Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 50

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‬


‫كلية الدعوة وأصول الدين‬

‫المدخل إلى دراسة العقيدة اإلسالمية‬


‫إعداد‬
‫شعبة العقيدة‬
‫‪2021/2020‬م‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬ ‫الرقم‬


‫مقدمات‬ ‫‪1‬‬
‫أوالً‪ :‬اإليمان باهلل تعالى‬ ‫‪2‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإليمان بالمالئكة الكرام‬ ‫‪3‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اإليمان بالكتب السماوية‬ ‫‪4‬‬
‫رابعاً‪ :‬اإليمان بالرسل عليهم الصالة والسالم‬ ‫‪5‬‬
‫خامساً‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‬ ‫‪6‬‬
‫سادساً‪ :‬اإليمان بالقضاء والقدر‬ ‫‪7‬‬
‫• أثر العقيدة في بناء الفرد والمجتمع‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫• خطورة التكفير‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين‬
‫الطاهرين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬ثم أما بعد‪:‬‬

‫فلقد قامت شعبة العقيدة والفلسفة اإلسالمية بإعداد مادة علمية منضبطة وموجزة‬
‫وفيها الكفاية لمقرر المدخل إلى دراسة العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫وبعد النظر والتجوال بين الكتب النافعة والموجزة في هذا الفن‪ ،‬وقع االختيار على‬
‫جوهرتين فريدتين من تراثنا العظيم وهما‪ :‬كتاب (الحفيدة السنوسية لإلمام السنوسي)‬
‫بشرح األستاذ نزار حمادي‪ ،‬وأما الكتاب الثاني فهو (شرح الخريدة البهية لإلمام‬
‫الهمام أحمد الدردير)‪ ،‬وأخذنا منه مادة السمعيات (الغيبيات)‪ ،‬وقمنا بإضافة مبحث‬
‫مبادئ علم العقيدة كمقدمة تعريفية لهذا العلم الجليل‪ ،‬باإلضافة إلى مباحث أخرى‪.‬‬
‫وقمنا كذلك بالتصرف في بعض المواطن بعبارة الماتن تارة وعبارة الشارح تارة أخرى‬
‫وذلك بقصد تبسيط العبارات لطالبنا األعزاء‪.‬‬
‫وهللا نرجو التوفيق والسداد‪ ،‬فهو حسبنا ونعم الوكيل‬

‫شعبة العقيدة‬

‫‪2021/2020‬م‬

‫‪3‬‬
‫المقدمات‬
‫(المبادئ العشرة لعلم العقيدة)‬
‫الحمد هلل الذي تتم بنعمته الصالحات‪ ،‬ومن فيض جوده تكون الخيرات والبركات‪،‬‬
‫وصلى هللا وسلم على سيدنا وموالنا محمد َمن به عرفنا هللا‪ ،‬وبه وصلنا لموالنا جل‬
‫فإن كل علم أراد اإلنسان أن يتعلمه ‪ -‬سواء كان علم‬‫جالله وتعالى في عاله وبعد‪ّ :‬‬
‫دين أو دنيا ‪ -‬ال بد وأن يعرف معالم هذا العلم بأخذ صورة عامة قبل الدخول في‬
‫تفاصيله ودقائقه‪ .‬وهذه النظرة العامة هي ما ُيعرف عند العلماء بمبادئ العلم العشرة‪.‬‬
‫ألي علم‪ ،‬وقد جمعها بعض العلماء‬ ‫المجملة ّ‬
‫َ‬ ‫وهي مبادئ جامعة للصورة العامة‬
‫بقوله‪:‬‬
‫الحـ ـ ـد والمـ ـوضـ ـوع ثـم الثم ـ ـرة‬ ‫إن مب ـ ـ ـادئ ك ـ ـل فـ ـن ع ـشـ ـرة‬ ‫ّ‬
‫واالسم االستمداد حكم الشارع‬ ‫وف ـض ـلـه ونس ـب ـ ـة وال ـ ـ ـواضـ ـ ـع‬
‫ومن درى الجميع نال الشرفا‬ ‫مسائل والبعض بالبعض اكتفى‬

‫حد علم العقيدة‪.1‬‬


‫أوالً‪ّ :‬‬
‫العـْقـد وهو ربط جزء الشيء بجزء آخر‪.‬‬ ‫العقيدة لغة‪ :‬من َ‬
‫‪2‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬هي مجموعُ ما َيـديـن به المسلم من أركان اإليمان الستة‬
‫وعــرف كــذلك‪ :‬بأن ــه علــم يعــرف ب ــه مــا يجــب هلل وم ــا يســتحيل ومــا يج ــو ‪ ،‬ومــا يج ــب‬
‫للرسل وما يستحيل وما يجو ‪ ،‬وأحوال المعاد (السمعيات)‪.‬‬
‫و ُع ـ ّرف كــذلك‪ :‬أنــه علــم يقتــدر معــه علــى إثبــات العقائــد الدينيــة‪ ،‬بــإيراد الحج ـ ‪ ،‬ودفــع‬
‫الشبه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الح ّد هنا بمعنى التعريف‪ .‬وهو مصطلح علماء المنطق وسمي بذلك ألنه يرسم حدود أ ّ‬
‫ي‬
‫مصطلح بوضع كلمات تضبط المعنى المقصود له دون أن تُدخل عليه ما ليس منه‬
‫‪ 2‬واألركان المذكورة في حديث سيدنا جبريل ل ّما سأل النبي ‪‬عن اإليمان فقال‪( :‬أن تؤمن باهلل‬
‫وشره)‬
‫ّ‬ ‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره‬
‫‪4‬‬
‫ثانياً‪ :‬موضوع‪ 3‬علم العقيدة‪:‬‬
‫مطلوب منا في علم العقيدة معرفة ما يجب وما يجو وما يستحيل في حــق هللا تعــالى‬
‫ومث ــل ذل ــك ف ــي ح ــق رس ــله عل ــيهم الص ــالة والس ــالم‪ .‬بمعن ــى‪ :‬م ــا ه ــي الص ــفات الت ــي‬
‫يتصف بها هللا تعالى‪ ،‬وما هي الصفات التي ال تليــق بــه ســبحانهت هــل يتصــف بــالعلم‬
‫سبحانه أو بالجهلت بالقدرة أو بالعجزت وهكذا‪.‬‬
‫وك ــذلك األنبي ــاء‪ ،‬م ــا ه ــي الص ــفات الت ــي تلي ــق به ــمت الص ــدث م ــثال أم الك ــذبت تبليـ ـ‬
‫األحكـ ــام واألوامـ ــر الربانيـ ــة للنـ ــام أو كتمانهـ ــا عـ ــنهمت وكـ ــذلك معرفـ ــة بعـ ــض األمـ ــور‬
‫المتعلقة بالغيب‪ ،‬مثل وجــود المالئكــة والجــن وبعــض أخبــار يــوم ال يامــة كالجنــة والنــار‬
‫والص ـراا والحش ــر والمي ـزان والح ــور والول ــدان و يره ــا‪ .‬وك ــل ه ــذا ُيع ــرف عن ــد العلم ــاء‬
‫بـ‪(:‬اإللهيات والنبوات والسمعيات)‬

‫‪4‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ثمرة علم العقيدة‬
‫‪5‬‬
‫في الدنيا‪ :‬معرفة هللا تعالى باألدلة والبراهين العقلية والنقلية القطعية‬
‫وفي اآلخرة‪ :‬الفو برضا الرحمن‪ ،‬ودخول الجنان‪ ،‬والنجاة من النيران‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬فضل علم العقيدة‬


‫هو أشرف العلــوم وأعالهــا وأهمهــا ألنــه يــتكلم عــن ذات هللا المقدســة وصــفاته وأفعالــه‪.‬‬
‫أن‬
‫وكذا عن ساداتنا األنبياء وهم أشرف خلق هللا تعالى‪ .‬ومن فضل هــذا العلــم وشــرفه ّ‬
‫َقبول كل األعمال متوقف على قبوله‪.‬‬

‫‪ 3‬المقصود بالموضوع هو‪( :‬مدار البحث ومجال الدراسة)‪ ،‬أي ما هو المجال الذي يبحث فيه‬
‫أن جسم اإلنسان مثالً هو مجال بحث الطبيب‪.‬‬ ‫هذا العلم‪ .‬وما هو الشيء الذي يُركز عليه‪ .‬فكما ّ‬
‫والكلمة هي مجال بحث علم النحو‪ ،‬وهكذا باقي العلوم‪.‬‬
‫ولكل علم موضوع ومجال خاص يبحث فيه‪ .‬ومجال البحث في علم العقيدة هو الذات المقدسة‪،‬‬
‫وسادتنا األنبياء‬

‫‪ 4‬المقصود بالثمرة‪ :‬الفائدة ُ المرجوة ُ والمطلوبة من تحصيل هذا العلم‪ .‬وهو جواب على سؤال‪:‬‬
‫صلت القدر الضروري من هذا العلم؟‬ ‫ما الذي ستستفيده إذا ح ّ‬
‫‪ 5‬ولهذه الثمرةِ ثمرة ٌ لطيفة‪ ،‬أال وهي‪ :‬اإلذعان والتسليم لكل أوامره سبحانه بمحبة وشوق وإقبال‪.‬‬
‫إ ْذ َمن عرف أحب‪ ،‬ومن أحب أطاع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫العلم‪6‬‬
‫خامساً‪ :‬نسبة هذا‬
‫عادة ما يكون هنــاع عالقــة بــين العلــوم فمــثالً نجــد هنــاع عالقــة بــين علــم الطــب وعلــم‬
‫الص ــيدلة‪ ،‬وعل ــم الهندس ــة المدني ــة والمعماري ــة‪ .‬ومث ــل ذل ــك عل ــوم الش ـريعة بينه ــا عالق ــة‬
‫وهنــاع بعــض العلــوم فيهــا تُبنــى علــى علــم آخــر‪ ،‬كعلــم الفقــه مــثالُ فإنــه ُيبنــى علــى علــم‬
‫أصول الفقه‪ .‬وهذا حال علم العقيدة فــي عالقتــه مــع بــاقي العلــوم الشــرعية‪ ،‬فهــو أصــل‬
‫ألن الــذي يــىمن بــاه تعــالى وبرســوله‬
‫لبــاقي العلــوم الشــرعية كله ـا وهــي تبــع لــه‪ .‬وذلــك ّ‬
‫وبكتابــه ســيىمن بكــل العلــوم التــي جــاءت مــنهم‪ ،‬والــذي ال يــىمن بــاه تعــالى لــن يــىمن‬
‫ولــن يقبــل أي أمــر يــأتي منــه‪ .‬لــذلك فنســبة هــذا العلــم لغي ـره مــن علــوم الشــرع الش ـري‬
‫كنســبة األصــل للفــرع وذلــك ألن معرفــة هللا تعــالى هــي األســام الــذي تُبنــى عليــه بــاقي‬
‫العلوم الشرعية‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬أشهر علماء هذا العلم‪.7‬‬


‫‪10‬‬ ‫ِ‬
‫الماتريدي‪ .9‬و يرهما‬ ‫اإلمامان أبو الحسن األشعري‪ ،8‬وأبو منصور‬

‫‪ 6‬أي ما هي عالقة هذا العلم بالعلوم األُخرى‬


‫‪ 7‬ال نقصد بالوضع هنا أنهم هم من ابتكروا وابتدعوا تلك العقيدة السنيّة‪- .‬حاشا وكالّ‪ -‬فالعقيدة‬
‫اإلسالمية جاء بها سيدنا وموالنا محمد ‪ .‬وهي عقيدة كل األنبياء قبله ( ّ‬
‫إن الدين عند هللا‬
‫اإلسالم)‪.‬‬
‫صل لهذا العلم‪ .‬وهو‬ ‫ولكن ما نقصده هنا هو أن اإلمام األشعري كان ّأول من نظـّـر وق ّعد وأ ّ‬ ‫ْ‬
‫ص ُل من خاللها إلى‬ ‫ُتو ّ‬
‫الذي جعل طريقة االستدالل له على شكل قواعد منضبطة وممنهجة ي َ‬
‫إثبات هذه العقيدة باألدلة العقلية القاطعة‪ ،‬وإلى دفع الش َب ِه عنها ودحضها‪ .‬ثم ألّف في العقيدة على‬
‫هذه الطريقة وهذا المنهج الذي وضعه‪ .‬ومثله فعل اإلمام الماتريدي‪ .‬وإالّ‪ :‬فهي عين ونفس‬
‫العقيدة التي جاء بها النبي صلى هلل عليه وسلم‪.‬‬
‫أن الوسيلة التي اتخذها اإلمامان في إثبات هذه العقيدة والدفاع عنها هي وسيلة‬ ‫والحاصل‪ّ :‬‬
‫َكرة لم تُع َهد ألحد قبلهما‪.‬‬
‫مبت َ‬
‫‪ 8‬هو اإلمام الفذ علي بن إسماعيل األشعري نسبةً لجده أبي موسى األشعري صاحب رسول هللا‬
‫‪ .‬ولد أبو الحسن عام ‪260‬هـ في البصرة وتوفي في بغداد عام ‪324‬هـ‪ ،‬وكان من لطيف‬
‫صنع هللا تعالى به أنه نشأ بين المعتزلة وتعلم على أيديهم أصول الكالم والنظار‪-‬فقد كانوا‬ ‫ُ‬
‫أن الحق في غير مذهبهم رجع إليه واستخدم علمه ذاك ليذود عن‬ ‫بارعين بهذا‪ -‬ثم ل ّما عرف ّ‬
‫مذهب الحق وأخذ يناظرهم ويجادلهم حتى كسر هللا شوكتهم على يديه‪ .‬واجتمع عليه علماء‬
‫فأكثر من ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وعامة زمانه حتى لُقّب هو ومن معه بأهل السنة والجماعة‪ .‬أما تالميذه وأتباعه‬
‫يُحصوا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫دونـوا كتبــه‪ ،‬وردوا علــى المعتزلــة‪ ،‬ودال فالتوحيــد جــاء بــه كــل نبــي مــن ســيدنا‬
‫فهم الــذين و‬
‫آدم إلى سيدنا محمد عليهما الصالة والسالم‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬اسم هذا العلم‪:‬‬


‫له أسماء كثيرة ‪ -‬وكثرة األسماء تدل على شرف المس ومى –‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫• علــم العقائــد‪ :‬ســمي بــذلك ألنــه يبحــث فــي األمــور التــي يجــب علــى اإلنســان االعتقــاد‬
‫بها وعدم الشك فيها‪.‬‬
‫• علم التوحيد‪ :‬سمي بذلك ألن أشهر مباحثه توحيد هللا تعالى الذي هو أسام الدين‪.‬‬
‫• علم الكالم‪ :‬سمي بذلك ألن عنوان مباحثه كان قولهم (الكالم في كذا وكذا)‪.‬‬
‫• علــم أصــول الــدين‪ :‬ســمي بــذلك ألن الــدين مشــتمل علــى أصــول وفــروع‪ .‬فاألصــول‬
‫المعتقــدات ويســمى أصــول الــدين‪ .‬والفــروع األفعــال العمليــة واألخالليــة‪ .‬ويســمى األول‬
‫علم الفقه‪ .‬والثاني علم التصوف‪.‬‬
‫و يرها من األسماء كعلم األسماء والصفات وعلم الفقه األكبر‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ثامناً‪ :‬استمداد هذا العلم‪.‬‬
‫مــن األدلــة العقليــة والنقليــة‪ .‬إذ كــل علــم حتــى يصــال أن يكــون علم ـاّ البــد لــه مــن أدلــة‬
‫يقوم عليها‪ .‬وهذا العلم أدلته من أقوى األدلة التي عرفها النام وذلــك ألنهــا تقــوم علــى‬
‫داللــة قاطعــة يحكــم بهــا العقــل تــارة ويحكــم بهــا النقــل تــارة أخــرى ونقصــد بقاطعــة‪ :‬أنهــا‬
‫ردها أو إضعافها‪.‬‬
‫وضحة الداللة و يستحيل نقضها أو ّ‬

‫‪ 9‬اإلمام الجهبذ محمد بن محمد الماتريدي نسبة إلى منطقة اسمها ماتُريد في سمرقند‪.‬‬
‫المتوفى(‪)333‬هـ درس علم العقيد والفقه على مذهب اإلمام أبي حنيفة في سمرقند على أيدي‬
‫شيوخه وكان منافحا ً عن مذهب أهل الحق‪ ،‬ناظر معتزلة زمانه في بالد ما وراء النهر وكذلك‬
‫الشيعة ‪ ،‬وأهل األديان األخرى من نصارى ويهود وزاردشت وغيرهم حتى جعل هللا له ظهورا ً‬
‫واضحا ً ال يُجاريه فيه أحد‪ .‬وكتب لمنهجه القبول في بالد ما وراء النهر‪ .‬وله من الطالب‬
‫واألتباع الج ّم الغفير‪.‬‬
‫‪ 10‬للذي قلناه في تعريف اإلمامين نقول‪ :‬جموع علماء أهل السنة وكثرتهم الكاثرة هم إما أشاعرة‬
‫عرف‬‫وإما ماتريدية‪ .‬وال ينكر هذا إال غافل أو متغافل‪ .‬ولو نظرنا في كتب التراجم التي ت ُ ّ‬
‫أن الغالب األعظم منهم ينتهي اسمه بـ‪ :‬األشعري أو الماتريدي‪.‬‬‫بالعلماء لوجدنا ّ‬
‫أي من أين نأخذ أدلة هذا العلم ومن أين نستمدها‬ ‫‪ْ 11‬‬
‫‪7‬‬
‫‪12‬‬
‫تاسعاً‪ :‬حكمه الشرعي‪.‬‬
‫الوجوب العيني والكفائي‬
‫فــالعيني‪ :‬هــو معرفــة أدلتــه إجمــاال وذلــك علــى كــل مســلم ومســلمة‪ .‬كــأن يعتقــد بوجــود‬
‫اإلله لوجود هذه المخلوقات‪.‬‬
‫ويعتقد بوجود المالئكة ألن هللا أخبر عنهم‪.‬‬
‫والكفائي‪ :‬هو معرفة أدلته التفصيلية‪ .‬كأن يعرف وجود الخالق بحــدوا العــالم بتغييـره‪.‬‬
‫وتغيره بمشاهدة ذلك من حركة إلى سكون‪ .‬وهكذا‬

‫عاش اًر‪ :‬مسائل هذا العلم‪.‬‬


‫وهــي القضــايا الباحثــة عمــا يجــب‪ ،‬ومــا يســتحيل‪ ،‬ومــا يجــو فــي حــق هللا تعــالى ومثــل‬
‫ذلك في حق الرسل عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وفي اثبات المغيبات‪.‬‬
‫ويتمثل باإليمان بأركان اإليمان‪:‬‬
‫اإليمان باه تعالى‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإليمان بالمالئكة الكرام‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اإليمان بالكتب السماوية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اإليمان بالرسل عليهم السالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اإليمان باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اإليمان القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫‪12‬‬
‫بمعنى‪ :‬ما هو حكم الشرع الشريف في تعلم هذا العلم هل هو واجب أو مندوب أو ماذا؟‬
‫‪8‬‬
‫أوال‪ :‬اإليمان باهلل تعالى‬

‫ويأتي الحديث عن اإليمان باه تعالى‪ ،‬في ثالثة محاور‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الواجب في حق هللا تعالى‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫صلى هللا على سيدنا وموالنا محمد وآله وصحبه وسلم‬
‫الحمــد هلل المنفــرد بالقــدم والــدوام‪ ،‬الواحــد الفــرد البــاقي بعــد فنــاء جميــع األنــام‪ ،‬والصــالة‬
‫والســالم علــى ســيدنا محمــد نــور الهــدى ومصــباح الظــالم‪ ،‬وعلــى آلــه وأصــحابه حمــاة‬
‫الدين باللسان والسهام‪ ،‬وعلى تابعيهم الناقلين عنهم العقائد وسائر األحكام‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إلــه إال هللا وحــده ال شـريك لــه‪ ،‬شــهادة عبــد مضــطر إليهــا عنــد لــة القــدم‪،‬‬
‫وأشهد أن سيدنا وموالنا محمدا عبده ورسوله أرسله هللا إلى أكرم األمم‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فلما كان أفضل العلوم كلهــا بإطبــاث دليــل العقــل والنقــل‪ ،‬وتعاضــد شــهادة علمــي‬
‫الفــرع واألصــل‪ ،‬هــو العلــم المتعلــق بتوحيــد هللا تعــالى وصــفاته‪ ،‬المنقــذ مــن الغــرث فــي‬
‫بحــر الجهــل‪ ،‬ومــا ت ـراكم مــن ملماتــه‪ ،‬المخــرل مــن ربقــة التقليــد وذل األوهــام‪ ،‬الملحــق‬
‫لمن اتصف به بالعلماء الكرام ‪.‬‬
‫فنقــول‪( :‬الحمــد) وهــو الثنــاء علــى قصــد التعظــيم مســتحق (هلل) علــم علــى ذات واجــب‬
‫الوجـ ــود المسـ ــتحق لكـ ــل كمـ ــال‪( ،‬والصـ ــالة) مـ ــن هللا تعـ ــالى لرسـ ــوله ‪ ‬يـ ــادة تشـ ـري‬
‫وترفيع‪ ،‬ومن الخلق طلب ذلــك‪( ،‬والســالم) هــو األمــان مــن كــل مخــوف‪ ،‬والســالمة مــن‬
‫ك ــل أذى (عل ــى رس ــول هللا) س ــيدنا محم ــد ‪ ‬المرس ــل إلين ــا م ــن هللا ع ــز وج ــل بواض ــال‬
‫البينات وماهر المعجزات الظاهرة في الداللة على نبوته وصدقه ‪.‬‬
‫(اعلــم) يــا مــن يتــأتى منــه العلــم (أن موالنــا) ناص ـرنا علــى أعــدائنا وولــي أمورنــا (جــل)‬
‫بالرفعــة التــي ال تماثــل (وعــز) بــاالنفراد بصــفات الجــالل والجمــال‪ ،‬يجــب فــي حقــه كــل‬
‫صفات الكمال‪ ،‬وسندرم بعض هذه الصفات‪ ،‬والتي منها‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫أوالً‪ :‬وجوب الوجود لذاته‬
‫** والمقصود بهذه الصفة‪ :‬أن هللا تعالى ال يقبــل العــدم أ الً وال أبــداً‪ ،‬فــال يتصــور فــي‬
‫العقل عدمه‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي على وجــوب وجــوده تعــالى‪ :‬قولــه عــز وجــل‪( :‬ذلككب بك ن هللا هككو‬
‫الحككق [لقمــان‪ .]30 :‬فيوصــف هللا تعــالى بأنــه الحــق علــى معنــى أون ـه واجــب الوجــود‪،‬‬
‫يقــال مــن ذلــك‪ :‬حــق يحــق‪ ،‬أي‪ :‬وجــب يوجــب‪ ،‬ومــن سـواه فلــيا بواجــب الوجــود‪ ،‬ودنمــا‬
‫وجوده به تعالى‪.‬‬

‫** وأما األدلة العقلية على وجوب وجوده تعالى فكثيرة‪:‬‬

‫كل ما سواه سبحانه وخروجه إلى الوجود بعد العدم‪ ،‬أي حدوا العالم‪.‬‬ ‫منها‪ :‬حدوا ّ‬
‫وبيــان ذلــك‪ :‬أن كـ ّـل مــا س ـواه ســبحانه ينقســم عنــد جمهــور العلمــاء إلــى أجـرام (أجســام)‬
‫وأع ـ ار (صــفات)‪ ،‬فــاألجرام (األجســام)‪ :‬كـ ّـل مــا يشــغل ف ار ـاً يعم ـره ويمنــع ي ـره أن‬
‫يحــل فيــه‪ ،‬واألع ـ ار (الصــفات)‪ :‬هــي التــي تقــوم بتلــك األجـرام (األجســام) مــن اللــون‬
‫والحركة والسكون‪.‬‬
‫فالدليل على حدوا العالم هو حــدوا األجـرام (األجســام) واألعـ ار ‪0‬الصــفات)‪ ،‬أمــا‬
‫حدوا األع ار (الصفات) فما من لون أو حركة أو ســكون أو يرهــا وإال وهــو جــائز‬
‫الوجود‪ ،‬يصال وجوده وعدمه بدليل المشاهدة‪ ،‬وما لم تشاهده فحكمــه حكــم مــا شــاهدناه‬
‫الستواء الجميع في الح يقة‪ ،‬وجائز الوجود ال يكون إ وال حادثاً‪.‬‬
‫لهــا فــي الطــول والعــر‬ ‫وأمــا حــدوا األج ـرام (األجســام) فمــا مــن مقــدار مخصــو‬
‫والحجم و يرها وإال ويجو أن تقبل يره‪ ،‬وهذا القبول ال م ذاتي لهــا ال يمكــن انفكاكهــا‬
‫عنه ضرورة‪ ،‬وهــذا األمــور المقبولــة متســاوية فــي قبــول األجـرام بهــا‪ ،‬ال تــرجيال ألحــدها‬
‫حيث ذاته‪ ،‬بــل هــي مفتقـرة إلــى مــن يــرجال وجودهــا بمقــدار معــين دون‬
‫على اآلخر من ُ‬
‫يره‪ ،‬وما هذا شأنه ال يكون وإال حادثاً‪.‬‬
‫ودذا ثبــت حــدوا العــالم ثبــت افتقــاره إلــى محــدا ألن الضــرورة العقليــة قاضــية بافتقــار‬
‫كل محدا إلى محدا‪ ،‬وهو هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪10‬‬
‫ومنه كا‪ :‬أونـه لــو لــم يوجــد واجــب الوجــود لــزم أن ال يوجــد موجــد أص ـالً‪ ،‬والــال م – وهــو‬
‫عــدم وجــود موجــود أص ـالً ‪ -‬باطــل ضــرورة‪ ،‬إذ ال يشــك عاقــل فــي وجودنــا مــثالً‪ ،‬ودذا‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز و‬ ‫بطل الال م بطل الملزوم‪ ،‬وثبت ن يضه وهو وجود واجب الوجود و‬
‫َن ِإَلى َرّبك اْل ُم ْنتَ َهى [النجم‪،]42 :‬‬
‫ودلى هذا البرهان العقلي يشير قوله تعالى‪َ ( :‬وأ و‬
‫فاآلية تدل على أن الموجودات في هذا العالم كاإلنسان والنبات و يرهما تدل على‬
‫وجود هللا تعالى‪ ،‬ألن هذه الموجودات ال بد لها من موجد‪ ،‬ألنه يستحيل وجودها من‬
‫نفسها‪ ،‬فالشيء ال يوجد نفسه‪.‬‬
‫ف ــإذا نظ ــر العق ــل ف ــي ه ــذه الموج ــودات الممكن ــة ل ــم يج ــد ب ــداً م ــن االنته ــاء إل ــى الج ــزم‬
‫بوجوب وجــود صــانع لهــا‪ ،‬وأن يكــون هــذا الصــانع متصــفا بصــفات الكمــال‪ ،‬وهــو اإللــه‬
‫الحق‪ ،‬فاه هو المنتهى الذي ينتهي إليه استدالل العقل‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬وجوب القدم‬


‫** والمقصود به سلب العدم السابق على الوجود‪ ،‬ودن شـ ت قلــت‪ :‬هــو عــدم األوليــة‬
‫للوجود‪ ،‬ودن ش ت قلت‪ :‬هو عدم افتتاح الوجود‪ ،‬والعبارات الثالا بمعنى واحد‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي على قدمه تعالى‪:‬‬


‫األول﴾ قب ــل ك ـ ّـل‬
‫األول) [الحدي ــد‪ ،]3:‬يق ــول اإلم ــام الطب ــري‪﴿ :‬ه ــو و‬
‫قول ــه تع ــالى‪( :‬ه ــو و‬
‫شيء‪.‬‬

‫** وأما الدليل العقلي على وجوب قدمه تعالى‬


‫أونـه لــو لــم يكــن قــديما لكــان حادثـاً لوجــوب انحصــار كـ ّـل موجــود فــي القــدم والحــدوا‪،‬‬
‫لكون ُه تعالى ليا بحادا ودال الفتقر إلى محدا لمــا تقــرر مــن اســتحالة حــدوا الشــيء‬
‫لنفســه‪ ،‬وحين ــذ ال ب ــد أن يفتق ــر ذل ــك المح ــدا إل ــى مح ــدا النعق ــاد التماث ــل بين ــه وب ــين‬
‫األول ل ــزم ال ــدور‪ ،‬وه ــو مح ــال لم ــا في ــه م ــن تق ـودم‬
‫محدث ــه‪ ،‬ف ــإن ك ــان المفتق ــر إلي ــه ه ــو و‬
‫ـىدي إليــه مــن‬ ‫ِ‬
‫الشــيء علــى نفســه‪ ،‬ودن كــان يـره لــزم التسلســل وهــو محــال أيضــا لمــا يـ ّ‬
‫الجم ــع ب ــين الف ـ ار وع ــدم النهاي ــة‪ ،‬ودذا اس ــتحال ك ـ ّـل م ــن ال ــدور والتسلس ــل اس ــتحال م ــا‬
‫يستلزمهما وهو نفي القدم‪ ،‬فيجب ن يضه الذي هو القدم‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وجوب البقاء‬
‫** ويقصـ ــد بـ ــه سـ ــلب العـ ــدم الالحـ ــق للوجـ ــود‪ ،‬ودن شـ ـ ت قلـ ــت‪ :‬هـ ــو سـ ــلب اآلخريـ ــة‬
‫للوجود‪ ،‬ودن ش ت قلت‪ :‬هو سلب اختتام الوجود‪ ،‬والكل بمعنى واحد‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي على وجوب بقائه تعالى‬


‫قوله و‬
‫عز وجـ وـل‪﴿ :‬واآلخر﴾ [الحديد‪ ،]3 :‬قال اإلمام الطبري‪﴿ :‬واآلخر﴾ بعد كل ش ءل‬
‫بغير نهاية‪.‬‬
‫كل شيء هالك وإال وجهه﴾ [القصص‪.]88 :‬‬ ‫وقوله تعالى‪ّ ﴿ :‬‬

‫** وأما الدلي العقل على وجوب بقائه تعالى‬


‫أون ـه لــو لــم يكــن بالي ـاً لــم يكــن قــديما‪ ،‬ذلــك ألنــه لــو أمكــن أن يلحقــه العــدم لكــان جــائز‬
‫الوجود‪ ،‬وجائز الوجود ال يكون وإال حادثاً مسبوقاً بالعدم لمــا تقــرر مــن اســتحالة وقوعــه‬
‫بنفسه‪ ،‬فيكون حادثاً مفتق اًر‪ ،‬لكــن حدوثــه تعــالى محــال ألنــه لــو كــان حادثـاً النتفــى عنــه‬
‫وجل محال لما سبق قريباً من وجوب قدمه‪.‬‬ ‫عز و‬ ‫القدم‪ ،‬وانتفاء القدم عن هللا و‬
‫فإذا بطل الال م الذي هو نفي القدم بطل ملزومه الذي هو إمكان لحوث العدم‪ ،‬وبطــل‬
‫م ــا أدى إلي ــه وه ــو أونـ ـه ل ــم يك ــن باليـ ـاً‪ ،‬وثب ــت ن يض ــه وه ــو أن هللا تع ــالى ب ــاث‪ ،‬وه ــو‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المخالفة للحوادث‬


‫** ويقص ــد به ــا و‬
‫أن هللا س ــبحانه وتع ــالى ل ــيا م ــن ج ــنا األجس ــام وال ص ــفاتها‪ ،‬ف ــاه‬
‫تعالى ليا مماثالً لشيء من الحوادا الموجودة والمعدومة مطلقاً‪.‬‬

‫واعلــم أن المخالفــة الواجبــة لــه تعــالى تجمــع كـ ّـل التنزيهيــات‪ ،‬فهــي تســلب الجرميــة عــن‬
‫ذات ـ ــه والعرض ـ ــية ع ـ ــن ص ـ ــفاته وخواص ـ ــهما‪ ،‬ودن ش ـ ـ ت قل ـ ــت‪ :‬س ـ ــلب المماثل ـ ــة لل ـ ــذات‬
‫والصفات واألفعال‪ ،‬فيستحيل على ذاته العلية وصفاته السنية الجرمية والعرضية وكـ ّـل‬
‫ال م م ــن لوا مهم ــا المقتض ــية للح ــدوا كالمق ــادير والجه ــات واأل من ــة واألمكن ــة والق ــرب‬
‫والبعد بالمسافة والصغر والكبر والمماسة والحركة والسكون و ير ذلك من اللوا م‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫** وأما الدليل النقلي على مخالفته تعالى للحوادا‬
‫الس ِميع اْلب ِ‬
‫ص ُير) [الشورى‪]11:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫قوله تعالى‪َ (:‬ل ْي َا َكم ْثله َش ْيء َو ُه َو و ُ َ‬

‫** وأما الدليل العقلي على مخالفته تعالى للحوادا‬


‫فإنــه لــو لــم يكــن مخالف ـاً للح ـوادا لكــان ممــاثالً لهــا‪ ،‬ولــو كــان ممــاثالً للح ـوادا‪ ،‬لكــان‬
‫حادثـاً مثلهــا‪ ،‬ولــو كــان حادثـاً الحتــال إلــى محــدا‪ ،‬ومحدثــه يحتــال إلــى محــدا وهكــذا‬
‫فيلزم الدور أو التسلسل‪ ،‬وكالهما باطل‪ ،‬فثبت مخالفته للحوادا‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬القيام بالنفس‬


‫** ومعنى ال يام بالنفا‪ ،‬أمران‪:‬‬
‫األمــر األول‪ :‬نــاه تعــالى عــن المحــل‪ ،‬فــال يقــوم بمحــل ‪ -‬أي ذات ‪ -‬يوجــد فيهــا كمــا‬
‫توجد الصفة بالموصوف‪.‬‬
‫‪ ،‬أي عـ ــدم افتقـ ــاره إلـ ــى فاعـ ــل وموجـ ــد‬ ‫األمـ ــر الثـ ــاني‪ :‬نـ ــاه تعـ ــالى عـ ــن المخص ـ ـ‬
‫يخصصه بالوجود بدال عن العدم‪ ،‬ال في ذاته وال في صفة من صفاته‪.‬‬

‫** وأما الدليل العقلي على عدم افتقاره إلى محل‬


‫فإنه لو احتــال إلــى محــل أي ذات أخــرى يقـوم بهــا كمــا تقــوم الصــفة بالموصــوف لكــان‬
‫هللا تعــالى صــفة لتلــك الـ وـذات التــي قــام بهــا‪ ،‬إذ ال يقــوم بالــذات وإال الصــفة‪ ،‬وموالنــا جــل‬
‫وعز يستحيل أن يكــون صــفة‪ ،‬إذ لــو كــان صــفة لمــا اتصــف بصــفات المعــاني ‪ -‬وهــي‬
‫القــدرة واإلرادة والعلــم والحيــاة ‪ -‬و يرهــا‪ ،‬فــإن الصــفة يســتحيل أن تقــوم بالصــفة ألنهمــا‬
‫مثالن متســاويان فــي الح يقــة‪ ،‬فلــيا كــون أحــدهما محـالً واألخــرى حــاالً فيــه أولــى مــن‬
‫العكا‪.‬‬

‫** وأما الدليل العقلي على عدم افتقاره إلى مخص‬


‫أي فاعــل يخصصــه بــالوجود بــدالً عــن العــدم لكــان حادث ـًا‬ ‫فإنــه لــو احتــال إلــى مخص ـ‬
‫حــادا‪ ،‬وذلــك محــال لمــا عرفــت بالبرهــان القــاطع‬
‫ضــرورة أن كـ ّـل محتــال إلــى المخصـ‬
‫‪.‬‬ ‫من وجوب قدمه تعالى‪ ،‬وبقائه ومخالفته تعالى لخلقه‪ ،‬فال يفتقر إلى مخص‬

‫‪13‬‬
‫فتبــين بهــذين الــدليلين وجــوب الغنــى المطلــق لموالنــا جــل وعــال عــن كـ ّـل مــا سـواه‪ ،‬وهــو‬
‫معنى ليامه تعالى بنفسه‪.‬‬

‫** واما الدليل النقلي على ليامه بنفسه‬


‫ّللاِ َو و‬
‫ّللاُ ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد) [فاطر‪]15:‬‬ ‫اء ِإَلى و‬ ‫ُّها الون ُ‬
‫ام أ َْنتُ ُم اْلُفَق َر ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ( :‬يا أَي َ‬
‫ِ‬ ‫وقوله تعالى‪ِ( :‬إ ون و ِ‬
‫ين) [العنكبوت‪]6:‬‬ ‫ّللاَ َل َغني َع ِن اْل َعاَلم َ‬

‫سادساً‪ :‬الوحدانية‬
‫** والمقصود بهــا أن هللا واحــد فــي ذاتــه‪ ،‬أي يــر مىلــف مــن جـزئين فــأكثر‪ ،‬وال مثــل‬
‫له‪ ،‬وواحد في صفاته‪ ،‬فال مثل له فيها وال نظير‪ ،‬وواحد في أفعاله فــال شـريك لــه فيهــا‬
‫وال مىثر معه في فعل من األفعال وال ضد له وال و ير وال معين‪.‬‬
‫ودن شـ ـ ت فقـ ــل‪ :‬هـ ــي سـ ــلب المثيـ ــل فـ ــي الـ ـ وـذات والنظيـ ــر فـ ــي ال ِ‬
‫صـ ـفات والشـ ـريك فـ ــي‬
‫ّ‬
‫األفعال‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي على وحدانية هللا تعالى‬


‫ص ـ َم ُد (‪َ )2‬ل ـ ْم َيلِ ـ ْد َوَل ـ ْم ُيوَل ـ ْد (‪َ )3‬وَل ـ ْم َي ُك ـ ْن َل ـ ُه‬ ‫ّللاُ أَ َح ـد (‪ )1‬و‬
‫ّللاُ ال و‬ ‫قولــه تعــالى‪ُ( :‬ق ـ ْل ُه ـَو و‬
‫َحد (‪ ))4‬سورة الصمد‪.‬‬ ‫ُكُف ًوا أ َ‬
‫الرحمن و ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫يم)‬
‫الرح ُ‬ ‫وقوله تعالى‪َ ( :‬ودَِل ُه ُك ْم ِإَله َواحد َال ِإَل َه ِإال ُه َو و ْ َ ُ‬
‫اعَل ْم أَون ُه َال ِإَل َه ِإ وال و‬
‫ّللاُ)‬ ‫وقوله تعالى‪َ ( :‬ف ْ‬
‫ان ِفي ِه َما آلِ َهة ِإ وال و‬
‫ّللاُ َلَف َس َدتَا)‬ ‫وقوله تعالى‪َ( :‬ل ْو َك َ‬

‫** وأما الدليل العقلي على وحدانية هللا تعالى‬


‫أنه لو لم يكن واحدا لكان متعــدداً بــأن يكــون هنــاع إلهــان فــأكثر ولــو كــان هنــاع إلهــان‬
‫أو أكثر فإما أن يتفقا ودما أن يختلفا‪:‬‬
‫* فإن اتفقا على إيجاد شيء مثالً‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فإما أن يوجداه معاً وعندئذ لزم اجتماع مــىثرين تــامين علــى أثــر واحــد وهــو باطــل‬
‫بالبداهة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثانيـ ـاً‪ :‬ودم ــا أن يوج ــداه مـ ـرتبين (ب ــأن يوج ــده أح ــدهما ث ــم يوج ــده اآلخ ــر)‪ ،‬وعندئ ــذ ل ــزم‬
‫تحصيل الحاصل وهو باطل بالبداهة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ودما أن يوجده أحدهما دون اآلخر‪ ،‬وعندئذ كان الموجد هو اإلله والثاني باطل‪.‬‬
‫رابع ـ ـاً‪ :‬ودمـ ــا أن يوجـ ــد كـ ــل منهمـ ــا بعـ ــض الشـ ــيء دون الـ ــبعض اآلخـ ــر‪ ،‬وعندئـ ــذ لـ ــزم‬
‫عجزهما‪ ،‬ألنه لما تعلقت قدرة أحدهما بالبعض سد على اآلخر طريق تعلق قدرته بــه‪،‬‬
‫فال يقدر على مخالفته‪ ،‬وهذا عجز‪ ،‬وكــل ذلــك باطــل‪ ،‬فبطــل مــا أدى إليــه‪ ،‬وهــو وجــود‬
‫إلهين متفقين‪ .‬وهذا البرهان يسمى‪ :‬برهان التوارد‪ ،‬لما فيه من تواردهما على شيء‪.‬‬

‫* ودن اختلفا‪ ،‬بأن أراد أحدهما إيجاد العالم‪ ،‬وأراد اآلخر إعدامه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فإما أن ينفذ مرادهما معاً‪ ،‬وعندئذ لزم اجتماع الضدين‪ ،‬وهو باطل بالبداهة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ودما أن ينفذ مراد أحدهما فقط دون اآلخر‪ ،‬وعندئذ يلزم عجز من لم ينفذ مـراده‪،‬‬
‫واآلخر مثله‪ ،‬النعقاد المماثلة بينهما‪.‬‬
‫ثالث ـاً‪ :‬ودن لــم ينفــذ م ـراد أحــدهما‪ ،‬لــزم عجــز كــل منهمــا‪ ،‬ولــزم ارتفــاع ( وال) الضــدين‬
‫وهو باطل‪ .‬فبطل ما أدى إلى ذلك‪ ،‬وهو وجود إلهين مختلفين‪ .‬وهذا البرهــان يســمى ‪:‬‬
‫برهان التمانع‪ ،‬لتمانعهما وتخالفهما‪ .‬فإذا بطل وجود إلهــين متفقــين أو مختلفــين‪ ،‬وجــب‬
‫أن يكون اإلله واحداً‪.‬‬

‫** وتجب له تعالى سبع صفات تسمى صفات المعاني‪:‬‬


‫وهــي عبــارة عــن كـ ّـل صــفة موجــودة قامــت بموجــود أوجبــت لــه حكمــا‪ ،‬وهــي ‪ :‬القــدرة‪،‬‬
‫واإلرادة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والحياة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكالم‪ .‬ودليك تفصيلها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬القدرة‬
‫كل ممكن ودعدامه على وفق اإلرادة‪.‬‬
‫** وهي صفة يتأتى بها إيجاد ّ‬
‫وضدها العجز‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة القدرة فآيات ال تحصى‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫ِير) [البقرة‪]109:‬‬ ‫ء ْ قهد ٌ‬‫ع هلى ُك ِش ه‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪ِ ( :‬إن ه‬
‫ّللا ه‬
‫ِير) [البقرة‪]284:‬‬ ‫ء ْ قهد ٌ‬ ‫علهى ُك ِش ه‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ (:‬هوّللاُ ه‬
‫ء ْ ُم ْقتهد ًِرا) [الكهف‪]45:‬‬ ‫علهى ُك ِش ه‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ ( :‬هو هكانه ّللاُ ه‬

‫** وأما الدليل العقلي لصفة القدرة‪:‬‬


‫أن هللا سبحانه وتعالى لو لم يتصف بالقدرة ‪ ،‬لكان عــاج اًز‪ .‬ولــو كــان عــاج اًز‪ ،‬لمــا وجــد‬
‫ش ــيء م ــن ه ــذه الحـ ـوادا المحكم ــة الص ــنعة المرتب ــة المتقن ــة‪ ،‬وع ــدم وج ــود ش ــيء م ــن‬
‫الحوادا باطل بالمشاهدة والحا‪.‬‬

‫** وثم ـرة معرفــة اتصــاف هللا تعــالى بالقــدرة إجاللــه ســبحانه ومهابتــه‪ ،‬ورجــاء إنعامــه‪،‬‬
‫وجل شاملة ألنواع النفع والضر والخير و يره‪.‬‬
‫عز و‬‫وخوف انتقامه‪ ،‬فإن قدرته و‬

‫ثانياً‪ :‬اإلرادة‪.‬‬
‫الممكــن بــبعض مــا يجــو عليــه مــن وجــود وعــدم‪،‬‬ ‫** وهي صفة يتأتى بهــا تخصــي‬
‫وصفة دون صفة‪ ،‬و مان دون مان‪ ،‬ومكان دون مكان‪ ،‬وجهة دون جهة‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة اإلرادة فآيات متعددة‪:‬‬


‫منها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬فهعا ٌل ِل هما ي ُِريدُ) [هود‪]107:‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ي ُِريدُ ّللاُ ِب ُك ُم ْال ُيس هْر هو هل ي ُِريدُ ِب ُك ُم ْالعُس هْر) [البقرة‪]185:‬‬
‫ء ْيئًا أ ه ْن هيقُو هل لههُ ُك ْن فه هي ُك ُ‬
‫ون) [يس‪]82:‬‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ِ ( :‬إن هما أ ه ْم ُرهُ ِإذها أ ه هراده ه‬

‫** وأما األدلة العقلية لصفة اإلرادة متعددة‪:‬‬


‫منها‪ :‬هللا صانع للعالم باالختيار‪ ،‬وكل من كــان كــذلك تجــب لــه اإلرادة‪ ،‬فــاه تجــب لــه‬
‫اإلرادة‪.‬‬
‫‪ ،‬وهــو‬ ‫ومنها‪ :‬لو لم يكن هللا تعــالى مريــداً‪ ،‬لكــان مكرهـاً‪ ،‬واإلكـراه فــي حقــه تعــالى نقـ‬
‫باطل‪.‬‬
‫** وثم ـرة معرف ــة اتص ــافه س ــبحانه ب ــاإلرادة المتف ــردة ب ــالنفوذ التق ــوى والوج ــل الموجب ــان‬
‫الجتناب الزلل‪ ،‬ودصالح العمل‪ ،‬ودقصار األمل‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العلم‬
‫** وه ــو ص ــفة ينكش ــف به ــا م ــا تتعل ــق ب ــه انكش ـافا م ــن ي ــر س ــبق خف ــاء‪ ،‬ال يحتم ــل‬
‫الن يض بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫وضـ ــدها‪ :‬الجهـ ــل ومـ ــا فـ ــي معنـ ــاه‪ ،‬كـ ــالظن والشـ ــك والـ ــوهم والـ ــذهول والغفلـ ــة والنسـ ــيان‬
‫والسهو‪.‬‬
‫** وأما الدليل النقلي لصفة العلم فآيات متعددة‪:‬‬
‫ّللاُ ِب ُك ِّل َشيء َعلِيم) [البقرة‪]282:‬‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و و‬
‫ْ‬
‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫الص ُد ِ‬
‫ور)[لقمان‪]23:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ِ (:‬إ ون و َ َ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و ُه َو ِب ُك ِّل َشيء َعلِيم) البقرة‪]29:‬‬
‫ْ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ِ( :‬إون َك أ َْن َت َع والم اْل ُغي ِ‬
‫وب) [المائدة‪]109:‬‬ ‫ُ ُ‬

‫** وأما الدليل العقلي لصفة العلم‪:‬‬


‫أن هللا ســبحانه وتعــالى فاع ــل فع ـالً متقن ـاً محكم ـاً‪ ،‬وهــذا مــاهر لم ــن نظــر فــي اآلف ــاث‬
‫واألنفا واألحياء‪ ،‬ومن كان فعله متقناً كان عالماً‪.‬‬
‫فمـ ــن رأى خطـ ـاً حسـ ــناً يتضـ ــمن ألفامـ ـاً عذبـ ــة رشـ ــيقة‪ ،‬تـ ــدل علـ ــى معـ ــان دليقـ ــة‪ ،‬علـ ــم‬
‫بالضرورة أن كاتبه عالم‪ ،‬فالنتيجة أن هللا تعالى عالم‪.‬‬

‫** وأما ثمرة معرفة اتصافه سبحانه بالعلم المحيط‪ ،‬الحياء منه فــي األقـوال واألعمــال‬
‫وســائر األح ـوال‪ ،‬وأمــا التخلــق بــه فبــأن يعــرف المكلــف أحكــام ذاتــه وصــفاته‪ ،‬وحاللــه‬
‫وكل ما يقرب إليه ويزلف لديه‪ ،‬مما فرضه عليه أو ندب إليه‪.‬‬
‫وحرامه‪ّ ،‬‬

‫خامساً‪ :‬الحياة‬
‫** وهي صفة يصال لمن قامت به اإلدراع‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬صفة أ لية توجب صحة العلم واإلرادة وباقي الصفات‪.‬‬
‫وضدها‪ :‬الموت‬
‫وليســت صــفة الحيــاة مــن ال ِ‬
‫ص ـفات المتعلقــة‪ ،‬بمعنــى أنهــا ال تقتضــي ائــداً علــى ال يــام‬
‫ّ‬
‫بمحلها‪ ،‬بخالف القدرة فإنها تقتضي ائداً على ال يام بمحلها وهو المقدور الــذي يتــأتى‬
‫‪17‬‬
‫به ــا‪ ،‬والعل ــم‬ ‫به ــا إيج ــاده ودعدام ــه‪ ،‬وك ــذا اإلرادة فإنه ــا تقتض ــي ل ــذاتها م ـراداً يتخص ـ‬
‫يقتضــي معلومــا ينكشــف بــه‪ ،‬وأمــا الحيــاة فــال تقتضــي ائــداً علــى ال يــام بمحلهــا‪ ،‬ودنمــا‬
‫هي صفة مصححة لإلدراع‪ ،‬بمعنى أنها شرا عقلي له‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة الحياة فآيات‪:‬‬


‫ُّوم)[البقرة‪]255:‬‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪ ( :‬و ِ َٰ ِ و‬
‫ّللاُ َال إَل َه إال ُه َو اْل َح ُّي اْلَقي ُ‬
‫ين اْل َح ْمـ ُد ِوهِ َر ِّب‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫و‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ُ ( :‬ه َو اْل َح ُّي َال ِإَل َه ِإال ُه َو َف ْاد ُعوهُ ُم ْخلصـ َ‬
‫ين َلـ ُه الـ ّـد َ‬
‫ين) [ افر‪]65:‬‬ ‫ِ‬
‫اْل َعاَلم َ‬

‫** وأما األدلة العقلية لصفة الحياة فمتعددة‪:‬‬


‫منها‪ :‬أن هللا تعالى عالم قادر‪ ،‬وكل عالم قادر حي بالضرورة‪ ،‬فاه تجب له الحياة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهللا منزه عن النقائ‬ ‫ومنها‪ :‬أن الحياة صفة كمال‪ ،‬ون يضها نق‬
‫ومنهــا‪ :‬أن اتصــافه تع ــالى بضــد الحي ــاة‪ ،‬ال تجعلــه واهــب الحي ــاة‪ ،‬ألن فاقــد الش ــيء ال‬
‫يعطيه‪ .‬فوجود هذا العالم البديع المتقن لن يتصور إال من حي قادر‪.‬‬

‫** وأما ثمـرة معرفتهــا‪ :‬التوكــل علــى هللا تعــالى‪ ،‬وااللتجــاء إليــه لقولــه تعــالى‪َ ( :‬وتََووكـ ْل‬
‫وت) [الفرقان‪.]58 :‬‬ ‫وِ‬
‫َعَلى اْل َح ِّي الذي َال َي ُم ُ‬

‫خامساً‪ :‬السمع‬
‫** وهي صفة أ لية شأنها إدراع كل مسموع‪ ،‬ودن خفي‪.‬‬
‫وهي صفة تنكشــف بهــا المســموعات مــن يــر آلــة‪ .‬فــال يعــزب عــن ســمعه مســموع ودن‬
‫خفي‪ ،‬وال يحجب سمعه ُبعد‪ ،‬ويسمع من ير أصمخة وآذان‪.‬‬
‫وضدها‪ :‬الصمم‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة السمع فآيات‪:‬‬


‫يم) [المائدة‪]76 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ّللا هو و ِ‬
‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و و ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫النساء‪ ،]134 :‬و يرهما‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬وَكان هللا س ِميعاً ب ِ‬
‫صي اًر) [ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫‪18‬‬
‫** وأما ثمرة معرفة اتصاف هللا تعالى بالسمع فخوف المكلف أو حياؤه أو مهابتــه أن‬
‫يسمع منه مواله ســبحانه مــا جـره عنــه مــن األقـوال أو كرهــه لــه منهــا‪ ،‬وأن يجتنــب كـ ّـل‬
‫قول ال يجلب نفعا وال يدفع ض ار في الحال وال في المآل‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬البصر‬
‫** وهي صفة أ لية شأنها إدراع كل مبصر‪ ،‬ودن لطف‪.‬‬
‫وهي صــفة تنكشــف بهــا المرئيــات مــن يــر آلــة‪ ،‬فــال يغيــب عــن بصـره مرئــي ودن َد وث‪،‬‬
‫وال يدفع رؤيته مالم‪ ،‬ويرى من ير حدقة وأجفان‪.‬‬
‫وضدها‪ :‬العمى‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة لبصر فآيات كثيرة‪:‬‬


‫صير) [الح ‪]61 :‬‬ ‫ّللا س ِميع ب ِ‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬وأ و‬
‫َ‬ ‫َن و َ َ‬
‫ِ‬
‫النساء‪]134 :‬‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬وَكان هللا س ِميعاً ب ِ‬
‫صي اًر) [ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ ( :‬إنني معكما أسمع وأرى) [طه‪.]46 :‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ( :‬ل ْي َا َك ِم ْثلِ ِه َشيء َو ُه َو السميع البصير) [الشورى‪]11:‬‬
‫ْ‬
‫**وأما ثمرة معرفة اتصاف هللا تعالى بالســمع فخــوف المكلــف أو حيــاؤه أو مهابتــه أن‬
‫حيث اقتضاه‪.‬‬
‫حيث نهاه‪ ،‬أو يفقده ُ‬
‫يراه مواله تعالى ُ‬

‫** وأما األدلة العقلية لصفتي السمع والبصر فمتعددة‪:‬‬


‫منها‪ :‬أن السمع والبصر صــفتا كمــال‪ ،‬وقــد اتصــف بهمــا المخلــوث‪ ،‬فهــو تعــالى األحــق‬
‫باالتصاف بهما‪ .‬ودال لزم أن يكون للمخلوث من صفات الكمال ما ليا للخالق‪.‬‬
‫ومنهــا‪ :‬أن هللا تعــالى لــو لــم يتصــف بالســمع والبصــر‪ ،‬لــزم أن يتصــف بضــدهما‪ ،‬ودذا‬
‫عليــه محــال‪ .‬فثبــت اتصــافه بالســمع‬ ‫ثبت اتصافه بضــدهما‪ ،‬كــان ذلــك نقصـاً‪ ،‬والــنق‬
‫والبصر‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬الكالم‪.‬‬
‫صفة أ لية قائمة بذاته تعالى‪ ،‬ليست بحــرف وال صــوت‪ ،‬منزهـة عــن الــبعض والكــل‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫والتقــديم والتــأخير‪ ،‬والســكوت واللحــن وســائر أنـواع التغيـرات‪ .‬وال تماثــل هــذه الصــفة أي‬
‫صفة كالم عند البشر‪ ،‬وال يرهم‪ ،‬ألن ح يقة الذات اإللهيــة وصــفاتها مخالفــة لكــل مــا‬
‫عداه‪.‬‬
‫وضدها‪ :‬البكم‬

‫** وأما الدليل النقلي لصفة الكالم فآيات متعددة‪:‬‬


‫منهـ ــا‪ :‬قولـ ــه تع ـ ــالى‪( :‬ودن أحـ ــد مـ ــن المش ـ ــركين اسـ ــتجارع فـ ــأجره حت ـ ــى يسـ ــمع ك ـ ــالم‬
‫هللا)[التوبة‪]6 :‬‬
‫ِها َوُكتُِب ِه) [التحريم‪]12 :‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ص ود َق ْت ب َكل َمات َرّب َ‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ ( :‬هوقها هل ّللاُ هل تهت ِخذُوا إِله ههي ِْن ْاث هني ِْن)[النح ‪]51 :‬‬
‫عو ِن أ ه ْست ِهجبْ له ُك ْم)) [غافر‪.]60 :‬‬ ‫(وقها هل هر ُّب ُك ُم ا ْد ُ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ه‬

‫** وأما الدليل العقلي لصفة الكالم‬


‫أن هللا سـ ــبحانه وتعـ ــالى لـ ــو لـ ــم يكـ ـن متكلمـ ـاً‪ ،‬للـ ــزم أن يتصـ ــف بضـ ــده وهـ ــو الخـ ــرم‪.‬‬
‫واتصـ ــافه بضـ ــده نق ـ ـ ‪ ،‬وهـ ــو باطـ ــل‪ ،‬ألن الـ ــنق ال يرضـ ــى بـ ــه المخلـ ــوث‪ ،‬فكي ـ ـ‬
‫بالخالقت فثبت اتصافه بصفة الكالم‪.‬‬
‫** وأما ثمرة معرفة الكالم فه معرفة أمره‪ ،‬وزجره‪ ،‬وإباحتلله‪ ،‬وحهللره‪ ،‬واالتعــا‬
‫بمواعظه‪ ،‬واال دجار بزواجره‪ ،‬والتقرب إليه بمفروضاته‪ ،‬والتحبب بمندوباته‪.‬‬
‫وأمــا التخلــق بــه فــالتكلم بكــل مــا دل عليــه‪ ،‬وأرشــد إليــه‪ ،‬ممــا يزلــف لديــه‪ ،‬وذلــك كــذكره‬
‫تعــالى‪ ،‬وشــكره‪ ،‬وتــالوة كتابــه‪ ،‬ودفهــام خطابــه‪ ،‬وتعلــيم كـ ّـل مــا أمــر بتعليمــه‪ ،‬وتفهــيم كـ ّـل‬
‫كل منكر‪.‬‬ ‫ما أمر بتفهيمه‪ ،‬واألمر بكل معروف والنهي عن ّ‬

‫ثانياً‪ :‬المستحيل في حق هللا تعالى‬


‫ولمــا بينــا مــا يجــب لموالنــا تبــارع وتعــالى مــن ال ِ‬
‫ص ـفات‪ ،‬شــرعنا فــي بيــان مــا يســتحيل‬
‫ّ‬
‫صـفات األولــى‪ ،‬ألن‬ ‫عليــه فنقــول‪ :‬ويســتحيل عليــه جــل وعــز كــل مــا ينــافي صــفة مــن ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصفات لما تقرر وجوبها له تعالى عقـالً وشــرعاً‪ ،‬وح يقــة الواجــب‪ :‬هــو مــا ال يتصــور‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫في العقل نفيه‪ ،‬لزم أن ال يقبل ‪ -‬جل وعز ‪ -‬االتصاف بما ينافي شي اً منها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ص ـفات المســتحيلة علــى حســب ترتيبنــا لل ِ‬
‫ص ـفات الواجبــة‪ ،‬فــذكرنا مــا‬ ‫واعلــم أننــا رتبنــا ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ينــافي األولــى‪ ،‬ثُـ وم مــا ينــافي الثانيــة‪ ،‬وهكــذا علــى ذلــك الترتيــب‪ ،‬فيســتحيل عليــه تعــالى‬
‫(العدم) وهــو عبــارة عــن ال شــيء‪( ،‬والحككدوث) وهــو المســبولية بالعــدم‪( ،‬وطككرو العككدم)‬
‫أي لحوث العدم بعد الوجود‪.‬‬

‫وكــذا يســتحيل عليــه تعــالى (المماثلككة للخلككق) بــأن يكــون جرم ـاً – أي جســماً ‪ -‬تأخــذ‬
‫ذات ــه العلي ــة ق ــد اًر م ــن الف ـ ار ‪ ،‬أو يك ــون عرض ــا – أي ص ــفة ‪ -‬يق ــوم ب ــالجرم‪ ،‬أو يك ــون‬
‫محاذي ــا للج ــرم‪ ،‬أو مختص ـاً بجه ــة‪ ،‬أو مقي ــداً بمك ــان أو م ــان‪ ،‬أو تتص ــف ذات ــه العلي ــة‬
‫بالحوادا‪ ،‬أو يتصف بالصغر أو الكبر‪.‬‬

‫) وهــو ن ــيض الغنــى‬ ‫وكــذا يســتحيل عليــه جــل وعــز (االفتقككار إلككى المحككل والمخص ك‬
‫الثاب ــت ل ــه تع ــالى‪ ،‬فل ــيا ه ــو س ــبحانه معن ــى م ــن المع ــاني‬ ‫ع ــن المح ــل والمخصـ ـ‬
‫كــل جــائز بــبعض مــا يجــو‬ ‫– أي الفاعــل – الــذي يخص ـ‬ ‫فيحتــال إلــى المخص ـ‬
‫عليــه‪ ،‬بــل هــو جــل وعــال واجــب القــدم والبقــاء‪ ،‬ال تقبــل ذاتــه العليــة وال صــفاته المرفعــة‬
‫السنية العدم أصال‪ ،‬فهو تعالى المنفرد بالغنى المطلق وحده تبارع وتعالى‪.‬‬

‫وكــذا يســتحيل علي ــه تعــالى (الشككريب) ف ــي األفعــال‪ ،‬والمثي ــل فــي ال ـ وـذات‪ ،‬والنظيــر ف ــي‬
‫الصفات‪ ،‬وكذا يستحيل عليه تعالى (العجز) عن إيجاد أو عدم ممكن ما‪ ،‬فــإن العجــز‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫صفة يتعذر معها إيجاد الممكن ودعدامه‪.‬‬

‫وكذا يستحيل عليــه إيجــاد شــيء مــن العــالم مــع (الكراهككة) لوجــوده‪ ،‬أي مــع عــدم إرادتــه‬
‫الممكــن بــبعض مــا‬ ‫له تعالى‪ ،‬وقد عرفــت أن ح يقــة اإلرادة صــفة يتــأتى بهــا تخصــي‬
‫يجو عليه‪ ،‬وقد تقرر أنها عامة التعلــق بجميــع الممكنــات‪ ،‬فيلــزم اســتحالة وقــوع شــيء‬
‫م ــن الع ــالم بغي ــر إرادة من ــه تع ــالى لوق ــوع ذل ــك الش ــيء‪ ،‬إذ ل ــو وق ــع ش ــيء م ــع كراهت ــه‬
‫لوجوده الجتمع الضدان‪ ،‬وهو مستحيل‪.‬‬

‫وكذا يستحيل عليه تعالى (الجهل) وما في معناه من الشك‪ ،‬والظــن‪ ،‬والــوهم‪ ،‬والنســيان‬
‫لمعلوم ما‪ ،‬والنوم‪ ،‬وكون علمه سبحانه نظرياً بالتأمل لكونه مسبوقاً بالجهل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وكذا يستحيل عليه تعالى (الموت) وهو صفة ال يتأتى معها اإلدراع‪ ،‬ودن شـ ت قلــت‪:‬‬
‫صفة تمنع من تصحيال االتصاف باإلدراع لمن قامت به‪ ،‬والعبارتان بمعنى واحد‪.‬‬

‫وكذا يستحيل عليه تعــالى (الصمم‪ ،‬والعمككى) وهمــا عــدم الســمع والبصــر‪ ،‬وذلــك بوجــود‬
‫مــا ينافيهمــا‪ ،‬أو يبــة موجــود مــا مــن الموجــودات عــن صــفتي الســمع والبصــر‪ ،‬وذلــك‬
‫مس ــتحيل ف ــي حق ــه س ــبحانه لم ــا س ــبق م ــع وج ــوب عم ــوم تعلقهم ــا بجمي ــع الموج ــودات‪،‬‬
‫علمية كانت أو خارجية‪.‬‬

‫وكذا يستحيل عليه تعالى (البكم) وهو عدم الكالم أصالً بوجــود آفــة تمنــع مــن وجــوده‪،‬‬
‫ويس ـ ــتحيل علي ـ ــه تع ـ ــالى م ـ ــا ف ـ ــي معن ـ ــى ال ـ ــبكم كالس ـ ــكوت‪ ،‬وك ـ ــون كالم ـ ــه ب ـ ــالحروف‬
‫واألص ـوات‪ ،‬فإنهــا مســبوقة بالعــدم وملحوقــة بــه‪ ،‬وذلــك يســتلزم ح ـدوثها‪ ،‬وكالمــه القــائم‬
‫بذاته سبحانه قديم كذاته العلية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الجائز في حقه تعالى‪.‬‬


‫ولما انتهينا مــن ذكــر مــا يجــب فــي حقــه تعــالى ومــا يســتحيل عليــه تعــالى‪ ،‬ذكرنــا القســم‬
‫كل ممكككن أو ترمككه) فيــدخل‬ ‫الثالث من اإللهيات فنقول‪( :‬ويجوز في حقه تعككالى فعككل مك ّ‬
‫في ذلك الثواب والعقاب‪ ،‬والصالح واألصلال للخلــق‪ ،‬وأفعــال الحيوانــات كلهــا عاقلــة أو‬
‫صـالة‬
‫الرســل علــيهم ال و‬
‫ير عاقلة‪ ،‬واألسباب المقترنة بمسبباتها عــادة أو شــرعاً‪ ،‬وبعثــه ُّ‬
‫فكل ذلك مما ال يلزم من وقوعه وال عدم وقوعه محال لذاته‪.‬‬
‫والسالم‪ّ ،‬‬
‫ومـ ــن الجـ ــائزات رؤيـ ــة المخلـ ــوث لـ ــه تعـ ــالى‪ ،‬مـ ــن يـ ــر جهـ ــة وال مقابلـ ــة‪ ،‬يقـ ــول اإلمـ ــام‬
‫القرطبي‪ " :‬س ل رسول هللا ‪ ‬عن قوله تعالى‪(:‬و يادة قــال‪ :‬للــذين أحســنوا العمــل فــي‬
‫ال ـ ــدنيا له ـ ــم الحس ـ ــنى وه ـ ــي الجن ـ ــة والزي ـ ــادة النظ ـ ــر إل ـ ــى وج ـ ــه هللا الك ـ ـريم "[القرطب ـ ــي‪:‬‬
‫‪.]210‬‬ ‫ل‪8‬‬
‫وعن ــد قول ــه تع ــالى‪(:‬وج ــوه يوم ــذ ناض ـرة إل ــى ربه ــا ن ــامرة [ال يام ــة‪ ،]22:‬يق ــول اإلم ــام‬
‫الطبــري‪ " :‬قولــه (وجــوه يوم ــذ ناضـرة قــال‪ :‬حســنة (إلــى ربهــا نــامرة قــال‪ :‬تنظــر إلــى‬
‫‪.]228‬‬ ‫الخالق‪ ،‬وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق"[الطبري‪ :‬ل‪29‬‬
‫ويقــول الحــاف ابــن كثيــر‪ " :‬قــال تعــالى‪(:‬وجــوه يوم ــذ ناض ـرة مــن النضــارة أي حســنة‬
‫‪22‬‬
‫‪.]576‬‬ ‫بهية مشرقة مسرورة‪( ،‬إلى ربها نامرة أي تراه عياناً "[ابن كثير‪ :‬ل‪3‬‬
‫ويقول البيضاوي‪(" :‬وجوه يوم ــذ ناضـرة بهيـة متهللــة‪( ،‬إلــى ربهــا نــامرة) تـراه مســتغرقة‬
‫‪.]267‬‬ ‫في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه "[البيضاوي‪ :‬ل‪5‬‬
‫*******************************************‬

‫ثانياً‪ :‬اإليمان بالمالئكة الكرام‬

‫اإليمان بالمالئكة رمن من أرمان اإليمان‬

‫روحاني نوراني له القدرة على التشكالت‬ ‫(األمالك جمع ملك‪ ،‬وهو‪ :‬جسم لطي‬
‫الجميلة‪.‬‬
‫اهِ َو َم َالِئ َكِت ِه‬
‫آم َن ِب و‬ ‫ِ‬ ‫ُنزل ِإَلي ِه ِمن ورب ِ‬
‫َواْل ُم ْىم ُنو َن ُكل َ‬
‫ِه‬‫ّ‬ ‫ول ِب َما أ ِ َ ْ‬ ‫الرُس ُ‬‫(آم َن و‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫َحد ِّمن ُّرُسلِ ِه َوَقالُوا‬
‫َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫ط ْع َنا ُ ْف َرَان َك َربَونا َودَِل ْي َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوُكتُِبه َوُرُسلِه َال ُنَف ّر ُ‬
‫ِث َب ْي َن أ َ‬
‫ص ُير (‪ ))285‬سورة البقرة‪.‬‬ ‫اْلم ِ‬
‫َ‬
‫ول هللاِ ‪ُ « :‬خلَِق ِت اْل َم َالِئ َك ُة ِم ْن ُنور‪،‬‬ ‫ال َرُس ُ‬ ‫َع ْن َعائ َش َة رضي هللا عنها‪َ ،‬قاَل ْت‪َ :‬ق َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ِمن م ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َل ُك ْم»‬
‫ارل م ْن َنار‪َ ،‬و ُخل َق َآد ُم م وما ُوص َ‬ ‫َو ُخل َق اْل َج ُّ ْ َ‬

‫** اإليمان بهم‪:‬‬


‫ويجب اإليمان بهم إجماالً فيمن ُعلم منهم إجماالً‪ ،‬وتفصيالً فيمن ُعلم منهم تفصيالً‬
‫بالشخ ‪ ،‬كجبريل ودسرافيل وميكائيل‪ ،‬وملك الموت‪ ،‬وهم رؤساء المالئكة عليهم‬ ‫ّ‬
‫الصالة والسالم أجمعين‪ ،‬ومنكر ونكير‪ ،‬ورضوان خا ن الجنان‪ ،‬ومالك خا ن‬
‫ُ‬
‫النيران‪ ،‬أو بالنوع‪ :‬كحملة العرش‪ ،‬وأعوان ملك الموت‪ ،‬والحفظة‪ :‬وهم مالئكة موكلون‬
‫بحف البشر‪ ،‬والكتبة‪ :‬وهم مالئكة يكتبون على المكّلف جميع ما صدر منه من قول‪،‬‬
‫يسمى‬
‫وفعل واعتقاد‪ ،‬ال يفارقونه إال في حاالت محددة‪ ،‬والمشهور أنهما ملكان ّ‬
‫الرقيب‪ ،‬والثاني‪ :‬العتيد‪ ،‬كما في سورة (ث)‪.‬‬
‫أحدهما‪ّ :‬‬

‫‪23‬‬
‫***صفات المالئكة الكرام‪ :‬من أشهر صفاتهم‪:‬‬
‫‪ -1‬عصمتهم هللا من الذنوب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يىمرون) [التحريم‪.]6 :‬‬
‫‪ -2‬م خلوقة من نور‪ ،‬ولهم القدرة على الظهور والتشكل بصور حسنة‪ ،‬من بينها الصورة‬
‫اآلدمية‪ ،‬كما سبق في حديث جبريل‪.‬‬
‫‪ -3‬ال يمّلون وال يتعبون‪ ،‬قال تعالى في وصفهم‪{ :‬يسِبحو َن و‬
‫اللْي َل َوالون َه َار الَ َيْفتُُرو َن} أي‬ ‫َُّ ُ‬
‫أنهم ال يفترون ال يضعفون‪.‬‬
‫اء ْت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫‪ -4‬المالئكة ال يأكلو وال يشربو ‪ ،‬قال القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَلَق ْد َج َ‬
‫اء ِب ِع ْجل َحِنيذ (‪َ )69‬فَل وما‬ ‫ِ ِ‬
‫َن َج َ‬ ‫ال َس َالم َف َما َلِب َث أ ْ‬ ‫اه ِ‬
‫يم باْل ُب ْش َرى َقاُلوا َس َال ًما َق َ‬
‫ُرُسُلَنا إ ْب َر َ‬
‫ف ِإونا أ ُْرِسْلَنا ِإَلى َق ْو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأرَى أ َْيدَي ُه ْم َال تَص ُل ِإَل ْيه َنك َرُه ْم َوأ َْو َج َا م ْن ُه ْم خ َيف ًة َقالُوا َال تَ َخ ْ‬
‫َن اْل َم َالِئ َك َة َال تَأ ُ‬
‫ْك ُل‪.‬‬ ‫ْكلُوا ِأل و‬
‫اؤَنا‪َ :‬وَل ْم َيأ ُ‬
‫ال ُعَل َم ُ‬
‫لُوا (‪ ))70‬سورة هود‪َ .‬ق َ‬
‫‪ -5‬يتصفون بالقدرات الخارقة‪ ،‬فقد وضع هللا تعالى فيهم من القدرات خارقة‪.‬‬
‫اع ِل اْل َمالَِئ َك ِة ُرُسالً‬
‫ات واألَر ِ ج ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫اط ِر و‬ ‫‪ -6‬لهم أجنحة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬اْلحمد ِوهِ َف ِ‬
‫َ ُْ‬
‫ّللاَ َعَلى ُك ِّل َشيء َق ِدير‬ ‫اء ِإ ون و‬
‫ُ‬ ‫اع َي ِز ُيد ِفي اْل َخْل ِق َما َي َش‬
‫َ‬ ‫َجِن َحة َم ْثَنى َوثُالَ َا َوُرَب‬
‫أُولِي أ ْ‬
‫ْ‬
‫*}‪.‬‬
‫****أعمال المالئكة‪ :‬للمالئكة العديد من األعمال‪ ،‬من أبر ها‪:‬‬
‫ّللاُ ِإ وال َو ْحًيا أ َْو ِم ْن َوَر ِاء‬‫َن ُي َكِّل َم ُه و‬
‫ان لَِب َشر أ ْ‬‫‪ -1‬حمل الوحي لألنبياء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬و َما َك َ‬
‫اء ِإون ُه َعلِي َح ِكيم (‪ ) )51‬سورة الشورى‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح َجاب أ َْو ُي ْرس َل َرُسوًال َف ُيوح َي بإ ْذنه َما َي َش ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اما‬‫ين (‪ )10‬ك َر ً‬ ‫‪ -2‬كتابة وحف وتسجيل أعمال اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬ودِ ون َعَل ْي ُك ْم َل َحافظ َ‬
‫ِ‬
‫ين (‪َ )11‬ي ْعَل ُمو َن َما تَْف َعُلو َن) سورة االنفطار‪.‬‬ ‫َكاتِب َ‬
‫وِ‬
‫ين تَتَ َووف ُ‬
‫اه ُم‬ ‫‪ -3‬لبض أرواح البشر‪ :‬قال تعالى في بيان لبض أرواح أهل اإليمان‪( :‬الذ َ‬
‫ين َيُقولُو َن َس َالم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخلُوا اْل َجون َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َملُو َن (‪ ))32‬سورة‬ ‫اْل َم َالِئ َكةُ َ‬
‫طِّيِب َ‬
‫ِ‬ ‫وِ‬
‫ض ِرُبو َن‬ ‫النحل‪ .‬أما أهل الكفر فقال تعالى‪َ ( :‬وَل ْو تَ َرى ِإ ْذ َيتََووفى الذ َ‬
‫ين َكَف ُروا اْل َم َالئ َك ُة َي ْ‬
‫يق (‪ ))50‬سورة األنفال‪.‬‬ ‫اب اْل َح ِر ِ‬
‫وه ُه ْم َوأ َْدَب َارُه ْم َوُذوُقوا َع َذ َ‬
‫ُو ُج َ‬
‫اب َل ُك ْم أَِّني ُم ِم ُّد ُك ْم ِبأَْلف‬ ‫استَ َج َ‬ ‫‪ -4‬الجهاد مع المىمنين‪ ،‬قال تعالى‪ِ{ :‬إ ْذ تَ ْستَ ِغيثُو َن َرب ُ‬
‫وك ْم َف ْ‬

‫‪24‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين} سورة األنفال‪9:‬‬ ‫م َن اْل َمالئ َكة ُم ْرِدف َ‬
‫ِك َف ْوَق ُه ْم َي ْو َمِ ذ ثَ َم ِانَية)‪.‬‬ ‫ش َرّب َ‬ ‫‪ -5‬حملة العرش‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وَي ْح ِم ُل َع ْر َ‬
‫ون ُه ِم ْن أ َْم ِر‬ ‫ظَ‬‫‪ -6‬حراسة اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬ل ُه ُم َع ِّ َبات ِم ْن َب ْي ِن َي َد ْي ِه َو ِم ْن َخْل ِف ِه َي ْحَف ُ‬
‫صُف ُه ْم‬ ‫ص وال َو ْ‬ ‫ظ ُة َودِون َما َ‬ ‫َن اْل ُم َرَاد ِم ْن ُه اْل َم َالِئ َك ُة اْل َحَف َ‬ ‫ّللاِ) قال اإلمام ال ار ي في تفسيره‪( :‬أ و‬ ‫و‬
‫َج ِل أَون ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وِ‬ ‫ِ‬ ‫َج ِل أ و‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا‪َ ،‬ودِ وما أل ْ‬ ‫ار وبِاْل َع ْك ِ‬
‫َن َم َالئ َك َة اللْيل تَ ْعُق ُب َم َالئ َك َة الون َه ِ َ‬ ‫ِباْل ُم َع ّ َبات‪ِ ،‬إ وما أل ْ‬
‫ون َها ِباْل ِحْف ِ َواْل َك ْت ِب)‬ ‫ِ ِ‬
‫ال اْلعَباد َوَي ْتَب ُع َ‬ ‫َيتَ َعوق ُبو َن أ ْ‬
‫َع َم َ‬
‫‪ -7‬االستغفار للمىمنين‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬واْل َم َالِئ َك ُة ُي َس ِّب ُحو َن ِب َح ْم ِد َرِّب ِه ْم َوَي ْستَ ْغ ِف ُرو َن لِ َم ْن ِفي‬
‫يم (‪ ))5‬سورة الشورى‬ ‫ّللا هو اْل َغُفور و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْاأل َْر أ ََال إ ون و َ ُ َ‬
‫ف َعونا‬ ‫ِ‬ ‫ار لِ َخ َزَن ِة َج َهون َم ْاد ُعوا َرب ُ‬
‫وك ْم ُي َخّف ْ‬ ‫ين ِفي الون ِ‬ ‫‪ -8‬خزنة النار‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وَق و ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫اب (‪ ))49‬سورة افر‬ ‫يوما ِم َن اْلع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ً‬

‫الجن‪:‬‬
‫الجن) وهم‪ :‬أجسام لطيفة نارية‪ ،‬لهم قدرة على التشكالت‪.‬‬
‫ويجب اإليمان بوجود ( ّ‬
‫وهم مكلفون‪ ،‬ومنهم الطائع ومنهم العاصي‪.‬‬

‫صفات الجن‪ :‬لهم صفات متعددة‪ ،‬من أشهرها‪:‬‬


‫الس ُمو ِم (‪ ))27‬سورة‬ ‫ار و‬ ‫ان َخَلْقَناهُ ِم ْن َقْب ُل ِم ْن َن ِ‬
‫(واْل َج و‬
‫‪ -1‬خلقوا من النار‪ :‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫الحجر‪.‬‬
‫ارل ِم ْن َنار (‪ )15‬سورة الرحمن‬ ‫ان ِم ْن َم ِ‬
‫(و َخَل َق اْل َج و‬
‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫ان‬
‫طُ‬ ‫ون َلهم و‬
‫الش ْي َ‬ ‫(ودِ ْذ َ ي َ ُ ُ‬‫‪ -2‬لهم قدرة عل التشكالت بالصور المختلفة‪ .‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ام ودِِني جار ول ُكم َفَل وما تَر ِ‬
‫اءت اْل ِفَتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َن َك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال الَ َ ال َب َل ُك ُم اْلَي ْوَم م َن الون ِ َ ّ َ‬ ‫َع َماَل ُه ْم َوَق َ‬
‫أْ‬
‫ّللاُ َش ِد ُيد‬ ‫ِ‬ ‫عَلى ع ِقبي ِه وَقال ِإِني ب ِريء ِم ُ ِ‬
‫ّللاَ َو ّ‬ ‫اف ّ‬
‫َخ ُ‬‫نك ْم ِإّني أ ََرى َما الَ تَ َرْو َن ِإّن َي أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َْ َ َ ّ َ‬ ‫َ‬
‫اب) سورة األنفال‪.48 ،‬‬ ‫اْل ِعَق ِ‬
‫وقد ذكر الطبري في تفسير‪ ،‬عن ابن عبام قال‪ :‬جاء إبليا يوم بدر في جند من‬
‫الشيطان‪ ،‬معه رايته‪ ،‬في صورة رجل "سراقة بن مال"‪ ،‬فقال الشيطان للمشركين‪ (:‬الَ‬

‫‪25‬‬
‫ام َودِِّني َجار ول ُك ْم)‬
‫َ الِ َب َل ُكم اْلَي ْوم ِم َن الون ِ‬
‫ُ َ‬
‫ون ُه َوُذ ِّريوتَ ُه أ َْولَِياء ِمن‬
‫‪ -3‬والجن يتناكحون ويتناسلون ولهم ذرية‪ ،‬قال تعالى ‪(:‬أََفتَتو ِخ ُذ َ‬
‫ُدوِني َو ُه ْم َل ُك ْم َع ُدو) سورة كهف‪ ،‬أية ‪.50‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -4‬عندهم قدرات عظيمة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬ق ِ‬
‫وم‬ ‫يك ِبه َقْب َل أ ْ‬
‫َن تَُق َ‬ ‫ال عْف ِريت م َن اْل ِج ِّن أ ََنا آت َ‬
‫َ‬
‫َمين (‪))39‬‬ ‫امك ودِِّني عَلي ِه َلَق ِوي أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫م ْن َمَق َ َ‬
‫اء ِة ِفي ُّ‬
‫الص ْب ِال‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اب اْل َج ْهر باْلق َر َ‬ ‫‪ -5‬يأكلون ويشربون‪ ،‬فذكر البخاري في صحيحه في َ"ب ُ‬
‫اء ِة َعَلى اْل ِج ِّن" عن ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول هللا ‪(( :‬أتاني داعي الجن‬ ‫ِ‬
‫َواْلق َر َ‬
‫فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن‪ ،‬قال‪ :‬فانطلق بنا فأرانا آثارهم‪ ،‬وآثار نيرانهم‪ ،‬وسألوه‬
‫الزاد‪ ،‬فقال‪ :‬لكم كل عظم ذكر اسم هللا عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً‪ ،‬وكل‬
‫بعرة علف لدوابكم‪ .‬فقال رسول هللا ‪ :‬فال تستنجوا بها فإنها طعام إخوانكم)‬

‫اس ُج ُدوا ِآل َد َم َف َس َج ُدوا ِإ وال‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫ودبليا ليا من المالئكة‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ( :‬ودِ ْذ ُقْلَنا لْل َم َالئ َكة ْ‬
‫ِ‬ ‫ِإبلِيا أَبى واستَ ْكبر وَك ِ‬
‫ين (‪ ))34‬سورة البقرة‪ .‬والمالئكة ال يعصون هللا‬ ‫ان م َن اْل َكاف ِر َ‬‫ْ َ َ َ ْ ََ َ َ‬
‫ال أََنا َخ ْير ِم ْن ُه َخَلْقتَِني‬ ‫َم ْرتُ َك َق َ‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ال َما َمَن َع َك أَال تَ ْس ُج َد إ ْذ أ َ‬‫جل جالله‪ .‬ولقوله تعالى‪َ ( :‬ق َ‬
‫ِم ْن َنار َو َخَلْقتَ ُه ِم ْن ِطين) والمالئكة إنما خلقوا من النور‪.‬‬

‫*******************************************‬

‫ثالثاً‪ :‬اإليمان بالكتب السماوية‪.‬‬


‫الوحي لغة‪ :‬اإلشارة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬واإللهام‪ ،‬والكالم الخفي‪.‬‬
‫الوحي اصطالحاً‪ :‬هو أن ُيعلم هللا تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطالعه‬
‫عليه من ألوان الهداية والعلم‪ ،‬ولكن بطريقة سرية خفية ير معتادة للبشر‪.‬‬
‫فالوحي هو أسام النبوة‪ ،‬ألنه من هللا تعالى‪ ،‬يكون مصحوباً باألدلة على صدقه‬
‫ليتميز األنبياء عن مدعي النبوة‪.‬‬
‫ّللاُ ِإ وال َو ْحًيا أ َْو ِم ْن َوَر ِاء ِح َجاب‬
‫َن ُي َكِّل َم ُه و‬
‫ان لَِب َشر أ ْ‬
‫صور الوحي‪ :‬قال تعالى‪َ ( :‬و َما َك َ‬

‫‪26‬‬
‫اء ِإون ُه َعلِي َح ِكيم (‪ ))51‬سورة الشورى‪,‬‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْو ُي ْرس َل َرُسوًال َف ُيوح َي بإ ْذنه َما َي َش ُ‬
‫‪ -1‬وحياً‪ :‬على ضربين‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإللهام والقذف في القلب‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرؤيا بالمنام‪ ،‬كما كانت بداية للوحي للنبي الرؤيا الصادقة التي كانت أول ما‬
‫بدئ به الوحي‪ ،‬تقول أم المىمنين السيدة عائشة‪( :‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل‬
‫فلق الصبال)‪ .‬ومثل ذلك ما وقع إلبراهيم عليه السالم حينما أمره هللا تعالى بذبال ولده‬
‫إسماعيل‬
‫‪ -2‬من وراء حجاب‪ ،‬ومن ذلك ما حصل لموسى عليه السالم‪ ،‬قال تعالى‪ُ ( :‬نوِد َي‬
‫وسى ِإِّني أََنا و‬
‫ّللاُ َر ُّب‬ ‫اط ِئ اْلو ِاد ْاأل َْيم ِن ِفي اْل ُبْق َع ِة اْلم َب َارَك ِة ِم َن و‬
‫الش َج َرِة أ ْ‬
‫ِمن َش ِ‬
‫َن َيا ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ين (‪ ))30‬سورة القص ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اْل َعاَلم َ‬
‫‪ -3‬أو يرسل رسوالً‪ :‬كما كان يأتي جبريل عليه السالم إلى األنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬فتارة يأتي إلى األنبياء على صورته الح ي ية‪ ،‬وتارة على صورة رجل‬
‫فيكلمه‪ ،‬كما في حديث جبريل‪ ،‬وتارة يأتي للنبي خفية دون أن يراه أحد‪ ،‬وهذا كما‬
‫وصف بأنه كصلصة الجرم‪ ،‬كما جاء في حديث النبي ‪( :‬يأتيني مثل‬
‫صلصة‪ ....‬ما يقول)‪.‬‬

‫اإليمان بالكتب السماوية‪:‬‬


‫‪ -1‬اإليمان بالكتب إلى ذكرت تفصيالً‪ :‬صحف إبراهيم‪ ،‬وتوراة موسى‪ ،‬ودنجيل‬
‫عيسى‪ ،‬و بور داود‪ ،‬والقرآن الذي نزل على محمد عليهم الصالة والسالم جميعاً‪.‬‬
‫‪ -2‬اإليمان إجماالً بما أنزله هللا تعالى على أنبيائه‪ ،‬ألن كتب هللا تعالى ليست‬
‫محصورة بما ُذكر في القرآن‪.‬‬

‫حاجة الناس لها‪:‬‬


‫والكتب التي أنزلها هللا تعالى على أنبيائه‪ ،‬كان تشمل منافع عظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدعوة إلى توحيد هللا تعالى‪ ،‬وعبادته‪.‬‬
‫ب‪ -‬الدعوة إلى اإليمان بباقي أركان اإليمان‪ ،‬مثل‪ :‬اإليمان بالرسل‪ ،‬والكتب‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫والمالئكة‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقضاء والقدر‪.‬‬
‫ل‪ -‬هداية النام لخير الدارين‪ ،‬الدنيا واآلخرة‪ .‬وبما فيه صالح الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫د‪ -‬دعوة النام لفضائل األخالث‪ ،‬و جرهم عن الرذائل‪.‬‬

‫فبعد أن أمرنا هللا تعالى في القرآن الكريم اإليمان بالكتب السماوية‪ ،‬إال أنه ّبين لنا ما‬
‫أصاب تلك الكتب السابقة من التحري والتبديل‪ ،‬والزيادة والنقصان‪ ،‬على يد أهلها‪،‬‬
‫ّللاِ لَِي ْشتَ ُروا ِب ِه‬
‫اب ِبأ َْي ِدي ِه ْم ثُ وم َيُقولُو َن ََٰه َذا ِم ْن ِع ِند و‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْكتُُبو َن اْلكتَ َ‬
‫ِو ِ‬
‫قال تعالى‪َ ( :‬ف َوْيل ّللذ َ‬
‫يال َف َوْيل ول ُهم ِّم وما َكتََب ْت أ َْي ِدي ِه ْم َوَوْيل ول ُهم ِّم وما َي ْك ِس ُبو َن (‪))79‬‬
‫ثَ َم ًنا َقلِ ً‬
‫اض ِع ِه)‬
‫وقال تعالى‪ِ ( :‬من وال ِذين هادوا يح ِرُفو َن اْل َكلِم عن ومو ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َّ‬

‫مميزات القرآن الكريم‪:‬‬


‫مما يجب على المسلم هنا‪ ،‬وهو من المسائل المتعلقة بالعقيدة‪ ،‬هو أن القرآن الكريم‪،‬‬
‫والتبديل‪ ،‬ومن‬ ‫هو كالم هللا تعالى‪ ،‬وليا كالم بشر‪ ،‬وأنه محفو من التحري‬
‫مميزاته‪:‬‬
‫‪ -1‬إخباره بالغيبيات التي ال يعلمها إال هللا في الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬قال‬
‫وح ِ‬
‫يه ِإَل ْي َك)‬ ‫تعالى‪ََٰ ( :‬ذلِك ِمن أَنب ِ‬
‫اء اْل َغي ِب ُن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫‪ -2‬اشتماله على الحقائق العلمية التي جاءت العلوم الحديثة تىكد سالمتها‪.‬‬
‫‪ -3‬محفو من التحري ‪ ،‬قال تعالى‪ِ( :‬إونا َن ْح ُن َن وزْلَنا ِّ‬
‫الذ ْك َر َودِونا َل ُه َل َح ِاف ُ‬
‫ظو َن)‬
‫‪ -4‬اإلعجا البياني على مستوى الذي أعجز العرب وهم أهل الفصاحة‪ ،‬عن‬
‫مواجهته‪.‬‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعَل ْي ِه‬
‫‪ -5‬نزل القرآن الكريم كافة للنام‪ ،‬وكذلك للجن‪ ،‬قال تعالى‪ُ( :‬ق ْل َما أ ْ‬
‫ين َوَلتَ ْعَل ُم ون َنَبأَهُ َب ْع َد ِحين)‪.‬‬ ‫و ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِإ ْن ُه َو ِإال ذ ْكر لْل َعاَلم َ‬
‫َجر َو َما أ ََنا م َن اْل ُمتَ َكّلف َ‬
‫م ْن أ ْ‬
‫‪ -6‬متواتر‪ ،‬فنقل لنا جمعاً عن جمع بما يستحيل تواطىهم على الكذب‪.‬‬
‫ص ِّد ًقا ّلِ َما َب ْي َن‬ ‫َنزْلَنا ِإَل ْي َك اْل ِكتَ َ ِ‬
‫اب باْل َح ِّق ُم َ‬ ‫‪ -7‬مهيمناً على الكتب السماوية‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وأ َ‬
‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫اب َو ُم َه ْي ِمًنا َعَل ْي ِه)‪َ { .‬و ُم َه ْي ِمناً َعَل ْي ِه} أي رقيباً على سائر‬
‫ي َد ْي ِه ِم َن اْل ِكتَ ِ‬
‫َ‬
‫المحفومة من التغيير ألنه يشهد لها بالصحة والثبات ويقرر أصول شرائعها وما يتأبد‬
‫‪28‬‬
‫ِ‬
‫انتهاء مشروعيتها المستفادة من تلك‬ ‫أحكامها المنسوخ َة ببيان‬
‫َ‬ ‫من فروعها ِّ‬
‫ويعين‬
‫ِ‬
‫البالية على‬ ‫ِ‬
‫أحكامها‬ ‫تمييز‬ ‫انقضاء وقت العمل بها وال ريب في أن‬ ‫ِ‬ ‫الكتاب و‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مشروعيته وخرل عنها من أحكام كوِنه مهيمناً عليه‬ ‫وقت‬
‫المشروعية أبداً عما انتهى ُ‬

‫*******************************************‬

‫رابعاً‪ :‬اإليمان بالرسل‬

‫ويأتي الحديث عن اإليمان بالرسل من خالل ثمانية محاور‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬تعريف الرسول‪.‬‬
‫الرســل فجمــع رســول‪ ،‬وهــو‪ :‬إنســان بعثــه هللا ســبحانه إلــى عبيــد ودمائــه ليــبلغهم‬
‫وأمــا ُّ‬
‫أحكامه التكليفية والوضعية وما يتبعها من وعد ووعيد ونحوهما‪.‬‬
‫صـالة والســالم وال يحصــل لنــا‬ ‫وال شك أنا مكلفون شــرعا بمعرفــة ُّ‬
‫الرســل الكـرام علــيهم ال و‬
‫اإليمان بهم وإال بمعرفة ما يجب لهم وما يستحيل وما يجو ‪.‬‬

‫ثاني ـاً‪ :‬المقص ــود اإليم ــان بالرس ــل‪ .‬ويقص ــد باإليم ــان بالرس ــل وج ــوب التص ــديق بوج ــود‬
‫(الرسل) عليهم الصالة والســالم تفصــيالً فيمــا علــم مــنهم تفصــيالً‪ ،‬وهــم المــذكورون فــي‬
‫الق ـرآن‪ ،‬كمحمــد عليــه الصــالة والســالم وآدم ونــوح وددريــا وهــود وصــالال واليســع وذي‬
‫الكفـ ــل ودليـ ــان ويـ ــونا ‪ -‬وهـ ــو ذو النـ ــون‪ ،‬أي‪ :‬الحـ ــوت‪ -‬وأيـ ــوب ودب ـ ـراهيم ودسـ ــماعيل‬
‫ودسحق ويقوب ويوسف ولوا وداود وسليمان وشعيب وموســى وهــارون و كريــا ويحيــى‬
‫وعيسى‪ ،‬ودجماالً فيما ُعلم منهم إجماالً‪.‬‬

‫صـَنا َعَل ْيـ َك َو ِمـ ْن ُهم ومـن‬ ‫ِ‬


‫صْ‬‫واألولى ترع حصرهم فيعدد معين لقولــه تعــالى‪( :‬مـ ْن ُهم ومـن َق َ‬
‫ص ـ ْ َعَل ْي ـ َك) [ ــافر‪ ،]78 :‬وال يــىمن فــي ذكــر العــدد أن يــدخل فــيهم مــن لــيا‬ ‫و‬
‫ل ـ ْم َنْق ُ‬
‫مــنهم لج ـوا أن يــذكر أكثــر مــن الواقــع‪ ،‬أو يخــرل مــنهم مــن هــو مــنهم إن كــان العــدد‬
‫أقل‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اإليمان باألولياء‪.‬‬
‫ثُ وم يجب اإليمان بـ (األولياء) جمع ولي‪ ،‬وهو‪ :‬القائم بحقــوث هللا تعــالى‪ ،‬وحقــوث العبــاد‬
‫حســب اإلمكــان‪ ،‬وه ــو معنــى ق ــول مــن ق ــال‪ :‬هــو الع ــارف بــاه تع ــالى وصــفاته حس ــب‬
‫عــن االنهمــاع فــي‬ ‫اإلمكان‪ ،‬الموامب علــى الطاعــات‪ ،‬المجتنــب للمخالفــات‪ ،‬المعــر‬
‫اللذات والشهوات‪.‬‬
‫ويجـ ــب اعتقـ ــاد كـ ـرامتهم‪ ،‬والك ارمـ ــة‪ :‬أمـ ــر خـ ــارث للعـ ــادة يظهـ ــر علـ ــى يـ ــد عبـ ــد مـ ــاهر‬
‫الصالح‪ ،‬ير مقرون بدعوى ُّ‬
‫الن وبوة‪.‬‬
‫وكل ذلك ورد به الكتــاب وال ُّسـونة وأجمعــت عليــه األمــة قبــل مهــور المخــالفين‪ ،‬وكـ ّـل مــا‬
‫ّ‬
‫كان كذلك فاإليمان به واجب‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ومذا يجب اإليمان بكل ما جاء عن النبي البشير‪.‬‬


‫أي‪ :‬روي ونقـ ــل عـ ــن الونبـ ــي البشـ ــير‪ ،‬أي‪ :‬المب ِّشـ ـر لمـ ــن أوفـ ــى بـ ــالعهود‪ ،‬بأنـ ــه محمـ ــود‬
‫ّ‬
‫العالب ــة ‪( ،‬م ــن ك ـ ّـل حك ــم) بي ــان لك ــل م ــا ج ــاء (ص ــار) ف ــي االش ــتهار ب ــين الخاص ــة‬
‫والعامة (كاألمر الضروري) الذي ال يخفى على أحد‪.‬‬
‫لشــموله مــا تق ـودم مــن الحســاب ومــا عطــف عليــه‬ ‫وهــذا مــن عطــف العــام علــى الخــا‬
‫صـالة‪ ،‬وديتــاء‬ ‫و يره‪ :‬كوجوب شــهادة أن ال إلــه وإال هللا‪ ،‬وأن محمــداً رســول هللا‪ ،‬ودقــام ال و‬
‫الزن ــا والخم ــر والرب ــا‪ ،‬و ِحـ ـل‬
‫الزك ــاة‪ ،‬وص ــوم رمض ــان‪ ،‬وحـ ـ بي ــت هللا الحـ ـرام‪ ،‬وحرم ــة ِّ‬
‫النكاح والبيع‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬يقظة‪ ،‬وهو العرول إلى السماء مــع جبريــل عليــه ال وسـالم‬ ‫وكالمعرال بجسده الشري‬
‫بــال ب ـراث بعــد اإلس ـراء‪ ،‬لــيالً مــن المســجد الح ـرام إلــى المســجد األقصــى‪ ،‬راكب ـاً للب ـراث‪،‬‬
‫وقصته مشهورة‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬معرفة الواجب في حق األنبياء عليهم الصالة والسالم‬


‫يجب عقالً في حق األنبياء والرسل عليهم الصالة السالم جملة من الصفات‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الصدق فيما بلغوه عن هللا تعالى‬


‫** والصــدث‪ :‬مطابقــة الخبــر للواقــع‪ ،‬فــال يكــون خبــرهم فــي ذلــك وإال مطابق ـاً لمــا فــي‬

‫‪30‬‬
‫نفا األمر‪ ،‬وال يقع منهم الكذب في شيء من ذلك‪ ،‬ال عمدا وال سهوا‪.‬‬

‫** وأما الدليل النقلي لوجوب الصدث فآيات متعددة‪:‬‬


‫و‬ ‫ِ‬
‫وحى)‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َما َي ْنط ُق َع ِن اْل َه َوى * ِإ ْن ُه َو ِإال َو ْحي ُي َ‬
‫ص َد َث اْل ُم ْرَسُلو َن)‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َ‬
‫ض ْاألََق ِاويـ ِـل (‪َ )44‬ألَ َخـ ْذَنا ِم ْنـ ُه ِبـاْلَي ِم ِ‬
‫ين (‪)45‬‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ { :‬وَل ْو تََقـوو َل َعَل ْيَنـا َب ْعـ َ‬
‫ين (‪[ })47‬الحاقة]‬ ‫نكم ِم ْن أَحد َع ْن ُه ح ِ‬
‫اج ِز َ‬
‫ِ‬ ‫ثُ وم َلَق َ ِ‬
‫ط ْعَنا م ْن ُه اْل َوِت َ‬
‫َ‬ ‫ين (‪َ )46‬ف َما م ُ ّ َ‬
‫** وأما الدليل العقلي لوجوب الصدث‬
‫هــو تصــديق هللا لهــم بــالمعجزة‪ ،‬فلــو كــذبوا للــزم كــذب هللا ‪ -‬تعــالى‪ -‬فــي تصــديقه لهــم‬
‫بالمعجزة النا لة منزلة قوله جل وعز‪« :‬صدث عبدي في كـ ّـل مــا يبلـ عنــي»‪ ،‬والكــذب‬
‫على هللا مستحيل قطعاً‪.‬‬

‫ثانياً‪( :‬األمانة وهي العصمة‬


‫** وهي‪ :‬حف مواهرهم وبواطنهم من الوقوع في محرم أو مكروه‪.‬‬
‫** وأما الدليل النقلي لوجوب األمانة فآيات متعددة‪:‬‬
‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬واتوِب ُعوهُ َل َعول ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن)‬
‫وب ُك ْم ۗ‬ ‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ُ( :‬ق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن و‬
‫ّللاَ َفاتوِب ُعوِني ُي ْحِب ْب ُك ُم و‬
‫ّللاُ َوَي ْغفـ ْر َل ُكـ ْم ُذ ُنـ َ‬
‫ّللاُ َ ُفور ور ِحيم)‬
‫َو و‬
‫ول َوأُوِل ـي ْاألَ ْمـ ـ ِر‬ ‫ّللا وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وِ‬
‫الرُس ـ َ‬ ‫َطي ُعـ ـوا و‬ ‫آم ُن ـوا أَطي ُع ـوا و َ َ‬‫ين َ‬ ‫ومنه ــا‪ :‬قول ــه تع ــالى‪َ( :‬ي ـا أَُّي َه ـا الـ ـذ َ‬
‫ِم ُ‬
‫نك ْم)‬
‫ّللاَ ِإ ون و‬
‫ّللاَ‬ ‫اك ْم َع ْنـ ُه َفـانتَ ُهوا َواتوُقـوا و‬
‫ول َف ُخـ ُذوهُ َو َمـا َن َهـ ُ‬
‫الرُس ُ‬
‫اك ُم و‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َما آتَ ُ‬
‫َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬
‫اب)‬
‫ّللا َال يأْمر ِباْلَفح َش ِ‬
‫اء)‬ ‫ْ‬ ‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪ُ( :‬ق ْل ِإ ون و َ َ ُ ُ‬

‫** وأما الدليل العقلي لوجوب األمانة‬


‫فألونهم لو لم يكونوا أمناء لكانوا خائنين‪ ،‬فإنه ال واسطة بين األمرين‪ ،‬لكــن الخيانــة فــي‬
‫حقهم محال‪ ،‬فوجب أن يكونوا أمناء‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أونهم لو خانوا بفعل محرم أو مكروه النقلب المحــرم أو المكــروه طاعــة ألن‬
‫هللا تعــالى أمرنــا باالقتــداء بهــم فــي أقـوالهم وأفعــالهم‪ ،‬وإال مــا ورد اختصاصــهم بــه‪ ،‬فقــال‬
‫ءدِيدُ ْال ِعقها ِ‬
‫ب‬ ‫ّللا ه‬
‫ّللا ِإن ه‬ ‫ع ْنهُ فها ْنته ُهوا هواتقُوا ه‬ ‫سو ُل فه ُخذُوهُ هو هما هن هها ُك ْم ه‬‫تعــالى‪ ( :‬هو هما آتها ُك ُم الر ُ‬
‫ّللا ِإله ْي ُك ْم هج ِميعًا الذِي لههُ ُم ْلكُ‬
‫سو ُل ِ‬ ‫)[الحشر‪ ،]7 :‬وقــال تعــالى‪( :‬قُ ْ هيا أ ه ُّي هها الن ُ‬
‫اس ِإ شِن هر ُ‬
‫سو ِل ِه الن ِب ش ِ ْاْل ُ ِ شمل ش ِ اللذِي‬ ‫ض هل إِلههه إِل ه هُو يُحْ ِي هوي ُِميتُ فه ِ‬
‫آمنُوا ِباّللِ هو هر ُ‬ ‫ت هو ْاْل ه ْر ِ‬ ‫الس هم هاوا ِ‬
‫اّلل هو هك ِل هما ِت ِه هوات ِبعُوهُ هل هعل ُكل ْم ته ْهتلهلدُونه )[اْلعللرا ‪ ،]158 :‬وال يــأمر تعــالى بمحــرم‬ ‫يُؤْ ِم ُن ِب ِ‬
‫ّللا هملا هل ته ْعله ُملونه‬‫علهلى ِ‬ ‫شلا ِ أهتهقُولُلونه ه‬ ‫وال مكره لقوله تعالى‪ ( :‬قُ ْ ِإن ّللاه هل هيلم ْ ُم ُر ِب ْالفهحْ ه‬
‫)[اْلعرا ‪.]28 :‬‬
‫فاألنبيــاء لــو فعلـوا منهيـاً عنــه ألصــبال هــذا الفعــل المنهــي عنــه طاعــة وعبــادة‪ ،‬فيجتمــع‬
‫على الفعل الواحد وصفان في وقت واحد ومن جهة واحــدة ذلــك أن هــذا الفعــل طاعــة‬
‫َمرن ــا هللا باالقت ــداء به ــم‪ ،‬والح ــال أن هللا ال‬
‫وعب ــادة م ــن جه ــة ص ــدوره م ــن النب ــي‪ ،‬وق ــد أ َ‬
‫يأمر بالفحشاء‪ ،‬ومعصية من جهة مخالفته ألمر هللا‪ ،‬وهذا محــال فمــا أدى إليــه محــال‬
‫وهو الخيانة فيثبت لهم األمانة وهو المطلوب‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التبليغ‬
‫** وهو توصيل ما أمروا بإبال ه للمخلوقات من أولي العلم‪.‬‬
‫** وأما الدليل النقلي لوجوب التبلي فآيات متعددة‪:‬‬
‫الرس ِ و‬
‫ين)‬‫ول ِإال اْلَب َال ُ اْل ُمِب ُ‬ ‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َما َعَلى و ُ‬
‫ول َبّلِـ ْ َمـا أُنـ ِـزَل ِإَل ْيـ َك ِمـن ورِّبـ َك ۗ َودِن ولـ ْم تَْف َعـ ْل َف َمـا‬
‫الرُسـ ُ‬
‫ومنهــا‪ :‬قولــه تعــالى‪َ( :‬يـا أَُّي َهـا و‬
‫َبول ْغ َت ِرَساَلتَ ُه)‬
‫** وأما األدلة العقلية لوجوب التبلي فكثيرة‪:‬‬
‫منها‪ :‬أونهم لــو لــم يبلغـوا مــا أمــرهم هللا تعــالى بتبليغــه للخلـق لكــانوا كــاتمين‪ ،‬وهــو محــال‬
‫السالم ‪ ،-‬فــإن الكتمــان محــرم‪ ،‬ووجــوب األمانــة‬
‫الصالة و و‬
‫لوجوب األمانة لهم ‪ -‬عليهم و‬
‫يدفعه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنهم لو كانوا كاتمين لكنا مأمورين بكتمان العلم النافع عن أهلــه ألن هللا تعــالى‬
‫وهــو محــرمتا وال يــأمر هللا تعــالى ال بمحــرم وال مكــروه‪،‬‬ ‫قــد أمرنــا باالقتــداء بهــم‪ ،‬كي ـ‬

‫‪32‬‬
‫فال يقع منهم الكتمان أصالً‪.‬‬
‫ول لِول ـ ِذي أ َْن َع ـ َم و‬
‫ّللاُ‬ ‫نبينــا ‪ ‬قولــه تعــالى‪َ ( :‬ودِ ْذ تَُق ـ ُ‬
‫ولــو جــا علــى األنبيــاء الكتمــان لكــتم ّ‬
‫َعَل ْي ـ ِه) [األح ـزاب‪ ،]37 :‬وقولــه تعــالى‪َ ( :‬ع ـَب َا َوتَـ َوولى) [عــبا‪ ،]1 :‬ولكــن الحــال أنهــم‬
‫أخب ــروا الخل ــق به ــا‪ ،‬فيل ــزم م ــن ذل ــك أنه ــم بلغ ـوا م ــا ع ــداها‪ ،‬فالبش ــر م ــن طبيع ــتهم ع ــدم‬
‫بتبلــيغهم لغيرهــا فهــو‬ ‫محبتهم لــذكر شــيء فيــه معاتبــة لهــم‪ ،‬فــإذا بلغـوا المعاتبــات فكيـ‬
‫آكد‪.‬‬
‫وقــد شــهد هللا تعــالى بكمــال التبلي ـ لرســوله محمــد ‪ ،‬قــال تعــالى‪( :‬اْلَي ـ ْوَم أَ ْك َمْل ـ ُت َل ُك ـ ْم‬
‫اإل ْس َال َم ِد ًينا) [المائدة‪.]3 :‬‬
‫يت َل ُكم ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫د َين ُك ْم َوأ َْت َم ْم ُت َعَل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َوَرض ُ ُ‬

‫رابعاً‪ :‬الفطانة‬
‫** وهـ ــي‪ :‬بفـ ــتال الفـ ــاء‪ِ ،‬ح ـ ـّدة العقـ ــل وذكـ ــاؤه‪ ،‬ومعرفـ ــة طـ ــرث الـ ـ ّـدعاوي الباطلـ ــة مـ ــن‬
‫الرسول وال الونبي مغفالً أو أبله أو بليداً‪.‬‬ ‫الصحيحة‪ ،‬فال يجو أن يكون و‬
‫ّ‬
‫** وأما الدليل النقلي لوجوب الفطانة فآيات متعددة‪:‬‬
‫ان ۗ َوُك ّال آتَْيَنا ُح ْك ًما َو ِعْل ًما)‬ ‫اها ُسَل ْي َم َ‬
‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬فَف وه ْمَن َ‬
‫ط ِ‬
‫اب)‬ ‫ص َل اْل ِخ َ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َش َد ْدَنا ُمْل َك ُه َوآتَْيَناهُ اْلح ْك َم َة َوَف ْ‬
‫وِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس ُن)‬‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬و َجادْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ ( :‬قاُلوا َيا ُنو ُح َق ْد َج َادْلتََنا َفأَ ْكثَ ْر َت ِج َداَلَنا)‬

‫** وأما األدلة العقلية لوجوب الفطانة فكثيرة‪:‬‬


‫الحجـ علــى الخصــوم‪،‬‬ ‫منها‪ :‬أن األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم أرسلوا إلقامة ُ‬
‫ودبطال ُشـبه المجــادلين والمعانــدين‪ ،‬وال يقــوى علــى ذلــك ال ُمغّفـل وال األبلــه‪ ،‬فوجــب لهــم‬
‫الح وجـة علــى الخصــم‪،‬‬
‫الفطانة‪ ،‬وقــد بــين القـرآن الكـريم فــي مواضــع كثيـرة علــى إقــامتهم ُ‬
‫فدل على تمام عقولهم ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أننــا مــأمورون باالقتــداء بهــم فــي األقـوال واألفعــال‪ ،‬والمقتــدى بــه ال يكــون بليــداً‪،‬‬
‫الشري ‪.‬‬
‫خل بمنصبهم ّ‬
‫تُ ُّ‬ ‫ألن البالدة صفة نق‬
‫و ّ‬

‫‪33‬‬
‫سادساً‪ :‬معرفة المستحيل في حق األنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫صـ ـالة‬
‫وه ــذا ش ــروع ف ــي بي ــان القس ــم الث ــاني فنق ــول‪ :‬ويس ــتحيل ف ــي حقه ــم ‪ -‬عل ــيهم ال و‬
‫الصفات الواجبة لهم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫السالم ‪ -‬أضداد ِ‬ ‫و و‬
‫ّ‬

‫أوالً‪ :‬الكذب‪ :‬ومن المحال في حقهــم علــيهم الصــالة والســالم الكــذب فــي التبليـ و يـره‪،‬‬
‫وح يقت ــه‪ :‬ع ــدم مطابق ــة الخب ــر للواق ــع‪ ،‬سـ ـواء ك ــان عم ــداً أو س ــهواً أو لطـ ـاً لمنافات ــه‬
‫الصدث‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الخيانة‪ :‬وهو التلبا بمنهي عنه نهي تحريم أو كراهة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الكتمان‪ :‬وهو عدم التبلي لشيء مما أمروا بتبليغه عمداً أو سهواً‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬الغباوة‪ :‬وهي عدم الفطانة والغفلة‬

‫سابعاً‪ :‬معرفة الجائز في حق األنبياء عليهم الصالة والسالم‬


‫صـالة وال وسـالم ‪ -‬مــا يجــو فــي حــق ســائر البشــر‬ ‫ويجــو فــي حقهــم جميعـاً ‪ -‬علــيهم ال و‬
‫ِ‬
‫ـىدي إلــى الــنق فــي مـراتبهم العليــة وال اإلخــالل‬
‫من األع ار البشرية‪ ،‬لكــن ممــا ال يـ ّ‬
‫بمقاماتهم السنية‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك الجائز‪:‬‬


‫يــر المنفــر‪ ،‬الــذي يصــيب بــدنهم الطــاهر‪ ،‬وأمــا قلــوبهم باعتبــار مــا فيهــا‬ ‫** المــر‬
‫من المعارف التي ال يعلم قدرها وإال هللا الذي م ّن عليهم بها‪ ،‬فال يحل المر بها‪.‬‬
‫** وكاألكل والشرب (ونحوه) كالنكاح والنوم‪.‬‬

‫فــي مـراتبهم العليــة‬ ‫البشـرية التــي ال تــىدي إلــى الــنق‬ ‫** وأما دليل جوا األعـ ار‬
‫إذ الوقــوع فــرع‬ ‫فهو مشاهدة وقوعها بهم ألهــل مــانهم‪ ،‬وذلــك أقــوى دليــل علــى الجـوا‬
‫الج ـوا ‪ ،‬ولــيا بعــد العيــان بيــان‪ ،‬وأيض ـاً فإنهــا نقلــت إلينــا بــالتواتر وهــو خبــر جماعــة‬
‫متعالبة يستحيل تواطىهم على الكذب‪ ،‬وهو يفيد العلم الضروري بالمخبر عنه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ثامناً‪ :‬بيان مراتب الخلق‪:‬‬
‫ويجــب اعتقــاد أن محمــدا ‪ ‬وعلــيهم أجمعــين أفضــلهم‪ ،‬وأنــه آخــرهم‪ ،‬ويليــه فــي الفضــل‬
‫الرســل‪ ،‬فاألنبيــاء‪ ،‬فرؤســاء المالئكــة‪ ،‬فب ّيـة المالئكــة مــن‬‫الرســل‪ ،‬فب يــة ُّ‬ ‫أولــو العــز مــن ُّ‬
‫يـ ــر تعيـ ــين إذ ال تعلـ ــم الح يقـ ــة‪ ،‬فأصـ ــحاب الونبـ ــي ‪ ،‬وأفضـ ــلهم أبـ ــو بكـ ــر‪ ،‬فعمـ ــر‪،‬‬
‫ّ‬
‫فعثمــان‪ ،‬فعلــي‪ ،‬فب يــة العشـرة‪ ،‬فب يــة البــدريين‪ ،‬فأهــل بيعــة الرضـوان‪ ،‬فب يــة الصــحابة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالتابعون‪ ،‬فتابع التابعين‪.‬‬
‫ويجب اإلمساع عما وقع بين الصحابة من نزاع‪.‬‬
‫*******************************************‬

‫خامساً‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‬


‫أوالً‪ :‬عالمات يوم القيامة‬
‫وشراا الساعة الخمسة المتفق عليها‪ ،‬أي‪ :‬عالماتها‪ ،‬أي‪ :‬العالمات الدالة على‬
‫قربها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أولها‪ :‬خروج المسيح الدجال ‪ -‬بالحاء المهملة ‪ -‬على الصحيال‪ ،‬سمي مسيحاً‬
‫لمسحه األر في أمد يسير‪ ،‬أي‪ :‬مدة أربعين يوماً كما سيأتي في الحديث‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ألنه ممسوح العين اليسرى‪.‬‬
‫ووصف بالدجال‪ ،‬أي‪ :‬الكذاب‪ ،‬للفرث بينه وبين المسيال عيسى بن مريم عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫و‬
‫وسمي عيسى مسيحاً لمسال األر ‪ ،‬أي‪ :‬سياحته فيها‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه ما مسال على‬
‫ذي عاهة وإال برئ بإذن هللا تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه ممسوح بالبركة‪.‬‬

‫الصالة والسالم من السماء وقتله‬


‫ثانيها‪ :‬نزول المسيح عيسى بن مريم عليه َّ‬
‫للدجال‪ ،‬ففي الصحيال‪ « :‬لينزلن ابن مريم حكماً عدالً فليكسرن الصليب‪ ،‬وليقتلن‬
‫الخنزير‪ ،‬وليضعن الجزية » وفي مسند أحمد من حديث جابر‪ « :‬يخرل الدجال في‬
‫خفقة من الدين وددبار من العلم‪ ،‬وله أربعون ليلة يسيحها في األر ‪ ،‬اليوم منها‬

‫‪35‬‬
‫كالسنة‪ ،‬واليوم منها كالشهر‪ ،‬واليوم منها كالجمعة‪ ،‬ثم سائر أيامه كأيامكم هذه‪ ،‬وله‬
‫ما بين أذنيه أربعون ذراعا‪ ،‬فيقول للنام‪ :‬أنا ربكم وهو أعور‪،‬‬ ‫حمار يركبه‪ ،‬عر‬
‫ودن ربكم ليا بأعور‪ ،‬مكتوب بين عينيه كافر‪ ،‬يقرؤه كل مىمن كاتب‪ ،‬و ير كاتب‪،‬‬
‫يرد كل ماء ومنهل إال المدينة ومكة‪ ،‬حرمهما هللا عليه‪ ،‬وقامت المالئكة بأبوابهما‪،‬‬
‫ومعه جبال من خبز‪ ،‬والنام في جهد إال من تبعه‪ ،‬ومعه نهران أنا أعلم بهما منه‪،‬‬
‫نهر يقول الجنة‪ ،‬ونهر يقول النار‪ ،‬فمن أدخل الذي يسميه الجنة‪ ،‬فهو النار‪ ،‬ومن‬
‫أدخل الذي يسميه النار‪ ،‬فهو الجنة‪ ،‬قال‪ :‬وتبعث معه شياطين تكلم النام‪ ،‬ومعه‬
‫فتنة عظيمة‪ ،‬يأمر السماء فتمطر فيما يرى النام‪ ،‬ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى‬
‫النام‪ ،‬فيقول للنام‪ :‬أيها النام فهل يفعل مثل هذا إال الرب‪ ،‬قال‪ :‬فيفر الونام إلى‬
‫جبل الدخان بالشام فيأتيهم‪ ،‬فيحاصرهم‪ ،‬فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا‪ ،‬ثم‬
‫الصالة والسالم فيأتي في السحر‪ ،‬فيقول‪ :‬أيها النام ما يمنعكم أن‬
‫ينزل عيسى عليه و‬
‫تخرجوا إلى الكذاب الخبيثت فينطلقون فإذا هم بعيسى‪ ،‬فتقام الصالة‪ ،‬فيقال له‪ :‬تقدم‬
‫يا روح هللا‪ ،‬فيقول‪ :‬ليتقدم إمامكم فليصل بكم‪ ،‬فإذا صلوا صالة الصبال خرجوا إليه‪،‬‬
‫فحين يراه الكذاب فينماع ‪ -‬أي‪ :‬يذوب ‪ -‬كما ينماع الملال في الماء‪ ،‬فيقتله حتى إن‬
‫الشجرة والحجر ينادي‪ :‬يا روح هللا‪ ،‬هذا يهودي‪ ،‬فال يترع ممن كان يتبعه أحدا إال‬
‫قتله‪ .‬وفي الصحيال أحاديث بمعنى ذلك‪ ،‬ذكره السيوطي‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬خروج ي جوج وم جوج ‪ -‬بالهمز ودونه ‪ ،-‬وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح‬
‫السالم من ير خالف‪.‬‬
‫السالم‪ ،‬فهما من ذرية آدم عليه و‬
‫عليه و‬
‫روى مسلم من حديث النوام بن سمعان‪ « :‬إن هللا تعالى يوحي إلى عيسى عليه‬
‫السالم بعد قتله الدجال‪ :‬إني قد أخرجت عبادا لي ال يدان ألحد بقتالهم فحر عبادي‬
‫و‬
‫كل حدب ينسلون ‪ -‬أي‪ :‬من ّ‬
‫كل‬ ‫إلى الطور‪ ،‬ويبعث هللا يأجول ومأجول وهم من ّ‬
‫نشز يمشون مسرعين ‪ -‬فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية‪ ،‬فيشربون ماءها ‪ -‬وهي‬
‫بالشام‪ ،‬طولها عشرة أميال ‪ -‬ويمر آخرهم فيقولون‪ :‬لقد كان بهذا أثر ماء‪،‬‬
‫ويحصرون عيسى وأصحابه حتوى يكون رأم الثور ألحدهم خي ار من مائة دينار‬
‫ألحدكم‪ ،‬فير ب نبي هللا وأصحابه إلى هللا تعالى‪ ،‬فيرسل هللا عليهم النغف في‬

‫‪36‬‬
‫رقابهم‪ ،‬فيصبحون فرسى كموت نفسه واحدة‪ ،‬ثُ وم يهبط نبي هللا عيسى وأصحابه في‬
‫األر فال يجدون في األر موضع شبر وإال مألته همتهم‪ ،‬فير ب إلى هللا نبي‬
‫حيث شاء هللا‪ ،‬ثُ وم‬
‫هللا وأصحابه‪ ،‬فيرسل هللا طي اًر كأعناث البخت‪ ،‬فتحملهم فتطرحهم ُ‬
‫فيرسل هللا تعالى مط اًر ال يكن منه بيت مدر وال وبر‪ ،‬فيغسل األر حتوى يتركها‬
‫كالزلفة‪ ،‬ثُ وم يقال لألر ‪ :‬أنبتي ثمرع‪ ،‬الحديث‪.‬‬
‫مفردات الحديث‪ :‬وقوله‪« :‬ال يدان ألحد» تثنية يد‪ ،‬ومعناه‪ :‬ال قدرة وال طاقة‪.‬‬
‫ومعنى «حر هم إلى الطور» ضمهم إليه وجعل لهم حر اً‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬النغف » بتحريك الغين المعجمة‪ ،‬الدود الذي يكون في أنوف اإلبل والغنم‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬فرسى» كقتلى و نا ومعنى‪ ،‬واحده فريا‪.‬‬

‫الناس في آخر الزمان المشار إليها بقوله تعالى‪:‬‬ ‫رابعها‪ :‬خروج الدابة التي تكلم َّ‬
‫ام َك ُانوا ِب َآي ِاتَنا َال‬ ‫َخ َر ْجَنا َل ُه ْم َداوب ًة ِّم َن ْاأل َْر ِ تُ َكّلِ ُم ُه ْم أ و‬
‫َن الون َ‬ ‫( َودِ َذا َوَق َع اْلَق ْو ُل َعَل ْي ِه ْم أ ْ‬
‫ُيوِق ُنو َن) [النمل‪ .]82 :‬أي‪ :‬ودذا قرب وقوع معنى القول عليهم‪ ،‬وهو ما وعدوا به من‬
‫تكلمهم‪.‬‬ ‫البعث والعذاب أخرجنا لهم دابة من األر‬
‫قيل‪ :‬تكلمهم ببطالن األديان وإال دين اإلسالم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تقول‪ :‬يا فالن أنت من أهل الجونة‪ ،‬ويا فالن أنت من أهل الونار‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تقول‪ :‬إن الونام كانوا بآياتنا ال يوقنون‪.‬‬
‫وروي أونه س ل عليه و‬
‫الصالة والسالم عن مخرجها فقال‪ :‬من أعظم المساجد حرمة‬
‫على هللا تعالى يعني المسجد الحرام‪.‬‬

‫خامسها‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‬


‫واختلف في ذلك‪ ،‬هل هو في يوم واحد‪ ،‬أو في ثالثة أيام‪ ،‬ثُ وم تطلع من المشرث على‬
‫عادتها إلى يوم ال يامة‪ ،‬ودذا طلعت من المغرب ربت في المشرث‪ ،‬وعند ذلك يغلق‬
‫باب التوبة على المىمن العاصي والكافر‪ ،‬وقيل‪ :‬هو خا بالكفار لقوله تعالى‪( :‬أ َْو‬
‫آم َن ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُان َها َل ْم تَ ُك ْن َ‬
‫ِك َال َي َنف ُع َنْف ًسا إ َ‬
‫ض َآيات َرّب َ‬
‫ِك َي ْوَم َيأْتي َب ْع ُ‬
‫ض َآيات َرّب َ‬
‫َيأْت َي َب ْع ُ‬
‫يم ِان َها َخ ْي ًار ُق ِل انتَ ِظ ُروا ِإونا ُمنتَ ِظ ُرو َن) [األنعام‪.]158 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫من َقْب ُل أ َْو َك َسَب ْت في إ َ‬
‫ِ‬

‫‪37‬‬
‫والحق أن من يوم طلوع الشما من مغربها إلى يوم ال يامة ال تقبل توبة أحد‪ ،‬كما‬
‫في حديث ابن عمر‪ ،‬لكن صحال األجهوري في حاشيته على الرسالة‪ :‬أن عدم قبولها‬
‫بمن شاهد الطلوع وهو مميز‪ ،‬أما ير المميز لصبأ أو‬ ‫من المىمن والكافر خا‬
‫جنون‪ ،‬ثُ وم حصل له التمييز‪ ،‬أو ولد بعد ذلك فإنه تقبل منه التوبة‪ ،‬وقال في شرحه‬
‫على المختصر‪ :‬عن ابن عبام‪« :‬ال تقبل توبة الكافر وإال إذا كان صغي اًر‪ ،‬ثُ وم أسلم‬
‫بعد ذلك فإنها تقبل منه‪ ،‬وأما المىمن المذنب فتقبل منه توبته»‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬بيان أن سؤال القبر حق‪.‬‬


‫وكسىال الملكين منكر ونكير‪ ،‬وهما ملكان أسودان أ رقان‪ ،‬أي‪ :‬أعينهما يأتيان‬
‫للميت‪ ،‬مىمنا كان أو كاف اًر أو مناقاً‪ ،‬بعد تمام الدفن في القبر الذي يستقر فيه دائماً‪،‬‬
‫وعند انصراف الونام فيقعدانه‪ ،‬ويعيد هللا فيه الروم بتمامه‪ ،‬وقيل‪ :‬في نصفه‪،‬‬
‫الرجل الذي بعث فيكمت» فيقول المىمن‪:‬‬
‫ويسأالنه «من ربك وما دينك‪ ،‬وما تقول في و‬
‫ربي هللا‪ ،‬وديني اإلسالم‪ ،‬والرجل المبعوا فينا رسول هللا ‪ ،‬فيقوالن له‪« :‬انظر‬
‫مقعدع من الونار قد أبدلك هللا به مقعداً في الجونة» فيراهما جميعاً‪ ،‬وأما المنفق أو‬
‫الكافر فيقول‪ :‬ال أدري‪ ،‬فيقوالن له‪« :‬ال دريت وال تليت»‪ ،‬ويضرب مطراث من حديد‬
‫في يد أحدهما‪ ،‬فيصيال صيحة يسمعها من يليه ير الثقلين‪ .‬ويترفقان بالمىمن‪،‬‬
‫وينهران الكافر والمنافق‪.‬‬
‫كل‪ ،‬ولو تمزقت أعضاؤه أو أكلته السباع أو حرث وسحق وذري في الهواء‪،‬‬ ‫ويسأالن ّ‬
‫إذ ال يبعد أن يخلق هللا تعالى الحياة فيه‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬نعيم القبر وعذابه‪.‬‬


‫والمراد عذاب البر ح ونعيمه‪ ،‬ولو لم يقبر‪ ،‬والتعبير بالقبر جري على الغالب‪ ،‬ومحله‬
‫الروح والجسد جميعاً‪ ،‬إذ ال مانع أن يخلق هللا تعالى في جميع األجزاء أو بعضها‬
‫نوعاً من الحياة قدر ما يدرع ألم العذاب أو لذة النعيم‪ ،‬وهذا ال يستلزم أن يتحرع أو‬
‫يضطرب أو يرى أثر العذاب عليه‪ ،‬حتوى إن من أكلته السباع أو صلب في الهواء‬
‫يعذب ودن لم نطلع على ذلك‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫والنعيم يكون للمىمنين‪ ،‬والعذاب للكافرين ولعصاة المىمنين من هذه األمة و يرها‪،‬‬
‫وهو قسمان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬دائم‪ ،‬وهو للكفار وبعض العصاة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬منقط‪ ،‬وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمهم‪ ،‬وانقطاعه‪ :‬إما بسبب كصدقة‬
‫أو دعاء‪ ،‬أو بال سبب بل بمجرد العفو‪.‬‬
‫** والشهداء أحياء في قبورهم‬
‫والشهداء هم من قتلوا في جهاد الكفار إلعالء كلمة هللا تعالى‪ ،‬حتوى إونهم يأكلون‬
‫ّللاِ أ َْم َواتًا‬
‫يل و‬‫ين ُقِتلُوا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬
‫وِ‬
‫ويشربون ويتنعمون في الجونة قال تعالى‪َ ( :‬وَال تَ ْح َسَب ون الذ َ‬
‫َحَياء ِع ْن َد َرِّب ِه ْم ُي ْرَ ُقو َن) [آل عمران‪ .]169 :‬ودن لم تُعلم كيفية هذه الحياة‪ ،‬إذ‬ ‫َب ْل أ ْ‬
‫هي ير معقولة ألكثر البشر‪.‬‬
‫السالم‪ ،‬أي‪ :‬حضرتها ودخلتها‪ ،‬بخالف‬ ‫وسموا شهداء ألن أرواحهم شهدت دار و‬ ‫ّ‬
‫يرهم فإنه ال يدخلها وإال يوم ال يامة‪ ،‬أو ألن هللا ومالئكته شهدوا له بالموافاة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬اإليمان بالنشر والحشر‪.‬‬


‫والنش ــر‪ :‬وه ــو البع ــث‪ ،‬والمـ ـراد ب ــه إحي ــاء هللا الم ــوتى م ــن قب ــورهم بع ــد جم ــع أجـ ـزائهم‬
‫األصلية‪ ،‬بأن يجمعها هللا بعد تفرقها‪ ،‬وقيل‪ :‬بعــد عــدمها بالكلّيـة مــا عــدا عجــب الـ وـذنب‬
‫فإونه ال ُيعدم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو اإلخرال من القبور بعد اإلحياء برد الروح فيه‪.‬‬
‫ويجب اإليمان بـالحشر‪ ،‬أي‪ :‬حشر األجساد‪ ،‬وهو‪ :‬سوقها إلى الموقف‪ ،‬المسمى‬
‫بالحشر بعد بعثهم من قبورهم‪ ،‬المسمى بالنشر كما سيأتي‪.‬‬
‫ومراتب النام في الحشر متفاوتة‪ :‬فمنهم الراكب‪ ،‬ومنهم الماشي على رجليه‪ ،‬ومنهم‬
‫من يمشي على وجهه‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬اإليمان بالحوض‬


‫التواتر‪ ،‬وفي‬ ‫رسول هللا ‪ ،‬وورد فيه أحاديث كثيرة بلغت مبل‬ ‫أي حو‬
‫الصحيحين‪« :‬حوضي مسيرة شهر‪ ،‬و واياه سواء‪ ،‬ماؤه أبيض من اللبن‪ ،‬وريحه‬
‫‪39‬‬
‫أطيب من المسك‪ ،‬وكيزانه أكثر من نجوم السماء‪ ،‬من شرب منه ال يظمأ أبداً»‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬أخذ العباد الصحف‪.‬‬


‫وكأخذ العباد المكلفين من الثقلين في المحشر‪ ،‬ما عدا األنبياء والسبعين ألفا الذين‬
‫يدخلون الجونة بغير حساب‪ ،‬كتبهم التي كتبت فيها المالئكة الحفظة أعمالهم التي‬
‫صدرت عنهم في الدنيا‪ ،‬باأليمان والشمائل‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬فأَ وما َم ْن أُوِتي ِكتَ َاب ُه ِبَي ِم ِين ِه‬
‫َ‬
‫ور (‪َ )9‬وأَ وما َم ْن أُوِتي‬ ‫َهلِ ِه َم ْس ُر ًا‬ ‫ِ‬ ‫اس ُب ِح َس ًابا َي ِس ًا‬
‫ير (‪َ )8‬وَي ْنَقل ُب ِإَلى أ ْ‬ ‫ف ُي َح َ‬
‫(‪َ )7‬ف َس ْو َ‬
‫َ‬
‫ير (‪ ))12‬سورة‬ ‫صَلى َس ِع ًا‬ ‫ور (‪َ )11‬وَي ْ‬ ‫ف َي ْد ُعو ثُُب ًا‬ ‫م ْه ِِره (‪َ )10‬ف َس ْو َ‬‫اء َ‬ ‫ِ‬
‫كتَ َاب ُه َوَر َ‬
‫االنشقاث‪.‬‬
‫وحاصل ما قيل في ذلك‪ :‬أن صحائف األيام والليالي توصل حتوى تكون صحيفة‬
‫واحدة‪ ،‬وقيل‪ :‬ينسخ ما فيها جميعها في صحيفة واحدة‪ ،‬فإذا مات العبد جعلت في‬
‫خزانة تحت العرش‪ ،‬حتوى إذا كان يوم ال يامة والنام في الموقف بعث هللا تعالى‬
‫ريحاً فتطيرها من تلك الخزانة‪ ،‬فال تخطئ صحيفة عنق صاحبها‪ ،‬ثُ وم تأخذها المالئكة‬
‫من األعناث فيعطونها لهم في أيديهم على حسب حالهم من إيمان أو كفر‪ ،‬فالمىمن‬
‫يعطى كتابه بيمينه‪ ،‬والكافر بشماله‪.‬‬
‫ثُ وم إذا أخذ العبد كتابه وجد حروفه نيرة أو مظلمة على حسب األعمال الحسنة أو‬
‫القبيحة‪ ،‬وأول خط فيها (ا ْق َ ْأر ِكتَ َاب َك َكَف َٰى ِبَنْف ِس َك اْلَي ْوَم َعَل ْي َك َح ِس ًيبا) [اإلسراء‪،]114 :‬‬
‫فإذا قرأه ابيض وجهه إن كان مىمناً‪ ،‬واسود إن كان كاف اًر‪ ،‬وذلك قوله تعالى (َي ْوَم‬
‫ض ُو ُجوه َوتَ ْس َوُّد ُو ُجوه) [آل عمران‪ ،]106 :‬ويخلق هللا تعالى له علم القراءة ودن‬
‫تَْبَي ُّ‬
‫لم يكن يق أر في الدنيا‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬اإليمان بالحساب‪.‬‬


‫العد‪.‬‬
‫وهو لغة‪ّ :‬‬
‫هللا عباده في المحشر على أعمالهم‪ ،‬فعالً أو قوالً أو اعتقاداً‪،‬‬ ‫واصطالحاً‪ :‬تولي‬
‫تفصيالً بأن يكلمهم هللا تعالى بكالم قديم ليا بحرف وال صوت‪ ،‬بأن يزيل عنهم‬
‫الحجاب حتى يسمعوه‪ ،‬أو بصوت يخلقه هللا تعالى يدل عليه‪ ،‬وقد يكون من المالئكة‬

‫‪40‬‬
‫فقط‪ ،‬وقد يكون منه تعالى ومن المالئكة جميعاً‪.‬‬
‫وكيفيته مختلفة‪ ،‬فمنه اليسير ومنه العسير‪ ،‬والسر والجهر‪ ،‬والفضل والعدل‪ ،‬على‬
‫حسب األعمال‪ ،‬فيغفر لمن يشاء‪ ،‬ويعذب من يشاء‪.‬‬
‫ويكون للمىمنين والكافرين‪ ،‬إنساً وجناً‪ ،‬بعد أخذهم الكتب لقوله تعالى‪َ ( :‬فأَ وما َم ْن أُوِتي‬
‫َ‬
‫اس ُب ِح َس ًابا َي ِس ًا‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ير {‪[)}8‬االنشقاث‪.]9-7 :‬‬ ‫كتَ َاب ُه ِبَيمينه {‪َ }7‬ف َس ْو َ‬
‫ف ُي َح َ‬
‫وأيسر الحساب محاسبة هللا فقط‪ ،‬حتى ال يعلم بذلك إنا وال جن وال ملك‪ ،‬يقول هللا‬
‫تعالى‪ :‬هذه سي اتك قد فرتها لك‪ ،‬وهذه حسناتك قد ضاعفتها لك‪.‬‬
‫وال يكون للمعصومين‪ ،‬ويستثنى ممن يحاسب سبعون ألفاً‪ ،‬أفضلهم أبو بكر الصديق‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬فإنهم يدخلون الجنة بغير حساب كما ورد بذلك الحديث‪ .‬وهذه األمة‬
‫ودن كانت آخر األمم إال أنها تقدم في اآلخرة في الحساب و يره‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬اإليمان بالميزان‪.‬‬


‫والميـ ـزان‪ :‬وه ــو قب ــل الصـ ـراا‪ ،‬ت ــو ن ب ــه أعم ــال العب ــاد‪ ،‬ودل علي ــه الكت ــاب ف ــي آي ــات‬
‫متعددة والسنة حتى بلغت أحاديــث مبلـ التـواتر‪ ،‬والحمــل علــى الح يقــة ممكــن‪ ،‬فيجــب‬
‫اإليمان به‪ ،‬ودن كنا ال نعرف ح يقة جوهره‪.‬‬
‫والصحيال أنه ميزان واحد لجميع األمم‪ ،‬ولجميع األعمال‪ ،‬والجمع في قوله تعالى‪:‬‬
‫ظَل ُم َنْفا َش ْيًا) [األنبياء‪ ،]47 :‬للتعظيم‪.‬‬ ‫ام ِة َف َال تُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫(وَنضع اْلموا ِ ين اْل ِقس َ ِ‬
‫ط لَي ْو ِم اْل َي َ‬ ‫َ َ ُ ََ َ ْ‬
‫دن الكوفار تو ن أعمالهم كالمىمنين‬ ‫الدنيا‪ ،‬و و‬‫دن خوفة المو ون وثقله على صورته في ُّ‬ ‫وو‬
‫ين َخ ِس ُروا أ ُ‬
‫َنف َس ُه ْم ِفي َج َهون َم َخالِ ُدو َن)‬ ‫َٰ ِ و ِ‬
‫بدليل قوله تعالى‪َ ( :‬و َم ْن َخوف ْت َم َوا ِ ُين ُه َفأُوَل َك الذ َ‬
‫ُم ُه َه ِاوَية) [القارعة‪-8 :‬‬ ‫[المىمنون‪ ،]103 :‬وقوله تعالى‪َ (:‬وأَ وما َم ْن َخوف ْت َم َوا ِ ُين ُه َفأ ُّ‬
‫ام ِة َوْ ًنا) [الكهف‪ ،]105 :‬أي نافعاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يم َل ُه ْم َي ْوَم اْل َي َ‬
‫ِ‬
‫‪ ،]9‬وقوله تعالى‪َ ( :‬ف َال ُن ُ‬

‫وال يكون لألنبياء وال للمالئكة‪ ،‬وال لمن يدخل الجونة بغير حساب ألنه فرع عن‬
‫الحساب‪ ،‬وال حساب على من ذكر‪ .‬وهو على صورة ميزان الدنيا‪ ،‬له كفتان ولسان‪.‬‬
‫انية‪ ،‬فتوضع في‬ ‫وتو ن األعمال بأن تُ و‬
‫صور األعمال الصالحة في صورة حسنة نور ّ‬
‫لمانية‪،‬‬
‫م ّ‬ ‫السوي ة بصورة قبيحة ُ‬
‫وتصور األعمال ّ‬
‫ّ‬ ‫عدة للحسنات‪،‬‬
‫الم ّ‬
‫النور‪ ،‬وهي ُ‬
‫كفة ّ‬

‫‪41‬‬
‫للسِّي ات‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫عدة ّ‬
‫الم ّ‬
‫فتوضع في كّفة الظلمة ُ‬
‫متميزة عن‬
‫ّ‬ ‫وقيل‪ :‬تو ن الصحف المكتوبة فيها األعمال‪ ،‬بناء على و‬
‫أن الحسنات‬
‫السي ات بكتاب‪ ،‬ويشهد له حديث البطاقة‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الصراط‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬اإليمان ب ّ‬
‫والصراا‪ :‬وهو لغ ًة‪ :‬الطريق الواضال‪.‬‬
‫ألن جهونم بينهما‪ ،‬تَ ُ‬
‫رده‬ ‫وشرعاً‪ :‬جسر ممدود على متن جهونم بين الموقف والجونة‪ ،‬و‬
‫المىمنون والكوفار للمرور عليه إلى الجونة‪ ،‬أدث من الشعر و ُّ‬
‫أحد من السي ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الكفار ال يمرون عليه‪ ،‬بل يىمر بهم إلى النار من أول األمر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫وبعضهم ال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بعضهم يمر‬

‫والمارون عليه مختلفون‪:‬‬


‫فمنهم سالم بعمله نال من الوقوع في نار جهونم‪ ،‬وهم على أقسام‪:‬‬
‫فمنهم من يجو ه كلمحة البصر‪ ،‬ومنهم من يجو ه كالبرث الخاطف‪ ،‬ومنهم كالريال‬
‫العاصف‪ ،‬ومنهم كالطير‪ ،‬ومنهم كالجواد السابق‪ ،‬ومنهم من يسعى سعياً‪ ،‬ومنهم من‬
‫الصالحة واإلع ار‬
‫يمر عليه حبواً على قدر تفاوتهم في األعمال و‬
‫يمشي‪ ،‬ومنهم من ُّ‬
‫مرت على خاطره كان أسرع‬
‫فكل من كان أسرع إعراضا عنها إذا و‬
‫عن المعاصي‪ُّ ،‬‬
‫ويمر ويجاو ه بعد‬
‫مرو اًر‪ ،‬ومنهم من تخدشه كالليبه‪ ،‬فيسقط‪ ،‬ولكن يتعّلق بها فيعتدل ّ‬
‫أعوام‪.‬‬
‫ومنهم ير السالم‪ ،‬بل يسقط في نار جهونم‪ ،‬وهم متفاوتون أيضا بقدر الجرائم‪ ،‬ث وم‬
‫مدة على حسب ما شاء‬ ‫منهم من يخلد في الونار كالكوفار‪ ،‬ومنهم من يخرل منها بعد ّ‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وهم عصاة المىمنين بشفاعة النبي ‪ ‬أو يره من األخيار‪ ،‬وهو من‬
‫وكل ما كان كذلك فيجب اإليمان به‪ ،‬قال‬
‫الصادث‪ُّ ،‬‬‫الممكنات التي أخبر بها ّ‬
‫ا) [يا‪.]66 :‬‬ ‫تعالى‪َ (:‬فاستَبُقوا ِ‬
‫الص َار َ‬
‫ّ‬ ‫ْ َ‬
‫وفي الحديث‪« :‬ويضرب الصراا بين مهراني جهونم‪ ،‬فأكون أنا وأمتي أول من‬
‫يجو ه» وهو موجود واألخبار عنه صحيحة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫عاش اًر‪ :‬الشفاعة وأنواعها‬
‫والشفاعة‪ :‬هي سىال الخير من الغير للغير‪.‬‬
‫وهي أنواع متعددة‪ ،‬نذكر بعضها‪:‬‬
‫األول‪ :‬شفاعته ‪ ‬في فصل القضاء إلراحة الخلق من طول الوقوف ومشقته‪ ،‬وهي‬
‫و‬
‫مختصة به ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شفاعته في إدخال قوم الجونة بغير حساب‪ ،‬قال النووي‪ :‬وهي مختصة به‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫الثالث‪ :‬الشفاعة فيمن استحق دخول الونار أن ال يدخلها‪ ،‬قال القاضي عيا‬
‫وليست مختصة به‪ ،‬وتردد اإلمام النووي‪ ،‬أي‪ :‬ألنه لم يرد تصريال بذلك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الشفاعة في إخرال قوم من الونار‪ ،‬ويشاركه فيها األنبياء والمالئكة وصالحوا‬
‫المىمنين‪.‬‬
‫الخاما‪ :‬الشفاعة في يادة الدرجات‪ ،‬وجو اإلمام النووي اختصاصها به عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫و‬
‫عمن استحق الخلود في الونار‪ ،‬ففي صحيال‬ ‫السادم‪ :‬الشفاعة في تخفي العذاب ّ‬
‫ام ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول هللا ‪« :‬أََنا َسّي ُد َوَلد َآد َم َي ْوَم اْل َي َ‬
‫ال َرُس ُ‬ ‫مسلم‪ ،‬باب تفضيل نبينا محمد ‪َ :‬ق َ‬
‫َوأوَو ُل َم ْن َي ْن َش ُّق َع ْن ُه اْلَق ْب ُر‪َ ،‬وأوَو ُل َش ِافع َوأوَو ُل ُم َشوفع»‬

‫الحادي عشر‪ :‬اإليمان بالثواب والعقاب‪.‬‬


‫(والعقاب على الذنوب والكفر‪ ،‬في القبر وفي المحشر وبعده بأنواع مختلفة على‬
‫حسب األعمال‪ :‬فمنهم من يعاقب بالحيات أو بالعقارب‪ ،‬ومنهم من يعاقب بالضرب‪،‬‬
‫ومنهم من يعاقب بغير ذلك‪ ،‬ثم مآل الكفار إلى النار ويخلدون فيها‪ ،‬وأما أهل‬
‫المعاصي فقد يغفر لهم فال يدخلون النار‪ ،‬وبعضهم يدلها ولكن ال يخلد فيها‪ ،‬بل ال‬
‫بد من خروجه منها بشفاعة نبينا ‪ ،‬أو يره على ما سيأتي إن شاء هللا تعالى‪.‬‬

‫وأما بعد البعث فمحله الروح والجسد قطع ًا‪ ،‬وكذا قبله في البر خ على المشهور بأن يعيد‬
‫هللا الروح إليه‪ ،‬أو إلى جزء منه إن قلنا إن المعذب بعض الجسد‪ ،‬وال يمنع من ذلك‬
‫كون الميت قد تفرقت أجزاؤه أو أكلته السباع أو الحيتان‪ ،‬فإن القادر ال يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫(والثواب أي‪ :‬الجزاء على األعمال بالجنة في اآلخرة‪ ،‬و يرها من أنواع النعيم‪ ،‬وكذا‬
‫في البر خ وبعده‪ .‬وأنواعه مختلفة أيضاً على حسب األعمال‪ ،‬واإلفضال من الواحد‬
‫المتعال‪.‬‬

‫الثاني عشر‪ :‬اإليمان بالجنة والنار‪ ،‬وأنهما مخلوقتان اآلن‬


‫الع ِّلو‪.‬‬
‫محرث يميل إلى جهة ُ‬ ‫(والنيران بكسر النون‪ ،‬جمع نار‪ ،‬وهي‪ :‬جسم لطي‬
‫جهنم وهي‬
‫أشده النار بجميع طبقاتها السبع‪ ،‬أعالها ّ‬
‫والمراد بها دار العقاب الذي ّ‬
‫فالسعير فسقر‬
‫فالحطمة ّ‬
‫لعصاة المىمنين‪ ،‬ثم تخرب بعد خروجهم منها‪ ،‬فلظى ُ‬
‫فالجحيم فالهاوية‪ ،‬وباب كل من داخل األخرى على االستواء‪.‬‬
‫وحرها هواء محرث‪ ،‬ال جمر لها سوى بني آدم و ّ‬
‫الجن واألحجار المتّخذة آلهة من‬ ‫ُّ‬
‫دون هللا‪ ،‬نعوذ باه منها‪.‬‬

‫(والجنان جمع جنة‪ ،‬وهي لغة‪ :‬البستان‪ ،‬والمراد منها دار الثواب‪ ،‬وهي سبع‪ ،‬أعالها‬
‫فجنة المأوى‪،‬‬
‫وأفضلها الفردوم‪ ،‬وفوقها عرش الرحمن‪ ،‬ومنها تتفجر أنهار الجنة‪ّ ،‬‬
‫فجنة عدن‪ ،‬فدار السالم‪ ،‬فدار الجالل‪ ،‬هذا ما ذهب إليه‬
‫فجن النعيم‪ّ ،‬‬
‫فجنة الخلد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ابن عبام وجماعة‪.‬‬
‫والجنة والنار موجودتان اآلن‪ ،‬والجنة هي التي أهبط منها آدم عليه السالم‪ ،‬خالفاً‬
‫أن آدم أهبط من بستان على ربوة‬
‫للمعتزلة الذاهبين إلى أنهما سيوجدان في اآلخرة‪ ،‬و ّ‬
‫من األر ‪.‬‬

‫****************************************‬

‫سادساً‪ :‬اإليمان بالقضاء والقدر‬


‫هو الركن السادم من أركان اإليمان‪ ،‬كما ورد في حديث جبريل‪ ،‬وهو من المسائل‬
‫التي دار الحديث حوله كثي اًر بين النام‪ ،‬ألنه متصل بأفعال العباد‪ ،‬ومدى حرية‬
‫العبد‪ .‬فقالت طائفة أن اإلنسان مجبر على أفعاله‪ .‬وقالت أخرى أنه مخير‪ ،‬وهناع‬
‫من جمع بين األمرين‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ثم إن اإليمان بالقضاء والقدر فرع عن اإليمان باه تعالى وصفاته وأسمائه‪ .‬جاء عن‬
‫ابن عبام رضي هللا عنهما‪ ( :‬القدر‪ :‬نظام التوحيد‪ ،‬فمن وحد هللا تعالى وكذب‬
‫بالقدر كان تكذيبه نقضا للتوحيد‪ ،‬ومن وحد هللا وآمن بالقدر كانت العروة الوثقى)‬
‫القضاء‪ :‬هو علمه تعالى أ الً بما تكون عليه الخالئق‪.‬‬
‫القدر‪ :‬هو إيجاد هللا تعالى األشياء على وجه اإلحكام‪.‬‬
‫** األدلة على القضاء والقدر‪:‬‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪( :‬إنا كل شيء خلقناه بقدر) سورة القمر‪.49 ،‬‬
‫ص َيبة ِفي ْاأل َْر ِ َوَال ِفي أ َْنُف ِس ُك ْم ِإ وال ِفي ِكتَاب ِم ْن‬
‫‪ -2‬قال تعالى‪( :‬ما أَصاب ِمن م ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ‬
‫ّللاِ َي ِسير (‪))22‬‬
‫َها ِإ ون َذلِ َك َعَلى و‬ ‫َقْب ِل أ ْ‬
‫َن َن ْب َأر َ‬
‫‪ -3‬قال رسول هللا ‪ ‬عندما ُس ل عن اإليمان‪( :‬أن تُىمن باه ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬وتىمن بالقدر خيره وشره)‪.‬‬

‫*** الجبر واالختيار وعالقته بالقضاء والقدر‪:‬‬


‫يتعلل بعض األفراد بمسألة القضاء والقدر‪ ،‬فقد يرتكب الفعل بمحض إرادته واختياره‪،‬‬
‫وعلمه‪ ،‬ثم يقول أن هذا قد كتبه هللا علي‪ .‬وهذا باطل‪ ،‬فالقضاء والقدر ال يعني الجبر‬
‫ّ‬
‫المطلق وال االختيار المطلق‪.‬‬
‫عمن يرتكب الموبِقات‪ ،‬ثم يقولون كان ذلك‬
‫ُس ل عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما ّ‬
‫في علم هللا‪ ،‬فغضب‪ ،‬وقال‪ :‬كان ذلك في علمه‪ ،‬ولم يكن علمه يحملهم عليها‪.‬‬
‫وعلم هللا تعالى صفة كاشفة‪ ،‬وليا ما في علمه جل جالله‪ ،‬هو إجبار للعبد‪.‬‬

‫ذكر النووي في شرح صحيال مسلم‪( :‬قال الخطابي‪ :‬وقد يحسب كثير من النام أن‬
‫معنى القضاء والقدر إجبار هللا تعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه‪ ،‬وليا األمر‬
‫كما يتوهمونه‪ ،‬ودنما معناه اإلخبار عن تقدم علم هللا سبحانه وتعالى بما يكون من‬
‫اكتساب العبد وصدور أفعاله عن تقدير منه سبحانه‪ ،‬وخلق لها خيرها وشرها‪).‬‬

‫من هنا يجب على اإلنسان األخذ باألسباب‪ ،‬فال يتعلل بالقضاء والقدر وعلم هللا‬

‫‪45‬‬
‫السابق‪ ،‬ليبرر تقصيره‪ ،‬وكسله‪ ،‬وتواكله‪ ،‬وف ارره من مسىولية أعماله‪ ،‬فينتحر أو يسرث‬
‫أو يزني مثاالً ويقول أنه بقضاء هللا وقدره‪ ،‬وأنه مجبر على فعله‪ .‬فقد حاول‬
‫ين‬ ‫المشركون أن يبرروا كفرهم وعدم إيمانهم بقضاء هللا وقدره‪ ،‬قال تعالى‪( :‬سيُق و ِ‬
‫ول الذ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ين ِم ْن‬ ‫ِ و وِ‬ ‫ِ‬
‫اؤَنا َوَال َح ورْم َنا م ْن َش ْيء َك َذل َك َكذ َب الذ َ‬
‫َش َرْكَنا َوَال َآب ُ‬
‫ّللاُ َما أ ْ‬
‫اء و‬‫َش َرُكوا َل ْو َش َ‬ ‫أْ‬
‫َقبلِ ِهم حتوى َذا ُقوا بأْسنا ُقل هل ِع ْند ُكم ِمن ِعْلم َفتُ ْخ ِرجوه َلنا ِإن تَتوِبعو َن ِإ وال و‬
‫الظ ون َودِ ْن‬ ‫ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ ََ ْ َْ َ ْ ْ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫صو َن (‪ ))148‬سورة األنعام‪.‬‬ ‫ِو‬
‫أ َْنتُ ْم إال تَ ْخ ُر ُ‬

‫ّللا َع ْن ُه‪َ ،‬خ َرَل ِإَلى و‬


‫الش ْأمِ‪،‬‬ ‫و ِ ِ‬ ‫وورد في صحيال البخاري‪ :‬أ و‬
‫الخطاب َرض َي و ُ‬ ‫َن ُع َم َر ْب َن َ‬
‫َخَب ُروهُ أ و‬
‫َن‬ ‫حتوى ِإ َذا َكان ِبسر َ َل ِ يه أُمراء األ ِ‬
‫َص َح ُاب ُه‪َ ،‬فأ ْ‬
‫الج وار ِح َوأ ْ‬
‫َجَناد‪ ،‬أ َُبو ُعَب ْي َدةَ ْب ُن َ‬
‫َ َ ْ َ ُ ََ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ين‪،‬‬‫ين األوَولِ َ‬ ‫الش ْأ ِم‪َ .‬قال ْاب ُن َعبوام‪َ :‬فَقال ُعمر‪ْ :‬ادعُ لِي المه ِ‬
‫اج ِر َ‬ ‫الوَباء َق ْد وَقع ِبأ َْر ِ و‬
‫َُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َن الوَباء َق ْد وَقع ِب و‬
‫الش ْأمِ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ض ُه ْم‪َ :‬ق ْد‬ ‫ال َب ْع ُ‬ ‫اخَتَلُفوا‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َخَب َرُه ْم أ و َ َ‬ ‫استَ َش َارُه ْم‪َ ،‬وأ ْ‬‫اه ْم َف ْ‬
‫َف َد َع ُ‬
‫اب‬ ‫ض ُهم‪ :‬م َع َك َب ِ وي ُة الون ِ‬ ‫َخر ْج َت ِألَمر‪ ،‬والَ َنرى أ ْ ِ‬
‫َص َح ُ‬ ‫ام َوأ ْ‬ ‫ال َب ْع ُ ْ َ‬ ‫َن تَ ْرج َع َع ْن ُه‪َ ،‬وَق َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬ا ْد ُعوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّللاِ ‪ ،‬والَ نرى أ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫ال‪ْ :‬ارتَف ُعوا َعّني‪ ،‬ثُ وم َق َ‬ ‫الوَباء‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َن تُْقد َم ُه ْم َعَلى َه َذا َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫ول و‬ ‫َُ‬
‫اخِتالَ ِف ِه ْم‪،‬‬‫اخَتَلُفوا َك ْ‬ ‫ين‪َ ،‬و ْ‬ ‫لِي األ َْنصار‪َ ،‬ف َد َعوتُهم َفاستَ َشارُهم‪َ ،‬فسَل ُكوا سِبيل المه ِ‬
‫اج ِر َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ْ ُْ ْ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ان َها ُهَنا ِم ْن م ْشي َخ ِة ُقرْيش ِم ْن مه ِ‬
‫اج َرِة‬ ‫ِ‬
‫ال‪ْ :‬ادعُ لي َم ْن َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ال‪ْ :‬ارتَف ُعوا َعّني‪ ،‬ثُ وم َق َ‬ ‫َفَق َ‬
‫َن تَ ْر ِج َع ِبالون ِ‬ ‫ِ‬ ‫الف ْت ِال‪َ ،‬فدعوتُهم‪َ ،‬فَلم ي ْخَتلِ ِ‬
‫ام َوالَ‬ ‫ف م ْن ُه ْم َعَل ْيه َر ُجالَ ِن‪َ ،‬فَقالُوا‪َ :‬ن َرى أ ْ‬ ‫َ َْ ُ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َصِب ُحوا‬ ‫صِّبال َعَلى َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْهر َفأ ْ‬ ‫الوَباء‪َ ،‬فَن َادى ُع َم ُر في الونام‪ :‬إّني ُم َ‬ ‫تُْقد َم ُه ْم َعَلى َه َذا َ‬
‫ع َقاَل َها َيا أََبا‬ ‫ار ِمن َقد ِر و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُع َم ُر‪َ :‬ل ْو َ ْي ُر َ‬ ‫ّللات َفَق َ‬ ‫الج وار ِح‪ :‬أَف َرًا ْ َ‬ ‫وع َب ْي َدةَ ْب ُن َ‬‫ال أ َُب ُ‬‫َعَل ْيه‪َ .‬ق َ‬
‫ط ْت َو ِادًيا َل ُه‬ ‫ان َل َك ِإِبل َهَب َ‬ ‫َرَْي َت َل ْو َك َ‬‫ّللاِ‪ ،‬أ َأ‬
‫ّللاِ ِإَلى َق َد ِر و‬ ‫ُعَب ْي َدةَت َن َع ْم َن ِف ُّر ِم ْن َق َد ِر و‬
‫ّللاِ‪،‬‬
‫صَب َة َرَع ْيتَ َها ِبَق َد ِر و‬ ‫ُخ َرى َج ْد َبة‪ ،‬أََل ْي َا ِإ ْن َرَع ْي َت َ‬
‫الخ ْ‬ ‫ص َبة‪َ ،‬واأل ْ‬ ‫ان‪ِ ،‬إحداهما خ ِ‬
‫ُع ْد َوتَ ِ ْ َ ُ َ َ‬
‫ان ُمتَ َغِّيًبا‬ ‫ودِن رعيت الجدب َة رعيتها ِبَقد ِر و ِ‬
‫الر ْح َم ِن ْب ُن َع ْوف ‪َ -‬وَك َ‬ ‫اء َع ْب ُد و‬ ‫ال‪َ :‬ف َج َ‬‫ّللات َق َ‬ ‫َ ْ َ َْ َ َ ْ َ َ َََْ َ‬
‫ول‪ِ« :‬إ َذا‬ ‫ض حاجِت ِه ‪َ -‬فَقال‪ِ :‬إ ون ِعن ِدي ِفي ه َذا ِعْلما‪ ،‬س ِمعت رسول و ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا ‪َ ‬يُق ُ‬ ‫ً َ ْ ُ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫في َب ْع ِ َ َ‬
‫ار ِم ْن ُه»‬ ‫َس ِم ْعتُ ْم ِب ِه ِبأ َْر َفالَ تَْق َد ُموا َعَل ْي ِه‪َ ،‬ودِ َذا َوَق َع ِبأ َْر َوأ َْنتُ ْم ِب َها َفالَ تَ ْخ ُر ُجوا ِف َرًا‬
‫ف‪.‬‬ ‫ص َر َ‬ ‫ال‪َ :‬ف َح ِم َد و‬
‫ّللاَ ُع َم ُر ثُ وم ْان َ‬ ‫َق َ‬
‫ات َي ْوم َج ِال ًسا َوِفي َي ِدِه ُعود َي ْن ُك ُت ِب ِه‪َ ،‬ف َرَف َع‬ ‫ِ‬
‫ول هللا ‪َ ،‬ذ َ‬ ‫ان َرُس ُ‬ ‫ال‪َ :‬ك َ‬
‫ِ‬
‫وع ْن َعل ّي‪َ ،‬ق َ‬

‫‪46‬‬
‫ول‬
‫ار» َقاُلوا‪َ :‬يا َرُس َ‬ ‫ال‪َ « :‬ما ِم ْن ُك ْم ِم ْن َنْفا ِإ وال َوَق ْد ُعلِم َم ْن ِزُل َها ِم َن اْل َجون ِة َوالون ِ‬
‫ْس ُه َفَق َ‬‫َأر َ‬
‫َ‬
‫اع َملُوا‪َ ،‬ف ُكل ُم َي وسر لِ َما ُخلِ َق َل ُه» ثُ وم َق َأَر‪َ { :‬فأَ وما‬ ‫وِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال‪َ « :‬ال‪ْ ،‬‬ ‫هللا َفل َم َن ْع َم ُلت أََف َال َنتك ُلت َق َ‬
‫ص ود َث ِباْل ُح ْس َنى} [الليل‪ِ ،]6 :‬إَلى َق ْولِ ِه { َف َس ُنَي ِّس ُرهُ لِْل ُع ْس َرى}‪.‬‬ ‫و‬
‫طى َواتَقى‪َ ،‬و َ‬ ‫َع َ‬
‫َم ْن أ ْ‬

‫**** ولإليمان بالقضاء والقدر آثار عظيمة في حياة اإلنسان‪ ،‬فهو باعث على‬
‫العمل بما يرضي هللا تعالى‪ ،‬واألخذ باألسباب مع االستعانة باه تعالى والتوكل‬
‫عليه‪ ،‬والرضا والطمأنينة وعدم التسخط‪ ،‬وكذلك عدم حسد النام بما آتاهم هللا تعالى‬
‫من فضله‪.‬‬
‫َنف ِس ُك ْم ِإ وال ِفي ِكتَاب ِّمن َقْب ِل‬ ‫ِ َوَال ِفي أ ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ما أَصاب ِمن ُّم ِ‬
‫ص َيبة ِفي ْاأل َْر‬ ‫َ َ َ‬
‫ْس ْوا َعَلى َما َفاتَ ُك ْم َوَال تَْف َر ُحوا ِب َما آتَ ُ‬
‫اك ْم‬ ‫تَأ َ‬ ‫ّللاِ َي ِسير {‪ }22‬لِ َك ْي َال‬
‫َها ِإ ون َذلِ َك َعَلى و‬
‫أَن ون ْب َأر َ‬
‫ّللاُ َال ُي ِح ُّب ُك ول ُم ْختَال َف ُخور)‬ ‫َو و‬

‫*****************************************‬

‫أثر العقيدة اإلسالمية في بناء اإلنسان والمجتمع‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أثر العقيدة اإلسالمية في بناء اإلنسان‪:‬‬


‫أ‪ -‬العقيدة اإلسالمية تلبي حاجة اإلنسان الفطرية‪ ،‬فالتدين فطرة وشعور واحتيال‬
‫ال الونِب ُّي ‪َ « :‬ما ِم ْن َم ْوُلود ِإ وال ُيوَل ُد َعَلى‬ ‫نفسي فطر هللا عز وجل النام عليها‪َ ،‬ق َ‬
‫اء‪َ ،‬ه ْل‬ ‫ِ‬ ‫ص َرِان ِه‪ ،‬أَو ُيم ِّجس ِان ِه‪َ ،‬كما تُْنتَ ُ َ ِ‬
‫طرِة‪َ ،‬فأَبواه يه ِود ِان ِه أَو ين ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ًة َج ْم َع َ‬
‫يمةُ َبه َ‬
‫البه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ َُ ّ‬ ‫الف ْ َ َ َ ُ ُ َ ّ َ‬
‫ط َر‬‫ّللاِ والِتي َف َ‬ ‫ّللاُ َع ْن ُه‪ِ { :‬ف ْ‬
‫ط َرةَ و‬ ‫ضي و‬ ‫ت ِحسون ِفيها ِمن جدعاء»‪ ،‬ثم يقول أَبو هريرة ر ِ‬
‫ُ ُّ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ و َ ُ ُ ُ ُ َ ْ َ َ َ َ‬
‫الون َ‬
‫ام َعَل ْي َها}‬
‫ب‪-‬العقيدة اإلسالمية تُرشد اإلنسان إلى صحيال االعتقاد واألصول التي يجب أن‬
‫يدين بها‪ ،‬فأرشدته إلى اإليمان باه تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله عز وجل‪،‬‬
‫وتوحيده وتنزيهه تعالى‪ ،‬واإليمان بمالئكته ورسله وكتبه واليوم اآلخر والقضاء والقدر‪،‬‬
‫ّللا واستَ ْغ ِفر لِ َذ ْنِبك ولِْلمى ِمِنين واْلمى ِمن ِ‬ ‫و‬
‫ّللاُ َي ْعَل ُم‬
‫ات َو و‬ ‫َ َ ُْ َ َ ُْ َ‬ ‫اعَل ْم أَون ُه َال ِإَل َه ِإال و ُ َ ْ ْ‬
‫قال تعالى‪َ ( :‬ف ْ‬
‫اك ْم) سورة محمد‪ ،‬أية ‪.19‬‬ ‫ُمتََقولَب ُك ْم َو َم ْث َو ُ‬
‫‪47‬‬
‫ل‪ -‬العقيدة اإلسالمية تحرر اإلنسان من الخرافات واألساطير التي سيطرت على‬
‫عقله وقلبه لفترات طويلة‬
‫د‪-‬العقيدة اإلسالمية تورا النفا المىمنة الرضا‪ ،‬فما يقع من أمر إال بقضاء هللا عــز‬
‫وج ــل وق ــدره‪ ،‬ف ــالخير مق ــرون ب ــأمر الم ــىمن س ـواء أك ــان الواق ــع نعم ــة أو مص ــيبة‪ .‬ق ــال‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪( :‬مـا أَصـ ِ‬
‫اب مـ ْن ُمصـ َيبة فـي ْاأل َْر ِ َوَال فـي أ َْنُفسـ ُك ْم ِإ وال فـي كتَـاب مـ ْن َقْبـ ِل أ ْ‬
‫َن‬ ‫َ َ َ‬
‫ّللاِ َي ِسير) سورة الحديد‪ ،‬أية ‪.22‬‬ ‫َها ِإ ون َذلِ َك َعَلى و‬
‫َن ْب َأر َ‬
‫هـ ـ‪ -‬العقيــدة اإلســالمية تحمــي الــنفا مــن بعــض أم ارضــها القاتلــة كاالكت ــاب والتشــاؤم‬
‫ط ِمـ ْن‬
‫ال َو َمـ ْن َيْقـَن ُ‬
‫الذي يــدفع الــنفا أحيانـاً إلــى االنتحــار‪ ،‬أو اإلدمــان‪ ،‬قــال تعــالى‪َ ( :‬قـ َ‬
‫الض ُّالو َن) سورة الحجر‪ ،‬أية ‪.56‬‬ ‫رحم ِة رب ِ‬
‫ِه ِإ وال و‬‫َ ْ َ َّ‬
‫و‪ -‬العقي ــدة اإلس ــالمية تف ــتال للم ــىمن أب ـواب تف ـري الك ــرب والمح ــن‪ ،‬وتدل ــه علي ــه‪ ،‬ق ــال‬
‫الض ُّر وأ َْنت أَرحم و ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪( :‬وأَيُّوب ِإ ْذ نادى رب ِ‬
‫استَ َج ْبَنا َلـ ُه‬
‫ين (‪َ )83‬ف ْ‬ ‫الراحم َ‬ ‫وه أَّني َم وسن َي ُّ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ ََ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َهَل ـ ُه َو ِم ـ ْثَل ُه ْم َم َع ُه ـ ْم َر ْح َم ـ ًة م ـ ْن ع ْن ـدَنا َوِذ ْك ـ َرى لْل َعاِب ـد َ‬
‫ين‬ ‫َف َك َش ـْفَنا َم ـا ِب ـه م ـ ْن ُ‬
‫ض ـّر َوآتَْيَن ـاهُ أ ْ‬
‫(‪ ))84‬سورة األنبياء‪.‬‬
‫‪ -‬توجـ ــه العقيـ ــدة اإلسـ ــالمية العقـ ــل للنظـ ــر الصـ ــحيال‪ ،‬والبحـ ــث فـ ــي عـ ــالم الشـ ــهادة‪،‬‬
‫والسـ ــماء‪ ،‬والحي ـ ـوان‬ ‫فأشـ ــارت إلـ ــى عظـ ــم خلـ ــق اإلنسـ ــان ودلـ ــى خلـ ــق الجبـ ــال واألر‬
‫والفلك‪ ،‬وتسأله عن الخالق‪ ،‬وعظمة الخلق‪ ،‬فصانت العقيــدة العقــل عــن الظــن الفاســد‪،‬‬
‫والهــوى المنحــرف‪ ،‬والتقليــد األعمــى‪ ،‬الــذي يكــون نتيجتهــا الضــالل‪ ،‬فنهــى عــن التقليــد‪،‬‬
‫ارِه ْم ُم ْهتَ ُدو َن)‬
‫فقال تعالى‪َ ( :‬قالُوا ِإونا َو َج ْدَنا َآباءَنا َعَلى أُ ومة َودِونا َعَلى آثَ ِ‬
‫َ‬
‫ح‪-‬تقــدم العقيــدة اإلســالمية جمل ـ ًة مــن ال ــيم األخالليــة‪ ،‬وتطــالبهم بــااللتزام بهــا‪ ،‬تحــذر‬
‫العقيدة اإلسالمية من اإلهمال باألخالث الحميدة‪ .‬فمن خالل تحذيرها ضــمنت الحفــا‬
‫ف‪َ ،‬ودِ َذا ْاؤتُ ِم ـ َن‬ ‫المَن ـ ِاف ِق ثَ ـالَا‪ِ :‬إ َذا َح ـود َا َك ـ َذ َب‪َ ،‬ودِ َذا َو َع ـ َد أ ْ‬
‫َخَل ـ َ‬ ‫عليه ــا‪ .‬ق ــال ‪( :‬آَي ـ ُة ُ‬
‫اهِ َوالَيـ ْو ِم اآل ِخـ ِر‬ ‫ان ُيـ ْى ِم ُن ِبـ و‬
‫ان)‪ .‬وربطت الجانب اإليماني باألخالث‪ ،‬قال ‪َ :‬م ْن َك َ‬ ‫َخ َ‬
‫ال‪َ :‬و َمـا َج ِائ َزتُـ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفْلي ْك ِرم جاره‪ ،‬ومن َكان يى ِمن ِب و ِ‬
‫ضـ ْيَف ُه َجائ َزتَـ ُه َقـ َ‬ ‫الي ْو ِم اآلخ ِر َفْل ُي ْك ِرْم َ‬‫اه َو َ‬ ‫ُ ْ َ َُ َ َ ْ َ ُْ ُ‬
‫ص ـ َد َقة‬ ‫ض ـيا َفةُ ثَالَثَ ـةُ أَوي ـام‪َ ،‬فم ـا َك ـان ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ـا رس ـول و ِ‬
‫اء َذل ـ َك َف ُه ـَو َ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ال‪َ :‬ي ـ ْوم َوَلْيَل ـة‪َ ،‬وال ّ َ‬
‫ّللات َق ـ َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عَلي ِه‪ ،‬ومن َكان يى ِمن ِب و ِ‬
‫ص ُم ْت)‬ ‫الي ْو ِم اآلخ ِر َفْلَيُق ْل َخ ْي ًار أ َْو لَي ْ‬
‫اه َو َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ ُْ ُ‬

‫‪48‬‬
‫ثانياً‪ :‬أثر العقيدة اإلسالمية في بناء المجتمع‪:‬‬
‫المجتمــع‬ ‫أ‪-‬سالمة المجتمع‪ ،‬فمن خالل الجانب الخلقــي الــذي تُأسســه العقيــدة يــتخل‬
‫من كافة صور الجريمة‪ ،‬فيعرف الفرد فيه ما له من حق فيأخــذه ومــا عليــه مــن واجــب‬
‫فيىديه‪ ،‬سواء ول أو وجة‪ ،‬أو عامل‪ ،‬أو ير ذلك‪ ،‬فيقوم مجتمع الفضيلة‪.‬‬
‫ل‪ -‬قوة المجتمع وتقدمه‪ ،‬من خالل الجانــب المعرفــي الــذي تىسســه العقيــدة فــي نفــوم‬
‫أف ـراده‪ ،‬وتجع ــل طل ــب العل ــم فريض ــة عل ــى ك ــل مس ــلم‪ ،‬وك ــذلك األم ــر العم ــل اإليج ــابي‬
‫المتمثل باإلنتــال النــافع الصــالال الــذي تــأمر بــه وتوجبــه علــى الجميــع‪ .‬مهمــا كــان قلــيالً‬
‫ُخ ِر َجـ ْت لِلونـ ِ‬
‫ام‬ ‫أو كثي اًر وجعله وسيلة لرضا هللا عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪ُ ( :‬ك ْنتُ ْم َخ ْيـ َر أُ ومـة أ ْ‬
‫اهِ) سورة آل عمران‪ ،‬أية ‪.110‬‬ ‫تَأْمرو َن ِباْلمعر ِ‬
‫وف َوتَْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوتُ ْى ِم ُنو َن ِب و‬ ‫َُْ‬ ‫ُُ‬
‫د‪-‬العقيــدة اإلســالمية رســمت معــالم التعــايش اإلنســاني بــين أف ـراد المجتمــع اإلســالمي‪،‬‬
‫س ـواء بــين المســلمين أنفســهم‪ ،‬أو بــين المســلمين و يــر المســلمين‪ ،‬لــذلك نجــد اإلســالم‬
‫يقرر حقوث ير المسلمين وخاصة أهل الذمة‪ ،‬والمستأمنين‪ ،‬فضــمن لهــم حــق الحيــاة‪،‬‬
‫ال‪« :‬أ ََال‬ ‫ول و ِ‬ ‫والتمل ــك وال ــتعلم‪ ،‬وص ــان أم ـوالهم وأع ارض ــهم‪ ،‬ودم ــاءهم‪ .‬ق ــال رس ـ ِ‬
‫ّللا ‪َ ‬ق ـ َ‬ ‫َُ‬
‫ـب َنْفـا‪،‬‬‫َخ َذ ِم ْن ُه َش ْيًا ِب َغ ْي ِر ِطيـ ِ‬ ‫اهدا‪ ،‬أ َِو انتَقصه‪ ،‬أَو َكولَفه َفوث َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طا َقته‪ ،‬أ َْو أ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬ ‫مَل َم ُم َع ً‬
‫َم ْن َ‬
‫ام ِة»)‪ .‬ولم يكره أحــداً علــى الــدخول فــي اإلســالم لقولــه تعــالى‪َ ( :‬ال‬ ‫ِ‬
‫يج ُه َي ْوَم اْل َي َ‬
‫ِ‬
‫َفأََنا َحج ُ‬
‫الرْش ُد ِم َن اْل َغ ِي) سورة البقرة‪ ،‬أية ‪.256‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ون ُّ‬‫ين َق ْد تََبي َ‬ ‫ِإ ْك َراهَ ِفي ّ‬
‫الد ِ‬
‫هـ‪ -‬العقيدة اإلسالمية أقامت المجتمع على أسام العدل والمســاواة والتســامال‪ .‬فيســتوي‬
‫اك ْم) ســورة الحجـرات‪ ،‬أيــة ‪ .13‬وقــال‬ ‫فيه النــام‪ ،‬قــال تعــالى‪ِ( :‬إ ون أَ ْكـ َرَم ُك ْم َعنـ َـد هللا أ َْتَقـ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ام ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وِ‬
‫اء ِباْلق ْس ـط َوَال َي ْج ـ ِرَمون ُك ْم َش ـَن ُ‬
‫آن َق ـ ْوم‬ ‫ين وه ُش ـ َه َد َ‬ ‫آم ُن ـوا ُكوُن ـوا َق ـوو َ‬ ‫ين َ‬ ‫تعــالى‪َ( :‬ي ـا أَُّي َه ـا ال ـذ َ‬
‫ّللاَ َخِبي ــر ِب َمـ ـا تَ ْع َمُلـ ـو َن) س ــورة‬ ‫َعَلـ ـى أ وَال تَ ْعـ ـ ِدُلوا ا ْعـ ـ ِدُلوا ُهـ ـَو أَ ْقـ ـ َر ُب لِلتوْقـ ـ َوى َواتوُقـ ـوا و‬
‫ّللاَ ِإ ون و‬
‫المائدة‪ ،‬أية ‪.8‬‬

‫****************************************‬

‫‪49‬‬
‫خطورة التكفير‬
‫إن تكفير المسلم أمر خطير يترتب عليه حل دمه وماله والتفريق بينه وبين وجته‬
‫يورا ودذا مات ال يغسل وال‬
‫وولده‪ ،‬وقطع الصلة بينه وبين المسلمين‪ ،‬فال يرا وال ّ‬
‫ي ّكفن وال يصلى عليه وال يدفن في مقابر المسلمين‪ ،‬ولهذا حذر النبي من االتهام‬
‫بالكفر‪ .‬قال ‪ ، ‬قال ‪( :‬إذا قال الرجل ألخيه‪ :‬يا كافر‪ ،‬فقد باء بها أحدهما)‪.‬‬
‫الكْف ِر‪ِ ،‬إ وال‬ ‫الفسو ِث‪ ،‬والَ يرِم ِ‬
‫يه ِب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬الَ َي ْرمي َر ُجل َر ُج ًال ب ُ ُ‬
‫احُب ُه َك َذلِ َك)‪ .‬يقول ابن حجر‪( :‬وهذا يقتضي أن من قال‬ ‫ارتَود ْت عَلي ِه‪ِ ،‬إ ْن َلم ي ُك ْن ص ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫آلخر أنت فاسق أو قال له أنت كافر‪ ،‬فإن كان ليا كما قال‪ ،‬كان هو المستحق‬
‫للوصف المذكور)‪.‬‬
‫وقال اإلمام الغزالي في كتابه االقتصاد في االعتقاد‪( :‬والذي ينبغي أن يميل‬
‫المحصل إليه‪ ،‬االحت ار من التكفير‪ ،‬ما وجد إليه سبيال‪ ،‬فإن استباحة األموال‬
‫والدماء من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول ال إله إال هللا خطأ‪ ،‬والخطأ في ترع‬
‫تكفير ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من أمرئ مسلم) وقال‬
‫‪ (:‬أمرت أن أقاتل النام حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬فمن قال‪ :‬ال إله إال هللا فقد‬
‫عصم مني نفسه‪ ،‬وماله‪ ،‬إال بحقه وحسابه على هللا)‪.‬‬
‫فدم المسلم وماله وعرضه مصون‪ ،‬وأ ّكد النبي عليه الصالة والسالم على هذا‬
‫التحذير من فتنة التكفير والتفسيق‪.‬‬
‫وخطورة التكفير وأثره السيئ ماهر ّبين‪ ،‬سواء أكان على األفراد أم المجتمعات‪،‬‬
‫فهو يمزث وحدة المجتمع‪ ،‬وتقوم العالقة بين أفراده على الفرقة والبغضاء‪ ،‬بل وصل‬
‫األمر إلى قتل المسلمين المصلين في المساجد‪ ،‬فأين هذا من أوامر هللا تعالى‪ ،‬وأن‬
‫المسلم أخو المسلمت‪.‬‬
‫*************************************‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪50‬‬

You might also like