

matière de sécurité juridique d’une technologie relativement nouvelle, un

certain nombre de questionnements se dessinent. Quels en est l’utilité ou les

avantages de ce procédé sur un plan concret ? Cette technologie qui fait l’objet

d’un large consensus quant à sa fiabilité : quelles sont les raisons de cette

singularité ? Et pour finir, il est largement soutenu que la technologie est

disruptive sur quels fondements repose cette caractéristique ?

4.-Les raisons pour lesquelles cette technologie est unique et

disruptive peuvent être présentées comme suit : les racines de la disruptivité893

de la technologie Blockchain894 tiennent pour l’essentiel dans la particularité

principale du Blockchain , qui, par opposition aux innovations dites de

continuité, cette dernière, à vocation à faire disparaitre une technologie

893
. Passionnés par les avancées technologiques la plupart des auteurs qui se penchent sur la notion de
Blockchain souligne le caractère de rupture et de bouleversement de cette technologie et de ses
implications sur le droit, reste à mesure gardé, car cette technologie peut agir comme un simple renfort du
droit et ne saurait en bouleverser les fondements pour une protection bradée sur l’autel du progrès.
894 Dossier : La Blockchain : de la technologie à la technique juridique, Dalloz IP/IT 2019.414. ( M.
.
Mekki, Blockchains : entre mystères et fantasmes ; N. Laurent-Bonne, La re-féodalisation du droit par le
Blockchain ; A. Bensoussan, Blockchain : de la technologie des algorithmes à la technique juridique ;
W.O’Rorke, L’émergence d’un droit de la Blockchain ; J-M Mis, Les technologies de rupture à l’aune du
droit ; E.A Caprioli, Mythes et légendes de la blockchain face à la pratique ; V. Gautrais, Les septs péchés
de la blockchain : éloge du doute !.

P 672 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

dominante sur le marché895. Pour une compréhension plénière de la question

de la technique du Blockchain il convient d’en souligner les attributs ou atouts

afin de comprendre les enjeux et les répercussions juridiques de la technique.

5.-Les deux grands axes qui façonnent le fonctionnement du

Blockchain sont : la confiance et la validation, d’une part, et, les


caractéristiques propres à cette base de données, d’autre part. La confiance

dans une communauté d’inconnus par le consensus et la validation est la

première caractéristique singulière, l’essentiel de l’avancée réalisée par le

Blockchain peut se résumer dans la résolution par la technique de la confiance


dans une communauté d’inconnus par un mécanisme technique qui peut être

résumé dans les termes suivants : « Pour résoudre ce problème, les blockchains

sont conçues pour que, lorsque tous les participants honnêtes dépensent une
quantité d’énergie raisonnable, un participant malveillant doive dépenser une
quantité d’énergie déraisonnable. Et comme ce coût augmente avec la taille de
la communauté, le système assure que l’investissement nécessaire à une
malveillance reste toujours inférieur au gain espéré. Devoir investir plusieurs

895
. J.Bower et C. Christensen sont considérés comme les fondateurs de la théorie de l’innovation de
rupture ( « disruptive innovation ») à la suite de la publication de leur article, Disruptive Technologies :
Catching the Wave, Harv. Bus. Rev, Janvier –Février 1995 . 43.

P 673 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

millions d’euros en matériel puis en facture d’électricité sans garantie de


réussite est un moyen de dissuasion fort. Ainsi, les blockchains remplacent la
confiance envers un tiers identifié, en une confiance envers tout un système
composé d’inconnus auxquels on ne fait pas confiance individuellement. Elles
convertissent en réalité de très grandes quantités d’énergie en confiance
partagée896. ».

Le consensus quant à lui provient du fait que les acteurs en présence se

mettent d’accord sur ce qu’ils considèrent comme une vérité, cette vérité

acceptée de tous, devient la norme dans le système. Une fois que cette

information jusque-là extérieure au système devient une partie du système on

parle de validation. Pour ce faire, deux outils concourent au caractère

infalsifiable, la cryptographie asymétrique et la validation par bloc.

Le Blockchain est une base de données en peer to peer , en effet,

l’originalité est l’apport en confiance897 et en sécurité de cette technique qui

provient du caractère novateur de la base de données qu’il constitue, il s’agit

ici, d’une différence notoire par rapport à la base de données classique qui est

896
. J. Gossa, Les blockchains et smart contracts pour les juristes, Dalloz IP/IT 2018 p 393.
897
. S. Dorol, Blockchain et métiers du droit : la fin des tiers de confiance ? V. Streiff, Blockchain et
authenticicté : pour copie non certifiée conforme ; S. Boyer, Tiers et technologie au servie d’une confiance
renouvelée.

P 674 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

localisée dans un seul endroit sous la responsabilité d’un tiers de confiance.

Rappelons que ce système est faible à deux égard, la compromission de la

machine conduit à l’effondrement du système et une personne unique

contrôle le système, l’approche est donc inique à deux niveaux.

La force du Blockchain est la répartition sur plusieurs machines de

manière à ne pas faire peser le fonctionnement sur une seule machine, les

écueils relatifs à une machine unique sont contournés. De facto, cette

technique se passe de tiers de confiance et repose sur les pairs.

6.- Le substrat de cette notion exposé, ces relations avec d’autres

notions centrales doivent être relayées. Le Blockchain prend une autre

coloration autre quand des Smart contracts lui sont adossés. Par ailleurs, une

prise en charge complète du Blockhain par le droit suppose de faire rentrer

dans le giron de la science juridique un certain nombre de notion : comme

l’empreinte ou l’horodatage ce qui a été réalisé par la loi n°43-20.

La combinaison Blockchain et Smart contract898 est aussi une des sources

de tous les fantasmes relatifs à la notion, ainsi : « Les blockchains sont perçues

898
. Dossier : Smart contract, Approche de droit comparé, Dalloz IP/IT 2019. 10 : R.M Ballardini et O .
Pitkanen, Balancing Exclusive Rights and Acces to Technologies : Blockchain et intellectual Property
Rights ; F. Gillioz, Du contrat intelligent au contrat juridique intelligent ; E . Marique, Les smart contracts

P 675 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

comme des technologies prometteuses pour l’avenir, voir révolutionnaires,


notamment lorsqu’elles s’additionnent aux smart contracts. On en vient alors
à imaginer un monde débarrassé de contentieux et de paperasse, où les
échanges se font au rythme des activités humaines sans plus ralentir la
machine économique899. ». C’est donc, parallèlement au Blockchain que se
développent les Smart contracts900 ou contrat auto-exécutants, types de

contrats qui s’exécutent eux-mêmes lorsque les conditions exigées sont

réunies. Concernant l’imbrication des deux notions901 : « La blockchain n’a donc

fait qu’inscrire le contenu de la transaction sur son grand « livre comptable »,


mais n’a mise en œuvre la transaction de manière effective. C’est à ce moment
que le smart contract intervient. Un smart contract est un programme composé
d’algorithmes reposant sur le principe « if…, Then … ». Il consiste à appliquer un
résultat (then) lorsqu’il constate que les éléments nécessaires à cette

en Belgique : une destruction utopique du besoin de confiance ; M. Mekki , Le smart contract, objet du
droit (Partie 2) ; A. Favreau, Présentation du projet de recherche sur les smart contracts.
899
. J. Gossa, Les blockchains et smart contracts pour les juristes, Dalloz IP/IT 2018 p 393.
900 Sur le blockchain et les smart contracts en particulier voir Dossier : Blockchain et métiers du droit :
.
une force vive ou subersive ?, Dalloz IP/IT 2020.86, M. Mekki, Blockchain et métiers du droit en
questions, S. Dorol, Blockhain et métiers du droit : la fin des tiers de confiance ?, G. Guerlin,
Considérations sur les smart contracts, Dalloz IP/IT 2017. 512.
901
. Dossier : Les smart contract sur la Blockchain, Dalloz IP/IT 2018. 392 : J. Gossa, Les blockchains et
smart contracts pour les juristes ; J.C Roda, Smart contracts, dumb contracts ?; D. Schafer, Smart social
contacts ? Jurisprudential reflections in blockchain enabled e-voting ; M. Mekki, Le contrat, objet des
smart contracts (Partie 1), F. Chafiol et A. Barbet-Massin, La blockchain à l’heure de l’entrée en
application du règlement général de la protection des données, Dalloz IP/IT 2017.637 ; Y . Cohen-Hadria,
Blockchain : révolution ou évolution ?, Dalloz IP/IT 2016.537 ; G. Guerlin, Considérations sur les smart
contracts, Dalloz IP/IT 2017. 512 ; C. Zolynski, La blockchain : la fin de l’ubérisation, Dalloz IP/IT 2017.
385.

P 676 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

application sont réunis (if). Il est un exécutant automatique : dès lors qu’il
constate qu’une transaction a bien été validée par le blockchain (if), il va
l’exécuter (then)902. ». Ces contrats sont divers et nous les expérimentons déjà,
lorsque nous réalisons un achat en ligne. L’exécution est donc dévolue aux

machines sous la responsabilité de leur propriétaire903. Cette exécution n’est

pas sans soulever des questions dans des matières sensibles comme le droit de

la protection du consommateur ou le droit du surendettement qui par essence

et malgré la survenance de certains faits organisent la protection d’une partie

présumée faible.

La question du l’empreinte Blockchain et de se reconnaissance juridique

est aussi centrale, ainsi, la nature des enregistrements varie en fonction des

spécificités des Blockchains, cela peut être une information ou l’empreinte de

documents électroniques, qui présentée grossièrement est un résumé du

document après application d’une fonction de hachage. Ce processus de

hachage : « est à sens unique : il n’est pas possible de reconstituer le document

original à partir de son empreinte. Toutefois, un document donné aboutira

902
. A. Lecourt, Répertoire IP/IT et Communication, novembre 2020, p 22.
903
. Blockchains et smart contracts : des technologies de la confiance, Réalités Industrielles, Annales des
Mines, aout 2017.

P 677 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

toujours à la même empreinte904. ». Cette empreinte n’est pas lisible en soi


.C’est l’intégrité qui est assurée ici par le Blockchain. Pour avoir la même force

probante que l’écrit électronique, il faut que l’empreinte soit imputable à une

personne, or, les clés sont issues d’un logiciel sans l’intervention d’un tiers de

confiance et sans vérification de l’identité du créateur. Par ailleurs, c’est

l’intelligibilité de « la preuve empreinte » qui reste problématique.

La question de l’horodatage aussi est à étudier juridiquement, la fiabilité

est en jeu, en effet, le système permet de définir une opération dans le temps,

à chaque validation de bloc, ce sont les blocs qui sont validés pas les

transactions. Il reste cependant nécessaire de qualifier juridiquement

l’horodatage afin de lui accorder une présomption de fiabilité ceci est

désormais chose faite avec la distinction horodatage simple ou qualifiée de la

loi n°43-20. Reste à souligner qu’un bloc peut tout simplement être rejeté à la

validation par les mineurs conduisant à l’absence de preuve dans le temps.

7.-Les points de jonction entre la preuve et le Blockchain est l’enjeu

principal de notre étude. La preuve est une notion cardinale du droit car elle

permet d’établir un droit ou un fait, ou plus précisément la vérité sur ce fait ou

904
. T. Douville, Blockchains et preuve, Recueil Dalloz 2018 p 2193.

P 670 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

droit. Lorsque les modes de preuves sont déterminés par la loi, on parle de

preuve légale, dans d’autres cas de figure, la preuve est libre. Aborder la

question de la preuve suppose la réponse aux questionnements suivants : la

question de l’objet de la preuve sur quoi porte-t-elle ? Que doit-on prouver ? A

qui revient la charge de preuve ? Quels sont les modes de preuve admise ? C’est

ce tryptique qui gouverne le droit de la preuve et en souligne le rôle essentiel.

Ainsi, on peut valablement soutenir que le droit de la preuve est la pierre

d’achoppement du système juridique et judiciaire, parallèlement : « la

blockchain est présentée par ses promoteurs comme un mode de preuve


parfait, car reposant sur une technologie inaltérable, un mode de preuve simple
et peu onéreux, car supprimant tous les intermédiaires institutionnels ou
professionnels et un mode de preuve universel, car reposant sur une
technologie numérique affranchie des droits étatiques905. ». Cependant il faut
garder intact les réflexes du juriste en ce qui concerne la technique : « Est de

soumettre ces qualités probatoires hypothétiques à la critique juridique906 »,


avant de consentir à un mariage entre deux âmes sœurs.

905
. G. Canivet, Présentation de la table ronde « Preuve et Blockchain », Dalloz IP/IT 2019, p 73.
906
. G. Canivet, Présentation de la table ronde « Preuve et Blockchain », Dalloz IP/IT 2019, p 73.

P 671 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

En effet, tout l’enjeu se concentre autour de l’assimilation ou non du

Blockchain au mode de preuve par écrit. La question est centrale au regard de


l’adage « pas de preuve, pas de droit ». Alors quelles sont les grandes lignes du

droit de la preuve auxquelles le Blockchain doit répondre pour une éventuelle

admissibilité ?

« Il apparait que si la règle de droit en matière de preuve reste

suffisamment souple pour admettre qu’une preuve par blockchain soit


produite en justice, elle doit se mouler dans un mode reconnu par le droit. Il est
impossible de considère que le blockchain soit un mode de preuve autonome,
recevable en l’absence de disposition légale particulière907. », car l’objectif
juridique est double ici, assurer la compatibilité du droit de la preuve au

Blockchain et tracer les contours des conditions d’admissibilité de cette preuve


en justice.

S’ensuit le questionnement suivant : dans quelle mesure, la philosophie

du droit actuel de la preuve peut-il recevoir le Blockchain ? Quelles dispositions

907
. V. Magnier, Enjeux de la blockchain en matière de propriété intellectuelle et articulation avec les
principes généraux de la preuve, Dalloz IP/IT 2019 p 76.

P 608 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

sont concernées et dans quelle proportion doivent-elles être modifiées pour

une reconnaissance explicite de ce mode preuve ?

Dans un autre ordre d’idées, dans les textes nationaux il n’existe aucun

consensus ni règle générale sur le droit de la preuve. Les dispositions

proviennent de textes différents qui dessinent un droit fragmentaire en la

matière908. Alors, l’admission de la Blockchain comme mode de preuve en droit

interne est-elle une occasion à ne pas rater pour construire un droit de la

preuve solide et indépendant ? Voilà le cœur de notre réflexion.

De manière à poser les jalons d’un droit de la preuve consacré par une loi

dans laquelle le Blockchain serait reconnu explicitement, nous proposerons

une présentation du droit de la preuve commun et du Blockchain (I) puis nous

traiterons du droit spécial et du Blockchain (II).

§I : Le droit commun de la preuve et le Blockchain.

908
. Dans le domaine commercial, le code de Commerce pose le principe de la liberté de la preuve voir
article 334 du code de commerce.

P 601 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Un panorama de la preuve par disciple sera exposé ici, tout d’abord, les

règles de la preuve civile et pénale (A), puis, les règles de la preuve en droit de

la propriété intellectuelle (B).

A-Les règles de la preuve en droit civil et pénal.

Seront analysées ici les règles de preuve en matière civile (1) et en

matière pénale (2).

1-La preuve en matière civile.

8.-En matière civile909, c’est dans le DOC que les règles relatives à la

preuve sont exposées910, et cela, dès l’article 399911 qui concerne l’objet de la

preuve qui affirme que c’est à la partie qui se prévaut d’une obligation de

prouver ses prétentions. C’est donc la nature de la situation juridique qui

conditionne les règles applicables. La charge de la preuve en matière civile

revient au demandeur, on dit que la procédure est accusatoire. Si la preuve de

909
. En droit civil l’action en justice porte sur des actes ou des faits juridiques dont les modes de preuve
sont prévus à l’avance. En guise de propos préliminaires, certains éléments juridiques méritent d’être
fixés : la preuve peut porter sur un fait juridique, définit comme un évènement qui produit des effets
juridiques, ou, un acte juridique qui est une manifestation de volonté visant à produire des effets de droit.
Quant à sa physionomie, la preuve se scinde ,aussi, en deux grands ensembles, la preuve parfaite, qui
résulte d’écrit, il s’agit de la preuve littérale, comme un acte authentique ou acte sous seing privé. La
preuve imparfaite comme un serment supplétoire. Voici par le menu les grandes distinctions en domaine
de preuve.
910
. Plus précisément au Titre Septième : De la preuve des obligations et de celle de la libération.
911
. « La preuve de l’obligation doit être faite par celui qui s’en prévaut ».

P 602 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

sa prétention n’est pas apportée, le plaignant perd son procès conformément

aux dispositions du DOC et plus précisément l’article 400912.

Une fois l’obligation prouvée, la partie adverse peut elle aussi prouver

qu’elle est libérée de cette obligation, la charge de la preuve est alternative et

suit le fil d’éléments nouveaux introduits qui doivent être prouvés. Pour finir,

la preuve d’une obligation ne peut être faite dans deux cas : lorsqu’elle

conclurait à l’existence d’une obligation illicite à laquelle la loi ne prévoit

aucune action et lorsque la preuve tend à mettre en exergue des éléments non

concluants, comme le stipule l’article 403 DOC913.

Les moyens ou mode preuve reconnus dans le DOC à l’article 404914 sont

au nombre de cinq et se distinguent en deux groupes : les preuves parfaites et

celles imparfaites. La preuve est parfaite dans le cas où elle résulte

d’écrit, ainsi, la preuve est qualifiée de littérale, les règles la concernant sont

912
. « Lorsque le demandeur a prouvé l’existence de l’obligation, celui qui affirme qu’elle est éteinte ou
qu’elle ne lui est pas opposable doit le prouver. ».
913
. « La preuve de l’obligation ne peut être faite :
1. Lorsqu’elle tendrait à établir l’existence d’une obligation illicite ou pour laquelle la loi n’accorde
aucune action ;
2. Lorsqu’elle tendrait à établir des faits non concluants. ».
914
. « Les moyens de preuve reconnus par la loi sont:
1. L’aveu de la partie.
2. L’écrit littéral
3. La preuve testimoniale
4. La présomption
5. Le serment ou le refus de prêter serment. ».

P 603 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

exposées à l’article 416 et 417915 du DOC , il y a tout d’abord, l’acte authentique,

défini à l’article 418 du DOC, qui est dressé avec les formalités requises par les

officiers publics compétents pour l’acte en question double compétence

territoriale et matérielle. Mais aussi les actes reçus par les juges. L’article 419

du DOC affirme que l’acte authentique fait foi, même à l’égard des tiers sauf en

cas d’inscription de faux.

Puis l’acte sous seing privé, dont les contours sont dressés par l’article 424

du DOC, comme un acte résultant de particulier dont la signature est

obligatoire. Leur date faisant foi comme l’affirme l’article 425 DOC. D’autres

écrits existent comme les livres comptables, copies, télégrammes, livres des

parties, bordereaux etc, qui sont mentionnés à l’article 417 du DOC. Mais aussi

des copies de titres originaux authentiques, l’article 440 du DOC affirme que

même sous forme électronique sont admises comme mode de preuve.

Ces développements ne semblent faire aucun obstacle à la prise en

charge du Blockchain comme mode de preuve, reste donc à exiger une

915
. Les dispositions de l’article 417 ont été modifiées en vertu de l’article 5 de la loi n° 53-05 relative à
l’échange électronique de données juridiques : BO n° 5584 du 25 kaada 1428 (6 décembre 20017) p 1357.
Cet ajustement juridique permet de reconnaitre à l’écrit électronique la même force probante que l’écrit
papier sous certaines conditions.

P 604 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

reconnaissance explicite de ce mode preuve dans les textes exposés supra pour

des raisons de forme.

Quant aux preuves imparfaites, elles sont de quatre ordres : l’aveu, la

preuve testimoniale, la présomption et le serment ou son refus. L’aveu peut

être judiciaire et extrajudiciaire, conformément aux dispositions de l’article

405916 du DOC, la première réalité recouvre le cas où une déclaration est faite

en justice en cours d’instance. L’aveu peut aussi résulter du silence comme

l’affirme l’article 406917 DOC devant le juge. S’il est libre et éclairé l’aveu fait foi,

en ce sens l’article 409918 du DOC, de plus, il ne produit pas des effets sur les

tiers que dans les conditions prévues par la loi, comme le recommande l’article

410919 du DOC.

L’aveu extrajudiciaire se réalise en dehors de la présence du juge comme

l’affirme l’article 407 du DOC, il peut être prouvé par témoins à chaque fois

qu’il est question d’une obligation à laquelle la loi n’exige pas d’écrit article

916
. « L’aveu est judicaire ou extrajudiciaire. L’aveu judiciaire est la déclaration que fait en justice la
partie ou son représentant, à ce spécialement autorisé. L’aveu fait devant un juge incompétent, ou émis
au cours d’une instance, a les effets de l’aveu judiciaire. »
917
. « L’aveu judiciaire peut résulter du silence de la partie, lorsque, formellement invitée par le juge à
s’expliquer sur la demande qui lui est opposée, elle persiste à ne pas répondre, et ne demande pas de délai
pour se faire. »
918
. « L’aveu doit être libre et éclairé, les causes qui vicient le consentement vicient l’aveu. ».
919
. « L’aveu judiciaire fait pleine foi contre son auteur et contre ses héritiers et ayants cause ; il n’a pas
d’effet contre les tiers que dans les cas exprimés par la loi. »

P 605 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

413920 du DOC. L’article 414 du DOC traite des situations de division de l’aveu,

L’article 415 du DOC, quant à lui, pose les cas dans lesquels l’aveu ne peut faire

foi.

La preuve testimoniale est présentée aux articles 443 à 448 du DOC, ce

mode de preuve provient du témoignage une déclaration réalisée par une

personne ayant elle-même personnellement connaissance de fait. La

présomption, c’est l’indice au moyen duquel le juge établis l’existence de

certains faits. Il y a les présomptions légales, celles attachées par la loi à certains

actes ou faits et celles qui ne sont pas établies par la loi. Le serment et son

refus est une déclaration solennelle faite devant le juge, les règles le

concernant sont établies aux articles 460 du DOC qui organise un renvoi vers

les articles 85 et 88 du Code la Procédure Civile.

Les questions peuvent se retrouver autour de deux pôles, celle de son

admission comme mode de preuve comment cette technologie disruptive

s’intègre aux modes de preuves juridiques et de simples modifications de

façade peuvent conduire à cette reconnaissance explicite sur l’article 417 et

. « L’aveu extrajudiciaire ne peut être prouvé par témoins, toutes les fois qu’il s’agit d’une obligation
920

pour laquelle la loi exige un écrit. ».

P 606 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l’article 440 du DOC. Reste la question de son admission par le juge qui une

question plus aléatoire car peut varier au cas par cas.

2-La preuve en matière pénale.

9.-En droit pénal921, et en raison du fait que la preuve vise des faits

matériels psychologiques, la preuve est gouvernée par deux principes celui de

la liberté de preuve, exposée aux articles 288 du Code de procédure pénale et

le principe de l’intime conviction du juge. La liberté de preuve est soumise à des

limites, le premier est la loyauté dans la recherche de la preuve, autrement dit,

l’accusation doit respecter la liberté, la dignité de la personne, la vérité elle-

même. En définitive, le juge conserve toujours la liberté d’apprécie un aveu.

Le second niveau d’analyse est l’administration réglementée de la

preuve : la recherche et la présentation de la preuve doivent se conformer aux

prescriptions légales. Comme la formalité de rédaction d’un pv, de

perquisition, formalité d’audition. La liberté de preuve devient une exception

en cas d’adultère et de fornication ou seulement trois modes de preuve sont

921
. M. Amzazi, Essai sur le système pénal marocain, Centre Jacques-Berque, Maktabat el Maghreb, 2013
p 17.

P 607 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

admissibles : le constat en flagrance, un aveu intime de la victime, ou un aveu

judiciaire.

Donc l’admission du Blockchain en matière de preuve pénale est

assujettie aux deux principes celui de la loyauté922 dans la recherche de la

preuve et au respect des prescriptions légales de cette dernière. Et enfin, la

soumission de cette dernière à l’appréciation des juges en dernier ressort. La

preuve en matière pénale obéit donc à des règles différentes parce que : « la

preuve de l’infraction ne peut résulter d’un cadre légal préétabli. Le fait à


prouver est inconnu avant sa survenance outre que le délinquant prend soin de
le cacher923 ». Cela se justifie par le fait que dans ce domaine la preuve est
rarement spontanée mais la recherche de la preuve doit se voir cadrée

juridiquement.

Le Code de Procédure Pénale traite de la preuve aux articles 288 à 297. Le

principe essentiel de ses dispositions est la preuve en matière pénale est libre

922
. La Convention européenne des droits de l’homme dans son article 6§1 qui fonde un droit à un tribunal
impartial mettre à une exigence nouvelle en matière probatoire celle de la loyauté dans la production de
la preuve. Ainsi les preuves doivent être obtenues et produites de manière loyale en justice. Ce principe
de loyauté doit logiquement s’applique au Blockchain, technologie présumée infaillible, on note tout de
même, la disparition de Bitcoins en 2014. Alors que se passerait-il si un vol de données sur Blockchain
serait produit en justice ?
923
. M. Lharoual, Droit de la procédure pénale marocaine, loi n° 89-18, modifiant et complétant la loi n°
22-01 relative à la procédure pénale, Librairie Dar Assalam Rabat, 2020, p 117.

P 600 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

sauf dispositions légales. Cette disposition transcrite à l’article 288 est une

disposition qui accueille la preuve par Blockchain en matière pénale et sans

modification à condition que cette preuve fournie par Blockchain respecte le

principe de la loyauté dans la recherche et l’administration de la preuve.

Une parenthèse doit être ouverte ici, au sujet de la présomption

d’innocence, le Code de Procédure Pénale la proclame indirectement dans sa

présentation, en affirmant que : « Seule une procédure pénale qui présume

l’innocence des inculpés fixe des limites infranchissables aux arrestations et


détentions… ». En effet, dans la présentation du nouveau Code de Procédure
Pénale il est soutenu que le Code est inspiré par ce principe. Cette remarque

prend tout son sens au regard du fait que le principe de la présomption

d’innocence et la garantie des droits de la défense et leur consécration n’est pas

sans incidence sur la preuve. Le principe de la présomption d’innocence, est

déduit par la doctrine924 à l’article 288 du Code de Procédure Pénale par une

lecture extensive selon certains auteurs. Mais une proclamation directe est

préférable comme par exemple dans la rédaction de l’article 1er du code de

procédure pénale.

924
. M. Lharoual, Droit de la procédure pénale marocaine, loi n° 89-18, modifiant et complétant la loi n°
22-01 relative à la procédure pénale, Librairie Dar Assalam Rabat, 2020, p 118.

P 601 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

De ce principe découle deux conséquences : premièrement, la gestion de

la preuve n’incombe pas à l’inculpé. Il n’a pas à prouver son innocence et tant

qu’aucune décision de justice ne prouve sa culpabilité il demeure protégé par

la règle précitée garantissant son innocence présumée. Il appartient donc au

ministère public de prouver sa culpabilité.

Deuxièmement, les preuves rapportées doivent être convaincantes pour

le juge, en cas de doute, ce dernier bénéficie à l’inculpé qui est donc relaxé. Le

juge en vertu de son intime conviction peut accepter ou refuser le mode de

preuve qui lui est soumise. Le Code de la Procédure Pénale connait toute de

même des exceptions à cette règle, dans lesquelles la charge de la preuve est

renversée.

L’administration de la preuve par l’accusation, c’est-à-dire le ministère

public, doit établir l’existence des éléments constitutifs de l’infraction,

l’élément moral et matériel et prouver le lien de causalité les concernant.

L’élément légal ne nécessite pas de preuve car c’est un élément de droit connu.

Le parquet doit soumettre le texte de droit base de sa requête en justice. La

question de la qualification légale est une question centrale dans la poursuite.

Le juge est souverain pour l’appréciation des faits et il peut, le cas échéant,

P 618 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

opérer une requalification si celle-ci est inopérante. C’est par ce biais que le

nouveau Code de Procédure Pénale renforce les droits de la défense en

permettant cette requalification par le juge.

Par ailleurs, l’inculpé n’est pas tenu de prouver son innocence, il doit

cependant prouver la fausseté des allégations à son égard. Par une application

stricte de la loi, on pourrait soutenir que rien n’oblige l’inculpé de soumettre

des arguments à ses accusations il pourrait garder le silence et opposer le

principe de présomption d’innocence, cette attitude n’est pas productive car

elle ne permettrait pas au juge de se forger son intime conviction, car ce dernier

n’est pas lié par les preuves qui lui sont apportées.

Et enfin, la preuve ne peut être établie tant que subsiste un doute sur la

culpabilité, le Code de la Procédure Pénale ne traite pas de la question du

doute, la doctrine, elle, s’accorde sur le fait que le doute profite

indubitablement à l’accusé, il s’agit encore d’un instrument en faveur de

l’accusé qui n’est pas tenu de démontrer son innocence mais simplement de

créer le doute qui éluderait toute certitude afin d’empêcher le juge de former

son intime conviction de manière limpide. Ce doute peut porter sur les faits ou

sur le droit.

P 611 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Il appartient, cependant, à l’inculpé d’établir la réalité des moyens de

défense invoqué : l’enjeu ici est de savoir si la position de l’accusé doit être

passive en invoquant la présomption d’innocence et en écartant ainsi la charge

de la preuve à son égard. Ou doit-il invoquer des éléments de défense, comme

la prescription ou la grâce ? Sur ce point, en doctrine trois analyses s’opposent,

la première idée découle de la transposition en droit de la procédure pénale de

règles en vigueur dans le civil en imposant la défense qui invoque des faits à les

prouver, ce qui unifie les règles de preuve.

Le second courant de pensée soutient que la procédure pénale est une

branche autonome et que la preuve pénale revêt un caractère particulier en

raison de la présomption d’innocence qui fait barrage à une quelconque charge

de la preuve à l’égard du défenseur.

La troisième est une position médiane consistant à soutenir que le

ministère public ne peut prouver que rien ne s’oppose à l’action qu’il exerce. En

droit positif, la doctrine et la jurisprudence s’accorde pour faire peser sur la

défense la preuve des faits invoqués.

Quant au renversement de la charge de preuve. Dans certaines

infractions le ministère public se voit allège de la production de la charge de

P 612 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

la preuve, les éléments constitutifs des infractions sont présumés établis qui

réalise un renversement de la Charge de la preuve.

La question de la gestion de la preuve suppose d’autres éléments à

étudier comme : la personne chargée de l’administration de la preuve et les

moyens qui entourent la recherche de cette preuve. C’est ici que le Blockchain

peut jouer un rôle central s’il est encadré légalement et intégré aux modes de

preuves qui peuvent être soumis à l’intime conviction du juge. En droit

national, la doctrine se penche peu ou prou sur la question des moyens de la

preuve et le Code de Procédure Pénale traite peu des moyens de recherche de

la preuve. Ce qui est très regrettable est constituait un point noir de notre droit

interne qui prive le juge de se former l’intime conviction au regard de preuve

sérieuse. Par ailleurs, ces preuves peuvent être en opposition avec la

présomption d’innocence.

L’usage du Blockchain ne saurait faire l’économie de deux conditions

incontournables ici, l’apport d’une preuve devant le juge et assurer un degré de

fiabilité de la preuve intrinsèquement par une consécration direct par les

textes ce qui découlera sur les règles d’arbitrage de ce mode de preuve

confronté aux autres types de preuve en cas de confrontation. Si

P 613 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

l’administration de la preuve repose sur la vérité alors l’admission du

Blockchain comme mode de preuve est incontestable925.

B-La preuve Blockchain en droit de propriété intellectuelle.

C’est en droit de la propriété intellectuelle que la preuve Blockchain

s’impose avec le plus d’ardeur, nous nous intéresserons à la question des

relations entre la preuve Blockchain et la philosophie qui sous-tend le droit de

la propriété intellectuelle (1),puis, nous verrons les avantages de la preuve

Blockchain en droit des Brevets et dans la contrefaçon (2).

1-La preuve Blockchain en droit de la propriété intellectuelle.

10.-Le code de propriété intellectuelle926 apparait comme le texte qui

est le plus à même d’inviter en son sein la preuve Blockchain en raison de

l’importance de la titularité de l’œuvre dans ce droit, en effet, la preuve de la

création est souvent difficile à apporter, en l’espèce, le Blockchain pourrait être

un renfort sur ce point quant à la preuve de la création de l’œuvre . En ce sens :

« On comprend que dans ses divers domaines, la propriété intellectuelle est

925
. F. Terré, Introduction générale au droit, Dalloz, coll. « Précis », 2015, §613. V. le discours prononcé
par M.Bernard Louvel, in Colloque « La vérité …sans doute, Vérité scientifique, vérité judicaire », 2 oct
2015, Cour de cassation.
926
. M. Badil, La protection juridique de l’œuvre de l’esprit à l’ère du numérique au Maroc, Journal of
the Géopolitics and Géostrategic Intelligence, Vol 2, n ° 4, p 89-108.

P 614 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

particulièrement intéressée par cette nouvelle technologie qui,


théoriquement, sans intervention d’une autorité centrale ni réglementation
particulière, rend possible la création de titres de propriété intellectuelle
numériques infalsifiables, bénéficiant d’une protection absolue et susceptibles
d’être cédés de manière certaines927. ». Dans cette perspective le droit de la
propriété a besoin du Blockchain qui, dans ce contexte ainsi décrit, permettrait

à coup sûr d’établir la paternité d’une œuvre sur l’autel de la technologie sans

tiers et de façon intransgressible, répondant ainsi aux exigences de la matière.

En effet : « La Technologie Blockchain s’utilise donc avant même la

concrétisation d’un projet et permet d’asseoir ce dernier sur des bases solides
et protectrices. A défaut de tiers de confiance, tous les moyens sont admis pour
faire affilier la création d’une œuvre à son auteur. Cela constitue un faisceau
d’indices mais peut s’avérer inopérant ou insuffisant. La technologie
Blockchain mériterait d’être appréhendée par le droit, davantage encore dans
le domaine de la propriété intellectuelle.

A ce titre d’exemple, cela permet d’anticiper l’enregistrement d’un


brevet, d’authentifier la création. Le cumul avec les « Smart contacts » serait

927
. G. Canivet, Présentation de la table ronde « Preuve et Blockchain », Dalloz IP/IT 2019, p 73.

P 615 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

une fois encore opportun et permettrait d’assurer un suivi sécurisé.


L’horodatage conférerait un marqueur temporel certain et le hashage une
garantie d’intégrité suffisante. Cela donnerait lieu à une empreinte, considérée
comme preuve numérique928. ».

Ces pour l’ensemble de ces avantages que le Blockchain soigneusement

encadré en droit devrait rejoindre les modes preuves à la valeur probante la

plus forte : « En permettant de rapporter différemment la preuve de l’existence

et de l’antériorité d’un droit subjectif comme un droit de propriété, la


blockchain invite à repenser, par exemple, les registres cadastraux ou à créer
de nouveaux instruments de gestion des droits de propriété intellectuelle929. ».
Une autre transformation majeure va intervenir ici qui est celle de la position

de l’autorité compétente en matière d’enregistrement des marques et brevets

qui perd de son caractère hégémonique. Cette transformation doit être

accompagnée par un changement de statut de l’autorité.

2-Le Blockchain et ses avantages pratiques en droit des Brevets et en

contrefaçon.

. Blockchain et preuve, Revue Lamy Droit de l’immatériel, n° 180, 1er avril 2021, p 7.
928

. Les blockchains et le droit, Revue Lamy Droit de l’Immatériel, n ° 147, 1er avril 2018, p 14 .
929

P 616 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

11.-Dans ce sens, la preuve Blockchain pourrait éclairer la zone avant

Brevet. En effet, l’intervention du Blockchain dans cette discipline permet

d’assurer une protection large du Brevet de sa conception à sa concrétisation

et rassurer, par la même, les investisseurs par la sécurité apportée. C’est pour

ces vertus que le droit de la propriété intellectuelle devrait appréhender la

question de la preuve Blockchain. Car en l’absence d’intermédiaire de

confiance tous les moyens de preuve d’affiliation d’une œuvre sont permis.

Reste à s’assurer du lien entre la personne et l’information ou l’empreinte

Blockchain.

Par ailleurs, l’intérêt du Blockchain est aussi perceptible dans la pré-

constitution de preuve en propriété intellectuelle dans le domaine de la

contrefaçon. Cette preuve permettrait une recherche de la vérité plus facile, car

infalsifiable et sans intervention d’un tiers de confiance. Encore faut-il que le

Blockchain soit reconnu comme de preuve, dans les mêmes termes que l’écrit
électronique débat déjà ancien.

En effet, l’enjeu est de taille : « Aujourd’hui, la contrefaçon de musiques,

d’images et de vidéos s’est banalisée avec l’internet. Les créateurs sont


littéralement spoliés de leurs droits. Or la technologie blockchain permet

P 617 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

d’enregistrer de façon fiable et sécurisée les droits de propriété intellectuelle


sur les œuvres et de contrôler leur diffusion. Le monde de la création artistique
pourrait être à nouveau ébranlé par la technologie, mais cette fois
positivement. En outre, des inventions, des marques, des dessins et modèles ou
d’autres types de création peuvent être sauvegardés sur des blockchains. Ces
applications devraient attirer l’attention des sociétés de gestion collective :
pour elles, les blockchains constituent à la fois une forme de concurrence et
une opportunité en permettant d’améliorer leur gestion des droits930. ».

En somme, en droit de la propriété intellectuelle, c’est la propriété qui

peut être contestable, et tout spécialement celle d’une œuvre d’art, ici, l’enjeu

réside dans le fait d’apporter une preuve fiable de son droit de paternité sur

l’œuvre mais aussi une date certaine à cette création. Les rapports du

Blockchain avec la preuve peuvent être résumés dans les affirmations


suivantes : « une blockchain permet d’enregistrer et de certifier des contrats

formés en suivant les conditions ordinaires de conclusion des contrats. Il s’agit


de traduire en langage informatique un accord de volontés né dans le monde
physique. Le « smart contract » et la blockchain, profitant de ses possibilités en

. Les blockchains et le droit, Revue Lamy Droit de l’Immatériel, n ° 147, 1er avril 2018, p 14 .
930930

P 610 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

matière de certification décentralisée et de registre public sécurisé, immuable


et fiable, permettent alors d’horodater la convention et d’apporter la preuve de
son existence et de son contenu931 ». C’est en ces termes que le Blockchain peut
constituer une preuve solide et répond aux exigences du domaine. La

reconnaissance de ce mode de preuve tombe sous le sens et doit dans les plus

brefs délais s’inscrire dans les textes du droit en présence.

§II-Le droit spécial et le Blockchain.

Concernant le droit spécial du numérique et la question de la preuve

Blockchain deux textes complémentaires se côtoient : la loi n° 53-05 déjà


ancienne mais fort nécessaire (A) ainsi que la loi nouvelle n° 43-20 qui en

rehausse le contenu (B).

A-La loi n° 53-05.

Seront étudiés ici l’esprit et l’influence de cette loi (1), dans un premier

temps, puis, l’apport de la loi dans un second temps (2).

1-La loi n° 53-05 : L’esprit et les influences de la loi.

931
. Les blockchains et le droit, Revue Lamy Droit de l’Immatériel, n ° 147, 1er avril 2018, p 13.

P 611 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

12.-Le droit national est un droit qui a montré patte blanche devant la

technique et cela depuis longtemps, avec la reconnaissance de l’écrit

électronique par l’adoption de la loi n° 53-05932. En effet, la loi n° 53-05 relative

à l’échange électronique de données juridiques933 et son décret d’application

n°1-7-129 Protection des données et commerce électronique, sont des piliers

de l’adaptation du droit national à la réalité numérique.

13.-Cette loi reprend à cet effet les principes généraux de la loi-type de

la CNUDCI sur les signatures électroniques de 2001934, mais subit aussi

l’influence de la loi n°2000-230 du 13 mars 2000 portant adaptation du droit de

la preuve aux technologies de l’information et relative à la signature

électronique935, ainsi que celle de la Directive n° 1999/93/CE du Parlement

européen et du Conseil du 13 décembre 1999 portant sur un cadre

communautaire pour les signatures électroniques936.

14.-Cette dernière signe la fin de l’obsolescence du droit marocain de la

preuve à l’avènement du numérique. Cette loi vise à fixer le régime du transfert

932
. Promulguée par la Dahir n° 1- 07-129 du 19 kaada 1428 ( 30 novembre 2007) publié au Bulletin Officiel
n° 5584 du 6 Décembre 2007
933
. Ibid.
934
. Voir sur Légifrance.
935
. https://www.legifrance.gouv.fr/loda/id/LEGITEXT000005629200/2021-01-25/
936
. https://eur-lex.europa.eu/legal-content/FR/ALL/?uri=celex:31999L0093

P 788 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

des données juridiques par voie électronique, ainsi que l’équivalence des

documents établis sur papier et sur support électronique et à la signature

électronique. Elle détermine également le cadre juridique applicable aux

opérations effectuées par les prestataires de services de certification

électronique, ainsi que les règles à respecter par ces derniers et les titulaires

des certificats électroniques délivrés. En outre, la loi institue une autorité

nationale d’agrément et de surveillance de la certification.

2-La loi n°53-05 : Reconnaissance de la valeur probante de l’écrit

électronique.

15.-Quant aux dispositions relatives à la preuve dans cette loi : tout

d’abord, la redéfinition de la preuve littérale et la reconnaissance de la valeur

probante de l’écrit électronique sont des avancées considérables qui méritent

d’être soulignées, en effet, une modification de l’article 417 du DOC937 donne

la même valeur probante à l’électronique qu’au papier. Comme en témoigne la

rédaction de l’Article 417-1 : « L'écrit sur support électronique a la même force

probante que l'écrit sur support papier. L'écrit sous forme électronique est

937
. Les dispositions de l’article 417 ci-dessus ont été modifiées en vertu de l’article 5 de la loi n° 53-05
relative à l’échange électronique de données juridiques; Bulletin Officiel n° 5584 du 25 kaada 1428 (6
décembre 2007), p.1357.

P 781 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

admis en preuve au même titre que l'écrit sur support papier, sous réserve que
puisse être dûment identifiée la personne dont il émane et qu'il soit établi et
conservé dans des conditions de nature à en garantir l'intégrité938 ». Il s’agit ici
d’une avancée fondamentale du droit de la preuve et de la consécration du

principe de neutralité939. La seule condition ici est celle de l’intelligibilité940.

S’ensuit la reconnaissance juridique de la signature électronique : la loi n°

53-05 consacre la signature électronique sous respect de certaines conditions

posées à 417-2 du DOC. Ce dernier est rédigé : « La signature nécessaire à la

perfection d'un acte juridique identifie celui qui l'appose et exprime son
consentement aux obligations qui découlent de cet acte. Lorsque la signature
est apposée par devant un officier public habilité a certifier, elle confère
l'authenticité à l'acte. Lorsqu'elle est électronique, il convient d'utiliser un

938
.http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/fr/Nouveautes/Code%20des%20Obligatio
ns%20et%20des%20Contrats.pdf. Modifié par la loi n° 43-20 : comme suit : « Titre II :
Dispositions modifiant le Code des obligations et des contrats, article 76 : « Sont modifiées les dispositions
des articles 2-1 (troisième alinéa) et l’article 417-3 ( troisième alinéa) du dahir formant Code des
obligations et des contrats du 9 ramadan 1331 ( 12 aout 1913) ainsi qu’il suit : « Article – (troisième
alinéa) : Toutefois, les actes « relatifs …. Pour les besoins de sa « profession et les actes établis par les
établissements de crédit « et organises assimilés. » « Article 417-3-(Troisième alinéa) : Tout acte sur
lequel « est apposée une signature électronique qualifiée et dont « l’horodatage électronique est qualifié,
à la même force « … date certaine. » L’article 77 le terme « sécurisée » employé dans les articles 417-3
(premier et deuxième alinéa), 425 et 426 du dahir formant Code des obligations et des contrats est
remplacé par le terme « qualifiée ».

939
. Eric Caprioli, « Le juge et la preuve électronique », Juriscom.net, 10 janvier 2000,
http://www.juriscom.net.
940
. Mohamed Diyaâ Toumlilt, « Le commerce électronique au Maroc : Aspects juridiques » Les éditions
Maghrébines, 2011, p.445.

P 782 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

procédé fiable d'identification garantissant son lien avec l'acte auquel elle
s'attache941. » La signature électronique remplit une double fonction
d’identification et de manifestation de volonté942.

La fiabilité de ce procédé est présumée, jusqu'à preuve de contraire,

lorsque la signature électronique est créée, l'identité du signataire assurée et

l'intégrité de l'acte garantie, conformément à la législation et la

réglementation en vigueur. L’article 417-3 du DOC dispose que : « la fiabilité

d’un procédé de signature électronique est présumée, jusqu’à preuve de


contraire, lorsque ce procédé met en œuvre une signature électronique
sécurisée943 ».

16.-Cette loi est par ailleurs aussi, d’une nécessité indiscutable

notamment pour le développement du commerce électronique. En outre, le

décret pour l’application des articles 13, 14, 15, 21 et 23 de ladite loi est sorti

dans le bulletin officiel en date de 21 mai 2009944. Celui-ci a permis d’apporter

941
.
http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/fr/Nouveautes/Code%20des%20Obligations%20et%20
des%
942
. Mohamed Diyaâ Toumlilt, « Le commerce électronique au Maroc : Aspects juridiques » ,Les éditions
Maghrébines, 2011p . 448.
943
.http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/fr/Nouveautes/Code%20des%20Obligations%20et
%20des%
944
. Bulletin Officiel n° 5744 du 24 joumada II 1430 ( 18 Juin 2009),
http://adala.justice.gov.ma/production/html/Fr/163304.htm

P 783 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

de nombreuses réponses aux différentes questions techniques relatives au

cryptage et à la signature électronique. Toujours dans la même perspective et

pour permettre une réelle application sur le terrain de la loi n°53-05, plusieurs

arrêtés ont été publiés. Il s’agit des : Arrêté du ministre de l’industrie, du

commerce et des nouvelles technologies n°151- 10 du 22 mars 2010 fixant la

forme de la déclaration préalable d’importation, d’exportation, de fourniture,

d’exploitation ou d’utilisation de moyens ou de prestations de cryptographie et

le contenu du dossier l’accompagnant945 ; Arrêté du ministre de l’industrie, du

commerce et des nouvelles technologies n°153- 10 du 22 mars 2010 relatif à

l’agrément des personnes ne disposant pas de l’agrément de prestataires de

services de certification électronique et qui entendent fournir des prestations

de cryptographie soumises à autorisation ; Arrêté du ministre de l’industrie, du

commerce et des nouvelles technologies n°154- 10 du 22 mars 2010 fixant la

forme de la demande d’agrément de prestataire de services de certification

électronique et portant approbation du modèle de cahier des charges

l’accompagnant946.

945
. http://extwprlegs1.fao.org/docs/pdf/mor96758.pdf
946
. Bulletin officiel n° 5830 du 29 rabii II 1431 ( 15 avril 2010),
http://adala.justice.gov.ma/production/html/Fr/163689.htm

P 784 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

Cette réforme se justifie par la nécessaire mise à niveau du droit

marocain, en effet l’obsolescence du D.O.C en matière de preuve puisque avant

la loi n° 53-05, le seul support ayant la force probante était le papier. En

consacrant la valeur probante de l’écrit sous forme électronique, d’une part, et

en introduisant la signature électronique dans notre droit, d’autre part, la loi

est saluée comme constituant une avancée fondamentale du droit de la preuve.

17.-Néanmoins, le vrai questionnement se situe sur l’intégrité et la

conservation de la preuve de cet écrit ayant bénéficié de cette reconnaissance.

D’un point de vue technique si l’on se penche sur la question de la preuve via

Blockchain, elle peut faire être enregistrée et certifiée par ce procédé, le


Blockchain peut répondre aux exigences du droit commun de la preuve et donc
assurée la production de la preuve en justice, et cela par le fonctionnement

intrinsèque du Blockchain et des smart contract, l’horodatage et la garantie de

l’existence du contrat est assurée. A l’image du contrat toute information peut

être cryptée sur le block de chaines et bénéficier de la protection de cette

technique présumée inviolable. C’est le traçage des opérations qui est ainsi

assuré. Quant à la confrontation des règles relatives à la preuve électronique la

lecture de la loi relative à la question, c’est-à-dire la loi nouvelle n° 43-20, il

P 785 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

apparait que les conditions sont remplies. En ce qu’elle doit permettre

l’identification de la personne et assurée la conservation dans le temps et

l’intégrité de cette conservation l’essence du blockchain répond à ces diktats.

Voyons si ce postulat persiste et résiste à l’étude de la loi…

B- La loi n° 43-20.

La loi nouvelle présente des lacunes a deux niveaux : certaines définitions

sont manquantes (1) et certaines notions sont dotées d’une assise juridique

fragile (2).

1-Des définitions nécessaires mais lacunaires.

18.-La loi n° 43-20 relative aux services de confiance pour les

transactions électroniques947, correspond à un objet qui se résume en deux

pôles : le régime applicable au service de confiance pour les transactions

électroniques et les compétences de l’autorité nationale en la matière. Dans ce

sens : article premier de la loi affirme que : « La présente loi a pour objet de fixer

le régime aux services de confiance pour les transactions électroniques, aux


moyens et prestations de cryptologie ainsi qu’aux opérations effectuées par les

947
. Promulguée par le Dahir n° 1-20-100 du 16 joumada I 1442 ( 31 décembre 2020) publié au BO n°
6970 du 18 mars 2021 en langue française.

P 786 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

prestataires de services de confiance et les règles à respecter par ces derniers


et les titulaires des certificats électroniques. Elle fixe également les
prérogatives de l’Autorité nationale des services de confiance pour les
transactions électroniques, désignée par voie réglementaire et appelée dans
cette loi par Autorité nationale. ».

19.-C’est dans l’article 2 que se trouvent les définitions, en effet, la loi

n° 43-20 relative aux services de confiance pour les transactions électroniques,

dans son titre préliminaire, article 2, pose les définitions, notamment celle de

transactions électroniques. L’article décrit la notion comme suit :

« Transactions électroniques : tout échange, correspondance, contrat, acte ou

toute autre transaction conclue ou exécutée, en tout ou en partie, par voie


électronique ; » ; s’ensuit la notion d’authentification qui correspond à la réalité
suivante : « Authentification : le processus électronique qui permet de

confirmer l’identification électronique d’une personne physique ou morale, ou


l’origine et l’intégrité des données sous forme électronique ; ». Pour le
Blockchain l’authentification répond à la question de la détermination de la
personne, reste à souligner que l’horodatage, pilier de la loi, ne fait pas partie

des définitions au chapitre préliminaire. Cette remarque n’est pas anodine car

P 787 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

la notion est centrale dans le fonctionnement du Blockchain. Le législateur ne

saurait faire l’économie de développements cruciaux la concernant, et surtout

la reconnaissance de la valeur probante de l’horodatage simple qui est celui sur

lequel fonctionne le Blockchain.

Mais une parenthèse doit être ouverte ici, en ce qui concerne les notions

manquantes pour plus de clarté en effet, c’est la Blockchain privée qui répond

à cette exigence le Blockchain public laisse planer des doutes quant à la

fiabilité. Une définition claire de la notion de Blockchain est ses nuances aurait

été une bonne chose. Rappelons que la loi ne fait aucune référence à cette

technique.

2-Les notions à l’assise juridique fragile.

20.-L’horodatage est traité dans : « La sous-section 3 de la loi s’intitule

« de l’horodatage électronique », aux articles 22 à 25 dans les termes suivants


la démonstration démarre par une distinction entre deux types d’horodatage :

« l’article 22 : « Un horodatage électronique est un horodatage simple ou


qualifié », puis intervient la définition de l’horodatage simple : « L’article 23 :
« L’horodatage électronique simple consiste en des données sous forme
électronique qui associent d’autres données sous forme électronique à un

P 780 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

instant particulier et établissent la preuve que ces dernières données existaient


audit instant. ». Et enfin intervient la définition de l’horodatage qualifié :
« L’article 24 : « L’horodatage électronique qualifié est un horodatage

électronique simple qui satisfait aux conditions suivantes :

-lier la date et l’heure aux données de manière à exclure la possibilité de


modification indétectable des données ;

-être fondé sur une horloge exacte liée au temps universel coordonné et ;

-être signé au moyen d’une signature électronique avancée ou cacheté au


moyen d’un cachet électronique avancée du prestataire de service de confiance
agrée.

Un horodatage électronique qualifié bénéficie d’une présomption


d’exactitude de la date et de l’heure qu’il indique et de l’intégrité des données
auxquelles se rapportent cette date et cette heure. »

Pour finir, l’article 25 pose l’équivalence en matière de valeur probante

de l’horodatage simple et qualifié : « L’effet juridique et la recevabilité d’un

horodatage électronique simple comme preuve en justice ne peuvent être


refusés au seul motif que cet horodatage se présente sous forme électronique

P 781 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

ou qu’il ne satisfait pas aux exigences de l’horodatage électronique qualifié


visé à l’article 24 ci-dessus. ».

Cette disposition est en contradiction avec l’article 417 modifié par la loi

n° 43-20 car la rédaction nouvelle ne reconnait que la valeur probante de

l’horodatage qualifié. Concrètement rien ne semble faire obstacles au

caractère solide de la preuve Blockchain : « soumise à l’horodatage et la

sécurisation en l’absence d’intermédiaire. Le temps ne peut altérer la solidité


de cette technologie et l’accroissement du nombre de mineurs permet plutôt
un renforcement de la sécurité des documents ou transactions grâce à un
contrôle toujours plus important948. ». Cette disposition doit être tranchée par
la loi en gommant les incohérences du texte et en reconnaissant la valeur

probante de l’horodatage simple.

21.-Le droit spécial de la preuve est applicable à la technique Blockchain,

même si la question mérite des compléments juridiques pour servir de base

légale explicite à la preuve par Blockchain est organiser les distinctions

juridiques qui s’impose en la matière notamment entre Blockchain public et

. Blockchain et preuve, Revue Lamy Droit de l’immatériel, n° 180, 1er avril 2021, p 4.
948

P 718 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

privé par exemple. Le constat est clair en droit spécial il n’y a pas de

reconnaissance directe et nominative de la preuve Blockchain.

Conclusion :

Le droit de la preuve et l’admission du Blockchain comme un mode de

preuve parmi les plus fiables n’est pas une réalité juridique lointaine. Ainsi

quand les modes de preuves prévus par la loi, la reconnaissance de l’écrit

électronique et le cadre juridique de la signature électronique font de

l’admission du Blockchain comme preuve ayant une force probante

équivalente à la preuve littérale classique une application des dispositions en

vigueur.

Reste à se pencher sur la question de l’empreinte et de son intelligibilité

et son rattachement certain à la personne l’ayant réalisé.

Pour le droit pénal, aucune disposition directe ne s’oppose à l’intégration

du Blockchain car la preuve en la matière est libre. Il faut tout de même veiller

au respect de la loyauté dans la recherche est l’administration de la preuve.

Le droit de la propriété intellectuelle est la branche qui est la plus en

demande de l’admission de la preuve Blockchain car elle permettrait à la

P 711 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

discipline de chercher la vérité sur la paternité de l’œuvre, tout un programme,

et cela sans coûts et de manière fiable. Une vraie aubaine pour un droit classifié

comme bourgeois. L’admission de la preuve Blockchain est une nécessité dans

ce domaine, mais si et seulement si, l’authentification de la personne ayant

enregistré le document ou information prouvant ses droits sur l’œuvre est

encadrée par la loi et donc facile à établir et que l’horodatage simple est

reconnue comme mode de preuve, ce qui est le cas avec la loi n°43-20.

Ce droit de la preuve national fragmentaire et négligé malgré qu’il soit au

paroxysme de l’efficacité du droit doit se voir accorder la position qu’il mérite

par l’octroi d’une loi dédiée, ainsi, le Blockchain et les vertus qu’il véhicule

viendrait renforcer cet ensemble de règles pour un droit consistant.

Les quelques modifications citées supra réalisées l’intérêt sera donc de

fournir au juriste et au simple quidam un droit de la preuve clair et étoffé par

des conditions qui encadrent la qualité de la preuve fournie, ainsi, sera rendu à

César ce qui appartient à César. Alors à quand une riposte juridique efficiente ?

P 712 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2021 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب‬37‫العدد‬

:‫الئحة املراجع‬

Blockchain et preuve, Revue Lamy Droit de l’immatériel, n° 180, 1er


avril 2021.

Dossier : La Blockchain : de la technologie à la technique juridique,


Dalloz IP/IT 2019.414.

J.Bower et C. Christensen sont considérés comme les fondateurs de la


théorie de l’innovation de rupture ( « disruptive innovation ») à la suite de
la publication de leur article, Disruptive Technologies : Catching the Wave,
Harv. Bus. Rev, Janvier –Février 1995 .

. Gossa, Les blockchains et smart contracts pour les juristes, Dalloz


IP/IT 2018 .

S. Dorol, Blockchain et métiers du droit : la fin des tiers de confiance ?


V. Streiff, Blockchain et authenticicté : pour copie non certifiée conforme ;
S. Boyer, Tiers et technologie au servie d’une confiance renouvelée.

G. Canivet, Présentation de la table ronde « Preuve et Blockchain »,


Dalloz IP/IT 2019.

G. Canivet, Présentation de la table ronde « Preuve et Blockchain »,


Dalloz IP/IT 2019.

. Magnier, Enjeux de la blockchain en matière de propriété


intellectuelle et articulation avec les principes généraux de la preuve,
Dalloz IP/IT 2019.

P 713 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪. Amzazi, Essai sur le système pénal marocain, Centre Jacques-Berque,‬‬


‫‪Maktabat el Maghreb, 2013.‬‬

‫‪P 714‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫تقارير علمية‬
‫قانونية وقضائية‬
‫لندوات أكاديمية‬

‫‪P 715‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫األستاذة مسرية ـزرون‬


‫باحثة بسلك الدكتوراه يف القانون كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بفاس‬

‫تقرير بعنوان" التعامل السليم مع المساطر اإلجرائية أثناء‬


‫كتابة األطروحة"‬
‫‪Report entitled - Proper handling of procedural procedures while writing the thesis‬‬
‫التقريـــــــــــر‪:‬‬
‫تم بتاريخ ‪ 36‬دجنبر ‪ 8181‬عقد ورشة تكوينية تحت عنوان‪ :‬التعامل السليم‬

‫مع املساطر اإلجرائية أثناء كتابة األطروحة من تأطير األستاذ عادل املعروفي أستاذ‬

‫بالكلية متعددة التخصصات بالراشيدية‪ ،‬وتعد هذه الورشة الثانية من نوعها‬

‫ضمن الورشات املبرمجة في إطار أشغال امللتقى الدولي االفتراض ي األول حول‬

‫التكوين األكاديمي والتبادل املعرفي والذي قدم على منصة التواصل االجتماعي‬

‫‪ STREAM YARD‬من ‪ 34‬إلى ‪ 81‬دجنبر ‪ 8181‬من تنظيم مجلة معالم قانونية‬

‫ومختبر القانون والفلسفة واملجتمع بكلية العلوم القانونية واالقتصادية‬

‫واالجتماعية بفاس باملغرب وكلية القانون والعلوم السياسية بديالى بالعراق‬

‫‪P 716‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وبشراكة مع اتحاد الجامعات الدولي باسطنبول واالتحاد األمريكي الدولي للتعليم‬

‫وكلية الحقوق بصفاقس واملجموعة األمريكية لالستشارات واملؤتمرات والتدريب‪،‬‬

‫وجدير بالذكر أن خلق جسور للتواصل املعرفي البناء بين األستاذ والطالب يعد‬

‫من بين األهداف املسطرة للملتقى إلى جانب أهداف أخرى من بينها‪:‬‬

‫‪ -‬توجيه الطلبة نحو بناء بحث أكاديمي جيد وعمل متقن وذا راهنية مثمر‪.‬‬

‫‪ -‬تحفيز الطلبة لبذل املزيد من الجهد وتقدير املتطلبات الالزمة لتحسين جودة‬

‫العمل األكاديمي املتطلب‪.‬‬

‫‪ -‬فتح نقاش علمي حول مناهج البحث األكاديمي وسبل االختيار املناسب‬

‫للتصميم وآليات تطوير الدراسة املقارنة‪.‬‬

‫وفيما يخص الورشة املنعقدة فقد شارك فيها ستة عشر طالبا باحثا بسلك‬

‫الدكتوراه من داخل وخارج املغرب‪ ،‬فمن املغرب شارك طلبة باحثين بسلك‬

‫الدكتوراه من كل من كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بفاس عن‬

‫شعبة القانون الخاص ومن كلية الشريعة والقانون فاس‪ ،‬ومن كلية الشريعة‬

‫والقانون بأكادير ؛ ومن خارج املغرب شارك طلبة باحثين من الجامعة األمريكية‬

‫في اإلمارات و من كلية الحقوق الجامعة األردنية باألردن‪ ،‬و طلبة من كلية القانون‬

‫والعلوم السياسية جامعة ديالى العراق كما شارك طلبة كذلك عن كلية الحقوق‬

‫بصفاقس تونس‪.‬‬

‫‪P 717‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫عن وقائع الورشة املعنية فقد انطلقت أطوارها مع الساعة الرابعة مساء‬

‫‪ ،16h‬افتتحت بكلمة شكر من األستاذ عادل املعروفي للقائمين على امللتقى‬

‫وترحيب بالحضور واملستفيدين من الورشة العلمية املوسومة ب‪ :‬التعامل السليم‬

‫مع املساطر اإلجرائية أثناء كتابة األطروحة ‪ ،‬موضحا أهميتها والتي جمعت بين‬

‫مستفيدين منها من مختلف املشارب البحثية ؛ وقد أشار بداية األستاذ ألهمية‬

‫التقسيم مميزا في ذلك بين التقسيم الثنائي النموذج املعتمد في املغرب والثالثي‬

‫باختالف املنهج البحثي املعتمد من بلد آلخر وموضحا أهمية التصميم في املوضوع‬

‫البحثي والذي البد من أن تكون مرحلة إعداده وتحرير البحث مسبوقة باالطالع‬

‫على جميع القوانين واملحددات املرتبطة بموضوع البحث وكذا املستجدات بحيث‬

‫ال يمكن حسب األستاذ كتابة املوضوع في ظل قانون قديم وهو ما يطرح إشكاال‬

‫لدى بعض الباحثين‪ ،‬واستدل هنا األستاذ بنموذج في املجال القانوني متعلق‬

‫بالقانون املتعلق بالضمانات املنقولة الصادر حديثا قائل بأن هناك قوانين سواء‬

‫في املجال التجاري أو املدني أو غيره هي حديثة في حين يتم االعتماد على مراجع في‬

‫ظل القوانين القديمة ‪ ،‬ليمر األستاذ بعد ذلك لإلشارة إلى اإلطار العام الذي ينبغي‬

‫أن يسم أي عمل علمي وهو التوفر على مقدمة وتصميم وخاتمة ‪.‬‬

‫لينطلق بعد ذلك األستاذ املعروفي بالخوض في أبرز مقومات وعناصر املقدمة‬

‫من الجانب التاريخي إلى األهمية ودوافع اختيار املوضوع وكذا الصعوبات التي‬

‫تعترض الباحث والتي هناك حسب األستاذ من يحبذ وضعها ومن ال يحبذ ذلك ثم‬

‫‪P 710‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫وصوال إلى اإلشكالية وضوابطها وقد لفت األستاذ هنا إلى أن هناك من يعتمد تفريع‬

‫االشكالية األساسية إلشكاليتين فرعيتين ومن يفرعها لعدة إشكاليات فاألساس‬

‫غياب معيار موحد على هذا املستوى‪ ،‬ليحدد بعد ذلك الباحث املنهج املعتمد في‬

‫أطروحته والذي ال ينبغي عليه تبريره كونه مرتبط بطبيعة املوضوع وطبيعة الطرح‬

‫املعتمد من قبل الباحث‪ ،‬ليمر الباحث لإلعالن عن الخطة واملحاور الكبرى‬

‫للموضوع دون تفصيل‪.‬‬

‫هذا فيما يخص الضوابط املتطلبة في مقدمة البحث‪ ،‬قبل أن يتطرق األستاذ‬

‫لضوابط التحرير مركزا في ذلك على الشق املتعلق بمحددات االقتباسات من‬

‫املصادر وكذا أنواع االقتباسات املتعارف عليها من حرفي(مباشر) وغير حرفي (غير‬

‫مباشر) واقتباس من لغة أخرى عبر الترجمة والتي ينبغي التقيد فيها بشروط كل‬

‫لغة حسب حقل التخصص سواء القانوني أو األدبي أو االقتصادي ‪ ،‬كما تمت‬

‫اإلشارة لبعض املعيقات التي قد تعترض الباحثين على مستوى التعامل مع األحكام‬

‫والقرارات القضائية الفتا في ذلك األستاذ إلى ضوابط التعامل معها وتوثيقها؛‬

‫لينتقل بعد ذلك إلى التطرق ملقومات الخاتمة التي ينبغي أن ال تمثل فقط تلخيصا‬

‫ملا تم تحريره بل مقترحات واستنتاجات تعبر عن رؤية الباحث واستنتاجاته‪ ،‬كما‬

‫سطر األستاذ عادل على مالحظة كون هناك من يعتمد ضمن التحرير خاتمة لكل‬

‫باب أو لكل فصل وذلك يبقى حسب رؤية األستاذ املشرف أو ما كان متعارفا عليه‬

‫في الجامعة ‪.‬‬

‫‪P 711‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫ثم مر األستاذ لتوضيح أهم الضوابط التي ينبغي التقيد بها حين توثيق اآليات‬

‫القرآنية من توثيق اآليات والروايات (رواية ورش‪،‬رواية حفص) وتوثيق األحاديث‬

‫النبوية التي ينبغي تحري صحتها ومصدر نشرها (كصحيح البخاري مثال أو مصدر‬

‫آخر)‪.‬‬

‫إلى جانب ما سلف بيانه عرج األستاذ املعروفي على مسألة اإلحاالت والتهميش‬

‫الذي يفضل على مستواه اعتماد الترقيم املتسلسل من الرقم ‪ 3‬إلى آخر رقم بما‬

‫من شأنه أن يدل على األمانة العلمية ومدى تمكن الباحث من التقص ي‪ ،‬إلى جانب‬

‫التطرق ملتطلبات توثيق املراجع من اسم املؤلف ودار نشر وطبعة وغيره من‬

‫املعطيات األساسية‪.‬‬

‫لينتقل بعد ذلك للحديث عن أهمية األسلوب واللغة في التحرير حسب طبيعة‬

‫التخصص قانونية كانت أم اقتصادية أم غيرها‪ ،‬وأهمية املنهج املرتبط بطبيعة‬

‫املوضوع‪ ،‬عدا عن أهمية االنفتاح على التجارب املقارنة مع إشارة األستاذ‬

‫لضوابط قائمة املراجع وتصنيفها من مصادر عامة ومتخصصة ومجالت وغير ذلك‬

‫من املراجع املعتمدة في البحث‪ ،‬كما تطرق األستاذ لقائمة املختصرات ضمن‬

‫البحث وعن امللحق لفت إلى أفضلية االبتعاد عن اعتماده تجنبا للحشو إال حين‬

‫نكون بصدد معطيات من الصعب الوصول لها مثال‪.‬‬

‫‪P 728‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫كما لفت األستاذ قبل الختام إلى أهمية تحري التوازن بين محاور البحث حين‬

‫التحرير من فصول وأبواب وأقسام مع مراعاة نسبة املقدمة والخاتمة من البحث‬

‫بحيث تشكل األولى عشره والثانية تمثل نصف هذا العشر‪.‬‬

‫ليختتم بعد ذلك األستاذ كلمته ‪ -‬والتي دامت حوالي خمس وثالثين دقيقة ‪ -‬في‬

‫املوضوع فاتحا املجال للنقاش وتلقي االستفسارات أمام الباحثين املشاركين في‬

‫الورشة وكذا املتابعين لها ‪ ،‬وبعد تلقي ما تم عرضه من تساؤالت واستفسارات‬

‫واإلجابة عنها من قبل األستاذ أعلن عن نهاية الورشة التكوينية مع اإلشارة إلى‬

‫كون باب التواصل مفتوحا أمام الباحثين وتوجيه شكر في الختام للجهة املنظمة‬

‫للورشة‪.‬‬

‫‪P 721‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫مت حبمد اهلل وقوته‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪P 722‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬
‫العدد‪ 37‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنرب ‪ 2021‬م‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫رابط حتميل جميع أعداد مجلة الباحث ‪ 03‬عىل الموقع الرسيم (موقع الباحث)‬

‫‪https://www.allbahit.com‬‬

‫‪P 723‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬

You might also like