Professional Documents
Culture Documents
تاريخ علم المنطق - مجموعة مؤلفين ، اعداد الدكتور عمار عبد الرزاق الصغير (1)
تاريخ علم المنطق - مجموعة مؤلفين ، اعداد الدكتور عمار عبد الرزاق الصغير (1)
إعداد وتحریر
عاّمر عبد الرزّاق الصغري
دّ .
تارٌخ علن الوٌطك /اعذاد د .عوار عبذ الرزاق الصغٍر -.الطبعة األولى-.الٌجف ،العراق :
العتبة العباسٍة الوقذسة ،الوركس اإلسالهً للذراسات االستراتٍجٍة 1445 ،هـ.2024 = .
496صفحة ؛ 24سن(-.العلىم االسالهٍة عٌذ االهاهٍة)
ٌتضوي إرجاعات ببلٍىجرافٍة.
.1الوٌطك--تارٌخ .2 .الفلسفة--تارٌخ .ألف .الوٍالًً ،هاشن 1392 ،هجري -هشرف .ب.
الصغٍر ،عوار عبذ الرزاق علً -1981 ،هعذ .ج .الحسٌاوي ،فضاء رٌاب غلٍن ،هصحح .د.
العٌىاى.
LCC : BC15 .T37 2024
هركس الفهرسة وًظن الوعلىهات التابع لوكتبة ودار هخطىطات العتبة العباسٍة الوقذسة
الفهرسة اثٌاء الٌشر
مباحث تمهیدیة
املنطق يف القرآن
د .عسكري سليامين أمريي11...............................................................
اإلسالمي
ِّ املنطق واللغة ودورهام يف تطور الفكر
د .فاطمة عيل ع ُّبود 111...................................................................
املنطق الصدرايئ
د .عسكري سلیامين أمیري375..............................................................
املناهج
مقدمة املركز
تتجىّل أمهية علم املنطق يف هدفه األساس من دراسة أسس االستنتاج ّ
آليات تضبط حركة ٍ البرشي بوساطة تأسيس الصحيح ،وقواعد التفكري
ّ
الذهن وتن ّظمه ،للوصول إىل احلقائق أو األفكار الصحيحة .فهو آلة ّ
القوة التي
ُيدرك هبا اإلنسان املعقوالت ،و ُيم ّيز هبا الصحيح من السقيم من األفكار،
تصديقي)،
ّ (تصوري أو
ّ وبأي نو ٍع من أنواع العلم
يف شتّى صنوف اإلدراكّ ،
ُعرف املعرف أم احلُ ّجة؛ يف جانبه املادي بمعرفة املفاهيم التي ت ِّ
سواء يف بحث ِّ
املعرف ــ أو معرفة أحكام حقائق األشياء الذاتية والعرضية ــ كام يف بحث ّ
حل ّجة يف قسم الربهان، املوضوعات من طريقها الذايت الذي ُيعنى به بحث ا ُ
أو يف جانبه الصوري يف ترتيب هيأهتا الصحيحة يف االستدالل وبيان رشوط
االستنتاج عىل مستوى اهليأة ــ كام يف مباحث احلُ ّجة ــ ممّا يسهم يف استقامة
الفكر وتنظيم خمرجاته.
ٍ
بسلسلة من اإلنساين ليقوم إ ًذا فعلم املنطق ُيقدّ م تلك القواعد للوعي
ّ
العمليات العقلية واإلجراءات الذهن ّية ــ وفق ًا للخزين املعريف يف الذهن ــ
مرورا بالدائرة
ً بانتقاالته بني املعلوم واملجهول ،يف حركته الذاهبة والراجعة
يتحول فيها املجهول إىل معلوم.
ّ ً
ووصواًل للمعرفة املطلوبة ،والنتيجة التي
املتوخاة من علم املنطق الذي يتك ّفل بتوفري تلك اآللةّ وهذه هي الفائدة
ويدعو ملراعاهتا.
ومن فوائده ــ كذلك ــ متييز احلدود والرسوم صور ًة وما ّدة ،ومعرفة
حل ّجة والدليل ــ القياس والتمثيلاالستدالل الصحيح من اخلاطئ يف باب ا ُ
الصوري كالقضايا ،أو املا ّدي كمعرفة مواد األقيسة
ّ واالستقراء ــ يف بحثها
| 8تاریخ علم املنطق
يتوخاها املركز اإلسالمي للدراسات االسرتاتيجية يف وتتم ّثل الغاية التي ّ
هذا املرشوع ــ الذي يأيت ضمن سلسلة ( العلوم اإلسالمية عند اإلمام ّية) ــ
لتطور آليات االستدالل يف الذهنية اإلمامية ،وحضور يف بيان الصورة الدقيقة ّ
علم املنطق يف املدارس الفكر ّية ،واملعاهد التعليم ّية ،وما َقدّ م من ٍ
أثر يف
استدعاءاته لالستدالل أو االحتجاج يف إثبات القضايا واألفكار ،أو دفعها.
تعريف وموضو ٍع ٍ إذ ُيفتتح االستكتاب باملقدّ مات املنهجية لعلم املنطق من
بأي قس ٍم من العلوم اليقين ّية أو الظن ّية ٍ
وغاية ،وبيان ألهم مسائله ،ومن ثم تصنيفه ّ
وغريها ،ومرتبته بني العلوم .ثم متابعة تلك القواعد يف القرآن الكريم الذي بنى
تعاليمه عىل أسس الفهم والتأثري واإلقناع ،ودعا البرشية إىل التأ ّمل والتفكّر
منطقي مستقي ٍم ال خلل فيه ،فهو يدعو إىل ّ ٍ
بشكل والتع ّقل يف مسائله التي بناها
اإليامن وف ًقا لألصول العقلية الفطرية ،والتفكري الصحيح للوصول إىل احلقائق.
مقدمة املركز | 9
ويعقبه جتارب الرواد اإلسالميني الشيعة يف علم املنطق كالفارايب (ا ُملع ّلم
ورشح لكتاب (األرغانون) ٍ الثاين) (ت339:هـ 950م) وما قدّ مه من ٍ
بيان
تصو ٍر وتصديق، ألرسطو ،والتقسيامت التي ابتكرها يف جمال تقسيم العلم إىل ّ
الكيّل واجلزئي ،وتطوير وتقسيم املفاهيم الكل ّية إىل املعقوالت ،ومقولته يف ّ
ٍ
ملحوظ ٍ
بشكل أبوابه ليدخل الرتاث املنطقي يف عامل الفكر اإلسالمي ويزدهر
حتى أ ّثر ذلك يف ّ
املتأخرين.
ٍ
بشكل إذ جاء بعد الفارايب ابن سينا (ت 980 :هـ ــ 1037م) ليفيد
ٍ
كبري ممّا قدّ مه الفارايب يف رشحه ملنطق أرسطو ،فيقدّ م مجل ًة من اإلبداعات
يف جماالت العلم ،والتك ّثر العلمي ،وسبل حصول املعرفة ،والفكر،
وصواًل إىل مراحل ازدهارهً واحلدس ،والصورية ،والرمزية وغريها،
وحضوره العايل عىل يد اخلواجة نصري الدين الطويس (ت672:هـ ـــ
ّ
املتأهّلني احل ّيّل (ت726:هـ ـــ 1325م) ،وصدر والعاّلمة ِ
ّ 1274م)،
الشريازي (ت1050 :هـ ـــ1640م) ،وما م ّثلته مراحلهم من دفا ٍع عن
ترسب السطح ّية واخلرافة أمه ّية املنطق ضد الت ّيارات املناوئة ـــ بسبب ّ
ٍ
معطيات يف إطار تفكري بعض محلة العلم الديني ـــ وما قدّ موه من
ٍ
ومنهجية ختدم القضايا اإلهلية والفكر الديني ،وتسهم يف إنتاج ٍ
ومعاجلات
املعرفة.
وتال تلك املراحل يف تأريخ علم املنطق يف الفكر اإلمامي مرحلة التوضيح
ٍ
وأسلوب ٍ
متقنة ٍ
علمية والبيان ،واإلضافة والتبويب ،والنظم والعرض ٍ
بلغة
منهجي ش ّيق ،وحضوره العايل يف الدرس احلوزوي واملعاهد العلمية قراء ًة
وتدريسا ،وتوظي ًفا يف العلوم اإلسالمية األخرى.
ً ونقدً ا،
| 10تاریخ علم املنطق
اإلسالمي
ّ ويف اخلتام وعرفـانًا بإسهامات الباحثني املشاركني يتقدّ ُم املركز
أفكارهم ،وس ّطرته أقال ُمهم من
ُ هلم بوافر الشكر والتقدير عىل ما جادت به
جهود علم ّي ٍة كريمة.
ٍ
1
املنطق يف القرآن
2
د .عسكري سليامين أمريي
ُملخّص البحث
أن تكون مبنی ال عوج فیه؛ ولذلك جيب ْ يب ٌیعرف القرآن نفسه بأنه عر ٌ ّ
تعاليم القرآن مبني ًة عىل قوانني الفهم ،بام يف ذلك القوانني املنطقیة التي هي
أن حتكم قواعد التفكري والتع ّقل .والقرآن يأمرنا بالتفكري فيها؛ لذلك جيب ْ
كثريا من األوصاف يف القرآن عىل أهناقواعد املنطق يف القرآن .يمكن عدّ ً
تعريفات رسمي ٌة .كام تم حتديد الشكل ّ
األول والثاين ٌ تعريفات حدی ٌة أو
ٌ
والثالث من األقيسة االقرتانیة واألقيسة االستثنائية املتصلة واملنفصلة يف
كل من صدر ّ
املتأهّلني والغزايل اسم أيضا؛ وقد أطلق عليها ٌّ القرآن الكريم ً
امليزان األكرب ،وامليزان األوسط ،وامليزان األصغر ،وميزان التالزم ومیزان
ٍ
مضمر. ٍ
بشكل ٍ
رصيح ،وأحيانًا ٍ
بنحو التعاند .تم استخدام هذه املوازين
مقدّ مة
أرسل اهلل تعاىل األنبياء بلغة قومهم حتى يستقبل الناس الرسالة
َ َ َ َ َ َّ ََ َْ َ َْ ْ َ ُ
ني ل ُه ْم﴾ ان ق ْو ِم ِه ِيِلب
ِ س ِ لصحيح﴿ :وما أرسلنا مِن ر ٍ ِ ِ
ب اَّل إ ول س ٍ ٍ
بشكل اإلهلية
[إبراهيم ،]4:وأرسل حممدً ا بلسان قومه ،أي بلسان عريب ،ليتل ّقى
.1البدهيي والنظري
ٍ
معلومة من ٍ
نظرية وبدهيية ،وتتبدّ ل العلوم النظرية إىل تنقسم علومنا إلی
خالل العلوم البدهيية عرب التعريف واالستدالل .تشهد آيات التع ّقل والتدبر
ٍ
جدیدة من ٍ
معلومات القرآنية عىل أنّه من وجهة نظر القرآن يمكننا استخراج
ألن مفردة (التع ّقل) ،مأخوذ ٌة من (العقال) ،بمعنى خالل علومنا السابقة؛ ّ
أیضا ْ
أن احلبس .وإنّام يربطون احليوان حتى ال يضيع ،فيجب عىل اإلنسان ً
يشء حتى ال ينخدع؛ لذلك جيب ْ
أن ٍ كلیربط نفسه يف التفكري وال يقبل ّ
املنطق يف القرآن | 15
.2التصور والتصديق
تنقسم علومنا من ٍ
جهة أخری إلی التصور والتصديق .العلوم التصورية
هي العلوم اخلالیة عن احلكم والتي ال تتصف بالصدق أو الكذب ،بينام
العلوم التصديقية هي العلوم الواجدة للحكم والتي تتصف بالصدق أو
الكذب.
.3التعريف يف القرآن
باملکونات واألمور الداخلية ،والتعريف ّ یتم التعريف بطريقتني :التعریف
املعرف بسی ًطا يف الواقع ،لكن
أن یكون َّ باللوازم واألفعال واملهام .من املمكن ْ
يكون العلم به يف جهازنا املعريف مر ّك ًبا .عىل سبيل املثال ،العلم التصوري
ٍ
بشكل والتصديقي شيئان بسيطان ،ولكن يف جهازنا املعريف يتم حتديدمها
كل منهام عن اآلخر يف أذهاننا من خالل النقاط املشرتكة مرك ٍ
ّب ،ويتم فصل ٍّ
أن املفهوم إذا كان بسی ًطا يف جهازنا املعريف ،فإنّه ال
واملتغايرة .1ال ریب يف ّ
املقومات واألجزاء الداخلية .لكن یمكن مع ذلك یمكن حتدیده من خالل ّ
حتدیده من خالل اللوازم واملهام.
حقیقي :يشري اسمي أو فإن التعریف إ ّما تعریفجهة أخریّ ،ٍ من
ٌّ ٌّ
التعريف االسمي إىل حتدید اللفظ بینام يشري التعريف احلقيقي إىل الواقع
ویتعرف علیه
ّ أن يكون اليشء بسي ًطا يف الواقع اخلارجي .لذلك من املمكن ْ
أیضا .ويف هذه احلالة ال يمكن تعریفه من بسيط ًٌ جهازنا املعريف عىل أنّه
ُ
أن يكون هلذا اليشء خالل املكونات واألجزاء الداخلية .لكن من املمكن ْ
نات مفهومية؛ لذلك من املمكن وأن هذا االسم يتكون من مكو ٍ اسمّ ،
ّ ٌ
ٌ
بسیط من مجیع أن حقیقة اهلل تعالی بام أنّه املتأهّلنی ّ
حتديد اسمه .یعتقد صدر ّ
وتعریف حدي ،ولكن مع ذلك ٌ باملکونات
ّ تعریف
ٌ اجلهات ،ال یوجد له
ٍ
جممل یتضمن مجیع ألن هذا اللفظ قد ُوضع ملعنى یوجد ملفردة (اهلل) حدٌّ ؛ ّ
واحدة من هذه الصفات جز ًءا من مفهوم ٍ الصفات الكاملیة بنحو تعود ُّ
كل
(اهلل) عند التفصیل.
كام یمكن حتدید اهلل تعالی من خالل أفعاله .1لقد حدّ د القرآن أشياء
الر ْمْحَن َّ
ني َّ ْ
احْلَ ْم ُد ِ َّهَّلِل َر ّب الْ َعالَم َ
حي ِم
الر ِ ِ ِ ِ ِ أیضا﴿ :كثرية .كام ُحدّ د اهلل يف القرآن ً
ين﴾؛ [احلمد .]3-1 :هنا یكون تعریف لفظ اهلل تعالی بأنّه يو ِم ا ّ ِ َمال ِك ْ
دل ِ ِ
باملکونات؛
ّ رب العاملنی ،وأنّه الرمحن والرحیم ،وأنّه مالك یوم الدین تعری ًفا
ألن لفظ (اهلل) ،وما یرادفه كلفظ (خدا) بالفارسیة ،و ( )GODباإلنجلیزیة، ّ
جامع جلمیع الصفات ٌ مساّمها
أن ّ وغریها من األلفاظ یشری بنحو اإلمجال إلی ّ
كاملیة من املكونات املفهومیة للفظ (اهلل) .كام ٍ ٍ
صفة كلالكاملية؛ لذلك ُیعدّ ّ
عرف حقیقة اهلل تعالی أن یقال :يف هذه التحدیدات وما یناظرها قد ّ یمكن ْ
خارج
ٌ تعریف بام هوٌ من خالل الصفات الفعلیة ومن خالل لوازمه ،وهذا
أن ما أجاب به موسى املتأهّلنی ّ
املكونات املفهومیة .لذلك یعتقد صدر ّ عن ّ
َ ْ ُ َ َ َ
عند ما سأله فرعون حیث ﴿قال ف ِْرع ْون َو َما َر ُّب ال َعالم َ
ني﴾ فأجابه بقوله ِ
ََ َ َ َْ َ ُّ َّ
لرب العاملنی تعریف ّ ٌ ين ُه َما﴾ [الشعراء]24 : ات َواأْل ْر ِض وما ب
او ِ الس َم َ ﴿رب
.1الشريازي ،رشح أصول الكايف ،ج ،1ص 37و ج ،4ص .49-47ورشح أصول الكايف،
ج ،3ص 113و.53
| 18تاریخ علم املنطق
أن اهلل تعالی سأل موسى عن عصاه فذكر موسى من خالل أفعاله .1كام ّ
َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ
وعرفها من خالل مها ّمهَ ﴿ :وما ت ِلك بِي ِمينِك يا موىَس قال ِيِه عصاي اسمها ّ
ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ
يها َوأ ُه ُّش ب َها َىَلَع غ َنيِم َ
آر ُب أخ َرى﴾ [طه.]18-17 : ِ م ا ِيه ف يِل
ِ و ِ ِ أتوكأ عل
ْ ْ
رِّش ال ُمؤ ِمن َ ّ َ
كذلك یصف اهلل تعالی املؤمنني بأهّنم یعملون الصاحلاتَ ﴿ :ويب ِ ُ
ني ِ ّ
ً َّ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ ُ ْ َ ْ ً َ
أیضایعرفهم ً ات أن لهم أجرا كبِريا﴾ [اإلرساء . ]9 :كام ّ احِل ِاذَّلِين يعملون الص ِ
بأهّنم خاشعون يف الصالة ،ویعرضون عن اللغو ،ویعطون الزكاة ،وحیفظون ّ
ِين ُهمْ ون َو َّاذَّل َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ ُ
فروجهم﴿ :قد أفلح المؤمِنون اذَّلِين هم ِيِف صاَلت ِِهم خا ِشع
ْ َ ُ َ َّ ْ ُ ْ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َّ َ َ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َ
ِين ه ْم لِف ُرو ِج ِهم حاف ِظون﴾ ع ِن اللغ ِو مع ِرضون واذَّلِين هم ل ِلزاَكة ِ فاعِلون واذَّل
[املؤمنون .]5-1 :هذه اآلیات تشری إلی تعریف ال َف َاَلح من خالل لوازمه
وتعریف العمل الصالح من خالل ذكر مصادیقه.
.4االستدالل يف القرآن
بشكل ٍ
معني، ٍ ّملا كان االستدالل واحلجة هو ترتيب املعلومات ومقارنتها
مزيج من صورة االستدالل ومادته .مادة االستدالل هي ٌ فإن احلجج هيّ
ٍ
بطريقة املعتقدات املقبولة سل ًفا ،بینام صورة االستدالل هي ترتيب املقدّ مات
أي ما ّد ٍة من املواد .صور االستدالل كثری ٌة يف
خاصة ،وهذه الطریقة تقبل ّ
ٍ
املنطق ،لكن أشكاهلا الرئيسة هي القیاسات االقرتانیة واالستثنائیة.
. 1-4القياس االقرتاين
القياس االقرتاين هو القیاس الذي ال توجد النتیجة أو نقیضها يف إحدی
حیا ،بل هي مبثوث ٌة يف املقدّ مات .إذا كان القياس االقرتاينمقدماته رص ً
يتكون من مقدمتنی ،ومها الصغری والكربی ،ويتم احلصول بسي ًطا ،فهو ّ
تتكون األقیسة
عىل النتيجة من هاتنی املقدّ متنی إذا كانت الرشوط موجودةّ .
االقرتانیة من ثالثة حدود :احلد األصغر املوجود يف الصغری ،واحلد األكرب
.1الشريازي ،رشح أصول الكايف ،ج ،3ص .113
املنطق يف القرآن | 19
.5القياس يف القرآن
ٍ
أشكال من األقیسة استخرج الغزايل وتبعه ا ُمل ّاّل صدرا من القرآن ثالثة
االقرتانیة ،والقياس االستثنائي االتصايل ،والقياس االستثنائي االنفصايل،
وعدّ وها موازین قرآنية.
.1الشريازي ،مفاتيح الغيب ،ص .308والحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة ،ج ،9ص
.300
املنطق يف القرآن | 21
رجحان ،فدخلت سو ًقا من أسواق املسلمني ،وأخذت ميزانًا من ٍ من غري
شك يف فإن عرض لك ٌّ ً
وعداًلّ . املوازين فقضيت أو استقضيت الدين ح ًّقا
بعض املوازين أخذته ورفعته ،ونظرت إىل كفتي امليزان ولسانه ،فإذا استوى
ميل إىل أحد اجلانبني ،ورأيت مع ذلك تقابل الكفتني انتصاب اللسان من غري ٍ
أن اللسان قد انتصب صادق .فلو قيل لك :هب ّ ٌ صحيح
ٌ ٌ
ميزان عرفت أنّه
أن امليزان صادق؟ وأن الكفتني حتاذتا بالسواء فمن أين تعلم ّ عىل االستواء ّ
علاًم رضور ًيا حيصل يل من مقدّ متني إحدامها تقول يف جوابهّ :إيّن أعلم ذلك ً
وأن األثقل أشد أن الثقيل هيوي إىل أسفل ّ جتربية واألخرى حسية .فالتجربية ّ
هتو إحدى كفتيه بل حاذت األخرى أن هذا امليزان مل ِ
هو ًّيا .واملقدمة احلسية ّ
حماذاة مساواة .فمن خالل هاتني املقدّ متني يلزم قلبي نتيجة رضور ّية ،وهي
وأن إحدى الكفتني لو كانت أثقل لكانت أهوى .ثم استواء هذا امليزان ّ
ٍ
فحینئذ نقدّ رها باملیزان من إن شككنا يف األحجار التي هبا توزن األشیاء، ْ
أن املساوي للمساوي خالل األحجار املعلوم وزهنا ،فإذا ساوى علمت ّ
أن واضع املیزان من هو ،فهذا مساو له .لذلك ،فإنّا حتی لو مل نعلم ّ ٍ لليشء
أن صحة املیزان مشهودة .یعتقد فإن املفروض ّ صحة امليزان يف يشءّ ، یرض ّ ال ّ
أن املوازین املادیة بدهیی ٌةأن صحة املوازین القرآنیة بدهییة ،كام ّ املتأهّلني ّ
صدر ّ
شك فیها أحدٌ ألمكن استعالمها بام ذكرناه احلس والتجربة ولو ّ من خالل ّ
ساب ًقا .مضا ًفا إلی أن واضع هذا املیزان هو اهلل ،ومعلمه جربئيل ،ومستعمله
إبراهيم اخلليل ،وابنه حممد ،وسائر األنبياء واألولياء ،وقد
شهد اهلل هلم بالصدق .1
.6املوازین القرآنية
املتأهّلني ّ
أن املوازین املنطقية املوجودة يف القرآن علی یعتقد الغزايل وصدر ّ
ثالثة أقسام :ميزان التعادل ،وميزان التالزم ،وميزان التعاند .ميزان التعادل
األول والثاين والثالث والرابع.
هو القياس االقرتاين املنقسم إلی الشكل ّ
لكنّهام مل یذكرا الشكل الرابع؛ ولذلك َس ّمیا الشكل األول باملیزان األكرب
والشكل الثاين باملیزان األوسط والشكل الثالث باملیزان األصغر .األقیسة
االستثنائیة إ ّما متصل ٌة ،وإ ّما منفصل ٌة ،ولقد ّ
سمیا القياس االستثنائي االتصايل
بميزان التالزم والقياس االستثنائي االنفصايل بميزان التعاند .وعلی هذا
األساس ،تعود املوازین القرآنیة عندمها مخسة .یقول صدر ّ
املتأهّلنی :حتدید
ِ .1
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ص .190واملظفر ،محمد رضا ،املنطق ،ص .285
| 24تاریخ علم املنطق
واحد من هذه املوازین وحتدید أشكاهلا ورشوطها وحتدید الفارق بنی ٍ كلّ
مذكور يف كتب
ٌ املنتج والعقیم وبنی املنحرف واملستقیم منها ،وحتدید وزهنا
بعض علامء اإلسالم (الغزايل يف كتابه القسطاس املستقيم) .لذلك لو وقف
اإلنسان علی املوازین اخلمسة التي أنزهلا اهلل تعالی علی نبیه ،فقد اهتدی
ضل وغوی.1 ومن مل یستعملها ،وعمل برأیه فقد ّ
. 1-6امليزان األكرب
ً
حممواًل يف امليزان األكرب أو الشكل األول هو الذي یكون احلدّ الوسط فیه
الصغری وموضو ًعا يف الكربی .ورشطه يف اإلنتاج إجیاب الصغری وكلیة
أن استدالل إبراهيم اخلليل جتاه املتأهّلني ّ
الكربی .یعتقد الغزايل وصدر ّ
نمرود هو من قبیل امليزان األكرب والشكل األول .وقد ع ّلمه لنا القرآن بقوله
َّ َ ْ َ ُ ُّ ُْْ َ ْ َ َ
ال إبْ َراه ُ اج إبْ َراه َ
َ َّ َ َ ْ َ َ َ َّ
ِيم ِ ق ذِ إ ك لم ال اهّلل اهآت نأ ه
ِ بر
ِ ِ يِف ِيم ِ ح ِي
اذَّل تعالی﴿ :ألم تر إِىَل
َ َّ َهَّ ْ ُ َ َ ََ ُ ْ َُ ُ َ َ
ِ
َّ
الش ْمس مِنَ ال إبْ َراه ُ
ِيم فإِن اهَّلل يأ ِيِت ِب ق ِيت
م أ و ييح أ ان أ ال ق يت م
ِ ي َر ّيِّب َّاذَّلِي حيْيي َ
و
ِ ِ
َ ْ َ ْ َ َّ ََ َ َ ُّ َ ْ َ ُ َ َّ َْ َ َ َْْ َْ ْ
رْش ِق فأ ِت بِها مِن المغ ِر ِب فب ِهت اذَّلِي كفر واهّلل اَل يه ِدي القوم الظال ِ ِمني﴾، الم ِ
حجتنی علی إثبات ربوبیة
[البقرة .]258 :یذكر إبراهيم يف هذه اآلیة ّ
اهلل تعالی:
قادر علی اإلحیاء واإلماتة.
1.اهلل تعالی ٌ
حقيقي.
ٌّ رب
قادرا علی اإلحیاء واإلماتة ،فهو ٌّ ّ 2.
كل من كان ً
حقيقي.
ٌّ رب
3.فاهلل تعالی ٌّ
حجة
حجة إبراهیم أنّه الرب .وحیث مل یقف علی ّ
ا ّدعی نمرود جتاه ّ
یبنّی ّ
أن نمرود یغالط يف حج ًة أخری حتی ّ
إبراهیم ،ذكر إبراهیم ّ
.1الشريازي ،الحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة ،ج ،9ص .300واملظاهر اإللهية يف
أرسار العلوم الكاملية ،ص .129ورشح أصول الكايف ،ج ،1ص .554-553
املنطق يف القرآن | 25
.1الشريازي ،مفاتيح الغيب ،ص .309-310واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية ،ص
.129ورشح أصول الكايف ،ج ،1ص .555-554
املنطق يف القرآن | 27
وكذا:
1.نحن نُس ّبح اهلل ونقدّ سه.
ُّ 2.
كل من س ّبح اهلل تعالی وقدّ سه فهو یصلح للخالفة اإلهلية.
3.فنحن صاحلون للخالفة اإلهلیة.
ْ ُُْ ْ َ َ ََُْ َُْ
ويِن ِيِف ُرؤياي إِن كنت ْم مثاله اآلخر قوله َتعالی﴿َ :يا أيها المأَل أف ْ ِ
ت
ح َاَلم ب َعالِم َْ َ ْ َ َ َْ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُّ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ
ني﴾ ِ ِ ِ يل اأْل
ل ِلرؤيا تعرُبون قالوا أضغاث أحاَل ٍم وما حَنن ب ِ ِ ِ
و أ ت
[يوسف:]45-44 :
1.رؤیا امللك من أضغاث األحالم.
ٍ
معلومة لنا وال یمكننا تعبریها. 2.أضغاث األحالم غری
ٍ
معلومة لنا وال یمكننا تعبریها. 3.فرؤیا امللك غری
أن تكون مقدّ مات القياس االقرتاين َرَشط ّيات متّصلة .كام نجد من املمكن ْ
مقدمات مت ٍ
ّصلة .كقوله تعالی: ٍ يف القرآن املیزان األكرب الذي یشتمل علی
َ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ ْ ْ َ ََْ ُ ْ َ َْ َْ ْ َ َ ُُ
حل عليكم غض ِيِب ومن حيلِل ات ما َرزقناكم َواَل تطغوا فِي ِه في ِ
﴿لُكوا مِن طيب ِ
ََ َ َ َ َ
علي ِه غ َض ِيِب فق ْد ه َوى﴾ [طه .]81 :ففي هذه اآلیة یكون الرشط مقدّ ًرا،
َ َّ َ َ ُ ْ َ َ ْ َْ َْ
احلجة هكذا:
هكذا﴿ :إن تطغوا فِي ِه في ِحل عليكم غض ِيِب﴾ .لذلك تكون ّ
كل من طغى يف األكل َحَی َّل علیه غضب اهلل تعالی.
ُّ 1.
كل من َّ
حل علیه غضب اهلل تعالی فهو هیلك. ُّ 2.
ُّ 3.
فكل من طغی يف األكل فهو هیلك.
| 28تاریخ علم املنطق
. 2-6امليزان األوسط
امليزان األوسط أو الشكل الثاين هو القیاس الذي یكون احلدّ األوسط
حممواًل يف الصغری والكربی .ویشرتط يف إنتاجه اختالف املقدّ متنی يف ً فیه
أیضا .استخدم إبراهيم هذا السلب واإلجیاب ،كام تشرتط كلیة الكربی ً
ح ُّ ُ َ َّ ُ َ َ ْ َ ً َ َ َ َ ّ َ َ َّ َ َ َ َ
َ َ َ َّ َ َ َ
ب املیزان﴿ :فلما ج َّن علي ِه الليل َرأى كوكبا قال هذا َر ِيِّب فلما أفل قال اَل أ ِ
ّ ََ ُ َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ً َ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ
ازاًغ قال هذا َر ِيِّب فل َّما أفل قال لئِ ْن ل ْم يه ِد ِيِن َر ِيِّب أَلكون َّن
ِ ب ر م ق ال ى أر ا مل ف ني ِ لِ فاآْل
الضا ّلِ َ
َّ َْ
ني﴾[ :األنعام:]77-76 : م َِن الق ْو ِم
1.القمر ٌ
آفل.
2.لیس الرب ٍ
بآفل.
3.فلیس القمر بالرب.
أیضا هكذا:
یمكننا تقریر هذه احلجة بصیاغة املیزان األكرب ً
1.القمر ٌ
آفل.
برب. كل ٍ
آفل فهو لیس ٍّ ُّ 2.
برب.
فالقمر لیس ٍّ
ُ 3.
احلجة علی صیاغة املیزان األوسط؛ لكن جعل الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا هذه ّ
وذلك النطباق حدّ املیزان األوسط علیها؛ إذ حدّ املیزان األوسط هو ّ
أن
بوصف مل یتصف به اليشء اآلخر ،فهام شیئان متباینان. ٍ اليشء إذا اتّصف
الرب فال یتّصف به؛
ّ أن القمر یتّصف باألفول ،أ ّما احلجة ّ
ّ نجد يف هذه
والرب متباینان.
ّ فیستنتج منهام ّ
أن القمر
َ َ
النبي هذا املیزان يف مواضع كثریة .منها قوله تعالی﴿ :قال ِ
ت استعمل ّ
املنطق يف القرآن | 29
َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ َّ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ّ ُ ُ ْ ُ ُ ُ
ك ْم بَ ْل أ ْن ُت ْم ب َ َ ٌ
رَش ايْلهود وانلصارى حَنن أبناء اهَّللِ وأ ِ
حباؤه قل فلِم يع ِذبكم بِذنوب ِ
َ َ
م َِّم ْن خل َق﴾ [مائده:]18 :
1.أنتم (اليهود والنصاري) تعذبون.
2.أبناء اهلل ال يعذبون.
3.فأنتم (اليهود والنصاري) لستم بأبناء اهلل.
صحة املقدّ مة الثانیة جتریبی ٌة.
أن ّ صحة املقدّ مة األولی فحسی ٌة ،كام ّ
أ ّما ّ
ویتّضح من خالهلام ّ
أن الیهود والنصاری لیسوا بأبناء اهلل تعالی.
ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ َّ
اء ِهَّلِلِ مثاله اآلخر قوله تعالی﴿ :قل يا أيها اذَّلِين هادوا إِن زعمتم أنكم أو ِيِل
ِني﴾ [اجلمعة.]6 : اس َف َت َم َّن ُوا ال ْ َم ْو َت إ ْن ُك ْن ُت ْم َصا ِدق َ م ِْن ُدون ّ
انلَ ِ
ِ ِ
1.ال يشء من اليهود يتمني املوت.
ّ 2.
كل ويل من أولیاء اهلل يتمني املوت.
3.فال يشء من اليهود بويل من أولیاء اهلل .1
. 3-6امليزان األصغر
امليزان األصغر أو الشكل الثالث هو القیاس الذي یقع احلد األوسط
فیه موضو ًعا يف املقدّ متنی م ًعا .ویعدّ يف إنتاجه إجیاب الصغری وكلیة إحدی
َ ََ
النبي َ ﴿ :وما قد ُروا دائاًم .استعمله َ ّاملقدّ متنی .والنتیجة يف َهذا املیزان جزئی ٌة ً
َ ّ ْ َ ْ ْ ُ َ ْ َ ُ َ ََْ ُّ ََ
ىَلَع ب َ َرَش م ِْن يَشء قل َم ْن أن َزل الك َت َ
اب اذَّلِي َجاءَ َهَّ َ َّ َ ْ
ِ ٍ ٍ اهّلل ل ز ن أ ام وا الق ذِ إ ِ هاهَّلل حق ق ِ
ر د
ََْ ُ َُ ََ َ ُْ ُ َ َ َ ُُْ َ َ ً ُ ّ ُْ َ َ َّ ُ َ ُ ً ُ ً
ريا َوعلِمت ْم ما ل ْماس جَتعلونه قرا ِطيس تبدونها وخُتفون كثِورا َوهدى ل ِلن ِ ب ِ ِه موىَس ن
َ ْ ْ َُْ َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ْ ُ ّ ُ ُ َّ َ ْ ُْ
تعلموا أنتم واَل آباؤكم ق ِل اهّلل ثم ذرهم ِيِف خو ِض ِهم يلعبون﴾ [األنعام.]91 :
وحي؛ إذ ال ینزل ادعی الیهود بصدد إنكار رسالة النبي أنّه مل ِ
یأته
ٌ ّ ّ
برش .لكن القرآن یبطل كالمهم من خالل املیزان األصغر أوالوحی علی ٍ
نبي اهلل ،وقد نزل
أن موسى ّ إن الیهود كانوا یقبلون ّ
الشكل الثالث؛ إذ ّ
واحلجة هكذا:
ّ علیه التوراة.
برشا.
1.موسى كان ً
2.موسى نزل علیه الكتاب.
3.فبعض البرش ینزل علیه الكتاب.
حيس ،وأ ّما أنّه قد نزل علیه الكتاب فهذا
أمر ٌّ
برش ،فهذا ٌ أ ّما ّ
أن موسی ٌ
مما یتسامل عليه الیهود .فال یصح إنكار نزول الوحی علی ٍ
أحد .1 ّ ّ
. 4-6ميزان التالزم
ميزان التالزم أو القياس االستثنائي االتصايل یتألف من قضیتنی ،إحدامها
رشطی ٌة متصل ٌة ،ومقدمته األخری إما یوضع فیها ا ُملقدَّ م ،أو یرفع فیها التايل.
ویستنتج من وضع ا ُملقدَّ م وضع التايل كام یستنتج من رفع التايل رفع ا ُملقدَّ م.
1.إذا طلعت الشمس فالنهار موجو ٌد.
2.لكن طلعت الشمس.
3.فالنهار موجو ٌد.
هذا من قبیل وضع ا ُملقدَّ م.
1.إذا طلعت الشمس فالنهار موجو ٌد.
ٍ
بموجود. 2.لكن النهار لیس
3.فالشمس مل تطلع.
هذا من قبیل رفع التايل.
.1الشريازي ،مفاتيح الغيب ،ص .311واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية ،ص .130
املنطق يف القرآن | 31
أما املثال القرآين ملیزان التالزم فقوله تعالی﴿ :ل َ ْو َاَك َن فِيه َما آل َِه ٌة إ َّاَّل ّ ُ
اهّلل ِ ِ
ََ َ
1
لف َس َدتا﴾ [األنبيا.]22 :
1.لو كان يف السموات واألرض آهلة لفسدتا.
2.لكن مل تفسد السموات واألرض.
3.فالسموات واألرض آهلة ال توجد فیهام آهلة.
احلجة یستنتج النتیجة من خالل رفع التايل.
ففي هذه ّ
َّ َ َ ُ َ َ َّ َّ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ
ب جهن َم مثاله اآلخر قوله تعالی﴿ :إِنكم وما تعبدون مِن د ِ
ون اهَّللِ حص
َ َ ُ َ ُ َ ُ ٌّ ًَ َ َُْ ْ ََ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ
ون﴾ [األنبياء: اردون ل ْو اَكن هؤاَلءِ آل ِهة ما َو َردوها َولُك فِيها خ ِ
ادِل أنتم لها و ِ
.]99-98
1.لو كانت األصنام آهل ًة مل تدخل جهنم.
2.لكنها تدخل جهنم.
3.فاألصنام لیست بآهلة.
أیضا.
ويف هذه احلجة یستنتج النتیجة من خالل رفع التايل ً
بأن ّ
كل يشء یلزم شی ًئا فهو یتبعه يف الوجود؛ فیستنتج حیدّ ميزان التالزم ّ
نفي
من وجود امللزوم وجود الالزم بالرضورة ،كام یستنتج من نفي الالزم ُ
نفي الالزم ،كام ال یستنتج
امللزوم بالرضورة .لكن ال یستنتج من نفي امللزوم ُ
من وجود الالزم وجود امللزوم ،بل مها من موازین الشیطان.2
ُُ َ َ ََ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َّ
مثاله اآلخر قوله تعالیِ﴿ :إَون اَكن ق ِميص ُه قد م ِْن دب ٍر فكذبت َوه َو م َِن
.1م.ن.
.2الشريازي ،مفاتيح الغيب ،ص .312
| 32تاریخ علم املنطق
َ ُ
َ َ ّ َ ُ َ َ َ َّ ُُ َُّ َ َ َ ََ
الصادق َ َّّ
يدك َّن ع ِظ ٌ
يم﴾ ِني فل َما َرأى ق ِميص ُه قد م ِْن دب ٍر قال إِن ُه م ِْن كي ِدك َّن إِن ك ِ
[يوسف.]28-27 :
صادق وزلیخا كاذب ٌة.
ٌ إن كان قمیص یوسف ُقدَّ من ُد ٍبر فهو ْ 1.
2.لك ّن قمیص یوسف ُقدَّ من ُد ٍبر.
صادق وزلیخا كاذب ٌة.
ٌ 3.فیوسف
احلجة یستنتج النتیجة من خالل وضع ا ُملقدَّ م.
يف هذه ّ
. 5-6ميزان التعاند
ٍ
منفصلة ميزان التعاند أو القياس االستثنائي االنفصايل یتأ ّلف من مقدّ ٍ
مة
مة أخری هی وضع أحد أطراف املنفصلة أو رفعه .و ّملا كانت املنفصلة ومقدّ ٍ
فإن كانت املنفصلة حقیق ّی ًة
إ ّما حقیقیة ،وإ ّما مانعة اجلمع ،وإ ّما مانعة اخللوْ ،
واحد منهام نفي الطرف اآلخر كام یستنتج ٍ فلها طرفان ،یستنتج من وضع ّ
كل
إن كانت املنفصلة مانعة ٍ
واحد منهام وضع الطرف اآلخر .أ ّما ْ كلمن رفع ّ
وإناجلمع فال ُیستنتج فیها ّإاّل رفع أحد الطرفنی من خالل وضع أحدمهاْ .
كانت املنفصلة مانعة اخللو فال ُیستنتج فیها ّإاّل وضع أحد الطرفنی من خالل
ٍ
واحد من األقسام الثالثة: رفع أحدمها .نذكر ً
مثااًل ّ
لكل
زوج وإ ّما فر ٌد (املنفصلة احلقیقیة).
1.هذا العدد إما ٌ
2.لكنّه زوج أو :لیس ٍ
بفرد. ٌ
زوج. ٍ
3.فهو لیس بفرد أو :فهو ٌ
املنطق يف القرآن | 33
املثال اآلخر:
1.هذا اليشء إ ّما أبیض وإ ّما أسود (مانعة اجلمع).
2.لكنه أبیض.
3.فلیس بأسود.
املثال اآلخر:
1.زید ّإما يف املاء وإ ّما ال یغرق (مانعة اخللو).
2.لكنه لیس يف املاء.
3.فزید ال یغرق يف املاء.
َّ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ
مثاله القرآين قوله تعالی﴿ :أفاَل يتدبرون القرآن ولو اَكن مِن عِن ِد ِ
ري اهَّللِغ
ريا﴾ [النساء.]82 :اختِ َاَل ًفا َكثِ ً
ْ َ َ ُ
ل َوجدوا فِي ِه
اختالف كثری.
ٌ 1.لو كان القرآن من عند غری اهلل لكان فیه
اختالف كثری.
ٌ 2.لكن ال یوجد فیه
3.فالقرآن لیس من عند غری اهلل.
أن اهلل تعالی ع ّلم نب ّیه هذا املیزان يف قوله یعتقد الغزايل وتبعه ا ُمل ّاّل صدرا ّ
َْ ُ َ َ ُ ًَ َ ّ ُ َّ ُ َْ ُ ْ َ ْ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ
اهّلل ِإَونا أ ْو إِياك ْم لعىَل هدى أو ات َواأْل ْر ِض ق ِل او ِ الس َم َ ﴿قل من يرزقكم مِن
َّ
ني﴾ [سبأ .1 ]24 :یعتقد الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا ّ َ َ ُ
أن قوله تعاىل﴿ :إِنا َِيِف ضاَل ٍل ِ ٍ
ب م
ُ َ َ َ
ياك ْم لَ َع َىَل ُه ًدى أ ْ
ُ ْ
ني﴾ ،مل یذكر للتسویة أو التشكیك ،بل ب
ٍ ِ ٍم ل اَل ض يِفِ و أو إ ِ
ٍ
ضالل؛ إذ ع ّلم اهلل تعالی نب ّیه يف اآلیة أصل آخر ،وهو ّأيّن لست يف ُأضمر فیه ٌ
َْ
اأْل ْر ِض ُقل ّ ُ َ ْ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ
النبي بعد فلیس ﴾؛ اهّلل ات َ
و ِ الس َم َ
او السابقة﴿ :من يرزقكم مِن
ّ ِ
.1الشريازي ،مفاتيح الغيب ،ص .312واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية ،ص .130
| 34تاریخ علم املنطق
ٍ
ضالل .فاملقدّ مة الثانیة مضمرة ،وذلك بقرینة اآلیة السابقة. التعلیم اإلهلي يف
ضمری .حدّ د الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا صورة ّ
احلجة هبذا النحو: ٌ قیاس
وهذا ٌ
ني ب
َ َ ُ
م ل اَل ض يِف ياك ْم لَ َع َىَل ُه ًدى أَ ْ
و
ُ
إ .أإنَّا أَ ْ
و
ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ
مبني.1
ٍ ضالل
ٍ .بأنتم يف
یتّضح من هذا التحدید ّأهّنام قاما بتطبیق میزان التعاند علی املنفصلة
احلقیقیة ّ
وأن تطبیق اآلیة علی املنفصلة احلقیقیة صحیح؛ إذ الضاللة هي عدم
ََ َ
اهلدایة ،فال یمكن اجتامعهام كام ال یمكن ارتفاعهام .ثم إنّه ال دور لقوله( :لعىَل
أن یكون ُه ًدى) يف النتیجة حسب صیاغة الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا .لكن ینبغي ْ
النبي ذو هدایة؛ إذ اهلل تعالی
أن ّ دخیاًل يف االستنتاج ،إذ صدر اآلیة يشری إلی ّ
ً
فالنبي علی هدی،
ّ هداه حیث یقول :یرزقكم اهلل تعالی من السامء واألرض؛
أن اهلل تعالی یرزق من السامء واألرض لیسوا أ ّما املرشكون الذين ینكرون ّ
ٍ
ضالل أ ّما املرشكون أن النبي لیس بعد التعلیم اإلهلي يفعلی هدی .كام ّ
النبي يف ضالل .يف ضوء هذه اآلیة یوجد میزانان من املنكرون ملا یعتقده ّ
موازین التعاند يف اآلیة:
َ َ ُ ُ َّ َ
1.إِنا أ ْو إِياك ْم ل َعىَل ه ًدى.
2.لكننّا لعىل هدى.
3.فلستم عىل هدى.
أن املرشكنی لیسوا علی هدی .لكن هل هم یستفاد من هذه احلجة ّ
ضالل ٍ
مبنی ،إذ ٍ ٍ
ضالل ٍ
مبنی أم ال؟ یستفاد من صدر اآلیة ّأهّنم علی علی
هدی ،بینام املرشكون یعتقدون بام یقابل العقیدة التي
النبي علی ً
أن ّ املفروض ّ
ٍ
بوضوح أن ّ
كل ما یقابل اهلدایة اإلهلیة تشری إلی اهلدایة اإلهلیة ومن الواضح ّ
مبنی؛ لذلك یصاغ میزان التعاند الثاين هبذا النحو:
ضالل ٌٌ فهو
1.إنّا أو إ ّياكم يف ضالل مبني
2.إنّا لسنا يف ضالل مبني
3.فإ ّياكم يف ضالل مبني
إن میزان التعاند حسب هذه الصیاغة یكون من سنخ احلقیقیة ،وقد أنتج ّ
األول من خالل وضع أحد الطرفنی وهو ّ
أن املرشكنی لیسوا علی يف التعاند ّ
هدی ،بینام أنتج يف التعاند الثاين من خالل رفع أحدمها وهو ّ
أن املرشكنی يف ً
ٍ
ضالل ٍ
مبنی .لكن حسب صیاغة الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا یكون التعاند من قبیل
احلقیقة لكنه ینتج من خالل رفع أحد الطرفنی فحسب.
َّ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ
مثال مانعة اجلمع قوله تعالی﴿ :أفمن أسس بنيانه ىَلَع تق َوى م َِن اهَّللِ
َ َ َ َّ َ َ ّ
اهّللُ َ َ ْ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ
ار جهنم و ار فانهار ب ِ ِه ِيِف ن ِ
ان خري أم من أسس بنيانه ىَلَع شفا جر ٍف ه ٍ و ِرضو ٍ
ْ َ ْ َ َّ َ ْ
يه ِدي القوم الظال ِ ِمنيَ﴾ [التوبة.]109 : اَل
هار؟ ٍ
جرف ٍ أسس بنیانه علی شفا
خری أم من ّ
1.أفمن أسس بنیانه علی التقوی ٌ
| 36تاریخ علم املنطق
خری.
أسس بنیانه علی التقوی ٌ
2.من ّ
3.فمن مل یؤسس بنیانه علی التقوی لیس ٍ
بخری.
أسس بنیانه علی ٍ
سؤال منفصل ،ومن الواضح ّ
أن من ّ تشری هذه اآلیة إلی
أن من مل یؤسس بنیانه علی التقوی لیس خری كام یتّضح من خالله ّ التقوی ٌ
ْ َ ُّ
﴿اهّلل اَل يه ِدي بخری .لذلك یكون ذیل اآلیة بمنزلة النتیجة حیث یقول: ٍ
ْ َ ْ َ َّ
الظالِم َ
ني﴾. ِ القوم
.7القياس املركّب
یقسمون القیاس يف املنطق إلی البسیط واملركب .فالقياس البسيط ما له
ّ
مقدّ متان فحسب كقولنا:
1.العامل متغري.
ٍ
متغري حادث. كلّ 2.
3.فالعامل حادث.
بینام القياس املركب ال ینتج ّإاّل من خالل أكثر من مقدّ متنیْ .
فإن ُذكرت
فیسمی موصولة النتائج كقولنا:
ّ فیه النتائج املتوسطة
1.العامل متغري.
كل ّ ٍ
متغرّي حادث. ّ 2.
3.فالعامل حادث.
حادث فله ُحُم ِدث.
ٍ كلّ 4.
5.فللعامل ُحُمدَ ث.
األول مذكور ٌة يف املقدّ مة الثالثة ،بینام املقدّ مة یالحظ ّ
أن نتیجة القیاس ّ
املنطق يف القرآن | 37
الثالثة نفسها مقدّ مة أولی للقیاس الثاين .وأ ّما إذا مل تذكر النتیجة أو النتائج
سمی القیاس مفصول النتائج كقولنا: املتوسطة ف ُی ّ
متغرّي.
1.العامل ّ
كل ّ ٍ
متغرّي حادث. ّ 2.
حادث فله ُحُم ِدث.
ٍ ّ 3.
كل
4.فللعامل ُحُمدَ ث.
ٍ
مقدمات ،بینام مل تذكر نتیجة أن هذا القیاس یتأ ّلف من ثالث یالحظ ّ
ضمت إلی املقدّ مة الثالثة فهام
املقدّ متنی األولینی ،وهذه النتیجة املحذوفة إذا ّ
تُنتجان املقدّ مة الرابعة.
القياس املركّب يف القرآن الكريم
ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َّ َهَّ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ ْ َ
يم قل ف َم ْن يملِك م َِن ﴿لقد كفر اذَّلِين قالوا إِن اهَّلل هو الم ِسيح ابن مر
َ ً َ َّ ْ َْ يح ْاب َن َم ْر َ ُ َّ ُ َ َّْ َ ً ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ
يم َوأمه َومن ِيِف اأْلر ِض مَجِيعا و ِهَّلِلِ اهَّللِ شيئا إِن أراد أن يهلِك الم ِس
َ َ ّ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ ّ ُ ْ َ ََ َ َُ َْ ُ ْ ُ َّ
ٌ
لُك يَش ٍء ق ِدير﴾ ىَلَع اهّلل و اء يش ام ق ل خي ام ه ين ب امو ضِ ْ
ر اأْلوات َ
ِ الس َم َ
او ملك
ِ
أن عیسی خملوق اهلل؛ إذ أن یستنتج يف هذه اآلیة ّ [املائدة .]17 :یرید اهلل ّ
أن أ ّمه مریم إهلة .یقول اهلل تعالی خماط ًبا عیسی: قالوا يف ح ّقه أنّه إله ،كام ّ
ْ ُ َ ّ ََ ُ ُ َ ّ َ َ
َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َّ ِإَوذ قَ َال ّ ُ
ْ
ون ويِن وأ ِيِّم إِله ِ
ني مِن د ِ اس اخَّتِذ ِ
يم أأنت قلت ل ِلن ِ اهّلل يا عِيىَس ابن مر ﴿
ُ ُ َ ْ َُ َ َ َ َ
يس يِل حِبَ ّق إ ْن ُك ْن ُت ُقلْ ُت ُه َف َق ْد َعل ْم َتهُ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ
ِ ِ ِ ٍ ِ اهَّللِ قال سبحانك ما يكون ِيِل أن أقول ما ل
َ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ ََ َ ْ َُ َ َْ ََُْ َ
يوب﴾ (املائدة.)116 : ِ غ ال ماَّلع ت ن أ ك ن إ
ِ ِك س ف ن يِف
تعلم ما ِيِف نف ِيِس واَل أعلم ِ
ا م
ّ 1.
كل ما قلته فهو ممّا یعلمه اهلل.
ّ 2.
إن قلت للناس اختذوين وأمي إهلنی ،فهو ممّا یعلمه اهلل.
3.لیس األمر بحیث یعلم اهلل تعالی ّأيّن قلته هلم.
4.فلیس هذا الكالم ممّا قلته هلم.
الئحة املصادر واملراجع
1.القرآن الكريم.
2.ابن سينا ،أبو عيل؛ اإلشارات والتنبيهات ،مع الرشح؛ [بال مكان] :مكتب نرش الكتاب 1403 ،ق.
احل ّيّل ،يوسف؛ اجلوهر النضيد؛ قم :منشورات بيدار.1363 ، ِ 3.
4.الشريازي ،صدر الدين حممد؛ رسالة التصور والتصديق (مطبوعة مع اجلوهر النضيد)؛ قم:
منشورات بيدار1363 ،
5.ـــــــــــــــــــ؛ مفاتيح الغيب؛ تصحيح حممد اخلواجوي؛ طهران :معهد الدراسات
والبحوث الثقافية.1363 ،
6.ـــــــــــــــــــ؛ تفسري القرآن الكريم؛ قم :منشورات بيدار( ،بال تأریخ).
7.ـــــــــــــــــــ؛ رشح أصول الكايف؛ تصحيح حممد اخلواجوي ،طهران :معهد الدراسات
والبحوث الثقافية.1366 ،
8.ـــــــــــــــــــ؛ احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة؛ بريوت :دار إحياء الرتاث
العريب1981 ،م.
9.ـــــــــــــــــــ؛ املظاهر اإلهلية يف أرسار العلوم الكاملية؛ تصحيح السيد حممد اخلامنهاي؛
طهران :مؤسسة صدرا للحكمة اإلسالمية.1378 ،
10.الغزايل ،أبو حامد؛ القسطاس املستقيم؛ بريوت :دار املرشق1991 ،مٍ.
11.املظفر ،حممد رضا؛ املنطق؛ نجف :مطبعة النعامن1388 ،ه.
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 39
ّ
املعرفية لعلم املنطق الهندسة
د .الشيخ فالح سبتي1
ُملخّص البحث
أن يكون يف أذهاهنم كثريا ما يدخل الدارسون إىل علم املنطق من دون ْ ً
تعريف إمجا ّيل عن ماهية هذا العلم وحقيقته ،والغاية منه والفائدة املرتتبة عىل
ٌ
تع ّلمه ،وال معرفة أهم مسائله واهلندسة املعرفية لبنائها ،أي :مالك تقديم
بعضها عىل بعض ،وأنحاء التعليم فيه ،أي :املنهج واألساليب التحقيقية
املستعملة يف حتقيق مسائله ،وقد يكمل الدارس علم املنطق من دون ْ
أن
يلتفت إىل هذا األمر ،واملقال يتعرض إىل هذه اإلشكالية ،حيث يتعرض
تصو ًرا إمجال ًيا لعلم املنطق ،بحيث
إىل بيان األمور املتقدّ مة وغريها ممّا يعطي ّ
يعرف الدارس من أول رشوعه يف التحصيل أنّه بصدد حتصيل أي يشءٍ،
أن حيصل عليها من دراسته ،وهو ومدى الوثوق به والفائدة التي يمكن ْ
وصفي يف غالب مباحثه ،إذ حاولنا استقصاء ما هو مكتوب ّ ٍ
منهج مقال ذو
من بيان لدى املهتمني بعلم املنطق حول األمور املذكورة أعاله ،واختيار
أفضل ما هو مكتوب فيه ،مع بعض التعديل والبيان الذي يقتضيه البحث،
ٍ
واضح وجزل. ٍ
بأسلوب
.1متخصص بالفلسفة والكالم ،وأستاذ يف الحوزة العلمية ،عضو الهيأة العلمية ملؤسسة الدليل
للدراسات والبحوث العقدية التابعة للعتبة الحسينية املقدسة.
| 40تاریخ علم املنطق
مقدّ مة
جرت طريقة املتقدّ مني من العلامء واملح ّققني يف تدوينهم للعلوم ْ
أن يصدّ روها
تصو ٍر
ببيان جمموعة مقدّ مات ،يسموهنا بالرؤوس الثامنية للعلم ،ودورها إعطاء ّ
إمجا ّيل للدارسني عن العلم الذي هم بصدد حتصيله ،من حيث بيان حقيقته
والغاية منه وجمموع مسائله ،وهندسة البنية املعرفية له ،وهذه املقدّ مات:1
السـمة ،وهو بيان وجه تسـمية العلم ،ويف ذكرها إشـار ٌة إمجال ّي ٌة أوهلاّ :
إىل مـا يف العلـم من تفصيـل ،ولعله يراد تعريف ذلـك العلم ليحصل
تصو ٌر إمجا ّيل ملسائله.
للدارس ّ
األول
للمدون ّ
ّ ثانيهـا :الغـرض من العلم ،وهـو الع ّلة الغائية الباعثـة
لئاّل يكون البحث فيه عب ًثا.
لتدوينهّ ،
لتشـوق
ّ ثالثها :املنفعة ،و هي الفائدة املرتتبة عىل تع ّلمه ،وتكون سـب ًبا
وحتمل املش ّقة ىف حتصيله.
اإلنسان لطلبهّ ،
أن يطمئن املتع ّلم به ويسكن قلبه به،
رابعها :واضع ذلك العلم ،ألجل ْ
الختالف ذلك باختالف املصنّفني.
أي عل ٍم هو ،أي مـن اليقينيـات أو الظنّيات ،من وخامسـها :أنّـه مـن ّ
النظريات أو العمليات ،ليطلب املتع ّلم ما يليق باملسائل املطلوبة فيه.
وسادسـها :مرتبتـه بين العلـوم ،إ ّمـا بلحـاظ عمـوم موضوعـه أو
خصوصه ،وإ ّما بلحاظ تو ّقفه عىل علم آخر ،أو عدم تو ّقفه عليه ،وإ ّما
علم متقـدّ م أو ينبغيبلحـاظ األمهيـة أو الشرف ،ليعرف املتعلـم أنّه ٌ
تقديم طلب بعض العلوم عليه.
.1الرناقي ،رشح اإللهيات من كتاب الشفاء ،ج ،1ص ،295وكذا :قطب الدين الشريازي :رشح
حكمة اإلرشاق ،ص.27
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 41
فحدّ املنطق هو :العلم الذي يبحث عن املعقوالت الثانية ا ّلتي تدخل
التصديقي أو ُيعني عىل ذلك ،2وجيب ْ
أن ّ ري أو
التصو ّ
ّ يف اكتساب املجهول
يكون البحث عن تلك املعقوالت من جهة دخوهلا يف ذلك االكتساب؛ ّ
ألن
ٍ
جهات أخرى خيرجها عن هذا العلم ،كالبحث عن حيثية البحث عنها من
فلسفي المنطقي.
ّ وجودها يف الذهن فهو ٌ
بحث
وأما املعقوالت الثانّية :فهي مفاهيم ليس هلا ما بإزاء يف اخلارج ،وإنّام
بنحو من التحليل واملقايسة الذهن ّية ،وحتمل ٍ األول ّية
تنتزع من املفاهيم ّ
إن أيضا؛ فلسف ّي ٍة ومنطق ّي ٍةّ ،
فإن املفاهيم الثانو ّية ْ عليها ،وهي عىل قسمني ً
األول ّية يف الذهن أو اخلارج
لتعرّب عن نحو وجود املفاهيم ّ كانت تنتزع ّ
فهي الثانو ّية الفلسف ّية ،كالوجوب واإلمكان ،والوحدة والكثرة ،والعلية
واملعلولية ،والكلية واجلزئية ،واجلنسية والفصلية ،ونحو ذلك.
وأ ّما املفاهيم الثانية املنطق ّية فهي تلك املفاهيم ا ّلتي حتكي طبيعة وجود
األول ّية يف الذهن ،ولكن تلحظ ال من حيث حكايتها عن ذلك ،وإنّاماملفاهيم ّ
ٍ
جمهول أو تُعني عىل ذلك، التوصل هبا من معلو ٍم إىل ٍ
حيثية أخرى هي من
ّ
والتصديقي،
ّ ريالتصو ّ
ّ أي هي املفاهيم التي تدخل يف اكتساب املجهول
األول وأحكامه ،كاحلدّ ،والرسم، فهي التي تستعمل للحكاية عن الرتكيب ّ
والقض ّية احلمل ّية والرشط ّية ،واملوضوع واملحمول ،واملقدّ م والتايل،
والرتكيب الثاين (القياس وما جيري جمراه) ،كاملقدّ مة الكربى والصغرى،
واحلدّ األصغر واألوسط واألكرب ،والنتيجة ،وهكذا.1
.1ابن سينا :التعليقات ،ص ،167وكذلك :الداماد ،األفق املبني ،ص.109 -106
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 43
رسمه:
قال الفارايب يف تعريف املنطق « :الصناعة التي تشتمل عىل األشياء التي
وتعرف ّ
كل أن يغلط فيهّ ،كل ما يمكن ْالقوة الناطقة نحو الصواب ،يف ّ
تسدّ د ّ
أن يستنبط بالعقل».1 يتحرز به من الغلط يف ّ
كل ما من شأنه ْ ما ّ
تعريف رسمي؛
ٌ ومن الواضح أنّه تعريف له بالغرض أو الفائدة منه ،فهو
وعرفه
ألن الغرض أو الفائدة املرتتبة عىل اليشء دون غريه تُعدّ من خواصهّ . ّ
أن ّ
يضل يف فكره» ،2وهو الشيخ الرئيس بأنّه« :آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ
أيضا ،وهي الفائدة املرتتبة عليه ،كام يف تعريف الفارايب، باخلاصة ً
ّ تعريف
ٌ
بعبارة أجزل وأوجز ،ورسمه أيضا بأنّه« :علم يتع ّلم فيه رضوب ٍ ولكن
حاصلة يف ذهن اإلنسان إىل ٍ
أمور مستحصلة».3 ٍ االنتقاالت من ٍ
أمور
األول
وقد جرى أغلب املناطقة من بعده عىل ذكر تعريف الشيخ الرئيس ّ
أن نعطيه تعري ًفا عا ًّما جيمع كلامت املناطقة ْ
بأن نقول: له يف كتبهم ،4فيمكن ْ
املنطق آل ٌة قانون ّي ٌة تعصم مراعاهتا الذهن عن اخلطأ يف التفكري.
والتفكري :5هو حركة النفس اإلراد ّية ّ
بقوهتا العاقلة يف املعقوالت من
ٌ
جمهول؛ لتحصيل املطلوب من حيث هو معلو ٌم إىل املطلوب من حيث هو
العلم باملطالب املجهولة لدهيا ،وتبدأ ٰهذه احلركة عند مواجهة النفس
فتتحرك نحو املعلومات املوجودة
ّ تصديقي،
ٌّ ري كان أو
تصو ٌّ
ّ ملجهول ما
.1الفارايب ،املنطقيات ،ج ،1ص.11
.2الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص.9-8
.3م .ن ،ص.17
ِ
والح ِّيِّل ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية، .4الجرجاين ،كتاب التعريفات ،ص،102
ص ،187و اليزدي ،الحاشية عىل تهذيب املنطق ،ص ،11وغريهم كثري.
.5الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص.16 -10
| 44تاریخ علم املنطق
مناسبة لتلك املطالب ،فإذا وجدهتا رجعت ٍ عندها ،باحث ًة فيها عن مبادئ
ٍ
موصلة إىل النتيجة ا ّلتي نحو تلك املطالب ،مؤ ِّلف ًة بني تلك املبادئ عىل ٍ
هيأة
جمهواًل ،وهنا ال بدّ من االلتفات إىل عدّ ة ٍ
أمور: ً حت ّقق العلم بام كان مطلو ًبا
ً
وجمهواًل إن الطلب العلمي إنّام يتع ّلق بام يكون معلوما من ٍ
جهة األولّ :
ً ّ ّ
ً
جمهواًل مطل ًقا أو معلو ًما مطل ًقا فال يكون من ٍ
جهة أخرى ،وأ ّما ما يكون
العلمي.
ّ موضو ًعا للطلب
إن الفكر حرك ٌة صناع ّي ٌة مؤ ّلف ٌة من حركتني :أحدمها حرك ٌة انتقائ ّي ٌة
الثاينّ :
لتجميع املبادئ املناسبة للمطلوب واختيارها من بني املعلومات املتو ّفرة
جمهول وتنتهي باملبادئ ٌ لدى النفس ،وتبدأ من املطلوب من حيث هو
املناسبة له ،ويكون وسطها هو احلركة االنتقائ ّية نفسها للمعلومات املخزونة
وتسمى بالذاهبة ،واألخرى حرك ٌة تأليف ّي ٌة لرتتيب ٰهذه املوا ّد ّ لدى النفس،
عىل الصورة املناسبة للمطلوب ،ويكون مبدأها املبادئ املناسبة ومنتهاها
املطلوب من حيث هو معلو ٌم (النتيجة) ،ووسطها هو احلركة الرتتيب ّية
وتسمى بالراجعة.
ّ للمبادئ املناسبة للمطلوب
ٍ
حركات :من أن الفكر عبار ٌة عن ثالث وأ ّما ما ذكره بعض املح ّققني من ّ
املشكل إىل املعلومات املوجودة عنده ،وبني املعلومات املوجودة للفحص
عنها وتأليف ما يناسب املشكل ،ومن املعلوم ا ّلذي أ ّلفه إىل املطلوب1؛
متحر ٌك، ٍ
أركان: ألن احلركة كام هو حم ّق ٌق يف حم ّله هلا أربعة
ففيه مساحمة؛ ّ
ّ
وسط ــ وهو االنتقال من املشكل إىل ٌ ومنتهى ،وما ليس له
ً ٌ
ووسط، ومبد ٌأ،
املعلومات املوجودة ــ يكون االنتقال فيه دفع ًّيا ال حرك ًة.
إرادي للنفس اإلنسان ّية ،ويف كال حركتيه ،فكان ٌّ إن التفكري ٌ
فعل الثالثّ :
ٍ
صحيح أو خطأ، كسائر األفعال اإلرادية من حيث إمكان وقوعها عىل ٍ
وجه ّ
.1املظفر :محمد رضا ،املنطق ،ص.25
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 45
أن يقع يف احلركة األوىلوهذا اخلطأ يمكن ْ وبتبعه يكون حال نتائجه العلم ّيةٰ ،
مناسبة للمطلوب ،وقد يقع يفٍ معلومات غري
ٌ من حركتَي الفكرْ ،
بأن تُنتقى
ٍ
صحيح ،وقد يقع يف بأن تؤ ّلف تلك املعلومات ال عىل ٍ
وجه احلركة الثانية ْ
كليهام ،فكان ال بدّ من معرفة القواعد ا ّلتي تضبط تلك احلركات لتقع عىل
وهذا ما يكون عىل عهدة علم املنطق. ٍ ٍ
صحيح عند مراعاهتاٰ ، وجه
بأن يوجد عند الباحث أن يكون ّإاّل ْ
العلمي ال يمكن ْ ّ الرابعّ :
إن الطلب
معلومات مسبق ٌة مس َّلم ٌة عنده يستعني هبا لتحصيل العلم باملطلوب؛ وهلٰذا ٌ
ٍ وكل تع ّل ٍم
«كل تعلي ٍم ّاألولّ :
معرفة متقدّ مة ذهني إنّام يكون من
ٍّ قال املع ّلم ّ
الوجود».1
معلومات لدى اإلنسانٍ أن مقتىض ما تقدّ م هو رضورة وجود اخلامسّ :
علمي. ٍ
وطلب ٍ
حركة األول ّ
لكل ٍ
حاصلة له بدون ٍ
ٍّ علمي ،تكون هي املبدأ ّ ٍّ طلب
اسم علم املنطق
وهذه
مشتق من النطقٰ ،
ٌ أن اسم املنطق ذكر املع ّلم الثاين أبو ٍ
نرص الفارايب ّ
القوة ا ّلتي يدرك هبا ٍ
اللفظة تستعمل عند املتقدّ مني يف ثالثة معان ،هيّ :
اإلنسان املعقوالت ،وهبا ُحُت َّصل العلوم والصناعات ،أي هبا يعرف ّ
احلق من
الباطل ،ويم ّيز بني احلسن والقبيح من األفعال.
ويسموهنا بالنطق
ّ ويف املعقوالت احلاصلة لدى نفس اإلنسان بالفهم،
ويسموهنا
ّ عاّم يف ضمري اإلنسان،
الداخيل ،ويف العبارة املفصحة باللسان ّ
ّ
اخلارجي .و ّملا كانت ٰهذه الصناعة تعطي القوة الناطقة قوانني يف
ّ بالنطق
النطق الداخل الذي هو املعقوالت ،وقوانني مشرتكة جلميع األلسنة يف النطق
القوة الناطقة يف كليهام نحو الصواب،اخلارج الذي هو األلفاظ ،وتسدّ د ّ
سميت باملنطق.2
وحترزها عن الوقوع يف الغلط فيهام؛ ّ
.1أرسطو طاليس ،منطق أرسطو ،ص.425
.2الفارايب ،املنطقيات ،ج ،1ص.14
| 46تاریخ علم املنطق
احلاكوي،
ّ املفهومي
ّ العلمي
ّ الذهني من بني ٰهذه األقسام هو الوجود
ّ والوجود
فإن الصورة الذهن ّية كام ح ّقق يف العلم األعىل هي عني التع ّقل واالنكشاف ّ
الذهني للامه ّية ،هو حت ّقق
ّ احلاصل يف النفس لليشء ،1ومعنى حتقق الوجود
انكشافها وتع ّقلها من قبل النفس ال غري ،وليست هي صور ٌة كالصور ّ
احلس ّية أو
اخليالية كام قد يتوهم ،وهلا ثالث حيثي ٍ
ات: ّ ّ ّ
قائم بالنفس وهو اهليأة عرض ٌحيث ّي ٌة يف نفسها ،وهي من حيث نفسها ٌ
النفساين ،وحيث ّي ٌة
ّ ويسمى بالعرض
ّ االنكشاف ّية والتع ّقل ّية احلاصلة يف النفس
املحكي ،فتكون مطابق ًة له لذلك وعاكس ٰ بالنسبة إىل حمكيها فهي مفهوم ٍ
حاك
ّ ٌ ٌ ِّ
فعرض ،وحيث ّية نسبتها إىل النفس وهي
عرضا ٌ
وإن كان ً فجوهرْ ،
ٌ جوهرا
ً ْ
إن كان
حيث ّية االنكشاف والظهور ،حيث ّإهّنا نفس الكشف عن حمكيها للنفس وتع ّقلها
وهذا هو حقيقة مقولة العلم.2 لهٰ ،
العلم وأقسامه
العلم :هو انكشاف اليشء للنفس وتع ّقلها له ،وهو معنى حضور صورة
املعلوم لدى العامل ،3وهو متو ّق ٌ
ف عىل ارتباط النفس باملعلوم وحضوره عندها.
اخلارجي
ّ مبارشا ،و ٰذلك بحضور املعلوم بوجوده
ً وهذا االرتباط تار ًة يكون ٰ
يسمى لدى النفس ،وانكشافه هلا مبارش ًة مثل علمنا بذواتنا وحاالهتا ،وهو ما ّ
احلضوري ،وتار ًة يكون اليشء املعلوم مباينًا للنفس ،فتحصل له صور ٌة
ّ بالعلم
بتوسط آالت اإلدراك لدى النفس ،كعلمنا باألشياء املباينة لنا، علم ّي ٌة تع ّقل ّي ٌة ّ
يسمى بالعلم احلصو ّيل. وهو ما ّ
وهذا النوع يم ّثل املرتبة الرابعة من مراتب اإلدراك احلصو ّيل ،إذ ّ
إن اإلدراك ٰ
احلصو ّيل يتم ّثل يف أربع مراتب بحسب ترتّب جتريد أدوات اإلدراك للمعلوم،
وهي:1
احلس ّية للكيف ّيات
احليّس ،وهي حضور الصور ّ املرتبة األوىل :مرتبة اإلدراك ّ ّ
املحسوسة يف األشياء ،كاللون والشكل والطعم والرائحة واخلشونة وما يقابلها
احلواس ،فتحرض ٍ
لواحدة من واحلرارة والربودة وما شاهبها ،يف حال مواجهتها
ّ
احلس ّية مع ارتباطها بعامل املا ّدة ،وما حتمله من ٍ
آثار -أي يف حال تق ّيدها باإلشارة ّ
احلس ّية.
خارجا انتفت الصورة ّ
ً (اهلٰذ ّية) -فإذا انتفت املا ّدة
املرتبة الثانية :مرتبة اإلدراك اخليا ّيل ،وهو حضور الصورة املحسوسة يف غري
فإن اخليال ي ّربئ الصورة املنزوعة عن املا ّدة تربئ ًة أشدّ ،و ٰذلك
حال املواجهةّ ،
بنحو ال حيتاج يف وجودها فيه إىل وجود ما ّد ٍة؛ ّ
ألن املا ّدة ْ
وإن بأخذها عن املا ّدة ٍ
فإن الصورة تكون ثابتة الوجود يف اخليالّ ،إاّل ّأهّنا ال تكون ّ
جمرد ًة غابت أو بطلت ّ
ألن الصورة يف اخليال هي عىل حسب الصور املحسوسة، عن اللواحق املا ّد ّية؛ ّ
جمرد ٌة عن املا ّدة دون آثارها من االمتداد والشكل واللون وغريها. فهي ّ
التجرد،
ّ املجرد ال متام
الومهي ،وهو إدراك املعنى ّ
ّ املرتبة الثالثة :مرتبة اإلدراك
بتوسط أدوات اإلدراك وآالته. تحصل يف النفس بسبب ارتباطها باملعلوم إ ّما بشكلٍ مبا ٍ
رش أو ّ
.1صدر املتألهني ،األسفار ،ج ،3ص.361-360
| 50تاریخ علم املنطق
قوة بل خملو ًطا بالعوارض املا ّد ّية املحسوسة كاللون والشكل والرائحةّ ،
فإن ّ
قو ٌة تدرك من املحسوس ما ال يناله ألهّنا ّ
الوهم تتعدّ ى عىل اخليال يف التجريد؛ ّ
أيضابحسه شكلها ولوهنا ورائحتها ،ويدرك ً فإن من يرى الوردة يدرك ّ احلسّ ،ّ
الضار من صورة
ّ العدو أو
ّ وهكذا إدراك معنى شي ًئا آخر وهو مجال ٰهذه الوردةٰ ،
ضار
مجيل أو ٌّأن ٰهذا ٌ احلس ال يدرك ّإاّل العوارض املحسوسة؛ وأ ّما ّ
فإن ّالذئبّ ،
وإن استثبتت وحفظت قوة الوهم ،وهي ْ ومنفور عنه فا ّلذي يدركه هو ّ
ٌ عدو
أو ٌّ
املعنى غري املحسوس بعد غياب املحسوسٰ ،لكنّها ال ّ
جترده جتريدً ا تا ًّما ،بل حتفظه
صورة خيال ّي ٍة ،فكان الوهم ال يدرك معنى رص ًفا ،بل خملو ًطا.ٍ مع ما تع ّلق به من
العريف
ّ املسمى بالعلم احلصو ّيل ،إذ جرى االستعامل العقيل هو ّ
ّ ومرتبة اإلدراك
اخلاص عىل تسمية هذه املرتبة بالعلم دون غريها من ّ املنطقي
ّ العا ّم واالصطالح
املراتب؛ ولذلك ال يقال للحيوانات ّإهّنا عامل ٌة رغم ّأهّنا تشرتك مع اإلنسان يف بق ّية
فالتصور هو فهم املعنى وإدراكه ّ التصور والتصديق، ّ املراتب .1وهو ينقسم إىل
إدراكًا بسي ًطا خال ًيا من احلكم ،فهو انكشاف املعلوم وتع ّقله يف نفسه يف الواقع
من جهة معناه وحقيقته ،ومتع ّلقه املفردات واملركّبات التا ّمة والناقصة.
والتصديق هو احلكم عىل اخلرب ،أي ترجيح النفس ألحد طريف النقيض ــ
.1الطويس ،أجوبة املسائل النصريية ،ص.95
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 51
.1ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن مفردة الوهم لها استعامالتٌ متعدّدةٌ ،فهي يف اللغة مبعنى الغلط
والسهو ،ويف االصطالح تستعمل بثالثة معان ،أحدها املعنى الذي يف املنت ،والثاين مبعنى
اإلدراك الوهمي :وهو إدراك املعاين املجردة الجزئية املتعلقة بصورة محسوسة أو متخيلة،
جه لها ،حتّى ال يوقع
والثالث هو القوة التي تدرك النفس بها تلك املعاين ،فال ب ّد من معرفتها والتو ّ
يف الغلط من هذه الجهة.
| 52تاریخ علم املنطق
الجهل وأقسامه
وأ ّما اجلهل فهو ما يقابل العلم ،أي عدمه فيام يكون من شأنه االتّصاف به،
تصور ًّيا،
جهاًل ّيسمى ً وهو ينقسم بانقسامه ،فعدم انكشاف املعنى وعدم فهمه ّ
التصديقي،
ّ وعدم احلكم برتجيح أحد طريف النسبة يف القضايا اخلرب ّية هو اجلهل
ترجح أحد ّ
وتشك فال ّ تتحرّي النفسالتصديقي يكون عندما ّ ّ وعليه فاجلهل
ّ
بالشك. ويسمى
ّ الطرفني عىل اآلخر،
بأن جعلناثم إنّا لو حلظنا حال الشخص من حيث علمه باليشء أو عدمهْ ، ّ
ٍ
أحوال ،فتار ًة ٍ
متع ّلق علمه هو علمه نفسه بيشء أو عدمه ،كان عىل أربعة
فهذا هو العامل املستغني عن الكسب، يكون عا ًملا باليشء وهو يعلم أنّه عامل ٌ بهٰ ،
فهذا هو الغافل ا ّلذي حيتاج وتار ًة يكون عا ًملا باليشء و ٰلكنّه جيهل أنّه عامل ٌ بهٰ ،
فهذا يمكن فيه االسرتشاد جاهل ٌٰ ً
جاهاًل وهو يعلم أنّه إىل التنبيه ،وتار ًة يكون
ٍ
لغفلة فيعلم حاله بعد ٌ
جاهل إ ّما جاهاًل وهو جيهل أنّهً وطلب العلم ،وتار ًة يكون
غلط ،وهو يعتقد املطابقةاالنتباه والتوجه ،أو ألنّه قد علم ٰبذلك اليشء عىل وجه ٍ
ّ
فهذا هو اجلاهل املركّب ا ّلذي يمنعه جهله من االسرتشاد وطلب العلم. للواقعٰ ،
وعىل ٰهذا فأقسام اجلهل ثالثة:
ري :وهو عدم انكشاف معنى اليشء ،مع التفاته إىل
التصو ّ
ّ اجلهل البسيط
تصوره.
جهله وعدم ّ
التصديقي :وهو عدم ترجيح أحد طريف النسبة ،مع التفاته إىل
ّ اجلهل البسيط
جهله وشكّه.
التصديقي :وهو عدم ترجيحه ملا ح ّقه الرتجيح من طريف
ّ اجلهل املركّب
رجحه النسبة ،وترجيحه للطرف اآلخر مع عدم التفاته جلهله ،ويعتقد ّ
بأن ما ّ
مطابق ملا هو الواقع.
ٌ
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 53
تنبيهان:
ري ،استيفا ًءالتصو ّ
ّ األول :قد يتوهم وجود قس ٍم رابع للجهل ،وهو املركّب
تصور معنًى للفروض العقلية ،وذلك ْ
بأن ُيدّ عى أنّه عبار ٌة عن وقوع الغلط يف ّ
يتصور النفسّ أن ما حصل من فه ٍم للمعنى هو الواقع ،كمن ٍّ
معنّي ،ويتوهم ّ
قائم يف جسم اإلنسان .ولكن الصحيح أن هذا من اجلهل عرض ما ّد ٌّي ٌ
عىل ّأهّنا ٌ
املركّب التصديقي؛ ألن تصور املعنى هنا ُجعل موضو ًعا ملحمول هو مطابقته
التصورات.
ّ للواقع ،فيكون من التصديقات ال من
ري ،وقد يكون التصو ّ
ّ التصديقي هو اجلهل
ّ الثاين :قد يكون منشأ اجلهل
شخص معنى النفس فال ٌ يتصورّ منشؤه شي ًئا آخرً ،
فمثاًل يف اجلهل البسيط قد ال
كذلك ،كمن يعرف معنى النفس ٍ
بيشء ،وقد ال يكون ٰ أن حيكم عليها يستطيع ْ
جمرد ٌة لعدم قيام الدليل لديه عىلبأن النفس ّالتجرد ،ولكن ال يعلم ّ
ّ ويعرف معنى
يتصور معنى اإلنسان
ثبوت النسبة بينهام أو انتفائها .ومثاله يف اجلهل املركّب من ّ
كامالت معنو ّي ٍة له ،وقد ال يكون
ٍ ثم حيكم بعدم وجود أنّه وجو ٌد ما ّد ٌّي فقطّ ،
ثم حيكم
كذلك ،من قبيل من يعرف معنى واجب الوجود ويعرف معنى صفاته ّ ٰ
بأن صفاته ليست عني ذاته ،لوجود ٍ
غلط ما يف دليله. ّ
أن يكون عند اإلنسان تلك اآللة القانون ّية ا ّلتي تعصمفالغرض من املنطق هو ْ
علم ُيتع ّلم فيه رضوب االنتقاالت فكره من اخلطأ والضاللة عند مراعاته هلا ،فهو ٌ
ٍ
حاصلة يراد حتصيلها ،وكيف ّية تأليفها أمور غري ٍ
حاصلة إىل ٍ الذهن ّية من ٍ
أمور
كذلك.1وموصل إىل الصواب ،وما ليس ٰ ٍ ومعرفة ما هو ٍ
جار عىل االستقامة منها
ومرادنا من الرؤية الكون ّية جمموعة اآلراء والنظر ّيات العا ّمة حول وجود
يعرّب عنها يف علم العقائد بأصول الدين ،ومن اإلنسان والعامل ومبدئهام ،وا ّلتي ّ
األيديولوجية هو جمموعة النظم والقوانني العا ّمة ا ّلتي حتكم سلوك اإلنسان يف
الديني تشكّل
ّ متفرع ٌة عن الرؤية الكون ّية ،وهي يف االصطالح
حياته الدنيا ،وهي ّ
األحكام الك ّل ّية العا ّمة من فروع الدين.
وا ّلذي ال يتقن قواعد املنطق أو ال يراعيها عند التطبيق فهو يف معرض
واضح.
ٌ والسلوكي كام هو
ّ الفكري
ّ االنحراف
فك ّلها موجود ٌة ىف املنطق :فالتّقسيم هو التّكثري من فوق إىل أسفل ،كتقسيم
اجلنس إىل األنواع ،والتحليل :هو التّكثري من أسفل إىل فوق ،والتّحديد :هو
مفصلة ،بخالف االسم ،فإنّه
يدل عىل ذات اليشء داللة ّ فعل احلدّ ،و هو ما ّ
يدل عليه داللة جمملة ،والربهان طريق موثوق به ،موصل إىل الوقوف عىل ّ
احلق و العمل بذلك ،1ومجيع هذه األنحاء بدهيي ٌة ال حتتاج إىل ْ
أن تتعلم يف علم ّ
قبلها ،وما يعتمد فيها من الربهان فهو الرباهني التي تعتمد عىل البدهييات من
حيث املادة ،واهليئات البدهيية كالرضب األول من الشكل األول.
مسائل علم املنطق
ّملا كان العلم ينقسم نوع انقسا ٍم إىل البدهيي ،والنظري ،والبدهيي ما
ٍ
وتفكري صناعي ،وهذا ٍ
طلب علمي حيصل يف النفس بنحو تلقائي ،من غري
التصور
ّ التصور والتصديق ،فمثاله يف
ّ قسمي العلم من
االنقسام يشمل كال َ
إدراكنا ملفهوم الوجود والتح ّقق أو اليشء أو الوحدة والكثرة ،ويف التصديق
الكل أعم من اجلزء ،واستحالة اجتامع النقيضني وما شابه كإدراكنا بكون ّ
ذلك ،وهذا القسم ال حيتاج إىل صناعة املنطق؛ لوضوح املعنى والصدق
جمهواًل للنفس ً
أواًل ،فتحتاج فيه ً كل من القسمني .أ ّما النظري فيكونيف ٍّ
ٍ
وتفكري صناعي ،وملا كانت عملية التفكري بكلتا حركتيها ٍ
طلب علمي إىل
صحيح ،وقد تقع عىل ٍ
نحو ٍ التي مر ذكرها إرادي ًة للنفس ،فقد تقع عىل ٍ
وجه ّ
خاطئ ،احتاج هذا القسم ،أي :النظري ،إىل صناعة قواعد التفكري من أجل
أن تضمن الصحة يف عملية التفكري والسري االستداليل.
تصو ًرا فال
وملا كان اليشء يف هذا القسم من العلم (النظري) قد جيهل ّ
عرف ،مثل حقيقة العقل أو النفس يف احلكمة ،أو الزوايا يتصور معناه إىل ْ
أن ُي ّ ّ
وكذلك قد جيهل من املتناظرة أو املثلث متساوي الساقني يف الرياض ّياتٰ ،
أن ُيع َلم ،كقوهلم يف العلم األعىل( :واجب الوجود ال
جهة التصديق إىل ْ
.1الشريازي ،رشح حكمة اإلرشاق ،ص 29وما بعدها.
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 57
ماه ّية له) ،وكقوهلم يف الرياض ّيات( :يف املث ّلث قائم الزاوية ،مر ّبع طول َ
الوتَر
يساوي جمموع مر ّبعي طويل الضلعني القائمني).
ٍ
تصديق تصو ٍر أو الطلبي منّا يف العلوم ونحوها إ ّما ْ
أن يتّجه إىل ّ ّ كان السلوك
تصور
يستحصل ،وقد جرى اصطالح املناطقة عىل تسمية اليشء املوصل إىل ّ
سمى شارحا) ،وهو عىل قسمني :حدٍّ ورس ٍم ،كام جرت العادة ْ
بأن ُي ّ ً املطلوب ً
(قواًل
ٍ
ومتثيل. ٍ
واستقراء ٍ
قياس قسموه إىل اليشء املوصل إىل التصديق ً
(دلياًل) ،وقد ّ
وهبام ـ القول الشارح والدليل ـ ينتقل الذهن من املعلوم احلاصل إىل املطلوب
املنطقي يتع ّلق بمبادئ القول الشارح وكيف ّية تأليفه،
ّ املستحصل ،فكان البحث
قياسا كان أو غريه.
حدًّ ا كان أو غريه ،ومبادئ الدليل وكيف ّية تأليفهاً ،
األول يف
قسموا مسائل علم املنطق إىل قسمني رئيسني :القسم ّ ومن هنا ّ
التصور (القول الشارح) ،والقسم الثاين يف كاسب التصديق (الدليل).
ّ كاسب
ٍ
وبحث ما ّد ٍّي ،فاملا ّد ّي يف صوري إن كاًّلًّ منهام ينقسم البحث فيه إىل ٍ
بحث ثم ّ
ٍّ ّ
التصور يبحث فيه عن أنحاء املفاهيم ا ّلتي تنفع يف تعريف حقائق األشياء، ّ كاسب
وهي ذاتيات اليشء من اجلنس والفصل والنوع ،أو مت ّيزها عن غريها ،وهي
العرضيات من العرض العام واخلاصة ،ويبحث عن ذلك يف باب الك ّل ّيات اخلمسة.
ٍ
صحيحة ويبحث يف الصوري عن كيفية ترتيب هذه الك ّليات عىل ٍ
هيأة ّ ٰ ّ ّ
التصوري ،وهي إ ّما احلد وإ ّما الرسم ،ويبحث عنها يف بحث ّ لتحصيل املجهول
أجناسا عالي ًة جلميع ً املعرف ،وأضافوا اىل هذا القسم البحث عن املعاين التي تكون ّ
ٍ ٍ ٍ
املوجودات يف عامل اإلمكان ،من حيث هي معان كلية جامعة تدخل يف تكون
ذات املاهيات ،وهي اجلوهر ،والكيف والكم واألين واملتى والوضع واإلضافة
واجلدة والفعل واالنفعال ،ومل يبحثوا عنها هنا من جهة كيفية وجودها؛ إلنّه
فلسفي ليس علم املنطق حم ّله ،ويبحث عنها يف باب املقوالت. ّ ٌ
بحث
| 58تاریخ علم املنطق
فتكون أبواب املنطق تسعة مرتتبة بحسب تقدمها يف البحث ،وتو ّقف بعضها
عىل بعض ،وهي :باب الك ّل ّيات اخلمسة ومعها ِّ
املعرف ،باب املقوالت ،باب
القضايا ،باب القياس وتوابعه من التمثيل واالستقراء ،باب الربهان ،باب
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 59
الباب الرابع :يتبني فيه تركيب القضايا حتى يتأ ّلف منها دليل ،يفيد ً
علاًم
ٍ
بمجهول وهو القياس ،ويشتمل عليه كتاب أرسطو املعروف بانالوطيقا األوىل،
أي :التحليل بالقياس.
الباب اخلامس :يعرف منه رشائط القياس يف تأليف قضاياه التي هي مقدماته،
| 60تاریخ علم املنطق
.1ابن سينا ،رسالة أقسام الحكمة ،املطبوعة يف ضمن كتاب «تسع رسائل يف الحكمة والطبيعيات»،
ص.118-116
اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | 61
ُملخّص البحث
يتمحور هذا البحث حول الرصد التارخيي الفكري ألهم املح ّطات
مر هبا علم املنطق يف التارخيي الشيعي اإلمامي ،وهي مرحلة دخول التي ّ
ً
دخواًل ناقدً ا إىل الساحات املختلفة للعلوم اإلسالمية ،ال الفكر األخباري
س ّيام علم أصول الفقه وعلم املنطق واحلكمة اإلهلية ،إذ شكّلت هذه املرحلة
بريادة حممد األمني األسرتآبادي (املتوىف 1033هجري قمري) -املعروف
باملحدث األسرتآبادي أو باملوىل األسرتآبادي -حتد ًيا جديدً ا وضع املناطقة
مجلة من األسئلة واإلشكاليات حول جدوى علم املنطق ً
أواًل ،ومدى أمام ٍ
األئمة ثان ًيا.
النص الديني الوارد عن ّ انسجامه مع معطيات ّ
ٍ
ونقدية ملحاولة املوىل ٍ
رصدية ٍ
قراءة يف هذا البحث ،نحاول تقديم
حجية التفكري املنطقي بش ّقيه املادي والصوري ،ومن ثم األسرتآبادي نقد ّ
تقويم ٍ
مجلة اإلشكاالت التحليلية العقلية والنقلية التي طرحها يف هذا الصدد.
أن التفكري النقدي لألمني األسرتآبادي وقد انتهينا -كام سيجد القارئ -إىل ّ
ٍ
راسخ بتأثري شديد عىل حفظ النص الديني ،ومن ٍ
إيامن ٍ ٍ
حرص كان منطل ًقا من
ّ
أيضا مع تأ ّم ٍل فيام طرحه
النقل يف صياغة املعتقدات واألحكام الدينية ،ولكن ً
من ّ
أن هذا التأثري قد يصل إىل مرحلة االستغناء عن أداة املنطق.
املقدّ مة
نمط واحد، منظار تارخيي ال يكون ذا ٍ ٍ أي عل ٍم من العلوم من ّ
ّ إن دراسة ّ
أن نبحث بح ًثا تأرخي ًيا داخل ًيا تارةً ،أو بح ًثا تأرخي ًيا خارج ًيا تار ًة
إذ يمكن لنا ْ
أخرى.
أن نبحث عن علم املنطق يف التاريخ ونقصد هبذا التفريق أنّنا لو أردنا ْ
فإن الباحث قد يدخل البحث من حمل بحثنا ههناّ - اإلسالمي اإلمامي -وهو ّ
وتطورها والصياغات املختلفةّ جهة القضايا أو املفاهيم املنطقية وكيفية نشأهتا
مر املراحل واملنعطفات التي ّاخّتذها املناطقة جتاه هذه القضية أو تلك عىل ّ
مثاًل موضوع (البدهييات التصورية والتصديقية) التي مت ّثل التارخيية ،فيأخذ ً
أحد أركان البحث املنطقي ،ويبحث عن نشوئها يف التاريخ اإلسالمي،
والشخصيات األوىل الرائدة يف طرحها والصياغات املختلفة هلا ،سواء قبل
مرورا بابن سينا يف املرشق العريب ،أو كذلك يف املغرب ً الفارايب أم بعده
وإن كان يالحظ املسائلالعريب عند ابن رشد وغريه .وهذا النوع من البحث ْ
نحو من البحث الداخيل -كام استقربنا يف سياقاهتا التطورية التارخيية ّإاّل أنّه ٌ
تسميته-؛ ألنّه يالحظ املوضوعات املنطقية نفسها يف السياقات التارخيية من
أمر خارج املنطق وعلامئه ومصنفاته. أي ٍ دون ٍ
نظر إىل ّ
وأ ّما الصنف الثاين من األبحاث التارخيية التي قد يشتغل هبا الباحث يف
سميناه البحث التارخيي اخلارجي ،وذلك ْ
بأن جيعل تاريخ العلوم ،فهو ما ّ
حضاري،
ّ سيايس، ٍ
سياق اجتامعي، العلم – كعلم املنطق ً
مثاًل -يف ُ
الباحث
ّ َ
ديني ،بنحو يالحظ حركة هذا العلم وفق الصريورة العا ّمة احلضارية، ّ
ّ
وتبدهّلا عرب فال يقرص نظره عىل مفاهيم العلم ذاته وكيفية تطور صياغاهتا
أواًل السياق التفاعيل احلضاري ،ومن ثم يراقب العلم الزمن ،بل يالحظ ً
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 65
ٍ
كعنرص من العنارص املتفاعلة يف هذا السياق احلضاري العام، املبحوث عنه
ُ
الباحث فريصد كيفية تأ ّثره وتأثريه يف الفضاء العام ،ومثال ذلك ْ
أن يدرس
علم املنطق وكيفية دخوله إىل العامل اإلسالمي ،واجلداالت واملناقشات التي
َ
أثارها بني خمتلف أصناف العلامء ،كا ُملحدّ ثني والنحاة واألخباريني ،وما هي
متوضعه يف العالقة التي
أبرز النقود املتوجهة إليه من قبل هؤالء ،وكيف أعاد ْ
مثاًل ،وغريها من القضايا. النص الديني ً
تربطه مع ّ
بتنوع الفضاءات الفكرية واحلضارية التي نأخذيتنوع ّ
إن الصنف الثاين ّ ثم ّ
أن نأخذ علم املنطق يف الفضاء السيايسفاعاًل أو متأ ّث ًرا فيها ،فيمكن لنا ْ
العلم ً
االجتامعي الذي نشأ فيه ونبحث عن أسباب دخوله إىل العامل اإلسالمي،
جهة أخرىْ -
أن والدواعي التي كانت كامن ًة وراء ذلك .كام يمكن لنا –من ٍ
نأخذه يف فضاء سائر العلوم واألفكار ،أي نرصد حركة املنطق النقدية والتفاعلية
ٍ
سياسية أو اجتامعية. ٍ
فضاءات يف إطار العلوم املختلفة دون اخلوض يف
وقد كُتب يف احلالة األوىل الكثري حول علم املنطق ،وكيفية ترمجته،
إن بعض والسياقات التي نشأ فيها من الناحية التارخيية السياسية ،حتى ّ
كل نظرها عىل هذه القضية فطرحت أبحا ًثا من قبيل الدراسات ركّزت ّ
(السياسات الداخلية وحركة الرتمجة) ،1و(الرصاعات احلضارية املختلفة
وأثرها عىل دخول علم املنطق إىل العامل اإلسالمي) وغريمها ،بل نجد ّ
أن يف
الرتاث اإلسالمي القديم قد ُطرح مثل هذا البحث كام يف فهرست ابن النديم
ٍ
حكايات – كام يف تعبريه -حول الراجع إىل القرن الرابع اهلجري حيث أورد
األسباب والظروف الداعية إلدخال املنطق واحلكمة إىل العامل اإلسالمي،
.1راجع :دميرتي غوتاس ،الفكر اليوناين والثقافة العربية :حركة الرتجمة اليونانية -العربية يف
بغداد واملجتمع العبايس املبكر ،ترجمة :د .نقوال زياده ،املنظمة العربية للرتجمة ،بريوت – لبنان،
،2003صفحة 141 :وما بعدها.
| 66تاریخ علم املنطق
.1ابن النديم ،الفهرست ،دار املعرفة ،بريوت – لبنان ،بدون تاريخ ،صفحة .339
.2أبو ح ّيان التوحيدي ،املقابسات ،دار سعاد الصباح ،الكويت ،1992 ،صفحة .169
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 67
والشهود العرفان».1
حضور يف التاريخ اإلسالمي وباخلصوص ٌ ومن الفئات التي كان هلا
الشيعي اإلمامي من جهة نقدهم للمنطق األرسطي يف بعض قضاياه ،فئة
األخباريني ،إذ يشكل رصد نقدهم وأثره ،والنقاشات التي ُأثريت من قبلهم
رصدً ا تارخي ًيا حلركة املنطق يف الفضاء الفكري – ال السيايس االجتامعي-
أهم أركان هذه احلركة ورائدها هو املوىل حممد أمني
اإلسالمي ،وكان أحد ّ
األسرتآبادي ( املتوىف 1033هجري قمري) ،الذي أثار مجل ًة من املناقشات
ال بخصوص املنطق فحسب بل بام يشمل التفكري األصويل – أي أصول
الفقه ،-وهذه املح ّطة التارخيية عند هذا الع َلم من أعالم اإلمامية هي
بالتحديد ّ
حمل بحثنا ههنا( .الرسم البياين أدناه حيدد حمل البحث).
يف الفضاء السيايس
ثم ّ
إن املراجعة ألهم املتون التي كتبها األمني األسرتآبادي يف هذا املجال
وهو كتاب (الفوائد املدنية) ،وبتبعه بعض الكتب األخرى من قبيل (احلاشية
أن اإلشكال األسايس املركزي الذي عىل أصول الكايف) جيعلنا أمام حقيقة ّ
أن علم املنطق ال قيم َة له يف ٍ
واحدة وهي ّ ٍ
قضية س ّطره عىل املنطق يرجع إىل
.1غالم حسني الديناين ،حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي.17 -16 :1 ،
| 68تاریخ علم املنطق
جنبة من جوانبه ،وهي املسامة باملنطق من جهة املا ّدة – أو املنطق املادي،- ٍ
بأدلة نقلية ،فقال« :القواعد ٍ ٍ
عقلية وأخرى واستدل عىل ذلك تار ًة بأد ّل ٍة
ّ
املنطقية إنّام هي عاصم ٌة عن اخلطأ من جهة الصورة ال من جهة املا ّدة ،إذ
أقىص ما يستفاد من املنطق يف باب مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ
وجه ّ
كيّل ّ
ٍ
خمصوصة داخلة يف كل ما ّد ٍة
أن ّ
إىل أقسام ،وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ
أي قس ٍم من تلك األقسام ،بل من املعلوم عند أويل األلباب امتناع وضع ّ
قاعدة تكفل بذلك .وممّا يوضح ما ذكرناه من جهة النقل األحاديث املتواترة
معنى.1»...
القسم األول :يف بيان ُمدّ عى املناطقة حول قيمة املنطق عىل
مستوى الصورة واملادة
عاصم للذهن
ٌ يف هذا القسم نتعرض ملا ذكره املناطقة من ّ
أن علم املنطق
عن اخلطأ يف الفكر عىل مستوى الصورة واملادة يف االستدالالت والرباهني؛
وذلك ألجل توضيح ما استشكل به ا ُملحدّ ث األسرتآبادي من ّ
أن املنطق
نافع يف خصوص الصورة دون املادةّ ،إاّل املواد ّ
احلسية أو القريبة من احلس، ٌ
وسيأيت يف القسمني الثاين والثالث بيان مدّ عاه وأد ّلته العقلية والنقلية عليه.
أن املنطقي ينطلق عند الكالم حول علم املنطق من تعريف وتفصيل األمر ّ
أمور جمهولة، ٍ
معلومة الكتساب ٍ الفكر ،فيذكر أنّه عبار ٌة عن االنتقال من ٍ
أمور
خاصني لينتج ٍ ٍ ٍ بنحو يرتب املفكّر بني ٍ
أمور حارضة عنده عىل هيأة وتأليف ّ
أمورا مل تكن عنده من املعلومات ،و ّملا كان التفكري يتألف من رضبنيّ :
األول ً
التصور ،والثاين هو التصديق كان االنتقال من املعلومات الكتساب ّ هو
تفكريا تصور ًيا ،وأخرى يكون
ً املجهوالت كذلك ،أي تار ًة يكون التفكري
تفكريا تصديق ًيا.1
ً
والتصور يقصد به جمرد فهم املعنى وانطباعه يف الذهن عىل ٍ
نحو ال يكون ّ
مستتب ًعا حلكم بالصدق أو الكذب ،كخطور املعاين الساذجة يف أذهاننا
للمفردات ،أو املركبات دون احلكم بصدقها أو كذهبا .وأ ّما التصديق فهو
احلكم عىل القضية -التي هي اجلملة اخلربية -بالصدق أو الكذب ،بمعنى
«املتصور هو
َّ بأهّنا مطابق ٌة لواقعها أم ال ،قال املح ّقق الطويس:
احلكم عليها ّ
جمر ًدا عن احلكم ،واملصدَّ ق هبا هو احلارض مقارنًا له ،ويقتسامن مجيع
احلارض َّ
ما حيرض الذهن».2
التصوري ،وال يفرق األمر بني كون القضية صادق ًةّ سمى بالعلم األذهان ُي ّ
تصوري هبا؛
علم ّ أو كاذبة ،فقولنا( :الثالثة زوج) قضي ٌة كاذب ٌة ،ولك ْن لنا ٌ
تصورنا
ّ التصوري كام يشمل املفردات ،أي ّ ألننا (نفهم معناها) ،والعلم
أيضاملعاين (الفرس) ،و (اإلنسان) وغريمها ،كذلك يشمل كذلك املركّبات ً
بجميع أصنافها.
وأ ّما العلم التصديقي فهو احلكم بالصدق أو بالكذب ،وال يكون ذلك
ٍ
ومسند إليه حيكم بأحدمها عىل اآلخر ،وال بدّ ْ
أن يكون ٍ
مسند ّإاّل بعد حت ّقق
جمال للصدق أو الكذب؛ وذلك ألنّه ال معنى احلكم خرب ًيا حتى حيصل ٌ
إاّل املطابقة بني احلاكي – أي القضية -واملحكي – أي الواقع – للصدق ّ
وبالتايل ال بدّ من احلكاية واإلخبار يف التصديقات؛ ولذا قالواّ :
إن التصديق
ال يكون ّإاّل يف املركّبات اخلربية وهي ّ
املساّمة بالقضايا.
كل ّ ٍ
متغرّي فهو حادث) ،فينتج ّ
أن (العامل حادث) .فهذه ب هي ج) ،قضي َة ( ّ
القضايا وما تتأ ّلف منه ت ّ
ُسمى (موا َّد).
أن علم املنطق ال يقترص وقد ذكر الشيخ الرئيس ابن سينا يف عدّ ٍة من كتبه ّ
عىل البحث عن صورة االستدالل – أي القياس -بل يشمل البحث عن
«إن االستدالل صنع ٌة ما ،تؤ ّدي إىل غرض. أيضا ،قال يف الشفاءّ : ما ّدته ً
ٍ
واحد من املا ّدة كلفإهّنا تتع ّلق بام ّد ٍة وصورة ،وبحسب اختالف ّ ٍ ّ
وكل صنعة ّ
والصورة خيتلف املصنوع ىف الصنعة .فربام كانت الصورة فاضلة ،و مل تكن
نخر ،وطني سبخ ،1ثم يويف أن يبني البيت من خشب ٍ املا ّدة فاضلة ،كام يتّفق ْ
أي الصور ف ّ أن الصانع يلزمه ْ
أن يعر ح ّقه من الشكل والرسم ،2و [ ]...وكام ّ
وأهّيا
وأهّيا متوسطةّ ، وأي املوا ّد حمكمةّ ،
وأهّيا غري نافعةّ ،نافعة يف غرضهّ ،
أن يعرف حال التأليفات منتجها وعقيمها،3 ّ
املستدل يلزمه ْ واهية؛ كذلك
وحال ما عنه التأليف.5»4
كام ذكر يف كتاب (اإلشارات والتنبيهات) ما لفظه « :املراد من املنطق ْ
أن
أن ّ
يضل يف فكره ،وأعني يكون عند اإلنسان آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ
ٍ
حارضة يف ذهنه بالفكر هاهنا ما يكون عند إمجاع اإلنسان ينتقل عن ٍ
أمور
وتسلياًم 6إىل ٍ
أمور متصو ٍ
رة أو ُمصدَّ ٍق هبا تصدي ًقا علم ًيا أو ظن ًيا أو وضع ًيا
ً ّ
إن اخلطأوالترصيح اجلامع إلشكاله هو ما ذكره يف فوائده املدنية حيث قالّ « :
يف الفكر إ ّما من جهة الصورة ،وإ ّما من جهة املا ّدة ،واخلطأ من جهة الصورة ال
يتصور يف هذه العلوم [كاهلندسة
يقع من العلامء ، ]...[ ،واخلطأ من جهة املا ّدة ال ّ
والرياضيات] لقرب ما ّدة املوا ّد فيها إىل االحساس[ ،وهناك علوم نظرية تنتهي
] إىل ما ّدة هي بعيدة عن اإلحساس ،ومن هذا القسم احلكمة اإلهلية والطبيعية،
وعلم الكالم ،وعلم أصول الفقه ،واملسائل النظرية الفقهية ،وبعض القواعد
أن القواعد املنطقية إنّام هي عاصم ٌة عن
املذكورة يف كتب املنطق[ ]...[ ،واحلال] ّ
اخلطأ من جهة الصورة ،ال من جهة املا ّدة ،إذ أقىص ما يستفاد من املنطق يف باب
مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ
وجه ّ
كيّل إىل أقسام ،وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا ّ
أي قسم من تلك األقسام ،بل من املعلوم ٍ ٍ أن ّنعلم ّ
كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ
قاعدة تكفل بذلك» .1وبالتأ ّمل يف هذا النص ٍ عند أويل األلباب امتناع وضع
أن اإلشكال الذي ذكره ّ
ينحل إىل أربع قضايا: يظهر ّ
عاصم عن اخلطأ من جهة الصورة.
ٌ ـ ـاملنطق
ـ ـاملنطـق له قيمـ ٌة معرفيـ ٌة يف تعيني الصـواب ،والعصمة عـن اخلطأ من
احلس
احلسـية أو القريبة مـن ّ
جهـة مـا ّدة القيـاس يف خصوص املـواد ّ
كقضايـا الرياضيات من اهلندسـة واحلسـاب.
أي ّ
إن احلـس ال قيمـة للمنطـق فيهـاّ ،
ّ ـ ـأ ّمـا املـواد التـي ال تنتهـي إىل
املنطـق غير عاص ٍم مـن جهة املـا ّدة يف القضايـا التي ال تكـون موا ّدها
احلـس ،كقضايا الطبيعيـات ،واإلهليـات ،وعلم ّ حسـي ًة أو قريبـ ًة مـن
الـكالم ،وبعـض قضايـا أصـول الفقـه ،والفقه.
أي قسـ ٍم من ٍ
ـ ـامتنـاع وضـع قاعـدة تتم ّيـز هبـا مـوا ّد القضايا ،وحتـت ّ
ٍ
قضيـة خاصة. أقسـام مبـادئ األقيسـة تدخـل ّ
كل
.1محمد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق.257 -256 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 75
ٍ
قضية من هذه القضايا األربع مع بيان ملا يمكن ْ
أن وفيام ييل نتعرض ّ
لكل
ّ
يستدل عليها ،وما يمكن ْ
أن يرد عليها من مناقشات.
ً
أواًل :قيمة املنطق من جهة الصورة
عاصم يف صورةٌ فأ ّما بالنسبة إلثبات القضية األوىل فقد ذكر ّ
أن املنطق
ألن الصورة من األمور الواضحة ،وحيث كانت كذلك فهي ممّا ال القياس؛ ّ
يقع فيه اخلالف وال اخلطأ؛ فتكون عاصمة ،قال يف مقام التعليل« :واخلطأ
ألن معرفة الصورة من األمور الواضحةمن جهة الصورة ال يقع من العلامء؛ ّ
وألهّنم عارفون بالقواعد املنطقية ،وهي عاصم ٌة
ّ عند األذهان املستقيمة؛
عن اخلطأ من جهة الصورة» .1ومل نجد يف ما بني أيدينا من تصانيف للموىل
األسرتآبادي غري هذا الوجه من االستدالل إلثبات قيمة املعرفة املنطقية
الصورية ،إذ يظهر منه الفراغ عن عدم وقوع العلامء يف اخلطأ من جهة
أمور واضح ٌة عند األذهان
وألهّنا يف نفسها ٌ
ّ الصورة؛ لكوهنم عارفني هبا،
يعرّب.
املستقيمة كام ّ
وهذه القضية ممّا ال خالف فيه بني األخباريني وغريهم من احلكامء واملناطقة
وإنمصب اإلشكال عند األمني األسرتآباديْ ، ّ وعلامء األصول ،وليست هي
كان يمكن املناقشة يف استدالله عىل صدق املنطق يف قواعده الصورية ،إذ
إنأن نسأل :هل ّ قيمة؛ لوضوحها يف األذهان ،إذ لنا ْعدّ ها صادق ًة وذات ٍ
معيارا لصوابية أ ّية قضية؟ أم
ً الوضوح املذكور يف األذهان يمكن عدّ ه بنفسه
ٍ
وبتعبري معيار يكمن وراء هذا الوضوح؟ ٍ إن الوضوح املذكور يكشف عن ّ
ٍ
قضية أو حك ٍم حتكم به األذهان ال بدّ هلا من حمكي وراءها ،بنحو إن ّ
كل آخرّ :
يكون ما يف الذهن حاك ًيا عن واقع هذه القضية ،وبالتايل نفتقر إىل ا حلكم
باملطابقة -وبالتايل الصدق بني ما حتكيه األذهان وواقع تلك القضايا -إىل
معيارا ،بل هو
ً معيار ،فال يكون إطباق العقالء يف القضايا النظرية والواقعية
كل أمرين مساويني أن ّ
معلول ملعيار يستند إليه ،فلو أطبقت األذهان عىل ٌّ
أن يكونا متساويني فال يكون إطباقهم نفسه ذا ٍ
قيمة ّإاّل بالكشف لثالث ال بدّ ْ
عن وجه هذا احلكم الذي أطبقوا عليه ومعيارهم يف ذلك.
من هنا ،يأيت حديث قيمة القواعد املنطقية الصورية يف خصوص قضايا
ٍ
معرفية ألمرين ،األول :كوهنا االستدالل والقياس ،وأهّنا إنّام تكون ذات ٍ
قيمة ّ
ٍ
حتليل إىل بداهة ،والبدهيي ٍ
باستدالل أو بدهيية الثبوت ،والثاين :كوهنا تنتهي
ليس معناه الوضوح عند األذهان ،بل له معنى آخر هو كون القضية البدهيية
يمتنع انفكاك حمموهلا عن موضوعها امتنا ًعا ذات ًيا.
.1تس ّمى هذه األمور بالح ّد األصغر والح ّد األوسط والح ّد األكرب ،فـ (أ) هي الح ّد األصغر و(ب)
هي الح ّد األوسط املتكرر و(ج) هي الح ّد األكرب ،واملقدّمة الصغرى هي التي تشتمل عىل الح ّد
األصغر ،واملقدّمة الكربى هي التي تشتمل عىل الحد األكرب.
.2ابن سينا واملحقّق الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات (مع املحاكامت) ،مصدر سابق.239 :1 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 77
احلس
احلسية والقريبة من ّ
ثان ًيا :قيمة املوا ّد ّ
احلساحلسية أو القريبة من ّأن مواد األقيسة ّ وأ ّما القضية الثانية ،وهي ّ
هي التي يمكن التعويل عليها إلنتاج املعرفة العقلية – يف مقابل النقلية-
باحلس
ّ بخالف سائر املواد حيث ال يمكن التعويل يف املسائل غري املرتبطة
عليها؛ ولذا أوجب الرجوع إىل النصوص وأقوال املعصومني ،إذ قال ما
متسكنا بكالمهم إن ّ مهدنا من الدقيقة الرشيفة ،فنقولْ :
لفظه « :إذا عرفت ما ّ
متسكنا بغريه مل نعصم عنه».2 [عليهم السالم] فقد ُعصمنا عن اخلطأْ ،
وإن ّ
ّ
يستدل وقد أرسل األمني األسرتآبادي هذه القضية إرسال املسلامت ،ومل
أن احلساب واهلندسة يمكن االعتامد يف تنقيح مسائلها عليها إذ غاية ما ذكره ّ
يتصور
ّ عىل علم املنطق من جهة الصورة واملادة؛ ّ
ألن «اخلطأ من جهة املا ّدة ال
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ،مصدر سابق.106 ، ّ .1
.2محمد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق ،صفحة .259
| 78تاریخ علم املنطق
.1غالم حسني إبراهيم ديناين ،حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي ،دار الهادي ،بريوت –
لبنان.108 :1 ،2001 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 79
أن الدوائر ر ّبام نراها مستدير ًة ور ّبام نراها معوجة .ونرى اخل ّطني
وذلك كام ّ
املتوازيني – ك ّلام َب ُعدا -متقاربني حتى يتّصال [ ]...فال تكون األحكام
احلس ال يكفي يف
ّ مر ّ
أن املحسوسة برضورية بالذات [ ]...وقد بان ممّا ّ
يشء منها».1النظريات وال يف ٍ
العاّلمة محمد حسني الطباطبايئ ،رسالة الربهان ،بوستان كتاب ،قم املقدّسة -إيران1387 ،
ّ .1
هجري شميس ،الصفحتان.60 -59 :
.2الس ّيد محمد باقر الصدر ،بحوث يف علم األصول ،تقرير :السيد محمود الهاشمي ،مؤسسة
الفقه ومعارف أهل البيت ،قم املقدسة – إيران.127 :4 ،2012 ،
.3م .ن.61 ،
| 80تاریخ علم املنطق
أن الكالم هو عسل حلو) فتعود كلية ،فريد عليه ّ ٍ مثاًل ،بل قولناّ :
(كل ً
إن هذه القضية ّملا كانت كل ّي ًة كان املحكوم عليه واملحكوم به ليس
الكالم؛ إذ ّ
تصور معنى العسل ومعنى احلالوة أن ّ احلس ،بل املعاين ،بمعنى ّ
من سنخ ّ
إحساسا بل تع ّق ًاًل ،وال يشء
ً األول بالثاين ،وليس هذا
يقيض باحلكم عىل ّ
مثاًل ليس ٍ
كزيد ً ٍ
لفرد من اإلنسان احليّس
من املعقول بمحسوس ،فإدراكنا ّ
وكل العلوم الرياضية واحلسابية قائم ٌة عىلالكيّلّ ،
عني إدراكنا ملعنى اإلنسان ّ
ٍ
احلسيات كام ذهب إليه األسرتآبادي، الك ّليات املعقولة ،فهي غري مستندة إىل ّ
وبعبارة بعض املحققني« :ال يش َء من املعقول بمحسوس ،وال يشء من
جهة ما هو يف معرض اإلحساس بمعقول» ،1وبالتايل ّ
إن ٍ املحسوس من
احلس؛ لذا هي ٍ ٍ القول ّ
بأن العلوم الرياضية تستند إىل مواد حسية أو قريبة من ّ
معصوم ٌة عن اخلطأ ،كال ٌم ال يمكن االعتامد عليه.
.1بهاء الدين محمد بن الحسن األصفهاين (الفاضل الهندي) ،عون إخوان الصفاء عىل فهم
كتاب الشفاء ،تحقيق :عيل أوجبي ،مؤسسه بزوهيش حكمت وفلسفه ايران ،طهران -إيران1394 ،
هجري شميس ،صفحة .406
متسك باإلضافة إىل ما سنذكره بأدل ٍة نقلية ،ولكننا
.2ال بد من اإلشارة إىل أ ّن األمني األسرتآبادي ّ
خاصا ملناقشاته للمنطق عىل مستوى النقل ،مل نذكرها يف هذا القسم. ً قساًم
مل ّا ك ّنا سنعقد ً
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 81
املوضحات ملا ذكرناه من أنّه ليس يف يكون كذلك عند اجلميع ،قال« :ومن ّ
أن ّ
املشائ ّيني ا ّدعوا البداهة يف قانون يعصم عن اخلطأ يف ما ّدة الفكرّ :
ٌ املنطق
وإحداث لشخصني آخرين، ٌ ّ
أن تفريق ماء كوز إىل كوزين إعدا ٌم لشخصه،
وعىل هذه املقدّ مة بنوا إثبات اهليويل ،واإلرشاق ّيني ا ّدعوا البداهة يف أنّه ليس
باق ،وإنّام انعدمت صفة األول ٍ أن الشخص ّ األول ويف ّ
إعدا ًما للشخص ّ
من صفاته وهو االتّصال» ،1وقال يف موض ٍع آخر عند ذكر بعض املناقشات
الدعاء البداهة يف القضايا «لو كانت يقيني ًة ملا أ ّدت إىل اختالف أقواهلم يف ف ّن
الكالم ،ويف أصول الفقه ويف املسائل الفقهية».2
أن االختالفبيان آخر له ،حيث ذكر ّ وقد زاد توضيح هذا األمر يف ٍ
الواقع بني هؤالء العلامء الذين يعتمدون املنطق يف املادة والصورة ،ال بدّ
األول :هو إجراء الظ ّن جمرى أن يرجع – اختالفهم -إىل أحد ٍ
أمور ثالثةّ ، ْ
ٍ
وجوه يف موا ّد األفكار ،والثالث :الرتدد اليقني ،والثاين :الذهول والغفلة عن
.1محمد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق ،صفحة .258
.2م .ن ،صفحة 183
.3م .ن ،صفحة .258
| 82تاریخ علم املنطق
يف تنقيح صدق بعض املقدّ مات ،وهذه األمور ال يوجد ما يمنع ويعصم عنه
يف القسم املا ّدي من املنطق ،حيث قال ما لفظه « :وباجلملة سبب االختالف:
إ ّما إجراء الظ ّن جمرى القطع ،أو الذهول والغفلة عن بعض االحتامالت ،أو
الرت ّدد واحلرية يف بعض املقدّ مات ]...[ .واملنطق بمعزل عن ْ
أن ُينتفع به يف
هذه املواضع ،وإنّام االنتفاع به يف صورة األفكار فقط».1
وجها العتقاد ا ُمل ّاّل األسرتآبادي وقوع ً وقد ذكر بعض املح ّققني
االختالفات بني احلكامء يف قضاياهم التي اعتمدوا فيها عىل موا ّد تفكريهم،
ّب عىل القضية السابقة ،وحاصلها ّ
أن موا ّد األقيسة التي يستند وهو وج ٌه مرتت ٌ
ٍ
بمنزلة من الوضوح ،ومن َث ّم ال إليها هؤالء ّملا كانت غري حس ّي ٍة فلن تكون
بأن االختالفات وبعبارة أخرى « يؤمن األسرتآبادي ّ ٍ تكون مورث ًة لليقني،
الناشبة بني احلكامء اإلهليني والطبيعيني ،وكذلك املشاجرات بني املتك ّلمني
والفقهاء حول املسائل النظرية ،ترجع إىل ُبعد املواد القياسية لعلومهم عن
حواس اإلنسان وصعوبة احلصول عىل هذه املواد» ،2وهذا البعد عن ّ نطاق
ٍ
عقلية تربيرا النعدام حصول اليقني العقيل الناشئ من مقدّ مات احلس يعدّ
ً ّ
بتوسط كثرة االختالفات الواقعة بني الفالسفة واملتك ّلمني وعلامء ٍ
غري حسية ّ
احلسٌ -
دليل ّ إن كثرة االختالفات – الناشئة من البعد عن األصول ،أي ّ
عىل عدم حصول اليقني ،وبالتايل عدم جواز االعتامد عىل العقل يف القضايا
إن األخباري يريد القول بأننا النظرية ،وبحسب بيان بعض أعالم األصولّ ،
لو نظرنا إىل جمموع القضايا العقلية نظر ًة جمموعي ًة ورصدنا االختالفات
قضية قضية بعد العلم ً
إمجااًل ٍ ونسبة اخلطأ ،لرسى احتامل اخلطأ تلقائ ًيا إىل ّ
كل
أن علمنا ٍ
بعبارة أخرى « إنّنا بعد ْ بوقوع اخلطأ يف جمموع القضايا العقلية،
.1م .ن ،صفحة .260
.2غالم حسني إبراهيم ديناين ،حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي ،مصدر سابق.107 :1 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 83
بوقوع اخلطأ يف ٍ
كثري من القضايا الربهانية العقلية فمنطق ًيا ورياض ًيا – وقضايا
الرياضيات مس ّلمة عندهم -سوف تتشكل نسب ٌة مع ّين ٌة حتدد عىل ضوئها قيمة
قضية من تلك القضايا هي نسبة املقدار املعلوم خطئها من ٍ صحة ّ
كل احتامل ّ
تلك القضايا إىل جمموعها وهو معنى زوال اليقني هبا».1
الكالم شبيه جدً ا بالذي طرحه املحدّ ث األسرتآبادي فيام نقلناه عنه من كالم.
.1السيد محمد باقر الصدر ،بحوث يف علم األصول ،مصدر سابق.129 :4 ،
| 86تاریخ علم املنطق
صحيح ،وقد ذكر املناطقة ذلك.1 كيّل يشكّل ضابط ًة هلا ،وهو كال ٌم ٍ
قانون ّ
ٌ
ٍ
إشكال يف كالم األمني األسرتآبادي هو ّ
أن املنطق حملولكن الذي يبقى ّ
عاصاًم ّإاّل بتطبيق قواعده وقوانينه ،وال يمكن القول إنّه غري
ً بنفسه ال يكون
ٍ
قضية وحيدّ د ما هو يقيني ٍ
قضية كلعاص ٍم يف جهة املا ّدة؛ ألنّه ال يتناول ّ
منها ،وما هو مشهور ،وما هو ظنّي ،وهكذا ،بل غاية ما ب ّينه املنطق يف قسمه
أن جعل الضوابط العا ّمة للقضية اليقينية األولية وغريها ،وكذا سائر املا ّدي ّ
القضايا كاملشهورات واملظنونات والومهيات ،وبجعله هذه الضوابط ترك
أمر تشخيص القضايا إىل املستعمل آللة املنطق.
والغريب ما ذكره يف نقده ملواد القضايا ،حني قال « :إذ أقىص ما يستفاد
من املنطق يف باب مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ
وجه ّ
كيّل إىل أقسام ،وليست ّ ّ
أي قس ٍم من تلك ٍ ٍ أن ّ يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ
كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ
أن يكونأي عل ٍم من العلوم ْ
األقسام» .2إذ ليست من وظيفة املنطق وال حتى ّ
أن علم الرياضيات ال ّ
يشخص القضايا معجاًم جام ًعا لتطبيقات قضاياه ،فكام ّ
ً
مثاًلّ :
إن هذا املثلث أو ذاك كيّل تقع ،فال يقول ً ٍ
أي قانون ّ املخصوصة حتت ّ
حكم زواياه كذا أو كذا ،بل يرضب القواعد العا ّمة ويبقى للمتعلم وظيفة
التطبيق ،وكذلك األمر بالنسبة للمنطق يف باب موا ّد القضايا ،شأنه رضب
القواعد الك ّلية بام به حيصل ضابط متييز املوا ّد والقضايا ،فقول األسرتآبادي:
أي قس ٍم ٍ ٍ أن ّ « وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ
كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ
من تلك األقسام» ،ليس نقدً ا يف الواقع.
فصلنا الكالم يف إشكال املحدّ ث اجلليل األسرتآبادي،
وهبذا نكون قد ّ
أن يرد عليه من مناقشات ،ويف القسم الثالث واألخري من البحثوما يمكن ْ
نتعرض لكيفية تطبيقه واستفادته من النصوص الدينية إلثبات بعض مدعياته.
العاّلمة محمد حسني الطباطبايئ ،رسالة الربهان ،مصدر سابق ،صفحة .56
.1راجعّ :
.2محمد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق ،صفحة .257
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 87
القسم الثالث :النقد النقيل والبديل عن املنطق يف باب املعرفة عند األمني االسرتآبادي
أن املنطق ّملا مل
يتم ّثل املدّ عى األسايس للموىل حممد أمني األسرتآبادي يف ّ
أن يلجأ احلس ،وجب ْعاصاًم عن اخلطأ يف جمال ما ّدة الفكر البعيدة عن ّ
ً يكن
املك َّلف يف حتصيل معارفه وعلومه النظرية إىل أهل بيت العصمة ،إذ
قال « :ال عاصم عن اخلطأ يف النظريات ا ّلتي مبادهيا بعيدة عن اإلحساس
التمسك بأصحاب العصمة .1»وقد استفضنا يف القسمني السابقني ّ ّإاّل
من البحث يف بيان نقده عىل املنطق املا ّدي ،واآلن نرشع يف هذا القسم من
البحث لبيان أمرين:
األمر األول :يف ذكر الشواهد واألدلة النقلية التي ذكرها مستدّ ًاًل هبا عىل
مطلوبه من انحصار باب املعرفة يف القضايا النظرية بالنصوص واألخبار
الواردة عن املعصومني .
األمر الثاين :يف ذكر البدائل التي ذكرها يف باب املعرفة والعقائد عن
التفكري املنطقي والربهان العقيل.
األول يف تنقيح ما ذكره من ا ّدعاء التواتر، والكالم يقع عىل أمرينّ ،
فإن الظاهر بل استدل به .فأما بالنسبة لألمر األولّ ، ّ والثاين يف مناقشة ما
أن األمني األسرتآبادي قد استند يف هذه الدعوى إىل ما ورد يف املطمأن به ّ
كتاب (اختيار معرفة الرجال) ،واملعروف بكتاب (رجال الكيش) حيث ورد
أنفيه ما يكاد يطابق ألفاظ ما نقله األسرتآبادي يف فوائده املدنية ،إذ جاء فيه ّ
رجاًل من أهل الشام جاء إىل اإلمام الصادق ،وقد كان يف مج ٍع من ً
كل ف ٍّن وعل ٍم أصحابه ،فطلب الشامي مناظرة اإلمام ،فأوكله يف ّ
رجل من أصحابه يناظره ف ُغ ِلب ٍ من العلوم – كالفقه والقرآن والكالم -إىل
كل مرة ،حتى إذا انتهى األمر إىل اإلمام الصادق بادر الشامي الشامي يف ّ
َ َ ن ْال َ ن ْال َح ِّق َوض ْغ ًثا م َ َ
الشام ،إ َن َّالل َه أ َخ َذ ض ْغ ًثا م َ فقال له«َ :يا َأ َخا أ ْهل َّ
َ
اط ِل ف َم َغث ُه َما، ب
ِ ِ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ْ ْ ْ َ َ َ َ
ون َب ْينه َما فف َّرقها اأْلنب َي ُاء واأْل ْوص َياءُ، ُ َ ُث َّم َأ ْخ َر َج ُه َما إ َلى َّالناسُ ،ث َّم َب َع َث َأ ْنب َي َاء ُي َف ِّر ُق َ
ِ ِ َ َ َ َ َّ ُ ْ َِ ْ َ َ ُ َ ِ ُ َ َ َ ِ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ
اأْل ْوص َياء؛ ل َي ْع َل َم َّالن ُاس َمنْ وبعث الله اأْلن ِبياء؛ ِليع ِّرفوا ذ ِلك ،وجعل اأْلن ِبياء قبل
ِ ِ ِ
.1م .ن ،صفحة .257
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 89
ُ ُّ ُ َ ِّ ُ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َ ْ َ ُّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ
اطل َعلى ِح َد ٍة كل َو ِاح ٍد ِم ْن ُه َما يفضل ْالله ومن يختص ،ولو كان الحق على ِحد ٍة والب ِ
َ َ َ َّ َ َ َ َ
ق ِائ ٌم ِب َشأ ِن ِه َما ْاح َت َاج َّالن ُاس ِإلى َن ِبيٍّ واَل َو ِصيٍَّ ،ول ِك َّن الل َه َخلط ُه َما َو َج َعل َت ْف ِر َيق ُه َما
َْ َ َْ
ِإلى اأْل ْن ِب َي ِاء َواأْل ِئ َّم ِة ِ م ْن ِع َب ِاد ِه!».1
و ّملا كان ا ّدعاء التواتر يف املعنى الذي ذكره األمني األسرتآبادي ال يفي
رب واحد ،فإنّا استقصينا األحاديث واألخبار املوجودة يف هذا الباب، به خ ٌ
مجلة ممّا يؤيد هذا املطلب: وعثرنا عىل ٍ
َ َ
منها :ما ورد يف الكايف الرشيف « َع ِليُّ ْب ُن ِإ ْب َر ِاه َيمَ ،ع ْن أ ِب ِيهَ ،ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن أ ِبي
َ
ور ْب ِن ُي ُون َس َو َس ْع َد َان ْب ِن ُم ْس ِل ٍمَ ،ع ْن ِإ ْس َح َاق ْب ِن َع َّم ٍارَ :ع ْن أ ِبي َع ْب ِد صُع َم ْيرَ ،ع ْن َم ْن ُ
َّ ْ َ
اأْل ْر َض َاَل َت ْخ ُلو إ َّاَّل َوف َيها إ َم ٌامَ ،ك ْي َما إ ْن َزادَ َّ ٍ َ َ ْ َّ َ ُ ِ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ُ
ِ ِ ِ ِ الل ِه علي ِه الساَلم ،قال :س ِمعته يقول«ِ :إن
َ َ َ ُْْ ُ َ َ
2
ون ش ْي ًئاَ ،ر َّد ُه ْمَ ،و ِإ ْن َن َق ُصوا ش ْي ًئا ،أ َت َّم ُه ل ُه ْم»». المؤ ِمن
أيضاَ « :ع ِليُّ ْب ُن ِإ ْب َر ِاه َيمَ ،ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ِعيسىَ ،ع ْن
ومنها :ما ورد يف الكايف ً
َ َ َ َ َ
الساَل ُم) ،قال :قال«ِ :إ َّن
َ
(عل ْيه َما َّ ُي ُون َسَ ،عن ْابن ُم ْس َك َانَ ،ع ْن َأبي َبصيرَ :ع ْن أ َحده َما َ
َ
ْ ِ َ َِ ٍ َ ِ ِ ْ ِ َّ َ ِ ْ َِ
اط ِل»» .
3 َ َ ُّ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ََ
الله لم يد ِع اأْلرض ِبغي ِر ع ِال ٍم ،ولو اَل ِذلك لم يعر ِف الحق ِمن الب ِ
أن أحد برصاحة -عىل ما جاء يف رجال الكيش -عىل ّ ٍ واحلديث ّ
يدل
احلق من الباطل. احلجة يف األرض متييز ّ غايات وجود ّ
.1محمد بن عمر الكيش ،اختيار معرفة الرجال ( رجال الكيش) ،نقله :الشيخ محمد بن الحسن
الطويس ،النارش مؤسسه نرش دانشكاه مشهد ،مشهد املقدسة -إيران 1409 ،هجري ،صفحة .277
.2محمد بن يعقوب الكليني ،الكايف ،دار الحديث ،قم املقدسة -إيران 1429 ،هجري434-433 :1 ،
.3م .ن.435 :1 ،
| 90تاریخ علم املنطق
وأما األمر الثاين – وهو تنقيح ومناقشة ما ذكره -فاإلنصاف أنّه ال يمكن
دعوى التواتر املعنوي عىل ما أفاد ،واملقصود من التواتر املعنوي عىل ما ذكره
األصوليون« هو ما بلغت رواته يف الكثرة مبل ًغا أحالت العادة تواطؤهم عىل
واستمر ذلك الوصف يف مجيع الطبقات حيث يتعدّ د ْ
بأن يرويه قو ٌم ّ الكذب،
أن اإلخبارات ال تصل إىل حدّ التواتر املرشوط يف الكتب عن قوم» ،1واحلال ّ
ٍ
بشكل عا ّم يف القسم األول األصولية واملنطقية ،وقد تقدّ م تعريف التواتر
من البحث.
أن االعتامد عىل كالم أهل بيت العصمة يأيت بعد عدة هذا مضا ًفا إىل ّ
ً
وصواًل إىل مقدّ مات ،منها إثبات وجود اهلل تعاىل وتوحيده ،ومن ثم ربوبيته
رضورة بعثة األنبياء والرسل ،وخامتية الرشائع برشيعة اإلسالم ،ومن ثم
عصمة األئمة ،وبعد ذلك يكون األخذ بكالمهم ،الز ًما بحكم
عصمتهم وواليتهم ،ولكن إثبات العصمة والوالية ال يكون كالمهم نفسه
ف عىل القول أن األخذ بكالمهم متو ّق ٌ
لكون ذلك يلزم منه الدور ،وبيانه ّ
بعصمتهم وواليتهم ،فلو كان االعتقاد بعصمتهم وواليتهم متو ّقف عىل
حيا ،ومن هنا كان ال بدّ من تقديم مقدّ مات دورا رص ً
األخذ بكالمهم لكان ً
غري ٍ
نقلية تؤدي إىل احلكم برضورة اتباعهم ،كاألد ّلة املذكورة يف كتب الكالم
وإن املوىل األسرتآبادي نفسه يس ّلم هبذه
واحلكمة وهي أدل ٌة عقلي ٌة برهانيةّ ،
يرصح يف خواتيم الفوائد القضية – وهذا من التهافت مع ما ذكره ساب ًقا -إذ ّ
التمسك هبم
ّ فتعنّي بحسب مقتىض العقل – قطع النظر عن النقل- املدنية « ّ
(صلوات اهلل عليهم)».2
.1الشهيد الثاين ،الرعاية يف علم الدراية ،الطبعة الثانية 1408 ،ه ،صفحة 62
.2محمد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق.515 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 91
فتحصل من ذلك أنّه ال غنى عن املقدّ مات العقلية الربهانية التي تكون
ّ
متقدم ًة رتب ًة عىل إثبات عصمتهم ،وبالتايل األخذ بكالمهم ،وهذا ٌّ
حق
خالص ال باطل فيه ،وليس مستندً ا إىل النصوص واألخبار نفسها كام اشرتط
ٌ
رسه) ،ولو كان إثبات اإلمامة والوالية يعتمد عىل كالمهم؛ لكي (قدّ س ّ
احلق عن الباطل يف هذه املسألة –كام ا ّدعى -للزم الدور كام أوضحنا.
يفرق ّ
أن نجانب اإلنصاف ،حتى ال ُيفهم ممّا ذكرناه استغناء هذا ولكن ال ينبغي ْ
الناس عن كلامت أهل بيت العصمة والطهارة ،بل ما ينبغي ْ
أن يقال يف
كبريا يف إعامل العقول ،وتصفيتها ووضعها دورا ً
أن لألئمة ً ، هذا املقامّ ،
عىل جا ّدة الربهان واالستدالل الصحيح ،وإذا أردنا ْ
أن نش ّبه القضية ،فاألمر
فإن الطعام الطيب إذا دخل اجلوف قام اجلهاز شبيه بالطعام واهلاضمةّ ،
اهلاضم بتنقيته وتوزيعه عىل اجلسم بام يناسبه ،واألمر عينه بالنسبة إىل كالمهم
وإرشاداهتم يف خصوص باب العقائد واملعارف النظرية الدينية ،إذ ّ
إن
نوع تغذية للعقل بحيث تدخل إىل هذا اجلهاز املتفكّر فيستفيد منها، كالمهم ٌ
يوسع آفاقه ويبني له منظومته ،هذا مضا ًفا إىل وجود بعض ويسرتشد هبا بام ّ
املعارف التي قد يقالّ :إهّنا خارج إطار حكم العقل الربهاين ،وقد ذكر هذا
أيضا يف تعليقتهم عىل ما ورد من النصوص السابقة، املطلب أعاظم احلكامء ً
فإن قيل هاهنا آل ٌة ميزاني ٌة تعصم الناس عن اخلطأ يف
املتأهّلنيْ « :
قال صدر ّ
أفكارهم ،فيكتفي هبا عن احلاجة إىل اإلمام ،قلنا قد يقع السهو واإلمهال
عن مراعاة تلك اآللة؛ ولذلك وقع الغلط من املتفكرين العاملني بقوانني
مسألة واحدة ،كقدم العامل وحدوثه، ٍ بعضا يف
امليزان ،حتى ناقض بعضهم ً
إن بعض أرسار ولو كانت اآللة كافي ًة يف العصمة مل يقع منهم اخلطاء .ثم ّ
الدين وأطوار الرشع املبني بلغ إىل حدٍّ هو خارج عن طور العقل الفكري،
| 92تاریخ علم املنطق
وإنّام يعرف بطور الوالية والنبوة» ،1والناظر يف هذه الكلمة جيد التشابه بينها
أن صدر املتأهلنيبفارق جوهري ،هو ٍّ وبني ما طرحه األمني األسرتآبادي
أن املنطق يسرتشد بكالمهم ،وتتم عصمته باتباعهم بخالف األمني ذكر ّ
األسرتآبادي الذي عدّ اخلطأ من شواهد عدم جدوائية املنطق.
.1صدر املتألهني الشريازي ،رشح أصول الكايف ،انتشارات بنياد حكمت اسالمي صدرا ،طهران-
إيران 1387 ،هجري شميس.139 :5 ،
.2م .ن ،الصفحتان .242 -241
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 93
وكالمه الذي سقناه يتأ ّلف من دعوى ذات ش ّقني :األول هو عدم جواز
أيضا يف
التمسك بغري كالم األئمة يف باب العقائد ،والثاين قصور العقل ً
ّ
باب األحكام الرشعية ،أي إنّه رفض االعتامد عىل فكأنه يرى قصور العقل
يف بعده النظري العقائدي والعميل الترشيعي بدليل النصوص والروايات
األئمة يف ذ ّم االجتهاد والعمل بالرأي ،وكال الدعويني ّ
حمل الصادرة عن ّ
ٍ
نقاش تار ًة يف نفسها ،وأخرى من جهة كون النهي الوارد يف النصوص يراد
منه هذا السنخ من حكم العقل.
أن رفض االعتامد عىل العقل يؤ ّديأما الدعوى األوىل فقد تقدّ م فيام سبق ّ
إىل انسداد باب إثبات العصمة والوالية ،ومن َث ّم ال تصل النوبة إىل ّ
حجية
أن يتأسس عىل ٍ
اعتقاد ال بد ْ بأن ّ
كل كالم أهل البيت ،فال يمكن القول ّ
األخذ من النصوص؛ ألنّه يؤ ّدي إىل الدور ،وقد تقدّ م هذا األمر.
أن األسرتآبادي نفسه قد اعتمد يف ٍ
كثري من مواضع كتابه مضا ًفا إىل ذلك ّ
وإن كان كالمه ٍ
عقلية دون دخالة للنقل فيها ،نذكر موردين فقط ْ عىل براهني
عند التدقيق مشحونًا هبا:
كل األحاديث الواردة يف الكتب أن ّ منها :االستدالل الذي ذكره عىل ّ
إن مقتىض احلكمة الربانية وشفقة احلديثية القديمة صحيحة ،حيث قالّ « :
واألئمة بالشيعة أن ال يضيع من كان يف أصالب الرجال ّ س ّيد املرسلني
ً
أصواًل معتمد ًة يعملون بام فيها يف زمن الغيبة الكربى».1 ويمهد هلم
ّ منهم،
ولسنا بصدد حماكمة أصل املدّ عى أو الدليل عليه ،بل غاية ما نريد بيانه
ٍ
مقدمات أن ما ذكره ههنا ويف سائر املوارد اآلتية هي أدل ٌة عقلي ٌة مستند ٌة إىل
ّ
حمل من ٍع أن الكالم يف قصور العقل النظري ّ واحلاصل من مجيع ذلكّ ،
مطل ًقا ،وأ ّما قصور العقل العميل يف باب استكشاف األحكام الرشعية فتار ًة
قارصا مطل ًقا ،وأخرى يكون الكالم فيه من حيث ً ينظر إليه كربو ًيا فال يكون
حمل نظر األدلة النقلية ٍ
قبول يف اجلملة ،وهو ما كان ّ الصغريات وهو ّ
حمل
وعندئذ ال يصلح ما ذكره األمني األسرتآبادي ٍ الناهية عن العمل بالرأي،
من جهة النقل إلثبات قصور علم املنطق أو النهي عن الركون إليه مطل ًقا.
.1السيد محمد باقر الصدر ،بحوث يف علم األصول ،مصدر سابق.138 :4 ،
.2السيد روح الله الخميني ،اآلداب املعنوية للصالة ، ،ترجمة السيد أحمد الفهري ،مؤسسة
األعلمي للمطبوعات ،بريوت -لبنان 1986 ،ميالدي.344 ،
| 96تاریخ علم املنطق
نقض وإبرا ٍم ال بدّ من تقرير ما يريده ٍ وقبل بيان ما يف هذا التقسيم من
أن الربهان العقيل يف باب من هذا التقسيم ،والظاهر الالئح من عباراته ّ
نص من رواية عن ّ
املستدل عىل ٍّ العقائد النظرية غري البدهيية ً
مثاًل تار ًة يعثر
املعصومني يكون مؤ ّداها عني الربهان ماد ًة وصورة ،وأخرى ال يعثر
وواقع ،فيمكن االعتامدٌ حق أن هذا الربهان ٌّ عثر علم ّ نص كذلكْ ،
فإن َ عىل ٍّ
ّ
الشك وإن مل يعثر فال يزولمطابق لنفس األمر والواقعْ ، ٌ عليه ،وقبوله عىل أنّه
أن الربهان ماد ًة وصور ًة قد ال يكون واقع ًيا ،ومنه والرتدد يف النفس من ّ
متمم ٌة للكشف أن رواية املعصوم ّ أن األمني األسرتآبادي يرى ّ يظهر ّ
برهان ماد ًة وصور ًة ناقص الكاشفية ٍ كل إن ّ
أن يقالّ : الربهاين ،بنحو يمكن ْ
وإن كان كال الربهانني – الذي ورد واليقني ما مل يرد من املعصوم تأييدٌ لهْ ،
النص ،وذلك الذي مل يصلنا تأييدٌ روائي لهْ -
وإن كانا تا ّمني من تأييده من ّ
بأمر خارجي عن أن امليز بينهام يكون ٍ حيث رشائط االستدالل والربهنة ّإاّل ّ
ٍ
وبعبارة أخرى يظهر االستدالل ،وهو التأييد النقيل ألحدمها دون اآلخر،
أواًل من حيث الصورة واملادة تام من كالم األسرتآبادي أنّنا لو فرضنا برهانًا ً
الرشائط ،وكذلك برهانًا ثان ًيا ال يفرق عن األول من حيث متامية الرشائط،
األئمة .
نص من ّ الشك يصاحب الثاين دون األول ملجرد ورود ٍّ ّ ّإاّل ّ
أن
والذي يمكن ْ
أن نعدّ ه مؤ ّيدً ا هلذا الكالم ،ما ورد من قبل بعض األخباريني
أن ذلك العقيل قد تعاضد دلياًل عقل ًيا نقل ًّيا ّإاّل ّ
الثاين « :الثاين ما كان ً
يرتجح عىل الدّ ليل النّقيل عند التّعارض ،ولك ّن أيضا ّمع نقيل آخر ،فهذا ً
التعارض يف احلقيقة إنّام هو بني النقليات ،وذلك كام ّ
دل الدليل العقيل عىل
ودل قوله تعاىل الرمحن عىل العرش استوى ،عىل أنّه تعاىل ليس يف مكانّ ،
ظاهرا ،فيجب ترجيح ذلك العقيل لتأ ّيده بالنّقليات الدالة عىل أنّه ً املكان
منز ٌه عن الكون واملكان».1
تعاىل ّ
عقيل ال يعضده النقل ،فال ُيقدّ م عىل النقل. الثالث :هو الذي يكون عليه ٌ
دليل ّ
والسؤال األسايس الذي ال بدّ من اإلجابة عنه من قبل األسرتآبادي هو
نابع من مادة الربهان
يقني ٌ ّ
أن اليقني الذي يوقعه الربهان يف النفس هل هو ٌ
وصورته أم ال؟ وههنا صورتان حمتملتان من كلامت األسرتآبادي:
ٍ
وعندئذ يكون الدليالن األوىلْ :
أن يكون اليقني ناب ًعا من الدليل نفسه،
األئمة ،واآلخر الذي مل يرد
ّ – الذي ورد تأييد أحدمها من الرواية عن
ذلك -عىل قد ٍم سواء ،وال ترجيح لصدق أحدمها عىل اآلخر؛ ّ
ألهّنام من
يتم ما ذكره.
تامي الرشائط الربهانية ،فال ّ
حيث أنفسهام ّ
ألهّنام مستندين ٍ
تقدير ال يفيدان يقينًا؛ ّ أن يكون الربهانان عىل ّ
كل الثانيةْ :
ٍ ٍ
إىل مادة عقلية بحتة ،فمن حيث أنفسهام غري يقينيني ،ولكن ّملا ورد ّ
النص
كمل كشف أحدمها عن الواقع بذلك املؤ ّيد ألحدمها عن املعصوم ُ
.1نعمة الله الجزائري ،األنوار النعامنية ،دار القاري ،بريوت -لبنان 1429 ،هجري ،صفحة .89
| 98تاریخ علم املنطق
نص يؤ ّيد االستدالل بربهان اإلمكان والوجوب عىل النص ،كام لو ورد ً
مثاًل ٌّ
ونص ال يؤ ّيد االستدالل بربهان الصديقني الصدرائي،
وجود اهلل تعاىلٌّ ،
فيكون األمر ّ
أن كال الربهانني من حيث أنفسهام ناقيص الداللة واليقني،
تم كشف عن الواقع.
األول ّ
النص عىل الربهان ّوبمجيء ّ
وهذه الصورة واالحتامل خالف ظاهر كالمه ومبناه؛ وذلك ألنّه يف كال ٍم
حج ًة يف نفسها ،وال يقع فيها خطأ ،ويمكن سابق عدَّ صورة القياس املنطقي ّ ٍ
إن القسم املقبول هو االستناد إليها بخالف املادة ،يف حني أنّه يقول ههنا ّ
وكأن الصورةّ خصوص القسم الذي يستمد صورته وما ّدته من املعصوم،
األئمة لكانت مرفوضة ،وهو دة من قبل الرواية عن لو كانت غري مؤي ٍ
ّ ّ
عاصاًم يف نفسه عىل مستوى الصورة، ً خالف ما ذكره ساب ًقا من كون املنطق
عقيل ال بدّ له من ٍ إن ّ أن تعميم هذا األمر ٍ
بنحو يقال ّ هذا مضا ًفا إىل ّ
كل برهان ّ
ألن « معنى هذا الكالم [الذي ذكره األسرتآبادي] نقيل يلزم منه الدور؛ ّ ٍ
تأييد ّ
أن تأخذ حج ًة يف نفسها ،وال بدّ هلا ْأن القضية العقلية واملنطقية ليست ّ هو ّ
حجيةأن ّ اعتبارها وحجيتها عن طريق النقل .ومل يلتفت األسرتآبادي إىل ّ
املسائل النقلية ،تنتهي إىل العقل يف هناية املطاف [كام ب ّيناه ساب ًقا] ،ولو أخذ
دورا ً
حمااًل».1 حجيته عن النقل الستلزم ً العقل ّ
نعم ،يمكن قبول كالمه بال شك وترديد أن النص الديني الوارد عن
األئمة وسائر املعصومني كان له الدور األبرز واحلقيقي يف حتريك
عجلة التفكري وتعميق القضايا النظرية واحلكمية عىل وزان ما ذكرناه ساب ًقا
عند نقل عبارة صدر املتأهلني.
.1غالم حسني إبراهيمي ديناين ،حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي ،مصدر سابق.110 :1 ،
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 99
.1محمد أمني االسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق ،الصفحتان .242 -241
.2األنبياء7 :
.3محمد أمني االسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مصدر سابق254 ،
| 100تاریخ علم املنطق
وهذا االستدالل ال يستقيم إلثبات املدّ عى الذي يدعيه ،وذلك ألمور منها:
إن مراجعة سياق اآليات التي وردت فيها هذه اآلية ترشدنا إىل ّأو ًاًلّ :
حمل النزاع والدعوى التي يذكرها األمني االسرتآبادي، خروجها عن ّ
النبي اخلاتم حيث قال نبوة ّ فاآليات جاءت يف سياق الر ّد عىل منكري ّ
ُ ْ ّ َ َ
ويِح إ َيَلْه ْم ف ْس َئلوا أ ْهل اذلِكر إ ْن ك ْن ُتمْ
ُ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ اَّلَّ َ ً ُ
ِ ِ تعاىل﴿ :وما أرسلنا مِن قبلِك إ ِ ِرجااًل ن ِ ِ ِ
ون﴾ ،2هذا مضا ًفا إىل ّ َ ََُْ َ
أن الذكر يف القرآن يأيت بمعنى الكتب الساموية، اَل تعلم
النبوة؛ ولذلك ذهب بعض فيكون معناها الظاهر هو االحتجاج عىل منكري ّ
ّ
للشك يف َّأهَّنا وارد ٌة بأن» سياق اآلية ال يبقي ً
جمااًل األصوليني إىل القولّ :
إنسان كسائر البرش ٌ للنبي بدعوى أنَّه ّ يف مقام املخاصمة مع املنكرين
يف حاجاته ،وهو ال يناسب مع السفارة الربانية فيناقشهم القرآن الكريم يف
أن الرساالت ك ّلها كانت عىل أيدي رجال من البرش سياق اآلية مؤ ّكدً ا عىل َّ
ألن املرشكني مل يكونوا من أهل الذكر؛ َّ ثم حيوهلم يف ذلك عىل مراجعة أهل ّ ّ
الكتاب والنبوات السابقة لكي يعلموا مبارشة هذه احلقيقة» .
3
ومن مصاديق ما ال تعلمونه ما يقع بح ًثا عقائد ًيا ،ويكون جمرى للربهان عند
املناطقة واحلكامء؛ وهبذا يكون السؤال من أهل البيت ً
بدياًل عن األخذ
بام يؤ ّدي إليه املنطق ،ونحن نورد مجل ًة من هذه الروايات:
َّ ْ َّ َّ ْ
ـ ـ ال ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َح َّم ٍدَ ،ع ْن ُم َعلى ْب ِن ُم َح َّم ٍدَ ،ع ِن ال َوش ِاءَ ،ع ْن َع ْب ِد الل ِه ْب ِن
َ ُ
(ع َّز َو َجل)﴿ :ف ْس َئلوا
َّ الس َاَل ُم) في َق ْول َّالله َ (ع َل ْيه َّ َع ْج َاَل َنَ :ع ْن َأبي َج ْع َفر َ
َ ْ َ ْ َ ِّ ْ ْ ِ ُ ْ ُ ْ ٍَ ْ َ ُ َ ِ َ َ َ ِ ُ ُ ِ َّ ِ َ َّ َّ ُ َ َ
ال رسول الل ِه (صلى الله علي ِه و ِآل ِه): أهل الذك ِر ِإن كنتم ال تعلمون﴾« :ق
ِّ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ِّ ْ
الذك ُر أ َناَ ،واأْل ِئ َّمة أ ْهل الذك ِر».1
ُ َ َّ ْ
ـ ـال ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َح َّم ٍدَ ،ع ْن ُم َعلى ْب ِن ُم َح َّم ٍدَ ،ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن أ َور َمةَ ،ع ْن َع ِليِّ
ْ َ َّ َ َ ْ َ ِّ َ ْ َّ ْ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َّ َ َ
(عل ْي ِه من ب ِن ك ِث ٍير ،قال :قلت ِأِلِبي عب ِد الل ِه ِ ب ِن حسان ،عن عم ِه عب ِد الرح
ْ ِّ
ون﴾؟ َقال« :الذك ُر ُم َح َّمدٌ َ َ
الذ ْكر إ ْن ك ْن ُت ْم ال َت ْعل ُم َ
ُ َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ ِّ
ِ َِ الساَلم)﴿ :فسئلوا أهل
ُ ْ
(ص َّلى َّالل ُه َع َل ْيه َوآله)َ ،ون ْح ُن أ ْهل ُه ال َم ْس ُؤول َ
ُ َ َ
ون».2 ِ ِِ
وأهّنا يف ولكن يمكن املناقشة يف ذلك؛ ّ
ألن الرواية ال تلغي سياق اآليات ّ
التوسع
ّ مقام املخاصمة مع منكري النبوة ،بل جاءت هذه الروايات من باب
سمى (اجلري والتطبيق)ّ ،3
وإاّل يبقى املعنى يف املداليل واملصاديق ،وهو ما ُي ّ
أن سرية األئمة عىل خالف هذا عىل ظاهره يف السياق ،هذا مضا ًفا إىل ّ
املدّ عى ،إذ نجد ّأهّنم كانوا يرشدون بعض الناس إىل أخذ عقائدهم من بعض
أصحاهبم البارعني يف النقاشات الكالمية واحلكمية ،كهشام بن احلكم.
إن جعل األخذ بالربهان والعقل يف مقابل النصوص والروايات ثان ًياّ :
قضية بحيث يورث القطع بصحة ٍ من املغالطات ،إذ ّ
إن الربهان لو قام عىل
مناص تكوينًا عىل التصديق هبا؛ ّ
ألن العقل اإلنساين املبتني ّ النتيجة ،فال
عىل حمورية العقل والربهان ٍ
آب عن نبذ ما يقطع به بالدليل العقيل ،وأ ّما
النصوص الدينية يف باب العقائد واملعارف فهي عىل أقسام:
ـ ـقسم يشري إىل العقائد اجلزئية التفصيلية التي ال يتع ّلق هبا الربهان ً
أصاًل؛ ملا
مر يف كتاب الربهان عند املناطقة من كونه يقوم عىل إثبات النتائج الكلية، ّ
مثاًل بعذاب قضية خاص ٍة متع ّل ٍ
قة ً ٍ فلو وردت رواي ٌة عن املعصوم يف
ّ
مؤمن يف اآلخرة أو بتفاصيل املعاد واملعاجز ،فهذه ٍ فرعون ،أو بثواب
قضايا خارج ٌة عن دائرة الربهان ،وال يوضع العقل يف مقابلها حتى يقال
برتجيح أحدمها.
ـ ـقسم ٍ
ثان وهو الروايات التي ذكرت عقائد ك ّلي ًة من دون ذكر الدليل
العقيل عليها ،كروايات التوحيد التي يكون مص ّبها توصيف اهلل تعاىل
معدود وال جسم له إىل غري ذلك ،فهذه النصوصٍ ٍ
حمدود وال بأنّه غري
تقريري ٌة توصيفيةْ ،
فإن أمكن قيام الربهان العقيل عىل مؤ ّداها فبه
ونعمت ،بمعنى ّ
أن العقل الربهاين ال يعارضها بل يعضدها.
ـ ـقسم ثالث وهو الروايات التي ذكرت بعض العقائد الك ّلية ،وأتت
بالربهان عليها ،كالروايات الواردة يف أصول الكايف يف إثبات الصانع،
وهذه الروايات إنّام أتت باملدّ عى وأقامت الدليل العقيل عليه ،فتشري إىل
حمورية العقل يف التصديق هبا واإلذعان ملؤ ّداها؛ ّ
ألن االتيان بالدليل جاء
النص.
أن العقل ال يقابل ّ أيضا من الواضح ّلغوا ،وهذا القسم ً لإلقناع ال ً
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 103
وعليه فإذا كان منهجهم يف القسم األخري ذكر الدليل مع املدّ عى،
خاص باملورد الذيٌّ أن يقال ّ
إن االستدالل والدليل عقيل ،فال يمكن ْ
األئمة
ّ إن هذه النصوص كاشف ٌة عن استناد جاءت فيه تلك األدلة ،بل ّ
إن الفالسفة واحلكامء حجية العقل يف باب العقائد ،وال يقال ّ
إىل ّ
واملتكلمني اختلفوا يف أحكامهم وك ّلهم يستند إىل العقل ،إذ أجبنا عن هذه
الشبهة فيام مىض فال نكرر.
ً
وبدياًل عنها إن جعل النصوص الدينية يف مقابل العقل وخالصة األمرّ ،
يف باب العقائد الكلية كإثبات وجود اهلل تعاىل أو جتر ّد النفس أو املعاد أو
وخاصة بمراجعة النصوص الواردة عن أهل البيت . ّ النبوة ممّا ال يقبل
ّ
فطري إهلي».1
ّ إهلي ،كام قال احلكامء :الطفل يتع ّلق بثدي أ ّمه بإهلا ٍم
فطري ّ
ّ
والكالم يقع عىل قسمني:
ترصح ّ
بأن البرش أمجعني مفطورون عىل وحاصل األمر ّ
أن هذه الروايات ّ
املعرفة باهلل تعاىل وعىل التوحيد ،ولكن هل هناك مالزم ٌة بني هذا األمر وبني
طلب التعلم والسعي يف املباحث الربهانية لتحصيل املعرفة باهلل تعاىل والتوحيد؟
بحجية
ّ إن هذه الروايات رصحي ٌة يف املقام ،فال معنى للقول فقد يقال ّ
واستقاللية العقل يف باب املعارف والعقائد؛ ّ
ألن املعرفة من صنع اهلل تعاىل،
خاصة يف اإلنسان غري ما يوحيهّ .إاّل ّ
إن ومل ِ
يعط اهلل تعاىل أدا ًة للمعرفة
ّ
أن سياق هذه الروايات هو احلديث اإلنصاف عىل خالف ذلك ،لوضوح ّ
واحلجة القائمة يف مسائل الفقه والسلوك،
ّ عن الفروع والتكاليف الرشعية
ناظرة إىل مسائل العقيدة والتوحيد وأمثاهلا ،ويشهد لذلك أمران:ٍ وغري
األول :سياقها نفسها ونظائرها التي وضعها املحدّ ث الكليني يف ٍ
باب
روايات من قبيل « :عدة من أصحابنا ،عن أمحد ٍ واحد ،حيث أدرج معها
بن حممد بن خالد ،عن ابن فضال ،عن ثعلبة بن ميمون ،عن محزة بن
وجل)َ ﴿ :و َما َاَك َن ّ ُ
اهّلل (عز َّ حممد الطيار ،عن أيب عبد اهلل يف قول اهلل َّ
ُ َّ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ّ َ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ
ون﴾ .قال« :حتى يعرفهم ما ضل قوما بعد إِذ هداهم حىَّت يب ِنِّي لهم ما يتق ِيِل ِ
َ ْ َ ُ
َََ ُ ََ ْ َ َ
ورها َوتق َواها﴾ قالّ :بنّي هلا ما تأيت يرضيه وما يسخطه ،وقال﴿ :فألهمها فج
ُ َ َ ّ َ
يل إ َّما شاك ًِرا ِإَوما كف ً َّ َ َ ْ َ ُ َّ َ
عرفناه،ّ ورا﴾ ،قال: وما ترتك ،وقال﴿ :إِنا هديناه السبِ َ ِ
ََ َْ َّ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ
آخذ وإ ّما تارك ،وعن قولهَ ﴿ :وأما ث ُمود فهديناه ْم فاستح ُّبوا الع َىَم ىَلَع إ ّما ٌ
عرفناهم فاستح ّبوا العمى عىل اهلدى ،وهم يعرفون؟»ّ ،1 ُْ َ
فإن الهدى﴾ ،قالّ :
ظاهرها النظر إىل كون اهلل تعاىل هو الذي يفيض وح ًيا األحكام الرشعية
والقوانني املسلكية التي تشكل املنظومة املسلكية لإلنسان.
كثريا من الروايات الداعية إىل التفكّر والتأ ّمل يف قدرة
إن هناك ًوالثاينّ :
اهلل تعاىل وأسامئه وصفاته ،وقد أوردها املحدّ ثون يف كتبهم ،فال حيتمل ْ
أن
زوده
يدعو الدين إىل التفكّر والتأ ّمل يف صفات اهلل وآثاره ،ومل يكن قد ّ
سابق
أن التفكّر يف التوحيد وأمثاهلا ٌ باألداة املعرفية لذلك ،وقد ُعلم ساب ًقا ّ
النبوة وقبول النصوص.
أصاًل عىل مسألة ًّ
.1م .ن.
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 107
خامتة
أن املحدّ ثيظهر من جممل ما تقدّ م يف األقسام الثالثة من هذا البحثّ ،
ٍ
جديرة باملالحظة وهي األخباري حممد األمني األسرتآبادي انطلق من ٍ
نقطة
أن س ّلم ّ
أن التفكيك بني علم املنطق من جهة الصورة ومن جهة املادة ،وبعد ْ
عاصم إذا ُط ّبق عن اخلطأ إال إنّه من اجلهة الثانية ال
ٌ املنطق من اجلهة األوىل
عاصاًم؛ ولذا كان االعتامد عىل العقل املنطقي يف استخراج ً أن يكون يمكن ْ
األفكار مؤ ّد ًيا إىل االختالفات بني احلكامء واملتك ّلمني وعلامء أصول الفقه؛
ولذا انتهى األخباري احلاذق إىل القول بأنّه ينبغي يف باب النظريات االعتامد
معصومة عن اخلطأ وال تؤ ّدي إىل التشتت واالختالف ،وكان ٍ عىل موا ّد
احلس
احلسية أو القريبة من ّ األول املوا ّد ّ
القرار يف ذلك االعتامد عىل أمرينّ ،
التي ال خيطئ فيها الناس لقرهبا من اإلدراك – كام يقول -والثاين النقل عن
ألهّنم أهل العصمة.
األئمة األطهار ؛ ّ ّ
وقد أقام عىل هذا املدّ عى تار ًة أد ّل ًة حتليلي ًة عقلي ًة وأخرى أد ّل ًة نقلية ،وحاولنا
أن نقرر ما ذكره عىل ٍ
وجه يفي بمراداته يف األقسام املشكّلة لصلب هذا البحث ْ ّ
مستندين بذلك إىل نصوصه التي ذكرها يف كتابه األم وهو كتب (الفوائد
القوة والضعف فيه.استدل به وبيان مكامن ّ ّ املدنية) ،ومن َثم فحص ما
أن هناك شي ًئا من الصواب فيام ذكره يتم ّثل ومن األمور التي خلصنا إليهاّ ،
املهمة يف إعامل العقل وحفظ أن الركون إىل النصوص الدينية له قيمته ّ يف ّ
األفكار من الوقوع يف اخلطأ والسهو ،ولكن هذا عىل سبيل إعداد العقل
للتفكّر ،وليس عىل سبيل استبدال العقل ،وهو ما أشار إليه صدر ّ
املتأهّلني
مثاًل ال ّ
تدل يف بعض العبارات السابقة ،فاالختالفات الناشئة بني الفالسفة ً
بالرضورة عىل ضعف أو ق ّلة قيمة أداة املنطق التي يستعملوهنا – كام ذهب
تدل عىل رضورة ارتباط اإلنسان بمصدر إليه األمني األسرتآبادي -وإنّام ّ
| 108تاریخ علم املنطق
العصمة والوحي حتى يبقى متيق ًظا وحاف ًظا ألبعاد أخرى من أبعاد تعقله.
أن األد ّلة النقلية التي اعتمدها األمني األسرتآبادي يف جمال
هذا مضا ًفا إىل ّ
تعرض مجل ٌة من املفكّرين واألصوليني إثبات دعواه ال ختلو عن ضعف ،وقد ّ
ملناقشتها وبيان اخللل فيها.
أن علم املنطق – من حيث املباحث ويف اخلامتة ،نؤكّد قضي ًة حموري ًة وهي ّ
ألن الصورية فيه واملباحث املادية -مدي ٌن إلثارات املشكّكني واحلذرين منه؛ ّ
بأنالعلم تراكم بني األذهان النقادة السائلة واملجيبة ،ومن هنا أمكننا احلكم ّ
وخاصة ما قدّ مه األمني األسرتآبادي -مت ّثل حلق ًة
ّ حلقة الردود األخبارية -
أن مرشق ًة يف سري علم املنطق والعلوم العقلية يف العامل اإلسالمي ،ويمكن ْ
إن من املميزات التي مت ّيزت هبا شجرة العلوم العقلية يف العامل اإلسالمي نقول ّ
النص الديني -وهذا ما مل ٍ
وجود طبقة من العلامء والفقهاء احلريصني عىل ّ
يكن موجو ًدا يف العصور اليونانية األوىل -بحيث انعكس حرصهم تشكيكًا
ٍ
ومشحونة فضاءات ٍ
مليئة ٍ وأسئل ًة دفعت العقول إىل إعامل أنشطتها الفكرية يف
وملحة. ٍ
جديدة ٍ
بأسئلة
ّ
النقد األخباري لعلم املنطق ،قراء ٌة نقدي ٌة | 109
16.غــام حســن الدينــاين ،حركــة الفكــر الفلســفي يف العــامل اإلســامي ،دار اهلــادي ،بــروت
– لبنــان.2001 ،
17.حممد أمني األسرتآبادي ،الفوائد املدنية ،مؤسسة النرش اإلسالمي ،قم – إيران 1442 ،هجري
قمري ،الطبعة السابعة.
18.حممد بن عمر الكيش ،اختيار معرفة الرجال ( رجال الكيش) ،نقله :الشيخ حممد بن احلسن
الطويس ،النارش مؤسسه نرش دانشكاه مشهد ،مشهد املقدسة -إيران1409 ،ق.
19.حممد بن يعقوب الكليني ،الكايف ،دار احلديث ،قم املقدسة -إيران 1429 ،هجري.
20.حممد رضا املظفر ،املنطق ،نرش اسامعيليان ،قم -إيران 1366 ،هجري شميس.
ِّ
اإلسالمي املنطق واللغة ودورهما يف تطور الفكر
1
د .فاطمة عيل ع ُّبود
ملخَّص البحث
يوجه الذهن نحو الصواب الفلسفي الذي ِِّّ يم ِّثل املنطق جان ًبا من النتاج
دالة عىل معاين ألفاظ ٍٍ وحيول بينه وبني وقوعه يف اخلطأ ،معتمدً ا بذلك عىل
األلفاظ اللغ ُة املسؤول ُة عن توليد املعاين ،إذ َ وتوجه هذه
ِّ الصواب واخلطأ،
لغوية جتعلها قادر ًة عىل التعبري ٍ تقوم املقوالت األرسطية املنطقية عىل ٍ
بنية
عن األشياء اخلارجية املوجودة ،فاملقوالت حسب رأي الفارايب مهمتها
فلكل دةِّ ، مدلوالت حمدَّ ٍ
ٍ إجياد قوانني وضوابط تن ِّظم التفكري ،كام َّأهَّنا تشري إىل
مقولة دالل ٌة معين ٌة ،ونسبة صناعة املنطق إىل العقل عنده تعادل نسبة صناعة ٍ
النحو إىل اللسان واأللفاظ ،وقد وضع الفارايب بذلك أسس الفلسفة اللغوية
التي باتت الح ًقا أبرز فلسفات القرن العرشين ،وتناول ابن سينا املقوالت
معاين جديدة؛ َّ
ألن َ األرسطية بالرشح والتحليل والتقسيم ،وأضاف إليها
لغة أرسطو مل تساعد -كام هو حال اللغة العربية -عىل تلك اإلضافة التي
وروح إسالمية ،كام سعى إىل جعل املنطق أدا ًة ٍ ٍ
بمعان أغزر وبطاب ٍع امتازت
بشكل عام ،ومل يقم بفصل املنطق عنها؛ لذا فقد ٍ وجز ًءا من العلوم املعرفية
درك باحلواس ،يف حاول إسقاط معرفة املنطق عىل الوجود األنطولوجي ا ُمل َ
وعرف بشكل شبه تامَّ ، ٍ أن ابن رشد قد توافق مع أرسطو يف مقوالته حني َّ
ٍ
موجود. يشء أو ٍ
كائن ابن حزم املقوالت بأهَّنا أنواع الصفات التي تشري إىل ٍ
َّ
يعرِّب عن
وفكري ،واللفظي ِّ
ٍّ لفظي
ٍّ قسم أخوان الصفا املنطق إىل قسمني،
َّ
.1دكتوراة يف اللُّغة العرب َّية وآدابها ،أستاذة يف جامعة سلجوق /تركيا.
| 112تاریخ علم املنطق
التمهيد:
الرضوري الذي
ِّ حتكم عالقة املنطق باللغة حال ٌة من التفاعل والتبادل
تعبري عن التفكري والقدرة عىل التواصل،
كل منها ،فاللغة ٌ حيكم سريورة عمل ٍّ
تعبري عن ترمجة اللغة إىل سلوك صحيح ،فاملنطق من معانيه أن املنطق ٌ يف حني َّ
منهاجا وأكثر غنى يف
ً أن اللغة أوسعالكالم ،حيث َّبنَّي علامء اللغة العربية َّ
ألفاظها ومعانيها ،ممَّا جيعل املعنى الصحيح يف اللغة هو الصدق يف املنطق،
وبالتايل غياب املعنى يف اللغة هو عدم الصدق أو الكذب يف املنطق.
واملنطق برأي الفارايب يعطي لأللفاظ قوانني تشرتك هبا ألفاظ األمم،
ومن ذلك كان ِّ
لكل عل ٍم طريقته يف الوصول إىل املعرفة الصحيحة ،وف ًقا
لقواعد تستند إىل املنطق السليم ،واملنطق السليم ليس هو العلم املهتم
باأللفاظ ومعانيها ،إنَّام هو العلم الذي ُيعنى باأللفاظ التي يستخدمها
اإلسالمي | 113
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
العقل يف العمليات العقلية التي تشرتك هبا مجيع األمم باختالف لغاهتا
وتنوع ثقافاهتا؛ فاالسم والفعل واألداة تتشابه يف لغات األمم مهام اختلفت ُّ
كل منها ،فاملوضوع واملحمول والرابطة ال ختتلف يف صورة اإلشارة إىل ٍّ
باختالف اللغة؛ وبذلك حيدث التناسب والتوافق بني املنطق والنحو رغم
أن املنطق آل ٌة
االختالف يف املسميات فيام بينهام ،يف حني أخذ ابن سينا فكرة َّ
للعلم من أرسطو ،وبذلك يكون املنطق رضورة؛ ألمهيته وفائدته يف إسناد
تفكريية يف تقويم أخطاء التفكري،ٍ ٍ
كمنهجية العلوم العقلية إليه واستخدامه
صحتها، ٍ ٍ
وبالتايل يمكننا إرجاع األدلة النقلية إىل أدلة عقلية والربهنة عىل َّ
اإلنساين بعد
َّ يقوم السلوك إضاف ًة إىل قيمة املنطق يف كسب األخالق؛ ألنَّه ِّ
استمرار النقد البنَّاء ،كام يقول بأثر املباحث اللغوية يف علم املنطق؛ َّ
ألن
والتصورات ،وبذلك يقارب بني ّ اللغوي يقوم عىل ترتيب األفكار
َّ البحث
التقسيم املنطقي للقضية ،وبني تقسيم اللغويني للجملة وتركيبها.
املكان مثل السوق ،الزمان مثل أمس ،الوضع مثل جالس ،امللك مثل شاكي
السالح ،الفعل مثل القطع ،االنفعال مثل مقطوع».1
تتضمن املقوالت املنطقية األرسطية يف كينونتها تراب ًطا جيعلها قادر ًة عىل َّ
ألهَّنا تسهم يف تقييم مدى صدق العبارة من عدم صدقها، اللغوي؛ َّ
ِّ التعبري
وانسجامها مع الواقع من عدمه ،وقد أعطى أرسطو هذه املقوالت بعدً ا
يصح مقولة هي من املوجودات يف الواقع وال ٍ أن َّ
كل زمان ًيا عىل اعتبار َّ
ّ
تعرِّب لغو ًيا إنكارها وجود ًيا (أنطولوج ًيا) ،وبام َّأهَّنا مس َّل ٌم هبا وجود ًيا َّ
فإهَّنا ِّ
لفظي ٌ
مشرتك وأن يكون هلا ألن املقولة البدَّ ْ موجود يف هذا الكون؛ َّ ٍ عن
ٌ
ٍ ٍ ٍ حارض ،فهي ُحُتمل عىل
تعرف معني ،فاملقوالت ماهي َّإاَّل ُّ يشء كائن أو ٌ
ٍ ٍ
اخلارجي ،وترمجة هذه املعرفة بمقوالت منطقية؛ لذا فقد العقل عىل العامل
ِّ
أطلق عليها أرسطو اسم «أجناس الوجود ،وأجناس الوجود هي الرضوب
املختلفة التي يمكن أن يوجد عليها يش ٌء ما ،أو أحوال احلمل املنطقي»،2
بأن أرسطو يف بداية كتاب (املقوالت) يم ِّيز بني األلفاظ املرتادفة ونالحظ َّ
عاَّم يف الوجودَّ ،
وأن ٍ ليبنِّي َّ
تعرِّب َّ
أن املقوالت هي معان ِّ واأللفاظ املشرتكةِّ ،
تقابل بني األلفاظ؛ لذا نجده التقابل بني القضايا املنطقية عنده ما هو إال ٌ
يقول بالتقابل بالتضايف ،والتضاد ،وبالعدم وا َمل َلكة ،وبالسلب واإلجياب.
.1يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة اليونانية ،منشورات مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،القاهرة،
2014م ،ص.147
.2بول موي ،املنطق وفلسفة العلوم ،ترجمة ،فؤاد حسن زكريا ،مكتبة دار نهضة مرص ،القاهرة،
ط1961 ،1م ،ص.35
اإلسالمي | 115
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
أن املقوالت هي قوانني املفردات من املقوالت ،واأللفاظ الدالة عليها ،وقد َّ
ٍ
واحد منها اجتمع فيه ْ
أن كان كل ُأطلق عىل املقوالت اسم مقوالت؛ َّ
«ألن َّ
يشء ما مشار إليه حمسوس» ،1فاملقوالتمدلواًل عليه بلفظ ،وكان حمو ًاًل عىل ٍ
ً
ّ
قد تنسب لألشخاص أو لأللفاظ ،وقد قدَّ م الفارايب يف رشحه للمقوالت
الكم عرف ودالالت لغوي ًة من اللغة العربيةً ، ٍ معاين إسالمي ًة
ُّ فمثاًل نجده ُي ِّ
بجزء منه مثل :العدد ،واخلط ،البسيط، ٍ أن يقدَّ ر مجيعهيشء أمكن ْ«كل ٍ بأنَّه ُّ
الزمان ،ومثل :األلفاظ واألقاويل» ،2كام يظهر ذلك يف والصمت ،ومثلَّ :
تعريفه ملقولة (اإلضافة) ،والتي تعتمد مبدأ النسبة بني شيئني نعرفها عرب
اللغوي يف اللغة العربية
َّ عملية القياس ،ويف تعريفه ملقولة (متى) َّبنَّي معناها
وارتباطها بالزمان وبالوجود عرب هذا الزمان ،كام تتَّضح داللة مقولة (أين)،
ويبنِّي ارتباطها باملكان ،وقد تكون داللتها اللغوية حني يرشحها الفارايب لغو ًيا ِّ
يف اللغة العربية عىل َّأهَّنا جزء من اليشء الدَّ ال عليه جواب سؤال أين« ،كقولنا
أن حرف فإن األين ليس هو البيت ،لكن ما يفهم من قولنا يف البيت َّ يف البيتَّ ،
دال عىل النسبة إىل البيت» ،3كام يرشح مقولة (الوضع) وداالهتا اللغوية – يف – ٌّ
اإلسالمي وما يمكن أن تشري إليه ،وكذا ِّ يف العربية ،مع تبيان معانيها يف الدين
احلال يف غريها من املقوالت والتي َّبنَّي معانيها لغو ًيا ودالل ًيا.
ٍ
خمتلف عن الفارايب ٍ
بشكل أ َّما ابن سينا فقد تناول املقوالت األرسطية
حيث قام بالرشح والتحليل والتقسيم ،حيث استخدم دالالت اللغة العربية
أعم وأشملً ،
فمثاًل يف تعريفه ملقولة ٍ
إلضافة معان أكثر وأغزر ،وتفاصيل َّ
.1جعفر آل ياسني ،الفارايب يف حدوده ورسومه ،منشورات عامل الكتب ،القاهرة ،ط1985 ،1م،
.386
.2الفارايب ،املقوالت ،تحقيق ،ماجد فخري ،دار املرشق ،بريوت ،ط1994 ،1م ،ص.85
.3الفارايب ،املقوالت ،تحقيق ،وتقديم ،رفيق العجم ،ماجد فخري ،دار املرشق ،بريوت ،ط،1
1997م ،ص.110
| 116تاریخ علم املنطق
حمل قريب،«كل ما وجود ذاته ليس يف موضوع ،أي يف ّ يعرفه بأنَّه ُّ
(اجلوهر)ِّ ،
الطويس مع ابن سينا يف
ُّ قد قام بنفسه دونه بالفعل ال بتقويمه» ،1وقد اتفق
تعريفه ملقولة اجلوهر ،ففي كتابه (جتريد املنطق) ،نجده يذكر تعريف اجلوهر
متقو ًما دون ما ُّ
حيل حمل يوجد ِّ بأنَّه «موجو ٌد ال يف (موضوع) واملوضوعّ :
قسمفيه» ،ويتَّضح التقسيم الذي اتبعه ابن سينا يف كتابه الشفاء عندما َّ
2
ٍ
وثالثة ،وم َّيزه عن ال َع َرض الذي ال يقوم ٍ
وثانية مقولة (اجلوهر) ،إىل أوىل
ّإاّل بغريه ،وهو بذلك خيتلف عن اجلوهر ،وكذا احلال يف حديثه عن مقولة
موسع
(الكيف) حيث جلأ إىل تقسيمه إىل أربع أقسام ورشحه لغو ًيا بشكل َّ
أكثر ،وقد اختلف ابن سينا مع غريه من الفالسفة وعلامء اإلسالم يف رشحه
وحتليله للمعاين اللغوية للمقوالت ودالالهتا.
أن ابن رشد قد اتَّفق مع أرسطو عىل تقسيم املقوالت وترتيبها يف حني َّ
يقسمها إىل قسمني، وعدّ ها جز ًءا من منطق أرسطو ،فمقولة (اجلوهر) ً
مثاًل ّ
ّأول هو ذات من غري موضوع ،أ َّما القسم الثاين فهو َع َر ٌض ،وهو يتَّفق مع
ٍ
منفصل، وكم ٍ
متصل ٍّ كم
للكم إىل قسمنيٍّ ،
ِّ أرسطو ،وكذا احلال يف تقسيمه
وضح ابن رشد -وحسب اللغة العربية – َّأهَّنا مت ِّثل ويف مقولة (الوضع) َّ
«األشياء التي أسامؤها مشتق ٌة من املضاف مثل :املضجع واملتكئَّ ،
فإن
فإن معاين االضطجاع واالتكاء تنتمي إىل مقولة املضاف» ،3وباملجمل َّ
املقوالت ورشحها وتقسيمها عند ابن رشد تتوافق مع أرسطو.
.1ابن سينا ،كتاب النجاة يف الحكمة الطبيعية واملنطقية واإللهية ،تنقيح ،وتقديم ،ماجد فخري،
دار اآلفاق الجديدة ،بريوت ،ط1985 ،1م ،ص.116
.2نرص الدين الطويس ،تجريد املنطق ،منشورات مؤسسة األعلمي ،بريوت ،ط1988 ،1م ،ص.13
.3ابن رشد ،تلخيص كتاب املقوالت ،تحقيق ،محمود قاسم ،مراجعة ،وتقديم ،تشارلس بروث،
وعبد املجيد هريدي ،منشورات الهيأة املرصية العامة للكتاب ،القاهرة ،ط1980 ،1م ،ص.135
اإلسالمي | 117
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
أ َّما ابن حزم فقد أطلق عىل املقوالت اسم (األسامء املفردة) ،وبالتايل
«ألفاظ كلي ٌة يمكن أن ُحُتمل عىل املوضوع يف القضية ٌ يعرفها عىل َّأهَّنا
فإنَّه ِّ
إن املقوالت هي أنواع الصفات التي يمكن أن وبعبارة أخرىَّ : ٍ املنطقية،
(الكم) تشري اللغوي ملقولة أن املعنىيشء معني» ،1كام َّكائن ،أو ٍ ُحُتمل عىل ٍ
ِّ َّ
إىل املعنى احلسن واجليد لسؤال الكمية ،وبذلك يكون اجلواب يف اللغة
ناقصا؛ لذلك يمكننا القول وكثريا أو ً
قلياًل ،وزائدً ا أو ً ٍ
مساو، مساو ًيا أو غري
ً
أن تكون بأن العرشة هي ما تساويه الثامنية مع االثنني ( ،)2+8وال يمكن ْ َّ
الثامنية وحدها هي مساوية للعرشة وال االثنني بمفردها ،وهذا ما ُيطلق عليه
جواب
ٌ أن مقولة (الكيف) يف اللغة هي ابن حزم عملية مجع الكمية ،2كام َّ
خيص األبدان وحاهلا ،ومنها ماعن سؤال كيف ،وهي عىل قسمني منها ما ُّ
خيص األنفس وتبدُّ الهتا .ويف حديث ابن حزم عن املعاين اللغوية يف اللغة
ُّ
يقسم مقولة (الزمان) إىل ثالثة أقسامالعربية للمقوالت األرسطية نجده ِّ
ٍ
بشكل ينسجم مع األزمنة وتقسيمها يف اللغة العربية فيذكر املايض واملقيم
ثم املستقبل.
أو احلال َّ
يتَّضح من تناول الفالسفة واملتك ِّلمني والفقهاء املسلمني ملقوالت أرسطو
وترمجتها إىل اللغة العربية َّأهَّنم جلؤوا إىل التعديل والرشح والتحليل والتعليق
عليها ،انطال ًقا من التباينات اللغوية ،وانسجا ًما مع املصطلحات اللغوية،
واالنطالق من النحو وغزارته الداللية ،وقد تباينت أحيانًا الداللة واملعنى
أن اهلدف بقي واحدً ا ،وهو االستفادة من هذا بني بعضهم البعض إال َّ
.1مهدي فضل الله ،مدخل إىل علم املنطق -املنطق التقليدي ،دار الطليعة للطباعة والنرش،
بريوت ،ط1985 ،3م ،ص.29
.2ابن حزم التقريب لحد املنطق واملدخل إليه (باأللفاظ العامية واألمثلة الفقهية) ،ويليه محك
النظر يف املنطق ،تأليف ،حجة اإلسالم الغزايل ،تحقيق ،أحمد فريد املزيدي ،منشورات دار
الكتب العلمية ،بريوت ،د.ت.ن ،ص ،52بترصف.
| 118تاریخ علم املنطق
أن نسبة صناعة املنطق إىل العقل واملعقوالت (املعاين) كنسبة النحو ،ذلك َّ
وكل ما يعطينا النحو من القوانني يف صناعة النحو إىل اللسان واأللفاظّ ،
فإن علم املنطق يعطينا نظائرها يف املعقوالت» ،1فالتناسب بني األلفاظ ِّ
رضوري للوصول إىل النتائج العقلية املبنية عىل ٌ النحو واملنطق هو تالز ٌم
وضح الفارايب حقيقة العالقة الثنائية بني املنطق واللغة ،وأفرد الثوابت ،وقد َّ
لذلك جمموع ًة من كتبه ككتاب (األلفاظ املستعملة يف املنطق) ،وكتاب
(القياس الصغري) ،وكتابه (إحصاء العلوم) ،الذي يقول فيه« :علم اللغة هو
أمة عىل قوانني تلك األلفاظ ،وهو الذي يعطي كل ٍ علم األلفاظ الدَّ الة عند ِّ
قوانني النطق اخلارج ،أي القول اخلارج بالصوت وهو الذي به تكون عبارة
ثم يميز الفارايب بني معنى القول والنطق ،فالقول عاَّم يف الضمري» َّ ،
2
اللسان َّ
أن التك ُّلم أو النطق هو آلية استعامل هذه هو جمموعة من األلفاظ ،يف حني َّ
األلفاظ؛ هلذا ذهب الفارايب ومعه علامء الكالم لتعريف الكالم بأنَّه الوسيلة
أو املنهجية الصحيحة يف توظيف القول يف معناه املفيد ،ممَّا جيعلنا نستذكر
ٍ
منطقية. ٍ
عقلية سبب نشأة علم الكالم الذي قام إلثبات األدلة النقلية برباهني
فلسفي
ٌ ٌ
موروث ٍ
تكامل ،فاملنطق فالعالقة بني املنطق واللغة العربية عالقة
منتظاًم عىل يد فالسفة اليونان ،وقد َّبنَّي الفارايب أمهيته
ً ثم أصبح نس ًقا فكر ًيا
َّ
للغة العربية عندما قال« :نسبة املنطق إىل سائر العلوم العقلية كنسبة النحو
إىل اللسان ،والعروض إىل أوزان الشعر ،وكام أنَّه ال يستقيم الكالم الفصيح
ّإاّل عىل قواعد النحو هكذا ال يرتاح الفكر إىل اليقني ما مل يكن مسننًا باملنطق
اللغوي الذي ُفرض
ِّ سندً ا ومرج ًعا»3؛ لذا فاملنطق رضورة يف سريورة التطور
.1الفارايب ،كتاب الحروف ،تحقيق ،محسن مهدي ،دار املرشق ،بريوت ،ط1990 ،2م ،ص.54
.2م .ن ،ص.45
.3جوزيف الهاشم ،الفارايب ،منشورات املكتبة التجارية للطباعة ،القاهرة ،ط1960 ،1م ،ص.37
| 120تاریخ علم املنطق
ٍ
عربية، املنزل ٍ
بلغة عىل اللغة العربية بعد حدوث التنزيل ،حيث جاء كالم اهلل َّ
ٍ
بمفردات وتراكيب عزز مكانتها بني اللغات العاملية ،إضاف ًة إىل إغنائها
ممَّا َّ
دالالت
ٌ ٍ
عربية ،وهذه املفاهيم الدينية هلا مصاغة ٍ
بلغة ٍ سمة ٍ
دينية ومفاهيم ذات ٍ
ورمزي ٌة استوجب من علامء وفالسفة اللغة الوقوف عليها وتوضيحها عرب
ٍ
صحيحة. ٍ
منهجية
الرمزي
ِّ َم َّثل اهتامم الفارايب باملنطق رغبته يف حمالة الكشف عن اجلانب
يف اللغة ومعرفة بعدها الداليل واملعنوي مع مناقشته املعقوالت وارتباطها
باأللفاظ ،وقد رضب لنا ً
مثااًل يف حديثه عن إحصاء األمكنة املغلطة يف
األلفاظ ،حيث حتدَّ ث عن عدة أشكال من أشكال اللفظ اللغوي ،وقال
.1الفارايب ،إحصاء العلوم ،تحقيق ،عثامن أمني ،منشورات دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط،2
1949م ،ص ،70-69بترصف.
اإلسالمي | 121
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
أن األلفاظ املغلطة «منها االسم املشرتك ومنها االسم املشكك ..ومنها َّبنَّي َّ
االسم املنقول وهو االسم الذي جرت العادة فيه من َّأول األمر أن يكون
دااًل عىل معنى آخر ..ومنها االسم أيضا ً
ثم جيعل ذلك ً دااًل عىل معنى َّ ً
جمازا» ،1حيث أدرك الفارايب َّ
أن املستعار واأللفاظ التي تقال عىل اليشء ً
ٍ
تغريات يف لغتهم متس حياة البرش هي ذاهتا التي ُحُتدث
سريورة التاريخ التي ُّ
تتغرَّي بمرور الزمن فتتبدَّ ل مع تبدل أحواهلم وثقافتهم ،فاأللفاظ حيدث أن َّ
معان جديد ٌة تواكب هذه السريورة؛ هلذا فقد كانت رؤية الفارايب ٍ ويصبح هلا
إن احلالة بني التطور والتقدُّ م ،فيمكننا القول َّ
ُّ ونظرته يف اللغة تنزع حلالة من
املنطق واللغة حالة من احلركة التطورية املستمرة« ،وتطور اإلشكالية بني
جديدة للعربية يف ٍ ٍ
صياغة النحويني والفالسفة ،األول أ َّدى دون ريب إىل
وأولت بنائها واشتقاقها ألفاظها ..لغة تفاعلت مع معطيات الفكر اليوناين َّ
جديدة وتراكيبٍ ٍ
ونحتية ٍ
اشتقاقية الثقافات الوافدة إىل حدِّ التفرد بقواعد
تطورا منطقية – برهانية ..وعىل ذلك فلم يكن هناك انفصام بينهام ،بل ٍ
ً
أن ِّ ٍ
التغرُّي لكل لغة قص ًة تارخيي ًة ِّ
متطور ًة طاهلا ُّ وانفتاحا هلا» ،2فقد عدَّ الفارايب َّ
ً
للتغرُّي،
التغرُّي يقود اللغة ودالالهتا ومعانيها ُّ
البرشي ،وهذا ُّ
ِّ يف مسرية التاريخ
فيظهر ذلك بالتفكري ونمط الثقافة السائدة.
لقد حاول الفارايب خلق نو ٍع من التقارب والتآلف بني اللغة واملنطق ً
آماًل
فكري قوامه العقل والربهان ،والواقع َّ
أن اللغة واملنطق يتكامالن ٍّ بناء ٍ
نسق
فالنحوي حيتاج إىل املنطق يف ترتيب قواعده
ُّ وال يستغني أحدمها عن اآلخر،
واملنطقي حيتاج إىل النحو لصياغة أفكاره واستخالص
ُّ وتصنيف موضوعاته،
.1الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،الجزء الثاين ،تحقيق ،وتقديم ،رفيق العجم ،دار املرشق،
بريوت1986 ،م ،ص.133-132
.2محمد عابد الجابري ،بنية العقل العريب ،منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،الدار
البيضاء1992 ،م ،ص.46
| 122تاریخ علم املنطق
عا ٍّم ،ومل يقم بفصلها عنها؛ لذا فقد حاول إسقاط معرفة املنطق عىل الوجود
درك باحلواس ،فنجده يقول« :إنَّك قد تفهم معنى املث َّلث، األنطولوجي ا ُمل َ
ِّ
ٍ
موصوف بالوجود يف األعيان ،أم ليس بموجود ،بعدما مت َثل ٌ وتشك هل هو ُّ
وسطح ،ومل يتم َّثل لك أنَّه موجو ٌد» ،1أي حسب تصوره َّ
إن ٌ خط عندك أنَّه ٌ
يتوجب علينا حماولة إرجاعها إىل املوضوعات َّ املفاهيم الرياضية املجردة
ألن وظيفة املنطق التح ُّقق من املعاين اللغوية واملفاهيم املستخدمة، املحسوسة؛ َّ
فيبنِّي
وهذا ال يعني رفض املجردات التي مل نتأكَّد من وجودها يف الواقع؛ ِّ
فإن مفهومات هذه األلفاظ و»إن كان وجودها يف ح ِّيز اإلمكانَّ ، ْ أنَّه حتى
أن ابن سينا مؤم ٌن بتطورية العلم تتصور مع استحالة وجودها» ،2ذلك َّ َّ
أن نُبقي عليها مع حماولة التح ُّقق
حلول يف زمان قادم ،أي ْ ٍ وإمكانية إجياد
رمز بني املتكلمني هبا ،واملنطق يعمل عىل االحتفاظ منها ،فاللغة هي باألصل ٌ
ٍ
موضوعية للكالم ٍ
كمعادالت جمموعة من الرموز التي نستخدمها ٍ باللغة عرب
ٍ
منطقية ،وقد أبدع املسلمون بإجياد الرموز رموز ٍ تم حتويل قيمته إىل الذي َّ
تعرِّب عن جمموعة من اخلطوات الرياضية هذه ،فأوجدوا اخلوارزميات التي ِّ
حلل مشكلة ما ،كام أوجدوا الصفر ( ،)0والذي واملنطقية واملتسلسلة الالزمة ِّ
وحل معادالت كان تصورا ذهن ًيا مكَّن من إجراء العمليات احلسابية ِّ ً يم ِّثل
من الصعب القيام هبا قبل ذلك.
ٍ
جهة واللغتني اليونانية ُيدرك ابن سينا الفارق بني اللغة العربية من
والفارسية من ٍ
جهة أخرى ،وقد أ َّلف كت ًبا يف اللغة العربية وبياهنا وأوضح
لعل أبرزها كتاب (لسان العرب)، تباينها وسامهتا عن غريها من اللغاتَّ ،
عرفه إبراهيم أنيس بأنَّه «يعالج
وكتاب(أسباب حدوث احلروف) ،والذي َّ
.1ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،دار املعارف ،القاهرة ،ط1960 ،1م ،ص.15
.2ابن سينا ،منطق املرشقيني ،تحقيق ،شكري النجار ،دار الحداثة ،بريوت ،ط1982 ،1م ،ص.15
| 124تاریخ علم املنطق
.1إبراهيم أنيس ،أصوات اللغة عند ابن سينا ،مؤمتر مجمع اللغة العربية التاسع والعرشين،
القاهرة ،ط1963 ،1م ،ص.17
.2القرآن الكريم ،سورة لقامن ،اآلية ()27
اإلسالمي | 125
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
األمثلة غري ب ّينة وال مفهومة عند أهل زماننا» ،1وهو األمر ذاته الذي قصده
لكل علم ،واختالف تطور العلوم عرب السريورة التارخيية ِّ ابن سينا يف مقولة ُّ
اللسان والزمان يف تداول العلم ذاته ،لذا َّ
فإن ابن سينا ينظر يف معاين املفردات
يكون لغ ًة فلسفي ًة متزج بني اللغة العربية واملنطق والدين.
وأبعادها ،ممَّا جعله ِّ
عدَّ ابن سينا املنطق منهجية تضبط عمل الذهن ومتنعه من الزلل فيام
كل مافكر( ،حسب اعتقاده اخلاص) ،بذلك جتعل هذه اآللة َّ يقدمه من ٍ
يصدر عنها ح ًقا وصوا ًبا ،فيكون الفكر ً
فكرا حقيق ًيا ،فنسبة املنطق إىل املعاين
والصور العقلية نسبة النحو إىل الكالم والعروض إىل الشعر ،وقد َّبنَّي ابن
ألن مباحث األلفاظ حسب أن املنطق هدفه مدلول األلفاظ؛ ذلك َّ سينا َّ
املنطقي إال بالعرض ،بل
ُّ تعبريه «لصناعة اللغويني والكتاب ،وال يتكلم فيها
أن يعرف حاله من جهة أن يعرفه من حال اللفظ هو ْ املنطقي ْ
ِّ الذي جيب عىل
ليتوصل بذلك إىل حال املعاين أنفسها من َّ الداللة عىل املعاين املفردة واملؤلفة
علاًم بمجهول ،فهذا هو من صناعة املنطقيني».2 حيث يتأ َّلف عنها يش ٌء يفيد ً
يتم حتصيلهام باحلدِّ والقياس،أن التصور والتصديق املكتسبني ُّ وقد َّبنَّي َّ
ٍ
بتأليف حمدود ،فيكون له منها مادة ُأ ِّلفت ٍ
معان معقولة وكل منهام مؤ َّلف من ٌ
وصورة هبا التأليف وقد حيدث فساد من إحدى الطرفني أو من الطرفني م ًعا،
فاملنطق هو الذي يدلنا عىل املواد والصور التي هي أصل للحدِّ الصحيح،
شبيها
ً وعىل القياس السديد الذي يوقع يقينًا ،وعىل القياس الذي يوقع
ً
وجهاًل. باليقني أو ظنًّا غال ًبا أو مغالطة
.1الفارايب ،كتاب املخترص باملنطق عىل طريقة املتكلمني ،تحقيق ،رفيق العجم ،دار املرشق،
بريوت ،ط ،1985 ،1ص.69-68
.2ابن سينا ،الشفاء ،تحقيق ،محمود الخضريي ،منشورات وزارة املعارف العمومية ،القاهرة،
1970م ،ص.5
| 126تاریخ علم املنطق
أي الصور أن املنطق هو الصناعة النظرية التي تعرف من ِّ لقد َّبنَّي ابن سينا َّ
واملواد يكون احلدُّ الصحيح الذي ُيسمى باحلقيقة حدًّ ا ،والقياس الصحيح
أي الصور واملواد يكون احلدُّ يسمى باحلقيقة برهانًا ،وتعرف أنَّه عن ِّ الذي َّ
أي الصور واملواد يكون القياس اإلقناعي رساًم ،وعن ٍّ
سمى ً اإلقناعي الذي ُي َّ
ُّ
شبيها باليقني جدل ًّيا ،وما ضعف منه الذي ُيسمى ما َقوي منه وأوقع تصدي ًقا ً
أنوإن اجلاهل لقواعد النحو وال َعروض ال يمكن ْ وأوقع ظنًّا غال ًبا خطاب ًّياّ ،
بصريا،ً أن من جيهل املنطق ال يستطيع ْ
أن يكون مفك ًِّرا يكون كات ًبا ،وبذلك ّ
أن الفطرة يوضح َّ أن الشيخ الرئيس يبعد أكثر من ذلك يف تدليله ،فنجده َّ ّإاّل َّ
السليمة والذوق السليم ر َّبام أغنيا عن تع ُّلم النحو وال َعروض ،وليس يش ٌء
بمستغن يف استعامل الرو َّية عن التقدّ م بأعداد هذه اآللةٍ من الفطرة اإلنسانية
أن يكون إنسانًا ُمؤ َّيدً ا من عند اهلل تعاىل.1 إال ْ
فسعي ابن سينا لتطوير املنطق هو أنَّه متكَّن من مجع احلكمة والطب
وو َّظف املنطق اليوناين يف خدمة اللغة مستفيدً ا من نتاج مفكري اللغة والدين
ٍ
متطور عن املوروث منطقي
ٍّ إسالمي
ٍّ السابقني له ممَّا ساعده عىل تقديم ٍ
فكر
أن نذكرهااليوناين ا ُملرتجم للعربية ،ومن بني اإلضافات املنطقية التي يمكن ْ
ِّ
التي قدَّ مها الشيخ الرئيس هي ضبطه ملفهوم اإلمكان الذي ُبني عليه احلديث
عن مشكلة العوامل املمكنة والذي ال يكون تأسيسه وف ًقا ألنطولوجيا تؤمن
أن تعالج هذه املسألة هي فقط بالعامل الواقعي ،واألنطولوجيا التي يمكن ْ
األنطولوجيا اإلسالمية التي تقبل بفكرة وجود عوامل والتي قال هبا ابن سينا،
أن تكون فاألشياء املمكنة التي ال نعرف َّأهَّنا موجود ٌة يف املستقبل يمكن ْ
ٍ
موجودة فأطلق عليها بالقضايا ممكنة اإلمكان االستقبايل. موجود ًة أو غري
.1بولس مسعد ،ابن سينا الفيلسوف -بعد تسعمئة سنة عىل وفاته ،منشورات مؤسسة هنداوي،
لندن ،ط2020 ،2م ،ص 29-28بترصف.
اإلسالمي | 127
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
يستعملها الفالسفة يف املنطق ،أ َّما الرسالة الثانية ،وهي البيان عن املعقوالت
ٍ
جلنس من ٍ
واحدة منها عىل اسم كلتدل ُّ
الكلية وهي األلفاظ العرشة التي ُّ
بأن معاين املوجودات ك َّلها قد اجتمعت املوجودات ،والغرض منها هو البيان َّ
أن الرسالة الثالثة ،هي الكالم يف العبارات وأداء يف املقوالت هذه ،يف حني َّ
املعاين عىل ح َّقها ،وهي هتدف إىل تعريف األقاويل اجلازمة املفردة البسيطة
تتكون املقدّ مات القياسية وترتكَّب
التي هي أقسام الصدق والكذب ،وكيف َّ
من األلفاظ اللغوية ،وتصنَّف األقاويل فيها إىل (اسم ،كلمة ،القول املطلق،
القول اجلازم ،)... ،والرسالة الرابعة ،الغرض منها بيان كمية القياس
التي يستعملها احلكامء واملتك ّلمون يف احتجاجاهتم ،والدعاوي والبيانات
واملناظرات يف اآلراء واملذاهب ملعرفة الصدق من الكذب يف األقاويل،
واحلق من الباطل يف األفعال ،أ َّما الرسالة ّ واخلطأ من الصواب يف اآلراء،
األخرية ،الغرض منها هو البيان والكشف عن كيفية القياس الصحيح الذي
ال خطأ فيه وال زلل ،1إذ يتبني لنا من هذه الرسائل االستفادة واألثر الذي
تركه املنطق القديم يف فكر أخوان الصفا ،فقد احتوت هذه الرسائل عىل
املنطقي هلذا العلم. ٍ
طويلة من اإلنتاج ٍ
عصور وتطوره عرب املنطق
ِّ ّ
واملنطق عند أخوان الصفا قسمني رئيسني ،وف ًقا لتعريفهم للمنطقَّ ،
بأن
«املنطق من َن َط َق َينْطِق ُن ْط ًّقا ،والنطق ٌ
فعل من أفعال النفس اإلنسانية ،وهذا
حمسوس ،والنطق
ٌ جسامين
ٌ أمر
اللفظي هو ٌ
ّ ولفظي ،فالنطق ّ فكري
ّ الفعل
ٌ 2
يعرِّب عن استخدام اللغة
معقول» ،فاملنطق اللفظي ِّ روحاين
ٌ أمر
الفكري ٌ
ّ
وتشارك بمعرفته بقية احلواس ،والفكري هو ما وجد يف الذهن اإلنساين
أفكار مصدرها العقل ،وهنا نستذكرٍ لفظي ،ويكون عىل شكل ٍ ٍ
منطق من
.1أخوان الصفا ،الرسائل ،الجزء األول ،منشورات دار صادر ،بريوت ،ط ،1د.ت.ن ،ص 24وما بعدها.
.2م .ن ،ص.391
اإلسالمي | 129
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
ٍ
معان للنطقّ ،أوهلا اخلارج بالصوت ،وثانيها الفارايب الذي استذكر ثالثة
ماهو كامن يف النفس البرشية والثالث هو املضاف.
ألخوان الصفا رؤيتهم حول املقوالت األرسطية املنطقية ،فقد عدّ وها
أن معاين األشياء حدائق األلباب وبساتني العقول ورياض العلوم ،العتقادهم َّ
ك َّلها قد اجتمعت يف هذه املقوالت العرشة فهي شامل ٌة ملعنى املوجودات؛
ولذا قالوا هبذه املقوالت العرشة بغية االستفادة منها يف الكالم ،أي يف
األحكام والقضايا ،حيث يدرسون يف األحكام املعاين املؤ َّلفة؛ أي املركَّبة
أن تقبل التصديق والتكذيب ،كالقول َّ
بأن العامل قديم، يف مجلة والتي يمكن ْ
ذهني،ٍّ ٍ
تركيب مكونة منأو العامل حادث ،ويف احلالتني أو يف اجلملتني هي َّ
حكم يقبل التصديق أو التكذيب ،فأخوان الصفا قد اتبعوا التقسيم ٌ فهي
واملكون من (فعل ،واسم ،وأداة) ،وبعد تنسيق الكالم بني َّ التقليدي للكالم
بأهَّنا
لتتكون القضايا التي يمكن احلكم عليها َّ َّ هذه األقسام خترج إىل الوجود
صادق ٌة أو كاذب ٌة ،أ َّما األخبار الواردة عرب اللغة عند أخوان الصفا َّ
فإهَّنا تُقسم
أيضا.
إىل قسمني ،إ َّما سلبية وإ ّما إجيابية وهي حتتمل الصدق أو الكذب ً
.1أخوان الصفا ،الرسائل الجزء األول ،تقديم ،طه حسني ،مراجعة ،خري الدين الزركيل ،منشورات
مؤسسة هنداوي ،لندن ،القاهرة2018 ،م ،ص.14
اإلسالمي | 131
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
لقد أكَّد أخوان الصفا عىل حاجة اللغة إىل املنطق يف فصل ضمن الرسائل
عنوانه (حاجة اإلنسان إىل النطق) قالوا فيه »:واعلم َّأهَّيا األخ أنَّه لو أمكن
أن يفهم بعضهم من بعض املعاين التي هي يف أفكار نفوسهم من غري الناس ْ
عبارة اللسان ملا احتاجوا إىل األقاويل التي هي أصوات مسموعة؛ َّ
ألن يف
استامعها واستفهامها كلفة عىل النفوس من تع ُّلم اللغات وتقويم اللسان
كل واحد من البرش مغمور ًة يف واإلفصاح والبيان ،ولكن ملا كانت نفس ِّ
اجلسد مغطاة بظلامت اجلسد حتى ال ترى واحد ٌة منها األخرى ّإاّل اهلياكل
الظاهرة التي هي األجساد الطويلة العريضة العميقة ،وال يدرى ما عند ِّ
كل
ٍ
عاَّم يف نفسه لغريه من أبناء جنسه، كل إنسان َّ واحدة منها من العلوم ّإاّل ما َّ
عرَّب ُّ
وال يمكنه ذلك ّإاّل بأدوات وآالت مثل اللسان والشفتني واستنشاق اهلواء
وما شاكلها من الرشائط التي حيتاج اإلنسان إليها يف إفهامه غريه من العلوم
اللفظي وتعليمه والنظر يف
ِّ و استفهامه منه .فمن أجل هذا احتيج إىل املنطق
رشائطه التي يطول اخلطاب فيها».1
أن نقول َّ
إن العالقة بني اللغة واملنطق تعدُّ من أبرز القضايا التي يمكننا ْ
عاجلتها رسائل أخوان الصفا لغو ًيا مع إضفاء الطابع املنطقي عليهاَّ ،
ولعل
كل منهام باآلخر من أمهها ،وكذا نشأة اللغة بشقيها اللغة والفكر وعالقة ٍّ
وتطور اللغة ،والصوت العام والصوت اللغوي ،وآلية ُّ املنطوق واملكتوب،
اكتساب اللغة ،واللفظ واملعنى ،وإبراز أفضلية اللغة العربية يف تق ُّبل الفكر
اإلسالمي بشكل عام ومذهب اإلمامية ِّ الفلسفي ومرونة تعاليم الدين
خاص ،والذي تناوله عىل حذر – نتيجة الظروف السياسية -يف ّ ٍ
بشكل
الرسالة األوىل من العلوم الناموسية والرشعية ،فنجد قوهلم« :اعلم َّ
أن األمة
ك َّلها تقول إنَّه البدَّ من إما ٍم يكون خليف ًة لنب ّيها يف أمته بعد وفاته :وذلك
.1اخوان الصفا ،الرسائل ،الجزء األول ،منشورات دار صادر ،بريوت ،ط ،1د.ت.ن ،ص.402
| 132تاریخ علم املنطق
معزز ًة يكون نظر ًة نقدي ًة َّ يقدِّ م املنطق معرف ًة بالفلسفات السابقة ممَّا ِّ
قادرة عىل استيعاب وهضم هذه الفلسفات وتوظيفها يف صياغة ٍ ٍ
بلغة
أن قدرة املنطق السابق حت ِّفز العقل عىل البحث يف إسالمي ٍ
متني ،كام َّ ٍّ ٍ
منطق
ٍ
عقلية ٍ
وحجج ٍ
فلسفية ٍ
منهجيات والتعرف عىل ٍ
خمتلفة، ٍ
وثقافات ٍ
حضارات
ُّ
ٍ
منطقية، ٍ
ملنهجية تعزز الدفاع عن الدين ،وتربهن عىل أدلته النقلية وف ًقا ِّ
والتبنُّي من صحتها يستلزم معرفة ُّ أن معرفة الفلسفات القديمة إضاف ًة إىل َّ
بأن هذه املعرفة للمنطق قد وإن ُأخربنا َّاملنطق معرف ًة حقيق ًة وصحيح ًةْ ،
منطقٍ الشيعي ،فهل يمكننا القول بوجود ِّ االسالمي
ِّ متَّت يف إطار املذهب
شيعي ،وماهي ماهيته املميزة له؟
ٍّ إسالمي
ٍّ
التفرد
أن املنطق يقوم عىل قبول فكر اآلخر ،وبالتايل عدم ُّ من املعلوم َّ
بالرأي أو االستبداد به ،ممَّا يعني عدم االكتفاء بباحثيه من مذهبه ّ
وإاّل فلن
ألن املنطق يقوم عىل أساس النقد فكرا أيديولوج ًيا؛ َّ يكون منط ًقا ،بل سيكون ً
اإلسالمي الذي عمل عىل معاجلة
ِّ واالختالف بالرأي ،وهذا ما م َّيز املنطق
اخلاصة به بوصفه مذه ًبا إسالم ًيا له
ّ القضايا الدينية واالختالفات املذهبية
أن يرفض فكر عاَّم سواها من دون ْماهية التي جتعل من موضوعاته خمتلف ًة َّ
اخلاصة به كمذهب ،بل ّ اآلخرين ،إذ مل حيرص تفسري القرآن ضمن األحاديث
يتم وضعها موضع استقدم العلوم الغربية القديمة واحلديثة عىل رشط ْ
أن َّ
ليتم إدخاهلا يف منهجيته البحثية ،كام اطلع عىل غريه من النقد والتدقيق َّ
األديان واملذاهب واستفاد من معاجلتها إلشكالياهتا الفكرية والدينية ،إ ًذا
نتاجا إسالم ًيا
فالفكرة تقوم عىل قبول علم املنطق عىل الرغم من أنَّه ليس ً
بشكل خاص. ٍ ٍ
بشكل عا ٍم ،وليس شيع ًيا
لقد َّبنَّي السيد رائد احليدري ذلك حني أكَّد رضورة األخذ باملنطق
يعود الشخص عىل األرسطي لدوره يف حتسني هيأة األلفاظ اللغوية؛ ألنَّه ِّ
الدقة ويوجد لديه قانونًا يعصم لسانه عن اخلطأ ،وذلك عرب مزجه مع النحو
مفطور عىل التفكري ومع ذلك نجده كثري اخلطأٌ والرصف ،كام َّ
إن اإلنسان
يف أفكاره ،فيحسب ما ليس بعلة علة ،وما ليس بنتيجة ألفكاره نتيجة ،وما
ليس بربهان برهانًا ،وغريها من املامرسات اخلاطئة التي تؤكِّد حاجته إىل
ويدربه عىل تنظيم
ِّ يصحح أفكاره ويرشده إىل طريق االستنتاج الصحيح ِّ ما
يتم باالستعانة بعلم املنطق غريوكل ذلك يمكن أن َّ أفكاره وتعديلهاُّ ،
اإلسالمي سواء اليوناين أم اهلندي أو الفاريس أم غريه ،1كام أوضح الشيخ
.1السيد رائد الحيدري ،املقرر يف توضيح منطق املظفر ،الجزء األول ،منشورات ذوي القرىب،
ق ّم ،ط1422 ،1هـ ،ص 14وما بعدها.
| 134تاریخ علم املنطق
أي عل ٍم بحاجة ألمرين ،األول االستفادة من حممد رضا املظفر َّ
أن الدين وبناء ِّ
جتارب األمم السابقة القديمة واملعارصة لنا ،واألمر اآلخر بحاجة للحفاظ
عىل اهلوية الدينية واملذهبية دون االنصهار يف بوتقة األفكار القادمة ،حتى
إسالمي يميز املذهب الشيعي ويعطيه خصوصية بفضل ٌ منطق
ٌ يكون لدينا
موضوعاته املختلفة عن غريها ال بفضل االنغالق والتقوقع عىل الذات ،أي
البدَّ من قبول ما يناسب وما خيدم علم املنطق اخلاص بنا والقائم عىل أساس
تعاليم الدين وخصوصية املذهب.
وقد َّبنَّي الشيخ املظ َّفر الفرق بني املنطق والعلم الديني ،وذلك يف َّأهَّنام
كل منهام كثري من األشياء ،فهام يشرتكان يف املوضوع ،فموضوع ٍّيشرتكان يف ٍ
ضيق ،فكالمها يعالج مسائل دينية واجتامعية جمال حمدَّ ٍد ٍ
عام وال يقترص عىل ٍ
أن غايتهام واحدة وهي وفلسفية وسياسية وغريها من امليادين املختلفة ،كام َّ
الوصول إىل احلقيقة ،مع التأكيد عىل اختالف األسلوب بينهام ،فاملنطق
أسلوبه منهجي يقوم عىل تاريخ من األفكار الفلسفية والنظريات التي
أن تعاليم الدين تستند إىل كتاب اهلل وأحاديث نبوية تم تطبيقها ،يف حني ََّّ
وممارسات آل بني النبوة التي ثبت صحتها عرب الناس الثقات ،1وبالتايل
اإلسالمي مرجعيته وهي اللغة
ُّ تبقى النقطة األساسية التي يبني عليها املنطق
ومعان واسعة استوعبت املنطق املنقول ٍ العربية التي متتاز بدالالت وألفاظ
ٍ
صحيحة منهجية ٍ
دينية ٍ من تراث اهلند والفرس واليونان وتفاعلت معه خللق
قادرة عىل الربهنة عىل صحة األفكار التي يعاجلها الدين بالعقل واحلجة بدل ٍ
االكتفاء بالنقل.
كبريا يف إدخال
دورا ً اإليراين عباس إقبال َّ
أن للطويس ً ُّ املؤرخ
ويرى ِّ
.1الشيخ محمد رضا املظفر ،املنطق -مجموعة من املحارضات ،منشورات مطبعة النعامن،
النجف األرشف ،ط1388 ،3هـ1968 /م ،ص ،424بترصف.
اإلسالمي | 135
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
إسالمي ،نجده
ٍّ ٍ
منطق العاَّلمة احليل ،واجتهاده يف تقديم وباالنتقال إىل َّ
التحيّل هبا وتزويد الفكر ّ علم يتع َّلق باملعقوالت التي علينا قد آمن َّ
بأن املنطق ٌ
الديني هبا ،واتفق مع نجم الدين الكاتبي عىل تعريفه للمنطق الوارد يف كتابه
(الرسالة الشمسية يف القواعد املنطقية) ،وبأنَّه «آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا
الذهن عن اخلطأ يف الفكر» ،2مع تركيزه عىل بيان األلفاظ العربية وجزالتها
إسالمي ،واحلقيقة شغل املنطق ال ينحرص يف األلفاظ ٍّ ٍ
منطق يف صياغة
املتحصلة من العلمية العقلية ،فاملنطقي ِّ وحسب ،بل يتعدَّ ى إىل املعاين
يشء إىل آخر ٍ اإلسالمي هو الذي يستفيد من منهجية املنطق لالنتقال من ُّ
علة وهذه الع ّلة نتجت يف الذهاب بفعل التالقي بني ال يتح َّقق ّإاّل بوجود ٍ
احل ّيّل ذلك َّ
بأن العاّلمة ِ
املنطق املستقدم وبني األلفاظ الدينية النقلية ،وقد َّبنَّي ّ
أواًل إىل النظر يف األلفاظ ،نعم َّملا كانت املعاين إنَّام تُستفا ُد«املنطقي ال قصد له ً
من األلفاظ - ،وهو يبحث عن املعاين – صار البحث عن األلفاظ مقصو ًدا
احل ّيّل بأمهية املنطق ورضورة طلبه، العاّلمة ِ
أقر ّ بالقصد الثاين» ،وبذلك َّ
3
.1الخواجة نرص الدين الطويس ،تجريد املنطق ،منشورات مؤسسة األعلمي للمنشورات ،بريوت،
ط1988 ،1م ،ص.59
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ،مؤسسة النرش اإلسالمي ،ق ّم ّ .2
املقدسة ،ط1412 ،1هـ ،ص.183
.3م .ن ،ص.194
| 136تاریخ علم املنطق
مدخل لدراسة مبحث القضايا ٌ وبأن مبحث األلفاظ غاية يف األمهية؛ ألنَّه َّ
واألقيسة والرباهني ،وإقامة األدلة عىل إثبات املسائل الفلسفية والكالمية،
ومدخل يف علم أصول الفقه ،وقد و َّظف آلية املنطق يف العديد من كتبه
مذهبي
ٍّ األصولية والكالمية بغية الدفاع عن املعتقدات التي تبنَّاها كمعتقد
يعزز نظرية رضورة تالزم املنطق مع الفكر الديني ،السيام َّ
إن إسالمي ،ممَّا ِّ
ٍّ
مهاًم يف توظيف املنطق واحلفاظ عليه. دورا ً
علامء الدين قد أ ّدوا ً
الخامتة والنتائج:
بعد معاجلة العالقة بني املنطق واللغة العربية ودورها يف تطوير الفكر
اإلسالمي ،يمكننا الوصول إىل ٍ
مجلة من النتائج التي ِّ
نلخصها فيام ييل: ِّ
ٍ
بشكل رواد الفلسفة اإلسالمية األوائل توظيف الفلسفات 1.لقد اســتطاع َّ
احلجة املنطقية خاص لتدعيم األفكار الدينية وإقامة ّ بشكل ٍّ ٍ عا ٍّم واملنطق
عليها دون االكتفاء بأدلتها النقلية ،مســتثمرين ســعة اللغة ومرونتها،
ودالالت لغوي ًة من ٍ معاين إسالمي ًة ِ
رشحه للمقوالت فالفارايب قدَّ م يف
َ
أن ابن سينا صاغ اللغة العربية مل تكن متاح ًة يف اللغة اليونانية ،يف حني َّ
جديدة أساســها الرشح والتحليل والتقسيم دون االكتفاء ٍ املنطق ٍ
بلغة
اإلســامي،
ِّ قابل للتطبيق عىل الفكر ديناميكي ٍ
ٍّ بنقله ممَّا حولــه ٍ
ملنطق
وكذا احلال مع ابن حزم الذي ربط املنطق بالعامل املحسوس ا ُملدرك.
ٍ
بلغات يتــم التعبري عنه توصــل الفارايب إىل َّ
فكر عا ٌم ُّ
أن املنطــق باألصل ٌ َّ 2.
خمتلفة ،وبذلك تكون صناعة املنطق تشــابه متا ًمــا صناعة النحو؛ َّ
ألن ٍ
نسبة املنطق إىل العقل واملعاين توازي نسبة النحو إىل اللسان واأللفاظ،
فإن علم املنطق يعطينا وكل ما يعطينا إ ّياه النحو من القوانني يف األلفاظ َّ ُّ
نظائرهــا يف املعقوالت ،وكام أنَّه ال يســتقيم الــكالم الفصيح ّإاّل عىل
اإلسالمي | 137
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
قواعد النحو هكذا ال يرتاح الفكر إىل اليقني ما مل يكن مســندً ا باملنطق
بأن التبدالت التارخيية التي تطال حياة األمم سندً ا ومرج ًعا ،وقد أدرك َّ
هي التي ُحُتدث تغريات يف لغتهم وتبدِّ هلا مع تبدُّ ل أحواهلم ،وقد حاول
فكري ٍ
نســق آماًل بناء ٍ
وتقارب بني اللغة واملنطق ً الفــارايب خلق ٍ
تآلف
ٍّ
قوامه العقل والربهان ،واض ًعا بذلك أوىل أسس الفلسفة اللغوية التي
تطورت الح ًقا وباتت من أبرز فلسفات القرن العرشين. َّ
بشكل عام،ٍ 3.ســعى ابن سينا إىل جعل املنطق أدا ًة وجز ًءا من العلوم املعرفية
األنطولوجي ا ُملدرك
ِّ لذا فقد حاول إســقاط معرفة املنطق عــى الوجود
املجــردة عرب املنطق إىل َّ حماواًل إرجاع املفاهيــم الرياضية ً يف احلــواس،
املوضوعات املحسوســة ،فوظيفة املنطــق التح ُّقق من املعــاين اللغوية
ألن اللغــة العربية تتميز بمباحث لغوية واملفاهيم املســتخدمة يف اللغة؛ َّ
ٍ
بشكل يقبل ٍ
خمتلفة ٍ
فلســفات ممَّا جيعلها تتعامل مع املنطق ا ُملســتقدم من
إن اجلاهل لقواعد التعديل والتحليل ،وذلك نتيجة للتباين اللغوي ،أي َّ
فإن من جيهل املنطق أن يكون كات ًبا ،وعليه َّالنحو وال َعــروض ال يمكن ْ
بصريا ،وقد حاول ابن ســينا تطوير املنطق ً أن يكون مفك ًِّراال يســتطيع ْ
والطب وتوظيف املنطق اليوناين يف خدمة اللغة ِّ مــن خالل مجع احلكمة
مستفيدً ا من نتاج مفكري اللغة والدين السابقني له ،ممَّا ساعده عىل تقديم
متطو ٍر عن املوروث اليوناين ا ُملرتجم للعربية. منطقي ِّ ٍّ إسالمي
ٍّ ٍ
فكر
حمسوس
ٌ قسم أخوان الصفا املنطق إىل قسمني ،األول لفظي يتع َّلق بام هو َّ 4.
عرِّب عنه عىل شكل ٌ
معقول ُي ِّ فكري
ٌ يشــر إىل اســتخدام اللغة ،والثاين
ذهنية ،وقد قال أخوان الصفا باملقوالت األرســطية املنطقية ٍ ٍ
تصورات
وســعوا لتوظيفها يف الكالم ،أي يف األحــكام والقضايا والتي يمكن
اللغوي يمنعهم
َّ وصفها بالصدق أو الكذب ،مع تذكريهم َّ
بأن اإلطار
من وصف بعض القضايا بالصدق أو الكذب ،كام هو احلال يف األمر،
| 138تاریخ علم املنطق
املكونة من
والســؤال ،والنداء ،والتمني ،وبالتايل لغو ًيــا تبقى القضية َّ
حدين (موضوع ،وحممــول) مع َّلقة ال متلك اللغة اإلجابة عنها صد ًقا
فإن رسائلهم شــملت علوم املنطق واللغة والتاريخ أو كذ ًبا ،وبالتايل َّ
وبلغة ٍ
أدبية تطرح أبرز ٍ ٍ
جلمهور واس ٍع موجهة
والسياسة ،فهي رسائل َّ
مشاكل الفلسفة هبذه اللغة بأسلوب قد ُعني باأللفاظ وداللتها ،وأثبتت
اإلســامي عىل اســتيعاب الثقافات
ِّ قدرة اللغة العربية وتعاليم الدين
والعلوم املختلفة حتى تكاد تكون دائرة معارف ،وأبرزت أفضلية اللغة
اإلسالمي ٍ
بنحو ِّ العربية يف تق ُّبل الفكر الفلســفي ومرونة تعاليم الدين
خاص الذي أسس قواعد متين ًة لعلم ٍ
منطق بنحو ّعام واملذهب الشيعي ٍ
حيمل هويته ورسالته.
5.يقــوم املنطق عىل تق ُّبل النقد وحيرتم حق االختالف بالرأي ،كام يقوم عىل
اإلسالمي الذي
ِّ أساس النقد واالختالف بالرأي ،وهذا ما م َّيز املنطق
اخلاصة به بوصفه مذه ًبا
ّ يعالج القضايا الدينية واالختالفات املذهبية
عاَّم ســواه من دون أن إســام ًيا له ماهيــة جتعل من موضوعاته خمتلفة َّ
يرفض فكر اآلخرين ،وقد أوضح السيد رائد احليدري دور املنطق يف
جودة األلفاظ واملعاين ملا له من منهجية تعصم اللســان عن الزلل بعد
تالقيه مع النحو والرصف ،كام أكَّد الشيخ الباحث حممد رضا املظ َّفر َّ
أن
املنطق يتط َّلب االستزادة من علوم غرينا مع احلفاظ عىل هويتنا الدينية
واملذهبية فيكون لدينا منطقنا اخلاص والقائم عىل أساس تعاليم الدين
أن املنطق البوابة العاَّلمة ِ
احل ّيّل وجد َّ أن َّوخصوصيــة املذهب ،يف حني َّ
الرئيسة لدراسة مبحث القضايا واألقيسة والرباهني ،وإقامة األدلة عىل
إثبات املسائل الفلسفية والكالمية ومدخل يف علم أصول الفقه.
اإلسالمي | 139
ّ املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر
15.ـــــــــــــــــــ ،إحصاء العلوم ،حتقيق ،عثامن أمني ،دار الفكر العريب ،القاهرة،
ط1949 ،2م.
16.ـــــــــــــــــــ ،كتاب املخترص باملنطق عىل طريقة املتكلمني ،حتقيق ،رفيق العجم ،دار
املرشق ،بريوت ،ط.1985 ،1
17.مهدي فضل اهلل ،مدخل إىل علم املنطق -املنطق التقليدي ،دار الطليعة للطباعة والنرش،
بريوت ،ط1985 ،3م.
18.نــر الديــن الطــويس ،جتريــد املنطــق ،منشــورات مؤسســة األعلمــي ،بــروت،
ط1988 ،1م.
19.ابن حزم التقريب حلد املنطق واملدخل إليه (باأللفاظ العامية واألمثلة الفقهية) ،ويليه حمك
النظر يف املنطق ،تأليف ،حجة اإلسالم الغزايل ،حتقيق ،أمحد فريد املزيدي ،منشورات دار الكتب
العلمية ،بريوت ،د.ت.ن.
20.ابن رشد ،تلخيص كتاب املقوالت ،حتقيق ،حممود قاسم ،مراجعة ،وتقديم ،تشارلس بروث،
وعبد املجيد هريدي ،منشورات اهليأة املرصية العامة للكتاب ،القاهرة ،ط1980 ،1م.
21.ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،دار املعارف ،القاهرة ،ط1960 ،1م.
22.ابــن ســينا ،منطــق املرشقيــن ،حتقيــق ،شــكري النجــار ،دار احلداثــة ،بــروت،
ط1982 ،1م.
23.ابن سينا ،كتاب النجاة يف احلكمة الطبيعية واملنطقية واإلهلية ،تنقيح ،وتقديم ،ماجد فخري،
دار اآلفاق اجلديدة ،بريوت ،ط1985 ،1م.
24.أخوان الصفا ،الرسائل ،اجلزء األول ،منشورات دار صادر ،بريوت ،ط ،1د.ت.ن.
25.أخوان الصفا ،الرسائل اجلزء األول ،تقديم ،طه حسني ،مراجعة ،خري الدين الزركيل،
منشورات مؤسسة هنداوي ،لندن ،القاهرة2018 ،م.
اعالم املنطق
عند اإلمامیة
ّ
وتحول اإلبداعات املنطقية للفارابي ودوره يف نشر
1
املنطق األرسطي يف عالم اإلسالم
2
د .أكرب فائدئي
3
د .أمحد احلسيني
ُملخّص البحث
إن أبا نرص الفارايب من خالل إيضاح املفاهيم الغامضة للمنطق األرسطي ّ
يف رشحه وتفسريه املبدع جلميع أبواب كتاب أرغانون ألرسطو ،وكذلك
من خالل إبداعاته ّ
الفذة يف علم املنطق ،وال س ّيام تقسيم املعارف إىل
ثم
التصور والتصديق ،أ ّدى إىل نرش الرتاث املنطقي لليونانّ ،
ّ قسمني ،ومها:
تتعرض إىل
إن هذه املقالة ّحتوله وتطويره يف العامل اإلسالميّ .العمل عىل ّ
بحث ودراسة بعض األفكار املنطقية للفارايب؛ ومن بينها تقسيم املعارف
تصو ٍر وتصديق ،ورأي الفارايب بشأن الكيل واجلزئي ومنشأ معرفة ّ إىل
األول واملعقول الثاين ،وتلفيق
اإلنسان ،وتقسيم املفاهيم الكلية إىل املعقول ّ
نظرية قابلية احلمل عند أرسطو مع الكليات اخلمسة لفرفوريوس ،والذاتية
يف التعريف ،ومغايرة سلب اجلهة مع السالبة املوجهة ،ونظرية الفارايب يف
اإلمكان االستقبايل ،واالستقراء والتمثيل ،وإبداعه يف باب املغالطة ،وبسط
مواضع املغالطة وبياهنا.
.1املصدر :نُرشت هذه املقالة باللغة الفارسية تحت عنوان( :نوآوري هاي منطقي فارايب و نقش
او در اشاعه و تح ّول منطق ارسطويئ در جهان اسالم) يف مجلة :خردنامه صدرا ،وهي مجلة علمية
/تحقيقية تصدر يف إيران ،العدد ،80 :صيف عام 1394هـ ش ،الصفحات 25 :ـ .38
تعريب :حسن عيل مطر
.2أستاذ يف مجموعة الفلسفة والحكمة اإلسالمية يف جامعة الشهيد مدين يف محافظة آذربيجان /إيران.
.3أستاذ مساعد يف مجموعة الفلسفة والحكمة اإلسالمية يف جامعة الشهيد مدين يف محافظة
آذربيجان /إيران.
| 144تاریخ علم املنطق
املقدّ مة
إن تاريخ ظهور املنطق ،بمعنى اجلهود واملساعي املبذولة من أجل ّ
أن أرسطو هو ّأول من عمل مقرون بخلق اإلنسان ،بيد ّ
ٌ تصحيح التفكري،
عىل مجع املنطق النظري ،وقام بتدوينه من خالل تعيني أبوابه وفصوله .وإنّه
يف ضوء مبانيه املعرفية ،عمد إىل بيان املنطق احلميل ،و ُيعدّ بحث االستدالل
أهم آرائه.1
احلميل والقياس احلميل من ّ
ملنطق آخر حتت عنوان املنطق الرواقي / ٍ تم التأسيسوبعد أرسطو ّ
امليغاري من قبل امليغاريني ،حيث كان ــ خال ًفا للمنطق األرسطي ــ يبحث
يف املنطق الرشطي .وعىل هذا األساس ّ
فإن الرتاث املنطقي لليونان عبار ٌة عن
املذهب األرسطي واملذهب الرواقي /امليغاري.2
وقد ا ّطلع أبو نرص الفارايب ــ امللقب باملعلم الثاين ــ عىل الرتاث املنطقي
ٍ
شارح أو مقرر اليوناين بشكل كامل ،و ُيعد بعد فرفوريوس الصوري ّأول
لكتب أرسطو ،حيث يم ّثل من خالل رشحه التفصييل عىل كتاب أرغانون
ألرسطو قنا ًة النتقال املنطق الصوري األرسطي إىل املسلمنيّ ،
وإن مجيع من
تاله من املناطقة ــ ومن بينهم ابن سينا ــ قد درسوا منطق أرسطو من زاوية
ورؤية الفارايب .3وقد اقترص الفارايب عىل مالحظة منطق أرسطو فقط ،ومن
ٍ
منطقية ٍ
أفكار خالل رشح أبواب املنطق األرسطي وبسطها ،حصل عىل
خاصة ،حيث سنعمل عىل ذكر ودراسة بعضها.
.1اللوكري ،أبو العباس ،بيان الحق بضامن الصدق ،املنطق ،ص 32ـ ،33أمري كبري ،طهران 1364 ،هـ ش.
.2ماكوولسيك ،آ ،.تاريخ منطق ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :فريدون شايان ،ص ،143و،209
و ،234انتشارات پيرشو ،طهران 1366 ،هـ ش.
.3دانش پژوه« ،ديباجه» املنطقيات للفارايب ،ج ،1ص أ؛ ررش ،نيكوالس« ،سري منطق در جهان اسالم»،
ترجمه إىل اللغة الفارسية :لطف الله نبوي ،مجلة فصلنامه مفيد ،العدد ،24 :ص 1379 ،38هـ ش.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 145
ٍ
منطق من قسمني تصور وتصديق ،اإلعداد لظهور
1ـ تقسيم العلم إىل ّ
تم مجع األبحاث املنطقية ألرسطو يف بادئ األمر يف ستة كتب حتت
لقد ّ
عنوان أرغانون .ثم عمد فرفوريوس الصوري بعد ذلك إىل إضافة بحث
كتايَب
اإليساغوجي أو مدخل املنطق إليه ،وقام املسلمون بدورهم بإضافة َ
أيضا ،وجعلومها جز ًءا من الصناعات اخلطابة والشعر إىل آخر املنطق ً
ٍ
منطق اخلمس ،وبذلك شاعت منطقيات أرسطو بني املسلمني عىل شكل
ف من تسعة أجزاء .ويف هذا التقسيم تبدأ أبواب املنطق باملقوالت مؤ َّل ٍ
والعبارات ،والتحليالت األولية والتحليالت الثانوية ،وتنتهي بالشعر
واخلطابة واإليساغوجي .وهكذا هو األمر بالنسبة إىل كتاب الشفاء البن
سينا ،وأساس االقتباس للشيخ نصري الدين الطويس.1
إن من بني اإلبداعات املنطقية للفارايب ،أنّه عمد يف صدر كتاب الربهان ّ
التصور
ّ والصور احلاصلة يف النفس إىل قسمني ،ومها:َ إىل تقسيم العلوم
(الصور املقرونة باحلكم) .وبالنظر
َ املجردة عن احلكم) ،والتصديق
(الصور ّ
َ
التصورات ،واألد ّلة ناظر ٌة إىل التصديقات،
ّ ناظر إىل
أن باب التعريف ٌ إىل ّ
بقسمي املنطق وإعداد األرضية الالزمة لظهور املنطق السينويَ تم االهتامم
املؤ َّلف من قسمني.2
وقد استلهم ابن سينا يف بعض كتبه من إبداع الفارايب يف اكتشاف ثنائية
التصور والتصديق،
ّ عمل الذهن ،وتب ًعا لذلك عمد إىل تقسيم العلم إىل
.1قرامليك ،أحد فرامرز« ،اإلشارات والتنبيهات ،رسآغاز منطق دو بخيش» ،آينه پژوهش ،العدد:
،24ص 1373 ،39هـ ش.
.2الفارايب ،عيون املسائل ،ملحق« :الثمرة املرضية يف بعض الرساالت الفارابية» ،إعداد:
فريدريس ديرتيتيس ،ص ،56ليدن 1890 ،م؛ الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي
دانش پژوه ،ج ،1ص 266ـ ،267مكتبة آية الله املرعيش النجفي ،قم 1408 ،هـ.
| 146تاریخ علم املنطق
التصورات والتصديقات،
ّ و ُق ّسم املنطق إىل قسمني رئيسني ناظرين إىل
وخفض تقسيم املنطق األرسطي من تسعة أبواب إىل بابني .1وقد عمد يف
اإلشارات والتنبيهات ،ودانشنامه عالئي ،ومنطق املرشقيني ،إىل أخذ احلد
والرسم من كتاب الربهان ألرسطو ،وقدّ مه عىل منطق االستدالل عىل شكل
كثري من ٍ
التصورات قبل القضايا .ثم قام ٌ
ّ بحث مستقل ،ووضعه يف قسم
2
علامء املنطق الح ًقا باقتفاء أثر منطق ابن سينا املؤ َّلف من قسمني ،وذكروا
أبحاث التعريف قبل قسم القضايا.3
.1ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،اإلشارات والتنبيهات ،مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس،
ج ،1ص ،23دفرت نرش كتاب ،طهران 1403 ،هـ؛ قرامليك ،أحد فرامرز ،مقدمة بر التنقيح يف
املنطق لصدر املتألهني ،تصحيح وتحقيق :غالم رضا يايس پور ،ص ،10بنياد حكمت اسالمي
صدرا ،طهران 1378 ،هـ ش.
.2قرامليك ،أحد فرامرز ،مقدمة بر التنقيح يف املنطق لصدر املتألّهني ،ص 8ـ 15؛ ابن سينا،
حسني بن عبد الله ،اإلشارات والتنبيهات ،مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس ،ج ،1ص ،23
و 95ـ 1403 ،112هـ.
.3قرامليك ،أحد فرامرز« ،اإلشارات والتنبيهات ،رسآغاز منطق دو بخيش» ،آينه پژوهش ،العدد:
،24ص 1373 ،43هـ ش.
.4الفارايب ،التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله) ،النسخة املخطوطة ،ص ،107كتابخانه
مجلس شوراي اسالمي ،برقم ،64489 :تحرير 1330هـ.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 147
عىل إعداد عقل اإلنسان لفهم الكيل من طريق إفاضة العقل الف ّعال.
عدد من األشياء ،واجلزئيإن الكيل من وجهة نظر الفارايب هو وجه تشابه ٍ ّ
أن يتشابه فيه شيئان« :الكيل ما شأنه ْ
أن يتشابه به اثنان أو أكثر، أمر ال يمكن ْ
ٌ
وأيضا ّ
فإن الكيل أصاًلً . أن يكون به تشابه بني اثنني ًوالشخيص ما ال يمكن ْ
أن ُحُيمل عىل أكثر من واحد ،والشخص هو ما ليس من شأنه ْ
أن هو ما شأنه ْ
ُحُيمل عىل أكثر من واحد» .2وقال يف موضع آخر« :املعنى ّ
الكيّل هو الذي
أن يتشابه به اثنان ً
أصاًل».3 يتشابه به عدّ ة أشياء ،والشخيص هو ما ال يمكن ْ
بأن الكيل عبارة عن وجه التشابهيف ضوء هذا الكالم من الفارايب القائل ّ
أن يكون هناك شيئان يف احلدّ األدنى للعمل عىل انتزاع بني عدّ ة أشياء ،جيب ْ
الكيل ،بيد أنّه مل يقل شي ًئا بشأن تلك الطائفة من املفاهيم الكلية التي ليس هلا
.1الفارايب ،فصوص الحكم ،تحقيق :محمد حسن آل ياسني ،ص 81ـ ،82انتشارات بيدار ،قم،
1364هـ ش؛ حسن زاده آميل ،حسن ،نصوص الحكم بر فصوص الحكم للفارايب ،ص ،292
مركز نرش فرهنگي رجاء ،طهران 1375 ،هـ ش.
.2الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي دانش پژوه ،ج ،1ص 1408 ،28هـ.
.3م .ن ،ص .118
| 148تاریخ علم املنطق
ٍ
مصداق أبدً ا.1 أي ٍ
سوى فرد واحد ،أو ليس هلا ّ
إن اجلزئي من وجهة نظر الفارايب باإلضافة إىل وجوده يف الذهن ،له ّ
وإن الكيل كذلكأيضا؛ ّكذلك وجود يف األفراد اخلارجيني واملحسوسني ً
ٍ
بوجود حقيقي بالعرض يف األفراد اخلارجيني ،حيظى
باإلضافة إىل وجوده َ
احليّسّ ،
وإن العقل البرشي إن الكليات تتح ّقق من اإلدراك ّ أيضاّ .2
يف الذهن ً
يستخرج الكيل من طريق التجريد من اجلزئيات3؛ ويف الوقت نفسه ّ
فإن الكيل
يف حدّ ذاته حيتوي عىل وجود مقدّ ٍم عىل وجود اجلزئياتّ .
إن هذا االجتاه من
الفارايب دفع ابن سينا إىل االعتقاد بوجود ثالثة أنواع من الكيل ،وهي كاآليت:
1.الكيل (ما قبل الكثرة) أو الكيل السابق عىل اجلزئي املوجود يف العلم اإلهلي
والعقول املفارقة.
السعي الوجودي املوجود يف الكثرات2.الكيل القائم عىل اجلزئي ،أو الكيل ِّ
سمى بـ(الـكيل يف الكثرة).
اخلارجية ،والذي ُي ّ
سمى بـ(الكيل بعد الكثرة).4 3.الكيل ّ
املتأخر واملنتزع من اجلزئي الذي ُي ّ
لقد عمد ابن سينا إىل تقسيم املفاهيم الكلية بلحاظ املصداق ،إىل ثالثة
أنواع ،وهي:
1.الكيل الذي له أفراد بالفعل ،من قبيل :كيل (اإلنسان).
.1الفارايب ،التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله) ،النسخة املخطوطة ،ج ،3ص 32ـ 1330 ،33هـ.
.2إن «الكيل والجزيئ» من املعقوالت املنطقية الثانية التي تعرض يف الذهن عىل املفاهيم؛ غاية
ما هنالك أن الجزيئ يوجد يف الخارج بشكل شخيص ،يف حني أن الكيل يتحقق ضمن األفراد.
.3الفارايب ،كتاب الجمع بني رأيي الحكيمني ،ص ،56دار ومكتبة الهالل ،بريوت 1996 ،م.
.4بور ،تجتيز .جي .دو ،تاريخ الفلسفة يف اإلسالم ،ترجمه إىل اللغة العربية :محمد عبد الهادي أبو
ريدة ،ص ،173دار النهضة العربية ،بريوت؛ ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،الشفاء ،املنطق ،املدخل،
تحقيق :األب قنوايت وآخرون ،ج ،1ص ،69مكتبة آية الله املرعيش النجفي ،قم 1405 ،هـ.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 149
2.الكيل الذي ليس له فرد ،ولكن وجود الفرد أو األفراد بالنســبة إليه جائز
وممكن ،من قبيل :البيت الذي له سبع زوايا.
أن ذات تصوره يقبــل وجود ٍ
فرد أو أفراد 3.الــكيل الذي له فــرد واحد ،بيد ّ
ّ
آخرين ،ولكنه حمرو ٌم بوساطة سبب غري ذات املفهوم الكيل من إمكان
األفراد املشــركني بالفعــل؛ من قبيل مفهوم (الشــمس) بالنســبة إىل
الشخص الذي ال جييز وجود شمس أخرى.1
وقد أضاف الفخر الرازي يف رشح عيون احلكمة ،والكاتبي القزويني يف
ٍ
مصداق خارجي أي
الشمسية ،طائفتني أخريني إىل األقسام أعاله ،ليس هلام ّ
أبدً ا؛ أحدمها :الكيل املمتنع الوجود ،مثل (رشيك الباري) ،والـ (ال يشء) ،والـ
(ال ممكن باإلمكان العام) ،ومفهوم (اجتامع النقيضني)؛ واآلخر :الكيل املمكن
الوجود الذي ليس له أي مصداق ،مثل( :بحر من الزئبق) .2وقد عمد الفخر
الرازي يف منطقه ّ
امللخص إىل تقسيم الكيل إىل ستة أقسام ،وذلك عىل النحو اآليت:
1.الكيل املمتنع الوجود ،من قبيل( :رشيك الباري).
2.الكيل املمكن الوجود ،الذي ليس له مصداق ،من قبيل( :جبل من ذهب).
3.الكيل الذي ليس له سوى ٍ
فرد واحد ،حيث يمتنع وجود أفراد آخرين له،
من قبيل( :الباري تعاىل).
4.الكيل املمكن الوجود الذي ليس له سوى فرد واحد ،من قبيل( :الشمس).
5.الكيل الذي له الكثري من األفراد واملتناهي ،من قبيل (الكواكب).
.1ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،اإلشارات والتنبيهات ،مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس ،ج
،1ص 1403 ،37هـ؛ ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،الشفاء ،اإللهيات ،ج ،1ص 1404 ،195هـ.
.2الفخر الرازي ،محمد بن عمر ،رشح عيون الحكمة ،تحقيق :أحمد حجازي السقا ،ج ،1ص
،55مؤسسة الصادق للطباعة والنرش ،طهران 1373 ،هـ ش؛ التفتازاين ،مسعود بن عمر ،رشح
الشمسية للمنطق لإلمام الكاتبي ،ص ،57دار النور املبني للدراسات والنرش ،عامن 2011 ،م.
| 150تاریخ علم املنطق
عمد الشيخ الرئيس ابن سينا ــ مثل الفارايب ــ إىل االستفادة من املعقول
الثاين للمفاهيم املنطقية ،من قبيل :النوع واجلنس والكيل و ...املرتتبة عىل
املفاهيم األولية ،ولكنّه مل يستعمل مصطلح املعقول الثاين ملفاهيم من قبيل
وإن كان مطل ًعا عىل االختالف بني هذه املفاهيمالوجود والوحدة والشيئيةْ ،
واملفاهيم املاهوية .وقد م ّثل يف كتاب التعليقات للمعقول ّ
األول باجلسم
األول ويراه
واحليوان ونظائر ذلك ،وجعل املعقول الثاين مستندً ا إىل املعقول ّ
موضو ًعا للمنطق ،وم ّثل له بالكلية واجلزئية واملفاهيم املنطقية األخرى.1
وبعد ابن سينا جاء تلميذه هبمنيار يف حتليل بعض هذه املفاهيم ،من قبيل:
وساّمها باملعقوالت الثانية .2وكذلك ذهب الوجود ،والذات ،والشيئيةّ ،
شيخ اإلرشاق إىل عدّ مجيع هذه األنواع من املفاهيم (املاهية ،والشيئية،
واحلقيقة) من االعتبارات العقلية واملعقول الثاين الفلسفي.3
.1ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،التعليقات ،تصحيح :عبد الرحمن بدوي ،ص 167ـ ،168
مكتب اإلعالم اإلسالمي ،قم 1404 ،هـ.
.2بهمنيار ،ابن املرزبان ،التحصيل ،تصحيح :مرتىض املطهري ،ص ،286دانشگاه طهران،
طهران 1375 ،هـ ش.
.3السهروردي ،شهاب الدين يحيى ،مجموعه مصنفات شيخ ارشاق ،ج ،1ص ،361مؤسسة
مطالعات و تحقيقات فرهنگي ،طهران 1372 ،هـ ش؛ املصدر ذاته ،ج ،2ص ،64وص .114
| 152تاریخ علم املنطق
1.ما هو مادة للتشــابه الذايت بني األشياء واملحمول األعم الذي يرد جوا ًبا عن
سمى باجلنس. سؤال ما هو ،و ُي ّ
األخص الذي يرد جوا ًبا عن
ّ 2.ما هو مادة للتشابه الذايت بني األشياء واملحمول
سمى بالنوع.سؤال ما هو ،و ُي ّ
العرض العام الذي ُيشكّل ما ّدة للتشابه غري الذايت بني األشياء.
َ 3.
4.الفصل الذي هو مادة لالختالف الذايت لليشء عن سائر األشياء األخرى.
اخلاصة التي هي مادة لالختالف والتغاير غري الذايت بني األشياء.1
ّ 5.
واملحموالت املركبة تتأ ّلف بدورها من أقسام متعدّ دة ،ومن بينها احلدّ الذي
هو مركّب من اجلنس والفصل ،والرسم الذي هو مركّب من اجلنس واخلاصة أو
خاصة لنو ٍع واحد.2
عدد من األعراض العامة ،والتي تكون بمجموعها ّ
وذهب أرسطو يف إطار رؤيته الواقعية إىل االعتقاد باحلقيقة العينية لألشياء
واشتامهلا عىل الذات واحلقيقة ،وهي الذات التي تشكّل ماد ًة لتاميز األشياء فيام
أمرا ممكنًا .وهو يرى ّ
أن املعرفة الكاملة بينها ،وجتعل التفكري فيها واحلديث عنها ً
إن احلدّ هو القول ظل معرفتها وتعريفها احلدّ يّ . باألشياء إنّام تكون ممكن ًة يف ّ
الدال عىل ماهية اليشء ،واملشتمل عىل ذاتيات ذلك املعنى املركّب من اجلنس
والفصل ،واملراد منه هو اجلنس القريب والفصل القريب ،ليكون مع ًربا عن مجيع
تتم الغفلة
مثاًل أنّه من خالل ذكر اجلنس العايلّ ، الذاتيات املحدودة؛ من ذلك ً
عن بعض األجناس املحدودة ،1وهي كلية وموجبة عىل الدوام.2
يشء ما ،هو العلم بعلة إن معرفة ماهية ٍ وقال يف التحليل العقيل ملعنى احلدّ :
إن ذات اليشء وجوهره يف وسبب وجود ومعرفة ذات وحقيقة ذلك اليشءّ .3
مقام التعريف متقدّ ٌم عىل سائر املقوالت ،من قبيل :الكم والكيف واألين؛ إذ
أيضاّ .4
إن حارضا ً
ً أن يكون تعريف ذاته وجوهره كل يشء ،جيب ْ يف تعريف ّ
اساًم
أن يذكر ًالتعريف احلقيقي ملاهية يشء قول يفيد ذات ذلك اليشء دون ْ
لذات اليشء يف التعريف5؛ إذ ليس اليشء وماهيته شي ًئا واحدً ا فقط ،بل ّ
إن القول
إن القول الشارح أو تعريف ماهية األشياء مركّب من أيضاّ .6
الشارح له واحد ً
1. See: Berg، Jan، Aristotle’s Theory of Definition، ACTS of the International Congress of the
History of Logic، San Gimignano. 4 to 8 December 1982، CLUEB، Bologan (Italy) in 1983، p. 28.
.2أرسطو ،متافيزيك (ما بعد الطبيعة) ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :محمد حسن لطفي ،ص 1038
،aانتشارات طرح نو ،طهران 1385 ،هـ ش؛ أرسطو ،منطق أرسطو ،ج ،2ص .432
3. See: Bayer، Greg، «Classification and Explanation in Aristotle’s Theory of Definition، Jour-
nal of the History of Philosophy، 36، Number 4، October 1998، p. 487.
.4أرسطو ،متافيزيك (ما بعد الطبيعة) ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :محمد حسن لطفي ،ص 1028
1385 ،b 1028 – aهـ ش.
.5م .ن ،ص b 1029؛
Also See: Kennedy – Day، Kiki، Definition in the Philosophy of al – Kindi، al – Farabi، Ibin Sina،
A thesis presented for the degree of Doctor of Philosophy، New York University، 1996. p. 1029.
.6أرسطو ،متافيزيك( ،ما بعد الطبيعة) ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :محمد حسن لطفي ،ص 1032
1385 ،aهـ ش.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 155
.1الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :رفيق العجم ،ج ،1ص ،62دار املرشق ،بريوت،
1986م؛ الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :ماجد فخري ،دار املرشق ،بريوت 1987 ،م.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 157
إن ّ
كل اللذين يعمالن عىل بيان الذاتيات ،إنّام مها تفصيل لليشء املحدودّ .1
واحد من األجزاء التا ّمة للحد (اجلنس والفصل) ،يقبل احلمل عىل املحدود ،بيد ٍ
أن أجزاء احلدّ ال تقبل احلمل عىل املحدود؛ كام قيل يف تعريف الدائرة :الدائرة ّ
خط واحد؛ بحيث تكون مسافة ّ
اخلط الواحد املحيط هبا من مجيع شكل حييط به ٌّ
إن الشكل يقبل احلمل عىل الدائرة ،بيد ّ
أن اجلهات بالنسبة إىل املركز متساويةّ .
اخلط الواحد الذي هو ليس جز ًءا تا ًّما لتعريف الدائرة ،ال يقبل احلمل عىل ّ
أن اجلزء التام للحدّ ال يقبل احلمل عىل الدائرة .وقد استنتج الفارايب من ذلك ّ
ٍ
واحد من األجزاء التا ّمة بدورها تقبل احلمل عىل بعضها عىل وإن ّ
كل املحدودّ ،
نحو الكلية أو اجلزئية ،ولكن لو كان جزء احلدّ مر ّك ًبا من أجزاءّ ،
فإن أجزاء جزء
احلد ال تقبل احلمل عىل املحدود .2ويف هناية كالمه حتدّ ث عن كيفية اكتساب
األجناس والفصول واحلدود احلقيقية لألشياء من طريقني ،ومها :التقسيم
والرتكيب ،بشكل تفصييل.3
نقد
إن جزء ِ
جزء احلدّ ال يقبل إن هذا اإلطالق يف كالم الفارايب ــ إذ يقولّ :
ّ
َ
ألن املناطقة أنفسهم قالوا ّ
بأن صحيحا؛ وذلك ًّ احلمل عىل املحمول ــ ال يبدو
واملتحرك باإلرادة ،يف حني ّ
أن ّ الفصل القريب للحيوان هو املركّب من احلساس
واملتحرك باإلرادة ـ لوحده ـ يقبل احلمل عىل احليوان. ٍ
واحد من احلساس كلّ
ّ
وقد قام الفارايب نفسه يف (اإليساغوجي) بذكر اجلسم املتغذي واحلساس يف
التعريف احلدّ ي لإلنسان ــ بوصفهام من األجزاء احلد ّية للحيوان ــ ً
بداًل من
عرف اإلنسان حدّ ًيا باجلسم املتغذي احلساس الناطق،اجلنس القريب له ،وقد ّ
.1الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :ماجد فخري ،ص 45ـ ،47دار املرشق ،بريوت 1987 ،م.
.2م .ن ،ص 45ـ 46؛
Also See: Fakhry، Al – Farabi، Fander of Islamic Neoplatonism، pp. 56 – 57.
.3الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :ماجد فخري ،ص 53ـ 1987 ،57م.
| 158تاریخ علم املنطق
واحلساس بمفرده ْ
أن ُحُيمل عىل ٍ
واحد من اجلسم واملتغذي يف حني يمكن ّ
لكل
ّ
اإلنسان.1
6ـ اعرتاف الفارايب بامتناع التعريف احلقيقي لألشياء
لقد ذهب الفارايب يف أكثر كتبه املنطقية إىل إمكان التعريف احلدّ يْ ،
وإن كان
أقر بامتناع التعريف احلقيقي .فقد رأى
صع ًبا للغاية .بيد أنّه يف كتاب التعليقات ّ
املقومة هلا ،ليس
أن الوصول إىل ذات وحقيقة األشياء واالطالع عىل الفصول ّ ّ
خواص األشياء ولوازمها فقط؛ إذ قال يف
ّ مقدورا لإلنسان ،ونحن إنّام نعرف
ً
ٍ
«إن اإلنسان غري قادر عىل معرفة حقيقة األشياء ،ونحن إنّام نعرفهذا الشأنّ :
خواص األشياء ولوازمها وعوارضها فقط».2 ّ
أيضا :نحن ال نعرف حقيقة املبدأ األول ،والعقل ،والنفس، وهو يقول ً
إن معرفتنا عن املبدأ األول تقترص عىل أنّه واجب بالذات ال أكثر ،وهذا والفلكّ .
إن احلدّ جيب ْ
أن يكون مر ّك ًبا إنّام هو جمرد رشحٍ لالسم ،وليس تعري ًفا حقيق ًياّ .
املجرد التام)
من األجزاء (اجلنس والفصل) .وتار ًة يكون املحدود (مثل العقل ّ
أمرا بسي ًطا؛ ويف هذه احلالة يقوم اإلنسان من خالل حتليله عقل ًيا بإحالل مفهو ٍم ً
إن اجلوهر الذي هو بداًل من فصلهّ . حمل اجلنس ،ويضع املفهوم املساوي ً عام ّ
أمر بسيط ال يقبل التعريف احلقيقي .نحن فيام يتع ّلق باجلوهر ال نعرف عنه غري ٌ
خاصة اجلوهر وليس حقيقته .كام أننا ال (املوجود ال يف موضوع) ،وهذا إنّام هو ّ
نعرف حقيقة األمور املحسوسة ،من قبيل :املاء واهلواء والنار ،بل وحتى اجلسم،
ولذلك يوجد هناك عىل الدوام اختالف يف اآلراء حول ماهيات األشياء .نحن
أن هذه األمور من نعرف اجلسم بامتالكه الطول والعرض والعمق ،يف حني ّ
خواص اجلسم ،وال مت ّثل حقيقته.3
ّ
.1الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :رفيق العجم ،ج ،1ص 85ـ 1986 ،86م.
.2الفارايب ،التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله) ،الصفحة 1330 ،108هـ.
.3م .ن ،ص 109ـ .111
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 159
أن الوصول إىل احلدود التعرف عىل حقائق األشياءّ ،إاّل ّ ولو س ّلمنا إمكان ّ
كل ما ُيذكر إن ّ
واحد من األشياء يف غاية الصعوبة والتعقيد؛ إذ ّ ٍ لكلاحلقيقية ّ
خواص ولوازم األشياء ،وليس من ّ بوصفه ً
فصاًل ،إنّام هو يف الواقع عبار ٌة عن
احلساس واحلركة اإلرادية التي تؤخذ يف التعريف احلدي إن ّ فصوله احلقيقيةّ .
مقوم ٌة
فصاًل له ،إنّام هي من لوازم النفس احليوانية ،وهي ّ للحيوان بوصفها ً
وإن البسائطمقوم ًة لوجودهّ .
للمعنى العام للحيوان من حيث مفهومه ،وليست ّ
وإن الفصل احلقيقي من قبيل األلوان والكيفيات األخرى ،ليس هلا فصلّ ،
أنأيضا .من ذلك ــ عىل سبيل املثال ــ ّ قابل للتعريف ً للمركبات بدوره غري ٍ
وأن الناطق الذي يعدّ ٍ
معروفة بالنسبة لناّ ، حقيقة النفس الناطقة جمهول ٌة وغري
وخواص فصل اإلنسان.1ّ ً
فصاًل لإلنسان ،إنّام هو واحدٌ من لوازم
املوجهة
7ـ اختالف سلب اجلهة عن السالبة ّ
جاء يف البحث عن التقابل بني سلب القضايا وإجياهبا يف منطق أرسطوّ ،
أن
االختالف يف الكيف ُيعدّ واحدً ا من بني رشوط حتقق التناقض بني قضيتني .من
(إن اإلنسان عادل)ّ ،
و(إن اإلنسان غري عادل) متناقضتان، أن قضية ّ مثاًل ّ
ذلك ً
وأن أداة السلب يف القضية السالبة تعمل عىل سلب احلكم وسلب االرتباط، ّ
أن يكون موجو ًدا) ال تناقض قضية (من املمكن ّأاّل
وأ ّما قضية (من املمكن ْ
يكون موجو ًدا) ،وكلتا هاتني القضيتني صادقة؛ بل نقيضهام هو (ليس من املمكن
أن يوجد) ال أن يوجد) هو (ال جيب ْ
أن يكون موجو ًدا) ،ونقيض قضية (جيب ْ ْ
(جيب ّأاّل يوجد).2
قال الفارايب يف مقام رشحه وبيانه لكالم أرسطوّ :
إن املوجبة املمكنة ال تناقض
جمرد سلب االرتباط ال يكفي لتحقق التناقض؛ إذ سلب السالبة املمكنة؛ ّ
ألن ّ
.1م .ن ،ص 121ـ .122
.2أرسطو ،منطق أرسطو ،ج ،1ص 122ـ .124
| 160تاریخ علم املنطق
متعنّي.1
حمصل وغري ّ
االستقبالية يف الواقع ونفس األمر عىل نحو غري ّ
بأن أفضل وأقوى أنواع التمثيل، وقد ذكروا للتمثيل أربع مراتب ،وقالوا ّ
أمرا وجود ًّيا،
وأن يكون وجه الشبه فيه ً هو التمثيل الذي حيتوي عىل وجه شبهْ ،
وعلة واقعية للحكم ،ويف هذه الصورة وحدها يكون مور ًثا لليقني ،ويكون ً
قاباًل
للبيان عىل شكل قياس ،وهو القياس الذي سوف يكون فيه وجه الشبه وعلة
احلكم حدًّ ا وس ًطا ،من قبيل( :النبيذ حرام؛ ألنّه ُم ْسكر مثل اخلمر) .و ّملا كان
وإن ع ّلة احلرمة واقعية ،يكون انتقال حكم احلرمة من أمرا وجود ًّياّ ،
اإلسكار ً
بداًل من التمثيل أعاله ،نقول :النبيذاخلمر إىل النبيذ مور ًثا لليقني؛ وعليه فإنّنا ً
ٍ
مسكر حرام؛ إ ًذا النبيذ حرام.1 مسكرّ ،
وكل
لقد عمد بعض املناطقة املعارصين بحق إىل نقد التعريف املشهور للتمثيل،
يشء إىل ٍ
يشء آخر إنّام هو نتيجة وثمرة التمثيل وليس هو بأن نقل حكم ٍ وقالوا ّ
ذات التمثيل ،وإن نتيجة وغاية التمثيل يمكن ْ
أن تكون جز ًءا من تعريف التمثيل
أن نقولّ :
إن التمثيل وإن التعريف الصحيح للتمثيل هو ّ
وليست ذات التعريف؛ ّ
حسني بن عبد الله ،الشفاء ،املنطق ،كتاب القياس ،ج ،2ص ،569مكتبة آية الله املرعيش
النجفي ،قم 1404 ،هـ.
الح ّيّل ،جامل الدين الحسن بن يوسف ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد العاّلمة ِ
ّ .1
للخواجة نصري الدين الطويس ،ص 76ـ ،80انتشارات بيدار ،قم 1363 ،هـ ش؛ السبزواري،
املال هادي ،رشح املنظومة ،مع تعليقات آية الله حسن حسن زادة اآلميل ،ج ،1ص 312ـ ،313
مؤسسة التاريخ العريب ،بريوت 1432 ،هـ.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 165
يشء إىل ٍ
يشء آخر مؤ ّلف من قضيتني ،حيث يتم يف تلك القضيتني نقل حكم ٍ
بسبب وجه الشبه املوجود بينهام.1
وقد ذكر ثامنية عرش موض ًعا للمغالطات اللفظية ،1وسبعة وثالثني مور ًدا من
مواضع املغالطات املعنوية ،ضمن ثامين جمموعات كلية.2
من ذلك ــ عىل سبيل املثال ــ ّ
أن الفارايب باإلضافة إىل البحث التفصييل
ٍ
بشكل عن مواضع املغالطة ،ضمن مغالطة اإلعراب واإلعجام ،حتدّ ث كذلك
ٍ
مستقل عن دور اللحن ونربة الصوت يف إجياد املغالطة ،حتت عنوان (مغالطة
تغيري األصوات) ،3واملغالطة املعنوية يف النقلة واالنتقال مع مواضعها العرشة
التي يذكرها والتي مل تؤثر عن أرسطو:
إن من بني أنواع املغالطة ،هي مغالطة النقلة ،وهي عبارة عن االنتقال إىل ٍ
يشء ّ
يشء آخر؛ حيث هلا عرشة مواضع :إ ّما لفظ أو شبيه حمل ٍ حل َّ
أن يكون قد ّيمكن ْ
به ،أو كيل أو جزئي ،أو يف لوازمه املتقدمة ،أو يف اللوازم املتأخرة ،أو املقارنة أو
املقابلة ،أو اخليال النفساين ،أو من مجلة األمثلة املحسوسة.4
االقتباس ،تصحيح :مد ّرس رضوي ،ص 525ـ ،528دانشگاه طهران ،طهران 1367 ،هـ ش).
.1الفارايب ،املنطق عند الفارايب ،تحقيق :رفيق العجم ،ج ،2ص 132ـ 1986 ،137م.
.2إ ّن املراد من املجموعات الثامنية الكلية ،هي ذات األنواع السبعة العامة للمغالطة املعنوية األرسطية
باإلضافة إىل مغالطة النقلة أو االنتقال( .انظر :الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي دانش
پژوه ،ج ،1ص 202ـ 1986 ،226م؛ عارف ،رضا« ،مقايسه آراء فارايب و ارسطو در املنطقيات و ارغنون
درباره مغالطات» ،مجلة آينه معرفت ،العدد ،9 :ص 164ـ ،166خريف وشتاء عام 1385هـ ش).
بتغرّي لحن القول ونربة الصوت ،وتؤدّي إىل املغالطة. .3إ ّن بعض العبارات اللفظية تتغري داللتها ّ
رصف يف نربة ولحن القول تار ًة عىل شكل جمل ٍة من قبيل عبارة( :زيد حارض) إذ تكون من خالل الت ّ
خربي ٍة وتار ًة عىل شكل جمل ٍة إنشائي ٍة استفهامية( .انظر :الشيخ نصري الدين الطويس ،محمد بن
محمد ،أساس االقتباس ،تصحيح :مد ّرس رضوي ،ص 1367 ،519هـ ش؛ ملكشاهي ،حسن،
ترجمة ورشح إشارات و تنبيهات ابن سينا ،قسم املنطق ،ص ،612انتشارات رسوش ،طهران،
1367هـ ش) .أو عبارة( :ال يجب علينا أن نكذب عىل أنفسنا) ،حيث يف صورة تغيري اللحن
والقراءة واالستناد إىل كلمة (أنفسنا) تفقد الجملة معناها الصحيح واملنطقي ،ويت ّم إصدار الحكم
بجواز الكذب عىل اآلخرين .وقد ذكر املناطقة املتأخرون املثال األخري للمغالطة ،تحت عنوان
«االستناد والتأكيد اللفظي»( .انظر :الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي دانش پژوه،
ج ،1ص 1408 ،251هـ.).
.4الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي دانش پژوه ،ج ،2ص 1408 ،160هـ؛
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 167
االنتقال إىل اللفظ ،من قبيل :احلكم بتعدّ د اآلهلة استنا ًدا إىل تعدد األسامء اإلهلية
أن لفظ اهلل الدال عىل اهلل مسموع .االنتقال حلسنى واحلكم بمسموعية اهلل بسبب ّ ا ُ
إىل الشبيه ،من قبيل :استدالل آناكساغوراس عىل ضد اخلأل؛ إذ كان يقولّ :
إن
الساعة املائية أو القربة املنفوخة باهلواء تشري إىل وجود اهلواء حيث يبدو للنظر
عدم وجود يشء .1االنتقال إىل الكيل ،من قبيل :نسبة احلكم اخلاص باإلنسان
إىل احليوان .واالنتقال إىل اجلزئي ،من قبيل :نسبة احلكم اخلاص باحليوان إىل
اإلنسان .واالنتقال إىل الالزم املتقدم ،من قبيل :لزوم الوجود الذهني للحيوان
عىل الوجود الذهني لإلنسان ،حيث يقال يف مقام املغالطة( :اإلنسان حيوان،
واحليوان جنس؛ إ ًذا اإلنسان جنس) .االنتقال إىل الالزم ّ
املتأخر ،من قبيل :لزوم
كأن يقال عىل سبيل وجود النهار عىل وجود نور الشمس .االنتقال إىل املقارنْ ،
إن مشاكل احلياة املقارنة للزمان قد أهلكته وليس املثال :لقد أهلكه الزمانّ ،
الزمان نفسه .االنتقال إىل املقابل ،من قبيل :البياض والسواد ليس هلام واسطة؛
ألن الزوج والفرد ليس هلام واسطة .اخلياالت النفسانية ،من قبيل :احلكم بوجود ّ
وتصور خأل اهلواء وإطالق اجلسم عىل ّ عوامل ال هناية هلا خارج عامل الطبيعة،
الظالل والظلامت .األمثلة املحسوسة ،من قبيل :الطالب الذي يشاهد املثلثات
املدرس أثناء إلقاء الدرس؛ خمتلفة األضالع ومتساوية الساقني التي يرسمها ّ
دائاًم من ضلعها الثالث.2 أن ضلعي املثلثاث أصغر ً فيتصور ّ
ّ
املصدر ذاته ،ج ،1ص 224ـ 226؛ عارف ،رضا« ،مقايسه آراء فارايب و ارسطو در املنطقيات
و ارغنون درباره مغالطات» ،مجلة آينه معرفت ،العدد ،9 :ص ،163خريف وشتاء عام 1385
هـ ش.
.1راسل ،برتراند ،تاريخ فلسفه غرب ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :نجف دريابندري ،ج ،1ص
،111نرش پرواز ،طهران 1365 ،هـ ش.
.2الفارايب ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :محمد تقي دانش پژوه ،ج ،2ص 1408 ،160هـ؛
املصدر ذاته ،ج ،1ص 224ـ .226
| 168تاریخ علم املنطق
خالصة واستنتاج
بعد ظهور الفارايب وإبداعاته املنطقية ،شهد علم املنطق ازدهاره بني
حتول املنطق األرسطي إىل إعداداملسلمني ،وقد أ ّدى تأثريه العميق يف ّ
األرض ّية إلبداعات املتأخرين ،من قبيل :اإلبداعات املنطقية البن سينا،
واخلواجة نصري الدين الطويس ،وأفضل الدين اخلونجي.
وقد م ّثل تلفيق نظرية قابلية احلمل لدى أرسطو مع الكليات اخلمسة ،وبيان
االجتاه الذايت عند أرسطو يف مسألة التعريف ،ورؤيته اإلبداعية يف االستقراء
والتمثيل ،وإبداعه يف باب املغالطة ،وبسط وبيان مواضع املغالطةًّ ،
حاًّل لدى
أن اإلبداع األهم للفارايب يكمن يف تقسيم العلوم إىل املناطقة املتأخرين .بيد ّ
التصور والتصديق ،والذي أ ّدى إىل ظهور املنطق الثنائي عىل يد ابن سينا.
ّ قسمني:
األول واملعقولقسم املعقول إىل املعقول ّلقد كان الفارايب هو ّأول من ّ
الثاينّ ،
وإن املعقول الثاين يف بيانه يتطابق مع املعقول الثاين املنطقي .إنّه من
املوجهة ،لفت انتباه املناطقة إىل
خالل بيان اختالف سلب اجلهة عن السالبة ّ
رشط اختالف اجلهة يف تناقض القضايا.
إن نظرية الفارايب يف اإلمكان االستقبايل ،القائمة عىل أن صدق َ
طريَف ّ
التناقض وكذهبام ــ يف املمكنات االستقبالية يف الواقع ونفس األمر ــ كان عىل
طريَف الوقوع وعدم الوقوع (املمكن) ،مل يكن مسبو ًقا. متعنّيّ ،
وإن كال َ ٍ
نحو غري ّ
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 169
13.حســن زاده آمــي ،حســن ،نصــوص احلكــم بــر فصــوص احلكــم للفــارايب ،مركــز نــر
فرهنگــي رجــاء ،طهــران 1375 ،هـــ ش.
14.راســل ،برترانــد ،تاريــخ فلســفه غــرب ،ترمجــه إىل اللغــة الفارســية :نجــف دريابنــدري،
نــر پــرواز ،طهــران 1365 ،هـــ ش.
15.ررش ،نيكــوالس ،ســر منطــق در جهــان اســام ،ترمجــه إىل اللغــة الفارســية :لطــف اهلل
نبــوي ،جملــة فصلنامــه مفيــد ،العــدد ،24 :ص 35ـ 1379 ،46هـــ ش.
16.الســبزواري ،ا ُمل ّ
ــا هــادي ،رشح املنظومــة ،مــع تعليقــات آيــة اهلل حســن زادة اآلمــي،
مؤسســة التاريــخ العــريب ،بــروت 1432 ،هـــ.
17.الســهروردي ،شــهاب الديــن حييــى ،جمموعــه مصنفــات شــيخ ارشاق ،مؤسســة مطالعــات
وحتقيقــات فرهنگــي ،طهــران 1372 ،هـ ش.
ـدرس
18.الشــيخ نصــر الديــن الطــويس ،حممــد بــن حممــد ،أســاس االقتبــاس ،تصحيــح :مـ ّ
رضــوي ،دانشــگاه طهــران ،طهــران 1367 ،هـــ ش.
19.الشــرواين ،عــي ،إمــكان اســتقبايل و تعـ ّـن صــدق در گــزاره هــاي ناظــر بــه آينــده ،جملــة:
پژوهــش هــاي فلســفي /كالمــي ،العــدد ،24 :ص 120ـ 1384 ،143هـــ ش.
20.عــارف ،رضــا ،مقايســه آراء فــارايب و أرســطو در املنطقيــات و ارغنــون دربــاره مغالطــات،
جملــة آينــه معرفــت ،العــدد ،9 :ص 155ـ ،170خريــف وشــتاء عــام 1385هـ ش.
21.عظيمــي ،مهــدي؛ وأحــد فرامــرز قراملكــي ،تاريــخ حتــول كليــات مخــس ،جملــة :فلســفه و
كالم إســامي ،الســنة اخلامســة واألربعــون ،العــدد ،1 :ربيــع وصيــف عــام 1391هـ ش.
ــي ،مجــال الديــن احلســن بــن يوســف ،اجلوهــر النضيــد يف رشح منطــق العاّلمــة ِ
احل ّ ّ 22.
التجريــد للخواجــة نصــر الديــن الطــويس ،انتشــارات بيــدار ،قــم 1363 ،هـــ ش.
23.الفارايب ،األلفاظ املستعملة يف املنطق ،حتقيق :حمسن مهدي ،دار املرشق ،بريوت 2002 ،م.
24.ـــــــــــــــــــــ ،التعليقــات (ضمــن جمموعــه نــه رســاله) ،النســخة املخطوطــة،
كتابخانــه جملــس شــوراي إســامي ،برقــم ،64489 :حتريــر 1330هـــ.
25.ـــــــــــــــــــــ ،املنطــق عنــد الفــارايب ،حتقيــق :رفيــق العجــم ،دار املــرق ،بــروت،
1986م.
اإلبداعات املنطقية للفارايب | 171
26.ـــــــــــــــــــ ،املنطق عند الفارايب ،حتقيق :ماجد فخري ،دار املرشق ،بريوت 1987 ،م.
27.ـــــــــــــــــــ ،املنطقيات للفارايب ،بتحقيق :حممد تقي دانش پژوه ،مكتبة آية اهلل املرعيش
النجفي ،قم 1408 ،هـ.
28.ـــــــــــــــــــ ،عيون املسائل ،ملحق :الثمرة املرضية يف بعض الرساالت الفارابية،
إعداد :فريدريس ديرتيتيس ،ليدن 1890 ،م.
29.ـــــــــــــــــــ ،فصوص احلكم ،حتقيق :حممد حسن آل ياسني ،انتشارات بيدار ،قم،
1364هـ ش.
30.ـــــــــــــــــــ ،كتاب اجلمع بني رأيي احلكيمني ،دار ومكتبة اهلالل ،بريوت 1996 ،م.
31.ـــــــــــــــــــ ،كتاب احلروف ،حتقيق :مهدي حسن ،دار املرشق ،بريوت 1349 ،هـ.
32.ـــــــــــــــــــ ،كتاب يف املنطق (اخلطابة) ،حتقيق :حممد سليم سامل ،مطبعة دار الكتب،
مرص 1976 ،م.
33.الفخــر الــرازي ،حممــد بــن عمــر ،رشح عيــون احلكمــة ،حتقيــق :أمحــد حجــازي الســقا،
مؤسســة الصــادق للطباعــة والنــر ،طهــران 1373 ،هـــ ش.
34.ـــــــــــــــــــــ ،منطــق امللخــص ،تقديــم وتصحيــح وتعليــق :أحــد فرامــرز قراملكــي
وآدينــه أصغــري نجــاد ،انتشــارات إمــام صــادق ،طهــران 1381 ،هـــ ش.
35.قراملكــي ،أحــد فرامــرز ،اإلشــارات والتنبيهــات ،رسآغــاز منطــق دو بخــي ،آينــه
پژوهــش ،العــدد ،24 :ص 38ـ 1373 ،50هـــ ش.
36.ـــــــــــــــــــــ ،مقدمــة بــر التنقيــح يف املنطــق لصــدر املتأهلــن ،تصحيــح وحتقيــق:
غــام رضــا يــايس پــور ،بنيــاد حكمــت إســامي صــدرا ،طهــران 1378 ،هـــ ش.
37.گرامــي ،حممــد عــي ،منطــق مقــارن ،ترمجــه إىل اللغــة الفارســية :عبــد اهلل بصــري،
انتشــارات أميــد ،قــم.
38.اللوكــري ،أبــو العبــاس ،بيــان احلــق بضــان الصــدق ،املنطــق ،أمــر كبــر ،طهــران،
1364هـــ ش.
39.ماكوولســكي ،آ ،.تاريــخ منطــق ،ترمجــه إىل اللغــة الفارســية :فريــدون شــايان ،انتشــارات
پيــرو ،طهــران 1366 ،هـ ش.
| تاریخ علم املنطق172
انتشــارات، قســم املنطق، ترمجــة ورشح إشــارات وتنبيهــات ابــن ســينا، حســن،ملكشــاهي40.
. هـ ش1367 ، طهران،رسوش
. م1980 ، بريوت، دار القلم، عبد الرمحن بدوي: حتقيق، منطق أرسطو، لطف اهلل،نبوي41.
انتشــارات علمــي و، منطــق ســينوي بروايــت نيكــوالس ررش،ـــــــــــــــــــــ42.
. هـــ ش1381 ، طهــران،فرهنگــي
. هـ1414 ، الدوحة، دار احلكمة،) التصديقات/ التصورات
ّ ( املنطق الصوري، حممود،يوسف43.
44. Bayer، Greg، «Classification and Explanation in Aristotle’s Theory of
Definition، Journal of the History of Philosophy، 36، Number 4، October
1998، pp. 487 – 505.
46. Fakhry، Al – Farabi، Fonder of Islamic Neoplatonism، His life، Works and
Influence، Oxford One world Publications، 2002.
ُملخّص البحث
قة بمباحث علم الشيخ الرئيس املتع ّل ِ
ِ ِ
إبداعات بعضيبنّي هذا البحث َ
ّ
ُ
مباحث معرف ّية تتفرع منها
بعض العناوين التي ِّ املنطق ،وذلك من خالل ِذ ِ
كر
منقساًم إىل بحثني ُ
واملقال سيكون البحث متفر ِ
دات الشيخ وإبداعاته، ُ يضمنها
ً ّ ِّ
وتفردين مستقلني أذكرمها يف آخر املقال؛ لذا جاء املقال هبذا النحو:
رئيسنيّ ،
بحث إشكالية اإلنتاج العلمي وكيف ّية وقوع التك ّثر املعريف الذي يستبطن
جواب الشيخ الرئيس ابن سينا لكيفية حصول التعليم والتع ّلم بوساطة
األول ويليه ذكر قياسثم يذكر بعدها إشكالية الشكل ّ القياس ،ومن ّ
املساواة ،ويليه الر ّد عىل املحدَ ثني وننتهي عند برهان املالزمات.
يتضمنه
ّ وأما البحث الثاين فهو تعريف الشيخ الرئيس (التفكري) ،وما
من ذكر إرهاصات التحوالت املنطقية الصورية التي أحدثها يف علم املنطق،
وذلك من خالل فحص التعريف نفسه وشواهد احلذف لبعض املباحث.
عندما نتحدّ ث عن الشيخ الرئيس فنحن أمام عبقر ّية جتاوزت مرحلة فهم
بتوسط
حيولون مادة املوروث ّ الرتاث الغازي -كام هو حال العباقرة الذين ّ
ٍ
جديدة بعقلهم الف ّعال ٍ
صورة فضوهلم ونقدهم ومثابرهتم وعبقريتهم إىل
ترسيم حدودها
َ املبدع -فغدت الثقاف ُة الغازي ُة ّ
مغزوةًُ ،يسائلها رشعيتَها ويعيد
ٍ ٍ
حمدود متفلسف ويضفي عليها لغ ًة متعالي ًة عن اللغات؛ ّ
فيحررها من صياغة
صورهاوتعصب متك ّل ٍم أعمى ،كذا كان نشاط الشيخ الرئيس وظروفه التي ّ ّ
فهلم بنا ّأهّيا القارئ العزيز نقرأ
ّ لنا من خالل لسان مقاله ال لسان حاله،
بعضا من سرية الرئيس وقد أمالها بنفسه عىل عبد الواحد اجلوزجاين ،يذكر ً
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 175
تطور شخصيته ،يقول ابن سينا « :وكان أيب ممَّنفيها بداية نشأته ،ومراحل ّ
أجاب داعي املرصيني ،و ُيعدّ من اإلسامعيل ّية ،وقد سمع منهم ذكر النفس
والعقل عىل الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم ،وكذلك كان أخي وكانوا
درك ما يقولونه وال تقبله نفيس، ر ّبام تذاكروا ذلك بينهم ،وأنا أسمعهم و ُأ ِ
وابتدأوا يدعونني إليه وجيرون عىل ألسنتهم ذكر الفلسفة واهلندسة وحساب
يوجهني إىل رجل يبيع البقل ق ِّيم بحساب اهلند فكنت اهلند ،ثم كان أيب ّ
أتعلم منه». 1
.1الكايش ،يحيى بن أحمد ،نكت يف أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا ،تحقيق الدكتور أحمد فؤاد
األهواين ،ص.١٠
.2م .ن ،ص.١٢
| 176تاریخ علم املنطق
لك ّن الشيخ الرئيس بقي حتت قانون املقهور ّية يف حاجته ألستاذ ،حيث
َخ ُرُب ذلك حينام حصل النزال بني عبقر ّية الفتى صاحب الثقة املفرطة وبني
املرة صع ًبا ال األول أرسطو ،فكان النزال هذه ّ عبقر ّية الناضج اليوناين املع ّلم ّ
تنازله مع خصمه ،فكتاب (ما بعد الطبيعة)، أرض ٍِ الشيخ أدواتِه ،وعىل
ُ يألف
ودرسا يف التواضع بالنسبة للشيخ ،حيث قرأه ً كان نو ًعا ِمن تأديب الطبيعة
ألفاظ مهملة، ٌ ويكأهّنا
ّ مرة فحفظ كلامته دون فهم معناها، إىل حدّ األربعني ّ
يقول الشيخ« :وانتهيت إىل العلم اإلهلي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فلم
عيل غرض واضعه حتّى أعدت قراءته أربعني مرةً، أفهم ما فيه ،والتبس ّ
وصار يل حمفو ًظا ،وأنا ال أفهمه وال املقصود به؛ وأ ّيست من نفيس ،وقلت:
أن وجد الشيخ ضا ّلته ،فتع ّلم عىل يد هذا كتاب ال سبيل إىل فهمه» ، 1إىل ْ
استحق اللقب بعد حكيم اليونان عنيت به الفارايب، ّ س ومع ّل ٍممتمر ٍ
خبري ّ ٍ
الوراقني فتقدّ م يقول ابن سينا يف ذلك « :فحرضت يو ًما وقت العرص يف ّ
ٍ
معتقد ّأاّل فائد َة رب ٍم ّ
داّل ٌل بيده
عيل ،فرددته ر َّد مت ِّ
كتاب ينادي عليه ،فعرضه ّ ٌ
رخيص ،وأبيعكه ٌ حمتاج إىل ثمنه ،وهو
يف هذا العلم ،فقال يل :اشرته فصاحبه ٌ
بثالثة دراهم ،فاشرتيته فإذا هو كتاب أيب نرص الفارايب يف أغراض كتاب
عيل يف الوقت ما بعد الطبيعة ،ورجعت إىل داري وأرسعت قراءته ،فانفتح َّ
أغراض ذلك الكتاب؛ ألنّه قد صار يل حمفو ًظا عىل ظهر القلب ،وفرحت ُ
شكرا هلل تعاىل». 2 ٍ
بذلك ،وتصدّ قت يف اليوم الثاين بيشء ٍ
كثري عىل الفقراءً ،
توجهاته ورغباتهوتوسم معامل الفلسفة يف ّ ّ هكذا كانت بداية الرحلة
هنمه إىل ِع ْل ٍم آخر ،يقول
وقابلياته ،لكنّه رسعان ما مال به فضو ُله وحدا به ُ
يف ذلك « :فرغبت يف علم الطب ،وقرأت الكتب املصنّفة فيه ،وعلم الطب
.1م .ن ،ص.١٤
.2م .ن ،ص.١٤
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 177
أقل مدة ،حتّى بدأ فضالء ليس من العلوم الصعبة؛ فلذلك برزت فيه يف ّ
عيل من أبواب وتعهدت املرىض؛ فانفتح ّ ّ علم الطلب،
عيل َاألطباء يقرءون ّ
بابكأي ٍ يوصف» . 1وليس هذا الباب ّ املعاجلات املصنّفة من التجربة ما ال َ
تداعيات سياس ّي ٌة
ٌ علمي بالنسبة للشيخ الرئيس ،فقد كان هلذا الفتح العلمي
ّ
يتقرب من وجهاء ٍ
من جهة ،وعلم ّية تنظريية من جهة ثانية ،فاألوىل جعلته ّ
وسالطني عرصه؛ فينال عظيم املرتبة ،وحيظى باهتامم ومتييز سيجعالنه بعد
ً
متناواًل قادرا عىل الن ََهم العلمي من مغالق املستور للكتب التي ليست
ذلك ً
مرض لكل أحد « ،واتفق لسلطان الوقت ببخارى ،وهو نوح بن منصور ٌ ّ
حترّي األطباء فيه ،وقد اشتهر اسمي بينهم بالتو ّفر عىل العلم والقراءة، ّ
فأجروا ذكري بني يديه ،وسألوه إحضاري ،فحرضت وشاركتهم يف
مداواته وتوسمت بخدمته ،وسألته يو ًما اإلذن يل يف الدخول إىل دار كتبهم
ومطالعتها ،وقراءة ما فيهاُ ،فأ ِذن يل ،ودخلت إىل دار ذات بيوت كثرية ،يف
كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها عىل بعض…ورأيت من الكتب ما مل ّ
أيضا من يقع اسمه إىل ٍ
كثري من الناس ،ومل أكن رأيته قبل ذلك ،وال رأيته ً
بعد ،فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها» . 2وأ ّما العلمية فقد انعكس
الشغل الطبي عىل ذهنية فيلسوفنا الذي تشكّلت عنده قواعد التجربة
ٍ
خمتلفة وناضجة. ٍ
بطريقة واالختبار
مل يكن ابن سينا ،ومع هذا التامهي ك ّله الذي عاشه وسط العلوم الرياضية
واملنطقية واهلندسية والفلكية والطب ّية -حيث نزعة العقل التحليلية تارةً،
التوجه إىل مبدع
ّ واالستغراق باحلس التجريبي تار ًة ثانية -ليحول بينه وبني
أثر النشأة
التوجه التنظريي أم السلوكي ،وهذا من جهة كان َ ّ ّ
الكل ،سواء
.1م .ن ،ص.١٢
.2م .ن ،ص.١٥
| 178تاریخ علم املنطق
ناتج ٍ
جهة ثانية فهو ال ّ ِ
شك ُ اخلاصة ،ومن
ّ املسلمة واإلسامعيلية العا ّمة
ٍ
وتنبيهات استيقظ عىل هدهيا ٍ
إشارات تلقاها متخض عنها من تأ ّمالته وما ّ
يتجىّل ّ
مستهل أعظم مصنّفاته وكتبه ّ عقله ،و ُع ِّز َزت هبا فطرتُه ،فرتاه حتّى يف
الكل وفيضه ،إذ يقول « :أمحد اهلل عىل حسن توفيقه، االعتامد عىل مبدأ ّ
احلق بتحقيقه». 1وأسأل اهلل هداي َة طريقه وإهلام ّ
ٍ
تنظري يف رت َجم إىل ِ
وليس هذا فحسب ،فهذا اإلمجال يف كيف االعتامد س ُي ْ
جعل احلدس مبد ًأ من مبادئ الربهان ،ليفتح با ًبا معرف ًيا وإرشاق ًيا ،وسيأيت
تفرداته ،بل قد كانت سمة الشيخ السلوكية كام حيدثنا ٍ
كتفرد من ّاحلديث عنه ّ
حلل ما استعىص اجلوزجاين عن لسان أستاذه ،أنّه يفزع إىل واهب الصور ّ
أحترّي فيه من املسائل،
عليه ،وهيتدي إىل ما خت ّبط فيه ،يقول « :والذي كنت ّ
ّ
وأصيّل ومل أظفر باحلدّ األوسط يف القياس ،أتر ّدد بسبب ذلك إىل اجلامع،
املتعرّس». 2
ّ وأبتهل إىل مبدع ّ
الكل حتّى يتّضح يل املنغلق منه ،ويسهل
مرات عديدة فتو ّقف عن العالج لعلمه بعدم وجود جدوى ٍ نفسه
املرض ُ
ُ
حيث استحكمت الع ّلة ،و»انتقل إىل جوار ربه ،ودفن هبمذان يف سنة ثامنٍ
ّ
وعرشين وأربعامئة ،وكانت والدته يف سنة سبعني وثلثامئة ،ومجيع عمره ثامين
ومخسون سنة ،لقاه اهلل صالح أعامله بمنّه وكرمه». 1
متهيد
وتتطور مناهجها وتقدّ م عمر ّ تتقدّ م العلوم بتقدّ م جهات البحث فيها،
أن طبيعة املبحوث عنه يف العلم من شك يف ّالفرد واألُ َمم ،وليس من ّ
التطور جهة ثانية ،يتحكّامن يف رسم طبيعة جهة ،والغرض من العلم من ٍ
ّ
الكمي أم عىل املستوى الكيفي ،بل وبإمكان احلاصل فيه سواء عىل املستوى ّ
مثاًل ّملا كانت خاضع ًة لالعتبار وكانت أصل حصوله ،فالعلوم االعتبارية ً
التوسع يفّ االعتبارات الداخلة يف غرض العلم متجدِّ د ًة يف اجلملة ،كان
ناحية أخرى وااللتفات ٍ العلم -من ناحية وتطوير مناهج البحث فيه من
ٌ
حاصل أمرا البدّ أنّه ٍ ٍ
املؤسسون األوائل ً - إىل جهات اعتبارية قد غفل عنها ّ
ومتح ِّقق ،وكذا يف بعض العلوم احلقيق ّية التي ترهتن أحكام موضوعاهتا
التطور ّ للتت ّبع احليس واالستقراء ،وتطوير أدوات الفحص واالختبارّ ،
فإن
ههنا بدهيي الوقوع ،والثبات يف مسائله عىل خالف طبيعة العلم موضو ًعا
َ
ومسائل ومناهج.
ٍ
منعطفات علم ّية -مع هذان النحوان من العلوم يمكن احلديث فيهام عن
ٍ
قصرية، دد زمن ّي ٍة
غض النظر عن املنهجية -يف مسائلها تطورا وإبدا ًعا ضمن م ٍ
ّ
ُ ًّ
تطورات باحلدّ األدنى ،وقد تبلغ أحيانًا حيدث فيها داخل القرن الواحد ثالثة ّ
علاًم حقيق ًيا ،ال يقوم عىل االستقراء العرشين وأكثر .لكن عندما نتناول ً
.1م .ن ،ص .٢٨
| 180تاریخ علم املنطق
واالختبار ألحوال املا ّدة ،وال عىل تأسيس خيضع لالعتبارات القابلة للتغيري،
مثاًل -املتعايل فحص وتأ ّم ٍل بمبحث الوجود -كام يف علم الفلسفة ً ٍ بل عىل
ٍ
منهج عن االعتبارات من جهة ،والذي حيتكم بحسب طبيعة موضوعه إىل
التحوالت
ّ قابل للتبدّ ل املنهجي ،فاحلديث بعد ذلك عن يت صار ٍم غري ٍ إثبا ّ
املعرف ّية يكون شي ًئا عىل خالف منطق طبيعة العلم نفسه ،اللهم ّإاّل ْ
أن نث ِّبت و
حكاًم معرف ًيا يقع ضمن القاعدة واألساس ملسائل العلم ،يشكّل باألداة نفسها ً
كالتحول
ّ تغيري اخلريطة اجلينية املؤ ّثرة عىل املسائل الواقعة بعدها تر ّت ًبا طول ًّيا،
املتأهّلني الشريازي يف قوله بأصالة الذي حدث عىل سبيل املثال عىل يد صدر ّ
جذري يف النظرة الوجودية واإلهل ّية. ٌ تغيري
الوجود الذي ترتّب عليه ٌ
ونحن إذا جئنا إىل علم املنطق ،فالكالم يف حصول التغيري فيه وإحداث
ٍ
واضح ملا ذكرناه؛ فعلم املنطق سرَي َهَتن ٍ
بنحو املنعطفات العلمية واإلبداعات َ ْ
علاًم خاض ًعا لالعتبار اخلاضع لتغيري الظروف وتق ّلب األحوال، ليس ً
التصورية والتصديقية من حيث يقع هبا اكتساب ّ فموضوعه أفعال العقل
يوناين وال
ّ عريف املجهول ،وأفعال العقل هذه ليست ً
أفعااًل متو ِّلدَ ًة من رحم ٍّ
العتبارات لغو ّي ٍة حتّى
ٍ ً
أفعااًل خاضع ًة مرصي وال هندي ،وليست كذلك ّ
تتعدّ د بتعدّ د األلسن واللهجات وتداخلها فيام بينها ،بل هي حلاظ العقل
ثابتة حتكي ما عليه كينونة األشياء ونظامها نفسه ضمن حتكيم قواعد ٍ ألفعال ِ
العام يف نفسها ،من قاعدة التناقض إىل اهلوية إىل العل ّية ،ودراسة كيف يكون
فعل العقل متناس ًقا منطق ًيا وكيف أصنع بعد الفراغ عن التناسق املنطقي
تصو ًرا حدّ ًيا أو تصدي ًقا برهان ًيا أو خطاب ًيا أو جدل ًيا ،فأدرس طبيعة
الصوري ّ
املوا ّد املناسبة لغرض حتقيق تلك الصناعة.
ٍ
كثرية يف املنطق -بعد حقبة أرسطو ٍ
حتوالت من هنا ّ
فإن احلديث عن
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 181
ّ
التكرّث العلمي وحصول املعرفة مدخل معريف:
لطاملا انشغل الذهن البرشي يف حتصيل املعرفة ،وكان ذلك بفعل ما فطر
طلب املعرفة أحدَ مصاديقه، حب االستكامل الذي يكون ُ عليه اإلنسان من ّ
تتم ممارسته بشكل تلقائي عفوي ،بعيدً ا عن طرح أمرا ّبقي طلب املعرفة ً
كيف ّية حصول املعرفة نفسها عىل طاولة الترشيح والنظر ،مع وجدان اجلميع
أمر حاصل ،إىل أن متّت املساءلة عن كيف ّية هذا التك ّثر بأن التك ّثر ٌ
واعرتافهم ّ
احلس أم العقل؟ أم ّ أن حتصيل العلم يكون بوساطة وأسبابه وآليته ،فهل ّ
ٍ
لوجود بعد كليهام؟ وهل هذه الوسائط تنبيهي ٌة أم تذكريي ٌة أم حتصيلي ٌة
نحصلعدم؟ وهل هناك صور ٌة كل ّي ٌة نعتمد عليها ضمن اخلطوات الذهن ّية ّ
بوساطتها العلم اجلديد الذي مل يكن؟
يف هذا البحث سأسلط الضوء عىل إشكال ّي ٍة تتع ّلق بجدوى كون القياس
حل الشيخ الرئيس هلذه املعضلة ومنتجا للعلم ،وكيف ّية ّ
ً موج ًبا للتك ّثر املعريف
ٍ
بنحو عا ّم يف كيفية مزامحة الوهم لتع ّقله، التي يعود جذرها للذهن البرشي
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 183
ولعل ما جيعل اإلشكال آكَد يف ذهن أيب سعيد ما جاء يف حتليالت أرسطو ّ
علاًم ،واجلهل
حسا فقدْ فقدَ ًالثانية من الفقرة الثامنة عرش من قولهَ ( :من فقدَ ًّ
حواسنا أنّه يلزم بذلك
ّ حسا منبوصفه نف ًيا للعلم ) « ،ويظهر أنّا عندما نفقد ًّ
علاًم من علومنا وال يمكننا إدراكه ،من قبل ّ
أن مجيع ما أن نفقد ًمن االضطرار ْ
يتم من نعلمه ليس خيلو ْ
أن يكون إ ّما باالستقراء ،وإ ّما بالربهان ،والربهان إنّام ّ
مقدّ مات كلية ،وأ ّما االستقراء فإنّام يكون من اجلزئي ،واملقدّ مات الكلية ال
أن املقدّ مات املأخوذةطريق لنا إىل إظهارها والعلم هبا ّإاّل باالستقراء ،وذلك ّ
معرا ًة من املا ّدة إذا رام اإلنسان تبيني ّأهّنا صادقة ْ
بأن يعرهيا من يف الذهن ّ
تقرهبا نحو ما ّدة ،أو أخذهتا ما ّد ٍة ما ّدة ْ
أن يب ّينها باالستقراء ،سواء أخذهتا بأن ّ
احلس
أن ّ احلس من ِق َبل ّمعرا ًة من املادة ،وال طريق إىل االستقراء متى فقدنا ّ ّ
الكل ّإاّل باالستقراء،
أن نعلم ّهو املبارش لألشياء اجلزئ ّية ،فال طريق إذن إىل ْ
باحلس ». 1
ّ أن نعلمه ّإاّل
واالستقراء فال طريق ْ
ولنعاود تقريب اإلشكال ولنأيت إىل املقدّ متني اللتني تو ّلدتا عنهام النتيجة،
كل ما ُيقال عليه بأنّه حيوان يقال أن ّ حيوان جسم) يعني ٍّ فإن قولناُّ :
(كل ّ
.1ابن رشد ،رشح الربهان ألرسطو وتلخيص الربهان ص.٤١٥ – ٤١٤ :
واحد من املفكّرين يف تقييمهم كيف ّية حصول الكليات يف رأي ٍ .2هذا هو الذي ذهب إليه غري
أرسطو ،ولك ّن هذا عند التحقيق والتأ ّمل يف كتاب أرسطو (التحليالت الثانية) نجده رأيًا مجاف ًيا
للصواب ،وتحقيقه يُطلَب من كتاب (سبيل الذين يعلمون) للدكتور املفكّر الشيخ محمد نارص،
وكذا وافق عىل منع انحصار تبدي الكليات باالستقراء ما جاء يف كتاب (نظرية املعرفة يف ضوء
آخر تجليات عرص الحداثة) ،للعالمة الحجة السيد عامر أبو رغيف ص.١٨٥ - ١٨٤ :
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 185
ُ
ورشط تصحيح مقول عىل ّ
كل ما هو حيوان، أن اجلسم ٌ عليه بأنّه جسم ،أو ّ
أن نكون قد وقفنا ساب ًقا عىل ّ
كل ما املقول ّية الكلية من جانب املحمول ْ
يقال عليه أنّه حيوان ،وهذا يلزمه معرفتنا السابقة باندراج اإلنسان والبقر
ألهّنا ممّا يقال عليها ّإهّنا حيوان -حتت حكم مقول ّية اجلسم عليه.
واألغنام ّ -
(وكل ما هو حيوان منّ (كل إنسان حيوان)، وعليه فيصري القياس هكذا ّ
شك يف ّ
أن هذا ُيعدّ كل إنسان جسم ،وال ّ بقر وإنسان وغن ٍم فهو جسم )= ّ ٍ
من قبيل الطلب للحارض ،وحتصيل ملا هو حاصل ً
فعاًل ،وهو من اللغو الذي
يرت ّفع عنه العقالء ،فكيف بحكامئهم ،ومن الطرق التي ال تستوجب ً
علاًم
نمو العلم وتراكمه ،واحلال
زائدً ا ،فلو كانت هذه هي طريقة التعليم المتنع ّ
تضخم العلم وتراكمه ،ليكشف هذا لزوم استبعاد ْ
أن ّ ّ
بأن الواقع شاهدٌ عىل
يكون القياس هو الطريق ا ُمل َ
ستعمل عند العلامء.
التعليم والتعلم
سيذكر البحث ً
أواًل كال ًما للشيخ من برهان الشفاء ثم يتم فحصه ،يقول
الشيخ يف الفصل الثالث من املرحلة األوىل « :التعليم والتع ّلم منه صناعي
مثل تع ّلم النجارة والصباغة ،وإنّام حيصل باملواظبة عىل استعامل أفعال تلك
| 186تاریخ علم املنطق
.1ابن سينا الشفاء ،الربهان املقالة األوىل الفصل الثالث ،ص .٥٧
.2م .ن ،ص .٥٧
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 187
وأنحاء حصول العلم هبا من خاص ّية التعليم الفكري ،فذكَر: 1
1.النجارة (وحصوهلا باملواظبة عىل تكرار األفعال التي شاهدها).
2.الشعر ،اللغة (املواظبة عىل تكرار األلفاظ).
3.األخالق (وحصوله باملشورة).
4.العقيدة يف اجلملة (األخذ ممّن يثق بقوله).
5.البدهييات واألحــكام األوائل (حصوهلــا بالتقرير اللغــوي واملقاربات
التنبيهية املختلفة).
فإن اجلامع بينها إ ّما عدم حصول رأي مل يكن عند املتع ّلم ،وإ ّما أنّه وعليه ّ
فعل مل يكن سابق يتناسب مع تو ّلد الرأي بل الكائن اجلديد إ ّما ٌ ليس عن عل ٍم ٍ
وإ ّما قول -كام يف الشعر واللغة -مل يكن ،وإ ّما اعتقا ٌد جديدٌ كام يف املشورة
لكن دون سبق عل ٍم وقع يف إنتاج الرأي األخالقي ،وكذا يف العقيدة ،حيث
رأي -ثق ًة باملع ّلم -هو بالذات بالنسبةمل يكن العلم السابق عىل ما ألِ َف ُه ِمن ٍ
ُعرف بأسباهبا) ،ورأي َمن يوثق اىل االعتقاد ،ولذا قيل( :ذوات األسباب ت َ
ألن قوله مل يقع للنظر يف اكتساب به ليس سب ًبا بالذات ،بل وال بالعرض هنا؛ ّ
رأي بوساطته.
أي تع ُّل ٍم ِمن حتصيل ٍ
رأي مل يكن ،مع ضميمة عدم خلو ِّ ويلزم ممّا تقدّ م ّ
أن َّ
ٍ
متناسب مع املطلوب ،ال يكون من التعلم سابقكون احلصول هذا عن عل ٍم ٍ
الفكري. 2
وثالثة يكون طلبها التعمية والتغليط وغريها من مطلوباتها -كان العلم السابق ونحو التناسب متع ّددًا
أيضً ا ،وهذا هو بحثُ تعدّد املاد ِة املنطقية ،حيث إ ّن تشكالت مباحث املنطق املادية تكون
بحسب اختيار نحو العلم السابق املتناسب مع املطلوب ،وعىل هذا األساس قد يُدّعى إمكانيّة
تصحيح الهيأة التفكريية الحديثة القامئة عىل الفرض ،و ِمن ث َ َّم االختبار الذي هو إ ّما التأييدي أو
فرض مفاده عدم وجود القضايا التكذيبي ،إذ إ ّن البناء املعريف اإلبستمولوجي -عندهم -يقوم عىل ٍ
الكلية من جهة ،والذاتي ِة الرضورية من جه ٍة ثانية ،وذلك إ ّما لكون العلية أم ًرا رضوريًا ملج ّرد البناء
النسقي للتفكري دون وجود ٍ
بعد واقعي لها كام عند بوبر ،وإ ّما أل ّن العليّة خالي ٌة من املعنى كام عند
الوضعيني -مع تفصيل ليس هنا محلّه -وما يرتتب عىل هذا امتناع طلب الواقع كام هو يف نفسه،
بل خصوص الطلب املتناسب مع التنظري املعريف السابق ،ومن ث َّم يكون العلم السابق متناس ًبا مع
طرح منهج املؤيدات ،ومل ّا كان ميتنع التأييد الكيل النتفاء مبادئ تشكّله كانت كل الفرضيات ومن
ثم النظريات التي نشأت عن مؤيدات أعم من املؤيّدات نفسها؛ ولذا كان العلم أشبه بالتخ ّرصات
كلعندهم ،ومن ث ّم منع بوبر جعل املنهج العلمي تأييدًا بل وجب عليه أ ْن يكون تكذيب ًيا ،حيث إ ّن ّ
نظرية الصائرة كذلك بعد االختبار إ ّما تكون مطلق ًة وإ ّما مق ّيدة ،فلو فرضنا إطالقها لتعارض ذلك
مع البناء الفلسفي يف رفضهم ألسس القواعد العامة امليتافيزيقية فبقي أ ْن تكون مقيّدة ،ومن ث َ ّم
كان بوبر محقًّا يف نقده للوضعية املنطقية يف محاولته لبيان عدم وجود االنسجام بني منهج التأييد،
منسجاًم مع نفسه.
ً وبني بنائهم النسقي الفلسفي فاختار التكذيب
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 189
وقد تن ّبه الشيخ الرئيس إىل تقدير األذهان هلذا النوع من اإلشكال ،فأشار
القوة والفعلّ ،
فإن القول أن العالقة بني القول السابق والنتيجة عالقة ّ إىل ّ
السابق حيمل خاص ّيتني:
1.معلوم ُم ْل َت َف ٌت إليه ،صح االنطالق منه.
2.ومعلوم بالقوة ُيرجى طلبه. 1
وهذا االستلزام بني القول السابق وبني حصول النتيجة من مهامت بحث
نظرية املعرفة ،فابن سينا يرى ّ
بأن ذلك حيصل بوساطة األمور اآلتية:
.1وهذا بخالف األوائل التي ال يكون استخدام اللفظ والتعبري موجبًا لتحصيل العلم باالوائل
بالفعل ،بعد كون اللفظ مستوج ًبا له بالذات فتن ّبه.
| 190تاریخ علم املنطق
بعض املصاديق قد تكون مستحدث ًة فال تكون الكلية األوىل فإن قيل َّ
بأن َ ْ
تشملها عىل مستوى التعرف ،بل عىل مستوى وحدة مناط احلكم ،قلنا هذا
تعلاًم بل يوجب تعر ًفا عىل مصداق القاعدة.
ال يوجب ً
لكل املصاديق ،فيكون أن تكون كلية الكربى شمولي ًة بالفعل ّ وعليه ،فإما ْ
علاًم
علاًم جديدً ا ،أي مل يفد القياس ً
احلاصل تذك ًّرا وتن ّب ًها ،وليس احلاصل ً
أن تكون كلية الكربى شمولي ًة بالقوة لوحدة املناط ،فيكون مل يكن ،وإما ْ
احلاصل تعر ًفا عىل مصداق القاعدة ،وعليه فليس ما حصل ً
علاًم جديدً ا.
سائاًل عن اإلنسان هل حيتاج إىل خالق أم ال؟ فأدرك ّ
أن ً فلو وقفت
ٍ
معقول ٍ
متضمنة يف تع ّقيل لإلنسان من حيث هو احلاجة إىل اخلالقية غري
أويل ومن حيث حلاظ حدّ ه أو رسمه ،فليس إدراكي وتع ّقيل لإلنسان هو
ألن حيثيات ما أعقله عن اإلنسان متعددة، تع ّق ٌل للحاجة إىل اخلالق؛ وذلك ّ
ثانوي
ّ ٌ
معقول ّأويل وبعضها كسبي ،وبعضهاّ رضوري وبعضها
ّ بعضها
وناطق ،وتع ّقيل
ٌ متحرك باإلرادة
ّ فلسفي ،فأعقل عن اإلنسان أنّه جسم وأنّه
قابل للكون والفساد؛ أيأن يقع ماد ًة عىل أنّه ٌله من حيث هو جسم يمكن ْ
التغرّي ،والتغرُّيُّ يعني الفعلية بعد القوة ،أي الوجود بعد العدم.
ّ
ٍ
بشكل فعيل، ٍ
متضمنة يف حاجته إىل اخلالق أن معرفتي لإلنسان غريالحظ ّ
ٍ
معقول عن اإلنسان ،لكن من التضمن حتتاج إىل حتصيل معنى بل فعلية
ّ
خاصة ،وإدراكي للجسمية ٍ
حيث هو جسم ،وليس من حيث هو ذو هوية ّ
وأن اجلسم جوهر يصيبه الكون والفساد وأنّه ٌ
قابل لالمتداد يف أبعاد ثالثةّ ،
وأهّنام حيتاجان جلوهر ذي ٍ
مادة وصورة. ّ
للتغرّي
َضم َن يف إدراكي ّ
متغرّي ،وت ّ
َضم َن فيه بالقوة أنّه ّ
فإذا أدركت اجلسم ،ت ّ
| 194تاریخ علم املنطق
َضم َن يف الكون والفساد لزوم رجوع ما بالعرض إىل ماالكون والفساد ،وت ّ
ٍ
معلول حيتاج إىل البنّي الثبوت والذي هو أن ّ
كل بالذات ،ولوال ضميمة املبدأ ّ
ع ّلة ،والتفايت ّ
بأن اإلنسان أحد مصاديق القاعدة ملا حصلت املعرفة.
وهذا معنى حصول التعليم ،وهو عملية حتليل أطراف القضية وربط
أن تفهم ّ
أن طرف بمبدأ تصديقي ّبنّي سابق ،فإذا فهمت هذا ،فال بدّ ْ ٍ ّ
كل
األولية -والتي هي املعقوالت الثانية الفلسفية عىل
حاكمية وعموم القضايا ّ
كل املاهيات وأحكامها -جتعل من كون أحكام القضايا منظور ًة لألحكام ّ
األولية العامة واخلاصة.
اضطر هيوم وهو الذي دفع تفتيت اخلربات اىل حدّ ه األقىص ّ «وقد
اضطر إىل إقامة مبدأ وهو مبدأ العادة ليوازن به تفتيته ملجرى اخلربة إىل ّ
أن يكون رب ًطا
ذرات منفصلة ،بحيث يتسنّى له احلصول ولو عىل ما يشبه ْ
أن حيتفظ بذاتيته الواحدة فرتة من الزمن؛ إذزمن ًّيا يضمن لليشء من األشياء ْ
بغري هذه العالقة الرابطة بني أجزاء اخلربة يستحيل قيام الذاكرة كام يستحيل
قائاًم ً ٍ كل انطبا ٍعألن ّ
التو ّقع ملا سيحدث مستقبال؛ ّ
منعزاًل ً جديد سيكون
وحده ،تنقصه الصفة التي حتدّ د ذاتيته». 1
مندرج حتت
ٌ ٍ
مباين بل منتجا لعل ٍم مل يكن -غري
وعليه فالقياس ال يكون ً
عنوان الكربىّ -إاّل إذا كان للمعقوالت الثانية الفلسفية قيم ٌة علمي ٌة ّ
وإاّل
لبقيت القضايا مفكّكة ال يصح ارتباط بعضها ببعض.
.1جون ديوي ،املنطق نظرية البحث ،ترجمة زيك نجيب محمود ،ص .٣٣٦ – ٣٣٥
.2زيك نجيب محمود ،املنطق الوضعي ،ج ١ص .١٤٩
| 196تاریخ علم املنطق
مهام كانت صورهتا إىل هذا النوع الواحد الذي شغل أذهاهنم ... 1ونظرة
تبنّي لك ّ
أن اليشء ال يتميز بصفاته فقط ،بل يتميز بعالقته مع حتليلية يسرية ّ
خاص ًة بالتعبري عن عالقات
األشياء … وإنّك لتجد من ألفاظ اللغة ألفا ًظا ّ
األشياء بعضها ببعض ،مثل فوق وحتت وإىل اليمني وإىل اليسار من ألفاظ
العالقات املكانية … ومثل يساوي وخيتلف عن». 2
بل يمكن لنا وبحسب دعواهم تشكيل قياس حده األوسط غري قائ ٍم
ٍ
مساو لـ (ب) ،إ ًذا (أ) ٍ
مساو لـ (ج) ،و(ج) عىل االندراج كام يف قولنا (أ)
مساو لـ (ب) .فهنا مل يتكرر احلدّ األوسط ،كام مل تكن النسبة هي االندراج ٍ
ٍ
وبعبارة أخرى مل يكن لدينا يف املقام كربى، يف ربط املوضوع باملحمول،
متضمن ًة فيها بالقوة ،وتكون موجب ًة لتنبه الذهن يف احتضاهنا
ّ تكون النتيجة
للمحمول مقولية أو تصاح ًبا أو تعاندً ا.
يبنّي الدكتور حممد نارص يف معرض ر ّده عىل ا ُملحدَ ثني يف
ولتوضيح ذلك ّ
نص الشيخ الرئيس فصل الكالم وأوضح مبهم ّ توهم إبطاهلم للقياس؛ إذ ّ ّ
أن االستدالل بالعالقات النسبية قيايس ،فقال « :وأ ّما ما هو موضع ببيان ّ
النقض املرتتّب عىل الفهم اخلاطئ ،فهو كون القياس املذكور يف اإلشكال
مؤ ّل ًفا من قض ّيتني متساويتني ،وهذا مضا ًفا إىل أنّه دخول يف تعيني ما ّدة
ألن معنى القياس ،وليس حلا ًظا للقياس من حيث حمض صورته؛ وذلك ّ
أن ما ُيقال عليه (أ) يقال عليه عىل يمني (ب)، قولنا (أ) عىل يمني (ب) ّ
فقولنا « :عىل يمني (ب)» بتاممه هو املحمول ،وكذا معنى قولنا( « :ب)
كل منهام حمدّ ًدا من حيث املا ّدة، عىل يمني (ج)» .وبالتايل يكون املحمول يف ّ
خمتل من حيث ضوابط فهو خروج عن اجلهة املبحوث فيها القياس ،فهو ٌ
متكرر؛ ألنّه يف املقدمة األوىل عبارة عن (عىل ألن احلدّ األوسط غري ّ اهليأة؛ ّ
تكرر احلدّ يمني ب) ،ويف املقدمة الثانية عبارة عن (ب) ،وبالتايل فمع عدم ّ
ألن حدَّ القياس كونه مؤ َّل ًفا من مقدّ متني األوسط ال يصدق عليه أنّه قياس؛ ّ
ٍ
تكرر احلدّ األوسط متى ما س ّلمتا لزم عنه لذاته التسليم بقول آخر ،فمع عدم ّ
انضمت إليه الرشوط األخرى ،فال ّ الذي هو مناط االستلزام الذايت متى ما
يكون التسليم بالنتيجة ناش ًئا عن ذات اهليأة القياس ّية املذكورة ،بل سبب
لثالث فهوٍ يمني ٍ كل ٍ مضمرة مفادها أنّه ٍّ ذلك العلم بقض ّي ٍة
يمني ليشء هو ٌ
أن يمني اليمني يمني ،ولوال العلم هبذه القض ّية ملا كان يمني للثالث ،أي ّ ٌ
إن كان من حيث سبياًل ،ألنّه ْ
لالستنتاج من املقدّ متني املذكورتني للنتيجة ً
ألهّنا ال تفيد شي ًئا عن موقع خصوص األطراف أي (أ) ،و(ب) ،و(ج) فهو؛ ّ
األول
وإن كان من حيث خصوص كون الطرف ّ أي منها بالنسبة لآلخرْ ، ّ
عىل يمني الطرف الثاين الذي هو عىل يمني الطرف الثالث ،فهذا عني القض ّية
متوسطة يف نظر العقل لالستنتاج. ... املضمرة لشدّ ة وضوحهاّ ،إاّل ّأهّنا ّ
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 199
ّ
التكرّث املعريف (برهان املالزمات) التف ّرد الثالث :كيف ّية حصول
للعاّلمة الطباطبائي ،واحلال ّ
بأن من االشتباهات نسبة برهان املالزمات ّ
متفردات ابن سينا ،وقد كان برهان املالزمات واملعروف (بالشبيه باللم) من ّ
انعكاسات فلسفي ٌة وكالمي ٌة عىل الرؤية التوحيدية فتحت ً
فتحا معرف ًيا ٌ له
(اإلن واللم)،ّ بأن أرسطو وتب ًعا حلرصه الربهان بنيمثمرا ،فمن املعروف ّ
ً
مل يكن له االستدالل عىل اإلله ّإاّل بام يتناسب مع هذين اآللتني اإلثبات ّيتني
برهانًا ،ولكن ِكال اآللتني تعتمدان عىل االنتقال بوساطتني واقعيتني
خارج ّيتني مها إ ّما العلة وإ ّما املعلول ،والواجب ال علة له فانحرص الربهان
بتوسيط معلوله ،فكان برهان احلركة الذي هو عمدة االستدالل األرسطي
.1محمد نارص ،نهج العقل ،ص .٢٨٧ – ٢٨٦ - ٢٨٥
| 200تاریخ علم املنطق
أن الشارح األكرب -ابنتب ًعا حلرصه الربهان ضمن قسميه ،ومن هنا ترى ّ
رشد -بقي مداف ًعا عن برهان احلركة وجعله يف س ّلم الرباهني عىل وجود
بأن برهان ّ
اإلن املعتمد عىل التصديق بوسط اهلل ،هذا والشيخ الرئيس يرى ّ
ٌ
برهان فاسدٌ الستلزامه الدور ،ونورد هنا كالم بعض األساتذة هو املعلول
من املعارصين ،لسهولة عبارته ووضوحها ،يف تشقيقه ألنواع الربهان ،وبيان
ما يتم ّيز به برهان املالزمات عن غريه من أنواع الرباهني ،وفساد الربهان
املعتمد عىل أوسط ّية املعلول:
يقول السيد يد اهلل يزدان پناه :هناك جمموع ٌة من الربهان اإلن ّية ال تفيد
اللمي -وبعض َعمل يف الفلسفة؛ ّ
ألن أمه ّية الربهان ّ فإهّنا ال تُست َ
اليقني؛ ولذا ّ
ألهّنا براهني تفيد اليقني ،واليقنيالرباهني اإلن ّية -يف الفلسفة إنّام كانت ّ
اخلاصة به ،وهذه الع ّلة قد تكون أحيانًا
ّ النفس أمري إنّام حيصل من ع ّلته
تصو َر مفاهيم موضوع وحممول القض ّية نفسه ،وذلك طب ًعا بلحاظ ما حيكيانه ّ
مثل (الكل أكرب من اجلزء) فع ّلة اليقني يف األوليات مستبطن ٌة يف داخلها.
معلواًل لثبوت األصغر ،وهذه الصورة هي املقصودة ً 1.كون احلدّ األوسط
اإليّن ننتقل من املعلول اىل الع ّلة ،وعادة
غال ًبا حينام يقال إنّنا يف الربهان ّ
حينئذ بـ(الدليل) ،كام يف (أ) هي (ب) ،بدليل (ج)،ٍ سمى الربهان ما ُي ّ
و (ج) معلول لكون (أ) هي ب.
2.كون احلدّ األوســط -ومــع ثبوت األكرب لألصغر -لــه نحو من (املع ّية
بالطبع) وهلذه املع ّية بالطبع أنواع:
ألف :إحدى أنواع املع ّية بالطبع ،املع ّية بني معلويل ع ّلة واحدة .فلو
معلويَل الع ّلة عىل املعلول اآلخر نكون قد أقمنا برهانًا إ ّن ًيا
َ استدللنا بأحد
يكون للحدّ األوسط فيه مع ّي ٌة مع النتيجة ،وهذا الربهان أحد أنواع (الربهان
اإليّن املطلق).
ّ
باء :النوع الثاين للمع ّية بالطبع( ،املع ّية باإلضافة) ،فإذا كان (ج) ،و(خ)
حينئذ جعل (ج) حدًّ ا أوسط ،وإثبات (خ) وبالعكس. ٍ مضافني ،فإنّه يمكن
جيم :النوع الثالث للمع ّية بالطبع هي املع ّية بني اللوازم الذات ّية لليشء،
حينئذ جعل أحد الالزمنيٍ واحد الزمان بإتقان ،فإنّه يمكنٍ ٍ
ليشء فإذا كان
حدًّ ا أوسط إلثبات الالزم اآلخر كنتيجة ،إ ًذا ففي هذا النوع من الربهان ّ
اإليّن
املطلق يكون احلدّ األوسط واحلدّ األكرب من اللوازم الذاتية للحدّ األصغر
ٌ
معلول لناطق ّية إن الضحك -يف الواقع - ناطق ،إ ًذا ّ
فكل إنسان ناطقّ ،
ٍ
دليل فبأي
ّ اإلنسان ،والسؤال هنا عن كيف ّية حصول اليقني بالصغرى؟
وكل إنسان ألن ع ّلة الضحك هي النطقّ ، يكون ّ
كل إنسان ضاحكًا؟ إذا قيل ّ
فكل إنسان ضاحك ،نجيب :إ ًذا فالعلم بالنتيجة كان موجو ًدا منناطق ،إ ًذا ّ
قبل ،وعليه يكون هذا االستدالل بال فائدة ،ومن دون العلم بالع ّلة ال يمكن
حتصيل اليقني بالصغرى.
اإليّن الذي
وبنا ًء عليه فاإلشكال الذي يطرحه ابن سينا عىل يقين ّية الربهان ّ
رب ٍر ليقين ّية الصغرى ،سوى
مصح ٍح وم ِّ
ّ يكون من نوع الدليل هو فقدان أي
أن يتم إثباهتا هبذا الربهان…. 1ع ّلتها التي من املفرتض ْ
.1يد الله يزدان بناه ،تأمالتٌ يف فلسفة الفلسفة اإلسالميّة ص .٢١٥-٢١٤-٢١٣- ٢١٢ -٢١١
.2م .ن ،ص.٢١٧ -٢١٦ - ٢١٥
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 203
الربهان ّ
اإليّن عن طريق اللوازم
اإليّن املطلق من طريق اللوازم ،يكون األكرب الز ًما ذات ًيا يف االستدالل ّ
البنّي هو لزوم األوسط لألصغر، لألصغر ،غري ّ
أن هذا اللزوم ليس ب ّينًا ،إنّام ّ
فمثاًل (أ) هلا عالقة ذاتية نفس أمر ّية بـ (ب) ،أي ّ
إن ولزوم األكرب لألوساطً ،
ٍ
لسبب ٌ
معلول أن ثبوت (ب) لـ (أ) (ب) تُستنتَج من (أ) ،ال ّ
أيضا هلا مع (ب) العالقة نفسها ،وهنا يكون اليقني بالصغرى و (ج) ً
والكربى ليس متو ّق ًفا عىل العلم بالسبب ،وإنّام يكون اليقني بالصغرى
والكربى ليس متو ّق ًفا عىل العلم بالسبب ،وإنّام سبب هذا اليقني هو ذات
األصغر واألوسط ،وعىل هذا يمكن االستنتاج بشكل يقيني ّ
أن (ج) الز ٌم
يت لـ (أ).1
ذا ّ
رس االعتامد عىل برهان املالزمات يف ً
تفصياًل يف ّ ثم يذكر السيد يزدن بناه
بحوث الفلسفة ويذكر شواهد وكلامت للشيخ الرئيس من كتبه يف احلاشية
عىل املطلب . 2قال الشيخ يف برهان الشفاء« :فإن كان األكرب لألصغر ال
بسبب ،بل لذاته ،لكنَّه ليس ِّبنِّي الوجود له ،واألوسط كذلك لألصغر،
ّإاّل أنّه ِّبنِّي الوجود لألصغر ،ثم األكرب ِّبنِّي الوجود لألوسط ،فينعقد برهان
إن ليس برهان ِمِلْ».3
يقيني ،ويكون برهان ْ
دلياًل عليه ،لك ّن هذا الباب أوثق وأرشف ،أي إذا اعتربنا حال الوجود فشهد ً
به الوجود من حيث هو وجود ،وهو يشهد بعد ذلك عىل سائر ما بعده يف
َ ُ
اآلفاق ويف
ِ الواجب ،إىل مثل هذا ُأشري يف الكتاب اإلهلي﴿ :سرُنيهم آيات ِنا يف
إن هذا حكم لقو ٍم ،ثم يقول﴿ :أَ َولَمْ احلق﴾ .أقولّ :َّ ُ ُّ ىَّتَّ نَّيَّ
أنفسهم ح يتب َ لهم أنه
ٌ ِ
ٌ َ َ ّ ُ َ َ َ ّ َ َّ َ َ ْ
حكم للصديقني الذين يد﴾ .أقولّ :
إن هذا ك أن ُه ىَلَع لُك ْ
يَش ٍء ش ِه
ٌ ِ يك ِف بِرب ِ
يستشهدون به ،ال عليه». 1
وال يمكن جعل الوجود وس ًطا ثبوت ًّيا خارج ًيا بالنسبة ألعيان املوجودات؛
األويل ،واملعقول
أن نسبته إليها نسبة املعقول الثاين الفلسفي إىل املعقول ّ ذلك ّ
ً
معقواًل يصح وقوعه حدًّ ا للامهيات ،وليس الفلسفي ال يدخل يف قوامه فال ّ
أواًل فال يمكن وقوعه ع ّل ًة من العلل الثبوت ّية ،هذا بالنسبة للممكنات ً
املاهوية ،بل أقول ليست املاهيات ماهيات ّإاّل يف طول حلاظ العقل هلا
أعقلهأعقل اإلنسان ِ
معقولة بمنظار فلسفي ،وكذا مجيع املوجودات ،فعندما ِ
جوهرا له أعراض ،وتع ّقل اإلنسان من حيث ً ّ
مشخ ًصا موجو ًدا ممكنًا واحدً ا
وإاّل ٍ
استعداد وقابليةّ ، ناطق مأخو ٌذ فيه تع ّقلنا له من حيث هو ذو ٌ
حيوان ٌ هو
ُأبطلت احلدود؛ ومن هنا صار الوجود طر ًفا إثباتًا واقع ًيا دون كونه خارج ًيا؛
ليس ع ّلة؛ لعدم
إذ اخلارج الثبويت للعلل ،وعليه فالوجود بالنسبة للباري ّ
ختص ًصا ،وللنكتة نفسها ال يمكن وقوعه صحة وقوع الوجود ع ّل ًة وخروجه ّ ّ
ً
معلواًل ،كذا ليس الوجود ههنا اعتبار ًيا ،إذ املراد منه التح ّقق ،وملا كان
ينفك عن متح ّقق ،وكان للمتح ّقق أنحاء كان النظر يف الوجود التح ّقق ال ّ
جوهر وإما عرض إ ّما واحدٌ وإ ّما كثري ،فكان هذا
ٌ وأنّه ممك ٌن أو واجب ،وإما
التك ّثر املعريف من خالل شهود العقل ملعنى الوجود نفسه وحتليله.
.1هذا ما سيكون شاهدًا عىل ع ّد املنطق صوريًا عند الشيخ الرئيس يف بعض معاين الصورة أو
نفي املادة ،إذ جعل شغل املنطق يف مساح ٍة واقع ٍة بعد املرحلة التجميعية ،فالفكر املعني يف
تخصها من حيث كونها
ّ رسم كربياته املنطق يكون بني طريف االنتقال من أمو ٍر حارض ٍة لها صفات
متصور ًة أو مص ّدقًا بها إىل أمو ٍر غري حارضة ،ولنا شواهد نسوقها يف محلها من الكالم
.2ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ج ،١ص .١١٩
.3م .ن ،ج ،١ص .١٢٧
| 206تاریخ علم املنطق
يبق من الفكر ّإاّل صورته وشكله ،أ ّما ونالحظ يف هذه احلالة أنّه مل َ
مضمونه فلم يعد موجو ًدا؛ ألنّه ال ُمطا َبق له يف عامل اخلارج ،ولكنّه يف نفس
وكلمتغرّيّ ،
الوقت احتفظ بالصورة نفسها التي كانت موجود ًة يف قولنا العامل ّ
متغرّي حادث ،فالعامل حادث ،فهاتان الصورتان متطابقتان من حيث اإلجياب ّ
والسلب ،ومن حيث الكلية واجلزئية ،ومن حيث الرشطية واحلملية إىل غري
أن إحدامها صيغت عىل ذلك من اجلهات املقوالت املنطقية… غاية األمر ّ
أساس الرموز ،واألخرى عىل أساس املواد اخلارجية …
ألن بعض املواد ال حاجة وعليه :فاملواد ال تقع ضمن وظيفة علم املنطق؛ ّ
تتوزع عىل
إىل البحث فيها ،باعتبارها ّأولية كام قلنا واملواد األخرى الثانوية ّ
ٍ
عالية فروع املعرفة البرشية والتي تنقسم بحسب ترتيب القدماء هلا إىل علو ٍم
ٍ
وسافلة». 1 ومتوس ٍ
طة ّ
وال إشكال يف هذا النحو من الصور ّية عىل ظاهر األمر ،وإن كنّا سنرجع
ونبنّي عمقه يف تعرضنا إىل معنى آخر من الصورية قد تُفهم من
إىل كالمه ّ ،
أن نشري وحماًل فيه ،ولكن ا ُمل ّ
هم عندنا اآلن ْ بعض عباراته ،وجتد هلا مصدا ًقا ً
التفرد السينوي.
مهتنا ببيان مواطن ّإىل معقد ما عكفنا عليه ّ
وإن كانت له فوائد عرضية عديدة ،والتي منها رفضه لتو ّلد فقوله هذا ْ
املعاين من اللغات وتعدّ دها بحسبها ،والتي قاد لواءها فتجنشتني يف مرحلته
ٌ
مدلول إال الفكرية الثانية ،أو القول بمركزية اللغة وأنّه ليس وراء اللغة
تراكيبها ،وهاتان نزعتان اسميتان موجودتان عىل مستوى فلسفة اللغة
تعريضاّ ،إاّل
ً وطبيعة عالقتها مع الواقع ،وهذا قد ُيعدّ من مبتكرات الشيخ
ٍ
متعال يف ذاته عن اللغات، أن الكالم يف إشارة الشيخ املهمة إىل ّ
أن املنطق ّ
وهبذا يعرض ببعض النحاة الذين قاموا بعملية ٍ
قرن بني اللغة اليونانية ّ
واملنطق األرسطي ،بنحو نفوا صلوحه يف صريورته قواعد برشية ،فجعلوه
ٍ
وانتامء خمصوص ،لك ّن املنطق عند الشيخ شأنه شان القواعد ٍ
ولون ذا طع ٍم
لفظ يفمعقوالت نعرّب عنها بوساطة اللفظ ،وليس ألي ٍ الرياضية ،فقواعده
ّ ٌ ّ
نفسه خصوصية ،وعالقته باملعقوالت عرضية ،بل يمكن جتاوز األلفاظ لو
حضورا
ً أمكن -لوال عالقة االقرتان بينهام التي جتعل حضور الواحد منهام
لآلخر -إىل التعاطي مع املعقول نفسه ،وهذا ما عناه بقوله ولو أمكن ْ
أن
عرُس ذلك، ٍ
ساذجة إنّام تلحظ فيها املعاين وحدهاْ ، ٍ يتع ّلم املنطق
وإن ُ بفكرة
ٍ
وساطة من كام هو واضح فال أقل ْ
أن يقوم باالطالع عىل ما يف نفسه بإجياد
غري األلفاظ املعهودة ،وذلك باستعامل احلروف ،وقد أكثر الشيخ يف منطق
املرشقيني استعامل الرموز اهلجائية ولنأخذ شاهدً ا دون إكثار قال :
وأمهية كالم الشيخ عن نحو ارتباط اللغة باملنطق تتقدّ م يف األمهية عىل
أن حماوالت ربط املعقوالت باللغة ْ
وإن كان ورشاحه ،وذلك ّ كالم أرسطو ّ
هلا جذرها يف تفكري املدرسة الرواقية لك ّن النزاع احلاصل يف البيئة اإلسالمية
نضج أكرب لرضورة التفات الشيخ إىل موقعية ٍ عرّب عن
العربية والفارسية قد ّ
أن ما س ّطره وقع يف سياق النزاع احلاصل بني وخصوصا ّ
ً املنطق من اللغة،
املناطقة والنحاة.
أن ّ
حتل فإن البن سينا يف رجائه ْ
«وأيضا ّ
ً يقول الدكتور إبراهيم مدكور:
.1منطق املرشقيني والقصيدة املزدوجة ابن سينا ،ص.١٠٠
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 211
تتكون
أن ّ ّ
حمل األلفاظ وسائل أخرى ألداء املعاين ،يتن ّبأ باللوجستيقا قبل ْ
بنحو ثامنية قرون ،وال غرابة فإنّا نراه يف (رسالته النريوز ّية) حياول ْ
أن
فيكون بذلك رض ًبا من اجلرب
يؤ ّدي بعض املعاين الفلسفية بواسطة احلروف ِّ
شبيها باجلرب املنطقي الذي انتهى إليه راسل وكوتورا ». 1
الفلسفي ً
1.قانون الع ّلية يف جانبها املوضوعي ،فليس للمنطق املادي تواجدٌ دون أصل
قانون الع ّلية ،وليســت الع ّلية لوحدها كاف ًية؛ َّ
ألن العلية تار ًة تتم َّثل يف
ٍ
كقانون موضوعي ٍ
كقانون ذايت ،وأخرى الذهن
2.السنخ ّية
3.اجلوهر والعرض
بأن املنطق ُيعنى بتصحيح صورة الفكر فقط ،دعواهم هذهفالقائلون ّ
تأثريي وخصائيص بني األشياء خارج ٍ
ارتباط تعود اىل عدم اعرتافهم بوجود
ّ
الذهن!
قانون ال واقع له خارج البعد النفيس واالعتياد ٌ فإن قانون الع ّلية هو
ّ
واألُنس الذهنيني كام عند (ديفيد هيوم) .وكذلك إمانويل كانط الذي ال
جمه ٍز به الذهن ،والقبلية عند كانط كام ّأهّنا ال ٍ
يرى الع ّلية سوى قانون َقبيل َّ
تعني كوهنا قضايا حتليلية ــ خال ًفا للفالسفة الذين سبقوه بل ومن جاء بعده
تعرِّب عن الواقع ،بل ليس القبلية ّإاّل وصفــ كذلك ال تعني قبليتها كوهنا ِّ
جتهز الذهن هبا ،وهذه اجلهوزية عنده ال تعني حكاي ًة عن للقضية بلحاظ ّ
واقع خارج الذهن.
أن نتجاوز فإن احلديث عن منطق ما ّدي ،ماذا يعني؟! يعني ْ ومن هنا َّ
تصحح لنا عملية ربط مفهومني أو قضيتني؛ ّ جمرد الصورة التي الشكل أو ّ
ألن صحة الصورة مبني ٌة عىل ينعكس يف الذهن من مفهو ٍم وما ُيتصالح عليه
ّ
ٍ
سبب ذايت بينهام و ُيفرض بني العقالء ،فالتساوي بني مفهومني ال يعود إىل
جعلهام كذلك ،بل ليس املتساويان ّإاّل ما تم رصدمها كوهنام كذلك ،لذلك
يكون احلديث عن املتساويني بعيدً ا عن منشأ كوهنام كذلك؛ ألنّه ليس هناك
منشأ موضوعي يف ذاتيهام ،بل املسألة تعود اىل اندماج صوري ليس ّإاّل.
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 213
ألهّنام كذلك
كذلك يف احلديث عن التباين ،فاحلرارة والربودة متباينان؛ ّ
كل منهام جتعلهام متنافيني يف االجتامع .لكن ألن خاص َّية ٍّ
يف الذهن ،ال ّ
املنطق املادي ،ينظر َّ
أن العلية تعكس واق ًعا موضوع ًيا ،ال ّأهّنا حبيسة الذهن
ملجرد ترتيب األشياء وتنظيمها ،وليست كذلك عادة مكتسبة من يستعملها ّ
جراء التكرار!
ّ
أي
واقع موضوعي ،يدركه الذهن بعيدً ا عن ذاتيته ودون ّ ٌ بل العلية هلا
ٍ
مرتبة طولية، ف زائد ،وهذه الواقعية تُعقل ضم َن تع ُّق ٍل ثانوي يأيت يف ترص ٍ
ّ
سمى باملعقول الثانوي الفلسفي؛ من هنا فالعلية املوضوعية ،هي وهو ما ُي َّ
منطق ُيعنى بتصحيح عملية أوىل املبادئ التي لوال ثبوهتا ملا جاز احلديث عن ٍ
الفكر املادي ،فقويل النار والربودة متباينان ،أي ال يشء من النار يكون بار ًدا،
وال يشء من البارد هو نار.
هل الشيخ يف اختزاله حركة الفكر باحلركة الثانية أراد هذا األمر؟
لنا عىل فهم املطلب الذي نحن بصدد استبيان حاله ،لكن لنذهب ً
أواًل إىل
عرف الشيخ موضوع علم املنطق ملا للتعريف كتاب التعليقات ونرى كيف ّ
ٍ
ارتباط ببحثنا ،فقال« :موضوع علم املنطق هو املعقوالت الثانية املستندة من
إىل املعقوالت األُ َول ،حيث يتوصل هبا من معلو ٍم إىل جمهول ،ورشح ذلك
ٍ
معقوالت ُأ َول كاجلسم واحليوان وما أشبههام ،ومعقوالت ثواين ٍ
لليشء ّ
أن
تستند إىل هذه ،وهي كون األشياء كلي ًة وجزئي ًة وشخصية ،والنظر يف إثبات
هذه املعقوالت الثانية يتع ّلق بعلم ما بعد الطبيعة ،وهي موضوع ٌة لعلم
فإن نحو وجودها مطل ًقا يثبت هناك، املنطق ال عىل نحو وجودها مطل ًقاّ ،
توصل وهو :هل ّأهّنا وجو ٌد يف األعيان أو يف النفس؟ بل برشط آخر هو ْ
أن ُي َّ
منها من معلوم اىل جمهول». 1
متفردات الشيخ ،وال جتد هذا عند هذا البيان يف حتديد موضوع علم املنطق من ّ
وخصوصا يف كتاب (إحصاء العلوم)، ً الفارايب مع ما ذكر الفارايب من تفصيل
فاملعقوالت الثانية ــ وبحسب تعبري الشيخ التي هي موضوع علم املنطق من
حيث ُي َتو َّصل هبا إىل جمهول ــ تستند إىل املعقوالت األُ َول ،واملعقوالت األُ َول
هي التي تشكّل متن األعيان يف اخلارج ،إذ قبل احلديث عن اجلنس والفصل
ِّلة لِب ِ
ِ
نية أنحاء وقوع التعريفات وحتصيل املطلوب والعرض ونحو ذلك ،ا ُمل َشك ُ
التصوري ،البدّ من الفراغ عن وجود الكيل يف ذاته ،ومقسمها الكيل الطبيعي ّ
املوجود بوجود أفراده ،ومنه يكون اجلنس حيث يكون الكيل بني افراد متباينة
أن الشيخ يف احلقيقة مشرتك بينها وكذا الكالم يف النوع والفصل ،لكن ا ُمل َ
الحظ ّ
التوصل إىل
ّ فصل بني الكيل الذي هو اجلنس والفصل والعرض من حيثية
معرفة حال املجهول ،وبني متن الوجود الذي يتشكّل من الطبائع ،إذ جعل
حمل وجودها ،هل هي األذهان أم األعيان عىل عهدة الفلسفة األوىل. تعيني ّ
.1ابن سينا ،التعليقات ،ص.٤٥
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 215
أن تقع السببية بوجهها هذا موضو ًعا للعلم األعىل والفلسفة وعليه منع ْ
أن يكون بحثها فيها وتطلب يف تضاعيف بحوثها ومطاوي األوىل ،بل وجب ْ
مسائلها ،ويرتتّب عىل هذا القول إ ّما:
1.صور ّية املنطق يف حدّ ها األعىل التي تتنكّر للقواعد العامة الفلسفية ،وتقول
وضعي بالرضورة ،وهذا
ّ بخرافة امليتافيزيقيا ،وهذا سيتو ّلد عنه ٌ
منطق
واضح بطالن تبنّيه يف مقامنا
املتوســط ،أي االعرتاف هبــذه القواعد لكن
ّ 2.صوريتهــا يف حدّ ها املركّب
ضمن تبدياهتا القبلية الذاتية ،وهذا سينشأ عنه منطق كانطي ال عالقة
األول وال بالواقــع اخلارجي ،وهو خالف ما جاء من لــه باملعقوالت ّ
ترصيح الشــيخ يف التعليقات من املقطع الذي ســطرناه أعاله ،حيث
قال موضوع علم املنطق هو املعقوالت الثانية املســتندة إىل املعقوالت
األول.
ّ
3.صوريتها بحدّ ها األدنى ،وهو تســ ّلم بعض مبادئها من علم آخر ،وهذا
العلم إ ّما أسبق ،وإ ّما بعرض املنطق ،وإ ّما بعدي بالنسبة للمنطق ،فعىل
األول ال صور ّية يف البني ،كام ال يمكن صدق التس ّلم ،وعىل االحتامل ّ
لكل العلوم وعليه أن املنطق آل ٌة ّ الثاين كذلك ال صور ّية ،لك ّن الواضح ّ
كل مســألة من أن َّ
فالعلم األعىل يقع يف طوله ،ويرتتّب عىل هذا القول َّ
خصوصا -البدّ
ً مســائل املنطق يف شــ ّقه املادي ،كبحوث الربهان -
وأهّنا تتو ّقف عىل حســم بعض قضاياها عىل مراجعة مسائل وبحوث ّ
أصاًل موضو ًعا مس ّل ًاًم به ،وعليه فامد ّية املنطق
العلم األعىل؛ ولذا تؤخذ ً
هبذا املعنى إرجائ ّية وتعليق ّية حتت رمحة ما يتح ّقق يف العلم األعىل!
يتضمن مبادئ ب ّينة بذاهتا أو مب ّينة تعود إىل
ّ ومجلة القول َّ
بأن املنطق الذي
تلك الب ّينة دون حاجة علم أسبق عىل اإلطالق إنّام هو اجلانب الصوري منه
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 217
األوىل عند ذكره للحاجة اىل علم املنطق وسؤال استغناء اإلنسان عن
الصناعة ،يقول الشيخ يف الشفاء« :قد يتفق لإلنسان أن ينبعث يف غريزته
أن ذلك يكون شي ًئا غري موقع للتصور ،وحج ٌة ِ
موق َع ٌة للتصديق ،إالَّ َّ حدٌّ ِ
ُ ّ ٌ
صناعي ،وال يؤمن غلطه يف غريه فإنّه لو كانت الغريزة والقرحية ممّا يكفينا
طلب الصناعة كام يف كثري من األمور لكان ال يعرض االختالف يف املذاهب،
ولكان اإلنسان الواحد ال يناقض نفسه وقتًا بعد وقت إذا اعتمد قرحيته». 2
ّأو ًاًل ،وكالم الشيخ هنا يومئ إىل ّ
أن ما يؤمن غلطه ينبغي ْ
أن يكون صناع ًيا
فكر ًيا ،يف حال كون القض ّية نظرية ،كام أنّه يمنع جعل الغريزة والقرحية
يف نفسيهام أمرين موجبني للعصمة ،ويمنع َ
جعل املاثل يف الذهن بوساطة
أمرا موج ًبا لالستغناء عن الصناعة أو
احلجة التصديق ّية ً
التصوري أو ّ
ّ احلدّ
أن الشيخ سيجعل احلدس فيام بعد من مبادئ العرض عىل الصناعة ،مع ّ
.1وهنا الب ّد من مساءلة للشيخ يف معنى الربهان الذي وقع يف عبارته يف إلهيات الشفاء حينام قال:
« ث ّم البيان الربهاين لذلك ليس يف العلوم األخرى ،فإذن يجب أ ْن يكون يف هذا العلم » .فكيف
ميكن مامرسة الربهان الصناعي عىل تحقيق مسألة إثبات السبب ّية املطلقة ،مع كون الربهان مأخوذًا
فيه -تض ّم ًنا وضمن مبادئه -العليّة واملعلوليّة؟!
فاستعامل الربهان يلزمه اعتامده عىل مبادئ تصديقية ،ومطلوبنا يف الفلسفة بحسب دعوى الشيخ
هو إثبات نفس هذا املبدأ التصديقي ،فيلزم الدور والتهافت وهو من املفارقات العجيبة يف كلامت
الشيخ الرئيس ،وقد طرحت هذا السؤال عىل أستاذي الدكتور أمين قبل سنوات ووضعته بني أيدي
أهل االختصاص من زماليئ فحاروا بذلك جوابًا.
.2ابن سينا ،الشفاء ،املنطق ،ج ١ص .٦
| 218تاریخ علم املنطق
الصناعة الربهانية ،ومبادئ الربهان جيمعها كوهنا قضايا بده ّية مطابق ًة
وإن اختلف تقريب مالزمتها للصدق واختالف للواقع رضوري َة الصدقْ ،
األوليات،
درجة بداهتها ،واعتامد بعضها عىل بعض كاعتامد مجيع املبادئ عىل ّ
كيفام كان فيمكن لنا مجع كالم الشيخ هنا مع عدّ ه للحدسيات من ضمن
بأن عدم كون اليشء صناع ًيا ال يلزمه عدم كونه مطاب ًقا
أن ُيقالّ ،
املبادئْ ،
إن احلدس اآليت ذكره يف باب الربهان إنّامللواقع وبده ًيا عند صاحبه ،بل ّ
من خصائصه عدم إمكان ّية الربهنة عليه من صاحبه للطرف اآلخرّ ،
ولعل
هذا هو املراد هنا من عدم كونه صناع ًيا ،والذي سيلزم عنه هناك عدم إمكان
تقديمه بلغة علمية وإكسابه لآلخر.
ثان ًياّ ،
إن قوله ال يؤمن غلطه يف غريه ،إنّام هو نفي للغلط فيه ،وحرص الغلط لو
وللحجة
ّ بأن ما اتفق ً
أواًل من االنبعاث للحدّ وقع فيكون يف غريه ،لكن قد ُيقال ّ
أن معيار الصدق ْ
إن أن يكون كذلك يف غريه ،بداهة ّ صحيحا ،فينبغي ْ
ً إن كان ْ
احلجة فيكون الصدق مالز ًما ّ
لكل ما كان فيه انبعاث كان االنبعاث للحدّ أو ّ
حتكياًم للسنخ ّية ولقاعدة حكم األمثالّ ،
وإاّل لكان عدم ً النحو احلاصل ً
أواًل ّ عىل
بنِّي وال ُم َّبنَّي ،وحتك ًُّاًم.
حكاًم ال هو ِّ ٌ
األول ً
األمن من اخلطأ يف الثاين دون ّ
أن ُيقال ّ
أن قوله( :ولو كانت القرحية والغريزة ممّا يكفينا واجلواب ،يمكن ْ
فإن حمض طلب الصناعة…) ،هو إخراج للبحث من رأس عن احلدسّ ،
واحلجة يف الذهن ال جيعل السبب يف املثول هو احلدس ،فليس ّ مت ّثل احلدّ
واحلجة ومل يكن صناع ًيا ،فيلزم كونه حدس ًيا،
ّ كل ما تس ّبب عنه ٌ
مثول احلدّ ّ
أن هذاأن الذي استوجب املثول إنّام هي الغريزة والقرحية ،فلو ّ والكالم هنا ّ
وتبنّي مطابقته للواقع ولقواعداملثول عندما حصل و ُع ِرض عىل الصناعة ّ
مرة أخرى وثالثة سيكون حكمه املطابقة ،بل الصناعة فال يعني ّ
أن املاثل ّ
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 219
ومّما يؤكّد اجلمع بني املطلبني يف جعلهام ناظرين إىل معنى واحدّ ،
أن الرازي ّ
جعل احلدس هو مقتىض الفطرة األصلية لوال العوارض ،والعوارض ملا
حضورا ومزامحة للفطرة ،فيلزم عنه ّ
أن احلدود واحلجج ً كانت هي األكثر
عرّب عنه الشيخ( :وقد يتفق
أمرا أقل ًيا حصوله ،وهو الذي ّ مثوهلا سيكون ً
خلو
وأن عدم األمن من اخلطأ مرجعه اىل عدم ّ أن ينبعث …)ّ . لإلنسان ْ
النفس من معارضات اخليال والوهم ،وبالتايل كانت احلاجة إىل صناعة ،ولو
كان هذا هو مراد الشيخ من احلدس يف النمط الثالث يف قوله تنبيه « :لعلك
أن تعرف الفرق بني الفكرة واحلدس .فاستمع :أ ّما الفكرة تشتهي اآلن ْ
فهي حرك ٌة ما للنفس يف املعاين مستعينة بالتخ ّيل يف أكثر األمرُ ،يطلب هبا
احلدّ األوسط أو ما جيري جمراه ،ممّا يصار به إىل العلم املجهول حالة الفقد
استعراضا للمخزون يف الباطن وما جيري جمراه ،فربام نادت إىل املطلوب، ً
أن يتم ّثل احلد األوسط يف الذهن دفعة ،إ ّما
وربام أنبتت .وأ ّما احلدس وهو ْ
ٍ
اشتياق وحركة .ويتم ّثل وشوق من غري حركة ،وإ ّما من غريٍ ٍ
طلب عقيب
معه ما هو وسط له أو يف حكمه». 1
ٍ ٍ
مقدور عليه ّإاّل بتك ّلف ّ
مشوه ،وإ ّما ستبقى أمامنا معضلة اجلمع ،وهو غري
بأن احلدس ههنا غري احلدس الذي هو من مبادئ الربهان ،أو يقال بااللتزام ّ
أعم من احلدس يف مبادئ الربهان ،فالذي بأن احلدس والذي هو بإزاء الفكر ّ ّ
حج ًة دون حركةْ ،
فإن كان: يعرّب عن مثول األوسط حدًّ ا أو ّ
هو بإزاء الفكر ّ
ٍ
وغريزة كان املعنى املذكور يف الشــفاء الذي هو مقابل ٍ
قرحيــة 1.املثول عن
حاجتنا إىل الصناعة.
خاص من تكرار املشــاهدة ومقارنة القياس،
ٍّ ٍ
اعتبار ْ 2.
وإن كان املثــول عن
مع كوهنام شخصيني كان املعنى احلدس الذي هو من مبادئ القياس.
أهم
وهذا املعنى الثاين هو من مبادئ األقيسة اليقينية الربهانية ،وهذا هو ّ
تفردات باب الربهان عند الشيخ ،إذ مل يسبق للمعلم األول والثاين ْ
أن ذكرا ّ
احلدس ضمن املبادئ ،قال الشيخ يف اإلشارات « والواجب قبوهلا :أوليات
وجمربات ،وما معها من احلدسيات واملتواترات ،وقضايا ّ ومشاهدات،
نص يف كتاب التفرد ما وقفت عليه من ٍّ ّ كانت بداية التفايت إىل هذا
اإلشارات والتنبيهات يف بحث (املفرد واملركّب) حيث جعل الشيخ الرئيس
قولنا (حيوان ناطق) من املركبات التا ّمة! واحلال ّأهّنا نسب ٌة تقييدي ٌة ال فائدة
تا ّمة هلا ،كام ال حتتمل بنفسها الصدق والكذب إذ ال ُحكم فيها ،وليست
نسب ًة إنشائي ًة كام ال خيفى .وعليه رجعت إىل رشح فخر الدين الرازي ألجده
الرشاح ٍ
ثم غري واحد من ّ كرر وأكّد عىل كالم الشيخ الرئيس ،ومن ّ قد ّ
وأصحاب املتون ،فصار اشتباه هؤالء اجلمع باملثال بعيد االحتامل ،بعد ذلك
رجعت إىل تعريف الشيخ الرئيس ابن سينا للمركّب التام ،ألجدّ ّ
أن تعريفه
املعيار(صحة السكوت) ،بل تعريف إشارة إىل مسألة جعلٍ ٍ
خال عن أي
ّ
واحد من أجزائه عىل جزء معناه دالل ًة مستقلة، ٍ كلدل ّ املركّب التام هو ما ّ
كل ٍ
جزء منه ٌ
لفظ تام الداللة :اسم ،أو قول تا ٌّم وهو الذي ّ
قال الشيخ « :فمنه ٌ
يدل عىل معنى موجود فعل ،وهو الذي يسميه املنطقيون كلمة ،وهو الذي ّ
معنّي من األزمنة الثالثة ،وذلك مثل قولك :حيوان معنّي يف زمان ّليشء غري ّ
ناطق ،ومنه قول ناقص ،مثل قولك :يف الدار ،وقولك :ال إنسان» . 1وعرفه
مستقل بنفسه ،كقولك( :زيدٍّ جزء منه ّ
يدل بانفراده عىل معنى «كل ٍ
الساويّ :
كاتب) ،و(راعي الشاة) ،و(باب الدار) » . 2
ِ
ومن َث َّم فاملركّب التام ال يشرتط يف ميزانه جعله مر ّد ًدا بني كونه مجلة خربية
إن تعريف الشيخ يمنع كون بعض أو إنشائ ّية إنّام أعم ليشمل التقييدية ،بل ّ
اجلمل اخلربية واالنشائية من املركّبات التا ّمة ،ففي ميزان الشيخ دقة لربط
منسجاًم معها ،وذلك ّ
أن ً ميزان املركب التام بعلم املنطق وبحوثه ،وجعله
األدوات بام هي ألفاظ ال شغل للمنطقي هبا سواء يف األقيسة أم التعاريف.
وعليه يرتتّب عىل حدِّ الشيخ الرئيس نتائج ختتلف عن تعريف املشهور ،منها:
ّ 1.
أن شغل املنطقي بحســب هذا التعريف إنّام هو باملركبات التامة سواء يف
كل ٍ
جزء أن يف التعاريــف يكون ّ
بحــث احلجج أم التعاريــف؛ وذلك ّ
املعرف ،وهذا ال يســتقيم يف املعرف ّ
يدل عىل ما يقابله من َّ مــن أجزاء ِّ
الرتاكيــب الناقصة بداهــة ّ
أن األداة يظهر معناها مــن خالل ارتباطها
باالسم أو الكلمة ،وكذا يف األقيسة.
2.خروج مباحث املركبات الناقصة عــن أبحاث املنطقي ،بخالف تعريف
املشهور ّ
فإن مباحث احلدود والرسوم تتشكّل من النسب التقييدية التي
هي قسم من املركبات الناقصة.
هم املنطقي يف اللفظ املفرد ،ويتم ّثل ذلك يف بحث الكيل ويف
من هنا فإن ّ
املركّبات التي تتألف من خصوص الكلامت واألسامء لتكون تامة الداللة -
واحلجة ،وال شغل له بالنسبة
ّ منطق ًيا ال بالغ ًيا -ويتم ّثل يف بح َثي ّ
املعرف
الناقصة التقييدية ،بخالف التعريف الذي حدّ التا ّم منه بام يقبل الصدق
رصح هناك ّ
بأن والكذب ،كام فعله ابن رشد يف تلخيص العبارة فإنّه قد ّ
التعاريف تُست ْ
َخدَ م فيها النسب التقييدية أي النسب الناقصة.
التف ّرد التاسع :التجربة وقيمتها العلم ّية ونزعة اليقني الذايت
منطقي يالحظ أفعال ذهنه وأحواله ،ويقوم ّ جمرد
مل يكن الشيخ الرئيس ّ
ٍ
موضوعات غاي ًة ٍ
فيلسوف يالحظ جمرد
بتحليلها وفصلها وتدوينها ،وليس ّ
متعالية عن أرض االختبار والتغيري ٍ ٍ
مطلقة يف العموم فقط؛ ليدرسها من حيث ّي ٍة
الطب كتحدٍّ يف مواقف غاية يف َّ متمر ًسا ،عاش والتبدّ ل ،بل كان الشيخ طبي ًبا ّ
قوته للوصول إىل نتائج ُم ْر ِض َي ٍة، ُلزم العقل باستنفاد ّ الصعوبة أمام سالطني ت ِ
عرف بالطبيب كل ألقابه األخرى ،فصار ُي َ الطب حتّى نازع اللقب هذا َّ ّ عاش
أرض خصب ٌة بينها وبني سامء احلس ٌ َّ ّ
وألن أكثر منه بالفيلسوف؛ ومن هنا
ِ
وحصول ِ
رشوط التن ّبه ألهم للحس فاقدٌ َّ
وألن الفاقدَ تبادل يف النفع، ِ
العقل ٌ
ِّ ّ
| 224تاریخ علم املنطق
كبري نف ٍع من تلك األرض املعطاءة فلم يقترص التع ّقل؛ كان للشيخ الرئيس ُ
ٍ
تقنني ُم ْس ٍبق جيعل عمله الطبي مؤ َّط ٍر ضمن النفع عىل طريقة عمله ،بل عىل
ُ
الطب إىل جزئني :ّ قسم العرب علومقواعد ،فقد « ّ
1.علمي
2.عميل
قسم اجلزء العلمي إىل أربعة أقسام:
و ُي َّ
.أالعلم باألمور الطبيع ّية.
.جالعلم باألسباب.
«يقسم هذا اجلزء إىل قسمني :أــ حفظ الصحة .ب ــ
واجلزء العميلَّ ،
مداواة األمراض. 2
ثم
أواًل ما جاء من جتارب الشيخ وقواعده الطب ّية العا ّمة ومن ّولنذكر ً
َ
البحث عن رؤيته العا ّمة لنظرية التجربة وبيان قيمتها العلمية نصحب ذلك
وحدود صدقها
الصحة ّملا كانت تابعة العتدال املزاج ،واستواء الرتكيب عىل ما ُف ِّرِّس
ّ ّ
«إن
أمور واجتناب أمور: الصحة) بتعديل ٍّ أهم هبا ،وكان حفظها (أي يف ٍ
كتب يف ّ
.1كتاب دفع املضار الكلية عن األبدان اإلنسانية -األرجوزة يف الطب -كتاب األدوية القلبية
(املقدمة) ،ص .٧
.2م .ن ،ص .٩
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 225
جيمد،
يرض وما يكرس وما يقطع وما ّ وأ ّما اجتناب أمور :فاجتناب ما ُ
حيرق ،وما يع ّفن ،وما يو ّلد مزاج قتال ،بار ًدا أو ًّ
حارا ،وما يضاد املزاج وما ّ
باخلاص ّية ». 1
وما يذكره الشيخ بعد ذلك يف أحوال التعاديل هي أمور قائمة عىل
أيضانصا شاهدً ا عىل تعديل الرشاب « فتعديله ً التجربة واملعاينة ،فنأخذ ًّ
شبيهة هبذه الوجوه -يقصد الوجوه املتقدّ مة من تعديل الطعامٍ ٍ
وجوه من
واهلواء -والرشاب ُيقال للامء… تعديل املاء إ ّما يف كم ّيته ،حتّى ال يكون
فوق الذي ينبغي وال دون الذي ينبغي ،وأ ّما يف كيفيته حتّى يكون رقي ًقا
قبواًل للحر والربد برسعة ،ومن خفيف الوزن ،عديم الطعم والرائحةً ،
احلر ،أو الطني العذب رسيع اجلرية (أي املاء) األهنار اجلارية عىل الطني ّ
بعيد عن املبدأ الذي منه املنبع ،مكشوف للشمس والريحْ ،
وإن كان النهر
أعظم فهو أجود
االمتالء ساعة الفراغ من الطعام ،وال عقب حركة عنيفة ،وال عقب سبب
خيلخل البدن فوق القدر ،مثل اجلامع واحلامم ،وال عقب سبب يوجب نرش
احلرارة الغريزية باإلفراط ،كالغضب والفرح». 1
نص آخر للشيخ الرئيس جيعل مفاد النص املذكور آن ًفا يعضدُ ه ٌّ
ّ هذا
التجربة عىل ذات املوضوع احتامل ًيا ،ويعزو اليقني فيه إىل صعوبة التفات
ّ
وألن التفات الذهن إىل تلك النسبة الذهن إىل نسبة املرجوح ّية التي تالزمه؛
أمر عسري حيتاج إىل
الضئيلة — القابعة خلف ستار ( كثرة الدالئل ) — ٌ
يتم
يتم جتربته ،أي عىل ما ّ
متييز عالية ،كان هناك حكم باليقني عىل ما ّ جودة ٍ
اصطحابه لكثرة من الدالئل تو ّلد عقائد شبه يقينية ،فاحلكم عىل املوضوع
.1م .ن ،ص.١٨
.2الشفاء – املنطق ،ج ،3ص .٩٦
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 227
لشبهة عرضت ٍ والذي خيضع للتجربة يتو ّلد عنه يقني ،لكن ليس هذا إال
احلق فيها مع وجه الباطل، صاحبها ،والشبهة إنّام كانت شبه ًة لتشابه وجه ّ
احلق اخلالص الذي واحلكيم املنطقي هو الذي يق ّعد القواعد احلاكية عن ّ
شك ،وليس من تلك القواعد التجربة بحكمها عىل موضوعها ال يشوبه ّ
ونص الشيخباملطلق ،بل عىل املوضوع بام هو مق ّيد بحدود ما متّت جتربتهّ ،
الرئيس واضح يف عزو اليقني عىل موضوع التجربة غري املق ّيد ،إىل ٍ
يقني
موضوعي وآخر ذايت ،نقرأ ما أفاده رمحه اهلل « :ولو كانت التجربة مع
أن يكون املوجود بالنظر التجريبي عن معنى القياس الذي يصحبها متنع ْ
أخص ،لكانت التجربة وحدها توقع اليقني بالكلية املطلقة ال بالكلية
أن يقرتن به املق ّيدة فقط ،وإذ ذلك وحده ال يوجب ال يوجب ذلك ّإاّل ْ
أن التجربةوقياس غري القياس الذي هو جزء من التجربة ،فباحلري ّ ٌ نظر
ٌ
احلق ،ومن قال غري هذا فلم ينصف أو بام هي جتربة ال تفيد ذلك ،فهذا هو ّ
الشك فيه لكثرة دالئله وجزئياته، ّ يفرق بني ما يعرسهو ضعيف التمييز ال ّ
فإن ها هنا عقائد تشبه اليقني وليست باليقني ،وباجلملة ّ
فإن وبني اليقنيّ ،
التجربة معترب ٌة يف األمور التي حتدث عىل الرشط الذي رشطناه ويف اعتبار
عللها فقط».1
النتائج
1.بيان الشيخ كيف ّية رجوع القياس إىل صورة مك ّثرة للمعرفة ،وذلك من
خالل بيان تعدّ د املبادئ التي يتشكّل منها القياس من جهة ،ومن جهة
نسبة القضايا بعضها إىل بعض يف حصول التوليد املعريف.
2.ذكره لقياس املساواة والعالئق املنطق ّية التي ترجع إىل القياس ،وبيانه كيفية
الرجوع ،وسبقه لزمانه من مستشكيل نظرية املعرفة واملنطق الريايض
خيص هذا اجلانب.فيام ّ
3.بيانه لوقوع التك ّثر املعريف من خالل برهان املالزمات ،وما له من ٍ
أثر عىل
اإليّن.
فصلنا القول يف أقسام الربهان ّ
الفلسفة باملعنى األخص ،وقد ّ
صورية
ّ تضمن جنوحه نحو مرتبة من مراتب ّ 4.تعريفه للفكر ،والذي
املنطق ،والشواهد منها كان التعريف نفسه ،ومنها تكميمه للغة املنطق
رمزا ،ومنها جعلها مبادئ املادة لصناعة الربهان ضمن ما ُين َظر فيه
ً
وحيتاج إىل فكر.
5.ذكره للحدس يف مقابل الفكر ،واحلدس بمعنى الغريزة ،وكذا احلدس
ضمن مبادئ األقيسة لصناعة الربهان.
تفرد الشيخ بتعريفه للمركّب التام ،املرتتّب عليه اختالف مواد احلدود
ّ 6.
والتعاريف.
تفرد الشيخ ببيانه ملاه ّية التجربة ومفاد حكمها.
ّ 7.
اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | 229
14.الكايش ،حييى بن أمحد ذكرى .ابن سينا نكت يف أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا ،حتقيق الدكتور
أمحد فؤاد األهواين ،منشورات املعهد العلمي الفرنيس ،ط :دار املعارف بمرص.
15.حممد عجوط ،مسامهة ابن سينا يف تطوير املنطق ،مذكّرة مقدمة لنيل شهادة املاجيستري يف
الفلسفة .جامعة اجلزائر :كلية العلوم اإلنسانية ،قسم الفلسفة2009-2008 ،م.
16.حممد نارص ،هنج العقل تأصيل األسس وتقويم النهج ،إرشاف الدكتور أيمن املرصي ،ط،1
دار املحبني ٢٠١٤ ،م.
17.مكاتبة أيب سعيد اخلدري للشيخ الرئيس ابن سينا (نسخة إلكرتونية).
18.يد اهلل يزدان بناه .تأ ّمالت يف فلسفة الفلسفة اإلسالمية :مباحث يف نظرية املعرفة واملنهج
املعريف ترمجة أمحد وهبة ،ط ،١لبنان :معهد دار املعارف احلكمية. ٢٠٢١ .
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان
1
الشيخ سامر توفيق عجمي
ُملخّص البحث
هبمنيار بن املرزبان من كبار حكامء مدرسة املشاء ،وأحد أعيان تالمذة ابن
اهتم بتعليمه وتأديبه كأنّه ولدٌ له ،كتب يف املنطق ،واإلهليات،سينا ،ا ّلذي ّ
والطبيع ّيات ،واألخالق ...ومع أمه ّية هبمنيار ال تتو ّفر املعطيات الكافية عنه،
مهها منهج معاجلته للقضايا كان جموس ًّيا ،وهناك قرائن عدّ ة عىل أنّه أسلم ،أ ّ
دور يف الكشف عن اإلهل ّية ،يتم ّيز بأنّه م ّطلع بد ّقة عىل فلسفة ابن سينا ،وله ٌ
أهم كتبه( :التحصيل) ،يشتمل عىل :املنطق، معضالهتا وغوامضها ،من ّ
والطبيع ّيات ،واإلهليات ،سار فيه عىل النهج السينوي ،مقتد ًّيا يف الرتتيب
مرص ًحا بأنّه
الفلسفيّ ،
ّ توصل إليه اجتهاده باحلكمة العالئية ،وأضاف فيه ما ّ
تعليمي.
ّ كتاب
ٍ
بشكل موجز ،إذ خمصص ٌة لكتاب (املنطق) من التحصيل، وهذه املقالة ّ
كقوة حتليل وتركيبعاجلت أقسام اإلدراك عند هبمنيار ،مركّز ًة عىل ا ُملفكِّرة ّ
يف عملية إنتاج املعرفة .ذاكر ًة دفاع هبمنيار عن املنطق ضدّ التيار املعارض،
مناقش ًة شبهة كفاية الفطرة السليمة والذهن الصحيح عن املنطق يف إنتاج
املعرفة ،بأنّه لو كانا كافيني يف التمييز ملا وقع بني العلامء اختالف ،وال وقع
ٍ
لواحد يف رأيه تناقض .متو ّقف ًة عند مت ّيز تعريف املنطق عند هبمنيار بالتأكيد
عىل ُبعديه :الصوري واملادي ،وبذلك ُيظهر ضعف من أشكل عىل املنطق
األرسطي بأنّه منطق الصورة فقط.
كام سلطت الضوء عىل العالقة بني اللغة واملنطق عند هبمنيار ،حيث يرى
أن األفكار العقلية مؤ ّلف ٌة من أقوال عقل ّية ،وتناولت :نظرية الوضع ،ونظرية
ّ
تبع ّية الداللة للقصد ،ونظرية داللة األلف والالم عىل العموم دون حرص
الطبيعة ،ولذا يكون هناك قضي ٌة مهمل ٌة يف املنطق.
وتو ّقفت املقالة عند نظريته يف اكتساب املعقوالت باقتباس النفس للصور
الذهني املحض.
ّ العلم ّية من العقل الف ّعال ،ال بسبب النشاط
.1الخوانساري ،محمد باقر ،روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات ،ج ،2ص.161
.2البغدادي ،هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني ،ج ،1ص.244
.3بهمنيار ،التحصيل ،ص.36
.4مطهري ،مقدمة كتاب التحصيل ،ص :ح.
.5التحصيل ،ص ،1ص ،275ص ،278ص ،569ص.837
| 234تاریخ علم املنطق
والرش ،واخلالقية،
ّ املسائل الوجودية واإلهلية ،وقضايا التوحيد ،واخلري
ونحو ذلك ،التي تنسجم متام االنسجام مع منهج الفلسفة اإلسالم ّية
ال املجوس ّية .يقول مرتىض مطهري « :من البعيد بقاء هبمنيار عىل
املجوس ّية مع ما نرى من نظراته وسياق فكره يف مسائل التوحيد واخلري
والرّشّ ،
وأن ذلك ال ينتظم مع العقائد املجوس ّية».1 ّ
أن هبمنيار الزم ابن سينا منذ سن مبكرة ،وتتلمذ 4.والقرينة الراب ّعة :هي ّ
تلمذه عىل يد ابن سينا أنّه رآه َق ِد َم يو ًما ِ
عىل يده ،وقد نُقل يف سبب ُّ
الرجلُ :خ ْذ وعاءك اجعل ٍ
نارا .فقال له ّ
عىل حدّ اد أو غريه ،يطلب منه ً
ثم بسط ك ّفه إليه، ٍ ِ
فيه النّار ،وكان مل يأته بوعاء هلا معه ،فتو ّقف ً
يسرياّ ،
وصب عليه من تراب األرض شي ًئا ،وقال :ضعها عىل هذا الوعاء. َّ
وح ْسن قرحيته ،وطلب منه فتعجب الرئيس [ابن سينا] من فطانته ُ ّ
املالزمة عىل بابه إىل أن بلغ ما بلغ .
2
ويكفي يف بيان مدى اهتامم ابن سينا ببهمنيار قول ابن سينا نفسه يف املباحثة
الثالثة خماط ًبا هبمنيار كام هو الظاهر« :وذلك غري ما كنت أتو ّقعه منه ،وهو يل
وأحب ،وقد ع ّلمته وأ ّدبته ،وبلغت به املنزلة التي
ّ ألح من الولد
كالولد ،بل ّ
بلغها؛ فام كان له يف ذلك التبليغ آخر غريي يقوم فيه مقامي».3
أن يكون هبمنيار حتت إرشاف ابن سينا ورعايته ومن غري املتو ّقع عاد ًة ْ
ٍ
كولد له ،وال تكون عقيدته هي عقيدة ابن سينا ،وبالتايل وتعليمه وتأديبه
تُعتدّ هذه القرينة مع التي سبقتها ،مع شهادة بعض أصحاب الرتاجم
شيعي املذهب ،كام ذهب إىل ذلكّ الشيعة ،شواهد عىل إسالمه بل كونه ّ
مرتىض مطهري.4
.1مطهري ،مقدمة كتاب التحصيل ،ص :ح.
.2الخوانساري ،روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات ،ج ،2ص.161
.3ابن سينا ،املباحثات ،تعليق محسن بيدارفر ،حاشية ص.9
.4بهمنيار ،التحصيل ،مقدّمة املعلّق -مرتىض مطهري ،ص :ز.
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 235
.1البيهقي ،تت ّمة صوان الحكمة ،ص .19وترجمة البيهقي لبهمنيار هي أقدم ترجمة ،وما ذكره هو
جل ما نعرفه من ترجمة بهمنيار ،وقد أخذ عنه سائر املرتجمني له ،كالشهرزوري حيث نقل كالم ّ
البيهقي املذكور بعينه دون أن يشري إليه .انظر :الشهرزوري ،تاريخ الحكامء -نزهة األرواح وروضة
األفراح ،ص ،316برقم.67 :
.2الخوانساري ،محمد باقر ،روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات ،ج ،2ص.161
| 236تاریخ علم املنطق
ـ ـوقال الشيخ أبو القاسم الكازروين« :إنّه كان من تالمذة ابن سينا،
وماهرا يف احلكمتني ،وعلم املنطق ،وله تصانيف مشهورة ،مثل: ً
التحصيل ،والبهجة ،والسعادة ،وغريها» .
2
و ُطبِعت يف القاهرة ،سنة ١٣٢٩ه ىف مطبعة كردستان العلم ّية .وقيل ّإهّنا
أيضا معنونه باسم( :إثبات املبدأ األول) .ذكر الدكتور املهدوي (فهرست ً
مصنفات ابن سينا ّ )259 :أهّنا موجودة يف جمموعتَي ( 4829و 4849
أيا صوفيا) و ( 4894نور عثامن ّية) منسوب ًة إىل الشيخ ،ويف ( 1484ليدن)
وأهّنا ُطبعت مع رسالة يف مراتب املوجودات لبهمنيار،منسوب ًة إىل هبمنيارّ .
وترمجتها باألملان ّية (ليبزيك 1851م .بتحقيق .)Salomonpoper
.1التعليقات ،ص.5
.2ابن سينا ،كتاب التعليقات ،مقدّمة املحقّق ،ص.16 -13
| 238تاریخ علم املنطق
والطريق إىل تع ّلم هذا الكتاب أن يبتدأ باحلكمة العالئية ويتع ّلم منها املنطق
يعرج إىل هذا الكتاب ليحصل لطالب العلم مطلوبه.3»... خصوصا ،ثم ّ
ً
يمكن استخراج جمموعة خالصات من هذا النص:
األوىل :أنّه قام بتأليف هذا الكتاب أليب منصور هبرام بن خورشيد بن ايزديار.
الثانيةّ :
أن كتابه يف احلكمة والفلسفة عىل النهج السينوي ،مقتد ًّيا يف
الرتتيب باحلكمة العالئية.
الثالثة :أنّه اعتمد عىل مصدرين يف معرفة احلكمة السينوية ،األولَ :كتْبي،
وهو عامة تصنيفات ابن سينا .والثاين :شفهي ،وهو ما جرى بني هبمنيار
وابن سينا من حماورات.
اخلامسة :أنّه عالج يف كتابه هذا ميادين احلكمة النظر ّية :املنطق ،علم ما
بعد الطبيعة ،معرفة واجب الوجود ،الطبيعيات ،علم النفس الفلسفي .ومل
يتعرض للحكمة العمل ّية.يتعرض للرياضيات ،وكذلك مل ّ ّ
السادسة :يظهر أنّه يتبنى كون املنطق من أقسام احلكمة النظر ّية.
تعليمي ،إذ قال هبمنيار« :والطريق إىل تع ُّلم
ّ السابعة :يظهر منه أنّه كتاب
خصوصا ،ثمً هذا الكتاب أن يبتدأ باحلكمة العالئ ّية ،ويتع ّلم منها املنطق
يعرج إىل هذا الكتاب ليحصل لطالب العلم مطلوبه يف مدة تقرص عن حت ّفظ ّ
كتاب احلامسة».1
يتبنّي ما يف قول األغا بزرك الطهراين( « :التحصيل) يف املنطق
وهبذا ّ
والريايض والطبيعي واإلهلي ،عىل طريقة املشائني ،للحكيم أيب احلسن
هبمنيار بن مرزبان اآلذرباجياين املتوىف سنة ،458كان من أعيان تالميذ
الرّشيف ،لعدم
الريايض من سهو قلمه ّ
ّ الشيخ أيب عيل بن سيناء»ّ ،2
فلعل ذكر
اشتامل كتاب التحصيل عىل الرياض ّيات.
أن تكون من أن للكتاب ترمج ًة بالفارس ّية ،واحتمل ْ
وذكر اخلوانساري ّ
ترمجة هبمنيار نفسه.3
أن كتاب التحصيل حيتوي عىل كنوز الفلسفة املشائ ّية وحتديدً ا شك يف ّ
وال ّ
كل مباحث منطق أن نس ِّلط الضوء عىل ِّ
يف ضوء رؤية ابن سينا ،وال نستطيع ْ
التحصيل ،لذا نقترص عىل بعض النامذج بشكل شديد االختصار بام يسعه
الوقت واملجال.
.1م .ن .وكتاب( :الحامسة) ،أليب متام حبيب بن أوس الطايئ (ت 231ه) جمع فيه ما اختاره
من أشعار العرب العرباء ورت ّبه عىل عرشة أبواب :الحامسة ،املرايث ،األدب ،النسيب ،الهجاء،
اإلضافات ،الصفات ،السري وامللح ،ومذمة النساء ،واشتهر ببابه األول.
.2آقا بزرك الطهراين ،الذريعة إىل تصانيف الشيعة ،ج ،3ص ،395برقم.1410 :
.3الخوانساري ،مصدر سابق.
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 241
والنقطة الرابعة :ا ُملفكِّرة قوة تركيب وتفصيل ال إدراك :وهي النقطة
املحور ّية ،حيتاج اإلنسان يف عملية االنتقال من حال اجلهل إىل إنتاج
آليات يكتسب بواسطتها العلم ،ومن ّ
أمّهها ما يشري إليه ٍ العلم إىل
«إن يف طبيعة اإلنسان تركيب املحسوسات بعضها هبمنيار بقولهّ :
إىل بعض ،وتفصيلها ،ال عىل الصورة التي وجدناها من خارج ،وال
مع تصديق هبا ،ففينا قوة تفعل ذلك ...وهي آل ٌة للنفس تستعملها
يف الرتكيب والتفصيل ،وتار ًة بحسب العقل العميل ،وتار ًة بحسب
ُفصل فقط وال العقل النظري ،وهي يف ذاهتا وطبيعتها تُركِّب وت ِّ
ُدرك .وهذه إذا استعملتها النفس بواسطة القوة العقلية يف ٍ
أمر عقيل ت ِ
ُسم ّيت :ا ُملفكِّرة».1
قو ٌة -يصطلح عليه( :ا ُملفكِّرة)ُ ،-مُتكِّن النفس البرش ّية من
ففي اإلنسان ّ
نشاطني ذهنيني:
األول :حتليل املعطيات العقلية وتفكيكها وجتزئتها وتقسيمها.
ّ
وضمها ومجعها.
ّ والثاين :الرتكيب بني املعطيات ووصل املعلومات
البرشي عىل إنتاج املعرفة العقلية ،وعندما
ّ وهبذين النشاطني يقتدر العقل
عرف املناطقة اإلنسان بأنّه( :حيوان ناطق) ،يقصدون بالنطق :قوة التفكري ُي ّ
(الرو ّية).
العقيل أو حسب تعبري هبمنيار َّ
ٍ
تلقائية أو تذكّر ّية ،بل ٍ
بطريقة فإنتاج املعرفة وتوليد العلم ال حيصالن
ٍ
جمموعة من العمليات العقل ّية التي بالرو ّية واالكتساب الفكري ،أي إجراء
َّ
تؤدي إىل إنتاج العلم وتوليده.
تصور وتصديق -عىل نحو القسمة احلارصة ٍ و ّملا كان العلم ينقسم إىل:
التصور وهي :التعريف والتحديد والرتسيم،ّ فثمة آلي ٌة الكتساب
منطق ًّياّ ،-
يتكون منها ،كاألجناس
بمعنى بيان حقيقة اليشء وتفكيكه إىل أجزائه التي ّ
وثمة آلي ٌة أخرى الكتساب التصديق،
والفصول والعوارض اخلاصة الالزمةّ .
وهي :القياس املنطقي واالستنباط ،وما جيري جمراه كاالستقراء والتمثيل.
التصور ،والثاين :يف
ّ األول :يف
ونطرح نموذجني لتوضيح الفكرةّ :
التصور ُيكتسب بوساطة التعريف ،والتعريف هو بيان ّ التصديق .ذكرنا ّ
أن
أجزاء اليشء التي يتأ ّلف منها ذلك اليشء ،وإنّام يمكن بيان أجزاء اليشء
بعد تفكيكه وإعادة تركيبه ،فاجلواب عن سؤال :ما هو اإلنسان؟ يكون
تحرك باإلرادة ،ناطق .فهذا التعريف حساسُ ،م ِّبأنّه :جوهر ،جسم ،نا ٍمّ ،
حصلت عليه ا ُملفكِّرة بالرتكيب بني جمموعة من املفردات واملفاهيم ا ُملفكّكة.
والتصديق ُيكتسب بوساطة القياس ،فاجلواب عن سؤالِ :مِل َ العامل حادث؟
منطقي عىل النحو التايل ً
مثاًل: ّ ٍ
قياس يكون بتشكيل
تغرِّي حادث ،فالعامل حادث العامل ُمتغرِّيِّ ّ ،
وكل ُم ِّ
إذ تقوم ا ُملفكِّرة بالرتكيب بني قضيتني منفصلتني ،لكن تشرتكان باحلدّ
ّرة يف تركيب القوة املفك ِ
ِ فَرص ُ
األوسط ،لتستنتج منهام قضية ثالثة .فت ُّ
املعقوالت من مفاهيم وقضايا ،هو الذي يمنح اإلنسان القدرة عىل التمنطق،
بحيث يمكن تعريفه بأنّه :حيوان منطقي.
ٍ
خاصة،
تتحرك يف ضوء قواعد ّ والقوة ا ُملفكِّرة ال تشتغل بطريقة عفوية ،بل ّ
فعملية التفكري عملي ٌة نظام ّي ٌة مقنّن ٌة وليست عشوائي ًة واتفاقية ،ووظيفة علم
حتركتإن ّاملنطق اكتشاف وتدوين وتعليم هذه القواعد والقوانني التي ْ
صحيح يف توليد العلم وإنتاج املعرفةٍ ٍ
بنحو املفكِّرة يف ضوئها فكّر اإلنسان
تصو ًرا وتصدي ًقا ،وعصم ذهنه عن الوقوع يف اخلطأ يف التفكري. ّ
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 245
.1التحصيل ،ص.161
| 246تاریخ علم املنطق
كفر وزندقة ،فنرى تكفري الفارايب وابن سينا وغريمها،أساس ّأهّنا علوم ٍ
ووصفهام بالزندقة واملالحدة بل رأس املالحدة ،1ولذا حاول تظهري املنطق
تورط يف مكافحة املنطق
وأن من متنطق فقد تزندق ،مع أنّه ّ رشّ ،عىل أنّه ٌّ
بحجة كفاية
بالتمنطق بتشكيل قياسات منطق ّية .وقد نفوا احلاجة إىل املنطق ّ
التصور الصحيح عن
ّ الفطرة اإلنسانية السليمة والذهن الصحيح يف إنتاج
املفاهيم ،أو توليد التصديق الصحيح بالقضايا ،وبالتايل :تسقط احلاجة إىل
علم املنطق!2
جييب هبمنيار عىل من ينفي احلاجة إىل علم املنطق با ّدعاء االكتفاء بالفطرة
اإلنسانية السليمة الكافية لرفع اخلطأ يف الفكر ،بالقول « :الفطرة اإلنسانية يف
ٍ
كافية يف التمييز» والدليل عىل ذلك :أنّه لو كانت كافي ًة يف التمييز األكثر غري
ٍ
لواحد يف رأيه تناقض».3 «ملا وقع بني العلامء اختالف ،وال وقع
ٍ
قياس منطقي ،نستثني فيه ويمكن صياغة وجهة نظر هبمنيار يف صورة
.1ابن الجوزي البغدادي ،تلبيس إبليس ،ص .63-59وابن قيم الجوزية ،الصواعق املرسلة يف
الر ّد عىل الجهم ّية واملعطلة ،الفصل .24 :وابن حجر ،لسان امليزان ،ج ،2ص .293حيث نقل
الشافعي شارح الوسيط يف كتابه امللل والنحل ...« :فقطع علامء زمانه
ّ عن ابن أيب الحموي الفقيه
أصواًل وفرو ًعا بكفره وبكفر أيب نرص الفارايب من اجل
ً ومن بعدهم من األمئّة م ّمن يعترب قولهم
اعتقاد هذه املسائل وانها خالف اعتقاد املسلمني.»...
أصاًل ،وما يزعمه املنطقي للمنطق
ً .2يقول ابن الصالح ... « :الحمد لله [ فاالفتقار ] إىل املنطق
كل
من أمر الحد والربهان فقعاقع قد أغني الله عنهام [ بالطريق األقوم والسبيل األسلم األطهر ] ّ
صحيح الذهن ،والسيام من خدم نظريات العلوم الرشعية ،وقد متت الرشيعة وعلومها وخاض يف
بحار الحقائق والدقائق علامؤها ،حيث ال منطق وال فلسفة و [ الفالسفة ] ،ومن زعم أنه يشتغل مع
نفسه باملنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به ،فالواجب عىل السلطان – أعزه
الله وأعز به اإلسالم وأهله – أن يدفع عن املسلمني رش هؤالء املشائيم ،ويخرجهم من املدارس
ويبعدهم ،ويعاقب عىل االشتغال بفنهم ،ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفالسفة عىل السيف
أو اإلسالم لتخمد نارهم ،ولتنمحي آثارها وآثارهم» .فتاوى ومسائل يف التفسري والحديث واألصول
والفقه ،ص.209-208
.3التحصيل ،ص.4
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 247
نقيض التايل لينتج نقيض املقدّ م :لو كانت الفطرة اإلنسانية السليمة كافية
-تصو ًرا وتصدي ًقا -وضامن حقانية حمتوى ما
ّ يف حتصيل العلم الصحيح
ينتجه الذهن البرشي من معارف ،ملا وقع االختالف بني العلامء ،وملا حصل
أن االختالف بني ٍ
واحد يف زمانني .ولكن ا ُملالحظ ّ التناقض يف آراء إنسان
أمر حاصل ،فالفطرة اإلنسانية العلامء وتناقص اإلنسان الواحد يف اآلراء ٌ
صححان احلاجة إىلغري كافية .فاالختالف بني العلامء والتناقض يف اآلراء ُي ِّ
املنطق.
إن نسبة املنطق إىلويتابع هبمنيار بأنّه هبذا تتضح فائدة صناعة املنطق ،إذ ّ
الشعر ،لكن الفطرة والرو ّية نسبة النحو إىل الكالم والعروض إىل ّ الفكر َّ
السليمة والذوق السليم ر ّبام أغنيا عن تع ّلم النحو والعروض ،وليس يش ٌء
ٍ
بمستغن عن املنطق يف عمليات التفكري ا ُملنتجة من الفطرة اإلنسانية يف األكثر
للمعرفة.
كثريا حول جدوائية املنطق ،وهي أنّه إذا كان املنطق وثمة إشكال ّية ترت ّدد ً
ّ
بشكل صحيحِ ،
فل َم إ ًذا يقع ٍ صناع ًة يتمكّن معها اإلنسان من التفكري
االختالف بني العلامء والتناقض يف اآلراء من ِق َبل من درس املنطق وتع ّلم
بأن االختالف الذي يقع فيه إنّام هوأصوله وقواعده؟! جييب هبمنيار عليهاّ ،
معنى خمال ًفا لآلخر ،ولو اجتمعوا عىل كل ٍ
فرقة منها وتصور ّ بسبب األلفاظ
ً ّ
ورد يف تصحيح ما جيب أن الفرض الواحد ملا تنازعوا ،واالحتجاج ا ّلذي ُي َ
فهم من معاين تلك األلفاظ ،إنّام هو عىل سبيل االحتجاجات التي ال يقع ُي َ
فيها غلط ،فاحلدّ والربهان من املنطق ُمستن َبط من العلوم التي ال يقع فيها
أن اجلزء اجلد ّيل واخلطايب والشعري ُمستن َبط من حماورات الناس.غلط ،كام ّ
ٌ
توصلوا إىل
توصلوا إىل استخراج املنطق كام ّ وباجلملةّ ،
إن املناطقة ّ
| 248تاریخ علم املنطق
الصناعة والعروض من ّ
الشعر ،فكأنّه أريد استخراج علم املوسيقى من ّ
أن يطا َبق بني بيانات العلوم التي ال يقع فيها ٌ
غلط وبني بيانات العلوم التي ْ
غلط ،فلم يمكن ّإاّل بعد جتريد الرباهني عن املواد ،فسهل األمر يف
يقع فيها ٌ
مقايسة بيانات العلوم التي يقع فيها الغلط إىل بيانات العلوم التي ال يقع فيها
غلط.
أن بعض من نفى احلاجة إىل املنطق ا ّدعى ّ
أن اخلطأ يف الفكر تار ًة يكون كام ّ
أن يكون ناش ًئا من جهة املادة ،وأخرى من جهة الصورة ،والغالب يف اخلطأ ْ
من جهة املادة ،أ ّما ما هو من جهة الصورة فقليل جدًّ ا ،وعلم املنطق إنّام
الصورة، ِ
ُيمكن االستعانة بقواعده لتصحيح الفكر ورفع اخلطأ من جهة ّ
دون املا ّدة ،وهي حاج ٌة قليلة ،ال تستدعي هذا االهتامم بعلم املنطق وتضييع
العمر يف تدوينه وتع ّلمه وتعليمه.
مهمة جدًّ ا ،تنفي أصل اإلشكالية ،تتع َّلق يعرج هبمنيار عىل نقطة ّ هناّ ،
ٍ
واحد كل أن ّبتقسيم املنطق إىل :منطق املادة ،ومنطق الصورة ،إذ يعدّ هبمنيار ّ
ٍ
واحد معقولة بتأليف حمدود ،فيكون ّ
لكل ٍ ٍ
معان ف من من احلدّ والقياس مؤ ّل ٌ
أي مادة اتّف َقت منهام ما ّد ٌة منها ُأ ِّلف ،وصورة هبا التأليف .وكام أنّه ليس عن ّ
يصلح بناء ٍ
يتم من مادة بأي صورة اتّف َقت يمكن أن َّ كريس ،وال ِّ ٍّ بيت أو صناع ُة ُ ُ
ختصه وصور ٌة بعينها ٍ كريس ،بل ِّ
لكل يشء ما ّد ٌة ّ ٌّ الكريس
ّ بيت أو من مادةالبيت ٌ
ختصه وصور ٌة بعينها بالرو ّية والتفكري ما ّد ٌة ّلكل معلو ٍم ُيع َلم َّ ختصه ،كذلك ِّ ّ
أن الفساد يف إجياد البيت قد يقع من جهة ختصه ،منها يصار إىل احلقيقة ،وكام ّ ّ
وإن كانت املادة وإن كانت الصورة صحيحة ،وقد يقع من جهة الصورةْ ، املا ّدةْ ،
صحيحة ،وقد يقع من جهتيهام م ًعا ،كذلك الفساد العارض يف احلدّ والقياس،
قد يقع من جهة الصورة ،وقد يقع من جهة املادة ،وقد يقع من جهتيهام م ًعا.
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 249
بشكل واضح إىل وعي هبمنيار بوجود نحوين من ٍ يؤرِّش
النص ِّ
فهذا ّ
األرسطي
ّ املنطق :منطق املا ّدة ،ومنطق الصورة ،وليس كام حياول ُن ّقاد املنطق
والريايض 1-تصويره عىل أنّه منطق
ّ العلمي
ّ -خصوصا املشتغلني يف املنطق
ً
الصورة فقط ،ولذا اصطلحوا عليه يف تعبرياهتم( :املنطق الصوري) ،وهذا
أيضا منطق املادة.األرسطي يدرس ً
ّ فادح منهمّ ،
فإن املنطق خطأ ٌٌ
يصح أن يقال :إنّه جزء من العلم املطلق ،وهو ّ يقول هبمنيار« :واملنطق
ويصح أن يقال :إنّه آلة ،عىل أنّه يستعمل يف غري املنطق،
ّ البحث عن املجهول،
أعم منه ،وهو :العلم ...فافرتاق
فاملنطق من حيث هو آلةُ ،حُي َمل عليه معنى ّ
أعمّ ،
فإن أخص واآلخر ّ ّ كونه جز ًءا وكونه آل ًة ،هو افرتاق معنيني ،أحدمها
كل ما هو آلة لعل ِم كذا ،فهو جز ٌء من العلم املطلق ،وليس ينعكس».1 ّ
ً
مكيااًل أن يكون ني يف معرفة أخرى ،عىل ْويضيف هبمنيار « :واملنطق ُي ِع ُ
ٍ
بوجه ما ما ّدة ،إذا كان املطلوب منطق ًّيا ،فإذا قلنا: هلا ،واملكيال قد يكون
بمتحرك ،فليس يف ّ جسم ،والنفس ليس بجسم ،فالنفس ليس ٌ تحرك
كل ُم ِّّ
أن هذايعرفنا ّ
هذا ما ّد ٌة منطق ّي ٌة البتة ،ومعونة املنطق يف هذا املوضع ،هي :أن َّ
فإن قلت :وهذا التأليف ُمنتج ،ففائدة املنطق يف هذا من حيث هو مكيالْ ،
الشكل ُمنتج ،فقد استعملت املنطق عىل أنّه ما ّدة يف هذا املكان.2 »...
.1التحصيل ،ص.6
.2التحصيل ،ص-.6
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 251
أن قضايا علم املنطق يمكن النظر إليها كميزان وآلة إلنتاج معرفة فصحيح ّ
عرّب هبمنيار بقوله « :واملنطقخاص كالفلسفة والكالم و ...كام ّ ّ يف حقل
ً
مكيااًل هلا» ،فهذا إنّام هو بلحاظ كونه آل ًة يعني يف معرفة أخرى عىل أن يكون
أيضا، لغريه ،ولكن املنطق يمكن مالحظته يف نفسه ،فهو علم كباقي العلوم ً
يتكون من كام توحي هبا عبارته « :فقد استعملت املنطق عىل أنّه مادة» ،إذ َّ
جمموعة قضايا هي مواده.
ً
مكيااًل له، واملحصلة يف اجلواب ،ال حيتاج املنطق إىل عل ٍم آخر يكون ّ
ٍ
ألن املنطق إنّام حيتاج إىل قضاياه فقط ،دون حاجة إىل قضايا من وذلك ّ
خارج ،ألنّه قضاياه عىل قسمني :إ ّما بدهي ّية ،فهو حيتاج إىل بدهيياته املنطقية،
ال إىل يشء من خارجه .وإ ّما نظر ّية كسب ّية ،ولكن حينها حيتاج املنطق إىل
غنى عن غريه ،فاملواد خصوص نظرياته التي تستند إىل بدهيياته ،فهو يف ً
املنطقية ال حتتاج ّإاّل إىل املنطق نفسه دون حاجة إىل علم مكيايل خارج ذاته،
مكيال آخر ،وهكذا يتسلسل. ٍ حمتاجا إىل
ً ليكون ما هو مكيال
ولكن يمكن املناقشة فيام ذكره هبمنيار ،وليس هنا موضع تفصيلها؛ ألنّه
شك يف ّ
أن خلط بني املنطق يف مقام الثبوت واملنطق يف مقام اإلثبات ،وال ّ
علم
علم آ ٌّيل لغريه ،ولكنّه يف مقام الثبوت هو ٌ املنطق يف مقام اإلثبات هو ٌ
خاص ال يكفي فيه اعتامده عىل بدهي ّياته املنطق ّية أو النظريات التي تنتهيٌّ
ٍ ٍ
كثريا ما يعتمد املنطق عىل مقدِّ مات مطو ّية ،بل رصحية مأخوذة إليها؛ ألنّه ً
من الفلسفة العا ّمة الباحثة عن أحكام الوجود واملاه ّيات ،أو من علم النفس
الفلسفي حتديدً ا.
ّ
| 252تاریخ علم املنطق
عرَّب عن ذلك خري تعبري الشيخ حممد رضا املظفر ،بقوله ...« :تكون وقد َّ
بتوسط إحضارك أللفاظها يف الذهن، انتقاالتك الذهنية من معنى إىل معنى ّ
أمر كان عن خت ِّيل األلفاظ وتصورها أي ٍ
فإنّا نجد أنّه ال ينفك غال ًبا تفكرينا يف ّ
كأنّام نتحدث إىل نفوسنا ونناجيها باأللفاظ التي نتخيلها ،فنرتّب األلفاظ يف
أذهاننا ،وعىل طبقها نرتب املعاين وتفصيالهتا ،كام لو كنا نتك ّلم مع غرينا...
تغرّيت عليه أحواهلا يؤ ّثر ذلك عىل فإذا أخطأ ا ُملفكِّر يف األلفاظ الذهنية أو ّ
ومن هنا يرسي اخلطأ يف حقل اللغة إىل اخلطأ يف التفكري ذاته من باب
حكم رساية أحد املتّحدَ ين إىل ا ُملت ِ
َّحد اآلخر ،وهلذا ُيرجع هبمنيار األغالط يف ْ
تصور
التفكري الناشئ عنه االختالف والتنازع يف اآلراء إىل األلفاظ بلحاظ ّ
إن «االختالف الذي يقع فيهمعنى خمال ًفا لآلخر ،كام تقدَّ م عنه قوله ّ ٍ ّ
كل فرقة ً
إنّام هو بسبب األلفاظ.»...
ويف هذا السياق ،يقول املح ّقق الطويس « :لليشء وجو ٌد يف األعيان،
تدلووجو ٌد يف األذهان ،ووجود يف العبارة ،ووجود يف الكتابة .والكتابة ّ
ٍ
بألفاظ عىل العبارة ،وهي عىل املعنى الذهني ...االنتقاالت الذهنية قد تكون
ذهنية ،وذلك لرسوخ العالقة املذكورة يف األذهان ،فلهذا السبب ربام تأدت ٍ
األحوال اخلاصة باأللفاظ إىل توهم أمثاهلا يف املعاين وتتغري املعاين بتغريها
واألغالط التي تعرض بسبب األلفاظ مثل ما يكون باشرتاك االسم ً
مثاًل إنّام
أيضا عليها».2
ترسي إىل املعاين الشتامل األلفاظ الذهنية ً
نتعرض للمباحث اللغوية مجيعها التي عاجلها هبمنيار ،وإنّام وال يسعنا ْ
أن ّ
نتوقف عند ثالث مسائل:
وقد تبنى هبمنيار تب ًعا البن سينا نظرية الوضع والتواطئ ،يقول هبمنيار:
آثارا لتلك األمور
«لألمور وجود يف األعيان ووجود يف النفس يكون ً
املوجودة يف األعيان ...وا ُمل َ
درك باحلقيقة وبالذات هو األثر الذي يف النفس،
إن هذا اليشء موجود أو وبال َع َرض األمر الذي من خارج ،فلهذا نقولّ :
معدوم ،أي هذا األثر احلاصل الذي يف الذهن له وجود يف األعيان أو ليس
له وجود يف األعيان.
واأللفاظ حكاية لألثر الذي يف النفس ،وال يكون ّإاّل بالتواطؤ والوضع،
خيتص بأمر بال ّطبع .والكتابة حكاية لذلك األثر ،فكان
إذ ليس يف األسامء ما ُّ
أثر يف النفس حكاي ُة ٍ
كتابة خاصة .لكنّه كان يطول األمر، لكل ٍأن يكون ّجيوز ْ
وركِّب منها كتابات حتاكي األلفاظ جتنّ ًبا
فدُ ِّبر يف أن اقتُرص عىل األلفاظ ُ
للتطويل.
وتصورات النفس داللة غريز ّية عىل أعيان األشياء ،فأعيان األشياء ّ النفس،
وتصورات النفسّ ٍ
مدلول عليها، مدلول عليها غري دالة ،والكتابة دال ٌة غري ٌ
التصورات ال ختتلف
ّ دال ومدلول ،فاألعيان و كل واحد منها ٌ واأللفاظ ّ
اساًم بالطبع
والكتابة واأللفاظ ختتلف» .ويقول« :وليس يش ٌء من األسامء ً
1
أن الداللة تابع ٌةوقد تبنى الشيخ املظفر هذه النظرية ،فقال« :واحلق ّ
التصورية دالل ًة عىل
ّ لإلرادة» ،3وبالتايل ال تكون ما يصطلح عليها الداللة
ألهّنا عىل نحو تداعي املعاين الذي قد وجه احلقيقة بل املجاز والتشبيه؛ ّ
فإن اللفظ إذا صدر من املتك ّلم عىل نحو ٍ
مناسبة بني الشيئنيّ « ، حيصل بأدنى
وأن غرضه البيان شعور وقصدّ ،ٍ حيرز معه أنّه جا ٌّد فيه غري هازل ،وأنّه عن
ُ
ٍ
فإن كالمه يكون حينئذ دااًّلًّ عىل وجود املعنى ،أي وجوده يف واإلفهامّ ...
نفس املتكلم بوجود قصدي ،فيكون علم السامع بصدور الكالم منه يستلزم
أن يفهمه السامع».4 بأن املتكلم قاصد ملعناه ألجل ْعلمه ّ
.1التحصيل ،ص.8
.2م .ن ،ص.39
.3املظفر ،أصول الفقه ،ج ،1ص.18
.4م .ن ،ج ،1ص.18
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 257
ٍ
حينئذ عىل فإن وجودها هكذا ُّ
يدل هلداية املستطرقني كان مقصو ًدا لواضعهاَّ ،
ما يقصد منها من غلق الطريق أو االجتاه .أ ّما لو شاهدهتا مطروح ًة يف الطريق
فإن املعنى املكتوب خيطر يف ذهن القارئ، مهمل ًة أو عند الكاتب يرسمهاّ ،
أن الطريق مغلوق ٌة ،أو ّ
أن االجتاه كذا» .1ولكن ولكن ال تكون دال ًة عنده عىل ّ
العجيب من الشيخ املظفر هو قوله« :وأول من تن ّبه لذلك فيام نعلم الشيخ
نصري الدين الطويس – أعىل اهلل مقامه».2
لكن كام تقدّ م ،سبق هبمنيار املحقق الطويس إىل ذلك ،وكذلك يظهر
هذا الرأي من الشيخ الطويس حيث يقول« :وأ ّما الداللة فيه ما أمكن
ُسمى بذلك ّإاّل إذا قصد
االستدالل هبا عىل ما هي دالة عليهّ ،إاّل ّأهّنا ال ت ّ
فاعلها االستدالل».3
املسألة الثالثة :داللة األلف والالم عىل العموم دون حرص الطبيعة
املنطقي ال عناية له بالبحث اللغوي بام هو لغوي ،ولذلك
ّ شك يف ّ
أن ال ّ
كثريا ما ير ّدد ابن سينا يف املباحث اللغوية املنطق ّية «إن حتقيق القول
نالحظ ً
يف هذا إىل أصحاب صناعة اللغة» ... ،4إلخ من العبارات ،ومنها املسألة
التي نحن فيها حيث قال ابن سينا« :أ ّما البحث عن مشاركة األلف والالم
والسور فهو أوىل بصناعة النحويني» ،1ولكن املنطقي يبحث عنها بام هلا من
تأثري يف املعاين املنطق ّية ،ومن هذا الباب بحث عن الـ (األلف والالم) ،يف ٍ
إشكااًل عىل تقسيم املناطقة ً ألن بعضهم طرح بحثه عن القضية املهملة؛ ّ
ألن األلف والالم يف اللغة العرب ّية القضية إىل :مهملة ،وحمصورة؛ وذلك ّ
الكيل ،وبالتايل ال يكون هناك قضي ٌة مهمل ٌة ّإاّل وهي كل ّية.
ّ ّ
تدل عىل احلرص
وقد أجاب عن ذلك هبمنيار ّ
بأن املفردة التي تدخل عليها األلف والالم
مثل( :اإلنسان) ،مأخو ٌذ ال برشط من حيث العموم واخلصوص؛ ّ
ألهّنام
يلحقان اإلنسان من اخلارج ،وبالتايل إذا كان (اإلنسان) ً
-مثاًل -هو املوضوع
أن يكون شخص ًّيا ْ
وأن يكون كل ًّيا ،ولكن خمص ًصا صلح ْ
يف القضية فإذا مل يكن ّ
بحسب القرائن اخلارج ّية ،وليس من ذات املوضوع بام هو ،هذا.2
أن يف لغة العرب ّ
يدل األلف والالم عىل العموم يف يقول هبمنيار« :واعلم ّ
يدل هبام عىل حرص الطبيعة ،فلذلك ال يكون موقعهام موقع ّ
كل، املهمل ،وال ّ
نوع وعا ّم ،إذ
كل إنسان ٌنوع وعا ّم ،وال تقولّ :
أال ترى أنّك تقول :اإلنسان ٌ
ٍ
واحد من الناس».3 كل إنسان ،أي ّ
كل معنى قولناّ :
خيتص بإنتاج املعرفة املضمونة احلقان ّية اليقين ّية املطابقة للواقع،
ّ فالربهان
األخص .ولكن كيف يقوم الربهان بإنتاج املعرفة من ّ أي توليد اليقني باملعنى
املقدّ مات؟
أن يكون استدالل قياس ّي ٍة واستنباط ّي ٍة حيتاج إىل ْ
ٍ أي عمل ّية البرشي يف ّ
ّ إن العقل ّ
الربهاين هو عبار ٌة عن انتقال
ّ ألن االستدالل عالقات لزوم ّية بني قض ّيتني أو أكثر؛ ّ
مالزمة هلا ناجتة عنها مستبطنة ٍ ٍ
بقضية الذهن البرشي من العلم بقضايا إىل العلم ّ
فيها ،وما مل تكن النتيجة مستبطن ًة يف املقدّ مات ال يمكن أن تتو ّلد منهامً .
فمثاًل:
التغرّي فيه .وا ْعت َقد ً
أيضا متغرّي ملا يراه من آثار ّ بأن َ
العامَل ّ ٌ البرشي ّ
ّ إذا ا ْعت َقد ّ
الذهن
متغرّي حادث .فإنّه يستطيع من خالل الرتكيب بني هاتني كل ّ ٍ بقضية أخرى وهيّ :ٍ
أن يستخرج قضي ًة ثالث ًة مستبطن ًة فيهام بمساعدة العنرص خاص ْ نحو ٍّ القضيتني عىل ٍ
املشرتك بني القضيتني ،فالقضية األوىل ال تشارك القضية الثانية يف املوضوع:
(العامَل) ،والقضية الثانية ال تشارك القضية األوىل يف املحمول( :حادث) ،ولكن َ
(متغرّي) ،فيقوم هذا العنرص ّ مشرتك بني القضيتني ،وهو: ٌ عنرص
ٌ مع ذلك يوجد
تكرره يف القضيتني بالربط بينهام ،فيقول الذهن: املشرتك نتيجة ّ
َ
فالعامَل حادث وكل ّ ٍ
متغرّي حادث، متغرّيّ ، َ
العامَل ّ
.1التحصيل ،ص.192
.2التحصيل ،ص.214
| 260تاریخ علم املنطق
ثالثة من خالل العنرص املشرتك بني قضية ٍٍ فيتوصل الذهن البرشي إىل إنتاج ّ
َ
بالعامَل أن يكون جرس العبور من ربط التغري بتكرره ْالقضيتني ،الذي وظيفته ّ
أيضا عىل مقدِّ ٍ بالعامَل ،م ِ
مة عتمدً ا يف ذلك ً َ ُ وربط احلدوث بالتغري إىل ربط احلدوث
مصداق لذلك اليشء، ٌ ِ
مصداق اليشء هو َ
صداق كربى عقل ّي ٍة مطو ّية ،وهي ّ
أن ُم
ففي املثال السابق الذي طرحه هبمنيار :إذا كان (ج ب) ،و (ب أ) ،فـ(ج أ) ،فإذا
كان (ج) هو مصداق (ب) ،و(ب) مصداق (أ) ،فـ( ج مصداق أ) ،أو املسند إىل
ا ُملسند إىل اليشء هو مسندٌ إىل ذلك اليشء ،واملوضوع هو من مصاديق مفهوم
َ
فالعامَل ومتغرّي هو مصداق حادث، ّ متغرّي،
مصداق ّ ُ املحمول ،و ّملا كان الع َامل هو
(متغرّي) يربط بني احلدوث والعامل ،فيثبت ّ هو مصداق حادث ،فهذا العنرص
التغرّي ،ولذا يطلق عىل َ
العامَل بلغة منطقية :احلد األصغر، احلدوث للعامل بوساطة ّ
التغرّي :احلد األوسط ،ووظيفة األوسط هو وعىل احلدوث :احلدّ األكرب ،وعىل ّ
إن األوسط هو وساط ٌة يف العلم واالعتقاد إثبات األكرب لألصغر يف النتيجة ،أي ّ
بأن األكرب موجو ٌد يف األصغر. والتصديق ّ
أن األكرب موجو ٌد لألصغر مشرتكة وهذه النقطة بكون األوسط عل ًة العتقاد ّ
بني مجيع أقسام الربهان .وال خالف بني املناطقة يف هذه النقطة .ولكن وقع
اخلالف بينهم ،بعد تقسيم الربهان إىل قسمنيّ :ملي ّ
وإيّن ،أنّه ما هي طبيعة الربهان
بأن كذاواإليّن ،فذهب ابن سينا إىل أنّه «إذا كان القياس يعطي التصديق ّ ّ ال ّلمي
كذا ،وال يعطي العلة يف وجود كذا كذا ،كام أعطى العلة يف التصديق فهو برهان
إن .وإذا كان يعطي الع ّلة يف األمرين مجي ًعا حتى يكون احلدّ األوسط فيه كام هو ٍّ
ع ّلة للتصديق بوجود األكرب لألصغر أو سلبه عنه يف البيان ،كذلك هو ع ّلة لوجود
األكرب لألصغر أو سلبه يف نفس الوجود ،فهذا الربهان يسمى :ملّ».1
مستها النار ترتفع درجة مستها النارّ ،
وكل حديدة ّ ً
فمثاًل إذا قلنا :هذه احلديدة ّ
مستها
حرارهتا ،فهذه احلديدة ارتفعت درجة حرارهتا .فهنا احلد األوسط ،هوّ :
.1ابن سينا ،الشفاء -املنطق ،ج ،3ص .79
منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | 261
النار .واألصغر :هذه احلديدة .واألكرب :ارتفعت درجة حرارهتا .فالسبب والعلة
مستها النار ،فاحلدالتي أ ّدت إىل العلم بارتفاع درجة حرارة هذه احلديدة هو ّأهّنا ّ
األوسط هو ع ّلة للتصديق بالنتيجة واالعتقاد ّ
بأن األكرب موجو ٌد يف األصغر.
أيضا وليس يف ويف الوقت نفسه احلدّ األوسط هو ع ّل ٌة يف الثبوت والوجود ً
فإن العلة الواقعية الرتفاع درجة حرارة احلديدة هو ّأهّنا املعرفة والعلم فقطّ ،
مستها النار .فاحلدّ األوسط هو ع ّل ٌة يف االعتقاد والواقع م ًعا .فيشرتط يف برهان ّ
اللم أن يكون احلدّ األوسط ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغر بغض النظر عن كونه ّ
ً
معلواًل له. ع ّل ًة لألكرب يف نفسه أم
إن األوسط علة لوجود األكرب ولذا قال ابن سينا« :واعلم أنّه ال سواء قولكّ :
مطل ًقا أو معلول مطل ًقا ،وقولك :إنّه علة أو معلول لوجود األكرب يف األصغر،
ً
معلواًل لألكرب، كثريا ما يكون األوسط
وهذا مما يغفلون عنه ،بل جيب أن تعلم أنّه ً
لكنه علة لوجود األكرب يف األصغر» .1وع ّلق املحقق الطويس :أقول« :وجود
األكرب مطل ًقا غري وجود األكرب يف األصغر ،واحلكم هو الثاين ،وع ّلة األول غري
األول ،وأهل ٌ
ومعلول يف الدليل الثاين دون ّ ع ّلة الثاين ،واألوسط ع ّل ٌة يف برهان ِمِلْ،
الظاهر من املنطقيني قد غفلوا عن هذا الفرق ،فالشيخ أوضح احلال فيه ،وممّا نزيده
ً
معلواًل أن يكون مع كونه ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغر، أن األوسط يمكن ْ بيانًا ّ
أن حركة النار ع ّل ٌة لوصوهلا إىل هذه اخلشبة مع ّأهّنا معلولة النار، لألكرب ،كام ّ
ولكل مؤ َّلف مؤ ِّلف.2»...ويكون هذا الربهان برهان ِمِلّ ،ومنه قولنا :العامل مؤ ّلف ِّ
أن من رشوط القياس أن هبمنيار خالف يف ذلك ،إذ ذهب إىل ّ ولكن املالحظ ّ
الربهاين ال ّلمي أن يكون احلد األوسط مضا ًفا إىل كونه ع ّل ًة لالعتقاد هو علة
الربهاين عىل قسمني :قسم يكون ّ لوجود األكرب يف ذاته ،حيث يقول« :القياس
أن األكرب موجو ٌد لألصغر، األوسط ع ّل ًة لوجود األكرب يف ذاته ،وع ّل ًة العتقاد ّ
.1ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص.308
.2ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص.308
| 262تاریخ علم املنطق
وهذا القسم برهانِ :
(مِلٍّ) ...وقسم ال يكون األوسط عل ًة لوجود األكرب يف نفسه،
يسمى برهانٍّ :
(إن)» .1 بل العتقاد وجود األكرب يف األصغر ،وهذا ّ
معلول األكرب ولكنّه يكون ع ّل ًة لوجود األكرب َ ولذا يتابع أنّه « إذا كان األوسط
يف األصغر أو كان األوسط واألكرب معلو ّيل ع ّلة واحدة ،ولكن األوسط يكون
(إن).2»...خامتة: يسمى برهانٍّ :ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغرّ ،
فيلسوف حكيم ،وأنّه م ّط ٌ
لع ٌ من يطالع كتب هبمنيار ،يستكشف بوضوح أنّه
عىل فلسفة ابن سينا وكتبه ك ّلها ،وقد ُعجن عىل مباحثها ومطالبها ،وملتز ٌم بمنهج
الفلسفي يف معاجلة القضايا الوجود ّية والطبيع ّية واإلنسان ّية.
ّ املشائية
أهم كتبه( :التحصيل) ،ا ّلذي ينقل عنه كبار احلكامء كاخلفري و ُم ّاّل صدر ومن ّ
اختصت بتسليط الضوء عىل كتاب املنطق من التحصيل، ّ وغريمها .وهذه املقالة
أن نعرض دراس ًة حتليلي ًة تفصيل ّي ًة ملنطق التحصيل، وبطبيعة احلال ال نستطيع ْ
مقارنة تا ّم ٍة حول موارد افرتاق نظر هبمنيار عن أستاذه ٍ وكذلك ال يمكننا عقد
أن تسعفنا به ابن سينا يف املنطق ،ولذا اقترصنا عىل بعض النامذج بمقدار ما يمكن ْ
صفحات البحث وما يسمح به الوقت.
الفلسفي
ّ يتم إغفال الباحثني يف الرتاث
وال ينقيض العجب ،من أنّه كيف ّ
خاص ٍة يف الكشف عن ٍ
اإلسالمي لشخصية مثل هبمنيار مع ما له من مكانة ّ
ّ
خصوصا
ً معضالت فلسفة ابن سينا ومشكالهتا ،ورشح غوامضهاّ ،
وفك رموزها
يف مباحثاته معه وتعليقاته وحواراته.
أن يو ّفق طلبة العلم والدراسة وأهل البحث والتحقيق لدراسة
نسأل اهلل تعاىل ْ
كبريا
حكياًم مشائ ًّيا ً
ً تفصييل ،لكونه
ّ تراث هبمنيار املنطقي والفلسفي بشكل
يستحق هذا النوع من الدّ راسة والبحث.
ّ
العريب ،طبع بعناية وكالة املعارف اجلليلة يف مطبعتها البهية استانبول سنة 1951م.
14.بالنيش ،روبري ،املنطق تارخيه من أرسطو حتى راسل ،ترمجة خليل أمحد خليل ،ديوان
املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.
15.هبمنيار بن املرزبان ،التحصيل ،تصحيح وتعليق أستاذ شهيد مرتىض مطهري ،انتشارات
دانشگاه هتران ،ط1375 ،2ه.
تتمة صوان احلكمةhttps://ar.lib.eshia.ir/40321/1/1 ،
16.البيهقي ،عيل بن زيد بن حممدّ ،
17.اخلضريي ،محد حممود ،سلسلة متصلة من تالميذ ابن سينا ،بحث قدِّ م يف املهرجان األلفي لذكرى ابن
الذهبى للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا ،القاهرة1952 ،م. سينا ،ون ُِرِش يف :الكتاب َّ
18.اخلوانساري ،حممد باقر ،روضات اجلنات يف أحوال العلامء والسادات ،نرش اسامعيليان ،قم،
ط1390 ،1ه.ش.
19.الشهرزوري ،تاريخ احلكامء -نزهة األرواح وروضة األفراح ،حتقيق عبد الكريم أبو شويرب،
مجعية الدعوة اإلسالم ّية العامل ّية ،ط1988 ،1م.
20.الطويس ،حممد بن احلسن ،العدة يف أصول الفقه ،حتقيق حممد رضا األنصاري القمي ،مطبعة
ستاره ،قم ،ط1417 ،1ه.
21.قطب الدين الرازي ،رشح املطالع ،مع تعليقات السيد الرشيف اجلرجاين ،راجعه وضبط نصه
أسامة الساعدي ،مطبعة سليامنزاده ،ط1433 ،1ه.
22.الكازروين ،أبو القاسم بن أيب حامدُ ،س ّلم الساموات ،تصحيح عبد اهلل النوراين ،مرياث
مكتوب ،طهران ،ط1386 ،1هـ.ش.
23.مطهري ،مرتىض ،اإلسالم وإيران ،ترمجة حممد هادي اليوسفي الغروي ،رابطة الثقافة
والعالقات اإلسالمية ،طهران1997 ،م.
24.ــــــــــــــ ،املنطق ،ترمجة حسن عيل اهلاشمي ،دار الوالء ،بريوت ،ط2011 ،2م.
25.املظفر ،حممد رضا ،أصول الفقه ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بريوت ،ط،2
1410ه1990-م.
26.ــــــــــــــ ،املنطق ،دار التعارف للمطبوعات ،بريوت1414 ،ه1995-م.
27.النشار ،عيل سامي ،املنطق الصوري منذ أرسطو حتى عصورنا احلارضة ،دار املعرفة اجلامعية2000 ،م.
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس
1
د .حممد عبد املهدي احللو
ُملخّص البحث
ال يستقيم الفكر الفلسفي والعلمي يف سابقة الزمن من دون دراسة
املنطق ،بل حتى األطباء فيام سلف كانوا يدرسون املنطق ،ودخل املنطق يف
علاًم وحياةً ،نظر ًّيا وتطبيق ًّيا ،وكان من الرواد يف احلضارة العربية ّ
كل يشءً ،
واضحا املعامل يف هذه الصناعة ــ كام يسميها
ً اإلسالمية الذين قدموا إسها ًما
ودرج مسالكها ــ اخلواجة نصري الدين الطويس ( ،)672-579ومن الذين
ٍ
إسهامات كبري ًة يف الفلسفة واملنطق واحلكمة والفلك ،وكان حاف ًظا قدّ موا
للحضارة اإلسالمية من منهجية الغزو املغويل ،وأسس مرصد مراغة الفلكي
العاملي يف بغداد ،وجذب إليه أفاضل العلامء واملفكّرين والفالسفة.
ٍ
رائدة فيه، والبحث يقوم عىل تتبع املنهج املنطقي له ،بام ترك من تصانيف
التصورات والتصديقات بمبحثني ،والثاين
ّ و ُق ّسم عىل فصلنيّ ،
األول تناول
تناول القياس وأشكاله ،وأخريا تم إدراج اخلالصة واملصادر ،ومن اهلل تعاىل
استمد العون والتوفيق.
كتا ًبا جام ًعا فيه ،واملخترص هو كتاب التجريد يف املنطق ،الذي رشحه
احل ّيّل ،1والثاين هو رشحه الوايف عىل كتاب اإلشارات والتنبيهات العاّلمة ِ
ّ
نصيب من الرشح ،أما األخري فهو ما كتبه يف ٌ البن سينا ،2وكان للمنطق فيه
وساّمه (أساس االقتباس) ،3وغريها من النقود والرشوح ،فهو إ ًذا هذا الفنّ ،
ابداعي
ٌّ مل يكن بعيدً ا عن معارصيه ،أو خمال ًفا هلم فيام تقدّ م ،لكن كان له وج ٌه
نظريات منطقية ،أضاف هبا ،أو خالف السابقني عليه أو ٍ ّ
جتىّل فيام قدّ مه من
منجزا منطق ًيا ،شكّل هوية البحث. ً املعارصين له ،و قدّ م هبا
ومع ّ
أن تتبع املنجز املنطقي للمتقدّ مني كاخلواجة الطويس ليس من
السهولة بحال من األحوال ،وذلك لتشابك الصناعة املنطقية مع سابقيه
أيضا يف األبحاث والتنظيم والرتتيب ،فكان بلوغ غور
ومعارصيه وتشاهبها ً
املختلف خيالطه جهد جهيد.
الح ّيّل ،جامل الدين ،حسن بن يوسف ،الجوهر النضيد يف رشح التجريد ،تحقيق :محسن ِ .1
بيدار فر ،انتشارات بيدار ،قم -إيران ،الطبعة الثالثة.1426 ،
.2ابن سينا ،أبو عيل الحسني ،اإلشارات والتنبيهات ،نرش البالغة ،قم – إيران ،الطبعة األوىل،
133هـ ش .كذلك :أبو عيل ،ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،تحقيق :كريم فييض ،مطبوعات
ديني ،قم – إيران ،الطبعة األوىل134 ،هـ ش.
.3الطويس ،نصري الدين ،أساس االقتباس ترجمة :منال خرس ،تحقيق :حسن الشافعي وآخر،
املجلس األعىل للثقافة ،مرص ،بدون طبعة ،وبدون تاريخ.
علاًم،
.4يف معرض بيانه للتنازع هل أ ّن املنطق علم أم ليس بعلم؟ يخلص إىل أنّه صناعة وليس ً
وسبب ذلك أ ّن موضوعه هو املعقوالت الثانية ،أما بقية العلوم فموضوعاتها املعقوالت األُ َول.
يُنظر :الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص .9وهذا اإلشكال والر ّد الذي أثاره الخواجة
الطويس كان محاول ًة منه إلكامل ما بدأ به الشيخ ابن سينا يف كتابه الشفا ،بتقديم معالج ٍة ملوضوع
مستقل بالذات ،أم أنّه مدخل لبقية العلوم .وبغض النظر عن ما قدّمه ابن سينا ٌّ هل أ ّن املنطق عل ٌم
جا إىل املنطق؛ ً محتا كان لو علم، أي
ّ ن
ّ بأ االلتباس، لهذا اري
ً تفس ّم
د يق الخواجة يف الشفا ،فإ ّن
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 267
التجريد ،بوصفه الكتاب املخترص يف املدخل إىل علم املنطق ،يبدأ ببحث
األلفاظ ،ولكن من حيث الداللة :التطابق والتضمن وااللتزام ،1وجياري
ابن سينا يف رشحه عىل اإلشارات ،يف بيان الغرض وأمهية علم املنطق،
ووجوب االبتداء به ،ساب ًقا يف ذلك بكونه آل ًة يف تعلم سائر العلوم عىل ما
يذهب إليه الشيخ الرئيس ،2يف حني كان يف كتابه أساس االقتباس مبتدئًا به
خصوصا أنّه -املنطق - 3قاعد ٌة
ً يف بيان أمهية املنطق ،وبيان قواعده وأصوله
وأساس للعلوم والسيام ِ
احلكَمية منها. ّ ٌ
ومع أمهية علم املنطق ،فهو مل يقدّ م له تعري ًفا ّإاّل بالرسم ،متب ًعا بذلك
أن َّ
يضل عرفه بأنّه« :آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ الشيخ الرئيس الذي ّ
ٍ
بلحاظات متعدّ دة، يف فكره» .4مع ّل ًقا عىل التعريف بالرسوم إنّام يكون
وأخريا بالغاية،
ً فمر ًة يكون بالذات ،ومر ًة يكون بالفعل ،وأخرى بالفاعل،
فالكوز ً
مثاًل ،عندما يرسم بذاته ،فهو وعا ٌء من الفخار ،ومن ناحية الفعل
آل ٌة قانونية ،واآللة هي ما يؤ ّثر الفعل فعله يف منفعل ،والتعريف بالغاية هي
أخص االعتباراتّ رسم املنطق بعصم الذهن عن اخلطأ والوقوع فيه وهي
يعرّب.5
كام ّ
الحتاج علم املنطق بذاته إىل نفسه وإىل منطقٍ آخر ،وعليه فإ ّن بعض العلوم هي من تكون بحاج ٍة
مثاًل فهي مبا متلك من
إىل املنطق ال جميعها ،عىل حد عبارته ،و بعض العلوم كالهندسيات ً
نظريات وتحويلها من أوليات ،فهي ليس بحاجة إليه .ينظر :رشح اإلشارات والتنبيهات ج ،1ص
.10-9
ِ .1
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ،ص .22
.2ابن سينا ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ، 1ص .7-6
.3الطويس ،أساس االقتباس ،ص .30
.4ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ج ،11ص .9
.5ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص .10-9
| 268تاریخ علم املنطق
لكنه يستثمر العالقة بني اللفظ واملعنى ويضع تعري ًفا لعلم املنطق ،واص ًفا
التصور والتصديق يف تعريفه ،واللذين يتمكّن هبام
ّ موس ًطا
املنطقي باحلاذقّ ،
أن نعرف مدى احلاذق من الوصول إىل املعاين ،وإذا أرشنا إىل تعريفه ،يمكن ْ
العالقة بني اللفظ واملعنى من جهة ،وتعريف املنطق بالذات ،وهو اخلالصة
أمور ٍ
معلومة إىل ٍ أمور ٍ
انتقال من ٍ ألن عملية الفكر ،هي عملية هلذه العالقة؛ ّ
ٍ
عملية من فالتصور ال جتري فيه أية غري معلومة (جمهولة) ،أو غري حارضة،
ّ
حارضا؛ لكنه جمرد عن احلكم ،أ ّما التصديق
ً عمليات االنتقال ،فهو ْ
وإن كان
ٍ
معلومة إىل الذي ال يفارق احلكم ،هو من جتري فيه عملية االنتقال من ٍ
أمور
عرّب عنها بالفكر،
أخرى جمهولة ،ويرشح اخلواجة عملية االنتقال هذه التي ّ
أو حركات الفكر ،وهو االنتقال من املبادئ إىل ا َملطالب ليحصل به اجلزم و
اليقني وهو ما تبتغيه صناعة الربهان .1
أما املبادئ التي تعطي الظ ّن أو الوضع أو التسليم فهي التي ينتقل منها
الذهن إىل اجلدل واخلطابة والسفسطة ،ويفرد الشعر من هذه الصناعات
وخيرجه من التصديق؛ لعدم قول الشيخ الرئيس به 2حتى يبني اخلواجة
الطويسّ ،
أن تعريف املنطق بحسب الذات إنّام هو تعريف ابن سينا« :فاملنطق
ٍ
حاصلة يف ذهن اإلنسان إىل ٍ
أمور علم ُيتع َّلم فيه رضوب االنتقاالت من
ٌ
أمور مستحصلة».3 ٍ
اقرتب يف تعريفه للمنطق من تعريف الشيخ الرئيس بأنّه« :علم املنطق فهم
أي أن يتوصل هبا إىل أنواع العلوم املكتسبةّ ، معان يمكن ْ ٍ
أي معنى إىل ّ وإن ّ
ٍ
وجه يؤدي إىل كل معنى عىل عل ٍم يتوصل به ،ومعرفة كيفية الترصف يف ّ
ٍ
وجه يليق. إن أ ّدى ال يؤدي عىل ٍ
وجه ال يؤ ّدي إليه ،أو ْ املطلوب ،و عىل
أن يكون مع فهم املعاين ،ومعرفة كيفية الترصف ،ملك ٌة وصناعة املنطق ْ
وفكر أصناف املعاين، ٍ أيضا هلاتني الفضلتني بحيث يفهم بال رو ّي ٍة مقارن ٌة ً
الترصفات ،ليقدر عىل اكتساب أنواع العلوم ،ويأمن ّ ويتمكّن من أنواع
لعل يف إشارتهالضاللة واحلرية ،ويقف عىل مزال أقدام أهل الضاللة» ،1و ّ
أعاله (ويتمكّن من أنواع الترصفات ليقدر عىل اكتساب أنواع العلوم)
تصور ،وهو مورد بأهّنا ّ عرّب عنها ّ إشار ًة وافي ًة ملعرفة ماهية علم املنطق ،التي ّ
واحلجة ،وما
ّ بأهّنا القول الشارح عرّب عنها ّ
البحث يف العرضيات ،أو التي ّ
2
احلجة هو الربهان ّ التصور ،وما ُيكتسب به ّ ُيكتسب به القول الشارح هو
وهو اكتساب الذاتيات ،3وتبني لنا أمهية ودور التصور والتصديق يف تعريف
وتوضيح علم املنطق وبيان رسمه وماهيته.
التصورات:
ّ األول:
املبحث ّ
التصورات،1
ّ يبدأ اخلواجة يف كتابه التجريد بـ (اللفظ) عند البحث عن
أن هناك عالق ًة بني اللفظ واملعنى، العاّلمة ِ
احل ّيّل ،شارح التجريد إىل ّ ويشري ّ
أواًل وبالذات ،وعن تتصدّ ر اهتامم املنطقي ،فاملنطقي إنّام يبحث عن املعنى ً
بأهّنا عالق ٌة
عرّب اخلواجة عن هذه العالقة ّ اللفظ ثان ًيا وبالعرض؛ ولذلك ّ
وأن العالقة الطبيعية إنّام تكون بني املعنى والعني؛ ولذلك (غري طبيعية)ّ ،
قسم املوجودات عىل أربعة أقسام :فلليش الواحد وجو ٌد يف األعيان ـ العني ّ
وأخريا يف الكتابة ،فالكتابة
ً /اخلارج ـ ثم يف األذهان ،ثم يف اللفظ /العبارة،
دال عىل ما يف الذهن ،والذهن عىل ما يف العني، دال ٌة عىل اللفظ ،واللفظ ٌ
والداللة بني الذهني والعيني ،دالل ٌة طبيعي ٌة ال ختتلف ً
أصاًل ،والداللة بني
الكتابة واللفظ ،واللفظ والذهن دالل ٌة غري طبيعة؛ كوهنا ختتلف باختالف
منارصا لعبارة الشيخ الرئيس يف اإلشاراتّ ،
بأن بني ً الطباع ،وبذلك كان
اللفظ واملعنى عالق ًة ما؛ فعبارة (عالقة ما) قدّ م هلا اخلواجة الطويس تفسريه
أيضا يف أساس االقتباس،2 السابق وأشار إىل معناها ،وإىل مثل ذلك ذهب ً
وهذه املباحث مرتاص ٌة ومرتابط ٌة فيام بينها ،فهي تبحث عن ماهية اللفظ،
من حيث التواطؤ والتشكيك ،ثم الداللة والعالقة بني هذه األلفاظ ،مرتادف ٌة
أو متباينة ،واللفظ من حيث الكيل واجلزئي.
توضح العالقة بني وأول موضوعات هذا الفصل هو الداللة ،وهي ّ ّ
اللفظ واملعنى ،وهي أبعد املوضوعات عن املنطق1؛ ّ
ألن املنطق هو انتقال أو
حركة الفكر من املعلوم إىل املجهول ،وهي عالق ٌة غري طبيعية ،بني الذهن و
املعنى ،كالعالقة بني اللفظ واملعنى .2وإذا كان موضوع الداللة عند اخلواجة
يرسي وينتظم وفق ما ّقرره املناطقة من قبل ،فإنّه قد زاد فيها كوهنا طبيعي ًة
فيام بينها ،أو أهنّا مشرتك ٌة يف الطبيعة و العقل ،أو ّأهّنا وضعي ٌة فقط؛ ولذلك
فأن الداللة عىل أقسا ٍم ثالثة :وضعية وهي الداللة املطابقية فقط ،وطبيعية ّ
وهي داللة (أح أح) عىل أذى الصدر ،وعقلية ،كداللة الصوت عىل صاحبه.
وجعل التداخل بني املطابقية و التضمنية ،فاللفظ قد يدل عىل متامه بالتطابق،
يدل عليه بالتضمن ،إذا كان جز ًءا منه ،وقد دفع اخلواجة هذا التداخل و قد ّ
بني الداللتني ،بمفهوم اإلرادة و القصد ،بقصد الواضع هلا وضع اللفظ إزاء
املعنى ،فام يريده الواضع و يقصده؛ فهو املراد من اللفظ واملعنى .3باإلضافة
تدل عىل العام واخلاص، ألهّنا ّ
أن الداللة التضمنية قد تكون عقلي ًة رصفة؛ ّ إىل ّ
كداللة املمكن عىل اإلمكان العام واإلمكان اخلاص.4
.1اإلشارات ،ج ،1ص .28
.2م .ن ،ص .22
ِ .3
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ،ص .26
.4الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص .29
| 272تاریخ علم املنطق
وكي ال يقع اخلواجة يف إشكال بإطالق الداللة عىل اللفظ بأزاء املعنى،
أن احلمل هنا إنّام هو محل املواطأة وليس محلنوع من احلملّ ،بنّي ّ
وهو ٌ
املحمول عىل املوضوع محل الضحك عىل اإلنسان ،محل االشتقاق.
ِ .1
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ،ص .32
.2م .ن ،ص 30
.3الطويس ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص .32
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 273
.3وإ ّما يدل جزؤه عىل جزء معناه وهو املؤ َّلف.
وقد وصف اخلواجة هذا النوع من التقسيم بقلة االعتبارّ ،
وأن اإلجابة
عىل هذا النوع من التداخل تتم بموردين:
املورد األول :أكّد فيه ّأاّل تعارض بني التعريف يف أصل املفهوم واإلرادة،
وأثبت ذلك بالقسمة العقلية املر ّددة بني النفي واإلثبات ،فأنت تريد باللفظ
يدل عىل ٍ
يشء آخر ،وإ ّما ّأاّل أن ّ
يدل بجزئه عىل جزء معناه) إ ّما ْ الذي (ما ال ّ
يشء آخرــ فهو ليس ٍ يدل اللفظ بجزئه عىل بأن ّ
يدل ،فإذا كان األول ــ ْ ّ
ٍ
حمدد مقصودا أو مرادا ،أو قد يكون ذلك اللفظ املدلول عليه بجزء ٍ
لفظ ً ً
يدل جزء اللفظ عىل جزء املعنى .وعرب إنّام هو لفظ باألساس ،وبذلك ال ّ
يدل عىل جزء اخلواجة عن ذلك« :وليس كالمنا فيه» ،1وإذا كان جزؤه ال ّ
دل فهو املركب ،وهذا هو املطلوب ،وبذلك أخرج معناه فهو املفرد ،وأ ّما إذا ّ
النوع الثالث وهو (املؤ ّلف) ،وأضاف اخلواجة هنا أنّه ال فرق من وراء هذا
التحليل بني التعريفني املتقدّ مني.2
املورد الثاين :أكّد فيه اخلواجة عىل مفهوم الداللة الوضعية ،وتع ّلقها
فإن القصد من املتحدّ ث ،أو ما يتلفظ فيه ،وبحسب ّ
كل بالقصد واإلرادةّ ،
ٍ
لغة من اللغات ،إنّام هو ما حيدّ د كون اللفظ مفر ًدا أو مر ّك ًبا.3
أقسام املفرد:
أن املفرد ينقسم عىل تا ٍم وناقص ،والتام يتوزع بني االسم وأكد اخلواجة ّ
والفعل ،والفرق بني التام والناقص ،هي الداللة بنفسه والداللة بغريه،
فالتام يتم بنفسه ،مقرونًا بالزمان وهو الفعل ،وبغري الزمان وهو االسم.
يدل بنفسه فهو احلرف ،الذي يطلق عليه املناطقة بـ (األداة)، أما الذي ال ّ
وجهه اخلواجة إىل احلدّ الذي والغرض من ذكر هذا األمر ،هو النقد الذي ّ
خاصة « :الفعل هو الذي يسميه املنطقيون ّ صاغه الشيخ الرئيس للفعل
معنّي ٍ
زمان ّ ٍ معنّي يف ٍ
ليشء غري ّ ٍ ٍ
موجود يدل عىل معنى (كلمة) ،وهو الذي ّ
وسجل اخلواجة نقدً ا وتصحيح ًيا عىل حدّ الفعل املتقدّ م ّ من الثالثة»،1
وخص (الفصل) من الذاتيات املفقودة، ّ ٍ
متناول جلميع ذاتياته)، بأنّه (غري
تعريف
ٌ عرّب عنه اخلواجة بأنّه
يعرّب فقط عن اجلنس ،أو ما ّ فتعريف ابن سينا ّ
ٍ
ليشء ٍ
موجود وأن التعريف بالفعل إنّام هو « :الذي ّ
يدل عىل معنى بالقوةّ ،
ّ
معنّي من األزمنة الثالثة» ،وتصحيح اخلواجة يدور حول ٍ
معنّي يف زمان ّ ٍ غري ّ ٍ
وأن التع ّلق بالزمان يغنيه اليشء االستقالل بالوضع ،استقالال بنفسهّ ،
«لفظ مفرد، ٌ املتع ّلق به ،والذي هو الفاعل ،فكان تعريف الفعل عنده:
ٍ
زمان من ٍ
بيشء ال يعينه يف مستقل بنفسه ،ويتع ّلق
ٍّ يدل بالوضع ،عىل معنى ّ
األزمنة الثالثة ،يعينه ذلك التعلق» ،2وهو بذلك يعود إىل األشياء األربعة،
التي تشرتك هبا األقوال الثالثة (االسم ،الفعل ،األداة) ،واألشياء األربعة
يدل عىل معنىْ ،
أن يكون التي ذكرها اخلواجة الطويس هي( :اللفظ املفردّ ،
بالوضع ،أن يكون متواط ًئا) ،لكن يمتاز االسم عن الفعل بشيئني :األول:
أن يكون الفعلأن يكون معناه مستقاًّلًّ مرتب ًطا بالغري (الفاعل) ،والثاينْ :
ْ
ٍ
حقيقة مستقاًّلًّ ،لكن االرتباط ليس بالفاعل بل بغريه ،وهذا ما يفيض إىل
ً
مستقاًل بنفسه.1 ٍ
واحدة ،وهي :ارتباط الفعل بالغري ،كونه
أن اخلواجة الطويس ،قد أدخل البالغة يف املنطق عند بيان نسبة وكام ّ
أيضا عند حديثه عن اللفظ املركب، األلفاظ إىل املعاين ،فهو قد أدخل النحو ً
بكونه مفر ًدا أو مرك ًباّ ،
فإن من املفرد االسم الذي قد يكون مفر ًدا أو مر ّك ًبا،
خاصةّ رشوط أربع ٌة
ٌ و الذي قد يكون جامدً ا أو مشت ًقا ،والفعل الذي له
به ،اختلفت عن الرشوط األربعة املشرتكة بينه وبني االسم واحلرف ،وهي:
إن يف ّ
املحل هو الفاعل يف النحو .ثم ّ املعنى وحمله ،واحلدث وزمانه؛ ّ
فإن
وضح اخلواجة ــ يكون الفعل فيها مشت ًّقا من االسم. كثري من اللغات ــ كام ٍّ
أن اخلواجة يم ّيز بني الفعل والفعل الناقص( ،الكلامت الوجودية) كان كام ّ
وأخواهتا ،وهو يفرتق عن االسم باحلدوث والزمان.2
الكليات اخلمسة:
مل يكن الرشح الذي قدّ مه اخلواجة عىل منطقيات اإلشارات جمرد
أيضا وبجدارة مناقش ًة لنظريات ٍ
استعراض ملفاهيم هذا املوضوع ،وإنّام كان ً
سابقة ،والر ّد عليها ،وقد سبقه الشيخ الرئيس يف التنبيه إليها ،يف حني ّ
أن
فإهّنم بعض املناطقة ّ
املتأخرين حني يذكرون احلدّ (الواقع يف جواب ما هو ) ّ
كل كيل من هذه الكليات إنّامأن ّ
خيلطون بني الكل ّيات اخلمسة ،ويعتقدون ّ
حرصا ،إنّام هو اجلنس
ً أن يم ّيزوا ّ
أن الواقع يف (ما هو) يقع جوا ًبا عنها ،دون ْ
والفصل.3
وجعل اخلواجة من السؤال بـ (أي) ،والتي ُيسأل هبا املناطقة عاد ًة عن
أن املقصود العاّلمة ِ
احل ّيّل يف بيان ّ ً
سؤااًل عن (اجلوهر) ،ورشع ّ الفصل جعلها
اخلاصة املميز
ّ يف اجلوهر :إنّام هو للتمييز بني الفصل املميز الذايت وبني
العريض.4
ومن الالفت للنظر ّ
أن اخلواجة الطويس فيام قدّ م من مصنفاته املنطقية؛
إمجااًل ملوضوع (النسب األربعة) بعد مباحث الكيل، ً ً
تفصياًل أو مل يقدّ م
وكأهّنا خارج ٌة عن املوضوع املنطقي ،مع أمهية
ّ وجتاهلها كل ّيا يف مصنفاته،
والتصور الصادر عنه .وكذلك شارحه ّ هذا املوضوع يف بيان (التعريف)،
ما عرب عنه الفارايب ،بأنّه حمل (غري مطلق) ،والتساوي يف الحمل هو ما قصد به حمل الناطق عىل
اإلنسان .ينظر :الفارايب ،أبو نرص ،محمد بن محمد بن طرخان ،األلفاظ املستعملة يف املنطق،
تحقيق ،محسن مهدي ،دار املرشق ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة الثانية ،1999 ،ص .64- 61
ويظهر و من خالل البحث أ ّن القزويني الكاتبي هو أول من أورد هذا املوضوع؛ وذلك أل ّن القطب
جل عليه نقدًا ،مفاده أ ّن نقيضا اإلمكان العام واليشء ،هام الالممكن باإلمكان العامالرازي قد س ّ
والاليشء ،وهام مفهوما كليان ،ال تصدق بينهام النسب األربعة ،فإ ّن هذا النقد مل يكتبه القطب
جله يف نقده عىل رشح مطالع األنوار ،ينظر :الرازي ،محمد الرازي يف رشحه للشمسية وإمّنّ ا س ّ
بن محمد القطب ،تحرير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية ،تحقيق :محسن بيدافر،
انتشارات بيداء ،ايران قم ،الطبعة الثانية 1426 ،هـ ،ص .175- 170وينظر أيضً ا الرازي ،لوامع
األرسار يف رشح مطالع األنوار ،تحقيق :عيل أصغر الجعفري :مؤسسة انتشارات دانشكاه ،طهران،
الطبعة الثالثة 1396 ،شـ ،ص ،105-104حيث سجل القطب الرازي نقده مبا نصه« :ويف هذا
ّ
الشك يف كونهام مفهومني ،وليسا متباينني، الحرص إشكال :وهو أ ّن نقييض اإلمكان العام والشيئية
أصاًل ،وال بينهام
ً ٍ
وإال لكان بني عينيهام مباين ٌة جزئية ،وال متساويني؛ ألنّهام ال يصدقان عىل يشء
عمو ٌم مطلق؛ أل ّن عني العام ميكن أ ْن تصدق مع نقيض الخاص ،وال ميكن صدق أحدهام عىل
ٍ
واحد منهام مع نقيض اآلخر». كل
عني اآلخر ،وال من وجه ،الستدعاء صدق ّ
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 279
أن ابن سينا جيعل من مبحث الداللة وسيل ًة ملعرفة ومن هنا نجد ّ
العالقة بني هذه الوجودات األربعة :احلسية /اخلارجية ،العقلية /الذهنية
بأن جيعل ما يف الذهن ّ
يدل عىل (املعاين) ،الوجود اللفظي ،الوجود الكتبيْ .
ما يف اخلارج دالل ًة طبيعة ،ال ختتلف بني الدال واملدلول ،أ ّما ما بينها – املعاين
فإن املدلول عليه (املعنى) غري خمتلف ،لكن اللفظ خمتلف ،واحلال واللفظ – ّ
كذلك يف العالقة بني الدال واملدلول الكتبي فالدال واملدلول بينهام خمتلف.1
يبنّي اخلواجة العالقة بني اللفظ واملعنى ،وبالصورة نفسها التي أن ّفبعد ْ
بأن من داللة اللفظ عىل املعنى إن اخلواجة يزيد يف الداللة ً
إيغااًلّ ، عرضها ،إال ّ
أيضا ،وأطلق عىل هذه الدالالت داللة وضعية ،وداللة الكتابة عىل اللفظ وضعية ً
لفظي ّ
يدل عىل وجود املعنى الذي ٍ
وجود تسمية الوجود ،فوجو ٌد كتبي ّ
يدل عىل
ّ
يدل عىل الوجود اخلارجي ،والدالالت ثالث كام يصورها اخلواجة: بدوره ّ
.1ابن سينا موسوعة الشفاء ،املنطق ،كتاب العبارة ،ص .5 – 1
.2الطويس ،أساس االقتباس ،ص .85-84
| 280تاریخ علم املنطق
وأهّنا مادة
أن منها ما هو مفردّ ،أن األلفاظ كام ّ
لينطلق اخلواجة إىل بيان ّ
بنحو خاص ،نحو (محيل) يطلق عليها ٍ للتصورّ ،
فإن األلفاظ إذا ما تركّبت
بـ(الرتكيب اخلربي) الذي يمكن احلكم عليه بالصدق أو بالكذب ،فالقول
عند اخلواجة إ ّما تام وإ ّما غري تام ،والتام هو الذي يعرض له لذاته الصدق
أو الكذب ،أ ّما غري التام فهو كاملركّب التقييدي ،وهو كالقول ّ
بأن اإلنسان
(حيوان ناطق) ،وهذا القيد خاص باإلنسان دون سائر أنواع احليوان.2
ويشري اخلواجة الطويس إىل مسألة متت إثارهتا من قبل بعض املناطقة ،وهي
متوقف عىل معرفة الصدق
ٌ مسألة (الدور) عند تعريف القول اخلربي بأنّه
أيضا ،ويرى ّ
أن تعريف أن الصدق والكذب متوقفان عليها ً والكذب ،كام ّ
اخلرب بالصدق أو بالكذب ال يشري إىل دور البتة ،وإنّام الصدق والكذب من
األعراض الذاتية للقول اخلربي ،وهبام يتم متييز القول اخلربي عن غريه من
األقوال التقييدية واإلنشائية ،والذين ال يتم هبام احلكم عىل الرتكيب بالصدق
أعراض
ٌ أن الصدق والكذب واحلجة التي قدّ مها اخلواجة من ّ
ّ أو بالكذب،
ذاتي ٌة للرتكيب اخلربي بين ٌة بذاهتا وال حتتاج يف بياهنا للتو ّقف عىل ٍ
يشء آخر
أن يتو ّقف تعريف ّ
األول عىل وإن التعريف بالدور يلزم منه ْ مثل اخلربّ .3
ما حيكم عليه وما حيكم به» ،1ونبقى مع اخلواجة يف مفهوم القضية ويف داللة
أن يستطرد يف ذكر الرتكيبة من املفردين،اختالف املصطلح عنده ،فهو بعد ْ
لكل منها مدلوهلاوأن ٍّ
أو املركّب ،يوضح الفرق بني عدة مصطلحاتّ ،
اخلاص هبا ،فالقول اجلازم واإلخبار وكذلك اخلرب ،واحلكم ،والقضيةْ ،
وإن ّ
تدل عىل املركّب اخلربي؛ لكن ٍّ
لكل منها معنى إلزائه ،فإذا كان كانت مجيعها ّ
خيص أحد الطرفني املتناقضني بام يوجب القطع والبت ،فالشمس التصديق ّ
طالعة ،أو ّإهّنا ليست بطالعة ،فإذا صدقنا أحد طريف النقيض كان احلاصل
أن نتحقق من الصدق إخبارا ،وإذا أردنا ْ
ً ً
قواًل ،وإذا أردنا به إعالم الغري كان
ربا ،وإذا أردنا
أو الكذب لذات اخلرب ،وليس ألجل اإلخبار ،كان القول خ ً
حكاًم ،وإذا أردنا النفي أو اإلثبات كان قضية،2
إزالة التوهم وااللتباس به كان ً
وهي ميزة افرتق هبا عن ابن سينا.
أيضا استعامله لأللف والالم يف لغة العرب ،إذ جعل ابن سينا وممّا امتاز به ً
منها دال ًة عىل القضية الطبيعية ،فال يمكن حتديد نسبة احلكم فيها ،عندما
تدل عىل القضية تدل عىل (الكل) عنده ،وقد ّ نقول :اإلنسان عام ،فهي هنا ال ّ
املخصوصة عندما يدخلها عىل الفكرة املقصودة كقولنا (الرجل) .3لكن
تصرّيها
أن ّ وضح ّأهّنا عند دخوهلا عىل القضية الطبيعية فهي إ ّما ْ اخلواجة ّ
قضي ًة مهمل ًة ،وإ ّما قضي ًة حمصور ًة بجزئيها الكلية أو اجلزئية ،وإ ّما قضي ًة
خمصوصة ،ويقدّ م لذلك أمثل ًة يستدل هبا عىل مطلوبه ،فعند قولنا( :اإلنسان
تدل عىل اإلمهال ،والالم هنا لالستغراق ،لكن ما قصد هو الضحاك) فهي ّ
منها تعيني طبيعة اإلنسان بأنّه ضحاك ،كام يمكن لالم االستغراق ْ
أن حتدد
ِ .1
الح ّيّل ،الجوهر النضيد ،ص .73
.2الطويس ،أساس االقتباس ،ص .90-89
.3ينظر ،ابن سينا ،اإلشارات ،ص .119
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 283
أن مثل هذا املوضوع قد واالعرتاض الذي نورده هنا ــ كام تقدم ــ ّ
وتطرق اخلواجة إليه ً
قائاًل« :فاللفظ ّ وضعت أسسه يف مباحث األلفاظ،
ٍ
معان كثرية .2»...لكن واحد فقط وأخرى عىل يدل عىل معنى ٍ الواحد تار ًة ّ
ٍ
واحد أن ّ
يدل عىل معنى أن اللفظ املستعمل البد ْ يتطرق اخلواجة هناك إىل ّ
مل ّ
تطرق هنا إىل الرشوط السبعة لتحديد اللفظ ،لكن ليس الغاية منه خيصه ،بل ّ
ّ
هو حتديد اللفظ بداللته عىل املعنى فقط ،بل لتخصيص وحتديد ما ّ
تدل عليه
أن ّ
يدل عىل معناه باملطابقة ،4وهو بأن اللفظ البد ْ أقر ّ
القضية جمتمع ًة ،فهو قد ّ
3
.1ارسطو ،كتاب القياس ،النص الكامل ملنطق ارسطو ،ج ،1تحقيق :فريد جرب ،دار الفكر اللبناين،
بريوت ـ لبنان ،الطبعة األوىل ،1999 ،ص .14
.2ابن سينا ،موسوعة الشفاء ،املنطق ،القياس ،ج ،8تحقيق :سعيد زايد ،منشورات ذوي القرىب،
قم – إيران ،الطبعة الثانية1434 ،هـ ،ص .54وعرفه الفخر الرازي بأنّه" :عبار ٌة عن قو ٍل مؤل ٍ
َّف من
قول آخر" .املنطق الكبري ،تحقيق :طورغود آق يوز ،دار فارس، أقوا ٍل متى سلمت لزم عنه لذاته ٌ
الرياض – السعودية ،الطبعة األوىل ،22022 ،ج ،2ص.6
ٍ
واحد ،بحيث يلزم مشتمل عىل أزيد من قو ٍل جازمٍ
ٌ قائاًل" :القياس ٌ
قول وقد ع ّرفه الخواجة الطويس ً
ٌ
من وضع تلك األقوال بالذات قول آخر جاز ٌم معني عىل سبيل االضطرار" .أساس االقتباس ،ص
وقريب منه يف التجريد ،ينظر :الجوهر النضيد ،ص .162
ٌ .197
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 287
وإن انفرد بعضهموتعد الرشائط العامة أكثر املوارد اتفا ًقا بني املناطقةْ ،
فيام يكون من مقدم ًة صغرى سالب ًة ،وكربى جزئية .3والرشائط العا ّمة هي:
.1الخونجي ،أفضل ،كشف األرسار ،ص .251
.2الطويس ،أساس االقتباس ،ص .138
إاّل إذا كانت مادته ممكن ًة وال عرب ًة يف غريه .ينظر
.3أشار الساوي إىل أ ّن هذا الرشط ال يكون ّ
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 289
الساوي ،زين الدين عمرو بن سهالن ،النصائر البصريية ،تحقيق :حسن مراغي ،شمس تربيزي،
طهران – إيران ،الطبعة األوىل1383 ،هـ ش ،ص .241وكذلك ابن سينا :الشفاء ،القياس ،ج،8
ص .108
.1الطويس ،أساس االقتباس ،ص .200
.2ابن سينا ،الشفاء ،كتاب القياس ،ج ،ص .107
| 290تاریخ علم املنطق
يف لباب اإلشارات ،4كون الشكل الرابع يشوش النظم ،ويضاعف الكلفة
مفص ًاًل يف موضع آخر ،5وجعله مواف ًقا يف يف اإلنتاج؛ ولذا أمهل ،لكنه يذكره ّ
وقد يكون من أسباب عدم الرغبة فيه بأنّه ال ينتج كلي ًة موجبة ،الحتاملية
أعم من األوسط ،واحتامل آخر أن يكون األصغر الذي ُمُحل عليه األوسط ّ ْ
أخص من األصغر ،6وهذا يعني ّ ْ
بأن يكون األكرب الذي ُمُحل عليه األوسط
انتفاء االستغراق بني احلدود الذي أوضحناه فيام تقدّ م ،وإىل مثل ذلك أشار
اخلونجي وأضاف املباينة بينه وبني الشكل األول يف الكليات ،وهذا ما جعله
.1ابن سينا ،الشفاء ،القياس ،ص .107الفخر الرازي ،املنطق الكبري،ج ،2ص .17-16
.2الغزايل ،محمد بن محمد ،معيار العلم ،ص .136-109وكذلك ينظر :املغنيساوي ،محمود بن
الحافظ الحنفي ،مغني الطالب يف رشح منت اإليساغوجي لألبهري ،املكتبة الهاشمية ،إسطنبول ـ
تركيا ،الطبعة األوىل ،2013 ،ص.111-110
.3الطويس ،أساس االقتباس ،ص .201-200
.4الساوي ،البصائر النصريية ،مقدّمة املحقّق ،ص .20-19
.5ابن سينا ،الشفاء ،كتاب القياس ،مصدر سابق ،ص .107
.6الفخر الرازي ،املنطق الكبري ،ج ،2ص .43
| 292تاریخ علم املنطق
ٍ
تغيري كثري ،1وعزى األرموي إسقاط الفارايب بعيد الطبع وال ُينتج إال بعد
األول ،و كونه يف غاية البعد فأسقطاه
مر من خمالفته للشكل ّوابن سينا له ملا ّ
أيضا.2
عن االعتبار وعن القسمة ً
تعلياًل لألخذ به عند من أخذ به ،وجعله رابع ًا يف اإلنتاج ،كالفخر ومل أجد ً
احليّل ،كالتعليل الذي ساقه اخلونجي: الرازي واخلواجة الطويس أو ّ
العاّلمة ّ
أن يتأدى إن املنطقي ينظر يف مجيع ما يمكن ْ املتأخرين يف ذكره ،إذ ّ
«ونحن نتبع ّ
بواسطته من املعلوم إىل املجهول ،ويف كيفية ترتيب ما يتأدى هبا ،سواء أكان ترتي ًبا
ترتيب آخر أم بغري وسط .كيف كان .و لو كان االستغناء عن نظم ٍ مؤ ّد ًيا بوسط
كر يف ِذكْر بغريه يوجب اإللغاء أللغي الشكل الثاين والثالث ،والفائدة التي َذ َ
القياس عىل هذين الشكلني موجود ٌة يف الرابع أيضا» .3والفائدة هي كفاية اإلنتاج.
أن الشكل األول ُينتج كلي ًة موجب ًة إن من األسباب يف عدم الرغبة ّ ثم ّ
او جزئي ًة موجبة ،أ ّما الشكل الثاين فهو ال ينتج ّإاّل كلي ًة أو جزئي ًة سالبة.
وإن كانت سالب ًة أفضل عند املناطقة من اجلزئية املوجبة ،التي هي والكلية ْ
من إنتاج الشكل الثالث ،أ ّما الرابع فهو ال ينتج كلي ًة مطل ًقا .لك ّن اخلواجة ال
وإن السبب كام يرى إنّام هو ملخالفته يعدّ السبب املتقدّ م سب ًبا لرفض إنتاجهّ ،
األول ،فاملطالب ال تشمل هذا الشكل للطبع وعدم إمكانية ر ّده إىل الشكل ّ
فقط ،بل تشمل الشكلني الثاين والثالثّ ،
بإن مقدّ ماهتا تُرد إ ّما بالعكس وإ ّما
إناألول مغن ًيا عنهام ،بل ّ
أن يكون ّ األول ،وهذا ال يعني ْبالرد إىل الشكل ّ
خاصا الشكل الرابع بأمهيته ودوره يف اإلنتاج: ًّ خيتم الطويس كالمه
«فللشكل الرابع أيضا غناء ال يقوم غريه مقامه»2؛ وهلذا ذكر يف التجريد ّ
أن
ٍ
كاملة وغري ب ّينة اإلنتاج ،لكن األول ك ّلها غري
األشكال الثالثة األخرية دون ّ
خمالف للبيان يف
ٌ العاّلمة ِ
احل ّيّل ذلك بأنّه أحوجها إىل البيان هو الرابع ،وع ّلل ّ
األول.
كلتا مقدّ متيه .3والبيان هنا هو الشكل ّ
األشكال األربعة:
وملعرفة الشكل الرابع ورشائطه وسبب اهتامم املناطقة به ،ودور اخلواجة
ْنتطرق إىل األشكال الثالثة كي تتضح الفكرة.
الطويس فيه ،ال بدّ أن ّ
ٌ
رشوط األول :وهو ّ
أتم األشكال ،ووضعه وض ًعا طبيع ًيا ،وله الشكل ّ
.1الطويس ،رشح اإلشارات ،تحقيق :حكيمي ،مصدر سابق ج ،1ص .333
.2م .ن ،ج ،1ص .334-333
.3الحيل ،الجوهر النضيد ،ص .174
| 294تاریخ علم املنطق
خاصة ،وهي:
ّ
)1إجياب الصغرى.
)2ك ّل ّية الكربى.
أن احلكم املتنقل من األوسط إىل والرشط الثاين هو كل ّية الكربى لتضمن ّ
األصغر يشمل العموم ،فينتقل من األكرب إىل األصغر ،أ ّما إذا مل تكن الكربى
إن احلكم يشمل مجيع األصغر أو ال ،فال كلي ًة وكانت جزئي ًة فال نعلم هل ّ
يكون احلكم رضور ًيا ،ومثاله:
إنسان حيوان ،وبعض احليوان طري= بعض اإلنسان يطري. ٍ ّ
كل
أن املقدّ مة الصغرى ّملا سلبنا منها احلمل ،ومحل األوسط عىل
وهذا يعني ّ
األصغر ،فكيف يتم بعد ذلك محل األكرب عىل األوسط .فلو قلنا:
ٍ
حجر متح ّيز= فال يشء من اإلنسان ال يشء من اإلنسان بحجرّ ،
وكل
بمتح ّيز.
حجرا،
ً فتكذب النتيجة ،كون النفي السابق يف الصغرى بكون اإلنسان
فكيف نحكم عليه بالنتيجة بأنّه غري متح ّيز .1وهذا هو معنى االضطرار ،مع
وجه بأنّه استفاد من طريقة أبو الربكات البغدادي يف استخدام ّ
أن اخلواجة ّ
احلدود الرياضية يف رسم العالقة بني احلدود من تقاط ٍع وموازاة.2
واعتام ًدا عىل الرشطني أعاله ،تكون الرضوب املنتجة من هذا الشكل
ً
جدواًل أوضح فيه العالقة بني أربعة ،وكان إبداع اخلواجة فيها ْ
أن رسم هلا
الست عرش ،وهي حاصل رضب ٍّ
كل منها يف غريها ،كرضب الكلية ّ القضايا
املوجبة ً
مثاًل مع أربع قضايا ،وهكذا ،وبذلك تكون الرضوب املنتجة األربعة
هي:
)1كلي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة ،تنتج كلية موجبة.
)2كلي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة تنتج كلية سالبة.
)3جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة تنتج جزئية موجبة.
)4جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة تنتج جزئية سالبة.
.1الخبييص ،فخر الدين عبيد الله بن فضل الله ،التذهيب عىل تهذيب املنطق للتفتازاين،
املجموعة املنطقية ،قراءة وضبط :خالد خليل الزاهدي ،دار ابن حزم ،بريوت – لبنان ،الطبعة
األوىل.2022 ،ص .790
.2الطويس ،أساس االقتباس ،ص .203
| 296تاریخ علم املنطق
نالحظ ّ
أن هذا الشكل أنتج القضايا األربع عىل الرتتيب.
الشكل الثاين:
ورشوطه هي:
)1اختالف الكيف يف الصغرى.
أن تكون الكربى ك ّلية.
)ْ 2
األول إىل عدم املالقاة بني األصغر واألكرب يف أرجع اخلواجة سبب الرشط ّ
السلب واإلجياب ،وتكون بينهام مباين ٌة مطرد ٌة كام تقدّ م ،وال يكون اإلنتاج رضور ًيا:
ٍ
إنسان طائر). (كل و(كل ٍ
طائر حيوان) ،ينتج ّ ّ ٍ
إنسان حيوان)، ّ
(كل
ال يش َء من اإلنســان بحيوان ،وال يش َء من الشجر بحيوان ،ينتج :ال
يش َء من اإلنسان بشجر.
اضطرارا؛ لعدم إمكانية محل األوسط عىل األكرب ،وكذلك ً وذلك ليس
لعدم إمكانية محل احليوان عىل اإلنسان ،أ ّما الرشط الثاين ،وهو كّلية الكربى،
فإن كانت جزئي ًة مل يعلم هل يشمل بعضها شاماًل للكلْ ،
ً كي يكون احلكم
اآلخر أم ال.1
.1الطويس ،أساس االقتباس ،ص .204-203
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 297
بأن ولذلك فهو ال ينتج موجبة ،وع ّلل اخلواجة عدمية اإلنتاج هذه؛ ّ
فإن محل اإلجياب مل تكن ً
حممواًل عىل األكرب واألصغر م ًعاّ ، األوسط إذا كان
وإن محل السالب مل تكن أيضا فيهام مالقا ٌة هناك مالقا ٌة بني األصغر واألكربْ ،
ٍ
إنسان مثاًلّ :
(كل بني األصغر واألكرب ،وتكون املباينـة يف كليهام مطردةً 1
حيوان) ،و(ال يش َء من اجلامد بحيوان) ،ينتج (ال يش َء من اإلنسان بجامد)؛
أيضا وذلك لعدم محل األوسط عىل األكرب يف الكربى ،وعدمية احلمل تعني ً
عدم محل األكرب عىل األصغر (محل اجلامد عىل اإلنسان)؛ ولذلك أنتج سالب ًة
ومل ينتج موجب ًة ،هذا يف حال اإلجياب ،أ ّما يف حال السلب فلم تكن هناك
حجر ٍ مالقا ٌة بني األصغر واألكرب ،نحو :ال (يش َء من اإلنسان بجامد)ّ ،
و(كل
مجاد) ،فـ(اليش َء من اإلنسان بحجر) ،فال ينتج موجب ًة ،و باإلضافة إىل ذلك
أن يف الشكل ونتيج ًة الختالف الكيف فهو ال ينتج ّإاّل سالب ًة ،كلي ًة كانت أم ّ
تبنّي من رضوهبا التي تُعدّ بأربعة أرضب وف ًقا للرشوط املتقدّ مةجزئي ًة ،وكام ّ
ً
حممواًل يف املقدّ متني ،وقام املناطقة إذا ضممنا إليها ْ
أن يكون احلدّ األوسط
األول إما بوساطة الر ّد
إلضفاء صفة اإلنتاجية عىل رضوبه بر ّده إىل الشكل ّ
وإ ّما بعكس املقدّ مات:
األول :ك ّلي ٌة موجب ٌة وك ّلي ٌة سالب ٌة ،ينتج ك ّلية سالبة.
الرضب ّ
الرضب الثاين :ك ّلي ٌة سالبة وكلي ٌة موجب ٌة ،ينتج ك ّلية سالبة.
الرضب الثالث :جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة ،ينتج جزئية سالبة.
الرضب الرابع :جزئي ٌة سالب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة ،ينتج جزئية سالبة.
أ ّما األمثلة والرباهني عليه فهي مايأيت:
الرضب الثاين:
سالب ٌة ك ٌلي ٌة وموجب ٌة ك ّلية ،تنتج :سالبة كلية ،نحو( :ال يش َء من الذهب
ّ
و(كل ما يتمدّ د باحلرارة فهو حديد) ،تنتج( :ال يش َء من الذهب بحديد)،
يتمدّ د باحلرارة).
ٍ
بخطوات وهي: يتم ذلك
وألجل إقامة الربهان يرى اخلواجة إنّام ّ
األول.
)1قلب املقدّ متني لتكونا رضبا من الشكل ّ
)2وبعد قلبهام عكس النتيجة.
األول.
)3أو استخدام اخللف بالر ّد إىل الشكل ّ
األول منأن اخلواجة قد ر ّد هذا الرضب إىل الرضب ّ ومن هنا نالحظ ّ
الشكل الثاين ،يف حني عمد ابن سينا إىل ر ّده إىل إحدى رضوب الشكل
األول ،وذلك بعكس الصغرى ،وإضافة العكس إىل املقدّ مة ،ثم عكس ّ
ّ
و(كل ما النتيجة .2وإليك برهان ابن سينا( :ال يش َء من الذهب بحديد)،
يتمدّ د باحلرارة فهو حديد) ،ينتج (ال يش َء من الذهب يتمدّ د باحلرارة).
)1عكس الصغرى :ال يش َء من احلديد بذهب.
)2إضافــة العكــس للمقدّ مــةّ :
كل مــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو حديــد،
وال يش َء مــن احلديــد بذهــب ( إجيــاب الصغــرى وك ّليــة الكربى):
ال يش َء ممّــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو ذهــب.
.1ابن سينا :النجاة ،تحقيق ،محمد تقي دانش ،دانشكاه طهران ،إيران ،الطبعة الثانية ،1379 ،ص .59
.2ابن سينا ،الشفاء ،كتاب القياس ،ج ،8مصدر سابق ،ص.116
| 300تاریخ علم املنطق
ويمكن القول ّ
إن اخلواجة مل يفته الر ّد إىل الشكل كام صنع ابن سينا ولكنه
وإن كنّا نعرتض أراد اتساع رقعة الربهان وإثبات النتيجة من الشكل نفسهْ ،
األول؛ كونه أكمل األشكال ،كام سريجعه إىل عىل عدم إرجاعه إىل الشكل ّ
ذلك باخلُلف ،مع أنّه أكّد يف رشحه لإلشارات عىل ما أفاده ابن سينا بالر ّد إىل
مشريا إىل رأي ابن سينا بذلك ،1وإىل مثله ذهب ً (بنّي)
األول بقوله ّالشكل ّ
يف التجريـد.2
واخلطوات كام عند اخلواجة :عكس الكربى ،والر ّد بذلك إىل الرضب
األول.1
الرابع من ّ
بعض الناس أسود ،وال يش َء من األسود بثلج :بعض الناس ليس بثلج.
أن سبب عكس الكربى للمحافظة عىل َرَش َطي اإلنتاج ومها إجياب وهنا تبني ّ
الصغرى وك ّلية الكربى .أما ملاذا ال يعكس الصغرى؟ وذلك ّ
ألن املقدمتني
ألن الثالث ال ينتج ّإاّل
ستكونان من الرضب الثالث! وال يمكن ر ّده إليه؛ ّ
أن هذا الر ّد ُيطلق عليه التعريف جزئية ،والثاين ينتج كلية باإلضافة إىل ّ
وإن كانت موجبة. باألخفى ،وإن السالبة الكلية أتم عند املناطقة من اجلزئية ْ
وباخللف:
املفروض :بعض الناس أسود ،وال يش َء من الثلج أسود.
املدعى :ليس بعض الناس ثلج.
نقيضها َ
لصدق ُ الربهــان :لو مل ْ ت َْصدُ ق( :ليس بعض الناس أســود)،
(كل الناس ثلج). ّ
.1الطويس ،أساس االقتباس ،ص .206
| 302تاریخ علم املنطق
ّ
كل الناس ثلج ،وال يش َء من الثلج بأسود :ال يش َء من الناس بأسود وهو
خالف الفرض .وإذا كذبت النتيجة صدق ا ُملدّ عى.1
إنسان حيوان (نأخذ بعض احليوان وهو اإلنسان بالفرض ٍ كلوالتطبيقّ :
ونكون قضي ًة موضوعها الفرض ،وحمموهلا موضوع الصغرى األصل ،وهنا ّ
تكون قضية كلية صادقة مستغر ًقا موضوعها يف حمموهلا؛ ألنّه باألساس جز ٌء
منه) ،وبعض اإلنسان حيوان.
أيضا قضيتني كليتني سالبتني (بلحاظ التباين بني املوضوع ونكون ًّ
واملحمول :ال يشء من اإلنسان بصاهل ،وال يش َء من الصاهل بإنسان)،
ٍ
موجبة وتسقط السالبتان الكل ّيتان م ًعا؛ ألنّه ال إنتاج منهام ،كام ال إنتاج من
ألن إحدامها ــ وهي املوجبة اجلزئية ــكلية كربى؛ ّ وسالبة ٍٍ ٍ
جزئية صغرى
غري صادقة ،والالزم إخراج قضيتني صادقتني منهام ،1وبذلك ينتج منهام
ٍ
إنسان حيوان ،وال كلرضب من الشكل الثاين كام يرى اخلواجة 2نحو ّ :
قياسا
فنكون منهام ًيش َء من الصاهل بإنسان :ال يش َء من احليوان بصاهلّ .
فرس صاهل :بعض ٍ من الشكل الثاين :ال يش َء من احليوان بصاهلّ ،
وكل
احليوان ليس بفرس .وهو املطلوب.
وهنا نرى ّ
أن االبتكار الذي قام به اخلواجة هو ر ّده إىل الشكل الثاين عن
ٍ
بقياس أنتج منها ومن القضية الكربى طريق االفرتاض ،وبعد ذلك ر ّده
األصل إىل الشكل األول ،عكس ما عند ابن سينا الذي ر ّده إىل الشكل
األول باملبارش ،بمعنى الغنى الفكري وتعدّ د حاالت اإلرجاع عند اخلواجة
الطويس يف ر ّد الرضب الواحد إىل الشكل الثاين مرةً ،وإىل األول أخرىْ ،
وإن
تعدّ دت الطرق.
.1املظفر ،محمد رضا ،املنطق ،تحقيق :غالم رضا فيايض ،مؤسسة النرش اإلسالمي ،قم – إيران،
الطبعة الثالثة ،1424 ،ص .263
.2الطويس ،أساس االقتباس ،ص .207
| 304تاریخ علم املنطق
الرضب األول:
ٍ
إنسان حيوان موجبة وك ّل ٍية موجبة :جزئية موجبة ،نحوّ :
كل ٍ من ك ّل ٍية
متحرك اليد. متحرك اليد :بعض احليوان ٍ
إنسان ّ
وكل
ّ ّ
ٍ
جزئية موجبة :بعض احليون إنسان، والر ّد يكون بعكس الصغرى إىل
متحرك اليد. متحرك اليد :بعض احليوان ٍ
إنسان ّ
وكل
ّ ّ
واخلُلف:
متحرك اليد. ٍ
إنسان وكل ٍ
إنسان حيوانّ ، املفروضّ :
كل
ّ
متحرك اليد.
ّ املدّ عى :بعض احليوان
نقيضها:
متحرك اليد) ،لصدق ُ
ّ الربهان :فلو مل تصدق (بعض احليوان
بمتحرك اليد).
ّ (ال يشء من احليوان
قياس هو الرضب الثاين من الشكل األول:
ويكون لدينا ٌ
متحرك اليد :ال يش َء من اإلنسان ٍ
إنسان حيوان ،وال يش َء من اإلنسان كلّ
ّ
بمتحرك اليد وهو خالف بالفرض .وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى .إذ ّ
إن النتيجة هنا تتضاد مع كربى القياس فال يصدقان م ًعا ،فتكذب النتيجة، ّ
نقيضها وهو املطلوب.1
ويصدق ُ
واخلُلف:
كل ٍ
ناطق إنسان ،وال يش َء من الناطق بطائر. املفروضّ :
املدّ عى :بعض اإلنسان ليس بطائر.
الربهان :لو مل تصدق (بعض اإلنسان ليس بطائر) لصدق نقيضها( :كل
كل ٍ
إنسان طائرّ : كل ٍ
ناطق إنسانّ ،
وكل إنســان طائر) ،ومع الصغرىّ :
ٍ
ناطق طائر ،وهو خالف الفرض .وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى.
الرضب الثالث من الشكل الثالث:
جزئي ٌة موجب ٌة وك ّلي ٌة موجبة :جزئية موجبة ،نحو :بعض الذهب معدن،
ذهب غايل الثمن :بعض املعدن غايل الثمن. ٍ ّ
وكل
وبيانه بالعكس:
)1عكس الصغرى :بعض املعدن ذهب.
)2وضمهــا للكــرىّ :
وكل ذهــب غــايل الثمــن :بعــض املعــدن غايل
ا لثمن .
| 306تاریخ علم املنطق
وباخللف:
ٍ
ذهب غايل الثمن. املفروض :بعض الذهب معدنّ ،
وكل
املدّ عى :بعض املعدن غايل الثمن.
الربهان :لو مل تصدق (بعض املعدن غايل الثمن) ،لصدق نقيضها( :ال
فنكون :بعض الذهب معدن ،وال يشء يشء من املعدن غايل الثمن)ّ ،
من املعدن غايل الثمن :بعض الذهب ليس غايل الثمن .وهو خالف
الفرض ،وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى.
الرضب الرابع من الشكل الثالث:
ٍ
حيوان جسم، ٍ
وجزئية موجبة :جزئية موجبة ،نحوّ :
كل ٍ
موجبة من ك ّل ٍية
وبعض احليوان طائر :بعض اجلسم طائر.
أيضا:
وباالفرتاض ً
بعضا من املوضوع يف الصغرى ،ونجعل منه قضيتني ،األوىل جزئية
)1نأخذ ً
موجبة وهي الفرض ،مع موضوع الصغرى :بعض احليوان إنسان.
ٍ
إنسان حيوان. )2والفرض مع حممول الصغرى ،لكنها ك ّليةّ :
وكل
ٍ
إنسان طائر. )3والفرض مع موضوع الكربى كليةّ :
وكل
)4والفرض مع حممول الكربى جزئية :وبعض اإلنسان طائر.
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 307
حساس، ٍ موجب ٌة كلي ٌة وجزئي ٌة سالبة :جزئية سالبة ،نحوّ :
كل حيوان ّ
حس ٍ
اس بإنسان. ٍ
حيوان بإنسان :ليس ّ وليس ّ
كل ّ كل
)1الكربى ال تنعكس؛ ألنه ال إنتاج من جزئيتني.
ٍ
حيــوان حســاس ،وليــس ّ
كل ٍ )2باخللــف :املفــروض ّ
كل حيــوان ّ
إنســان.
جزئي ٌة موجب ٌة وكربى سالبة :جزئية سالبة ،نحو :بعض احليوان إنسان،
وال يش َء من احليوان بحجر :بعض اإلنسان ليس بحجر.
)1عكس الصغرى :ليكون الرابع من الشكل األول :بعض اإلنسان
حيوان ،وال يشء من احليوان بحجر :بعض اإلنسان ليس بحجر.
)2وباخللف :لو مل تصدق (بعض اإلنسان ليس بحجر) ،لصدق
وكل ٍ
إنسان حجر) .لتكون :بعض احليوان إنسانّ ، نقيضها ّ
(كل
ٍ
إنسان حجر :بعض احليوان حجر ،وهو خالف الفرض ،وإذا كذبت
النتيجة صدق النقيض.
العديد من الرشائط الالزمة إلنتاجه .و ّملا كان العديد من املناطقة السابقني
عىل اخلواجة قد ذكروا هذا الشكل ،وأفردوا له رشو ًطا متعدد ًة ،1وكان من
توسعوا يف دراسته الفخر الرازي 2واخلواجة الطويس؛ أكثر املناطقة الذين ّ
لذا ستتم متابعة عنارص اإلبداع فيه ،واملقارنة بني الفخر الرازي واخلواجة
خاص ًة
الطويس؛ كوهنام أكثر من أبدعا يف هذا املجال ،وسنبني جهد اخلواجة ّ
يف موضوع البحث.
عدّ منها اخلواجة ما هو لوازم جلميع األشكال ،وهو ما اتفق عليه املناطقة،
خاص به .ومن الرشائط العامة:
ّ ّ
وإن منها ما هو
)1ال اجتامع لسالبتني :وهي من الرشوط التي جعلها املناطقة جلميع
تعلياًل؛ ّ
ألن العالقة بني األوسط ً األشكال رش ًطا عا ًّما ،ولكنّه يقدم
مناقضا لألصغر واألكرب قد حيدث مالقاة بينهام يف ً الذي يكون
اخلارج أو حيدث التباين ،كام لو قلت( :ال يش َء من الفرس بإنسان،
يشء من اإلنسان بصاهل ،إ ًذا ال يش َء من الفرس بصاهل) ،مع وال َ
أن الفرس والصاهل بينهام مالقاة بل مساواة يف اخلارج ،أو قد يكون ّ
بينهام تباين :كام يف (ال يشء من الفرس بإنسان ،وال يش َء من اإلنسان
مثاًل :اآلمدي ،سيف الدين ،أبو الحسن عيل بن أيب عيل ،دقائق الحقائق ،تحقيق :فاضل .1ينظر ً
عيل املوسوي ،نارشون ،بريوت – لبنان ،بدون طبعة وال تاريخ ،ج ،1ص ،269فهو وإ ْن ذكر تلك
الرشائط لكنه جعل للجهة مدخلية يف إنتاجه ،وينظر :أيضً ا :الخونجي ،كشف األرسار ،ص .263
الطاّلب ،ص .110ّ واألرموي ،مطالع االنوار ،ص ،71واملغنيساوي ،مغني
.2املنطق الكبري ،ج ،2ص ،43والرسالة الكاملية يف الحقائق اإللهية ،ص .25-24ويرى محقّق
املنطق الكبري أ ّن هذه النسخة منه ووفقًا لتحقيقه ،كانت مودع ًة عد القزويني الكاتبي؛ ألنّه وجد
عاماًل مع الخواجة يف مرصد مراغة ،وأ ّن
ً أ ّن اسمه كان مكتوبًا عليها ،وأ ّن القزويني أيضً ا كان
النسخة الخطية من املنطق الكبري كانت مودع ًة يف مكتبة (حسن الطويس أو حسن الطبيس) ،ابن
الخواجة الطويس ،الذي تال الخواجة يف رئاسة املرصد .ينظر :املنطق الكبري ،ج ،2ص ،25
هامش املحقق رقم .3
| 310تاریخ علم املنطق
بحجر :فال يشء من الفرس بحجر) ،وهو تباين يف اخلارج .1يف حني
اكتفى الفخر الرازي بالقولّ :
بأن إحدى مقدّ متيه موجبة؛ ألنّه ال
ٌ
رشط عا ٌّم .3وانفرد اخلونجي يف إنتاج من سالبتني ،2وهذا الرشط
أن الكربى إذا كانت ك ّلي ًة سالب ًة فالصغرى ال يمكن ْ
أن تكون سالب ًة، ّ
جزئي ًة كانت أم كلية.4
)2من املتعارف أنّه ال إنتاج من جزئيني ،موجبتني كانتا أم سالبتني،
فإن الصغرىلك ّن اخلواجة اشرتط بأنه إذا كانت الكربى كلي ًة موجب ًة ّ
ألن املقدّ مة الكربى إذا كانت كلي ًة
ال تكون جزئي ًة موجبة؛ وذلك ّ
فإن الكربى عند عكسها والصغرى جزئي ًة ،وكالمها موجبتانّ ،
إن احلكم الذي تنعكس جزئي ًة موجب ًة وال إنتاج من جزئيتني ،ثم ّ
يكون عىل األصغر من األوسط ،قد ال يشمل األكرب إذا كانت
حيوان إنسان ،وبعض الناطق حيوان: ٍ مثاًلّ :
كل الكربى جزئيةً 5
بعض اإلنسان ناطق .وهذا ما عناه اخلونجي من ّ
أن املوجبة اجلزئية
ال تنتج مع الكلية املوجبة.6
)3ومن الرشوط العامة التي أشار إليها اخلواجة هو ّ
أن الصغرى إذا
فإهّنا ال تنتج مع كربى جزئية7؛ وذلك ّ
ألن احلكم الذي كانت سالب ًة ّ
ٌ
حاصل بني األوسط كان يف الكربى لبعض األكرب يتناىف ،والتباين
وألن اخلواجة أكد عدمية ضبط هذه الرشوط يف هذا الشكل ،جعل هذا ّ
وتعلياًل ملا قدّ مه اخلونجي ،وقوله بجواز ْ
أن تكون الصغرى ً تفسريا
ً البيان
سالب ًة والكربى جزئي ًة ،وذلك ّ
ألن احلكم يف النتيجة جيعل التالقي من بعض
األكرب لألصغر يف اخلارج كام يف املثال أعاله.
متفق عليها بني املناطقة ،وقد إن هذه الرشوط العامة ٌ ونستطيع القولّ :
بأن بعض الناس من جعل الرشوط مخسة ،منها ّأاّل أشار اخلونجي إىل ذلكّ :
يكون اإلنتاج من سالبتني ،أو موجبتني ،أو صغرى سالبة ،وكربى جزئية،
أن اجلمع بني السالبتني ممكن مع قوله باجلواز كام تقدّ م .1لكن اخلواجة زادّ :
اإلنتاج ،برشط إذا كانت الكربى سالب ًة فال تكون الصغرى سالب ًة جزئية،
بمعنى إمكانية اإلنتاج إذا كانت الكربى ك ّلي ًة سالبة والصغرى ك ّلي ًة سالبة
وإاّل ملاذا ذكر هذا القيد ّ
(أاّل تكون الصغرى سالب ًة جزئية). أيضاّ ،ً
من جزئيتني ،وإذا كانت سالب ًة كلي ًة فهي تعكس سالب ًة كلي ًة وال ٍ
إنتاج
من سالبتني ،أما إذا استعملت مع املوجبة الكلية ال تنتج ،الحتامل
أن يكون األكرب ً
فصاًل ،واحلدّ األوسط يعمها م ًعا ،فال إنتاج منهام.1 ْ
ناطق حيوان :بعض ٍ ومثاله :بعض احليوان ليس بإنسانّ ،
وكل
يعم األصغر يف الصغرى. اإلنسان ليس بناطق .فاألكرب يف الكربى ال ّ
)ّ 2
إن املقدمتني إذا كانتا موجبتني ،فال تكون الصغرى جزئية ،وذلك
فرس حيوان :بعضٍ للتباين بني احلدود :بعض احليوان إنسانّ ،
وكل
واضح بني الفرس واإلنسان ،كام ّ
أن احلدّ ٌ اإلنسان فرس .فالتباين
يعمهام مجي ًعا .وهو جنس هلام.
األوسط ّ
أن تكون إحدى وإن هذا الشكل ال ينتج موجب ًة كلي ًة؛ ألنّه وكام تقدّ م ال ّبد ْ
ّ
اخلاصني اللذين ذكرمها
ّ أن بالرشطني مقدمتيه جزئية ،أو سالبة ،وممّا تقدّ م يتضح ّ
اخلواجة يمكن االستغناء عن الرشوط العا ّمة التي عدّ ها لوازم ّ
لكل اإلشكال،
اخلاصة بالشكل الرابع فحسب. ّ وإن الرشطني أعاله مها من الرشوط ّ
األول من الشكل الرابع: الرضب ّ
ٍ
ذهب معدن، ٍ
موجبة :جزئية موجبة ،مثلّ :
كل موجبة وك ّل ٍية
ٍ من ك ّل ٍية
ّ
وكل ما يتمدّ د باحلرارة ذهب :بعض املعدن يتمدد باحلرارة.
)1اتفق اخلواجة والرازي عىل قلب املقدّ متني :كل ما يتمدّ د باحلرارة
كل ما يتمدّ د باحلرارة معدن .فإذا قلبت ٍ
ذهب معدنّ : ذهبّ ،
وكل
املقدّ متني نعكس النتيجة :بعض املعدن يتمدّ د باحلرارة.
ذهب معدن ،وبعض ٍ )2عكس الكربى ليكون الرابع من الثالثّ :
كل
الذهب يتمدّ د باحلرارة :بعض املعدن يتمدّ د باحلرارة .2
.1الفخر الرازي ،املنطق الكبري ،ج ،2ص .44-43
.2الطويس :أساس االقتباس ،ص ،214ويُنظر الفخر الرازي ،املنطق الكبري ،ج ،2ص .45
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 313
ارجع اخلواجة هذا الرضب إىل الرضب الثالث من الشكل األول؛ وذلك
بقلب املقدّ متني ،ويقصد بقلب املقدّ متني ،جعل الصغرى كربى وبالعكس:
وكل ٍ
طائر يبيض :بعض احليوان يبيض. بعض احليوان طائرّ ،
ثم أكّد اخلواجة عىل عكس النتيجة ،وعكس اجلزئية املوجبة جزئي ٌة موجب ٌة
لتصبح :بعض ما يبيض حيوان .بينام اعتمد الفخر الرازي عىل طريقة اخلُلف
يف الربهان ،لكن اخلواجة زاد يف أنّه اعتمد االفرتاض ،وأرجعه إىل الشكل
األول ،وباقرتان النتيجة مع القضية األخرى يرجعنا إىل الشكل الثالث ،وهذا
يد ّلنا عىل سعة اجلهد الذي بذله اخلواجة يف تثبيت الربهان هلذا الرضب.
أما ُ
اخللف:
كل ٍ
طائر يبيض ،وبعض احليوان طائر. املفروضّ :
املدّ عى :بعض ما يبيض حيوان.
الربهان :لو مل تصدق لصدق نقيضها( :ال يش َء ممّا يبيض بحيوان)،
كل ٍ
طائر يبيض ،وال يشء ممّا يبيض بحيوان: وكانت مع الصغرىّ :
ال يشء من الطائر بحيوان .وهو خالف الفرض ،وإذا كذبت النتيجة
صدق املدّ عى أو النقيض.1
أ ّما الفرض الذي أوسع اخلواجة فيه الربهان عىل هذا الرضب ،والذي
اعتمد فيه باستخراج أربع قضايا ،بإضافة الفرض مرتني إىل املوضوع يف
الكربى وإىل املحمول يف الكربى فانتج ما ييل:
كل ٍ
طائر يبيض ،وبعض احليوان طائر :بعض ما يبيض طائر .والقضايا ّ
األربع هي:
)1بعض النعام حيوان.
ٍ
حيوان نعام. )ّ 2
كل
)ّ 3
كل نعا ٍم طائر.
)4بعض الطائر نعام.
كل ٍ
طائر األول ،نحوّ :1.قلب املقدّ متني ليكون الرضب الثاين من الشكل ّ
حيوان ،وال يش َء من احليوان بجامد :ال يش َء من الطائر بجامد .و ّملا كان
عكس الك ّلية السالبة ك ّلي ًة سالب ًة ،فتكون النتيجة :ال يش َء من اجلامد بطائر.1
أيضا إىل الشكل الثاين الرضب الثاين ،وذلك بعكس الصورة:
2.ويرد ً
وكل ٍ
طائر حيوان :ال يش َء من اجلامد بطائر. ال يش َء من اجلامد بحيوانّ ،
وأشار اخلواجة إىل أنّه ال يمكن الربهان عليه بالقلب ،بل بعكس الصغرى
ليكون الثالث من الشكل الثاين ،أو الكربى ليكون الرضب السادس من
أيضا:
الشكل الثالث ،ويمكن باالفرتاض ً
)1عكس الصغرى ليكون الثالث من الشكل الثاين :بعض املعدن
أبيض ،وال يش َء من الذهب بأبيض :بعض املعدن ليس بذهب.
)2عكس الكربى لينتج السادس من الرضب الثالث :بعض األبيض
معدن ،وال يش َء من األبيض بذهب :بعض املعدن ليس بذهب.
الخالصة:
1.تتعدّ د الزاوية التي نظر منها اخلواجة إىل رسم املنطق ،فام ساقه ابن سينا
من تعريف بأنّه (آل ٌة قانوني ٌة تعصم الذهن من الوقوع يف اخلطأ) ،إنّام
هو رسم بالغاية منه ،أ ّما رسم املنطق وفق ذاته فهو االنتقال من معلو ٍم
بالتصور الذي يساعد عىل فهم
ّ إىل جمهول ،مستعينًا عىل رسم املنطق
التصورات ،وعىل التصديق الذي حي ّقق به هذا االنتقال،ّ املعاين ألنواع
أن املنطق إنّام هو صناعة له ال علم.عىل ّ
2.العالقة بني اللفظ واملعنى من جهة ،والداللة من جهة أخرى ،فالعالقة بني
بأهّنا غري طبيعيةّ ،
وأن العالقة الطبيعية عرّب عنها ّ
اللفظ واملعنى عالقة ّ
وأن الوسيلة التي ّاخّتذها املنطقي للتعبري
هي العالقة بني املعنى والعنيّ ،
املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | 317
وأن موضوع الداللة من أبعد املوضوعات عن عن املعاين هي اللفظّ ،
ألن حقيقة املنطق هي االنتقال من املعلوم إىل املجهولّ ،
وأن ما املنطق؛ ّ
يعني عىل الداللة الوضعية املطابقية هو مفهوم اإلرادة والقصد الذي
وضعه الواضع من أجله ،وما يقصده وما يريده.
3.اللفظ عنده إ ّما مفرد وإ ّما مركّب وإ ّما مؤ ّلف.
احلجة،
4.مل يبحث اخلواجة النسب األربعة يف مبحث القول الشارح ،وإنّام بحثها يف ّ
وحتديدً ا يف العالقة بني احلدّ ين يف تركيب القضية الواحدة.
5.اتفق اخلواجة مع املناطقة يف صياغة األشكال القياسية ورضوهبا ورشوطها
اخلاصة ،لكنّه انفرد مع غريه يف بيان الشكل الرابع ،واختلف عنهم يف ّ
اخلاصة به باإلضافة إىل الرشوط العا ّمة ،ثم اكتفى بالقول ّ
بأن ّ الرشوط
هذا الرشط ممكن االختالف فيه ،لكن املهم هو عدم االستغناء عنه يف
ِ
يكتف بإرجاعه إىل ألن بعض اإلنتاجية ال تتم ّإاّل بهْ ،
وإن مل اإلنتاج؛ ّ
األول كام عليه املناطقة وأرجعه إىل رضوب من الشكلني اآلخرين. ّ
األول لكان أسلم منطق ًيا؛ بمعنى أنّه ر ّد ولكنّه لو اقترص بالر ّد إىل ّ
النظري وهي األشكال الثالثة إىل البدهيي ،وهو الشكل األول ،وأرشنا
إىل ّ
أن ذلك إنّام يعدّ من اتساع رقعة الربهان عنده.
| 318تاریخ علم املنطق
13.اخلونجي ،أفضل الدين ،كشف األرسار عن غوامض األفكار ،حتقيق :خالد الروهيب،
مؤسسة بزوهيش وفلسفة إيران ،إيران ،الطبعة األوىل.1389 ،
14.الرازي ،لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار ،حتقيق :عيل أصغر اجلعفري :مؤسسة
انتشارات دانشكاه ،طهران ،الطبعة الثالثة 1396 ،شـ.
15.الرازي ،حممد بن حممد القطب ،حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية ،حتقيق:
حمسن بيدافر ،انتشارات بيداء ،إيران قم ،الطبعة الثانية 1426 ،هـ ش.
16.الساوي ،زين الدين عمرو بن سهالن ،النصائر البصريية ،حتقيق :حسن مراغي ،شمس
تربيزي ،طهران – إيران ،الطبعة األوىل1383 ،هـ ش.
17.الطويس ،نصري الدين ،أساس االقتباس ترمجة :منال خرسو ،حتقيق :حسن الشافعي وآخر،
املجلس األعىل للثقافة ،مرص ،بدون طبعة ،وبدون تاريخ.
18.الفارايب ،أبو نرص ،حممد بن حممد بن طرخان ،األلفاظ املستعملة يف املنطق ،حتقيق ،حمسن
مهدي ،دار املرشق ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة الثانية1999 ،م.
19.الفخر الرازي ،أبو عبد اهلل ،حممد بن عمر بن احلسني ،املنطق الكبري ،حتقيقُ :طور غود آق
يوز ،دار فارس ،الرياض – السعودية ،الطبعة األوىل2022 ،م.
– 20.ـــــــــــــــــ ،الرسالة الكاملية ،حتقيق :عيل حمي الدين ،دار الكتب العلمية ،بريوت
لبنان ،بدون طبعة وال تاريخ.
21.ـــــــــــــــــــ ،لبــاب اإلشــارات والتنبيهــات ،حتقيــق :أمحــد حجــازي الســقا ،نفرتيتي،
مــر1986 ،م.
22.ماكوفلسكي ،ألكسندر ،تاريخ علم املنطق ،ترمجة :نديم عالء الدين ،دار الفارايب ،بريوت –
ُملخّص البحث
احل ّيّل مكان ًة مرموق ًة يف تاريخ علم املنطق ،بوصفه من املناطقة للعاّلمة ِ
إن ّ ّ
أن اشتهاره البارزين يف هناية القرن السابع وبداية القرن الثامن للهجرة .بيد ّ
يف سائر العلوم األخرى ــ وال س ّيام يف العلوم الدينية منها ــ قد طغى عىل
ِ مكانته يف علم املنطق .لقد بلغت األعامل املنطقية ّ
للعاّلمة احل ّيّل (عرشين ً
أثرا)
بعضها رسائل مقتضبة ،وبعضها يشتمل عىل العلوم الثالثة ،وهي :املنطق
والطبيعيات واإلهليات ،وبعضها يندرج ضمن خانة الرشح والتلخيص أو
احل ّيّل كثرية. للعاّلمة ِ
إن اإلبداعات والبحوث املنطقية ّ نقد آثار اآلخرينّ .
العاّلمة ِ
احل ّيّل ـ بوصفه متك ّل ًاًم ـ إن ّ
ويمكن بيان هذه الكثرة عىل النحو اآليتّ :
حيمل هاجس األفكار الدينية ،كان يرى يف تنكّر بعض الشخصيات من أمثال
احلراين لعلم املنطق بداي ًة للتفكري السطحي وتسلل األفكار السخيفة ابن تيمية ّ
واخلرافية يف دائرة التفكري الديني ،ومن هنا فقد عمد إىل توسيع املنطق بوصفه
إعصارا هيدّ د التفكري الديني.
ً سدًّ ا مني ًعا حيول دون السطحية التي تشكل
للعاّلمة ِ
احل ّيّل ـ يف حقل املنطق القائم عىل قسمني إن أغلب اآلثار املنطقية ّّ
التأيّس فيها بمنطق اإلشارات والتنبيهاتتم ّتم تأليفها يف قسمني ،وقد ّـ قد ّ
للشيخ الرئيس أيب عيل ابن سينا.
.1تعريب :حسن عيل مطر
.2أستاذ مساعد ومدير حقل تاريخ التشيّع يف جامعة األديان واملذاهب ،طهران.
.3أستاذ حقل الفلسفة والكالم اإلسالمي يف جامعة طهران.
| 322تاریخ علم املنطق
املقدمة
املطهر احليل ،فقي ٌه ،وأصو ٌّيل،
أبو منصور احلسن بن يوسف بن عيل بن ّ
ومفرّس
ٌّ وشاعر،1
ٌ وأديب،
ٌ ومنطقي ،ورجا ٌّيل ،وحمدِّ ٌ
ث، ٌّ وفيلسوف،
ٌ ومتك ّل ٌم،
(العاّلمة) .وهو من املناطقة األفذاذ ّ شيعي كبري؛ ومن هنا فقد استحق لقب ٌّ
النادرين إذ حيتل مكان ًة رفيع ًة يف تاريخ علم املنطق يف احلضارة اإلسالمية،
أن سطوع نجمه الباهر يف علوم من قبيل :الفقه واألصول والكالم بيد ّ
وغري ذلك من العلوم األخرى ،قد حجب موقعه ومكانته املنطقية ،ووضع
املتأخرين فلم يالحظوا آثاره املنطقية .وعىل الرغم من ّ غشاو ًة عىل أعني
مهاًم يف علم املنطق ،فإنّه مل ُيعرف بوصفه عا ًملا منطق ًيا كام
أثرا ًتأليفه لعرشين ً
يستحق وينبغي.
.1األفندي اإلصفهاين ،املريزا عبد الله ،رياض العلامء وحياض الفضالء ،ج ،1ص ،359مكتبة
آية الله املرعيش النجفي ،قم 1401 ،هـ.
.2حسون تربيزيان ،فارس ،مقدمة القواعد الجلية (يف :القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية
الح ّيّل) ،ص 11ـ ،53مؤسسة النرش اإلسالمي ،قم 1417 ،هـ؛ اشميتكه ،زابينه، للعاّلمة ِ
ّ
ِ
للعاّلمة الح ّيّل) ،ترجمه إىل اللغة الفارسية :أحمد
ّ انديشههاي كالمي عالمه حيل (اآلراء الكالمية
منايئ ،الفصل األول فام بعد ،بنياد پژوهشهاي آستان قدس رضوي ،مشهد 1378 ،هـ ش.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 323 موقع ّ
للعاّلمة ِ
احل ّيّل 1ـ اآلثار املنطق ّية ّ
ِ إن اآلثار الفلسفية /املنطقية ّ ّ
للعاّلمة احل ّيّل ّ
متنوعة ،وفيام ييل نشري إىل
آثاره يف هذا الشأن:
احل ّيّل ،رســائل قصرية نسب ًيا هتدف إىل تعليم علم العاّلمة ِ
إن من بني آثار ّّ 1.
املنطق ،مــن قبيل( :هنج العرفان يف علم امليــزان) ،و(النور املرشق يف
علم املنطق).
احل ّيّل ــ تب ًعا لكتاب النجاة واإلشارات البن سينا العاّلمة ِ
إن من بني آثار ّّ 2.
ــ ما هو جامع لثالثة علوم ،وهي :املنطق والطبيعيات واإلهلياتّ .
وإن
كتــاب (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيــق) ،و(القواعد واملراصد)،
و(األرسار اخلفيــة يف العلوم العقلية) ،و(تنقيــح األبحاث يف العلوم
الثالث) ،من مصاديق هذه اآلثار اجلامعة.
ٍ
رســالة يف إطار البحث العاّلمة ِ
احل ّيّل إىل تأليف 3.ويف بعــض املوارد يعمد ّ
كبري أو مع حكامء الســلف. ٍ
فيلســوف ٍ واحلــوار النقدي مع حكي ٍم أو
فهو يف كتــاب (خالصة األقوال يف علم الرجــال) ،عند احلديث عن
رســالة بعنوان (إيضاح التلبيس من كالم الرئيس) ،يقول« :باحثنا فيه
الشيخ ابن سينا» .1وكذلك يف ذلك املوضع ،وعند احلديث عن رسالة
يتم مع
املقامــات احلكمية ،يقول« :باحثنا فيه احلكامء الســابقني ،وهو ّ
متام عمرنا».2
نص
مهم يف تنقيح وهتذيب وتبسيط ٍّ إن ّ
للعاّلمة يف التلخيص الذي هو ف ٌّن ٌّ ّ 4.
العاّلمة ِ
احل ّيّل إىل تلخيص فلسفي مع احلفاظ عىل دقته وكامله .فقد عمد ّ
ّ
ِ .1
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،خالصة األقوال يف معرفة الرجال ،ص ،24الطبعة
الحجرية ،طهران 1312 ،هـ ش.
.2م .ن.
| 324تاریخ علم املنطق
حسون تربيزيان للهجرة .ويف مقدّ مة (حتقيق القواعد اجلل ّية) قدّ م فارس ّ
ٍ
معلومات يف هذا الشأن ،مستفيدً ا االستفادة الكثرية من أثر السيد عبد العزيز
الطباطبائي .كام عملت زابينه اشميتكه يف ملحق الفصل الثاين من كتاهبا ـ
الذي كتبته قبل صدور كتاب السيد عبد العزيز الطباطبائي ـ عىل التعريف
العاّلمة ِ
احل ّيّل ،وهي أثرا من آثار ّ ٍ ٍ
بالنسخ من خالل تتبعها ملئة وستة وعرشين ً
تفوقها عىل جمهود السيد عبد العزيز الطباطبائي يف االستفادة من متتاز يف ّ
املكتبات والفهارس الغربية بشكل أكرب.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف كتابة املنطق 2ـ أسلوب ّ
كان العلامء املسلمون يف البداية يعملون عىل تعليم األبحاث املنطقية يف
إن هذهنظا ٍم مؤ َّلف من تسعة أقسا ٍم بتأثري من كتاب األرغانون ألرسطوّ .1
األقسام التسعة عبارة :القاطيغورياس أو املقوالت ،والباري أرميناس أو
العبارات ،واألنالوطيقا األوىل أو التحليالت األوىل ،واألنالوطيقا الثانية أو
التحليالت الثانية (الربهان) ،والطوبيقا أو اجلدل ،والسوفسطيقا أو املغالطة،
واأليطوريقا أو اخلطابة ،والبوطيقا أو الشعر ،ويف هناية املطاف األيساغوجي
للمرة األوىل يف كتاب اإلشارات إىل كرس هذه(املدخل) .وقد عمد ابن سينا ّ
وأسس للمنطق القائم النمطية يف تدوين املنطق القائم عىل تسعة أقسامّ ،
يتم عرض مباحث املنطق ضمن قسمني، عىل قسمني .ويف هذا اإلبداع ّ
واحلجة .ومنذ ذلك احلني أخذ بعض املناطقة يسريون عىل ّ املعرف
ومهاّ :
أثره يف هذا التقسيم وبذلك تم التأسيس لتدوين املنطق القائم عىل هذين
.1للوقوف عىل مسار تبلور املنطق املشتمل عىل تسعة أقسام يف اليونان ،انظر :فرامرز قرامليك،
أحد ،جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة املسلمني) ،ص 6ـ ،7
پژوهشگاه علوم انساين ،طهران 1378 ،هـ ش.
| 326تاریخ علم املنطق
القسمني .1وعمد بعضهم إىل الدمج بني هذين األسلوبني وأسس لتدوين
املنطق التلفيقي.2
.1فرامرز قرامليك ،أحد ،جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة
املسلمني) ،ص 38ـ 1378 ،50هـ ش.
.2م .ن ،ص 1378 ،15هـ ش.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 327 موقع ّ
لقد كان أغلب املناطقة يف القرن السابع من املؤ ّثرين واملشاهري ومن زاخري
النشاط يف علم املنطق ،من أمثال :ابن رشد األندليس ،وفخر الدين الرازي،
وشيخ اإلرشاق السهروردي ،وأثري الدين األهبري ،ونصري الدين الطويس،
ونجم الدين دبريان الكاتبي القزويني ،وربام أمكن عدّ الكاتبي من أوفر
| 328تاریخ علم املنطق
زاخرا بالفتن ناحية أخرى كان القرن السابع للهجرة ُيعدّ قرنًا ٍ ومن
ً
يف تاريخ إيران .فقد هجم املغول عىل البالد وثقافتها ،وشهدت احلضارة
اإلسالمية هجمة املغول املد ّمرة للحضارة .وكان يمكن الهنيار هذه الثقافة
أن يشكل بداي ًة مد ّمر ًة للعامل اإلسالمي وال واالستيالء الثقايف للمغول ْ
س ّيام يف حقل الثقافة والتفكري اإلسالمي .وبعد االستيالء املغويل املحبط،
أن الغزايل يف بدأ العزف التدرجيي عىل أنغام حماربة املنطق .وعىل الرغم من ّ
القرن اخلامس للهجرة قد كتب (هتافت الفالسفة) يف نقد الفلسفة وتكفري
شخص مثل عبد الكريم الشهرستاين بتأليف ٌ الفالسفة ،وكذلك قام
أن املنطق شهد يف هذه املرحلة منزل ًة ومكان ًة كتاب مصارعة الفالسفة ،بيد ّ
كثريا من األعامل يف املنطق ،مثل: مهمة ،وقد كتب أبو حامد الغزايل نفسه ً ّ
(حمك النظر) ،و(معيار العلم) ،و(القسطاس املستقيم) ،و(منطق مقاصد
الفالسفة) ،و(منطق املستصفى من علم األصول) .ويف النصف الثاين من
القرن السابع والعقود األوىل من القرن الثامن للهجرة ،عمد تقي الدين أبو
احل ّيّل ـ إىل تأليف كتاب الر ّد عىل للعاّلمة ِ
العباس أمحد بن تيمية ـ املعارص ّ
املنطقيني ،ويف جمموع الفتاوى قام بمجاهبة املباين املنطقية.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يرى يف التنكّر للمنطق بداي ًة للنظرة السطحية وظهور لقد كان ّ
الفجة واخلرافية يف دائرة التفكري الديني ،ومن هنا فقد عمد إىل االهتامم
األفكار ّ
بتوسيع علم املنطق بوصفه سدًّ ا مني ًعا حيول دون طوفان السطحية يف التفكري
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 329 موقع ّ
كثري من اآلثار املنطقية ،عمد إىل تربية بعض الديني .وباإلضافة إىل تأليف ٍ
رس أيضا .وجيب البحث عن ّ املنطقيني الكبار من أمثال قطب الدين الرازي ً
أخذ االجتاه املبنائي الصلب يف نظرية التسويغ ،يف هذا االجتاه الكالمي ّ
للعاّلمة
ٍ
شاخص ٍ
بحاجة إىل احل ّيّل .فهو يف احلفاظ عىل استقامة وعمق التفكري الديني كانِ
إن العقالنية حتافظ ـ من وجهة نظر ّ
العاّلمة ٍ
ومعيار يم ّيز به بني الغث والسمنيّ .
احل ّيّل ـ عىل أصالة التفكري الديني ،ومن خالل املنطق القائم عىل نظرية املبنائية ِ
أن اإليامن بأحقية األفكار الصلبة يصبح إثبات األفكار الكالمية صع ًبا ،بيد ّ
العاّلمة احليل عىل وضع موقفه الكالمي واملدارس الدينية األصيلة قد محل ّ
معيارا مضمونًا ومعتمدً ا يف الر ّد
ً إن هذه الرؤية مت ّثل
املنافسة عىل ميزان املنطقّ .
أيضا.
عىل األفكار اللقيطة ،وكذلك األفكار السطحية ً
األوليات»ّ .1
إن للشيخ نصري الطويس يف عدوله من املبنائية املعدلة للسلف
هاجسا يتم ّثل يف استحكام الفكر الديني وتعميقه .2وقد
ً إىل املبنائية الصلبة،
العاّلمة ِ
احل ّيّل هذه النقطة بوضوح وعمل عىل بسطها وتفصيلها. أدرك ّ
للعاّلمة ِ
احل ّيّل 4ـ اآلراء املنطقية ّ
أن تكون لنا يف هذا املقام جول ٌة قصري ٌة وإطالل ٌة إمجالي ٌة
يبدو من املناسب ْ
ِ اخلاصة ّ
تم بحث للعاّلمة احل ّيّل يف علم املنطق .وقد ّ ّ عىل اآلراء والنظريات
ٍ
عنوانات من احل ّيّل يف هذا الشأن عىل أساس أربعة اآلراء املنطقية للعالّمة ِ
مؤ ّلفاته ،وهي( :اجلوهر النضيد) ،و(القواعد اجلل ّية) ،و(األرسار اخلفية)،
رئيس إىل االختالف بني ٍ و(مراصد التدقيق) .وقد نظرنا يف هذا التقرير ٍ
بنحو
العاّلمة يف هذا الشأن. الشيخ نصري الدين الطويس والفخر الرازي ،وموقف ّ
ٍ
علمية عىل ٍ
أطروحة للعاّلمة ِ
احل ّيّل يف إطار لقد ُبحثت اآلراء املنطقية ّ
مستوى املاجستري للباحث الفقيد حسني حممد خاين .3وقد عمدنا يف تدوين
أيضا:
هذا القسم إىل االستفادة من تلك األطروحة ً
.أبساطة التصديق أو تركّبه :وقع االختالف بني الشيخ نصري الدين الطويس
وبني الفخر الرازي يف بحث بساطة التصديق وتركّبه؛ فقد ذهب الفخر
بأن التصديق مركّب ،4بينام ذهب الشيخ نصري الدينالرازي إىل القول ّ
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد: ّ .1
محسن بيدار فر ،ص 199ـ ،201انتشارات بيدار ،قم 1363 ،هـ ش.
.2فرامرز قرامليك ،أحد ،جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة
املسلمني) ،ص 129ـ 1391 ،142هـ ش.
حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري)، .3محمد خاين ،حسني ،آراي منطقي عالمه ّ
جامعة طهران ،بتاريخ :شهر شهريور ( 1381 ،)6هـ ش.
.4الرازي ،فخر الدين محمد ،منطق امللخّص ،تقديم وتحقيق وتعليق :أحد فرامر قرامليك وآدينه
أصغري نجاد ،ص ،7جامعة اإلمام الصادق ،طهران 1381 ،هـ ش.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 331 موقع ّ
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف هذا بأن التصديق بسيط .1وقد ذهب ّ الطويس إىل القول ّ
الشأن إىل ترجيح رأي أستاذه ،فقال ببساطة التصديق.2
إن من بني البحوث األخرى .دتقسيم اللفظ إىل املفرد واملركّب واملؤ ّلفّ :
التي وقعت مور ًدا لالختالف ،تقسيم اللفظ إىل املفرد واملركّب واملؤ ّلف.
طب ًقا لتقرير الشيخ نصري الدين الطويس يف رشح اإلشارات ،فقد أشكل
بعضهم عىل تعريف أرسطو للمفرد ،وعدّ وا ألفا ًظا من قبيل (عبد اهلل)
عرفوا املفرد بالقول( :املفرد هو الذي ال ّ
يدل خارجا عنه .ومن هنا فقد ًّ
إن جزء اللفظ إ ّما ّأاّل ّ
يدل عىل جزؤه عىل جزء معناه) ،وبالتايل فقد قالوا ّ
يشء هو ليسٍ أي يشء ،فيكون مثل هذا اللفظ مفر ًدا ،وإ ّما ّ
يدل عيل ّ
جز ًءا من معناه ،ومثل هذا اللفظ يكون مرك ًبا ،وإ ّما يدل عىل جزء معناه،
سمى باملؤ ّلف .وقد رفض الشيخ نصري الدين الطويس هذا وهذا اللفظ ُي ّ
إن الداللة اللفظية من الدالالت الوضعية والتابعة التقسيم ،وقال :حيث ّ
فإن ألفا ًظا من قبيل( :عبد اهلل) ال خترج عن تعريف إلرادة املتلفظّ ،
ألن داللة هذه األلفاظ عىل أجزائها ليس هو املقصود أرسطو؛ وذلك ّ
احل ّيّل َقبِل ـ تب ًعا ألستاذه ـ تعريف أرسطوأن العالمة ِ للمتكلم .1كام ّ
مرفوضا.2
ً للمفرد ،ويرى هذا التقسيم
.هاملقول يف جواب ما هو ،والواقع يف طريق ما هو :يف بحث التفاوت بني
(املقول يف جواب ما هو) ،و(الواقع يف طريق ما هو) ،وقع االختالف بني
الشيخ نصري الدين الطويس وبني الفخر الرازي .يذهب الفخر الرازي
يتم أخذه يف التعريفبأن ذلك القسم من الذاتيات ـ الذي ّ إىل االعتقاد ّ
تم بيانه بالداللة املطابقية يف املقول يف
بوصفه جز ًءا من التعريف ـ إذا ّ
تم بيانه يف التعريف
جواب ما هو ،فهو (املقول يف طريق ما هو) ،وأ ّما لو ّ
(داخاًل يف جواب ما هو) .3وقد ذهب الشيخ ً بنحو ضمني ،فسوف يكون ٍ
.1الطويس ،الشيخ نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص
31ـ 1375 ،32هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املطهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .2
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،17هـ ش؛ ّ
املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد :محسن بيدار فر ،ص 1363 ،11هـ ش؛
للعاّلمة
ّ العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املطهر ،القواعد الجل ّية يف رشح الرسالة الشمسية ّ
الح ّيّل ،ص ،200مؤسسـة النشـر اإلسالمی ،قم 1417 ،هـ. ِ
.3الرازي ،فخر الدين محمد ،منطق امللخّص ،تقديم وتحقيق وتعليق :أحد فرامر قرامليك وآدينه
أصغري نجاد ،ص 1381 ،37هـ ش.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 333 موقع ّ
نصري الدين الطويس يف رشح اإلشارات إىل عدّ (الداخل يف جواب ما
هو) بمعنى جزء املاهية (اجلنس أو الفصل) ،و(الواقع يف طريق ما هو)
بمعنى الذايت األعم (اجلنس).1
عىل الرغم من ذهاب أغلب املناطقة يف تفسري هذه املفاهيم الثالثة ،إىل
العاّلمة ِ
احل ّيّل مال إىل ترجيح تفسري فإن ّاختيار تفسري الفخر الرازيّ ،2
جمرد (ظن)، الشيخ نصري الدين الطويس ،وعدّ تفسري الفخر الرازي ّ
و«تغيريا عديم الفائدة».3
ً
أيضا .فقد ذهب الشيخ الطويس إىل .وتعريف احلدّ :لقد قام املناطقة بتعريف احلدّ ً
تعريف احلدّ بأنه «القول الدال عىل ماهية اليشء» ،و َقبِل به اخلواجة نصري الدين
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف األرسار اخلفية« :إذا كان املراد من القول أيضا .4قال ّ الطويس ً
يف هذا التعريف هو القول املركّب ،فإنّه لن يكون ً
شاماًل للحدود املفردة».5
أيضا ،ومن هنا ال يكون هناك أن لفظ (القول) يشمل املفرد ً يبدو ّ
ٌ
إشكال يف جامعية التعريف .ومن بني الشواهد عىل هذا اال ّدعاء هو
أن ّ
العاّلمة يف كتاب (املراصد) قد ذكر هذا التعريف بعينه.6 ّ
للعاّلمة ِ
احل ّيّل يف البحث عن احلدّ والرسم إن ّ واخلاصةّ : .زالتعريف بالفصل
ّ
.1الطويس ،الشيخ نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص
1375 ،68هـ ش.
.2فرامرز قرامليك ،أحد ،جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة
املسلمني) ،ص 1381 ،75هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .3
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،30هـ ش.
.4الطويس ،الخواجة نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص
،95نرش البالغة ،قم 1375 ،هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .5
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،45هـ ش.
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد: العاّلمة ِ
ّ .6
محسن بيدار فر ،ص 1363 ،22هـ ش.
| 334تاریخ علم املنطق
احل ّيّل يف هذا البحث إىل اتباع الشيخ نصري الدين العاّلمة ِ
يذهب ّ
أيضا .فقد حتدّ ث (يف القواعد) رصاح ًة عن خطأ رأي الفخر الطويس ً
الرازي ،ولكنّه يف (املراصد) اختار طري ًقا وس ًطا ،وعدّ القضايا التي
يكون الرابط فيها هو الفعل أو االسم املشتق من (القضايا الثالثية غري
تا ّمة).4
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .1
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،44هـ ش.
.2م .ن.
.3الطويس ،الخواجة نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1
ص 125ـ ،126نرش البالغة ،قم 1375 ،هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .4
ِ
العاّلمة الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،56هـ ش؛ ّ
املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد :محسن بيدار فر ،ص 38ـ 1363 ،39
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية هـ ش؛ ّ
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 335 موقع ّ
عامة اإلطالق :من األبحاث األخرى اجلديرة .طمفاد القضية املوجبة الكلية ّ
بالطرح يف هذا املجال ،حتليل مفاد القضية املوجبة الكلية عا ّمة اإلطالق،
اختالف يف
ٌ تم إدراجها يف أكثر الكتب املنطقية بعد ابن سينا .هناك التي ّ
تفسري كالم ابن سينا بني الفخر الرازي وبني الشيخ نصري الدين الطويس.
قال ابن سينا« :اعلم أنّا إذا قلنا :كل ج ب ،فلسنا نعني به ّ
أن كلية ج أو اجليم
فرّس الفخر الرازي الكلية ج يف هذا الكالم بـ (الكل
الكيل هو ب .»...لقد ّ
ّ
(الكيّل املنطقي). وفرّسها الشيخ نصري الدين الطويس بـ املجموعي)ّ ،
فإن تفسري الفخر الرازي يف هذا املوضع هو األصح. وبطبيعة احلال ّ
الح ّيّل ،ص ،247مؤسسـة النشـر اإلسالمی ،قم 1417 ،هـ. للعاّلمة ِ
ّ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق ،راجعه وضبطه :مركز ِ .1
تراث الحلة ،ص 1438 ،142هـ.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .2
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،61هـ ش.
للعاّلمة
الحيل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ّ العاّلمة ِ
ّ .3
| 336تاریخ علم املنطق
املتفرعة
ّ إن من بني األبحاث .يالقضايا احلقيقية واخلارجية والذهنيةّ :
عىل حتليل املوجبة الكلية ،تقسيم القضايا إىل القض ّية احلقيقية واخلارجية
أن حرص البعض العاّلمة ِ
احل ّيّل يف هذا الشأن« :واعلم ّ والذهنية .يقول ّ
بكل ما يصدق عليه (ج) يف اخلارج (مفاد القضية (كل ج ب)ّ ، ملفاد ّ
(كل ما لو وجد كان ج) (مفاد (كل ج) ،هو ّ اخلارجية) ،أو املراد من ّ
(كل ج ب) هو ما صحيحا ،بل املراد من قولناّ :
ً القضية احلقيقية) ،ليس
واحد ممّا يقال عليه (ج) ـ سواء كانت اجليمية ذاتهٍ كلأن ّ
أرشنا إليه من ّ
أو صفته ،وسواء كانت صف ًة دائم ًة له أو غري دائمة ،وسواء كان موصو ًفا
معنّي ،وسواء كان موجو ًدا يف اخلارج وقت ّ ٍبتلك الصفة يف ٍ
معنّي أو غري ّ
أو يف العقل أو يف الفرض الذهني».1
الح ّيّل ،ص ،253مؤسسـة النشـر اإلسالمی ،قم 1417 ،هـ. ِ
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .1
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،64هـ ش؛ ّ
الح ّيّل ،ص 253ـ ،255مؤسسـة للعاّلمة ِ
ّ املط َّهر ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية
النشـر اإلسالمی ،قم 1417 ،هـ.
.2الطويس ،الخواجة نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص
1375 ،180هـ ش.
.3الرازي ،فخر الدين محمد ،منطق امللخّص ،تقديم وتحقيق وتعليق :أحد فرامر قرامليك وآدينه
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 337 موقع ّ
إن البحث اآلخر الذي يمكن بيانه يف هذا الشأن، .نتفسري عكس النقيضّ :
ِ هو تفسري عكس النقيض من وجهة نظر ّ
العاّلمة احل ّيّل .هناك يف مورد
عكس النقيض بيانان؛ فقد ذهب بعضهم من أمثال الشيخ الرئيس يف
منطق الشفاء إىل تفسريه بالقول« :وضع نقيض املحكوم عليه ً
بداًل من
املحكوم به ،ووضع نقيض املحكوم به ً
بداًل من املحكوم عليه ،مع املوافقة
يف الصدق والكذب» ،1وهذا هو الذي ُيطلق عليه يف مصطلح املنطقيني
بعض آخر من أمثال هبمنيار يف التحصيل بعكس النقيض املوافق .وذهب ٌ
بداًل من املحكوم عليه،إىل تعريفه بالقول« :وضع نقيض املحكوم به ً
بداًل من املحكوم به) (عكس النقيض املخالف».2 وعني املحكوم عليه ً
العاّلمة ِ
احل ّيّل هذا التفسري من الشيخ الرئيس ،وعدّ التفسري وقد ارتىض ّ
الثاين يف األرسار اخلفية والقواعد عبارة عن« :أخذ الزم اليشء ً
بداًل منه».3
.سالقياس االقرتاين من الشكل الرابع :يف بحث القياس ُيعدّ جعل القياس
ٍ
رضوب من خمتلطات هذا االقرتاين من الشكل الرابع وإنتاج ثامنية
للعاّلمة ِ
احل ّيّل .4لقد قام الباحث الراحل املهمة ّ
الشكل ،من بني اآلراء ّ
العاّلمة يف القياسات املختلطة بحسب حسني حممد خاين بتبويب آراء ّ
نظرياته يف الكتب األربعة مورد البحث ،ضمن عدد من اجلداول ،5بيد
ّ
أن هذه املقالة املخترصة ال تتسع لذكرها.
.1ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،الشفاء (املنطق) ،ج ،2ص ،193مكتبة آية الله املرعيش
النجفي ،قم 1404 ،هـ.
.2بهمنيار بن املرزبان ،التحصيل ،تصـ :مرتىض املطهري ،ص ،90دانشگاه طهران ،طهران 1375 ،ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .3
ِ
العاّلمة الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،95هـ ش؛ ّ
املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد :محسن بيدار فر ،ص 1363 ،94هـ ش؛
للعاّلمة
ّ الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املطهر ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية العاّلمة ِ
ّ
الح ّيّل ،ص 1417 ،315هـ. ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد: العاّلمة ِ
ّ .4
محسن بيدار فر ،ص 134ـ 1363 ،135هـ ش.
حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري)، .5محمد خاين ،حسني ،آراي منطقي عالمه ّ
جامعة طهران ،بتاريخ :شهر شهريور ( 1381 ،)6هـ ش.
| 340تاریخ علم املنطق
.عمحلية كربى القياس االستثنائي أو َرَشطيتها :يف بحث محلية كربى القياس
االستثنائي أو َرَشطيتها الذي هو من بني األبحاث اخلالفية بني الشيخ
للعاّلمة ِ
احل ّيّل. خاص ّ رأي
ٌّ نصري الدين الطويس والفخر الرازي ،هناك ٌ
إن الفخر الرازي ال يرى محلية الكربى رضورية ّإاّل يف بعض املوارد التي
ّ
الرَشطية مركّب ًة من محليتني ،ويرى يف سائر املوارد األخرى ّ
أن تكون فيه َ
أن تكون َرَشطية.1الكربى يمكن ْ
.1الرازي ،فخر الدين محمد ،منطق امللخّص ،تقديم وتحقيق وتعليق :أحد فرامر قرامليك وآدينه
أصغري نجاد ،ص 1381 ،320هـ ش.
ِ .2
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق ،راجعه وضبطه :مركز
تراث الحلة ،ص 1438 ،330هـ.
.3ابن سينا ،حسني بن عبد الله ،الشفاء (املنطق) ،تحقيق :سعيد زايد ،ج ،1ص 1375 ،311ش.
.4الطويس ،الشيخ نصري الدين محمد بن محمد ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،ج ،1ص
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح 1375 ،312هـ ش؛ ّ
منطق التجريد ،إعداد :محسن بيدار فر ،ص 1363 ،196هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد: ّ .5
محسن بيدار فر ،ص 1363 ،196هـ ش.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 341 موقع ّ
ويف القسم اآليت سوف نعمل بالتفصيل عىل إيضاح وحتليل أحد
للعاّلمة ِ
احل ّيّل ،وهو إبداع مل يلتفت إليه املناطقة يف اإلبداعات املنطقية ّ
كثريا.
املراحل الالحقة ً
ِ 5ـ رشح إبداع منطقي ّ
للعاّلمة احل ّيّل وحتليله؛ القضية ّ
العامة
ِ أن ّ أن أرشنا إىل ّ
سبق ْ
اخلاصة به .وفيام
ّ للعاّلمة احل ّيّل ً
كثريا من اآلراء املنطقية
ييل سوف نعمل يف هذا املقام عىل رشح واحد من تلك اآلراء اإلبداعية وحتليله،
خامس يف تبويب وتقسيم القضية من حيث املوضوع. ٍ وهو عدّ قس ٍم
األول أو القياس ،إىل القول ّ
بأن القضية لقد ذهب أرسطو يف بداية التحليل ّ
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .1
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،206هـ ش.
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املطهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد: العاّلمة ِ
ّ .2
محسن بيدار فر ،ص 197ـ 1363 ،198هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .3
األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،202هـ ش.
| 342تاریخ علم املنطق
من حيث املوضوع عىل ثالثة أنواع ،وهي :املهملة ،والك ّلية ،واجلزئية .بيد ّ
أن
هذا التقسيم هو يف احلقيقة عبار ٌة عن نوعني؛ ّ
ألن ّ
الكيّل واجلزئي قسامن للقضايا
املسورة .ثم بعد أرسطو متّت إضافة القضية الشخصية أو املخصوصة ـ التي ّ
أيضا ،وشاع هذا التقسيم حتدّ ث عنها أرسطو يف كتاب العبارة ـ إىل هذا التقسيم ً
الثالثي حتى القرن السابع للهجرة.
لقد حتدّ ث ابن سينا يف بيان أقسام احلميل عن (اإلنسان العام) .وقد ذهب
املناطقة من القائلني باملنطق املشتمل عىل قسمني يف القرن اهلجري السابع ـ من
أمثال األرموي يف كتاب اإليضاح ،واألهبري يف آثاره ـ إىل عدم عدّ مها قضي ًة
وإن كانت ال تشتمل عىل سور ،ولكنها تقبل التسوير، إن القضية املهملة ْ
مهملةّ .
أن قضية (اإلنسان عام) ال تقبل التسوير .وقد أطلقوا عىل هذه القضية يف حني ّ
قساًم راب ًعا .وأ ّما املناطقة القائلون باملنطلق
عنوان القضية الطبيعية ،وعدّ وها ً
املشتمل عىل تسعة أقسام ـ من أمثال الشيخ الطويس ويف القرون التالية من أمثال
أن التبويب الرباعي كان غياث الدين الدشتكي ـ إىل خمالفة اعتبار الطبيعة ،بيد ّ
احل ّيّل إىل عدم تسمية هذه القضية بالطبيعية ،وإنّام العاّلمة ِ
شائ ًعا .1لقد ذهب ّ
خامس ،وأطلق عليه عنوان الطبيعي.2 ٍ ساّمها عا ّمة ،وعمد إىل تعريف وعدّ قس ٍم
ّ
ِ ما هو مضمون القضية الطبيعية يف مصطلح ّ
العاّلمة احل ّيّل ،والتي هي ٌ
قسم
خامس من القضايا ،وال ينبغي اخللط بينها وبني القضايا الطبيعية عند القوم؟
ٌ
جواب هذا السؤال يف حتليل الشيخ نصري الدين الطويس ٍ جيب العثور عىل
.1فرامرز قرامليك ،أحد ،جستار در مرياث منطقدانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة
املسلمني) ،ص 439ـ 1391 ،461هـ ش.
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،األرسار الخفية يف العلوم العقلية ،تحقيق :مركز ّ .2
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن األبحاث والدراسات اإلسالمية ،ص 1379 ،58هـ ش؛ ّ
املطهر ،الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد ،إعداد :محسن بيدار فر ،ص 54ـ 1363 ،55
العاّلمة ِ
الح ّيّل ،أبو منصور الحسن بن املط َّهر ،القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية هـ ش؛ ّ
الح ّيّل ،ص 351ـ ،352مؤسسـة النشـر اإلسالمی ،قم 1417 ،هـ. للعاّلمة ِ
ّ
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 343 موقع ّ
للقضية املهملة .لقد استفاد الشيخ الطويس يف التاميز بني أقسام القضايا الثالثة
واملسورة) من االعتبارات الثالثة للامهية ،وهي :املاهية
ّ (املخصوصة ،واملهملة،
بقيد اخلصوص (هذا إنسان) موضوع خمصوص ،وبقيدي العموم والتخصيص
قيد ،أو املاهية من حيث هي (كل وبعض) موضوع املسورة ،ومن دون أي ٍ ّ
ّ ّ
موضوع املهملة (اإلنسان جمدّ ).
أن خيضع للنقد والنقاش؛ يمكن هلذا التحليل من الشيخ نصري الدين الطويس ْ
أن يكون ألن الناهية عندما تقع موضو ًعا من دون قيد ،تكون هناك حالتان؛ فإ ّما ْ ّ
احلكم لتلك املاهية العا ّمة من حيث هي هي (باحلمل األويل وبمنزلة املفهوم
أن يكون احلكم ملصاديق املاهية .واحلالة األوىل هي التي أطلق العام) ،وإ ّما ْ
عليها املناطقة ـ من القائلني باملنطق املشتمل عىل قسمني يف القرن الرابع للهجرة
العاّلمة ِ
احل ّيّل مصطلح القضايا العا ّمة. ـ عنوان القضايا الطبيعية ،ويطلق عليها ّ
أن مناط احلكم هو الطبيعة من حيث هي فإن كان احلكم ملصاديق املاهية ،بيد ّ ْ
يصح
يصح عىل الطبيعة ّ ألن (ما ّشاماًل؛ ّ
هي ،سوف يكون احلكم يف هذه القضية ً
ِ إن ّ عىل األفراد)ّ .
املهمة ،يعدّ هذه القضيةالعاّلمة احل ّيّل بالنظر إىل هذه النقطة ّ
قضي ًة مستقلة ،ويطلق عليها عنوان القضية الطبيعية.
بأن نسبة املحمول واحلكم إىل املوضوع ّ
الكيّل عىل وقد ذهب إىل االعتقاد ّ
ثالثة أنواع ،هي:
ْ 1.
أن ُينظر إىل تلك الطبيعة من حيث هي هي ،وحيكم عليها باملحمول،
وتسمى بـ (القضية الطبيعية).
ّ
أن ُينظر إليها من حيث تقع عىل الكثرة ،وهي املأخوذة بمعنى ّ
الكيّل ْ 2.
العقيل ،ونحن نسميها بـ(القضايا العا ّمة) ،كقولنا( :اإلنسان نوع)،
و(احليوان جنس).
ْ 3.
أن ُينظر إىل الكثرة من حيث تلك الطبيعة مقولة عليها .ويمكن هلذا القسم
| 344تاریخ علم املنطق
العاّلمة ِ
احل ّيّل ،واحدً ا من بني األسباب التي دعت إىل عدم اإلقبال عىل مصطلح ّ
العاّلمة ِ
احل ّيّل. رأي ّ
النتيجة
احليل من املناطقة األفذاذ النادرين؛ إذ حيتل مكان ًة رفيع ًة يف تاريخ العاّلمة ِ
إن ّ ّ
أن سطوع نجمه الباهر يف علوم من قبيل: علم املنطق يف احلضارة اإلسالمية ،بيد ّ
الفقه واألصول والكالم وغري ذلك من العلوم األخرى ،قد حجب موقعه
املتأخرين؛ فلم يالحظوا آثاره يف هذاومكانته املنطقية ،ووضع غشاو ًة عىل أعني ّ
مهاًم يف علم املنطق ،فإنّه مل ُيعرف
أثرا ًالعلم .وعىل الرغم من تأليفه لعرشين ً
بوصفه عا ًملا منطق ًيا كام يستحق وينبغي.
ِ إن اآلثار املنطقية ّّ
متنوعة ،فبعضها عبار ٌة عن رسائل قصرية نسب ًياللعاّلمة احل ّيّل ّ
هتدف إىل تعليم علم املنطق ،وبعضها اآلخر ـ تب ًعا لكتاب النجاة واإلشارات البن
سينا ـ جيمع بني العلوم الثالثة ،وهي املنطق والطبيعيات واإلهليات .ويف بعض
رسالة يف إطار البحث واحلوار النقدي مع ٍ العاّلمة ِ
احل ّيّل إىل تأليف املوارد يعمد ّ
فإن أغلب اآلثار املنطقيةكبري أو مع حكامء السلف؛ وبالتايل ّ ٍ
فيلسوف ٍ حكي ٍم أو
إن أغلب اآلثار احل ّيّل عبار ٌة عن رشوح عىل كتب السلفّ . للعاّلمة ِ
والفلسفية ّ
احل ّيّل كتبها يف ضوء منهج تدوين املناطقة القائم عىل قسمني. للعاّلمة ِ
املنطقية ّ
وقد سار يف الغالب عىل بنية كتاب (اإلشارات والتنبيهات) البن سينا.
الرس يف اهتامم ّ
العاّلمة يمكن العثور عىل جواب السؤال الباحث عن (مكمن ّ
ِ
احل ّيّل بعلم املنطق؟) ،من خالل املقارنة بني األوضاع التارخيية َ
لعلمي املنطق
العاّلمة ِ
احل ّيّل بطلب العلم والدراسة ،ويف مرحلة وعلم الكالم يف مرحلة اشتغال ّ
العاّلمة ِ
احل ّيّل للعلم كان إن تاريخ حتصيل ّ العاّلمة ِ
احل ّيّل يف إنتاج العلمّ . انطالق ّ
وإن هذا القرن كان يم ّثل مرحلة
يف النصف الثاين من القرن اهلجري السابعّ .
| 346تاریخ علم املنطق
ناحية أخرى كان القرن السابعٍ ازدهار وانتشار دراسة املنطق وتدوينه .ومن
زاخرا بالفتن يف تاريخ األقطار اإلسالمية؛ فبعد استيالء املغول
للهجرة ُيعدّ قرنًا ً
عىل البالد اإلسالمية بدأ العزف التدرجيي عىل أنغام حماربة املنطق .ويف النصف
الثاين من القرن السابع والعقود األوىل من القرن الثامن للهجرة ،عمد أمحد بن
للعاّلمة ِ
احل ّيّل ـ إىل تأليف كتاب الر ّد عىل املنطقيني ،ويف جمموع تيمية ـ املعارص ّ
الفتاوى قام بمجاهبة املباين املنطقية.
العاّلمة ِ
احل ّيّل يرى يف التنكّر لعلم املنطق بداي ًة للتفكري السطحي يف لقد كان ّ
الفجة واملمزوجة باخلرافات ،ومن هنا فقد
دائرة التفكري الديني ،وتسلل األفكار ّ
عمد إىل توسيع علم املنطق بوصفه سدًّ ا مني ًعا حيول دون السطحية التي تشكل
إعصارا يتهدد التفكري الديني.
ً
اجتهادي وتنظريي ،ويمكن الوقوف
ّ العاّلمة إىل علم املنطق ّاجّتا ٌه
إن اجتاه ّ
ّ
ٍ
عابرة عىل إبداعاته املنطقية. ٍ
إطاللة عىل هذه احلقيقة بوضوح من خالل
العاّلمة ِ
احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | 347 موقع ّ
15.الرازي ،قطب الدين حممد ،حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية ،دار إحياء
الرتاث العريب.
16.ــــــــــــــ ،حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية ،حوايش وتعليقات السيد
ّ
والعاّلمة الدسوقي ،وعبد الرمحن الرشبيني ،إعداد: رشيف اجلرجاين ،وعبد احلكيم السيالكويت،
الشيخ فرج اهلل زكي ،املطبعة األمريية ،مرص 1323 ،هـ.
17.ــــــــــــــ ،لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار ،انتشارات الكتبي النجفي ،قم.
18.ررش ،نيكال ،تطور املنطق العريب ،ترمجة :حممد مهران ،دار املعارف ،القاهرة 1985 ،م.
19.الشريازي ،صدر الدين ،التنقيح ،حتقيق :غالم رضا يايس پور ،انتشارات بنياد حكمت
اسالمي صدرا ،طهران 1378 ،هـ ش.
20.الصدر ،السيد حسن ،تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم ،منشورات األعلمي ،طهران.
ِ 21.الطباطبائي ،السيد عبد العزيز ،مكتبة ّ
العاّلمة احل ّيّلّ ،
مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث،
قم 1416 ،هـ.
22.الطهراين ،اآلغا بزرك ،الذريعة إىل تصانيف الشيعة ،دار األضواء ،ط ،3بريوت 1403 ،هـ.
23.ــــــــــــــ ،طبقات أعالم الشيعة ،دار الكتاب العريب ،بريوت 1975 ،م.
24.الطويس ،الشيخ نصري الدين حممد بن حممد ،الشفاء (املنطق) ،مكتبة آية اهلل املرعيش النجفي،
قم 1404 ،هـ.
املحصل ،إعداد :عبد اهلل نوراين ،جامعة طهران ومؤسسة مونرتيال
ّ 25.ــــــــــــــ ،تلخيص
للدراسات اإلسالمية ،طهران 1359 ،هـ ش.
26.ــــــــــــــ ،حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات ،نرش البالغة ،قم 1375 ،هـ ش.
27.ــــــــــــــ ،رشح اإلشارات والتنبيهات ،نرش البالغة ،قم 1375 ،هـ ش.
28.غفوري نجاد ،حممد« ،مراصد التدقيق و مقاصد التحقيق عالمه حيل» (مراصد التدقيق
العاّلمة ِ
احل ّيّل) ،جمله گاهنامه كتاب شيعه ،العدد ،12 / 11 :ص 436فام بعد، ومقاصد التحقيق ّ
سنة 1396هـ ش.
29.فرامرز قراملكي ،أحد ،جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة
املسلمني) ،پژوهشگاه علوم إنساين ،طهران 1378 ،هـ ش.
30.املجليس ،حممد باقر ،بحار األنوار ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران 1364 ،هـ ش.
31.حممد خاين ،حسني ،آراي منطقي عالمه ّ
حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري) ،جامعة
طهران ،بتاريخ :شهر شهريور ( 1381 ،)6هـ ش.
32.املظفر ،حممد رضا ،املنطق ،دار التعارف ،ط ،1بريوت 1400 ،هـ.
محمد باقر الداماد وأثره يف تحقيق مطالب علم املنطق
1
د .السيد سعد رشيف البخايت
ُملخّص البحث
علم املنطق وهو جمموعة القواعد التي بمراعاهتا حيصل الباحث واملفكّر
عىل نتائج صحيحة يف تفكريه وبحثه التصوري والتصديقي؛ ولذا أطلقوا
التصور والتصديق .وألمهية هذا العلم بذل العلامء يف كشف ّ عليه كاسب
دون املع ّلم قواعده وحتقيقها وتنقيحها وبسطها وبياهنا جهو ًدا كبرية ،منذ ْ
أن ّ
األول قواعده .واستمرت عناية احلكامء هبا حتى وصلت تلك اجلهود إىل
احلارضة اإلسالمية فأخذوا بحظهم منها ،وأجهدوا أنفسهم يف حتصيلها
بارز فيها ،من قبيل الفارايب
دور ٌ وحتقيقها .وكان لعلامء شيعة أهل البيت ٌ
وابن سينا وغريهم .ومن مجلة أولئك احلكامء السيد الداماد ،فقد كانت له
مهم ٌة يف هذا املضامر ،ينبغي للباحثني يف العلوم العقلية
وإضافات ّ
ٌ حتقيقات
ٌ
االطالع عليها لالستفادة منها ،من قبيل حتقيقاته يف باب احلمل والقضايا
ومراتب نفس األمر ،وهو ما ركّزت عليه هذه الدراسة املخترصة.
ّاب ٍ
وحضارة وعلامء و ُكت ٍ ٍ
تراث نسب إليها من تعتز األمم والشعوب بام ُي َ ّ
دليل عىل تقدّ مهم يف تلك اخلصوصية .وقد وأبطال وشعراء وفنانني؛ ألنّه ٌ ٍ
يعتزون هبا ويفخرون هبا .ومنمت ّيز أتباع أهل البيت بكثرة املفاخر التي ّ
أن نحيي ذكرهم ونربز الواجب علينا ـ أبناء الطائفة احل ّقة ـ عرفانًا حل ّقهم ْ
مآثرهم .ومن هذا املنطلق جاءت هذه الدراسة حماول ًة إلبراز ما جادت به
عبقرية السيد حممد باقر الداماد (رضوان اهلل عليه) يف علم املنطق وإسهاماته
وينضجها ويضيف عليها ،حتى أصبحت يف غاية العمق واملتانة والنضج. ّ
ولكن ظلمه التاريخ فلم يقف عنده ومل يتأمل يف نظرياته وحتقيقاته الختالف
فوجدت لزا ًما ْ
أن أشري إىل ُ كثري معه يف وجهات النظر تقليدً ا ال عن دراية.ٍ
هذه الشخصية الكبرية وفا ًء هلا وإلنجازاهتا العظيمة.
ولذا يقول صاحب تعليقة أمل اآلمل« :األمري الكبري حممد باقر بن حممد
احلسيني االسرتآبادي الداماد( :الداماد) ملا كانت بنت الشيخ عيل الكركي
زوجة أب هذا السيد وهلذا اشتهر أبوه بالداماد ،ثم ملا تولد منه هو اشتهر من
أجل والده بالداماد» .كام ُل ِّقب باملعلم الثالث ،وأستاذ البرش ،وسيد األفاضل.
.1األصبهاين ،عبد الله أفندي ،تعليقة أمل اآلمل :ص .250الزركيل ،خري الدين ،األعالم :ج،4
ص .281األمني ،محسن ،أعيان الشيعة ج 9ص .189
| 352تاریخ علم املنطق
ُولِد يف إيران ،يف إسرتآباد املسامة حال ًيا بـ(جورجان) عام 970هـ ،وتويف
سنة 1041يف النجف عند جميئه لزيارة العتبات املقدّ سة يف العراق مع الشاه
صفي الصفوي ،وقربه موجو ٌد بني النجف وكربالء يف منطقة احليدرية (خان
النص).1
دراسته:
بدأ دراسته احلوزوية يف مدينة مشهد بخراسان ،فرشع بدراسة األدب
العريب واملنطق ،ثم العلوم القرآنية وعلوم احلديث والرجال والفقه واألصول
والفلسفة ،وتعمق يف الرياضيات والفلك والنجوم وغريها من العلوم عىل
أيدي كبار املشايخ وأهل الفن يف زمانه.
ثم انتقل إىل دار السلطنة بقزوين ،حيث التحق ببالط الشاه عباس
الصفوي واشتغل هناك بالبحث والتحقيق والتدريس ،ثم ارحتل منها عام
988هـ إىل مدينة كاشان ،وبقى فيها مد ًة من الزمن ،ثم انتقل عنها إىل مدينة
أصفهان ،حيث استقر فيها إىل األيام األخرية من حياته.
ٍ
علمية عرفتها إيران يف ذلك ٍ
حوزة ويف هذه املدينة قام بتأسيس أكرب
طاّلب العلوم من ّ
كل الوقت ،وقام بنرش أفكاره الفلسفية والتف حوله ّ
وخاصة يف
ّ مكان ،ينهلون من بحر علومه ومعارفه يف الفنون املختلفة
الفلسفة اإلسالمية.
أساتذته:
جاء يف الكنى واأللقاب ما نصه« :وهو معارص للشيخ البهائي هاجر
إىل خراسان وعراق املعجم ،وأخذ عن السيد نور الدين عيل بن أيب احلسن
.1البستاين ،فؤاد اخرام ،دائرة املعارف :ج 14ص .316
حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | 353
املوسوي ،وعن خاله املح ّقق الثاين وغريمها» .1وقال الشيخ عيل أوسط
ناطقي يف مقدمة حتقيقه لكتاب الرواشح« :ت َت ْل َم َذ املري داماد عىل عدّ ة من
العلامء الكبار ،منهم .1 :خاله ابن املح ّقق الكركي الشيخ عبد العايل العاميل
الكركي .2 .الشيخ حسني بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي .3 .السيد
الساّمكي
عيل بن أيب احلسن املوسوي العاميل .4 .فخر الدين ّ نور الدين ّ
األسرتآبادي ،وهذا هو ُأستاذه يف املعقول .5 .تاج الدين حسني الصاعد
الطويس».2
تالمذته:
تتلمذ عىل يديه جمموع ٌة من العلامء البارزين ،منهم .1 :3العارف قطب
بم ّاّل صدرا .3 .السيد
الدين األشكوري .2 .صدر الدين الشريازي املعروف ُ
أمحد العلوي ،وهو صهره .4 .نرص اهلل اهلمداين املعروف باآلخوند نرصا أو
اآلخوند نصريا .5 .السيد حسني بن السيد حيدر بن عيل بن قمر احلسيني
العاميل الكركي .6 .حسني بن املريزا رفيع الدين احلسيني اآلميل املازندراين،
املل ّقب بسلطان العلامء وبخليفة السلطان .7 .املريزا حممود بن مريزا عيل.
ال شمسا .وغريهم من العلامء. حممد اجليالين املعروف با ُمل ّ
.8شمس الدين ّ
وقد نقل الشيخ الرجائي ـ يف مقدمته عىل رجال الكيش تعليق املري دامادـ
املرتجم له ،ونحن ننقل بعضها« :قال حق ٍ
جمموعة من العلامء يف ّ أقوال
َ
السيد عيل خان يف سالفة العرص :باقر العلم وحتريره ،الشاهد بفضله تقريره
.1األمني ،محسن ،أعيان الشيعة :ج ،9ص.189
.2م .ن.
حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | 355
صدر
ٌ وإن مكارمه ال يتسع لبثها إن الزمان بمثله لعقيمّ ،
وحتريره ،وواهلل ّ
املتأهّلني يف رشح األصول الكايف :سيدي أيضا صدر ّ رقيم ...وقال تلميذه ً
وسندي وأستاذي ،واستنادي يف املعامل الدينة ،والعلوم اإلهلية ،واملعارف
احلقيقية ،واألصول اليقينية ،السيد األجل األنور ،العامل املقدّ س األطهر،
احلكيم اإلهلي ،والفقيه الرباين ،س ّيد عرصه ،وصفوة دهره ،األمري الكبري،
عاّلمة الزمان :أعجوبة الدوران ،ا ُمل ّ
سمى ب (حممد) ،املل ّقب والبدر املنريّ ،
ب (باقر الداماد احلسيني) قدس اهلل عقله بالنور الرباين».1
وقال فيه ّ
العاّلمة املجليس« :األمري حممد باقر بن حممد الشهري بالداماد
احلسيني .طراز العصابة ،وجواز الفضل وسهم اإلصابة ،الرافع بأحاسن
الصفا أعالمه ،فسيد وسند وعلم ّ
وعاّلمة ،أكيل جبني أرشف وقالدة جيده،
الناطقة ألسن الدهور بتعظيمه ومتجيده ،باقر العلم ونحريره ،الشاهد بفضله
وإن مكارمه ال يتّسع لب ّثها
إن الزمان بمثله لعقيمّ ،
تقريره وحتريره ،وواهلل ّ
صدر رقيم».2
ورعه وعبادته:
مكاثرا من تالوة كتاب اهلل املجيد بحيث ذكر
ً كان متع ّبدً ا يف الغاية،
كل ٍ
ليلة مخسة عرش جز ًءا من القرآن ،مواظ ًبا عىل بعض الثقاة أنّه كان يقرأ ّ
أن بلغ سن التكليف حتى ماتُ ،جُم ّدً اأداء النوافل ،مل يفته يش ٌء منها منذ ْ
ساع ًيا يف تزكية نفسه النفيسة ،وتصفية باطنه الرشيف حتى اشتهر أنّه مل يضع
جنبه عىل فراشه بالليل يف مدة أربعني سنة.3
.1الطويس ،محمد بن الحسن ،اختيار معرفة الرجال (تعليق املريداماد ،تحقيق الرجايئ) :ج ،1ص 8ـ .11
.2املجليس ،محمد باقر ،بحار األنوار :ج ،106ص.124
.3الطويس ،محمد بن الحسن ،اختيار معرفة الرجال (تعليق املريداماد ،تحقيق الرجايئ) :ج ،1ص.11
| 356تاریخ علم املنطق
توصل
ومن مجلة خصائصه أنّه من خالل حتقيقه مطالب علم املنطق ّ
إىل نتائج ال جتدها يف كتب من سبقه أمثال ابن سينا والفارايب وابن رشد
وأرسطو .فهي مطالب بِك ٌْر مل ّ
يتطرق هلا فكر احلكامء من قبله ،بل هي من
إبداعات عبقريته.
وقد أجاد أستاذنا الدكتور أيمن املرصي يف بيان نظريات الداماد اجلديدة،
وصنّفها إىل ثالثة أصناف (منطقية ،وفلسفية ،وكالمية) ،فقال:
أ ـ اإلبداعات املنطقية:
وتظهر أكثرها يف كتابه (األفق املبني) ومنها:
1.حتقيق مباحث الوضع واحلمل يف القضايا ،ومبدأ انتزاع املحمول والتفريق
بني منشأ االنتزاع ومصحح االنتزاع يف املحموالت ،والفرق بني ظرف
انعقــاد احلمل ومطابق أو مفاد احلمل ،أو بني ظرف العروض وظرف
االتصاف.
2.تقسيم اهل ّليات البسيطة إىل حقيقية ومشهورية.
ٍ
رشط آخر إىل رشوط حت ّقق التناقض وهو رشط وحدة احلمل. 3.إضافة
4.حتقيق مباحث نفس األمر ومراتب الذهن بنحو بديع وجديد.
حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | 357
ب ـ إبداعاته الفلسفية:
1.احلــدوث الدهري :ومعنــاه حدوث ّ
كل العــامل بعد العــدم الرصيح يف
األعيان ،وخت ّلفــه اخلارجي عن اخلالق تعاىل يف األعيان .وهو من ّ
أدق
وأرقى املباحث الفلسف ّية التي مل يلتفت إليها أحدٌ قبله ،وقد تناول هذه
بنحو تفصييل يف كتاب (القبسات). ٍ املسألة
2.أصالة املاهيــة :1فعىل الرغم من إطباق مجهور الفالســفة قبله عىل القول
أمرا بدهي ًيا
فإهّنم كانوا يعدّ ون ذلك ً
بأصالة املاهية واعتبارية الوجود ّ ،
2
تفصييل ٍ
بنحو يتعرضوا لالســتدالل عليها
أو قري ًبا مــن البدهيي؛ فلم ّ
ّ
لكل الشبهات التي ٍ
ودقيق كام فعل الســيد الداماد ،باإلضافة إىل دفعه ّ
أن ترد عىل أصالة املاهية من وجهة نظــره ،ور ّده الرصيح عىليمكــن ْ
أصالة الوجود .وربام يكون السبب يف ذلك هو طرح ا ُمل ّاّل صدرا ألصالة
الوجود يف عرصه؛ ممّا دعاه للنهوض لالستدالل ودفع اإلشكاالت.
3.اختصــار املقوالت العرش املشــهورة عند املشــائني إىل مقولتني فقط ،مها
اجلوهر ،والعرض واملندرج حتته األنواع العرضية التسعة العالية.
ٍ
وعميق كام يف كتاب (الرصاط ٍ
جديد 4.حتقيق مباحث احلركة والزمان ٍ
بنحو
املستقيم).
ج ـ املسائل الكالمية:
بيان جديدٌ ملسألة البداءّ ،
وإن البداء يف التكوين كالنسخ يف الترشيع.1 ٌ 1.
طرح جديدٌ يف مسألة القضاء والقدر واجلرب واالختيار.3»2
ٌ 2.
أن بحث املسألة كان عىل مستوى واحد ،بل كانت ولكن هذا ال يعني ّ
توضح أركاهنا ،وال الدليل عليها ُطرح عىل ّأهّنا من املسلامت ،فلم ّ
املسألة ت َ
وال طرح الشبهات الواردة عىل القول هبا ،وكيفية ر ّدها .وهذا ما امتازت
به فلسفة الداماد ،إذ تصدّ ى لبحث املسألة ،بح ًثا تصور ًياّ ،بنّي فيه معنى
أصالة املاهية ،ولوازم ذلك ،كام بحثها من اجلهة التصديقية وإقامة الدليل
عليها ،وإبطال القول بأصالة الوجود.
فكان إثباته هلا مقرونًا بإبداعات وتعميق للمسألة من زوايا خمتلفة ،ومن
مهها هو تعميق بعض املطالب املنطقية؛ فقد استفاد املع ّلم الثالث من القواعد
أ ّ
بنحو واضحً ،
فمثاًل استفاد من بحث املنطقية وتعميقها لبيان مسألة األصالة ٍ
احلمل ،وحيثيات املوضوع ،وحقيقة املحمول ،وكيفية محله عىل املوضوع،
مطروحا قبله،
ً أو احتاده باملوضوع ،يف بيان أصالة املاهية .وهذا األمر مل يكن
بل وحتى من جاء بعده مل يستفد من هذه احليثيات يف بيان حقيقة األمر يف
املسألة .فلنس ّلط الضوء عىل بعض إبداعاته:
املورد األول :احلمل
معنى احلمل هو االحتاد واهلوهوية ،وعليه فال بدّ من فرض سنخ ٍ
احتاد بني
املوضوع واملحمول حتى يصح احلمل ،فقد ذهب ا ُمل ّاّل صدرا 1إىل ّ
أن االحتاد
يف احلمل الشايع الصناعي يف الوجود ،فهام يف اخلارج يش ٌء واحد .ولك ّن
أن املوضوع هو املحمول ،فقولنا أن االحتاد يف احلمل بمعنى ّ الداماد يرى ّ
أن اجلسم هو األبيض ،فننتزع احلمل من مبدأ مثاًل) ،يراد به ّ
(اجلسم أبيض ً
سوغ محل املحمول املحمول املتع ّلق باملوضوع ،وهذا املبدأ للحمل هو الذي ُي ّ
عىل املوضوع ،واملحمول ـ األبيض ـ هنا هو املشتق الذي نصف به املوضوع،
فهو ـ يف الواقع ـ ليس شي ًئا بإزاء املوضوع ،وإنّام هو ـ يف حقيقته ـ املوضوع
ألن احلمل حيتاج إىل حيثية ّاحّتاد وحيثيةنفسه ،ولكن بلحاظ وحيثية ّما؛ ّ
تغاير ،فاملوضوع واملحمول متّحدان يف املوضوع نفسه ،2لكنّهام متغايران يف
منظورا إليها مع
ً احليثية واالعتبار ،إذ املوضوع من حيث هو يراد به الذات
كل ما سواها .وأ ّما املحمول فهو املوضوع نفسه لكن من قطع النظر عن ّ
دائاًم ـ يف املوضوع والتغاير باالعتبار .إ ًذا ،االحتاد ٍ ٍ
واعتبار ما .فاالحتاد ـ ً حيثية
حقيقي والتغاير اعتباري .وهذا هو مقتىض احلمل.
.1صدر الدين ،محمد ،الحكمة املتعالية :ج ،3ص.200
.2الداماد ،محمد باقر ،مصنفات مري داماد (األفق املبني) :ج ،2ص.46
| 360تاریخ علم املنطق
ً
أواًل :احليثية اإلطالقية
أن املحمول حيمل عىل املوضوع من حيث هو هو ،كام يف محل ويعنى هبا ّ
املقومة له ،فنقول ـ ً
مثاًل ـ اليشء عىل نفسه ،أو محل ذات ّياته اإليساغوجية ّ
اإلنسان إنسان ،واإلنسان حيوان ناطق.
أن اإلنسان هو اإلنسان ،والتغاير هنا بحسب ففي املثال األول يراد بيان ّ
أن اإلنسان امللحوظ ً
أواًل هو اإلنسان امللحوظ ثان ًيا .فهنا ال اللحاظ ،بمعنى ّ
حقيقي بني املوضوع واملحمول ،بل جمرد ٍ
واختالف ٍ
تغاير أي
ّ يوجد عندنا ّ
األول
أن امللحوظ باللحاظ ّ كأن يكون اختال ًفا زمان ًيا ،بمعنى ّ
اعتبار ذهنيْ ،
خيتلف زمانًا عن امللحوظ ثان ًيا ،فأحدمها متقدّ م واآلخر ّ
متأخر.
وأما املثال الثاين (اإلنسان حيوان ناطق) ،فكذلك نجد املوضوع هو
أي ٍ
تغاير يمكن فرضه يف املقام ّإاّل التغاير االعتباري، املحمول حقيق ًة من دون ّ
فإن اإلنسان هو احليوان الناطق. وهو اإلمجال والتفصيل؛ ّ
واخلالصة ّ
فإن الذات والذاتيات اإليساغوجية حتمل عىل موضوعها
باحليثية اإلطالقية.
وأما ِمِل سميت إطالقية فألهّنا تلحظ املوضوع ال برشط عن أي ٍ
يشء من ّ ّ ّ َ
حيث هو هو.
حيمالن عىل اإلنسان لذاته بذاته ،فال حيتاج إىل وساطة يف اإلثبات وال وساطة
متقوم ٌ
إنسان ّ متقو ٌم باحليوانية ،واإلنسان ٌ
إنسان ّ يف الثبوت ،ومعناه :اإلنسان
بالناطقية.
مقيس إىل
ٌ النحو الثاينْ :
أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع من حيث إنّه
ٍ
يشء ،فليس النظر إىل ذات املوضوع يف ذاته كام يف النحو األول ،بل ينتزع
املحمول من ذات املوضوع بالقياس إىل معنى ليس بخارج عنه ،وإنّام معنى
ً
فمثاًل لو نظرنا إىل األربعة مقيسة إىل معنى تقتضيه، يقتضيه املوضوع،
ٍ
حينئذ كاالنقسام إىل متساويني ،فليس النظر هلا من حيث هي هي؛ ألهنا
عدد ،بل ننظر إليها من حيث هي مقيسة ملعنى تقتضيه لذاهتا بذاهتا ،فنقول
األربعة بالقياس من حيث االنقسام إىل متساويني ،زوج .وكذا اإلنسان
ضاحك ،بلحاظ التعجب .وهذه األنحاء كام يسميها السيد الداماد أنحاء
انتزاع املحمول من املوضوع؛ ّ
ألن املحمول من اعتبارات املوضوع.
مقيس
ٌ أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع من حيث هو النحو الثالثْ :
مسلوب عن ذاته ،كاملاهية عندما تسلب منها الوجود والعدم يف ٍ إىل معنى
املرتبة الذاتية ،ف ُينتزع اإلمكان ،فتقول اإلنسان ممكن .فاإلمكان معنى خارج
عن املاهية ،ال تقتضيه حني قياسها إىل املعنى املسلوب عنها .وهو ما يطلق
عليه لوازم املاهية غري االقتضائية؛ ألنّه مل يصدر عنها كالنحو الثاين .فاألربعة
عدد ،واألربعة زوج ،واألربعة ممكنة ،هذه األمثلة مجيعها حيمل املحمول
فيها عىل األربعة باحليثية اإلطالقية ،ولكن بأنحاء خمتلفة.
أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع إذا ِقيس إىل معنى خارج
النحو األولْ :
ٌ
وجاعل له ،كحمل الوجود عىل املاهية عنه غري منض ٍم إليه ،وإنّام هو ٌ
فاعل
أن تقيسها وتنسبها إىل الباري تعاىل ،واجب الوجود بالذات ،فتقول: بعد ْ
املاهية موجود ٌة من حيث هي صادر ٌة من الواجب تعاىل ،ال من حيث هي؛
فإهّنا باحليثية اإلطالقية ال موجودة وال معدومة ،نعم باحليثية اإلطالقية هي
ّ
ممكنة الوجود .فاملاهية باحليثية التعليلية ،أي بعد حلاظها صادرة من الغري
ٍ
وساطة أخرى لالتصاف بالوجود. ٍ
حاجة إىل تكون موجودة ،من دون
ٍ
خارج عنه أن يكون املحمول ثابتًا له إذا ِقيس إىل معنى النحو الثاينْ :
فإن احلرارة خارج ٌة عن
أيضا ـ منض ٍم إليه ،كحمل احلرارة عىل اجلسم؛ ّ ـ ً
معنى اجلسم حا ّلة فيه ،فإذا نسبته إىل هذا املعنى اخلارج عنه املنضم إليه ّ
احلال
فاحلار ال حيمل عىل اجلسم من حيث هو هو باحليثية ّ حار.
فيه ،تقول :اجلسم ّ
ألن اجلسم من حيث هو ال حار وال بارد .وهكذا محل األبيض اإلطالقية؛ ّ
منضم إليه.
ٌ خارج عن اجلسم
ٌ عىل اجلسم إذا ِقيس إىل البياض؛ ألنّه
أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع إذا ِقيس إىل معنى النحو الثالثْ :
ٍ
مباين له ،غري منض ٍم إليه ،كحمل الفوقية عىل السامء ،إذا قستها ٍ
خارج عنه،
| 364تاریخ علم املنطق
ٍ
منضمة إليها مباينة فإن األرض خارج ٌة عن معنى السامء غري إىل األرض؛ ّ
بأهّنا فوق األرض .أ ّما السامء من حيث هي فال ٍ
هلا ،فنحكم حينئذ عىل السامء ّ
يصدق عليها ّأهّنا فوق وال حتت ،فع ّلة ثبوت هذا الوصف للسامء هو قياسها
عىل ما هو حتتها وهو األرض ،فنقول :السامء فوق.
ٍ
خارج عنه، أن يكون املحمول ثابتًا له إذا ِقيس إىل معنى النحو الرابعْ :
مسلوب عنهْ ،
كأن تقيس اإلنسان إىل فقدان البرص، ٌ أيضا ـ ،ولكن
مباين له ـ ً
منضم إليه ،بل تلحظ البرص بام
ٌ خارج عنه
ٌ يعني تلحظ البرص ال من حيث إنّه
مسلوب عنه ،فنقول اإلنسان أعمى .فحمل األعمى عىل اإلنسان بسبب ٌ هو
مسلوب عنه وهو فقدان البرص،ٍ ٍ
خارج عنه قياس ماهية اإلنسان إىل معنى
فيكون فقدان البرص حيثي ًة تعليلي ًة لثبوت العمى لإلنسان.
إ ًذا ،هذه األنحاء األربعة للحيثية التعليلية كلها ثابت ٌة لذات املاهية بغريها،
فاإلنسان موجود ،ثبت له الوجود لذاته حقيقة ،لكن حني ِقيس إىل غريه،
وهو جاعله .واإلنسان أبيض ،ثبتت له األبيضية لذاته حقيقة ،ولكن بغريه
فإن الفوقية ثبتت للسامء بسبب قياسها منضم إليه .والسامء فوق األرض؛ ّ
إىل غريها ،وهو األرض التي حتتها ،ولوال حتتية األرض ما اتّصفت السامء
ثابت لإلنسان لذاته حقيقة، فإن األعمى ٌ بالفوقية .وكذا اإلنسان أعمىّ ،
فإن اإلنسان ليس بذاته أن ِقيس إىل غريه ،وهو فقدان البرص؛ ّ لكن بعد ْ
كل إنسان أعمى. أعمىّ ،
وإاّل لصار ّ
بمعقول أويل ،له ما بإزاء يف اخلارج ،حتى نبحث ٍ وعليه فاملحمول ليس
مصح ٍح احلمل، ثالث جيمع بني املوضوع واملحمول ،ونبحث عن عن ٍ
يشء ٍ
ّ
أمرا ثال ًثا هو الوجود وأنّه هو الذي مجع بينهام ،بل ليس هناك اثنيني ٌة
لنخرتع ً
فاحلار هو
ّ بني املوضوع واملحمول ،بل وحدة حقيقية ،واالثنينية اعتبارية،
اجلسم نفسه لكن باعتبار أنّه معروض للحرارة ،فاملاهية واحد ٌة واالحتاد
االحّتاد بني ماهيتني ،كيف واملاهيات أن ّفيها .فليس االحتاد يف الوجود ،وال ّ
أن املاهية حقيق ٌة ألهّنا منشأ كثرة ،فريجع األمر إىل ّال حتمل عىل بعضها؛ ّ
واحد ٌة واالختالف يف االعتبار.
مسوغ احلمل
ّ
وعىل هذا يكون مسوغ احلمل هو وجود مبدأ احلمل ،فلوال مبدأ احلمل
أن حتمل املحمول عىل املوضوع .ومبدأ احلمل خمتلف صح وملا جاز لك ْ
ملا ّ
فقد يكون املوضوع نفسه باحليثية اإلطالقية ،مثل (اإلنسان حيوان ناطق)،
أو املوضوع نفسه ،ولكن باحليثية التعليلية املنضمة أو املفارقة.
حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | 367
أيضا بمصداق
سمى ً الثاين :ظرف االتّصاف ،ويراد به وقوع احلمل ،و ُي ّ
احلمل أو مطابق احلكم .وهو عبار ٌة عن وقوع املوضوع متّص ًفا باملحمول.
وبنّي ّ
أن هناك فوارق بني الظرفني ،فظرف االنعقاد هو ظرف الرتكّب من ّ
األجزاء ،بخالف ظرف االتصاف فإنّه ظرف البساطة ،بمعنى ّ
أن مفاده هو
وقوع املوضوع متّص ًفا باملحمول ،فال ظهور للموضوع واملحمول والنسبة
منفصلة.
وإن ظرف االنعقاد تكون فيه أجزاء القضية متكثرة ،املوضوع واملحمول ّ
والنسبة .بخالف ظرف االتصاف فإنّه ال تظهر فيه األجزاء؛ ألنّه ظرف
أن ظرف االنعقاد يف مجيع القضايا واحد ،فال بدّ فيه من أجزاء البساطة .كام ّ
القضية الثالثة .بال فرق بني املوجبة والسالبة ،وال بني البسيطة واملركّبة؛ ففي
اجلميع ال بدّ من تركّبها من األجزاء الثالث .بخالف ظرف االتصاف ،فإنّه
خيتلف من قضية ألخرى.
إن السيد الداماد يم ّيز بني نوعني من الصفة واملوصوف يف ظرف ثم ّ
(انضاممي) بانضامم ٍ
ظرف ّما :إ ّما ٍ
بيشء يف االتصاف ،حيث قال« :االتّصاف
ّ
| 368تاریخ علم املنطق
الصفة إىل املوصوف يف ذلك ال ّظرف ،وال حمالة يستدعى ثبوت احلاشيتني ّ
(انتزاعي) بأن يكون
ّ م ًعا يف ظرف االتّصاف ،كام يف األعراض العين ّية؛ وإ ّما
يصح للعقل إذا الحظه عىل ما هو عليه املوصوف يف ظرف االتّصاف بحيث ّ
أن حيكي عنه بام ينتزعه منه فيصفه به بحسب حاله يف من األحوال هناك ْ
(السامء فوق
والسلب ّيات املنتزعة يف قولناّ :ذلك ال ّظرف ،كام يف اإلضاف ّيات ّ
األرض ،وزيد أعمى ً
مثاًل) ،عىل ّأهّنام من القضايا اخلارج ّية.
فمصداق احلمل السامء وزيد ،بحسب الوجود يف اخلارج عىل ٍ
وجه يطابقه ّ
بأن يلحظه العقل حال املوضوع يف ذلك الوجود فيقايس بينه الصفة ّ
انتزاع ّ
موجود آخر كاألرض ،فيجد بينهام إضاف ًة خمصوصة ،فيحكم بالفوق ّية، ٍ وبني
بالقوة
ّ أو بينه وبني مفهو ٍم ّما ،كالبرص ،فيجده مسلو ًبا عنه بالفعل ثابتًا له
ّصف بالعمى ويصدق ،لوجود املوصوف يف النّوع ّية ،فيحكم عليه بأنّه مت ٌ
السلوب من حظ ّ الصفة عنه .وذلك فقط ّ األعيان عىل ما يطابقه انتزاع ّ
الوجود يف األعيان.
ٌ
جمعول بجعل جاعل هو موجود، منسوب إىل اجلاعل سبحانه وتعاىل ،فمن حيث إنّه
بتوسط اجلاعل ،ال من حيث هي هي ننتزع منها فاملوجودية عرضت عىل املاهية ّ
ألن املاهية من حيث هي هي باحليثية اإلطالقية ال موجودة وال ّأهّنا موجودة؛ ّ
معدومة ،ولكن من حيث ّإهّنا منتسب ٌة للجاعل تعاىل فهي موجودة .فحيثية احلمل
هنا ،هي احليثية التعليلية ،فاملاهية موجودة بالتبع ،ال بالذات وال بالعرض.
.1الداماد ،محمد باقر ،مص ّنفات مري داماد (األفق املبني) :ج ،2ص.44
.2م .ن ،ج ،2ص.44
.3الداماد ،محمد باقر ،مص ّنفات مري داماد (األفق املبني) :ج ،2ص 44ـ .45
| 372تاریخ علم املنطق
15.القمي ،عباس ،الكنى واأللقاب ،تقديم حممد هادي األميني مكتبة الصدر ،طهران ـ إيران.
16.املجلــي ،حممــد باقــر ،بحــار األنــوار ،مؤسســة الوفــاء ،ط 2املصححــة 1403 ،هـــ -
1983م ،بــروت ـ لبنــان.
17.املــري ،أيمــن ،أصالــة املاهيــة أو الوجــود بــن الســيد الدامــاد وتلميــذه املــا صــدرا
(أطروحــة دكتــوراه).
املنطق الصدرائي:
ّ
اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهیدیة1
2
د .عسكري سلیامين أمریي
ُملخّص البحث
السينوية؛ لكن أن ا ُمل ّاّل صدرا يتأ ّثر يف املنطق بآراء احلكمة ِ
عىل الرغم من ّ
بحق املنطق الصدرائي. لديه بعض اإلبداعات يف املنطق ،التي يمكن عدّ ها ٍ
ٍ
إبداعية يف ُجزأي التعريف واالستدالل ،يعدّ ا ُمل ّاّل باإلضافة إىل وجود آراء
صدرا صاحب آراء خاصة فيام يتع ّلق بعلم املنطق إىل جانب العلوم البرشیة
وأيضا يف بحوث املنطق التمهیدیة .انطال ًقا من تقسيم العلوم ً األخرى،
وحكمة عملية ،أدرج ا ُمل ّاّل صدرا علم املنطق يف ٍ ٍ
نظرية ٍ
حكمة احلقيقية إىل
احلكمة النظرية ،وعدّ ه من فروع الفلسفة األولی .ومع ذلك حسب اعتقاده،
مندرج يف ٌ ووف ًقا ملعيار تقسي ٍم آخر وبلحاظ متع ًّلق العلمّ ،
فإن علم املنطق
العلوم العملية ،ال احلكمة العمليةُ .یذكر يف هذا املقال بعض تدقیقات ا ُمل ّاّل
صدرا وآرائه وإبداعاته يف البحوث التمهيدیة من علم املنطق.
منطقي ٍ
واحد ابن سينا( 428-370ه .ق) ،ثاين أشهر ٍ
بقرن ظهر بعده
ّ
منطقي (قسم منطق الشفاء) عىل
ّ ٍ
كتاب يف العامل اإلسالمي ،الذي كتب أكرب
هنج كتابة منطق أرسطو ،وأصبح وارث أعامل الفارايب املنطقية .لقد أحدث
مهها يف ثالثة فقرات: حتو ًاًل ً
كبريا يف املنطق ،يمكن التعبري عن أ ّ ابن سينا ّ
حتو ًاًل يف بنية املنطق يف بعض
.1حتول بنية املنطق بأكمله :أحدث ابن سينا ّ
أعامله املنطقية ،بام يف ذلك منطق اإلشارات والتنبیهات ،والذي أصبح يعرف
املكونة من جزأين،
وإن كان املنطق يف هذه البنية ّباسم (املنطق ذو اجلزأین)ْ .
له تسعة أجزاء يف الواقع.
وجهة نظر الفارايب إلی النظري والنظري كام تنتهی التصدیقات النظریة إلی
أن عبد اهلل بن املق َّفع يف (املنطق) ،2وكذا ابن
التصدیقات النظرية .1الخیفی ّ
البهریز 3يف (حدود املنطق) ،ذكرا بحث احلدّ يف بدایة كتابیهام؛ لذلك ليس
أن يكون الفارايب وبعده ابن سينا،قد تأ ّثرا هبام.
من املستبعد ْ
إن تفصیل ابن سینا بنی بحثي العكس والقیاس قد اعتمدهالنهج السابعّ .1
املنطق ّيون الالحقون؛ وهلذا السبب أثار الغزايل هذه البحوث األربعة حتت
عنوان (قواعد القضایا وأقسامها):
1.تقسیم القضایا إلی الشخصیة ،واملهملة ،واملحصورة.
2.جهات القضایا
3.تناقض القضایا
2
4.العكس املستوي
ألول مرةّ ،
أن عنوان (أحكام القضایا) یشمل ولعل الفخر الرازي ا ّدعی ّ
التناقض يف القضایا ،العكس املستوي وعكس النقیض .3یمكن ْ
أن یقال:
متأثرا بالفخر الرازي حتت عنوان (أحكام القضایا)
ً دون دبریان الكاتبي
ّ
مباحث التناقض يف القضایا ،العكس املستوي ،العكس النقیض ولوازمَ
كمونة ثم قطب الدين الشريازي الرشطیات .يف الوقت نفسه ،ذكر ابن ّ
4
(أحكام القضایا) .لذلك أدرج املرحوم املظ ّفر مباحث (نقض املحمول)،
حتو ٌل
أیضا يف أحكام القضایا .1وهذا ّ (نقض املوضوع) ،و(نقض الطرفنی) ً
ترسخأن هذا اهليكل قد ّيف بنية املنطق اإلسالمي ،الذي بدأه ابن سينا ،ونرى ّ
بني املنطقني املسلمني منذ القرن الثامن ،كام اتبع صدر ّ
املتأهّلنی هذا اهليكل
نفسه يف التنقيح.
أي حال ،كان املنطق ّيون بعد ابن سينا يبحثون يف الغالب عن حمتوى
عىل ّ
املنطق السینوي ،وكانت ذروة هذه األبحاث يف القرنني السادس والسابع.
ٍ
خمترصة من املوضوعات ٍ
جمموعة .أالتنقیح يف املنطق :هذا الكتاب عبار ٌة عن
املنطقية املكتوبة يف شكل املنطق ذي اجلزئنی وذي تسعة أجزاء .خلّص
ا ُمل ّاّل صدرا يف هذا الكتاب ،إىل حدٍّ ٍ
كبري اآلرا َء املنطقية املقبولة يف القرنني
يأت فیه بآرائه الشخصية ،عىل الرغم من أنّه أعرب السادس والسابع ومل ِ
أحيانًا عن رأيه يف بعض املوضوعات.
.1هذه الرسالة تم طبعها بالطباعة الحجرية مع کتاب الجوهر النضید ،وطبعت أيضً ا يف شكل
تنضيد الحروف من قبل دار نرش بيدار يف عام 1363ه.
املنطق الصدرائي :اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | 383
مستقاًّل للمباحث املنطقیة القرآنية .وقد تأ ّثر ا ُمل ّاّل صدرا يف
ًّ الغيب) ً
فصاًل
هذا الفصل بكتاب (القسطاس املستقيم) ،1للغزايل.2
علی ذلك ،فلیس حتدید اإلنسان والقضیة احلاكیة عن التحدید بح ًثا منطق ًیا.
أن موضوع علم املنطق هی املعقوالت الثانیة من حیث یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ
املتأهّلنی ّ
أن املفاهیم یوضح صدر ّ تصلح أو تنفع يف اإلیصال إلی املطلوبّ .1
أن هذه املفاهیم كالكلیة واجلزئیة ٍ
معقوالت ثانیة .فهو یری ّ املنطقیة ملاذا تكون
والذاتیة والعرضیة واجلنسیة والفصلیة وغریها ،ممّا تتعقل يف الدرجة الثانیة
ٍ
وحمموالت عوارض
َ أو درجات بعدها؛ ولذا تكون املعقوالت الثانیة املنطقیة
مفاهیم
َ عقلی ًة علی املعقوالت األولی؛ كام تكون املعقوالت األولی
ٍ
وموضوعات ومناشئ النتزاع هذه املفاهیم املنطقیة .بنا ًء علی ٍ
وموصوفات
ذلك ،یكون مطا َبق املعقوالت الثانیة هی املفاهیم األولی يف ظرف الذهن.
معقوالت ثانی ٌة منطقی ٌة قضایا ذهنیة.2
ٌ ومن هنا تكون القضایا التي حمموالهتا
كیفیة وجود موضوع علم املنطق
موضوع یبحث يف ذلك العلم عن حممول ذلك املوضوع ،وهبذا ٌ لكل عل ٍم
أن موضوع العلم ماهو؟ وكیف یمكن إثباته تتشكّل مسائل ذلك العلم .أما ّ
وكیف وجوده؟ فهذا لیس من مسائل العلم .تعدّ هذه املباحث -بحسب
املصطلح -مبادئ العلم وجیب البحث عنها يف علم آخر .بنا ًء علیه ،فام
أن (موضوع علم املنطق هی املعقوالت الثانیة) ،لیس من مباحث ذكرناه من ّ
أن كیفیة وجود املعقوالت الثانیة هی من علم املنطق ،بل من مبادئه ،كام ّ
أن الفلسفة تناقش وتبحث عن كون املتأهّلنی ّ
مسائل الفلسفة .یری صدر ّ
املعقوالت الثانیة املنطقیة وجودها يف النفس ،كام ّ
أن القضایا الناظرة إلیها
قضایا ذهنیة.3
.1الشیرازی ،صدر الدین ،التنقیح ،1378 ،ص5؛ نفسه ،رشح وتعلیقه صدر املتألهین بر الهیات
شفا ،1382،ص.540
.2الشیرازی ،صدر الدین ،الحکمة املتعالیة يف األسفار العقلیة األربعة ،1981 ،ص.332
.3الحکمة املتعالیة ،ج ،1ص332؛ رشح وتعلیقه صدر املتألّهین بر الهیات شفاء ،ص.46
| 386تاریخ علم املنطق
.1رشح و تعلیقه صدر املتألّهین بر الهیات شفاء ،ص .23الشیرازي ،صدر الدین ،رشح الهدایة
األثیریة ،ص4ـ.6
| 388تاریخ علم املنطق
ٍ
وتناقضات، مصدرا ألحكا ٍم التصور والتصدیق أصبح تقسيم العلم إىل
ً ّ
ٍ
سخیفة لتلك ٍ
إلجابات مصدرا ّ
املتأهّلنی وأصبح من وجهة نظر صدر
ً
التصور
ّ التناقضات .كان ذلك يف رأي ا ُمل ّاّل صدرا بسبب الغفلة عن حقیقة
والتصدیق.1
1.عدّ بعض املنطقینی كالفخر الرازي وأتباعه التصدیق مر ّك ًبا من ثالثة
أو أربعة أجزاء .من وجهة نظرهم یكون علمنا التصدیقي ّ
بأن (زیدً ا
تصور املحمول(تصور زید)ّ ،ّ تصور املوضوع
قائم) ،له أجزاء أربعةّ :ٌ
قائم أو ال) ،واحلكم. تصور النسبة احلكمیة ّ
(أن زیدً ا ٌ (تصور القیام)ّ ،
ّ
التصور والتصدیق یظهر ّ
أن ّ یری صدر ّ
املتأهّلنی أنّه إذا اتّضحت حقیقة
أمرا مر ّك ًبا قول سخیف.2
عدّ التصدیق ً
التصور والتصدیق ،فقالوا ّ
إن ّ 2.أشكل بعضهم علی تقسیم العلم إلی
قسم من ا َمل ْقسم رش ًطا أو جز ًءا لقسمهأن یكون ٌ هذا التقسیم یستلزم ْ
أن یكون التصدیق بسی ًطا اآلخر؛ وذلك أنّه حسب رأی الفالسفة إ ّما ْ
بأن (زیدً ا قائم) مرشو ًطا
وحینئذ یكون التصدیق ّ ٍ التصور، ورشطه
ّ
وتصور نسبة القیام إلی زید ،فهذه ّ وتصور القائم،
ّ بتصور زید،
ّ
رشط للحكم بقیام زید .وإ ّما یكون التصدیق مر ّك ًبا كام ٌ التصورات
ّ
تصور املوضوع ٍ
هو كذلك عند الفخر الرازي وأتباعه ،وحینئذ یصری ّ
التصور قسیم
ّ واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم أجزا ًء له .هذا مع ّ
أن
أن یكون القسیم رش ًطا أو جز ًءا لقسیمه اآلخر1؛
التصدیق ،والیمكن ْ
التصور رش ًطا أو جز ًءا للتصدیق.
ّ ولذا الیمكن ْ
أن یكون
قدّ م املنطق ّیون جوابنی خمتلفنی لإلجابة عن هذه املشكلة :أحدمها
التصور رش ًطا
ّ یبتني علی كون التصدیق بسی ًطا .وحسب هذا املبنی یكون
التصور الذي هو قسیم التصدیق
ّ حمذور يف ّ
أن یكون ٌ للتصدیق ،والیوجد
التصور لیس رش ًطا ملفهوم التصدیق حتی یرد علیه ّ رش ًطا للتصدیق؛ إذ
أن الوضوء غریالتصور رش ًطا للتصدیق .2كام ّ
ّ اإلشكال ،بل عُدّ مصداق
الصالة ،ومع ذلك یمكن تقسیم العبادات إلی الصالة وغریها كالوضوء،
ومع ذلك تكون الصالة التی هی إحدی األقسام مرشوط ًة بالوضوء الذي
هو قسم آخر للعبادات .3هنا الیكون مفهوم الوضوء رش ًطا ملفهوم الصالة
بل مصداق الوضوء يكون رش ًطا للصالة.
املتأهّلنی هذا اجلواب سخیف؛ إذ هو یستلزم ْ
أن من وجهة نظر صدر ّ
ٍ
واحد من األقسام أي یكون مفهوم التصدیق مرشو ًطا بقسیمه ،مع ّ
أن مفهوم ّ
التصور
ّ وإن عدّ املجیبون مصداق أن یكون مرشو ًطا بقسیمه اآلخرّ .4 الیصح ْ
عاّم یلزمه ،وهو كون مفهومووجوده رش ًطا لوجود التصدیق ،إال ّأهّنم غفلوا ّ
فإن التقسیم عند ا ُمل ّاّل صدرا هو ّ
ضم التصور؛ ّّ التصدیق مرشو ًطا بمفهوم
ٍ القیود املتخالفة إلی ٍ
ضمقسم جدیدٌ من خالل ّ أمر واحد مبه ٍم بحیث حیصل ٌ
ربا يف التصدیق ،وعدم الحکم .1القطب الرازي ،رشح املطالع ،ص« :8ألنّه لو کان التص ّور معت ً
ربا يف التصدیق ،فیلزم إ ّما تق ّوم اليشء بالنقیضین أو ربا يف التص ّور ،فیکون عدم الحکم معت ً
معت ً
اشرتاطه بنقیضه ،وکالهام محاالن».
.2رشح املطالع ،ص.8
.3رسالة التص ّور والتصدیق ،ص.311
.4م .ن ،ص.310
املنطق الصدرائي :اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | 391
ٌ
فصول أن القیود امللحوظة لألقسام ّإما املتأهّلنی ّ
قید إلی املقسم .یری صدر ّ ٍ
فصواًل ذاتیة ،تكون القیودً للم ْقسم وإ ّما عوارض خارجیةْ ،
فإن كانت ذاتی ٌة َ
مقرر ًة
أن القیود تكون ّ للم ْقسم كام ّ
كل قس ٍم نو ًعا َ مقوم ًة لألقسام ،ویكون ّ
ّ
وإن كانتجنسا حسب بعض االعتباراتْ . لوجود ا َمل ْقسم ،ویكون ا َمل ْقسم ً
القیود عوارض ،فهي خارج ٌة عن حقائق األقسام ولكنّها داخل ٌة يف مفهوم
أن ا َمل ْقسم مع القیود ّ
املقومة للم ْقسم .واحلاصل ّ األقسام من حیث ّإهّنا أقسام َ
رسم لذلك القسم .1ويف حدٌّ لذلك القسم ومع القیود اخلارجة عن القسم ٌ
أن یكون مفهوم فإن كان مصداق التصور رش ًطا للتقسیم ،فال بدّ ْ ضوء ذلك ْ
أیضا ،وهذا حمال. التصور رش ًطا للتصدیق ً
ّ
جواب عا ٌّم یشمل حالتَي
ٌ أجابوا التناقض املذكور جوا ًبا ثان ًیا ،وهو
بساطة الرتكیب والرتكّب .ذكر بعض املنطقینی يف اجلواب عن التناقض
لفظي ،هو تار ًة بمعنی العلم الذی یكون َم ْق ً
ساًم ٌّ ٌ
مشرتك املذكور ّ
أن (التصور)
للتصور والتصدیق ،وتار ًة أخری بمعنی القسم الذی یقع جتاه التصدیق. ّ
التصور باملعنی األول .2حسب ّ والذی یكون رش ًطا أو جز ًءا للتصدیق هو
حكم بوحدة القیام بنی زید،
ٌ هذا اجلواب یكون يف التصدیق ّ
بأن (زیدً ا قائم)
والتصور
ّ بتصور زید ،والقائم علی نحو الالبرشط، ّ ويكون القائم مرشو ًطا
للتصور والتصدیق. ّ مقساًم
ً علی نحو الالبرشط
من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا هذا اجلواب يف غایة الضعف والسفاهة؛ إذ
مركز علی حتصیل معنی التصدیق ومفهومه ،ویندرج التقسیم ٌ ّأو ًاًل ،الكالم
يف احلقیقة يف باب التعریفات واألقوال الشارحة؛ مع أنّه یستحیل ْ
أن نعدّ أفراد
أحد القسمنی يف ماهیة القسم اآلخر ،وقوله الشارح سواء علی حدّ الرشط
أم اجلزء .ثان ًیا ،بنا ًء علی القول ببساطة التصدیق ،یكون التصدیق مرشو ًطا
یتقوم التصدیق بنقیضه .وحتى بنقیضه ،وبنا ًء علی القول برتكّب التصدیق ّ
وف ًقا لرأي أولئك الذين عدّ وا التصدیق ّ
تصو ًرا جمام ًعا للحكم ،فإنّه حینئذ
أیضا یكون التصدیق جمام ًعا لنقضیه ،مع أنّه یستحیل اشرتاط اليشء بنقیضه ً
وتقوم اليشء بنقیضه ،وجمامعة الشیء لنقیضه.1
ّ
ٍ
قسمنا العلم ٌ
بسیط .فحینئذ إذا ّ من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا التصدیق ٌ
أمر
التصور جزءه
ّ ٌ
بسیط ،ولیس أمر التصور والتصدیق مع ّ
أن التصدیق ٌ ّ إلی
أن یكون القسیمالتصور قسیم التصدیق والیصح ْ
ّ والرشطه – وذلك ّ
ألن
ٍ
فحینئذ كیف یمكن اجلواب عن التناقض املتقدّ م من وجهة معر ًفا لقسیمه- ّ
نظر ا ُمل ّاّل صدرا؟
التصور
ّ أن للعلم معنی جنس ًیا وینقسم إلی نوعنی: یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ
التصور
ّ التصور والتصدیق وحد ٌة طبیعی ٌة ،بل ّ ولكل من ٍّ والتصدیق.
أن السواد والبیاض كیفان والتصدیق كیفیتان نفسانیتان بسیطتان .فكام ّ
التصور والتصدیق
ّ حمسوسان بسیطان مندرجان حتت جنس اللون ،كذلك
الیتحصل فإن جنسه ٍ
بسیط يف معناهّ ، نوعان من العلم البسیطُّ .
وكل نو ٍع
ّ
الیتحصل ّإاّل بفصله ّ التصوري
ّ فإن جنس العلم ّإاّل بفصله .وعلی هذا ّ
التصوري ،وهو كونه (برشط ال) ،بالنسبة إلی احلكم .وكذلك جنس العلم ّ
الیتحصل ّإاّل بفصله التصدیقي ،وهو كونه (برشط يشء) بالنسبة ّ التصدیقي
كل من اجلنس والفصل يف مجلة األمور أن إجیاد ٍّ
إلی احلكم ،بل یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ
التصور والتصدیق كل من ٍ
وبعبارة أخریٌّ : وحتصلهام واحدٌ .2 البسیطة،
ّ ّ
إمكاين آخر .وعندما ٍ
موجود موجودان ممكنان خملوقان هلل تعالی ،شأن ّ
كل
ٍّ
.1رسالة التص ّور والتصدیق ،ص.311
.2م .ن ،ص 309ـ.310
املنطق الصدرائي :اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | 393
التصور جزءه وال رشطه ،فكیف حیصلّ أمرا بسی ًطا ،ولیس
إن كان التصدیق ً ْ
العلم بأجزاء القضیة التي هي ممّا یتع ّلق به احلكم والتصدیق؟ فهل من املمكن
تصور زید والقیام والنسبة احلكمیة؟ أن حیصل العلم ّ
بأن (زیدً ا قائم) مع فقدان ّ ْ
یری ا ُمل ّاّل صدرا ویدعي أنّه ممّا ُیستفاد من كالم املح ّققنیّ ،
أن العلم
تصو ٌر هو
حكاًم ،وإ ّما ّ
تصو ٌر لیس ً(حصول صورة اليشء يف العقل) ،إ ّما ّ
تصور یستلزم احلكمّ احلكم نفسه (بمعنی االنكشاف التصدیقي) ،وإ ّما
التصور الذی هو احلكم نفسه أوّ یسمی
(بمعنی اإلذعان بعد االنكشاف)ّ .
حكاًم بـ(التصور).1
التصور الذی لیس ً ّ سمی
یستلزمه بـ(التصدیق) .بینام ُی ّ
التصور مشرتكًا لفظ ًیا له معنیان :أحدمها
ّ فمن وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا یكون
التصور برشط
ّ للتصور والتصدیق ،وثانیهام
ّ املعنی الالبرشط الذی هو َم ْق ٌ
سم
أیضا .یقول ا ُمل ّاّل صدرا بعد هذا التوضیح ،يف بیان تصو ًرا ً
سمی ّ ال ،الذی ُی ّ
قسموا
التصور والتصدیق :هذا هو ما یقصده أهل احلكمة عند ما ّ ّ حقیقة
(التصور الذی معه
ّ والتصور املقارن للحكم
ّ التصور املحض ّ العلم إلی
املعنّی وجو ًدا يف العقل غری
لكل من ّ أن ٍّ حكم) .الیقصد املح ّققون من املعیة ّ ٌ
وجود اآلخر حتی یكون أحدمها رش ًطا لآلخر أو جز ًءا له ،ویكون اآلخر
التصور
ّ مرشو ًطا به أو مر ّك ًبا منه ،بل یقصدون املع ّیة يف التحلیل الذهني بنی
والتصدیق .وعلی سبیل املثال ،ماهیة اإلنسان مركّب ٌة يف التحلیل الذهني
أن للحیوان من احلیوان والناطق ولیس املقصود من مع ّیة احلیوان والناطق ّ
وجو ًدا ،وللناطق وجو ًدا آخر بحیث اجتمعا يف اإلنسان.
أن (اإلنسان) له بلحاظ وجوده فإن مقصود املح ّققنی هو ّ بنا ًء علی هذاّ ،
جنيس ،واآلخر حمدّ ٌد فصيل .وهذانّ مبهم
ٌ الذهني وحدّ ه معنیان :أحدمها
التصور مع واحد .فعند ما یقال( :التصدیق هوٍ ٍ
بوجود املعنیان موجودان
ّ
ٍ
بعبارة أخری :املقصود تصور هو عنی احلكم.1 احلكم) معناه ّ
أن التصدیق ّ
من املع ّیة هی املع ّیة يف التحلیل العقيل بنی جنس اليشء وفصله ،كمع ّیة اللون
وقابضیة البرص يف السواد ،مع اللون وقابضیة البرص وجود واحد ،دون
ّ
والكل ،ومع ّیة الرشط املع ّیة يف الوجود التی تقتيض االثنینیة ،كمع ّیة اجلزء
والكل ،وكذا الرشط واملرشوط شیئان .كذلك یری ّ واملرشوط ،2إذ ّ
إن اجلزء
التصور املطلق إلی التصدیق هی النسبة االحتادیة دون ّ ا ُمل ّاّل صدرا ّ
أن نسبة
النسبة االرتباطیة .3
انكشايف
ٌّ علم
أن التصدیق بـ (زید قائم) ٌ يف ضوء ذلك یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ
تصور املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة ّ بسیط ینحل يف الذهن إلی ٌ
بسیط ،إال ٌ أمر
واحلكم .حقیقة هذا العلم عند ما حصلت علیه القوة العاقلة ٌ
أن الذهن بعد احلصول علی هذا األمر البسیط یقوم بتحلیله إلی املوضوع ّ
واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم ،ثم یربط مر ًة أخری تلك األجزاء
احلاسة تتأ ّثر من البیاض والسواد تأ ّث ًرا
ّ التحلیلة بعضها ببعض .كام ّ
أن القوة
انكشاف ًیا بسی ًطا ،لكن الذهن عند ما یقارن هذه التأ ّثرات بعضها ببعض ،یری
كل من البیاض والسواد اللذین وخمتصة؛ ولذا ینحل ٌّ ٍ
مكونات مشرتك ًة فیها
ّ
مها بسیطان عند العقل ،إلی اللون واألمر املختص بالبیاض ،واللون واألمر
املختص بالسواد ،ثم یربط العقل هذین اجلزأين أحدمها باآلخر علی نحو
الذهن لديه القدرة عىل االنتباه ثان ًیا إلی ذلك العلم البسیط التصدیقي فیح ّلله
إلی املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم؛ لذلك ،یتبدّ ل التصدیق
البسیط بعد التحليل العقيل إلی أربعة عنارص ،بينام كان بسي ًطا قبل التحليل.
مستويات وطبقات ،يف الطبقة األوىل من
ٌ لذلك يمكن القول ّ
بأن أذهاننا هلا
الذهن ،يتم تصوير الصور العلمیة اخلارجية.
أن یرجع إلی اخلارجولكن مثلام يمكن للذهن من خالل األدواتْ ،
احلسية يف الطبقة
احلسیة ،وخيزن تلك املعلومات ّ للحصول علی الصور ّ
األوىل من الذهن ،كذلك یمكن للذهن من أداة التحليل العقالين ْ
أن یرجع
ٍ
دراسات عىل هذه املعلومات ليحصل إىل الطبقات الدنيا من الذهن ،وجيري
ٍ
جدیدة من خالهلا ،ثم خیزهنا يف الطبقات العليا من الذهن. ٍ
معلومات علی
ٌ
بسیط يف الطبقة الدنیا من الذهن ،أ ّما يف أمر
فإن العلم التصدیقي ٌلذلك ّ
ّب ،وذلك من خالل النشاط الطبقة العلیا من الذهن فیتبدل إلی ٍ
أمر مرك ٍ
الذهنی بمعنی التحلیل الذهنی؛ لذلك فإن ّبساطة التصدیق وفقدانه للرشط
واجلزء يتوافق مع كونه مرشو ًطا ومر ّك ًبا يف الطبقة العلیا من الذهن ،من
خالل أداة التحلیل العقيل.
حمض
تصو ٌر ٌ ٍ
قسم املنطق ّیون العلم بطريقة أخرى .العلم يف هذا التقسیم إ ّما ّ
ّ
للتصور ،بل
ّ قسیاًم
تصدیق .كام هو واضح ،ال یعدّ التصدیق ً
ٌ تصو ٌر معه
وإ ّما ّ
التصور یصحبه التصدیق واحلكم ّ تصورّ ،إاّل ّ
إن القسامن يف هذا التقسيم ّ
علاًم.
أن التصدیق ال يعدّ ًأحیانًا ،وأحیانًا ال یصحبانه .لذلك يبدو ّ
أن العلم ال ينقسم حقیقة إىل أقسام؛ إذ لیس العلميدعي شيخ اإلرشاق ّ
التصور ،إال ّ
إن العلم الذي هو التصور نفسه ،تار ًة یكون وحیدً ا ،وتار ًة ّ ّإاّل
تصدیق لیس من جنس العلم؛ إذ التصدیق هو احلكم الذي ٌ أخری یصحبه
املنطق الصدرائي :اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | 397
التصور هو التصدیق
ّ التصور الذي ال یفارق احلكم بل یســتلزمه .وهذا
ّ 3.
الذي یقع جتاه التصور.1
بعبارة أخری :عندما حي ّلل الذهن ذلك اليشء البسيط الذي دخل إىل ٍ
الذهن من خالل القوة البارصة ،إىل املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة
تصوري ،وليس
ّ علم
لكل من هذه األمور األربعة هو ٌ فإن إدراكنا ٍّ
واحلكمّ ،
تصدی ًقا أبدً ا .ولكن قبل حتليل الذهنّ ،
فإن تلك احلالة االنكشافیة من اليشء
حكاًم وتصدی ًقا
ُسمى تلك احلالة االنكشافیة ً نوع من العلم ،وت ّ
اخلارجية هي ٌ
من باب تسمية اليشء باسم الزمه؛ ألنّه بعد تلك احلالة االنكشافیة وحتليلها
إىل أربعة أجزاء ،يكون اجلزء الرابع هو اإلذعان والتصدیق ،واحلكم اللغوي
الذی یكون يف الواقع أحد أفعال النفس.
.1تعلیقات رشح حکمة اإلرشاق ،ص52؛ صدر الدین الشیرازی ،تفسیر القرآن الکریم ،ج،2
،1364ص.74
| 400تاریخ علم املنطق
وجمهواًل من ٍ
جهة أخری.1 ً املطلوب هو ذو الوجه الذي یكون معلو ًما من جهة،
جییب قطب الدین الشریازی ،تلمیذ املح ّقق الطويس وشارح حكمة اإلرشاق،
ً
أواًلّ :
بأن طلب املجهول املطلق إنّام یكون ممتن ًعا إذا مل یقرتن باملجهول وج ٌه معلوم،
ْ
فإن اقرتن به وج ٌه معلو ٌم فیمكن طلبه ودراسته .وثان ًیا ،لو فرضنا عدم متامیة هذا
إن الطلب ال یشری إلی الوجه املجهول ،بل إلی الذات التي ت َْصدق اجلواب نقولّ :
أن الذات التي ت َْصدق علیها اجلهتان ،تغایر ّ
كل علیها اجلهتان .ومن الواضح ّ
أن جوابه األول نشأ عن جواب املح ّقق الطويس. ٍ
واحدة من اجلهتنی .2یبدو ّ
یصح جواب القطب الشریازی؛ ألنّنا نحتاج من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا ال ّ
فإن كان املقصود من (االقرتان) ،ذلك االقرتان ً
أواًل إىل معرفة ما نعنيه باالقرتانْ .
أن یكون كال الوجهنی ٍ
فحینئذ ال بدّ ْ الذي یوجد يف حدود القیاس وأجزاء احلدّ ،
معلو ًما ،مع أنّه ال یمكن اقرتان الوجه املعلوم بالوجه املجهول ،والذي هو من
وإن كان املقصود من اقرتان الوجه املعلوم بالوجه قبیل اقرتان الوجود بالعدمْ .
أن یصری معلو ًما ،فهذا االقرتان أن يقرتن باملعلوم بعد ْ
أن املجهول یستعد ْ املجهول ّ
وإن ُق ِصد معنى ثالث فيجب ً
أواًل إيضاح معناه. غري ٍ
مفيد هناْ .
أیضا؛
حیل املشكلة ًأن اجلواب الثاين للقطب الشریازی ال ّ یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ
وإن كان جام ًعا للوجهنی املعلوم واملجهولّ ،إاّل ّ
أن ذا الوجه إذا إذ ذو الوجه ْ
الحظناه بلحاظ كونه جام ًعا للوجهنی ،فإنّه معلوم هبذا الشكل وال یمكن طلبه.3
أن ا ُمل ّاّل صدرا قد َقبِل إجابة املح ّقق الطويس ،لكن يبدو أنّه كان یری ّ
أن يبدو ّ
هذه اإلجابة رغم صحتها ،ال تفتح بوضوحٍ العقدة العمياء ملشكلة الفخر الرازي؛
تفسريا دقي ًقا إلجابة
ً أن ا ُمل ّاّل صدرا يعطي إجاب ًة أخرى يمكن عدّ ها
ولذلك نرى ّ
.1الطويس ،محمد بن محمد ،تلخیص املحصل ،ص.7
.2الشیرازی ،قطب الدین ،رشح حکمة اإلرشاق،ص161ـ.162
.3تعلیقات ،ص.161
| 402تاریخ علم املنطق
أن وجه اليشء هو الذي أن استدالل الفخر الرازي هو ّ املح ّقق الطويس .یبدو ّ
یكون معلو ًما من ذلك اليشء ،بینام ذو الوجه ال یكون معلو ًما لنا حقیقة؛ لذلك
ال یمكن السؤال عن ذي الوجه .تشری إجابة ا ُمل ّاّل صدرا إلی هذه النقطة .فهو یم ّیز
إن كان وجه اليشء معلو ًما أو ٍ
بوجه)ْ . و(تصور اليشء بنی (تصور وجه اليشء)،
ّ
جمهواًل ال یمكن السؤال عنه ،لكن یمكن السؤال عن اليشء املعلوم وجهه؛ إذ ً
لیس السؤال عن وجه اليشء ،بل السؤال إنّام هو عن الشیء نفسه أو ذي الوجه.
وإن مل یكن معلو ًما بالذات ،لكنّه معلو ٌم بالعرض .يقول ا ُمل ّاّل صدرا
الشیء نفسه ْ
يف رشح هذا األمر :وجه اليشء املعلوم تار ًة یكون موضو ًعا للقضیة الطبیعیة،
إن كان موضو ًعا للقضیة الطبیعیة ،فال وتار ًة أخری موضو ًعا للقضیة املتعارفةْ .
یكون ذو الوجه مطلو ًبا حتی یتبدّ ل معلو ًما .علی سبیل املثال :اليشء الذی یكون
مشریا إلی القضیة الطبیعیة ،ونقول: معلو ًما من جهة الكاتبیة ،وجعلنا هذا الوجه ً
فحینئذ یشری الكاتب إلی املفهوم يف الذهن ،ولیس هذا املفهوم ٍ (الكاتب ّ
كيّل)،
مرآ ًة ألفراد الكاتب اخلارجیة ،وال یتّحد الكاتب بأفراده يف هذا احلكم؛ ولذلك ال
یقع يف هذه احلالة ذو الوجه مطلو ًبا؛ إذ لیس ذو الوجه (وهی مصادیق الكاتب)
ّحد بوجهه (وهو عنوان الكاتب) .لكن إذا جعلنا الكاتب موضو ًعا للقضیة غری مت ٍ
وإن كان املعلوم متحرك األصابع) ،ففي هذه احلالة ْ كاتب ّ (كل ٍ املتعارفة ونقولّ :
أن الوجه مرآ ٌة لألفراد ،ولذلك تكون األفراد معلوم ًة بالذات الوجه نفسه ،إال ّ
بالعرض .ومن َث ّم ،يمكن السؤال عن حقیقة األفراد؛ إذ ّاحّتاد الوجه باألفراد
تصور اليشء بالوجه مطلو ًبا.1يتيح لنا إمكانیة السؤال عن األفراد؛ لذلك یقع ّ
.1م .ن ،ص 52ـ :53هذه الشبهة أیضً ا للفخر الرازي؛ یقول الم ُّاّل صدرا « :لصاحب امللخّص
شبه ٌة قوي ٌة يف اكتساب التص ّورات ،حللنا عقدتها وفككنا إشكالها بتوفيق الله تعاىل» (الحکمة
املتعالیة ،ج ،3ص(492
| 404تاریخ علم املنطق
15.اخلونجي ،أفضل الدین حممد ،کشف األرسار عن غوامض األفكار ،أطروحة يف جامعة
طهران ،تصحیح حسنی اإلبراهیمي.
16.دبریان الکاتبی ،الشمسیة ،القواعد اجللیة ،قم ،مؤسسة النرش اإلسالمي.1412 ،
ّ
امللخص ،حتقیق :أحد فرامرز القراملکي وآدینه اصغری نژاد، 17.الرازي ،فخر الدین ،منطق
طهران ،منشورات اإلمام الصادق.1381 ،
18.الرازي ،قطبالدین ،رشح املطالع ،قم :منشورات کتبی نجفی( ،بال تأریخ).
19.السهروردي ،حکمة اإلرشاق ،جمموعة مصنفات شیخ إرشاق ،تصحیح :هنری کربن ،معهد
الدراسات والبحوث الثقافية ،ط ،2طهران.1372 ،
20.ـــــــــــــــــــ ،املشارع واملطارحات ،تصحیح مقصود حممدي وارشف عايلپور ،جامعة
آزاد اإلسالمية (فرع کرج).1385 ،
21.الشریازی ،صدر الدین حممد ،رشح وتعلیق بر اهلیات شفا ،تصحیح :نجفقلی حبیبی ،طهران،
منشورات مؤسسة صدرا للحكمة اإلسالمية.1382 ،
22.ـــــــــــــــــــ ،مفاتیح الغیب ،تصحیح حممد خواجوی ،طهران ،معهد الدراسات
والبحوث الثقافية. 1363 ،
23.ـــــــــــــــــــ ،التنقیح ،تصحیح :غالم رضا یايس پور ،طهران ،مؤسسة صدرا للحكمة
اإلسالمية.1378 ،
24.ـــــــــــــــــــــ ،احلکمــة املتعالیــة يف األســفار العقلیــة األربعــة ،بــروت ،دار الــراث
العــريب.1981 ،
25.ـــــــــــــــــــ ،تفسری القرآن الکریم ،قم ،منشورات بیدار.1364 ،
ـور والتصدیــق ،يف :اجلوهــر النضیــد ،قــم ،منشــورات
26.ـــــــــــــــــــــ ،رســالة التصـ ّ
بیــدار.1363 ،
27.ـــــــــــــــــــــ ،رشح اهلدایــة األثرییــة ،الطباعــة احلجریــة( ،بــا مــکان)( ،بــا
عنــوان)( ،بــا تأریــخ).
28.الشــرازی ،قطــبالدیــن ،درة التــاج ،حتقیــق :ســید حممــد املشــکوة ،طهــران ،منشــورات
احلکمــة.1369 ،
| 408تاریخ علم املنطق
ُملخّص البحث
أن (القضية الطبيعية) هي إحدى األقسام األربعة للقضية من املعروف ّ
ٍ
وجه احلملية بلحاظ املوضوع .صدور احلكم يف القضية الطبيعية هو عىل
ال يصح تقدير رجوع احلكم إىل األفراد .يطلق املناطقة عىل هذه القضية
ألن احلكم فيها عىل الطبيعة نفسها من حيث مصطلح (القضية الطبيعية)؛ ّ
الكليةُ .طرحت ثالثة آراء عن القضية الطبيعية .نتناول يف هذا املقال الرأيني
األوليني وعنواهنام (القضية املهملة) ،و(القضية الشخصية) حتت عنوان
(التحويل) ،والرأي الثالث الذي يقول باعتبار مستقل للقضية الطبيعية،
وجيعلها قسيم الشخصية واملهملة يطلق عليه (عدم التحويل).
عرض املشكلة
مل يعد البحث يف القضايا الطبيعية للمنطق يف وقتنا احلارض مسأل ًة ذات
املقررة ٍ
أمهية يف العلوم العقلية ،واقترص تداول هذه القضايا يف نطاق املسائل ّ
املهمة
يف املناهج الدراسية لعلم املنطق ،لكنّه يف املايض كان من بني املسائل ّ
بالغة التعقيد .يف املدّ ة التي سبقت الفيلسوف الشهري ابن سينا كانت القضايا
كم
احلملية تنقسم إىل قسمني :مهملة وحمصورة ،ومعيار هذا التقسيم كان ّ
األفراد موضوع القضية .ثم ُطرح التقسيم الثالثي (القضايا الشخصية،
واملهملة ،واملحصورة) .وهو التقسيم الذي اعتمده ابن سینا ،يف الغالب،
يف مصنّفاته .وكان يصنّف القضايا الطبيعية ضمن القضايا املهملة .يبدو
أن القضايا الطبيعية كانت سائد ًة ومطروح ًة يف عرص ابن سينا ،بيد ّ
أن ّ
حتول القضية احلملية من التقسيم املث ّلث إىل املر ّبع (الشخصية ،والطبيعية،
ّ
واملهملة ،واملحصورة) حدث يف أواسط القرن السابع ،ومنذ ذلك الوقت
جرى تثبيت هذه األقسام األربعة.
دون عبد اهلل بن شهاب الدین الیزدي (م ۹۸۱هـ) ،حاشيته عىل كتاب ّ
(هتذیب املنطق و الکالم) لسعد الدین التفتازاين ،وهو يف عني إجيازه
واختصاره كان يعدّ من النصوص املعتربة يف النظام التعليمي القديم يف
دونت عليه رشوح وحوايش كثرية .1وكان كتاب احلوزات العلمية ،وقد ّ
خاص يف
ّ ٍ
وبنحو حاشیة ا ُمل ّاّل عبد اهلل الیزدي من املناهج الدراسية ّ
املهمة
احلوزات العلمية يف إيران وشبه القارة اهلندية.2
يسعى املقال إىل رشح موقع القضية الطبيعية من منظار ا ُمل ّاّل عبد اهلل
اليزدي ،يف الفصل األول يتناول املسار التارخيي للقضية الطبيعية يف املصادر
املنطقية ،ثم يرشح بالبحث والتحليل نظريتَي التحويل وعدم التحويل
للقضية الطبيعية من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي.
أيضا
رصح عمر بن سهالن الساوي (م 540هـ) ً قبل اخلواجه الطويسّ ،
خصص عنوان الفصل الثالث من املقالة الثالثة ّ
بأن هذه القضايا مهملة .فقد ّ
من كتابه (املنطق) ألقسام القضايا احلملية الثالثة ،عا ًّدا القضايا الطبيعية،
دون ذكر االسم ،قضايا مهملة.1
ففي احلالتني يصدق احلكم هبا جزئ ًيا .فاملهملة يف قوة اجلزئية ،وكون القضية
أن تكون مع ذلك كلية الصدق .فليس حيا ال يمنع ْ جزئية الصدق ترص ً
أن يكون الباقي باخلالف.إذا ُحكم عىل البعض بحكم ،وجب من ذلك ْ
وإن كان برصحيه يف قوة اجلزئي ،فال مانع ْ
أن يصدق كل ًيا».1 فاملهملْ ،
رصح فيقول« :يمكن التوفيق بني الشفاء واإلشارات بالقول :صحيح أنّه ّ
يرصح يف أن (اإلنسان نوع) شخصي ٌة وليست مهملة ،لكنّه مل ّ يف الشفاء ّ
يبنّي رأيه الدقيق املتم ّثل
اإلشارات ّأهّنا مهمل ٌة وليست شخصية» ،وبالتايل ّ
يف حتويل الطبيعية إىل شخصية بالقول« :أ ّما إذا كان الغرض من ذلك تعيني
الطبيعة بواسطة حلوق املعنى العام هبا ،فال حاجة؛ ألنّه موضوع الشخصية
ال املهملة ،وهذه من الدقائق».
جاء بعد ابن سينا مناطقة مثل الفخر الرازي التزموا بنظرية التحويل،
وعدّ وا رصاح ًة القضية الطبيعية جز ًءا من املهملة .ويف مبحث القياس يف
رشحه (اإلشارات) البن سينا يشري إىل اإلشكال املشهور املطروح يف
األول أنّنا إذا بطريق الشكل األول قلنا( :اإلنسان حيوان)، قياس الشكل ّ
بأن (اإلنسان حيوان) ،و(احليوان و(احليوان جنس) ال بد أن نستنتج ّ
أجوبة البن سينا واآلخرين ويقول يف ٍ جنس) نتيجة كاذبة .ثم ينقل عدّ ة
اخلتام« :هیهنا جواب أظهر منه و هو أنّا إذا قلنا :اإلنسان حیوان؛ فإن قلنا:
احلیوان جنس؛ کانت الکربى مهملة فکانت جزئ ّیة فالتنتج» .1إ ًذا ،تأ ّدى من
رجاًل مثل الفخر الرازي اعتقد ،شأنه شأن سائر املناطقة أن ً حتويل الطبيعية ّ
املتقدمني ،باألقسام الثالثة للقضايا احلملية ،ومل يذكر شي ًئا عن الطبيعية.
أن املهملةتشري عبارة (ال ما هو طبیعة (ج) نفسها کام فی املهمالت) إىل ّ
كل أفراد املوضوع ،وال باعتقاد اخلواجه قضي ٌة موضوعها طبيعة اليشء ال ّ
اف يف مواضع أخرى واضح وش ّف ٍ
ٍ ٍ
بشكل األفراد املتّصفني باملوضوع .ويقول
من رشح اإلشارات« :أقول :احلکم يف املهملة عىل الطبیعة املجردة» .3وهو
املتأخرون عىل الطبيعية ،أي القضية التي موضوعها ّ التعريف الذي ذكره
طبيعة اليشء من حيث هي .ويف موض ٍع آخر من هذا الكتاب يبني تقسيمه
الثنائي عىل حمور طبيعة اليشء وجيعل َم ْقسم مجيع األقسام الثالثة للحملية
إن طبيعة اليشء إ ّما من حيث هي موضوع احلملية (طبيعة اليشء) ،ويقول ّ
ُسمى احلالة األوىل املهملة والثانية املحصورة والشخصيةَ « :فال وإ ّما ال .فت ّ
أن حیکم َعلیها من َحیث هي أو حیکم علیها مع ختلو تلك ال َطبائع إما ْ
األول قضیة مهملة» .4ويتابع هذه العبارات فيعدّ الحق .. .حیصل من ّ
املثالني (اإلنسان نوع) ،و(اإلنسان عام) مهملني.
طب ًعا نتيجة هلذه الرؤية يذكر يف كتابه (أساس االقتباس) األقسام الثالثة
التقليدية (الشخصیة ،املهملة ،املحصورة) ،وال أثر للطبيعية يف هذا املصنَّف
املنطقي.1
غافاًل عن عدًّ أن اخلواجه الطويس كان أن نحتمل ّ ويقينًا ،ال يمكن ْ
القضية الطبيعية قضي ًة مستقل ًة يف نظرية عدم التحويل؛ ألنّه كان مطل ًعا متا ًما
عىل آراء بعض األشخاص مثل أثري الدين األهبري (597-664هـ) أحد
املعتقدين بنظرية عدم التحويل ،وأحيانًا كان يشري إىل اكتشافاته ،لكنّه مل
يتناول نظرية عدم التحويل بالنقد ،ومل يؤ ّيد رأيه ،وبالنسبة لتقسيم احلمليات
اختار التقسيم الثالثي التقليدي.
أن جذور نظرية عدم التحويل تعود إىل أوائل القرن السابع اهلجري، بيد ّ
وجه َأ ْف َض ُ
ل الدّ ینِ اخلونَجي (590-646هـ) نقدً ا إىل نظرية التحويل عندما ّ
ٍ
مهملة باالستناد إىل كتاب (الشفاء) وطرح نظرية عدم حتويل الطبيعية إىل
البن سينا ،ومثال (اإلنسان نوع) ،ورفض عدّ ها مهملة .يف ضوء تدوين
أن اخلونجي هو كتاب (کشف األرسار عن غوامض األفکار) يمكن القول ّ
ً
مستقاًل ،1وسار عىل ّأول منطقي منتقدٌ لنظرية التحويل جعل للطبيعية موق ًعا
هنجه معارصوه ،وتبنّوا نظرية عدم التحويلً .
مثاًل يرى أثری الدین األهبري
أن قضايا مثل (اإلنسان نوع) (664-597هـ) يف كتابه (کشف احلقائق) ّ
طبیعیة .أو نجم الدین الکاتبي (617-675هـ) تلميذ األهبري وشارحه،
الذي يعتقد بعقيدة أستاذه يف عدم التحويل ،حيث يقول يف بعض مصنّفاته
أن القضية الطبيعية معتربة ،ويطرح التقسيم املر ّبع .وكذلك سعد الدین ّ
التفتازاين ( 794-722هـ) يقول بالتقسيم املر ّبع يف رسالته (هتذیب املنطق
وحميّش هذا الكتاب ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي ً
أيضا يعتقد بالنظرية ّ والکالم)، 2
ترسخت يف أوساط معظم أي حال ،فنظرية التقسيم املر ّبع قد ّ نفسها .عىل ّ
املتأخرين مثل مريداماد ،وصدر الدين الشريازي ،واحلكيم السبزواري. ّ
يف هذا الكتاب يقف ا ُمل ّاّل عبد اهلل إىل جانب امللتزمني بنظرية عدم
ً
مستقاًل ،ويف تقسيمه املنطقي الثنائي التحويل .ويفرد للقضية الطبيعية موق ًعا
کون احلکم«أن َی َ
يعدّ الطبيعية قضية احلكم فيها هو عىل طبق (حقيقة الكيل)ْ :
عىل نَفس حقیقة هذا الکيل» .واملقصود من (هذا الكيل) الكيل املذكور يف
املرحلة األوىل من تقسيم الثنائية يف مقابل اجلزئي احلقيقي« :املوضوع إ ّما
جزئي حقیقي کقولنا( :هذا إنسان) أو کيل» .وبنًاء عليه ّ
فإن (هذا الکيل) هو
اليشء الذي يقابل اجلزئي احلقيقي ،واملفهوم الذي يصدق عىل الكثريين.
أن يكون ماهية وطبيعة كلية (مثل اإلنسان ،الشجر و ،)..أو وهو أعم من ْ
مفهو ًما كل ًيا (مثل اإلمکان ،االمتناع و .)...وكذلك أعم من ْ
أن يكون كل ًيا
منطق ًيا أو كل ًيا فلسف ًيا أو كل ًيا طبيع ًيا.
أن احلكم عىل إ ًذا ،نستنتج من هذا اجلزء من عبارة املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل ّ
حكم عا ٌّم
ٌ كل مفهو ٍم يف القضية الطبيعية ،وف ًقا لنظرية عدم التحويل ،هو ّ
فإن حيثيته املفهومية ُأخذت وكيل ،وعىل الرغم من وجود مصاديق لهّ ،
فإن ما يذكره يف مقابل موضوع الطبيعية باالعتبار وليس حيثية صدقه .هلذاّ ،
حلکم عىل يف املرحلة الثانية من تقسيمه الثنائي هو األفراد واألشخاص« :ا ُ
نَفس حقیقة هذا الکيل أو عىل أفراده»
يذكر ا ُمل ّاّل عبد اهلل القضیة الطبیعیة كقس ٍم يف مقابل قس ٍم آخر ،وقسيمها
القضية التي تتعلق باحلكم عىل أفراد املوضوع .وقد حذا املناطقة حذوه
كم
تعنّي ّ
تار ًة يف قسيم الطبيعية ،وتار ًة أخرى عدّ وا قسيمها القضية التي ّ
األفراد .ويذكر املرحوم املریزا حممد عيل يف حاشیته عىل حاشیة ا ُمل ّاّل عبد اهلل
ومقاباًل ّملا حکم فیه عىل
ً قساًم هذه النقطة نفسهاً ،
قائاًل« :إنّه جعل الطبیعیة ً
| 420تاریخ علم املنطق
األفراد ،ال ملا بنی فیه کم ّیة األفراد» ،1وقسيم الطبيعية من منظار ا ُمل ّاّل عبد اهلل
قضية مل حيمل احلكم فيها عىل أفراد املوضوع.
ثم ينقل املرحوم املریزا حممد عيل ،رأي نجم الدین الکاتبي (-675
یبنّی ْ
«وإن مل ّ كم األفراد: أن قسيم الطبيعية قضي ٌة ّ
تعنّي فيها ّ 617هـ) من ّ
ألن یصدق کلیة وجزئیة ُس ّمیت طبیعیةْ ،
وإن فإن مل یصلح ْ فیها کمیة األفراد ْ
أن املوضوع إ ّما جزئي وشخيص صلحت لذلك ُس ّمیت مهملة» ،بمعنى ّ
كم
يبنّي .فإذا ّبنّي ّ
كم األفراد أو ال ّ
يبنّي فيه ّ وإ ّما ّ
كيّل ،ويف احلالة الثانية ،إ ّما ّ
كم األفراد يف موضوع القضية ،حينئذ إ ّما يبنّي ّ
حمصورا ،وإذا مل ّ
ً األفراد كان
أن تصدق عليه الكلية واجلزئية وإ ّما نحو ال يصلح ْ أن يكون املوضوع عىل ٍ
يصلح .فتكون األوىل طبيعي ًة والثانية مهملة .هذا التقسيم املنقول عن نجم
أيضا عىل أن موضوع الطبيعية ً الدين الكاتبي ينطوي عىل هذه الشائبة وهي ّ
أيضا ليس مقصود الكاتبي. أن هذا ً كمها واحلال ّ يبنّي ّ
األفراد ،ولكن مل ّ
ويتابع املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل فيقدّ م وص ًفا أكرب عن موضوع الطبيعية
أصاًل؛ ّ
فإن قائاًل« :الطبیعیة ال یبحث عنها يف العلوم ً
فيستعرض خصائصها ً
الطبائع الک ّلیة من حیث نفس مفهومها کام هو موضوع الطبیعیة ال من حیث
حت ّققها يف ضمن األشخاص غری موجودة يف اخلارج» .2هنا يصف موضوع
أخص وأضيق .يمتاز املوضوع يف هذه العبارة ببضعة
ّ ٍ
بنحو القضية الطبيعية
خصائص:
كل مفهو ٍم ذهني 1.موضــوع الطبیعیة من (الطبائع الکلیة) .وعليــه فليس ّ
ٍ
موجودة يف فهم) .فمن ناحيــة ،الطبائع الكلية غري
يشــمل معنى (ما ُی َ
اخلــارج بالفعل .وعىل قول ابن ســينا «لیس یمکــن ْ
أن تکو ن الطبیعة
.1الیزدي ،الم ُّاّل عبد الله؛ الحاشیه علی تهذیب املنطق ،ص .271
.2م .ن.
موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | 421
ثابت
توجد يف األعیان ،وتکون بالفعل کلیة» ،1فوصف الكلية للطبيعة ٌ
ما دام متح ّق ًقــا يف الذهن؛ لذا ،فموضوع الطبيعية ليس وصف الكلية
بل موصوفها.
2.لقــد ورد املوضوع ،جلهة احليثية املفهوميــة ،يف منظومة القضية؛ ذلك ّ
أن
أيضا ذات حيثيتني ،حيثية مفهومية وأخرى مصداقية، الطبائــع الكلية ً
واملقصود هنا احليثية املفهومية.
ٍ
موجــود يف اخلارج ،ألنّه مل ُيلحــظ حت ّقق الطبائع 3.موضــوع الطبیعیة غري
الك ّلية يف ضمن األشخاص يف موضوع الطبيعية.
املبدأ األولَ :م ْقسم هذا التقسيم هو (موضوع القضية) ال مجيع أركاهنا.
املبدأ الثاين :تركيبة التقسيم ثنائية منطقية بصيغة الرتديد بني النفي
شخيص جزئي وإ ّما ال .يف حال اإلثباتّ واإلثبات ،1فموضوع القضية إ ّما
(شخصية) ،ويف حال النفي يستمر التقسيم فيكون املوضوع إ ّما الطبيعة
الكلية نفهسا وإ ّما ال ،يف حال اإلثبات (طبيعية) ،ويف حال النفي يستمر
كم األفراد حمدّ ًدا وإ ّما ال .يف حال اإلثبات
التقسيم فيكون املوضوع إ ّما ّ
(حمصورة) ،ويف حال النفي (مهملة).
تشخص موضوع القضية. ّ املبدأ الثالث :معیار تقسیم الثنائیة األوىل،
خاصا ال يصدق
شخصا ًّ ً التشخص اجلزئي .أي ْ
أن يكون ّ ّ
التشخص يعني
عىل كثريين ،مثل اإلنسان برشط يشء ،بمعنى ،ماهية تتو ّفر عىل مجيع رشوط
التشخص يتناىف مع الكليةّ ،
فإن قسيمه ّ خاص .يف هذه احلال ،و ّملا كان ٍ
فرد
ّ
هو ّ
الكيّل الذي يستمر التقسيم من ناحية قسيمه.
بعضا منيف رشحه هلذه العبارات يؤ ّيد املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل الیزدي ً
املبادئ األربعة أعاله ،أعني يؤ ّيد املبادئ الثانية والثالثة والرابعة دون املبدأ
أن َم ْقسم هذا التقسيم املر ّبع هو (القضية احلملية)« :هذا األول؛ ويقول ّ
تقسیم للقضیة احلملیة باعتبار املوضوع ،و هلذا لوحظ فی تسمیة األقسام
سمى ما هو موضوعه شخص شخصیة وعىل هذا القیاس».2 حال املوضوع ف ُی ّ
فا َمل ْقسم عنده (القضیة احلملیة) ال موضوعها .و ّملا كان أحد الرشوط
ٍ
كمعيار أن نلحظ جه ًة واحد ًة يف املقسم ل ُتتّخذ هذه اجلهة
املنطقية للتقسيم ْ
وأساس للتقسيم ،1فـاملوضوع هو تلك اجلهة الواحدة املالحظة يف التقسيم.ٍ
ٍ
بعبارة أخرى( ،املوضوع) هو املعيار واألساس يف التقسيم املر ّبع ال َم ْقسمه.
بعد ذلك يؤ ّيد املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل املبدأ الثاين ،ويصف تقسيم التفتازاين
أن املوضوع إ ّما جزئيبأنّه تقسيم ثنائي منطقي ويقول« :حمصل التقسیمّ :
أن یکون احلکم عىل حقیقي کقولنا( :هذا إنسان) أو کيل ،وعىل الثاين فإ ّما ْ
نفس حقیقة هذا الکيل أو عىل أفراده ،وعىل الثاين فإ ّما ْ
أن یبنی کمیة األفراد
أن احلکم عىل ک ّلها أو عىل بعضها أو ال یبنی ذلك ،بل بأن یبنی ّ
املحکوم علیها ْ
هیمل ،فاألوىل شخصیة والثانیة طبیعیة ،والثالثة حمصورة ،والرابعة مهملة».2
وإن نافذة توسعة هذا التقسيم بصيغة الرتديد بني النفي واإلثباتّ ،
التقسيم متر عرب النفي؛ لذا ،فأقسام احلملیة تنحرص يف أربعة أقسام.
تم حلاظ واملوضوع وأحواله هو معيار هذا التقسيم الثنائي .واحلال أنّه ً
أواًلّ ،
املوضوع يف املرحلة األوىل من هذا التقسيم وهو اجلزئي احلقيقي ،وقالوا يف
احلقیقي ال حیمل عىل ک ّله باملواطاة ،وإنّه ینقسم إىل َع َلم
ّ تعريفهّ :
«إن اجلزئي
شق ثالث شخص و َع َلم جنس» .3ولكي يتناقض قسام الثنائية لئال ُيفرتض ّ
ألن تصور اجلزئي احلقيقي فقد ذكر معيار (اجلزئي احلقيقي) للموضوع؛ ّ
الكيّل ال يمنع .وهذان االثنان نقيضان .ويف املرحلة والتصور ّ
ّ يمنع املشاركة،
أن احلكم الثانية من الثنائية ّبنّي معيار (رسيان احلكم إىل أفراد املوضوع) وهو ّ
إ ّما يرسي عىل أفراد املوضوع وإ ّما ال يرسي .ويف املرحلة الثالثة يذكر معيار
.1م .ن ،ص .112
.2م .ن.
.3جرب ،فرید ،موسوعة مصطلحات علم املنطق ،ص .237
| 424تاریخ علم املنطق
حال منكل ٍ (كم األفراد) للموضوع؛ أي ،يف املراحل الثالثة مجيعها ّاخّتذ ّ ّ
معيارا جديدً ا للتقسيم؛ لذا فا َمل ْقسم يف هذا التقسيم املر ّبع
ً أحوال املوضوع
هو (قضية محلية) ،ويعدّ (املوضوع) بحاالته الثالث (اجلزئية ،الرسيان،
إن (املوضوع) هو معيار التقسيم الكم) جه ًة واحد ًة لوحظت يف ا َمل ْقسم .أي ّ
ّ
املربع وأساسه ،وليس مقسمه.
قبل التفتازاين ،كان قطب الدين الرازي (766 – 647هـ) أحد عظامء
علامء اإلسالم ومفاخر الشيعة يف علم املنطق والكالم والفلسفة قد طرح
يف كتاب (حترير القواعد املنطقية يف رشح الشمسية) ،وهو رشح عىل كتاب
الشمسية لنجم الدين عمر بن عيل الكاتبي القزويني (۶۷۵هـ) طرح هذا
التقسيم الثنائي وعدّ ا َمل ْقسم (القضية احلملية) ،ومعيار التقسيم هو موضوع
القضية.1
وكان ابن سينا قد ذكر هذا التقسيم هبذا األسلوب الثنائي والرتديد بني
النفي واإلثبات ،ولك ّن أقسامه مل تزد عن الثالثة (الشخصية ،واملهملة،
واملحصورة) .2طب ًعا كان موضوع القضية هو ا َمل ْقسم يف تقسيم ابن سينا،
املتأخرون تقسيم ابن سينا هذا ،حسبام ذكر قطب الدين الرازي ّ وقد انتقد
أن هذا التقسيم ال يشمل مجيع األقسام؛ إذ مل تُذكر القضية وآخرون ،حمتجني ّ
الطبيعية ضمن أقسام احلملية ،فكان جواب قطب الدين الرازي عىل ذلك:
«و اجلواب ّ
أن الکالم يف القض ّیة املعتربة يف العلوم ،والطبیع ّیات ال اعتبار
ألن احلکم فی القضایا عىل ما صدق علیه املوضوع -و هی هلا فی العلوم؛ ّ
األفراد -و الطبیعة لیست منها».3
.1الرازي ،رشح مطالع االنوار ىف املنطق ،ص .243
.2ابن سینا ،حسین بن عبد الله ،اإلشارات والتنبیهات ،ج ،1ص .117
.3الرازي ،رشح مطالع األنوار ىف املنطق ،ص .244
موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | 425
لو أردنا أن نح ّلل ر ّد قطب الدين الرازي من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد اهلل
ألن ابن سينا ذكر يف تقسيمه القضايا أن هذا اجلواب واف ًيا وتا ًما؛ ّفال يبدو ّ
أن هذه القضايا ،من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد
أيضا ،حيث ّ (الشخصية) ،و(املهملة) ً
اهلل ،ليست من العلوم املعتربة ،وطب ًقا هلذا التحليل ما كان للشخصية واملهملة
أن تذكرا .بحسب اعتقاده القضية املحصورة هي وحدها املعتربة وال أيضا ْ
ً
غري ،وسنأيت عىل بسطها وتفصيلها يف مبحث تقييم اعتبار القضية الطبيعية.
ويف معرض تبيينه ألسباب عدم اعتبار املهملة يقول « :إذ ک ّلام صدق
احلکم عىل أفراد املوضوع فی اجلملة صدق عىل بعض أفراده».
باعتقاد ا ُمل ّاّل عبد اهلل املهملة واجلزئية متالزمتان؛ وسبب هذا التالزم هو
أنّه يف القضايا املهملة ّ
فإن احلكم حيمل عىل أفراد املوضوع (يف اجلملة) .ويف
هذه احلال يكون احلمل عىل بعض األفراد قطع ًيا .وعليه ،فاملهملة تقع حتت
أيضا بال اعتبار؛ ّ
ألن املعرفة طائل القضايا اجلزئية .والقضایا الشخصیة ً
.1الیزدي ،املال عبد الله ،الحاشیه علی تهذیب املنطق ،ص .58
| 426تاریخ علم املنطق
أن من بني األقسام املذكورة يف التقسيم املر ّبع إ ًذا ،باعتقاد ا ُمل ّاّل عبد اهلل ّ
القضايا املحصورة وحدها هي املعتربة« :فانحرصت القضایا املعتربة فی
الكمية املذكورة يف املوضوع تار ًة تكون كلي ًة
ألن ّاملحصورات األربع» ،ولكن ّ
فإن القضية املحصورة شامل ًة جلميع األفراد ،وتار ًة أخرى تشمل بعضهمّ ،
كيّل وجزئي .من ناحية ثانية ،لو أضيف إىل االهتامم بكمية تنقسم إىل قسمني ّ
أيضا ،النقسمت القضية إىل قسمني :موجب القضية االهتامم بكيفيتها ً
وسالب ،ولكان حاصل رضب كم وكيف القضية حت ّقق أربعة أنواع قضايا
معتربة يف علم املنطق.
.1م .ن.
موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | 427
ينتقد املرحوم املریزا حممد عيل يف حاشيته عىل احلاشية كالم ا ُمل ّاّل عبد اهلل
أن القضايا الطبيعية يف علم املنطق سلب اعتبار القضايا الطبيعية ،ويعتقد ّ
وأهّنا جز ًءا من مسائل هذا العلم .وبخالف ما يعتقد ا ُمل ّاّل عبدمعتربة متا ًماّ ،
أن معرفة موضوع الطبيعية واالطالع حول أحواله وأحكامه ليس اهلل من ّ
تم
كاماًل ،يقول املرحوم املريزا حممد عيل إنّه يف مواضع عدّ ة من علم املنطق ّ ً
مثاًل قيل يف الشكل البحث يف أحوال وأحكام موضوع القضية الطبيعيةً .
األول غري منتجة .أو إنّه يف إن الطبيعية يف كربى الشكل ّ األول للقياس ّ
مبحث عكس املستوى يتحدّ ث عن أحواله؛ لذا ،فالطبيعية يف علم املنطق
معتربة.
بعد ذلك ويف معرض دفاعه عن هذه األشكال يقول :ربام كان ما يقصده
ا ُمل ّاّل عبد اهلل اعتبار هذه القضايا يف علم الفلسفة واحلكمة ،ال يف مطلق
العلم.1
نتيجة البحث
ثمة نظريتان مطروحتان :التحويل وعدم ـ ـيف مكانة القضية الطبيعية ّ
التحويل ،وكان ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي يعتقد بنظرية عدم حتويل الطبيعية.
ٍ
كقضيلة مستقلة ،ويف ورشاحه إىل القضية الطبيعية
ـ ـمل ينظر ابن سينا ّ
أقل قضية شخصية، ٍ
كقضية مهملة ،ويف أحيان ّ الغالب كانوا يصنّفوهنا
وقد تأ ّثر ّ
الرشاح يف هاتني النظريتني التحويليتني أعني املهملة أو
الشخصية بازدواجية كالم ابن سينا يف اإلشارات والشفاء.
ـ ـوف ًقا لرأي ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي ّ
إن موضوع القضية الطبيعية من
ـ ـوف ًقا لرأي ا ُمل ّاّل عبد اهلل ،ال اعتبار للقضايا الطبيعية لسببنيّ :
األول هو
أن الطبيعية ال تُستخدم بأي ٍ
وجه يف العلوم .والثاين ال يوجدّ موضوع ّ
ّ
الطبيعية يف اخلارج وإنّام له حيثي ٌة مفهومية فحسب ،من هنا ّ
فإن املعرفة
والتعرف عىل أحواله وأحكامه ال يعدّ ً
كاماًل ّ واالطالع هبكذا موضوع،
تعرض هذا الرأي لنقد اآلخرين. لإلنسان .وقد ّ
موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | 429
16.الفخر الرازي ،رشح اإلشارات ،منشورات مجعية اآلثار واملفاخر العلمية.1384 ،
17.فرامــرز قراملکــی ،احــد؛ از طبیعیــه تــا حممــول درجــه دو؛ مقــاالت و بررسـیها؛ العــدد
.1382 ،74
18.الیزدي ،املال عبد اهلل؛ احلاشیة علی هتذیب املنطق؛ قم :مؤسسة النرش االسالمی؛ 1412هـ.
ُ َّ ٌ ٌ ُ ُ َّ
1
منطق املظفر دراسة مقارنة مع حاشية ماَّل عبد اهلل
2
د .الشيخ مرتىض فرج
ُملخّص البحث
حممد رضا ا ُملظ َّفر؛ يخ َّ بيان مزايا كتاب املنْطق َّ
للش ِ تستهدف َ
ُ هذه الدِّ راس ُة
واألسباب التي دفعت الكثريين لالقتنا ِع بأنَّه َ اجلدَّ ِة واإلبداع، ِ
مظاه َر ِ لت ُِرب َز
تم من غة حديثةُ . ْطق األرسطي ب ُل ٍ يعر ُض للمن ِ كتاب ِ ٍ ُ
بيان هذا األمر َّ أدق
ْهجأهم حم َّطات ومباحث الكتاب ،ومقارنتها بام جا َء يف املن ِ ِ
خالل استعراض ّ
الضوء عىل ٍ ِ
نقاط ثم تسليط َّ السابق ا ُملتم ِّثل بـ حاشية ُم َّاَّل عبد اهللَّ . التَّقليدي َّ
ِ
األنامط ص يف َّ ملواكبة اجلديد يف ِ ِ ِ
وتتلخ ُ حقل املنْطق، اجلدير االلتفات إليها من
واملغالطات والتحي ِ
زات اإلدراكية. ِ اجلديدة من املنطق، ِ
ُّ
متهيد:
كتاب أ َّل َف ُه أحدُ أعال ِم حوزة النَّجف
ْطق ا ُملظ َّفر) هو ُاملشهور بـ (من ِ
الكتاب ْ
ُ
الشيخ حممد رضا ا ُملظ َّفر ،3وقد م َّث َل قفز ًة يف ِ
جمال إصالح املرحوم َّ ِ
َّ وأفذاذها؛ ْ
ٍ
بطريقة ْطق األرسطي وعر َض املن َ املنْهج الدِّ رايس يف احلوزات الع ْلميةَ ،
َ
مكان الكتاب َ
وأخذ شي ًئا فشي ًئا واجلامعات،
ُ احلوزات
ُ فريدة ،وهتافتت عليه
احلوزات العلمية (عىل مدى عرشات ِ ً
تداواًل يف أكثر ُكتُب املنْطق الذي َ
كان َ
.1مصدر البحث :موسوعة العالمة الشيخ املظفر ،املجلد ،11البحوث املشاركة يف املؤمتر
الدويل حول التجديد يف فكر الشيخ محمد رضا املظفر ،ص 1437 .539هـ2016/م.
ص يف فلسفة املنطق وعلم اإلدراك وعلم الكالم /الكويت.
متخص ٌ
ّ .2
ّ
وتويّف يف 16رمضان 1383هـ 13/يناير .3ولد يف 5شعبان 1322هـ 15/أكتوبر 1904م.
1964م.
| 432تاریخ علم املنطق
قديم كت َب ُه
ٌ كتاب
ٌ السنني) ،1أعني (حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل) ،2وهو
ور َّبام مئات ِّ
.1من الكتب املنطقية القدمية التي ما زالت متداول ًة يف الجامعات الدينية والحوزات ،الشفاء/
املنطق ،واإلشارات والتنبيهات/املنطق البن سينا ( 427هـ1037/م) ،وكتاب البصائر النصريية
لزين الدين عمر بن سهالن الساوي (ت 540هـ1145/م) .أيضً ا كتاب ال ِّرسالة الشَّ مسية للكاتبي
القزويني (615هـ1276/م) ،وهو من تالميذ نصري الدين الطويس ،وميثّل مدرسة الرشقيني
(مدرسة ابن سينا) ،ورشوحها املتعدّدة ،منها رشح قطب الدين الرازي (ت 766هـ1365/م).
أيضً ا كتاب مطالع األنوار للقايض رساج الدين محمود بن أيب بكر األرموي (ت 682هـ1283/م)،
وهو ميثّل مدرسة الغربيني (مدرسة بغداد :الفارايب) ،ورشحه لقطب الدين الرازي أيضً ا ،الذي جمع
للعاّلمة جامل
ّ بني املدرستني .أيضً ا من الكتب املتداولة الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد
الح ّيّل (ت726هـ1325/م). الدين حسن بن يوسف ِ
.2كتب الشيخ جعفر السبحاين يف ترجمة ُمال عبد الله اليزدي« :عبد الله بن الحسني (شهاب
الدين) اليزدي الشاه آبادي ،امللقب بـ (نجم الدين) ،صاحب الحاشية عىل تهذيب املنطق،
املعروفة بـ (حاشية الم ُّاّل عبد الله).
ني املتكلّمنيِ :جامل الدين محمود الشريازي (تلميذ جالل الدين الدواين) ،والسيد تتلمذ عىل الحكيم ِ
غياث الدين منصور بن محمد الدشتيك الشريازي (ت 948هـ) .وعكف عىل املطالعة والبحث
وتخصص بها .وتصدر للتدريس ،فمهر به .أثنى عليه محمد ّ والتحقيق ،ال سيّام يف العلوم العقلية،
عاّلمة زمانه) وقال« :كان مبارك التدريس ،ما أمني املحبي الحنفي ،ونعته بـ (صاحب التحقيقاتّ ،
«العاّلمة ،املتكلّم ،الفقيه ،املنطقي».
ّ اشتغل عليه أحد إال انتفع» .وقال عبد الله األفندي يف حقه:
تتلمذ عىل املرتجم يف الحكمة والكالم وغريهام من العلوم العقلية لفيف من كبار العلامء .منهم:
بهاء الدين محمد بن الحسني العاميل ،الشهري والحكيم املتكلم السيد ظهري الدين إبراهيم بن
الحسني بن عطاء الله الحسني الطباطبايئ ،والسيد محمد بن عيل بن أيب الحسن املوسوي العاميل
صاحب (املدارك) ،والحسن بن الشهيد الثاين زين الدين العاميل صاحب (املعامل) ،وآخرون.
وكان متمك ًنا من التأليف بعبارات تتصف بالسهولة واإليجاز .حرر بعض مؤلّفاته يف بالده إيران،
وأسس بها مدرس ًة دينية) ،وإليك عددًا منها: وبعضها اآلخر يف النجف األرشف (التي قطنها ّ
حاشية عىل الحاشية القدمية للد َّواين عىل رشح تجريد العقائد لعالء الدين عيل بن محمد القوشجي.
حاشية عىل مبحث الجواهر من رشح التجريد.
حاشية عىل تهذيب املنطق للتفتازاين ،وهي مشهورة (أنجزها فيالنجف األرشف عام 967هـ،
وأصبحت معتمد العلامء واملتعلمني يف الدراسة الحوزوية لزمن طويل).
حاشية عىل حاشيتي :الد َّواين (القدمية) والرشيف الجرجاين عىل رشح املطالع يف املنطق لقطب الدين الرازي.
حاشية عىل الرشح املخترص للتفتازاين عىل تلخيص املفتاح يف املعاين والبيان لجالل الدين
محمد بن عبد الرحمن القزويني.
وحاشية عىل حاشية نظام الدين عثامن الخطايئ عىل الرشح املخترص املذكور ،وغري ذلك.
تويّف يف النجف األرشف سنة إحدى ومثانني وتسعامئة .راجع :جعفر السبحاين ،معجم طبقات ّ
املتكلمني ،ج ،3ص.304-302
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 433
ُ
ِ
كتاب (هتذيب ٍ
كحاشية عىل اليزدي (ت 981هـ1573/م،). ا ُمل َّاَّل عبد اهلل ْ
ِ
لسعد الدِّ ين ال َّت ْفتازاين (ت 792هـ1390/م) . املنْطق والكالم)
السطح ،واالكتفاء بها عن جميعِ ال ُكتُب الدِّراسية األصولية، منها :إنَّها ال ميكن االقتصا ُر عليها يف َّ
وإمّنّ ا هي مرشَّ حة لتكون الحلقة الوسيطة بني املعامل وكتايب الكفاية وال َّرسائل عىل ما يبدو من
ح أ َّن هذا أشبه ما يكون بعملي ِة الرتقيع؛ فهي وإ ْن حرصت عىل أ ْن تعطي ظروف وضعها .ومن الواض ِ ِ
ِّف إدراكُ ُه واستيعابُهُ ،ولك َّنها تيح للمؤل ِ ُ
للطالب غالبًا األفكار الحديثة يف علْمِ األصول بقد ِر ما أ َ
َّالب بـ املعامل ،ليقرأ أفكا ًرا أصولية ومناهج تصبح قلق ًة حني توض ُع يف مرحل ٍة وسطى ،فيبدأُ الط ُ ُ
ينتقل من ذلك فجأ ًة وبقدر ِة قادر ُ السنني ،ث َّم ِّ مئات قبل
َ ْم ل الع عليه كان ملا ًا ق وف ِ
البحث يف أصولية
ليلتقي يف أصول الفقه أفكا ًرا أصولية حديثة ،مستقاة من مدرس ِة املحقِّق النائيني عىل األغلب،
َّالب فهم هذه األفكار ،نرج ُع به تحقيقات املحقِّق األصفهاين أحيانًا .وبعد أ ْن يُفرتَض أ َّن الط َ ِ ومن
خطو ًة إىل الوراء ،ليلتقى يف ال َّرسائل والكفاية بأفكا ٍر أقدم تاريخيًا ،بعد أ ْن نوقش جملة منها يف
ريهُ العلْمي يف َّالب مس َ
السابقة ،واستبدلت جملة منها بأفكار أمنت .وهذا يُش ِّوش عىل الط ِ الحلق ِة َّ
الصحيح. السطْح ،وال يجعله يتح َّرك يف االت ِّجا ِه َّ مرحل ِة َّ
قس َم ُه إىل أربع ِة أقسام غرَّي املظه َر العام لعلْمِ األصول؛ إذ َّ أصول الفقه عىل ال َّرغمِ من أنَّه َّ َ ومنها :إ َّن
عاَّم وأدرج مباحثَ االستلزامات واالقتضاءات يف نطاقِ املباحث العقليةً ،
بداًل َّ َ بداًلً من قسمني،
رصف يف كيفي ِة ُّ الت يتجاوز مل هذا ولكن األلفاظ، مباحث ضمن ِها ر ذك من ِّفون د َر َج عليه املؤل
ص ِّنفت يف السابقة إىل مجاميع .فقد ُ ب َّ تقسيم مجموعة املسائل األصولية املطروحة يف ال ُكتُ ِ
رصف جوه َر تلك املسائل ،ومل ميس هذا الت ُّ أربعِ مجاميع – كام أرشنا – بداًلً من مجموعتني ،ومل ّ
مسائلَ ِ ِ
ووجوب مقدِّمته ِ ِ
اليَّشءوجوب َّ ِ ِّمات مسألة املالزمة بني مثاًل يف مقد ِ يستطع أ ْن يكتشف ً
رص َ اقت وهكذا العقلية. َّة ل األد نطاقِ يف أصولية كمسائل ض ر
َ ُع ت ن
ْ أل الفني أصولية لها استحقاقها
ري عىل املظهرِ ،ومل يتجاوزه إىل الجوهر. التغي ُ
مستويات متقاربة. ٍ وكاًم ،أو عن واحد من العطاء كيفًا ً ٍ ُعرِّب بحوث ُ ُه عن مستوى الكتاب ال ت ِّ َ ومنها :إ َّن
رص ويوج ُز يف مباحثَ أخرى .فالحظ يتوس ُع ويتع َّمق ،بينام يخت ُ ِ
الكتاب يف بعض مباحثه َّ ِ َ بل إ َّن
بحث املطلق واملقيد ،وما ِ موسعٍ فيام يتصل باعتبارات املاهية يف َّ تحقيقٍ من عليه يشتمل
ُ ما مثاًل
ً
توسعٍ يشتمل عليه من ُّ ُ ح ْسن وال ُق ْبح العقليني ،وما وإطناب يف مباحث ال ُ ٍ توسعٍ يشتمل عليه من ُّ ُ
إثبات جريان االستصحاب يف موار ِد الشَّ ّك يف املقتيض .بل امللحوظ يف كثريٍ من ِ كذلك يف
ِض منهجيًا أ ْن تكون بعدَهُ يف الخطِّ ُ ِ
تنسيق بينها وبني بحوث الكفاية التي فر َ َ بحوث الكتاب أنَّه ال ِ
رب ًرا لدراس ِة ماَّم يف الكفاية وأعمق ،ال يُبقي ُم ِّ ض بنح ٍو أوسع َّ الدِّرايس .فجمل ٌة من املسائلِ ت ُع َر ُ
ض موجز ًة أو ساذج ًة عىل نح ٍو املسألة نفسها من جديد يف الكفاية .وجمل ٌة أخرى من املسائلِ تُع َر ُ
يبقى لـ الكفاي ِة قدرتها عىل إعطا ِء املزيد أو التعميق.
يجب أ ْن يت َّم بصور ٍة كاملة ،فيُع َّوض عن مجموع ِة ال ُكتُب الدِّراسية األصولية ُ َ
االستبدال وقد رأينا أ َّن
ثالث مراحل. ِ أسس مشرتكة ،وعىل ٍ ح واحدة ،وعىل فعاًل مبجموع ٍة أخرىُ ،مص َّممة برو ٍ القامئة ً
الصدْر ،دروس يف علم األصول ،دار وهذا ما قُ ْمنا به بعونِ الل ِه وتوفيق ِه .»...الس ِّيد محمد باقر َّ
التعارف للمطبوعات1989 ،م ،بريوت ،مقدمة الكتاب ،ص.225-223
كتاب امل ْنطق هو مرشوع الشَّ يخ املظفَّر الدِّرايس املكتمل ،الذي َ يف ضو ِء ما م ّر ،نستطي ُع القول أ َّن
األساس يف باب ِه.ُ زال هو كاماًل يف مل ِء الفراغ ،وما َ ً لعب دو َرهُ َ
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 435
ُ
يخ مرتىض آل ياسني (خماط ًبا مؤ ِّل َف ُه ا ُملظ َّفر)« :ما الش َُب َّ عن هذا الكتاب ،كت َ
ِ ِكدْ ُت ْ
نعمت باال ِّطال ِع ُ كتاب املنْطق ،الذي أفر َغ من مطالعة كتابِ َك الق ِّيمَ ، أن َ
وتقديرا
ً امتألت إعجا ًباُ حيث ال أحتسب ،حتى وجدْ تني قد أخريا من ُ عليه ً
شأن من شؤونِ ِه .فق ْل ُت إ ْذ كل ٍ ِ
املاثلة يف ِّ ِ
العظيمة ِ
للجهود وإكبارا
ً ملؤ ِّل ِف ِه،
أن تُدْ عى (ا ُملظ َّفر) ح ًقا ،إ ْذ منذ اليوم ْأجدر َك ُ
َ كأيِّن أراك :ما اك ِّ ذاك خماط ًبا إ َّي َ َ
الفتح ما بعدَ ُه من ِ َ
يكون هلذا يديك هذا الفت َْح املبني .وعسى ْ
أن َ فت ََح اهللُ عىل
ويتالحق ال َّظ َف ُر عىل
َ الفتح
ُ َ
يتواصل ميادين الع ْل ِم واألدب ،حتى ِ الفتوح يفِ
الفاتح ا ُملظ َّفر».2
ُ ُ
البطل يديك ُّأهُّياَ
الفيلسوف اليوناين أرسطو طاليس ( 322-384ق.م)، ُ ؤس ُس ع ْلم املنْطق هو
ُم ِّ
جمموعة ُمؤ َّلفاتِ ِه األُورغانون (األداة أو اآللة)،
ِ فهو َّأو ُل من َّ
هذ َب قواعدَ ُه يف
.1كتبت كتب كثرية بعد كتاب املنطق للمظفّر ،لكنها مل تنجح يف منافسته ،منها عىل سبيل
املثال :املنطق اإلسالمي :أصوله ومناهجه ،للسيد محمد تقي املدريس (1397هـ) .ومذكرة
املنطق ،للشيخ عبد الهادي الفضيل (1409هـ) ،ومقدمات يف علم املنطق ،لـ د .هادي فضل
الله (1416هـ) ،وتهذيب املنطق ،لـبسام مرتىض (1419هـ) ،واملنطق ،للشيخ إبراهيم األنصاري
(1419هـ) ،ودروس يف علم املنطق ،لـلسيد حسني الصدر (1426هـ)....،الخ.
.2يف رسال ٍة ملحقة بآخر كتاب املنطق للمظفَّر ،ص.445
| 436تاریخ علم املنطق
ُب التالية :املقوالت ،1العبارة ،2التَّحليالت األوىل ،3التَّحليالت وتض ُّم ال ُكت َ
ُ
والشعر.8 كتاب اخلطابةِّ 7 ضيف إليهاُ :
َ الس ْفسطة .6و ُأ
ال َّثانية ،اجلدل َّ ،
5 4
حممد حسن بن موسى الشيعة :أبو َّ عن ف ِّن املنْطق والكالم) .ومن ِّ
الشيخ أبو سعيد أبو اخلري الصوفيةَّ : النَّوبختي (ت بعد 300هـ) ومن ُّ
ِ
مشكلة أشار فيها إىل امليهني (ت 440هـ) ،وله مناظرة مع ِ
ابن سينا َ ،
السلفية :أبو الع َّباس أمحد بن تيمية الشكل األول .ومن َّ ِ
قياس َّ الدَّ ور يف
والر ُّد عىل
ْطق اليونان َّ(الر ُّد عىل من ِ
َب َّ الدِّ مشقي (ت 728هـ) الذي كت َ
املنْطقيني).
الصالح َّ
الشهرزوري( :ت 643هـ) «من الشافعي ابن َّأما كلم ُة الفقيه َّ
املشهورة بحر ِ
مة دراسة وتدريس متنْ َط َق فقد َتزنْدَ ق» -صاحب الفتوى ْ
ُْ
طارت يف اآلفاق.
املنْطق -فقد َ
كذلك قد يعدّ من خمالفي املنْطق األرسطي :ابن خلدون (ت 806هـ) كام
حممد أمني االسرتابادي(ت الشيعي اإلخباري َّ يظهر يف املقدِّ مة ،1وا ُملحدِّ ث ِّ
َ
أن القواعدَ املنطقية إنَّامذهب إىل َّ 911هـ) كام يظهر يف الفوائد املدنيةُ ،
حيث َ
جهة الصورة ال من ِ
جهة املا َّدة.2 هي عاصم ٌة عن اخلطأِ من ِ
ُّ
الكنْدي (ت 260هـ). ديه :يعقوب بن إسحق ِ اح ِه أو مؤي ِ أبرز ُرُش ِ
ـ ـومن ِ
ُ ِّ َّ
نرْص الفارايب (ت 340هـ ،).وله كتاب األوسط الكبري .وأبو وأبو ْ
الشفاء/املنْطق واإلشارات عيل بن سينا(ت 428هـ) ،وله كتاب ِّ ّ
الغزايل (ت 505هـ) ،وله والتَّنبيهات/املنْطق ،والنَّجاة .وأبو حامد َّ
الساوي ،وله البصائر النُّصريية .وأبو معيار الع ْلم .وعمر بن َّ
السهالن َّ ُ
.1مقدمة ابن خلدون ،دار العلم للجميع ،بريوت ،الفصل الثالث عرش (يف العلوم العقلية
وأصنافها) ،الفصل السابع عرش (يف علم املنطق) ،الفصل الرابع والعرشون (يف إبطال الفلسفة
وفساد منتحليها).
.2املوىل محمد أمني االسرتابادي ،الفوائد املدنية ،مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة لجامعة
املد ّرسني بقم املقدّسة ،ط1426 ،2هـ ،ص.260-256
| 438تاریخ علم املنطق
منطق املُظفَّر:
ُ
فكتاب املنطق َّ
للش ِ
يخ ُ انتقل اآلن إىل املوضو ِع األساس هلذا البحث. ُ
وأسباب
ُ نظري له يف بابِ ِه.
درايس ال َ
ٍّ ٍ
ككتاب ا ُملظ َّفر له مزايا فريدةَ ،
فرض ْت ُه
املضمون. ِ
واالستيعاب يف ْ ض،اجلدَّ ِة يف ال َع ْر ِ
مظاهر ِ
ِ ذلك تتم َّث ُل يف
ِ
واألشكال التَّوضيحية ُك َّلام دعت احلاج ُة إىل ِ
باألشجار تم تزويدُ الكتاب
َّ 1.
ذلك.1
ِ
حاشية ُم َّاَّل ور َد يف ٍ ٍ ٍ ِ
بتذييل ّ
كل نقطة بمقارنة موجزة بام َ النُّقاط اآلتية ،وسأقو ُم
رب َز بوضوح اخلدْ مة التي أسداها قرر الذي سب َق ُه) ،حتى ت ُ عبد اهلل (الكتاب ا ُمل َّ
كتاب املنطق: ُ
وتعريف ِه ،بدون املرور ِ ِ
املنطق بتوضيح احلاجة إىلِ 1.بد َأ ا ُملظ َّفر كتا َب ُه املنطق
ٍ
وأسلوب متم ِّيز.1 بعبارات واضحة ٍ مات ال حاج َة هلا، بمقدِّ ٍ
ِ
البداية بتقسي ِم الع ْلم إىل رش َع املؤ ِّلف يف ِ
مقارنة :يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهللَ ،
رضوري ونظري ،مستهد ًفا ٍّ كل منهام إىل ثم انقسا ُم ٍّ تصو ٍر وتصديقَّ ، ُّ
خل ُمع َّقدً ا عىلفصار املدْ ُ َ بذلك تعريف املنطق وبيان احلاجة إليه،
الب املبتدئ.2 ال َّط ِ
َّمييز املهم بني الع ْل ِم احلاشية إىل الت ِ ِ انتقل ا ُملظ َّفر إىل الع ْلم ،فن َّب َه يفثم َ َّ 2.
َ
املبحوث عنه يف احلصويل والع ْل ِم احلضوري ،والفوارق بينهامَّ ،
وأن
املنطق هو الع ْل ُم احلصويل.3 ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،ال نرى ِذك ًْرا للع ْل ِم احلضوريً ،
فضاًل ِ مقارنة :يف
عن ِ
بيان الفوارق بينَ ُه والع ْل ِم احلصويل.
(احلسية ،اخليالية، بيان قوى النَّفس اإلنسانية األساسية انتقل ا ُملظ َّفر إىل ِ
ثم َ
ِّ َّ 3.
ِِ َ
يدير د َّف َة مدركاته ِّ
احلسية العقل ُ الومهية ،العقلية)ُ 4،من ِّب ًها عىل َّ
أن
وينتزع املعاين
ُ الصحيح منها من الفاسد، واخليالية والومهية ،و ُيم ِّي ُز َّ
ُ
وينتقل من معلو ٍم إىل بعضها عىل بعض، ويقيس َ
ُ ال ُك ِّلية من اجلزئيات،
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،ال نجدُ ِذك ًْرا لقوى النَّفس اإلنسانية ِ مقارنة :يف
القوة العقلية ِ
(احلسية ،اخليالية ،الومهية ،العقلية) ،لر ْبط َّ ِّ األساسية
ِ
بتحصيل الع ْلم.
تصو ٍر وتصديق ،4فقدَّ َم ِ
انتقل ا ُملظ َّفر إىل بيان انقسام الع ْلم احلصويل إىل ُّ ثم َ َّ 4.
(كابن سينا و ُم َّاَّل صدرا) ،وبامذا ِ ِ
الفالسفة لنا خالصة آراء ا ُملح ِّققني من
بأن التصديق ال يتع َّلق إال التصور والتصديق ،ليعرف القارئ َّ ُّ يتع َّلق
باملفرد والن ِ
ِّسبة ِ التصور الذي يتع َّلق ِ
بخالف باجلملة اخلربية (القضايا)، ِ
ُّ
رشح لنا أقسا َم َّب الناقص .كام ِ
اإلنشاء وا ُملرك ِ ِّسبة يفاخلرب والن ِ ِ يف
َ
التصديق ،ل ُيم ِّي َز بني درجاتِ ِه املختلفة (يقني ،ظ ّن ،شك ،وهم) .وبعد
ث وأقسام ِه ،5فتحدَّ َ
ِ ِ
اجلهل انتقل إىل وأقسام ِهَ ، ِ أن انتهى من ِ
بيان الع ْل ِم ْ
بسيط ومركَّب ،مؤ ِّكدً ا يف الن ِ
ِّهاية عىل ٍ عن انقسا ِم اجلهل التصديقي إىل
ُ
فاجلهل ا ُملركَّب يتخ َّيل صاح ُب ُه أنَّه ُ اجلهل ا ُملركَّب ليس من الع ْلم، َ َّ
أن
.1وهذا ما سيرشحه العالمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الرابعة من كتابه أصول الفلسفة
واملنهج الواقعي.
.2املظفّر ،املنطق ،ص.15-13
العاّلمة الطباطبايئ ،بداية الحكمة ،ص .153والعمق الفلسفي لهذه األبحاث تجدها فيام ّ .3
رشحه العالمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الخامسة من كتابه أصول الفلسفة واملنهج الواقعي.
.4وقد أشار أرسطو لذلك يف :منطق أرسطو ،يف العبارة ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،ج ،1ص.100-99
.5تط ّرق أرسطو إىل الجهل ،وأ َّن من فَقَد ًّ
حسا فقد ف َق َد عل ًْاًم ،وأنَّا إمَّنَّ ا نتعلَّم إما باالستقراء أو
بالربهان ،وأ َّن العلم ال يكون إال بالك ُِّيِّل ،والك ُِّيِّل ال يستخلص إال باالستقراء ،واالستقراء ال يتم
بدون إحساس .انظر :منطق أرسطو ،الربهان ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،ج ،2ص.385
| 444تاریخ علم املنطق
والفر ُق بني
ْ والذاكرة طويلة املدى.1 والذاكرة قصرية املدىَّ ، احلسيةَّ ، ِّ
رشحها ا ُملظ َّفر ،وحركة العقل وفق نموذج معاجلة حركة العقل كام ِ
َ
ب املعلومات كس َ رشحها ا ُملظ َّفر ت ِّ
ُفرِّس ْ أن حرك َة العقل كام َ املعلوماتَّ ،
بخالف نموذج معاجلة املعلومات ِ ريقة القياسية األرسطية، وف ًقا لل َّط ِ
الذي ال حيرص نفسه هبذه ال َّط ِ
ريقة فقط. َ ُ
للرَّضوري والنَّظري،
مقتضب جدً ا َّ بيان ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهللٌ ، مقارنة :يف
ٌ
حلركة العقل وأدوارها اخلمسة.2 ِ أي ذكردون ّ
ِ ِ
ألبحاث املنطق الب املبتدئ خالل النَّقاط املاضية ،ال يته َّيأ ال َّط ُ 6.من
ألهم أبحاث ع ْلم أصول الفقه (مباحث ِّ أيضا
يصبح مه ًَّيا ً
ُ فحسب ،بل ْ
األلفاظ) ،والف ْلسفة (نظرية املعرفة).
لـحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،الذي مل مت ُ ُّر عليه ِ ارس مقارنة :ال َّط ُ
الب الدَّ ُ
كبري
أثر ٌ املطالب املرشوحة يف كتاب املنطق ،يفتقدُ هذا الته ُّيؤ .وهلذا ٌ
ذهن طالب أصول الفقه والف ْلسفة. يف ْتر ِك أو سدِّ ثغرة يف ِ
األبحاث إىل ست ٍَّة (األلفاظ، َ قس َم ِ
يرْش َع ا ُملظ َّف ُر بأبحاث املنطقَّ ، أن ْ َ قبل ْ َ 7.
أن مشريا إىل َّ ً ناعات اخلمس)، ُ الص
حل َّجةِّ ، عرف ،القضايا ،ا ُ الك ُِّيِّل ،ا ُمل ِّ
ِ
عرف يكم ُن يف مبح َثي :ا ُمل ِّ الصورة واهليأة ُ حيث ُّ نقط َة ارتكاز املنطق من ُ
ُ
(ومبحث التصوري
ُّ ِ
باملجهول التوص َل إىل الع ْل ِم ُّ يستهدف
ُ الذي
التوص َل إىل الع ْل ِمُّ يستهدف
ُ األلفاظ والك ُِّيِّل مقدِّ م ٌة له) ،واحلُ َّج ُة الذي
أن نقط َة (ومبحث القضايا مقدِّ م ٌة له) .يف حني َّ ُ ِ
باملجهول التَّصديقي
الصناعات اخلمس، ِ ُ
تكم ُن يف مبحث ِّ حيث املا َّدة ُ ارتكاز املنطق من
كل من أتكنسون وشيفرن ( )1971 ،Atkinson & Shiffrinمن األوائل الذين أسهموا يف .1ويُع ّد ٌّ
صياغة منوذج معالجة املعلومات .وجرى بعد ذلك تعديل عىل هذا النموذج يف ضوء إسهامات،
باديل ( ،)1982 ،Baddeleyوأندرسون ( ،)1990 ،Andersonوال سيّام يف مجال الذاكرة العاملة.
.2حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.33-31
| 446تاریخ علم املنطق
وباخلصوص :صناع ُة ُ ْ
الرُبهان.1
حاشية م َّاَّل عبد اهلل ،ضمن بيان موضوع املنطق ،وأنَّه ِ
ينقس ُم ِ مقارنة :يف
َ ُ
تم إقحام القارئ أو ال َّطالب املبتدئ مبحث ا ُمل ِ ِ
حل َّجةَّ ، عرف وا ُ ِّ إىل
ِ
وتقسيامهِتا!.2 ِ
«العوارض َّ
الذاتية» بمصطلحات ُمع َّقدة ،من ِ
قبيل ٍ
خل(كباب َّأو ٍل ومدْ ٍ ٍ إدخال مباحث األلفاظ ُ 8.من أرو ِع إبداعات ا ُملظ َّفر،
آخر ِه ليس من البحث إىل ِ َ أن «هذا ِ
اهلامش إىل َّ أشار يف
للمنطق) .وقد َ
التوسع،
ُّ َ
يرغبون يف الب الذينمنهاج دراستِنا ،ولكنَّا وضعنا ُه لل ُّط ِ ِ
ِ
مباحث بحث له قيم ُت ُه الع ْلمية ،ال س َّيام يف ٌ حر ًصا عىل فائدَ ِهِتِم .هو ْ
أصول الفقه» .
3
مباحث أصول الفقه ،بل ِ تقترص عىل أن فائد َة هذا البحث ال واحلقيق ُة َّ
ُ
أيضا؛ ألنَّه يقي ا ُملتل ِّقي من املغالطات املنطقية الناشئة له قيم ٌة منطقية ً
مبحث صناعة ِ بعضها يفسوء استخدام األلفاظ ،والتي سيشري إىل ِ عن ِ
ُ ُ
حتت عنوان (املغالطات اللفظية).4 املغالطاتَ ،
برش ِح َ
البحث ْ خصوصا عندما بد َأ
ً إن هلذا البحث قيم ًة فلسفية، كام َّ
الوجودات األربعة لألشياء وهي :وجودان حقيق َّيان (اخلارجي،
والذهني) ،ووجودان اعتباريان ج ْعل َّيان (ال َّلفظي ،والكتْبي)ً .
فضاًل ِّ
رش َح ِ ِ عن الدَّ ِ
خصوصا عندما َ ً وتقسيامت األلفاظ. وأقسامها، اللة
ف والتَّبا ُي َن ،وأقسام األلفاظ املتباينة (املثالن ،املتخالفان، الرَّتا ُد َ
َّ
رش َح أقسا َم التَّقابل (وهلذا البحث بالتَّحديد قيم ٌة ثم َ
املتقابالن)َّ ،
فرد ،وا ُملركَّب)، رش َح أقسا َم ال َّلفظ (ا ُمل َ ثم َمنطقي ٌة وفلسفي ٌة كبري ٌة جدً ا)َّ .
1
فرد إىل (اسم ،كلمة ،أداة) ،وانقسا َم ال َّلفظ ا ُملركَّب وانقسا َم ال َّلفظ ا ُمل َ
ذلك كل َ (خرب وإنشاء)ُّ . ٍ إىل (تا ٍّم وناقص) ،وانقسا َم ا ُملركَّب التام إىل
رب
هيتم به املنطقي هو اخل ُ أن ما ُّ الب املبتدئ َّ أن يت َِّض َح لل َّط ِ أجل ْ من ِ
َّب تا ٌّم وليس بإنشاء.2 لفظ مرك ٌبالتَّحديد (القضايا) ،وهو ٌ
ِ ِ
باستثناء إشارة أثر هلذه األبحاث، مقارنة :يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،ال َ
فرد و ُمركَّب) ،وانقسام مقتضبة إىل أقسا ِم الدَّ اللة ،وأقسام ال َّلفظ ( ُم َ
(خربٍ ال َّلفظ ا ُملركَّب إىل (تا ٍّم وناقص) ،وانقسام املركَّب التام إىل
وإنشاء) ،وبعض تقسيامت األلفاظ.3
مباحــث الك ُِّيِّل ،وهي املباحث املعروفة بـ (اإليســاغوجي) ِ ثم َ
انتقل إىل َّ 9.
ــز ا ُملظ َّف ُر بني الك ُِّيِّل واجلزئي، الصوري .4فم َّي َ التــي ن َّق َحها فرفوريوس ُّ
بوصف ِه ُك ِّل ًيا من ناحية ،وجزئ ًيا من ِ مع لفت النَّ َظر إىل اجلزئي اإلضايف،
متواطئ و ُمشكِّك (وهلذا التقسيم أمهي ٌة ٍ قس َم الك ُِّيِّل إىل ٍ
ثم َّ ناحية أخرىَّ .
َّظر ــم الك ُِّيِّل إىل مفهو ٍم ومصداق .ول َف َت الن َ قس َ ثم َّ فلســفي ٌة ومنطقية)َّ ،
ِ
األمور َ
يكون من جيــب ْ
أن ُ املصداق ال َ يف هذا التَّقســيم األخري إىل َّ
أن
كل ما ينطبق عليه املفهوم املصداق هو ُّ ُ واحلقائق العينية ،بل ِ املوجــودة
أمرا عدم ًيا ال حت ُّق َق له يف األعيان. وإن كان ً ْ
العنــوان واملعنون ،وداللة املفهوم ِ ث عن ضوء ذلك ،عندما حتدَّ َ ِ ويف
.1تعرض أرسطو ألنواع التقابل يف كتابه املقوالت ،انظر :منطق أرسطو ،كتاب املقوالت ،تحقيق
عبد الرحمن بدوي ،ج ،1ص.70-63
.2املظفّر ،املنطق ،ص.55-29
.3حاشية ُمالّ عبد الله ،ص.51-40
.4راجع إيساغوجي فرفوريوس الصوري يف :منطق أرسطو ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،ج،3
ص.1104-1055
| 448تاریخ علم املنطق
وجهات (بسيطة ومركبة) ،وأقسام البسيطة (رضورية القضية وأنواع ا ُمل ِّ
ذاتية ،مرشوطة عامة ،دائمة ُم ْطلقةُ ،ع ْرفية عامةُ ،م ْطلقة عامة ،حينية
خاصة،ُم ْطلقة ،ممكنة عامة ،حينية ممكنة) ،وأقسام ا ُملركَّبة (مرشوطة َّ
خاصة ،وجودية ال رضورية ،وجودية ال دائمة ،حينية ال دائمة، ُع ْرفية َّ
خاصة).1 ممكنة َّ
للمظ َّفر وحاشية ِ
مقارنة :ال نجدُ ْفر ًقا جوهر ًيا يف هذا املبحث بني املنْطق ُ
بوضوح العبارة ومتا ُيز العناوين وتوا ُفر األمثلة عىل ِ ُم َّاَّل عبد اهلل ،إال
قضية يف الكتاب األول دون الثاين.2 ٍ كلِّ
ِ ٍ ثم َ
الرَّشطية املتَّصلة وهي انتقل ا ُملظ َّفر إىل تقسيامت أخرى للقضية َّ ْ َّ 13.
الرَّشطية املنْفصلة وهي (عنادية ( ُل ُزومية ،اتِّفاقية) ،وتقسيامت للقضية َّ ْ
اجلمع ومانعة اخللو).3 واتِّفاقية ،حقيقية ومانعة ْ
للمظ َّفر وحاشية ِ ِ مقارنة :ال نجدُ ْفر ًقا جوهر ًيا يف هذا
املنطق ُ املبحث بني
األو ِل دون الثاين.4 بوضوح العبارة ومتا ُيز العناوين يف َّ ِ ُم َّاَّل عبد اهلل ،إالّ
بحث أحكام القضايا أو الن َِّسب ِ انتقل ا ُملظ َّف ُر إىل الفص ِل الثاينَ ، 14.ويف ْ
ِ ِ ث عن التَّنا ُق ِ
ورُشوطه (الوحدات ال َّثامن)َّ ،
ثم ن َّب َه إىل ض ُُ بينها ،فتحدَّ َ
تلك الوحدات: ضيف إىل َ ُ بعض املناطقة ُي أن َ نقطة بالغة األمهية ،وهي َّ ٍ
احلمل ،فلو ض القضيتني ْ ِ فيجب لتنا ُق ِ
أن يتَّحدا يف ْ ُ حل ْمل). (وحدة ا َ
يصدُ قاأن ْ جيوز ْ
إحدامُها َّأول ًيا ويف األخرى شاي ًعا ،فإنَّه ُ ُ احلم ُل يف كان ْ
َّداخل ،والتَّضاد ،والدُّ خول ِ
انتقل إىل ُم ْلحقات التَّنا ُقض (الت ُ ثم َ م ًعاَّ .
حتت التَّضاد).1
َ
ِ ِ
حل ْمل) يف لرشط (وحدة ا َ مقارنة :يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،ال نجدُ ً
أثرا ْ
ِ بالغ األمهية؛ ألنَّه ُيبدِّ ُد سلسل ًة من رش ٌط ُ
التناقضات التَّنا ُقض (وهو ْ
ِ
حقات تنبيها ُمل ْل احلمل) ،وال نجدُ ِ ِ
ً املوهومة الناشئة من االختالف يف ْ
حتت التَّضاد).2 َّداخل ،والتَّضاد ،والدُّ خول َ التَّنا ُقض (الت ُ
قضية عىل ٍ مبارش من ٌ
استدالل بحث ال ُعكُوس ،وهو انتقل ا ُملظ َّفر إىل ِ ثم َ
ٌ َّ 15.
العكس املستوي فرش َح ِ
َ الصدْ قَ . خالل املالزمة بينهام يف ِّ أخرى ،من
انتقل إىل ثم َ وعكس النِّقيض (املوافق ،واملخالف)َّ . َ وقاعد َت ُه ورشو َط ُه،
ُم ْلحقات العكوس :النَّ ْقض (قاعدة نقض املحمول ،وقاعدة النَّقض
تظهر ِ
ثم خت ََم بالبدهية املنطقية ،وهبذه اخلامتة َ التام ونقض املوضوع)َّ .
نقط ُة تالقي املنطق بالعلو ِم ِّ
الرياضية.3
تم إقحام ِ ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،وتب ًعا
للمتن (التَّهذيب)َّ ، مقارنة :يف
تم إقحام ال َّطالب البحث ُمع َّقدً ا ،كام َّ ُ فصار
َ وجهات بالعكوس، ا ُمل ِّ
بخالف ِ اخلالفات الدَّ قيقة بني الفارايب وابن سينا.4 ِ ِ
ببعض املبتدئ
واضحا ،والعناوي ُن ً بحث (العكوس) حيث نجدُ فيه َ للمظ َّفرُ ، املنطق ُ
وضوحا. البحث أشدَّ َ بعض جعلت ٍ بعضها عن املواضيع َ التي ِ
تفص ُل
ً َ
حل َّجة وهيأة ِ بحث القضاياَ ، ِ أن انتهى ا ُملظ َّفر من 16.بعد ْ
انتقل إىل مبحث ا ُ
مباحث االستدالل .وبد َأ بتقسي ِم ُط ُرق االستدالل (أو أقسام ِ تأليفها أوِ
خاص)، انتقال من عا ٍّم إىل ٌ ثالثة أنوا ٍع رئيسة :قياس (وهو احلجة) إىل ِ
ّ ُ َّ
.1املظفّر ،املنطق ،ص .171-165تحدث أرسطو عن تقابل القضايا بالتناقض والتضاد يف:
منطق أرسطو ،يف العبارة ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،ج ،1ص ،108-105وأيضً ا ص.133-129
.2حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.131-126
.3املظفّر ،املنطق ،ص.198-173
.4حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.156-135
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 453
ُ
انتقال منٌ خاص) ،واستقراء (وهو ّ خاص إىل ٍّ انتقال من ٌ ومتثيل (وهو ٍ
خاص إىل عا ّم). 1 ٍّ
ِ
حل َّجة واالستدالل يف مقارنة :هذه ا ُملقدِّ مة -التي ُمُت ِّث ُل خريط ًة ملبحث ا ُ
أن انتهى من حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،فبعدَ ْ ِ املنطق األرسطي -مفقود ٌة يف ِ
ِ
القياس ِ
للامتن -إىل انتقل ا ُمل َّاَّل عبد اهلل مبارش ًة – تب ًعا بحث ال ُعكُوسَ ، ِ
مسار مباحث االستدالل .2وإنَّام ِ فكرة ٍ
عامة عن ٍ وتعريف ِه ،دون إعطاء ِ
ضم َن ِ ِ
بوصف ِهام
قسيمني للقياس – ْ أشار إىل االستقراء والتَّمثيل – َ
ِ
أشار إىل هذه األقسا ِم الثالثة يف بداية بحث ثم ِ ِ
تعريفه للقياس َّ ،
3
َ
ف باألقسا ِم عر َ الب املبتدئ ْ
أن ُي َّ واألوض ُح لل َّط ِ
َ واألنسب
ُ االستقراء،4
فعل املظ َّفر). أي منها (كام َ رشح ٍّ يتم ْ أن ّ الثالثة َ
قبل ْ
ِ
ورش َحفعر َف ُهَ ، ثم بد َأ ا ُملظ َّفر بالنَّمط األول من االستدالل :القياس َّ ، َّ 17.
5
االصطالحات العامة فيه (صورة القياس ،ا ُملقدِّ مة ،املطلوب ،النتيجة،
ب ما َّدتِ ِه وهيئتِ ِه، بحس ِ
انتقل لبيان أقسام القياس َ
ِ ذلك َ احلدود) .بعد َ
بدور ِه إىلِ وقياس اقرتاين الذي ينقسم ٍ قياس استثنائي، ٍ فقس َم ُه إىل َّ
مح ّيل .
6
طي ،و ْ رش ٍّ ْ
للمظ َّفر ِ ِِ ِ
القياس وأقسامه ،ال َفر َق أساس نجدُ ُه بني املنطق ُ مقارنة :يف
وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل.7 ِ
.1املظفّر ،املنطق ،ص .233-209تط ّرق أرسطو إىل ذلك يف :منطق أرسطو ،يف التحليالت
األوىل ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،ج ،1ص ،207-147بل إىل آخر التحليالت األوىل ،مع
مالحظة أ ّن أرسطو تحدث عن األشكال الثالثة األوىل فقط ،ورضوبها.
شكاًل قامئًا بذاته (وأحيانًا
ً ويقول ابن رشد عن الطبيب جالينوس إنّه هو الذي جعل الشكل الرابع
محمواًل للمقدمة الكربى،ً يُس ّمى باسمه فيقال «قياس جالينوس») ،يكون الحد األوسط فيه
ريا من الهجوم والدفاع ،وال وموضو ًعا للمقدمة الصغرى .وقد لقي هذا الشكل من املناطقة كث ً
يزال يتنكر له كثريون من علامء املنطق املحدثني .للتفصيل انظر :زيك نجيب محمود ،املنطق
الوضعي ،مكتبة األنجلو املرصية ،ط ،1981 ،6ج ،1ص.286-281
وقال املظفر عنه« :هذا الشكل أبعد الجميع عن مقتىض الطبع ،غامض اإلنتاج عن الذهن ،ولذا
تركه جامع ٌة من علامء املنطق يف مؤلفاتهم واكتفوا بالثالثة األوىل» .املظفّر ،املنطق ،ص.230
.2حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.189-160
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 455
ُ
ِ
ثم ثم بد َأ ا ُملظ َّف ُر بالنَّمط الثاين من االستدالل :االستقراء َّ ،
فعر َف ُهَّ ، َّ 22.
1
َّمثيل من األد َّل ِة التي أن الت َ حتت عنوان (قيم ُت ُه الع ْلمية) -عىل َّ ثم أ َّكدَ َ - َّ
أمر – بل يف عدَّ ةِ شيئني يف ٍ ِ ِ
ال تُفيدُ إال االحتامل؛ ألنَّه ال يلزم من تشا ُبه
الش َبه بني أن يتشاهبا من مجي ِع الوجوه .نعم إذا قويت وجو ُه َّ مور – ْ ُأ ٍ
يقر َب من اليقني، والفر ِع وك ُث َرت ،يقوى عندَ َك االحتامل حتى ُ ْ األص ِل ْ
َّمثيل املعلوم أن الت َ ثم أ َّكدَ عىل َّ ويكون ظنًّا (والقياف ُة من هذا الباب)َّ . ُ
الرُبهاين املفيد لليقني ،إذ باب القياس ُ ْ يكون من ِ ُ فيه اجلامع ع َّلة تا َّمة،
واحلكم حدًّ ا أكرب.ُ أصغر
َ والفر ُع حدًّ ا
ْ أوس َط اجلامع حدًّ ا َ ُ يكون فيهُ
واس ِم (القياس) طالح املناطقةْ ، باص ِ خير ُج عن اس ِم (التَّمثيل) ْ وهبذا ُ
حمل اخلالف عندَ ُهم.1 باصطالح ال ُفقهاء الذي كان َّ ْ
واقتضاب تعريف التَّمثيل، ِ إسهاب يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل،ِ مقارنة :يف
ٌ ٌ
واضح قيم ُت ُه الع ْلمية.2 ٍ الب املبتدئ ٍ
بنحو يتبنَّي لل َّط ِ أن َّ رش ِح ِه ،دون ْ يف ْ
تأليفها أو مباحث االستدالل، مبحث احلج ِة وهيأة ِ ِ أن انتهى من 24.بعدَ ْ
ُ َّ
الشعر، (الرُبهان ،اجلدَ ل ،اخلطابةِّ ، ِ َ
اخلمس ُ ْ الصناعات ْ انتقل إىل مبحث ِّ
أجدْ ُه يففريد مل ِ بنحو ٍ ٍ إيضاح ِه
ِ مبحث أبدَ َع ا ُملظ َّفر يف ٌ ا ُملغالطة) ،وهو
كثري منمه َل ُه ٌ ُب املنطق التقليدي ،القديمة منها واحلديثة ،وأ َ أي من ُكت ِ ٍّ
داريس املنطق املعارصين .
3
ِ
وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل يف للمظ َّفر ِ
املنطق ُ جوهري بني
ّ مقارنة :ال ْفرق
ِ
لصالح ِ
وضوح العبارة وسالستها ِ َّمهيد هلذا البحث ،سوى يف الت ِ
األول دون الثاين.4
َّ
ِ
ثامنية أصناف (يقينيات، مبادئ األقيسة وموا َّدها عىل بنَّي ا ُملظ ّفر َّ
أن ثم َّ َ
َ َّ 25.
.1املظفّر ،املنطق ،ص.270-268
.2حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.201-198
.3املظفّر ،املنطق ،ص.280-279
.4حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.202-201
| 458تاریخ علم املنطق
ٍ
بيشء من التَّفصيل.
االستنتاج فيها من نو ِع
َ ورك ََّز ا ُملظ َّفر عىل التَّجريبيات ،ل ُيؤ ِّكدَ عىل َّ
أن
ِ
قياسني واحلكم فيها يعتمدُ عىلُ االستقراء الناقص املبني عىل التَّعليل،
وتفكري ِه
ِ نفس ِه
دخيلة ِ ِ يستعم ُلها اإلنسان يف ِ استثنائي واقرتاين
ّ خف َّيني:
رس اخلطأ يف بنَّي بقدْ ٍر من التَّفصيل َّ ٍ من ِ
أن َّ ثم َّ َغري التفات غال ًباَّ .
يكم ُن يف عد ِم د َّقة مالحظة األشياء ،فقد ُجُي ِّر ُب اإلنسان التَّجريبيات ُ
ذلك خاص َّي ًة
أن َ تكررة ،فيعتقدُ َّ ِ ِ َ
ب يطفو عىل املاء يف عدَّ ة حوادث ُم ِّ اخلش َ
ب يطفو عىل املاء) ،ولكنَّه خش ٍ (كل َ أن َّب واملاء ،فيحك ُُم خ ًطا َّ اخلش ِ
يف َ
اخلشب ال َّثقيل الوزن لوجدَ أنَّه ال يطفو عىل املاءِ بعض أنواع َ
َ جر َب َ لو َّ
وسط املاء.ِ ب إىل الق ْع ِر أو إىل ْ
العذب ،بل قد ْير ُس ُ
الفر َق بني
أن ْ ٍ
بشكل رائ ٍع َّ ذلك عىل احلدْ سيات ،ل ُي ِّبنِّي ثم رك ََّز ا ُملظ َّفر بعدَ َ
َّ
ٍ ِ
(سبب ما) َّ
وأن أن ا ُمل َّ
جربات إنَّام ُحُيك َُم فيها بوجود جربات واحلدْ سيات َّ ا ُمل َّ
ِ
اليَّشء الذي تتَّفق له هذه ال َّظاهرة ً
دائاًم ،لكن من ب موجو ٌد يف َّ الس َب ُ
هذا َّ
ِ
باإلضافة إىل َ
ذلك – أن احلدْ سيات –السبب .يف حني َّ ِ ٍ ِ
تعيني ملاه َّية َّ غري
ِ بتعيني ماهية السبب أنَّه أي ٍ
احلقيقة َّ
أن احلدْ سيات يشء هو ،ويف ُّ ِ َّ َّ ُحُيك َُم فيها
ِ ِ ٍ
الس َبب. ُجُم َّربات مع إضافة يشء ،واإلضاف ُة هي احلدْ ُس بامه َّية َّ
إثباهُتا
جربات واملتواترات ال يمك ُن ُ أن ا ُمل َّ بعدَ ذلك ،ن َّب َه ا ُملظ َّفر إىل َّ
ب من الت ِ جر ِ ذاكرة وال َّت ْلقني ما مل حيصل لل َّطالِ ِ ِ
َّجربة للم ِّ حص َل ُ ب ما َ با ُمل
الناس يف احلدْ سيات ُ خيتلف
ُ باخلرب من التواتر ،وهلذا ِ وللمتي ِّق ِن
ُ
وإن كانت ُك ُّلها من أقسا ِم البدهييات، جربات واملتواتراتْ ، وا ُمل َّ
رش ٌع سواء ،وكذلك ِ األولياتَّ ،
الناس يف اليقني هبا ْ فإن َ وليس كذلك َّ
احلواس ،ومث ُلها الف ْطريات.1 ّ املحسوسات عند من كانوا صحيحي
ِ
وحاشــية ُم َّاَّل عبد اهلل يف للمظ َّفر ِ مقارنة :ال ْفر َق جوهري بني
املنطق ُ
ِ
فصل هلذه القضايا اهلا َّمة ووضوح الرَّشح ا ُمل َّ
بيان اليقينيات ،ســوى يف َّ ْ
فصل له الرَّش ُح ا ُمل َّ
لصالح األول دون الثاين .وهذا َّ ْ
2
ِ العبارة وسالستها
كبري يف فه ِم البحث الفلسفي (نظرية املعرفة).3 أثر ٌ ٌ
رش َح ا ُملظ َّفر أقسا َمها حيث َ خاصةُ ، (الذايعات) أمه َّية َّ املشهورات َّ أيضا لـ ْ ً 27.
(واجبات القبول ،تأديبات صالحيةُ ،خ ُلقيات ،انفعاليات ،عاديات،
استقرائيات).
تتطابق عليها
ُ الصالحية (آراء حممودة) التي ورك ََّز عىل ْ
التأديبات َّ
ِ
باعتبار َّ
أن هبا حفظ للحك ِم هبا ِ اآلرا ُء من ِ
املصلحة العامة ُ
أجل قضاء ْ
كقضية ُح ْس ِن العدْ ِل و ُق ْب ِح ال ُّظ ْلم .وهذا هو ِ النِّظام وبقاء النوع،
اخلالف يف ِ
إثباهِتِام بني ُ معنى التَّحسني والتَّقبيح العقل َّيني ال َّلذين و َق َع
ِ
األشاعرة والعدْ ل َّية ،فن َفت ُْهام األوىل وأثب َتت ُْهام الثانية.
موقف ابن سينا ،1وأستاذه ا ُملح ِّقق األصفهاين. َ موقف ا ُملظ َّفر هذا ُحُياكي ُ
اهلامشُ ،حُي ُيل ا ُملظ َّفر يف موضو ِع التَّحسني والتَّقبيح العقل َّيني إىل ِ ويف
العقل العميل يف ُ (العقل) هنا هوِ أن املرا َد من وبنَّي َّ كتابِ ِه أصول الفقهَ َّ .
بتفاوت ا ُملدْ ركات. ِ التفاوت بين َُهام إنَّام هوَ مقابل العقل النَّظريَّ ،
وأن ِ
أصول الفقه ِ فصلة يف ٍ ٍ البحث أمه َّي ٌة كبري ٌة ِ
كأساس لبحوث ُم َّ وهلذا
والف ْلسفة وع ْلم الكالم.2
بتعريفهاِ ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،بل اكتفى املشهورات يف أثر ألقسا ِم ْ مقارنة :ال َ
اإلحسان و ُقبحِ العدْ ِ
ِ كح ْس ِن
وان، ْ ُ بأهَّنا «القضايا التي تطا َب َق فيها آرا ُء الك ُّل ُ َّ
الب أهل اهلند» .ولذا يفقدُ ال َّط ُ
3 أو آراء طائفة ك ُق ْبحِ ذبح احليوانات عند ِ
سفة وع ْل ِم الكالم.الفقه والف ْل ِ أصول ِ ِ حيتاج ُه يف املبتدئ مدْ ً
ُ خاًل مهاًّمًّ
ِ
بمسألة ث عن الومهيات لريب َطها أروع كالم ا ُملظ َّفر وأنف َع ُه عندما حتدَّ َ 28.وما َ
ِ
لغلبة الناس – ذلك كانأجل َ فقال (ممَّا قال)« :من ِ اإليامن باهللِ تعاىلَ ،
ُ
ِ
العقل يتنور ِ
بنور نفوس ِهم – بني ُجُم ِّس ٍم و ُم ْلحدَّ ، ِ الوه ِم عىل
وقل من َّ
ِ
أوهامها».4 وجُيرد نفسه عن ِ
غلبة َ ُ ُ ِّ
ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل. أثر هلذا البحث يف مقارنة :ال َ
.1تطرق ابن سينا لهذا املوضوع يف :ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،مع رشح نصري الدين
الطويس ،تحقيق د .سليامن دنيا ،ذخائر العرب ،القسم األول ،ط ،1دار املعارف ،القاهرة،
ص.353-350
.2املظفّر ،املنطق ،ص299-293
.3حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.206
.4املظفّر ،املنطق ،ص.302-300
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 461
ُ
ٍ
موجبة اليقني من ع َّل ٍة ِ احلوادث املمكنة ،فال بدَّ هلذا ِ ِ
بالقضية من اليقني
ُ
(تصور أجزاء القضية تكون من الدَّ اخل َ لوجوده ،وهذه الع َّل ُة إما ْ
أن ِ ِ
ُّ
تكون من اخلارج َ األوليات) ،وإ ّما ْ
أن للحك ِم والع ْل ِم بالنِّسبةَّ : ع َّل ٌة ُ
(باحلواس ال َّظاهرة أو الباطنة ،أو القياس املنْطقي). ِّ
رش َح التفاصيل ،خت ََم بقولِ ِه «فات ََّض َح من مجي ِع ما ذكرنا كيف أن َ وبعد ْ
ِ
هاتني أساس ُه عىل يرتكز احلاجة إليه ،وأ َّن ُه ِ ورس ِ
ُ ُ الرُبهان ُّ نحتاج إىل ُ ْ ُ
كل برهان».1 لتحصيل ّ ِ ريق األساس الفكري تني مها ال َّط ُ البدهيتني ،ال َّل ِ
وأن املرا َد من الع َّل ِة فيه هو الرُبهان ال ِّل ِّميَّ ، ث عن أقسا ِم ُ ْ ثم حتدَّ َ َّ
الصورية، رش ِح الع َّلة الفاعلية ،املا ِّديةُّ ، خصوص الع َّلة الفاعلية (مع ْ ُ
الرُبهان كتاب ُ ْ (الذايت) يف ِ الرُبهان ،ومعنى َّ الغائية) ،ورشوط ُمقدِّ مات ُ ْ
احلم ِل باب ال ُك ِّليات و ُيقابِ ُل ُه (ال َع َريض) ،ويف ِ معانيه يف ِ ِ رش ِح
باب ْ (مع ْ
ُ
(املحمول أيضا و ُيقابِ ُل ُه احلم ِل ً باب ْ وال ُع ُروض و ُيقابِ ُل ُه (الغريب) ،ويف ِ
الصناعي) ،ويف أيضا و ُيقابِ ُل ُه َّ احلم ِل ً ميمة) ،ويف ِ بالض ِ
ائع ِّ (الش ُ باب ْ َّ
(الذايت) أن مقصو َد ُهم من َّ الع َلل و ُيقابِ ُل ُه (االتفاقي) ،لينتهي إىل َّ باب ِ ِ
األول والثاين (ما ُيقابِ ُل ال َع َريض الرُبهان ما ي ُع ُّم املعنى ّ كتاب ُ ْ ِ يف
(األويل) َّ أن املرا َد بـ (األويل) ،ل ُيؤكِّد عىل َّ َّ ثم خت ََم بمعنى والغريب)َّ .
حيتاج إىل ُ غري ِه ،أي ال ط ِ املحمول ال بتوس ِ
ُّ ُ الرُبهان« :هو كتاب ُ ْ ِ يف
موضوع ِه». ِ مح ِل ِه عىل وض يف ْ واسطة يف ال ُع ُر ِ ٍ
تأخرة، بعض ُكتُب أصول الفقه ا ُمل ِّ أن َ أن ُيع َل َم هنا َّ جيب ْ ثم قال« :ممَّا ُ َّ
باب موضوع الع ْلم املقابل له (الذايت) الذي هو يف ِ تفسري َّ ُ و َق َع فيها
اشتباهات كثري ٌة ٌ أجل َ
ذلك األويل هنا .فوقعت من ِ (الغريب) ،بمعنى َّ
(الذايت) ،و(األويل) ،وال ِ
نخلط َّ ص منها إذا َّفر ْقنا بني َّ نستطيع التخ ُّل َ ُ
الواضح أنَّه يقصد هنا الكال َم ال َّطويل الذيِ أحدَ ُمُها باآلخر» .1ومن
حتديد موضوع ع ْلم أصول الفقه. ِ وقع يف
َ
ِ
املطالب ا ُملتقدِّ مة – التي ذكرها ا ُملظ َّفر -ال نجدُ هلا ً
أثرا يف مقارنةُّ :
كل
ورش ٍح وانقسامه إىل ِّمِلِ ٍّي ِّ
وإيِّنْ ،
ِ ِ ِ
حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل ،سوى ذكْر ُ ْ
الرُبهان
ٍ
واحدة تقري ًبا.2 ٍ
صفحة ِ
هلذين القسمني ،يف ِ
للغاية ٍ
مقتضب
اخلمس :اجلدَ ل أو آداب املناظرة،3 الصناعات ْ انتقل ا ُملظ َّفر إىل ثاين ِّ ثم َ َّ 31.
امت ا ُمل ْل ِز ُم هورات أو ا ُملس َّل ِ ِ ف من ْ
املش القول املؤ َّل ُ ُ و ُيرا ُد بـ (اجلدَ ِل)
خالف ٍ ينفك عن الصناعة .فاإلنسان ال ُّ ِ ِ
للغري واجلاري عىل قواعد ِّ
ف وآرائ ِه ،فتتأ َّل ُ
ِ عقائد ِه
ِ أبناء ج ْلدَ تِ ِه يف غري ِه من ِ ومنازعات بينَ ُه وبني ِ ٍ
ِ ِ
بالقياس إىل ِّ
نقض ُه، ُنارِص ُه ،وأخرى تريدُ َ كل وضع طائفتان :طائف ٌة ت ُ
نظر ِه وجهة ِ ِ ِ
لتأييد فريق الدَّ َ
ليل كل ٍ فيلتمس ُّ ُ ذلك إىل اجلدال، وينجر َ ُّ
ِ سبيل قويم ،لكن َ هان ٌ والرُب ُ ِ ِ
األسباب (وهي هناك من خصمهْ ُ . وإفحا ِم ْ
لةهان يف ُمُج ٍ األخذ بالرُب ِ ِ أسباب يذك ُُرها ا ُملظ َّفر) ما يدعو إىل عد ِم ٍ أربع ُة
ُْ
قار َن ا ُملظ َّفر بني اجلدَ ِل ِ من املواقع ،وال ُّل ِ
ثم َ سبيل اجلدلَّ . جوء إىل
ومبادئ ِه و ُمقدِّ ماتِ ِهِ وفوائد ِه
ِ تعريف اجلدَ ل ِ ث عن والرُبهان ،وحتدَّ َ ُْ
ومسائل ِه ومطالبِ ِه وأدواتِهِ. ِ
ِ واملوض ُع هو ُّ ِ ِ ثم َ
ب منه ُيِّل تنشع ُ كل ُحك ٍم ك ِّ ٍّ مبحث املواضع. انتقل إىل َّ
بمنزلة اجل ْزئي باإلضافةِ ِ ٍ
كل واحد منها وتتفر ُع عليه أحكا ٌم ُك ِّلي ٌة كثريةُّ ،
ُ َّ
كل واحد من هذه األحكا ِم ٍ ِ ِ
األصل هلا ،ويف الوقت عينه ُّ إىل َ
ذلك الك ُِّيِّل ْ
ِ
بسبب القياس اجلدَ يل ِ يقع ُمقدِّ م ًة يف يصح ْ ِ ِ ا ُملتش ِّعبة
أن َ مشهور يف نفسه ُّ ٌ
.1املظفّر ،املنطق ،ص.328-311
.2حاشية ُم ّاّل عبد الله ،ص.205
.3تط ّرق أرسطو إىل هذا املوضوع بالتفصيل يف :منطق أرسطو ،طوبيقا ،تحقيق عبد الرحمن
بدوي ،ج ،2ص .695-489أيضً ا ج ،3ص.769-711
| 464تاریخ علم املنطق
ِ ِ
املعطيات املتوافرة، لتحديد درجة االعتقاد املنْسجمة مع نظر َّي َة االحتامل ِّ
الرياضية
ِ
احلوادث املمكنة. ٍ
جمموعة من ٍ
حادثة ما من من خالل حتديد درجة احتامل وقوع
ِ
من أبرز أعال ِم هذا املنطق :األملاين رودولف كارناب (ت 1970م) ،والعراقي
الصدْ ر(ت 1980م. ).
حممد باقر َّ
الس ِّيد َّ
تكميم
َ يستهدف
ُ (منطق ال ُغ ُموض) .هذا ُ
املنطق ِ الضبايب :وقد ُي َّ ُ
عرَّب عنه بـ املنطق َّ
ُ
ِ ٍ
كالذكاء وال ُّطول واحلرارة ُّ
والرُّسعة.... املعاين الكيفية التي تأيت عىل درجاتَّ ،
لذلك املفهوم الكيفي ( ُق ْرب ُه أو ُبعد ُه منه). ِ
الستكشاف درجة انتامء ْفرد ما َ الخ،
من أبرز أعال ِم هذا املنطق :األذربيجاين ُل ْطفي زاده.
دور أساس وحموري الضبايبٌ ، الرمزي ومنطق االحتامل واملنطق َّ ِ
وللمنطق َّ
فالتطورُّ االصطناعي واألنظمة اخلبرية. والذكاء ْ تطو ِر تكنولوجيا املعلومات َّ يف ُّ
ِ
التكنولوجي اهلائل الذي طر َأ يف العقود األخرية ،مدي ٌن هلذه األنامط الثالثة من
املنطق.
كبريا ثم َة ُّ دارس املنطق ،هي َّ أن ِ
يعر َفها احلقيق ُة الثاني ُة :التي ال بدَّ ْ
تطو ًرا ً أن َّ ُ
منطقي بعضها يتورط هبا اإلنسانُ ، ِ
ٌّ وقع يف دراسة املغالطات والتح ُّيزات التي َّ قد َ
ٍ
إدراكي يتم َّثل بتح ُّيزات إدراكية .والتح ُّي ُز قصور وبعضها اآلخر س َب ُب ُه نفيسُ ،
ٌّ ٌ أو ٌّ
كثرية عندما ن ُْص ِد ُر ٍ ٍ
أحيان يتكر ُر وقو ُع ُه يفومنهجي َّ ٌّ اإلدراكي هو ٌ
خطأ ُمن َّظ ٌم
قرارات يف مواقف. ٍ أحكا ًما عىل قضايا أو نت ُ
َّخذ
عليه ِع ْل ُم اإلدراك (أو العقود األخرية ِع ْلم بالِ ُغ األمهية ُأ ْط ِل َق ِ
ٌ
ِ نشأ يففقد َ
ِ ِ ِ ٍ
مهها الفلسفة تداخ ِل سلسلة من املجاالت الع ْلمية املختلفة ،أ ُّ املعرفة) ،وهو نتيج ُة ُ
س اإلدراكي وع ْل ُم النَّ ْفس (وباخلصوص ِع ْل ُم النَّ ْف ِ الذهن)ِ ،
(وباخلصوص فلسفة ِّ ْ
ِ ِ
االصطناعي ،وع ْل ُم األعصاب ِ،وع ْل ُم ال ُّلغويات، ِ أو املعريف) ،واملنطق َّ
والذكا ُء ْ
وع ْل ُم األنثروبولوجيا ...وعلو ٌم أخرى. ِ
ُ
وألوان خمتلفة من التح ُّي ِز اإلدراكي. ٍ ٍ
ألوان ِ
بدراسة اهتم ِع ْل ُم اإلدراك وقد َّ
منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | 471
ُ
حقل غالطات ا َملنْطق َّية -التي تُدْ َر ُس يف ٍ ِ ختتلف إىل حدٍّ ما عن ا ُمل ُ التح ُّيز اإلدراكي
مُج ٍ ِ
لة من املوارد .واحلقيق ُة تداخ َلت معها يف ُ ْ وإن َ الصوريْ - عرف بـ ا َملنْط ِق غري ُّ ُي َ
مُجل ًة من املغالطات التي يدْ ُر ُسها من النتائجِ التي ِ الصوري يستمدُّ ُ ْ ِ َّ
غري ُّ أن املنْطق َ
حول ألوان التح ُّي ِز اإلدراكي.1ِ س اإلدراكي (أو املعريف) َ توص َل إليها ُعلام ُء النَّ ْف ِ َّ
الش َفقة، ِ
ناشدة َّ الصوري :مغالط ُة ُم ِ ِ
املنطق غري ُّ املغالطات املبحوثة يف فمن
الر ُج ِل القش...الخ.2 ِ مغالط ُة ا ُملنْحدَ ِر َّ ِ
الزلق ،مغالطة َّ َ
ومن التح ُّيزات املبحوثة ع ْلم اإلدراك :حت ُّيز التو ُّفر ،حت ُّيز التَّفاؤلَ ،و ْهم
الشفافية ،تأثري املِنْحة، الس ْي َطرة ،ال ُقدْ رة عىل التحكُّم ،خطأ النِّسبة األسايسَ ،و ْهم َّ َّ
البقعة العمياء ا ُملتح ِّيزة ،تأثري اجلوقة املوسيقية ،حت ُّيز التأييد ،حت ُّيز التو ُّقع...الخ .
3
قامر. املغالطات التي تلتقي بالتحيزات :حتيز التأييد ،مغالط ُة ا ُمل ِ ِ ومن
ُّ ُّ
ِ
العربية ما ِ
احلوزات الرائجة يف كر أنَّا ال نجدُ يف ُكت ِ بالذ ِ واجلدير ِّ
ُب املنطق َّ ُ
ِ
وإن وجدنا مواكب ًة بدرجة ما يف بعض احلوزات الفارسية . ٍ واك ُب هذا احلقلْ ، ي ِ
4
ُ
نجاحا منقطِ َع النَّظري ً نج َح للمظ َّفر َكتاب (املنطق) ُ أن َ وخالص ُة هذا البحث َّ
جيل ٍ ِ ٍ يف تقدي ِم ٍ
املنطق األرسطي ،ويتَّض ُح هذا النَّجاح بنحو ٍّ يستعرض َ ُ شامل بديل
بكتاب (حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل) ،الذي كان ُيدْ َر ُس من ق ْب ُل .لكن مع ِ عند مقارنتِ ِه
يلم – ولو إملا ًما أن َّ لطالب املنطق ،فال بدَّ له ْ ِ املنطق ال يكفي اليوم ِ كتاب
ذلكُ ،
املهمة التي وقعت ِ ٍ ٍ
التطورات َّ ويتعرف عىل ُّ َّ بأنامط أخرى من املنطق، بدرجة ما –
املنطق
ُ ملنطق واحد ،هو يظل أسريا ٍ حقل املغالطات والتح ُّيزات ،حتى ال ّ ِ يف
ً
األرسطي.
الرِّصاع االجتامعي ،بحث غري منشور.
.1مرتىض فرج ،دور بعض ألوان التحيُّز اإلدرايك يف أجواء ِّ
للتوسع انظر :عادل مصطفى ،املغالطات املنطقية ،املجلس األعىل للثقافة ،القاهرة.2007 ، ّ .2
عاَّمن ،ط.2008 ،1وأيضً ا :بروس إن .والر ،التفكري الناقد :ادرس الحكم ،األهلية للنرش والتوزيعَّ ،
للتوسع انظر :دانيال كامنان ،التفكري الرسيع والبطيء ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ّ .3
القاهرة ،ط.2015 ،1
.4كنموذج للمواكبة يف حقلِ املغالطات ،انظر :عسكري سليامين أمريي ،منطق پيرشفته ،جامعة
املصطفى العاملية ،ط 1389 ،1ش ،ص 117إىل آخر الكتاب.
| 472تاریخ علم املنطق
ُملخّص البحث
أهم
كتاب األسس املنطقية لالستقراء للسيد الشهيد حممد باقر الصدر هو ُّ
ما كُتب يف جمال االستقراء يف الدراسات اإلسالمية ،أفاد منه مصنفه من
ٌ
مدخل الدراسات الفلسفية واملنطقية التي سبقته ،كام كان لعلم أصول الفقه
كبري يف تأسيس بناءات هذا الكتاب ،خاص ًة فيام يتعلق بمفهوم العلم اإلمجايل
شار
أهم ما يمك ُن أن ُي َ ِ
بعض ِّ ،وقد جاءت هذه القراءة لتسليط الضوء عىل
ٍ
جممل ،تارك ًة التفصيل اىل الدراسة املتأنية ٍ
بشكل إليه من مرتكزات الكتاب
حلقات درسية مكثفة ؛ بدعوى أن ُه يف ضمن سلسلة الدراسات ٍ له من خالل
ٍ
وحينئذ فهو مما ال تفي القراءة الرسيعة بفهمه وإستيعابه. احلوزوية املباركة ،
املقدّ مة
حمم ٍد وعىل آله الط ّيبني
النبي ّ
احلمد هلل رب العاملني ،وصلواته وبركاته عىل ّ
الطاهرين.
ٍ
متكثرة يف ٍ
بحوث وبعد ،فقد قادت ُعقدة االستقراء علامء البرشية إىل
تفسري أساسه املنطقي ،إىل حدِّ جتاوز كوهنا بحو ًثا ،فال ُجُيانب اإلنصاف
خاص به ،وإنّام استفاضت تلك ٌّ علم
أن يكون لالستقراء ٌ قيل بإمكان ْإن َ
ْ
ٍ
مهمة يف تن ّقل اإلنسان إىل جمهوالته املعرفية، ٍ
مكانة البحوث ملا لالستقراء من
.1الصدر ،محمد باقر ،بحوث يف علم األصول ،تقريرات السيد محمود الهاشمي.130/4 ،
قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | 475
أساس املالحظة والتجربة ِ تقو ُم عليها االستدالالت العلمية القائمة عىل
ِ
وجود صان ٍع حكي ٍم هلذا إثبات نفسها التي يقو ُم عليها
ُ هي األسس املنطقية ُ
علمي آخر؛ أل ّن ُه استقرائي ٍ
استدالل أي فإن هذا االستدالل ُ
يامثل َّ الكون؛ َّ
ٍّ
بطبيعته ،ويقو ُم عىل النهج ذاتِه الذي تقو ُم عليه االستدالالت االستقرائية
رفض االستدالل العلمي ككل ،أو قبوله ِ ِ
اختيار فيكون اإلنسان أما َم ُ مجي ًعا،
ككل القي ِم التي تُعطى وإعطاء االستدالل العلمي إلثبات الصانع قيم ًة ِّ ِ
ُطرح املزاوج ُة بني العلم أن ت َ لالستدالالت العلمية األخرى ،ومنه يمكن ْ
واإليامن ،و ُيميس االستقراء الذي عدّ ه علام ُء الغرب األنموذج األعىل لتأييد
منهجا لإليامن باهلل تعاىل ،وهو يدعو -كام هو منهج القرآن ً القوانني العلمية
ِ
وجود صان ٍع حكي ٍم ِ
نتيجة ليصل اىل َ ِ
مظاهر الكون ِ
تفحص الكريم -اىل
ْ َ ّ َ َ ُ
هم حىّت نفس
اآلفاق ويف أ ِ
ِ يه ْم آيات ِنا يف
قول اهلل تعاىل { :س َرُن ِ فيوافق ََ للكون،
ٌ ّ ُ ّ
ّ َ ُ َ ُّ ّ َ يَتبنَّيَّ َ ْ
شهيد}.1 لُك يش ٍء يكف بربِك أنه ىلع ِ ِ
احلق أ َو ْ
لم لهم أن ُه
ِ
وغزو ِ
االنتاج الداخيل للمعرفة ِ
بفكرة هكذا كان الشهيدُ الصدر مهمو ًما
اخلالق الذي تركته النزعة العلمية ِ بات جفا ُءأن َدارهم ،بعدَ ْ عقر ِ
الغرب يف ِ
مالمحِ وضوحا يف
ً األكثر
َ احلديثة منذ عرص النهضة األوربية الصور َة
والتطور املادي ترتجح عىل حساب ِ
كفة ِ الغرب األوريب ،وراحت كف ُة العلم
ُ
أمست ْ وخرافات كثرية ب ّثتها الكنيس ُة يف أذهان الناس ،وبعد ْ
أن ٍ امليتافيزيقيا
الرشق ِ ِ
أرجاء أمراضها يف ُ
تبعث العدوى الثقافية واالجتامعية والدينية
َ
ِ
أساس انترش اإلحلا ُد فكر ًة جديد ًة علمية ،ال تقو ُم عىل َ فكان ْ
أن َ اإلسالمي،
بدائية ماضية. ٍ ٍ
عصور وأساطري جدلي ًة من ٍ
خرافات ٍ
استدالالت أضحت ُت َعدُّ
َ
ومل يقترص دور هذا الكتاب الف ّعال عىل جمال إثبات وجود صانع حكي ٍم
ُصلت.53 :
.1ف ّ
| 476تاریخ علم املنطق
وإن كان ذلك دوره األهم – وإنّام ترشحت األفكار التي هلذا الكون – ْ
مباحث علم الفقه وأصوله وعلم الرجال وعلم الفلسفة ،ولكنّي ِ احتواها إىل
أن إدراك املطالب يف هذه العلوم ك ِّلها ال يكون يف أعىل مستوياته ّإاّل إذا أظ ُّن َّ
بنحو جدي ،وهذه النكتة ٍ تم تدارس كتاب األسس املنطقية لالستقراء َّ
بالذات تدعوين لالبتعاد عن كتابة ما يشبه اخلريطة اإلمجالية للكتاب؛
أليّن أعلم – بحكم خويض غامر هذا الكتاب يف أطروحة الدكتوراه – َّ
أن ّ
جل كتبه ملن كان له مطالبه متسلسل ٌة مرتابطة ،وهي عادة الشهيد الصدر يف ِّ
عاّمر
طلب أخي الدكتور ّ ِ أدنى ٍ
تأمل يف ما تركه من مؤ ّلفات ،لكنَّي وبحكم
آثرت كتاب َة هذا البحث الذي ُ الصغري ــ الذي أستصعب ْ
أن أر َّد له طل ًبا ــ
بحدود ما – توضيح الفكرة الرئيسة التي تدور حوهلا موضوعات ٍ يتك ّفل –
جل ما فيه من ثنايا أطروحة الدكتوراه التي عنونتها بـ( الكتاب ،وقد جاء ُّ
التعميم االستقرائي يف املنطق الذايت).
دور الدراسات املنطقية يف االستقراء مل يقف عىل حدِّ بأن َثم ينبغي العلم َّ
َّ
أبحاث كثري ٌة عربي ٌة وغري ٌ دراسات كثرية ،مت ّثلتها
ٌ هذا الكتاب ،بل جتاوزته
دور االحتامالت الرياضية كان رائدً ا يف أن َ أن يلحظ ّعربية ،وللمتفحص ْ
يدور حولنا
ُ دور يف تفسري ٍ
كثري ممّا أيضا التي هلا ٌ إحدى النظريات احلديثة ً
من الظواهر ،وهي ما تُدعى بـ(نظرية األلعاب الرياضية) لصاحبها أستاذ
الرياضيات (جون ناش) ،وأغلب الظ ِّن إمكان متظهر تطبيقها يف املجاالت
أمر يستدعي دراس ًة جاد ًة ال ُيناسبها عدم التفرغ أيضا ،ولكنه ٌ الرشعية ً
حتديات
ٌ أن ُيقال فيها ّإهّنا أقل ما يمكن ْ واالنشغال بالدراسات الرشعية التي ُّ
وآخرا.
ً أن احلمد هلل تعاىل ّأو ًاًل دعواي ْ
َ صع ٌبة للعقل البرشي ،وآخر
قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | 477
أن مقصودنا من (املنطق األرسطي) منظومة املنطق شار اىل َّ وينبغي ْ
أن ُي َ
التي مت ّثلتها جهود املعلم األول أرسطو طاليس ،التي متظهرت فيام بعدَ
أرسطو بجهود من آمن هبذه املدرسة من العلامء األفذاذ ،فهذا املصطلح
ٍ
طوال من الفكر البرشي العبقري ،ولك َّن ٍ
سنوات يف احلقيقة يغوص بنا إىل
خطو ًبا كثري ًة متتالي ًة مسخت تلك السم َة الفاعلة للمنطق األرسطي بحسب
متضم ٍنة
َّ
ٍ
جزئية ٍ
نتيجة عبورا من قضايا ك ّل ٍية اىل أن القياس يم ّثل ً فاملالحظ َّ
طلق عاد ًة عىل ذلك االستدالل الذي يف املقدّ مات ،أ ّما االستقراء فهو ُي ُ
املشاهدات أو التجارب إىل قضايا ك ّلية جزئية نظري ٍ عبورا من قضايا يم ّثل
َ ً
جيعل استنتاج القضايا الك ّلية من قضايا السري الفكري ُ ُ كالقوانني ،وهذا
النتائج الك ّلية أن تكون السالمة املنطقية؛ إذ من املمكن ْ ِ ٍ
جزئية بعيدً ا عن
ُ
فليس العدد الكبري املشاهدةَ ،َ رغم العدد الكبري من القضايا اجلزئية كاذب ًة َ
كل الغربان بأن َّ
احلكم َّ َ سو ُغ مهاًم؛ أل ّن ُه ال ُي ّ
املشاهدة ً َ من الغربان السوداء
ِ
خالله ربر الذي يمكن من أصبح االستفها ُم عن ا ُمل ّ َ سودا ُء اللون ،ومن َث َّم
فكيف يمكن بمشكلة االستقراء، ِ مسو ًغا ُيعرف
َ جعل الدليل االستقرائي َّ
واملشاهدات؟، َ احلكم بالتعميم مع العلم بصحة التجارب ُ ُ
صدق يربر
أن َ ْ
أنرغم َّباملشاهدات َ َ لكل ما هو شبي ٌه شاماًل ِّ
ً احلكم
ُ كيف يمكن أن يكون أو َ
مقدمات أصغر من النتيجة؟ ٍ جزئيات تشكل ٍ املشاهدات ليست اال
أنأن مشكلة تربير الدليل االستقرائي يمكن ْ لفت االنتباه إىل َّ أن ُي َ وينبغي ْ
تتخذ صور ًة أخرى ،فيعرف صدق القضايا الك ّلية عن ِ
طريق التجربة واخلربة َ
ٍ
جتربة ما -سوا ٌء أكانت هذه التجرب ُة أن النتيج َة النابعة عن غري َّ
احلسيةَ ،
اختبارا -ليست ّإاّل قضي ًة شخصي ًة أو جزئية ،وليست ً مالحظ ًة أم كانت
أن باب َّ ِ
صدق القضايا الك ّلية اىل اخلربة احلسية من ِ قضي ًة ك ّلية ،وربام كان ر ُّد
وأن صدق القضايا صدق القضية الشخصيةّ ، ِ ٍ
بطريقة ما إىل صدقها يمكن ر ّده
فإن القضايا الكلية تقو ُم ِ
طريق اخلربة احلسية ،ومن َث َّم ّ عرف عنالشخصية ُي ُ
ِ
صحة قوانني عىل أساس االستنتاج االستقرائي ،وبذلك يكون التساؤل عن
تعبريا آخر عن التساؤل عن تربير االستنتاجات االستقرائية.1 الطبيعة ً
أن االستدالل االستنباطي ال ُيعاين من هذه املشكلة؛ كام جيب اإللتفات إىل َّ
دائاًم عىل مبدأ عد ِم التناقض ،وهو استنتاج النتيجة من مقدّ ماهتا يرتكز ً
َ َّ
ألن
إن النتيج َة يف القياس ملامربره املنطقي منه؛ إذ َّ
القياس َُ املبدأ الذي يستمد
أن تكون صادق ًة كانت أصغر من املقدّ مات أو مساوي ًة هلا ،فمن الرضوري ْ
افرتاض صدق املقدّ مات دون صدق النتيجة َ إن صدقت تلك املقدّ مات؛ َّ
ألن ْ
تناقضا منطق ًيا ما دامت النتيجة أصغر أو مساوية للمقدّ مات ،وأ ّماً يستبطن
تناقضا منطق ًيا؛
ً صح ِة مقدّ ماهتا
يف االستقراء فال يستبطن خطأ النتيجة مع ّ
تربير ُه
أن يستمدَّ االستقراء َ ألن النتيج َة أكرب من مقدّ ماهتا ،وعليه ال يمكن ْ َّ
املنطقي من مبدأ عد ِم التناقض.1
بأن (خالدً ا ٍ
فان)، و(كل إنسان ٍ
فان) ،إذ تتولدُ منهام معرف ٌة َّ ُّ (خالدً ا إنسان)،
نابع من التالزم بني وهذا التوالد يف املعرفة هو توالدٌ موضوعي؛ ألنّه ٌ
ومثل هذا التوالد املعريف ِ
القضية املو ِّلدة وموضوع القضية املتو ّلدةُ ، موضو ِع
حيث النتيج ُة
ُ ٍ
استنتاج يقو ُم عليه القياس األرسطي؛ هو األساس يف ِّ
كل
ِ
املعرفة باملقدّ مات. ِ
أساس مالزمة للمقدمات ،فتنشأ املعرفة بالنتيجة عىل
ٌ
تفصيل أن املعرفة الناجت َة عن التوالد املوضوعي هي يف احلقيقة واحلقيقة َّ
ٌ
حادث ،فالعامل ٍ
متغري متغريّ ،
وكل ٌ للمجمالت ،وذلك كام لو قيل( :العامل ُ
ألن العامل َ ٌ
شامل للعامل؛ َّ فإن القانون املوجود يف الكربى يف الواقع حادث)َّ ، ٌ
مشمواًل بقانون احلدوث ،ومل ُيلتفت إىل َّ
أن العامل ً ُ
فيكون العامل ُ بالتايل متغري،
ٌ
(التغرّي) ،فاحلدُّ األوسط هو الذي جعلنا ّ حادث ّإاّل بتوسط احلدِّ األوسط
شامل للعامل ،وهذه املعرفة كانت ٌ أن احلد األكرب وهو (احلدوث) نعرف َّ
أن هذا املجمل قد تم ِ
األمر َّ مستبطن ًة يف املقدّ مات عىل نحو اإلمجال ،غاية
وإيضاح ُه.
ُ تفصي ُل ُه
ِ
الفكر البرشي عىل يصو ُر اخلطأ يف وبنا ًء عىل ما تقدّ م َّ
فإن املنطق األرسطي ّ
نحوين ،وكام يأيت:
ـة مــن مقدّ مـ ٍ
ـات ـتعامل طريقــة التوالــد املوضوعــي ،واســتنتاج نتيجـ ٍ
.أاسـ ُ
ُ
كاذبــة.
ـة مــن مقدّ مـ ٍ
ـات .باســتعامل طريقــة التوالــد الــذايت ،أي اســتنتاج نتيجـ ٍ
ُ
ـك النتيجــة. ال تســتلز ُم تلـ َ
املنطق
ُ اضطر
َّ وبسبب هذا -اإليامن بطريقة التوالد املوضوعي فقط -
مكو ٍن من كربى عقلية ٍ
قياس ّ األرسطي إىل اإليامن َّ
بأن االستقراء مر ُّد ُه إىل
| 482تاریخ علم املنطق
النتائج
َ نتج
القياس ُي ُ
َ وصغرى هي التعداد الناقص -كام سيأيت -؛ َّ
ألن
بطريقة موضوعية ،وهي الطريقة الوحيدة التي يؤمن هبا املنطق األرسطي ٍ
لنمو املعارف ،ومن َث َّم فإنّه ال يؤمن ّإاّل بنوعني من املعارف ،النوع األول
ِ
حدوث اخلطأ منها هو املعارف العقلية األولية القبلية؛ حيث ال يمكن تع ُّق ُل
طلقفيها لكوهنا رضوري ًة -حسب مدّ عى املنطق األرسطي -وهي ما ُي ُ
عليها مدركات العقل األول ،والنوع الثاين هو املعارف الثانوية املستنتجة
الصدر يف
ُ أشار الشهيدُمن املعارف األولية بطريقة التوالد املوضوعي ،وقد َ
كان سب ًبا يف االنتقال إىلأن هذا املنحى يف املنطق األرسطي َ بحثِ ِه األصويل إىل َّ
ٍ
جديدة يف املعرفة البرشية.1 ٍ
نظرية
.1الصدر ،محمد باقر ،بحوث يف علم األصول ،تقريرات محمود الهاشمي.130/4 ،
.2األسس املنطقية لالستقراء.161 ،
قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | 483
ٍ
مستنبطة يف أن املعرف َة الناجتة يف التوالد الذايت غري
وعىل الذي تقدّ م يتضح َّ
مر يف املقدّ مات ،بل املعرفة املتو ّلدة عىل أساسهي تفصيل ملا َّاملقدّ مات ،وال َ
التوالد الذايت فهي معرف ٌة جديدة ،فإذا تم استقرا ُء حاالت زوال الصداع عند
أن تناول ِ
حبة األسربين ٍ
معرفة جديدة هي َّ نصل إىل تناول حبة االسربينُ ،
لزوال الصداع ،وهذه الفكرة ليست فكر ًة مستنبط ًة يف فكرة االقرتان بني ِ عل ٌة
األسربين وزوال الصداع ،بل هي فكر ٌة جديد ٌة تزيد من احلقيقة ،وليست
جمماًل .1وهذا عىل خالف املنطق العقيل األرسطي ً مفصل ًة ملا كان
فكر ًة ِّ
فإنّه ال يرى تالز ًما بني تناول األسربين وبني ارتفاع الصداع؛ فربام اقرتنت
أعم من
الظاهرتان عىل وجه الصدفة ،فيكون الالزم وهو ارتفاع الصداع َّ
امللزوم؛ إذ لعله كان ألجل تناول األسربين ،ولع ّله كان قد وقع صدف ًة ،ومع
اخلاص وهو العلية
ّ أعم من امللزوم ،فال وجه لالعتقاد بالالزم كون الالزم َّ
بني األمرين ،فيكون تصديقنا املتو ّلد تصدي ًقا ً
باطاًل .2
إن املنطق الذايت يؤمن باملعارف العقلية القبلية واملعارف الثانوية ثم َّ
املستنتجة من املعارف األولية بطريقة التوالد املوضوعي ،واملعارف الثانوية
كل التعميامتاملستنتجة بطريقة التوالد الذايت ،ومثال املعارف األخرية ّ
ٍ
مالزمة بني التعميم االستقرائية املستنتجة بالتوالد الذايت ،أي دون وجود
وهو النتيجة وبني الشواهد واألمثلة التي مت ّثل املقدّ مة.3
ٍ
منطق عرّب عن
مصطلح (املنطق الذايت) ُي ّ ُ
َ يتضح َّ
أن ُ ومن خالل ما تقدّ م
أن الرشوط التي ُ
جتعل طريق َة التوالد الذايت معقول ًة ،فكام َّ َ يكتشف
ُ ٍ
جديد
ِ
أشكال القضايا التي جتعل كفيل باكتشاف صيغ التالزم بني املنطق األرسطي ٌ
َ
.1محارضات تأسيسية.59 -55 ،
.2م .ن.50 ،
.3الصدر ،األسس املنطقية لالستقراء.165-164 ،
| 484تاریخ علم املنطق
ً
أواًل :مرور االستدالل االستقرائي بمرحلتني
يدرجُ املنطق الذايت يؤم ُن بطريقتني لنمو املعرفة البرشية ،وهو
َ اتضح َّ
أن َ
ِ
التعميامت االستقرائية ضمن املعارف التي تتولدُ بطريقة التوالد الذايت ،وإذ
بوجود طريقتني للتوالد املعريف ،يؤمن كذلك بمرور ِ يعتقدُ املنطق الذايت
متار ُس أيضا ،األوىل منهام استنباطية قياسيةَ ،الدليل االستقرائي بمرحلتني ً
فيها طريق ُة التوالد املوضوعي ،ويف هذه املرحلة تبدأ املعرفة احتاملي ًة؛ َّ
ألن
درجات ٍ ِ
بالقضية االستقرائية اىل َ
الوصول الدليل االستقرائي حياول فيها
للتصديق درجات ،أعالها هي ِ ممكنة من التصديق االحتاميل؛ إذ َّ
إن ٍ ٍ
عالية
حتاول ُ درج ُة اليقني ،و ّملا كانت هذه املرحلة ال تصل بالتعميم إىل اليقنيّ ،
فإهّنا
عالية من التصديق ،فتبقى القضية االستقرائية حمتمل ًة ٍ ٍ
درجة َ
الوصول به إىل
قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | 485
ٍ
اثبات ،وريثام تبدأ املرحلة التالية وهي مرحلة التوالد الذايت يبد ُأ من غري
درجة اليقني املوضوعي.ِ تصعيدُ املعرفة إىل
ِ
احتامل القضية االستقرائية أو التعميم ووظيفة املرحلة االستنباطية تنمية
ِ
حماولة تفسري املتضمن يف السببية بمفهومها العقيل كام اجته الشهيدُ الصدر إىل
َّ
ختص تفسري الدليل االستقرائي؛ االحتامل وتقنني بدهيياته وقواعده التي ُّ
خيصها من ِ
ولذا ابتدأ يف الفصل الثاين من كتابه ببحث نظرية االحتامل وما ّ
ٍ
بدهييات وقواعد وتفسريات.1
خمتصات املنطق األرسطي فقط، ليس من ّ القياس ََ وجتدر اإلشارة إىل َّ
أن
أن املنطق الذايت يعتقدُأيضا ،فقد تقدم َّ ِ
القياس ً إن املنطق الذايت يلجأ إىل بل َّ
لتوالد املعارف ،مها املرحلة االستنباطية القياسية واملرحلة ِ بوجود مرحلتني ِ
خيتلف عن الطابع القيايس ُ أن الطابع القيايس للدليل االستقرائي غري َّ الذاتيةَ ،
أن زوايا املثلث تساوي لألدلة القياسية البحتة كالربهان الذي يستنبط ّ
يثبت فإن هذا الربهان اهلنديس ُ قائمتني من مصادرات اهلندسة اإلقليديةَّ ،
وكل األدلة كحقيقة موضوعيةّ ، ٍ التساوي بني زوايا املثلث وزاويتني قائمتني َ
االستنباطية القياسية البحتة إنّام تثبت اجلانب املوضوعي من احلقيقة .وأ ّما
يثبت اجلانب املوضوعي من احلقيقة ،وإنّام ُيثبت الدليل االستقرائي فإنّه ال ُ
فإن الدليل االستقرائي ال ٍ
بحقيقة ماَّ ، ٍ
قياسية درج ًة تصديقي ًة معين ًة ٍ
بطريقة
ٍ
بطريقة قياسية سببي َة (أ) لـ(ب) -عىل سبيل املثال ، -بل ُي ُ
ثبت ٍ ٍ
بطريقة ثبت
ُي ُ
قياسية درج ًة تصديقي ًة معين ًة من سببية (أ) لـ(ب) ،وهذه الدرجة التصديقية ٍ
ٍ
كبرية ٍ
احتاملية احتاملية كبرية ،ينتجها -كام سيأيت -جتمع قي ٍم ٍ تتم ّث ُل يف ٍ
قيمة
حمور واحد.2 عىل ٍ
املتضمنة
ّ هتدف إىل تنمية احتامل القضية االستقرائية ُ فاملرحل ُة االستنباطية
فرتض إثباهتا بالدليل االستقرائي أن القضية التي ُي ُ يف السببية ،وقد تقدّ م َّ
وألجل االرتفاع باحتامل هذه القضية ِ كل (أ) يعق ُبها (ب)،تكون من قبيلُّ :
احلكم بالتعميم،
َ ألهَّنا تتضم ُن
االرتفاع باحتامل سببية (أ) لـ(ب)؛ َّ ُ يلز ُم
طريقة الشهيد الصدر – بطريقني، ِ حسب يتم -
َ واالرتفاع هبذا االحتامل ُّ
الطريق الذي ُيعنى
ُ سيقترص البحث عىل ذكر أحدمها طل ًبا لالختصار ،وهو ُ
بتضئيل احتامل نفي السببية التي متثلها العنارص املعارصة لـ(أ) ،والتي ُحُيتمل
فإن انخفاض احتامل نفي السببية األسباب احلقيقية لـ(ب)َّ ،
ُ أن تكون هي ْ
يعني ارتفاع احتامل السببية وهو املطلوب يف هذه املرحلة ،ويمكن ْ
أن ُيرمز
أن يكون هو السببي احلقيقي لـ(ب) للعنرص املعارص لـ(أ) والذي ُحُيتمل ْ
ٍ
برموز ٍ
واحد ُيرمز هلا ٍ
عنرص بـ(ت) ،وإذا كانت العنارص املعارصة أكثر من
أيضا ،وهذا الطريق الذي يستند يف تنمية سببية (أ) لـ(ب) يتم ّثل ٍ
خمتلفة ً
لحظ يف هذا التطبيق نسبة حيث ُي ُ ُ األول من التطبيقات األربعة، بالتطبيق ّ
تكرر (ت) يف التجارب.
ِ
درجة منصب عىل التصديقية لتلك احلقيقة ،فالربهان يف املرحلة االستنباطية
ُّ
القضية ال عىل ذات القضية.1
إن الدليل االستقرائي يف مرحلته االستنباطية يعتمدُ عىل نظرية االحتامل ثم ّ
َّ
منطقي لتنمية التعميم االستقرائي ،وهو إذ يعتمد تلك النظرية الّ ٍ
كأساس
أن ٍ
إضافية عىل بدهييات االحتامل املتقدّ مة ،وهذا يعني َّ ٍ
مصادرات يفتقر اىل
ُ
ٍ
ليس سوى تطبيق لنظرية االحتامل بتعريفه االمجايل وبدهيياته التي االستقراء َ
تقدّ م الكال ُم عنها.
ٍ
واحد سب ًبا للتعجب والدهشة.1 -عىل سبيل املثال -استقرائي وبايزي يف ٍ
آن
أن تكون درجات موضوعية أخرى ،فال بد ْ ٍ املرحلة االستنباطية مستنبط ًة من
ربر ّأهّنا درج ٌة يقينية ،وهذه املصادرة درج ُة القضية االستقرائية أولي ًة حتى ُي َ
كل املصادرات األخرى من هذا القبيل ،فكام ال ال يمك ُن الربهن ُة عليها كام ُّ
ألهّنا درج ٌة
يمكن الربهنة عىل الدرجة العليا التي يتمتع هبا مبدأ عدم التناقض ّ
أن الدرجة املوضوعية التي حيصل عليها الدليل أولية ،ال يمكن الربهنة عىل َّ
تربرأن املرحلة الذاتية ُعرف َّ
االستقرائي هي درج ٌة موضوعي ٌة أولية ،1وهكذا ُي ُ
كل من املنطق األرسطي واملنطق حصول اليقني بالتعميم االستقرائي ،بينام عجز ٌَّ
ٍ
بطريقة قياسية حصول اليقنيَ التجريبي عن هذا التربير ،فربر املنطق األرسطي
أناتضح َّ
َ بحتة من خالل استعامل مبدأ (الصدفة ال تكرر دائم ًيا أو أكثر ًيا) ،وقد
هذا التربير ال يفي بالغرض ،ومل يستطع املنطق التجريبي تربير اليقني بالتعميم
ِ
إنكار االستقرائي فاكتفى بظنّيته ،وعد ُم قدرته عىل التربير هو الذي أ ّدى به إىل
الدليل االستقرائي ،كام اعتقدَ معظم التجريبيني ،ومشكلتهم -كام تقدم -نابع ٌة
أصل إنكارهم للمعارف العقلية األولية ،فلم تعد مشكل ًة منطقية ِ
بقدر ما ِ من
شك يف موت الذي تُقطع عنقه ،ومن هنا تتأتّى هي مشكل ٌة نفسيةّ ،
وإاّل فام من ٍّ
وظيفة املنطق الذايت املتمثلة بإرجاع أمثال التجريبيني إىل دائرة اليقني ،وسيأيت
الكالم عن ِ
دور املنطق الذايت يف اخلامتة ْ
إن شاء اهلل تعاىل.2
الخامتة
كتاب األسس املنطقية لالستقراء يف تفسريه لالستقراء من املزاوجة ينطلق ُ
بني املنطق األرسطي واملنطق التجريبي؛ ألنّه ال ينكر املبادئ العقلية باجلملة
كام فعل ذلك التجريبيون ،وال هو يعتمد عىل الرباهني العقلية وحدها يف هذه
العملية ،فتم ّثل بدهييات االحتامل الرياضية منطلقات هذا التفسري ،فيام ُيعدُّ
جتميع الظواهر والقرائن مم ّثلة ملرحلة التجريب واملشاهدة.
بأن مجيع أنحاء االستدالل ترجع اىل وقد اتّضح إيامن املنطق األرسطي َّ
ِ
املعرفة توالدً ا موضوع ًيا؛ ألنّه القياس؛ كي تُو ّلدَ ً
فكرا جديدً ا ،فيكون توالد
كل من يفرتق عن ٍّ
ُ بصحة ما سوى التوالد املوضوعي ،وهبذا فهو ِ ال يؤمن
بعض مذاهب ِ املنطق الذايت مع
ُ ُ
ويشرتك املنطقني التجريبي والذايت ،كام
املنطق التجريبي يف االنطالق من نظرية االحتامل الرياضيةّ ،إاّل أنّه خيتلف
يصل إليه التجريبيون أن َ أن أقىص ما يمكن ْ معهم يف بلو ِغ اليقني ،فقد تبني َّ
هي درج ٌة احتاملي ٌة ال تبلغ حتى النصف للتصديق بالسببية.