Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 498

‫تاريخ علم املنطق‬

‫تاريخ علم املنطق‬

‫إعداد وتحریر‬
‫عاّمر عبد الرزّاق الصغري‬
‫د‪ّ .‬‬
‫تارٌخ علن الوٌطك ‪ /‬اعذاد د‪ .‬عوار عبذ الرزاق الصغٍر‪ -.‬الطبعة األولى‪-.‬الٌجف‪ ،‬العراق ‪:‬‬
‫العتبة العباسٍة الوقذسة‪ ،‬الوركس اإلسالهً للذراسات االستراتٍجٍة‪ 1445 ،‬هـ‪.2024 = .‬‬
‫‪ 496‬صفحة ؛ ‪ 24‬سن‪(-.‬العلىم االسالهٍة عٌذ االهاهٍة)‬
‫ٌتضوي إرجاعات ببلٍىجرافٍة‪.‬‬
‫‪ .1‬الوٌطك‪--‬تارٌخ‪ .2 .‬الفلسفة‪--‬تارٌخ‪ .‬ألف‪ .‬الوٍالًً‪ ،‬هاشن‪ 1392 ،‬هجري‪ -‬هشرف‪ .‬ب‪.‬‬
‫الصغٍر‪ ،‬عوار عبذ الرزاق علً‪ -1981 ،‬هعذ‪ .‬ج‪ .‬الحسٌاوي‪ ،‬فضاء رٌاب غلٍن‪ ،‬هصحح‪ .‬د‪.‬‬
‫العٌىاى‪.‬‬
‫‪LCC : BC15 .T37 2024‬‬
‫هركس الفهرسة وًظن الوعلىهات التابع لوكتبة ودار هخطىطات العتبة العباسٍة الوقذسة‬
‫الفهرسة اثٌاء الٌشر‬

‫رقم اإليداع يف دار الكتب والوثائق ببغداد (‪ )2469‬لسنة ‪ 2024‬م‬

‫ـ الكتاب‪ :‬تاریخ علم املنطق‬


‫ـ اإلرشاف العام‪ :‬د‪ .‬السید هاشم املیالين‬
‫ـ تأليف‪ :‬مجموعة باحثني‬
‫عاّمر عبد الرزّاق الصغري‬ ‫ـ إعداد وتحریر‪ :‬د‪ّ .‬‬
‫ـ التدقيق اللغوي‪ :‬د‪ .‬فضاء ذياب‬
‫اإلسالمي للدراسات اإلسرتاتيج َّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ النارش‪ :‬العتبة الع َّباسيّة املق َّدسة‪ ،‬املركز‬
‫ـ الطبعة‪ :‬األوىل ‪٢٠٢٤‬م‪١٤٤٥ /‬هـ‪.‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة املركز ‪7..................................................................................‬‬

‫مباحث تمهیدیة‬

‫املنطق يف القرآن‬
‫د‪ .‬عسكري سليامين أمريي‪11...............................................................‬‬

‫الهندسة املعرف ّية لعلم املنطق‬


‫د‪ .‬الشيخ فالح سبتي‪37......................................................................‬‬

‫النقد األخباري لعلم املنطق‬


‫األستاذ الشيخ حسني إبراهيم شمس الدين ‪63.................................................‬‬

‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫املنطق واللغة ودورهام يف تطور الفكر‬
‫د‪ .‬فاطمة عيل ع ُّبود ‪111...................................................................‬‬

‫اعالم املنطق عند اإلمامیة‬

‫اإلبداعات املنطقية للفارايب‬


‫د‪ .‬أكرب فائديئ ود‪ .‬أحمد الحسيني‪141.........................................................‬‬

‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا‬


‫الشيخ إبراهيم أحمد مشيك‪173................................................................‬‬

‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان‬


‫الشيخ سامر توفيق عجمي‪231...............................................................‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس‬
‫د‪ .‬محمد عبد املهدي الحلو‪265..............................................................‬‬

‫ح ّيّل يف تاريخ علم املنطق‬‫العاّلمة ال ِ‬


‫موقع ّ‬
‫د‪ .‬محمد غفوري نجاد ود‪ .‬أحد فرامرز قرامليك‪321.............................................‬‬

‫محمد باقر الداماد وأثره يف تحقيق مطالب علم املنطق‬


‫د‪ .‬السيد سعد رشيف البخايت‪349..........................................................‬‬

‫املنطق الصدرايئ‬
‫د‪ .‬عسكري سلیامين أمیري‪375..............................................................‬‬

‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد الله اليزدي‬


‫د‪ .‬محمد حسین ایراندوست‪409..............................................................‬‬

‫منطق املُظفَّر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد الله‬


‫ُ‬
‫د‪ .‬الشيخ مرتىض فرج‪431...................................................................‬‬

‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء‬


‫د‪ .‬السيد حسام مهند جامل الدين‪473.......................................................‬‬

‫املناهج‬
‫مقدمة املركز‬
‫تتجىّل أمهية علم املنطق يف هدفه األساس من دراسة أسس االستنتاج‬ ‫ّ‬
‫آليات تضبط حركة‬ ‫ٍ‬ ‫البرشي بوساطة تأسيس‬ ‫الصحيح‪ ،‬وقواعد التفكري‬
‫ّ‬
‫الذهن وتن ّظمه‪ ،‬للوصول إىل احلقائق أو األفكار الصحيحة‪ .‬فهو آلة ّ‬
‫القوة التي‬
‫ُيدرك هبا اإلنسان املعقوالت‪ ،‬و ُيم ّيز هبا الصحيح من السقيم من األفكار‪،‬‬
‫تصديقي)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(تصوري أو‬
‫ّ‬ ‫وبأي نو ٍع من أنواع العلم‬
‫يف شتّى صنوف اإلدراك‪ّ ،‬‬
‫ُعرف‬ ‫املعرف أم احلُ ّجة؛ يف جانبه املادي بمعرفة املفاهيم التي ت ِّ‬
‫سواء يف بحث ِّ‬
‫املعرف ــ أو معرفة أحكام‬ ‫حقائق األشياء الذاتية والعرضية ــ كام يف بحث ّ‬
‫حل ّجة يف قسم الربهان‪،‬‬ ‫املوضوعات من طريقها الذايت الذي ُيعنى به بحث ا ُ‬
‫أو يف جانبه الصوري يف ترتيب هيأهتا الصحيحة يف االستدالل وبيان رشوط‬
‫االستنتاج عىل مستوى اهليأة ــ كام يف مباحث احلُ ّجة ــ ممّا يسهم يف استقامة‬
‫الفكر وتنظيم خمرجاته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بسلسلة من‬ ‫اإلنساين ليقوم‬ ‫إ ًذا فعلم املنطق ُيقدّ م تلك القواعد للوعي‬
‫ّ‬
‫العمليات العقلية واإلجراءات الذهن ّية ــ وفق ًا للخزين املعريف يف الذهن ــ‬
‫مرورا بالدائرة‬
‫ً‬ ‫بانتقاالته بني املعلوم واملجهول‪ ،‬يف حركته الذاهبة والراجعة‬
‫يتحول فيها املجهول إىل معلوم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ووصواًل للمعرفة املطلوبة‪ ،‬والنتيجة التي‬
‫املتوخاة من علم املنطق الذي يتك ّفل بتوفري تلك اآللة‬‫ّ‬ ‫وهذه هي الفائدة‬
‫ويدعو ملراعاهتا‪.‬‬

‫ومن فوائده ــ كذلك ــ متييز احلدود والرسوم صور ًة وما ّدة‪ ،‬ومعرفة‬
‫حل ّجة والدليل ــ القياس والتمثيل‬‫االستدالل الصحيح من اخلاطئ يف باب ا ُ‬
‫الصوري كالقضايا‪ ،‬أو املا ّدي كمعرفة مواد األقيسة‬
‫ّ‬ ‫واالستقراء ــ يف بحثها‬
‫‪ | 8‬تاریخ علم املنطق‬

‫من الصناعات اخلمسة (الربهان واجلدل واخلطابة والشعر واملغالطة)؛ لضبط‬


‫التعاطي مع العلوم النظر ّية ومعرفة احلقائق الكون ّية‪ ،‬الس ّيام يف صناعتَي‬
‫الربهان واملغالطة‪ ،‬أو ظهور فائدته يف القضايا االجتامع ّية واملناقشات‬
‫الكالم ّية كام يف اجلدل‪ ،‬أو يف اإلقناع والتأثري يف اآلخر كام يف فنَّي اخلطابة‬
‫والشعر‪ .‬وعىل هذا األساس تبقى أمه ّيته حارض ًة يف شتّى العلوم والفنون‪.‬‬

‫علم آ ٌّيل ال يتو ّقف عىل علو ٍم أخرى‪ ،‬كان الفيلسوف‬


‫وعلم املنطق الذي هو ٌ‬
‫اإلغريقي ِأرس ُطو ( ‪ 384‬ق‪.‬م – ‪ 322‬ق‪.‬م) ّأول من وضع قواعده ورتّب‬
‫القوة (االستعداد الفطري) إىل الفعل (التنظري‬ ‫مسائله؛ إذ أخرجها من ّ‬
‫ٍ‬
‫القواعدي) بمجموعة مؤ ّلفات ُعرفت بـ (األورغانون) ‪Organon‬؛ ّ‬
‫أي‬
‫ساّمه بـ( التحليالت)‪ّ ،‬‬
‫أي حتليل الفكر إىل‬ ‫أن أرسطو ّ‬ ‫(اآللة أو األداة)‪ ،‬غري ّ‬
‫ٍ‬
‫عبارات وحدود ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أقيسة والقياس إىل‬ ‫استدالالت‪ ،‬واالستدالل إىل‬

‫يتوخاها املركز اإلسالمي للدراسات االسرتاتيجية يف‬ ‫وتتم ّثل الغاية التي ّ‬
‫هذا املرشوع ــ الذي يأيت ضمن سلسلة ( العلوم اإلسالمية عند اإلمام ّية) ــ‬
‫لتطور آليات االستدالل يف الذهنية اإلمامية‪ ،‬وحضور‬ ‫يف بيان الصورة الدقيقة ّ‬
‫علم املنطق يف املدارس الفكر ّية‪ ،‬واملعاهد التعليم ّية‪ ،‬وما َقدّ م من ٍ‬
‫أثر يف‬
‫استدعاءاته لالستدالل أو االحتجاج يف إثبات القضايا واألفكار‪ ،‬أو دفعها‪.‬‬

‫تعريف وموضو ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫إذ ُيفتتح االستكتاب باملقدّ مات املنهجية لعلم املنطق من‬
‫بأي قس ٍم من العلوم اليقين ّية أو الظن ّية‬ ‫ٍ‬
‫وغاية‪ ،‬وبيان ألهم مسائله‪ ،‬ومن ثم تصنيفه ّ‬
‫وغريها‪ ،‬ومرتبته بني العلوم‪ .‬ثم متابعة تلك القواعد يف القرآن الكريم الذي بنى‬
‫تعاليمه عىل أسس الفهم والتأثري واإلقناع‪ ،‬ودعا البرشية إىل التأ ّمل والتفكّر‬
‫منطقي مستقي ٍم ال خلل فيه‪ ،‬فهو يدعو إىل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫والتع ّقل يف مسائله التي بناها‬
‫اإليامن وف ًقا لألصول العقلية الفطرية‪ ،‬والتفكري الصحيح للوصول إىل احلقائق‪.‬‬
‫مقدمة املركز | ‪9‬‬

‫ويعقبه جتارب الرواد اإلسالميني الشيعة يف علم املنطق كالفارايب (ا ُملع ّلم‬
‫ورشح لكتاب (األرغانون)‬ ‫ٍ‬ ‫الثاين) (ت‪339:‬هـ ‪ 950‬م) وما قدّ مه من ٍ‬
‫بيان‬
‫تصو ٍر وتصديق‪،‬‬ ‫ألرسطو‪ ،‬والتقسيامت التي ابتكرها يف جمال تقسيم العلم إىل ّ‬
‫الكيّل واجلزئي‪ ،‬وتطوير‬ ‫وتقسيم املفاهيم الكل ّية إىل املعقوالت‪ ،‬ومقولته يف ّ‬
‫ٍ‬
‫ملحوظ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫أبوابه ليدخل الرتاث املنطقي يف عامل الفكر اإلسالمي ويزدهر‬
‫حتى أ ّثر ذلك يف ّ‬
‫املتأخرين‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫إذ جاء بعد الفارايب ابن سينا (ت‪ 980 :‬هـ ــ ‪ 1037‬م) ليفيد‬
‫ٍ‬
‫كبري ممّا قدّ مه الفارايب يف رشحه ملنطق أرسطو‪ ،‬فيقدّ م مجل ًة من اإلبداعات‬
‫يف جماالت العلم‪ ،‬والتك ّثر العلمي‪ ،‬وسبل حصول املعرفة‪ ،‬والفكر‪،‬‬
‫وصواًل إىل مراحل ازدهاره‬‫ً‬ ‫واحلدس‪ ،‬والصورية‪ ،‬والرمزية وغريها‪،‬‬
‫وحضوره العايل عىل يد اخلواجة نصري الدين الطويس (ت‪672:‬هـ ـــ‬
‫ّ‬
‫املتأهّلني‬ ‫احل ّيّل (ت‪726:‬هـ ـــ ‪1325‬م)‪ ،‬وصدر‬ ‫والعاّلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫‪1274‬م)‪،‬‬
‫الشريازي (ت‪1050 :‬هـ ـــ‪1640‬م)‪ ،‬وما م ّثلته مراحلهم من دفا ٍع عن‬
‫ترسب السطح ّية واخلرافة‬ ‫أمه ّية املنطق ضد الت ّيارات املناوئة ـــ بسبب ّ‬
‫ٍ‬
‫معطيات‬ ‫يف إطار تفكري بعض محلة العلم الديني ـــ وما قدّ موه من‬
‫ٍ‬
‫ومنهجية ختدم القضايا اإلهلية والفكر الديني‪ ،‬وتسهم يف إنتاج‬ ‫ٍ‬
‫ومعاجلات‬
‫املعرفة‪.‬‬

‫وتال تلك املراحل يف تأريخ علم املنطق يف الفكر اإلمامي مرحلة التوضيح‬
‫ٍ‬
‫وأسلوب‬ ‫ٍ‬
‫متقنة‬ ‫ٍ‬
‫علمية‬ ‫والبيان‪ ،‬واإلضافة والتبويب‪ ،‬والنظم والعرض ٍ‬
‫بلغة‬
‫منهجي ش ّيق‪ ،‬وحضوره العايل يف الدرس احلوزوي واملعاهد العلمية قراء ًة‬
‫وتدريسا‪ ،‬وتوظي ًفا يف العلوم اإلسالمية األخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونقدً ا‪،‬‬
‫‪ | 10‬تاریخ علم املنطق‬

‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫ويف اخلتام وعرفـانًا بإسهامات الباحثني املشاركني يتقدّ ُم املركز‬
‫أفكارهم‪ ،‬وس ّطرته أقال ُمهم من‬
‫ُ‬ ‫هلم بوافر الشكر والتقدير عىل ما جادت به‬
‫جهود علم ّي ٍة كريمة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫تنضم إىل ما كتب فـي هذا‬


‫ّ‬ ‫أن يـح ّقق هذا الكتاب إضاف ًة علم ّي ًة‬
‫نأمل ْ‬
‫اإلسالمي فـي رفد الفكر بمـا يتط ّلب‬
‫ّ‬ ‫الـمجال‪ ،‬وبذلك يشارك الـمركز‬
‫مهم ٍة فـي الـمعرفة والـمنهج‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫من مواكبات عرص ّية ّ‬
‫حمم ٍد وعىل ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫وصىّل اهللُ عىل رسوله األمني ّ‬ ‫رب العاملني‪،‬‬
‫والـحمدُ هللِ ِّ‬
‫الطـيبـني الطاهرين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بـيتـه‬

‫عاّمر عبد الرزّاق الصغري‬


‫د‪ّ .‬‬ ‫ ‬
‫شهر رمضان املبارك ‪1445‬هـ ‪ -‬آذار ‪/‬مارس ‪2024‬‬ ‫ ‬
‫العراق ‪ /‬النّجف األرشف‬ ‫ ‬
‫مباحث‬
‫تمهيدية‬
‫املنطق يف القرآن | ‪13‬‬

‫‪1‬‬
‫املنطق يف القرآن‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬عسكري سليامين أمريي‬

‫ُملخّص البحث‬
‫أن تكون‬ ‫مبنی ال عوج فیه؛ ولذلك جيب ْ‬ ‫يب ٌ‬‫یعرف القرآن نفسه بأنه عر ٌ‬ ‫ّ‬
‫تعاليم القرآن مبني ًة عىل قوانني الفهم‪ ،‬بام يف ذلك القوانني املنطقیة التي هي‬
‫أن حتكم‬ ‫قواعد التفكري والتع ّقل‪ .‬والقرآن يأمرنا بالتفكري فيها؛ لذلك جيب ْ‬
‫كثريا من األوصاف يف القرآن عىل أهنا‬‫قواعد املنطق يف القرآن‪ .‬يمكن عدّ ً‬
‫تعريفات رسمي ٌة‪ .‬كام تم حتديد الشكل ّ‬
‫األول والثاين‬ ‫ٌ‬ ‫تعريفات حدی ٌة أو‬
‫ٌ‬
‫والثالث من األقيسة االقرتانیة واألقيسة االستثنائية املتصلة واملنفصلة يف‬
‫كل من صدر ّ‬
‫املتأهّلني والغزايل اسم‬ ‫أيضا؛ وقد أطلق عليها ٌّ‬ ‫القرآن الكريم ً‬
‫امليزان األكرب‪ ،‬وامليزان األوسط​​‪ ،‬وامليزان األصغر‪ ،‬وميزان التالزم ومیزان‬
‫ٍ‬
‫مضمر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫ٍ‬
‫رصيح‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫التعاند‪ .‬تم استخدام هذه املوازين‬

‫مقدّ مة‬
‫أرسل اهلل تعاىل األنبياء بلغة قومهم حتى يستقبل الناس الرسالة‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َْ َ َْ ْ َ ُ‬
‫ني ل ُه ْم﴾‬ ‫ان ق ْو ِم ِه ِيِلب‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫صحيح‪﴿ :‬وما أرسلنا مِن ر ٍ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫اَّل‬ ‫إ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫اإلهلية‬
‫[إبراهيم‪ ،]4:‬وأرسل حممدً ا ‪ ‬بلسان قومه‪ ،‬أي بلسان عريب‪ ،‬ليتل ّقى‬

‫‪ .1‬تعريب‪ :‬د‪ .‬محمد عيل إسامعييل‬


‫‪ .2‬متخصص يف الفلسفة‪ ،‬وعضو الهيئة العلمية يف مؤسسة اإلمام الخميني للتعليم واألبحاث‪.‬‬
‫‪ | 14‬تاریخ علم املنطق‬

‫صحيح‪ ،‬ولذلك يصف القرآن نفسه باللغة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫بشكل‬ ‫الرسالة اإلهلية ویب ّلغه‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ َْ َ َ ُ َ َ ُْْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َََ‬
‫ان‬‫العربية املبینة‪﴿ :‬نزل ب ِ ِه الروح اأْلمِني ىَلَع قلبِك ِتِلكون مِن المن ِذ ِرين بِلِس ٍ‬
‫َ‬
‫ع َر ِيِب ُمبِنيٍ﴾ (الشعراء‪ ،)195-193 :‬وإذا كان القرآن عرب ًيا مبینًا فال عوج‬
‫َََْ ََ‬ ‫ْ ْ ُ َّ َّ‬
‫عوجا‪﴿ :‬احْلَمد ِهَّلِلِ اذَّلِي أنزل ىَلَع‬ ‫فيها؛ لذلك مل جيعل اهلل تعالی يف القرآن ً‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ‬
‫اب َول ْم جيْ َعل ُهَل ع َِو ًجا﴾ [الكهف‪ .]1 :‬ولذلك ال عوج يف القرآن‪:‬‬ ‫كت‬‫عب ِده ِ ال ِ‬
‫ْ ُ ّ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َّ َ ُ ً َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ‬
‫لُك مث ٍل لعله ْم يتذك ُرون ق ْرآنا ع َربِيا‬ ‫آن مِن ِ‬ ‫اس ِيِف هذا القر ِ‬ ‫رَضبنا ل ِلن ِ‬ ‫﴿ولقد‬
‫َ ُ ْ َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َغ َ‬
‫ون﴾ [الزمر‪ .]28-27 :‬ألنّه إذا أنزل اهلل القرآن‬ ‫ري ذِي ع َِو ٍج لعلهم يتق‬
‫عاّم يريده اهلل‪ ،‬فلن یكون القرآن باللغة‬ ‫عوج أو كان القرآن حمر ًفا بعیدً ا ّ‬ ‫ذا ٍ‬
‫واضحا وال عوج فيه‪ ،‬فيجب ْ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫العربية الواضحة‪ .‬إذا كان القرآن عرب ًيا‬
‫تكون تعاليمه عىل أساس قواعد الفهم‪ ،‬ومنها علم املنطق الذي له جذوره‬
‫كثري من آيات القرآن أن نفكّر ونتد ّبر‬ ‫يف الفكر والتعقل والتد ّبر‪ .‬يطلب منا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُّ َ ُ‬
‫ون﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫اهّلل لك ْم آيات ِ ِه لعلك ْم تع ِقل‬ ‫يف آيات اهلل تعالی‪﴿ :‬كذل ِك يبني‬
‫‪ ،]242‬ومن أهم آيات اهلل القرآن الكريم نفسه الذي أمرنا بالتع ّقل والتد ّبر‬
‫اب أَ ْن َز ْنْلَ ُ‬
‫اه‬ ‫ون﴾ [يوسف‪﴿ .]2 :‬ك َِت ٌ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ ً َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ َ‬
‫فیه‪﴿ :‬إِنا أنزنْلاه قرآنا عربِيا لعلكم تع ِقل‬
‫َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ َ َْ‬ ‫ار ٌك ِيِل َّدبَّ ُ‬
‫ك ُم َب َ‬‫َ َ‬
‫اب﴾ [ص‪.]29 :‬‬ ‫ِ‬ ‫بْل‬ ‫اأْل‬ ‫و‬‫ول‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ك‬‫ذ‬ ‫ت‬ ‫يِل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫آيا‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫إِيَل‬

‫‪ .1‬البدهيي والنظري‬
‫ٍ‬
‫معلومة من‬ ‫ٍ‬
‫نظرية وبدهيية‪ ،‬وتتبدّ ل العلوم النظرية إىل‬ ‫تنقسم علومنا إلی‬
‫خالل العلوم البدهيية عرب التعريف واالستدالل‪ .‬تشهد آيات التع ّقل والتدبر‬
‫ٍ‬
‫جدیدة من‬ ‫ٍ‬
‫معلومات‬ ‫القرآنية عىل أنّه من وجهة نظر القرآن يمكننا استخراج‬
‫ألن مفردة (التع ّقل)‪ ،‬مأخوذ ٌة من (العقال)‪ ،‬بمعنى‬ ‫خالل علومنا السابقة؛ ّ‬
‫أیضا ْ‬
‫أن‬ ‫احلبس‪ .‬وإنّام يربطون احليوان حتى ال يضيع‪ ،‬فيجب عىل اإلنسان ً‬
‫يشء حتى ال ينخدع؛ لذلك جيب ْ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫یربط نفسه يف التفكري وال يقبل ّ‬
‫املنطق يف القرآن | ‪15‬‬

‫يكون لديه معايري لقبول املعتقدات‪ ،‬وهذا املعيار هو التفكري واحلصول‬


‫ٍ‬
‫جديدة من خالل املعلومات السابقة‪ ،‬وعقال الفكر جيعل‬ ‫ٍ‬
‫معلومات‬ ‫عىل‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يها اذَّل َ‬‫َ‬
‫ِين‬ ‫املتأهّلني ّ‬
‫أن قوله تعالی‪﴿ :‬يا أ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو ال يضل‪ .‬یری صدر ّ‬ ‫الشخص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َْ ُ‬
‫َ‬
‫ات ما كسبتم ومِما أخرجنا لكم مِن اأْلر ِض واَل تيمموا‬ ‫آمنوا أن ِفقوا مِن طيب ِ‬
‫ْ َ‬
‫اخْلَبِيث﴾ [البقرة‪ ]267 :‬یشری إلی العلوم البدهيية والنظرية واملغالطات يف‬
‫َ‬
‫ات َما ك َس ْب ُت ْم﴾‪ ،‬هي العلوم النظرية كام ّ‬
‫أن‬ ‫علم املنطق‪ .‬فهو یری ّ َ َ‬
‫أن ﴿طيب ِ‬
‫َْ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫ك ْم م َِن اأْل ْر ِض﴾‪ ،‬هي العلوم البدهيية التي ُزرعت يف‬ ‫قوله ﴿مِما أخرجنا ل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن ﴿اخْلَبِيث﴾ هي املغالطات املنطقیة‪ .‬ویری أنّه‬ ‫أرض فطرة اإلنسان‪ ،‬كام ّ‬
‫َ َْ ْ َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫يعل ْم﴾ [العلق‪:‬‬ ‫يف ضوء قوله تعالی‪﴿ :‬اذَّلِي عل َم بِالقل ِم عل َم اإلنسان ما لم‬
‫فإن العلة الفاعلیة للبدهییات هو اهلل تعالی الذي أفاض هذه العلوم‬ ‫‪ّ ،]5-4‬‬
‫علی اإلنسان من خالل روح القدس من بحر علمه األبدي الالمتناهي؛ ّ‬
‫ألن‬
‫مال‪ ،‬ولذلك أعطانا اهلل هذه‬ ‫االكتساب والتجارة مستحيالن من دون رأس ٍ‬
‫العلوم من خالل روح القدس حتى نتمكّن من اكتساب العلوم النظرية ‪.1‬‬
‫لقد خلق اهلل اإلنسان عىل نحو ال يعرف شي ًئا‪ ،‬وقد أعطی له لسمع والبرص‬
‫ُ َّ َ ُ َ َ ْ َ َ‬ ‫ك ْم م ِْن ُب ُ‬ ‫َ ُّ َ ْ َ َ ُ‬
‫ون أمهات ِك ْم اَل تعل ُمون‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫والفؤاد حتى یكسب العلم‪﴿ :‬واهّلل أخرج‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شيئا وجعل لكم السمع واأْلبصار واأْلفئِدة لعلكم تشكرون﴾ [النحل‪.]78 :‬‬
‫التصورات والتصديقات البدهيية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جعل اهلل احلواس ألجل احلصول علی‬
‫كام جعل الفؤاد الذي هو العقل وحمور اإلدراكات طری ًقا للحصول علی‬
‫العلوم النظرية‪.‬‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب ‪ ،‬ص ‪.301-300‬‬


‫‪ | 16‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪ .2‬التصور والتصديق‬
‫تنقسم علومنا من ٍ‬
‫جهة أخری إلی التصور والتصديق‪ .‬العلوم التصورية‬
‫هي العلوم اخلالیة عن احلكم والتي ال تتصف بالصدق أو الكذب‪ ،‬بينام‬
‫العلوم التصديقية هي العلوم الواجدة للحكم والتي تتصف بالصدق أو‬
‫الكذب‪.‬‬

‫التصور والتصديق ثم انقسامهام إلی البدهيي والنظري‬


‫ّ‬ ‫انقسام العلم إلی‬
‫أ ّدى إىل انقسام علم املنطق إلی قسمني‪ :‬القسم األول منه هو مبحث التعريف‬
‫التصورات النظرية أ ّما القسم الثاين منه هو مبحث‬
‫ّ‬ ‫الذي تنكشف من خالله‬
‫االستدالل الذي تنكشف من خالله التصديقات النظرية‪.‬‬

‫‪ .3‬التعريف يف القرآن‬
‫باملکونات واألمور الداخلية‪ ،‬والتعريف‬ ‫ّ‬ ‫یتم التعريف بطريقتني‪ :‬التعریف‬
‫املعرف بسی ًطا يف الواقع‪ ،‬لكن‬
‫أن یكون َّ‬ ‫باللوازم واألفعال واملهام‪ .‬من املمكن ْ‬
‫يكون العلم به يف جهازنا املعريف مر ّك ًبا‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬العلم التصوري‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫والتصديقي شيئان بسيطان‪ ،‬ولكن يف جهازنا املعريف يتم حتديدمها‬
‫كل منهام عن اآلخر يف أذهاننا من خالل النقاط املشرتكة‬ ‫مرك ٍ‬
‫ّب‪ ،‬ويتم فصل ٍّ‬
‫أن املفهوم إذا كان بسی ًطا يف جهازنا املعريف‪ ،‬فإنّه ال‬
‫واملتغايرة ‪ .1‬ال ریب يف ّ‬
‫املقومات واألجزاء الداخلية‪ .‬لكن یمكن مع ذلك‬ ‫یمكن حتدیده من خالل ّ‬
‫حتدیده من خالل اللوازم واملهام‪.‬‬

‫حقیقي‪ :‬يشري‬ ‫اسمي أو‬ ‫فإن التعریف إ ّما تعریف‬‫جهة أخری‪ّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫من‬
‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫التعريف االسمي إىل حتدید اللفظ بینام يشري التعريف احلقيقي إىل الواقع‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬رسالة التصور و التصديق ‪ ،‬ص ‪.310-309‬‬


‫املنطق يف القرآن | ‪17‬‬

‫ویتعرف علیه‬
‫ّ‬ ‫أن يكون اليشء بسي ًطا يف الواقع‬ ‫اخلارجي‪ .‬لذلك من املمكن ْ‬
‫أیضا‪ .‬ويف هذه احلالة ال يمكن تعریفه من‬ ‫بسيط ً‬‫ٌ‬ ‫جهازنا املعريف عىل أنّه‬
‫ُ‬
‫أن يكون هلذا اليشء‬ ‫خالل املكونات واألجزاء الداخلية‪ .‬لكن من املمكن ْ‬
‫نات مفهومية؛ لذلك من املمكن‬ ‫وأن هذا االسم يتكون من مكو ٍ‬ ‫اسم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫بسیط من مجیع‬ ‫أن حقیقة اهلل تعالی بام أنّه‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫حتديد اسمه‪ .‬یعتقد صدر ّ‬
‫وتعریف حدي‪ ،‬ولكن مع ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫باملکونات‬
‫ّ‬ ‫تعریف‬
‫ٌ‬ ‫اجلهات‪ ،‬ال یوجد له‬
‫ٍ‬
‫جممل یتضمن مجیع‬ ‫ألن هذا اللفظ قد ُوضع ملعنى‬ ‫یوجد ملفردة (اهلل) حدٌّ ؛ ّ‬
‫واحدة من هذه الصفات جز ًءا من مفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫الصفات الكاملیة بنحو تعود ُّ‬
‫كل‬
‫(اهلل) عند التفصیل‪.‬‬
‫كام یمكن حتدید اهلل تعالی من خالل أفعاله ‪ .1‬لقد حدّ د القرآن أشياء‬
‫الر ْمْحَن َّ‬
‫ني َّ‬ ‫ْ‬
‫احْلَ ْم ُد ِ َّهَّلِل َر ّب الْ َعالَم َ‬
‫حي ِم‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أیضا‪﴿ :‬‬‫كثرية‪ .‬كام ُحدّ د اهلل يف القرآن ً‬
‫ين﴾؛ [احلمد‪ .]3-1 :‬هنا یكون تعریف لفظ اهلل تعالی بأنّه‬ ‫يو ِم ا ّ ِ‬ ‫َمال ِك ْ‬
‫دل ِ‬ ‫ِ‬
‫باملکونات؛‬
‫ّ‬ ‫رب العاملنی‪ ،‬وأنّه الرمحن والرحیم‪ ،‬وأنّه مالك یوم الدین تعری ًفا‬
‫ألن لفظ (اهلل)‪ ،‬وما یرادفه كلفظ (خدا) بالفارسیة‪ ،‬و (‪ )GOD‬باإلنجلیزیة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫جامع جلمیع الصفات‬ ‫ٌ‬ ‫مساّمها‬
‫أن ّ‬ ‫وغریها من األلفاظ یشری بنحو اإلمجال إلی ّ‬
‫كاملیة من املكونات املفهومیة للفظ (اهلل)‪ .‬كام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صفة‬ ‫كل‬‫الكاملية؛ لذلك ُیعدّ ّ‬
‫عرف حقیقة اهلل تعالی‬ ‫أن یقال‪ :‬يف هذه التحدیدات وما یناظرها قد ّ‬ ‫یمكن ْ‬
‫خارج‬
‫ٌ‬ ‫تعریف بام هو‬‫ٌ‬ ‫من خالل الصفات الفعلیة ومن خالل لوازمه‪ ،‬وهذا‬
‫أن ما أجاب به موسى‪‬‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫املكونات املفهومیة‪ .‬لذلك یعتقد صدر ّ‬ ‫عن ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عند ما سأله فرعون حیث ﴿قال ف ِْرع ْون َو َما َر ُّب ال َعالم َ‬
‫ني﴾ فأجابه بقوله‬ ‫ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُّ َّ‬
‫لرب العاملنی‬ ‫تعریف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ين ُه َما﴾ [الشعراء‪]24 :‬‬ ‫ات َواأْل ْر ِض وما ب‬
‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬ ‫﴿رب‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬رشح أصول الكايف ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 37‬و ج ‪ ،4‬ص ‪ .49-47‬ورشح أصول الكايف‪،‬‬
‫ج‪ ،3‬ص ‪ 113‬و‪.53‬‬
‫‪ | 18‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن اهلل تعالی سأل موسى عن عصاه فذكر موسى‬ ‫من خالل أفعاله ‪ .1‬كام ّ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫وعرفها من خالل مها ّمه‪َ ﴿ :‬وما ت ِلك بِي ِمينِك يا موىَس قال ِيِه عصاي‬ ‫اسمها ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ َ‬
‫يها َوأ ُه ُّش ب َها َىَلَع غ َنيِم َ‬
‫آر ُب أخ َرى﴾ [طه‪.]18-17 :‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ِيه‬ ‫ف‬ ‫يِل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أتوكأ عل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫رِّش ال ُمؤ ِمن َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كذلك یصف اهلل تعالی املؤمنني بأهّنم یعملون الصاحلات‪َ ﴿ :‬ويب ِ ُ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫َّ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ ُ ْ َ ْ ً َ‬
‫أیضا‬‫یعرفهم ً‬ ‫ات أن لهم أجرا كبِريا﴾ [اإلرساء‪ . ]9 :‬كام ّ‬ ‫احِل ِ‬‫اذَّلِين يعملون الص ِ‬
‫بأهّنم خاشعون يف الصالة‪ ،‬ویعرضون عن اللغو‪ ،‬ویعطون الزكاة‪ ،‬وحیفظون‬ ‫ّ‬
‫ِين ُهمْ‬ ‫ون َو َّاذَّل َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ ُ‬
‫فروجهم‪﴿ :‬قد أفلح المؤمِنون اذَّلِين هم ِيِف صاَلت ِِهم خا ِشع‬
‫ْ َ ُ َ‬ ‫َّ ْ ُ ْ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َّ َ َ ُ َ َ َّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِين ه ْم لِف ُرو ِج ِهم حاف ِظون﴾‬ ‫ع ِن اللغ ِو مع ِرضون واذَّلِين هم ل ِلزاَكة ِ فاعِلون واذَّل‬
‫[املؤمنون‪ .]5-1 :‬هذه اآلیات تشری إلی تعریف ال َف َاَلح من خالل لوازمه‬
‫وتعریف العمل الصالح من خالل ذكر مصادیقه‪.‬‬

‫‪ .4‬االستدالل يف القرآن‬
‫بشكل ٍ‬
‫معني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّملا كان االستدالل واحلجة هو ترتيب املعلومات ومقارنتها‬
‫مزيج من صورة االستدالل ومادته‪ .‬مادة االستدالل هي‬ ‫ٌ‬ ‫فإن احلجج هي‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫املعتقدات املقبولة سل ًفا‪ ،‬بینام صورة االستدالل هي ترتيب املقدّ مات‬
‫أي ما ّد ٍة من املواد‪ .‬صور االستدالل كثری ٌة يف‬
‫خاصة‪ ،‬وهذه الطریقة تقبل ّ‬
‫ٍ‬
‫املنطق‪ ،‬لكن أشكاهلا الرئيسة هي القیاسات االقرتانیة واالستثنائیة‪.‬‬
‫‪ . 1-4‬القياس االقرتاين‬
‫القياس االقرتاين هو القیاس الذي ال توجد النتیجة أو نقیضها يف إحدی‬
‫حیا‪ ،‬بل هي مبثوث ٌة يف املقدّ مات‪ .‬إذا كان القياس االقرتاين‬‫مقدماته رص ً‬
‫يتكون من مقدمتنی‪ ،‬ومها الصغری والكربی‪ ،‬ويتم احلصول‬ ‫بسي ًطا‪ ،‬فهو ّ‬
‫تتكون األقیسة‬
‫عىل النتيجة من هاتنی املقدّ متنی إذا كانت الرشوط موجودة‪ّ .‬‬
‫االقرتانیة من ثالثة حدود‪ :‬احلد األصغر املوجود يف الصغری‪ ،‬واحلد األكرب‬
‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬رشح أصول الكايف ‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.113‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪19‬‬

‫ويسمى‬‫ّ‬ ‫یتكرر يف املقدمیتن م ًعا‪.‬‬


‫املوجود يف الكربی‪ ،‬واحلد األوسط الذي ّ‬
‫كوسيط لريتبط األصغر واألكرب؛ لذلك‬ ‫ٍ‬ ‫احلد األوسط هبذا االسم؛​​ألنّه يعمل‬
‫كل حدٍّ من احلدود الثالثة‬ ‫فإن ّ‬ ‫القیاس مع نتيجته‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫إذا أخذنا يف االعتبار‬
‫یتكرر‬
‫یتكرر احلدّ األصغر يف الصغری والنتیجة‪ ،‬كام ّ‬ ‫يتكرر مر ًة واحدة‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫ویتكرر احلدّ األكرب يف الكربی والنتیجة‪ .‬یكون‬ ‫ّ‬ ‫احلدّ األوسط يف املقدمتنی‪،‬‬
‫قیاس اقرتاين‪ ،‬كام یكون األكرب حمموهلا‪ .‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫األصغر موضوع النتیجة يف ّ‬
‫كل‬
‫إن للقیاس االقرتاين بلحاظ موقع احلدّ األوسط يف الصغری والكربی أربعة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أشكال فقط‪:‬‬
‫حممواًل يف الصغری‪ ،‬وموضو ًعا‬ ‫ً‬ ‫الشكل األول‪ :‬ما كان احلدّ األوسط فیه‬
‫يف الكربی‪.‬‬
‫ً‬
‫حممواًل يف الصغری والكربی م ًعا‪.‬‬ ‫الشكل الثاين‪ :‬ما كان احلدّ األوسط فیه‬
‫الشكل الثالث‪ :‬ما كان احلدّ األوسط فیه موضو ًعا يف الصغری والكربی م ًعا‪.‬‬
‫ً‬
‫وحممواًل‬ ‫الشكل الرابع‪ :‬ما كان احلدّ األوسط فیه موضو ًعا يف الصغری‪،‬‬
‫يف الكربی‪.‬‬
‫یعدّ املنطقیون الشكل الرابع بعیدً ا عن الطبع اإلنساين؛ لذلك مل یذكره‬
‫كثری من املنطقینی ‪.1‬‬
‫ٌ‬
‫‪ . 2-4‬القياس االستثنائي‬
‫حیا يف إحدی‬ ‫القياس االستثنائي ما كانت النتیجة أو نقیضها موجود ًة رص ً‬
‫تتكون األقیسة االستثنائية البسیطة من مقدّ متنی بحیث تكون إحدامها‬ ‫مقدّ ماته‪ّ .‬‬
‫رشطیة‪ .‬إذا كانت املقدّ مة الرشطیة متصلة‪ ،‬فالقياس االستثنائي اتصا ّيل‪ ،‬أ ّما إذا‬
‫كانت إحدی املقدّ متنی رشطی ًة منفصل ًة‪ ،‬فالقياس االستثنائي انفصا ّيل‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن‌سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪ | 20‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪ .5‬القياس يف القرآن‬
‫ٍ‬
‫أشكال من األقیسة‬ ‫استخرج الغزايل وتبعه ا ُمل ّاّل صدرا من القرآن ثالثة‬
‫االقرتانیة‪ ،‬والقياس االستثنائي االتصايل‪ ،‬والقياس االستثنائي االنفصايل‪،‬‬
‫وعدّ وها موازین قرآنية‪.‬‬

‫‪ . 1-5‬املوازين أو احلجج الصور ّية يف القرآن‬


‫أن املیزان يف القرآن هي القواعد املنطقية للحجج‪،‬‬ ‫املتأهّلني ّ‬
‫یعتقد صدر ّ‬
‫وليس ما به توزن األشياء املادية مثل املقاييس املادیة‪ .‬هذا املیزان هو میزان‬
‫املعرفة باهلل تعالی ومالئكته وكتبه ورسله وامللك وامللكوت‪ .‬قام األنبیاء‬
‫اإلهليون بتعلیمنا كیفی َة توزین هذه املوازین كام تع ّلمه األنبیاء من املالئكة؛‬
‫لذلك کان اهلل تعالی هو املع ّلم األول وجربئیل املع ّلم الثاين ونب ّینا ‪ ،‬هو‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َّ‬
‫أن املیزان يف قوله تعالی‪َ ﴿ :‬والس َماءَ َرفعها َو َوضع‬ ‫املعلم الثالث ‪ 1‬ویعتقد ّ‬
‫ْ َ َ ََ ُ َْ ْ َ ْ ْ ََ ُْ ُ ْ َ َ‬
‫ان﴾ [الرمحن‪ 7 :‬و ‪ ]9‬وقوله‬ ‫ال ِمزيان وأقِيموا الوزن بِال ِقس ِط واَل خُت ِرِسوا ال ِمزي‬
‫َ َ َ َ َ ُ َ ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ َ ُ‬ ‫ََ ْ َْ َ َْ ُ ََ ْ َ‬
‫انلَاس‬ ‫ات َوأن َزنْلَا معه ُم ال ِ‬
‫كتاب وال ِمزيان ِيِلقوم‬ ‫تعالی‪﴿ :‬لقد أرسلنا ُرسلنا بِابْلَين ِ‬
‫ْ‬
‫بِال ِق ْس ِط﴾ [احلديد‪ ،]25 :‬هي املوازین املنطقیة‪.‬‬

‫املنزل من عند اهلل تعالی عند‬


‫أن القول بكون املیزان ّ‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫یری صدر ّ‬
‫خاطئ‪ ،‬بل‬‫ٌ‬ ‫نزول الكتب الساموية هو میزان احلنطة والشعري والتمر‪ٌ ،‬‬
‫قول‬
‫هذا املیزان هو املیزان الذي به توزن األمور النازلة من عند اهلل تعالی‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫تفسری املیزان يف القرآن باألمور املادية مجو ٌد علی الظاهر‪ ،‬وهو الذي یت ّبناه‬
‫احلنابلة والظاهریون‪ .‬وهذا األمر ینشأ من ركود قرحیتهم حیث حیملون‬
‫والسنّة علی معانیها العرفیة‪ .‬مع أنّه لیس من الرضوري‬ ‫ُ‬ ‫ألفاظ الكتاب‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب ‪ ،‬ص ‪ .308‬والحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‬
‫‪.300‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪21‬‬

‫خاص؛ إذ حقیقة املیزان‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬


‫شكل‬ ‫أن تكون حلقیقة املیزان صور ٌة جسمی ٌة أو‬ ‫ْ‬
‫جسامنی؛‬
‫ٍّ‬ ‫ورّسه هو مطلق ما به ُیوزن‪ ،‬سواء كان شی ًئا جسامن ًیا أم غری‬ ‫وروحه ّ‬
‫لذلك‪ ،‬فإن علم املنطق هو میزان التفكری يف العلوم النظریة وبه ُیعرف‬
‫أن علم النحو میزان اإلعراب‬ ‫التفكری الصحیح عن التفكری الباطل‪ ،‬كام ّ‬
‫والبناء‪ ،‬وعلم العروض میزان الشعر‪ ،‬واحلس میزان لبعض اإلدراكات‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫يشء یكون ّمّما‬ ‫فإن میزان ّ‬ ‫والعقل الكامل میزان جلمیع األشیاء‪ .1‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫یسانخه؛ ولذلك یكون میزان األمور العقلیة – وهی الفلسفة ‪ -‬ممّا یسانخها‬
‫كل ٍ‬
‫يشء یكون ممّا‬ ‫أن میزان اخلطوط هی املسطرة ‪ .2‬میزان ّ‬ ‫وهو املنطق‪ .‬كام ّ‬
‫فإن املوازین كثریةٌ‪ ،‬وینبغی أن ُحُیمل املیزان املذكور يف‬ ‫یسانخه؛ ولذلك ّ‬
‫القرآن علی أرشف املوازین‪ ،‬وهو میزان یوم احلساب الذي یشری إلیه قوله‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ََ َ ُ ََْ َ ْ ْ‬
‫يام ِة﴾ [األنبياء‪ ،]47 :‬وهو میزان‬ ‫ين ال ِقس َط ِيِلو ِم ال ِق‬‫تعالی‪﴿ :‬ونضع المو ِ‬
‫از‬
‫العلوم واألفعال اجلوارحیة الصادرة عن األفعال اجلوانحیة‪ُ .‬سئل اإلمام‬
‫ََ َ ُ ََْ َ ْ‬
‫ين ال ِق ْس َط﴾‪ ،‬فقال‪« :‬املوازين هم‬ ‫الصادق ‪ ‬عن قوله تعالی ﴿ونضع المو ِ‬
‫از‬
‫األنبياء واألولياء» ‪.3‬‬

‫‪ . 2-5‬تقییم صحة املوازين القرآن ّية‬


‫ٍ‬
‫میزان نفهم‬ ‫أي‬ ‫جییب صدر ّ‬
‫املتأهّلني عن هذا السؤال‪ :‬كیف ومن خالل ّ‬
‫بأن صدق موازين القرآن‬‫صحة املوازین املذكورة يف القرآن؟ جییب عنه ّ‬
‫واألئمة ‪ .‬فكام أنّك تعرف ميزان‬
‫ّ‬ ‫النبي‬
‫معلو ٌم من القرآن نفسه بتعليم ّ‬
‫الذهب والفضة وصدقه‪ ،‬ومعرفة فرض دينك إذا كان عليك دين حتى‬
‫عداًل‬ ‫ٍ‬
‫نقصان‪ ،‬أو كان لك عىل غريك دي ٌن حتى تأخذه ً‬ ‫تقضيه تا ًما من غري‬
‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬الحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.300-298‬‬
‫‪ .2‬الشريازي‪ ،‬املظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ .3‬الشیرازي‪ ،‬الحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.300‬‬
‫‪ | 22‬تاریخ علم املنطق‬

‫رجحان‪ ،‬فدخلت سو ًقا من أسواق املسلمني‪ ،‬وأخذت ميزانًا من‬ ‫ٍ‬ ‫من غري‬
‫شك يف‬ ‫فإن عرض لك ٌّ‬ ‫ً‬
‫وعداًل‪ّ .‬‬ ‫املوازين فقضيت أو استقضيت الدين ح ًّقا‬
‫بعض املوازين أخذته ورفعته‪ ،‬ونظرت إىل كفتي امليزان ولسانه‪ ،‬فإذا استوى‬
‫ميل إىل أحد اجلانبني‪ ،‬ورأيت مع ذلك تقابل الكفتني‬ ‫انتصاب اللسان من غري ٍ‬
‫أن اللسان قد انتصب‬ ‫صادق‪ .‬فلو قيل لك‪ :‬هب ّ‬ ‫ٌ‬ ‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ميزان‬ ‫عرفت أنّه‬
‫أن امليزان صادق؟‬ ‫وأن الكفتني حتاذتا بالسواء فمن أين تعلم ّ‬ ‫عىل االستواء ّ‬
‫علاًم رضور ًيا حيصل يل من مقدّ متني إحدامها‬ ‫تقول يف جوابه‪ّ :‬إيّن أعلم ذلك ً‬
‫وأن األثقل أشد‬ ‫أن الثقيل هيوي إىل أسفل ّ‬ ‫جتربية واألخرى حسية‪ .‬فالتجربية ّ‬
‫هتو إحدى كفتيه بل حاذت األخرى‬ ‫أن هذا امليزان مل ِ‬
‫هو ًّيا‪ .‬واملقدمة احلسية ّ‬
‫حماذاة مساواة‪ .‬فمن خالل هاتني املقدّ متني يلزم قلبي نتيجة رضور ّية‪ ،‬وهي‬
‫وأن إحدى الكفتني لو كانت أثقل لكانت أهوى‪ .‬ثم‬ ‫استواء هذا امليزان ّ‬
‫ٍ‬
‫فحینئذ نقدّ رها باملیزان من‬ ‫إن شككنا يف األحجار التي هبا توزن األشیاء‪،‬‬ ‫ْ‬
‫أن املساوي للمساوي‬ ‫خالل األحجار املعلوم وزهنا‪ ،‬فإذا ساوى علمت ّ‬
‫أن واضع املیزان من هو‪ ،‬فهذا‬ ‫مساو له‪ .‬لذلك‪ ،‬فإنّا حتی لو مل نعلم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لليشء‬
‫أن صحة املیزان مشهودة‪ .‬یعتقد‬ ‫فإن املفروض ّ‬ ‫صحة امليزان يف يشء‪ّ ،‬‬ ‫یرض ّ‬ ‫ال ّ‬
‫أن املوازین املادیة بدهیی ٌة‬‫أن صحة املوازین القرآنیة بدهییة‪ ،‬كام ّ‬ ‫املتأهّلني ّ‬
‫صدر ّ‬
‫شك فیها أحدٌ ألمكن استعالمها بام ذكرناه‬ ‫احلس والتجربة ولو ّ‬ ‫من خالل ّ‬
‫ساب ًقا‪ .‬مضا ًفا إلی أن واضع هذا املیزان هو اهلل‪ ،‬ومعلمه جربئيل‪ ،‬ومستعمله‬
‫إبراهيم اخلليل ‪ ،‬وابنه حممد ‪ ،‬وسائر األنبياء واألولياء ‪ ،‬وقد‬
‫شهد اهلل هلم بالصدق ‪.1‬‬

‫‪ .1‬الشیرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪.308‬‬


‫املنطق يف القرآن | ‪23‬‬

‫‪ . 3-5‬القياس املضمر واحلذف واإلجياز يف القرآن‬


‫قسم القیاس يف املنطق إلی املضمر وغري املضمر‪ .‬القياس غري املضمر‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫أو القیاس الرصیح هو القیاس الذي ُذكرت فیه املقدّ مات والنتیجة‬
‫ٌ‬
‫حادث‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حادث‪ ،‬فالعامل‬ ‫وكل ّ ٍ‬
‫متغرّی‬ ‫متغری‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫وواضح‪ .‬مثاله‪ :‬العامل‬ ‫ٍ‬
‫رصیح‬
‫ٌ‬
‫أن الصغری والكربی والنتیجة مذكور ٌة فیه م ًعا‪ .‬لكن‬ ‫نجد يف هذا القیاس ّ‬
‫متغرّی‬
‫القیاس املضمر ال تذكر فیه إحدی املقدّ مات أو النتیجة‪ .‬مثاله‪ :‬العامل ّ ٌ‬
‫متغری‪ .‬ففي هذین املثالنی‬
‫ٌ‬ ‫حادث‪ .‬ومثاله اآلخر‪ :‬العامل حادث‪ ،‬إذ هو‬ ‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫سمی القیاس الضمری (املضمر)‪.‬‬ ‫حذفت الكربی‪ .‬ك ّلام ُحذفت الكربی ُی ّ‬
‫حادث‪ .‬يف هذا املثال الصغری‬ ‫ٌ‬ ‫كل ّ ٍ‬
‫متغرّی حاد ًثا‪ ،‬فالعامل‬ ‫مثاله اآلخر‪ّ :‬ملا كان ّ‬
‫ٌ‬
‫حادث‪ .‬ويف هذا املثال ُحذفت‬ ‫وكل ّ ٍ‬
‫متغرّی‬ ‫متغرّی‪ّ ،‬‬
‫حمذوفة‪ .‬مثاله اآلخر‪ :‬العامل ّ ٌ‬
‫النتیجة‪ .1‬منهج القرآن يف احلجج منهج اإلجیاز؛ لذلك تكون احلجج القرآنیة‬
‫من قبیل األقیسة املضمرة غال ًبا‪.‬‬

‫‪ .6‬املوازین القرآنية‬
‫املتأهّلني ّ‬
‫أن املوازین املنطقية املوجودة يف القرآن علی‬ ‫یعتقد الغزايل وصدر ّ‬
‫ثالثة أقسام‪ :‬ميزان التعادل‪ ،‬وميزان التالزم‪ ،‬وميزان التعاند‪ .‬ميزان التعادل‬
‫األول والثاين والثالث والرابع‪.‬‬
‫هو القياس االقرتاين املنقسم إلی الشكل ّ‬
‫لكنّهام مل یذكرا الشكل الرابع؛ ولذلك َس ّمیا الشكل األول باملیزان األكرب‬
‫والشكل الثاين باملیزان األوسط والشكل الثالث باملیزان األصغر‪ .‬األقیسة‬
‫االستثنائیة إ ّما متصل ٌة‪ ،‬وإ ّما منفصل ٌة‪ ،‬ولقد ّ‬
‫سمیا القياس االستثنائي االتصايل‬
‫بميزان التالزم والقياس االستثنائي االنفصايل بميزان التعاند‪ .‬وعلی هذا‬
‫األساس‪ ،‬تعود املوازین القرآنیة عندمها مخسة‪ .‬یقول صدر ّ‬
‫املتأهّلنی‪ :‬حتدید‬

‫‪ِ .1‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد ص ‪ .190‬واملظفر‪ ،‬محمد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص ‪.285‬‬
‫‪ | 24‬تاریخ علم املنطق‬

‫واحد من هذه املوازین وحتدید أشكاهلا ورشوطها وحتدید الفارق بنی‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫ّ‬
‫مذكور يف كتب‬
‫ٌ‬ ‫املنتج والعقیم وبنی املنحرف واملستقیم منها‪ ،‬وحتدید وزهنا‬
‫بعض علامء اإلسالم (الغزايل يف كتابه القسطاس املستقيم)‪ .‬لذلك لو وقف‬
‫اإلنسان علی املوازین اخلمسة التي أنزهلا اهلل تعالی علی نبیه‪ ،‬فقد اهتدی‬
‫ضل وغوی‪.1‬‬ ‫ومن مل یستعملها‪ ،‬وعمل برأیه فقد ّ‬

‫‪ . 1-6‬امليزان األكرب‬
‫ً‬
‫حممواًل يف‬ ‫امليزان األكرب أو الشكل األول هو الذي یكون احلدّ الوسط فیه‬
‫الصغری وموضو ًعا يف الكربی‪ .‬ورشطه يف اإلنتاج إجیاب الصغری وكلیة‬
‫أن استدالل إبراهيم اخلليل ‪ ‬جتاه‬ ‫املتأهّلني ّ‬
‫الكربی‪ .‬یعتقد الغزايل وصدر ّ‬
‫نمرود هو من قبیل امليزان األكرب والشكل األول‪ .‬وقد ع ّلمه لنا القرآن بقوله‬
‫َّ َ ْ َ ُ ُّ ُْْ َ ْ َ َ‬
‫ال إبْ َراه ُ‬ ‫اج إبْ َراه َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ‬
‫ِيم‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫م‬ ‫ال‬ ‫اهّلل‬ ‫اه‬‫آت‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫ر‬
‫ِ ِ‬ ‫يِف‬ ‫ِيم‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ِي‬
‫اذَّل‬ ‫تعالی‪﴿ :‬ألم تر إِىَل‬
‫َ َّ َهَّ ْ‬ ‫ُ َ َ ََ ُ ْ َُ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الش ْمس مِنَ‬ ‫ال إبْ َراه ُ‬
‫ِيم فإِن اهَّلل يأ ِيِت ِب‬ ‫ق‬ ‫ِيت‬
‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫يي‬‫ح‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫يت‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َر ّيِّب َّاذَّلِي حيْيي َ‬
‫و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫ََ َ َ ُّ َ ْ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫َْ َ َ َْْ‬ ‫َْ ْ‬
‫رْش ِق فأ ِت بِها مِن المغ ِر ِب فب ِهت اذَّلِي كفر واهّلل اَل يه ِدي القوم الظال ِ ِمني﴾‪،‬‬ ‫الم ِ‬
‫حجتنی علی إثبات ربوبیة‬
‫[البقرة‪ .]258 :‬یذكر إبراهيم ‪ ‬يف هذه اآلیة ّ‬
‫اهلل تعالی‪:‬‬
‫قادر علی اإلحیاء واإلماتة‪.‬‬
‫‪1‌.‬اهلل تعالی ٌ‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫رب‬
‫قادرا علی اإلحیاء واإلماتة‪ ،‬فهو ٌّ‬ ‫‪ّ 2‌.‬‬
‫كل من كان ً‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫رب‬
‫‪3‌.‬فاهلل تعالی ٌّ‬
‫حجة‬
‫حجة إبراهیم أنّه الرب‪ .‬وحیث مل یقف علی ّ‬
‫ا ّدعی نمرود جتاه ّ‬
‫یبنّی ّ‬
‫أن نمرود یغالط يف‬ ‫حج ًة أخری حتی ّ‬
‫إبراهیم ‪ ،‬ذكر إبراهیم ‪ّ ‬‬
‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬الحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .300‬واملظاهر اإللهية يف‬
‫أرسار العلوم الكاملية‪ ،‬ص ‪ .129‬ورشح أصول الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.554-553‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪25‬‬

‫والرب هو القادر عىل‬


‫ّ‬ ‫حجة إبراهيم ‪ ‬مبنی ًة علی ّ‬
‫أن اإلله‬ ‫املحاجة‪ .‬كانت ّ‬
‫ّ‬
‫كل يش ٍ‏ء‪ ،‬ویكون اإلحیاء واإلماتة كنای ًة عن قدرته املطلقة‪ .‬فقال اخلليل‬
‫ّ‬
‫‪ ‬اإلله إهلي؛ ألنّه الذي حييي ويميت‪ ،‬وهو القادر عليه‪ ،‬وأنت ال تقدر‬
‫عليه‪ .‬فقال‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ .‬يعني أنّه حييي النطفة بالوقاع‪ ،‬ويميت اإلنسان‬
‫أن ذلك يعرس عليه فهمه‪ ،‬فعدل إىل ما هو أوضح‬ ‫بالقتل‪ .‬فعلم إبراهيم ‪ّ ‬‬
‫إن اهلل يأيت بالشمس من املرشق‪ِ ،‬‬
‫فأت هبا من املغرب‪ .‬فتكون‬ ‫عنده‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫حجته الثانیة هبذا النحو‪:‬‬
‫صورة ّ‬
‫قادر علی اإلتيان بالشمس من املرشق‪.‬‬
‫‪1‌.‬اهلل ٌ‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫رب‬
‫قادر علی اإلتيان بالشمس من املرشق‪ ،‬فهو ٌّ‬ ‫‪ُّ 2‌.‬‬
‫كل من هو ٌ‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫رب‬
‫‪3‌.‬فاهلل تعالی ٌّ‬
‫و ّملا مل تكن هذه احلجة صوری ًة حمضة‪ ،‬بل هي مع املادة‪ ،‬إذ هي حج ٌة علی‬
‫احلجة كافی ٌة ورضوری ٌة‬ ‫إثبات ربوبیة اهلل تعالی‪ ،‬فیقول صدر ّ‬
‫املتأهّلنی‪ :‬هذه ّ‬
‫سؤااًل حول عمومیة‬ ‫ً‬ ‫يف إثبات ألوهية اهلل‪ ،‬ونفي ألوهية نمرود‪ .‬لكنّه یطرح‬
‫احلجة من حیث الصورة‪ :‬كیف توزن املعارف األخری من خالل هذا‬ ‫هذه ّ‬
‫أن‬‫میزان یوزن به الذهب فمن الواضح ّ‬ ‫ٍ‬ ‫قائاًل‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫املیزان؟ وجییب عنه ً‬
‫أیضا؛ وذلك ّ‬
‫ألن ذهبیة‬ ‫ذلك املیزان یوزن به الفضة واملوزونات األخری ً‬
‫املوزون ال دور هلا يف میزانیة املیزان‪ .‬كذلك يف میزان التفكری واملعتقدات‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وعقیدة؛‬ ‫كل ٍ‬
‫فكر‬ ‫خاصة‪ ،‬بل به یوزن ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫بأفكار ّ‬ ‫فإن املیزان فیها ال اختصاص له‬
‫احلجة‬
‫لذلك جیب أخذ روح املیزان وجتریده عن املثال‪ .‬روح املیزان يف هذه ّ‬
‫صفة‪ ،‬فهذا احلكم ُحُیمل علی املوصوف‬‫ٍ‬ ‫أن ّ‬
‫كل حك ٍم إذا محلناه علی‬ ‫هو ّ‬
‫أیضا‪ .‬علی هذا األساس‪ ،‬معیار املیزان األكرب هو‬
‫واملوضوع لتلك الصفة ً‬
‫‪ | 26‬تاریخ علم املنطق‬

‫أیضا ‪ .1‬مثاله اآلخر قوله تعالی‪:‬‬ ‫األخص ً‬


‫ّ‬ ‫حكم علی‬‫ٌ‬ ‫أن احلكم علی األعم‬ ‫ّ‬
‫ار ُت ُه ْم َو َما َاَكنُوا ُم ْه َت ِد َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ت ِجِتَ َ‬ ‫ُ‬
‫ين﴾‪،‬‬ ‫﴿أولئِك اذَّلِين اشرَتوا الضاَللة بِالهدى فما ربِح‬
‫[البقرة‪ .]16:‬تصف هذه اآلیة املنافقنی الذين یفسدون يف األرض ویشرتون‬
‫الضاللة باهلدایة‪ .‬یستنتج القرآن من هذه الصفة ّأهّنم ال یربحون يف جتارهتم‬
‫وال هیتدون‪ ،‬وذلك من خالل املیزان األكرب‪:‬‬
‫‪ 1‌.‬یشرتي املنافقون الضاللة باهلدایة‪.‬‬
‫‪ّ 2‌.‬‬
‫كل من اشرتی الضاللة باهلدایة فهو ال یربح يف جتارته وال هیتدي‪.‬‬
‫‪3‌.‬فاملنافقون ال یربحون يف جتارهتم وال هیتدون‪.‬‬
‫َ َ ً‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َ ُّ َ ْ َ َ ّ َ ٌ‬
‫مثاله اآلخر قوله تعالی‪ِ﴿ :‬إَوذ قال َربك ل ِل َماَلئِك ِة إ ِ ِيِّن جاعِل ِيِف اأْل ْر ِض خلِيفة‬
‫َْ َُ ّ ُ َ ْ َ َُ ّ ُ َ َ‬ ‫َ ُ ََ ْ َ ُ َ َ ْ ْ ُ َ َ ْ ُ ّ َ‬
‫دلماءَ َوحَن ُن نسبِح ِحِبم ِدك َونق ِدس لك‬ ‫قالوا أتجعل فِيها من يف ِسد فِيها ويس ِفك ا ِ‬
‫ون﴾ [البقرة‪ .]30 :‬یستفاد من هذه اآلیة ّ‬ ‫َ َ ّ َ ْ َُ َ َ ََُْ َ‬
‫أن املالئكة‬ ‫قال إ ِ ِيِّن أعلم ما اَل تعلم‬
‫أن الطبیعة اإلنسانیة تقتيض اإلفساد يف األرض وسفك‬ ‫كانوا یعلمون ّ‬
‫أن مثل هذه الطبیعة ال تصلح للخالفة اإلهلية‪ ،‬إذ‬ ‫الدماء؛ لذلك استنتجوا ّ‬
‫قالوا بزعمهم ّ‬
‫أن خلیفة اهلل هو الذي یس ّبح اهلل تعالی بحمده ویقدّ سه‪ .‬بینام‬
‫حجتهم‬ ‫بأهّنم ال یعلمون مجیع احلقائق؛ إذ ّ‬
‫حجتهم ّ‬‫اهلل تعالی أعلمهم بخطأ ّ‬
‫أن بعض الناس ال یصلح للخالفة اإلهلیة‪:‬‬ ‫ال تُنتج ّ‬
‫‪1‌.‬اإلنسان بطبیعته یفسد يف األرض‪ ،‬ویسفك الدماء‪.‬‬
‫‪ُّ 2‌.‬‬
‫كل من أفسد يف األرض وسفك الدماء فهو ال یصلح للخالفة اإلهلية‪.‬‬
‫‪3‌.‬فاإلنسان ال یصلح للخالفة اإلهلية‪.‬‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب ‪ ،‬ص ‪ .309-310‬واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية‪ ،‬ص‬
‫‪ .129‬ورشح أصول الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.555-554‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪27‬‬

‫وكذا‪:‬‬
‫‪1‌.‬نحن نُس ّبح اهلل ونقدّ سه‪.‬‬
‫‪ُّ 2‌.‬‬
‫كل من س ّبح اهلل تعالی وقدّ سه فهو یصلح للخالفة اإلهلية‪.‬‬
‫‪ 3‌.‬فنحن صاحلون للخالفة اإلهلیة‪.‬‬
‫ْ ُُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََُْ َُْ‬
‫ويِن ِيِف ُرؤياي إِن كنت ْم‬ ‫مثاله اآلخر قوله َتعالی‪﴿َ :‬يا أيها المأَل أف ْ ِ‬
‫ت‬
‫ح َاَلم ب َعالِم َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ُّ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ‬
‫ني﴾‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يل اأْل‬
‫ل ِلرؤيا تعرُبون قالوا أضغاث أحاَل ٍم وما حَنن ب ِ ِ ِ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫[يوسف‪:]45-44 :‬‬
‫‪ 1‌.‬رؤیا امللك من أضغاث األحالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معلومة لنا وال یمكننا تعبریها‪.‬‬ ‫‪2‌.‬أضغاث األحالم غری‬
‫ٍ‬
‫معلومة لنا وال یمكننا تعبریها‪.‬‬ ‫‪3‌.‬فرؤیا امللك غری‬
‫أن تكون مقدّ مات القياس االقرتاين َرَشط ّيات متّصلة‪ .‬كام نجد‬ ‫من املمكن ْ‬
‫مقدمات مت ٍ‬
‫ّصلة‪ .‬كقوله تعالی‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫يف القرآن املیزان األكرب الذي یشتمل علی‬
‫َ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ ََْ ُ ْ َ َْ َْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُُ‬
‫حل عليكم غض ِيِب ومن حيلِل‬ ‫ات ما َرزقناكم َواَل تطغوا فِي ِه في ِ‬
‫﴿لُكوا مِن طيب ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫علي ِه غ َض ِيِب فق ْد ه َوى﴾ [طه‪ .]81 :‬ففي هذه اآلیة یكون الرشط مقدّ ًرا‪،‬‬
‫َ َّ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ْ َْ َْ‬
‫احلجة هكذا‪:‬‬
‫هكذا‪﴿ :‬إن تطغوا فِي ِه في ِحل عليكم غض ِيِب﴾‪ .‬لذلك تكون ّ‬
‫كل من طغى يف األكل َحَی َّل علیه غضب اهلل تعالی‪.‬‬
‫‪ُّ 1‌.‬‬
‫كل من َّ‬
‫حل علیه غضب اهلل تعالی فهو هیلك‪.‬‬ ‫‪ُّ 2‌.‬‬
‫‪ُّ 3‌.‬‬
‫فكل من طغی يف األكل فهو هیلك‪.‬‬
‫‪ | 28‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪ . 2-6‬امليزان األوسط‬
‫امليزان األوسط أو الشكل الثاين هو القیاس الذي یكون احلدّ األوسط‬
‫حممواًل يف الصغری والكربی‪ .‬ویشرتط يف إنتاجه اختالف املقدّ متنی يف‬ ‫ً‬ ‫فیه‬
‫أیضا‪ .‬استخدم إبراهيم ‪ ‬هذا‬ ‫السلب واإلجیاب‪ ،‬كام تشرتط كلیة الكربی ً‬
‫ح ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ ً َ َ َ َ ّ َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬
‫ب‬ ‫املیزان‪﴿ :‬فلما ج َّن علي ِه الليل َرأى كوكبا قال هذا َر ِيِّب فلما أفل قال اَل أ ِ‬
‫ّ ََ ُ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ً َ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ازاًغ قال هذا َر ِيِّب فل َّما أفل قال لئِ ْن ل ْم يه ِد ِيِن َر ِيِّب أَلكون َّن‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫أ‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ف‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ف‬‫اآْل‬
‫الضا ّلِ َ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬
‫ني﴾‪[ :‬األنعام‪:]77-76 :‬‬ ‫م َِن الق ْو ِم‬
‫‪1‌.‬القمر ٌ‬
‫آفل‪.‬‬
‫‪2‌.‬لیس الرب ٍ‬
‫بآفل‪.‬‬
‫‪3‌.‬فلیس القمر بالرب‪.‬‬
‫أیضا هكذا‪:‬‬
‫یمكننا تقریر هذه احلجة بصیاغة املیزان األكرب ً‬
‫‪1‌.‬القمر ٌ‬
‫آفل‪.‬‬
‫برب‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫آفل فهو لیس ٍّ‬ ‫‪ُّ 2‌.‬‬
‫برب‪.‬‬
‫فالقمر لیس ٍّ‬
‫ُ‬ ‫‪3‌.‬‬
‫احلجة علی صیاغة املیزان األوسط؛‬ ‫لكن جعل الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا هذه ّ‬
‫وذلك النطباق حدّ املیزان األوسط علیها؛ إذ حدّ املیزان األوسط هو ّ‬
‫أن‬
‫بوصف مل یتصف به اليشء اآلخر‪ ،‬فهام شیئان متباینان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اليشء إذا اتّصف‬
‫الرب فال یتّصف به؛‬
‫ّ‬ ‫أن القمر یتّصف باألفول‪ ،‬أ ّما‬ ‫احلجة ّ‬
‫ّ‬ ‫نجد يف هذه‬
‫والرب متباینان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فیستنتج منهام ّ‬
‫أن القمر‬
‫َ َ‬
‫النبي ‪ ‬هذا املیزان يف مواضع كثریة‪ .‬منها قوله تعالی‪﴿ :‬قال ِ‬
‫ت‬ ‫استعمل ّ‬
‫املنطق يف القرآن | ‪29‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ َّ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ّ ُ ُ ْ ُ ُ ُ‬
‫ك ْم بَ ْل أ ْن ُت ْم ب َ َ ٌ‬
‫رَش‬ ‫ايْلهود وانلصارى حَنن أبناء اهَّللِ وأ ِ‬
‫حباؤه قل فلِم يع ِذبكم بِذنوب ِ‬
‫َ َ‬
‫م َِّم ْن خل َق﴾ [مائده‪:]18 :‬‬
‫‪1‌.‬أنتم (اليهود والنصاري) تعذبون‪.‬‬
‫‪ 2‌.‬أبناء اهلل ال يعذبون‪.‬‬
‫‪3‌.‬فأنتم (اليهود والنصاري) لستم بأبناء اهلل‪.‬‬
‫صحة املقدّ مة الثانیة جتریبی ٌة‪.‬‬
‫أن ّ‬ ‫صحة املقدّ مة األولی فحسی ٌة‪ ،‬كام ّ‬
‫أ ّما ّ‬
‫ویتّضح من خالهلام ّ‬
‫أن الیهود والنصاری لیسوا بأبناء اهلل تعالی‪.‬‬
‫ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ َّ‬
‫اء ِهَّلِلِ‬ ‫مثاله اآلخر قوله تعالی‪﴿ :‬قل يا أيها اذَّلِين هادوا إِن زعمتم أنكم أو ِيِل‬
‫ِني﴾ [اجلمعة‪.]6 :‬‬ ‫اس َف َت َم َّن ُوا ال ْ َم ْو َت إ ْن ُك ْن ُت ْم َصا ِدق َ‬ ‫م ِْن ُدون ّ‬
‫انلَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 1‌.‬ال يشء من اليهود يتمني املوت‪.‬‬
‫‪ّ 2‌.‬‬
‫كل ويل من أولیاء اهلل يتمني املوت‪.‬‬
‫‪3‌.‬فال يشء من اليهود بويل من أولیاء اهلل ‪.1‬‬
‫‪ . 3-6‬امليزان األصغر‬
‫امليزان األصغر أو الشكل الثالث هو القیاس الذي یقع احلد األوسط‬
‫فیه موضو ًعا يف املقدّ متنی م ًعا‪ .‬ویعدّ يف إنتاجه إجیاب الصغری وكلیة إحدی‬
‫َ ََ‬
‫النبي ‪َ ﴿ :‬وما قد ُروا‬ ‫دائاًم‪ .‬استعمله َ ّ‬‫املقدّ متنی‪ .‬والنتیجة يف َهذا املیزان جزئی ٌة ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ََْ ُّ ََ‬
‫ىَلَع ب َ َرَش م ِْن يَشء قل َم ْن أن َزل الك َت َ‬
‫اب اذَّلِي َجاءَ‬ ‫َهَّ َ َّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اهّلل‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫وا‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫اهَّلل حق ق ِ‬
‫ر‬ ‫د‬
‫ََْ ُ َُ ََ َ ُْ ُ َ َ َ ُُْ َ َ ً ُ ّ ُْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ ُ ً ُ ً‬
‫ريا َوعلِمت ْم ما ل ْم‬‫اس جَتعلونه قرا ِطيس تبدونها وخُتفون كثِ‬‫ورا َوهدى ل ِلن ِ‬ ‫ب ِ ِه موىَس ن‬
‫َ ْ ْ َُْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ْ ُ ّ ُ ُ َّ َ ْ ُْ‬
‫تعلموا أنتم واَل آباؤكم ق ِل اهّلل ثم ذرهم ِيِف خو ِض ِهم يلعبون﴾ [األنعام‪.]91 :‬‬
‫وحي؛ إذ ال ینزل‬ ‫ادعی الیهود بصدد إنكار رسالة النبي ‪ ‬أنّه مل ِ‬
‫یأته‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪.311-310‬‬


‫‪ | 30‬تاریخ علم املنطق‬

‫برش‪ .‬لكن القرآن یبطل كالمهم من خالل املیزان األصغر أو‬‫الوحی علی ٍ‬
‫نبي اهلل‪ ،‬وقد نزل‬
‫أن موسى ‪ّ ‬‬ ‫إن الیهود كانوا یقبلون ّ‬
‫الشكل الثالث؛ إذ ّ‬
‫واحلجة هكذا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫علیه التوراة‪.‬‬
‫برشا‪.‬‬
‫‪1‌.‬موسى ‪ ‬كان ً‬
‫‪2‌.‬موسى ‪ ‬نزل علیه الكتاب‪.‬‬
‫‪3‌.‬فبعض البرش ینزل علیه الكتاب‪.‬‬
‫حيس‪ ،‬وأ ّما أنّه قد نزل علیه الكتاب فهذا‬
‫أمر ٌّ‬
‫برش‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫أ ّما ّ‬
‫أن موسی ‪ٌ ‬‬
‫مما یتسامل عليه الیهود‪ .‬فال یصح إنكار نزول الوحی علی ٍ‬
‫أحد ‪.1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ . 4-6‬ميزان التالزم‬
‫ميزان التالزم أو القياس االستثنائي االتصايل یتألف من قضیتنی‪ ،‬إحدامها‬
‫رشطی ٌة متصل ٌة‪ ،‬ومقدمته األخری إما یوضع فیها ا ُملقدَّ م‪ ،‬أو یرفع فیها التايل‪.‬‬
‫ویستنتج من وضع ا ُملقدَّ م وضع التايل كام یستنتج من رفع التايل رفع ا ُملقدَّ م‪.‬‬
‫‪1‌.‬إذا طلعت الشمس فالنهار موجو ٌد‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكن طلعت الشمس‪.‬‬
‫‪3‌.‬فالنهار موجو ٌد‪.‬‬
‫هذا من قبیل وضع ا ُملقدَّ م‪.‬‬
‫‪1‌.‬إذا طلعت الشمس فالنهار موجو ٌد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بموجود‪.‬‬ ‫‪2‌.‬لكن النهار لیس‬
‫‪3‌.‬فالشمس مل تطلع‪.‬‬
‫هذا من قبیل رفع التايل‪.‬‬
‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪ .311‬واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪31‬‬

‫أما املثال القرآين ملیزان التالزم فقوله تعالی‪﴿ :‬ل َ ْو َاَك َن فِيه َما آل َِه ٌة إ َّاَّل ّ ُ‬
‫اهّلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ‬
‫‪1‬‬
‫لف َس َدتا﴾ [األنبيا‪.]22 :‬‬
‫‪1‌.‬لو كان يف السموات واألرض آهلة لفسدتا‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكن مل تفسد السموات واألرض‪.‬‬
‫‪3‌.‬فالسموات واألرض آهلة ال توجد فیهام آهلة‪.‬‬
‫احلجة یستنتج النتیجة من خالل رفع التايل‪.‬‬
‫ففي هذه ّ‬
‫َّ َ َ ُ َ َ َّ‬ ‫َّ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ‬
‫ب جهن َم‬ ‫مثاله اآلخر قوله تعالی‪﴿ :‬إِنكم وما تعبدون مِن د ِ‬
‫ون اهَّللِ حص‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫ُ َ ُ ٌّ‬ ‫ًَ َ‬ ‫َُْ ْ ََ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ون﴾ [األنبياء‪:‬‬ ‫اردون ل ْو اَكن هؤاَلءِ آل ِهة ما َو َردوها َولُك فِيها خ ِ‬
‫ادِل‬ ‫أنتم لها و ِ‬
‫‪.]99-98‬‬
‫‪1‌.‬لو كانت األصنام آهل ًة مل تدخل جهنم‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكنها تدخل جهنم‪.‬‬
‫‪3‌.‬فاألصنام لیست بآهلة‪.‬‬
‫أیضا‪.‬‬
‫ويف هذه احلجة یستنتج النتیجة من خالل رفع التايل ً‬

‫بأن ّ‬
‫كل يشء یلزم شی ًئا فهو یتبعه يف الوجود؛ فیستنتج‬ ‫حیدّ ميزان التالزم ّ‬
‫نفي‬
‫من وجود امللزوم وجود الالزم بالرضورة‪ ،‬كام یستنتج من نفي الالزم ُ‬
‫نفي الالزم‪ ،‬كام ال یستنتج‬
‫امللزوم بالرضورة‪ .‬لكن ال یستنتج من نفي امللزوم ُ‬
‫من وجود الالزم وجود امللزوم‪ ،‬بل مها من موازین الشیطان‪.2‬‬
‫ُُ َ َ ََ ْ ُ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫مثاله اآلخر قوله تعالی‪ِ﴿ :‬إَون اَكن ق ِميص ُه قد م ِْن دب ٍر فكذبت َوه َو م َِن‬

‫‪ .1‬م‪.‬ن‪.‬‬
‫‪ .2‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫‪ | 32‬تاریخ علم املنطق‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫الصادق َ ّ‬‫َّ‬
‫يدك َّن ع ِظ ٌ‬
‫يم﴾‬ ‫ِني فل َما َرأى ق ِميص ُه قد م ِْن دب ٍر قال إِن ُه م ِْن كي ِدك َّن إِن ك‬ ‫ِ‬
‫[يوسف‪.]28-27 :‬‬
‫صادق وزلیخا كاذب ٌة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إن كان قمیص یوسف ُقدَّ من ُد ٍبر فهو‬ ‫‪ْ 1‌.‬‬
‫‪2‌.‬لك ّن قمیص یوسف ُقدَّ من ُد ٍبر‪.‬‬
‫صادق وزلیخا كاذب ٌة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪3‌.‬فیوسف‬
‫احلجة یستنتج النتیجة من خالل وضع ا ُملقدَّ م‪.‬‬
‫يف هذه ّ‬

‫‪ . 5-6‬ميزان التعاند‬
‫ٍ‬
‫منفصلة‬ ‫ميزان التعاند أو القياس االستثنائي االنفصايل یتأ ّلف من مقدّ ٍ‬
‫مة‬
‫مة أخری هی وضع أحد أطراف املنفصلة أو رفعه‪ .‬و ّملا كانت املنفصلة‬ ‫ومقدّ ٍ‬
‫فإن كانت املنفصلة حقیق ّی ًة‬
‫إ ّما حقیقیة‪ ،‬وإ ّما مانعة اجلمع‪ ،‬وإ ّما مانعة اخللو‪ْ ،‬‬
‫واحد منهام نفي الطرف اآلخر كام یستنتج‬ ‫ٍ‬ ‫فلها طرفان‪ ،‬یستنتج من وضع ّ‬
‫كل‬
‫إن كانت املنفصلة مانعة‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهام وضع الطرف اآلخر‪ .‬أ ّما ْ‬ ‫كل‬‫من رفع ّ‬
‫وإن‬‫اجلمع فال ُیستنتج فیها ّإاّل رفع أحد الطرفنی من خالل وضع أحدمها‪ْ .‬‬
‫كانت املنفصلة مانعة اخللو فال ُیستنتج فیها ّإاّل وضع أحد الطرفنی من خالل‬
‫ٍ‬
‫واحد من األقسام الثالثة‪:‬‬ ‫رفع أحدمها‪ .‬نذكر ً‬
‫مثااًل ّ‬
‫لكل‬
‫زوج وإ ّما فر ٌد (املنفصلة احلقیقیة)‪.‬‬
‫‪1‌.‬هذا العدد إما ٌ‬
‫‪2‌.‬لكنّه زوج أو‪ :‬لیس ٍ‬
‫بفرد‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫زوج‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪3‌.‬فهو لیس بفرد أو‪ :‬فهو ٌ‬
‫املنطق يف القرآن | ‪33‬‬

‫املثال اآلخر‪:‬‬
‫‪1‌.‬هذا اليشء إ ّما أبیض وإ ّما أسود (مانعة اجلمع)‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكنه أبیض‪.‬‬
‫‪3‌.‬فلیس بأسود‪.‬‬
‫املثال اآلخر‪:‬‬
‫‪ 1‌.‬زید ّإما يف املاء وإ ّما ال یغرق (مانعة اخللو)‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكنه لیس يف املاء‪.‬‬
‫‪3‌.‬فزید ال یغرق يف املاء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫مثاله القرآين قوله تعالی‪﴿ :‬أفاَل يتدبرون القرآن ولو اَكن مِن عِن ِد ِ‬
‫ري اهَّللِ‬‫غ‬
‫ريا﴾ [النساء‪.]82 :‬‬‫اختِ َاَل ًفا َكثِ ً‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ل َوجدوا فِي ِه‬

‫اختالف كثری‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪1‌.‬لو كان القرآن من عند غری اهلل لكان فیه‬
‫اختالف كثری‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪2‌.‬لكن ال یوجد فیه‬
‫‪3‌.‬فالقرآن لیس من عند غری اهلل‪.‬‬

‫أن اهلل تعالی ع ّلم نب ّیه هذا املیزان يف قوله‬ ‫یعتقد الغزايل وتبعه ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ َ ُ ً‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َ ْ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ‬
‫اهّلل ِإَونا أ ْو إِياك ْم لعىَل هدى أو‬ ‫ات َواأْل ْر ِض ق ِل‬ ‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬ ‫﴿قل من يرزقكم مِن‬
‫َّ‬
‫ني﴾ [سبأ‪ .1 ]24 :‬یعتقد الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا ّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫أن قوله تعاىل‪﴿ :‬إِنا‬ ‫َِيِف ضاَل ٍل ِ ٍ‬
‫ب‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ياك ْم لَ َع َىَل ُه ًدى أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ني﴾‪ ،‬مل یذكر للتسویة أو التشكیك‪ ،‬بل‬ ‫ب‬
‫ٍ ِ ٍ‬‫م‬ ‫ل‬ ‫اَل‬ ‫ض‬ ‫يِف‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫أو إ ِ‬
‫ٍ‬
‫ضالل؛ إذ ع ّلم اهلل تعالی نب ّیه يف اآلیة‬ ‫أصل آخر‪ ،‬وهو ّأيّن لست يف‬ ‫ُأضمر فیه ٌ‬
‫َْ‬
‫اأْل ْر ِض ُقل ّ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ‬
‫النبي بعد‬ ‫فلیس‬ ‫﴾؛‬ ‫اهّلل‬ ‫ات َ‬
‫و‬ ‫ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫او‬ ‫السابقة‪﴿ :‬من يرزقكم مِن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬

‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪ .312‬واملظاهر اإللهية يف أرسار العلوم الكاملية‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ | 34‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫ضالل‪ .‬فاملقدّ مة الثانیة مضمرة‪ ،‬وذلك بقرینة اآلیة السابقة‪.‬‬ ‫التعلیم اإلهلي يف‬
‫ضمری‪ .‬حدّ د الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا صورة ّ‬
‫احلجة هبذا النحو‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫قیاس‬
‫وهذا ٌ‬
‫ني‬ ‫ب‬
‫َ َ ُ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫اَل‬ ‫ض‬ ‫يِف‬ ‫ياك ْم لَ َع َىَل ُه ًدى أَ ْ‬
‫و‬
‫ُ‬
‫إ‬ ‫‪.‬أإنَّا أَ ْ‬
‫و‬
‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مبني‪.1‬‬
‫ٍ‬ ‫ضالل‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬بأنتم يف‬

‫أن هذه احلجة تفيد ّ‬


‫بأن زیدً ا إذا دخل بیتًا ذا غرفتنی ومل نجده يف‬ ‫یعتقدان ّ‬
‫إحدی الغرفتنی‪ ،‬نتیقن أنّه متواجدٌ يف الغرفة األخری بالرضورة‪ .‬وحدّ هذه‬
‫بنحو یلزم من ثبوت أحدمها نفي‬ ‫ٍ‬ ‫كل يشء ینحرص يف قسمنی فهو‬ ‫أن ّ‬
‫احلجة ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬كام یلزم من نفي أحدمها ثبوت اآلخر‪.2‬‬

‫یتّضح من هذا التحدید ّأهّنام قاما بتطبیق میزان التعاند علی املنفصلة‬
‫احلقیقیة ّ‬
‫وأن تطبیق اآلیة علی املنفصلة احلقیقیة صحیح؛ إذ الضاللة هي عدم‬
‫ََ َ‬
‫اهلدایة‪ ،‬فال یمكن اجتامعهام كام ال یمكن ارتفاعهام‪ .‬ثم إنّه ال دور لقوله‪( :‬لعىَل‬
‫أن یكون‬ ‫ُه ًدى) يف النتیجة حسب صیاغة الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا‪ .‬لكن ینبغي ْ‬
‫النبي ذو هدایة؛ إذ اهلل تعالی‬
‫أن ّ‬ ‫دخیاًل يف االستنتاج‪ ،‬إذ صدر اآلیة يشری إلی ّ‬
‫ً‬
‫فالنبي علی هدی‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هداه حیث یقول‪ :‬یرزقكم اهلل تعالی من السامء واألرض؛‬
‫أن اهلل تعالی یرزق من السامء واألرض لیسوا‬ ‫أ ّما املرشكون الذين ینكرون ّ‬
‫ٍ‬
‫ضالل أ ّما املرشكون‬ ‫أن النبي لیس بعد التعلیم اإلهلي يف‬‫علی هدی‪ .‬كام ّ‬
‫النبي يف ضالل‪ .‬يف ضوء هذه اآلیة یوجد میزانان من‬ ‫املنكرون ملا یعتقده ّ‬
‫موازین التعاند يف اآلیة‪:‬‬

‫‪ .1‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬ص ‪ .66-65‬والشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪.313-312‬‬


‫‪ .2‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬ص ‪ .66‬والشريازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫املنطق يف القرآن | ‪35‬‬

‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫‪1‌.‬إِنا أ ْو إِياك ْم ل َعىَل ه ًدى‪.‬‬
‫‪2‌.‬لكننّا لعىل هدى‪.‬‬
‫‪3‌.‬فلستم عىل هدى‪.‬‬
‫أن املرشكنی لیسوا علی هدی‪ .‬لكن هل هم‬ ‫یستفاد من هذه احلجة ّ‬
‫ضالل ٍ‬
‫مبنی‪ ،‬إذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضالل ٍ‬
‫مبنی أم ال؟ یستفاد من صدر اآلیة ّأهّنم علی‬ ‫علی‬
‫هدی‪ ،‬بینام املرشكون یعتقدون بام یقابل العقیدة التي‬
‫النبي علی ً‬
‫أن ّ‬ ‫املفروض ّ‬
‫ٍ‬
‫بوضوح‬ ‫أن ّ‬
‫كل ما یقابل اهلدایة اإلهلیة‬ ‫تشری إلی اهلدایة اإلهلیة ومن الواضح ّ‬
‫مبنی؛ لذلك یصاغ میزان التعاند الثاين هبذا النحو‪:‬‬
‫ضالل ٌ‬‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫‪1‌.‬إنّا أو إ ّياكم يف ضالل مبني‬
‫‪2‌.‬إنّا لسنا يف ضالل مبني‬
‫‪3‌.‬فإ ّياكم يف ضالل مبني‬
‫إن میزان التعاند حسب هذه الصیاغة یكون من سنخ احلقیقیة‪ ،‬وقد أنتج‬ ‫ّ‬
‫األول من خالل وضع أحد الطرفنی وهو ّ‬
‫أن املرشكنی لیسوا علی‬ ‫يف التعاند ّ‬
‫هدی‪ ،‬بینام أنتج يف التعاند الثاين من خالل رفع أحدمها وهو ّ‬
‫أن املرشكنی يف‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫ضالل ٍ‬
‫مبنی‪ .‬لكن حسب صیاغة الغزايل وا ُمل ّاّل صدرا یكون التعاند من قبیل‬
‫احلقیقة لكنه ینتج من خالل رفع أحد الطرفنی فحسب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ‬
‫مثال مانعة اجلمع قوله تعالی‪﴿ :‬أفمن أسس بنيانه ىَلَع تق َوى م َِن اهَّللِ‬
‫َ َ َ َّ َ َ ّ‬
‫اهّللُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ‬
‫ار جهنم و‬ ‫ار فانهار ب ِ ِه ِيِف ن ِ‬
‫ان خري أم من أسس بنيانه ىَلَع شفا جر ٍف ه ٍ‬ ‫و ِرضو ٍ‬
‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫يه ِدي القوم الظال ِ ِمنيَ﴾ [التوبة‪.]109 :‬‬ ‫اَل‬

‫هار؟‬ ‫ٍ‬
‫جرف ٍ‬ ‫أسس بنیانه علی شفا‬
‫خری أم من ّ‬
‫‪1‌.‬أفمن أسس بنیانه علی التقوی ٌ‬
‫‪ | 36‬تاریخ علم املنطق‬

‫خری‪.‬‬
‫أسس بنیانه علی التقوی ٌ‬
‫‪2‌.‬من ّ‬
‫‪3‌.‬فمن مل یؤسس بنیانه علی التقوی لیس ٍ‬
‫بخری‪.‬‬
‫أسس بنیانه علی‬ ‫ٍ‬
‫سؤال منفصل‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن من ّ‬ ‫تشری هذه اآلیة إلی‬
‫أن من مل یؤسس بنیانه علی التقوی لیس‬ ‫خری كام یتّضح من خالله ّ‬ ‫التقوی ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫﴿اهّلل اَل يه ِدي‬ ‫بخری‪ .‬لذلك یكون ذیل اآلیة بمنزلة النتیجة حیث یقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ْ َ ْ َ َّ‬
‫الظالِم َ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫القوم‬

‫‪ .7‬القياس املركّب‬
‫یقسمون القیاس يف املنطق إلی البسیط واملركب‪ .‬فالقياس البسيط ما له‬
‫ّ‬
‫مقدّ متان فحسب كقولنا‪:‬‬
‫‪1‌.‬العامل متغري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متغري حادث‪.‬‬ ‫كل‬‫‪ّ 2‌.‬‬
‫‪3‌.‬فالعامل حادث‪.‬‬
‫بینام القياس املركب ال ینتج ّإاّل من خالل أكثر من مقدّ متنی‪ْ .‬‬
‫فإن ُذكرت‬
‫فیسمی موصولة النتائج كقولنا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فیه النتائج املتوسطة‬
‫‪1‌.‬العامل متغري‪.‬‬
‫كل ّ ٍ‬
‫متغرّي حادث‪.‬‬ ‫‪ّ 2‌.‬‬
‫‪3‌.‬فالعامل حادث‪.‬‬
‫حادث فله ُحُم ِدث‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كل‬‫‪ّ 4‌.‬‬
‫‪5‌.‬فللعامل ُحُمدَ ث‪.‬‬
‫األول مذكور ٌة يف املقدّ مة الثالثة‪ ،‬بینام املقدّ مة‬ ‫یالحظ ّ‬
‫أن نتیجة القیاس ّ‬
‫املنطق يف القرآن | ‪37‬‬

‫الثالثة نفسها مقدّ مة أولی للقیاس الثاين‪ .‬وأ ّما إذا مل تذكر النتیجة أو النتائج‬
‫سمی القیاس مفصول النتائج كقولنا‪:‬‬ ‫املتوسطة ف ُی ّ‬
‫متغرّي‪.‬‬
‫‪1‌.‬العامل ّ‬
‫كل ّ ٍ‬
‫متغرّي حادث‪.‬‬ ‫‪ّ 2‌.‬‬
‫حادث فله ُحُم ِدث‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ّ 3‌.‬‬
‫كل‬
‫‪4‌.‬فللعامل ُحُمدَ ث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مقدمات‪ ،‬بینام مل تذكر نتیجة‬ ‫أن هذا القیاس یتأ ّلف من ثالث‬ ‫یالحظ ّ‬
‫ضمت إلی املقدّ مة الثالثة فهام‬
‫املقدّ متنی األولینی‪ ،‬وهذه النتیجة املحذوفة إذا ّ‬
‫تُنتجان املقدّ مة الرابعة‪.‬‬
‫القياس املركّب يف القرآن الكريم‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َّ َهَّ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫يم قل ف َم ْن يملِك م َِن‬ ‫﴿لقد كفر اذَّلِين قالوا إِن اهَّلل هو الم ِسيح ابن مر‬
‫َ ً َ َّ‬ ‫ْ َْ‬ ‫يح ْاب َن َم ْر َ ُ َّ ُ َ ْ‬‫َّ َ ً ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫يم َوأمه َومن ِيِف اأْلر ِض مَجِيعا و ِهَّلِلِ‬ ‫اهَّللِ شيئا إِن أراد أن يهلِك الم ِس‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ ُ َّ‬
‫ٌ‬
‫لُك يَش ٍء ق ِدير﴾‬ ‫ىَلَع‬ ‫اهّلل‬ ‫و‬ ‫اء‬ ‫يش‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خي‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ين‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫م‬‫و‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ر‬ ‫اأْل‬‫و‬‫ات َ‬
‫ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫او‬ ‫ملك‬
‫ِ‬
‫أن عیسی خملوق اهلل؛ إذ‬ ‫أن یستنتج يف هذه اآلیة ّ‬ ‫[املائدة‪ .]17 :‬یرید اهلل ّ‬
‫أن أ ّمه مریم إهلة‪ .‬یقول اهلل تعالی خماط ًبا عیسی‪:‬‬ ‫قالوا يف ح ّقه أنّه إله‪ ،‬كام ّ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ّ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َّ‬ ‫ِإَوذ قَ َال ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ون‬ ‫ويِن وأ ِيِّم إِله ِ‬
‫ني مِن د ِ‬ ‫اس اخَّتِذ ِ‬
‫يم أأنت قلت ل ِلن ِ‬ ‫اهّلل يا عِيىَس ابن مر‬ ‫﴿‬
‫ُ ُ َ ْ َُ َ َ َ َ‬
‫يس يِل حِبَ ّق إ ْن ُك ْن ُت ُقلْ ُت ُه َف َق ْد َعل ْم َتهُ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ‬ ‫اهَّللِ قال سبحانك ما يكون ِيِل أن أقول ما ل‬
‫َ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ‬ ‫ََ َ ْ َُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََُْ َ‬
‫يوب﴾ (املائدة‪.)116 :‬‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫م‬‫اَّل‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬‫ك‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫يِف‬
‫تعلم ما ِيِف نف ِيِس واَل أعلم ِ‬
‫ا‬ ‫م‬
‫‪ّ 1‌.‬‬
‫كل ما قلته فهو ممّا یعلمه اهلل‪.‬‬
‫‪ّ 2‌.‬‬
‫إن قلت للناس اختذوين وأمي إهلنی‪ ،‬فهو ممّا یعلمه اهلل‪.‬‬
‫‪3‌.‬لیس األمر بحیث یعلم اهلل تعالی ّأيّن قلته هلم‪.‬‬
‫‪4‌.‬فلیس هذا الكالم ممّا قلته هلم‪.‬‬
‫الئحة املصادر واملراجع‬
‫‪ 1.‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 2.‬ابن‌ سينا‪ ،‬أبو عيل؛ اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع الرشح؛ [بال مكان]‪ :‬مكتب نرش الكتاب‪ 1403 ،‬ق‪.‬‬
‫احل ّيّل‪ ،‬يوسف؛ اجلوهر النضيد؛ قم‪ :‬منشورات بيدار‪.1363 ،‬‬ ‫‪ِ 3.‬‬

‫‪4.‬الشريازي‪ ،‬صدر الدين حممد؛ رسالة التصور والتصديق (مطبوعة مع اجلوهر النضيد)؛ قم‪:‬‬
‫منشورات بيدار‪1363 ،‬‬
‫‪5.‬ـــــــــــــــــــ؛ مفاتيح الغيب؛ تصحيح حممد اخلواجوي؛ طهران‪ :‬معهد الدراسات‬
‫والبحوث الثقافية‪.1363 ،‬‬
‫‪ 6.‬ـــــــــــــــــــ؛ تفسري القرآن الكريم؛ قم‪ :‬منشورات بيدار‪( ،‬بال تأریخ)‪.‬‬
‫‪ 7.‬ـــــــــــــــــــ؛ رشح أصول الكايف؛ تصحيح حممد اخلواجوي‪ ،‬طهران‪ :‬معهد الدراسات‬
‫والبحوث الثقافية‪.1366 ،‬‬
‫‪ 8.‬ـــــــــــــــــــ؛ احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة؛ بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 9.‬ـــــــــــــــــــ؛ املظاهر اإلهلية يف أرسار العلوم الكاملية؛ تصحيح السيد حممد اخلامنه‌اي؛‬
‫طهران‪ :‬مؤسسة صدرا للحكمة اإلسالمية‪.1378 ،‬‬
‫ ‪10.‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد؛ القسطاس املستقيم؛ بريوت‪ :‬دار املرشق‪1991 ،‬م‪ٍ.‬‬
‫ ‪11.‬املظفر‪ ،‬حممد رضا؛ املنطق؛ نجف‪ :‬مطبعة النعامن‪1388 ،‬ه‪.‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪39‬‬

‫ّ‬
‫املعرفية لعلم املنطق‬ ‫الهندسة‬
‫د‪ .‬الشيخ فالح سبتي‪1‬‬

‫ُملخّص البحث‬
‫أن يكون يف أذهاهنم‬ ‫كثريا ما يدخل الدارسون إىل علم املنطق من دون ْ‬ ‫ً‬
‫تعريف إمجا ّيل عن ماهية هذا العلم وحقيقته‪ ،‬والغاية منه والفائدة املرتتبة عىل‬
‫ٌ‬
‫تع ّلمه‪ ،‬وال معرفة أهم مسائله واهلندسة املعرفية لبنائها‪ ،‬أي‪ :‬مالك تقديم‬
‫بعضها عىل بعض‪ ،‬وأنحاء التعليم فيه‪ ،‬أي‪ :‬املنهج واألساليب التحقيقية‬
‫املستعملة يف حتقيق مسائله‪ ،‬وقد يكمل الدارس علم املنطق من دون ْ‬
‫أن‬
‫يلتفت إىل هذا األمر‪ ،‬واملقال يتعرض إىل هذه اإلشكالية‪ ،‬حيث يتعرض‬
‫تصو ًرا إمجال ًيا لعلم املنطق‪ ،‬بحيث‬
‫إىل بيان األمور املتقدّ مة وغريها ممّا يعطي ّ‬
‫يعرف الدارس من أول رشوعه يف التحصيل أنّه بصدد حتصيل أي يشء‪ٍ،‬‬
‫أن حيصل عليها من دراسته‪ ،‬وهو‬ ‫ومدى الوثوق به والفائدة التي يمكن ْ‬
‫وصفي يف غالب مباحثه‪ ،‬إذ حاولنا استقصاء ما هو مكتوب‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫مقال ذو‬
‫من بيان لدى املهتمني بعلم املنطق حول األمور املذكورة أعاله‪ ،‬واختيار‬
‫أفضل ما هو مكتوب فيه‪ ،‬مع بعض التعديل والبيان الذي يقتضيه البحث‪،‬‬
‫ٍ‬
‫واضح وجزل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بأسلوب‬

‫‪ .1‬متخصص بالفلسفة والكالم‪ ،‬وأستاذ يف الحوزة العلمية‪ ،‬عضو الهيأة العلمية ملؤسسة الدليل‬
‫للدراسات والبحوث العقدية التابعة للعتبة الحسينية املقدسة‪.‬‬
‫‪ | 40‬تاریخ علم املنطق‬

‫مقدّ مة‬
‫جرت طريقة املتقدّ مني من العلامء واملح ّققني يف تدوينهم للعلوم ْ‬
‫أن يصدّ روها‬
‫تصو ٍر‬
‫ببيان جمموعة مقدّ مات‪ ،‬يسموهنا بالرؤوس الثامنية للعلم‪ ،‬ودورها إعطاء ّ‬
‫إمجا ّيل للدارسني عن العلم الذي هم بصدد حتصيله‪ ،‬من حيث بيان حقيقته‬
‫والغاية منه وجمموع مسائله‪ ،‬وهندسة البنية املعرفية له‪ ،‬وهذه املقدّ مات‪:1‬‬
‫السـمة‪ ،‬وهو بيان وجه تسـمية العلم‪ ،‬ويف ذكرها إشـار ٌة إمجال ّي ٌة‬ ‫أوهلا‪ّ :‬‬
‫إىل مـا يف العلـم من تفصيـل‪ ،‬ولعله يراد تعريف ذلـك العلم ليحصل‬
‫تصو ٌر إمجا ّيل ملسائله‪.‬‬
‫للدارس ّ‬
‫األول‬
‫للمدون ّ‬
‫ّ‬ ‫ثانيهـا‪ :‬الغـرض من العلم‪ ،‬وهـو الع ّلة الغائية الباعثـة‬
‫لئاّل يكون البحث فيه عب ًثا‪.‬‬
‫لتدوينه‪ّ ،‬‬
‫لتشـوق‬
‫ّ‬ ‫ثالثها‪ :‬املنفعة‪ ،‬و هي الفائدة املرتتبة عىل تع ّلمه‪ ،‬وتكون سـب ًبا‬
‫وحتمل املش ّقة ىف حتصيله‪.‬‬
‫اإلنسان لطلبه‪ّ ،‬‬
‫أن يطمئن املتع ّلم به ويسكن قلبه به‪،‬‬
‫رابعها‪ :‬واضع ذلك العلم‪ ،‬ألجل ْ‬
‫الختالف ذلك باختالف املصنّفني‪.‬‬
‫أي عل ٍم هو‪ ،‬أي مـن اليقينيـات أو الظنّيات‪ ،‬من‬ ‫ وخامسـها‪ :‬أنّـه مـن ّ‬
‫النظريات أو العمليات‪ ،‬ليطلب املتع ّلم ما يليق باملسائل املطلوبة فيه‪.‬‬
‫ وسادسـها‪ :‬مرتبتـه بين العلـوم‪ ،‬إ ّمـا بلحـاظ عمـوم موضوعـه أو‬
‫خصوصه‪ ،‬وإ ّما بلحاظ تو ّقفه عىل علم آخر‪ ،‬أو عدم تو ّقفه عليه‪ ،‬وإ ّما‬
‫علم متقـدّ م أو ينبغي‬‫بلحـاظ األمهيـة أو الشرف‪ ،‬ليعرف املتعلـم أنّه ٌ‬
‫تقديم طلب بعض العلوم عليه‪.‬‬

‫‪ .1‬الرناقي‪ ،‬رشح اإللهيات من كتاب الشفاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،295‬وكذا‪ :‬قطب الدين الشريازي‪ :‬رشح‬
‫حكمة اإلرشاق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪41‬‬

‫خيتص به‪.‬‬ ‫كل ٍ‬


‫باب ما ّ‬ ‫وسابعها‪ :‬القسمة‪ ،‬وهي أبواب الكتاب‪ ،‬ليطلب يف ّ‬
‫ثامنها‪ :‬أنحاء التّعاليم‪ ،‬وهو األسـاليب التحقيقية املسـتعملة يف حتقيق‬
‫مسائله‪ ،‬وهي التقسيم والتحليل والتحديد والربهان‏‪.1‬‬
‫البحث‬
‫سوف نقوم بتوضيح هذه املقدّ مات يف علم املنطق‪ ،‬وقد ال نلتزم بالرتتيب‬
‫وتأخري بحسب ما يتطلبه البحث‪ ،‬وذلك‬‫ٌ‬ ‫تقديم‬
‫ٌ‬ ‫الذي ذكرهنا به‪ ،‬إذ قد حيصل‬
‫وف ًقا للبيان اآليت‪:‬‬
‫تعريف علم املنطق‬
‫ٍ‬
‫بحقيقة ُمتع َّلقه تار ًة فيكون تعري ًفا حدّ ًّيا‪ ،‬وبالفائدة‬ ‫يعرف علم املنطق‬ ‫ّ‬
‫املرتتبة عىل تع ّلمه تار ًة أخرى فيكون تعري ًفا رسم ًّيا‪.‬‬

‫فحدّ املنطق هو‪ :‬العلم الذي يبحث عن املعقوالت الثانية ا ّلتي تدخل‬
‫التصديقي أو ُيعني عىل ذلك‪ ،2‬وجيب ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ري أو‬
‫التصو ّ‬
‫ّ‬ ‫يف اكتساب املجهول‬
‫يكون البحث عن تلك املعقوالت من جهة دخوهلا يف ذلك االكتساب؛ ّ‬
‫ألن‬
‫ٍ‬
‫جهات أخرى خيرجها عن هذا العلم‪ ،‬كالبحث عن حيثية‬ ‫البحث عنها من‬
‫فلسفي المنطقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وجودها يف الذهن فهو ٌ‬
‫بحث‬

‫ويراد من (املعقوالت) املفاهيم أو املعاين الك ّل ّية‪ ،‬وهي عىل قسمني‪:‬‬


‫ٍ‬
‫ومعقوالت ثانوية‪ ،‬قال املحقق الطويس‪« :‬املعقوالت الثانية‬ ‫ٍ‬
‫معقوالت ّأول ّية‪،‬‬
‫هي العوارض التي تلحق املعقوالت األوىل التي هي حقائق املوجودات‬
‫وأحكامها املعقولة»‪.3‬‬
‫‪ .1‬صدر املتألهني‪ ،‬الحاشية عىل إلهيات الشفاء‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،9 ،1‬وانظر كذلك‪ :‬الداماد‪ ،‬االفق املبني‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪.9 ،1‬‬
‫‪ | 42‬تاریخ علم املنطق‬

‫أيضا (املعقوالت املاهو ّية) ‪ -‬وهي‬ ‫وتسمى ً‬


‫ّ‬ ‫فأ ّما املعقوالت األول ّية ‪-‬‬
‫املفاهيم ا ّلتي هلا ما بإزاء يف اخلارج‪ ،‬فهي ّ‬
‫تعرّب عن حقائق األشياء اخلارج ّية‬
‫معقول ًة كانت أم حمسوسة‪ ،‬جوهر ّي ًة أم عرض ّية‪ ،‬كالعقل‪ ،‬والنفس‪ ،‬واإلنسان‪،‬‬
‫سمى باملقوالت‬ ‫والفرس‪ ،‬والبياض‪ ،‬والشكل وغريها‪ ،‬ومجيعها تقع حتت ما ُي ّ‬
‫العرشة‪.‬‬

‫وأما املعقوالت الثانّية‪ :‬فهي مفاهيم ليس هلا ما بإزاء يف اخلارج‪ ،‬وإنّام‬
‫بنحو من التحليل واملقايسة الذهن ّية‪ ،‬وحتمل‬ ‫ٍ‬ ‫األول ّية‬
‫تنتزع من املفاهيم ّ‬
‫إن‬ ‫أيضا؛ فلسف ّي ٍة ومنطق ّي ٍة‪ّ ،‬‬
‫فإن املفاهيم الثانو ّية ْ‬ ‫عليها‪ ،‬وهي عىل قسمني ً‬
‫األول ّية يف الذهن أو اخلارج‬
‫لتعرّب عن نحو وجود املفاهيم ّ‬ ‫كانت تنتزع ّ‬
‫فهي الثانو ّية الفلسف ّية‪ ،‬كالوجوب واإلمكان‪ ،‬والوحدة والكثرة‪ ،‬والعلية‬
‫واملعلولية‪ ،‬والكلية واجلزئية‪ ،‬واجلنسية والفصلية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫وأ ّما املفاهيم الثانية املنطق ّية فهي تلك املفاهيم ا ّلتي حتكي طبيعة وجود‬
‫األول ّية يف الذهن‪ ،‬ولكن تلحظ ال من حيث حكايتها عن ذلك‪ ،‬وإنّام‬‫املفاهيم ّ‬
‫ٍ‬
‫جمهول أو تُعني عىل ذلك‪،‬‬ ‫التوصل هبا من معلو ٍم إىل‬ ‫ٍ‬
‫حيثية أخرى هي‬ ‫من‬
‫ّ‬
‫والتصديقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ري‬‫التصو ّ‬
‫ّ‬ ‫أي هي املفاهيم التي تدخل يف اكتساب املجهول‬
‫األول وأحكامه‪ ،‬كاحلدّ ‪ ،‬والرسم‪،‬‬ ‫فهي التي تستعمل للحكاية عن الرتكيب ّ‬
‫والقض ّية احلمل ّية والرشط ّية‪ ،‬واملوضوع واملحمول‪ ،‬واملقدّ م والتايل‪،‬‬
‫والرتكيب الثاين (القياس وما جيري جمراه)‪ ،‬كاملقدّ مة الكربى والصغرى‪،‬‬
‫واحلدّ األصغر واألوسط واألكرب‪ ،‬والنتيجة‪ ،‬وهكذا‪.1‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ :‬التعليقات‪ ،‬ص‪ ،167‬وكذلك‪ :‬الداماد‪ ،‬األفق املبني‪ ،‬ص‪.109 -106‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪43‬‬

‫رسمه‪:‬‬
‫قال الفارايب يف تعريف املنطق‪ « :‬الصناعة التي تشتمل عىل األشياء التي‬
‫وتعرف ّ‬
‫كل‬ ‫أن يغلط فيه‪ّ ،‬‬‫كل ما يمكن ْ‬‫القوة الناطقة نحو الصواب‪ ،‬يف ّ‬
‫تسدّ د ّ‬
‫أن يستنبط بالعقل»‪.1‬‬ ‫يتحرز به من الغلط يف ّ‬
‫كل ما من شأنه ْ‬ ‫ما ّ‬
‫تعريف رسمي؛‬
‫ٌ‬ ‫ومن الواضح أنّه تعريف له بالغرض أو الفائدة منه‪ ،‬فهو‬
‫وعرفه‬
‫ألن الغرض أو الفائدة املرتتبة عىل اليشء دون غريه تُعدّ من خواصه‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫أن ّ‬
‫يضل يف فكره‏»‪ ،2‬وهو‬ ‫الشيخ الرئيس بأنّه‪« :‬آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ‬
‫أيضا‪ ،‬وهي الفائدة املرتتبة عليه‪ ،‬كام يف تعريف الفارايب‪،‬‬ ‫باخلاصة ً‬
‫ّ‬ ‫تعريف‬
‫ٌ‬
‫بعبارة أجزل وأوجز‪ ،‬ورسمه أيضا بأنّه‪« :‬علم يتع ّلم فيه رضوب‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن‬
‫حاصلة يف ذهن اإلنسان إىل ٍ‬
‫أمور مستحصلة»‪.3‬‬ ‫ٍ‬ ‫االنتقاالت من ٍ‬
‫أمور‬

‫األول‬
‫وقد جرى أغلب املناطقة من بعده عىل ذكر تعريف الشيخ الرئيس ّ‬
‫أن نعطيه تعري ًفا عا ًّما جيمع كلامت املناطقة ْ‬
‫بأن نقول‪:‬‬ ‫له يف كتبهم‪ ،4‬فيمكن ْ‬
‫املنطق آل ٌة قانون ّي ٌة تعصم مراعاهتا الذهن عن اخلطأ يف التفكري‪.‬‬
‫والتفكري‪ :5‬هو حركة النفس اإلراد ّية ّ‬
‫بقوهتا العاقلة يف املعقوالت من‬
‫ٌ‬
‫جمهول؛ لتحصيل‬ ‫املطلوب من حيث هو معلو ٌم إىل املطلوب من حيث هو‬
‫العلم باملطالب املجهولة لدهيا‪ ،‬وتبدأ ٰهذه احلركة عند مواجهة النفس‬
‫فتتحرك نحو املعلومات املوجودة‬
‫ّ‬ ‫تصديقي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ري كان أو‬
‫تصو ٌّ‬
‫ّ‬ ‫ملجهول ما‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.9-8‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫ِ‬
‫والح ِّيِّل‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‪،‬‬ ‫‪ .4‬الجرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬ص‪،102‬‬
‫ص ‪ ،187‬و اليزدي‪ ،‬الحاشية عىل تهذيب املنطق‪ ،‬ص‪ ،11‬وغريهم كثري‪.‬‬
‫‪ .5‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.16 -10‬‬
‫‪ | 44‬تاریخ علم املنطق‬

‫مناسبة لتلك املطالب‪ ،‬فإذا وجدهتا رجعت‬ ‫ٍ‬ ‫عندها‪ ،‬باحث ًة فيها عن مبادئ‬
‫ٍ‬
‫موصلة إىل النتيجة ا ّلتي‬ ‫نحو تلك املطالب‪ ،‬مؤ ِّلف ًة بني تلك املبادئ عىل ٍ‬
‫هيأة‬
‫جمهواًل‪ ،‬وهنا ال بدّ من االلتفات إىل عدّ ة ٍ‬
‫أمور‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حت ّقق العلم بام كان مطلو ًبا‬
‫ً‬
‫وجمهواًل‬ ‫إن الطلب العلمي إنّام يتع ّلق بام يكون معلوما من ٍ‬
‫جهة‬ ‫األول‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫جمهواًل مطل ًقا أو معلو ًما مطل ًقا فال يكون‬ ‫من ٍ‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وأ ّما ما يكون‬
‫العلمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫موضو ًعا للطلب‬
‫إن الفكر حرك ٌة صناع ّي ٌة مؤ ّلف ٌة من حركتني‪ :‬أحدمها حرك ٌة انتقائ ّي ٌة‬
‫الثاين‪ّ :‬‬
‫لتجميع املبادئ املناسبة للمطلوب واختيارها من بني املعلومات املتو ّفرة‬
‫جمهول وتنتهي باملبادئ‬ ‫ٌ‬ ‫لدى النفس‪ ،‬وتبدأ من املطلوب من حيث هو‬
‫املناسبة له‪ ،‬ويكون وسطها هو احلركة االنتقائ ّية نفسها للمعلومات املخزونة‬
‫وتسمى بالذاهبة‪ ،‬واألخرى حرك ٌة تأليف ّي ٌة لرتتيب ٰهذه املوا ّد‬ ‫ّ‬ ‫لدى النفس‪،‬‬
‫عىل الصورة املناسبة للمطلوب‪ ،‬ويكون مبدأها املبادئ املناسبة ومنتهاها‬
‫املطلوب من حيث هو معلو ٌم (النتيجة)‪ ،‬ووسطها هو احلركة الرتتيب ّية‬
‫وتسمى بالراجعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للمبادئ املناسبة للمطلوب‬
‫ٍ‬
‫حركات‪ :‬من‬ ‫أن الفكر عبار ٌة عن ثالث‬ ‫وأ ّما ما ذكره بعض املح ّققني من ّ‬
‫املشكل إىل املعلومات املوجودة عنده‪ ،‬وبني املعلومات املوجودة للفحص‬
‫عنها وتأليف ما يناسب املشكل‪ ،‬ومن املعلوم ا ّلذي أ ّلفه إىل املطلوب‪1‬؛‬
‫متحر ٌك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أركان‪:‬‬ ‫ألن احلركة كام هو حم ّق ٌق يف حم ّله هلا أربعة‬
‫ففيه مساحمة؛ ّ‬
‫ّ‬
‫وسط ــ وهو االنتقال من املشكل إىل‬ ‫ٌ‬ ‫ومنتهى‪ ،‬وما ليس له‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫ووسط‪،‬‬ ‫ومبد ٌأ‪،‬‬
‫املعلومات املوجودة ــ يكون االنتقال فيه دفع ًّيا ال حرك ًة‪.‬‬
‫إرادي للنفس اإلنسان ّية‪ ،‬ويف كال حركتيه‪ ،‬فكان‬ ‫ٌّ‬ ‫إن التفكري ٌ‬
‫فعل‬ ‫الثالث‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫صحيح أو خطأ‪،‬‬ ‫كسائر األفعال اإلرادية من حيث إمكان وقوعها عىل ٍ‬
‫وجه‬ ‫ّ‬
‫‪ .1‬املظفر‪ :‬محمد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪45‬‬

‫أن يقع يف احلركة األوىل‬‫وهذا اخلطأ يمكن ْ‬ ‫وبتبعه يكون حال نتائجه العلم ّية‪ٰ ،‬‬
‫مناسبة للمطلوب‪ ،‬وقد يقع يف‬‫ٍ‬ ‫معلومات غري‬
‫ٌ‬ ‫من حركتَي الفكر‪ْ ،‬‬
‫بأن تُنتقى‬
‫ٍ‬
‫صحيح‪ ،‬وقد يقع يف‬ ‫بأن تؤ ّلف تلك املعلومات ال عىل ٍ‬
‫وجه‬ ‫احلركة الثانية ْ‬
‫كليهام‪ ،‬فكان ال بدّ من معرفة القواعد ا ّلتي تضبط تلك احلركات لتقع عىل‬
‫وهذا ما يكون عىل عهدة علم املنطق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صحيح عند مراعاهتا‪ٰ ،‬‬ ‫وجه‬
‫بأن يوجد عند الباحث‬ ‫أن يكون ّإاّل ْ‬
‫العلمي ال يمكن ْ‬ ‫ّ‬ ‫الرابع‪ّ :‬‬
‫إن الطلب‬
‫معلومات مسبق ٌة مس َّلم ٌة عنده يستعني هبا لتحصيل العلم باملطلوب؛ وهلٰذا‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫وكل تع ّل ٍم‬
‫«كل تعلي ٍم ّ‬‫األول‪ّ :‬‬
‫معرفة متقدّ مة‬ ‫ذهني إنّام يكون من‬
‫ٍّ‬ ‫قال املع ّلم ّ‬
‫الوجود»‪.1‬‬
‫معلومات لدى اإلنسان‬‫ٍ‬ ‫أن مقتىض ما تقدّ م هو رضورة وجود‬ ‫اخلامس‪ّ :‬‬
‫علمي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وطلب‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫األول ّ‬
‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫حاصلة له بدون ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫علمي‪ ،‬تكون هي املبدأ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫طلب‬
‫اسم علم املنطق‬
‫وهذه‬
‫مشتق من النطق‪ٰ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أن اسم املنطق‬ ‫ذكر املع ّلم الثاين أبو ٍ‬
‫نرص الفارايب ّ‬
‫القوة ا ّلتي يدرك هبا‬ ‫ٍ‬
‫اللفظة تستعمل عند املتقدّ مني يف ثالثة معان‪ ،‬هي‪ّ :‬‬
‫اإلنسان املعقوالت‪ ،‬وهبا ُحُت َّصل العلوم والصناعات‪ ،‬أي هبا يعرف ّ‬
‫احلق من‬
‫الباطل‪ ،‬ويم ّيز بني احلسن والقبيح من األفعال‪.‬‬
‫ويسموهنا بالنطق‬
‫ّ‬ ‫ويف املعقوالت احلاصلة لدى نفس اإلنسان بالفهم‪،‬‬
‫ويسموهنا‬
‫ّ‬ ‫عاّم يف ضمري اإلنسان‪،‬‬
‫الداخيل‪ ،‬ويف العبارة املفصحة باللسان ّ‬
‫ّ‬
‫اخلارجي‪ .‬و ّملا كانت ٰهذه الصناعة تعطي القوة الناطقة قوانني يف‬
‫ّ‬ ‫بالنطق‬
‫النطق الداخل الذي هو املعقوالت‪ ،‬وقوانني مشرتكة جلميع األلسنة يف النطق‬
‫القوة الناطقة يف كليهام نحو الصواب‪،‬‬‫اخلارج الذي هو األلفاظ‪ ،‬وتسدّ د ّ‬
‫سميت باملنطق‪.2‬‬
‫وحترزها عن الوقوع يف الغلط فيهام؛ ّ‬
‫‪ .1‬أرسطو طاليس‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ص‪.425‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.14‬‬
‫‪ | 46‬تاریخ علم املنطق‬

‫موضوع علم املنطق‬


‫موضوع علم املنطق هو املعقوالت الثانية املنطق ّية‪ ،1‬وقد تقدّ م ّأهّنا عبار ٌة‬
‫الثانوي ا ّلذي حيكي عن طبيعة وجود املفاهيم يف الذهن‪ ،‬ولكنّه‬ ‫ّ‬ ‫عن املعقول‬
‫ُيعدّ موضو ًعا للمنطق ال من ٰهذه احليث ّية‪ ،‬بل من حيث دخوهلا يف اكتساب‬
‫ِ‬
‫رئيسني مها‬ ‫التصور أو التصديق‪ ،2‬وهي من ٰهذه اجلهة تقع حتت عنوانني‬ ‫ّ‬
‫التصوري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فاملعرف هو ما يكتسب به العلم‬ ‫ِّ‬ ‫املعرف والدليل أو احلجة‪،3‬‬ ‫ِّ‬
‫املنطقي يتع ّلق ً‬
‫دائاًم‬ ‫ّ‬ ‫التصديقي‪ .‬والبحث‬
‫ّ‬ ‫والدليل هو ما يكتسب به العلم‬
‫كل‬ ‫املنطقي يف ٍّ‬
‫ّ‬ ‫ويتفرع البحث‬
‫ّ‬ ‫بالعوارض الذات ّية الثابتة هلام من ٰهذه اجلهة‪،‬‬
‫منهام إىل جهتني‪ ،‬البحث عنهام من جهة الصورة ومن جهة املا ّدة‪.‬‬
‫وألجل ْ‬
‫أن يتّضح موضوع علم املنطق ال بدّ من بيان أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنحاء الوجود‬


‫األمر ّ‬
‫خارجي كتح ّقق املاه ّية وثبوهتا يف‬
‫ٌّ‬ ‫الوجود هو التح ّقق والثبوت‪ ،‬وهو إ ّما‬
‫وهذه الشجرة‪ ،‬وإ ّما وجو ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫صة ٍ‬ ‫متشخ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫وعمرو ٰ‬ ‫كزيد‬ ‫أفراد‬ ‫األعيان عىل شكل‬
‫ذهني كتح ّق ٍق وثبوت املاه ّية يف الذهن كمعنى اإلنسان‪ ،‬وكثبوت املفاهيم‬ ‫ٌّ‬
‫الثانية الفلسف ّية واملنطق ّية فيه‪ ،‬وكذا املفاهيم العدم ّية كالعدم املطلق واملضاف‬
‫أيضا‪ ،‬ومعنى حصول ٰهذه األمور يف الذهن هو‬ ‫وكرشيك الباري وغريها فيه ً‬
‫تع ّقلها من قبل النفس وانكشافها هلا‪.‬‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬تعديل املعيار يف نقد تنزيل األفكار‪ ،‬ص‪ ،146-145‬وكذلك‪ِ :‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر‬
‫النضيد ‪.23‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬ص‪ ،23‬كذلك له‪ ،‬التعليقات‪ ،‬ص‪ ،167‬وكذلك‪ :‬بهمنيار‪،‬‬
‫التحصيل‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫‪ِ .3‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬ص ‪ ،189‬وكذلك‪ :‬اليزدي‪ ،‬عبد الله بن‬
‫شهاب الدين‪ ،‬الحاشية عىل تهذيب املنطق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪47‬‬

‫الواقعي لليشء‪ ،‬الصادق يف نفسه‬


‫ّ‬ ‫وإ ّما وجو ٌد يف نفس األمر‪ ،‬وهو الثبوت‬
‫عقيل‪ ،‬سوا ًء كان يف اخلارج‬ ‫ٍ‬
‫وفرض ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫حتميل‬ ‫أن واقع حاله ٰهكذا من دون‬‫أي‪ّ :‬‬
‫زوج) فهي صادق ٌة يف‬‫أم يف الذهن‪ ،‬فعندما نقول‪( :‬النار حمرق ٌة) أو (األربعة ٌ‬
‫أن ثبوت املحمول للموضوع كان واقع ًّيا يف نفسه ومن دون‬ ‫نفسها‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫عقيل‪ ،‬بخالف قولنا‪( :‬رشيك الباري موجو ٌد)‪ ،‬أو (األربعة‬ ‫فرض ٍّ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حتميل أو‬
‫فهذه ليست ثابت ًة يف نفسها‪ ،‬بل بلحاظ الذهن وحتميله‪.‬‬
‫فر ٌد) ٰ‬
‫أن واقعها ٰهكذا‪ ،‬وقد اكتشفها العقل ومل‬ ‫وعندما نقول نفس أمر ّي ٍة فبمعنى ّ‬
‫(إن زيدً ا كان معدو ًما باألمس‪،‬‬ ‫مثاًل‪ّ :‬‬ ‫خيرتعها ويفرتضها من نفسه‪ ،‬فلو قلنا ً‬
‫واقعي إذ مل‬ ‫أمر‬ ‫ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫وهو اليوم موجو ٌد)‪ ،‬فعدم زيد باألمس يدركه الذهن‪ ،‬وهو ٌ‬
‫أن عدمه ٰهذا ليس متح ّق ًقا يف اخلارج‪ ،‬وليس‬ ‫يكن يف األمس موجو ًدا‪ ،‬مع ّ‬
‫من اعتبارات الذهن املحضة‪ ،‬وإنّام اكتشفه الذهن بنو ٍع من املقايسة بني حاله‬
‫اليوم وحاله باألمس‪ ،‬وملا استثبت وجوده اليوم بخالف األمس‪ ،‬سلب عنه‬
‫حكاًم واقع ًّيا أو‬
‫نسميه ً‬‫الوجود باألمس‪ ،‬وحكم بكونه كان معدو ًما‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫زيد أنّه كان باألمس معدو ًما‪ .‬أو عندما نقول‪ّ :‬‬
‫(إن‬ ‫إن واقع ٍ‬ ‫أمري‪ ،‬إذ ّ‬ ‫نفس‬
‫ٍّ‬
‫الع ّلة متقدّ م ٌة عىل املعلول‪ ،‬كتقدّ م حركة اليد عىل حركة املفتاح ا ّلذي متسك‬
‫يتحركان‬ ‫أمر حيكم به العقل‪ ،‬وليس متح ّق ًقا يف اخلارج؛ إذ ّإهّنام ّ‬ ‫به)‪ّ ،‬‬
‫فإن ٰهذا ٌ‬
‫م ًعا‪ ،‬كام أنّه ليس من اخرتاعات الذهن واعتباراته املحضة‪.‬‬

‫وهكذا مراتب‬‫الكيّل ومراتب األجناس والفصول‪ٰ ،‬‬ ‫ومثل ٰذلك أقسام ّ ّ‬


‫والتأخر وأحكام العدم‪ ،‬فالعقل يكتشف تقدّ م الع ّلة عىل املعلول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التقدّ م‬
‫واملعروض عىل العارض‪ ،‬وما بالذات عىل ما بالغري‪ ،‬بنو ٍع من التحليل‬
‫العقيل لواقع حال ٰهذه األمور‪ ،‬ال أنّه خيرتع ٰهذا األحكام ويفرتضها‪ ،‬فهي‬
‫ّ‬
‫حتاليل وأحكام واقعي ٌة نفس أمرية‪ٍ.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫‪ | 48‬تاریخ علم املنطق‬

‫احلاكوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املفهومي‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫الذهني من بني ٰهذه األقسام هو الوجود‬
‫ّ‬ ‫والوجود‬
‫فإن الصورة الذهن ّية كام ح ّقق يف العلم األعىل هي عني التع ّقل واالنكشاف‬ ‫ّ‬
‫الذهني للامه ّية‪ ،‬هو حت ّقق‬
‫ّ‬ ‫احلاصل يف النفس لليشء‪ ،1‬ومعنى حتقق الوجود‬
‫انكشافها وتع ّقلها من قبل النفس ال غري‪ ،‬وليست هي صور ٌة كالصور ّ‬
‫احلس ّية أو‬
‫اخليالية كام قد يتوهم‪ ،‬وهلا ثالث حيثي ٍ‬
‫ات‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قائم بالنفس وهو اهليأة‬ ‫عرض ٌ‬‫حيث ّي ٌة يف نفسها‪ ،‬وهي من حيث نفسها ٌ‬
‫النفساين‪ ،‬وحيث ّي ٌة‬
‫ّ‬ ‫ويسمى بالعرض‬
‫ّ‬ ‫االنكشاف ّية والتع ّقل ّية احلاصلة يف النفس‬
‫املحكي‪ ،‬فتكون مطابق ًة له‬ ‫لذلك‬ ‫وعاكس ٰ‬ ‫بالنسبة إىل حمكيها فهي مفهوم ٍ‬
‫حاك‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫فعرض‪ ،‬وحيث ّية نسبتها إىل النفس وهي‬
‫عرضا ٌ‬
‫وإن كان ً‬ ‫فجوهر‪ْ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫جوهرا‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫إن كان‬
‫حيث ّية االنكشاف والظهور‪ ،‬حيث ّإهّنا نفس الكشف عن حمكيها للنفس وتع ّقلها‬
‫وهذا هو حقيقة مقولة العلم‪.2‬‬ ‫له‪ٰ ،‬‬

‫العلم وأقسامه‬
‫العلم‪ :‬هو انكشاف اليشء للنفس وتع ّقلها له‪ ،‬وهو معنى حضور صورة‬
‫املعلوم لدى العامل‪ ،3‬وهو متو ّق ٌ‬
‫ف عىل ارتباط النفس باملعلوم وحضوره عندها‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬التعليقات‪ ،‬ص‪ 189‬وما بعدها‪.‬‬


‫رص‬‫عرض مب ٌ‬‫ٌ‬ ‫‪ .2‬ولك أ ْن تعترب بالصورة الفوتوغراف ّية لليشء؛ فإ ّن فيها هذه الحيث ّيات‪ ،‬فهي يف نفسها‬
‫أي يشء هو جسم‬ ‫ٍ‬ ‫(لونٌ) قائ ٌم يف جسم الورقة الّتي تحملها‪ ،‬ومن حيث امل ُص َّور بها فهي تحكيه ّ‬
‫شجر ٍة أو حيوانٍ أو جام ٍد‪ ،‬وحيثيّ ٌة بالنسبة إىل الناظر إليها حيث تكشّ ف له ذلك اليشء املص ّور‬
‫علاًم به‪ ،‬مع مالحظة أ ّن هناك فارقًا يف هذه الحيث ّية هو أ ّن الصورة الفوتوغراف ّية هي وساط ٌة‬
‫وتفيده ً‬
‫يف الكشف‪ ،‬وأ ّما الصورة العلم ّية فهي عني االنكشاف والتعقّل‪ ،‬حيث إ ّن معنى حضور صورة‬
‫اليشء عند النفس هو انكشاف اليشء لها وتعقّلها له‪.‬‬
‫‪ .3‬املشهور أ ّن العلم عبار ٌة عن حضور صور األشياء عند العقل‪ .‬انظر‪ :‬ابن سينا‪ ،‬التعليقات‪،‬‬
‫صحيح‪ ،‬ولك ّن البعض‬ ‫ٌ‬ ‫ص‪ ،82‬وكذلك‪ :‬اليزدي‪ ،‬الحاشية عىل تهذيب املنطق‪ ،‬ص‪ ،.14‬وهو‬
‫الحسيّة أو الخياليّة يف الذهن‪ ،‬والصحيح كام حقّق يف محلّه أ ّن حضور‬ ‫ّ‬ ‫يتو ّهمه كحضور الصورة‬
‫الذهني‬
‫ّ‬ ‫الصورة مبعنى حصول حالة االنكشاف والتعقّل لليشء املعلوم‪ ،‬ومعنى تحقّق الوجود‬
‫للامه ّية هو تعقّلها من قبل النفس‪ ،‬وهذا هو حقيقة العلم فهو الحالة االنكشاف ّية والتعقّل ّية الّتي‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪49‬‬

‫اخلارجي‬
‫ّ‬ ‫مبارشا‪ ،‬و ٰذلك بحضور املعلوم بوجوده‬
‫ً‬ ‫وهذا االرتباط تار ًة يكون‬ ‫ٰ‬
‫يسمى‬ ‫لدى النفس‪ ،‬وانكشافه هلا مبارش ًة مثل علمنا بذواتنا وحاالهتا‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫احلضوري‪ ،‬وتار ًة يكون اليشء املعلوم مباينًا للنفس‪ ،‬فتحصل له صور ٌة‬
‫ّ‬ ‫بالعلم‬
‫بتوسط آالت اإلدراك لدى النفس‪ ،‬كعلمنا باألشياء املباينة لنا‪،‬‬ ‫علم ّي ٌة تع ّقل ّي ٌة ّ‬
‫يسمى بالعلم احلصو ّيل‪.‬‬ ‫وهو ما ّ‬
‫وهذا النوع يم ّثل املرتبة الرابعة من مراتب اإلدراك احلصو ّيل‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن اإلدراك‬ ‫ٰ‬
‫احلصو ّيل يتم ّثل يف أربع مراتب بحسب ترتّب جتريد أدوات اإلدراك للمعلوم‪،‬‬
‫وهي‪:1‬‬
‫احلس ّية للكيف ّيات‬
‫احليّس‪ ،‬وهي حضور الصور ّ‬ ‫املرتبة األوىل‪ :‬مرتبة اإلدراك ّ ّ‬
‫املحسوسة يف األشياء‪ ،‬كاللون والشكل والطعم والرائحة واخلشونة وما يقابلها‬
‫احلواس‪ ،‬فتحرض‬ ‫ٍ‬
‫لواحدة من‬ ‫واحلرارة والربودة وما شاهبها‪ ،‬يف حال مواجهتها‬
‫ّ‬
‫احلس ّية‬ ‫مع ارتباطها بعامل املا ّدة‪ ،‬وما حتمله من ٍ‬
‫آثار ‪ -‬أي يف حال تق ّيدها باإلشارة ّ‬
‫احلس ّية‪.‬‬
‫خارجا انتفت الصورة ّ‬
‫ً‬ ‫(اهلٰذ ّية) ‪ -‬فإذا انتفت املا ّدة‬
‫املرتبة الثانية‪ :‬مرتبة اإلدراك اخليا ّيل‪ ،‬وهو حضور الصورة املحسوسة يف غري‬
‫فإن اخليال ي ّربئ الصورة املنزوعة عن املا ّدة تربئ ًة أشدّ ‪ ،‬و ٰذلك‬
‫حال املواجهة‪ّ ،‬‬
‫بنحو ال حيتاج يف وجودها فيه إىل وجود ما ّد ٍة؛ ّ‬
‫ألن املا ّدة ْ‬
‫وإن‬ ‫بأخذها عن املا ّدة ٍ‬
‫فإن الصورة تكون ثابتة الوجود يف اخليال‪ّ ،‬إاّل ّأهّنا ال تكون ّ‬
‫جمرد ًة‬ ‫غابت أو بطلت ّ‬
‫ألن الصورة يف اخليال هي عىل حسب الصور املحسوسة‪،‬‬ ‫عن اللواحق املا ّد ّية؛ ّ‬
‫جمرد ٌة عن املا ّدة دون آثارها من االمتداد والشكل واللون وغريها‪.‬‬ ‫فهي ّ‬
‫التجرد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املجرد ال متام‬
‫الومهي‪ ،‬وهو إدراك املعنى ّ‬
‫ّ‬ ‫املرتبة الثالثة‪ :‬مرتبة اإلدراك‬

‫بتوسط أدوات اإلدراك وآالته‪.‬‬ ‫تحصل يف النفس بسبب ارتباطها باملعلوم إ ّما بشكلٍ مبا ٍ‬
‫رش أو ّ‬
‫‪ .1‬صدر املتألهني‪ ،‬األسفار‪ ،‬ج‏‪ ،3‬ص‪.361-360‬‬
‫‪ | 50‬تاریخ علم املنطق‬

‫قوة‬ ‫بل خملو ًطا بالعوارض املا ّد ّية املحسوسة كاللون والشكل والرائحة‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫قو ٌة تدرك من املحسوس ما ال يناله‬ ‫ألهّنا ّ‬
‫الوهم تتعدّ ى عىل اخليال يف التجريد؛ ّ‬
‫أيضا‬‫بحسه شكلها ولوهنا ورائحتها‪ ،‬ويدرك ً‬ ‫فإن من يرى الوردة يدرك ّ‬ ‫احلس‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫الضار من صورة‬
‫ّ‬ ‫العدو أو‬
‫ّ‬ ‫وهكذا إدراك معنى‬ ‫شي ًئا آخر وهو مجال ٰهذه الوردة‪ٰ ،‬‬
‫ضار‬
‫مجيل أو ٌّ‬‫أن ٰهذا ٌ‬ ‫احلس ال يدرك ّإاّل العوارض املحسوسة؛ وأ ّما ّ‬
‫فإن ّ‬‫الذئب‪ّ ،‬‬
‫وإن استثبتت وحفظت‬ ‫قوة الوهم‪ ،‬وهي ْ‬ ‫ومنفور عنه فا ّلذي يدركه هو ّ‬
‫ٌ‬ ‫عدو‬
‫أو ٌّ‬
‫املعنى غري املحسوس بعد غياب املحسوس‪ٰ ،‬لكنّها ال ّ‬
‫جترده جتريدً ا تا ًّما‪ ،‬بل حتفظه‬
‫صورة خيال ّي ٍة‪ ،‬فكان الوهم ال يدرك معنى رص ًفا‪ ،‬بل خملو ًطا‪.‬‬‫ٍ‬ ‫مع ما تع ّلق به من‬

‫العقيل‪ ،‬وهو حضور املعاين الك ّل ّية ّ‬


‫املجردة عن‬ ‫ّ‬ ‫املرتبة الرابعة‪ :‬مرتبة اإلدراك‬
‫جمر ًدا عن املا ّدة من‬ ‫بأن تأخذها ً‬
‫أخذا ّ‬ ‫فالقوة العاقلة تدرك الصور ْ‬ ‫املا ّدة وآثارها‪ّ ،‬‬
‫ظاهر‪ ،‬وأ ّما ما هو موجو ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫متجر ٌد بذاته عن املا ّدة فاألمر فيه ٌ‬ ‫كل وجه‪ ،‬فأ ّما ما هو ّ‬
‫كل‬ ‫عارض له ٰذلك‪ ،‬فتنزعها عن املا ّدة من ّ‬
‫ٌ‬ ‫للام ّدة فإ ّما ّ‬
‫ألن وجوده ما ّد ٌّي‪ ،‬وإ ّما‬
‫وجه وعن لواحق املا ّدة‪ ،‬فتنتزع عن األفراد الكثرية طبيع ٌة واحدةٌ‪ ،‬تفرزها عن‬ ‫ٍ‬
‫كل ٰذلك‪ ،‬فتصلح ْ‬ ‫جتردها عن ّ‬ ‫ٍ‬
‫وكيف ٍ‬ ‫ّ‬
‫أن تقال عىل‬ ‫ثم ّ‬‫وأين ووض ٍع ما ّد ٍّي‪ّ ،‬‬ ‫كم‬
‫كل ٍّ‬
‫كل أفراد تلك الكثرة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫العريف‬
‫ّ‬ ‫املسمى بالعلم احلصو ّيل‪ ،‬إذ جرى االستعامل‬ ‫العقيل هو ّ‬
‫ّ‬ ‫ومرتبة اإلدراك‬
‫اخلاص عىل تسمية هذه املرتبة بالعلم دون غريها من‬ ‫ّ‬ ‫املنطقي‬
‫ّ‬ ‫العا ّم واالصطالح‬
‫املراتب؛ ولذلك ال يقال للحيوانات ّإهّنا عامل ٌة رغم ّأهّنا تشرتك مع اإلنسان يف بق ّية‬
‫فالتصور هو فهم املعنى وإدراكه‬ ‫ّ‬ ‫التصور والتصديق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املراتب‪ .1‬وهو ينقسم إىل‬
‫إدراكًا بسي ًطا خال ًيا من احلكم‪ ،‬فهو انكشاف املعلوم وتع ّقله يف نفسه يف الواقع‬
‫من جهة معناه وحقيقته‪ ،‬ومتع ّلقه املفردات واملركّبات التا ّمة والناقصة‪.‬‬
‫والتصديق هو احلكم عىل اخلرب‪ ،‬أي ترجيح النفس ألحد طريف النقيض ــ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أجوبة املسائل النصريية‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪51‬‬

‫الثبوت وعدمه ــ يف النسبة ا ُمل َ‬


‫دركة بني أمرين واحلاكية عن واقع العالقة بينهام‪،‬‬
‫وخيتص‬
‫ّ‬ ‫حكمي‪ ،‬بمعنى انكشاف ثبوت النسبة أو عدمه للنفس‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫انكشاف‬
‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫باملركّبات التا ّمة اخلرب ّية‪.‬‬
‫التصور والتصديق هو انكشاف للنفس‪ ،‬ولك ّن متع ّلق ٰهذا‬ ‫ّ‬ ‫فكل من‬ ‫ٌّ‬
‫التصور يكون متع ّلق االنكشاف هو املعنى‪ ،‬ويف‬‫ّ‬ ‫االنكشاف خيتلف بينهام ففي‬
‫دائاًم‬
‫أن التصديق يكون ً‬ ‫التصديق هو ثبوت النسبة أو عدم ثبوته‪ ،‬وال بدّ أن يعلم ّ‬
‫أن احلكم والرتجيح بثبوت النسبة بني معنيني أو عدمه‬ ‫التصور‪ ،‬لوضوح ّ‬‫ّ‬ ‫بعد‬
‫يتم احلكم‬ ‫يتو ّقف ّأو ًاًل عىل فهم هذين املعنيني وفهم االنتساب بينهام‪ّ ،‬‬
‫وإاّل كيف ّ‬
‫باالنتساب أو عدمه‪.‬‬
‫فاليقيني هو ترجيح أحد طريف‬
‫ّ‬ ‫يقيني وظن ٍّّي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫التصديقي ينقسم إىل‬
‫ّ‬ ‫والعلم‬
‫النقيض يف النسبة من دون احتامل الطرف املخالف‪ ،‬وأ ّما الظن ّّي فهو ترجيح‬
‫يسمى بالطرف‬
‫وهذا الطرف املرجوح ّ‬ ‫أحدمها مع احتامل الطرف اآلخر‪ٰ ،‬‬
‫تسمى بالوهم‪.1‬‬‫املوهوم‪ ،‬ونسبة االحتامل املتع ّلقة به ّ‬
‫ٍ‬
‫كسب‬ ‫بدهيي يرتسم يف النفس من دون‬ ‫ٌّ‬ ‫التصور والتصديق إ ّما‬‫ّ‬ ‫ٌّ‬
‫وكل من‬
‫النظري‬
‫ّ‬ ‫التصور‬
‫ّ‬ ‫نظري حيتاج إليه‪ ،‬وما يكتسب به‬
‫ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫ونظر لوضوح متع ّلقه هلا‪ ،‬وإ ّما‬
‫املعرف‬
‫يسمى بالدليل‪ ،‬فكان ّ‬ ‫النظري ّ‬
‫ّ‬ ‫باملعرف‪ ،‬وما يكتسب به التصديق‬ ‫يسمى ّ‬ ‫ّ‬
‫والدليل هو موضوع علم املنطق‪ ،‬وأجزاؤمها الصور ّية واملا ّد ّية وأقسامها هي‬
‫دائاًم حول عوارضها الذات ّية‪.‬‬
‫املنطقي يدور ً‬
‫ّ‬ ‫موضوعات مسائله‪ ،‬والبحث‬

‫‪ .1‬ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن مفردة الوهم لها استعامالتٌ متعدّدةٌ‪ ،‬فهي يف اللغة مبعنى الغلط‬
‫والسهو‪ ،‬ويف االصطالح تستعمل بثالثة معان‪ ،‬أحدها املعنى الذي يف املنت‪ ،‬والثاين مبعنى‬
‫اإلدراك الوهمي‪ :‬وهو إدراك املعاين املجردة الجزئية املتعلقة بصورة محسوسة أو متخيلة‪،‬‬
‫جه لها‪ ،‬حتّى ال يوقع‬
‫والثالث هو القوة التي تدرك النفس بها تلك املعاين‪ ،‬فال ب ّد من معرفتها والتو ّ‬
‫يف الغلط من هذه الجهة‪.‬‬
‫‪ | 52‬تاریخ علم املنطق‬

‫الجهل وأقسامه‬
‫وأ ّما اجلهل فهو ما يقابل العلم‪ ،‬أي عدمه فيام يكون من شأنه االتّصاف به‪،‬‬
‫تصور ًّيا‪،‬‬
‫جهاًل ّ‬‫يسمى ً‬ ‫وهو ينقسم بانقسامه‪ ،‬فعدم انكشاف املعنى وعدم فهمه ّ‬
‫التصديقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وعدم احلكم برتجيح أحد طريف النسبة يف القضايا اخلرب ّية هو اجلهل‬
‫ترجح أحد‬ ‫ّ‬
‫وتشك فال ّ‬ ‫تتحرّي النفس‬‫التصديقي يكون عندما ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعليه فاجلهل‬
‫ّ‬
‫بالشك‪.‬‬ ‫ويسمى‬
‫ّ‬ ‫الطرفني عىل اآلخر‪،‬‬
‫بأن جعلنا‬‫ثم إنّا لو حلظنا حال الشخص من حيث علمه باليشء أو عدمه‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أحوال‪ ،‬فتار ًة‬ ‫ٍ‬
‫متع ّلق علمه هو علمه نفسه بيشء أو عدمه‪ ،‬كان عىل أربعة‬
‫فهذا هو العامل املستغني عن الكسب‪،‬‬ ‫يكون عا ًملا باليشء وهو يعلم أنّه عامل ٌ به‪ٰ ،‬‬
‫فهذا هو الغافل ا ّلذي حيتاج‬ ‫وتار ًة يكون عا ًملا باليشء و ٰلكنّه جيهل أنّه عامل ٌ به‪ٰ ،‬‬
‫فهذا يمكن فيه االسرتشاد‬ ‫جاهل ٰ‬‫ٌ‬ ‫ً‬
‫جاهاًل وهو يعلم أنّه‬ ‫إىل التنبيه‪ ،‬وتار ًة يكون‬
‫ٍ‬
‫لغفلة فيعلم حاله بعد‬ ‫ٌ‬
‫جاهل إ ّما‬ ‫جاهاًل وهو جيهل أنّه‬‫ً‬ ‫وطلب العلم‪ ،‬وتار ًة يكون‬
‫غلط‪ ،‬وهو يعتقد املطابقة‬‫االنتباه والتوجه‪ ،‬أو ألنّه قد علم ٰبذلك اليشء عىل وجه ٍ‬
‫ّ‬
‫فهذا هو اجلاهل املركّب ا ّلذي يمنعه جهله من االسرتشاد وطلب العلم‪.‬‬ ‫للواقع‪ٰ ،‬‬
‫وعىل ٰهذا فأقسام اجلهل ثالثة‪:‬‬
‫ري‪ :‬وهو عدم انكشاف معنى اليشء‪ ،‬مع التفاته إىل‬
‫التصو ّ‬
‫ّ‬ ‫اجلهل البسيط‬
‫تصوره‪.‬‬
‫جهله وعدم ّ‬
‫التصديقي‪ :‬وهو عدم ترجيح أحد طريف النسبة‪ ،‬مع التفاته إىل‬
‫ّ‬ ‫اجلهل البسيط‬
‫جهله وشكّه‪.‬‬
‫التصديقي‪ :‬وهو عدم ترجيحه ملا ح ّقه الرتجيح من طريف‬
‫ّ‬ ‫اجلهل املركّب‬
‫رجحه‬ ‫النسبة‪ ،‬وترجيحه للطرف اآلخر مع عدم التفاته جلهله‪ ،‬ويعتقد ّ‬
‫بأن ما ّ‬
‫مطابق ملا هو الواقع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪53‬‬

‫تنبيهان‪:‬‬
‫ري‪ ،‬استيفا ًء‬‫التصو ّ‬
‫ّ‬ ‫األول‪ :‬قد يتوهم وجود قس ٍم رابع للجهل‪ ،‬وهو املركّب‬
‫تصور معنًى‬ ‫للفروض العقلية‪ ،‬وذلك ْ‬
‫بأن ُيدّ عى أنّه عبار ٌة عن وقوع الغلط يف ّ‬
‫يتصور النفس‬‫ّ‬ ‫أن ما حصل من فه ٍم للمعنى هو الواقع‪ ،‬كمن‬ ‫ٍّ‬
‫معنّي‪ ،‬ويتوهم ّ‬
‫قائم يف جسم اإلنسان‪ .‬ولكن الصحيح أن هذا من اجلهل‬ ‫عرض ما ّد ٌّي ٌ‬
‫عىل ّأهّنا ٌ‬
‫املركّب التصديقي؛ ألن تصور املعنى هنا ُجعل موضو ًعا ملحمول هو مطابقته‬
‫التصورات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للواقع‪ ،‬فيكون من التصديقات ال من‬
‫ري‪ ،‬وقد يكون‬ ‫التصو ّ‬
‫ّ‬ ‫التصديقي هو اجلهل‬
‫ّ‬ ‫الثاين‪ :‬قد يكون منشأ اجلهل‬
‫شخص معنى النفس فال‬ ‫ٌ‬ ‫يتصور‬‫ّ‬ ‫منشؤه شي ًئا آخر‪ً ،‬‬
‫فمثاًل يف اجلهل البسيط قد ال‬
‫كذلك‪ ،‬كمن يعرف معنى النفس‬ ‫ٍ‬
‫بيشء‪ ،‬وقد ال يكون ٰ‬ ‫أن حيكم عليها‬ ‫يستطيع ْ‬
‫جمرد ٌة لعدم قيام الدليل لديه عىل‬‫بأن النفس ّ‬‫التجرد‪ ،‬ولكن ال يعلم ّ‬
‫ّ‬ ‫ويعرف معنى‬
‫يتصور معنى اإلنسان‬
‫ثبوت النسبة بينهام أو انتفائها‪ .‬ومثاله يف اجلهل املركّب من ّ‬
‫كامالت معنو ّي ٍة له‪ ،‬وقد ال يكون‬
‫ٍ‬ ‫ثم حيكم بعدم وجود‬ ‫أنّه وجو ٌد ما ّد ٌّي فقط‪ّ ،‬‬
‫ثم حيكم‬
‫كذلك‪ ،‬من قبيل من يعرف معنى واجب الوجود ويعرف معنى صفاته ّ‬ ‫ٰ‬
‫بأن صفاته ليست عني ذاته‪ ،‬لوجود ٍ‬
‫غلط ما يف دليله‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الغرض من علم املنطق‏‬


‫ٍ‬
‫حارضة لدهيا إىل أخرى‬ ‫ّملا كان الفكر هو عمل ّية انتقال النفس من علو ٍم‬
‫التوجه‬ ‫ٍ‬
‫مطلوبة هلا‪ ،‬و ٰذلك بتجميع املعلومات الالزمة ملطلوهبا ‪ -‬بعد‬ ‫ٍ‬
‫غائبة عنها‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫موصلة إىل ٰذلك‬ ‫ٍ‬
‫صورة ما‬ ‫حارض عندها‪ ،‬وترتيبها عىل‬ ‫إليه بالطلب ‪ -‬ممّا هو‬
‫ٌ‬
‫املطلوب‪ ،‬و ّملا كان ٰذلك الطلب والتجميع والرتتيب من أفعال النفس اإلراد ّية‬
‫ٍ‬
‫قانون‬ ‫كذلك؛ فاحتاجت النفس إىل‬ ‫صواب‪ ،‬وقد ال يقع ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫كان قد يقع عىل ٍ‬
‫وجه‬
‫وهذا القانون هو ما‬ ‫جتري عليه يعصمها عن الوقوع يف الوجه غري الصائب‪ٰ ،‬‬
‫تتبنّى األبحاث املنطق ّية البحث عنه وبيانه وإثباته‪.‬‬
‫‪ | 54‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن يكون عند اإلنسان تلك اآللة القانون ّية ا ّلتي تعصم‬‫فالغرض من املنطق هو ْ‬
‫علم ُيتع ّلم فيه رضوب االنتقاالت‬ ‫فكره من اخلطأ والضاللة عند مراعاته هلا‪ ،‬فهو ٌ‬
‫ٍ‬
‫حاصلة يراد حتصيلها‪ ،‬وكيف ّية تأليفها‬ ‫أمور غري‬ ‫ٍ‬
‫حاصلة إىل ٍ‬ ‫الذهن ّية من ٍ‬
‫أمور‬
‫كذلك‪.1‬‬‫وموصل إىل الصواب‪ ،‬وما ليس ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعرفة ما هو ٍ‬
‫جار عىل االستقامة منها‬

‫فائدة علم املنطق‬


‫أي‬
‫أن من ّ‬ ‫تعرف ّ‬ ‫قال هبمنيار يف التحصيل‪« :‬واملنطق هو الصناعة النظرية التي ّ‬
‫سمى حدا‪ ،‬والقياس الصحيح الذي‬ ‫الصور واملوا ّد يكون احلدّ الصحيح‪ ،‬الذي ُي ّ‬
‫سمى‬ ‫أي الصور واملوا ّد يكون احلد اإلقناعي الذي ُي ّ‬ ‫وتعرف أنّه من ّ‬
‫سمى برهانًا‪ّ ،‬‬ ‫ُي ّ‬
‫سمى ما قوي منه‬ ‫أي الصور واملوا ّد يكون القياس اإلقناعي الذي ُي ّ‬‫رساًم‪ ،‬وعن ّ‬ ‫ً‬
‫مشبها باليقني جدل ًيا‪ ،‬وما ضعف منه وأوقع ظنًّا غال ًبا خطاب ًيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأوقع تصدي ًقا‬
‫ومادة يكون‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫ٍ‬
‫ومادة يكون احلدّ الفاسد‪ ،‬وعن أي‬ ‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫أي‬
‫وتعرف أنه عن ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أي صورة ومادة يكون‬ ‫ٍ‬
‫سمى مغالط ًيا وسوفسطائ ًيا‪ ،‬وعن ّ‬
‫القياس الفاسد‪ ،‬الذي ُي ّ‬
‫ٍ‬
‫بأن ُير ّغب النفس يف يشء أو‬ ‫القياس الذي اليوقع تصدي ًقا البتة ولكن ختيل‪ْ ،‬‬
‫يقررها أو يبسطها أو يقبضها‪ ،‬وهو القياس الشعري‪ .‬فهذه فائدة صناعة‬ ‫ين ّفرها أو ّ‬
‫املنطق‪ ،‬ونسبته إىل الرو ّية نسبة النحو إىل الكالم أو العروض اىل الشعر»‪.2‬‬
‫ّملا كان الغرض املتع ّلق بدراسة علم املنطق هو معرفة القواعد العا ّمة للتفكري‬
‫البرشي هو نتاج عمل ّية التفكري ٰهذه‪ ،‬كانت دراسة‬ ‫ّ‬ ‫الصحيح‪ ،‬و ّملا كان الفكر‬
‫البرشي‪ّ ،‬‬
‫بكل‬ ‫ّ‬ ‫املنطق وإتقانه ومهارة تطبيقه ينعكس إجيا ًبا عىل مباين الفكر‬
‫صحيحة وواقع ّي ٍة‪ ،‬وما‬
‫ٍ‬ ‫رؤية كون ّي ٍة‬
‫أبعادها النظرية والعملية‪ ،‬مما يؤدي إىل بناء ٍ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫تعنّي يف النهاية سلوك اإلنسان يف الدنيا‪،‬‬ ‫يرتتّب عليها من أيديولوجية ح ّقة‪ّ ،‬‬
‫ومصريه يف اآلخرة‪.‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.8‬‬


‫‪ .2‬بهمنيار‪ ،‬التحصيل‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪55‬‬

‫ومرادنا من الرؤية الكون ّية جمموعة اآلراء والنظر ّيات العا ّمة حول وجود‬
‫يعرّب عنها يف علم العقائد بأصول الدين‪ ،‬ومن‬ ‫اإلنسان والعامل ومبدئهام‪ ،‬وا ّلتي ّ‬
‫األيديولوجية هو جمموعة النظم والقوانني العا ّمة ا ّلتي حتكم سلوك اإلنسان يف‬
‫الديني تشكّل‬
‫ّ‬ ‫متفرع ٌة عن الرؤية الكون ّية‪ ،‬وهي يف االصطالح‬
‫حياته الدنيا‪ ،‬وهي ّ‬
‫األحكام الك ّل ّية العا ّمة من فروع الدين‪.‬‬
‫وا ّلذي ال يتقن قواعد املنطق أو ال يراعيها عند التطبيق فهو يف معرض‬
‫واضح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والسلوكي كام هو‬
‫ّ‬ ‫الفكري‬
‫ّ‬ ‫االنحراف‬

‫واضع علم املنطق‬


‫يعدّ الفيلسوف اإلغريقي أرسطو طاليس (‪ )322 -384‬ق‪.‬م ّأول من‬
‫دون يف علم املنطق‪ ،‬إذ ّ‬
‫هذب مباحثه‪ ،‬ورتّب مسائله وفصوله‪ ،‬وجعله ّأول‬ ‫ّ‬
‫العلوم احلكم ّية وفاحتتها‪.‬‬

‫من أي العلوم هو ومرتبته بني العلوم وأنحاء التعليم فيه‬


‫يتوصل هبا إىل سائر العلوم النّظر ّية‬
‫ّ‬ ‫يعدّ املنطق من العلوم اآللية التي‬
‫ألن بعضه تنبي ٌه وتذكري‪ ،‬وبعضه‬‫والعمل ّية‪ ،‬وهو ال يتو ّقف عىل عل ٍم آيل آخر؛ ّ‬
‫منطق آخر قبله‪ ،‬كاحلساب‬ ‫ٍ‬ ‫إفاد ٌة منتظمة‪ُ ،‬يؤمن فيها الغلط‪ ،‬فال حيتاج إىل‬
‫واهلندسة‪ ،‬أو كالنحو إىل الكالم‪ ،‬أو العروض إىل ّ‬
‫الشعر‪.‬‬
‫وأما مرتبة املنطق بني العلوم فهو ْ‬
‫أن يقرأ بعد هتذيب األخالق‪ ،‬وتقويم‬
‫الرياض ّية من اهلندسة واحلساب‪ ،‬متقد ًما عىل مجيع‬
‫الفكر ببعض العلوم ّ‬
‫العلوم؛ ألنه آلتها‪.‬‬
‫وأما أنحاء التعاليم التي هي التقسيم والتحليل والتحديد والربهان‏‪،1‬‬

‫‪ .1‬صدر املتألهني‪ ،‬الحاشية عىل إلهيات الشفاء‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫‪ | 56‬تاریخ علم املنطق‬

‫فك ّلها موجود ٌة ىف املنطق‪ :‬فالتّقسيم هو التّكثري من فوق إىل أسفل‪ ،‬كتقسيم‬
‫اجلنس إىل األنواع‪ ،‬والتحليل‪ :‬هو التّكثري من أسفل إىل فوق‪ ،‬والتّحديد‪ :‬هو‬
‫مفصلة‪ ،‬بخالف االسم‪ ،‬فإنّه‬
‫يدل عىل ذات اليشء داللة ّ‬ ‫فعل احلدّ ‪ ،‬و هو ما ّ‬
‫يدل عليه داللة جمملة‪ ،‬والربهان طريق موثوق به‪ ،‬موصل إىل الوقوف عىل‬ ‫ّ‬
‫احلق و العمل بذلك‪ ،1‬ومجيع هذه األنحاء بدهيي ٌة ال حتتاج إىل ْ‬
‫أن تتعلم يف علم‬ ‫ّ‬
‫قبلها‪ ،‬وما يعتمد فيها من الربهان فهو الرباهني التي تعتمد عىل البدهييات من‬
‫حيث املادة‪ ،‬واهليئات البدهيية كالرضب األول من الشكل األول‪.‬‬
‫مسائل علم املنطق‬
‫ّملا كان العلم ينقسم نوع انقسا ٍم إىل البدهيي‪ ،‬والنظري‪ ،‬والبدهيي ما‬
‫ٍ‬
‫وتفكري صناعي‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫طلب علمي‬ ‫حيصل يف النفس بنحو تلقائي‪ ،‬من غري‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫التصور والتصديق‪ ،‬فمثاله يف‬
‫ّ‬ ‫قسمي العلم من‬
‫االنقسام يشمل كال َ‬
‫إدراكنا ملفهوم الوجود والتح ّقق أو اليشء أو الوحدة والكثرة‪ ،‬ويف التصديق‬
‫الكل أعم من اجلزء‪ ،‬واستحالة اجتامع النقيضني وما شابه‬ ‫كإدراكنا بكون ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا القسم ال حيتاج إىل صناعة املنطق؛ لوضوح املعنى والصدق‬
‫جمهواًل للنفس ً‬
‫أواًل‪ ،‬فتحتاج فيه‬ ‫ً‬ ‫كل من القسمني‪ .‬أ ّما النظري فيكون‬‫يف ٍّ‬
‫ٍ‬
‫وتفكري صناعي‪ ،‬وملا كانت عملية التفكري بكلتا حركتيها‬ ‫ٍ‬
‫طلب علمي‬ ‫إىل‬
‫صحيح‪ ،‬وقد تقع عىل ٍ‬
‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫التي مر ذكرها إرادي ًة للنفس‪ ،‬فقد تقع عىل ٍ‬
‫وجه‬ ‫ّ‬
‫خاطئ‪ ،‬احتاج هذا القسم‪ ،‬أي‪ :‬النظري‪ ،‬إىل صناعة قواعد التفكري من أجل‬
‫أن تضمن الصحة يف عملية التفكري والسري االستداليل‪.‬‬
‫تصو ًرا فال‬
‫وملا كان اليشء يف هذا القسم من العلم (النظري) قد جيهل ّ‬
‫عرف‪ ،‬مثل حقيقة العقل أو النفس يف احلكمة‪ ،‬أو الزوايا‬ ‫يتصور معناه إىل ْ‬
‫أن ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫وكذلك قد جيهل من‬ ‫املتناظرة أو املثلث متساوي الساقني يف الرياض ّيات‪ٰ ،‬‬
‫أن ُيع َلم‪ ،‬كقوهلم يف العلم األعىل‪( :‬واجب الوجود ال‬
‫جهة التصديق إىل ْ‬
‫‪ .1‬الشريازي‪ ،‬رشح حكمة اإلرشاق‪ ،‬ص‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪57‬‬

‫ماه ّية له)‪ ،‬وكقوهلم يف الرياض ّيات‪( :‬يف املث ّلث قائم الزاوية‪ ،‬مر ّبع طول َ‬
‫الوتَر‬
‫يساوي جمموع مر ّبعي طويل الضلعني القائمني)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تصديق‬ ‫تصو ٍر أو‬ ‫الطلبي منّا يف العلوم ونحوها إ ّما ْ‬
‫أن يتّجه إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫كان السلوك‬
‫تصور‬
‫يستحصل‪ ،‬وقد جرى اصطالح املناطقة عىل تسمية اليشء املوصل إىل ّ‬
‫سمى‬ ‫شارحا)‪ ،‬وهو عىل قسمني‪ :‬حدٍّ ورس ٍم‪ ،‬كام جرت العادة ْ‬
‫بأن ُي ّ‬ ‫ً‬ ‫املطلوب ً‬
‫(قواًل‬
‫ٍ‬
‫ومتثيل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واستقراء‬ ‫ٍ‬
‫قياس‬ ‫قسموه إىل‬ ‫اليشء املوصل إىل التصديق ً‬
‫(دلياًل)‪ ،‬وقد ّ‬
‫وهبام ـ القول الشارح والدليل ـ ينتقل الذهن من املعلوم احلاصل إىل املطلوب‬
‫املنطقي يتع ّلق بمبادئ القول الشارح وكيف ّية تأليفه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املستحصل‪ ،‬فكان البحث‬
‫قياسا كان أو غريه‪.‬‬
‫حدًّ ا كان أو غريه‪ ،‬ومبادئ الدليل وكيف ّية تأليفها‪ً ،‬‬
‫األول يف‬
‫قسموا مسائل علم املنطق إىل قسمني رئيسني‪ :‬القسم ّ‬ ‫ومن هنا ّ‬
‫التصور (القول الشارح)‪ ،‬والقسم الثاين يف كاسب التصديق (الدليل)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كاسب‬
‫ٍ‬
‫وبحث ما ّد ٍّي‪ ،‬فاملا ّد ّي يف‬ ‫صوري‬ ‫إن كاًّلًّ منهام ينقسم البحث فيه إىل ٍ‬
‫بحث‬ ‫ثم ّ‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫التصور يبحث فيه عن أنحاء املفاهيم ا ّلتي تنفع يف تعريف حقائق األشياء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كاسب‬
‫وهي ذاتيات اليشء من اجلنس والفصل والنوع‪ ،‬أو مت ّيزها عن غريها‪ ،‬وهي‬
‫العرضيات من العرض العام واخلاصة‪ ،‬ويبحث عن ذلك يف باب الك ّل ّيات اخلمسة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صحيحة‬ ‫ويبحث يف الصوري عن كيفية ترتيب هذه الك ّليات عىل ٍ‬
‫هيأة‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التصوري‪ ،‬وهي إ ّما احلد وإ ّما الرسم‪ ،‬ويبحث عنها يف بحث‬ ‫ّ‬ ‫لتحصيل املجهول‬
‫أجناسا عالي ًة جلميع‬ ‫ً‬ ‫املعرف‪ ،‬وأضافوا اىل هذا القسم البحث عن املعاين التي تكون‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫املوجودات يف عامل اإلمكان‪ ،‬من حيث هي معان كلية جامعة تدخل يف تكون‬
‫ذات املاهيات‪ ،‬وهي اجلوهر‪ ،‬والكيف والكم واألين واملتى والوضع واإلضافة‬
‫واجلدة والفعل واالنفعال‪ ،‬ومل يبحثوا عنها هنا من جهة كيفية وجودها؛ إلنّه‬
‫فلسفي ليس علم املنطق حم ّله‪ ،‬ويبحث عنها يف باب املقوالت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫بحث‬
‫‪ | 58‬تاریخ علم املنطق‬

‫الصوري يف كاسب التصديق هو احلجة‬


‫ّ‬ ‫وأ ّما قسم التصديقات ّ‬
‫فإن البحث‬
‫ٍ‬
‫واستقراء‬ ‫ٍ‬
‫قياس‬ ‫احلجة (الدليل)‪ ،‬وكيفية انقسامها إىل‬
‫أو الدليل يدول يف هيأة ّ‬
‫ومتثيل‪ ،‬ويبحث عن ذلك يف باب القياس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان مفردة‪ ،‬كان ال بدّ من‬ ‫ولكن حيث كان الدليل يتأ ّلف من قضايا‪ ،‬ال‬
‫أن يوصف بالصدق أو‬ ‫البحث عن القضايا‪ ،‬وهي املركّب التام اخلربي الذي يمكن ْ‬
‫ٍ‬
‫واحدة منها‪ ،‬ويبحث عنها من‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫ورشطية‪ ،‬وأقسام ّ‬ ‫الكذب‪ ،‬وانقسامها إىل ٍ‬
‫محلية‬
‫حيث كيف ّية تركيبها ومفادها وأحكامها‪ ،‬وملا كانت القضايا ترتكّب من املفردات‪،‬‬
‫ُسمى بالرتكيب الثاين‪ ،‬ويبحث عن‬
‫األول‪ ،‬واألقيسة وما يتبعها ت ّ‬
‫ُس ّميت بالرتكيب ّ‬
‫سمى باب القضايا أو العبارة‪ ،‬وهو مقدم عىل باب القياس‪.‬‬
‫خاص ُي ّ‬ ‫القضايا يف ٍ‬
‫باب ٍّ‬
‫وأ ّما البحث املا ّد ّي منه فيبحث فيه عن موا ّد األقيسة‪ ،‬وهي القضايا وأقسامها‬
‫من حيث كيف ّية تع ّلق أنحاء التصديق هبا‪ ،‬أو ما جيري جمرى التصديق من التخييل‬
‫معنّي‪ ،‬وانقسام األد ّلة بحسبها وبحسب الغاية‬
‫أمر ّ‬‫أو االنقباض واالنبساط جتاه ٍ‬
‫قياس من حيث الصورة‬‫من تكوين الدليل إىل الصناعات اخلمس‪ ،‬فالربهان هو ٌ‬
‫ولكن تستعمل فيه اليقينيات لغرض الكشف عن الواقع‪ ،‬ويبحث عنه يف باب‬
‫القياس‪ ،‬واجلدل تستعمل فيه املشهورات والظنيات ألجل الغلبة عىل اخلصم‪،‬‬
‫ويبحث عنه يف باب اجلدل‪ ،‬واخلطابة تستعمل فيها املشهورات لغرض إقناع‬
‫بأمر معني‪ ،‬ويبحث عنها يف باب اخلطابة‪ ،‬واملغالطة تستعمل فيها‬ ‫اجلمهور ٍ‬
‫املشبهات ألجل التغليط‪ :‬وهو أيقاع الغري يف الغلط‪ ،‬أو االمتحان‪ ،‬ويبحث عنها‬
‫يف باب املغالطة‪ ،‬والشعر تستعمل فيه املخيالت ألجل قبض النفوس أو بسطها‬
‫أمر معني‪ ،‬ويبحث عنه يف باب الشعر‪.‬‬ ‫جتاه ٍ‬

‫فتكون أبواب املنطق تسعة مرتتبة بحسب تقدمها يف البحث‪ ،‬وتو ّقف بعضها‬
‫عىل بعض‪ ،‬وهي‪ :‬باب الك ّل ّيات اخلمسة ومعها ِّ‬
‫املعرف‪ ،‬باب املقوالت‪ ،‬باب‬
‫القضايا‪ ،‬باب القياس وتوابعه من التمثيل واالستقراء‪ ،‬باب الربهان‪ ،‬باب‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪59‬‬

‫اجلدل‪ ،‬باب اخلطابة‪ ،‬باب املغالطة‪ ،‬باب الشعر‪.‬‬


‫وتسبق هذه األبواب مقدّ م ٌة ُيذكر فيها بعض املباحث التي تعدّ من مبادئ‬
‫علم املنطق‪ ،‬وليست من مسائله‪ ،‬ولكنها تبحث يف هذا املوضع لعدم بحثها يف‬
‫بقية العلوم عىل النحو الذي ينفع املنطقي‪ ،‬ولكون املنطق متقد ًما عىل مجيع العلوم‬
‫بحسب التحصيل كام تقدّ م‪ ،‬ويبحث فيها عاد ًة عن املفاهيم وأقسامها والعالقات‬
‫بينها‪ ،‬وبحث الداللة وكيفية داللة األلفاظ عىل املعاين‪ ،‬وبحث احلمل وأقسامه‪.‬‬
‫وقد ّبنّي الشيخ الرئيس ابن سينا أبواب املنطق بحسب ما هو موجود يف‬
‫األول ألرسطو‪ ،‬وأضاف إليها باب الكليات اخلمسة الذي أضافه‬ ‫التعليم ّ‬
‫فرفريوس‪ ،‬بالبيان التايل‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬يشتمل عىل أقسام األلفاظ واملعاين‪ ،‬من حيث هي كلية ومفردة‪،‬‬
‫ويتضمنه كتاب إيساغوجي تصنيف فرفوريوس‪ ،‬وهو املعروف باملدخل‪.‬‬

‫الباب الثاين‪ّ :‬‬


‫يتبنّي فيه عدد املعاين املفردة الذاتية‪ ،‬والشاملة بالعموم جلميع‬
‫جهة ما هي تلك املعاين‪ ،‬من غري ٍ‬
‫رشط حتصلها يف الوجود أو قوامها‬ ‫املوجودات من ٍ‬
‫يف العقل‪ ،‬ويشتمل عليه كتاب أرسطو املعروف بقاطيغورياس‪ ،‬أي‪ :‬املقوالت‪.‬‬
‫يتبنّي فيه تركيب املعاين املفردة بالسلب‏ واإلجياب‪ ،‬حتى‬ ‫الباب الثالث‪ّ :‬‬
‫أن يكون صاد ًقا أو كاذ ًبا‪ ،‬ويشتمل عليه كتاب أرسطو‬ ‫تصري قضي ًة وخ ًربا يلزمه ْ‬
‫املعروف بباريمينياس‪ ،‬أي‪ :‬العبارة‪.‬‬

‫الباب الرابع‪ :‬يتبني فيه تركيب القضايا حتى يتأ ّلف منها دليل‪ ،‬يفيد ً‬
‫علاًم‬
‫ٍ‬
‫بمجهول وهو القياس‪ ،‬ويشتمل عليه كتاب أرسطو املعروف بانالوطيقا األوىل‪،‬‬
‫أي‪ :‬التحليل بالقياس‪.‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬يعرف منه رشائط القياس يف تأليف قضاياه التي هي مقدماته‪،‬‬
‫‪ | 60‬تاریخ علم املنطق‬

‫حتى يكون ما يكتسب به يقينًا ال ّ‬


‫شك فيه‪ ،‬وعليه يشتمل كتابه املعروف بانالوطيقا‬
‫الثانية‪ ،‬أي‪ :‬الربهان‪.‬‬
‫الباب السادس‪ :‬يشتمل عىل تعريف القياسات النافعة يف خماطبة من ينقص‬
‫فهمه أو علمه عن تبيني الربهان‪ ،‬يف املحاورات التي يراد منها إلزام حممود أو حترز‬
‫عن إلزام مذموم‪ ،‬واملواضع التي تكتسب منها احلج النافعة يف اجلدل‪ ،‬والوصايا‬
‫للمجيب والسائل‪ ،‬ويتضمنه كتابه املعروف بطوبيقا‪ ،‬أي صحة املواضع‪ ،‬ويقال‬
‫عنه أيضا ديالقطيقي‪ ،‬أي‪ :‬اجلديل‪ ،‬وباجلملة تعرف منه القياسات اإلقناعية يف‬
‫األمور الكلية‪.‬‬
‫الباب السابع‪ :‬يشتمل عىل تعريف املغالطات التي تقع يف احلجج والدالئل‪،‬‬
‫وأنحاء السهو والزلة فيها‪ ،‬والتنبيه عىل وجه التحرز منها‪ ،‬ويتضمنه كتابه‬
‫املعروف بسوفسطيقا‪ ،‬أي‪ :‬نقض ُشبه املغالطني‪.‬‏‬
‫الباب الثامن‪ :‬يشتمل عىل تعريف املقاييس اخلطابية البالغية النافعة يف‬
‫خماطبات اجلمهور‪ ،‬عىل سبيل املشاورات واملخاصامت‪ ،‬أو املدح أو الذم‪ ،‬أو‬
‫احليل النافعة يف االستعطاف واالستاملة واإلغراء وتصغري األمر وتعظيمه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قضية وخطبة‪،‬‬ ‫كل‬‫ووجوه اإلعذار واملعاتبات‪ ،‬ووجوه ترتيب الكالم يف ّ‬
‫ويتضمنه كتابه املعروف بريطوريقي‪ ،‬أي‪ :‬اخلطابة‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن يكون يف ّ‬
‫كل‬ ‫الباب التاسع‪ :‬يشتمل عىل الكالم الشعري‪ ،‬أنّه كيف جيب ْ‬
‫فن‪ ،‬وما أنواع التقصري والنقص فيه‪ ،‬ويشتمل عليه كتابه املعروف ببويطيقا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الشعري‪.1‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬رسالة أقسام الحكمة‪ ،‬املطبوعة يف ضمن كتاب «تسع رسائل يف الحكمة والطبيعيات»‪،‬‬
‫ص‪.118-116‬‬
‫اهلندسة املعرف ّية لعلم املنطق | ‪61‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪1.‬ابــن ســينا‪ ،‬احلســن بــن عبــد اهلل‪ ،‬التعليقــات‪ ،‬حتقيــق‪ :‬عبــد الرمحــن البــدوي‪ ،‬النــارش‪:‬‬
‫مكتبــة اإلعــام اإلســامي‪ -‬بــروت‪،‬‏ســنة ‪1404‬هـــ‪.‬‬
‫‪2.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬الشــفاء (املنطــق)‪ ،‬حتقيــق ســعيد زايــد‪ ،‬النــارش‪ :‬مكتبة آيــة اهلل املرعيش‪-‬‬
‫قم املقدســة‪ ،‬ســنة ‪1404‬هـ‪.‬‏‬
‫‪3.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬رســالة أقســام احلكمــة‪ ،‬أو رســالة يف أقســام العلــوم العقليــة‪ ،‬وهــي‬
‫الرســالة اخلامســة املطبوعــة يف ضمــن كتــاب (تســع رســائل يف احلكمــة والطبيعيــات)‪ ،‬النــارش‪:‬‬
‫دار العــرب‏‪ -‬القاهــرة‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‪1326 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪4.‬أرســطو طاليــس‪ ،‬النــص الكامــل ملنطــق أرســطو‪ ،‬حتقيــق وتقديــم‪ :‬د‪ .‬فريــد جــر‪ ،‬نــر‪ :‬دار‬
‫الفكــر‪ -‬بــروت‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬هبمنيــار بــن املرزبــان األذربيجــاين‪ ،‬التحصيــل‪ ،‬تصحيــح وتعليــق‪ :‬األســتاذ الشــهيد مرتــى‬
‫مطهــري‪ ،‬منشــورات جامعــة طهــران‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‪ ،‬ســنة ‪1417‬هـ‪.‬‏‬
‫‪6.‬اجلرجــاين‪ ،‬عــي بــن حممــد بــن عــي الرشيــف‪ ،‬كتــاب التعريفــات‪ ،‬النــارش‪ :‬نــارص خــرو‪-‬‬
‫طهــران‪ ،‬الطبعــة الرابعــة‪ ،‬ســنة ‪1412‬هـ‪.‬‏‬
‫‪ِ 7.‬‬
‫ــي‪ ،‬احلســن بــن يوســف بــن ا ُمل ّ‬
‫طهــر‪ ،‬اجلوهــر النضيــد‪ ،‬تصحيــح‪ :‬حمســن بيدارفــر‪،‬‬ ‫احل ّ‬
‫النــارش‪ :‬منشــورات بيــدار‪ -‬قــم املقدســة‪ ،‬الطبعــة اخلامســة‪ ،‬ســنة ‪1413‬هـــ‪.‬‬
‫‪8.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬القواعــد اجلليــة يف رشح الرســالة الشمســية‪ ،‬تقديــم وحتقيــق‪ :‬الشــيخ‬
‫فــارس احلســون‏‪ ،‬النــارش‪ :‬مؤسســة النــر اإلســامي‏‪ -‬قــم املقدســة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪.1412‬‬
‫حممــد احلســيني االســرآبادي‪ ،‬األفــق املبــن‪ ،‬تصحيــح‪ :‬حامــد‬
‫حممــد باقــر بــن ّ‬
‫‪9.‬الدامــاد‪ّ ،‬‬
‫ناجــي أصفهــاين‪ ،‬النــارش‪ :‬مــراث مکتــوب ‪ -‬طهــران‪ ،‬ســنة ‪۱۳۹۱‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪10.‬الشــرازي‪ ،‬قطــب الديــن حممــود بــن مســعود بــن مصلــح الــكازروين‪ ،‬رشح حكمــة‬
‫اإلرشاق‪ ،‬النــارش‪ :‬منتــدى اآلثــار واملفاخــر الثقافيــة ‪ -‬طهــران‏‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪ 1425‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪11.‬صــدر املتأهلــن‪ ،‬حممــد بــن إبراهيــم‪ ،‬احلاشــية عــى إهليــات الشــفاء‪ ،‬النــارش‪ :‬منشــورات‬
‫بيــدار‪ -‬ق ـم‏ املقدســة‪.‬‬
‫‪ | 62‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪12.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬احلكمــة املتعاليــة يف األســفار العقليــة األربعــة‪ ،‬النــارش‪ :‬دار إحيــاء‬


‫الــراث‏‪ -‬بــروت‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪ ،‬ســنة ‪1981‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬الطــويس‪ ،‬نصــر الديــن حممــد بــن حممــد بــن احلســن‪ ،‬أجوبــة املســائل النصرييــة‪ ،‬بعنايــة‪:‬‬
‫عبــد اهلل نــوراين‪،‬‏ النــارش‪ :‬معهــد العلــوم اإلنســانية‪ -‬طهــران‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1425‬هـــ ‪.‬‬
‫ ‪14.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬تعديــل املعيــار يف نقــد تنزيــل األفــكار‪ ،‬منشــورات جامعــة طهــران‏‪،‬‬
‫الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1427‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪15.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬رشح اإلشــارات والتنبيهــات مــع املحاكــات‪ ،‬النــارش‪ :‬نــر البالغــة‪-‬‬
‫قــم املقدســة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1417‬هـ‪.‬‏‬
‫ ‪16.‬الفــارايب‪ ،‬أبــو نــر حممــد بــن حممــد‪ ،‬منطقيــات الفــارايب‪ ،‬حتقيــق و تقديــم‪ :‬حممــد تقــي‬
‫دانــش پــژوه‏‪ ،‬النــارش‪ :‬مكتبــة آيــة اهّللّ املرعــي‏‪ -‬قــم املقدســة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1418‬هـــ‪.‬‬
‫املدرســن‬
‫ ‪17.‬املظفــر‪ ،‬حممــد رضــا‪ ،‬املنطــق‪ ،‬نــر‪ :‬مؤسســة النــر اإلســامي التابعــة جلامعــة ّ‬
‫بقــم املرشفــة‪.‬‬
‫حممــد مهــدي‪ ،‬رشح اإلهليــات مــن كتــاب الشــفاء‪ ،‬تصحيــح‪ :‬حامــد ناجــي‪،‬‬
‫ ‪18.‬النراقــي‪ّ ،‬‬
‫‏النــارش‪ :‬مؤمتــر ختليــد ذكــرى املحققــن النراقيــن‏‪ -‬قـ ‏م املقدســة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬ســنة ‪1422‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪19.‬اليــزدي‪ ،‬عبــد اهلل بــن شــهاب الديــن‪ ،‬احلاشــية عــى هتذيــب املنطــق‪ ،‬النــارش‪ :‬مؤسســة‬
‫النــر اإلســامي‪ -‬قــم املقدســة‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‪ ،‬ســنة ‪1412‬هـــ‪.‬‏‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫قراءة رصدية نقدية يف محاولة األمني األسرتآبادي ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫األستاذ الشيخ حسني إبراهيم شمس الدين‬

‫ُملخّص البحث‬
‫يتمحور هذا البحث حول الرصد التارخيي الفكري ألهم املح ّطات‬
‫مر هبا علم املنطق يف التارخيي الشيعي اإلمامي‪ ،‬وهي مرحلة دخول‬ ‫التي ّ‬
‫ً‬
‫دخواًل ناقدً ا إىل الساحات املختلفة للعلوم اإلسالمية‪ ،‬ال‬ ‫الفكر األخباري‬
‫س ّيام علم أصول الفقه وعلم املنطق واحلكمة اإلهلية‪ ،‬إذ شكّلت هذه املرحلة‬
‫بريادة حممد األمني األسرتآبادي (املتوىف ‪ 1033‬هجري قمري) ‪ -‬املعروف‬
‫باملحدث األسرتآبادي أو باملوىل األسرتآبادي‪ -‬حتد ًيا جديدً ا وضع املناطقة‬
‫مجلة من األسئلة واإلشكاليات حول جدوى علم املنطق ً‬
‫أواًل‪ ،‬ومدى‬ ‫أمام ٍ‬
‫األئمة ‪ ‬ثان ًيا‪.‬‬
‫النص الديني الوارد عن ّ‬ ‫انسجامه مع معطيات ّ‬
‫ٍ‬
‫ونقدية ملحاولة املوىل‬ ‫ٍ‬
‫رصدية‬ ‫ٍ‬
‫قراءة‬ ‫يف هذا البحث‪ ،‬نحاول تقديم‬
‫حجية التفكري املنطقي بش ّقيه املادي والصوري‪ ،‬ومن ثم‬ ‫األسرتآبادي نقد ّ‬
‫تقويم ٍ‬
‫مجلة اإلشكاالت التحليلية العقلية والنقلية التي طرحها يف هذا الصدد‪.‬‬

‫أن التفكري النقدي لألمني األسرتآبادي‬ ‫وقد انتهينا‪ -‬كام سيجد القارئ‪ -‬إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫راسخ بتأثري‬ ‫شديد عىل حفظ النص الديني‪ ،‬ومن ٍ‬
‫إيامن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حرص‬ ‫كان منطل ًقا من‬
‫ّ‬
‫أيضا مع تأ ّم ٍل فيام طرحه‬
‫النقل يف صياغة املعتقدات واألحكام الدينية‪ ،‬ولكن ً‬
‫من ّ‬
‫أن هذا التأثري قد يصل إىل مرحلة االستغناء عن أداة املنطق‪.‬‬

‫‪ .1‬متخصص يف علم اجتامع املعرفة‪ ،‬وطالب يف الحوزة العلمية ‪ /‬لبنان‪.‬‬


‫‪ | 64‬تاریخ علم املنطق‬

‫املقدّ مة‬
‫نمط واحد‪،‬‬ ‫منظار تارخيي ال يكون ذا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي عل ٍم من العلوم من‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫إن دراسة ّ‬
‫أن نبحث بح ًثا تأرخي ًيا داخل ًيا تارةً‪ ،‬أو بح ًثا تأرخي ًيا خارج ًيا تار ًة‬
‫إذ يمكن لنا ْ‬
‫أخرى‪.‬‬

‫أن نبحث عن علم املنطق يف التاريخ‬ ‫ونقصد هبذا التفريق أنّنا لو أردنا ْ‬
‫فإن الباحث قد يدخل البحث من‬ ‫حمل بحثنا ههنا‪ّ -‬‬ ‫اإلسالمي اإلمامي‪ -‬وهو ّ‬
‫وتطورها والصياغات املختلفة‬‫ّ‬ ‫جهة القضايا أو املفاهيم املنطقية وكيفية نشأهتا‬
‫مر املراحل واملنعطفات‬ ‫التي ّاخّتذها املناطقة جتاه هذه القضية أو تلك عىل ّ‬
‫مثاًل موضوع (البدهييات التصورية والتصديقية) التي مت ّثل‬ ‫التارخيية‪ ،‬فيأخذ ً‬
‫أحد أركان البحث املنطقي‪ ،‬ويبحث عن نشوئها يف التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫والشخصيات األوىل الرائدة يف طرحها والصياغات املختلفة هلا‪ ،‬سواء قبل‬
‫مرورا بابن سينا يف املرشق العريب‪ ،‬أو كذلك يف املغرب‬ ‫ً‬ ‫الفارايب أم بعده‬
‫وإن كان يالحظ املسائل‬‫العريب عند ابن رشد وغريه‪ .‬وهذا النوع من البحث ْ‬
‫نحو من البحث الداخيل ‪ -‬كام استقربنا‬ ‫يف سياقاهتا التطورية التارخيية ّإاّل أنّه ٌ‬
‫تسميته‪-‬؛ ألنّه يالحظ املوضوعات املنطقية نفسها يف السياقات التارخيية من‬
‫أمر خارج املنطق وعلامئه ومصنفاته‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫دون ٍ‬
‫نظر إىل ّ‬
‫وأ ّما الصنف الثاين من األبحاث التارخيية التي قد يشتغل هبا الباحث يف‬
‫سميناه البحث التارخيي اخلارجي‪ ،‬وذلك ْ‬
‫بأن جيعل‬ ‫تاريخ العلوم‪ ،‬فهو ما ّ‬
‫حضاري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سيايس‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سياق اجتامعي‪،‬‬ ‫العلم – كعلم املنطق ً‬
‫مثاًل‪ -‬يف‬ ‫ُ‬
‫الباحث‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ديني‪ ،‬بنحو يالحظ حركة هذا العلم وفق الصريورة العا ّمة احلضارية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتبدهّلا عرب‬ ‫فال يقرص نظره عىل مفاهيم العلم ذاته وكيفية تطور صياغاهتا‬
‫أواًل السياق التفاعيل احلضاري‪ ،‬ومن ثم يراقب العلم‬ ‫الزمن‪ ،‬بل يالحظ ً‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪65‬‬

‫ٍ‬
‫كعنرص من العنارص املتفاعلة يف هذا السياق احلضاري العام‪،‬‬ ‫املبحوث عنه‬
‫ُ‬
‫الباحث‬ ‫فريصد كيفية تأ ّثره وتأثريه يف الفضاء العام‪ ،‬ومثال ذلك ْ‬
‫أن يدرس‬
‫علم املنطق وكيفية دخوله إىل العامل اإلسالمي‪ ،‬واجلداالت واملناقشات التي‬
‫َ‬
‫أثارها بني خمتلف أصناف العلامء‪ ،‬كا ُملحدّ ثني والنحاة واألخباريني‪ ،‬وما هي‬
‫متوضعه يف العالقة التي‬
‫أبرز النقود املتوجهة إليه من قبل هؤالء‪ ،‬وكيف أعاد ْ‬
‫مثاًل‪ ،‬وغريها من القضايا‪.‬‬ ‫النص الديني ً‬
‫تربطه مع ّ‬
‫بتنوع الفضاءات الفكرية واحلضارية التي نأخذ‬‫يتنوع ّ‬
‫إن الصنف الثاين ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫أن نأخذ علم املنطق يف الفضاء السيايس‬‫فاعاًل أو متأ ّث ًرا فيها‪ ،‬فيمكن لنا ْ‬
‫العلم ً‬
‫االجتامعي الذي نشأ فيه ونبحث عن أسباب دخوله إىل العامل اإلسالمي‪،‬‬
‫جهة أخرى‪ْ -‬‬
‫أن‬ ‫والدواعي التي كانت كامن ًة وراء ذلك‪ .‬كام يمكن لنا –من ٍ‬
‫نأخذه يف فضاء سائر العلوم واألفكار‪ ،‬أي نرصد حركة املنطق النقدية والتفاعلية‬
‫ٍ‬
‫سياسية أو اجتامعية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فضاءات‬ ‫يف إطار العلوم املختلفة دون اخلوض يف‬

‫وقد كُتب يف احلالة األوىل الكثري حول علم املنطق‪ ،‬وكيفية ترمجته‪،‬‬
‫إن بعض‬ ‫والسياقات التي نشأ فيها من الناحية التارخيية السياسية‪ ،‬حتى ّ‬
‫كل نظرها عىل هذه القضية فطرحت أبحا ًثا من قبيل‬ ‫الدراسات ركّزت ّ‬
‫(السياسات الداخلية وحركة الرتمجة)‪ ،1‬و(الرصاعات احلضارية املختلفة‬
‫وأثرها عىل دخول علم املنطق إىل العامل اإلسالمي) وغريمها‪ ،‬بل نجد ّ‬
‫أن يف‬
‫الرتاث اإلسالمي القديم قد ُطرح مثل هذا البحث كام يف فهرست ابن النديم‬
‫ٍ‬
‫حكايات – كام يف تعبريه‪ -‬حول‬ ‫الراجع إىل القرن الرابع اهلجري حيث أورد‬
‫األسباب والظروف الداعية إلدخال املنطق واحلكمة إىل العامل اإلسالمي‪،‬‬

‫‪ .1‬راجع‪ :‬دميرتي غوتاس‪ ،‬الفكر اليوناين والثقافة العربية‪ :‬حركة الرتجمة اليونانية‪ -‬العربية يف‬
‫بغداد واملجتمع العبايس املبكر‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬نقوال زياده‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت – لبنان‪،‬‬
‫‪ ،2003‬صفحة‪ 141 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ | 66‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن «أحد األسباب يف ذلك ّ‬


‫أن املأمون‬ ‫والالفت أنّه عدّ يف بعض املنقوالت ّ‬
‫كأن ً‬
‫رجاًل أبيض اللون‪ ،‬مرش ًبا محرة‪ ،‬واسع اجلبهة‪ ،‬مقرون‬ ‫رأى يف منامه ّ‬
‫احلاجب‪ ،‬أجلح الرأس‪ ،‬أشهل العينني‪ ،‬حسن الشامئل‪ ،‬جالس عىل رسيره‪،‬‬
‫وكأيّن بني يديه قد ملئت له هيبة‪ ،‬فقلت من أنت؟ قال أنا‬
‫ّ‬ ‫قال املأمون‪:‬‬
‫أرسطاطاليس! فرسرت به‪ ،‬وقلت‪ّ :‬أهّيا احلكيم! [ثم ينقل بعض التفاصيل‬
‫إىل ْ‬
‫أن يقول]‪...‬فكان هذا املنام من أوكد األسباب يف إخراج الكتب»‪.1‬‬
‫وأما يف احلالة الثانية للبحث‪ ،‬وهي ْ‬
‫أن ُيبحث يف الفضاء املعريف والفكري‬
‫مناقشات‬
‫ٌ‬ ‫أي عل ٍم آخر‪ -‬فقد جرت‬ ‫تطور تاريخ علم املنطق – أو ّ‬ ‫حول ّ‬
‫وسجاالت عىل طول التاريخ اإلسالمي بني املناطقة وغريهم من الفئات‬
‫ٌ‬
‫وكل ٍ‬
‫فئة من هذه‬ ‫املختلفة‪ ،‬كالنحويني والصوفيني واملحدّ ثني واألخباريني‪ُّ ،‬‬
‫نقاشات خمتلف ٌة عن الفئة األخرى‪ ،‬فالنحوي ً‬
‫مثاًل كان جيد‬ ‫ٌ‬ ‫الفئات كان هلا‬
‫أن النحو يغني عن املنطق الذي نُقل من كتب أرسطو‪ ،‬ففي (مقابسات)‬ ‫ّ‬
‫التوحيدي يذكر ما لفظه‪ « :‬قلت أليب سليامن[املنطقي]‪ّ :‬إيّن أجد بني املنطق‬
‫والنحو مناسب ًة غالب ًة ومشاهب ًة قريبة‪ ،‬وعىل ذلك فام الفرق بينهام‪ ،‬وهل‬
‫منطق عريب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يتعاونان باملناسبة‪ ،‬وهل يتفاوتان بالقرب به؟ فقال‪ :‬النحو‬
‫مواجهات مع‬
‫ٌ‬ ‫نحو عقيل»‪ ،2‬وكذا بعض أهل التصوف كانت هلم‬ ‫واملنطق ٌ‬
‫أن الطريق املنطقي ال يشكل‬ ‫املنطق وطرق االستدالل الفلسفية من جهة ّ‬
‫إن العقل واالستدالل معتربان بحد ذاهتام‪،‬‬ ‫غاية املعرفة‪ ،‬وبتعبري آخر « ّ‬
‫وليسا مرفوضني من وجهة نظر العرفاء‪ ،‬غري ّ‬
‫أن ما يذمه كبار أهل املعرفة هو‬
‫التو ّقف يف مرحلة االستدالل الفلسفي وجتاهل املقامات املعنوية للسلوك‬

‫‪ .1‬ابن النديم‪ ،‬الفهرست‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬صفحة ‪.339‬‬
‫‪ .2‬أبو ح ّيان التوحيدي‪ ،‬املقابسات‪ ،‬دار سعاد الصباح‪ ،‬الكويت‪ ،1992 ،‬صفحة ‪.169‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪67‬‬

‫والشهود العرفان»‪.1‬‬

‫حضور يف التاريخ اإلسالمي وباخلصوص‬ ‫ٌ‬ ‫ومن الفئات التي كان هلا‬
‫الشيعي اإلمامي من جهة نقدهم للمنطق األرسطي يف بعض قضاياه‪ ،‬فئة‬
‫األخباريني‪ ،‬إذ يشكل رصد نقدهم وأثره‪ ،‬والنقاشات التي ُأثريت من قبلهم‬
‫رصدً ا تارخي ًيا حلركة املنطق يف الفضاء الفكري – ال السيايس االجتامعي‪-‬‬
‫أهم أركان هذه احلركة ورائدها هو املوىل حممد أمني‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وكان أحد ّ‬
‫األسرتآبادي ( املتوىف ‪ 1033‬هجري قمري)‪ ،‬الذي أثار مجل ًة من املناقشات‬
‫ال بخصوص املنطق فحسب بل بام يشمل التفكري األصويل – أي أصول‬
‫الفقه‪ ،-‬وهذه املح ّطة التارخيية عند هذا الع َلم من أعالم اإلمامية هي‬
‫بالتحديد ّ‬
‫حمل بحثنا ههنا‪( .‬الرسم البياين أدناه حيدد حمل البحث)‪.‬‬
‫يف الفضاء السيايس‬

‫النقاش األخباري‬ ‫االجتامعي‬


‫خارجي‬
‫املنطقي (األمني‬ ‫يف الفضاء الفكري‬ ‫البحث التارخيي لعلم‬
‫األسرتآبادي‬ ‫العلمي‬ ‫املنطق‬
‫نموذجا)‪.‬‬ ‫داخيل‬
‫ً‬

‫(الرسم البياين رقم‪)1‬‬

‫ثم ّ‬
‫إن املراجعة ألهم املتون التي كتبها األمني األسرتآبادي يف هذا املجال‬
‫وهو كتاب (الفوائد املدنية)‪ ،‬وبتبعه بعض الكتب األخرى من قبيل (احلاشية‬
‫أن اإلشكال األسايس املركزي الذي‬ ‫عىل أصول الكايف) جيعلنا أمام حقيقة ّ‬
‫أن علم املنطق ال قيم َة له يف‬ ‫ٍ‬
‫واحدة وهي ّ‬ ‫ٍ‬
‫قضية‬ ‫س ّطره عىل املنطق يرجع إىل‬

‫‪ .1‬غالم حسني الديناين‪ ،‬حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي‪.17 -16 :1 ،‬‬
‫‪ | 68‬تاریخ علم املنطق‬

‫جنبة من جوانبه‪ ،‬وهي املسامة باملنطق من جهة املا ّدة – أو املنطق املادي‪،-‬‬ ‫ٍ‬
‫بأدلة نقلية‪ ،‬فقال‪« :‬القواعد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عقلية وأخرى‬ ‫واستدل عىل ذلك تار ًة بأد ّل ٍة‬
‫ّ‬
‫املنطقية إنّام هي عاصم ٌة عن اخلطأ من جهة الصورة ال من جهة املا ّدة‪ ،‬إذ‬
‫أقىص ما يستفاد من املنطق يف باب مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ‬
‫وجه ّ‬
‫كيّل‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫خمصوصة داخلة يف‬ ‫كل ما ّد ٍة‬
‫أن ّ‬
‫إىل أقسام‪ ،‬وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ‬
‫أي قس ٍم من تلك األقسام‪ ،‬بل من املعلوم عند أويل األلباب امتناع وضع‬ ‫ّ‬
‫قاعدة تكفل بذلك‪ .‬وممّا يوضح ما ذكرناه من جهة النقل األحاديث املتواترة‬
‫معنى‪.1»...‬‬

‫ومن هنا ينقسم البحث إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬يف بيان اجلهتني اللتني يبحث عنهام علم املنطق‪ ،‬أقصد‬
‫جهة الصورة وجهة املادة‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬يف بيان ُمدّ عى األمني األسرتآبادي‪ ،‬وردوده العقلية عىل‬
‫املنطق مع مناقشة ما ذكره‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬يف استفاداته النقلية من النصوص للر ّد عىل املنطقيني‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬يف بيان ُمدّ عى املناطقة حول قيمة املنطق عىل‬
‫مستوى الصورة واملادة‬
‫عاصم للذهن‬
‫ٌ‬ ‫يف هذا القسم نتعرض ملا ذكره املناطقة من ّ‬
‫أن علم املنطق‬
‫عن اخلطأ يف الفكر عىل مستوى الصورة واملادة يف االستدالالت والرباهني؛‬
‫وذلك ألجل توضيح ما استشكل به ا ُملحدّ ث األسرتآبادي من ّ‬
‫أن املنطق‬
‫نافع يف خصوص الصورة دون املادة‪ّ ،‬إاّل املواد ّ‬
‫احلسية أو القريبة من احلس‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪.257 -256 ،‬‬


‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪69‬‬

‫وسيأيت يف القسمني الثاين والثالث بيان مدّ عاه وأد ّلته العقلية والنقلية عليه‪.‬‬

‫أن املنطقي ينطلق عند الكالم حول علم املنطق من تعريف‬ ‫وتفصيل األمر ّ‬
‫أمور جمهولة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معلومة الكتساب ٍ‬ ‫الفكر‪ ،‬فيذكر أنّه عبار ٌة عن االنتقال من ٍ‬
‫أمور‬
‫خاصني لينتج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بنحو يرتب املفكّر بني ٍ‬
‫أمور حارضة عنده عىل هيأة وتأليف ّ‬
‫أمورا مل تكن عنده من املعلومات‪ ،‬و ّملا كان التفكري يتألف من رضبني‪ّ :‬‬
‫األول‬ ‫ً‬
‫التصور‪ ،‬والثاين هو التصديق كان االنتقال من املعلومات الكتساب‬ ‫ّ‬ ‫هو‬
‫تفكريا تصور ًيا‪ ،‬وأخرى يكون‬
‫ً‬ ‫املجهوالت كذلك‪ ،‬أي تار ًة يكون التفكري‬
‫تفكريا تصديق ًيا‪.1‬‬
‫ً‬
‫والتصور يقصد به جمرد فهم املعنى وانطباعه يف الذهن عىل ٍ‬
‫نحو ال يكون‬ ‫ّ‬
‫مستتب ًعا حلكم بالصدق أو الكذب‪ ،‬كخطور املعاين الساذجة يف أذهاننا‬
‫للمفردات‪ ،‬أو املركبات دون احلكم بصدقها أو كذهبا‪ .‬وأ ّما التصديق فهو‬
‫احلكم عىل القضية ‪ -‬التي هي اجلملة اخلربية ‪ -‬بالصدق أو الكذب‪ ،‬بمعنى‬
‫«املتصور هو‬
‫َّ‬ ‫بأهّنا مطابق ٌة لواقعها أم ال‪ ،‬قال املح ّقق الطويس‪:‬‬
‫احلكم عليها ّ‬
‫جمر ًدا عن احلكم‪ ،‬واملصدَّ ق هبا هو احلارض مقارنًا له‪ ،‬ويقتسامن مجيع‬
‫احلارض َّ‬
‫ما حيرض الذهن»‪.2‬‬

‫وتفصيل هذا اإلمجال أن العلم التصوري هو العلم باملعاين واملفاهيم‬


‫تصورها وحضور معانيها يف‬ ‫أو املركّبات دون احلكم عليها‪ ،‬أي ّ‬
‫إن جمرد ّ‬

‫نظري‪ ،‬والبديهي هو‬


‫ّ‬ ‫بديهي وإ ّما‬
‫ّ‬ ‫كل من التص ّور والتصديق إ ّما‬‫‪ .1‬ال ب ّد من لفت النظر إىل أ ّن ٍّ‬
‫فكري للعلم به بل يتم العلم به مبجرد االلتفات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كسب‬
‫ٍ‬ ‫التص ّور أو التصديق الذي ال يحتاج إىل‬
‫بخالف النظري الذي يُس ّمى كسب ًيا أيضً ا لكونه يحتاج إىل العملية الفكرية وهي االنتقال من املعلوم‬
‫خاص ههنا بالتص ّور والتصديق النظريني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إىل املجهول والحصول عليه‪ ،‬والكالم‬
‫‪ .2‬ابن سينا واملحقّق الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات (مع املحاكامت)‪ ،‬دار نرش البالغة‪،‬‬
‫قم –إيران‪ 1375 ،‬هجري شميس‪.12 :1 ،‬‬
‫‪ | 70‬تاریخ علم املنطق‬

‫التصوري‪ ،‬وال يفرق األمر بني كون القضية صادق ًة‬‫ّ‬ ‫سمى بالعلم‬ ‫األذهان ُي ّ‬
‫تصوري هبا؛‬
‫علم ّ‬ ‫أو كاذبة‪ ،‬فقولنا‪( :‬الثالثة زوج) قضي ٌة كاذب ٌة‪ ،‬ولك ْن لنا ٌ‬
‫تصورنا‬
‫ّ‬ ‫التصوري كام يشمل املفردات‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫ألننا (نفهم معناها)‪ ،‬والعلم‬
‫أيضا‬‫ملعاين (الفرس)‪ ،‬و (اإلنسان) وغريمها‪ ،‬كذلك يشمل كذلك املركّبات ً‬
‫بجميع أصنافها‪.‬‬

‫وأ ّما العلم التصديقي فهو احلكم بالصدق أو بالكذب‪ ،‬وال يكون ذلك‬
‫ٍ‬
‫ومسند إليه حيكم بأحدمها عىل اآلخر‪ ،‬وال بدّ ْ‬
‫أن يكون‬ ‫ٍ‬
‫مسند‬ ‫ّإاّل بعد حت ّقق‬
‫جمال للصدق أو الكذب؛ وذلك ألنّه ال معنى‬ ‫احلكم خرب ًيا حتى حيصل ٌ‬
‫إاّل املطابقة بني احلاكي – أي القضية ‪ -‬واملحكي – أي الواقع –‬ ‫للصدق ّ‬
‫وبالتايل ال بدّ من احلكاية واإلخبار يف التصديقات؛ ولذا قالوا‪ّ :‬‬
‫إن التصديق‬
‫ال يكون ّإاّل يف املركّبات اخلربية وهي ّ‬
‫املساّمة بالقضايا‪.‬‬

‫فإن علم املنطق هو العلم بالقواعد الكلية املتك ّفلة‬


‫تبنّي هذا األمر‪ّ ،‬‬‫إذا ّ‬
‫التصور والتصديق حتى يكونا صائبني؛‬ ‫ّ‬ ‫لبيان ما ينبغي ْ‬
‫أن ُيراعى عىل مستوى‬
‫بنحو عام ينقسم إىل قسمني‪ ،‬القسم األول هو القواعد‬ ‫ٍ‬ ‫ولذا كان املنطق‬
‫التصورات النظرية – غري البدهيية؛ ّ‬
‫ألن البدهيية‬ ‫ّ‬ ‫املتكفلة بيان آليات اكتساب‬
‫التصور‬ ‫سلوك فكري‪ -‬وهي (قواعد التعريف واحلدود)؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫حتصل دون‬
‫ّ‬
‫ُيكتسب بالتعريف‪ ،‬ومن خالل اإلجابة عن سؤال (ما هو؟)‪ ،‬والقسم الثاين‬
‫هو القواعد املب ّينة لكيفية اكتساب التصديق النظري‪ ،‬وهي (قواعد احلجة‬
‫ألن التصديق واحلكم يكون بإقامة الدليل يف غري البدهييات‬‫واالستدالل)؛ ّ‬
‫(مِل َ كان هذا اليشء كذلك؟)‪ ،‬و(هل هذا‬ ‫ٍ‬
‫أسئلة من قبيل ِ‬ ‫وعرب اإلجابة عن‬
‫اليشء موجود؟)‪ ،‬و(هل هو متّصف بصفة كذا؟)‪ ،‬إىل غريها من األسئلة‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫وكل من القسمني يتم بحثه وإقامة القواعد املنطقية فيه عىل مستوى‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪71‬‬

‫الصورة واملادة‪ ،‬ويقصد بالصورة كيفية ترتيب املعلومات‪ ،‬وباملادة مضمون‬


‫والتصورات) قد ُأخرج من‬
‫ّ‬ ‫أن البحث عن (مادة التعريف‬ ‫املعلومات‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫مباحث املنطق ودخل يف مباحث الفلسفة بعنوان (املقوالت)‪ ،‬فال يدخل‬
‫وجه األمني األسرتآبادي النقد له –‬ ‫يف بحثنا ً‬
‫فعاًل‪ ،‬وإنّام ما نحن بصدده وما ّ‬
‫كام سيأيت يف القسم الثاين‪ -‬وهو (مادة القياس) أي البعد املضموين للبحث‬
‫التصديقي يف املنطق‪ ،‬وبعبارة أخرى‪« :‬تطلق املادة يف املنطق‪ 1‬عىل احلدود‬
‫التي تتأ ّلف منها القضية‪ ،‬أو عىل القضايا التي يتأ ّلف منها القياس‪ .‬فامدة‬
‫القضية هي املوضوع واملحمول اللذان تتأ ّلف منهام‪ ]...[ ،‬ومادة القياس‏‬
‫هي القضايا التي يتأ ّلف منها‪ ]...[ ،‬أ ّما صورته فهي شكله‪ ،‬فقولنا‪ّ :‬‬
‫(كل‬
‫كاذب من حيث مادته؛‬ ‫قياس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ٌ‬ ‫إنسان فان‪ ،‬وجربيل إنسان‪ ،‬فجربيل فان)‪ٌ ،‬‬
‫ّ‬
‫ألن صغراه [أي املقدّ مة الثانية‪ :‬جربيل إنسان] كاذبة‪ ،‬أ ّما من حيث صورته‬
‫كل ب هي ج‬ ‫قياس صحيح [ ألنّه يف قوة الصورة التالية‪ :‬أ هي ب‪ ،‬و ّ‬ ‫فهو ٌ‬
‫= أ هي ج]»‪.2‬‬
‫بأن ّ‬
‫(كل ب‬ ‫وعلم ّ‬
‫ٌ‬ ‫بأن (أ هي ب)‪،‬‬ ‫علم ّ‬ ‫ّ‬
‫املستدل ٌ‬ ‫ً‬
‫فمثاًل قد يكون عند‬
‫كل ب هي ج)‬ ‫ٍ‬
‫خمصوصة هي ( أ هي ب ‪ّ +‬‬ ‫هي ج) فريتب بينهام عىل ٍ‬
‫هيأة‬
‫سمى باالصطالح (صورة‬ ‫لينتج نتيجة جديدة هي ( أ هي ج)‪ ،‬هذا الرتتيب ُي ّ‬
‫فتسمى املواد‪ ،‬بنحو‬
‫ّ‬ ‫لكل من (أ)‪ ،‬و(ب)‪ ،‬و( ج)‪،‬‬ ‫القياس)‪ ،‬وأ ّما املضمون ٍّ‬
‫أن نضع مكان (أ هي ب)‪ ،‬قضي َة (العامل ّ‬
‫متغرّي)‪ ،‬ومكان قضية (كل‬ ‫يمكننا ْ‬
‫‪ .1‬الصطالح (املادة) معانٍ متعدّدة سواء يف علم املنطق أم يف الفلسفة‪:‬‬
‫منها‪ :‬املادة التي هي الجوهر القابل من الجواهر الخمسة‪ ،‬وت ُس ّمى الهيوىل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مادة القضية‪ ،‬وهي عىل ثالثة أنحاء‪ :‬اإلمكان‪ ،‬والوجوب‪ ،‬واالمتناع‪ .‬ويراد بها النسبة الواقعية‬
‫يف نفس األمر بني املوضوع واملحمول يف القضية‪.‬‬
‫منها‪ :‬مادة القياس أو مادة التعريف وهي املبحوث عنه ههنا‪.‬‬
‫‪ .2‬رفيق عجم وآخرون‪ ،‬موسوعة مصطلحات علم املنطق عند العرب‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪ ،‬بريوت‬
‫– لبنان‪ 1375 ،‬هجري شميس‪.307 :2 ،‬‬
‫‪ | 72‬تاریخ علم املنطق‬

‫كل ّ ٍ‬
‫متغرّي فهو حادث)‪ ،‬فينتج ّ‬
‫أن (العامل حادث)‪ .‬فهذه‬ ‫ب هي ج)‪ ،‬قضي َة ( ّ‬
‫القضايا وما تتأ ّلف منه ت ّ‬
‫ُسمى (موا َّد)‪.‬‬

‫أن علم املنطق ال يقترص‬ ‫وقد ذكر الشيخ الرئيس ابن سينا يف عدّ ٍة من كتبه ّ‬
‫عىل البحث عن صورة االستدالل – أي القياس‪ -‬بل يشمل البحث عن‬
‫«إن االستدالل صنع ٌة ما‪ ،‬تؤ ّدي إىل غرض‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬قال يف الشفاء‪ّ :‬‬ ‫ما ّدته ً‬
‫ٍ‬
‫واحد من املا ّدة‬ ‫كل‬‫فإهّنا تتع ّلق بام ّد ٍة وصورة‪ ،‬وبحسب اختالف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫وكل صنعة ّ‬
‫والصورة خيتلف املصنوع ىف الصنعة‪ .‬فربام كانت الصورة فاضلة‪ ،‬و مل تكن‬
‫نخر‪ ،‬وطني سبخ‪ ،1‬ثم يويف‬ ‫أن يبني البيت من خشب ٍ‬ ‫املا ّدة فاضلة‪ ،‬كام يتّفق ْ‬
‫أي الصور‬ ‫ف ّ‬ ‫أن الصانع يلزمه ْ‬
‫أن يعر ‏‬ ‫ح ّقه من الشكل والرسم‪ ،2‬و [‪ ]...‬وكام ّ‬
‫وأهّيا‬
‫وأهّيا متوسطة‪ّ ،‬‬ ‫وأي املوا ّد حمكمة‪ّ ،‬‬
‫وأهّيا غري نافعة‪ّ ،‬‬‫نافعة يف غرضه‪ّ ،‬‬
‫أن يعرف حال التأليفات منتجها وعقيمها‪،3‬‬ ‫ّ‬
‫املستدل يلزمه ْ‬ ‫واهية؛ كذلك‬
‫وحال ما عنه التأليف‪.5»4‬‬
‫كام ذكر يف كتاب (اإلشارات والتنبيهات) ما لفظه‪ « :‬املراد من املنطق ْ‬
‫أن‬
‫أن ّ‬
‫يضل يف فكره‪ ،‬وأعني‬ ‫يكون عند اإلنسان آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ‬
‫ٍ‬
‫حارضة يف ذهنه‬ ‫بالفكر هاهنا ما يكون عند إمجاع اإلنسان ينتقل عن ٍ‬
‫أمور‬
‫وتسلياًم‪ 6‬إىل ٍ‬
‫أمور‬ ‫متصو ٍ‬
‫رة أو ُمصدَّ ٍق هبا تصدي ًقا علم ًيا أو ظن ًيا أو وضع ًيا‬
‫ً‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬هذا مثال للامدّة‪.‬‬


‫‪ .2‬هذا مثال للصورة‪.‬‬
‫‪ .3‬أي الصورة‪.‬‬
‫‪ .4‬أي املادّة‪.‬‬
‫‪ .5‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ -‬املنطق‪ ،‬مكتبة املرعيش النجفي‪ ،‬قم – إيران‪ 1405 ،‬هجري قمري‪.7 -6 :2 ،‬‬
‫‪ .6‬هذه إشار ٌة إىل البعد املادّي يف علم املنطق‪ ،‬إذ سيظهر عند بيان إشكال األمني األسرتآبادي أ ّن‬
‫املناطقة يف بداية البحث عن املنطق املادي ذكروا أقسام القضايا من حيث موادّها وقسموها إىل‬
‫أقسامٍ مذكورة يف هذه العبارة‪ ،‬اليقينيات واملظنونات واملسلامت وغريها‪.‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪73‬‬

‫يترصف فيه وهيأة »‬ ‫ٍ‬


‫غري حارضة فيه‪ ،‬وهذا االنتقال ال خيلو من ترتيب فيام ّ‬
‫‪2 1‬‬

‫وهبذا يثبت ما أردنا بيانه من ّ‬


‫أن املناطقة يف عرضهم لقواعد املنطق‬
‫مقترصا‬
‫ً‬ ‫وغرضه ن ّبهوا عىل أنّه يشمل البعد الصوري والبعد املادي‪ ،‬وليس‬
‫فقط عىل بيان الصورة التي تنتج القياس الصحيح والصائب‪ ،‬وأمهلوا البحث‬
‫يف قواعد إنتاج القياس املنتج لليقني عىل مستوى املادة‪.‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬يف بيان إشكال األمني األسرتآبادي ومناقشته‬


‫وخاصة ابن سينا يف مصنّفاته‬ ‫ّ‬ ‫تبنّي من خالل العرض السابق ّ‬
‫أن املناطقة‬ ‫ّ‬
‫أن علم املنطق هيتم بال ُبعد الصوري للقياس والبعد املادي‬ ‫األساسية ذكروا ّ‬
‫خاصا َس ّموه‬
‫ًّ‬ ‫منه‪ ،‬وجعلوا للمنطق املا ّدي يف قسم األد ّلة واحلجج با ًبا‬
‫وقسموا املبادئ التي تتشكّل منها األقيسة بحسب املادة‪،‬‬ ‫بالصناعات اخلمس‪ّ ،‬‬
‫وإنّام اضطررنا لبسط الكالم نو ًعا ما يف بيان مدّ عى املناطقة فيام ذكر؛ ّ‬
‫ألن‬
‫تنصب عىل هذه القضية بالذات‪ ،‬وال يمكن لنا ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫إشكاالت األسرتآبادي إنّام‬
‫بشكل ٍ‬
‫واف ما يدّ عيه املناطقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تبنّي‬ ‫نستويف بالبيان ما ذكره دون ْ‬
‫أن يكون قد ّ‬
‫ويتلخص اإلشكال املركزي الذي متّسك به صاحب الفوائد املدنية‬ ‫ّ‬
‫األمني األسرتآبادي‪ ،‬رائد احلركة األخبارية يف الفضاء الشيعي اإلمامي‪ ،‬يف‬
‫أن املناطقة ا ّدعوا كون علم املنطق آل ًة قانوني ًة تعصم الذهن عن اخلطأ يف‬
‫ّ‬
‫الفكر‪ ،‬سواء أكان عىل مستوى الصورة أم املا ّدة كام ب ّينا‪ ،‬واحلال – كام يقول‪-‬‬
‫عاصاًم إىل عىل مستوى الصورة دون املادة‪ ،‬اللهم ّإاّل يف املواد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أن املنطق ليس‬
‫احلسية أو القريبة منه‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬إشارة إىل البعد الصوري يف املنطق‪.‬‬


‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬دار نرش البالغة‪ ،‬قم – إيران‪ 1375 ،‬هجري شميس‪ ،‬الصفحة ‪.1‬‬
‫‪ | 74‬تاریخ علم املنطق‬

‫إن اخلطأ‬‫والترصيح اجلامع إلشكاله هو ما ذكره يف فوائده املدنية حيث قال‪ّ « :‬‬
‫يف الفكر إ ّما من جهة الصورة‪ ،‬وإ ّما من جهة املا ّدة‪ ،‬واخلطأ من جهة الصورة ال‬
‫يتصور يف هذه العلوم [كاهلندسة‬
‫يقع من العلامء‪ ، ]...[ ،‬واخلطأ من جهة املا ّدة ال ّ‬
‫والرياضيات] لقرب ما ّدة املوا ّد فيها إىل االحساس‪[ ،‬وهناك علوم نظرية تنتهي‬
‫] إىل ما ّدة هي بعيدة عن اإلحساس‪ ،‬ومن هذا القسم احلكمة اإلهلية والطبيعية‪،‬‬
‫وعلم الكالم‪ ،‬وعلم أصول الفقه‪ ،‬واملسائل النظرية الفقهية‪ ،‬وبعض القواعد‬
‫أن القواعد املنطقية إنّام هي عاصم ٌة عن‬
‫املذكورة يف كتب املنطق‪[ ]...[ ،‬واحلال] ّ‬
‫اخلطأ من جهة الصورة‪ ،‬ال من جهة املا ّدة‪ ،‬إذ أقىص ما يستفاد من املنطق يف باب‬
‫مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ‬
‫وجه ّ‬
‫كيّل إىل أقسام‪ ،‬وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا‬ ‫ّ‬
‫أي قسم من تلك األقسام‪ ،‬بل من املعلوم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ّ‬‫نعلم ّ‬
‫كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ‬
‫قاعدة تكفل بذلك»‪ .1‬وبالتأ ّمل يف هذا النص‬ ‫ٍ‬ ‫عند أويل األلباب امتناع وضع‬
‫أن اإلشكال الذي ذكره ّ‬
‫ينحل إىل أربع قضايا‪:‬‬ ‫يظهر ّ‬
‫عاصم عن اخلطأ من جهة الصورة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ـ ـاملنطق‬
‫ـ ـاملنطـق له قيمـ ٌة معرفيـ ٌة يف تعيني الصـواب‪ ،‬والعصمة عـن اخلطأ من‬
‫احلس‬
‫احلسـية أو القريبة مـن ّ‬
‫جهـة مـا ّدة القيـاس يف خصوص املـواد ّ‬
‫كقضايـا الرياضيات من اهلندسـة واحلسـاب‪.‬‬
‫أي ّ‬
‫إن‬ ‫احلـس ال قيمـة للمنطـق فيهـا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ـ ـأ ّمـا املـواد التـي ال تنتهـي إىل‬
‫املنطـق غير عاص ٍم مـن جهة املـا ّدة يف القضايـا التي ال تكـون موا ّدها‬
‫احلـس‪ ،‬كقضايا الطبيعيـات‪ ،‬واإلهليـات‪ ،‬وعلم‬ ‫ّ‬ ‫حسـي ًة أو قريبـ ًة مـن‬
‫الـكالم‪ ،‬وبعـض قضايـا أصـول الفقـه‪ ،‬والفقه‪.‬‬
‫أي قسـ ٍم من‬ ‫ٍ‬
‫ـ ـامتنـاع وضـع قاعـدة تتم ّيـز هبـا مـوا ّد القضايا‪ ،‬وحتـت ّ‬
‫ٍ‬
‫قضيـة خاصة‪.‬‬ ‫أقسـام مبـادئ األقيسـة تدخـل ّ‬
‫كل‬
‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪.257 -256 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪75‬‬

‫ٍ‬
‫قضية من هذه القضايا األربع مع بيان ملا يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫وفيام ييل نتعرض ّ‬
‫لكل‬
‫ّ‬
‫يستدل عليها‪ ،‬وما يمكن ْ‬
‫أن يرد عليها من مناقشات‪.‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬قيمة املنطق من جهة الصورة‬
‫عاصم يف صورة‬‫ٌ‬ ‫فأ ّما بالنسبة إلثبات القضية األوىل فقد ذكر ّ‬
‫أن املنطق‬
‫ألن الصورة من األمور الواضحة‪ ،‬وحيث كانت كذلك فهي ممّا ال‬ ‫القياس؛ ّ‬
‫يقع فيه اخلالف وال اخلطأ؛ فتكون عاصمة‪ ،‬قال يف مقام التعليل‪« :‬واخلطأ‬
‫ألن معرفة الصورة من األمور الواضحة‬‫من جهة الصورة ال يقع من العلامء؛ ّ‬
‫وألهّنم عارفون بالقواعد املنطقية‪ ،‬وهي عاصم ٌة‬
‫ّ‬ ‫عند األذهان املستقيمة؛‬
‫عن اخلطأ من جهة الصورة»‪ .1‬ومل نجد يف ما بني أيدينا من تصانيف للموىل‬
‫األسرتآبادي غري هذا الوجه من االستدالل إلثبات قيمة املعرفة املنطقية‬
‫الصورية‪ ،‬إذ يظهر منه الفراغ عن عدم وقوع العلامء يف اخلطأ من جهة‬
‫أمور واضح ٌة عند األذهان‬
‫وألهّنا يف نفسها ٌ‬
‫ّ‬ ‫الصورة؛ لكوهنم عارفني هبا‪،‬‬
‫يعرّب‪.‬‬
‫املستقيمة كام ّ‬
‫وهذه القضية ممّا ال خالف فيه بني األخباريني وغريهم من احلكامء واملناطقة‬
‫وإن‬‫مصب اإلشكال عند األمني األسرتآبادي‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وعلامء األصول‪ ،‬وليست هي‬
‫كان يمكن املناقشة يف استدالله عىل صدق املنطق يف قواعده الصورية‪ ،‬إذ‬
‫إن‬‫أن نسأل‪ :‬هل ّ‬ ‫قيمة؛ لوضوحها يف األذهان‪ ،‬إذ لنا ْ‬‫عدّ ها صادق ًة وذات ٍ‬
‫معيارا لصوابية أ ّية قضية؟ أم‬
‫ً‬ ‫الوضوح املذكور يف األذهان يمكن عدّ ه بنفسه‬
‫ٍ‬
‫وبتعبري‬ ‫معيار يكمن وراء هذا الوضوح؟‬ ‫ٍ‬ ‫إن الوضوح املذكور يكشف عن‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫قضية أو حك ٍم حتكم به األذهان ال بدّ هلا من حمكي وراءها‪ ،‬بنحو‬ ‫إن ّ‬
‫كل‬ ‫آخر‪ّ :‬‬
‫يكون ما يف الذهن حاك ًيا عن واقع هذه القضية‪ ،‬وبالتايل نفتقر إىل ا حلكم‬

‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.256‬‬


‫‪ | 76‬تاریخ علم املنطق‬

‫باملطابقة ‪-‬وبالتايل الصدق بني ما حتكيه األذهان وواقع تلك القضايا ‪ -‬إىل‬
‫معيارا‪ ،‬بل هو‬
‫ً‬ ‫معيار‪ ،‬فال يكون إطباق العقالء يف القضايا النظرية والواقعية‬
‫كل أمرين مساويني‬ ‫أن ّ‬
‫معلول ملعيار يستند إليه‪ ،‬فلو أطبقت األذهان عىل ّ‬‫ٌ‬
‫أن يكونا متساويني فال يكون إطباقهم نفسه ذا ٍ‬
‫قيمة ّإاّل بالكشف‬ ‫لثالث ال بدّ ْ‬
‫عن وجه هذا احلكم الذي أطبقوا عليه ومعيارهم يف ذلك‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬يأيت حديث قيمة القواعد املنطقية الصورية يف خصوص قضايا‬
‫ٍ‬
‫معرفية ألمرين‪ ،‬األول‪ :‬كوهنا‬ ‫االستدالل والقياس‪ ،‬وأهّنا إنّام تكون ذات ٍ‬
‫قيمة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حتليل إىل بداهة‪ ،‬والبدهيي‬ ‫ٍ‬
‫باستدالل أو‬ ‫بدهيية الثبوت‪ ،‬والثاين‪ :‬كوهنا تنتهي‬
‫ليس معناه الوضوح عند األذهان‪ ،‬بل له معنى آخر هو كون القضية البدهيية‬
‫يمتنع انفكاك حمموهلا عن موضوعها امتنا ًعا ذات ًيا‪.‬‬

‫مثااًل عىل ما ذكروه يف رشائط الشكل األول من القياس‬ ‫ونرضب ههنا ً‬


‫األول من أشكال القياس صورته هكذا‪:‬‬ ‫االقرتاين ليتضح األمر‪ ،‬والشكل ّ‬
‫وكل ب هي ج‪ = ،‬أ هي ج)‪ .1‬وهو أقرب األشكال للطبع وأكثر‬ ‫(أ هي ب‪ّ ،‬‬
‫أن نجد فيها إمجا ًعا واتفا ًقا بني األذهان‪ ،2‬وقد ذكر‬‫األشكال التي يمكننا ْ‬
‫أن تكون املقدّ مة الصغرى ( وهي قولنا‬ ‫األول ْ‬
‫املناطقة هلذا الشكل رشطني‪ّ ،‬‬
‫كل ب هي ج)‬ ‫أ هي ب) موجب ًة وغري سالبة‪ ،‬واملقدّ مة الكربى (وهي قولنا ّ‬
‫أن هذين الرشطني ثابتان لوضوحهام يف‬ ‫كلي ًة وليست جزئية‪ ،‬ومل يدّ عوا ّ‬
‫األذهان املستقيمة‪ ،‬بل عللوا حكمهم هذا بام يظهر منهم إقامة الدليل عليه‬
‫أن بعض القضايا يف املنطق الصوري ليست بمنزلة من الوضوح‪،‬‬ ‫خاصة ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬تس ّمى هذه األمور بالح ّد األصغر والح ّد األوسط والح ّد األكرب‪ ،‬فـ (أ) هي الح ّد األصغر و(ب)‬
‫هي الح ّد األوسط املتكرر و(ج) هي الح ّد األكرب‪ ،‬واملقدّمة الصغرى هي التي تشتمل عىل الح ّد‬
‫األصغر‪ ،‬واملقدّمة الكربى هي التي تشتمل عىل الحد األكرب‪.‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا واملحقّق الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات (مع املحاكامت)‪ ،‬مصدر سابق‪.239 :1 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪77‬‬

‫أن يتعدّ ى‬‫«ألن الصغرى لو كانت سالب ًة مل جيب ْ‬


‫فذكروا يف سياق تعليلهم‪ّ :‬‬
‫احلكم باألكرب من األوسط‍‌ إىل األصغر لتباين الذاتني كام تقول‪( :‬ال يشء من‬
‫ٍ‬
‫فرس‬ ‫و(كل‬ ‫ٍ‬
‫فرس حيوان)‪ ،‬وال ينتج السلب‪ ،‬ولو قلنا‪ّ :‬‬ ‫اإلنسان بفرس‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫أن يكون البعض‬ ‫صاهل)‪ ،‬مل ينتج اإلجياب‪ .‬ولو كانت الكربى جزئي ًة جاز ْ‬
‫املحكوم عليه باألكرب غري ما حكم به عىل األصغر فال يتالقى الوسط‪ ‌‍،‬كام‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وبعض احليوان فرس)»‪.1‬‬ ‫تقول‪ّ :‬‬
‫(كل‬
‫وليست غايتنا الرشح والتفصيل هلذا األمر‪ ،‬وإنّام أردنا بيان ّ‬
‫أن املناطقة‬
‫أنفسهم اعتمدوا االستدالل وبيان وجوه القواعد يف خصوص املنطق‬
‫ملجرد دعوى اتفاق األذهان عليها‬ ‫الصوري‪ ،‬ومل يرسلوها إرسال املسلامت ّ‬
‫رصح بذلك األمني األسرتآبادي‪.‬‬
‫كام ّ‬

‫احلس‬
‫احلسية والقريبة من ّ‬
‫ثان ًيا‪ :‬قيمة املوا ّد ّ‬
‫احلس‬‫احلسية أو القريبة من ّ‬‫أن مواد األقيسة ّ‬ ‫وأ ّما القضية الثانية‪ ،‬وهي ّ‬
‫هي التي يمكن التعويل عليها إلنتاج املعرفة العقلية – يف مقابل النقلية‪-‬‬
‫باحلس‬
‫ّ‬ ‫بخالف سائر املواد حيث ال يمكن التعويل يف املسائل غري املرتبطة‬
‫عليها؛ ولذا أوجب الرجوع إىل النصوص وأقوال املعصومني ‪ ،‬إذ قال ما‬
‫متسكنا بكالمهم‬ ‫إن ّ‬ ‫مهدنا من الدقيقة الرشيفة‪ ،‬فنقول‪ْ :‬‬
‫لفظه‪ « :‬إذا عرفت ما ّ‬
‫متسكنا بغريه مل نعصم عنه»‪.2‬‬ ‫[عليهم السالم] فقد ُعصمنا عن اخلطأ‪ْ ،‬‬
‫وإن ّ‬
‫ّ‬
‫يستدل‬ ‫وقد أرسل األمني األسرتآبادي هذه القضية إرسال املسلامت‪ ،‬ومل‬
‫أن احلساب واهلندسة يمكن االعتامد يف تنقيح مسائلها‬ ‫عليها إذ غاية ما ذكره ّ‬
‫يتصور‬
‫ّ‬ ‫عىل علم املنطق من جهة الصورة واملادة؛ ّ‬
‫ألن «اخلطأ من جهة املا ّدة ال‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬مصدر سابق‪.106 ،‬‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫‪ .2‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.259‬‬
‫‪ | 78‬تاریخ علم املنطق‬

‫مر يف عبارته السابقة‪،‬‬


‫يف هذه العلوم لقرب ما ّدة املوا ّد فيها إىل االحساس» كام ّ‬
‫ولكن الذي يظهر منه إذا أضفنا إىل ما ذكره يف القضية الثالثة اآلتية من ّأن‬
‫علاًم وال يمكن التعويل عليه‪ ،‬أنّه يريد التلميح لنو ٍع‬
‫احلس ال يفيد ً‬ ‫ما سوى ّ‬
‫احلس عىل مستوى املعرفة غري النقلية‪ ،‬وهذه الدعوى هي‬ ‫من القول بأصالة ّ‬
‫التي جعلت بعض املفكّرين والباحثني عدّ هذا املحدّ ث األخباري اجلليل‬
‫وضوحا‬
‫ً‬ ‫احلسية أشدّ‬
‫يلتقي مع فالسفة التجربة الغربيني؛ ألنّه جعل القضايا ّ‬
‫وأقرب معرف ًة وأيرس ً‬
‫تناواًل من القضايا واملوا ّد الفكرية األخرى – التي سيأيت‬
‫أن « الذي يدعو إىل العجب‬ ‫رصح بعضهم ّ‬ ‫بحثها يف النقطة الالحقة‪ -‬حيث ّ‬
‫واألسف [من املوىل األسرتآبادي] يف نفس الوقت هو املوقف الذي ّاخّتذه‬
‫أن يقاس بام صدر من آراء عن املذاهب الغربية‬ ‫احلس‪ ،‬والذي يمكن ْ‬ ‫إزاء ّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫معنوية ما وراء الطبيعة‪ ،‬فكام ّ‬ ‫أي‬
‫عىل صعيد النزعة احلسية‪ ،‬ورفض ّ‬
‫أساسا للمعرفة‬
‫ً‬ ‫احلسيني والتجريبيني الغربيني ّاخّتذوا من احلواس‬ ‫الفالسفة ّ‬
‫بأن‬‫كل ما هو غري حيس‪ ،‬نجد ذهاب هذا املحدّ ث املسلم إىل القول ّ‬ ‫ورفض ّ‬
‫احلس أساس اإلدراك واملعرفة»‪.1‬‬
‫ولكن إذا جتاوزنا هذه النقطة‪ ،‬إىل أصل املدّ عى‪ ،‬من ّ‬
‫أن املوا ّد احلسية أو‬
‫بغض النظر عن‬ ‫القريبة منها رضوري ٌة بالذات‪ ،‬وبالتايل يمكن التعويل عليها ّ‬
‫أن هذه القضية يف حدّ ذاهتا ليست مورد‬ ‫أصناف املوا ّد األخرى‪ ،‬فإنّنا نجد ّ‬
‫إن املحدّ ث األسرتآبادي قد عدّ املوا ّد احلسية مصون ًة عن‬ ‫ٍ‬
‫قبول واتفاق‪ ،‬أي ّ‬
‫ٍ‬
‫وبعبارة بعض‬ ‫اخلطأ؛ ولذا يمكن التعويل عليها‪ ،‬واحلال ّأهّنا ليست كذلك‪،‬‬
‫أن املحسوسات « لو كانت رضوري ًة بذاهتا‪ ،‬المتنع ْ‬
‫أن‬ ‫متأخري الفالسفة ّ‬ ‫ّ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫تصديق بنقيضها‪ ،‬و[احلال] نحن نغلط يف حمسوساتنا ً‬ ‫ٌ‬ ‫شك أو‬‫يقع فيها ٌّ‬

‫‪ .1‬غالم حسني إبراهيم ديناين‪ ،‬حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬بريوت –‬
‫لبنان‪.108 :1 ،2001 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪79‬‬

‫أن الدوائر ر ّبام نراها مستدير ًة ور ّبام نراها معوجة‪ .‬ونرى اخل ّطني‬
‫وذلك كام ّ‬
‫املتوازيني – ك ّلام َب ُعدا‪ -‬متقاربني حتى يتّصال [‪ ]...‬فال تكون األحكام‬
‫احلس ال يكفي يف‬
‫ّ‬ ‫مر ّ‬
‫أن‬ ‫املحسوسة برضورية بالذات [‪ ]...‬وقد بان ممّا ّ‬
‫يشء منها»‪.1‬‬‫النظريات وال يف ٍ‬

‫ثم إنّا لو س ّلمنا بيقينيتها ّ‬


‫فإن ذلك ال يكون هلا بالذات‪ ،‬بل بام هي منضم ٌة‬
‫احلسية جيري فيها اخلطأ عىل‬ ‫حسية‪ ،‬وباجلملة ّ‬ ‫ٍ‬
‫إن القضايا ّ‬ ‫إىل ّأوليات غري ّ‬
‫أن اخلطأ فيها أقل‪ ،‬وقد ذكر هذا‬ ‫وإن س ّلمنا ّ‬
‫احلسية‪ْ ،‬‬
‫غرار القضايا غري ّ‬
‫النقض بعض أعالم أصول الفقه‪ ،‬حيث ذكر ما لفظه‪ّ « :‬‬
‫إن اخلطأ موجو ٌد‬
‫ٍ‬
‫بنسبة أقل‪ ،‬فال بدّ من االلتزام بعدم اجلزم‬ ‫احلسية‪ ،‬ولكن‬
‫حتى يف القضايا ّ‬
‫أيضا»‪.2‬‬
‫احلسية ً‬
‫واليقني باملعارف ّ‬
‫أن علوم احلساب واهلندسة التي عدّ ها األمني األسرتآبادي‬ ‫هذا مضا ًفا إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫قريبة من‬ ‫ٍ‬
‫حسية أو‬ ‫منتجة مؤ ّل ٍ‬
‫فة من موا ّد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قياسات‬ ‫من العلوم املبنية عىل‬
‫احلس‪ ،‬إنّام تشتمل عىل كل ّيات‪ ،‬واملحسوس ال يكون كل ًّيا؛ ّ‬
‫ألن الكيل هو‬ ‫ّ‬
‫الذي يقبل الصدق عىل كثريين ولو بالفرض‪ ،‬وهو من سنخ إدراك العقل‬
‫احلس وال اخليال؛ ولذا ذكر بعض احلكامء ّ‬
‫املتأخرين نقضه للقائلني بنفي‬ ‫ال ّ‬
‫احلس يف العلوم ما لفظه « مع ّ‬
‫أن‬ ‫قريب من ّ‬ ‫ٌ‬ ‫احلس أو ما هو‬
‫االستناد إىل غري ّ‬
‫حس بكّيل»‪.3‬‬
‫لنا أحكا ًما كل ّية‪ ،‬وال ّ‬
‫احلسية هي ليس قولنا‪( :‬هذا العسل حلو)‪،‬‬ ‫فإن قيل ّ‬
‫إن املراد من القضية ّ‬ ‫ْ‬

‫العاّلمة محمد حسني الطباطبايئ‪ ،‬رسالة الربهان‪ ،‬بوستان كتاب‪ ،‬قم املقدّسة‪ -‬إيران‪1387 ،‬‬
‫‪ّ .1‬‬
‫هجري شميس‪ ،‬الصفحتان‪.60 -59 :‬‬
‫‪ .2‬الس ّيد محمد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬تقرير‪ :‬السيد محمود الهاشمي‪ ،‬مؤسسة‬
‫الفقه ومعارف أهل البيت ‪ ،‬قم املقدسة – إيران‪.127 :4 ،2012 ،‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪.61 ،‬‬
‫‪ | 80‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن الكالم هو‬ ‫عسل حلو) فتعود كلية‪ ،‬فريد عليه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مثاًل‪ ،‬بل قولنا‪ّ :‬‬
‫(كل‬ ‫ً‬
‫إن هذه القضية ّملا كانت كل ّي ًة كان املحكوم عليه واملحكوم به ليس‬
‫الكالم؛ إذ ّ‬
‫تصور معنى العسل ومعنى احلالوة‬ ‫أن ّ‬ ‫احلس‪ ،‬بل املعاين‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫من سنخ ّ‬
‫إحساسا بل تع ّق ًاًل‪ ،‬وال يشء‬
‫ً‬ ‫األول بالثاين‪ ،‬وليس هذا‬
‫يقيض باحلكم عىل ّ‬
‫مثاًل ليس‬ ‫ٍ‬
‫كزيد ً‬ ‫ٍ‬
‫لفرد من اإلنسان‬ ‫احليّس‬
‫من املعقول بمحسوس‪ ،‬فإدراكنا ّ‬
‫وكل العلوم الرياضية واحلسابية قائم ٌة عىل‬‫الكيّل‪ّ ،‬‬
‫عني إدراكنا ملعنى اإلنسان ّ‬
‫ٍ‬
‫احلسيات كام ذهب إليه األسرتآبادي‪،‬‬ ‫الك ّليات املعقولة‪ ،‬فهي غري مستندة إىل ّ‬
‫وبعبارة بعض املحققني‪« :‬ال يش َء من املعقول بمحسوس‪ ،‬وال يشء من‬
‫جهة ما هو يف معرض اإلحساس بمعقول»‪ ،1‬وبالتايل ّ‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫املحسوس من‬
‫احلس؛ لذا هي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القول ّ‬
‫بأن العلوم الرياضية تستند إىل مواد حسية أو قريبة من ّ‬
‫معصوم ٌة عن اخلطأ‪ ،‬كال ٌم ال يمكن االعتامد عليه‪.‬‬

‫احلس‬ ‫ثال ًثا‪ :‬قيمة املوا ّد غري ّ‬


‫احلسية أو القريبة من ّ‬
‫علاًم‪ -‬فهي عمدة‬
‫أن غري احلسيات ال توجب ً‬ ‫وأما القضية الثالثة – وهي ّ‬
‫أن من األد ّلة عىل ذلك أمرين‪:2‬‬
‫ما بذل اجلهد يف إثباته وتنقيحه‪ ،‬إذ ذكر ّ‬

‫األول‪ :‬اختالفهم يف ا ّدعاء البداهة يف قضايا متناقضة‪ ،‬إذ ذهب بعض‬


‫أمور وذهب آخرون إىل بداهة نقائضها‪ ،‬فلو كانت‬ ‫ٍ‬ ‫الفالسفة إىل بداهة‬
‫مبادئ األقيسة اليقينية التي تقدّ م رشحها وبياهنا ساب ًقا‪ ،‬والتي تشكّل موا ّد‬
‫أن‬‫ألن البدهيي من املفرتض ْ‬ ‫الرباهني عاصم ًة عن اخلطأ ملا وقع هذا األمر؛ ّ‬

‫‪ .1‬بهاء الدين محمد بن الحسن األصفهاين (الفاضل الهندي)‪ ،‬عون إخوان الصفاء عىل فهم‬
‫كتاب الشفاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيل أوجبي‪ ،‬مؤسسه بزوهيش حكمت وفلسفه ايران‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪1394 ،‬‬
‫هجري شميس‪ ،‬صفحة ‪.406‬‬
‫متسك باإلضافة إىل ما سنذكره بأدل ٍة نقلية‪ ،‬ولكننا‬
‫‪ .2‬ال بد من اإلشارة إىل أ ّن األمني األسرتآبادي ّ‬
‫خاصا ملناقشاته للمنطق عىل مستوى النقل‪ ،‬مل نذكرها يف هذا القسم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قساًم‬
‫مل ّا ك ّنا سنعقد ً‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪81‬‬

‫املوضحات ملا ذكرناه من أنّه ليس يف‬ ‫يكون كذلك عند اجلميع‪ ،‬قال‪« :‬ومن ّ‬
‫أن ّ‬
‫املشائ ّيني ا ّدعوا البداهة يف‬ ‫قانون يعصم عن اخلطأ يف ما ّدة الفكر‪ّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫املنطق‬
‫وإحداث لشخصني آخرين‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫أن تفريق ماء كوز إىل كوزين إعدا ٌم لشخصه‪،‬‬
‫وعىل هذه املقدّ مة بنوا إثبات اهليويل‪ ،‬واإلرشاق ّيني ا ّدعوا البداهة يف أنّه ليس‬
‫باق‪ ،‬وإنّام انعدمت صفة‬ ‫األول ٍ‬ ‫أن الشخص ّ‬ ‫األول ويف ّ‬
‫إعدا ًما للشخص ّ‬
‫من صفاته وهو االتّصال»‪ ،1‬وقال يف موض ٍع آخر عند ذكر بعض املناقشات‬
‫الدعاء البداهة يف القضايا «لو كانت يقيني ًة ملا أ ّدت إىل اختالف أقواهلم يف ف ّن‬
‫الكالم‪ ،‬ويف أصول الفقه ويف املسائل الفقهية»‪.2‬‬

‫الثاين‪ :‬كثرة وقوع االختالفات بني الفالسفة اإلهليني‪ ،‬وعلامء الكالم‪،‬‬


‫والطبيعيني‪ ،‬وعلامء أصول الفقه يف القضايا غري البدهيية‪ ،‬أي يف نتائج األد ّلة‬
‫التي بنوها اعتام ًدا عىل موا ّد ذكروها يف املنطق‪ ،‬وقد ذكرناها ساب ًقا‪ ،‬ولو كان‬
‫احلس ملا وقعوا يف هذه‬
‫احلسية أو القريبة من ّ‬‫عاصاًم يف هذه املوا ّد غري ّ‬
‫ً‬ ‫املنطق‬
‫عاصاًم‬
‫ً‬ ‫املوضحات ملا ذكرناه‪ :‬أنّه لو كان املنطق‬
‫ّ‬ ‫االختالفات‪ ،‬قال‪ « :‬ومن‬
‫اختالف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عن اخلطأ من جهة املا ّدة مل يقع بني فحول العلامء العارفني باملنطق‬
‫غلط يف احلكمة اإلهلية‪ ،‬ويف احلكمة الطبيعية‪ ،‬ويف علم الكالم‪ ،‬وعلم‬ ‫ومل يقع ٌ‬
‫أصول الفقه‪ ،‬والفقه‪ ،‬كام مل يقع يف علم احلساب‪ ،‬ويف علم اهلندسة»‪.3‬‬

‫أن االختالف‬‫بيان آخر له‪ ،‬حيث ذكر ّ‬ ‫وقد زاد توضيح هذا األمر يف ٍ‬
‫الواقع بني هؤالء العلامء الذين يعتمدون املنطق يف املادة والصورة‪ ،‬ال بدّ‬
‫األول‪ :‬هو إجراء الظ ّن جمرى‬ ‫أن يرجع – اختالفهم‪ -‬إىل أحد ٍ‬
‫أمور ثالثة‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫وجوه يف موا ّد األفكار‪ ،‬والثالث‪ :‬الرتدد‬ ‫اليقني‪ ،‬والثاين‪ :‬الذهول والغفلة عن‬
‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.258‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬صفحة ‪183‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬صفحة ‪.258‬‬
‫‪ | 82‬تاریخ علم املنطق‬

‫يف تنقيح صدق بعض املقدّ مات‪ ،‬وهذه األمور ال يوجد ما يمنع ويعصم عنه‬
‫يف القسم املا ّدي من املنطق‪ ،‬حيث قال ما لفظه‪ « :‬وباجلملة سبب االختالف‪:‬‬
‫إ ّما إجراء الظ ّن جمرى القطع‪ ،‬أو الذهول والغفلة عن بعض االحتامالت‪ ،‬أو‬
‫الرت ّدد واحلرية يف بعض املقدّ مات‪ ]...[ .‬واملنطق بمعزل عن ْ‬
‫أن ُينتفع به يف‬
‫هذه املواضع‪ ،‬وإنّام االنتفاع به يف صورة األفكار فقط»‪.1‬‬

‫وجها العتقاد ا ُمل ّاّل األسرتآبادي وقوع‬ ‫ً‬ ‫وقد ذكر بعض املح ّققني‬
‫االختالفات بني احلكامء يف قضاياهم التي اعتمدوا فيها عىل موا ّد تفكريهم‪،‬‬
‫ّب عىل القضية السابقة‪ ،‬وحاصلها ّ‬
‫أن موا ّد األقيسة التي يستند‬ ‫وهو وج ٌه مرتت ٌ‬
‫ٍ‬
‫بمنزلة من الوضوح‪ ،‬ومن َث ّم ال‬ ‫إليها هؤالء ّملا كانت غري حس ّي ٍة فلن تكون‬
‫بأن االختالفات‬ ‫وبعبارة أخرى « يؤمن األسرتآبادي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تكون مورث ًة لليقني‪،‬‬
‫الناشبة بني احلكامء اإلهليني والطبيعيني‪ ،‬وكذلك املشاجرات بني املتك ّلمني‬
‫والفقهاء حول املسائل النظرية‪ ،‬ترجع إىل ُبعد املواد القياسية لعلومهم عن‬
‫حواس اإلنسان وصعوبة احلصول عىل هذه املواد»‪ ،2‬وهذا البعد عن‬ ‫ّ‬ ‫نطاق‬
‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫تربيرا النعدام حصول اليقني العقيل الناشئ من مقدّ مات‬ ‫احلس يعدّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بتوسط كثرة االختالفات الواقعة بني الفالسفة واملتك ّلمني وعلامء‬ ‫ٍ‬
‫غري حسية ّ‬
‫احلس‪ٌ -‬‬
‫دليل‬ ‫ّ‬ ‫إن كثرة االختالفات – الناشئة من البعد عن‬ ‫األصول‪ ،‬أي ّ‬
‫عىل عدم حصول اليقني‪ ،‬وبالتايل عدم جواز االعتامد عىل العقل يف القضايا‬
‫إن األخباري يريد القول بأننا‬ ‫النظرية‪ ،‬وبحسب بيان بعض أعالم األصول‪ّ ،‬‬
‫لو نظرنا إىل جمموع القضايا العقلية نظر ًة جمموعي ًة ورصدنا االختالفات‬
‫قضية قضية بعد العلم ً‬
‫إمجااًل‬ ‫ٍ‬ ‫ونسبة اخلطأ‪ ،‬لرسى احتامل اخلطأ تلقائ ًيا إىل ّ‬
‫كل‬
‫أن علمنا‬ ‫ٍ‬
‫بعبارة أخرى « إنّنا بعد ْ‬ ‫بوقوع اخلطأ يف جمموع القضايا العقلية‪،‬‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬صفحة ‪.260‬‬
‫‪ .2‬غالم حسني إبراهيم ديناين‪ ،‬حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي‪ ،‬مصدر سابق‪.107 :1 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪83‬‬

‫بوقوع اخلطأ يف ٍ‬
‫كثري من القضايا الربهانية العقلية فمنطق ًيا ورياض ًيا – وقضايا‬
‫الرياضيات مس ّلمة عندهم‪ -‬سوف تتشكل نسب ٌة مع ّين ٌة حتدد عىل ضوئها قيمة‬
‫قضية من تلك القضايا هي نسبة املقدار املعلوم خطئها من‬ ‫ٍ‬ ‫صحة ّ‬
‫كل‬ ‫احتامل ّ‬
‫تلك القضايا إىل جمموعها وهو معنى زوال اليقني هبا»‪.1‬‬

‫أن االختالفات ‪ -‬سواء يف البدهييات أم يف غريها‬ ‫فحاصل ما ذكره ههنا إ ًذا ّ‬


‫من األدلة املعتمدة عىل املواد غري النقلية أو احلسية‪ -‬كاشف ٌة عن كون املنطق‬
‫تعرض له مجل ٌة من احلكامء‬ ‫غري عاص ٍم من جهة املا ّدة‪ .‬ويف ما ذكره نقاش‪ ،‬وقد ّ‬
‫نظرية ال يرجع إىل توافق الناس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قضية‬ ‫أي‬ ‫واملناطقة‪ّ ،‬‬
‫فإن بداهة البدهيي أو صدق ّ‬
‫عليها أو أهل العلم منهم‪ ،‬بل الصدق وصف ثبويت ونفس أمري للقضية‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ٍ‬
‫داللة عىل‬ ‫أي‬ ‫كانت مطابق ًة للواقع فهي صادق ٌة ّ‬
‫وإاّل فهي كاذبة‪ ،‬وليس للتوافق ّ‬
‫إن االختالف ال يكون بنفسه كاش ًفا عن عدم بداهة البدهيي أو‬ ‫الصدق‪ ،‬وبالتايل ّ‬
‫ألن دواعي االختالف ال ترجع بالرضورة إىل عدم البداهة‬ ‫يقينية اليشء النظري؛ ّ‬
‫شبهات أو عوارض نفسي ٌة أو غري ذلك تسوقه‬ ‫ٌ‬ ‫أو إىل الظ ّن‪ ،‬بل قد تعرض لإلنسان‬
‫سهوا أو غري ذلك‪ ،‬وقد التفت الشيخ الرئيس ابن‬ ‫إىل االختالف والرفض غفل ًة أو ً‬
‫سينا إىل ذلك اإلشكال الذي طرحه األمني االسرتآبادي عند تقريره بعض كالم‬
‫املتحرّي ال حمالة إنّام وقع فيام‬
‫ّ‬ ‫املتحريين من السفسطائيني‪ ،‬حيث قال‪ « :‬وذلك ّ‬
‫ألن‬
‫كل ٍ‬
‫واحد‬ ‫وقع فيه ّإما ملا يراه من ختالف األفاضل األكثرين‪ ،‬ويشاهده من كون رأي ّ‬
‫أن يكون‬ ‫مقاباًل لرأي اآلخر الذي جيده قرنًا له‪ ،‬ال يقرص عنه‪ ،‬فال جيب عنده ْ‬ ‫منهم ً‬
‫أحد القولني أوىل بالتصديق من اآلخر‪ ،‬وإ ّما ألنّه سمع من املذكورين املشهورين‬
‫املشهود هلم بالفضيلة أقاويل مل يقبلها عقله بالبدهية ‪ ...‬وإ ّما ألنّه قد اجتمع عنده‬
‫أن خيتار واحدً ا منها ويزيف اآلخر»‪ ،2‬وهذا‬ ‫قياسات متقابلة النتائج ليس يقدر عىل ْ‬
‫ٌ‬
‫‪ .1‬السيد محمد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬مصدر سابق‪.127 :4 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬إلهيات الشفاء‪ 1404 ،‬هجري‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ | 84‬تاریخ علم املنطق‬

‫الكالم شبيه جدً ا بالذي طرحه املحدّ ث األسرتآبادي فيام نقلناه عنه من كالم‪.‬‬

‫التحرّيات والتشكيكات‬ ‫املتأهّلني عن ٍ‬


‫مجلة هذه‬ ‫وقد أجاب ابن سينا وصدر ّ‬
‫ّ‬
‫بام ذكرناه من ّ‬
‫أن دواعي االختالف ليس بنفسها أمار ًة عىل عدم بداهة البدهيي‬
‫أو يقينية النظري‪ ،‬ومن تلك الوجوه املؤدية لالختالفات‪:‬‬
‫إن اإلنسان غري املعصوم جائز اخلطأ‪ْ ،‬‬
‫وإن كان من احلكامء‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬
‫أواًل‪ّ :‬‬
‫القوة القدسية لتجردهم‬
‫«ليس كاملالئكة ومن حيذو حذوهم من صاحب ّ‬
‫عن عامل الطبيعة‪ ،‬ومعدن الظلامت الذي هو منشأ اآلفة واجلهل‪ ،‬فوقوعه‬
‫‪1‬‬
‫منهم أحيانًا ال يوجب الظ ّن يف العلوم احل ّقة اليقينية»‬
‫ثان ًيا‪ّ :‬‬
‫إن االختالفات بينهم قد ترجع إىل عدم استعامل بعضهم للقواعد املنطقية‬
‫إن أكثر املتفلسفني‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة أخرى « ّ‬ ‫واحلكمية املؤسسة عىل الدليل والربهان‪،‬‬
‫كثريا ما ال يستعلمها اعتام ًدا عىل أصل الفطرة‬
‫وإن يعلم قواعد علم امليزان لكنّه ً‬‫ْ‬
‫احلق يف األفكار‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كافية يف إصابة ّ‬ ‫والقرحية‪ ،‬وقد علم ّ‬
‫أن الفطرة اإلنسانية غري‬
‫والعصمة عن اخلطأ ما مل تزن أفكاره بامليزان؛ ليعلم صحيحها من فاسدها»‪.2‬‬
‫أيضا من ٍ‬
‫باب‬ ‫ويمكن بيان وجه مناقشة ما ذكره األمني األسرتآبادي ً‬
‫ّ‬
‫والشك باملنطق واألدلة العقلية‬ ‫أن الظاهر من كالمه ّ‬
‫أن الرتديد‬ ‫آخر‪ ،‬وهو ّ‬
‫ٍ‬
‫اطمئنان نفيس جتاه األد ّلة العقلية‬ ‫ٍ‬
‫نفسية هي عدم استقرار‬ ‫ٍ‬
‫حالة‬ ‫ناشئ من‬
‫ٌ‬
‫أن هذه احلالة‬ ‫لشهودهم كثرة األخطاء‪ ،‬واحلال – يف اجلواب عىل ذلك‪ّ -‬‬
‫مربرا لرتك االعتامد عىل العقل‬ ‫النفسية ال قيمة موضوعية هلا‪ ،‬وال تشكّل ً‬
‫وخاصة بعد مشاهدتنا العقالء أنفسهم ال تتزعزع قرحيتهم جتاهها مع‬ ‫ّ‬
‫‪ .1‬صدر املتألّهني الشريازي‪ ،‬الحاشية عىل إلهيات الشفاء‪ ،‬نرش بيدار‪ ،‬قم املقدسة‪ -‬إيران‪ ،‬دون‬
‫تاريخ‪ ،‬صفحة ‪.40‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬صفحة ‪.40‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪85‬‬

‫إن الرتديد والشك ناشئان من‬ ‫ٍ‬


‫وبعبارة أخرى ّ‬ ‫علمهم بوقوع األخطاء‪،‬‬
‫«تلجلج عقيل ذايت لدى اإلنسان بعد وقوفه عىل األخطاء الكثرية بحيث قد‬
‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫أصاًل‪ ]...[ ،‬وواضح ّ‬
‫أن هذه احلالة‬ ‫ينتهي إىل عدم حصول اليقني له ً‬
‫نفيس موضوعي عىل حد سائر األمور النفسية واملوضوعية‪ ،‬تكون التجربة‬ ‫ّ‬
‫اخلارجية هي الدليل عىل ثبوهتا وعدم ثبوهتا‪ ،‬ونحن عندما نالحظ الوضع‬
‫أن وجداهنم العقيل وقرحيتهم‬ ‫اخلارجي للنشاط الفكري والعقيل للبرش نجد ّ‬
‫ٍ‬
‫قليلة‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫كثرية أو‬ ‫ٍ‬
‫عديدة‬ ‫ٍ‬
‫مرات‬ ‫العقلية ال تتعطل بالوقوف عىل اخلطأ يف‬
‫أيضا»‪.1‬‬
‫املرة األخرى ً‬‫تبقى قرحيتهم تلك تؤ ّثر أثرها يف إجياد اجلزم واليقني يف ّ‬
‫أن املوىل األسرتآبادي نفسه قد‬ ‫هذا‪ ،‬وسيأيت يف القسم األخري من البحث ّ‬
‫حسية أو ٍ‬
‫قريبة من‬ ‫ٍ‬ ‫مبنية عىل مقدّ مات غري ٍ‬
‫نقلية وال‬ ‫دة ٍ‬ ‫استفاد من براهني متعدّ ٍ‬
‫احلس ليثبت مدّ عاه‪ ،‬وهو هتافت عىل مستوى املنهج‪ ،‬إذ يستند إىل ما مل يقبل به‪.‬‬
‫ّ‬
‫راب ًعا‪ :‬عجز املنطق املا ّدي عن اإلحاطة بمواد األفكار‬
‫وأ ّما القضية الرابعة من مجلة القضايا التي تشكّل أساس إشكاله عىل‬
‫قسموا القضايا من حيث املادة إىل أقسام – وهي‬ ‫أن املناطقة ْ‬
‫وإن ّ‬ ‫املدّ عى‪ ،‬هو ّ‬
‫الشق الثاين من األمر السابق حتت عنوان (األدلة ومبادئها‬ ‫التي ذكرناها يف ّ‬
‫أن تكون مرج ًعا لتشخيص‬ ‫بلحاظ املادة) – ّإاّل ّأهّنم مل يضعوا ضابط ًة يمكن ْ‬
‫ٍ‬
‫قضية من القضايا‪،‬‬ ‫كل‬ ‫أن تندرج ّ‬‫أي األقسام يمكن ْ‬ ‫حكم موا ّد القضايا‪ ،‬ويف ّ‬
‫ٍ‬
‫بل تر ّقى أكثر من ذلك وا ّدعى امتناع وضع قانون ّ ّ‬
‫كيّل ملوا ّد القضايا‪ ،‬ومل‬
‫أن يقال يف تصوير‬ ‫يذكر وجه االستحالة هذه يف ٍ‬
‫يشء من كلامته ّإاّل أنّه يمكن ْ‬
‫ٍ‬
‫يقينيات‬ ‫إن ما ذكره املناطقة من تقسي ٍم للقضايا من جهة املا ّدة إىل‬ ‫ما أراد‪ّ :‬‬
‫أن يكون‬‫ومظنونات وغريها يعتمد عىل االستقراء‪ ،‬وال يمكن ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومشهورات‬
‫بنحو ال يمكن اإلحاطة هبا ووضع‬ ‫استقرا ًء تا ًما؛ ألن القضايا متو ّلد ٌة وكثري ٌة ٍ‬

‫‪ .1‬السيد محمد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬مصدر سابق‪.129 :4 ،‬‬
‫‪ | 86‬تاریخ علم املنطق‬

‫صحيح‪ ،‬وقد ذكر املناطقة ذلك‪.1‬‬ ‫كيّل يشكّل ضابط ًة هلا‪ ،‬وهو كال ٌم‬ ‫ٍ‬
‫قانون ّ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫إشكال يف كالم األمني األسرتآبادي هو ّ‬
‫أن املنطق‬ ‫حمل‬‫ولكن الذي يبقى ّ‬
‫عاصاًم ّإاّل بتطبيق قواعده وقوانينه‪ ،‬وال يمكن القول إنّه غري‬
‫ً‬ ‫بنفسه ال يكون‬
‫ٍ‬
‫قضية وحيدّ د ما هو يقيني‬ ‫ٍ‬
‫قضية‬ ‫كل‬‫عاص ٍم يف جهة املا ّدة؛ ألنّه ال يتناول ّ‬
‫منها‪ ،‬وما هو مشهور‪ ،‬وما هو ظنّي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬بل غاية ما ب ّينه املنطق يف قسمه‬
‫أن جعل الضوابط العا ّمة للقضية اليقينية األولية وغريها‪ ،‬وكذا سائر‬ ‫املا ّدي ّ‬
‫القضايا كاملشهورات واملظنونات والومهيات‪ ،‬وبجعله هذه الضوابط ترك‬
‫أمر تشخيص القضايا إىل املستعمل آللة املنطق‪.‬‬
‫والغريب ما ذكره يف نقده ملواد القضايا‪ ،‬حني قال‪ « :‬إذ أقىص ما يستفاد‬
‫من املنطق يف باب مواد األقيسة تقسيم املواد عىل ٍ‬
‫وجه ّ‬
‫كيّل إىل أقسام‪ ،‬وليست‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أي قس ٍم من تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ّ‬ ‫يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ‬
‫كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ‬
‫أن يكون‬‫أي عل ٍم من العلوم ْ‬
‫األقسام»‪ .2‬إذ ليست من وظيفة املنطق وال حتى ّ‬
‫أن علم الرياضيات ال ّ‬
‫يشخص القضايا‬ ‫معجاًم جام ًعا لتطبيقات قضاياه‪ ،‬فكام ّ‬
‫ً‬
‫مثاًل‪ّ :‬‬
‫إن هذا املثلث أو ذاك‬ ‫كيّل تقع‪ ،‬فال يقول ً‬ ‫ٍ‬
‫أي قانون ّ‬ ‫املخصوصة حتت ّ‬
‫حكم زواياه كذا أو كذا‪ ،‬بل يرضب القواعد العا ّمة ويبقى للمتعلم وظيفة‬
‫التطبيق‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للمنطق يف باب موا ّد القضايا‪ ،‬شأنه رضب‬
‫القواعد الك ّلية بام به حيصل ضابط متييز املوا ّد والقضايا‪ ،‬فقول األسرتآبادي‪:‬‬
‫أي قس ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ّ‬ ‫« وليست يف املنطق قاعد ٌة هبا نعلم ّ‬
‫كل ما ّدة خمصوصة داخلة يف ّ‬
‫من تلك األقسام»‪ ،‬ليس نقدً ا يف الواقع‪.‬‬
‫فصلنا الكالم يف إشكال املحدّ ث اجلليل األسرتآبادي‪،‬‬
‫وهبذا نكون قد ّ‬
‫أن يرد عليه من مناقشات‪ ،‬ويف القسم الثالث واألخري من البحث‬‫وما يمكن ْ‬
‫نتعرض لكيفية تطبيقه واستفادته من النصوص الدينية إلثبات بعض مدعياته‪.‬‬
‫العاّلمة محمد حسني الطباطبايئ‪ ،‬رسالة الربهان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.56‬‬
‫‪ .1‬راجع‪ّ :‬‬
‫‪ .2‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.257‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪87‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬النقد النقيل والبديل عن املنطق يف باب املعرفة عند األمني االسرتآبادي‬
‫أن املنطق ّملا مل‬
‫يتم ّثل املدّ عى األسايس للموىل حممد أمني األسرتآبادي يف ّ‬
‫أن يلجأ‬ ‫احلس‪ ،‬وجب ْ‬‫عاصاًم عن اخلطأ يف جمال ما ّدة الفكر البعيدة عن ّ‬
‫ً‬ ‫يكن‬
‫املك َّلف يف حتصيل معارفه وعلومه النظرية إىل أهل بيت العصمة ‪ ،‬إذ‬
‫قال‪ « :‬ال عاصم عن اخلطأ يف النظريات ا ّلتي مبادهيا بعيدة عن اإلحساس‬
‫التمسك بأصحاب العصمة ‪ .1»‬وقد استفضنا يف القسمني السابقني‬ ‫ّ‬ ‫ّإاّل‬
‫من البحث يف بيان نقده عىل املنطق املا ّدي‪ ،‬واآلن نرشع يف هذا القسم من‬
‫البحث لبيان أمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬يف ذكر الشواهد واألدلة النقلية التي ذكرها مستدّ ًاًل هبا عىل‬
‫مطلوبه من انحصار باب املعرفة يف القضايا النظرية بالنصوص واألخبار‬
‫الواردة عن املعصومني ‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬يف ذكر البدائل التي ذكرها يف باب املعرفة والعقائد عن‬
‫التفكري املنطقي والربهان العقيل‪.‬‬

‫األمر األول‪ :‬الشواهد النقل ّية عىل بطالن االستدالل الربهاين‬


‫أن استقصينا أطراف كالمه يف هذا املجال‪ ،‬يتّضح أمام الباحث‬ ‫إنّا بعد ْ‬
‫ثالث قضايا استند فيها إىل النقل لتقوية مدّ عاه نذكرها تبا ًعا فيام يأيت‪:‬‬

‫احلق بالباطل عىل مستوى املعرفة‪.‬‬


‫القضية األوىل‪ :‬يف امتزاج ّ‬
‫تتم ّثل القضية األوىل التي استند إليها األمني األسرتآبادي‪ -‬لكي ينفي‬
‫احلاجة إىل علم املنطق يف بعده املا ّدي‪ ،‬بل وعدم إمكان هذا العلم الوفاء بحق‬

‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.260‬‬


‫‪ | 88‬تاریخ علم املنطق‬

‫املعرفة – هي ا ّدعاء التواتر املعنوي لألحاديث الواردة عن أهل البيت ‪،‬‬


‫احلق بالباطل عند عامل البرش‪ ،‬وال يمكن تصفية‬ ‫أن اهلل تعاىل مزج ّ‬ ‫واملخربة ّ‬
‫احلق ّإاّل ببعث الرسل واملعصومني ‪ ‬واتباعهم‪ ،‬قال ما لفظه‪« :‬وممّا‬ ‫ومتييز ّ‬
‫يوضح ما ذكرناه من جهة النقل األحاديث املتواترة معنى الناطقة ّ‬
‫بأن اهّللّ‬
‫ثم أخرجهام إىل الناس‪،‬‬ ‫احلق وضغ ًثا من الباطل فمغثهام‪ّ ،‬‬
‫تعاىل أخذ ضغ ًثا من ّ‬
‫يفرقون بينهام ففرقتهام األنبياء واألوصياء‪ ،‬فبعث اهّللّ األنبياء‬ ‫ثم بعث أنبياءه ّ‬ ‫ّ‬
‫يفضل اهّللّ ومن‬ ‫ليفرقوا ذلك‪ ،‬وجعل األنبياء قبل األوصياء ليعلم الناس من ّ‬ ‫ّ‬
‫قائم‬ ‫ٍ‬ ‫احلق عىل حدة‪ ،‬والباطل عىل حدة‪ّ ،‬‬
‫كل واحد منهام ٌ‬ ‫خيتص‪ ،‬ولو كان ّ‬ ‫ّ‬
‫وجل) خلطهام‪،‬‬ ‫(عز ّ‬
‫ويص‪ ،‬ولك ّن اهّللّ ّ‬
‫ّ‬ ‫نبي وال‬
‫بشأنه‪ ،‬ما احتاج الناس إىل ّ‬
‫واألئمة من عباده»‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫وجعل تفريقهام إىل األنبياء‬

‫األول يف تنقيح ما ذكره من ا ّدعاء التواتر‪،‬‬ ‫والكالم يقع عىل أمرين‪ّ ،‬‬
‫فإن الظاهر بل‬ ‫استدل به‪ .‬فأما بالنسبة لألمر األول‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫والثاين يف مناقشة ما‬
‫أن األمني األسرتآبادي قد استند يف هذه الدعوى إىل ما ورد يف‬ ‫املطمأن به ّ‬
‫كتاب (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬واملعروف بكتاب (رجال الكيش) حيث ورد‬
‫أن‬‫فيه ما يكاد يطابق ألفاظ ما نقله األسرتآبادي يف فوائده املدنية‪ ،‬إذ جاء فيه ّ‬
‫رجاًل من أهل الشام جاء إىل اإلمام الصادق ‪ ،‬وقد كان ‪ ‬يف مج ٍع من‬ ‫ً‬
‫كل ف ٍّن وعل ٍم‬ ‫أصحابه‪ ،‬فطلب الشامي مناظرة اإلمام ‪ ،‬فأوكله ‪ ‬يف ّ‬
‫رجل من أصحابه يناظره ف ُغ ِلب‬ ‫ٍ‬ ‫من العلوم – كالفقه والقرآن والكالم‪ -‬إىل‬
‫كل مرة‪ ،‬حتى إذا انتهى األمر إىل اإلمام الصادق ‪ ‬بادر الشامي‬ ‫الشامي يف ّ‬
‫َ َ‬ ‫ن ْال َ‬ ‫ن ْال َح ِّق َوض ْغ ًثا م َ‬ ‫َ‬
‫الشام‪ ،‬إ َن‏ َّالل َه‏ أ َخ َذ ض ْغ ًثا م َ‬ ‫فقال له‪«َ :‬يا َأ َخا أ ْهل َّ‬
‫َ‬
‫اط ِل‏ ف َم َغث ُه َما‪،‬‬ ‫ب‬
‫ِ ِ َ ِ‬ ‫‏‬ ‫‏‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َب ْينه َما فف َّرقها اأْلنب َي ُاء واأْل ْوص َياء‪ُ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُث َّم َأ ْخ َر َج ُه َما إ َلى َّالناس‪ُ ،‬ث َّم َب َع َث َأ ْنب َي َاء ُي َف ِّر ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ ْ َِ ْ َ َ ُ َ ِ ُ َ َ َ ِ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫اأْل ْوص َياء؛ ل َي ْع َل َم َّالن ُاس َمنْ‬ ‫وبعث الله اأْلن ِبياء؛ ِليع ِّرفوا ذ ِلك‪ ،‬وجعل اأْلن ِبياء قبل‬
‫ِ ِ ِ‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬صفحة ‪.257‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪89‬‬

‫ُ ُّ‬ ‫ُ َ ِّ ُ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َ ْ َ ُّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫اطل َعلى ِح َد ٍة كل َو ِاح ٍد ِم ْن ُه َما‬ ‫يفضل ْالله ومن يختص‪ ،‬ولو كان الحق على ِحد ٍة والب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ِائ ٌم ِب َشأ ِن ِه َما ْاح َت َاج َّالن ُاس ِإلى َن ِبيٍّ واَل َو ِصيٍّ‪َ ،‬ول ِك َّن الل َه َخلط ُه َما َو َج َعل َت ْف ِر َيق ُه َما‬
‫َْ‬ ‫َ َْ‬
‫ِإلى اأْل ْن ِب َي ِاء َواأْل ِئ َّم ِة ‪ِ ‬م ْن ِع َب ِاد ِه!»‪.1‬‬

‫و ّملا كان ا ّدعاء التواتر يف املعنى الذي ذكره األمني األسرتآبادي ال يفي‬
‫رب واحد‪ ،‬فإنّا استقصينا األحاديث واألخبار املوجودة يف هذا الباب‪،‬‬ ‫به خ ٌ‬
‫مجلة ممّا يؤيد هذا املطلب‪:‬‬ ‫وعثرنا عىل ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منها‪ :‬ما ورد يف الكايف الرشيف « َع ِليُّ ْب ُن ِإ ْب َر ِاه َيم‪َ ،‬ع ْن أ ِب ِيه‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن أ ِبي‬
‫َ‬
‫ور ْب ِن ُي ُون َس َو َس ْع َد َان ْب ِن ُم ْس ِل ٍم‪َ ،‬ع ْن ِإ ْس َح َاق ْب ِن َع َّم ٍار‪َ :‬ع ْن أ ِبي َع ْب ِد‬ ‫ص‬‫ُع َم ْير‪َ ،‬ع ْن َم ْن ُ‬
‫َّ ْ َ‬
‫اأْل ْر َض َاَل َت ْخ ُلو إ َّاَّل َوف َيها إ َم ٌام‏‪َ ،‬ك ْي َما إ ْن َزادَ‬ ‫َّ ٍ َ َ ْ َّ َ ُ ِ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الل ِه علي ِه الساَلم‪ ،‬قال‪ :‬س ِمعته يقول‪«ِ :‬إن‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْْ ُ َ َ‬
‫‪2‬‬
‫ون ش ْي ًئا‪َ ،‬ر َّد ُه ْم‏‪َ ،‬و ِإ ْن َن َق ُصوا ش ْي ًئا‪ ،‬أ َت َّم ُه ل ُه ْم»‪».‬‬ ‫المؤ ِمن‬

‫أن اإلمام ‪ ‬هو الضامن من زيادة املؤمنني‬ ‫ويظهر من هذا احلديث ّ‬


‫بتدخ ٍل‬
‫احلق بنحو ال يمكنهم التمييز بينهام ّإاّل ّ‬
‫احلق‪ ،‬أو إنقاص ّ‬
‫الباطل عىل ّ‬
‫من اإلمام ‪.‬‬

‫أيضا‪َ « :‬ع ِليُّ ْب ُن ِإ ْب َر ِاه َيم‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ِعيسى‏‪َ ،‬ع ْن‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد يف الكايف ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الساَل ُم)‏‪ ،‬قال‪ :‬قال‪«ِ :‬إ َّن‬
‫َ‬
‫(عل ْيه َما َّ‬ ‫ُي ُون َس‪َ ،‬عن ْابن ُم ْس َك َان‪َ ،‬ع ْن َأبي َبصير‪َ :‬ع ْن أ َحده َما َ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ِ َ َِ ٍ َ ِ ِ ْ ِ‬ ‫َّ َ ِ ْ َِ‬
‫اط ِل»» ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫الله لم يد ِع اأْلرض ِبغي ِر ع ِال ٍم‪ ،‬ولو اَل ِذلك لم يعر ِف الحق ِمن الب ِ‬
‫أن أحد‬ ‫برصاحة ‪ -‬عىل ما جاء يف رجال الكيش‪ -‬عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحلديث ّ‬
‫يدل‬
‫احلق من الباطل‪.‬‬ ‫احلجة يف األرض متييز ّ‬ ‫غايات وجود ّ‬
‫‪ .1‬محمد بن عمر الكيش‪ ،‬اختيار معرفة الرجال ( رجال الكيش)‪ ،‬نقله‪ :‬الشيخ محمد بن الحسن‬
‫الطويس‪ ،‬النارش مؤسسه نرش دانشكاه مشهد‪ ،‬مشهد املقدسة‪ -‬إيران‪ 1409 ،‬هجري‪ ،‬صفحة ‪.277‬‬
‫‪ .2‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬قم املقدسة‪ -‬إيران‪ 1429 ،‬هجري‪434-433 :1 ،‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪.435 :1 ،‬‬
‫‪ | 90‬تاریخ علم املنطق‬

‫وأما األمر الثاين – وهو تنقيح ومناقشة ما ذكره‪ -‬فاإلنصاف أنّه ال يمكن‬
‫دعوى التواتر املعنوي عىل ما أفاد‪ ،‬واملقصود من التواتر املعنوي عىل ما ذكره‬
‫األصوليون« هو ما بلغت رواته يف الكثرة مبل ًغا أحالت العادة تواطؤهم عىل‬
‫واستمر ذلك الوصف يف مجيع الطبقات حيث يتعدّ د ْ‬
‫بأن يرويه قو ٌم‬ ‫ّ‬ ‫الكذب‪،‬‬
‫أن اإلخبارات ال تصل إىل حدّ التواتر املرشوط يف الكتب‬ ‫عن قوم»‪ ،1‬واحلال ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل عا ّم يف القسم األول‬ ‫األصولية واملنطقية‪ ،‬وقد تقدّ م تعريف التواتر‬
‫من البحث‪.‬‬

‫أن االعتامد عىل كالم أهل بيت العصمة ‪ ‬يأيت بعد عدة‬ ‫هذا مضا ًفا إىل ّ‬
‫ً‬
‫وصواًل إىل‬ ‫مقدّ مات‪ ،‬منها إثبات وجود اهلل تعاىل وتوحيده‪ ،‬ومن ثم ربوبيته‬
‫رضورة بعثة األنبياء والرسل‪ ،‬وخامتية الرشائع برشيعة اإلسالم‪ ،‬ومن ثم‬
‫عصمة األئمة ‪ ،‬وبعد ذلك يكون األخذ بكالمهم ‪ ،‬الز ًما بحكم‬
‫عصمتهم وواليتهم‪ ،‬ولكن إثبات العصمة والوالية ال يكون كالمهم نفسه‬
‫ف عىل القول‬ ‫أن األخذ بكالمهم متو ّق ٌ‬
‫‪ ‬لكون ذلك يلزم منه الدور‪ ،‬وبيانه ّ‬
‫بعصمتهم وواليتهم‪ ،‬فلو كان االعتقاد بعصمتهم وواليتهم متو ّقف عىل‬
‫حيا‪ ،‬ومن هنا كان ال بدّ من تقديم مقدّ مات‬ ‫دورا رص ً‬
‫األخذ بكالمهم لكان ً‬
‫غري ٍ‬
‫نقلية تؤدي إىل احلكم برضورة اتباعهم‪ ،‬كاألد ّلة املذكورة يف كتب الكالم‬
‫وإن املوىل األسرتآبادي نفسه يس ّلم هبذه‬
‫واحلكمة وهي أدل ٌة عقلي ٌة برهانية‪ّ ،‬‬
‫يرصح يف خواتيم الفوائد‬ ‫القضية – وهذا من التهافت مع ما ذكره ساب ًقا‪ -‬إذ ّ‬
‫التمسك هبم‬
‫ّ‬ ‫فتعنّي بحسب مقتىض العقل – قطع النظر عن النقل‪-‬‬ ‫املدنية « ّ‬
‫(صلوات اهلل عليهم)»‪.2‬‬

‫‪ .1‬الشهيد الثاين‪ ،‬الرعاية يف علم الدراية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1408 ،‬ه‪ ،‬صفحة ‪62‬‬
‫‪ .2‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪.515 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪91‬‬

‫فتحصل من ذلك أنّه ال غنى عن املقدّ مات العقلية الربهانية التي تكون‬
‫ّ‬
‫متقدم ًة رتب ًة عىل إثبات عصمتهم‪ ،‬وبالتايل األخذ بكالمهم ‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫حق‬
‫خالص ال باطل فيه‪ ،‬وليس مستندً ا إىل النصوص واألخبار نفسها كام اشرتط‬
‫ٌ‬
‫رسه)‪ ،‬ولو كان إثبات اإلمامة والوالية يعتمد عىل كالمهم؛ لكي‬ ‫(قدّ س ّ‬
‫احلق عن الباطل يف هذه املسألة –كام ا ّدعى‪ -‬للزم الدور كام أوضحنا‪.‬‬
‫يفرق ّ‬

‫أن نجانب اإلنصاف‪ ،‬حتى ال ُيفهم ممّا ذكرناه استغناء‬ ‫هذا ولكن ال ينبغي ْ‬
‫الناس عن كلامت أهل بيت العصمة والطهارة ‪ ،‬بل ما ينبغي ْ‬
‫أن يقال يف‬
‫كبريا يف إعامل العقول‪ ،‬وتصفيتها ووضعها‬ ‫دورا ً‬
‫أن لألئمة ‪ً ،‬‬ ‫هذا املقام‪ّ ،‬‬
‫عىل جا ّدة الربهان واالستدالل الصحيح‪ ،‬وإذا أردنا ْ‬
‫أن نش ّبه القضية‪ ،‬فاألمر‬
‫فإن الطعام الطيب إذا دخل اجلوف قام اجلهاز‬ ‫شبيه بالطعام واهلاضمة‪ّ ،‬‬
‫اهلاضم بتنقيته وتوزيعه عىل اجلسم بام يناسبه‪ ،‬واألمر عينه بالنسبة إىل كالمهم‬
‫وإرشاداهتم يف خصوص باب العقائد واملعارف النظرية الدينية‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن‬
‫نوع تغذية للعقل بحيث تدخل إىل هذا اجلهاز املتفكّر فيستفيد منها‪،‬‬ ‫كالمهم ٌ‬
‫يوسع آفاقه ويبني له منظومته‪ ،‬هذا مضا ًفا إىل وجود بعض‬ ‫ويسرتشد هبا بام ّ‬
‫املعارف التي قد يقال‪ّ :‬إهّنا خارج إطار حكم العقل الربهاين‪ ،‬وقد ذكر هذا‬
‫أيضا يف تعليقتهم عىل ما ورد من النصوص السابقة‪،‬‬ ‫املطلب أعاظم احلكامء ً‬
‫فإن قيل هاهنا آل ٌة ميزاني ٌة تعصم الناس عن اخلطأ يف‬
‫املتأهّلني‪ْ « :‬‬
‫قال صدر ّ‬
‫أفكارهم‪ ،‬فيكتفي هبا عن احلاجة إىل اإلمام‪ ،‬قلنا قد يقع السهو واإلمهال‬
‫عن مراعاة تلك اآللة؛ ولذلك وقع الغلط من املتفكرين العاملني بقوانني‬
‫مسألة واحدة‪ ،‬كقدم العامل وحدوثه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعضا يف‬
‫امليزان‪ ،‬حتى ناقض بعضهم ً‬
‫إن بعض أرسار‬ ‫ولو كانت اآللة كافي ًة يف العصمة مل يقع منهم اخلطاء‪ .‬ثم ّ‬
‫الدين وأطوار الرشع املبني بلغ إىل حدٍّ هو خارج عن طور العقل الفكري‪،‬‬
‫‪ | 92‬تاریخ علم املنطق‬

‫وإنّام يعرف بطور الوالية والنبوة»‪ ،1‬والناظر يف هذه الكلمة جيد التشابه بينها‬
‫أن صدر املتأهلني‬‫بفارق جوهري‪ ،‬هو ّ‬‫ٍ‬ ‫وبني ما طرحه األمني األسرتآبادي‬
‫أن املنطق يسرتشد بكالمهم ‪ ،‬وتتم عصمته باتباعهم بخالف األمني‬ ‫ذكر ّ‬
‫األسرتآبادي الذي عدّ اخلطأ من شواهد عدم جدوائية املنطق‪.‬‬

‫نكتفي هبذا املقدار من القضية األوىل جتن ًبا لإلطالة يف املقام‪.‬‬

‫القضية الثانية‪ :‬وجود النصوص الدا ّلة عىل ذ ّم االجتهاد‬


‫استدل به صاحب الفوائد املدنية من باب النقل عىل مدّ عاه بأنّه ال‬ ‫ّ‬ ‫ممّا‬
‫أن شعار‬ ‫جيوز التعويل عىل املنطق يف االعتقادات والترشيعيات ما خالصته‪ّ :‬‬
‫األئمة ‪ ‬كان االعتامد عىل النصوص ال غري‪ ،‬مضا ًفا إىل وجود‬ ‫ّ‬ ‫أصحاب‬
‫أن انحصار طريق العلم‬ ‫ٍ‬
‫نصوص يف ذ ّم االعتامد عىل العقل‪ ،‬قال‪ « :‬واعلم ّ‬
‫التمسك يف العقائد التي‬
‫ّ‬ ‫بنظريات الدين يف الرواية عنهم ‪ ‬وعدم جواز‬
‫جيوز اخلطأ فيها عادة باملقدّ مات العقلية ويف األعامل باالستنباطات الظنية‬
‫األئمة ‪ ‬حتى صنّفوا يف‬ ‫[‪ ]...‬كان من شعار متقدّ مي أصحابنا أصحاب ّ‬
‫ذلك كت ًبا‪ ،‬ومن الكتب املصنّفة يف ذلك (كتاب النقض عىل عيسى بن أبان‬
‫مجلة من النصوص التي ّ‬
‫تدل عىل ذ ّم االجتهاد‬ ‫يف االجتهاد)»‪،2‬ومن ثم رسد ٍ‬
‫أن الركون إىل‬ ‫واالعتامد عىل الرأي‪ ،‬وحاصل االستدالل الذي اعتمد عليه ّ‬
‫ٍ‬
‫عقلية بحتة هو استنا ٌد إىل‬ ‫األدلة والرباهني العقلية التي تتأ ّلف من مقدّ ٍ‬
‫مات‬
‫األئمة‬
‫ّ‬ ‫منهي عنه بحسب سرية أصحاب‬ ‫ٌّ‬ ‫غري قول املعصوم ورواياته‪ ،‬وهو‬
‫‪ ‬والنصوص الدا ّلة عىل حرمة العمل بالرأي واالجتهاد‪.‬‬

‫‪ .1‬صدر املتألهني الشريازي‪ ،‬رشح أصول الكايف‪ ،‬انتشارات بنياد حكمت اسالمي صدرا‪ ،‬طهران‪-‬‬
‫إيران‪ 1387 ،‬هجري شميس‪.139 :5 ،‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬الصفحتان ‪.242 -241‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪93‬‬

‫وكالمه الذي سقناه يتأ ّلف من دعوى ذات ش ّقني‪ :‬األول هو عدم جواز‬
‫أيضا يف‬
‫التمسك بغري كالم األئمة ‪ ‬يف باب العقائد‪ ،‬والثاين قصور العقل ً‬
‫ّ‬
‫باب األحكام الرشعية‪ ،‬أي إنّه رفض االعتامد عىل فكأنه يرى قصور العقل‬
‫يف بعده النظري العقائدي والعميل الترشيعي بدليل النصوص والروايات‬
‫األئمة ‪ ‬يف ذ ّم االجتهاد والعمل بالرأي‪ ،‬وكال الدعويني ّ‬
‫حمل‬ ‫الصادرة عن ّ‬
‫ٍ‬
‫نقاش تار ًة يف نفسها‪ ،‬وأخرى من جهة كون النهي الوارد يف النصوص يراد‬
‫منه هذا السنخ من حكم العقل‪.‬‬

‫أن رفض االعتامد عىل العقل يؤ ّدي‬‫أما الدعوى األوىل فقد تقدّ م فيام سبق ّ‬
‫إىل انسداد باب إثبات العصمة والوالية‪ ،‬ومن َث ّم ال تصل النوبة إىل ّ‬
‫حجية‬
‫أن يتأسس عىل‬ ‫ٍ‬
‫اعتقاد ال بد ْ‬ ‫بأن ّ‬
‫كل‬ ‫كالم أهل البيت ‪ ،‬فال يمكن القول ّ‬
‫األخذ من النصوص؛ ألنّه يؤ ّدي إىل الدور‪ ،‬وقد تقدّ م هذا األمر‪.‬‬
‫أن األسرتآبادي نفسه قد اعتمد يف ٍ‬
‫كثري من مواضع كتابه‬ ‫مضا ًفا إىل ذلك ّ‬
‫وإن كان كالمه‬ ‫ٍ‬
‫عقلية دون دخالة للنقل فيها‪ ،‬نذكر موردين فقط ْ‬ ‫عىل براهني‬
‫عند التدقيق مشحونًا هبا‪:‬‬

‫كل األحاديث الواردة يف الكتب‬ ‫أن ّ‬ ‫منها‪ :‬االستدالل الذي ذكره عىل ّ‬
‫إن مقتىض احلكمة الربانية وشفقة‬ ‫احلديثية القديمة صحيحة‪ ،‬حيث قال‪ّ « :‬‬
‫واألئمة ‪ ‬بالشيعة أن ال يضيع من كان يف أصالب الرجال‬ ‫ّ‬ ‫س ّيد املرسلني‬
‫ً‬
‫أصواًل معتمد ًة يعملون بام فيها يف زمن الغيبة الكربى»‪.1‬‬ ‫ويمهد هلم‬
‫ّ‬ ‫منهم‪،‬‬

‫ولسنا بصدد حماكمة أصل املدّ عى أو الدليل عليه‪ ،‬بل غاية ما نريد بيانه‬
‫ٍ‬
‫مقدمات‬ ‫أن ما ذكره ههنا ويف سائر املوارد اآلتية هي أدل ٌة عقلي ٌة مستند ٌة إىل‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪.372 ،‬‬


‫‪ | 94‬تاریخ علم املنطق‬

‫احلس‪ ،‬كاحلكمة اإلهلية واقتضائها التمهيد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫حسية أو قريبة من ّ‬‫غري نقلية وغري ّ‬
‫فكل هذه القضايا ليست‬ ‫ٍ‬
‫روائية يعتمد عليها الشيعة يف زمن الغيبة‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ألصول‬
‫نقلي ًة بل عقلية‪.‬‬

‫حكيم وال يكون احلكيم وال يوصف‬ ‫ٌ‬ ‫(عز َّ‬


‫وجل)‬ ‫إن اهلل َّ‬‫منها‪ :‬قوله « ّ‬
‫باحلكمة ّإاّل الذي حيظر الفساد ويأمر بالصالح‪ ،‬ويزجر عن الظلم‪ ،‬وينهى‬
‫عن الفواحش‪ ،‬وال يكون حظر الفساد‪ ،‬واألمر بالصالح والنهي عن‬
‫الفواحش ّإاّل بعد اإلقرار باهلل ومعرفة اآلمر والناهي‪ ،‬فلو تُرك الناس بغري‬
‫ٍ‬
‫بصالح وال هني عن فساد‪ ،‬إذ ال أمر وال‬ ‫أمر‬ ‫ٍ‬
‫إقرار باهلل وال معرفة مل يثبت ٌ‬
‫ف‬‫استدالل عقيل غري نقيل‪ ،‬مؤ ّل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هني»‪ .1‬ومن الواضح اشتامل هذا الكالم عىل‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫قريبة من احلواس‪.‬‬ ‫حس ٍية أو‬ ‫ٍ‬
‫من مقدّ مات غري ّ‬
‫أن العقل يف باب الترشيعات والعقل‬ ‫وأ ّما الدعوى الثانية‪ ،‬أعني مناقشته يف ّ‬
‫العميل‪ ،‬فكالمه قد يكون تا ًما صغرو ًيا ال كربو ًيا‪ ،‬بمعنى أنّه قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫العقل يستقل بإدراك احلسن والقبح يف األفعال كحسن العدل وقبح الظلم‪،‬‬
‫وحسن الصدق وقبح الكذب‪ ،‬وما يشاكلها عىل مستوى القاعدة الكلية‪،‬‬
‫إن هذه األفعال قد‬ ‫ولكن إذا نزل العقل إىل ميدان التشخيص اجلزئي فحيث ّ‬
‫تتزاحم فيها العناوين الكثرية فيصعب عىل العقل تشخيص موارد الكربى‬
‫خاص من األفعال‪ ،‬ولكن هذا التزاحم يف احلكم‬ ‫ٌّ‬ ‫التي يندرج حتتها ٌ‬
‫فعل‬
‫يدل عىل قصور يف العقل جلهة حكمه عىل العناوين‬ ‫عىل مستوى التطبيق ال ّ‬
‫«إن مدركات العقل العميل ال خالف‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة أحد أعالم األصول‪ّ :‬‬ ‫الكلية‪،‬‬
‫فيها يف نفسها‪ ،‬أعني فيام يدركه العقل بنحو االقتضاء أنّه ينبغي أو ال ينبغي‪،‬‬
‫مثاًل لو لوحظ يف نفسه حيكم العقل بأنّه يقتيض ّأاّل ُيرتكب [‪]...‬‬ ‫فالكذب ً‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪.413 ،‬‬


‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪95‬‬

‫ولكن قد يقع التزاحم بني هذه املقتضيات [‪ ]...‬فتشخيص موازين التقييم‬


‫غائاًم يشوبه الشك»‪.1‬‬
‫والتقديم يف موارد التزاحم هو الذي قد يكون ً‬
‫وإن اعتامد األمني األسرتآبادي عىل النقل إلثبات مدّ عاه ّ‬
‫حمل‬ ‫هذا كله‪ّ ،‬‬
‫أن النصوص املانعة عن العمل بالرأي واالجتهاد‬ ‫نقاش بل منع‪ ،‬من جهة ّ‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ناظرة إىل قضية إعامل العقل يف النظريات العقائدية‪ ،‬بل إىل األحكام‬ ‫غري‬
‫الرشعية التي – بحسب تعبري بعض األعالم‪ « -‬تقرص عنها أيدي اآلراء‬
‫خزان الوحي‬‫أن تؤخذ برصف التعبد واالنقياد من ّ‬ ‫والعقول‪ ،‬وال بدّ من ْ‬
‫أن أكثر الروايات يف هذا الباب وردت يف مقابل‬‫ومهابط مالئكة اهلل‪ ،‬كام ّ‬
‫علامء العا ّمة الذين كانوا يريدون ْ‬
‫أن يفهموا دين اهلل بعقوهلم ومقايساهتم»‪.2‬‬

‫حمل من ٍع‬ ‫أن الكالم يف قصور العقل النظري ّ‬ ‫واحلاصل من مجيع ذلك‪ّ ،‬‬
‫مطل ًقا‪ ،‬وأ ّما قصور العقل العميل يف باب استكشاف األحكام الرشعية فتار ًة‬
‫قارصا مطل ًقا‪ ،‬وأخرى يكون الكالم فيه من حيث‬ ‫ً‬ ‫ينظر إليه كربو ًيا فال يكون‬
‫حمل نظر األدلة النقلية‬ ‫ٍ‬
‫قبول يف اجلملة‪ ،‬وهو ما كان ّ‬ ‫الصغريات وهو ّ‬
‫حمل‬
‫وعندئذ ال يصلح ما ذكره األمني األسرتآبادي‬ ‫ٍ‬ ‫الناهية عن العمل بالرأي‪،‬‬
‫من جهة النقل إلثبات قصور علم املنطق أو النهي عن الركون إليه مطل ًقا‪.‬‬

‫أن بعض الرباهني مؤ ّيدة من قبل املعصومني ‪‬‬


‫القضية الثالثة‪ :‬يف ّ‬
‫من القضايا التي ذكرها األمني األسرتآبادي ّ‬
‫أن النظر العقيل ينقسم إىل‬
‫وممهدً ا من قبل املعصومني ‪ ،‬وهذا‬
‫قسمني‪ ،‬أحدمها يكون مؤيدً ا‪ ،‬بل َّ‬
‫مقبول عند اهلل تعاىل‪ ،‬وآخر ال يكون كذلك فهو غري مقبول‪ ،‬قال‬‫ٌ‬ ‫القسم‬

‫‪ .1‬السيد محمد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬مصدر سابق‪.138 :4 ،‬‬
‫‪ .2‬السيد روح الله الخميني‪ ،‬اآلداب املعنوية للصالة‪ ، ،‬ترجمة السيد أحمد الفهري‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ 1986 ،‬ميالدي‪.344 ،‬‬
‫‪ | 96‬تاریخ علم املنطق‬

‫قسم يمكن متهيد ما ّدة الفكر فيه‪ ،‬بل‬


‫إن األنظار العقلية قسامن‪ٌ :‬‬ ‫ما لفظه‪ّ « :‬‬
‫وقسم ال يكون كذلك‪ ،‬فالقسم‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا من جانب أصحاب العصمة‪،‬‬ ‫صورته ً‬
‫مرغوب فيه؛ ألنّه معصو ٌم عن اخلطأ‪ ،‬والقسم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مقبول عند اهلل تعاىل‬ ‫األول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مقبول‪ ،‬لكثرة وقوع اخلطأ فيه»‪.1‬‬ ‫الثاين‪ :‬غري‬

‫نقض وإبرا ٍم ال بدّ من تقرير ما يريده‬ ‫ٍ‬ ‫وقبل بيان ما يف هذا التقسيم من‬
‫أن الربهان العقيل يف باب‬ ‫من هذا التقسيم‪ ،‬والظاهر الالئح من عباراته ّ‬
‫نص من رواية عن‬ ‫ّ‬
‫املستدل عىل ٍّ‬ ‫العقائد النظرية غري البدهيية ً‬
‫مثاًل تار ًة يعثر‬
‫املعصومني ‪ ‬يكون مؤ ّداها عني الربهان ماد ًة وصورة‪ ،‬وأخرى ال يعثر‬
‫وواقع‪ ،‬فيمكن االعتامد‬‫ٌ‬ ‫حق‬ ‫أن هذا الربهان ٌّ‬ ‫عثر علم ّ‬ ‫نص كذلك‪ْ ،‬‬
‫فإن َ‬ ‫عىل ٍّ‬
‫ّ‬
‫الشك‬ ‫وإن مل يعثر فال يزول‬‫مطابق لنفس األمر والواقع‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عليه‪ ،‬وقبوله عىل أنّه‬
‫أن الربهان ماد ًة وصور ًة قد ال يكون واقع ًيا‪ ،‬ومنه‬ ‫والرتدد يف النفس من ّ‬
‫متمم ٌة للكشف‬ ‫أن رواية املعصوم ‪ّ ‬‬ ‫أن األمني األسرتآبادي يرى ّ‬ ‫يظهر ّ‬
‫برهان ماد ًة وصور ًة ناقص الكاشفية‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫إن ّ‬
‫أن يقال‪ّ :‬‬ ‫الربهاين‪ ،‬بنحو يمكن ْ‬
‫وإن كان كال الربهانني – الذي ورد‬ ‫واليقني ما مل يرد من املعصوم تأييدٌ له‪ْ ،‬‬
‫النص‪ ،‬وذلك الذي مل يصلنا تأييدٌ روائي له‪ْ -‬‬
‫وإن كانا تا ّمني من‬ ‫تأييده من ّ‬
‫بأمر خارجي عن‬ ‫أن امليز بينهام يكون ٍ‬ ‫حيث رشائط االستدالل والربهنة ّإاّل ّ‬
‫ٍ‬
‫وبعبارة أخرى يظهر‬ ‫االستدالل‪ ،‬وهو التأييد النقيل ألحدمها دون اآلخر‪،‬‬
‫أواًل من حيث الصورة واملادة تام‬ ‫من كالم األسرتآبادي أنّنا لو فرضنا برهانًا ً‬
‫الرشائط‪ ،‬وكذلك برهانًا ثان ًيا ال يفرق عن األول من حيث متامية الرشائط‪،‬‬
‫األئمة ‪.‬‬
‫نص من ّ‬ ‫الشك يصاحب الثاين دون األول ملجرد ورود ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ّإاّل ّ‬
‫أن‬
‫والذي يمكن ْ‬
‫أن نعدّ ه مؤ ّيدً ا هلذا الكالم‪ ،‬ما ورد من قبل بعض األخباريني‬

‫‪ .1‬محمد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.313‬‬


‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪97‬‬

‫قسم املسألة العقلية إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫يف ذلك‪ ،‬إذ ّ‬
‫األول‪ :‬ما كان بدهي ًيا ظاهر البداهة‪.‬‬

‫أن ذلك العقيل قد تعاضد‬ ‫دلياًل عقل ًيا نقل ًّيا ّإاّل ّ‬
‫الثاين‪ « :‬الثاين ما كان ً‬
‫يرتجح عىل الدّ ليل النّقيل عند التّعارض‪ ،‬ولك ّن‬ ‫أيضا ّ‬‫مع نقيل آخر‪ ،‬فهذا ً‬
‫التعارض يف احلقيقة إنّام هو بني النقليات‪ ،‬وذلك كام ّ‬
‫دل الدليل العقيل عىل‬
‫ودل قوله تعاىل الرمحن عىل العرش استوى‪ ،‬عىل‬ ‫أنّه تعاىل ليس يف مكان‪ّ ،‬‬
‫ظاهرا‪ ،‬فيجب ترجيح ذلك العقيل لتأ ّيده بالنّقليات الدالة عىل أنّه‬ ‫ً‬ ‫املكان‬
‫منز ٌه عن الكون واملكان»‪.1‬‬
‫تعاىل ّ‬

‫عقيل ال يعضده النقل‪ ،‬فال ُيقدّ م عىل النقل‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬هو الذي يكون عليه ٌ‬
‫دليل ّ‬
‫والسؤال األسايس الذي ال بدّ من اإلجابة عنه من قبل األسرتآبادي هو‬
‫نابع من مادة الربهان‬
‫يقني ٌ‬ ‫ّ‬
‫أن اليقني الذي يوقعه الربهان يف النفس هل هو ٌ‬
‫وصورته أم ال؟ وههنا صورتان حمتملتان من كلامت األسرتآبادي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ يكون الدليالن‬ ‫األوىل‪ْ :‬‬
‫أن يكون اليقني ناب ًعا من الدليل نفسه‪،‬‬
‫األئمة ‪ ،‬واآلخر الذي مل يرد‬
‫ّ‬ ‫– الذي ورد تأييد أحدمها من الرواية عن‬
‫ذلك‪ -‬عىل قد ٍم سواء‪ ،‬وال ترجيح لصدق أحدمها عىل اآلخر؛ ّ‬
‫ألهّنام من‬
‫يتم ما ذكره‪.‬‬
‫تامي الرشائط الربهانية‪ ،‬فال ّ‬
‫حيث أنفسهام ّ‬
‫ألهّنام مستندين‬ ‫ٍ‬
‫تقدير ال يفيدان يقينًا؛ ّ‬ ‫أن يكون الربهانان عىل ّ‬
‫كل‬ ‫الثانية‪ْ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إىل مادة عقلية بحتة‪ ،‬فمن حيث أنفسهام غري يقينيني‪ ،‬ولكن ّملا ورد ّ‬
‫النص‬
‫كمل كشف أحدمها عن الواقع بذلك‬ ‫املؤ ّيد ألحدمها عن املعصوم ‪ُ ‬‬

‫‪ .1‬نعمة الله الجزائري‪ ،‬األنوار النعامنية‪ ،‬دار القاري‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ 1429 ،‬هجري‪ ،‬صفحة ‪.89‬‬
‫‪ | 98‬تاریخ علم املنطق‬

‫نص يؤ ّيد االستدالل بربهان اإلمكان والوجوب عىل‬ ‫النص‪ ،‬كام لو ورد ً‬
‫مثاًل ٌّ‬
‫ونص ال يؤ ّيد االستدالل بربهان الصديقني الصدرائي‪،‬‬
‫وجود اهلل تعاىل‪ٌّ ،‬‬
‫فيكون األمر ّ‬
‫أن كال الربهانني من حيث أنفسهام ناقيص الداللة واليقني‪،‬‬
‫تم كشف عن الواقع‪.‬‬
‫األول ّ‬
‫النص عىل الربهان ّ‬‫وبمجيء ّ‬
‫وهذه الصورة واالحتامل خالف ظاهر كالمه ومبناه؛ وذلك ألنّه يف كال ٍم‬
‫حج ًة يف نفسها‪ ،‬وال يقع فيها خطأ‪ ،‬ويمكن‬ ‫سابق عدَّ صورة القياس املنطقي ّ‬ ‫ٍ‬
‫إن القسم املقبول هو‬ ‫االستناد إليها بخالف املادة‪ ،‬يف حني أنّه يقول ههنا ّ‬
‫وكأن الصورة‬‫ّ‬ ‫خصوص القسم الذي يستمد صورته وما ّدته من املعصوم‪،‬‬
‫األئمة ‪ ‬لكانت مرفوضة‪ ،‬وهو‬ ‫دة من قبل الرواية عن‬ ‫لو كانت غري مؤي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عاصاًم يف نفسه عىل مستوى الصورة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خالف ما ذكره ساب ًقا من كون املنطق‬
‫عقيل ال بدّ له من‬ ‫ٍ‬ ‫إن ّ‬ ‫أن تعميم هذا األمر ٍ‬
‫بنحو يقال ّ‬ ‫هذا مضا ًفا إىل ّ‬
‫كل برهان ّ‬
‫ألن « معنى هذا الكالم [الذي ذكره األسرتآبادي]‬ ‫نقيل يلزم منه الدور؛ ّ‬ ‫ٍ‬
‫تأييد ّ‬
‫أن تأخذ‬ ‫حج ًة يف نفسها‪ ،‬وال بدّ هلا ْ‬‫أن القضية العقلية واملنطقية ليست ّ‬ ‫هو ّ‬
‫حجية‬‫أن ّ‬ ‫اعتبارها وحجيتها عن طريق النقل‪ .‬ومل يلتفت األسرتآبادي إىل ّ‬
‫املسائل النقلية‪ ،‬تنتهي إىل العقل يف هناية املطاف [كام ب ّيناه ساب ًقا]‪ ،‬ولو أخذ‬
‫دورا ً‬
‫حمااًل»‪.1‬‬ ‫حجيته عن النقل الستلزم ً‬ ‫العقل ّ‬
‫نعم‪ ،‬يمكن قبول كالمه بال شك وترديد أن النص الديني الوارد عن‬
‫األئمة ‪ ‬وسائر املعصومني ‪ ‬كان له الدور األبرز واحلقيقي يف حتريك‬
‫عجلة التفكري وتعميق القضايا النظرية واحلكمية عىل وزان ما ذكرناه ساب ًقا‬
‫عند نقل عبارة صدر املتأهلني‪.‬‬

‫‪ .1‬غالم حسني إبراهيمي ديناين‪ ،‬حركة الفكر الفلسفي يف العامل اإلسالمي‪ ،‬مصدر سابق‪.110 :1 ،‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪99‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬املعرفة العقائد ّية وبديل املنطق الربهاين‬


‫من الالفت للنظر عند رصد كالم األمني االسرتآبادي مزجه البحث‬
‫الفقهي مع البحث العقدي‪ ،‬وقد نقلنا عبار ًة له تؤكّد هذا املنهج‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫أن انحصار طريق العلم بنظريات الدين يف الرواية عنهم ‪ ،‬وعدم‬ ‫«واعلم ّ‬
‫التمسك يف العقائد التي جيوز اخلطأ فيها عاد ًة باملقدّ مات العقلية ويف‬
‫ّ‬ ‫جواز‬
‫األعامل باالستنباطات الظنّية [‪ ]...‬كان من شعار متقدّ مي أصحابنا أصحاب‬
‫األئمة ‪1»‬؛ ولذا نجده عندما يريد الر ّد عىل العمل بالعقل يف املباحث‬ ‫ّ‬
‫شاماًل يف الوقت عينه للعقائد واملعارف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األصولية والفقهية جيعل الكالم‬
‫ومن هنا استدعت احلاجة يف القسم األخري من هذا البحث إىل رصد البدائل‬
‫منهجا وطري ًقا لبناء املعرفة العقائدية‪ ،‬وهو املنهج الذي جيعل‬‫ً‬ ‫التي جعلها‬
‫منحرصا باألخذ من روايات املعصومني ‪ ،‬وفيام ييل ننقل‬ ‫ً‬ ‫باب املعرفة‬
‫األصول العا ّمة التي جيدها الباحث يف كتبه ال س ّيام كتاب الفوائد املدنية‪:‬‬

‫التمسك باألخذ عن أهل البيت ‪ ‬يف ّ‬


‫كل ما ال ُيعلم‬ ‫ّ‬ ‫القض ّية األوىل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫يف بعض استدالالته عىل رضورة األخذ من روايات املعصومني‬


‫ً‬
‫استدالاًل بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫يف األصول والفروع‪ ،‬يذكر األمني االسرتآبادي‬
‫ََُْ َ‬ ‫َ ْ َُ ََْ ّ ْ ْ ُُْ‬
‫ون﴾‪ .2‬إذ قال‪ « :‬إنّه تواترت األخبار‬ ‫ذلك ِر إِن كنت ْم ال تعلم‬
‫﴿فسئلوا أهل ا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ َُ َْ ّ‬ ‫َ‬
‫األئمة األطهار ‪ّ ‬‬
‫بأن مراده تعاىل من قوله‪﴿ :‬فسئلوا أهل اذلِك ِر إِن‬ ‫ّ‬ ‫عن‬
‫َ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫ٰ‬ ‫ُُْْ‬
‫كنتم اٰل تعلمون﴾‪ ،‬ومن نظائرها من اآليات الرشيفة أنّه جيب سؤاهلم ‪‬‬
‫كل ما ال ُيعلم سواء من باب‬ ‫أن ّ‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يريد ّ‬ ‫كل ما مل ُيعلم»‪.3‬‬‫يف ّ‬

‫‪ .1‬محمد أمني االسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الصفحتان ‪.242 -241‬‬
‫‪ .2‬األنبياء‪7 :‬‬
‫‪ .3‬محمد أمني االسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مصدر سابق‪254 ،‬‬
‫‪ | 100‬تاریخ علم املنطق‬

‫العقائد أم الرشعيات‪ ،1‬ال ترخيص لتحصيل العلم به ّإاّل من طريق السؤال‬


‫من املعصومني ‪ ،‬وطريق األخذ منهم يف هذا الزمن ال تكون ّإاّل بالرجوع‬
‫إىل الروايات الصادرة عنهم ‪.‬‬

‫وهذا االستدالل ال يستقيم إلثبات املدّ عى الذي يدعيه‪ ،‬وذلك ألمور منها‪:‬‬

‫إن مراجعة سياق اآليات التي وردت فيها هذه اآلية ترشدنا إىل‬ ‫ّأو ًاًل‪ّ :‬‬
‫حمل النزاع والدعوى التي يذكرها األمني االسرتآبادي‪،‬‬ ‫خروجها عن ّ‬
‫النبي اخلاتم ‪ ‬حيث قال‬ ‫نبوة ّ‬ ‫فاآليات جاءت يف سياق الر ّد عىل منكري ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ويِح إ َيَلْه ْم ف ْس َئلوا أ ْهل اذلِكر إ ْن ك ْن ُتمْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ اَّلَّ َ ً ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وما أرسلنا مِن قبلِك إ ِ ِرجااًل ن ِ ِ ِ‬
‫ون﴾‪ ،2‬هذا مضا ًفا إىل ّ‬ ‫َ ََُْ َ‬
‫أن الذكر يف القرآن يأيت بمعنى الكتب الساموية‪،‬‬ ‫اَل تعلم‬
‫النبوة؛ ولذلك ذهب بعض‬ ‫فيكون معناها الظاهر هو االحتجاج عىل منكري ّ‬
‫ّ‬
‫للشك يف َّأهَّنا وارد ٌة‬ ‫بأن» سياق اآلية ال يبقي ً‬
‫جمااًل‬ ‫األصوليني إىل القول‪ّ :‬‬
‫إنسان كسائر البرش‬ ‫ٌ‬ ‫للنبي ‪ ‬بدعوى أنَّه‬ ‫ّ‬ ‫يف مقام املخاصمة مع املنكرين‬
‫يف حاجاته‪ ،‬وهو ال يناسب مع السفارة الربانية فيناقشهم القرآن الكريم يف‬
‫أن الرساالت ك ّلها كانت عىل أيدي رجال من البرش‬ ‫سياق اآلية مؤ ّكدً ا عىل َّ‬
‫ألن املرشكني مل يكونوا من أهل‬ ‫الذكر؛ َّ‬ ‫ثم حيوهلم يف ذلك عىل مراجعة أهل ّ‬ ‫ّ‬
‫الكتاب والنبوات السابقة لكي يعلموا مبارشة هذه احلقيقة» ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ولكن لألمني االسرتآبادي االعرتاض عىل ذلك بأنّه قد وردت روايات‬


‫عن املعصومني ‪ ‬يف تفسري هذه اآلية ّ‬
‫بأن املقصود من أهل الذكر هم‬
‫األئمة ‪ ‬يف ّ‬
‫كل ما ال تعلمونه‪،‬‬ ‫األئمة ‪ ،‬وبالتايل يصبح معناها‪ :‬اسألوا ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬وذلك باالستناد إىل القرينة التي أتينا بها من كالمه آنفًا‪.‬‬


‫‪ .2‬األنبياء‪.7 :‬‬
‫‪ .3‬السيد محمد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الجزء ‪ ،4‬صفحة ‪347‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪101‬‬

‫ومن مصاديق ما ال تعلمونه ما يقع بح ًثا عقائد ًيا‪ ،‬ويكون جمرى للربهان عند‬
‫املناطقة واحلكامء؛ وهبذا يكون السؤال من أهل البيت ‪ً ‬‬
‫بدياًل عن األخذ‬
‫بام يؤ ّدي إليه املنطق‪ ،‬ونحن نورد مجل ًة من هذه الروايات‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ـ ـ ال ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َعلى ْب ِن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ِن ال َوش ِاء‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد الل ِه ْب ِن‬
‫َ ُ‬
‫(ع َّز َو َجل)‪﴿ :‬ف ْس َئلوا‬
‫َّ‬ ‫الس َاَل ُم‏) في َق ْول َّالله َ‬ ‫(ع َل ْيه َّ‬ ‫َع ْج َاَل َن‪َ :‬ع ْن َأبي َج ْع َفر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ِّ ْ ْ ِ ُ ْ ُ ْ ٍَ ْ َ ُ َ ِ َ َ َ ِ ُ ُ ِ َّ ِ َ َّ َّ ُ َ َ‬
‫ال رسول الل ِه (صلى الله علي ِه و ِآل ِه)‪:‬‬ ‫أهل الذك ِر ِإن كنتم ال تعلمون﴾‪« :‬ق ‏‬
‫ِّ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ِّ ْ‬
‫الذك ُر أ َنا‪َ ،‬واأْل ِئ َّمة أ ْهل الذك ِر»‪.1‬‬
‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ـ ـال ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َعلى ْب ِن ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن أ َور َمة‪َ ،‬ع ْن َع ِليِّ‬
‫ْ َ َّ َ َ ْ َ ِّ َ ْ َّ ْ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َّ َ َ‬
‫(عل ْي ِه‬ ‫من ب ِن ك ِث ٍير‪ ،‬قال‪ :‬قلت ِأِلِبي عب ِد الل ِه‬ ‫ِ‬ ‫ب ِن حسان‪ ،‬عن عم ِه عب ِد الرح‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ون﴾؟ َقال‏‪« :‬الذك ُر ُم َح َّمدٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الذ ْكر إ ْن ك ْن ُت ْم ال َت ْعل ُم َ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ ِّ‬
‫ِ َِ‬ ‫الساَلم)‪﴿ :‬فسئلوا أهل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫(ص َّلى َّالل ُه َع َل ْيه َوآله)‪َ ،‬ون ْح ُن أ ْهل ُ‏ه ال َم ْس ُؤول َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون»‪.2‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫وأهّنا يف‬ ‫ولكن يمكن املناقشة يف ذلك؛ ّ‬
‫ألن الرواية ال تلغي سياق اآليات ّ‬
‫التوسع‬
‫ّ‬ ‫مقام املخاصمة مع منكري النبوة‪ ،‬بل جاءت هذه الروايات من باب‬
‫سمى (اجلري والتطبيق)‪ّ ،3‬‬
‫وإاّل يبقى املعنى‬ ‫يف املداليل واملصاديق‪ ،‬وهو ما ُي ّ‬
‫أن سرية األئمة ‪ ‬عىل خالف هذا‬ ‫عىل ظاهره يف السياق‪ ،‬هذا مضا ًفا إىل ّ‬
‫املدّ عى‪ ،‬إذ نجد ّأهّنم كانوا يرشدون بعض الناس إىل أخذ عقائدهم من بعض‬
‫أصحاهبم البارعني يف النقاشات الكالمية واحلكمية‪ ،‬كهشام بن احلكم‪.‬‬

‫‪ .1‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬الصفحة ‪522‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫للعاّلمة الطباطبايئ يف أبحاثه الروائية‪ ،‬حيث يذكر يف كثريٍ من املوارد أ ّن‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬راجع تفسري امليزان‬
‫مفرِّس ًة لها بل تكون محدّد ًة وذاكر ًة‬
‫الروايات التي تحدّد مصاديق بعض موضوعات اآليات ال تكون ِّ‬
‫ملصداقٍ من املصاديق وهو املراد من الجري والتطبيق‪.‬‬
‫‪ | 102‬تاریخ علم املنطق‬

‫إن جعل األخذ بالربهان والعقل يف مقابل النصوص والروايات‬ ‫ثان ًيا‪ّ :‬‬
‫قضية بحيث يورث القطع بصحة‬ ‫ٍ‬ ‫من املغالطات‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن الربهان لو قام عىل‬
‫مناص تكوينًا عىل التصديق هبا؛ ّ‬
‫ألن العقل اإلنساين املبتني‬ ‫ّ‬ ‫النتيجة‪ ،‬فال‬
‫عىل حمورية العقل والربهان ٍ‬
‫آب عن نبذ ما يقطع به بالدليل العقيل‪ ،‬وأ ّما‬
‫النصوص الدينية يف باب العقائد واملعارف فهي عىل أقسام‪:‬‬
‫ـ ـقسم يشري إىل العقائد اجلزئية التفصيلية التي ال يتع ّلق هبا الربهان ً‬
‫أصاًل؛ ملا‬
‫مر يف كتاب الربهان عند املناطقة من كونه يقوم عىل إثبات النتائج الكلية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫مثاًل بعذاب‬ ‫قضية خاص ٍة متع ّل ٍ‬
‫قة ً‬ ‫ٍ‬ ‫فلو وردت رواي ٌة عن املعصوم ‪ ‬يف‬
‫ّ‬
‫مؤمن يف اآلخرة أو بتفاصيل املعاد واملعاجز‪ ،‬فهذه‬ ‫ٍ‬ ‫فرعون‪ ،‬أو بثواب‬
‫قضايا خارج ٌة عن دائرة الربهان‪ ،‬وال يوضع العقل يف مقابلها حتى يقال‬
‫برتجيح أحدمها‪.‬‬
‫ـ ـقسم ٍ‬
‫ثان وهو الروايات التي ذكرت عقائد ك ّلي ًة من دون ذكر الدليل‬
‫العقيل عليها‪ ،‬كروايات التوحيد التي يكون مص ّبها توصيف اهلل تعاىل‬
‫معدود وال جسم له إىل غري ذلك‪ ،‬فهذه النصوص‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حمدود وال‬ ‫بأنّه غري‬
‫تقريري ٌة توصيفية‪ْ ،‬‬
‫فإن أمكن قيام الربهان العقيل عىل مؤ ّداها فبه‬
‫ونعمت‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن العقل الربهاين ال يعارضها بل يعضدها‪.‬‬

‫ـ ـقسم ثالث وهو الروايات التي ذكرت بعض العقائد الك ّلية‪ ،‬وأتت‬
‫بالربهان عليها‪ ،‬كالروايات الواردة يف أصول الكايف يف إثبات الصانع‪،‬‬
‫وهذه الروايات إنّام أتت باملدّ عى وأقامت الدليل العقيل عليه‪ ،‬فتشري إىل‬
‫حمورية العقل يف التصديق هبا واإلذعان ملؤ ّداها؛ ّ‬
‫ألن االتيان بالدليل جاء‬
‫النص‪.‬‬
‫أن العقل ال يقابل ّ‬ ‫أيضا من الواضح ّ‬‫لغوا‪ ،‬وهذا القسم ً‬ ‫لإلقناع ال ً‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪103‬‬

‫وعليه فإذا كان منهجهم ‪ ‬يف القسم األخري ذكر الدليل مع املدّ عى‪،‬‬
‫خاص باملورد الذي‬‫ٌّ‬ ‫أن يقال ّ‬
‫إن االستدالل‬ ‫والدليل عقيل‪ ،‬فال يمكن ْ‬
‫األئمة‬
‫ّ‬ ‫إن هذه النصوص كاشف ٌة عن استناد‬ ‫جاءت فيه تلك األدلة‪ ،‬بل ّ‬
‫إن الفالسفة واحلكامء‬ ‫حجية العقل يف باب العقائد‪ ،‬وال يقال ّ‬
‫‪ ‬إىل ّ‬
‫واملتكلمني اختلفوا يف أحكامهم وك ّلهم يستند إىل العقل‪ ،‬إذ أجبنا عن هذه‬
‫الشبهة فيام مىض فال نكرر‪.‬‬
‫ً‬
‫وبدياًل عنها‬ ‫إن جعل النصوص الدينية يف مقابل العقل‬ ‫وخالصة األمر‪ّ ،‬‬
‫يف باب العقائد الكلية كإثبات وجود اهلل تعاىل أو جتر ّد النفس أو املعاد أو‬
‫وخاصة بمراجعة النصوص الواردة عن أهل البيت ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النبوة ممّا ال يقبل‬
‫ّ‬

‫ألهّنا إهلامي ٌة ورضورية‬


‫القضية الثانية‪ :‬يف أنّه ال معنى لكسب املعرفة باهلل ّ‬
‫سميناه بدائل‬ ‫من القضايا املهمة يف طرح األمني االسرتآبادي يف ما ّ‬
‫التفكري الربهاين يف باب العقائد وباخلصوص يف باب معرفة اهلل تعاىل‪،‬‬
‫متفر ٌع عىل‬
‫ا ّدعاؤه أن جعل البحث والتفكري للوصول إىل معرفة اهلل تعاىل ّ‬
‫كون هذه املعرفة ممّا يقع موضو ًعا للربهان والتفكري العقيل‪ ،‬وأ ّما لو قلنا ّ‬
‫بأن‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ ال نحتاج إىل تعسف‬ ‫املعرفة باهلل تعاىل إ ّما إهلامية من قبله وإ ّما بدهيية‪،‬‬
‫اجلهد لالستدالالت العقلية والربهانية‪ ،‬قال‪ « :‬وأنا أقول ّأو ًاًل‪ :‬قد نقل عن‬
‫أن معرفته تعاىل عندهم رضوري ٌة ال كسبية‪ ،‬فكيف ّ‬
‫يصح قوله‪ :‬فأ ّما‬ ‫الصوف ّية ّ‬
‫معرفته تعاىل فواجبة إمجا ًعا من األ ّمة؟‬

‫النبوة متّصلة إىل‬


‫ثم أقول ثان ًيا‪ :‬قد تواترت األخبار عن أهل بيت ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن معرفة اهّللّ تعاىل [و معرفة توحيده] بعنوان أنّه خالق العامل‬ ‫النبي‪ّ ‬‬‫ّ‬
‫وأن له رىض وسخ ًطا‪ ،‬وأنّه ال بدّ من مع ّلم من جهة اهّللّ تعاىل ليع ّلم اخللق‬
‫ّ‬
‫ما يرضيه وما يسخطه من األمور الفطرية ا ّلتي وقعت يف القلوب بإهلا ٍم‬
‫‪ | 104‬تاریخ علم املنطق‬

‫فطري إهلي»‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫إهلي‪ ،‬كام قال احلكامء‪ :‬الطفل يتع ّلق بثدي أ ّمه بإهلا ٍم‬
‫فطري ّ‬
‫ّ‬
‫والكالم يقع عىل قسمني‪:‬‬

‫متسك هبا األمني االسرتآبادي‬


‫أواًل‪ :‬النصوص التي ّ‬‫ً‬
‫ٍ‬
‫بنحو فطري‪ ،‬فهي إنصا ًفا‬ ‫فأ ّما النصوص الواردة حول إهلام املعرفة‬
‫روايات كثري ٌة يمكن تقسيمها إىل قسمني‪:‬‬
‫ٌ‬
‫أمر قد فطر عليه اإلنسان‬ ‫القسم األول‪ :‬الروايات التي د ّلت عىل ّ‬
‫أن املعرفة ٌ‬
‫نذكر منها بعضها‪:2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ـ ـ َع ِليُّ ْب ُن ِإ ْب َر ِاه َيم‪َ ،‬ع ْن أ ِب ِيه‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن أ ِبي ُع َم ْي ٍر‪َ ،‬ع ْن ِه َش ِام ْب ِن َس ِال ٍم‪َ :‬ع ْن‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ هَّللَّ َّ َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ َ ْ َّ َ َ ْ َّ َ‬
‫ت ا ‏ِ ال ِيِت ف َط َر انلَّاس‬ ‫الساَل ُم)‪ ،‬قال‪ :‬قل ُت‏‪﴿ :‬ف ِطر ‏‬ ‫أ ِبي عب ِد الله (علي ِه‬
‫َعلَ ْيها﴾؟ َق َال‪َّ :‬‬
‫«الت ْو ِح ُيد»‪.‬‬
‫اب‪،‬‬ ‫ـ ـ ُم َح َّم ُد ْب ُن َي ْحيى‏‪َ ،‬ع ْن َأ ْح َم َد ْبن ُم َح َّمد‪َ ،‬عن ْابن َم ْح ُبوب‪َ ،‬ع ْن َعليِّ ْب ‏ن ر َ‬
‫ئ‬
‫َّ ِ ِ ِ َّ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ِ َّ َ َ ْ ِ َّ ِ َ ُ َ ْ ٍ َْ‬
‫عن زرارة‪ ،‬قال‏‪ :‬سألت أبا عب ِد الل ِه (علي ِه الساَلم) عن قو ِل الل ِه عز و جل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ﴿فط َر َت الل ِه ال ِتي فط َر َّالن َاس َعل ْيها﴾‪ .‬قال‪« :‬فط َر ُه ْ‏م َج ِم ًيعا َعلى َّالت ْو ِح ِيد»‪.‬‬
‫ـ ـ َعليُّ ْب ُن إ ْب َراه َيم‪َ ،‬ع ْن َأبيه‪َ ،‬عن ْابن َأبي ُع َم ْير‪َ ،‬عن ْابن ُأ َذ ْي َن َة‪َ ،‬ع ْن ُز َر َار َة‪َ :‬عنْ‬
‫ِ‬
‫ُ َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ َ ِ َ ِ َ ْ َّ َ ِ ُ ِ َ َ ِ َ ِ َ ْ ُ ِ ُ َ ْ َ ٍْ ِ َّ ِ َ َّ َ َ َّ‬
‫أ ِبي جعف ٍر (علي ِه الساَلم)‪ ،‬قال‪ :‬سألته عن قو ِل الل ِه (عز وجل)‪﴿ :‬حنفاء ِلل ِ‏ه‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َّ َ َ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫«الح ِن ِيف َّية ِم َن ال ِفط َر ِة ال ِتي فط َر الل ُه‏ َّالن َاس َعل ْي َها‬ ‫غ ْي َر ُم ْش ِر ِك َين ِب ِه﴾‪ .‬قال‪:‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫اَل َت ْب ِديل ِلخل ِق الل ِه»‪ .‬قال‪« :‬فط َر ُه ْم َعلى ال َم ْع ِرف ِة ِب ِه‏»‪.‬‬

‫ترصح ّ‬
‫بأن البرش أمجعني مفطورون عىل‬ ‫وحاصل األمر ّ‬
‫أن هذه الروايات ّ‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪.407 ،‬‬


‫‪ .2‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الجزء ‪ ،3‬الصفحة ‪.35 -34‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪105‬‬

‫املعرفة باهلل تعاىل وعىل التوحيد‪ ،‬ولكن هل هناك مالزم ٌة بني هذا األمر وبني‬
‫طلب التعلم والسعي يف املباحث الربهانية لتحصيل املعرفة باهلل تعاىل والتوحيد؟‬

‫إن الفطرة املقصودة‬ ‫اإلنصاف يقتيض أنّه ال تعارض بني األمرين؛ إذ ّ‬


‫ههنا بقرينة كوهنا فطر ًة جيتمع فيها الكافر واملؤمن ال تغني عن طلب العلم‬
‫مفطور عىل التوحيد وهذا يكفيه مؤونة‬ ‫ٌ‬ ‫والدليل‪ ،‬إذ كيف يقال ّ‬
‫إن الكافر‬
‫أن يقال ّ‬
‫إن‬ ‫االعتقاد باهلل مع أنّه كافر يف الوقت نفسه؟! نعم األقرب هو ّ‬
‫البحث العقيل الربهاين تتم ّثل وظيفته يف بعض مباحث التوحيد عىل إزالة‬
‫الغفلة النظرية واألوهام الفكرية عن وجه الفطرة األصلية الكامنة يف‬
‫ظاهرا ب ّينًا‬ ‫أمرا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وبعبارة أخرى عن فطرية التوحيد التي تكون إما ً‬
‫لإلنسان وإ ّما مغطا ًة بالشبهات واألغاليط‪ ،‬فيكون السعي الربهاين كاش ًفا‬
‫ً‬
‫ومزياًل للشبهات‪.‬‬ ‫هلا‪،‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬الروايات التي تنفي وجود ٍ‬
‫أداة معرفية‪:‬‬
‫وهي روايات بحسب الوهلة األوىل رصحي ٌة يف مراده نفي مطلق لوجود‬
‫معرفية ذاتية – كالعقل‪ -‬يف اإلنسان‪ ،‬بنحو يمكنه االعتامد عليها ملعرفة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أداة‬
‫‪1‬‬
‫التوحيد وصفات اهلل تعاىل وآثاره‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫ـ ـ حممد بن حييى وغريه‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن حممد بن أيب‬
‫عمري‪ ،‬عن حممد بن حكيم قال‪ :‬قلت أليب عبد اهلل ‪ :‬املعرف ُة ِم ْن‬
‫صن ِع من هي؟ قال‪ِ :‬‬
‫«م ْن صن ِع اهلل‪ ،‬ليس للعباد فيها صنع»‪.‬‬ ‫َ ْ‬
‫قلت أليب عبد اهلل ‪« :‬أصلحك اهلل هل ُج ِعل يف‬ ‫ـ ـعن عبد األعىل قال‪ُ :‬‬
‫الناس أدا ًة ينالون هبا املعرفة؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬فهل كلفوا املعرفة؟‬
‫قال‪ :‬ال»‪.‬‬
‫‪ .1‬راجع‪ ،‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬الجزء ‪( 1‬كتاب التوحيد‪ -‬يف باب البيان والتعريف‬
‫ولزوم الحجة‪.‬‬
‫‪ | 106‬تاریخ علم املنطق‬

‫بحجية‬
‫ّ‬ ‫إن هذه الروايات رصحي ٌة يف املقام‪ ،‬فال معنى للقول‬ ‫فقد يقال ّ‬
‫واستقاللية العقل يف باب املعارف والعقائد؛ ّ‬
‫ألن املعرفة من صنع اهلل تعاىل‪،‬‬
‫خاصة يف اإلنسان غري ما يوحيه‪ّ .‬إاّل ّ‬
‫إن‬ ‫ومل ِ‬
‫يعط اهلل تعاىل أدا ًة للمعرفة‬
‫ّ‬
‫أن سياق هذه الروايات هو احلديث‬ ‫اإلنصاف عىل خالف ذلك‪ ،‬لوضوح ّ‬
‫واحلجة القائمة يف مسائل الفقه والسلوك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عن الفروع والتكاليف الرشعية‬
‫ناظرة إىل مسائل العقيدة والتوحيد وأمثاهلا‪ ،‬ويشهد لذلك أمران‪:‬‬‫ٍ‬ ‫وغري‬
‫األول‪ :‬سياقها نفسها ونظائرها التي وضعها املحدّ ث الكليني يف ٍ‬
‫باب‬
‫روايات من قبيل‪ « :‬عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أمحد‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬حيث أدرج معها‬
‫بن حممد بن خالد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ثعلبة بن ميمون‪ ،‬عن محزة بن‬
‫وجل)‪َ ﴿ :‬و َما َاَك َن ّ ُ‬
‫اهّلل‬ ‫(عز َّ‬ ‫حممد الطيار‪ ،‬عن أيب عبد اهلل ‪ ‬يف قول اهلل َّ‬
‫ُ َّ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ّ َ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ‬
‫ون﴾‪ .‬قال‪« :‬حتى يعرفهم ما‬ ‫ضل قوما بعد إِذ هداهم حىَّت يب ِنِّي لهم ما يتق‬ ‫ِيِل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َََ ُ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ورها َوتق َواها﴾ قال‪ّ :‬بنّي هلا ما تأيت‬ ‫يرضيه وما يسخطه‪ ،‬وقال‪﴿ :‬فألهمها فج‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يل إ َّما شاك ًِرا ِإَوما كف ً‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ َّ َ‬
‫عرفناه‪،‬‬‫ّ‬ ‫ورا﴾‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وما ترتك‪ ،‬وقال‪﴿ :‬إِنا هديناه السبِ َ ِ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫آخذ وإ ّما تارك‪ ،‬وعن قوله‪َ ﴿ :‬وأما ث ُمود فهديناه ْم فاستح ُّبوا الع َىَم ىَلَع‬ ‫إ ّما ٌ‬
‫عرفناهم فاستح ّبوا العمى عىل اهلدى‪ ،‬وهم يعرفون؟»‪ّ ،1‬‬ ‫ُْ َ‬
‫فإن‬ ‫الهدى﴾‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫ظاهرها النظر إىل كون اهلل تعاىل هو الذي يفيض وح ًيا األحكام الرشعية‬
‫والقوانني املسلكية التي تشكل املنظومة املسلكية لإلنسان‪.‬‬
‫كثريا من الروايات الداعية إىل التفكّر والتأ ّمل يف قدرة‬
‫إن هناك ً‬‫والثاين‪ّ :‬‬
‫اهلل تعاىل وأسامئه وصفاته‪ ،‬وقد أوردها املحدّ ثون يف كتبهم‪ ،‬فال حيتمل ْ‬
‫أن‬
‫زوده‬
‫يدعو الدين إىل التفكّر والتأ ّمل يف صفات اهلل وآثاره‪ ،‬ومل يكن قد ّ‬
‫سابق‬
‫أن التفكّر يف التوحيد وأمثاهلا ٌ‬ ‫باألداة املعرفية لذلك‪ ،‬وقد ُعلم ساب ًقا ّ‬
‫النبوة وقبول النصوص‪.‬‬
‫أصاًل عىل مسألة ّ‬‫ً‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪107‬‬

‫خامتة‬
‫أن املحدّ ث‬‫يظهر من جممل ما تقدّ م يف األقسام الثالثة من هذا البحث‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫جديرة باملالحظة وهي‬ ‫األخباري حممد األمني األسرتآبادي انطلق من ٍ‬
‫نقطة‬
‫أن س ّلم ّ‬
‫أن‬ ‫التفكيك بني علم املنطق من جهة الصورة ومن جهة املادة‪ ،‬وبعد ْ‬
‫عاصم إذا ُط ّبق عن اخلطأ إال إنّه من اجلهة الثانية ال‬
‫ٌ‬ ‫املنطق من اجلهة األوىل‬
‫عاصاًم؛ ولذا كان االعتامد عىل العقل املنطقي يف استخراج‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬ ‫يمكن ْ‬
‫األفكار مؤ ّد ًيا إىل االختالفات بني احلكامء واملتك ّلمني وعلامء أصول الفقه؛‬
‫ولذا انتهى األخباري احلاذق إىل القول بأنّه ينبغي يف باب النظريات االعتامد‬
‫معصومة عن اخلطأ وال تؤ ّدي إىل التشتت واالختالف‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫عىل موا ّد‬
‫احلس‬
‫احلسية أو القريبة من ّ‬ ‫األول املوا ّد ّ‬
‫القرار يف ذلك االعتامد عىل أمرين‪ّ ،‬‬
‫التي ال خيطئ فيها الناس لقرهبا من اإلدراك – كام يقول‪ -‬والثاين النقل عن‬
‫ألهّنم أهل العصمة‪.‬‬
‫األئمة األطهار ‪‬؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد أقام عىل هذا املدّ عى تار ًة أد ّل ًة حتليلي ًة عقلي ًة وأخرى أد ّل ًة نقلية‪ ،‬وحاولنا‬
‫أن نقرر ما ذكره عىل ٍ‬
‫وجه يفي بمراداته‬ ‫يف األقسام املشكّلة لصلب هذا البحث ْ ّ‬
‫مستندين بذلك إىل نصوصه التي ذكرها يف كتابه األم وهو كتب (الفوائد‬
‫القوة والضعف فيه‪.‬‬‫استدل به وبيان مكامن ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدنية)‪ ،‬ومن َثم فحص ما‬
‫أن هناك شي ًئا من الصواب فيام ذكره يتم ّثل‬ ‫ومن األمور التي خلصنا إليها‪ّ ،‬‬
‫املهمة يف إعامل العقل وحفظ‬ ‫أن الركون إىل النصوص الدينية له قيمته ّ‬ ‫يف ّ‬
‫األفكار من الوقوع يف اخلطأ والسهو‪ ،‬ولكن هذا عىل سبيل إعداد العقل‬
‫للتفكّر‪ ،‬وليس عىل سبيل استبدال العقل‪ ،‬وهو ما أشار إليه صدر ّ‬
‫املتأهّلني‬
‫مثاًل ال ّ‬
‫تدل‬ ‫يف بعض العبارات السابقة‪ ،‬فاالختالفات الناشئة بني الفالسفة ً‬
‫بالرضورة عىل ضعف أو ق ّلة قيمة أداة املنطق التي يستعملوهنا – كام ذهب‬
‫تدل عىل رضورة ارتباط اإلنسان بمصدر‬ ‫إليه األمني األسرتآبادي‪ -‬وإنّام ّ‬
‫‪ | 108‬تاریخ علم املنطق‬

‫العصمة والوحي حتى يبقى متيق ًظا وحاف ًظا ألبعاد أخرى من أبعاد تعقله‪.‬‬
‫أن األد ّلة النقلية التي اعتمدها األمني األسرتآبادي يف جمال‬
‫هذا مضا ًفا إىل ّ‬
‫تعرض مجل ٌة من املفكّرين واألصوليني‬ ‫إثبات دعواه ال ختلو عن ضعف‪ ،‬وقد ّ‬
‫ملناقشتها وبيان اخللل فيها‪.‬‬
‫أن علم املنطق – من حيث املباحث‬ ‫ويف اخلامتة‪ ،‬نؤكّد قضي ًة حموري ًة وهي ّ‬
‫ألن‬ ‫الصورية فيه واملباحث املادية‪ -‬مدي ٌن إلثارات املشكّكني واحلذرين منه؛ ّ‬
‫بأن‬‫العلم تراكم بني األذهان النقادة السائلة واملجيبة‪ ،‬ومن هنا أمكننا احلكم ّ‬
‫وخاصة ما قدّ مه األمني األسرتآبادي‪ -‬مت ّثل حلق ًة‬
‫ّ‬ ‫حلقة الردود األخبارية ‪-‬‬
‫أن‬ ‫مرشق ًة يف سري علم املنطق والعلوم العقلية يف العامل اإلسالمي‪ ،‬ويمكن ْ‬
‫إن من املميزات التي مت ّيزت هبا شجرة العلوم العقلية يف العامل اإلسالمي‬ ‫نقول ّ‬
‫النص الديني‪ -‬وهذا ما مل‬ ‫ٍ‬
‫وجود طبقة من العلامء والفقهاء احلريصني عىل ّ‬
‫يكن موجو ًدا يف العصور اليونانية األوىل‪ -‬بحيث انعكس حرصهم تشكيكًا‬
‫ٍ‬
‫ومشحونة‬ ‫فضاءات ٍ‬
‫مليئة‬ ‫ٍ‬ ‫وأسئل ًة دفعت العقول إىل إعامل أنشطتها الفكرية يف‬
‫وملحة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫ٍ‬
‫بأسئلة‬
‫ّ‬
‫النقد األخباري لعلم املنطق‪ ،‬قراء ٌة نقدي ٌة | ‪109‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن النديم‪ ،‬الفهرست‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪2.‬ابن سينا واملح ّقق الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات (مع املحاكامت)‪ ،‬دار نرش البالغة‪،‬‬
‫قم –إيران‪ 1375 ،‬هجري شميس‪.‬‬
‫‪3.‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬دار نرش البالغة‪ ،‬قم –إيران‪ 1375 ،‬هجري شميس‪.‬‬
‫‪4.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء‪ -‬املنطق‪ ،‬مكتبة املرعيش النجفي‪ ،‬قم – إيران‪ 1405 ،‬ق‪.‬‬
‫‪5.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬إهليات الشفاء‪ ،‬مكتبة السيد املرعيش النجفي‪ ،‬قم املقدسة – إيران‪ 1404 ،‬ق‪.‬‬
‫‪6.‬أبو ح ّيان التوحيدي‪ ،‬املقابسات‪ ،‬دار سعاد الصباح‪ ،‬الكويت‪.1992 ،‬‬
‫‪7.‬هباء الدين حممد بن احلسن األصفهاين (الفاضل اهلندي)‪ ،‬عون إخوان الصفاء عىل فهم كتاب‬
‫الشفاء‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل أوجبي‪ ،‬مؤسسه بزوهشكي حكمت وفلسفه ايران‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪ 1394 ،‬ش‪.‬‬
‫‪8.‬ديمرتي غوتاس‪ ،‬الفكر اليوناين والثقافة العربية‪ :‬حركة الرتمجة اليونانية‪ -‬العربية يف بغداد‬
‫واملجتمع العبايس املبكر‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬نقوال زياده‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت – لبنان‪.2003 ،‬‬
‫‪9.‬رفيق عجم وآخرون‪ ،‬موسوعة مصطلحات علم املنطق عند العرب‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪،‬‬
‫بريوت – لبنان‪ 1375 ،‬هجري شميس‪.‬‬
‫ ‪10.‬السيد روح اهلل اخلميني‪ ،‬اآلداب املعنوية للصالة‪ ، ،‬ترمجة السيد أمحد الفهري‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ 1986 ،‬ميالدي‪.‬‬
‫ ‪11.‬السيد حممد باقر الصدر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬تقرير‪ :‬السيد حممود اهلاشمي‪ ،‬مؤسسة‬
‫الفقه ومعارف أهل البيت ‪ ،‬قم املقدسة – إيران‪.‬‬
‫ ‪12.‬صــدر املتأهلــن الشــرازي‪ ،‬احلاشــية عــى إهليــات الشــفاء‪ ،‬نــر بيــدار‪ ،‬قــم املقدســة‪-‬‬
‫إيــران‪ ،‬دون تاريــخ‪.‬‬
‫ ‪13.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬رشح أصول الكايف‪ ،‬انتشارات بنياد حكمت اسالمي صدرا‪ ،‬طهران‪-‬‬
‫إيران‪ 1387 ،‬هجري شميس‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬اجلوهر النضيد‪ ،‬نرش بيدار‪ ،‬قم –إيران‪ 1363 ،‬هجري شميس‪.‬‬ ‫ ‪ّ 14.‬‬
‫ ‪ّ 15.‬‬
‫العاّلمة حممد حسني الطباطبائي‪ ،‬رسالة الربهان‪ ،‬بوستان كتاب‪ ،‬قم املقدسة‪ -‬إيران‪ 1387 ،‬ش‪.‬‬
‫‪ | 110‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪16.‬غــام حســن الدينــاين‪ ،‬حركــة الفكــر الفلســفي يف العــامل اإلســامي‪ ،‬دار اهلــادي‪ ،‬بــروت‬
‫– لبنــان‪.2001 ،‬‬
‫ ‪17.‬حممد أمني األسرتآبادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم – إيران‪ 1442 ،‬هجري‬
‫قمري‪ ،‬الطبعة السابعة‪.‬‬
‫ ‪18.‬حممد بن عمر الكيش‪ ،‬اختيار معرفة الرجال ( رجال الكيش)‪ ،‬نقله‪ :‬الشيخ حممد بن احلسن‬
‫الطويس‪ ،‬النارش مؤسسه نرش دانشكاه مشهد‪ ،‬مشهد املقدسة‪ -‬إيران‪1409 ،‬ق‪.‬‬
‫ ‪19.‬حممد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬قم املقدسة‪ -‬إيران‪ 1429 ،‬هجري‪.‬‬
‫ ‪20.‬حممد رضا املظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬نرش اسامعيليان‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ 1366 ،‬هجري شميس‪.‬‬
‫ِّ‬
‫اإلسالمي‬ ‫املنطق واللغة ودورهما يف تطور الفكر‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬فاطمة عيل ع ُّبود‬

‫ملخَّص البحث‬
‫يوجه الذهن نحو الصواب‬ ‫الفلسفي الذي ِّ‬‫ِّ‬ ‫يم ِّثل املنطق جان ًبا من النتاج‬
‫دالة عىل معاين‬ ‫ألفاظ ٍ‬‫ٍ‬ ‫وحيول بينه وبني وقوعه يف اخلطأ‪ ،‬معتمدً ا بذلك عىل‬
‫األلفاظ اللغ ُة املسؤول ُة عن توليد املعاين‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫وتوجه هذه‬
‫ِّ‬ ‫الصواب واخلطأ‪،‬‬
‫لغوية جتعلها قادر ًة عىل التعبري‬ ‫ٍ‬ ‫تقوم املقوالت األرسطية املنطقية عىل ٍ‬
‫بنية‬
‫عن األشياء اخلارجية املوجودة‪ ،‬فاملقوالت حسب رأي الفارايب مهمتها‬
‫فلكل‬ ‫دة‪ِّ ،‬‬ ‫مدلوالت حمدَّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫إجياد قوانني وضوابط تن ِّظم التفكري‪ ،‬كام َّأهَّنا تشري إىل‬
‫مقولة دالل ٌة معين ٌة‪ ،‬ونسبة صناعة املنطق إىل العقل عنده تعادل نسبة صناعة‬ ‫ٍ‬
‫النحو إىل اللسان واأللفاظ‪ ،‬وقد وضع الفارايب بذلك أسس الفلسفة اللغوية‬
‫التي باتت الح ًقا أبرز فلسفات القرن العرشين‪ ،‬وتناول ابن سينا املقوالت‬
‫معاين جديدة؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫َ‬ ‫األرسطية بالرشح والتحليل والتقسيم‪ ،‬وأضاف إليها‬
‫لغة أرسطو مل تساعد‪ -‬كام هو حال اللغة العربية‪ -‬عىل تلك اإلضافة التي‬
‫وروح إسالمية‪ ،‬كام سعى إىل جعل املنطق أدا ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمعان أغزر وبطاب ٍع‬ ‫امتازت‬
‫بشكل عام‪ ،‬ومل يقم بفصل املنطق عنها؛ لذا فقد‬ ‫ٍ‬ ‫وجز ًءا من العلوم املعرفية‬
‫درك باحلواس‪ ،‬يف‬ ‫حاول إسقاط معرفة املنطق عىل الوجود األنطولوجي ا ُمل َ‬
‫وعرف‬ ‫بشكل شبه تام‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن ابن رشد قد توافق مع أرسطو يف مقوالته‬ ‫حني َّ‬
‫ٍ‬
‫موجود‪.‬‬ ‫يشء أو ٍ‬
‫كائن‬ ‫ابن حزم املقوالت بأهَّنا أنواع الصفات التي تشري إىل ٍ‬
‫َّ‬
‫يعرِّب عن‬
‫وفكري‪ ،‬واللفظي ِّ‬
‫ٍّ‬ ‫لفظي‬
‫ٍّ‬ ‫قسم أخوان الصفا املنطق إىل قسمني‪،‬‬
‫َّ‬
‫‪ .1‬دكتوراة يف اللُّغة العرب َّية وآدابها‪ ،‬أستاذة يف جامعة سلجوق ‪ /‬تركيا‪.‬‬
‫‪ | 112‬تاریخ علم املنطق‬

‫استخدام اللغة‪ ،‬وتشارك بمعرفته بقية احلواس‪ ،‬والفكري هو ما وجد يف‬


‫أفكار مصدرها العقل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لفظي‪ ،‬وتكون عىل شكل‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫اإلنساين من‬ ‫الذهن‬
‫ِّ‬
‫كونوا رؤي ًة حول املقوالت األرسطية تقوم عىل أساس َّ‬
‫أن معاين األشياء‬ ‫وقد َّ‬
‫ك َّلها قد اجتمعت يف هذه املقوالت العرشة‪ ،‬فهي شامل ٌة ملعنى املوجودات؛‬
‫ولذا قالوا هبذه املقوالت العرشة بغية االستفادة منها يف الكالم أي يف األحكام‬
‫إسالمي؛‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫هم الشيخ حممد رضا املظ َّفر إىل بناء‬ ‫والقضايا املنطقية‪ ،‬وقد ّ‬
‫ولذلك البدَّ من االستفادة من جتارب األمم السابقة القديمة واملعارصة‬
‫لنا‪ ،‬واألمر اآلخر هو املحافظة عىل اهلوية الدينية واملذهبية دون االنصهار‬
‫إسالمي يم ِّيز املذهب‬
‫ٌ‬ ‫منطقي‬
‫ٌ‬ ‫يف بوتقة األفكار القادمة‪ ،‬حتى يكون لدينا‬
‫الشيعي ويعطيه خصوصيته‪ ،‬بفضل موضوعاته املختلفة عن غريها ال بفضل‬ ‫َّ‬
‫االنغالق والتقوقع عىل الذات‪.‬‬

‫التمهيد‪:‬‬
‫الرضوري الذي‬
‫ِّ‬ ‫حتكم عالقة املنطق باللغة حال ٌة من التفاعل والتبادل‬
‫تعبري عن التفكري والقدرة عىل التواصل‪،‬‬
‫كل منها‪ ،‬فاللغة ٌ‬ ‫حيكم سريورة عمل ٍّ‬
‫تعبري عن ترمجة اللغة إىل سلوك صحيح‪ ،‬فاملنطق من معانيه‬ ‫أن املنطق ٌ‬ ‫يف حني َّ‬
‫منهاجا وأكثر غنى يف‬
‫ً‬ ‫أن اللغة أوسع‬‫الكالم‪ ،‬حيث َّبنَّي علامء اللغة العربية َّ‬
‫ألفاظها ومعانيها‪ ،‬ممَّا جيعل املعنى الصحيح يف اللغة هو الصدق يف املنطق‪،‬‬
‫وبالتايل غياب املعنى يف اللغة هو عدم الصدق أو الكذب يف املنطق‪.‬‬

‫واملنطق برأي الفارايب يعطي لأللفاظ قوانني تشرتك هبا ألفاظ األمم‪،‬‬
‫ومن ذلك كان ِّ‬
‫لكل عل ٍم طريقته يف الوصول إىل املعرفة الصحيحة‪ ،‬وف ًقا‬
‫لقواعد تستند إىل املنطق السليم‪ ،‬واملنطق السليم ليس هو العلم املهتم‬
‫باأللفاظ ومعانيها‪ ،‬إنَّام هو العلم الذي ُيعنى باأللفاظ التي يستخدمها‬
‫اإلسالمي | ‪113‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫العقل يف العمليات العقلية التي تشرتك هبا مجيع األمم باختالف لغاهتا‬
‫وتنوع ثقافاهتا؛ فاالسم والفعل واألداة تتشابه يف لغات األمم مهام اختلفت‬ ‫ُّ‬
‫كل منها‪ ،‬فاملوضوع واملحمول والرابطة ال ختتلف‬ ‫يف صورة اإلشارة إىل ٍّ‬
‫باختالف اللغة؛ وبذلك حيدث التناسب والتوافق بني املنطق والنحو رغم‬
‫أن املنطق آل ٌة‬
‫االختالف يف املسميات فيام بينهام‪ ،‬يف حني أخذ ابن سينا فكرة َّ‬
‫للعلم من أرسطو‪ ،‬وبذلك يكون املنطق رضورة؛ ألمهيته وفائدته يف إسناد‬
‫تفكريية يف تقويم أخطاء التفكري‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمنهجية‬ ‫العلوم العقلية إليه واستخدامه‬
‫صحتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبالتايل يمكننا إرجاع األدلة النقلية إىل أدلة عقلية والربهنة عىل َّ‬
‫اإلنساين بعد‬
‫َّ‬ ‫يقوم السلوك‬ ‫إضاف ًة إىل قيمة املنطق يف كسب األخالق؛ ألنَّه ِّ‬
‫استمرار النقد البنَّاء‪ ،‬كام يقول بأثر املباحث اللغوية يف علم املنطق؛ َّ‬
‫ألن‬
‫والتصورات‪ ،‬وبذلك يقارب بني‬ ‫ّ‬ ‫اللغوي يقوم عىل ترتيب األفكار‬
‫َّ‬ ‫البحث‬
‫التقسيم املنطقي للقضية‪ ،‬وبني تقسيم اللغويني للجملة وتركيبها‪.‬‬

‫لقد َّاخَّتذ املنطق مع أخوان الصفا يف رسائلهم معنى املنهجية يف إثبات‬


‫ٍ‬
‫لغوية تُستعمل‬ ‫صحة الدعوة أو فسادها؛ لذلك كان املنطق عبار ًة عن ٍ‬
‫أداة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مطروحة تكون اللغة وأسلوهبا عامد هذا املنطق‬ ‫لإلقناع من وجهة ٍ‬
‫نظر‬
‫احلجاجي‪.‬‬
‫ِّ‬

‫أو ًاًل‪ :‬املقوالت األرسطية املنطقية وعلم اللغة العربية‪:‬‬


‫املقوالت األرسطية يف املنطق أو قاطيغورياس هي من أهم آثار أرسطو‬
‫يف علم املنطق تناقش الصفات العامة التي تطلق عىل املوجودات من الناحية‬
‫عرش مذكور ٌة هنا بتاممها‪،‬‬
‫بأهّنا‪« :‬هي ٌ‬
‫املنطقية‪ ،‬وقد وصفها يوسف كرم ّ‬
‫ومذكور ٌة تار ًة كلها‪ ،‬وتار ًة بعضها يف مجيع كتب أرسطو تقري ًبا‪ ،‬وهي اجلوهر‬
‫مثل رجل‪ ،‬الكمية مثل ثالثة أشبار‪ ،‬الكيفية مثل أبيض‪ ،‬اإلضافة مثل نصف‪،‬‬
‫‪ | 114‬تاریخ علم املنطق‬

‫املكان مثل السوق‪ ،‬الزمان مثل أمس‪ ،‬الوضع مثل جالس‪ ،‬امللك مثل شاكي‬
‫السالح‪ ،‬الفعل مثل القطع‪ ،‬االنفعال مثل مقطوع»‪.1‬‬

‫تتضمن املقوالت املنطقية األرسطية يف كينونتها تراب ًطا جيعلها قادر ًة عىل‬ ‫َّ‬
‫ألهَّنا تسهم يف تقييم مدى صدق العبارة من عدم صدقها‪،‬‬ ‫اللغوي؛ َّ‬
‫ِّ‬ ‫التعبري‬
‫وانسجامها مع الواقع من عدمه‪ ،‬وقد أعطى أرسطو هذه املقوالت بعدً ا‬
‫يصح‬ ‫مقولة هي من املوجودات يف الواقع وال‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬
‫كل‬ ‫زمان ًيا عىل اعتبار َّ‬
‫ّ‬
‫تعرِّب لغو ًيا‬ ‫إنكارها وجود ًيا (أنطولوج ًيا)‪ ،‬وبام َّأهَّنا مس َّل ٌم هبا وجود ًيا َّ‬
‫فإهَّنا ِّ‬
‫لفظي‬ ‫ٌ‬
‫مشرتك‬ ‫وأن يكون هلا‬ ‫ألن املقولة البدَّ ْ‬ ‫موجود يف هذا الكون؛ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حارض‪ ،‬فهي ُحُتمل عىل‬
‫تعرف‬ ‫معني‪ ،‬فاملقوالت ماهي َّإاَّل ُّ‬ ‫يشء‬ ‫كائن أو‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اخلارجي‪ ،‬وترمجة هذه املعرفة بمقوالت منطقية؛ لذا فقد‬ ‫العقل عىل العامل‬
‫ِّ‬
‫أطلق عليها أرسطو اسم «أجناس الوجود‪ ،‬وأجناس الوجود هي الرضوب‬
‫املختلفة التي يمكن أن يوجد عليها يش ٌء ما‪ ،‬أو أحوال احلمل املنطقي»‪،2‬‬
‫بأن أرسطو يف بداية كتاب (املقوالت) يم ِّيز بني األلفاظ املرتادفة‬ ‫ونالحظ َّ‬
‫عاَّم يف الوجود‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٍ‬ ‫ليبنِّي َّ‬
‫تعرِّب َّ‬
‫أن املقوالت هي معان ِّ‬ ‫واأللفاظ املشرتكة‪ِّ ،‬‬
‫تقابل بني األلفاظ؛ لذا نجده‬ ‫التقابل بني القضايا املنطقية عنده ما هو إال ٌ‬
‫يقول بالتقابل بالتضايف‪ ،‬والتضاد‪ ،‬وبالعدم وا َمل َلكة‪ ،‬وبالسلب واإلجياب‪.‬‬

‫تباينت نظرة الفالسفة املسلمني حول املقوالت األرسطية‪ ،‬فالفارايب‪-‬‬


‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫مثاًل‪ -‬والذي اشتهر باملعلم الثاين لنقله فلسفة أرسطو إىل العامل‬
‫وبنَّي‬
‫أن املقوالت املنطقية من شأهنا صياغة قوانني تنظم التفكري‪َّ ،‬‬‫فقد رأى َّ‬

‫‪ .1‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬منشورات مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫‪ .2‬بول موي‪ ،‬املنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترجمة‪ ،‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬مكتبة دار نهضة مرص‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1961 ،1‬م‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫اإلسالمي | ‪115‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫أن املقوالت هي قوانني املفردات من املقوالت‪ ،‬واأللفاظ الدالة عليها‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫واحد منها اجتمع فيه ْ‬
‫أن كان‬ ‫كل‬ ‫ُأطلق عىل املقوالت اسم مقوالت؛ َّ‬
‫«ألن َّ‬
‫يشء ما مشار إليه حمسوس»‪ ،1‬فاملقوالت‬‫مدلواًل عليه بلفظ‪ ،‬وكان حمو ًاًل عىل ٍ‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫قد تنسب لألشخاص أو لأللفاظ‪ ،‬وقد قدَّ م الفارايب يف رشحه للمقوالت‬
‫الكم‬ ‫عرف‬ ‫ودالالت لغوي ًة من اللغة العربية‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معاين إسالمي ًة‬
‫ُّ‬ ‫فمثاًل نجده ُي ِّ‬
‫بجزء منه مثل‪ :‬العدد‪ ،‬واخلط‪ ،‬البسيط‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن يقدَّ ر مجيعه‬‫يشء أمكن ْ‬‫«كل ٍ‬ ‫بأنَّه ُّ‬
‫الزمان‪ ،‬ومثل‪ :‬األلفاظ واألقاويل»‪ ،2‬كام يظهر ذلك يف‬ ‫والصمت‪ ،‬ومثل‪َّ :‬‬
‫تعريفه ملقولة (اإلضافة)‪ ،‬والتي تعتمد مبدأ النسبة بني شيئني نعرفها عرب‬
‫اللغوي يف اللغة العربية‬
‫َّ‬ ‫عملية القياس‪ ،‬ويف تعريفه ملقولة (متى) َّبنَّي معناها‬
‫وارتباطها بالزمان وبالوجود عرب هذا الزمان‪ ،‬كام تتَّضح داللة مقولة (أين)‪،‬‬
‫ويبنِّي ارتباطها باملكان‪ ،‬وقد تكون داللتها اللغوية‬ ‫حني يرشحها الفارايب لغو ًيا ِّ‬
‫يف اللغة العربية عىل َّأهَّنا جزء من اليشء الدَّ ال عليه جواب سؤال أين‪« ،‬كقولنا‬
‫أن حرف‬ ‫فإن األين ليس هو البيت‪ ،‬لكن ما يفهم من قولنا يف البيت َّ‬ ‫يف البيت‪َّ ،‬‬
‫دال عىل النسبة إىل البيت»‪ ،3‬كام يرشح مقولة (الوضع) وداالهتا اللغوية‬ ‫– يف – ٌّ‬
‫اإلسالمي وما يمكن أن تشري إليه‪ ،‬وكذا‬ ‫ِّ‬ ‫يف العربية‪ ،‬مع تبيان معانيها يف الدين‬
‫احلال يف غريها من املقوالت والتي َّبنَّي معانيها لغو ًيا ودالل ًيا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خمتلف عن الفارايب‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫أ َّما ابن سينا فقد تناول املقوالت األرسطية‬
‫حيث قام بالرشح والتحليل والتقسيم‪ ،‬حيث استخدم دالالت اللغة العربية‬
‫أعم وأشمل‪ً ،‬‬
‫فمثاًل يف تعريفه ملقولة‬ ‫ٍ‬
‫إلضافة معان أكثر وأغزر‪ ،‬وتفاصيل َّ‬
‫‪ .1‬جعفر آل ياسني‪ ،‬الفارايب يف حدوده ورسومه‪ ،‬منشورات عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪،‬‬
‫‪.386‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املقوالت‪ ،‬تحقيق‪ ،‬ماجد فخري‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬املقوالت‪ ،‬تحقيق‪ ،‬وتقديم‪ ،‬رفيق العجم‪ ،‬ماجد فخري‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1997‬م‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ | 116‬تاریخ علم املنطق‬

‫حمل قريب‪،‬‬‫«كل ما وجود ذاته ليس يف موضوع‪ ،‬أي يف ّ‬ ‫يعرفه بأنَّه ُّ‬
‫(اجلوهر)‪ِّ ،‬‬
‫الطويس مع ابن سينا يف‬
‫ُّ‬ ‫قد قام بنفسه دونه بالفعل ال بتقويمه»‪ ،1‬وقد اتفق‬
‫تعريفه ملقولة اجلوهر‪ ،‬ففي كتابه (جتريد املنطق)‪ ،‬نجده يذكر تعريف اجلوهر‬
‫متقو ًما دون ما ُّ‬
‫حيل‬ ‫حمل يوجد ِّ‬ ‫بأنَّه «موجو ٌد ال يف (موضوع) واملوضوع‪ّ :‬‬
‫قسم‬‫فيه» ‪ ،‬ويتَّضح التقسيم الذي اتبعه ابن سينا يف كتابه الشفاء عندما َّ‬
‫‪2‬‬

‫ٍ‬
‫وثالثة‪ ،‬وم َّيزه عن ال َع َرض الذي ال يقوم‬ ‫ٍ‬
‫وثانية‬ ‫مقولة (اجلوهر)‪ ،‬إىل أوىل‬
‫ّإاّل بغريه‪ ،‬وهو بذلك خيتلف عن اجلوهر‪ ،‬وكذا احلال يف حديثه عن مقولة‬
‫موسع‬
‫(الكيف) حيث جلأ إىل تقسيمه إىل أربع أقسام ورشحه لغو ًيا بشكل َّ‬
‫أكثر‪ ،‬وقد اختلف ابن سينا مع غريه من الفالسفة وعلامء اإلسالم يف رشحه‬
‫وحتليله للمعاين اللغوية للمقوالت ودالالهتا‪.‬‬

‫أن ابن رشد قد اتَّفق مع أرسطو عىل تقسيم املقوالت وترتيبها‬ ‫يف حني َّ‬
‫يقسمها إىل قسمني‪،‬‬ ‫وعدّ ها جز ًءا من منطق أرسطو‪ ،‬فمقولة (اجلوهر) ً‬
‫مثاًل ّ‬
‫ّأول هو ذات من غري موضوع‪ ،‬أ َّما القسم الثاين فهو َع َر ٌض‪ ،‬وهو يتَّفق مع‬
‫ٍ‬
‫منفصل‪،‬‬ ‫وكم‬ ‫ٍ‬
‫متصل ٍّ‬ ‫كم‬
‫للكم إىل قسمني‪ٍّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫أرسطو‪ ،‬وكذا احلال يف تقسيمه‬
‫وضح ابن رشد ‪ -‬وحسب اللغة العربية – َّأهَّنا مت ِّثل‬ ‫ويف مقولة (الوضع) َّ‬
‫«األشياء التي أسامؤها مشتق ٌة من املضاف مثل‪ :‬املضجع واملتكئ‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫فإن معاين‬ ‫االضطجاع واالتكاء تنتمي إىل مقولة املضاف»‪ ،3‬وباملجمل َّ‬
‫املقوالت ورشحها وتقسيمها عند ابن رشد تتوافق مع أرسطو‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬كتاب النجاة يف الحكمة الطبيعية واملنطقية واإللهية‪ ،‬تنقيح‪ ،‬وتقديم‪ ،‬ماجد فخري‪،‬‬
‫دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ .2‬نرص الدين الطويس‪ ،‬تجريد املنطق‪ ،‬منشورات مؤسسة األعلمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ .3‬ابن رشد‪ ،‬تلخيص كتاب املقوالت‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمود قاسم‪ ،‬مراجعة‪ ،‬وتقديم‪ ،‬تشارلس بروث‪،‬‬
‫وعبد املجيد هريدي‪ ،‬منشورات الهيأة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫اإلسالمي | ‪117‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫أ َّما ابن حزم فقد أطلق عىل املقوالت اسم (األسامء املفردة)‪ ،‬وبالتايل‬
‫«ألفاظ كلي ٌة يمكن أن ُحُتمل عىل املوضوع يف القضية‬ ‫ٌ‬ ‫يعرفها عىل َّأهَّنا‬
‫فإنَّه ِّ‬
‫إن املقوالت هي أنواع الصفات التي يمكن أن‬ ‫وبعبارة أخرى‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫املنطقية‪،‬‬
‫(الكم) تشري‬ ‫اللغوي ملقولة‬ ‫أن املعنى‬‫يشء معني»‪ ،1‬كام َّ‬‫كائن‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ُحُتمل عىل ٍ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫إىل املعنى احلسن واجليد لسؤال الكمية‪ ،‬وبذلك يكون اجلواب يف اللغة‬
‫ناقصا؛ لذلك يمكننا القول‬ ‫وكثريا أو ً‬
‫قلياًل‪ ،‬وزائدً ا أو ً‬ ‫ٍ‬
‫مساو‪،‬‬ ‫مساو ًيا أو غري‬
‫ً‬
‫أن تكون‬ ‫بأن العرشة هي ما تساويه الثامنية مع االثنني (‪ ،)2+8‬وال يمكن ْ‬ ‫َّ‬
‫الثامنية وحدها هي مساوية للعرشة وال االثنني بمفردها‪ ،‬وهذا ما ُيطلق عليه‬
‫جواب‬
‫ٌ‬ ‫أن مقولة (الكيف) يف اللغة هي‬ ‫ابن حزم عملية مجع الكمية‪ ،2‬كام َّ‬
‫خيص األبدان وحاهلا‪ ،‬ومنها ما‬‫عن سؤال كيف‪ ،‬وهي عىل قسمني منها ما ُّ‬
‫خيص األنفس وتبدُّ الهتا‪ .‬ويف حديث ابن حزم عن املعاين اللغوية يف اللغة‬
‫ُّ‬
‫يقسم مقولة (الزمان) إىل ثالثة أقسام‬‫العربية للمقوالت األرسطية نجده ِّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل ينسجم مع األزمنة وتقسيمها يف اللغة العربية فيذكر املايض واملقيم‬
‫ثم املستقبل‪.‬‬
‫أو احلال َّ‬
‫يتَّضح من تناول الفالسفة واملتك ِّلمني والفقهاء املسلمني ملقوالت أرسطو‬
‫وترمجتها إىل اللغة العربية َّأهَّنم جلؤوا إىل التعديل والرشح والتحليل والتعليق‬
‫عليها‪ ،‬انطال ًقا من التباينات اللغوية‪ ،‬وانسجا ًما مع املصطلحات اللغوية‪،‬‬
‫واالنطالق من النحو وغزارته الداللية‪ ،‬وقد تباينت أحيانًا الداللة واملعنى‬
‫أن اهلدف بقي واحدً ا‪ ،‬وهو االستفادة من هذا‬ ‫بني بعضهم البعض إال َّ‬

‫‪ .1‬مهدي فضل الله‪ ،‬مدخل إىل علم املنطق‪ -‬املنطق التقليدي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1985 ،3‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ .2‬ابن حزم التقريب لحد املنطق واملدخل إليه (باأللفاظ العامية واألمثلة الفقهية)‪ ،‬ويليه محك‬
‫النظر يف املنطق‪ ،‬تأليف‪ ،‬حجة اإلسالم الغزايل‪ ،‬تحقيق‪ ،‬أحمد فريد املزيدي‪ ،‬منشورات دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪ ،‬ص‪ ،52‬بترصف‪.‬‬
‫‪ | 118‬تاریخ علم املنطق‬

‫الفلسفي ألرسطو بفعل اتّساع اللغة العربية وقدرهتا عىل تسخريه‬


‫ِّ‬ ‫املوروث‬
‫ٍ‬
‫منطقية‪.‬‬ ‫وتوظيفه يف إثبات العقائد الدينية ٍ‬
‫بأدلة‬

‫ثان ًيا‪ :‬تآلف اللغة واملنطق عند الفارايب‪:‬‬


‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫املنطقي‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل عا ٍّم والفكر‬ ‫الفلسفي‬
‫ِّ‬ ‫أدرك الفارايب رضورة الفكر‬
‫اإلسالمي ونرشه بني األمم اجلديدة التي انضوت حتت‬ ‫ِّ‬ ‫خاص لتدعيم الفكر‬ ‫ٍّ‬
‫راية احلضارة اإلسالمية‪ ،‬باإلضافة إىل جماورة أو معايشة أقوا ٍم يعتنقون‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فقال‬
‫ِّ‬ ‫مذاهب ديني ًة وفكري ًة وفلسفي ًة خمتلف ًة بل ومتناقض ًة مع الفكر‬
‫ٍ‬
‫ولغوية‬ ‫ٍ‬
‫منطقية‬ ‫ٍ‬
‫مفردات‬ ‫فلسفي‪ ،‬وإضافة‬ ‫ٍ‬
‫برتاث‬ ‫برضورة تدعيم هذا الفكر‬
‫ِّ‬
‫جديدة‪ ،‬فاجتهد الفارايب عىل صياغة املصطلحات املنطقية منذ دخوهلا إىل‬ ‫ٍ‬
‫اليوناين‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الفلسفي‬
‫َّ‬ ‫اللغة العربية عىل يد املرتمجني األوائل الذين نقلوا الرتاث‬
‫مر بمراحل عديدة عىل يد مدرسة (حنني بن اسحق)‪،‬‬ ‫هذا الرتاث الذي قد َّ‬
‫يستقر عند الفارايب الذي أواله عناي ًة‬ ‫َّ‬ ‫و(جابر بن حيان)‪ ،‬و(الكندي) قبل أن‬
‫الفلسفي بمصطلحاته‬ ‫ِّ‬ ‫مؤثرا إجيا ًبا عىل انتشار هذا الرتاث‬ ‫ً‬ ‫خاص ًة جعله‬ ‫ّ‬
‫وإن ا ُمل َّطلع عىل ما ترك ُه الفارايب من‬ ‫وأفكاره بني الناطقني باللغة العربية‪َّ ،‬‬
‫فلسفي يدرك اهتاممه باللغويات‪ ،‬فقد فهم قضايا اللغة وأصول مفرداهتا‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫نتاج‬
‫ٍ‬
‫وتغيري وغري‬ ‫ٍ‬
‫حتوير‬ ‫أن يكون قد حلقها من‬ ‫واشتقاقاهتا وأصواهتا وما عسى ْ‬
‫ذلك ممَّا يدخل يف نطاق فلسفة اللغة وفقهها واللسانيات والصوتيات‪.‬‬

‫الواقعي عن الفكر وترمجانه يف الواقع‪ ،‬كام عدَّ‬


‫َّ‬ ‫التعبري‬
‫َ‬ ‫عدّ الفارايب اللغ َة‬
‫خاصا‪ ،‬ممَّا جيعل قضاياه وقوانينه متَّصل ًة‬‫فكرا عا ًما وليس ً‬ ‫الفلسفي ً‬
‫َّ‬ ‫الفكر‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بلغات‬ ‫يتم التعبري عنها‬ ‫بني اللغات واألمم املختلفة‪ ،‬حتى ْ‬
‫وإن كان ُّ‬
‫فرفض بذلك مزاعم استقالل النحو عن املنطق‪ ،‬فقد اشرتط عىل َم ْن يرغب‬
‫أن «صناعة املنطق تناسب صناعة‬ ‫بتع ُّلم املنطق إجادة اللغة العربية‪ ،‬إذ َّبنَّي َّ‬
‫اإلسالمي | ‪119‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫أن نسبة صناعة املنطق إىل العقل واملعقوالت (املعاين) كنسبة‬ ‫النحو‪ ،‬ذلك َّ‬
‫وكل ما يعطينا النحو من القوانني يف‬ ‫صناعة النحو إىل اللسان واأللفاظ‪ّ ،‬‬
‫فإن علم املنطق يعطينا نظائرها يف املعقوالت»‪ ،1‬فالتناسب بني‬ ‫األلفاظ ِّ‬
‫رضوري للوصول إىل النتائج العقلية املبنية عىل‬ ‫ٌ‬ ‫النحو واملنطق هو تالز ٌم‬
‫وضح الفارايب حقيقة العالقة الثنائية بني املنطق واللغة‪ ،‬وأفرد‬ ‫الثوابت‪ ،‬وقد َّ‬
‫لذلك جمموع ًة من كتبه ككتاب (األلفاظ املستعملة يف املنطق)‪ ،‬وكتاب‬
‫(القياس الصغري)‪ ،‬وكتابه (إحصاء العلوم)‪ ،‬الذي يقول فيه‪« :‬علم اللغة هو‬
‫أمة عىل قوانني تلك األلفاظ‪ ،‬وهو الذي يعطي‬ ‫كل ٍ‬ ‫علم األلفاظ الدَّ الة عند ِّ‬
‫قوانني النطق اخلارج‪ ،‬أي القول اخلارج بالصوت وهو الذي به تكون عبارة‬
‫ثم يميز الفارايب بني معنى القول والنطق‪ ،‬فالقول‬ ‫عاَّم يف الضمري» ‪َّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫اللسان َّ‬
‫أن التك ُّلم أو النطق هو آلية استعامل هذه‬ ‫هو جمموعة من األلفاظ‪ ،‬يف حني َّ‬
‫األلفاظ؛ هلذا ذهب الفارايب ومعه علامء الكالم لتعريف الكالم بأنَّه الوسيلة‬
‫أو املنهجية الصحيحة يف توظيف القول يف معناه املفيد‪ ،‬ممَّا جيعلنا نستذكر‬
‫ٍ‬
‫منطقية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫سبب نشأة علم الكالم الذي قام إلثبات األدلة النقلية برباهني‬

‫فلسفي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫موروث‬ ‫ٍ‬
‫تكامل‪ ،‬فاملنطق‬ ‫فالعالقة بني املنطق واللغة العربية عالقة‬
‫منتظاًم عىل يد فالسفة اليونان‪ ،‬وقد َّبنَّي الفارايب أمهيته‬
‫ً‬ ‫ثم أصبح نس ًقا فكر ًيا‬
‫َّ‬
‫للغة العربية عندما قال‪« :‬نسبة املنطق إىل سائر العلوم العقلية كنسبة النحو‬
‫إىل اللسان‪ ،‬والعروض إىل أوزان الشعر‪ ،‬وكام أنَّه ال يستقيم الكالم الفصيح‬
‫ّإاّل عىل قواعد النحو هكذا ال يرتاح الفكر إىل اليقني ما مل يكن مسننًا باملنطق‬
‫اللغوي الذي ُفرض‬
‫ِّ‬ ‫سندً ا ومرج ًعا»‪3‬؛ لذا فاملنطق رضورة يف سريورة التطور‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬كتاب الحروف‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محسن مهدي‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1990 ،2‬م‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ .3‬جوزيف الهاشم‪ ،‬الفارايب‪ ،‬منشورات املكتبة التجارية للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1960 ،1‬م‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ | 120‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫عربية‪،‬‬ ‫املنزل ٍ‬
‫بلغة‬ ‫عىل اللغة العربية بعد حدوث التنزيل‪ ،‬حيث جاء كالم اهلل َّ‬
‫ٍ‬
‫بمفردات وتراكيب‬ ‫عزز مكانتها بني اللغات العاملية‪ ،‬إضاف ًة إىل إغنائها‬
‫ممَّا َّ‬
‫دالالت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫عربية‪ ،‬وهذه املفاهيم الدينية هلا‬ ‫مصاغة ٍ‬
‫بلغة‬ ‫ٍ‬ ‫سمة ٍ‬
‫دينية‬ ‫ومفاهيم ذات ٍ‬
‫ورمزي ٌة استوجب من علامء وفالسفة اللغة الوقوف عليها وتوضيحها عرب‬
‫ٍ‬
‫صحيحة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫منهجية‬

‫وقد حدَّ د الفارايب الفائدة من املنطق يف مسألتني اثنتني‪ ،‬املسألة األوىل‪،‬‬


‫فإن كانت عندنا تلك القوانني‪ ،‬والتمسنا‬ ‫احلق عند أنفسنا‪ْ ،‬‬‫تتم َّثل بالتامس ِّ‬
‫استنباط املطلوب‪ ،‬وتصحيحه عند أنفسنا مل نطلق أذهاننا يف تطلب ما‬
‫أن نسلك إليه‪ ،‬وما‬‫أي طريق ينبغي ْ‬ ‫نصححه‪ ،‬بل ينبغي ْ‬
‫أن نكون قد عرفنا َّ‬
‫أن نسلك عليها وتكون أدا ًة نافع ًة‪ ،‬مع حتديد مكان‬ ‫هي األشياء التي جيب ْ‬
‫السلوك وزمانه‪ ،‬ويعني ذلك أنَّنا إذ ما أردنا تصويب أخطائنا فيجب ْ‬
‫أن نقوم‬
‫برتتيب أفكارنا وتصويبها واستخالص ما هو غري ُجُم ٍد منها والتخ ُّلص منه‪،‬‬
‫وتعزيز األفكار اإلجيابية ومتييزها عن األفكار الفاسدة غري املفيدة‪ .‬يف حني َّ‬
‫أن‬
‫احلق عن غرينا‪ ،‬عرب تصحيح ما وقع به غرينا‬ ‫املسألة الثانية‪ ،‬تقوم عىل التامس ّ‬
‫من أخطاء وقام بتصويبها بنفسه فباتت صاحلة‪ ،‬فن َّطلع عىل األشياء والطرق‬
‫ليتكون‬
‫َّ‬ ‫املستعملة يف عملية التصحيح‪ ،‬واحلجج املكتسبة من تفادي األخطاء‬
‫ٌ‬
‫برهان ملشكالتنا القادمة‪.1‬‬ ‫لدينا‬

‫الرمزي‬
‫ِّ‬ ‫َم َّثل اهتامم الفارايب باملنطق رغبته يف حمالة الكشف عن اجلانب‬
‫يف اللغة ومعرفة بعدها الداليل واملعنوي مع مناقشته املعقوالت وارتباطها‬
‫باأللفاظ‪ ،‬وقد رضب لنا ً‬
‫مثااًل يف حديثه عن إحصاء األمكنة املغلطة يف‬
‫األلفاظ‪ ،‬حيث حتدَّ ث عن عدة أشكال من أشكال اللفظ اللغوي‪ ،‬وقال‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عثامن أمني‪ ،‬منشورات دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1949‬م‪ ،‬ص‪ ،70-69‬بترصف‪.‬‬
‫اإلسالمي | ‪121‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫أن األلفاظ املغلطة «منها االسم املشرتك ومنها االسم املشكك‪ ..‬ومنها‬ ‫َّبنَّي َّ‬
‫االسم املنقول وهو االسم الذي جرت العادة فيه من َّأول األمر أن يكون‬
‫دااًل عىل معنى آخر‪ ..‬ومنها االسم‬ ‫أيضا ً‬
‫ثم جيعل ذلك ً‬ ‫دااًل عىل معنى َّ‬ ‫ً‬
‫جمازا»‪ ،1‬حيث أدرك الفارايب َّ‬
‫أن‬ ‫املستعار واأللفاظ التي تقال عىل اليشء ً‬
‫ٍ‬
‫تغريات يف لغتهم‬ ‫متس حياة البرش هي ذاهتا التي ُحُتدث‬
‫سريورة التاريخ التي ُّ‬
‫تتغرَّي بمرور الزمن‬ ‫فتتبدَّ ل مع تبدل أحواهلم وثقافتهم‪ ،‬فاأللفاظ حيدث أن َّ‬
‫معان جديد ٌة تواكب هذه السريورة؛ هلذا فقد كانت رؤية الفارايب‬ ‫ٍ‬ ‫ويصبح هلا‬
‫إن احلالة بني‬ ‫التطور والتقدُّ م‪ ،‬فيمكننا القول َّ‬
‫ُّ‬ ‫ونظرته يف اللغة تنزع حلالة من‬
‫املنطق واللغة حالة من احلركة التطورية املستمرة‪« ،‬وتطور اإلشكالية بني‬
‫جديدة للعربية يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صياغة‬ ‫النحويني والفالسفة‪ ،‬األول أ َّدى دون ريب إىل‬
‫وأولت‬ ‫بنائها واشتقاقها ألفاظها‪ ..‬لغة تفاعلت مع معطيات الفكر اليوناين َّ‬
‫جديدة وتراكيب‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ونحتية‬ ‫ٍ‬
‫اشتقاقية‬ ‫الثقافات الوافدة إىل حدِّ التفرد بقواعد‬
‫تطورا‬ ‫منطقية – برهانية‪ ..‬وعىل ذلك فلم يكن هناك انفصام بينهام‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫أن ِّ ٍ‬
‫التغرُّي‬ ‫لكل لغة قص ًة تارخيي ًة ِّ‬
‫متطور ًة طاهلا ُّ‬ ‫وانفتاحا هلا»‪ ،2‬فقد عدَّ الفارايب َّ‬
‫ً‬
‫للتغرُّي‪،‬‬
‫التغرُّي يقود اللغة ودالالهتا ومعانيها ُّ‬
‫البرشي‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ِّ‬ ‫يف مسرية التاريخ‬
‫فيظهر ذلك بالتفكري ونمط الثقافة السائدة‪.‬‬
‫لقد حاول الفارايب خلق نو ٍع من التقارب والتآلف بني اللغة واملنطق ً‬
‫آماًل‬
‫فكري قوامه العقل والربهان‪ ،‬والواقع َّ‬
‫أن اللغة واملنطق يتكامالن‬ ‫ٍّ‬ ‫بناء ٍ‬
‫نسق‬
‫فالنحوي حيتاج إىل املنطق يف ترتيب قواعده‬
‫ُّ‬ ‫وال يستغني أحدمها عن اآلخر‪،‬‬
‫واملنطقي حيتاج إىل النحو لصياغة أفكاره واستخالص‬
‫ُّ‬ ‫وتصنيف موضوعاته‪،‬‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬الجزء الثاين‪ ،‬تحقيق‪ ،‬وتقديم‪ ،‬رفيق العجم‪ ،‬دار املرشق‪،‬‬
‫بريوت‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪.133-132‬‬
‫‪ .2‬محمد عابد الجابري‪ ،‬بنية العقل العريب‪ ،‬منشورات مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ | 122‬تاریخ علم املنطق‬

‫خاصا‪ ،‬فاملنطق لغ ٌة عاملي ٌة‪ ،‬والنحو ٌ‬


‫منطق‬ ‫نتائجه‪ ،‬وإذا كان املنطق عا ًّما والنحو ًّ‬
‫أن نقول َّ‬
‫إن النحو يركِّز عىل األلفاظ أ ّما املنطق فريكِّز عىل املعاين‪،‬‬ ‫قومي‪ ،‬يبقى ْ‬
‫ٌ‬
‫وهذا ما ب ّينه الفارايب يف قوله‪« :‬وأ َّما موضوعات املنطق وهي التي تعطي‬
‫تدل عليها األلفاظ‪ ،‬واأللفاظ‬ ‫القوانني فهي املعقوالت املعاين‪ ،‬من حيث ُّ‬
‫نصححه عند أنفسنا‬ ‫ِّ‬ ‫من حيث هي دالة عىل املعقوالت‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن الرأي إنَّام‬
‫تصحح ذلك‬ ‫ِّ‬ ‫أمورا ومعقوالت شأهنا أن‬ ‫ونرتوى ونقيم يف أنفسنا ً‬ ‫َّ‬ ‫بأن نفكِّر‬
‫الرأي»‪ ،1‬وبذلك وضع الفارايب أوىل أسس الفلسفة اللغوية التي تطورت‬
‫املستمر عىل رضورة‬
‫ّ‬ ‫الح ًقا وباتت من أبرز فلسفات القرن العرشين‪ ،‬مع تأكيده‬
‫ألن الرتابط بني اللغة واملنطق‬ ‫فهم الفلسفة واملنطق ودراسة اللغة واللسانيات؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫جمموعة من‬ ‫اإلبداعي ويرفع سوية التعبري وحي ِّفزه عرب‬ ‫يزودنا بمهارات التفكري‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التصورات التي تكتسبها اللغة من املنطق كام أسلفنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املفاهيم و‬

‫ثالثًا‪ :‬املباحث اللغوية ودورها يف املنطق السينوي‪:‬‬


‫ا َّطلع ابن سينا (ت ‪22‬يونيو ‪1037‬م) عىل فلسفة أرسطو عمو ًما وعىل‬
‫كاماًل‪ ،‬إيامنًا منه َّ‬
‫بأن‬ ‫فكون رأ ًيا حول املنطق‪ ،‬ومل يأخذ به ً‬‫خصوصا َّ‬
‫ً‬ ‫املنطق‬
‫العلوم متطورةٌ‪ ،‬وتكتمل بعد االهتامم هبا عرب التاريخ؛ لذا ال جيب األخذ‬
‫بعلم عمره قرون كام كان يف زمانه ّإاّل بعد متحيصه والتأكُّد منه‪ ،‬حيث أضاف‬
‫بروح‬‫ٍ‬ ‫لبوسا أكثر انسجا ًما‪،‬‬
‫األرسطي طاب ًعا جديدً ا جيعله يرتدي ً‬
‫ِّ‬ ‫للمنطق‬
‫تعرِّب عن خصوصية الثقافة اإلسالمية التي ينتمي إليها‪ ،‬والذي يم ِّثل حاج ًة‬ ‫ِّ‬
‫أساسي ًة يف هذه الثقافة‪ ،‬ومطل ًبا لنرش الدين بني األقوام والديانات املختلفة‬
‫والتي تنزع إىل إبراز املحاكاة املنطقية يف مسائل الدين وتعاليمه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫سعى ابن سينا إىل جعل املنطق أدا ًة وجز ًءا من العلوم املعرفية‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عثامن أمني‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1949 ،2‬م‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫اإلسالمي | ‪123‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫عا ٍّم‪ ،‬ومل يقم بفصلها عنها؛ لذا فقد حاول إسقاط معرفة املنطق عىل الوجود‬
‫درك باحلواس‪ ،‬فنجده يقول‪« :‬إنَّك قد تفهم معنى املث َّلث‪،‬‬ ‫األنطولوجي ا ُمل َ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫موصوف بالوجود يف األعيان‪ ،‬أم ليس بموجود‪ ،‬بعدما مت َثل‬ ‫ٌ‬ ‫وتشك هل هو‬ ‫ُّ‬
‫وسطح‪ ،‬ومل يتم َّثل لك أنَّه موجو ٌد»‪ ،1‬أي حسب تصوره َّ‬
‫إن‬ ‫ٌ‬ ‫خط‬ ‫عندك أنَّه ٌ‬
‫يتوجب علينا حماولة إرجاعها إىل املوضوعات‬ ‫َّ‬ ‫املفاهيم الرياضية املجردة‬
‫ألن وظيفة املنطق التح ُّقق من املعاين اللغوية واملفاهيم املستخدمة‪،‬‬ ‫املحسوسة؛ َّ‬
‫فيبنِّي‬
‫وهذا ال يعني رفض املجردات التي مل نتأكَّد من وجودها يف الواقع؛ ِّ‬
‫فإن مفهومات هذه األلفاظ‬ ‫و»إن كان وجودها يف ح ِّيز اإلمكان‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫أنَّه حتى‬
‫أن ابن سينا مؤم ٌن بتطورية العلم‬ ‫تتصور مع استحالة وجودها»‪ ،2‬ذلك َّ‬ ‫َّ‬
‫أن نُبقي عليها مع حماولة التح ُّقق‬
‫حلول يف زمان قادم‪ ،‬أي ْ‬ ‫ٍ‬ ‫وإمكانية إجياد‬
‫رمز بني املتكلمني هبا‪ ،‬واملنطق يعمل عىل االحتفاظ‬ ‫منها‪ ،‬فاللغة هي باألصل ٌ‬
‫ٍ‬
‫موضوعية للكالم‬ ‫ٍ‬
‫كمعادالت‬ ‫جمموعة من الرموز التي نستخدمها‬ ‫ٍ‬ ‫باللغة عرب‬
‫ٍ‬
‫منطقية‪ ،‬وقد أبدع املسلمون بإجياد الرموز‬ ‫رموز‬ ‫ٍ‬ ‫تم حتويل قيمته إىل‬ ‫الذي َّ‬
‫تعرِّب عن جمموعة من اخلطوات الرياضية‬ ‫هذه‪ ،‬فأوجدوا اخلوارزميات التي ِّ‬
‫حلل مشكلة ما‪ ،‬كام أوجدوا الصفر (‪ ،)0‬والذي‬ ‫واملنطقية واملتسلسلة الالزمة ِّ‬
‫وحل معادالت كان‬ ‫تصورا ذهن ًيا مكَّن من إجراء العمليات احلسابية ِّ‬ ‫ً‬ ‫يم ِّثل‬
‫من الصعب القيام هبا قبل ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جهة واللغتني اليونانية‬ ‫ُيدرك ابن سينا الفارق بني اللغة العربية من‬
‫والفارسية من ٍ‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وقد أ َّلف كت ًبا يف اللغة العربية وبياهنا وأوضح‬
‫لعل أبرزها كتاب (لسان العرب)‪،‬‬ ‫تباينها وسامهتا عن غريها من اللغات‪َّ ،‬‬
‫عرفه إبراهيم أنيس بأنَّه «يعالج‬
‫وكتاب(أسباب حدوث احلروف)‪ ،‬والذي َّ‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1960 ،1‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬منطق املرشقيني‪ ،‬تحقيق‪ ،‬شكري النجار‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1982 ،1‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ | 124‬تاریخ علم املنطق‬

‫عالجا فريدً ا‪ ،‬خيتلف اختال ًفا ب ِّينًا عن‬


‫ً‬ ‫طر ًفا من الدراسة الصوتية اللغوية‪،‬‬
‫عالج سيبويه وغريه من علامء اللغة العربية»‪ ،1‬فاللغة العربية حسب تعبري‬
‫بشكل جيعلها تتعامل مع املنطق القادم من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لغوية‬ ‫ابن سينا متتاز بمباحث‬
‫أن نقبله‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة تتط َّلب منَّا التعديل والتدقيق دون ْ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫ٍ‬
‫عربية‬ ‫فلسفات غري‬
‫اللغوي يتط َّلب منَّا ذلك‪ ،‬حيث يمتاز اللسان العر ُّ‬
‫يب‬ ‫َّ‬ ‫بكليته‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن التباين‬
‫بغنى يف معنى الوجود بشكل يم ِّيزه عن غريه من اللغات‪ ،‬ملا للسان العريب‬
‫َ َ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫وغزارة‪ ،‬وقد أكَّد ذلك القرآن الكريم يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ول ْو أن َما ِيِف‬ ‫سعة‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ هَّللَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ ٌ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اأْلر ِض مِن شجرةٍ أقاَلم وابْلحر يمده مِن بع ِده ِ سبعة أبح ٍر ما ن ِفدت لَكِمات ا ِ‬
‫ك ٌ‬ ‫َّ هَّللَّ َ َ ٌ َ‬
‫يم﴾‪ ،2‬فاللغة العربية امتازت باملرونة وغزارة مفرداهتا وزاد‬ ‫يز ح ِ‬ ‫إِن ا ع ِز‬
‫ٍ‬
‫ساموية (الدين اإلسالمي) ممَّا أعطاها قو ًة أكرب‬ ‫ٍ‬
‫برسالة‬ ‫قوهتا ارتباطها‬
‫من َّ‬
‫كل ذلك جعل ابن سينا يو ِّظف هذه اللغة عرب‬ ‫وانتشارا أوسع وحف ًظا أكثر‪ُّ ،‬‬
‫ً‬
‫املنطق لالستفادة من آلية املنطق يف نرش الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اختالف يف نمط‬ ‫لقد َّبنَّي الفارايب االختالف بني اللغات الذي يقود إىل‬
‫والتصورات ويف طبيعة األمثلة املستخدمة للتعبري عن الفكرة‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬ ‫التفكري‬
‫«إن أرسطو َّملا أثبت تلك األشياء – القوانني املنطقية – يف كتبه جعل‬
‫يقول‪َّ :‬‬
‫العبارة عنها باأللفاظ املعتادة عند أهل لسانه‪ ،‬فاستعمل أمثل ًة كانت مشهور ًة‬
‫متداول ًة عن أهل زمانه‪ ،‬فلام كانت عادة أهل هذا اللسان يف العبارة غري عادة‬
‫أهل تلك البلدان‪ ،‬وأمثلة أهل هذا الزمان املشهورة عندهم غري األمثلة‬
‫املشهورة عند أولئك‪ ،‬صارت األشياء التي قصد أرسطوطاليس بياهنا بتلك‬

‫‪ .1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬أصوات اللغة عند ابن سينا‪ ،‬مؤمتر مجمع اللغة العربية التاسع والعرشين‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1963 ،1‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ .2‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة لقامن‪ ،‬اآلية (‪)27‬‬
‫اإلسالمي | ‪125‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫األمثلة غري ب ّينة وال مفهومة عند أهل زماننا»‪ ،1‬وهو األمر ذاته الذي قصده‬
‫لكل علم‪ ،‬واختالف‬ ‫تطور العلوم عرب السريورة التارخيية ِّ‬ ‫ابن سينا يف مقولة ُّ‬
‫اللسان والزمان يف تداول العلم ذاته‪ ،‬لذا َّ‬
‫فإن ابن سينا ينظر يف معاين املفردات‬
‫يكون لغ ًة فلسفي ًة متزج بني اللغة العربية واملنطق والدين‪.‬‬
‫وأبعادها‪ ،‬ممَّا جعله ِّ‬
‫عدَّ ابن سينا املنطق منهجية تضبط عمل الذهن ومتنعه من الزلل فيام‬
‫كل ما‬‫فكر‪( ،‬حسب اعتقاده اخلاص)‪ ،‬بذلك جتعل هذه اآللة َّ‬ ‫يقدمه من ٍ‬
‫يصدر عنها ح ًقا وصوا ًبا‪ ،‬فيكون الفكر ً‬
‫فكرا حقيق ًيا‪ ،‬فنسبة املنطق إىل املعاين‬
‫والصور العقلية نسبة النحو إىل الكالم والعروض إىل الشعر‪ ،‬وقد َّبنَّي ابن‬
‫ألن مباحث األلفاظ حسب‬ ‫أن املنطق هدفه مدلول األلفاظ؛ ذلك َّ‬ ‫سينا َّ‬
‫املنطقي إال بالعرض‪ ،‬بل‬
‫ُّ‬ ‫تعبريه «لصناعة اللغويني والكتاب‪ ،‬وال يتكلم فيها‬
‫أن يعرف حاله من جهة‬ ‫أن يعرفه من حال اللفظ هو ْ‬ ‫املنطقي ْ‬
‫ِّ‬ ‫الذي جيب عىل‬
‫ليتوصل بذلك إىل حال املعاين أنفسها من‬ ‫َّ‬ ‫الداللة عىل املعاين املفردة واملؤلفة‬
‫علاًم بمجهول‪ ،‬فهذا هو من صناعة املنطقيني»‪.2‬‬ ‫حيث يتأ َّلف عنها يش ٌء يفيد ً‬
‫يتم حتصيلهام باحلدِّ والقياس‪،‬‬‫أن التصور والتصديق املكتسبني ُّ‬ ‫وقد َّبنَّي َّ‬
‫ٍ‬
‫بتأليف حمدود‪ ،‬فيكون له منها مادة ُأ ِّلفت‬ ‫ٍ‬
‫معان معقولة‬ ‫وكل منهام مؤ َّلف من‬ ‫ٌ‬
‫وصورة هبا التأليف وقد حيدث فساد من إحدى الطرفني أو من الطرفني م ًعا‪،‬‬
‫فاملنطق هو الذي يدلنا عىل املواد والصور التي هي أصل للحدِّ الصحيح‪،‬‬
‫شبيها‬
‫ً‬ ‫وعىل القياس السديد الذي يوقع يقينًا‪ ،‬وعىل القياس الذي يوقع‬
‫ً‬
‫وجهاًل‪.‬‬ ‫باليقني أو ظنًّا غال ًبا أو مغالطة‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬كتاب املخترص باملنطق عىل طريقة املتكلمني‪ ،‬تحقيق‪ ،‬رفيق العجم‪ ،‬دار املرشق‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،1985 ،1‬ص‪.69-68‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمود الخضريي‪ ،‬منشورات وزارة املعارف العمومية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1970‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ | 126‬تاریخ علم املنطق‬

‫أي الصور‬ ‫أن املنطق هو الصناعة النظرية التي تعرف من ِّ‬ ‫لقد َّبنَّي ابن سينا َّ‬
‫واملواد يكون احلدُّ الصحيح الذي ُيسمى باحلقيقة حدًّ ا‪ ،‬والقياس الصحيح‬
‫أي الصور واملواد يكون احلدُّ‬ ‫يسمى باحلقيقة برهانًا‪ ،‬وتعرف أنَّه عن ِّ‬ ‫الذي َّ‬
‫أي الصور واملواد يكون القياس اإلقناعي‬ ‫رساًم‪ ،‬وعن ٍّ‬
‫سمى ً‬ ‫اإلقناعي الذي ُي َّ‬
‫ُّ‬
‫شبيها باليقني جدل ًّيا‪ ،‬وما ضعف منه‬ ‫الذي ُيسمى ما َقوي منه وأوقع تصدي ًقا ً‬
‫أن‬‫وإن اجلاهل لقواعد النحو وال َعروض ال يمكن ْ‬ ‫وأوقع ظنًّا غال ًبا خطاب ًّيا‪ّ ،‬‬
‫بصريا‪،‬‬‫ً‬ ‫أن من جيهل املنطق ال يستطيع ْ‬
‫أن يكون مفك ًِّرا‬ ‫يكون كات ًبا‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫أن الفطرة‬ ‫يوضح َّ‬ ‫أن الشيخ الرئيس يبعد أكثر من ذلك يف تدليله‪ ،‬فنجده َّ‬ ‫ّإاّل َّ‬
‫السليمة والذوق السليم ر َّبام أغنيا عن تع ُّلم النحو وال َعروض‪ ،‬وليس يش ٌء‬
‫بمستغن يف استعامل الرو َّية عن التقدّ م بأعداد هذه اآللة‬‫ٍ‬ ‫من الفطرة اإلنسانية‬
‫أن يكون إنسانًا ُمؤ َّيدً ا من عند اهلل تعاىل‪.1‬‬ ‫إال ْ‬

‫فسعي ابن سينا لتطوير املنطق هو أنَّه متكَّن من مجع احلكمة والطب‬
‫وو َّظف املنطق اليوناين يف خدمة اللغة مستفيدً ا من نتاج مفكري اللغة والدين‬
‫ٍ‬
‫متطور عن املوروث‬ ‫منطقي‬
‫ٍّ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬ ‫السابقني له ممَّا ساعده عىل تقديم ٍ‬
‫فكر‬
‫أن نذكرها‬‫اليوناين ا ُملرتجم للعربية‪ ،‬ومن بني اإلضافات املنطقية التي يمكن ْ‬
‫ِّ‬
‫التي قدَّ مها الشيخ الرئيس هي ضبطه ملفهوم اإلمكان الذي ُبني عليه احلديث‬
‫عن مشكلة العوامل املمكنة والذي ال يكون تأسيسه وف ًقا ألنطولوجيا تؤمن‬
‫أن تعالج هذه املسألة هي‬ ‫فقط بالعامل الواقعي‪ ،‬واألنطولوجيا التي يمكن ْ‬
‫األنطولوجيا اإلسالمية التي تقبل بفكرة وجود عوامل والتي قال هبا ابن سينا‪،‬‬
‫أن تكون‬ ‫فاألشياء املمكنة التي ال نعرف َّأهَّنا موجود ٌة يف املستقبل يمكن ْ‬
‫ٍ‬
‫موجودة فأطلق عليها بالقضايا ممكنة اإلمكان االستقبايل‪.‬‬ ‫موجود ًة أو غري‬

‫‪ .1‬بولس مسعد‪ ،‬ابن سينا الفيلسوف ‪ -‬بعد تسعمئة سنة عىل وفاته‪ ،‬منشورات مؤسسة هنداوي‪،‬‬
‫لندن‪ ،‬ط‪2020 ،2‬م‪ ،‬ص‪ 29-28‬بترصف‪.‬‬
‫اإلسالمي | ‪127‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫راب ًعا‪ :‬املنطق وأقسامه يف لغة أخوان الصفا ورسائلهم‪:‬‬


‫أحاطت مجاعة أخوان الصفا بنظريات من سبقهم من حضارات اليونان‬
‫واهلند وفارس وثقافتهم‪ ،‬فهضموا براهينها واستنبطوا منها منهجيتهم‬
‫الفكرية‪ ،‬فقدَّ موا جمموع ًة من الرسائل يف اإلهليات والرياضيات والطبيعيات‬
‫ناجتة عن رغبتهم باإلحاطة بجميع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فلسفية‬ ‫ٍ‬
‫بنزعة‬ ‫واألخالق‪ ،‬وقد متيزوا‬
‫املعارف‪ ،‬فرتكوا لنا اثنني ومخسني رسالة‪ ،‬تناولوا فيها معظم فروع الفلسفة‪،‬‬
‫فقسموا العلوم إىل ثالثة أقسام رئيسة‪ ،‬هي العلوم التأديبية (اآلداب)‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والعلوم الرشعية‪ ،‬والعلوم الفلسفية‪ ،‬والفلسفة برأي أخوان الصفا تتم َّثل‬
‫بمحبة العلوم ومعرفة حقائق املوجودات والعمل بام يوافق العلم‪ ،‬فهي‬
‫عندهم من أسمى العلوم‪ ،‬وجوهرها العلوم املنطقية التي مت ِّثل القسم‬
‫الريايض يف رسائلهم‪ ،‬وهذه الرسائل تناولت علم املنطق‪ ،‬كام يتَّفق أخوان‬
‫املؤسس احلقيقي لعلم املنطق عىل الرغم من‬ ‫ِّ‬ ‫أن أرسطو هو‬ ‫الصفا عىل َّ‬
‫خاضع‬
‫ٌ‬ ‫منطق قبل أرسطو‪ ،‬واملنطق مثله مثل بقية العلوم‬ ‫ٍ‬ ‫معرفتهم بوجود‬
‫قوة اإلقناع‬‫مثاًل كانت متتلك منط ًقا يستند إىل ّ‬
‫للتطور التارخيي‪ ،‬فالسفسطائية ً‬
‫وفصاحة اللغة‪ ،‬وكذا احلال عند سقراط وقبل ذلك يف الفلسفة اهلندية‬
‫أن املنطق «ظهر داخل إطار ف ِّن اخلطابة‬ ‫والفارسية والصينية القديمة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫باعتباره نظرية البالغة‪ ،‬وقد كانت بداياته كذلك سواء يف اهلند والصني‬
‫القديمتني أو يف اليونان القديمة أو روما أو روسيا»‪ 1‬بمعنى َّ‬
‫أن املنطق متالز ٌم‬
‫تطور الكالم واللغة‪.‬‬
‫مع ُّ‬
‫ضم فهرس رسائل أخوان الصفا مخسة كتب وضعوها عىل شكل‬ ‫لقد َّ‬
‫رسائل‪ ،‬تبحث الرسالة األوىل يف األلفاظ الكلية‪ ،‬وهي األلفاظ التي‬
‫‪ .1‬الكسندر ماكوفلسيك‪ ،‬تاريخ علم املنطق‪ ،‬ترجمة‪ ،‬نديم عالء الدين‪ ،‬وإبراهيم فتحي‪ ،‬دار‬
‫الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ | 128‬تاریخ علم املنطق‬

‫يستعملها الفالسفة يف املنطق‪ ،‬أ َّما الرسالة الثانية‪ ،‬وهي البيان عن املعقوالت‬
‫ٍ‬
‫جلنس من‬ ‫ٍ‬
‫واحدة منها عىل اسم‬ ‫كل‬‫تدل ُّ‬
‫الكلية وهي األلفاظ العرشة التي ُّ‬
‫بأن معاين املوجودات ك َّلها قد اجتمعت‬ ‫املوجودات‪ ،‬والغرض منها هو البيان َّ‬
‫أن الرسالة الثالثة‪ ،‬هي الكالم يف العبارات وأداء‬ ‫يف املقوالت هذه‪ ،‬يف حني َّ‬
‫املعاين عىل ح َّقها‪ ،‬وهي هتدف إىل تعريف األقاويل اجلازمة املفردة البسيطة‬
‫تتكون املقدّ مات القياسية وترتكَّب‬
‫التي هي أقسام الصدق والكذب‪ ،‬وكيف َّ‬
‫من األلفاظ اللغوية‪ ،‬وتصنَّف األقاويل فيها إىل (اسم‪ ،‬كلمة‪ ،‬القول املطلق‪،‬‬
‫القول اجلازم‪ ،)... ،‬والرسالة الرابعة‪ ،‬الغرض منها بيان كمية القياس‬
‫التي يستعملها احلكامء واملتك ّلمون يف احتجاجاهتم‪ ،‬والدعاوي والبيانات‬
‫واملناظرات يف اآلراء واملذاهب ملعرفة الصدق من الكذب يف األقاويل‪،‬‬
‫واحلق من الباطل يف األفعال‪ ،‬أ َّما الرسالة‬ ‫ّ‬ ‫واخلطأ من الصواب يف اآلراء‪،‬‬
‫األخرية‪ ،‬الغرض منها هو البيان والكشف عن كيفية القياس الصحيح الذي‬
‫ال خطأ فيه وال زلل‪ ،1‬إذ يتبني لنا من هذه الرسائل االستفادة واألثر الذي‬
‫تركه املنطق القديم يف فكر أخوان الصفا‪ ،‬فقد احتوت هذه الرسائل عىل‬
‫املنطقي هلذا العلم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طويلة من اإلنتاج‬ ‫ٍ‬
‫عصور‬ ‫وتطوره عرب‬ ‫املنطق‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫واملنطق عند أخوان الصفا قسمني رئيسني‪ ،‬وف ًقا لتعريفهم للمنطق‪َّ ،‬‬
‫بأن‬
‫«املنطق من َن َط َق َينْطِق ُن ْط ًّقا‪ ،‬والنطق ٌ‬
‫فعل من أفعال النفس اإلنسانية‪ ،‬وهذا‬
‫حمسوس‪ ،‬والنطق‬
‫ٌ‬ ‫جسامين‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫اللفظي هو ٌ‬
‫ّ‬ ‫ولفظي‪ ،‬فالنطق‬ ‫ّ‬ ‫فكري‬
‫ّ‬ ‫الفعل‬
‫ٌ ‪2‬‬
‫يعرِّب عن استخدام اللغة‬
‫معقول» ‪ ،‬فاملنطق اللفظي ِّ‬ ‫روحاين‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫الفكري ٌ‬
‫ّ‬
‫وتشارك بمعرفته بقية احلواس‪ ،‬والفكري هو ما وجد يف الذهن اإلنساين‬
‫أفكار مصدرها العقل‪ ،‬وهنا نستذكر‬‫ٍ‬ ‫لفظي‪ ،‬ويكون عىل شكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫من‬
‫‪ .1‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬ن‪ ،‬ص‪ 24‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.391‬‬
‫اإلسالمي | ‪129‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫ٍ‬
‫معان للنطق‪ّ ،‬أوهلا اخلارج بالصوت‪ ،‬وثانيها‬ ‫الفارايب الذي استذكر ثالثة‬
‫ماهو كامن يف النفس البرشية والثالث هو املضاف‪.‬‬

‫ألخوان الصفا رؤيتهم حول املقوالت األرسطية املنطقية‪ ،‬فقد عدّ وها‬
‫أن معاين األشياء‬ ‫حدائق األلباب وبساتني العقول ورياض العلوم‪ ،‬العتقادهم َّ‬
‫ك َّلها قد اجتمعت يف هذه املقوالت العرشة فهي شامل ٌة ملعنى املوجودات؛‬
‫ولذا قالوا هبذه املقوالت العرشة بغية االستفادة منها يف الكالم‪ ،‬أي يف‬
‫األحكام والقضايا‪ ،‬حيث يدرسون يف األحكام املعاين املؤ َّلفة؛ أي املركَّبة‬
‫أن تقبل التصديق والتكذيب‪ ،‬كالقول َّ‬
‫بأن العامل قديم‪،‬‬ ‫يف مجلة والتي يمكن ْ‬
‫ذهني‪،‬‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫تركيب‬ ‫مكونة من‬‫أو العامل حادث‪ ،‬ويف احلالتني أو يف اجلملتني هي َّ‬
‫حكم يقبل التصديق أو التكذيب‪ ،‬فأخوان الصفا قد اتبعوا التقسيم‬ ‫ٌ‬ ‫فهي‬
‫واملكون من (فعل‪ ،‬واسم‪ ،‬وأداة)‪ ،‬وبعد تنسيق الكالم بني‬ ‫َّ‬ ‫التقليدي للكالم‬
‫بأهَّنا‬
‫لتتكون القضايا التي يمكن احلكم عليها َّ‬ ‫َّ‬ ‫هذه األقسام خترج إىل الوجود‬
‫صادق ٌة أو كاذب ٌة‪ ،‬أ َّما األخبار الواردة عرب اللغة عند أخوان الصفا َّ‬
‫فإهَّنا تُقسم‬
‫أيضا‪.‬‬
‫إىل قسمني‪ ،‬إ َّما سلبية وإ ّما إجيابية وهي حتتمل الصدق أو الكذب ً‬

‫اللغوي الذي اهتم به أخوان الصفا صنَّفوا مجل ًة من القضايا‬


‫ِّ‬ ‫ويف اإلطار‬
‫أن حتتمل الصدق أو الكذب‪ ،‬ومثاهلا «األوامر‪ :‬كقولنا (ال ترشب‬ ‫ال يمكن ْ‬
‫اخلمر)‪ ،‬والسؤال‪ :‬فلو سألت هل هذا املنظر مجيل؟ فهذه مجلة ال تقول عنها‬
‫صادق ًة أو كاذب ًة‪ ،‬والنداء‪ :‬كقولك (يا عيل) وهذا بالطبع ال يقبل الصدق‬
‫والكذب‪ ،‬والتمني‪ :‬كقولك (أريد هذا اليشء)‪ ،1»...‬وبالتايل لغو ًيا تبقى‬
‫املكونة من حدَّ ين (موضوع‪ ،‬وحممول) مع َّلقة ال متلك اللغة اإلجابة‬
‫القضية َّ‬
‫عنها بالصدق أو بالكذب‪ ،‬وهذا ك ُّله ُيظهر اهتامم أخوان الصفا باللغة‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.415‬‬


‫‪ | 130‬تاریخ علم املنطق‬

‫فصاًل يف معرفة (بداية‬ ‫واأللفاظ ومعانيها‪ ،‬وقد أفردوا فصلني يف رسائلهم؛ ً‬


‫وفصاًل آخر بعنوان (أصل األصوات) تناولوا فيها نشأة اللغة‬ ‫ً‬ ‫احلروف)‪،‬‬
‫وكل‬ ‫بأن اللغة أداة لنقل األفكار‪ُّ ،‬‬ ‫بشقيها املنطوق واملكتوب‪ ،‬إيامنًا منهم َّ‬
‫منهام يؤ ِّثر باآلخر (اللغة‪ ،‬األفكار)‪ ،‬وهنا نستذكر األديب طه حسني الذي‬
‫وصف اهتامم أخوان الصفا باللغة واملنطق حني قال يف تقديمه للطبعة‬
‫«إن لرسائل أخوان الصفاء قيمتها الفنية اخلالصة فهي‬ ‫املرصية للرسائل‪َّ :‬‬
‫من حيث َّإهَّنا تتَّجه إىل مجهرة الناس للتعليم والتثقيف‪ ،‬قد عدل فيها عن‬
‫يب‪ ،‬و ُعنِى كتَّاهبا بألفاظها وأساليبها عناي ًة أدبي ًة‬
‫الفلسفي إىل اليرس األد ِّ‬
‫ِّ‬ ‫العرس‬
‫ٍ‬
‫ومعان‬ ‫ٌ‬
‫ألفاظ متميز ٌة ‪،‬‬ ‫كثري‪ ،‬وفيها تشبي ٌه متق ٌن‪ ،‬وفيها‬ ‫خالص ًة‪ ،‬ففيها ٌ‬
‫خيال ٌ‬
‫أن يقال‪َّ :‬إهَّنا قاربت املثل األعىل يف تذليل اللغة‬ ‫ميرسةٌ‪ ،‬وليس من الغلو ْ‬
‫إن هذه‬ ‫العربية وتيسريها لقبول ألوان العلم عىل اختالفها ‪ -‬ومجلة القول ‪َّ -‬‬
‫الرسائل كنز مل يقدر بعد؛ ألنَّه مل يعرف بعد»‪ ،1‬فالرسائل ليست يف علم املنطق‬
‫ألهَّنا‬
‫فحسب؛ إنَّام هي يف اللغة وتالقيها مع املنطق‪ ،‬ويف التاريخ والسياسة؛ َّ‬
‫سياسية (القرن الرابع اهلجري يف جنوب العراق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حتوالت‬ ‫ظهرت يف مرحلة‬
‫«البرصة») وما إخفاء أسامئهم ّإاّل دليل واضح عىل فساد احلياة السياسية يف‬
‫عرصهم فو َّثقوا معارفهم بمصداقية وأمانة‪ ،‬إضافة لقيمتها الفنية من حيث‬
‫ٍ‬
‫ميرسة‬ ‫ٍ‬
‫أدبية‬ ‫ٍ‬
‫وبلغة‬ ‫َّإهَّنا موجهة إىل مجهور واس ٍع من الناس هبدف التعليم‬
‫تطرح أبرز مشاكل الفلسفة هبذه اللغة بأسلوب قد ُعني باأللفاظ وداللتها‬
‫عناي ًة أدبي ًة‪ ،‬وقد أثبتت قدرة اللغة العربية وتعاليم الدين اإلسالمي عىل‬
‫استيعاب الثقافات والعلوم املختلفة حتى تكاد تكون دائرة معارف‪ ،‬وذلك‬
‫بفضل تكاملت اللغة القرآنية مع املنطق بتطوره احلاصل عرب التاريخ‪.‬‬

‫‪ .1‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل الجزء األول‪ ،‬تقديم‪ ،‬طه حسني‪ ،‬مراجعة‪ ،‬خري الدين الزركيل‪ ،‬منشورات‬
‫مؤسسة هنداوي‪ ،‬لندن‪ ،‬القاهرة‪2018 ،‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫اإلسالمي | ‪131‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫لقد أكَّد أخوان الصفا عىل حاجة اللغة إىل املنطق يف فصل ضمن الرسائل‬
‫عنوانه (حاجة اإلنسان إىل النطق) قالوا فيه ‪»:‬واعلم َّأهَّيا األخ أنَّه لو أمكن‬
‫أن يفهم بعضهم من بعض املعاين التي هي يف أفكار نفوسهم من غري‬ ‫الناس ْ‬
‫عبارة اللسان ملا احتاجوا إىل األقاويل التي هي أصوات مسموعة؛ َّ‬
‫ألن يف‬
‫استامعها واستفهامها كلفة عىل النفوس من تع ُّلم اللغات وتقويم اللسان‬
‫كل واحد من البرش مغمور ًة يف‬ ‫واإلفصاح والبيان‪ ،‬ولكن ملا كانت نفس ِّ‬
‫اجلسد مغطاة بظلامت اجلسد حتى ال ترى واحد ٌة منها األخرى ّإاّل اهلياكل‬
‫الظاهرة التي هي األجساد الطويلة العريضة العميقة‪ ،‬وال يدرى ما عند ِّ‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫عاَّم يف نفسه لغريه من أبناء جنسه‪،‬‬ ‫كل إنسان َّ‬ ‫واحدة منها من العلوم ّإاّل ما َّ‬
‫عرَّب ُّ‬
‫وال يمكنه ذلك ّإاّل بأدوات وآالت مثل اللسان والشفتني واستنشاق اهلواء‬
‫وما شاكلها من الرشائط التي حيتاج اإلنسان إليها يف إفهامه غريه من العلوم‬
‫اللفظي وتعليمه والنظر يف‬
‫ِّ‬ ‫و استفهامه منه‪ .‬فمن أجل هذا احتيج إىل املنطق‬
‫رشائطه التي يطول اخلطاب فيها»‪.1‬‬
‫أن نقول َّ‬
‫إن العالقة بني اللغة واملنطق تعدُّ من أبرز القضايا التي‬ ‫يمكننا ْ‬
‫عاجلتها رسائل أخوان الصفا لغو ًيا مع إضفاء الطابع املنطقي عليها‪َّ ،‬‬
‫ولعل‬
‫كل منهام باآلخر من أمهها‪ ،‬وكذا نشأة اللغة بشقيها‬ ‫اللغة والفكر وعالقة ٍّ‬
‫وتطور اللغة‪ ،‬والصوت العام والصوت اللغوي‪ ،‬وآلية‬ ‫ُّ‬ ‫املنطوق واملكتوب‪،‬‬
‫اكتساب اللغة‪ ،‬واللفظ واملعنى‪ ،‬وإبراز أفضلية اللغة العربية يف تق ُّبل الفكر‬
‫اإلسالمي بشكل عام ومذهب اإلمامية‬ ‫ِّ‬ ‫الفلسفي ومرونة تعاليم الدين‬
‫خاص‪ ،‬والذي تناوله عىل حذر – نتيجة الظروف السياسية ‪ -‬يف‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬
‫الرسالة األوىل من العلوم الناموسية والرشعية‪ ،‬فنجد قوهلم‪« :‬اعلم َّ‬
‫أن األمة‬
‫ك َّلها تقول إنَّه البدَّ من إما ٍم يكون خليف ًة لنب ّيها يف أمته بعد وفاته‪ :‬وذلك‬
‫‪ .1‬اخوان الصفا‪ ،‬الرسائل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬ن‪ ،‬ص‪.402‬‬
‫‪ | 132‬تاریخ علم املنطق‬

‫ألسباب شتَّى وخصال عدة‪ :‬أحدها هو ْ‬


‫أن حيفظ اإلمام الرشيعة عىل األمة‪،‬‬
‫السنّة يف امل َّلة‪ ،‬واألمر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬وتكون األمة‬
‫وحييي ُ‬
‫أن يرجع فقهاء املسلمني وعلامؤهم‬ ‫تصدر عن رأيه‪ ...‬وخصال أخرى هي ْ‬
‫عند مشكالهتم يف أمر الدين إليه‪ ،‬وعند مسائل اخلالف‪ ،‬فيحكم بينهم فيام‬
‫هم فيه خمتلفون من احلكومة يف الفقه واألحكام»‪ ،1‬وهو طرح ملدى أمهية‬
‫اإلمامية – برأهيم – يف احلياة السياسية والفكرية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬املنطق واللغة ودورهام يف خدمة العلوم الرشعية‪:‬‬


‫ً‬
‫تبنَّي لنا الرتابط بني املنطق واللغة يف الثقافة اإلسالمية‪ ،‬إذ أضفت‬
‫ممَّا سبق َّ‬
‫اللغة عىل املنطق األرسطي واليوناين وغريه طاب ًعا أدب ًيا ومنحته معنى دالل ًيا‬
‫جديدً ا مستفيدين من غزارة اللغة العربية وسعة ألفاظها ومعانيها‪ ،‬ولكن‬
‫ٍ‬
‫بحاجة إىل املنطق‪ ،‬فام الفائدة منه؟‬ ‫ملاذا الثقافة اإلسالمية‬

‫معزز ًة‬ ‫يكون نظر ًة نقدي ًة َّ‬ ‫يقدِّ م املنطق معرف ًة بالفلسفات السابقة ممَّا ِّ‬
‫قادرة عىل استيعاب وهضم هذه الفلسفات وتوظيفها يف صياغة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بلغة‬
‫أن قدرة املنطق السابق حت ِّفز العقل عىل البحث يف‬ ‫إسالمي ٍ‬
‫متني‪ ،‬كام َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬
‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫ٍ‬
‫وحجج‬ ‫ٍ‬
‫فلسفية‬ ‫ٍ‬
‫منهجيات‬ ‫والتعرف عىل‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وثقافات‬ ‫ٍ‬
‫حضارات‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫منطقية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ملنهجية‬ ‫تعزز الدفاع عن الدين‪ ،‬وتربهن عىل أدلته النقلية وف ًقا‬ ‫ِّ‬
‫والتبنُّي من صحتها يستلزم معرفة‬ ‫ُّ‬ ‫أن معرفة الفلسفات القديمة‬ ‫إضاف ًة إىل َّ‬
‫بأن هذه املعرفة للمنطق قد‬ ‫وإن ُأخربنا َّ‬‫املنطق معرف ًة حقيق ًة وصحيح ًة‪ْ ،‬‬
‫منطق‬‫ٍ‬ ‫الشيعي‪ ،‬فهل يمكننا القول بوجود‬ ‫ِّ‬ ‫االسالمي‬
‫ِّ‬ ‫متَّت يف إطار املذهب‬
‫شيعي‪ ،‬وماهي ماهيته املميزة له؟‬
‫ٍّ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬

‫‪ .1‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬منشورات القاهرة‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.293‬‬


‫اإلسالمي | ‪133‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫التفرد‬
‫أن املنطق يقوم عىل قبول فكر اآلخر‪ ،‬وبالتايل عدم ُّ‬ ‫من املعلوم َّ‬
‫بالرأي أو االستبداد به‪ ،‬ممَّا يعني عدم االكتفاء بباحثيه من مذهبه ّ‬
‫وإاّل فلن‬
‫ألن املنطق يقوم عىل أساس النقد‬ ‫فكرا أيديولوج ًيا؛ َّ‬ ‫يكون منط ًقا‪ ،‬بل سيكون ً‬
‫اإلسالمي الذي عمل عىل معاجلة‬
‫ِّ‬ ‫واالختالف بالرأي‪ ،‬وهذا ما م َّيز املنطق‬
‫اخلاصة به بوصفه مذه ًبا إسالم ًيا له‬
‫ّ‬ ‫القضايا الدينية واالختالفات املذهبية‬
‫أن يرفض فكر‬ ‫عاَّم سواها من دون ْ‬‫ماهية التي جتعل من موضوعاته خمتلف ًة َّ‬
‫اخلاصة به كمذهب‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬إذ مل حيرص تفسري القرآن ضمن األحاديث‬
‫يتم وضعها موضع‬ ‫استقدم العلوم الغربية القديمة واحلديثة عىل رشط ْ‬
‫أن َّ‬
‫ليتم إدخاهلا يف منهجيته البحثية‪ ،‬كام اطلع عىل غريه من‬ ‫النقد والتدقيق َّ‬
‫األديان واملذاهب واستفاد من معاجلتها إلشكالياهتا الفكرية والدينية‪ ،‬إ ًذا‬
‫نتاجا إسالم ًيا‬
‫فالفكرة تقوم عىل قبول علم املنطق عىل الرغم من أنَّه ليس ً‬
‫بشكل خاص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل عا ٍم‪ ،‬وليس شيع ًيا‬

‫لقد َّبنَّي السيد رائد احليدري ذلك حني أكَّد رضورة األخذ باملنطق‬
‫يعود الشخص عىل‬ ‫األرسطي لدوره يف حتسني هيأة األلفاظ اللغوية؛ ألنَّه ِّ‬
‫الدقة ويوجد لديه قانونًا يعصم لسانه عن اخلطأ‪ ،‬وذلك عرب مزجه مع النحو‬
‫مفطور عىل التفكري ومع ذلك نجده كثري اخلطأ‬‫ٌ‬ ‫والرصف‪ ،‬كام َّ‬
‫إن اإلنسان‬
‫يف أفكاره‪ ،‬فيحسب ما ليس بعلة علة‪ ،‬وما ليس بنتيجة ألفكاره نتيجة‪ ،‬وما‬
‫ليس بربهان برهانًا‪ ،‬وغريها من املامرسات اخلاطئة التي تؤكِّد حاجته إىل‬
‫ويدربه عىل تنظيم‬
‫ِّ‬ ‫يصحح أفكاره ويرشده إىل طريق االستنتاج الصحيح‬ ‫ِّ‬ ‫ما‬
‫يتم باالستعانة بعلم املنطق غري‬‫وكل ذلك يمكن أن َّ‬ ‫أفكاره وتعديلها‪ُّ ،‬‬
‫اإلسالمي سواء اليوناين أم اهلندي أو الفاريس أم غريه‪ ،1‬كام أوضح الشيخ‬

‫‪ .1‬السيد رائد الحيدري‪ ،‬املقرر يف توضيح منطق املظفر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات ذوي القرىب‪،‬‬
‫ق ّم‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪ ،‬ص‪ 14‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ | 134‬تاریخ علم املنطق‬

‫أي عل ٍم بحاجة ألمرين‪ ،‬األول االستفادة من‬ ‫حممد رضا املظفر َّ‬
‫أن الدين وبناء ِّ‬
‫جتارب األمم السابقة القديمة واملعارصة لنا‪ ،‬واألمر اآلخر بحاجة للحفاظ‬
‫عىل اهلوية الدينية واملذهبية دون االنصهار يف بوتقة األفكار القادمة‪ ،‬حتى‬
‫إسالمي يميز املذهب الشيعي ويعطيه خصوصية بفضل‬ ‫ٌ‬ ‫منطق‬
‫ٌ‬ ‫يكون لدينا‬
‫موضوعاته املختلفة عن غريها ال بفضل االنغالق والتقوقع عىل الذات‪ ،‬أي‬
‫البدَّ من قبول ما يناسب وما خيدم علم املنطق اخلاص بنا والقائم عىل أساس‬
‫تعاليم الدين وخصوصية املذهب‪.‬‬

‫وقد َّبنَّي الشيخ املظ َّفر الفرق بني املنطق والعلم الديني‪ ،‬وذلك يف َّأهَّنام‬
‫كل منهام‬ ‫كثري من األشياء‪ ،‬فهام يشرتكان يف املوضوع‪ ،‬فموضوع ٍّ‬‫يشرتكان يف ٍ‬
‫ضيق‪ ،‬فكالمها يعالج مسائل دينية واجتامعية‬ ‫جمال حمدَّ ٍد ٍ‬
‫عام وال يقترص عىل ٍ‬
‫أن غايتهام واحدة وهي‬ ‫وفلسفية وسياسية وغريها من امليادين املختلفة‪ ،‬كام َّ‬
‫الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬مع التأكيد عىل اختالف األسلوب بينهام‪ ،‬فاملنطق‬
‫أسلوبه منهجي يقوم عىل تاريخ من األفكار الفلسفية والنظريات التي‬
‫أن تعاليم الدين تستند إىل كتاب اهلل وأحاديث نبوية‬ ‫تم تطبيقها‪ ،‬يف حني َّ‬‫َّ‬
‫وممارسات آل بني النبوة التي ثبت صحتها عرب الناس الثقات‪ ،1‬وبالتايل‬
‫اإلسالمي مرجعيته وهي اللغة‬
‫ُّ‬ ‫تبقى النقطة األساسية التي يبني عليها املنطق‬
‫ومعان واسعة استوعبت املنطق املنقول‬ ‫ٍ‬ ‫العربية التي متتاز بدالالت وألفاظ‬
‫ٍ‬
‫صحيحة‬ ‫منهجية ٍ‬
‫دينية‬ ‫ٍ‬ ‫من تراث اهلند والفرس واليونان وتفاعلت معه خللق‬
‫قادرة عىل الربهنة عىل صحة األفكار التي يعاجلها الدين بالعقل واحلجة بدل‬ ‫ٍ‬
‫االكتفاء بالنقل‪.‬‬

‫كبريا يف إدخال‬
‫دورا ً‬ ‫اإليراين عباس إقبال َّ‬
‫أن للطويس ً‬ ‫ُّ‬ ‫املؤرخ‬
‫ويرى ِّ‬
‫‪ .1‬الشيخ محمد رضا املظفر‪ ،‬املنطق‪ -‬مجموعة من املحارضات‪ ،‬منشورات مطبعة النعامن‪،‬‬
‫النجف األرشف‪ ،‬ط‪1388 ،3‬هـ‪1968 /‬م‪ ،‬ص‪ ،424‬بترصف‪.‬‬
‫اإلسالمي | ‪135‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫الشيعي‪ ،‬فهو قبل ذلك أسهم يف احلفاظ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالمي‬


‫ِّ‬ ‫املنطق إىل تعاليم الفكر‬
‫عىل الكتب النفيسة واآلثار وحال دون وصول املغول ال ُغزاة إليها‪ ،‬كام أنقذ‬
‫كثريا من رجال العلم واملنطق‪ ،‬وملواجهة هؤالء الغزاة العسكريني وغريه من‬ ‫ً‬
‫غزاة الفكر‪ ،‬دعا الطويس إىل رضورة تدعيم الدين بفكر املنطق وبآلية اجلدل‬
‫العقيل‪ ،‬فاملنطق برأيه‪ ،‬هو «صناع ٌة علمي ٌة يقتدر معها عىل إقامة احلجة من‬
‫ِّ‬
‫املقدّ مات املس ّلمة عىل ِّ‬
‫أي مطلوب ُيراد» ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إسالمي‪ ،‬نجده‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫العاَّلمة احليل‪ ،‬واجتهاده يف تقديم‬ ‫وباالنتقال إىل َّ‬
‫التحيّل هبا وتزويد الفكر‬ ‫ّ‬ ‫علم يتع َّلق باملعقوالت التي علينا‬ ‫قد آمن َّ‬
‫بأن املنطق ٌ‬
‫الديني هبا‪ ،‬واتفق مع نجم الدين الكاتبي عىل تعريفه للمنطق الوارد يف كتابه‬
‫(الرسالة الشمسية يف القواعد املنطقية)‪ ،‬وبأنَّه «آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا‬
‫الذهن عن اخلطأ يف الفكر»‪ ،2‬مع تركيزه عىل بيان األلفاظ العربية وجزالتها‬
‫إسالمي‪ ،‬واحلقيقة شغل املنطق ال ينحرص يف األلفاظ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫يف صياغة‬
‫املتحصلة من العلمية العقلية‪ ،‬فاملنطقي‬ ‫ِّ‬ ‫وحسب‪ ،‬بل يتعدَّ ى إىل املعاين‬
‫يشء إىل آخر‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمي هو الذي يستفيد من منهجية املنطق لالنتقال من‬ ‫ُّ‬
‫علة وهذه الع ّلة نتجت يف الذهاب بفعل التالقي بني‬ ‫ال يتح َّقق ّإاّل بوجود ٍ‬
‫احل ّيّل ذلك َّ‬
‫بأن‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫املنطق املستقدم وبني األلفاظ الدينية النقلية‪ ،‬وقد َّبنَّي ّ‬
‫أواًل إىل النظر يف األلفاظ‪ ،‬نعم َّملا كانت املعاين إنَّام تُستفا ُد‬‫«املنطقي ال قصد له ً‬
‫من األلفاظ‪ - ،‬وهو يبحث عن املعاين – صار البحث عن األلفاظ مقصو ًدا‬
‫احل ّيّل بأمهية املنطق ورضورة طلبه‪،‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫أقر ّ‬ ‫بالقصد الثاين» ‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ .1‬الخواجة نرص الدين الطويس‪ ،‬تجريد املنطق‪ ،‬منشورات مؤسسة األعلمي للمنشورات‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪1988 ،1‬م‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬ق ّم‬ ‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫املقدسة‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ | 136‬تاریخ علم املنطق‬

‫مدخل لدراسة مبحث القضايا‬ ‫ٌ‬ ‫وبأن مبحث األلفاظ غاية يف األمهية؛ ألنَّه‬ ‫َّ‬
‫واألقيسة والرباهني‪ ،‬وإقامة األدلة عىل إثبات املسائل الفلسفية والكالمية‪،‬‬
‫ومدخل يف علم أصول الفقه‪ ،‬وقد و َّظف آلية املنطق يف العديد من كتبه‬
‫مذهبي‬
‫ٍّ‬ ‫األصولية والكالمية بغية الدفاع عن املعتقدات التي تبنَّاها كمعتقد‬
‫يعزز نظرية رضورة تالزم املنطق مع الفكر الديني‪ ،‬السيام َّ‬
‫إن‬ ‫إسالمي‪ ،‬ممَّا ِّ‬
‫ٍّ‬
‫مهاًم يف توظيف املنطق واحلفاظ عليه‪.‬‬ ‫دورا ً‬
‫علامء الدين قد أ ّدوا ً‬

‫الخامتة والنتائج‪:‬‬
‫بعد معاجلة العالقة بني املنطق واللغة العربية ودورها يف تطوير الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬يمكننا الوصول إىل ٍ‬
‫مجلة من النتائج التي ِّ‬
‫نلخصها فيام ييل‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫رواد الفلسفة اإلسالمية األوائل توظيف الفلسفات‬ ‫‪1‌.‬لقد اســتطاع َّ‬
‫احلجة املنطقية‬ ‫خاص لتدعيم األفكار الدينية وإقامة ّ‬ ‫بشكل ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫عا ٍّم واملنطق‬
‫عليها دون االكتفاء بأدلتها النقلية‪ ،‬مســتثمرين ســعة اللغة ومرونتها‪،‬‬
‫ودالالت لغوي ًة من‬ ‫ٍ‬ ‫معاين إسالمي ًة‬ ‫ِ‬
‫رشحه للمقوالت‬ ‫فالفارايب قدَّ م يف‬
‫َ‬
‫أن ابن سينا صاغ‬ ‫اللغة العربية مل تكن متاح ًة يف اللغة اليونانية‪ ،‬يف حني َّ‬
‫جديدة أساســها الرشح والتحليل والتقسيم دون االكتفاء‬ ‫ٍ‬ ‫املنطق ٍ‬
‫بلغة‬
‫اإلســامي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫قابل للتطبيق عىل الفكر‬ ‫ديناميكي ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫بنقله ممَّا حولــه ٍ‬
‫ملنطق‬
‫وكذا احلال مع ابن حزم الذي ربط املنطق بالعامل املحسوس ا ُملدرك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بلغات‬ ‫يتــم التعبري عنه‬ ‫توصــل الفارايب إىل َّ‬
‫فكر عا ٌم ُّ‬
‫أن املنطــق باألصل ٌ‬ ‫‪َّ 2‌.‬‬
‫خمتلفة‪ ،‬وبذلك تكون صناعة املنطق تشــابه متا ًمــا صناعة النحو؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬
‫نسبة املنطق إىل العقل واملعاين توازي نسبة النحو إىل اللسان واأللفاظ‪،‬‬
‫فإن علم املنطق يعطينا‬ ‫وكل ما يعطينا إ ّياه النحو من القوانني يف األلفاظ َّ‬ ‫ُّ‬
‫نظائرهــا يف املعقوالت‪ ،‬وكام أنَّه ال يســتقيم الــكالم الفصيح ّإاّل عىل‬
‫اإلسالمي | ‪137‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫قواعد النحو هكذا ال يرتاح الفكر إىل اليقني ما مل يكن مســندً ا باملنطق‬
‫بأن التبدالت التارخيية التي تطال حياة األمم‬ ‫سندً ا ومرج ًعا‪ ،‬وقد أدرك َّ‬
‫هي التي ُحُتدث تغريات يف لغتهم وتبدِّ هلا مع تبدُّ ل أحواهلم‪ ،‬وقد حاول‬
‫فكري‬ ‫ٍ‬
‫نســق‬ ‫آماًل بناء‬ ‫ٍ‬
‫وتقارب بني اللغة واملنطق ً‬ ‫الفــارايب خلق ٍ‬
‫تآلف‬
‫ٍّ‬
‫قوامه العقل والربهان‪ ،‬واض ًعا بذلك أوىل أسس الفلسفة اللغوية التي‬
‫تطورت الح ًقا وباتت من أبرز فلسفات القرن العرشين‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بشكل عام‪،‬‬‫ٍ‬ ‫‪3‌.‬ســعى ابن سينا إىل جعل املنطق أدا ًة وجز ًءا من العلوم املعرفية‬
‫األنطولوجي ا ُملدرك‬
‫ِّ‬ ‫لذا فقد حاول إســقاط معرفة املنطق عــى الوجود‬
‫املجــردة عرب املنطق إىل‬ ‫َّ‬ ‫حماواًل إرجاع املفاهيــم الرياضية‬ ‫ً‬ ‫يف احلــواس‪،‬‬
‫املوضوعات املحسوســة‪ ،‬فوظيفة املنطــق التح ُّقق من املعــاين اللغوية‬
‫ألن اللغــة العربية تتميز بمباحث لغوية‬ ‫واملفاهيم املســتخدمة يف اللغة؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل يقبل‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة‬ ‫ٍ‬
‫فلســفات‬ ‫ممَّا جيعلها تتعامل مع املنطق ا ُملســتقدم من‬
‫إن اجلاهل لقواعد‬ ‫التعديل والتحليل‪ ،‬وذلك نتيجة للتباين اللغوي‪ ،‬أي َّ‬
‫فإن من جيهل املنطق‬ ‫أن يكون كات ًبا‪ ،‬وعليه َّ‬‫النحو وال َعــروض ال يمكن ْ‬
‫بصريا‪ ،‬وقد حاول ابن ســينا تطوير املنطق‬ ‫ً‬ ‫أن يكون مفك ًِّرا‬‫ال يســتطيع ْ‬
‫والطب وتوظيف املنطق اليوناين يف خدمة اللغة‬ ‫ِّ‬ ‫مــن خالل مجع احلكمة‬
‫مستفيدً ا من نتاج مفكري اللغة والدين السابقني له‪ ،‬ممَّا ساعده عىل تقديم‬
‫متطو ٍر عن املوروث اليوناين ا ُملرتجم للعربية‪.‬‬ ‫منطقي ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫فكر‬
‫حمسوس‬
‫ٌ‬ ‫قسم أخوان الصفا املنطق إىل قسمني‪ ،‬األول لفظي يتع َّلق بام هو‬ ‫‪َّ 4‌.‬‬
‫عرِّب عنه عىل شكل‬ ‫ٌ‬
‫معقول ُي ِّ‬ ‫فكري‬
‫ٌ‬ ‫يشــر إىل اســتخدام اللغة‪ ،‬والثاين‬
‫ذهنية‪ ،‬وقد قال أخوان الصفا باملقوالت األرســطية املنطقية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تصورات‬
‫وســعوا لتوظيفها يف الكالم‪ ،‬أي يف األحــكام والقضايا والتي يمكن‬
‫اللغوي يمنعهم‬
‫َّ‬ ‫وصفها بالصدق أو الكذب‪ ،‬مع تذكريهم َّ‬
‫بأن اإلطار‬
‫من وصف بعض القضايا بالصدق أو الكذب‪ ،‬كام هو احلال يف األمر‪،‬‬
‫‪ | 138‬تاریخ علم املنطق‬

‫املكونة من‬
‫والســؤال‪ ،‬والنداء‪ ،‬والتمني‪ ،‬وبالتايل لغو ًيــا تبقى القضية َّ‬
‫حدين (موضوع‪ ،‬وحممــول) مع َّلقة ال متلك اللغة اإلجابة عنها صد ًقا‬
‫فإن رسائلهم شــملت علوم املنطق واللغة والتاريخ‬ ‫أو كذ ًبا‪ ،‬وبالتايل َّ‬
‫وبلغة ٍ‬
‫أدبية تطرح أبرز‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جلمهور واس ٍع‬ ‫موجهة‬
‫والسياسة‪ ،‬فهي رسائل َّ‬
‫مشاكل الفلسفة هبذه اللغة بأسلوب قد ُعني باأللفاظ وداللتها‪ ،‬وأثبتت‬
‫اإلســامي عىل اســتيعاب الثقافات‬
‫ِّ‬ ‫قدرة اللغة العربية وتعاليم الدين‬
‫والعلوم املختلفة حتى تكاد تكون دائرة معارف‪ ،‬وأبرزت أفضلية اللغة‬
‫اإلسالمي ٍ‬
‫بنحو‬ ‫ِّ‬ ‫العربية يف تق ُّبل الفكر الفلســفي ومرونة تعاليم الدين‬
‫خاص الذي أسس قواعد متين ًة لعلم ٍ‬
‫منطق‬ ‫بنحو ّ‬‫عام واملذهب الشيعي ٍ‬
‫حيمل هويته ورسالته‪.‬‬
‫‪5‌.‬يقــوم املنطق عىل تق ُّبل النقد وحيرتم حق االختالف بالرأي‪ ،‬كام يقوم عىل‬
‫اإلسالمي الذي‬
‫ِّ‬ ‫أساس النقد واالختالف بالرأي‪ ،‬وهذا ما م َّيز املنطق‬
‫اخلاصة به بوصفه مذه ًبا‬
‫ّ‬ ‫يعالج القضايا الدينية واالختالفات املذهبية‬
‫عاَّم ســواه من دون أن‬ ‫إســام ًيا له ماهيــة جتعل من موضوعاته خمتلفة َّ‬
‫يرفض فكر اآلخرين‪ ،‬وقد أوضح السيد رائد احليدري دور املنطق يف‬
‫جودة األلفاظ واملعاين ملا له من منهجية تعصم اللســان عن الزلل بعد‬
‫تالقيه مع النحو والرصف‪ ،‬كام أكَّد الشيخ الباحث حممد رضا املظ َّفر َّ‬
‫أن‬
‫املنطق يتط َّلب االستزادة من علوم غرينا مع احلفاظ عىل هويتنا الدينية‬
‫واملذهبية فيكون لدينا منطقنا اخلاص والقائم عىل أساس تعاليم الدين‬
‫أن املنطق البوابة‬ ‫العاَّلمة ِ‬
‫احل ّيّل وجد َّ‬ ‫أن َّ‬‫وخصوصيــة املذهب‪ ،‬يف حني َّ‬
‫الرئيسة لدراسة مبحث القضايا واألقيسة والرباهني‪ ،‬وإقامة األدلة عىل‬
‫إثبات املسائل الفلسفية والكالمية ومدخل يف علم أصول الفقه‪.‬‬
‫اإلسالمي | ‪139‬‬
‫ّ‬ ‫املنطق واللغة ودورمها يف تطور الفكر‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪1.‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪2.‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬منشورات القاهرة‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪3.‬بولس مسعد‪ ،‬ابن سينا الفيلسوف‪ -‬بعد تسعمئة سنة عىل وفاته‪ ،‬منشورات مؤسسة هنداوي‪،‬‬
‫لندن‪ ،‬ط‪2020 ،2‬م‪.‬‬
‫‪4.‬بول موي‪ ،‬املنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترمجة‪ ،‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬مكتبة دار هنضة مرص‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1961 ،1‬م‪.‬‬
‫‪5.‬جعفــر آل ياســن‪ ،‬الفــارايب يف حــدوده ورســومه‪ ،‬منشــورات عــامل الكتــب‪ ،‬القاهــرة‪،‬‬
‫ط‪1985 ،1‬م‪.‬‬
‫‪6.‬جوزيف اهلاشم‪ ،‬الفارايب‪ ،‬منشورات املكتبة التجارية للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1960 ،1‬م‪.‬‬
‫‪7.‬اخلواجة نرص الدين الطويس‪ ،‬جتريد املنطق‪ ،‬منشورات مؤسسة األعلمي للمنشورات‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪1988 ،1‬م‪.‬‬
‫قم‪،‬‬ ‫‪8.‬السيد رائد احليدري‪ ،‬ا ُمل َّ‬
‫قرر يف توضيح منطق املظفر‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬منشورات ذوي القربى‪ّ ،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪9.‬الشيخ حممد رضا املظفر‪ ،‬املنطق‪ -‬جمموعة من املحارضات‪ ،‬منشورات مطبعة النعامن‪ ،‬النجف‬
‫األرشف‪ ،‬ط‪1388 ،3‬هـ‪1968 /‬م‪.‬‬
‫قم‬
‫ ‪10.‬العالمة احليل‪ ،‬القواعد اجللية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ّ ،‬‬
‫املقدسة‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬الفارايب‪ ،‬املقوالت‪ ،‬حتقيق‪ ،‬ماجد فخري‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬إبراهيم أنيس‪ ،‬أصوات اللغة عند ابن سينا‪ ،‬مؤمتر جممع اللغة العربية التاسع والعرشين‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1963 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬الفــارايب‪ ،‬املقــوالت‪ ،‬حتقيــق‪ ،‬وتقديــم‪ ،‬رفيــق العجــم‪ ،‬ماجــد فخــري‪ ،‬دار املــرق‪،‬‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬كتــاب احلــروف‪ ،‬حتقيــق‪ ،‬حمســن مهــدي‪ ،‬دار املــرق‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫ط‪1990 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ | 140‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪15.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،‬حتقيق‪ ،‬عثامن أمني‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1949 ،2‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬كتاب املخترص باملنطق عىل طريقة املتكلمني‪ ،‬حتقيق‪ ،‬رفيق العجم‪ ،‬دار‬
‫املرشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1985 ،1‬‬
‫ ‪17.‬مهدي فضل اهلل‪ ،‬مدخل إىل علم املنطق‪ -‬املنطق التقليدي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1985 ،3‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬نــر الديــن الطــويس‪ ،‬جتريــد املنطــق‪ ،‬منشــورات مؤسســة األعلمــي‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫ط‪1988 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬ابن حزم التقريب حلد املنطق واملدخل إليه (باأللفاظ العامية واألمثلة الفقهية)‪ ،‬ويليه حمك‬
‫النظر يف املنطق‪ ،‬تأليف‪ ،‬حجة اإلسالم الغزايل‪ ،‬حتقيق‪ ،‬أمحد فريد املزيدي‪ ،‬منشورات دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪.‬‬
‫ ‪20.‬ابن رشد‪ ،‬تلخيص كتاب املقوالت‪ ،‬حتقيق‪ ،‬حممود قاسم‪ ،‬مراجعة‪ ،‬وتقديم‪ ،‬تشارلس بروث‪،‬‬
‫وعبد املجيد هريدي‪ ،‬منشورات اهليأة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1960 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬ابــن ســينا‪ ،‬منطــق املرشقيــن‪ ،‬حتقيــق‪ ،‬شــكري النجــار‪ ،‬دار احلداثــة‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫ط‪1982 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪23.‬ابن سينا‪ ،‬كتاب النجاة يف احلكمة الطبيعية واملنطقية واإلهلية‪ ،‬تنقيح‪ ،‬وتقديم‪ ،‬ماجد فخري‪،‬‬
‫دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬منشورات دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬ن‪.‬‬
‫ ‪25.‬أخوان الصفا‪ ،‬الرسائل اجلزء األول‪ ،‬تقديم‪ ،‬طه حسني‪ ،‬مراجعة‪ ،‬خري الدين الزركيل‪،‬‬
‫منشورات مؤسسة هنداوي‪ ،‬لندن‪ ،‬القاهرة‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫اعالم املنطق‬
‫عند اإلمامیة‬
‫ّ‬
‫وتحول‬ ‫اإلبداعات املنطقية للفارابي ودوره يف نشر‬
‫‪1‬‬
‫املنطق األرسطي يف عالم اإلسالم‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬أكرب فائدئي‬
‫‪3‬‬
‫د‪ .‬أمحد احلسيني‬
‫ُملخّص البحث‬
‫إن أبا نرص الفارايب من خالل إيضاح املفاهيم الغامضة للمنطق األرسطي‬ ‫ّ‬
‫يف رشحه وتفسريه املبدع جلميع أبواب كتاب أرغانون ألرسطو‪ ،‬وكذلك‬
‫من خالل إبداعاته ّ‬
‫الفذة يف علم املنطق‪ ،‬وال س ّيام تقسيم املعارف إىل‬
‫ثم‬
‫التصور والتصديق‪ ،‬أ ّدى إىل نرش الرتاث املنطقي لليونان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قسمني‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫تتعرض إىل‬
‫إن هذه املقالة ّ‬‫حتوله وتطويره يف العامل اإلسالمي‪ّ .‬‬‫العمل عىل ّ‬
‫بحث ودراسة بعض األفكار املنطقية للفارايب؛ ومن بينها تقسيم املعارف‬
‫تصو ٍر وتصديق‪ ،‬ورأي الفارايب بشأن الكيل واجلزئي ومنشأ معرفة‬ ‫ّ‬ ‫إىل‬
‫األول واملعقول الثاين‪ ،‬وتلفيق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتقسيم املفاهيم الكلية إىل املعقول ّ‬
‫نظرية قابلية احلمل عند أرسطو مع الكليات اخلمسة لفرفوريوس‪ ،‬والذاتية‬
‫يف التعريف‪ ،‬ومغايرة سلب اجلهة مع السالبة املوجهة‪ ،‬ونظرية الفارايب يف‬
‫اإلمكان االستقبايل‪ ،‬واالستقراء والتمثيل‪ ،‬وإبداعه يف باب املغالطة‪ ،‬وبسط‬
‫مواضع املغالطة وبياهنا‪.‬‬
‫‪ .1‬املصدر‪ :‬نُرشت هذه املقالة باللغة الفارسية تحت عنوان‪( :‬نوآوري هاي منطقي فارايب و نقش‬
‫او در اشاعه و تح ّول منطق ارسطويئ در جهان اسالم) يف مجلة‪ :‬خردنامه صدرا‪ ،‬وهي مجلة علمية‬
‫‪ /‬تحقيقية تصدر يف إيران‪ ،‬العدد‪ ،80 :‬صيف عام ‪ 1394‬هـ ش‪ ،‬الصفحات‪ 25 :‬ـ ‪.38‬‬
‫تعريب‪ :‬حسن عيل مطر‬
‫‪ .2‬أستاذ يف مجموعة الفلسفة والحكمة اإلسالمية يف جامعة الشهيد مدين يف محافظة آذربيجان ‪ /‬إيران‪.‬‬
‫‪ .3‬أستاذ مساعد يف مجموعة الفلسفة والحكمة اإلسالمية يف جامعة الشهيد مدين يف محافظة‬
‫آذربيجان ‪ /‬إيران‪.‬‬
‫‪ | 144‬تاریخ علم املنطق‬

‫املقدّ مة‬
‫إن تاريخ ظهور املنطق‪ ،‬بمعنى اجلهود واملساعي املبذولة من أجل‬ ‫ّ‬
‫أن أرسطو هو ّأول من عمل‬ ‫مقرون بخلق اإلنسان‪ ،‬بيد ّ‬
‫ٌ‬ ‫تصحيح التفكري‪،‬‬
‫عىل مجع املنطق النظري‪ ،‬وقام بتدوينه من خالل تعيني أبوابه وفصوله‪ .‬وإنّه‬
‫يف ضوء مبانيه املعرفية‪ ،‬عمد إىل بيان املنطق احلميل‪ ،‬و ُيعدّ بحث االستدالل‬
‫أهم آرائه‪.1‬‬
‫احلميل والقياس احلميل من ّ‬
‫ملنطق آخر حتت عنوان املنطق الرواقي ‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫تم التأسيس‬‫وبعد أرسطو ّ‬
‫امليغاري من قبل امليغاريني‪ ،‬حيث كان ــ خال ًفا للمنطق األرسطي ــ يبحث‬
‫يف املنطق الرشطي‪ .‬وعىل هذا األساس ّ‬
‫فإن الرتاث املنطقي لليونان عبار ٌة عن‬
‫املذهب األرسطي واملذهب الرواقي ‪ /‬امليغاري‪.2‬‬

‫وقد ا ّطلع أبو نرص الفارايب ــ امللقب باملعلم الثاين ــ عىل الرتاث املنطقي‬
‫ٍ‬
‫شارح أو مقرر‬ ‫اليوناين بشكل كامل‪ ،‬و ُيعد بعد فرفوريوس الصوري ّأول‬
‫لكتب أرسطو‪ ،‬حيث يم ّثل من خالل رشحه التفصييل عىل كتاب أرغانون‬
‫ألرسطو قنا ًة النتقال املنطق الصوري األرسطي إىل املسلمني‪ّ ،‬‬
‫وإن مجيع من‬
‫تاله من املناطقة ــ ومن بينهم ابن سينا ــ قد درسوا منطق أرسطو من زاوية‬
‫ورؤية الفارايب‪ .3‬وقد اقترص الفارايب عىل مالحظة منطق أرسطو فقط‪ ،‬ومن‬
‫ٍ‬
‫منطقية‬ ‫ٍ‬
‫أفكار‬ ‫خالل رشح أبواب املنطق األرسطي وبسطها‪ ،‬حصل عىل‬
‫خاصة‪ ،‬حيث سنعمل عىل ذكر ودراسة بعضها‪.‬‬

‫‪ .1‬اللوكري‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬بيان الحق بضامن الصدق‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص ‪ 32‬ـ ‪ ،33‬أمري كبري‪ ،‬طهران‪ 1364 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬ماكوولسيك‪ ،‬آ‪ ،.‬تاريخ منطق‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬فريدون شايان‪ ،‬ص ‪ ،143‬و‪،209‬‬
‫و‪ ،234‬انتشارات پيرشو‪ ،‬طهران‪ 1366 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬دانش پژوه‪« ،‬ديباجه» املنطقيات للفارايب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص أ؛ ررش‪ ،‬نيكوالس‪« ،‬سري منطق در جهان اسالم»‪،‬‬
‫ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬لطف الله نبوي‪ ،‬مجلة فصلنامه مفيد‪ ،‬العدد‪ ،24 :‬ص ‪ 1379 ،38‬هـ ش‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪145‬‬

‫ٍ‬
‫منطق من قسمني‬ ‫تصور وتصديق‪ ،‬اإلعداد لظهور‬
‫‪ 1‬ـ تقسيم العلم إىل ّ‬
‫تم مجع األبحاث املنطقية ألرسطو يف بادئ األمر يف ستة كتب حتت‬
‫لقد ّ‬
‫عنوان أرغانون‪ .‬ثم عمد فرفوريوس الصوري بعد ذلك إىل إضافة بحث‬
‫كتايَب‬
‫اإليساغوجي أو مدخل املنطق إليه‪ ،‬وقام املسلمون بدورهم بإضافة َ‬
‫أيضا‪ ،‬وجعلومها جز ًءا من الصناعات‬ ‫اخلطابة والشعر إىل آخر املنطق ً‬
‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫اخلمس‪ ،‬وبذلك شاعت منطقيات أرسطو بني املسلمني عىل شكل‬
‫ف من تسعة أجزاء‪ .‬ويف هذا التقسيم تبدأ أبواب املنطق باملقوالت‬ ‫مؤ َّل ٍ‬
‫والعبارات‪ ،‬والتحليالت األولية والتحليالت الثانوية‪ ،‬وتنتهي بالشعر‬
‫واخلطابة واإليساغوجي‪ .‬وهكذا هو األمر بالنسبة إىل كتاب الشفاء البن‬
‫سينا‪ ،‬وأساس االقتباس للشيخ نصري الدين الطويس‪.1‬‬

‫إن من بني اإلبداعات املنطقية للفارايب‪ ،‬أنّه عمد يف صدر كتاب الربهان‬ ‫ّ‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫والصور احلاصلة يف النفس إىل قسمني‪ ،‬ومها‪:‬‬‫َ‬ ‫إىل تقسيم العلوم‬
‫(الصور املقرونة باحلكم)‪ .‬وبالنظر‬
‫َ‬ ‫املجردة عن احلكم)‪ ،‬والتصديق‬
‫(الصور ّ‬
‫َ‬
‫التصورات‪ ،‬واألد ّلة ناظر ٌة إىل التصديقات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ناظر إىل‬
‫أن باب التعريف ٌ‬ ‫إىل ّ‬
‫بقسمي املنطق وإعداد األرضية الالزمة لظهور املنطق السينوي‬‫َ‬ ‫تم االهتامم‬
‫املؤ َّلف من قسمني‪.2‬‬

‫وقد استلهم ابن سينا يف بعض كتبه من إبداع الفارايب يف اكتشاف ثنائية‬
‫التصور والتصديق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عمل الذهن‪ ،‬وتب ًعا لذلك عمد إىل تقسيم العلم إىل‬

‫‪ .1‬قرامليك‪ ،‬أحد فرامرز‪« ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬رسآغاز منطق دو بخيش»‪ ،‬آينه پژوهش‪ ،‬العدد‪:‬‬
‫‪ ،24‬ص ‪ 1373 ،39‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬عيون املسائل‪ ،‬ملحق‪« :‬الثمرة املرضية يف بعض الرساالت الفارابية»‪ ،‬إعداد‪:‬‬
‫فريدريس ديرتيتيس‪ ،‬ص ‪ ،56‬ليدن‪ 1890 ،‬م؛ الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي‬
‫دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 266‬ـ ‪ ،267‬مكتبة آية الله املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ | 146‬تاریخ علم املنطق‬

‫التصورات والتصديقات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫و ُق ّسم املنطق إىل قسمني رئيسني ناظرين إىل‬
‫وخفض تقسيم املنطق األرسطي من تسعة أبواب إىل بابني‪ .1‬وقد عمد يف‬
‫اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ودانشنامه عالئي‪ ،‬ومنطق املرشقيني‪ ،‬إىل أخذ احلد‬
‫والرسم من كتاب الربهان ألرسطو‪ ،‬وقدّ مه عىل منطق االستدالل عىل شكل‬
‫كثري من‬ ‫ٍ‬
‫التصورات قبل القضايا ‪ .‬ثم قام ٌ‬
‫ّ‬ ‫بحث مستقل‪ ،‬ووضعه يف قسم‬
‫‪2‬‬

‫علامء املنطق الح ًقا باقتفاء أثر منطق ابن سينا املؤ َّلف من قسمني‪ ،‬وذكروا‬
‫أبحاث التعريف قبل قسم القضايا‪.3‬‬

‫‪ 2‬ـ رأي الفارايب يف الكيل واجلزئي ومنشأ معرفة اإلنسان‬


‫أن الكليات واملعارف العقلية يف (قوس النزول) تنهمر من‬ ‫يرى الفارايب ّ‬
‫املجردات التامة‪ ،‬ومن العقل العارش (العقل الف ّعال)‪ ،‬و(واهب‬
‫ناحية اهلل نحو ّ‬
‫الصور)‪ ،‬إىل عقل اإلنسان‪ ،‬ويف (قوس الصعود) حتصل املعارف لإلنسان‬ ‫َ‬
‫وإن إدراك الكليات يتح ّقق من طريق إدراك اجلزئيات‪.‬‬ ‫من طريق احلواس‪ّ ،‬‬
‫الصور‬
‫َ‬ ‫الصور املحسوسة من طريق القوى احلس ّية‪ ،‬وتدرك‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫إن النفس تدرك‬
‫أن اإلدراكات احلسية تعمل‬‫(الصور املحسوسة)‪ .4‬بمعنى ّ‬ ‫َ‬ ‫املعقولة بوساطة‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪ ،23‬دفرت نرش كتاب‪ ،‬طهران‪ 1403 ،‬هـ؛ قرامليك‪ ،‬أحد فرامرز‪ ،‬مقدمة بر التنقيح يف‬
‫املنطق لصدر املتألهني‪ ،‬تصحيح وتحقيق‪ :‬غالم رضا يايس پور‪ ،‬ص ‪ ،10‬بنياد حكمت اسالمي‬
‫صدرا‪ ،‬طهران‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬قرامليك‪ ،‬أحد فرامرز‪ ،‬مقدمة بر التنقيح يف املنطق لصدر املتألّهني‪ ،‬ص ‪ 8‬ـ ‪15‬؛ ابن سينا‪،‬‬
‫حسني بن عبد الله‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،23‬‬
‫و‪ 95‬ـ ‪ 1403 ،112‬هـ‪.‬‬
‫‪ .3‬قرامليك‪ ،‬أحد فرامرز‪« ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬رسآغاز منطق دو بخيش»‪ ،‬آينه پژوهش‪ ،‬العدد‪:‬‬
‫‪ ،24‬ص ‪ 1373 ،43‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .4‬الفارايب‪ ،‬التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله)‪ ،‬النسخة املخطوطة‪ ،‬ص ‪ ،107‬كتابخانه‬
‫مجلس شوراي اسالمي‪ ،‬برقم‪ ،64489 :‬تحرير ‪ 1330‬هـ‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪147‬‬

‫عىل إعداد عقل اإلنسان لفهم الكيل من طريق إفاضة العقل الف ّعال‪.‬‬

‫يقول الفارايب يف فصوص احلكم‪« :‬الروح اإلنسانية هي التي تتمكن من‬


‫منقوصا عنه اللواحق الغريبة‪ ،‬مأخو ًذا من حيث‬
‫ً‬ ‫تصور املعنى بحدّ ه وحقيقته‬
‫ّ‬
‫ُسمى العقل النظري‪ ،‬وهذه الروح كمرآة‬ ‫بقوة هلا ت ّ‬
‫يشرتك فيه الكثرة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫وهذا العقل النظري كصقاهلا‪ ،‬وهذه املعقوالت ترتسم فيها من الفيض‬
‫اإلهلي كام ترتسم األشباح يف املرايا الصقيلة إذا مل يفسد صقاهلا بطبع ومل‬
‫يعرض بجهة صقاهلا عن اجلانب األعىل شغل بام حتتها من الشهوة والغضب‬
‫وتوجهت تلقاء عامل األمر حلظت‬
‫ّ‬ ‫واحلس والتخ ّيل‪ .‬فإذا أعرضت عن هذه‬ ‫ّ‬
‫امللكوت األعىل واتصلت باللذة ال ُعليا»‪.1‬‬

‫عدد من األشياء‪ ،‬واجلزئي‬‫إن الكيل من وجهة نظر الفارايب هو وجه تشابه ٍ‬ ‫ّ‬
‫أن يتشابه فيه شيئان‪« :‬الكيل ما شأنه ْ‬
‫أن يتشابه به اثنان أو أكثر‪،‬‬ ‫أمر ال يمكن ْ‬
‫ٌ‬
‫وأيضا ّ‬
‫فإن الكيل‬ ‫أصاًل‪ً .‬‬ ‫أن يكون به تشابه بني اثنني ً‬‫والشخيص ما ال يمكن ْ‬
‫أن ُحُيمل عىل أكثر من واحد‪ ،‬والشخص هو ما ليس من شأنه ْ‬
‫أن‬ ‫هو ما شأنه ْ‬
‫ُحُيمل عىل أكثر من واحد»‪ .2‬وقال يف موضع آخر‪« :‬املعنى ّ‬
‫الكيّل هو الذي‬
‫أن يتشابه به اثنان ً‬
‫أصاًل»‪.3‬‬ ‫يتشابه به عدّ ة أشياء‪ ،‬والشخيص هو ما ال يمكن ْ‬

‫بأن الكيل عبارة عن وجه التشابه‬‫يف ضوء هذا الكالم من الفارايب القائل ّ‬
‫أن يكون هناك شيئان يف احلدّ األدنى للعمل عىل انتزاع‬ ‫بني عدّ ة أشياء‪ ،‬جيب ْ‬
‫الكيل‪ ،‬بيد أنّه مل يقل شي ًئا بشأن تلك الطائفة من املفاهيم الكلية التي ليس هلا‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬فصوص الحكم‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسن آل ياسني‪ ،‬ص ‪ 81‬ـ ‪ ،82‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ 1364‬هـ ش؛ حسن زاده آميل‪ ،‬حسن‪ ،‬نصوص الحكم بر فصوص الحكم للفارايب‪ ،‬ص ‪،292‬‬
‫مركز نرش فرهنگي رجاء‪ ،‬طهران‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1408 ،28‬هـ‪.‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ | 148‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫مصداق أبدً ا‪.1‬‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬
‫سوى فرد واحد‪ ،‬أو ليس هلا ّ‬
‫إن اجلزئي من وجهة نظر الفارايب باإلضافة إىل وجوده يف الذهن‪ ،‬له‬ ‫ّ‬
‫وإن الكيل كذلك‬‫أيضا؛ ّ‬‫كذلك وجود يف األفراد اخلارجيني واملحسوسني ً‬
‫ٍ‬
‫بوجود حقيقي‬ ‫بالعرض يف األفراد اخلارجيني‪ ،‬حيظى‬
‫باإلضافة إىل وجوده َ‬
‫احليّس‪ّ ،‬‬
‫وإن العقل البرشي‬ ‫إن الكليات تتح ّقق من اإلدراك ّ‬ ‫أيضا‪ّ .2‬‬
‫يف الذهن ً‬
‫يستخرج الكيل من طريق التجريد من اجلزئيات‪3‬؛ ويف الوقت نفسه ّ‬
‫فإن الكيل‬
‫يف حدّ ذاته حيتوي عىل وجود مقدّ ٍم عىل وجود اجلزئيات‪ّ .‬‬
‫إن هذا االجتاه من‬
‫الفارايب دفع ابن سينا إىل االعتقاد بوجود ثالثة أنواع من الكيل‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪1‌.‬الكيل (ما قبل الكثرة) أو الكيل السابق عىل اجلزئي املوجود يف العلم اإلهلي‬
‫والعقول املفارقة‪.‬‬
‫السعي الوجودي املوجود يف الكثرات‬‫‪2‌.‬الكيل القائم عىل اجلزئي‪ ،‬أو الكيل ِّ‬
‫سمى بـ(الـكيل يف الكثرة)‪.‬‬
‫اخلارجية‪ ،‬والذي ُي ّ‬
‫سمى بـ(الكيل بعد الكثرة)‪.4‬‬ ‫‪3‌.‬الكيل ّ‬
‫املتأخر واملنتزع من اجلزئي الذي ُي ّ‬
‫لقد عمد ابن سينا إىل تقسيم املفاهيم الكلية بلحاظ املصداق‪ ،‬إىل ثالثة‬
‫أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1‌.‬الكيل الذي له أفراد بالفعل‪ ،‬من قبيل‪ :‬كيل (اإلنسان)‪.‬‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله)‪ ،‬النسخة املخطوطة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 32‬ـ ‪ 1330 ،33‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬إن «الكيل والجزيئ» من املعقوالت املنطقية الثانية التي تعرض يف الذهن عىل املفاهيم؛ غاية‬
‫ما هنالك أن الجزيئ يوجد يف الخارج بشكل شخيص‪ ،‬يف حني أن الكيل يتحقق ضمن األفراد‪.‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬كتاب الجمع بني رأيي الحكيمني‪ ،‬ص ‪ ،56‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بريوت‪ 1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬بور‪ ،‬تجتيز‪ .‬جي‪ .‬دو‪ ،‬تاريخ الفلسفة يف اإلسالم‪ ،‬ترجمه إىل اللغة العربية‪ :‬محمد عبد الهادي أبو‬
‫ريدة‪ ،‬ص ‪ ،173‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت؛ ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬املدخل‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬األب قنوايت وآخرون‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،69‬مكتبة آية الله املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪149‬‬

‫‪2‌.‬الكيل الذي ليس له فرد‪ ،‬ولكن وجود الفرد أو األفراد بالنســبة إليه جائز‬
‫وممكن‪ ،‬من قبيل‪ :‬البيت الذي له سبع زوايا‪.‬‬
‫أن ذات تصوره يقبــل وجود ٍ‬
‫فرد أو أفراد‬ ‫‪3‌.‬الــكيل الذي له فــرد واحد‪ ،‬بيد ّ‬
‫ّ‬
‫آخرين‪ ،‬ولكنه حمرو ٌم بوساطة سبب غري ذات املفهوم الكيل من إمكان‬
‫األفراد املشــركني بالفعــل؛ من قبيل مفهوم (الشــمس) بالنســبة إىل‬
‫الشخص الذي ال جييز وجود شمس أخرى‪.1‬‬
‫وقد أضاف الفخر الرازي يف رشح عيون احلكمة‪ ،‬والكاتبي القزويني يف‬
‫ٍ‬
‫مصداق خارجي‬ ‫أي‬
‫الشمسية‪ ،‬طائفتني أخريني إىل األقسام أعاله‪ ،‬ليس هلام ّ‬
‫أبدً ا؛ أحدمها‪ :‬الكيل املمتنع الوجود‪ ،‬مثل (رشيك الباري)‪ ،‬والـ (ال يشء)‪ ،‬والـ‬
‫(ال ممكن باإلمكان العام)‪ ،‬ومفهوم (اجتامع النقيضني)؛ واآلخر‪ :‬الكيل املمكن‬
‫الوجود الذي ليس له أي مصداق‪ ،‬مثل‪( :‬بحر من الزئبق)‪ .2‬وقد عمد الفخر‬
‫الرازي يف منطقه ّ‬
‫امللخص إىل تقسيم الكيل إىل ستة أقسام‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪1‌.‬الكيل املمتنع الوجود‪ ،‬من قبيل‪( :‬رشيك الباري)‪.‬‬
‫‪2‌.‬الكيل املمكن الوجود‪ ،‬الذي ليس له مصداق‪ ،‬من قبيل‪( :‬جبل من ذهب)‪.‬‬
‫‪3‌.‬الكيل الذي ليس له سوى ٍ‬
‫فرد واحد‪ ،‬حيث يمتنع وجود أفراد آخرين له‪،‬‬
‫من قبيل‪( :‬الباري تعاىل)‪.‬‬
‫‪4‌.‬الكيل املمكن الوجود الذي ليس له سوى فرد واحد‪ ،‬من قبيل‪( :‬الشمس)‪.‬‬
‫‪5‌.‬الكيل الذي له الكثري من األفراد واملتناهي‪ ،‬من قبيل (الكواكب)‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح الخواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪ 1403 ،37‬هـ؛ ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء‪ ،‬اإللهيات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1404 ،195‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬الفخر الرازي‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رشح عيون الحكمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حجازي السقا‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ ،55‬مؤسسة الصادق للطباعة والنرش‪ ،‬طهران‪ 1373 ،‬هـ ش؛ التفتازاين‪ ،‬مسعود بن عمر‪ ،‬رشح‬
‫الشمسية للمنطق لإلمام الكاتبي‪ ،‬ص ‪ ،57‬دار النور املبني للدراسات والنرش‪ ،‬عامن‪ 2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ | 150‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪6‌.‬الكيل الذي له الكثري مما ال يتناهى من األفراد‪ ،‬من قبيل (اإلنسان)‪.1‬‬


‫وبعد الفخر الرازي شاع تقسيم الكيل إىل هذه األقسام الستة يف الكتب املنطقية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تقسيم املفاهيم الكلية إىل املعقول األول واملعقول الثاين‬


‫األول واملعقول‬‫قسم املعقول إىل املعقول ّ‬
‫لقد كان الفارايب هو ّأول من ّ‬
‫معقول حيصل يف الذهن إنّام حيصل من األمر املحسوس‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ٍ‬ ‫«إن ّأول‬‫الثاين‪ّ :2‬‬
‫معقوالت حاصل ٌة ال عن حمسوسات فذلك ليس ب ّينا لنا منذ ّأول‬
‫ٌ‬ ‫كانت توجد‬
‫األمر ‪ ...‬وكذلك املعقوالت الكائنة يف النفس عن املحسوسات إذا حصلت‬
‫جنسا وبعضها‬ ‫يف النفس حلقها من حيث هي يف النفس لواحق يصري هبا بعضها ً‬
‫أن حتصل يف‬ ‫ومعر ًفا بعض ببعض ‪ ...‬وهذه [األمور] التي تلحقها بعد ْ‬
‫ّ‬ ‫نو ًعا‪،‬‬
‫ُسمى املعقوالت الثواين»‪.3‬‬
‫أيضا أمور معقولة ‪ ...‬وهي ت ّ‬
‫النفس هي ً‬
‫ويرى الفارايب ّ‬
‫أن املفاهيم املاهوية احلاكية عن ماهية األشياء اخلارجية‪ ،‬هي‬
‫ٍ‬
‫معقوالت أخرى باسم املعقوالت‬ ‫األول‪ ،‬وهي تقع منشأ النتزاع‬ ‫من املعقول ّ‬
‫الثانية؛ بمعنى املعقوالت الثانية التي هي عوارض ذهنية للمعقوالت األوىل‬
‫واملفاضة من ناحية العقل الف ّعال‪.4‬‬
‫ّ‬
‫إن املعقول الثاين يف كالم الفارايب يتطابق مع املعقول الثاين املنطقي‪ .‬ومل‬
‫يتحدّ ث يف أعامله عن انقسام املعقول الثاين إىل الفلسفي واملنطقي‪ .‬وكذلك‬
‫‪ .1‬الفخر الرازي‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬منطق امللخص‪ ،‬تقديم وتصحيح وتعليق‪ :‬أحد فرامرز قرامليك‬
‫وآدينه أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 25‬ـ ‪ ،26‬انتشارات إمام صادق ‪ ،‬طهران‪ 1381 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،37‬مكتبة آية الله‬
‫املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬كتاب الحروف‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي حسن‪ ،‬ص ‪ ،64‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 1349 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .4‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1986 ،351‬م؛‬
‫املصدر ذاته‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.37‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪151‬‬

‫عمد الشيخ الرئيس ابن سينا ــ مثل الفارايب ــ إىل االستفادة من املعقول‬
‫الثاين للمفاهيم املنطقية‪ ،‬من قبيل‪ :‬النوع واجلنس والكيل و‪ ...‬املرتتبة عىل‬
‫املفاهيم األولية‪ ،‬ولكنّه مل يستعمل مصطلح املعقول الثاين ملفاهيم من قبيل‬
‫وإن كان مطل ًعا عىل االختالف بني هذه املفاهيم‬‫الوجود والوحدة والشيئية‪ْ ،‬‬
‫واملفاهيم املاهوية‪ .‬وقد م ّثل يف كتاب التعليقات للمعقول ّ‬
‫األول باجلسم‬
‫األول ويراه‬
‫واحليوان ونظائر ذلك‪ ،‬وجعل املعقول الثاين مستندً ا إىل املعقول ّ‬
‫موضو ًعا للمنطق‪ ،‬وم ّثل له بالكلية واجلزئية واملفاهيم املنطقية األخرى‪.1‬‬

‫وبعد ابن سينا جاء تلميذه هبمنيار يف حتليل بعض هذه املفاهيم‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫وساّمها باملعقوالت الثانية‪ .2‬وكذلك ذهب‬ ‫الوجود‪ ،‬والذات‪ ،‬والشيئية‪ّ ،‬‬
‫شيخ اإلرشاق إىل عدّ مجيع هذه األنواع من املفاهيم (املاهية‪ ،‬والشيئية‪،‬‬
‫واحلقيقة) من االعتبارات العقلية واملعقول الثاين الفلسفي‪.3‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬التعليقات‪ ،‬تصحيح‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ص ‪ 167‬ـ ‪،168‬‬
‫مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬بهمنيار‪ ،‬ابن املرزبان‪ ،‬التحصيل‪ ،‬تصحيح‪ :‬مرتىض املطهري‪ ،‬ص ‪ ،286‬دانشگاه طهران‪،‬‬
‫طهران‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬السهروردي‪ ،‬شهاب الدين يحيى‪ ،‬مجموعه مصنفات شيخ ارشاق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،361‬مؤسسة‬
‫مطالعات و تحقيقات فرهنگي‪ ،‬طهران‪ 1372 ،‬هـ ش؛ املصدر ذاته‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،64‬وص ‪.114‬‬
‫‪ | 152‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪ 4‬ـ التلفيق بني نظرية املحموالت ألرسطو والكليات اخلمسة لفرفوريوس‬


‫لقد عمد أرسطو يف البحث عن مواضع اجلدل والعنارص املؤ ّلفة للقياسات‬
‫اجلدلية‪ ،‬إىل التعريف بأربعة حمموالت‪ ،‬وهي‪ :‬احلدّ (أو التعريف املأخوذ من‬
‫والعرض‪ ،‬التي ُحُتمل يف القضايا اجلدلية‬
‫َ‬ ‫اجلنس والفصل)‪ ،‬واجلنس‪ ،‬واخلاصة‬
‫عىل النوع‪ّ .‬‬
‫إن هذه املحموالت حتصل من املقوالت أو األجناس العالية‪.1‬‬
‫لقد عمد فرفوريوس الصوري يف باب اإليساغوجي ــ ً‬
‫بداًل من التعريف ــ‬
‫إىل وضع النوع والفصل‪ ،‬وذكر املفاهيم الكلية للمحمول ضمن مخسة موارد‪،‬‬
‫والعرض العام‪ ،‬والتي تعدّ من‬
‫َ‬ ‫وهي‪ :‬اجلنس‪ ،‬والنوع‪ ،‬والفصل‪ ،‬واخلاصة‪،‬‬
‫وجهة نظره رضوري ًة والزم ًة ملعرفة املفاهيم األساسية يف املنطق‪ ،‬ومن بينها‬
‫تركيب التعريف واألمور املرتبطة بالتقسيم والربهان‪.2‬‬
‫أما الفارايب ــ الذي يرى الكليات اخلمسة من العنارص األصلية جلميع‬
‫التعاريف واألد ّلة يف مجيع العلوم ــ فقد ربطها بحملية أرسطو‪ ،‬وباإلضافة إىل‬
‫النوع والفصل‪ ،‬يضع أنوا ًعا خمتلفة من التعاريف احلدية والرسمية ضمن فهرسة‬
‫أيضا‪« :3‬املحموالت الكلية البسيطة هي هذه اخلمسة‪ :‬جنس ونوع‬ ‫املحموالت ً‬
‫وعرض عام ‪ ...‬واملحموالت املركّبة؛ فإهنا تركّب من هذه‬ ‫وفصل وخاصة َ‬
‫اخلمسة»‪.4‬‬
‫ويف بحث أقسام املحمول‪ ،‬عمد إىل تقسيم املحموالت إىل نوعني‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫املحموالت البسيطة‪ ،‬واملحموالت املركّب‪ ،‬وقال‪ّ :‬‬
‫إن املحموالت البسيطة عىل‬
‫مخسة أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 493‬ـ ‪ ،494‬وص ‪ 501‬ـ ‪.502‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪1057‬؛ عظيمي‪ ،‬مهدي؛ وأحد فرامرز قرامليك‪« ،‬تاريخ تحول كليات خمس»‪ ،‬مجلة‪:‬‬
‫فلسفه و كالم اسالمي‪ ،‬السنة الخامسة واألربعون‪ ،‬العدد‪ ،1 :‬ص ‪ ،102‬ربيع وصيف عام ‪ 1391‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 15‬ـ ‪ 1986 ،16‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪153‬‬

‫‪1‌.‬ما هو مادة للتشــابه الذايت بني األشياء واملحمول األعم الذي يرد جوا ًبا عن‬
‫سمى باجلنس‪.‬‬ ‫سؤال ما هو‪ ،‬و ُي ّ‬
‫األخص الذي يرد جوا ًبا عن‬
‫ّ‬ ‫‪2‌.‬ما هو مادة للتشابه الذايت بني األشياء واملحمول‬
‫سمى بالنوع‪.‬‬‫سؤال ما هو‪ ،‬و ُي ّ‬
‫العرض العام الذي ُيشكّل ما ّدة للتشابه غري الذايت بني األشياء‪.‬‬
‫‪َ 3‌.‬‬
‫‪4‌.‬الفصل الذي هو مادة لالختالف الذايت لليشء عن سائر األشياء األخرى‪.‬‬
‫اخلاصة التي هي مادة لالختالف والتغاير غري الذايت بني األشياء‪.1‬‬
‫‪ّ 5‌.‬‬
‫واملحموالت املركبة تتأ ّلف بدورها من أقسام متعدّ دة‪ ،‬ومن بينها احلدّ الذي‬
‫هو مركّب من اجلنس والفصل‪ ،‬والرسم الذي هو مركّب من اجلنس واخلاصة أو‬
‫خاصة لنو ٍع واحد‪.2‬‬
‫عدد من األعراض العامة‪ ،‬والتي تكون بمجموعها ّ‬

‫‪ 5‬ـ االجتاه الذايت يف مسألة التعريف‬


‫لقد قام أرسطو يف األبحاث امليتافيزيقية بإبداء نظريته اخلاصة يف مسألة‬
‫ٍ‬
‫كبرية بالنظر إىل دورها األسايس يف‬ ‫ٍ‬
‫بأمهية‬ ‫التعريف‪ّ .‬‬
‫إن هذه النظرية حتظى‬
‫التعريف برؤية أرسطو يف إطار الوصول إىل املعرفة الربهانية وبيان العالقة‬
‫امليتافيزيقية واملنطق األرسطي‪ .3‬إنّه ضمن الفصل والتفكيك بني التعريف‬
‫احلقيقي والتعريف االسمي‪ ،‬قال بإمكان كال التعريفني‪ ،‬وعدّ احلدّ أو التعريف‬
‫احلقيقي يم ّثل اخلطوة األوىل للوصول إىل املعرفة العلمية باألشياء‪.4‬‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن؛‬
‫‪Also See: Fakhry، Al – Farabi، Fonder of Islamic Neoplatonism، His life، Works and Influence،‬‬
‫‪Oxford One world Publications، 2002. pp. 56 – 57.‬‬
‫‪3. See: Louise Deslauriers، Marguerite، Aristotle of Definition، A thesis presented for the de-‬‬
‫‪gree of Doctor of Philosophy، University of Toronto، 1986. p. 1.‬‬
‫‪4. See: Ibid، p. 12 – 13.‬‬
‫‪ | 154‬تاریخ علم املنطق‬

‫وذهب أرسطو يف إطار رؤيته الواقعية إىل االعتقاد باحلقيقة العينية لألشياء‬
‫واشتامهلا عىل الذات واحلقيقة‪ ،‬وهي الذات التي تشكّل ماد ًة لتاميز األشياء فيام‬
‫أمرا ممكنًا‪ .‬وهو يرى ّ‬
‫أن املعرفة الكاملة‬ ‫بينها‪ ،‬وجتعل التفكري فيها واحلديث عنها ً‬
‫إن احلدّ هو القول‬ ‫ظل معرفتها وتعريفها احلدّ ي‪ّ .‬‬ ‫باألشياء إنّام تكون ممكن ًة يف ّ‬
‫الدال عىل ماهية اليشء‪ ،‬واملشتمل عىل ذاتيات ذلك املعنى املركّب من اجلنس‬
‫والفصل‪ ،‬واملراد منه هو اجلنس القريب والفصل القريب‪ ،‬ليكون مع ًربا عن مجيع‬
‫تتم الغفلة‬
‫مثاًل أنّه من خالل ذكر اجلنس العايل‪ّ ،‬‬ ‫الذاتيات املحدودة؛ من ذلك ً‬
‫عن بعض األجناس املحدودة‪ ،1‬وهي كلية وموجبة عىل الدوام‪.2‬‬
‫يشء ما‪ ،‬هو العلم بعلة‬ ‫إن معرفة ماهية ٍ‬ ‫وقال يف التحليل العقيل ملعنى احلد‪ّ :‬‬
‫إن ذات اليشء وجوهره يف‬ ‫وسبب وجود ومعرفة ذات وحقيقة ذلك اليشء‪ّ .3‬‬
‫مقام التعريف متقدّ ٌم عىل سائر املقوالت‪ ،‬من قبيل‪ :‬الكم والكيف واألين؛ إذ‬
‫أيضا‪ّ .4‬‬
‫إن‬ ‫حارضا ً‬
‫ً‬ ‫أن يكون تعريف ذاته وجوهره‬ ‫كل يشء‪ ،‬جيب ْ‬ ‫يف تعريف ّ‬
‫اساًم‬
‫أن يذكر ً‬‫التعريف احلقيقي ملاهية يشء قول يفيد ذات ذلك اليشء دون ْ‬
‫لذات اليشء يف التعريف‪5‬؛ إذ ليس اليشء وماهيته شي ًئا واحدً ا فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫إن القول‬
‫إن القول الشارح أو تعريف ماهية األشياء مركّب من‬ ‫أيضا‪ّ .6‬‬
‫الشارح له واحد ً‬
‫‪1. See: Berg، Jan، Aristotle’s Theory of Definition، ACTS of the International Congress of the‬‬
‫‪History of Logic، San Gimignano. 4 to 8 December 1982، CLUEB، Bologan (Italy) in 1983، p. 28.‬‬
‫‪ .2‬أرسطو‪ ،‬متافيزيك (ما بعد الطبيعة)‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬محمد حسن لطفي‪ ،‬ص ‪1038‬‬
‫‪ ،a‬انتشارات طرح نو‪ ،‬طهران‪ 1385 ،‬هـ ش؛ أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.432‬‬
‫‪3. See: Bayer، Greg، «Classification and Explanation in Aristotle’s Theory of Definition، Jour-‬‬
‫‪nal of the History of Philosophy، 36، Number 4، October 1998، p. 487.‬‬
‫‪ .4‬أرسطو‪ ،‬متافيزيك (ما بعد الطبيعة)‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬محمد حسن لطفي‪ ،‬ص ‪1028‬‬
‫‪ 1385 ،b 1028 – a‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .5‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪b 1029‬؛‬
‫‪Also See: Kennedy – Day، Kiki، Definition in the Philosophy of al – Kindi، al – Farabi، Ibin Sina،‬‬
‫‪A thesis presented for the degree of Doctor of Philosophy، New York University، 1996. p. 1029.‬‬
‫‪ .6‬أرسطو‪ ،‬متافيزيك‪( ،‬ما بعد الطبيعة)‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬محمد حسن لطفي‪ ،‬ص ‪1032‬‬
‫‪ 1385 ،a‬هـ ش‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪155‬‬

‫أجزاء (اجلنس والفصل)‪ّ ،‬‬


‫وإن معرفة أجزائه متقدّ مة عىل معرفة الكل‪.1‬‬
‫إن احلصول عىل حدّ ٍ‬
‫يشء إنّام يتح ّقق من طريق الرتكيب بني أسلوب التحليل‬ ‫ّ‬
‫العقيل وأسلوب التقسيم؛ بمعنى أنّه من خالل الدراسة التحليلية لذاتيات اليشء‬
‫نصل إىل معرفة األجناس والذاتيات املشرتكة‪ ،‬ومن خالل تقسيم األجناس‬
‫أيضا‪ ،‬ثم من خالل‬‫املقومة له وفصوله ً‬‫التعرف عىل الذاتيات ّ‬
‫إىل األنواع يتم ّ‬
‫يتم الوصول إىل حدّ ذلك اليشء‪ .2‬أ ّما املحموالت التي‬
‫تركيب اجلنس والفصل ّ‬
‫يتم أخذها يف‬
‫هي ليست ذاتية لليشء‪ ،‬من قبيل‪ :‬األعراض واخلاصيات‪ ،‬فال ّ‬
‫التعريفات احلدّ ية للامهيات‪.3‬‬
‫إن النظرية الذاتية ألرسطو‪ ،‬حظيت بالقبول من قبل املشائني من املسلمني‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ّ‬
‫كان بعضهم من أمثال الفارايب وابن سينا‪ ،‬عىل الرغم من االعتقاد بإمكان التعريف‬
‫إن بحث الفارايب حول‬ ‫بأن احلصول عليه يف غاية الصعوبة‪ّ .‬‬ ‫احلدي‪ ،‬ولكنهم قالوا ّ‬
‫نظرية التعريف األرسطي قد أ ّدى إىل بيان وتعزيز هذا التفكري املنطقي‪ .4‬يذهب‬
‫املعرف‬‫أن يكون ّ‬‫بأن احلدّ الكامل وحده هو الذي يمكنه ْ‬ ‫الفارايب إىل االعتقاد ّ‬
‫واملبنّي ملاهية اليشء‪ ،‬وهو احلدّ الكامل املؤ ّلف من شيئني؛ حيث أحدمها‬
‫احلقيقي ّ‬
‫عاّم سواه‪ ،5‬وحيث احلدود إنّام‬
‫يبنّي ذات اليشء وجوهره‪ ،‬واآلخر يفرز اليشء ذات ًيا ّ‬‫ّ‬
‫كل ما ال حيتوي عىل جنس وفصل‬ ‫فإن ّ‬
‫تتأ ّلف من اجلنس والفصل الذاتيني فقط‪ّ ،‬‬
‫ـ من قبيل‪ :‬األجناس العالية حيث ال يوجد جنس فوقها ـ ليس هلا تعريف حدّ ي‪،‬‬
‫وإن التعاريف التي تذكر هلا‪ ،‬هي بأمجعها من التعاريف الرسمية‪.6‬‬‫ّ‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.b 1035 ،b 1034‬‬


‫‪ .2‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 461‬ـ ‪.472‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.501‬‬
‫‪4. See: Kennedy – Day، Definition in the Philosophy of al – Kindi، al – Farabi، Ibin Sina، p. 59.‬‬
‫‪ .5‬الفارايب‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق‪ ،‬تحقيق‪ :‬محسن مهدي‪ ،‬ص ‪ ،78‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ | 156‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن املعرفة الكاملة باألشياء ره ٌن بمعرفة‬ ‫يرى الفارايب ــ تب ًعا ألرسطو ــ ّ‬


‫إن املعرفة الكاملة‬ ‫مقوم ٌة لذات موصوفها‪ ،‬إذ ّ‬ ‫أن الذاتيات ّ‬ ‫ذواهتا‪ .‬وهو يرى ّ‬
‫أي ٍ‬
‫دخل‬ ‫لذات املوصوف تتوقف عىل معرفة ذاتياهتا‪ ،‬وأ ّما العرضيات فليس هلا ّ‬
‫يف قوام ذات اليشء‪ .‬وقد عمد يف كتاب التوطئة إىل تقسيم الكليات املحمولة‬
‫عىل ماهية األشياء إىل قسمني‪ ،‬ومها‪ :‬املحمول البسيط‪ ،‬واملحمول املركّب‪ ،‬ومن‬
‫واحد من الكليات اخلمسة بوصفها حمموالت الكيل البسيط‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خالل توصيف ّ‬
‫كل‬
‫ً‬
‫حممواًل مر ّك ًبا من‬ ‫واحد من أنواع التعريف بوصفه‬‫ٍ‬ ‫عمد إىل البيان التفصييل ّ‬
‫لكل‬
‫أن االختالف األسايس بني احلدّ والرسم يكمن‬ ‫بعض الكليات اخلمسة‪ ،‬ويرى ّ‬
‫يف داللة احلدّ عىل الذات املحدودة وقوام اليشء املحدود عىل الذاتيات؛ إذ يقول‪:‬‬
‫«كل حممول مركّب من جنس وفصل أو جنس وفصلني أو أكثر متى كان مساو ًيا‬
‫وخاصة أو‬
‫ّ‬ ‫يف احلمل لنوع ما فإنه حدّ لذلك النوع ‪ ...‬وما كان مرك ًبا من جنس‬
‫سمى‬ ‫جنس وعرض أو عرضني أو أكثر متى كان مساو ًيا يف احلمل لنوع ما فإنه ُي ّ‬
‫يدل عىل جوهر اليشء وال عىل الذي به‬ ‫رساًم لذلك النوع ‪ ...‬إال أن الرسم ال ّ‬
‫ً‬
‫يدل عىل جوهر اليشء وعىل كل ما به‬ ‫قوام اليشء‪ ،‬واحلدّ مع مجيع تلك األشياء ّ‬
‫قوام اليشء»‪.1‬‬
‫ٍ‬
‫تعريف يتأ ّلف‬ ‫إن ّ‬
‫كل‬ ‫يقول الفارايب يف كتاب الربهان وكتاب رشائط اليقني‪ّ :‬‬
‫وإن أجزاء التعريف إ ّما متقدّ م ٌة عىل ّ‬
‫املعرف وإ ّما‬ ‫يف احلدّ األدنى من جزئني‪ّ .‬‬
‫متأخر ٌة عنه‪ .‬والقسم األول بدوره ال خيرج عن إحدى حالتني؛ فهو إ ّما أن يكون‬ ‫ّ‬
‫إن التعريف الذي تكون أجزاؤه‬ ‫خارجا عنها‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫املعرف وإ ّما‬
‫داخاًل يف حقيقة ّ‬‫ً‬
‫وإاّل وجبت تسميته‬‫املعرف وداخلة يف حقيقته‪ ،‬تستحق عنوان احلد‪ّ ،‬‬ ‫متقدّ مة عىل ّ‬
‫وإن أكمل احلدود هو احلدّ التام‪ ،‬حيث أحد أجزائه أعم‬ ‫متأخرا‪ْ .‬‬
‫ً‬ ‫رساًم أو حدً ا‬
‫ً‬
‫وإن ذينك األمرين الذاتيني‬ ‫ٍ‬
‫من املحدود‪ ،‬وجزؤه اآلخر ذايت مساو للمحدود؛ ّ‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬رفيق العجم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،62‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1986‬م؛ الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماجد فخري‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪157‬‬

‫إن ّ‬
‫كل‬ ‫اللذين يعمالن عىل بيان الذاتيات‪ ،‬إنّام مها تفصيل لليشء املحدود‪ّ .1‬‬
‫واحد من األجزاء التا ّمة للحد (اجلنس والفصل)‪ ،‬يقبل احلمل عىل املحدود‪ ،‬بيد‬ ‫ٍ‬
‫أن أجزاء احلدّ ال تقبل احلمل عىل املحدود؛ كام قيل يف تعريف الدائرة‪ :‬الدائرة‬ ‫ّ‬
‫خط واحد؛ بحيث تكون مسافة ّ‬
‫اخلط الواحد املحيط هبا من مجيع‬ ‫شكل حييط به ٌّ‬
‫إن الشكل يقبل احلمل عىل الدائرة‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن‬ ‫اجلهات بالنسبة إىل املركز متساوية‪ّ .‬‬
‫اخلط الواحد الذي هو ليس جز ًءا تا ًّما لتعريف الدائرة‪ ،‬ال يقبل احلمل عىل‬ ‫ّ‬
‫أن اجلزء التام للحدّ ال يقبل احلمل عىل‬ ‫الدائرة‪ .‬وقد استنتج الفارايب من ذلك ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد من األجزاء التا ّمة بدورها تقبل احلمل عىل بعضها عىل‬ ‫وإن ّ‬
‫كل‬ ‫املحدود‪ّ ،‬‬
‫نحو الكلية أو اجلزئية‪ ،‬ولكن لو كان جزء احلدّ مر ّك ًبا من أجزاء‪ّ ،‬‬
‫فإن أجزاء جزء‬
‫احلد ال تقبل احلمل عىل املحدود‪ .2‬ويف هناية كالمه حتدّ ث عن كيفية اكتساب‬
‫األجناس والفصول واحلدود احلقيقية لألشياء من طريقني‪ ،‬ومها‪ :‬التقسيم‬
‫والرتكيب‪ ،‬بشكل تفصييل‪.3‬‬

‫نقد‬
‫إن جزء ِ‬
‫جزء احلدّ ال يقبل‬ ‫إن هذا اإلطالق يف كالم الفارايب ــ إذ يقول‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ألن املناطقة أنفسهم قالوا ّ‬
‫بأن‬ ‫صحيحا؛ وذلك ّ‬‫ً‬ ‫احلمل عىل املحمول ــ ال يبدو‬
‫واملتحرك باإلرادة‪ ،‬يف حني ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫الفصل القريب للحيوان هو املركّب من احلساس‬
‫واملتحرك باإلرادة ـ لوحده ـ يقبل احلمل عىل احليوان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد من احلساس‬ ‫كل‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫وقد قام الفارايب نفسه يف (اإليساغوجي) بذكر اجلسم املتغذي واحلساس يف‬
‫التعريف احلدّ ي لإلنسان ــ بوصفهام من األجزاء احلد ّية للحيوان ــ ً‬
‫بداًل من‬
‫عرف اإلنسان حدّ ًيا باجلسم املتغذي احلساس الناطق‪،‬‬‫اجلنس القريب له‪ ،‬وقد ّ‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماجد فخري‪ ،‬ص ‪ 45‬ـ ‪ ،47‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ 45‬ـ ‪46‬؛‬
‫‪Also See: Fakhry، Al – Farabi، Fander of Islamic Neoplatonism، pp. 56 – 57.‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماجد فخري‪ ،‬ص ‪ 53‬ـ ‪ 1987 ،57‬م‪.‬‬
‫‪ | 158‬تاریخ علم املنطق‬

‫واحلساس بمفرده ْ‬
‫أن ُحُيمل عىل‬ ‫ٍ‬
‫واحد من اجلسم واملتغذي‬ ‫يف حني يمكن ّ‬
‫لكل‬
‫ّ‬
‫اإلنسان‪.1‬‬
‫‪ 6‬ـ اعرتاف الفارايب بامتناع التعريف احلقيقي لألشياء‬
‫لقد ذهب الفارايب يف أكثر كتبه املنطقية إىل إمكان التعريف احلدّ ي‪ْ ،‬‬
‫وإن كان‬
‫أقر بامتناع التعريف احلقيقي‪ .‬فقد رأى‬
‫صع ًبا للغاية‪ .‬بيد أنّه يف كتاب التعليقات ّ‬
‫املقومة هلا‪ ،‬ليس‬
‫أن الوصول إىل ذات وحقيقة األشياء واالطالع عىل الفصول ّ‬ ‫ّ‬
‫خواص األشياء ولوازمها فقط؛ إذ قال يف‬
‫ّ‬ ‫مقدورا لإلنسان‪ ،‬ونحن إنّام نعرف‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫«إن اإلنسان غري قادر عىل معرفة حقيقة األشياء‪ ،‬ونحن إنّام نعرف‬‫هذا الشأن‪ّ :‬‬
‫خواص األشياء ولوازمها وعوارضها فقط»‪.2‬‬ ‫ّ‬
‫أيضا‪ :‬نحن ال نعرف حقيقة املبدأ األول‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنفس‪،‬‬ ‫وهو يقول ً‬
‫إن معرفتنا عن املبدأ األول تقترص عىل أنّه واجب بالذات ال أكثر‪ ،‬وهذا‬ ‫والفلك‪ّ .‬‬
‫إن احلدّ جيب ْ‬
‫أن يكون مر ّك ًبا‬ ‫إنّام هو جمرد رشحٍ لالسم‪ ،‬وليس تعري ًفا حقيق ًيا‪ّ .‬‬
‫املجرد التام)‬
‫من األجزاء (اجلنس والفصل)‪ .‬وتار ًة يكون املحدود (مثل العقل ّ‬
‫أمرا بسي ًطا؛ ويف هذه احلالة يقوم اإلنسان من خالل حتليله عقل ًيا بإحالل مفهو ٍم‬ ‫ً‬
‫إن اجلوهر الذي هو‬ ‫بداًل من فصله‪ّ .‬‬ ‫حمل اجلنس‪ ،‬ويضع املفهوم املساوي ً‬ ‫عام ّ‬
‫أمر بسيط ال يقبل التعريف احلقيقي‪ .‬نحن فيام يتع ّلق باجلوهر ال نعرف عنه غري‬ ‫ٌ‬
‫خاصة اجلوهر وليس حقيقته‪ .‬كام أننا ال‬ ‫(املوجود ال يف موضوع)‪ ،‬وهذا إنّام هو ّ‬
‫نعرف حقيقة األمور املحسوسة‪ ،‬من قبيل‪ :‬املاء واهلواء والنار‪ ،‬بل وحتى اجلسم‪،‬‬
‫ولذلك يوجد هناك عىل الدوام اختالف يف اآلراء حول ماهيات األشياء‪ .‬نحن‬
‫أن هذه األمور من‬ ‫نعرف اجلسم بامتالكه الطول والعرض والعمق‪ ،‬يف حني ّ‬
‫خواص اجلسم‪ ،‬وال مت ّثل حقيقته‪.3‬‬
‫ّ‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬رفيق العجم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 85‬ـ ‪ 1986 ،86‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬التعليقات (ضمن مجموعه نه رساله)‪ ،‬الصفحة ‪ 1330 ،108‬هـ‪.‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ 109‬ـ ‪.111‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪159‬‬

‫أن الوصول إىل احلدود‬ ‫التعرف عىل حقائق األشياء‪ّ ،‬إاّل ّ‬ ‫ولو س ّلمنا إمكان ّ‬
‫كل ما ُيذكر‬ ‫إن ّ‬
‫واحد من األشياء يف غاية الصعوبة والتعقيد؛ إذ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل‬‫احلقيقية ّ‬
‫خواص ولوازم األشياء‪ ،‬وليس من‬ ‫ّ‬ ‫بوصفه ً‬
‫فصاًل‪ ،‬إنّام هو يف الواقع عبار ٌة عن‬
‫احلساس واحلركة اإلرادية التي تؤخذ يف التعريف احلدي‬ ‫إن ّ‬ ‫فصوله احلقيقية‪ّ .‬‬
‫مقوم ٌة‬
‫فصاًل له‪ ،‬إنّام هي من لوازم النفس احليوانية‪ ،‬وهي ّ‬ ‫للحيوان بوصفها ً‬
‫وإن البسائط‬‫مقوم ًة لوجوده‪ّ .‬‬
‫للمعنى العام للحيوان من حيث مفهومه‪ ،‬وليست ّ‬
‫وإن الفصل احلقيقي‬ ‫من قبيل األلوان والكيفيات األخرى‪ ،‬ليس هلا فصل‪ّ ،‬‬
‫أن‬‫أيضا‪ .‬من ذلك ــ عىل سبيل املثال ــ ّ‬ ‫قابل للتعريف ً‬ ‫للمركبات بدوره غري ٍ‬
‫وأن الناطق الذي يعدّ‬ ‫ٍ‬
‫معروفة بالنسبة لنا‪ّ ،‬‬ ‫حقيقة النفس الناطقة جمهول ٌة وغري‬
‫وخواص فصل اإلنسان‪.1‬‬‫ّ‬ ‫ً‬
‫فصاًل لإلنسان‪ ،‬إنّام هو واحدٌ من لوازم‬

‫املوجهة‬
‫‪ 7‬ـ اختالف سلب اجلهة عن السالبة ّ‬
‫جاء يف البحث عن التقابل بني سلب القضايا وإجياهبا يف منطق أرسطو‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫االختالف يف الكيف ُيعدّ واحدً ا من بني رشوط حتقق التناقض بني قضيتني‪ .‬من‬
‫(إن اإلنسان عادل)‪ّ ،‬‬
‫و(إن اإلنسان غري عادل) متناقضتان‪،‬‬ ‫أن قضية ّ‬ ‫مثاًل ّ‬
‫ذلك ً‬
‫وأن أداة السلب يف القضية السالبة تعمل عىل سلب احلكم وسلب االرتباط‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أن يكون موجو ًدا) ال تناقض قضية (من املمكن ّأاّل‬
‫وأ ّما قضية (من املمكن ْ‬
‫يكون موجو ًدا)‪ ،‬وكلتا هاتني القضيتني صادقة؛ بل نقيضهام هو (ليس من املمكن‬
‫أن يوجد) ال‬ ‫أن يوجد) هو (ال جيب ْ‬
‫أن يكون موجو ًدا)‪ ،‬ونقيض قضية (جيب ْ‬ ‫ْ‬
‫(جيب ّأاّل يوجد)‪.2‬‬
‫قال الفارايب يف مقام رشحه وبيانه لكالم أرسطو‪ّ :‬‬
‫إن املوجبة املمكنة ال تناقض‬
‫جمرد سلب االرتباط ال يكفي لتحقق التناقض؛ إذ سلب‬ ‫السالبة املمكنة؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ 121‬ـ ‪.122‬‬
‫‪ .2‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 122‬ـ ‪.124‬‬
‫‪ | 160‬تاریخ علم املنطق‬

‫إن نقيض اإلمكان هو سلب اإلمكان‪ ،‬وسلب‬ ‫املوجهة‪ّ .‬‬


‫اجلهة خيتلف عن السالبة ّ‬
‫املوجهة املمكنة هو غري السالبة املمكنة‪ .‬وعليه ّ‬
‫فإن أداة السلب يف‬ ‫اإلمكان يف ّ‬
‫وأن يعمل عىل سلب‬‫أن يرد عىل جهة القضية‪ْ ،‬‬ ‫املوجهة السالبة جيب ْ‬
‫القضايا ّ‬
‫جهة القضية‪ّ ،‬‬
‫وإاّل فلن تكون متناقضة‪.1‬‬
‫يف سلب االضطرار‪ُ ،‬حُيكم بسلب رضورة ثبوت اليشء‪ ،‬كام يف قولنا‪( :‬زيد‬
‫أن يوجد ً‬
‫عاداًل)‪ ،‬ولكن يف السالبة االضطرارية ُحُيكم برضورة‬ ‫ليس باضطرار ْ‬
‫إن سلب الرضورة‬ ‫سلب اليشء‪ ،‬كام يف قولنا‪( :‬زيد باضطرار ّأاّل يوجد ً‬
‫عاداًل)‪ّ .‬‬
‫وإن سلب االضطرار هو غري السالبة االضطرارية‪.2‬‬ ‫هو غري رضورة السلب‪ّ ،‬‬

‫مستلهاًم من كالم الفارايب ــ باإلضافة إىل االختالف يف‬


‫ً‬ ‫وقد ذهب ابن سينا ــ‬
‫الكم والكيف‪ ،‬إىل عدّ االختالف يف اجلهة واحدً ا من رشوط حت ّقق التناقض يف‬
‫أيضا‪ ،‬ومن ذلك أنّه ــ عىل سبيل املثال ــ قد عدّ اإلمكان العام‬
‫املوجهة ً‬
‫القضايا ّ‬
‫نقيضا للرضورية‪ ،‬وعدّ اإلطالق العام من لوازم نقيض الدائمة‪.‬‬ ‫ً‬
‫إن املناطقة املتقدمني كانوا يف بيان حت ّقق رشوط التناقض يف القضايا باإلضافة‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬ومل‬
‫إىل اجلهات الثامنية‪ ،‬إنّام كانوا يعدون االختالف يف الكيف والكم ً‬
‫أن ابن سينا ــ يف ضوء استلهامه من‬ ‫يكونوا هيتمون باالختالف يف اجلهة‪ ،3‬بيد ّ‬
‫كالم الفارايب يف رشح وتفسري منطق أرسطو ــ ضمن رشحه وبسطه غري املسبوق‬
‫املوجهة‪ ،‬كان يؤكّد عىل االهتامم باختالف اجلهة يف القضايا املتناقضة‪.4‬‬
‫للقضايا ّ‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 105‬ـ ‪ ،110‬وص‬
‫‪ 193‬ـ ‪ 1986 ،195‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ 105‬ـ ‪.110‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬جامل الدين الحسن بن يوسف‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫للخواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬ص ‪ 76‬ـ ‪ ،80‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪ 1363 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬النجاة من الغرق يف بحر الضالالت‪ ،‬بتحقيق وتدبيج‪ :‬محمد تقي‬
‫دانش پژوه‪ ،‬ص ‪ 35‬ـ ‪ ،36‬دانشگاه طهران‪ ،‬طهران‪ 1364 ،‬هـ ش؛ نبوي‪ ،‬لطف الله‪ ،‬منطق سينوي‬
‫بروايت نيكوالس ررش‪ ،‬ص ‪ ،16‬وص ‪ 46‬ـ ‪ ،48‬وص ‪ 86‬ـ ‪ ،87‬انتشارات علمي و فرهنگي‪،‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪161‬‬

‫اخلاصة يف اإلمكان االستقبايل‬


‫ّ‬ ‫‪ 8‬ـ نظر ّية الفارايب‬
‫ّ‬
‫إن من بني اإلبداعات املنطقية للفارايب‪ ،‬بحث تفصييل يف مسألة (اإلمكان‬
‫االستقبايل)‪ ،‬وتقديم تفسري دقيق للفصل التاسع من كتاب العبارات ألرسطو‪.1‬‬
‫إن أرسطو يف الفصل التاسع من كتاب العبارات‪ ،‬بعد بيان ّ‬
‫أن القضايا املتعلقة‬ ‫ّ‬
‫باألحداث املاضية واحلارضة إ ّما صادقة وإ ّما كاذبة بالرضورة‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫إن املعاين‬
‫اجلزئية الناظرة إىل املستقبل ليست صادقة أو كاذبة بالرضورة؛ من ذلك ــ ً‬
‫مثاًل‬
‫أن تقع‬‫أن هطول املطر ووقوع الزلزلة يف املستقبل من األمور التي يمكن ْ‬ ‫ــ ّ‬
‫ويمكن ّأاّل تقع‪.2‬‬
‫يقول الفارايب يف بيان هذا املطلب‪ّ :‬‬
‫إن األمور (املمكنة املستقبلة)‪ ،‬من‬
‫قبيل‪( :‬ستمطر السامء غدً ا)‪ ،‬و(لن متطر السامء غدً ا)‪ْ ،‬‬
‫وإن كانت متناقضة‪،‬‬
‫أن هذا األمر‬‫أن واحد ًة منهام صادقة‪ ،‬واألخرى كاذبة‪ ،‬بيد ّ‬ ‫وال ريب يف ّ‬
‫أن يكون واحدً ا من هذه‬‫متحص ٍل يف الواقع ويف نفس األمر‪ .‬ال يمكن ْ‬
‫ّ‬ ‫غري‬
‫متعنّي‪ّ .3‬‬
‫إن هذا النوع من األمور غري‬ ‫القضايا صاد ًقا واآلخر كاذ ًبا عىل نحو ّ‬
‫وإن كال طريف الوقوع وعدم الوقوع فيها‬ ‫ٍّ‬
‫متعنّي يف الواقع ويف نفس األمر‪ّ ،‬‬
‫التحصل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(ممكن)‪ّ .‬‬
‫إن املمكن االستقبايل إنّام خيرج عن حالة اإلمكان وعدم‬
‫وإن صدق وكذب طريف التناقض يف املمكنات‬ ‫فيام لو حتقق يف اخلارج‪ّ ،‬‬

‫طهران‪ 1381 ،‬هـ ش‪.‬‬


‫‪ .1‬ررش‪ ،‬نيوكالس‪« ،‬سري منطق در جهان اسالم»‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬لطف الله نبوي‪،‬‬
‫مجلة‪ :‬فصلنامه مفيد‪ ،‬العدد‪ ،24 :‬ص ‪ 1379 ،38‬هـ ش‪.‬‬
‫وتعنّي صدق‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 109‬ـ ‪113‬؛ الشريواين‪ ،‬عيل‪« ،‬إمكان استقبايل‬
‫در گزاره هاي ناظر به آينده»‪ ،‬مجلة‪ :‬پژوهش هاي فلسفي ‪ /‬كالمي‪ ،‬العدد‪ ،24 :‬ص ‪ 121‬ـ ‪،122‬‬
‫‪ 1384‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪124‬؛ الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 1986 ،110‬م‪.‬‬
‫‪ | 162‬تاریخ علم املنطق‬

‫متعنّي‪.1‬‬
‫حمصل وغري ّ‬
‫االستقبالية يف الواقع ونفس األمر عىل نحو غري ّ‬

‫‪ 9‬ـ االستقراء التام يف حكم القياس من نوع الشكل األول‬


‫يذهب أرسطو إىل استحالة تصفح مجيع األفراد يف نو ٍع واحد‪ّ ،‬‬
‫وإن االستقراء‬
‫التام غري ممكن‪ ،‬واالستقراء الناقص ال يورث غري الظن‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن الفارايب قال‬
‫يتم فيه‬
‫أن االستقراء الذي ّ‬‫بإمكان كال هذين النوعني من االستقراء‪ .‬فهو يرى ّ‬
‫بحث مجيع اجلزئيات‪ ،‬واحلصول عىل احلكم الكيل املشرتك‪ ،‬مورث لليقني‪.‬‬
‫قوة القياس من نوع الشكل األول‪ ،‬حيث تكون اجلزئيات‬ ‫ولذلك فإنّه يكون يف ّ‬
‫املبحوثة فيه بمنزلة احلد الوسط‪« :2‬واالستقراء هو تص ّفح يشء من اجلزئيات‬
‫الداخلة حتت أمر ما كيل؛ لتصحيح ما حكم به عىل ذلك األمر بإجياب أو سلب‬
‫قوة قياس يف الشكل األول واحلد الوسط فيه األشياء‬ ‫قوته ّ‬
‫‪ ...‬واالستقراء قول ّ‬
‫اجلزئية التي تتص ّفح»‪.3‬‬
‫وقد ذهب ابن سينا بدوره ــ عىل غرار الفارايب ــ إىل عدّ االستقراء التام مور ًثا‬
‫أيضا‪ ،‬وعىل أساس هذه الرؤية فقد عدّ االستقراء التام يف كتاب الربهان‬ ‫لليقني ً‬
‫اإليّن‪ .‬إنّه يف توجيه‬ ‫من الشفاء برهانًا إن ًّيا‪ ،‬واستشهد به إلثبات يقينية الربهان ّ‬
‫املقسم الذي‬ ‫مقسم‪ ،‬والقياس ّ‬ ‫يقينية االستقراء التام‪ ،‬يراه ً‬
‫قاباًل للعودة إىل قياس ّ‬
‫ٍ‬
‫وعدد من احلمليات بعدد أطراف االنفصال‪ ،‬يعدّ ه برهانًا إن ًّيا؛‬ ‫ٍ‬
‫منفصلة‬ ‫يتأ ّلف من‬
‫إذ يقول‪« :‬واالستقراء الذي تستويف فيه اجلزئيات كلها ‪ ...‬هو باحلقيقة قياس‪،‬‬
‫وهو القياس الرشطي الذي اسمه املقسم»‪.4‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 110‬ـ ‪.111‬‬


‫‪ .2‬يوسف‪ ،‬محمود‪ ،‬املنطق الصوري (التص ّورات ‪ /‬التصديقات)‪ ،‬ص ‪ 222‬ـ ‪ ،224‬دار الحكمة‪،‬‬
‫الدوحة‪ 1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .3‬إن املراد يف هذه العبارة للفارايب ـ حيث ف ُّرّس االستقراء بدراسة الجزئيات جز ًءا جز ًءا ـ هو‬
‫االستقراء التام‪( .‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬رفيق العجم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.)35‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬الربهان‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو العالء عفيفي‪ ،‬ص ‪،79‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪163‬‬

‫‪ 10‬ـ إبداع الفارايب يف باب التمثيل‬


‫حج ٌة ّ‬
‫يتم عىل‬ ‫التمثيل املنطقي عبار ٌة عن السري من اجلزئي إىل اجلزئي‪ ،‬وهو ّ‬
‫أمر يفيد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أساسها نقل حكم يشء إىل يشء آخر لوجود وجه شبه بينهام‪ ،‬وهو ٌ‬
‫االحتامل‪.‬‬
‫مرة عىل يد أرسطو حتت‬ ‫إن هذه الصورة من االستدالل قد ظهرت ّأول ّ‬ ‫ّ‬
‫أمر جزئي‬‫بأمر جزئي عىل ٍ‬
‫عنوان االستدالل باملثال‪ ،‬وهو عبار ٌة عن االستدالل ٍ‬
‫آخر‪ ،‬إذ يتبع هذان اجلزئيان كالمها حدًّ ا واحدً ا‪ ،‬ويكون حكم أحدمها معلو ًما‪.1‬‬
‫يشء إىل ٍ‬
‫يشء‬ ‫قال الفارايب ضمن تعريف التمثيل بأنّه عبار ٌة عن انتقال حكم ٍ‬
‫وإن مل يكن مور ًثا لليقني‪ ،‬ولكن حيث يعود بالتحليل‬
‫إن التمثيل ْ‬‫آخر يشبهه‪ّ :‬‬
‫العقيل إىل قياسني‪ ،‬فإنّه يكون مقن ًعا‪ ،‬ويمكن االستفادة منه مثل االستقراء يف‬
‫القياس املنطقي للخطابة‪ ،‬حيث الغرض منه إقناع الناس؛ من قبيل (السامء‬
‫التجسم أو التشكّل شبيهة بالبيت‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫ألهّنا يف‬
‫حادثة)؛ ّ‬
‫فإن القول املثايل املذكور يتأ ّلف من قياسني من الشكل األول‪:‬‬ ‫ويف الواقع ّ‬
‫(اجلسم هو اجلدار‪ ،‬واجلزئيات الشبيهة به‪ ،‬واجلدار حادث؛ فاجلسم حادث)‪ .‬ثم‬
‫جيعل نتيجة هذا القياس للقياس الثاين يف الكربى‪ ،‬ويقول‪( :‬السامء جسم (وله‬
‫إن الفرق بني التمثيل‬ ‫شكل وتركيب)‪ّ ،‬‬
‫وكل جس ٍم حادث‪ ،‬إ ًذا‪ :‬السامء حادثة)‪ّ .‬‬
‫أن البحث يف التمثيل يكفي فيه وجود ٍ‬
‫فرد واحد‪ ،‬وأ ّما يف‬ ‫واالستقراء يكمن يف ّ‬
‫االستقراء فيجب العثور عىل احلكم يف مجيع اجلزئيات أو يف أكثرها‪.3‬‬
‫مكتبة آية الله املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .1‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 308‬ـ ‪.309‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1986 ،143‬م؛‬
‫الفارايب‪ ،‬كتاب يف املنطق (الخطابة)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سليم سامل‪ ،‬ص ‪ ،7‬وص ‪ ،27‬وص ‪،31‬‬
‫وص ‪ ،39‬وص ‪ ،61‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬مرص‪ 1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬الفارايب‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق‪ ،‬تحقيق‪ :‬محسن مهدي‪ ،‬ص ‪ 2002 ،93‬م؛ ابن سينا‪،‬‬
‫‪ | 164‬تاریخ علم املنطق‬

‫لقد ذكر املناطقة ّ‬


‫املتأخرون أربعة أركان للتمثيل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫)‌‪1‬احلدّ األصغر أو املثال‪.‬‬

‫)‌‪2‬احلدّ الشبيه أو األصل‪.‬‬

‫)‌‪3‬احلد األكرب أو احلكم‪.‬‬

‫)‌‪4‬احلدّ األوسط أو وجه الشبه أو اجلامع‪.‬‬

‫بأن أفضل وأقوى أنواع التمثيل‪،‬‬ ‫وقد ذكروا للتمثيل أربع مراتب‪ ،‬وقالوا ّ‬
‫أمرا وجود ًّيا‪،‬‬
‫وأن يكون وجه الشبه فيه ً‬ ‫هو التمثيل الذي حيتوي عىل وجه شبه‪ْ ،‬‬
‫وعلة واقعية للحكم‪ ،‬ويف هذه الصورة وحدها يكون مور ًثا لليقني‪ ،‬ويكون ً‬
‫قاباًل‬
‫للبيان عىل شكل قياس‪ ،‬وهو القياس الذي سوف يكون فيه وجه الشبه وعلة‬
‫احلكم حدًّ ا وس ًطا‪ ،‬من قبيل‪( :‬النبيذ حرام؛ ألنّه ُم ْسكر مثل اخلمر)‪ .‬و ّملا كان‬
‫وإن ع ّلة احلرمة واقعية‪ ،‬يكون انتقال حكم احلرمة من‬ ‫أمرا وجود ًّيا‪ّ ،‬‬
‫اإلسكار ً‬
‫بداًل من التمثيل أعاله‪ ،‬نقول‪ :‬النبيذ‬‫اخلمر إىل النبيذ مور ًثا لليقني؛ وعليه فإنّنا ً‬
‫ٍ‬
‫مسكر حرام؛ إ ًذا النبيذ حرام‪.1‬‬ ‫مسكر‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫لقد عمد بعض املناطقة املعارصين بحق إىل نقد التعريف املشهور للتمثيل‪،‬‬
‫يشء إىل ٍ‬
‫يشء آخر إنّام هو نتيجة وثمرة التمثيل وليس هو‬ ‫بأن نقل حكم ٍ‬ ‫وقالوا ّ‬
‫ذات التمثيل‪ ،‬وإن نتيجة وغاية التمثيل يمكن ْ‬
‫أن تكون جز ًءا من تعريف التمثيل‬
‫أن نقول‪ّ :‬‬
‫إن التمثيل‬ ‫وإن التعريف الصحيح للتمثيل هو ّ‬
‫وليست ذات التعريف؛ ّ‬
‫حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،569‬مكتبة آية الله املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬جامل الدين الحسن بن يوسف‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫للخواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬ص ‪ 76‬ـ ‪ ،80‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪ 1363 ،‬هـ ش؛ السبزواري‪،‬‬
‫املال هادي‪ ،‬رشح املنظومة‪ ،‬مع تعليقات آية الله حسن حسن زادة اآلميل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 312‬ـ ‪،313‬‬
‫مؤسسة التاريخ العريب‪ ،‬بريوت‪ 1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪165‬‬

‫يشء إىل ٍ‬
‫يشء آخر‬ ‫مؤ ّلف من قضيتني‪ ،‬حيث يتم يف تلك القضيتني نقل حكم ٍ‬
‫بسبب وجه الشبه املوجود بينهام‪.1‬‬

‫‪ 11‬ـ اإلبداع يف باب املغالطة وبسط وبيان مواضع املغالطة‬


‫قسم أرسطو املغالطة يف ثالثة عرش نو ًعا عا ًما وكل ًيا مرتب ًطا بالقياس‬ ‫لقد ّ‬
‫أو جزء القياس‪ ،‬وستة أنواع مرتبطة بالقول‪ ،2‬وسبعة أنواع مرتبطة بخارج‬
‫بداًل من تقسيم وذكر األنواع‬ ‫القول‪ .3‬وأ ّما الفارايب فإنّه ــ خال ًفا ألرسطو ــ ً‬
‫ٍ‬
‫وشامل إىل بيان املغالطات املرتبطة بالقياس أو جزء‬ ‫الثالثة عرش‪ ،‬عمد ٍ‬
‫بنحو عا ٍّم‬
‫القياس‪ ،‬وحتدّ ث باإلضافة إىل ذلك عن األنواع األكثر جزئية من املغالطات‬
‫املرتبطة بالقياس أو جزء القياس األعم من اللفظي واملعنوي‪ ،‬كام حتدّ ث بشأن‬
‫املغالطات املرتبطة بأحوال اإلنسان (املغالطات النفسية)‪ ،‬عن املواضع املتعددة‬
‫واملغالطات املعنوية بالتفصيل‪ ،‬وذلك من خالل ذكر األمثلة عىل ذلك؛ إذ مل يرد‬
‫ً‬
‫استعاماًل بالنسبة إىل االجتاه األرسطي‪.4‬‬ ‫أكثرها يف التقسيم األرسطي‪ ،‬وهي أكثر‬
‫‪ .1‬گرامي‪ ،‬محمد عيل‪ ،‬منطق مقارن‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬عبد الله بصريي‪ ،‬ص ‪،141‬‬
‫انتشارات أميد‪ ،‬قم‪.‬‬
‫‪ .2‬إ ّن هذه األقسام الستة‪ ،‬عبارة عن‪ :‬املغالطة بسبب االشرتاك يف االسم‪ ،‬واملامرات أو الشك يف‬
‫الكالم‪ ،‬وتركيب الكالم‪ ،‬وتجزئة وتقسيم الكالم‪ ،‬واالختالف يف اإلعراب واإلعجام‪ ،‬واالختالف يف‬
‫الشكل والهيأة الذاتية للكالم‪( .‬انظر‪ :‬أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 793‬ـ ‪794‬؛ بدوي‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬املنطق الصوري الريايض‪ ،‬ص ‪ 242‬ـ ‪ ،243‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪ 1981 ،‬م)‪.‬‬
‫بداًل من املغالطة بالذات‪ ،‬وسوء‬ ‫‪ .3‬إ ّن هذه األنواع السبعة‪ ،‬عبارة عن‪ :‬وضع املغالطة بالعرض ً‬
‫اعتبار الحمل‪ ،‬وسوء التأليف بسبب الجهل بالتبكيت‪ ،‬وإيهام عكس اللوازم‪ ،‬واملصادرة عىل‬
‫املطلوب األول‪ ،‬وجعل غري العلة علة‪ ،‬وجمع عدّة مسائل يف مسألة واحدة‪( .‬انظر‪ :‬بدوي‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬املنطق الصوري الريايض‪ ،‬ص ‪ 242‬ـ ‪243‬؛ أرسطو‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)802‬‬
‫‪ .4‬إ ّن األجزاء األصلية لفن املغالطة‪ ،‬عبارة عن العوامل اللفظية واملعنوية التي تؤدّي إىل املغالطة‬
‫بالذات‪ ،‬وتع ّد العوامل الروحية والنفسية للمغالطة من األجزاء الخارجية والعارضية لها‪ .‬إ ّن املغالطة‬
‫الناشئة عن العوامل النفسية تس ّمى باملغالطة بالعرض‪ ،‬من قبيل‪ :‬التشنيع‪ ،‬وإهانة الخصم‪ ،‬وتحريف‬
‫والعي والغباء‪( .‬انظر‪ :‬العالّمة ِ‬
‫الح ّيّل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كالم املخاطب‪ ،‬والغضب منه واالستهزاء به ونسبته إىل السفه‬
‫جامل الدين الحسن بن يوسف‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد للخواجة نصري الدين‬
‫الطويس‪ ،‬ص ‪ 274‬ـ ‪ 1363 ،275‬هـ ش؛ الشيخ نصري الدين الطويس‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬أساس‬
‫‪ | 166‬تاریخ علم املنطق‬

‫وقد ذكر ثامنية عرش موض ًعا للمغالطات اللفظية‪ ،1‬وسبعة وثالثني مور ًدا من‬
‫مواضع املغالطات املعنوية‪ ،‬ضمن ثامين جمموعات كلية‪.2‬‬
‫من ذلك ــ عىل سبيل املثال ــ ّ‬
‫أن الفارايب باإلضافة إىل البحث التفصييل‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫عن مواضع املغالطة‪ ،‬ضمن مغالطة اإلعراب واإلعجام‪ ،‬حتدّ ث كذلك‬
‫ٍ‬
‫مستقل عن دور اللحن ونربة الصوت يف إجياد املغالطة‪ ،‬حتت عنوان (مغالطة‬
‫تغيري األصوات)‪ ،3‬واملغالطة املعنوية يف النقلة واالنتقال مع مواضعها العرشة‬
‫التي يذكرها والتي مل تؤثر عن أرسطو‪:‬‬
‫إن من بني أنواع املغالطة‪ ،‬هي مغالطة النقلة‪ ،‬وهي عبارة عن االنتقال إىل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ّ‬
‫يشء آخر؛ حيث هلا عرشة مواضع‪ :‬إ ّما لفظ أو شبيه‬ ‫حمل ٍ‬ ‫حل َّ‬
‫أن يكون قد ّ‬‫يمكن ْ‬
‫به‪ ،‬أو كيل أو جزئي‪ ،‬أو يف لوازمه املتقدمة‪ ،‬أو يف اللوازم املتأخرة‪ ،‬أو املقارنة أو‬
‫املقابلة‪ ،‬أو اخليال النفساين‪ ،‬أو من مجلة األمثلة املحسوسة‪.4‬‬
‫االقتباس‪ ،‬تصحيح‪ :‬مد ّرس رضوي‪ ،‬ص ‪ 525‬ـ ‪ ،528‬دانشگاه طهران‪ ،‬طهران‪ 1367 ،‬هـ ش)‪.‬‬
‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬تحقيق‪ :‬رفيق العجم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 132‬ـ ‪ 1986 ،137‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬إ ّن املراد من املجموعات الثامنية الكلية‪ ،‬هي ذات األنواع السبعة العامة للمغالطة املعنوية األرسطية‬
‫باإلضافة إىل مغالطة النقلة أو االنتقال‪( .‬انظر‪ :‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش‬
‫پژوه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 202‬ـ ‪ 1986 ،226‬م؛ عارف‪ ،‬رضا‪« ،‬مقايسه آراء فارايب و ارسطو در املنطقيات و ارغنون‬
‫درباره مغالطات»‪ ،‬مجلة آينه معرفت‪ ،‬العدد‪ ،9 :‬ص ‪ 164‬ـ ‪ ،166‬خريف وشتاء عام ‪ 1385‬هـ ش)‪.‬‬
‫بتغرّي لحن القول ونربة الصوت‪ ،‬وتؤدّي إىل املغالطة‪.‬‬ ‫‪ .3‬إ ّن بعض العبارات اللفظية تتغري داللتها ّ‬
‫رصف يف نربة ولحن القول تار ًة عىل شكل جمل ٍة‬ ‫من قبيل عبارة‪( :‬زيد حارض) إذ تكون من خالل الت ّ‬
‫خربي ٍة وتار ًة عىل شكل جمل ٍة إنشائي ٍة استفهامية‪( .‬انظر‪ :‬الشيخ نصري الدين الطويس‪ ،‬محمد بن‬
‫محمد‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬تصحيح‪ :‬مد ّرس رضوي‪ ،‬ص ‪ 1367 ،519‬هـ ش؛ ملكشاهي‪ ،‬حسن‪،‬‬
‫ترجمة ورشح إشارات و تنبيهات ابن سينا‪ ،‬قسم املنطق‪ ،‬ص ‪ ،612‬انتشارات رسوش‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪ 1367‬هـ ش)‪ .‬أو عبارة‪( :‬ال يجب علينا أن نكذب عىل أنفسنا)‪ ،‬حيث يف صورة تغيري اللحن‬
‫والقراءة واالستناد إىل كلمة (أنفسنا) تفقد الجملة معناها الصحيح واملنطقي‪ ،‬ويت ّم إصدار الحكم‬
‫بجواز الكذب عىل اآلخرين‪ .‬وقد ذكر املناطقة املتأخرون املثال األخري للمغالطة‪ ،‬تحت عنوان‬
‫«االستناد والتأكيد اللفظي»‪( .‬انظر‪ :‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪ 1408 ،251‬هـ‪.).‬‬
‫‪ .4‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 1408 ،160‬هـ؛‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪167‬‬

‫االنتقال إىل اللفظ‪ ،‬من قبيل‪ :‬احلكم بتعدّ د اآلهلة استنا ًدا إىل تعدد األسامء اإلهلية‬
‫أن لفظ اهلل الدال عىل اهلل مسموع‪ .‬االنتقال‬ ‫حلسنى واحلكم بمسموعية اهلل بسبب ّ‬ ‫ا ُ‬
‫إىل الشبيه‪ ،‬من قبيل‪ :‬استدالل آناكساغوراس عىل ضد اخلأل؛ إذ كان يقول‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫الساعة املائية أو القربة املنفوخة باهلواء تشري إىل وجود اهلواء حيث يبدو للنظر‬
‫عدم وجود يشء‪ .1‬االنتقال إىل الكيل‪ ،‬من قبيل‪ :‬نسبة احلكم اخلاص باإلنسان‬
‫إىل احليوان‪ .‬واالنتقال إىل اجلزئي‪ ،‬من قبيل‪ :‬نسبة احلكم اخلاص باحليوان إىل‬
‫اإلنسان‪ .‬واالنتقال إىل الالزم املتقدم‪ ،‬من قبيل‪ :‬لزوم الوجود الذهني للحيوان‬
‫عىل الوجود الذهني لإلنسان‪ ،‬حيث يقال يف مقام املغالطة‪( :‬اإلنسان حيوان‪،‬‬
‫واحليوان جنس؛ إ ًذا اإلنسان جنس)‪ .‬االنتقال إىل الالزم ّ‬
‫املتأخر‪ ،‬من قبيل‪ :‬لزوم‬
‫كأن يقال عىل سبيل‬ ‫وجود النهار عىل وجود نور الشمس‪ .‬االنتقال إىل املقارن‪ْ ،‬‬
‫إن مشاكل احلياة املقارنة للزمان قد أهلكته وليس‬ ‫املثال‪ :‬لقد أهلكه الزمان‪ّ ،‬‬
‫الزمان نفسه‪ .‬االنتقال إىل املقابل‪ ،‬من قبيل‪ :‬البياض والسواد ليس هلام واسطة؛‬
‫ألن الزوج والفرد ليس هلام واسطة‪ .‬اخلياالت النفسانية‪ ،‬من قبيل‪ :‬احلكم بوجود‬ ‫ّ‬
‫وتصور خأل اهلواء وإطالق اجلسم عىل‬ ‫ّ‬ ‫عوامل ال هناية هلا خارج عامل الطبيعة‪،‬‬
‫الظالل والظلامت‪ .‬األمثلة املحسوسة‪ ،‬من قبيل‪ :‬الطالب الذي يشاهد املثلثات‬
‫املدرس أثناء إلقاء الدرس؛‬ ‫خمتلفة األضالع ومتساوية الساقني التي يرسمها ّ‬
‫دائاًم من ضلعها الثالث‪.2‬‬ ‫أن ضلعي املثلثاث أصغر ً‬ ‫فيتصور ّ‬
‫ّ‬

‫املصدر ذاته‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 224‬ـ ‪226‬؛ عارف‪ ،‬رضا‪« ،‬مقايسه آراء فارايب و ارسطو در املنطقيات‬
‫و ارغنون درباره مغالطات»‪ ،‬مجلة آينه معرفت‪ ،‬العدد‪ ،9 :‬ص ‪ ،163‬خريف وشتاء عام ‪1385‬‬
‫هـ ش‪.‬‬
‫‪ .1‬راسل‪ ،‬برتراند‪ ،‬تاريخ فلسفه غرب‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬نجف دريابندري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ ،111‬نرش پرواز‪ ،‬طهران‪ 1365 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬الفارايب‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد تقي دانش پژوه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 1408 ،160‬هـ؛‬
‫املصدر ذاته‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 224‬ـ ‪.226‬‬
‫‪ | 168‬تاریخ علم املنطق‬

‫خالصة واستنتاج‬
‫بعد ظهور الفارايب وإبداعاته املنطقية‪ ،‬شهد علم املنطق ازدهاره بني‬
‫حتول املنطق األرسطي إىل إعداد‬‫املسلمني‪ ،‬وقد أ ّدى تأثريه العميق يف ّ‬
‫األرض ّية إلبداعات املتأخرين‪ ،‬من قبيل‪ :‬اإلبداعات املنطقية البن سينا‪،‬‬
‫واخلواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬وأفضل الدين اخلونجي‪.‬‬
‫وقد م ّثل تلفيق نظرية قابلية احلمل لدى أرسطو مع الكليات اخلمسة‪ ،‬وبيان‬
‫االجتاه الذايت عند أرسطو يف مسألة التعريف‪ ،‬ورؤيته اإلبداعية يف االستقراء‬
‫والتمثيل‪ ،‬وإبداعه يف باب املغالطة‪ ،‬وبسط وبيان مواضع املغالطة‪ًّ ،‬‬
‫حاًّل لدى‬
‫أن اإلبداع األهم للفارايب يكمن يف تقسيم العلوم إىل‬ ‫املناطقة املتأخرين‪ .‬بيد ّ‬
‫التصور والتصديق‪ ،‬والذي أ ّدى إىل ظهور املنطق الثنائي عىل يد ابن سينا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قسمني‪:‬‬
‫األول واملعقول‬‫قسم املعقول إىل املعقول ّ‬‫لقد كان الفارايب هو ّأول من ّ‬
‫الثاين‪ّ ،‬‬
‫وإن املعقول الثاين يف بيانه يتطابق مع املعقول الثاين املنطقي‪ .‬إنّه من‬
‫املوجهة‪ ،‬لفت انتباه املناطقة إىل‬
‫خالل بيان اختالف سلب اجلهة عن السالبة ّ‬
‫رشط اختالف اجلهة يف تناقض القضايا‪.‬‬
‫إن نظرية الفارايب يف اإلمكان االستقبايل‪ ،‬القائمة عىل أن صدق َ‬
‫طريَف‬ ‫ّ‬
‫التناقض وكذهبام ــ يف املمكنات االستقبالية يف الواقع ونفس األمر ــ كان عىل‬
‫طريَف الوقوع وعدم الوقوع (املمكن)‪ ،‬مل يكن مسبو ًقا‪.‬‬ ‫متعنّي‪ّ ،‬‬
‫وإن كال َ‬ ‫ٍ‬
‫نحو غري ّ‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪169‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪1.‬ابــن ســينا‪ ،‬حســن بــن عبــد اهلل‪ ،‬اإلشــارات والتنبيهــات‪ ،‬مــع رشح اخلواجــة نصــر الديــن‬
‫الطــويس‪ ،‬دفــر نــر كتــاب‪ ،‬طهــران‪ 1403 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪2.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬التعليقــات‪ ،‬تصحيــح‪ :‬عبــد الرمحــن بــدوي‪ ،‬مكتــب اإلعــام‬
‫اإلســامي‪ ،‬قــم‪ 1404 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪3.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬الشــفاء‪ ،‬اإلهليــات‪ ،‬حتقيــق‪ :‬األب قنــوايت وآخــرون‪ ،‬مكتبــة آيــة اهلل‬
‫املرعــي النجفــي‪ ،‬قــم‪ 1404 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪4.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬الشــفاء‪ ،‬املنطــق‪ ،‬الربهــان‪ ،‬حتقيــق‪ :‬أبــو العــاء عفيفــي‪ ،‬مكتبــة آيــة اهلل‬
‫املرعــي النجفــي‪ ،‬قــم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬الشــفاء‪ ،‬املنطــق‪ ،‬املدخــل‪ ،‬حتقيــق‪ :‬األب قنــوايت وآخــرون‪ ،‬مكتبــة آيــة‬
‫اهلل املرعــي النجفــي‪ ،‬قــم‪ 1405 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪6.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬الشــفاء‪ ،‬املنطــق‪ ،‬كتــاب القيــاس‪ ،‬مكتبــة آيــة اهلل املرعــي النجفــي‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ 1404‬هـ‪.‬‬
‫‪7.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬النجــاة مــن الغــرق يف بحــر الضــاالت‪ ،‬بتحقيــق وتدبيــج‪ :‬حممــد تقــي‬
‫دانــش پــژوه‪ ،‬دانشــگاه طهــران‪ ،‬طهــران‪ 1364 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪8.‬أرســطو‪ ،‬متافيزيــك (مــا بعــد الطبيعــة)‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة الفارســية‪ :‬حممــد حســن لطفــي‪،‬‬
‫انتشــارات طــرح نــو‪ ،‬طهــران‪ 1385 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪9.‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬املنطق الصوري الريايض‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪ 1981 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬هبمنيــار‪ ،‬ابــن املرزبــان‪ ،‬التحصيــل‪ ،‬تصحيــح‪ :‬مرتــى املطهــري‪ ،‬دانشــگاه طهــران‪،‬‬
‫طهــران‪ 1375 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪11.‬بــور‪ ،‬جتتيــز‪ .‬جــي‪ .‬دو‪ ،‬تاريــخ الفلســفة يف اإلســام‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة العربيــة‪ :‬حممــد عبــد‬
‫اهلــادي أبــو ريــدة‪ ،‬دار النهضــة العربيــة‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪12.‬التفتــازاين‪ ،‬مســعود بــن عمــر‪ ،‬رشح الشمســية للمنطــق لإلمــام الكاتبــي‪ ،‬دار النــور املبــن‬
‫للدراســات والنــر‪ ،‬عــان‪ 2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ | 170‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪13.‬حســن زاده آمــي‪ ،‬حســن‪ ،‬نصــوص احلكــم بــر فصــوص احلكــم للفــارايب‪ ،‬مركــز نــر‬
‫فرهنگــي رجــاء‪ ،‬طهــران‪ 1375 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪14.‬راســل‪ ،‬برترانــد‪ ،‬تاريــخ فلســفه غــرب‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة الفارســية‪ :‬نجــف دريابنــدري‪،‬‬
‫نــر پــرواز‪ ،‬طهــران‪ 1365 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪15.‬ررش‪ ،‬نيكــوالس‪ ،‬ســر منطــق در جهــان اســام‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة الفارســية‪ :‬لطــف اهلل‬
‫نبــوي‪ ،‬جملــة فصلنامــه مفيــد‪ ،‬العــدد‪ ،24 :‬ص ‪ 35‬ـ ‪ 1379 ،46‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪16.‬الســبزواري‪ ،‬ا ُمل ّ‬
‫ــا هــادي‪ ،‬رشح املنظومــة‪ ،‬مــع تعليقــات آيــة اهلل حســن زادة اآلمــي‪،‬‬
‫مؤسســة التاريــخ العــريب‪ ،‬بــروت‪ 1432 ،‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪17.‬الســهروردي‪ ،‬شــهاب الديــن حييــى‪ ،‬جمموعــه مصنفــات شــيخ ارشاق‪ ،‬مؤسســة مطالعــات‬
‫وحتقيقــات فرهنگــي‪ ،‬طهــران‪ 1372 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ـدرس‬
‫ ‪18.‬الشــيخ نصــر الديــن الطــويس‪ ،‬حممــد بــن حممــد‪ ،‬أســاس االقتبــاس‪ ،‬تصحيــح‪ :‬مـ ّ‬
‫رضــوي‪ ،‬دانشــگاه طهــران‪ ،‬طهــران‪ 1367 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪19.‬الشــرواين‪ ،‬عــي‪ ،‬إمــكان اســتقبايل و تعـ ّـن صــدق در گــزاره هــاي ناظــر بــه آينــده‪ ،‬جملــة‪:‬‬
‫پژوهــش هــاي فلســفي ‪ /‬كالمــي‪ ،‬العــدد‪ ،24 :‬ص ‪ 120‬ـ ‪ 1384 ،143‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪20.‬عــارف‪ ،‬رضــا‪ ،‬مقايســه آراء فــارايب و أرســطو در املنطقيــات و ارغنــون دربــاره مغالطــات‪،‬‬
‫جملــة آينــه معرفــت‪ ،‬العــدد‪ ،9 :‬ص ‪ 155‬ـ ‪ ،170‬خريــف وشــتاء عــام ‪ 1385‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪21.‬عظيمــي‪ ،‬مهــدي؛ وأحــد فرامــرز قراملكــي‪ ،‬تاريــخ حتــول كليــات مخــس‪ ،‬جملــة‪ :‬فلســفه و‬
‫كالم إســامي‪ ،‬الســنة اخلامســة واألربعــون‪ ،‬العــدد‪ ،1 :‬ربيــع وصيــف عــام ‪ 1391‬هـ ش‪.‬‬
‫ــي‪ ،‬مجــال الديــن احلســن بــن يوســف‪ ،‬اجلوهــر النضيــد يف رشح منطــق‬ ‫العاّلمــة ِ‬
‫احل ّ‬ ‫ ‪ّ 22.‬‬
‫التجريــد للخواجــة نصــر الديــن الطــويس‪ ،‬انتشــارات بيــدار‪ ،‬قــم‪ 1363 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪23.‬الفارايب‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمسن مهدي‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬التعليقــات (ضمــن جمموعــه نــه رســاله)‪ ،‬النســخة املخطوطــة‪،‬‬
‫كتابخانــه جملــس شــوراي إســامي‪ ،‬برقــم‪ ،64489 :‬حتريــر ‪ 1330‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪25.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬املنطــق عنــد الفــارايب‪ ،‬حتقيــق‪ :‬رفيــق العجــم‪ ،‬دار املــرق‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫‪ 1986‬م‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطقية للفارايب | ‪171‬‬

‫ ‪26.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬املنطق عند الفارايب‪ ،‬حتقيق‪ :‬ماجد فخري‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬املنطقيات للفارايب‪ ،‬بتحقيق‪ :‬حممد تقي دانش پژوه‪ ،‬مكتبة آية اهلل املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪28.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬عيون املسائل‪ ،‬ملحق‪ :‬الثمرة املرضية يف بعض الرساالت الفارابية‪،‬‬
‫إعداد‪ :‬فريدريس ديرتيتيس‪ ،‬ليدن‪ 1890 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬فصوص احلكم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حسن آل ياسني‪ ،‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ 1364‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪30.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬كتاب اجلمع بني رأيي احلكيمني‪ ،‬دار ومكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت‪ 1996 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪31.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬كتاب احلروف‪ ،‬حتقيق‪ :‬مهدي حسن‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت‪ 1349 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪32.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬كتاب يف املنطق (اخلطابة)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد سليم سامل‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪،‬‬
‫مرص‪ 1976 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪33.‬الفخــر الــرازي‪ ،‬حممــد بــن عمــر‪ ،‬رشح عيــون احلكمــة‪ ،‬حتقيــق‪ :‬أمحــد حجــازي الســقا‪،‬‬
‫مؤسســة الصــادق للطباعــة والنــر‪ ،‬طهــران‪ 1373 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪34.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬منطــق امللخــص‪ ،‬تقديــم وتصحيــح وتعليــق‪ :‬أحــد فرامــرز قراملكــي‬
‫وآدينــه أصغــري نجــاد‪ ،‬انتشــارات إمــام صــادق ‪ ،‬طهــران‪ 1381 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪35.‬قراملكــي‪ ،‬أحــد فرامــرز‪ ،‬اإلشــارات والتنبيهــات‪ ،‬رسآغــاز منطــق دو بخــي‪ ،‬آينــه‬
‫پژوهــش‪ ،‬العــدد‪ ،24 :‬ص ‪ 38‬ـ ‪ 1373 ،50‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪36.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬مقدمــة بــر التنقيــح يف املنطــق لصــدر املتأهلــن‪ ،‬تصحيــح وحتقيــق‪:‬‬
‫غــام رضــا يــايس پــور‪ ،‬بنيــاد حكمــت إســامي صــدرا‪ ،‬طهــران‪ 1378 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪37.‬گرامــي‪ ،‬حممــد عــي‪ ،‬منطــق مقــارن‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة الفارســية‪ :‬عبــد اهلل بصــري‪،‬‬
‫انتشــارات أميــد‪ ،‬قــم‪.‬‬
‫ ‪38.‬اللوكــري‪ ،‬أبــو العبــاس‪ ،‬بيــان احلــق بضــان الصــدق‪ ،‬املنطــق‪ ،‬أمــر كبــر‪ ،‬طهــران‪،‬‬
‫‪ 1364‬هـــ ش‪.‬‬
‫ ‪39.‬ماكوولســكي‪ ،‬آ‪ ،.‬تاريــخ منطــق‪ ،‬ترمجــه إىل اللغــة الفارســية‪ :‬فريــدون شــايان‪ ،‬انتشــارات‬
‫پيــرو‪ ،‬طهــران‪ 1366 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ | تاریخ علم املنطق‬172

‫ انتشــارات‬،‫ قســم املنطق‬،‫ ترمجــة ورشح إشــارات وتنبيهــات ابــن ســينا‬،‫ حســن‬،‫ملكشــاهي‬40.
.‫ هـ ش‬1367 ،‫ طهران‬،‫رسوش‬
.‫ م‬1980 ،‫ بريوت‬،‫ دار القلم‬،‫ عبد الرمحن بدوي‬:‫ حتقيق‬،‫ منطق أرسطو‬،‫ لطف اهلل‬،‫نبوي‬41.
‫ انتشــارات علمــي و‬،‫ منطــق ســينوي بروايــت نيكــوالس ررش‬،‫ـــــــــــــــــــــ‬42.
.‫ هـــ ش‬1381 ،‫ طهــران‬،‫فرهنگــي‬
.‫ هـ‬1414 ،‫ الدوحة‬،‫ دار احلكمة‬،)‫ التصديقات‬/ ‫التصورات‬
ّ ( ‫ املنطق الصوري‬،‫ حممود‬،‫يوسف‬43.
44. Bayer، Greg، «Classification and Explanation in Aristotle’s Theory of
Definition، Journal of the History of Philosophy، 36، Number 4، October
1998، pp. 487 – 505.

45. Berg، Jan، Aristotle’s Theory of Definition، ACTS of the International


Congress of the History of Logic، San Gimignano. 4 to 8 December 1982،
CLUEB، Bologan (Italy) in 1983، pp. 19 – 30.

46. Fakhry، Al – Farabi، Fonder of Islamic Neoplatonism، His life، Works and
Influence، Oxford One world Publications، 2002.

47. Kennedy – Day، Kiki، Definition in the Philosophy of al – Kindi، al – Fara-


bi، Ibin Sina، A thesis presented for the degree of Doctor of Philosophy، New
York University، 1996.

48. Louise Deslauriers، Marguerite، Aristotle of Definition، A thesis present-


ed for the degree of Doctor of Philosophy، University of Toronto، 1986.
‫ّ‬
‫املنطقية للشيخ الرئيس ابن سينا‬ ‫اإلبداعات‬
‫‪1‬‬
‫الشيخ إبراهيم أمحد مشيك‬

‫ُملخّص البحث‬
‫قة بمباحث علم‬ ‫الشيخ الرئيس املتع ّل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إبداعات‬ ‫بعض‬‫يبنّي هذا البحث َ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫مباحث معرف ّية‬ ‫تتفرع منها‬
‫بعض العناوين التي ّ‬‫ِ‬ ‫املنطق‪ ،‬وذلك من خالل ِذ ِ‬
‫كر‬
‫منقساًم إىل بحثني‬ ‫ُ‬
‫واملقال سيكون‬ ‫البحث متفر ِ‬
‫دات الشيخ وإبداعاته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يضمنها‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫وتفردين مستقلني أذكرمها يف آخر املقال؛ لذا جاء املقال هبذا النحو‪:‬‬
‫رئيسني‪ّ ،‬‬
‫بحث إشكالية اإلنتاج العلمي وكيف ّية وقوع التك ّثر املعريف الذي يستبطن‬
‫جواب الشيخ الرئيس ابن سينا لكيفية حصول التعليم والتع ّلم بوساطة‬
‫األول ويليه ذكر قياس‬‫ثم يذكر بعدها إشكالية الشكل ّ‬ ‫القياس‪ ،‬ومن ّ‬
‫املساواة‪ ،‬ويليه الر ّد عىل املحدَ ثني وننتهي عند برهان املالزمات‪.‬‬

‫يتضمنه‬
‫ّ‬ ‫وأما البحث الثاين فهو تعريف الشيخ الرئيس (التفكري)‪ ،‬وما‬
‫من ذكر إرهاصات التحوالت املنطقية الصورية التي أحدثها يف علم املنطق‪،‬‬
‫وذلك من خالل فحص التعريف نفسه وشواهد احلذف لبعض املباحث‪.‬‬

‫احلدس ‪ -‬الذي يقع استطرا ًدا ملناسبة ذكر تعريف‬


‫َ‬ ‫وأخريا يذكر بحث‬
‫ً‬
‫ثم بحثي‬
‫الفكر وبيان املقابلة‪ ،‬وما للحدس من أثر كامدة برهانية ‪ -‬ومن ّ‬
‫وأخريا التجربة‪.‬‬
‫ً‬ ‫املركّب التام واملركّب الناقص‪،‬‬

‫ص بالفلسفة والكالم‪ ،‬وأستا ٌذ يف الحوزة العلمية‪.‬‬


‫متخص ٌ‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬باحث‬
‫‪ | 174‬تاریخ علم املنطق‬

‫نبذة من حياة ابن سينا‬


‫يو َلد اإلنسان من رمحني‪ ،‬رح ٍم تكويني وآخر اجتامعي‪ ،‬ويغتذي من‬
‫ولعل هذه إحدى معاين‬ ‫معارف حميطه‪ ،‬لتتشكّل بعد ذلك بنيتُه وتوجهاته‪ّ ،‬‬
‫كل يو ٍم‬‫نفسه يف ّ‬ ‫كون اإلنسان مدن ًيا بالطبع‪ ،‬فاملجتمع َيعرض عىل املولود َ‬
‫وليلة بمرايا متعدّ دة‪ ،‬سواء عرب أبويه أم أخوته أم حميطه املدريس وغري ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تعرضنا لدراسة شخص ّي ٍة‬ ‫من هنا كان للبحث التأرخيي أمه ّي ٌة كبري ٌة حال ّ‬
‫رحم ولود‪ ،‬وسياقات ظروفه التأرخي ّية العا ّمة‬ ‫دة ومتم ّيزة‪ّ ،‬‬‫متفر ٍ‬
‫فإن املجتمع ٌ‬ ‫ّ‬
‫توجهات مواليده الفن ّية والعلمية واألدب ّية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واخلاصة حتدّ د معامِل بعض ّ‬‫ّ‬
‫وفيلسوفنا الشيخ الرئيس حسني املكنّى بـ(ابن سينا) ليس بد ًعا من كلمة‬
‫شك آي ٌة‬
‫األرض وال جيري عليه ختصيص احلكم املذكور آن ًفا‪ ،‬لكنّه ال ّ‬
‫وعالم ٌة فارق ٌة يف النبوغ‪ ،‬فقد ورث من الظروف املجتمعية األُم واغتذى‬
‫منفعاًل دون عطاء‪ ،‬ومتل ّق ًيا دون إهلام‪ ،‬لقد جتاوز‬‫ً‬ ‫أن يكون‬ ‫منها‪ ،‬لكنّه أبى ْ‬
‫مشخصاته‬ ‫ّ‬ ‫بعض قيود ظروفه التأرخي ّية كام يتجاوز املفهو ُم عوارض‬ ‫فيلسوفنا َ‬
‫املانعة له ِمن اهلداية لكثريين وجتاوز عامل الكثرة والفعلية‪.‬‬

‫عندما نتحدّ ث عن الشيخ الرئيس فنحن أمام عبقر ّية جتاوزت مرحلة فهم‬
‫بتوسط‬
‫حيولون مادة املوروث ّ‬ ‫الرتاث الغازي ‪ -‬كام هو حال العباقرة الذين ّ‬
‫ٍ‬
‫جديدة بعقلهم الف ّعال‬ ‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫فضوهلم ونقدهم ومثابرهتم وعبقريتهم إىل‬
‫ترسيم حدودها‬
‫َ‬ ‫املبدع‪ -‬فغدت الثقاف ُة الغازي ُة ّ‬
‫مغزوةً‪ُ ،‬يسائلها رشعيتَها ويعيد‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حمدود‬ ‫متفلسف‬ ‫ويضفي عليها لغ ًة متعالي ًة عن اللغات؛ ّ‬
‫فيحررها من صياغة‬
‫صورها‬‫وتعصب متك ّل ٍم أعمى‪ ،‬كذا كان نشاط الشيخ الرئيس وظروفه التي ّ‬ ‫ّ‬
‫فهلم بنا ّأهّيا القارئ العزيز نقرأ‬
‫ّ‬ ‫لنا من خالل لسان مقاله ال لسان حاله‪،‬‬
‫بعضا من سرية الرئيس وقد أمالها بنفسه عىل عبد الواحد اجلوزجاين‪ ،‬يذكر‬ ‫ً‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪175‬‬

‫تطور شخصيته‪ ،‬يقول ابن سينا‪ « :‬وكان أيب ممَّن‬‫فيها بداية نشأته‪ ،‬ومراحل ّ‬
‫أجاب داعي املرصيني‪ ،‬و ُيعدّ من اإلسامعيل ّية‪ ،‬وقد سمع منهم ذكر النفس‬
‫والعقل عىل الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم‪ ،‬وكذلك كان أخي وكانوا‬
‫درك ما يقولونه وال تقبله نفيس‪،‬‬ ‫ر ّبام تذاكروا ذلك بينهم‪ ،‬وأنا أسمعهم و ُأ ِ‬
‫وابتدأوا يدعونني إليه وجيرون عىل ألسنتهم ذكر الفلسفة واهلندسة وحساب‬
‫يوجهني إىل رجل يبيع البقل ق ِّيم بحساب اهلند فكنت‬ ‫اهلند‪ ،‬ثم كان أيب ّ‬
‫أتعلم منه»‪. 1‬‬

‫فخصص له أستا ًذا يف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫ولعل األب قد ملس شي ًئا من النبوغ يف ولده؛‬
‫الفلسفة‪ ،‬يقول الشيخ الرئيس‪ « :‬ثم وصل إىل بخارى أبو عبد اهلل الناتيل‪،‬‬
‫وكان َيدّ عي التفلسف‪ ،‬فأنزله أيب دارنا‪ ،‬واشتغل بتعليمي‪ ،‬وكنت قبل قدومه‬
‫أشتغل بالفقه والرت ّدد فيه إىل إسامعيل الزاهد‪ ،‬وكنت من أحزم السائلني وقد‬
‫طرق املطالبة ووجوه االعرتاض عىل املجيب‪ ،‬عىل الوجه الذي جرت‬ ‫ألِ ْف ُت َ‬
‫فلاّم ذكر حدّ‬
‫عادة القوم به‪ ،‬ثم ابتدأت بقراءة كتاب إيساغوجي عىل الناتيل‪ّ ،‬‬
‫اجلنس من أنّه ‪ :‬املقول عىل كثريين خمتلفني بالنوع يف جواب ما هو‪ ،‬فأخذته‬
‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫أي‬ ‫وتعجب منّي ّ‬
‫كل العجب‪ ،‬وكان ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف حتقيق هذا بام مل يسمع بمثله‪،‬‬
‫وحذر والدي من شغيل بغري العلم‪ ،‬حتّى قرأت‬ ‫ّ‬ ‫خريا منه‪،‬‬
‫تصورهتا ً‬
‫قاهلا ّ‬
‫ظواهر املنطق عليه‪ ،‬وأ ّما دقائقه فلم يكن عنده منه خرب‪ ،‬ثم أخذت أقرأ‬
‫ثم فارقني‬ ‫الكتب عىل نفيس وأطالع الرشوح حتى أحكمت علم …… ّ‬
‫متوج ًها إىل كُركانج‪ ،‬واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص‬ ‫ّ‬ ‫الناتيل‬
‫عيل»‪. 2‬‬
‫والرشوح من الطبيعيات واإلهليات‪ ،‬وصارت أبواب العلم تنفتح ّ‬

‫‪ .1‬الكايش‪ ،‬يحيى بن أحمد‪ ،‬نكت يف أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬تحقيق الدكتور أحمد فؤاد‬
‫األهواين‪ ،‬ص‪.١٠‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٢‬‬
‫‪ | 176‬تاریخ علم املنطق‬

‫لك ّن الشيخ الرئيس بقي حتت قانون املقهور ّية يف حاجته ألستاذ‪ ،‬حيث‬
‫َخ ُرُب ذلك حينام حصل النزال بني عبقر ّية الفتى صاحب الثقة املفرطة وبني‬
‫املرة صع ًبا ال‬ ‫األول أرسطو‪ ،‬فكان النزال هذه ّ‬ ‫عبقر ّية الناضج اليوناين املع ّلم ّ‬
‫تنازله مع خصمه‪ ،‬فكتاب (ما بعد الطبيعة)‪،‬‬ ‫أرض ِ‬‫ٍ‬ ‫الشيخ أدواتِه‪ ،‬وعىل‬
‫ُ‬ ‫يألف‬
‫ودرسا يف التواضع بالنسبة للشيخ‪ ،‬حيث قرأه‬ ‫ً‬ ‫كان نو ًعا ِمن تأديب الطبيعة‬
‫ألفاظ مهملة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ويكأهّنا‬
‫ّ‬ ‫مرة فحفظ كلامته دون فهم معناها‪،‬‬ ‫إىل حدّ األربعني ّ‬
‫يقول الشيخ‪« :‬وانتهيت إىل العلم اإلهلي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فلم‬
‫عيل غرض واضعه حتّى أعدت قراءته أربعني مرةً‪،‬‬ ‫أفهم ما فيه‪ ،‬والتبس ّ‬
‫وصار يل حمفو ًظا‪ ،‬وأنا ال أفهمه وال املقصود به؛ وأ ّيست من نفيس‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫أن وجد الشيخ ضا ّلته‪ ،‬فتع ّلم عىل يد‬ ‫هذا كتاب ال سبيل إىل فهمه»‪ ، 1‬إىل ْ‬
‫استحق اللقب بعد حكيم اليونان عنيت به الفارايب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫س ومع ّل ٍم‬‫متمر ٍ‬
‫خبري ّ‬ ‫ٍ‬
‫الوراقني فتقدّ م‬ ‫يقول ابن سينا يف ذلك‪ « :‬فحرضت يو ًما وقت العرص يف ّ‬
‫ٍ‬
‫معتقد ّأاّل فائد َة‬ ‫رب ٍم‬ ‫ّ‬
‫داّل ٌل بيده‬
‫عيل‪ ،‬فرددته ر َّد مت ِّ‬
‫كتاب ينادي عليه‪ ،‬فعرضه ّ‬ ‫ٌ‬
‫رخيص‪ ،‬وأبيعكه‬ ‫ٌ‬ ‫حمتاج إىل ثمنه‪ ،‬وهو‬
‫يف هذا العلم‪ ،‬فقال يل‪ :‬اشرته فصاحبه ٌ‬
‫بثالثة دراهم‪ ،‬فاشرتيته فإذا هو كتاب أيب نرص الفارايب يف أغراض كتاب‬
‫عيل يف الوقت‬ ‫ما بعد الطبيعة‪ ،‬ورجعت إىل داري وأرسعت قراءته‪ ،‬فانفتح َّ‬
‫أغراض ذلك الكتاب؛ ألنّه قد صار يل حمفو ًظا عىل ظهر القلب‪ ،‬وفرحت‬ ‫ُ‬
‫شكرا هلل تعاىل»‪. 2‬‬ ‫ٍ‬
‫بذلك‪ ،‬وتصدّ قت يف اليوم الثاين بيشء ٍ‬
‫كثري عىل الفقراء‪ً ،‬‬
‫توجهاته ورغباته‬‫وتوسم معامل الفلسفة يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫هكذا كانت بداية الرحلة‬
‫هنمه إىل ِع ْل ٍم آخر‪ ،‬يقول‬
‫وقابلياته‪ ،‬لكنّه رسعان ما مال به فضو ُله وحدا به ُ‬
‫يف ذلك‪ « :‬فرغبت يف علم الطب‪ ،‬وقرأت الكتب املصنّفة فيه‪ ،‬وعلم الطب‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٤‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٤‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪177‬‬

‫أقل مدة‪ ،‬حتّى بدأ فضالء‬ ‫ليس من العلوم الصعبة؛ فلذلك برزت فيه يف ّ‬
‫عيل من أبواب‬ ‫وتعهدت املرىض؛ فانفتح ّ‬ ‫ّ‬ ‫علم الطلب‪،‬‬
‫عيل َ‬‫األطباء يقرءون ّ‬
‫باب‬‫كأي ٍ‬ ‫يوصف»‪ . 1‬وليس هذا الباب ّ‬ ‫املعاجلات املصنّفة من التجربة ما ال َ‬
‫تداعيات سياس ّي ٌة‬
‫ٌ‬ ‫علمي بالنسبة للشيخ الرئيس‪ ،‬فقد كان هلذا الفتح العلمي‬
‫ّ‬
‫يتقرب من وجهاء‬ ‫ٍ‬
‫من جهة‪ ،‬وعلم ّية تنظريية من جهة ثانية‪ ،‬فاألوىل جعلته ّ‬
‫وسالطني عرصه؛ فينال عظيم املرتبة‪ ،‬وحيظى باهتامم ومتييز سيجعالنه بعد‬
‫ً‬
‫متناواًل‬ ‫قادرا عىل الن ََهم العلمي من مغالق املستور للكتب التي ليست‬
‫ذلك ً‬
‫مرض‬ ‫لكل أحد‪ « ،‬واتفق لسلطان الوقت ببخارى‪ ،‬وهو نوح بن منصور ٌ‬ ‫ّ‬
‫حترّي األطباء فيه‪ ،‬وقد اشتهر اسمي بينهم بالتو ّفر عىل العلم والقراءة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فأجروا ذكري بني يديه‪ ،‬وسألوه إحضاري‪ ،‬فحرضت وشاركتهم يف‬
‫مداواته وتوسمت بخدمته‪ ،‬وسألته يو ًما اإلذن يل يف الدخول إىل دار كتبهم‬
‫ومطالعتها‪ ،‬وقراءة ما فيها‪ُ ،‬فأ ِذن يل‪ ،‬ودخلت إىل دار ذات بيوت كثرية‪ ،‬يف‬
‫كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها عىل بعض…ورأيت من الكتب ما مل‬ ‫ّ‬
‫أيضا من‬ ‫يقع اسمه إىل ٍ‬
‫كثري من الناس‪ ،‬ومل أكن رأيته قبل ذلك‪ ،‬وال رأيته ً‬
‫بعد‪ ،‬فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها»‪ . 2‬وأ ّما العلمية فقد انعكس‬
‫الشغل الطبي عىل ذهنية فيلسوفنا الذي تشكّلت عنده قواعد التجربة‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة وناضجة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫واالختبار‬

‫مل يكن ابن سينا‪ ،‬ومع هذا التامهي ك ّله الذي عاشه وسط العلوم الرياضية‬
‫واملنطقية واهلندسية والفلكية والطب ّية ‪ -‬حيث نزعة العقل التحليلية تارةً‪،‬‬
‫التوجه إىل مبدع‬
‫ّ‬ ‫واالستغراق باحلس التجريبي تار ًة ثانية ‪ -‬ليحول بينه وبني‬
‫أثر النشأة‬
‫التوجه التنظريي أم السلوكي‪ ،‬وهذا من جهة كان َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكل‪ ،‬سواء‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٢‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٥‬‬
‫‪ | 178‬تاریخ علم املنطق‬

‫ناتج‬ ‫ٍ‬
‫جهة ثانية فهو ال ّ‬ ‫ِ‬
‫شك ُ‬ ‫اخلاصة‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫املسلمة واإلسامعيلية‬ ‫العا ّمة‬
‫ٍ‬
‫وتنبيهات استيقظ عىل هدهيا‬ ‫ٍ‬
‫إشارات تلقاها‬ ‫متخض عنها من‬ ‫تأ ّمالته وما ّ‬
‫يتجىّل‬ ‫ّ‬
‫مستهل أعظم مصنّفاته وكتبه ّ‬ ‫عقله‪ ،‬و ُع ِّز َزت هبا فطرتُه‪ ،‬فرتاه حتّى يف‬
‫الكل وفيضه‪ ،‬إذ يقول‪ « :‬أمحد اهلل عىل حسن توفيقه‪،‬‬ ‫االعتامد عىل مبدأ ّ‬
‫احلق بتحقيقه»‪. 1‬‬‫وأسأل اهلل هداي َة طريقه وإهلام ّ‬
‫ٍ‬
‫تنظري يف‬ ‫رت َجم إىل‬ ‫ِ‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬فهذا اإلمجال يف كيف االعتامد س ُي ْ‬
‫جعل احلدس مبد ًأ من مبادئ الربهان‪ ،‬ليفتح با ًبا معرف ًيا وإرشاق ًيا‪ ،‬وسيأيت‬
‫تفرداته‪ ،‬بل قد كانت سمة الشيخ السلوكية كام حيدثنا‬ ‫ٍ‬
‫كتفرد من ّ‬‫احلديث عنه ّ‬
‫حلل ما استعىص‬ ‫اجلوزجاين عن لسان أستاذه‪ ،‬أنّه يفزع إىل واهب الصور ّ‬
‫أحترّي فيه من املسائل‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬وهيتدي إىل ما خت ّبط فيه‪ ،‬يقول‪ « :‬والذي كنت ّ‬
‫ّ‬
‫وأصيّل‬ ‫ومل أظفر باحلدّ األوسط يف القياس‪ ،‬أتر ّدد بسبب ذلك إىل اجلامع‪،‬‬
‫املتعرّس»‪. 2‬‬
‫ّ‬ ‫وأبتهل إىل مبدع ّ‬
‫الكل حتّى يتّضح يل املنغلق منه‪ ،‬ويسهل‬

‫فكري ملع ّلمي قرون خلت‪،‬‬


‫ٍّ‬ ‫هكذا عاش فيلسو ُفنا يف وسط ازدحا ٍم‬
‫ٍ‬
‫مضنية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جوالت‬ ‫حيج إليها فيستمتع بالنرص بعد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحتدّ يات فكر ّية كان ّ‬
‫آثارا يف احلكمتني‬
‫فقره‪ ،‬وقد ترك ً‬ ‫وتوس ٍل يستعيد به هو ّيته‪ ،‬ويستذكر به َ‬
‫ّ‬
‫نصف قرنه العمري املدريس‪ ،‬فمن الشفاء إىل‬ ‫َ‬ ‫النظرية والعملية جتاوزت‬
‫وتنبيهات صارت قطب رحى املعقول‪ ،‬ينحدر عنها‬ ‫ٌ‬ ‫إشارات‬
‫ٌ‬ ‫النجاة ويليهام‬
‫سيل نضجه وخرباته‪ ،‬وال يرقى إليها طري أفكار َمن بعده إىل حكمة املرشق‪،‬‬
‫حاكاًم لقرون يف املرشق واملغرب‪ ،‬لقد‬
‫ً‬ ‫وكتاب القانون يف الطب الذي بقي‬
‫غفا الشيخ الرئيس يف مهدان بعد أن عجز عن مداواة نفسه حيث عاوده‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬القسم األ ّول ص‪.١١٣:‬‬


‫‪ .2‬الكايش‪ ،‬يحيى بن أحمد‪ ،‬نكت يف أحوال الشيخ ال ْريس ابن سينا‪ ،‬ص‪.١٣‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪179‬‬

‫مرات عديدة فتو ّقف عن العالج لعلمه بعدم وجود جدوى‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه‬
‫املرض ُ‬
‫ُ‬
‫حيث استحكمت الع ّلة‪ ،‬و»انتقل إىل جوار ربه‪ ،‬ودفن هبمذان يف سنة ثامنٍ‬
‫ّ‬
‫وعرشين وأربعامئة‪ ،‬وكانت والدته يف سنة سبعني وثلثامئة‪ ،‬ومجيع عمره ثامين‬
‫ومخسون سنة‪ ،‬لقاه اهلل صالح أعامله بمنّه وكرمه»‪. 1‬‬

‫متهيد‬
‫وتتطور مناهجها وتقدّ م عمر‬ ‫ّ‬ ‫تتقدّ م العلوم بتقدّ م جهات البحث فيها‪،‬‬
‫أن طبيعة املبحوث عنه يف العلم من‬ ‫شك يف ّ‬‫الفرد واألُ َمم‪ ،‬وليس من ّ‬
‫التطور‬ ‫جهة ثانية‪ ،‬يتحكّامن يف رسم طبيعة‬ ‫جهة‪ ،‬والغرض من العلم من ٍ‬
‫ّ‬
‫الكمي أم عىل املستوى الكيفي‪ ،‬بل وبإمكان‬ ‫احلاصل فيه سواء عىل املستوى ّ‬
‫مثاًل ّملا كانت خاضع ًة لالعتبار وكانت‬ ‫أصل حصوله‪ ،‬فالعلوم االعتبارية ً‬
‫التوسع يف‬‫ّ‬ ‫االعتبارات الداخلة يف غرض العلم متجدِّ د ًة يف اجلملة‪ ،‬كان‬
‫ناحية أخرى وااللتفات‬ ‫ٍ‬ ‫العلم ‪ -‬من ناحية وتطوير مناهج البحث فيه من‬
‫ٌ‬
‫حاصل‬ ‫أمرا البدّ أنّه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫املؤسسون األوائل ‪ً -‬‬ ‫إىل جهات اعتبارية قد غفل عنها ّ‬
‫ومتح ِّقق‪ ،‬وكذا يف بعض العلوم احلقيق ّية التي ترهتن أحكام موضوعاهتا‬
‫التطور‬ ‫ّ‬ ‫للتت ّبع احليس واالستقراء‪ ،‬وتطوير أدوات الفحص واالختبار‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ههنا بدهيي الوقوع‪ ،‬والثبات يف مسائله عىل خالف طبيعة العلم موضو ًعا‬
‫َ‬
‫ومسائل ومناهج‪.‬‬
‫ٍ‬
‫منعطفات علم ّية ‪ -‬مع‬ ‫هذان النحوان من العلوم يمكن احلديث فيهام عن‬
‫ٍ‬
‫قصرية‪،‬‬ ‫دد زمن ّي ٍة‬
‫غض النظر عن املنهجية ‪ -‬يف مسائلها تطورا وإبدا ًعا ضمن م ٍ‬
‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫تطورات باحلدّ األدنى‪ ،‬وقد تبلغ‬ ‫أحيانًا حيدث فيها داخل القرن الواحد ثالثة ّ‬
‫علاًم حقيق ًيا‪ ،‬ال يقوم عىل االستقراء‬ ‫العرشين وأكثر‪ .‬لكن عندما نتناول ً‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.٢٨‬‬
‫‪ | 180‬تاریخ علم املنطق‬

‫واالختبار ألحوال املا ّدة‪ ،‬وال عىل تأسيس خيضع لالعتبارات القابلة للتغيري‪،‬‬
‫مثاًل ‪ -‬املتعايل‬ ‫فحص وتأ ّم ٍل بمبحث الوجود ‪ -‬كام يف علم الفلسفة ً‬ ‫ٍ‬ ‫بل عىل‬
‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫عن االعتبارات من جهة‪ ،‬والذي حيتكم بحسب طبيعة موضوعه إىل‬
‫التحوالت‬
‫ّ‬ ‫قابل للتبدّ ل املنهجي‪ ،‬فاحلديث بعد ذلك عن‬ ‫يت صار ٍم غري ٍ‬ ‫إثبا ّ‬
‫املعرف ّية يكون شي ًئا عىل خالف منطق طبيعة العلم نفسه‪ ،‬اللهم ّإاّل ْ‬
‫أن نث ِّبت و‬
‫حكاًم معرف ًيا يقع ضمن القاعدة واألساس ملسائل العلم‪ ،‬يشكّل‬ ‫باألداة نفسها ً‬
‫كالتحول‬
‫ّ‬ ‫تغيري اخلريطة اجلينية املؤ ّثرة عىل املسائل الواقعة بعدها تر ّت ًبا طول ًّيا‪،‬‬
‫املتأهّلني الشريازي يف قوله بأصالة‬ ‫الذي حدث عىل سبيل املثال عىل يد صدر ّ‬
‫جذري يف النظرة الوجودية واإلهل ّية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تغيري‬
‫الوجود الذي ترتّب عليه ٌ‬
‫ونحن إذا جئنا إىل علم املنطق‪ ،‬فالكالم يف حصول التغيري فيه وإحداث‬
‫ٍ‬
‫واضح ملا ذكرناه؛ فعلم املنطق‬ ‫سرَي َهَتن ٍ‬
‫بنحو‬ ‫املنعطفات العلمية واإلبداعات َ ْ‬
‫علاًم خاض ًعا لالعتبار اخلاضع لتغيري الظروف وتق ّلب األحوال‪،‬‬ ‫ليس ً‬
‫التصورية والتصديقية من حيث يقع هبا اكتساب‬ ‫ّ‬ ‫فموضوعه أفعال العقل‬
‫يوناين وال‬
‫ّ‬ ‫عريف‬ ‫املجهول‪ ،‬وأفعال العقل هذه ليست ً‬
‫أفعااًل متو ِّلدَ ًة من رحم ٍّ‬
‫العتبارات لغو ّي ٍة حتّى‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫أفعااًل خاضع ًة‬ ‫مرصي وال هندي‪ ،‬وليست كذلك‬ ‫ّ‬
‫تتعدّ د بتعدّ د األلسن واللهجات وتداخلها فيام بينها‪ ،‬بل هي حلاظ العقل‬
‫ثابتة حتكي ما عليه كينونة األشياء ونظامها‬ ‫نفسه ضمن حتكيم قواعد ٍ‬ ‫ألفعال ِ‬
‫العام يف نفسها‪ ،‬من قاعدة التناقض إىل اهلوية إىل العل ّية‪ ،‬ودراسة كيف يكون‬
‫فعل العقل متناس ًقا منطق ًيا وكيف أصنع بعد الفراغ عن التناسق املنطقي‬
‫تصو ًرا حدّ ًيا أو تصدي ًقا برهان ًيا أو خطاب ًيا أو جدل ًيا‪ ،‬فأدرس طبيعة‬
‫الصوري ّ‬
‫املوا ّد املناسبة لغرض حتقيق تلك الصناعة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كثرية يف املنطق ‪ -‬بعد حقبة أرسطو‬ ‫ٍ‬
‫حتوالت‬ ‫من هنا ّ‬
‫فإن احلديث عن‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪181‬‬

‫ورشاحه والرواقيني ‪ -‬هو عىل خالف ِ‬


‫منطق طبيعته‪ ،‬نعم قد حيدث ْأن ُيغفل‬ ‫ّ‬
‫نحوا من األفعال العقل ّية‪ ،‬كام فعل يف القضايا الرشط ّية وغريها التي‬‫أرسطو ً‬
‫التصور أو التصديق‪ ،‬فيضيفها‬ ‫ّ‬ ‫بنحو غري مبارش ‪ -‬كسب‬ ‫ٍ‬ ‫حيصل هبا ‪ -‬ولو‬
‫تتأسس عليها صناعة‬ ‫يتم إغفال بعض املبادئ الفلسفية التي ّ‬ ‫الالحقون أو ّ‬
‫ٍ‬
‫يت كام فعل كانط‪.‬‬‫يتم احلديث عن وجودها ضمن ُبعد ذا ّ‬ ‫الربهان‪ ،‬أو تُن َقد أو ّ‬
‫مثل هذه االنعطافات قد حتدث بل حصلت بالفعل‪ ،‬وعليه فألجل حصول‬
‫املساس يف أصل املبادئ التي قامت عليها بعض بحوث املنطق حتدث‬
‫تفريعات تتناسب مع ذلك التغيري اجلذري‪ ،‬مع ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫انعطافات ُيبنى عليها‬
‫ٌ‬
‫بقيت املشرتكات كثري ًة بني املنطق القديم واملنطق الصوري احلديث‪.‬‬

‫إبداعات من الشيخ الرئيس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫حصول‬ ‫ِ‬
‫رصد‬ ‫مهمة‬
‫ألجل ما ذكرنا‪ ،‬كانت ّ‬
‫بالغ الصعوبة‪ ،‬ورحل ًة شا ّق ًة حتتاج إىل ِ‬
‫كثري‬ ‫أمرا َ‬
‫ابن سينا يف القضايا املنطق ّية ً‬
‫ص وإىل القيام بعمل ّية مقارنة من جهة‪ ،‬وتت ُّبع ملا كُتِب حول‬ ‫تفح ٍ‬ ‫ِ‬
‫تأ ُّم ٍل ومزيد ّ‬
‫قرن ون ِّيف من‬‫أن الشيخ جاء بعيد ٍ‬ ‫وخصوصا ّ‬ ‫هذا املوضوع من ٍ‬
‫جهة ثانية‪،‬‬
‫ً‬
‫ورشاحه وحقبة الرواقيني‪.‬‬ ‫األول ّ‬‫الزمن من كتابة قواعد املنطق عىل يد املع ِّلم ّ‬
‫كثري ‪ -‬بل األكثر‬ ‫ِ‬
‫وما كُتب عن موضوعات إبداعات الشيخ الرئيس فقد تركّز ٌ‬
‫‪ -‬منه عىل ذكر نامذج متحورت حول التعريف من جهة‪ ،‬والقضايا الرشط ّية‬
‫ودراسة ما جاء يف تفصيل ما ذكر حول القضايا الرشطية وأحكامها من جهة‬
‫التعرض إليه‪ ،‬فأعرضت عن الكالم فيه؛‬ ‫تم ّ‬ ‫التعرض ملا ّ‬
‫ثانية‪ ،‬وعليه فلم أشأ ّ‬
‫إضافات سينو ّي ٍة يف بعض‬
‫ٍ‬ ‫خو ًفا من التكرار‪ ،‬ولوجود القناعة بعدم حصول‬
‫ٍ‬
‫دراسات مستق ّلة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫موكول إىل‬ ‫هذه املباحث من جهة الثانية‪ ،‬وتفصيل الكالم‬
‫التوجه ملا كتبه‬
‫ّ‬ ‫من هنا رحت أستقيص مباحث ما كُتب يف املنطق مع رشط‬
‫األول والثاين بام كتبه الشيخ الرئيس يف كتبه بد ًءا بالشفاء واإلشارات‬ ‫املع ّلم ّ‬
‫وانتها ًء بمنطق املرشقيني‪ ،‬ليكون هذا املقال الذي خرج عىل هيأة البحث‬
‫‪ | 182‬تاریخ علم املنطق‬
‫ٍ‬
‫بطريقة بحث ّية‪ ،‬وعليه فلن أقوم‬ ‫التفرد السينو ّية‬ ‫املتضمن لتعداد مواطن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأقل كلفة ‪-‬‬ ‫ً‬
‫تناواًل ّ‬ ‫بمحض التعداد للمواطن اإلبداعية ‪ -‬مع كوهنا أسهل‬
‫تفرداته حالة‬ ‫كي ال يأيت البحث مفكّك األوصال مشتّت األطراف تعيش ّ‬
‫واغرتاب يف عناوينها بعضها عن بعض‪ ،‬بل سيكون البحث شبه ما ّد ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عزلة‬
‫رحم وقرابة‪.‬‬ ‫أولي ٍة ّ ٍ‬
‫واّلدة لعنارص بينها ٌ‬ ‫ّ‬
‫هيأة تأسيس ّي ٍة‪ ،‬كذلك يكون‬
‫والتفرد كام يكون تفردا يف والدة عنوان عىل ٍ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫جديد‪ ،‬أو إضافة مبادئ لبعض البحوث‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫بطريق‬ ‫ٍ‬
‫عنوان‬ ‫يف كيف ّية تقديم‬
‫بعض التفريع دون التأسيس‪.‬‬

‫ّ‬
‫التكرّث العلمي وحصول املعرفة‬ ‫مدخل معريف‪:‬‬
‫لطاملا انشغل الذهن البرشي يف حتصيل املعرفة‪ ،‬وكان ذلك بفعل ما فطر‬
‫طلب املعرفة أحدَ مصاديقه‪،‬‬ ‫حب االستكامل الذي يكون ُ‬ ‫عليه اإلنسان من ّ‬
‫تتم ممارسته بشكل تلقائي عفوي‪ ،‬بعيدً ا عن طرح‬ ‫أمرا ّ‬‫بقي طلب املعرفة ً‬
‫كيف ّية حصول املعرفة نفسها عىل طاولة الترشيح والنظر‪ ،‬مع وجدان اجلميع‬
‫أمر حاصل‪ ،‬إىل أن متّت املساءلة عن كيف ّية هذا التك ّثر‬ ‫بأن التك ّثر ٌ‬
‫واعرتافهم ّ‬
‫احلس أم العقل؟ أم‬ ‫ّ‬ ‫أن حتصيل العلم يكون بوساطة‬ ‫وأسبابه وآليته‪ ،‬فهل ّ‬
‫ٍ‬
‫لوجود بعد‬ ‫كليهام؟ وهل هذه الوسائط تنبيهي ٌة أم تذكريي ٌة أم حتصيلي ٌة‬
‫نحصل‬‫عدم؟ وهل هناك صور ٌة كل ّي ٌة نعتمد عليها ضمن اخلطوات الذهن ّية ّ‬
‫بوساطتها العلم اجلديد الذي مل يكن؟‬

‫يف هذا البحث سأسلط الضوء عىل إشكال ّي ٍة تتع ّلق بجدوى كون القياس‬
‫حل الشيخ الرئيس هلذه املعضلة‬ ‫ومنتجا للعلم‪ ،‬وكيف ّية ّ‬
‫ً‬ ‫موج ًبا للتك ّثر املعريف‬
‫ٍ‬
‫بنحو عا ّم يف كيفية مزامحة الوهم لتع ّقله‪،‬‬ ‫التي يعود جذرها للذهن البرشي‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪183‬‬

‫ثم جتدّ دت يف زمان الشيخ‬ ‫خاص‪ ،‬ومن ّ‬


‫ّ‬ ‫والذي برز يف املرحلة اليونانية ٍ‬
‫بنحو‬
‫وما زالت إىل زماننا مذكور ًة يف بعض كتب ا ُملحدَ ثني اللذين ال يعرفون‬
‫لكتب املناطقة املؤسسني طري ًقا يسلكونه في ِ‬
‫شكلون ظنًّا منهم ّأهّنم اكتشفوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫جمرة انحرست عن أبصار القوم دوهنم!‬ ‫ّ‬
‫األول‬
‫إشكال أيب سعيد بن أيب اخلري عىل القياس من الشكل ّ‬
‫كتب أبو سعيد بن أيب اخلري اىل الشيخ الرئيس‪:‬‬
‫أتو ّقع اجلواب املشبع من حرضة الشيخ الرئيس أفضل ّ‬
‫املتأخرين رشف‬
‫أضم إىل أنعامه الظالل‪،‬‬
‫امللك فخر الكفاة أدام اهلل عاله‪ ،‬وأطال بقاه‪ ،‬حتّى َّ‬
‫كل حال من األحوال‪ ،‬وس ّلم ً‬
‫كثريا‪.‬‬ ‫وأسال اهلل التوفيق والعصمة يف ّ‬
‫تابع‬
‫« إذا_ كان _الغرض يف القياس‪ ،‬الوصول اىل العلم بالنتيجة‪ ،‬فالعلم ٌ‬
‫األول هو العمدة وإليه مرجع‬
‫أواًل‪ ،‬والشكل ّ‬ ‫ملقدّ متي القياس املعلومتني ً‬
‫كل ب‪ ،‬وقلنا ب عىل كل ج‪ ،‬فالنتيجة‪:‬‬ ‫الشكلني األخريين‪ ،‬فإذا قلنا أ عىل ّ‬
‫متأخرا عن العلم باملقدّ متني‪ ،‬أعني ‪ :‬أ عىل ب‪ ،‬و ب عىل ج ‪.‬‬
‫ً‬ ‫كل ج‪،‬‬‫أ عىل ّ‬
‫كل ب و ج هي بعض ب أو كلها‪،‬‬ ‫أن أ عىل ّ‬
‫أن ُيع َلم‪ّ :‬‬
‫ومعلوم أنّه ال يمكن ْ‬
‫كل ج‪.‬‬‫ّإاّل بعد أن ُيع َلم أن أ عىل ّ‬
‫ألن العلم‬‫كل ج؛ ّ‬‫بأن ب عىل ّ‬ ‫بأن أ عىل ّ‬
‫كل ج متقدّ ٌم عىل العلم ّ‬ ‫فإ ًذا العلم ّ‬
‫ثم يرضب‬ ‫ٍ‬ ‫باليشء الكيل ال يصح ّإاّل بعد العلم ّ‬
‫بكل واحد من جزئياته‪ ،‬ومن ّ‬
‫صح هذا‪،‬‬ ‫مثااًل سنأيت عىل ذكره‪ ،‬ليخلص بناتج من القول‪ .‬فإذا ّ‬ ‫أبو سعيد ً‬
‫متبوع ال تابع‪ ،‬فإذا كانت صورة األصل والعمدة هذه‪ ،‬فام‬ ‫ٌ‬ ‫فالعلم بالنتيجة‬
‫ظنّك بفرعه‪ ،‬فإ ًذا هو فاسد ال يمكن الوصول به إىل معرفة يشء‪ ،‬فال ُحُيتاج‬
‫إليه‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب»‪. 1‬‬

‫‪ .1‬مكاتبة ابن سينا وأيب سعيد الخري‪ ،‬ص‪.١‬‬


‫‪ | 184‬تاریخ علم املنطق‬

‫ولعل ما جيعل اإلشكال آكَد يف ذهن أيب سعيد ما جاء يف حتليالت أرسطو‬ ‫ّ‬
‫علاًم‪ ،‬واجلهل‬
‫حسا فقدْ فقدَ ً‬‫الثانية من الفقرة الثامنة عرش من قوله‪َ ( :‬من فقدَ ًّ‬
‫حواسنا أنّه يلزم بذلك‬
‫ّ‬ ‫حسا من‬‫بوصفه نف ًيا للعلم )‪ « ،‬ويظهر أنّا عندما نفقد ًّ‬
‫علاًم من علومنا وال يمكننا إدراكه‪ ،‬من قبل ّ‬
‫أن مجيع ما‬ ‫أن نفقد ً‬‫من االضطرار ْ‬
‫يتم من‬ ‫نعلمه ليس خيلو ْ‬
‫أن يكون إ ّما باالستقراء‪ ،‬وإ ّما بالربهان‪ ،‬والربهان إنّام ّ‬
‫مقدّ مات كلية‪ ،‬وأ ّما االستقراء فإنّام يكون من اجلزئي‪ ،‬واملقدّ مات الكلية ال‬
‫أن املقدّ مات املأخوذة‬‫طريق لنا إىل إظهارها والعلم هبا ّإاّل باالستقراء‪ ،‬وذلك ّ‬
‫معرا ًة من املا ّدة إذا رام اإلنسان تبيني ّأهّنا صادقة ْ‬
‫بأن يعرهيا من‬ ‫يف الذهن ّ‬
‫تقرهبا نحو ما ّدة‪ ،‬أو أخذهتا‬ ‫ما ّد ٍة ما ّدة ْ‬
‫أن يب ّينها باالستقراء‪ ،‬سواء أخذهتا بأن ّ‬
‫احلس‬
‫أن ّ‬ ‫احلس من ِق َبل ّ‬‫معرا ًة من املادة‪ ،‬وال طريق إىل االستقراء متى فقدنا ّ‬ ‫ّ‬
‫الكل ّإاّل باالستقراء‪،‬‬
‫أن نعلم ّ‬‫هو املبارش لألشياء اجلزئ ّية‪ ،‬فال طريق إذن إىل ْ‬
‫باحلس »‪. 1‬‬
‫ّ‬ ‫أن نعلمه ّإاّل‬
‫واالستقراء فال طريق ْ‬

‫األول واألب املشائي قد حرص مسألة‬ ‫أن املع ّلم ّ‬


‫النص ّ‬
‫فالبادي يف هذا ّ‬
‫‪2‬‬
‫تبدّ ي الكليات يف الذهن تبد ًيا علم ًيا‪ ،‬من خالل طريق االستقراء للجزئيات‬
‫جتذر الكربى ورجوع عنارصها األوىل إىل الوقوف عىل احلاالت‬ ‫‪ ،‬وهذا يؤكّد ّ‬
‫الفرد ّية اجلزئية‪ ،‬ممّا يفتح صدر القياس أمام سهام النقد لبلوغها املقتَل!‬

‫ولنعاود تقريب اإلشكال ولنأيت إىل املقدّ متني اللتني تو ّلدتا عنهام النتيجة‪،‬‬
‫كل ما ُيقال عليه بأنّه حيوان يقال‬ ‫أن ّ‬ ‫حيوان جسم) يعني ّ‬‫ٍ‬ ‫فإن قولنا‪ُّ :‬‬
‫(كل‬ ‫ّ‬
‫‪ .1‬ابن رشد‪ ،‬رشح الربهان ألرسطو وتلخيص الربهان ص‪.٤١٥ – ٤١٤ :‬‬
‫واحد من املفكّرين يف تقييمهم كيف ّية حصول الكليات يف رأي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .2‬هذا هو الذي ذهب إليه غري‬
‫أرسطو‪ ،‬ولك ّن هذا عند التحقيق والتأ ّمل يف كتاب أرسطو (التحليالت الثانية) نجده رأيًا مجاف ًيا‬
‫للصواب‪ ،‬وتحقيقه يُطلَب من كتاب (سبيل الذين يعلمون) للدكتور املفكّر الشيخ محمد نارص‪،‬‬
‫وكذا وافق عىل منع انحصار تبدي الكليات باالستقراء ما جاء يف كتاب (نظرية املعرفة يف ضوء‬
‫آخر تجليات عرص الحداثة)‪ ،‬للعالمة الحجة السيد عامر أبو رغيف ص‪.١٨٥ - ١٨٤ :‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪185‬‬

‫ُ‬
‫ورشط تصحيح‬ ‫مقول عىل ّ‬
‫كل ما هو حيوان‪،‬‬ ‫أن اجلسم ٌ‬ ‫عليه بأنّه جسم‪ ،‬أو ّ‬
‫أن نكون قد وقفنا ساب ًقا عىل ّ‬
‫كل ما‬ ‫املقول ّية الكلية من جانب املحمول ْ‬
‫يقال عليه أنّه حيوان‪ ،‬وهذا يلزمه معرفتنا السابقة باندراج اإلنسان والبقر‬
‫ألهّنا ممّا يقال عليها ّإهّنا حيوان ‪ -‬حتت حكم مقول ّية اجلسم عليه‪.‬‬
‫واألغنام ‪ّ -‬‬
‫(وكل ما هو حيوان من‬‫ّ‬ ‫(كل إنسان حيوان)‪،‬‬ ‫وعليه فيصري القياس هكذا ّ‬
‫شك يف ّ‬
‫أن هذا ُيعدّ‬ ‫كل إنسان جسم‪ ،‬وال ّ‬ ‫بقر وإنسان وغن ٍم فهو جسم )= ّ‬ ‫ٍ‬
‫من قبيل الطلب للحارض‪ ،‬وحتصيل ملا هو حاصل ً‬
‫فعاًل‪ ،‬وهو من اللغو الذي‬
‫يرت ّفع عنه العقالء‪ ،‬فكيف بحكامئهم‪ ،‬ومن الطرق التي ال تستوجب ً‬
‫علاًم‬
‫نمو العلم وتراكمه‪ ،‬واحلال‬
‫زائدً ا‪ ،‬فلو كانت هذه هي طريقة التعليم المتنع ّ‬
‫تضخم العلم وتراكمه‪ ،‬ليكشف هذا لزوم استبعاد ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن الواقع شاهدٌ عىل‬
‫يكون القياس هو الطريق ا ُمل َ‬
‫ستعمل عند العلامء‪.‬‬

‫التف ّرد األ ّول‪ :‬كيفية نشوء الحكم الكيل‬


‫نتعرف عىل معنى‬ ‫أن ّ‬‫بشكل مبارش ‪ْ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫البدّ للبحث ‪ -‬وقبل رشح اجلواب‬
‫(كسب جديدٌ ليس‬ ‫ٌ‬ ‫وحقيقة التعليم والتع ّلم (هل هو تذك ٌّر)‪ ،‬أم (تن ّب ٌه) أم‬
‫واألهم كيف حيصل‬ ‫ّ‬ ‫من التنبه وال التذكّر)؟ ومتى حيصل العلم بالدقة؟ بل‬
‫التك ّثر يف املعلومات‪ ،‬ف ْإن مل يكن التعلم تذك ًّرا‪ ،‬فهل يمكن عدّ ه شي ًئا غري‬
‫قسياًم له‪ ،‬فهل يمكن استبعاد التن ّبه منه بالكل ّية؟‬ ‫التن ّبه؟ ْ‬
‫فإن كان غري التن ّبه بل ً‬

‫التعليم والتعلم‬
‫سيذكر البحث ً‬
‫أواًل كال ًما للشيخ من برهان الشفاء ثم يتم فحصه‪ ،‬يقول‬
‫الشيخ يف الفصل الثالث من املرحلة األوىل‪ « :‬التعليم والتع ّلم منه صناعي‬
‫مثل تع ّلم النجارة والصباغة‪ ،‬وإنّام حيصل باملواظبة عىل استعامل أفعال تلك‬
‫‪ | 186‬تاریخ علم املنطق‬

‫لغة ما‪ ،‬وإنّام حيصل باملواظبة عىل‬ ‫شعر ما أو ٍ‬


‫الصناعة‪ ،‬ومنه تلقيني مثل تلقني ٍ‬
‫التل ّفظ بتلك األصوات واأللفاظ ليحصل ملكة‪ ،‬ومنه تأديبي وإنّام حيصل‬
‫رأي ما‪،‬‬ ‫أن يألف اإلنسان اعتقا َد ٍ‬ ‫باملشورة عىل متع ّلمه‪ ،‬ومنه تقليدي‪ ،‬وهو ْ‬
‫وإنّام حيصل له من جهة الثقة باملع ّلم‪ ،‬ومنه تنبيهي كحال املغناطيس جيذب‬
‫غافل عنه يف وقته وال يفطن له عند إحساسه جاذ ًبا للحديد‪،‬‬ ‫احلديد‪ ،‬لكنّه ٌ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يتن ّبه‬ ‫فيعجب منه‪ ،‬فيقال له هذا هو املغناطيس الذي عرفت حاله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لنقص يف العبارة‬ ‫التعجب‪ ،‬أو كمن ُخُيا َطب باألوائل فال يفطن هلا‬
‫ّ‬ ‫ويزول عنه‬
‫صنف آخر‪ ،‬وليس يش ٌء منها بذهني‬ ‫ٌ‬ ‫أو يف ذهنه‪ ،‬فيحتال يف تقريرها له‪ ،‬ومنه‬
‫معقول ِمن‬
‫ٍ‬ ‫أو فكري‪ ،‬والذهني والفكري هو الذي ُي ْكتَسب ٍ‬
‫بقول مسمو ٍع أو‬ ‫َ‬
‫تصو ًرا ما مل يكن »‪… 1‬‬ ‫شأنه ْ ِ‬
‫أن يوقع اعتقا ًدا أو رأ ًيا مل يكن‪ ،‬أو يوقع ّ‬
‫وكل تعليم وتع ّلم ذهني وفكري فإنّام حيصل بعل ٍم قد سبق؛ وذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫« ّ‬
‫والتصور الكائنني هبام أنّام يكونان بعد ٍ‬
‫قول قد تقدّ م مسموع أو‬ ‫ّ‬ ‫التصديق‬
‫أواًل‪ ،‬وحيب ْ‬
‫أن يكون معلو ًما‬ ‫أن يكون ذلك القول معلو ًما ً‬
‫معقول‪ ،‬وجيب ْ‬
‫إن مل يكن‬‫علاًم ما باملطلوب‪ْ ،‬‬
‫أن يكون ً‬ ‫ال كيف اتفق‪ ،‬بل من جهة ما شأنه ْ‬
‫بالفعل فبالقوة »‪.2‬‬

‫أقسام التعليم والتع ّلم‬


‫بذكر ِ‬
‫غري‬ ‫أواًل ِ‬ ‫ِ‬
‫وغري فكري‪ ،‬وقام ً‬ ‫ٍ‬
‫فكري‬ ‫التعليم والتع ّلم اىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫قسم‬
‫َّ‬
‫ذكر مصاديقه وبيان كيف ّية وقوع العلم منه‪ ،‬ليه ّيئ للقارئ‬ ‫الفكري من خالل ِ‬
‫خلو ِّ‬
‫كل األمثلة‬ ‫اقتناص وجه الفرق بني الفكري وغريه‪ ،‬وذلك من خالل ِّ‬

‫‪ .1‬ابن سينا الشفاء‪ ،‬الربهان املقالة األوىل الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.٥٧‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.٥٧‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪187‬‬

‫وأنحاء حصول العلم هبا من خاص ّية التعليم الفكري‪ ،‬فذكَر‪: 1‬‬
‫‪1‌.‬النجارة (وحصوهلا باملواظبة عىل تكرار األفعال التي شاهدها)‪.‬‬
‫‪2‌.‬الشعر‪ ،‬اللغة (املواظبة عىل تكرار األلفاظ)‪.‬‬
‫‪3‌.‬األخالق (وحصوله باملشورة)‪.‬‬
‫‪4‌.‬العقيدة يف اجلملة (األخذ ممّن يثق بقوله)‪.‬‬
‫‪5‌.‬البدهييات واألحــكام األوائل (حصوهلــا بالتقرير اللغــوي واملقاربات‬
‫التنبيهية املختلفة)‪.‬‬
‫فإن اجلامع بينها إ ّما عدم حصول رأي مل يكن عند املتع ّلم‪ ،‬وإ ّما أنّه‬ ‫وعليه ّ‬
‫فعل مل يكن‬ ‫سابق يتناسب مع تو ّلد الرأي بل الكائن اجلديد إ ّما ٌ‬ ‫ليس عن عل ٍم ٍ‬
‫وإ ّما قول ‪ -‬كام يف الشعر واللغة ‪ -‬مل يكن‪ ،‬وإ ّما اعتقا ٌد جديدٌ كام يف املشورة‬
‫لكن دون سبق عل ٍم وقع يف إنتاج الرأي األخالقي‪ ،‬وكذا يف العقيدة‪ ،‬حيث‬
‫رأي ‪ -‬ثق ًة باملع ّلم ‪ -‬هو بالذات بالنسبة‬‫مل يكن العلم السابق عىل ما ألِ َف ُه ِمن ٍ‬
‫ُعرف بأسباهبا)‪ ،‬ورأي َمن يوثق‬ ‫اىل االعتقاد‪ ،‬ولذا قيل‪( :‬ذوات األسباب ت َ‬
‫ألن قوله مل يقع للنظر يف اكتساب‬ ‫به ليس سب ًبا بالذات‪ ،‬بل وال بالعرض هنا؛ ّ‬
‫رأي بوساطته‪.‬‬
‫أي تع ُّل ٍم ِمن حتصيل ٍ‬
‫رأي مل يكن‪ ،‬مع ضميمة عدم‬ ‫خلو ِّ‬ ‫ويلزم ممّا تقدّ م ّ‬
‫أن َّ‬
‫ٍ‬
‫متناسب مع املطلوب‪ ،‬ال يكون من التعلم‬ ‫سابق‬‫كون احلصول هذا عن عل ٍم ٍ‬
‫الفكري‪. 2‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.٥٧‬‬


‫تعلياًم وتعل ًّاًم‪ ،‬وعليه فليس ما يقابل‬
‫ً‬ ‫‪ .2‬والكالم هنا ليس مبا يلزمه املطابقة‪ ،‬بل مبا ينبغي عدّه‬
‫ٍ‬
‫التعليم والتعلّم هو الجهل‪ ،‬بل العلم الذي ليس حصوله عن حركة فكرية‪ ،‬واملطلوب مل ّا كان‬
‫الحق كام هو يف نفسه عىل قدر طاقتها وأخرى تطلب إفحام الخصم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متعددًا‪ -‬إذ النفس تار ًة تطلب‬
‫‪ | 188‬تاریخ علم املنطق‬

‫فإن النتيجة ّملا‬ ‫ً‬


‫إشكااًل أبو سعيد اخلري‪ّ ،‬‬ ‫فلو جئنا إىل القياس الذي أورده‬
‫كانت مندرج ًة يف املقدّ مات‪ ،‬فهي فاقدة لرشط أساس وهو حصول ٍ‬
‫رأي مل‬
‫أن رشط حصول الكربى يكون بتحصيل العلم بام يستوجب‬ ‫يكن‪ ،‬ذلك ّ‬
‫تشكّلها‪ ،‬وعليه فلو حصل العلم بأحد األفراد التي يطلبها املتع ّلم بواسطة‬
‫العلم املسبق‪ ،‬سيلزم أن ال يكون العلم السابق له شأنية حتصيل رأي مل يكن‪،‬‬
‫وحتصل من ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫إن العلم السابق صار عني الرأي املطلوب حتصيله‪،‬‬ ‫إذ ّ‬
‫واملتحصل من عمل ّية النظر هذه ال يلتقي‬ ‫َّ‬ ‫ما ينتجه القياس (هو رأي كائن)‪،‬‬
‫مع تعريف احلكامء (للتعليم والتع ّلم الذهني)‪ ،‬وهذا يبدو أنّه تام‪ ،‬وعليه ّملا‬
‫أن يكون هناك‬ ‫روحا إىل القياس‪ ،‬بطل ْ‬ ‫كل أنحاء االستدالل تعود ً‬ ‫كانت ّ‬
‫تذكريا برأي‬
‫ً‬ ‫تعليم وتع ّل ٌم فكري‪ ،‬بل العلم ال يعدو كونه إ ّما ً‬
‫تنبيها لرأي وإ ّما‬ ‫ٌ‬
‫أن يكون‬ ‫وإ ّما تلقينًا وإ ّما حتصيل ملكة صناعية بمشاكلة الفعل وتقليده‪ ،‬وإ ّما ْ‬
‫حف ًظا لقول بالتكرار‪.‬‬

‫وثالثة يكون طلبها التعمية والتغليط وغريها من مطلوباتها ‪ -‬كان العلم السابق ونحو التناسب متع ّددًا‬
‫أيضً ا‪ ،‬وهذا هو بحثُ تعدّد املاد ِة املنطقية‪ ،‬حيث إ ّن تشكالت مباحث املنطق املادية تكون‬
‫بحسب اختيار نحو العلم السابق املتناسب مع املطلوب‪ ،‬وعىل هذا األساس قد يُدّعى إمكانيّة‬
‫تصحيح الهيأة التفكريية الحديثة القامئة عىل الفرض‪ ،‬و ِمن ث َ َّم االختبار الذي هو إ ّما التأييدي أو‬
‫فرض مفاده عدم وجود القضايا‬ ‫التكذيبي‪ ،‬إذ إ ّن البناء املعريف اإلبستمولوجي ‪ -‬عندهم ‪ -‬يقوم عىل ٍ‬
‫الكلية من جهة‪ ،‬والذاتي ِة الرضورية من جه ٍة ثانية‪ ،‬وذلك إ ّما لكون العلية أم ًرا رضوريًا ملج ّرد البناء‬
‫النسقي للتفكري دون وجود ٍ‬
‫بعد واقعي لها كام عند بوبر‪ ،‬وإ ّما أل ّن العليّة خالي ٌة من املعنى كام عند‬
‫الوضعيني ‪ -‬مع تفصيل ليس هنا محلّه ‪ -‬وما يرتتب عىل هذا امتناع طلب الواقع كام هو يف نفسه‪،‬‬
‫بل خصوص الطلب املتناسب مع التنظري املعريف السابق‪ ،‬ومن ث َّم يكون العلم السابق متناس ًبا مع‬
‫طرح منهج املؤيدات‪ ،‬ومل ّا كان ميتنع التأييد الكيل النتفاء مبادئ تشكّله كانت كل الفرضيات ومن‬
‫ثم النظريات التي نشأت عن مؤيدات أعم من املؤيّدات نفسها؛ ولذا كان العلم أشبه بالتخ ّرصات‬
‫كل‬‫عندهم‪ ،‬ومن ث ّم منع بوبر جعل املنهج العلمي تأييدًا بل وجب عليه أ ْن يكون تكذيب ًيا‪ ،‬حيث إ ّن ّ‬
‫نظرية الصائرة كذلك بعد االختبار إ ّما تكون مطلق ًة وإ ّما مق ّيدة‪ ،‬فلو فرضنا إطالقها لتعارض ذلك‬
‫مع البناء الفلسفي يف رفضهم ألسس القواعد العامة امليتافيزيقية فبقي أ ْن تكون مقيّدة‪ ،‬ومن ث َ ّم‬
‫كان بوبر محقًّا يف نقده للوضعية املنطقية يف محاولته لبيان عدم وجود االنسجام بني منهج التأييد‪،‬‬
‫منسجاًم مع نفسه‪.‬‬
‫ً‬ ‫وبني بنائهم النسقي الفلسفي فاختار التكذيب‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪189‬‬

‫القوة والفعل وحصول التعلّم‬


‫أن يكون التعليم والتع ّلم حتّى الفكري‬
‫ور ّبام يؤكّد هذا اإلشكال رشط ّي ُة ْ‬
‫منه بوساطة عل ٍم سابق‪ ،‬إذ العلم السابق ال ختلو ْ‬
‫أن تكون نسبته إىل النتيجة‬
‫إحدى النسب اآلتية‪:‬‬
‫‪1‌.‬نسبة ّ‬
‫الكل إىل اجلزء‪.‬‬
‫‪2‌.‬نسبة اليشء إىل نفسه‪.‬‬
‫‪3‌.‬نسبة املباين إىل مباينه‪.‬‬

‫وتنبيها مع الغفلة‪ ،‬وعىل الثاين‬


‫ً‬ ‫وعىل األول يكون تذك ًّرا مع النسيان‬
‫علاًم عن معلو ٍم ٍ‬
‫سابق له‬ ‫كذلك ال رأي جديد هناك‪ ،‬وعىل الثالث يبطل كونه ً‬
‫شأنية حتصيله‪ ،‬إذ املباين غري املسانخ ال شأن ّية له لتَو ّلد رأي عنه‪.‬‬

‫وقد تن ّبه الشيخ الرئيس إىل تقدير األذهان هلذا النوع من اإلشكال‪ ،‬فأشار‬
‫القوة والفعل‪ّ ،‬‬
‫فإن القول‬ ‫أن العالقة بني القول السابق والنتيجة عالقة ّ‬ ‫إىل ّ‬
‫السابق حيمل خاص ّيتني‪:‬‬
‫‪1‌.‬معلوم ُم ْل َت َف ٌت إليه‪ ،‬صح االنطالق منه‪.‬‬
‫‪2‌.‬ومعلوم بالقوة ُيرجى طلبه‪. 1‬‬

‫وهذا االستلزام بني القول السابق وبني حصول النتيجة من مهامت بحث‬
‫نظرية املعرفة‪ ،‬فابن سينا يرى ّ‬
‫بأن ذلك حيصل بوساطة األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬وهذا بخالف األوائل التي ال يكون استخدام اللفظ والتعبري موجبًا لتحصيل العلم باالوائل‬
‫بالفعل‪ ،‬بعد كون اللفظ مستوج ًبا له بالذات فتن ّبه‪.‬‬
‫‪ | 190‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪1‌.‬امللزوم‪ ،‬وهو القياس االستثنائي من رشطيات متصلة‪.‬‬


‫‪2‌.‬املعاند‪ ،‬وهو الذي يكون هبيأة قياس استثنائي من رشطيات منفصلة‪.‬‬
‫‪3‌.‬كيل فوقه‪ ،‬وطريقه القياس‪.‬‬
‫‪4‌.‬جزئي حتته‪ ،‬وطريقه االستقراء ناقص أو تام‪.‬‬
‫‪5‌.‬جزئي معه‪ ،‬وطريقه التمثيل ‪. 2، 1‬‬
‫ويبقى السؤال عن حقيقة االختالف بني القوة والفعل وبني القول السابق‬
‫والنتيجة؟ هذا ما كشف عنه الشيخ الرئيس يف جوابه الثاين أليب سعيد اخلري‪،‬‬
‫قدر ٍ‬
‫عال من األمه ّية املعرفية‪ ،‬ورضورة كشف هذا الغطاء عن‬ ‫والذي هو عىل ٍ‬
‫يبنّي أنحاء حتصيل الكليات‪،‬‬ ‫العقل ‪ -‬بفعل تأثري الوامهة ‪ -‬ألزم الشيخ ْ‬
‫أن ّ‬
‫وأن حصوهلا ّملا كان مشرتكًا بينها وبني طرق منها االستقراء التام أوجب‬ ‫ّ‬
‫إن ما ُيتخ ّيل ويسبق إىل الذهن عادة ّ‬
‫أن‬ ‫الترشيك هذا حصول االشتباه‪ ،‬بل ّ‬
‫الكيل ال ُحُي ّصل ّإاّل باالستقراء والطريق اإلحصائي‪ ،‬وهذا كالمه يف جوابه‬
‫عىل مرسال أيب سعيد‪ ،‬وكانت الشبهة قد عرضت من وجهني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جمهول إنّام ُيط َلب هبذا الطريق‪ ،‬وهــذا احلكم إنّام يصح جزئ ًيا ال‬ ‫أن ّ‬
‫كل‬ ‫‪1‌.‬خت ّيــل ّ‬
‫كل ًّيا‪.‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء الربهان املقالة األوىل الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.٦٠‬‬
‫‪ .2‬فأنت تجد يف أ ّن الصور الخمسة ال يحصل التعلم منها إاّلّ بعد فرض وجود عالقة بني القول‬
‫السابق والنتيجة‪ ،‬وال ميكن فرض العالقة بعيدًا عن القواعد األولية واألحكام العامة للوجود‪ ،‬وهذا‬
‫تنظريي فصارت من ث ّم طبيعة‬‫ّ‬ ‫منهجي‬
‫ّ‬ ‫االستبعاد لألحكام العامة هو الذي أوقع الوضعيني بخللٍ‬
‫العلم تخمينية‪ ،‬أو تكذيبية‪ ،‬ال ميكن إقامة عالقة تسا ٍو بني فرض صحة املقدّمات والنتيجة‪ .‬كيفام‬
‫كان ففي الصورة األوىل ال ميكن فرض معرفة ما هو بالقوة ليصري بالفعل من خالل توظيف امللزوم‬
‫والالزم‪ ،‬إاّلّ يف طول االعرتاف بالعالقة واملؤثريّة بينهام‪ .‬ويف الصورة الثانية ال ميكن كذلك فرض‬
‫معرفة ما هو بالقوة ليصري بالفعل لوال قاعدة عدم إمكان اجتامع املتناقضني‪ .‬ويف الصورة الثالثة ال‬
‫يل بعيدًا عن القول بوجود الكيل الطبيعي املبني أمره عىل تق ّوم األشياء‪ ،‬وتق ّوم‬
‫ميكن فرض حكم ك ّ‬
‫إاّل بعد فرض القوة والفعل الكتسابها ماهيات مع ّينة وكذا الصورتني املتبقيتني‪.‬‬
‫األشياء ال يكون ّ‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪191‬‬

‫بــأن العلم ُي ْق َتنَص‬


‫متقر ًرا بحســب التخييل ّ‬
‫‪2‌.‬ما خ ّيلــه املثال… وقد كان ّ‬
‫بطريق االستقراء ال غري‪.1...‬‬
‫(كل إنسان جسم)‪.‬‬ ‫فقولنا‪( :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل حيوان جسم) = ّ‬
‫بأن اجلسم ٌ‬
‫مقول عىل‬ ‫كل إنسان جسم تعني ّ‬ ‫فإن كل ّية النتيجة من ّ‬
‫وعىل هذا ّ‬
‫تنحل إىل مقول ّيته عىل ّ‬
‫كل أفراده‬ ‫كل إنسان ّ‬ ‫كل إنسان‪ ،‬ومقول ّية اجلسم عىل ّ‬ ‫ّ‬
‫وحممد والذين يم ّثلون أشخاص اجلواهر واملقول عليه‬ ‫ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫وعيل ّ‬‫ّ‬ ‫وعمر‬ ‫زيد‬
‫املحمول‪ ،‬وهذا لع ّله يستدعي النظر إىل الكلية عىل ّأهّنا كلية من قبيل القضية‬
‫اخلارجية الناظر فيها احلكم إىل األفراد اخلارجية بوساطة عنواهنا (فإشكال أيب‬
‫كيل من‬
‫أن حضور حكم الوامهة يف منعها النعقاد حكم ّ‬ ‫سعيد اخلري من ّبه عىل ّ‬
‫قديم القتضاء الطبيعة البرشية بوجود املامنعة بني حكم‬ ‫أمر ٌ‬ ‫األصل‪ ،‬إنّام هو ٌ‬
‫العقل وحكم الوهم املتأ ّثر بنشأته احلس ّية التعليمية)‪ ،‬فلو س ّلمنا بإشكال‬
‫بأن كربى قولنا‪ّ :‬‬
‫(كل‬ ‫االندراج الذي يسلط عليه أبو سعيد نظره‪ ،‬وقلنا ّ‬
‫حيوان جسم) تنحل إىل قولنا‪( :‬كل إنسان وغنم وبقر‪ ،‬و‪ ،)..‬فلنا ْ‬
‫أن نسأل أبا‬
‫كل إنسان حكمه كذا لوال علمنا بأفراده‪ ،‬ومن‬ ‫سعيد‪ِ ،‬من أين لنا العلم َّ‬
‫بأن ّ‬ ‫ٍ‬
‫ربا حتى نعطي العنوان هذه الكلية يف احلكم ؟!‬‫أن نحيط بأفراده خ ً‬ ‫أين لنا ْ‬
‫فاجلواب هنا سيبتني عىل منع لزوم استقراء مجيع األفراد؛ ّ‬
‫ألن لزوم‬
‫ٍ‬
‫ارتباط بني‬ ‫أمر يبتني عىل منع وجود حالة‬‫ورضورة استقراء مجيع األفراد ٌ‬
‫ِ‬
‫احلس لتعاقب وجودمها‪ ،‬هذا املوقف‬ ‫جهة رصد‬ ‫املحمول واملوضوع ّإاّل من ِ‬
‫املتضمن يف الوامهة ‪ -‬هو الذي يمنع‬
‫ّ‬ ‫احليّس السابق ‪ -‬امللتفت إليه أو‬
‫املعريف ّ‬
‫حارضا‬
‫ً‬ ‫من إطالق وانعقاد الكلية ّإاّل بعد حصول االستقراء‪ ،‬وهو ما كان‬
‫وفعل ًيا يف ذهن أيب سعيد‪ ،‬والذي أكّد الشيخ الرئيس أنّه أسبق للتخييل يف‬
‫حتصيله الكربى من غريه من الطرق‬
‫‪ .1‬مكاتبة ابن سينا وأبو سعيد الخري‪ ،‬ص ‪.٣‬‬
‫‪ | 192‬تاریخ علم املنطق‬

‫ذاتية بني املحمول واملوضوع؛‬ ‫ارتباط ٍ‬


‫ٍ‬ ‫أ ّما ملاذا يقوم عىل منع وجود حالة‬
‫صح فرضها واالعرتاف هبا‪ ،‬للزم اقتناص ما للموضوع‬ ‫ألن العالقة لو ّ‬‫ذلك ّ‬
‫من خاص ّية هي له بالذات‪ ،‬من خالل عملية التجريب‪ ،‬القائمة عىل مضمر‬
‫بأن الصدفة ال تكون دائمي ًة وال أكثر ّية‪ ،‬وعليه‬ ‫من الرأي البدهي القايض ّ‬
‫خشب حيرتق باحلرارة)‪ ،‬مل يكن رشط انعقادها‬ ‫ٍ‬ ‫(إن ّ‬
‫كل‬ ‫فلو انعقدت كربى ّ‬
‫ثم فقويل واخلشب يف بالد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كاملة ّ‬ ‫ٍ‬
‫لكل خشبة خشبة‪ ،‬من ّ‬ ‫رصد‬ ‫القيام بعملية‬
‫متضمنًا بالكربى بل هو علم جديد‪. 1‬‬‫ّ‬ ‫أسرتاليا حيرتق بالنار‪ ،‬ليس ً‬
‫قواًل‬
‫ٍ‬
‫استقراء‬ ‫كل كل ّية عىل حصول‬ ‫ِ‬
‫انعقاد كلية باملطلق أو ختييل توقف ّ‬ ‫فمن ُْع‬
‫لذا َ‬
‫موقف أبستمولوجي معريف‪ ،‬وما قام به الشيخ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل األفراد‪ ،‬مرجعه إىل‬‫تا ٍم ّ‬
‫الرئيس هو تنبيه أليب سعيد عىل كيفية حصول الكلية بني املحمول واملوضوع‪.‬‬
‫رشح كالم الشيخ الرئيس‬
‫أن ّ‬
‫كل‬ ‫قويل (العامل حادث) ما الذي أعرفه عن احلدوث؟ فإ ّما أنني أعلم ّ‬
‫متغرّي يقال إنّه حادث وإ ّما ال أعلم ذلك‪ ،‬فإذا كنت أعلم ذلك‬
‫ما كان يقال إنّه ّ‬
‫أن علمي بكون العامل حاد ًثا هو موجود من ّأول األمر‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن‬ ‫فهذا يعني ّ‬
‫كل مصداق من مصاديق ما هو‬ ‫متغرّي‪ ،‬أي ّ‬
‫ما يقال عليه إنّه حادث هو كل ّ‬
‫متغرّي‪ ،‬فعلمي بام أعلمه عن احلدوث‬
‫متغرّي‪ ،‬والعامل هو أحد مصاديق ما هو ّ‬‫ّ‬
‫تم حلاظ كيفية تشكّل الكربى‬‫وخصوصا إذا ّ‬
‫ً‬ ‫يستبطن العلم بحكم املوضوع‪،‬‬
‫كل جزئي جزئي ومصداق‬ ‫أن تكون ّإاّل بعد الوقوف عىل ّ‬ ‫التي ال يمكن ْ‬
‫وإاّل بطلت الكلية!‬‫مصداق‪ّ ،‬‬
‫‪ .1‬ومن هنا بنى الوضعيون إشكاالتهم‪ ،‬إذ ال ارتباط بني املحمول واملوضوع إاّلّ بنحوي ارتباط‪:‬‬
‫‪ -‬تحلييل‪ ،‬وهو تضمن املحمول يف ذات املوضوع املس ّمى عندنا بالذايت األويل‪ ،‬وهذا ليس‬
‫تعل ًّاًم كام ال يخفى بل هو تحليل إما لنفس املعنى وإ ّما للرمز عىل اختالف موقفهم من حقيقة‬
‫املعاين واملوجودات الذهنية‪.‬‬
‫يل يقيض بض ّم إحدى الصورتني الواردتني إىل األخرى‪ ،‬ومصحح الرتكيب‬ ‫‪ -‬تركيبي وهو ٌ‬
‫فعل عق ّ‬
‫تكويني يف مجهزية العقل كام عند كانط أو نفساين بحكم العادة كام عند هيوم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا أم ٌر‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪193‬‬

‫بعض املصاديق قد تكون مستحدث ًة فال تكون الكلية األوىل‬ ‫فإن قيل َّ‬
‫بأن َ‬ ‫ْ‬
‫تشملها عىل مستوى التعرف‪ ،‬بل عىل مستوى وحدة مناط احلكم‪ ،‬قلنا هذا‬
‫تعلاًم بل يوجب تعر ًفا عىل مصداق القاعدة‪.‬‬
‫ال يوجب ً‬
‫لكل املصاديق‪ ،‬فيكون‬ ‫أن تكون كلية الكربى شمولي ًة بالفعل ّ‬ ‫وعليه‪ ،‬فإما ْ‬
‫علاًم‬
‫علاًم جديدً ا‪ ،‬أي مل يفد القياس ً‬
‫احلاصل تذك ًّرا وتن ّب ًها‪ ،‬وليس احلاصل ً‬
‫أن تكون كلية الكربى شمولي ًة بالقوة لوحدة املناط‪ ،‬فيكون‬ ‫مل يكن‪ ،‬وإما ْ‬
‫احلاصل تعر ًفا عىل مصداق القاعدة‪ ،‬وعليه فليس ما حصل ً‬
‫علاًم جديدً ا‪.‬‬
‫سائاًل عن اإلنسان هل‪ ‬حيتاج إىل خالق أم ال؟ فأدرك ّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫فلو وقفت‬
‫ٍ‬
‫معقول‬ ‫ٍ‬
‫متضمنة يف تع ّقيل لإلنسان من حيث هو‬ ‫احلاجة إىل اخلالقية غري‬
‫أويل ومن حيث حلاظ حدّ ه أو رسمه‪ ،‬فليس إدراكي وتع ّقيل لإلنسان هو‬
‫ألن حيثيات ما أعقله عن اإلنسان متعددة‪،‬‬ ‫تع ّق ٌل للحاجة إىل اخلالق؛ وذلك ّ‬
‫ثانوي‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫معقول ّأويل وبعضها‬ ‫كسبي‪ ،‬وبعضها‬‫ّ‬ ‫رضوري وبعضها‬
‫ّ‬ ‫بعضها‬
‫وناطق‪ ،‬وتع ّقيل‬
‫ٌ‬ ‫متحرك باإلرادة‬
‫ّ‬ ‫فلسفي‪ ،‬فأعقل عن اإلنسان أنّه جسم وأنّه‬
‫قابل للكون والفساد؛ أي‬‫أن يقع ماد ًة عىل أنّه ٌ‬‫له من حيث هو جسم يمكن ْ‬
‫التغرّي‪ ،‬والتغرُّيُّ يعني الفعلية بعد القوة‪ ،‬أي الوجود بعد العدم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل فعيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫متضمنة يف حاجته إىل اخلالق‬ ‫أن معرفتي لإلنسان غري‬‫الحظ ّ‬
‫ٍ‬
‫معقول عن اإلنسان‪ ،‬لكن من‬ ‫التضمن حتتاج إىل حتصيل معنى‬ ‫بل فعلية‬
‫ّ‬
‫خاصة‪ ،‬وإدراكي للجسمية‬ ‫ٍ‬
‫حيث هو جسم‪ ،‬وليس من حيث هو ذو هوية ّ‬
‫وأن اجلسم جوهر يصيبه الكون والفساد‬ ‫وأنّه ٌ‬
‫قابل لالمتداد يف أبعاد ثالثة‪ّ ،‬‬
‫وأهّنام حيتاجان جلوهر ذي ٍ‬
‫مادة وصورة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫للتغرّي‬
‫َضم َن يف إدراكي ّ‬
‫متغرّي‪ ،‬وت ّ‬
‫َضم َن فيه بالقوة أنّه ّ‬
‫فإذا أدركت اجلسم‪ ،‬ت ّ‬
‫‪ | 194‬تاریخ علم املنطق‬

‫َضم َن يف الكون والفساد لزوم رجوع ما بالعرض إىل ما‬‫الكون والفساد‪ ،‬وت ّ‬
‫ٍ‬
‫معلول حيتاج إىل‬ ‫البنّي الثبوت والذي هو أن ّ‬
‫كل‬ ‫بالذات‪ ،‬ولوال ضميمة املبدأ ّ‬
‫ع ّلة‪ ،‬والتفايت ّ‬
‫بأن اإلنسان أحد مصاديق القاعدة ملا حصلت املعرفة‪.‬‬

‫وهذا معنى حصول التعليم‪ ،‬وهو عملية حتليل أطراف القضية وربط‬
‫أن تفهم ّ‬
‫أن‬ ‫طرف بمبدأ تصديقي ّبنّي سابق‪ ،‬فإذا فهمت هذا‪ ،‬فال بدّ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫كل‬
‫األولية ‪ -‬والتي هي املعقوالت الثانية الفلسفية عىل‬
‫حاكمية وعموم القضايا ّ‬
‫كل املاهيات وأحكامها‪ -‬جتعل من كون أحكام القضايا منظور ًة لألحكام‬ ‫ّ‬
‫األولية العامة واخلاصة‪.‬‬

‫معرفة حك ِم املوضوع والذي هو صغرى املطلوب‬ ‫ِ‬ ‫طلب‬ ‫وهذا ما جيعل‬


‫َ‬
‫عامة أولية غري ٍ‬
‫قابلة‬ ‫متضمنًا دائاًم يف الكربى‪ ،‬التي مرجع حتليلها إىل مبادئ ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ َّ‬
‫نحو جديدٌ من العلم بالكلية‪،‬‬
‫للتخصيص‪ ،‬وعليه فليس التعليم هو حصول ٌ‬
‫ٍ‬
‫سابق تم‬ ‫ٍ‬
‫خاص حتت مبدأ‬ ‫ٍ‬
‫مصداق‬ ‫لتضمن‬ ‫فعيل‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫إدراك ٌّ‬ ‫بل يف جانب منه‬
‫إدراكه بالبداهة‪ ،‬وأ ّما من يطالب بكون التعليم والتعلم أمرين ينتج عنهام‬
‫معلوم جديد بمعنى املباين حلكم الكربى‪ ،‬فهو يطلب تو ّلد األحكام عن‬
‫قضايا مباينة ال ربط ألطرافها بعضها ببعض‪ ،‬وهو خلف قانون العلية‬
‫واملناسبة‪ ،‬وليس من التع ّلم بيشء‪.‬‬
‫يوجب استحالة‬‫إن حمكومية كون التعليم والتع ّلم عن عل ٍم سابق‪ِ ،‬‬ ‫وبكلمة؛ ّ‬
‫وإاّل لب ُطل كونه عن عل ٍم ٍ‬
‫سابق‪ ،‬نعم من‬ ‫مغايرا بالكلية ّ‬ ‫ً‬ ‫املحصل‬
‫َّ‬ ‫كون املعلوم‬
‫مل َير حج ّية علمية للقضايا الفلسفية لن جيد طري ًقا لتحصيل العلم ّإاّل من‬
‫حصول بعد العدم ال عن عل ٍم سابق؛ ألنه ليس ً‬
‫تعلياًم‬ ‫ٌ‬ ‫احلس الذي هو‬ ‫خالل ّ‬
‫تعرف يؤول إىل الرتكيب‪ ،‬واملعرفة هنا ليست ّإاّل عملية التصاق‬ ‫وتعلاًم‪ ،‬بل ّ‬
‫ً‬
‫عادة‪ ،‬وبذلك يقول جون ديوي يف الفصل الثالث عرش حتت عنوان اتصال‬
‫جمرى احلكم القضايا العا ّمة‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪195‬‬

‫اضطر هيوم وهو الذي دفع تفتيت اخلربات اىل حدّ ه األقىص‬ ‫ّ‬ ‫«وقد‬
‫اضطر إىل إقامة مبدأ وهو مبدأ العادة ليوازن به تفتيته ملجرى اخلربة إىل‬ ‫ّ‬
‫أن يكون رب ًطا‬
‫ذرات منفصلة‪ ،‬بحيث يتسنّى له احلصول ولو عىل ما يشبه ْ‬
‫أن حيتفظ بذاتيته الواحدة فرتة من الزمن؛ إذ‬‫زمن ًّيا يضمن لليشء من األشياء ْ‬
‫بغري هذه العالقة الرابطة بني أجزاء اخلربة يستحيل قيام الذاكرة كام يستحيل‬
‫قائاًم‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫كل انطبا ٍع‬‫ألن ّ‬
‫التو ّقع ملا سيحدث مستقبال؛ ّ‬
‫منعزاًل ً‬ ‫جديد سيكون‬
‫وحده‪ ،‬تنقصه الصفة التي حتدّ د ذاتيته»‪. 1‬‬

‫مندرج حتت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مباين بل‬ ‫منتجا لعل ٍم مل يكن ‪ -‬غري‬
‫وعليه فالقياس ال يكون ً‬
‫عنوان الكربى‪ّ -‬إاّل إذا كان للمعقوالت الثانية الفلسفية قيم ٌة علمي ٌة ّ‬
‫وإاّل‬
‫لبقيت القضايا مفكّكة ال يصح ارتباط بعضها ببعض‪.‬‬

‫التف ّرد الثاين‪ :‬قياس املساواة‬


‫من هنا كان مدخل راسل وغريه من املناطقة يف عدّ املنطق األرسطي‬
‫فقريا يف اإلنتاج العلمي؛ وذلك لوجود بعض الصور االستنباطية الرياضية‬ ‫ً‬
‫التي ال تكون العالقة بني قضاياها اندراجية‪ ،‬يقول زكي نجيب حممود‪« :‬إنّه‬
‫أن نرى الفالسفة فيام قبل العرص األخري‪ ،‬ك ّلام تناولوا‬
‫ملا يلتفت إليه ح ًّقا ْ‬
‫املعاين الكلية بالبحث انرصف انتباههم إىل نوعني منها‪ ،‬مها أسامء الذوات‬
‫ثم الصفات‪ ،‬وأ ّما العالقات التي ترتبط بعضها ببعض‪ ،‬والتي تتم ّثل لغة يف‬
‫أحرف اجلر‪ ،‬ويف األفعال فلم تظفر بنصيب من التفكري‪ ...2‬فقد كان أرسطو‬
‫وأتباعه حيرصون انتباههم فيام أطلقوا عليه اسم القضية احلملية التي قوامها‬
‫ٍ‬
‫قضية‬ ‫األسايس موضوع وحممول‪ ،‬أي موصوف وصفته وكانوا يردون ّ‬
‫كل‬

‫‪ .1‬جون ديوي‪ ،‬املنطق نظرية البحث‪ ،‬ترجمة زيك نجيب محمود‪ ،‬ص ‪.٣٣٦ – ٣٣٥‬‬
‫‪ .2‬زيك نجيب محمود‪ ،‬املنطق الوضعي‪ ،‬ج ‪ ١‬ص ‪.١٤٩‬‬
‫‪ | 196‬تاریخ علم املنطق‬

‫مهام كانت صورهتا إىل هذا النوع الواحد الذي شغل أذهاهنم‪ ... 1‬ونظرة‬
‫تبنّي لك ّ‬
‫أن اليشء ال يتميز بصفاته فقط‪ ،‬بل يتميز بعالقته مع‬ ‫حتليلية يسرية ّ‬
‫خاص ًة بالتعبري عن عالقات‬
‫األشياء … وإنّك لتجد من ألفاظ اللغة ألفا ًظا ّ‬
‫األشياء بعضها ببعض‪ ،‬مثل فوق وحتت وإىل اليمني وإىل اليسار من ألفاظ‬
‫العالقات املكانية … ومثل يساوي وخيتلف عن»‪. 2‬‬

‫تبنّي لنا‬ ‫« وإذا علمنا من جهة أخرى ّ‬


‫أن مجيع األفعال ت َُّرد إىل فعل الوجود ّ‬
‫جمرد الربط بني املحمول واملوضوع فقط‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أن الرابطة مل تقترص وظيفتها عىل ّ‬
‫بل ّإهّنا مجعت بني جنس ونوع‪ ،‬وبذلك اختلط معنى احلمل املطلق بفكرة‬
‫عرّب‬
‫الوجود‪ ،‬فاملوضوع مندرج يف املحمول اندراج النوع يف اجلنس‪ ،‬وهو ما ُي ّ‬
‫إن ّ‬
‫كل قض ّية هي قض ّية اندراج ّية أو وجود ّية‬ ‫عنه بالقول ّ‬

‫ُعرِّب ‪ -‬أي احلدود ‪ -‬عن‬ ‫ٍ‬


‫منطق حدود ت ِّ‬ ‫منطق أرسطو َ‬ ‫بنا ًء عىل ذلك‪ ،‬كان ُ‬
‫التضمن‬ ‫ّ‬ ‫األمر عنده عند عالقة‬ ‫ُ‬ ‫رات كل ّي ٍة أساسها التجريد‪ ،‬ووقف‬ ‫تصو ٍ‬
‫ّ‬
‫دون غريها من العالقات الكثرية‪ ،‬فلم يذكر القضية اإلضافية التي توجد بني‬
‫إضافة مثل ‪( :‬أ) أكرب أو أصغر من (ب) أو (أ) يساوي (ب)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫طرفيها نسبة‬
‫وعىل العموم حيث نجد ألفا ًظا دا ّلة عىل املساواة أو عدمها‪ ،‬أو ألفا ًظا دا ّل ًة‬
‫تفاوت يف الدّ رجة‬ ‫ٍ‬ ‫تدل عىل‬ ‫علو التشابه (يشبه‪ ،‬خيتلف‪ ،‬يباين)‪ ،‬أو ألفا ًظا ّ‬
‫أفعااًل متعدّ ية (حيب‪ ،‬يأكل ‪ ،‬يزرع‬ ‫ً‬ ‫أبرد ِمن …) أو حيث نجد‬ ‫ِ‬
‫(أطول من‪َ ،‬‬
‫صورة من القض ّي ِة ختتلف عن‬ ‫ٍ‬ ‫…) والقضية اإلضاف ّية تلك تكشف عن‬
‫القض ّية احلملية‪ ،‬وال ُيمكن ر ّدها اىل محلية»‪. 3‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ١‬ص ‪.١٥٠‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ١‬ص‪.١٥١‬‬
‫‪ .3‬محمد عجوط‪ ،‬مساهمة ابن سينا يف تطوير املنطق‪ ،‬ص ‪.٥٥‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪197‬‬

‫بل يمكن لنا وبحسب دعواهم تشكيل قياس حده األوسط غري قائ ٍم‬
‫ٍ‬
‫مساو لـ (ب)‪ ،‬إ ًذا (أ)‬ ‫ٍ‬
‫مساو لـ (ج)‪ ،‬و(ج)‬ ‫عىل االندراج كام يف قولنا (أ)‬
‫مساو لـ (ب)‪ .‬فهنا مل يتكرر احلدّ األوسط‪ ،‬كام مل تكن النسبة هي االندراج‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫وبعبارة أخرى مل يكن لدينا يف املقام كربى‪،‬‬ ‫يف ربط املوضوع باملحمول‪،‬‬
‫متضمن ًة فيها بالقوة‪ ،‬وتكون موجب ًة لتنبه الذهن يف احتضاهنا‬
‫ّ‬ ‫تكون النتيجة‬
‫للمحمول مقولية أو تصاح ًبا أو تعاندً ا‪.‬‬

‫بأن قطع عىل ا ُملحدَ ثني‬


‫و هذان اإلشكاالن أبدع فيهام الشيخ الرئيس ْ‬
‫وخترصاهتم؛ فقد ظ ّن راسل ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫الرمزيني والوضعني طريق تشكيكاهتم‬
‫ذاكرا بعض األمثلة‬‫القياس األرسطي غري جامع ألشكال اهليئات اإلنتاجية ً‬
‫بعض املق ّلدة غري املح ّققني كالمه‬
‫معريف عظيم‪ ،‬ور ّدد ُ‬‫ّ‬ ‫ظنًّا منه أنّه قام ٍ‬
‫بفتح‬
‫أن الشيخ الرئيس قد أوضح هذا األمر وأزال اللبس‬ ‫عظياًم غري ّ‬
‫انتصارا ً‬
‫ً‬ ‫وعدوه‬
‫عنه‪ ،‬وذلك يف النهج السابع من اإلشارات يف اإلشارة إىل قياس املساواة‬
‫بقوله‪« :‬وإنّه ر ّبام عرف من أحكام املقدّ مات أشياء يسقط‪ ،‬و ُيبنى القياس‬
‫ٍ‬
‫مساو‬ ‫مساو لـ (ب)‪ ،‬و (ب)‬ ‫ٍ‬ ‫عىل صورة خمالفة للقياس مثل قوهلم‪ ( :‬ج)‬
‫ٍ‬
‫مساو‪،‬‬ ‫أن مساوي املساوي‬ ‫مساو لـ (ف)‪ ،‬فقد ُأ ْس ِقط عنه ّ‬
‫ٍ‬ ‫لـ (ف)‪ ،‬إ ًذا (ج)‬
‫وعدل بالقياس عن وجهه من وجوب الرشكة يف مجيع األوسط إىل وقوع‬
‫قياس له أشباه كثرية‪ ،‬كام يشتمل عىل املامثلة واملشاهبة‬ ‫الرشكة يف بعضه‪ ،‬هذا ٌ‬
‫وغريمها‪ ،‬وكقولنا اإلنسان من نطفة‪ ،‬والنطفة من العنارص‪ ،‬فاإلنسان من‬
‫العنارص‪ ،‬وكذلك اليشء يف اليشء يف اليشء‪ ،‬واليشء عىل اليشء عىل اليشء‬
‫وما جيري جمراها»‪. 1‬‬

‫يبنّي الدكتور حممد نارص يف معرض ر ّده عىل ا ُملحدَ ثني يف‬
‫ولتوضيح ذلك ّ‬

‫‪ .1‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬قسم املنطق‪ ،‬ص ‪.٢٧٩‬‬


‫‪ | 198‬تاریخ علم املنطق‬

‫نص الشيخ الرئيس‬ ‫فصل الكالم وأوضح مبهم ّ‬ ‫توهم إبطاهلم للقياس؛ إذ ّ‬ ‫ّ‬
‫أن االستدالل بالعالقات النسبية قيايس‪ ،‬فقال‪ « :‬وأ ّما ما هو موضع‬ ‫ببيان ّ‬
‫النقض املرتتّب عىل الفهم اخلاطئ‪ ،‬فهو كون القياس املذكور يف اإلشكال‬
‫مؤ ّل ًفا من قض ّيتني متساويتني‪ ،‬وهذا مضا ًفا إىل أنّه دخول يف تعيني ما ّدة‬
‫ألن معنى‬ ‫القياس‪ ،‬وليس حلا ًظا للقياس من حيث حمض صورته؛ وذلك ّ‬
‫أن ما ُيقال عليه (أ) يقال عليه عىل يمني (ب)‪،‬‬ ‫قولنا (أ) عىل يمني (ب) ّ‬
‫فقولنا ‪« :‬عىل يمني (ب)» بتاممه هو املحمول‪ ،‬وكذا معنى قولنا‪( « :‬ب)‬
‫كل منهام حمدّ ًدا من حيث املا ّدة‪،‬‬ ‫عىل يمني (ج)»‪ .‬وبالتايل يكون املحمول يف ّ‬
‫خمتل من حيث ضوابط‬ ‫فهو خروج عن اجلهة املبحوث فيها القياس‪ ،‬فهو ٌ‬
‫متكرر؛ ألنّه يف املقدمة األوىل عبارة عن (عىل‬ ‫ألن احلدّ األوسط غري ّ‬ ‫اهليأة؛ ّ‬
‫تكرر احلدّ‬ ‫يمني ب)‪ ،‬ويف املقدمة الثانية عبارة عن (ب)‪ ،‬وبالتايل فمع عدم ّ‬
‫ألن حدَّ القياس كونه مؤ َّل ًفا من مقدّ متني‬ ‫األوسط ال يصدق عليه أنّه قياس؛ ّ‬
‫ٍ‬
‫تكرر احلدّ األوسط‬ ‫متى ما س ّلمتا لزم عنه لذاته التسليم بقول آخر‪ ،‬فمع عدم ّ‬
‫انضمت إليه الرشوط األخرى‪ ،‬فال‬ ‫ّ‬ ‫الذي هو مناط االستلزام الذايت متى ما‬
‫يكون التسليم بالنتيجة ناش ًئا عن ذات اهليأة القياس ّية املذكورة‪ ،‬بل سبب‬
‫لثالث فهو‬‫ٍ‬ ‫يمني‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫مضمرة مفادها أنّه ّ‬‫ٍ‬ ‫ذلك العلم بقض ّي ٍة‬
‫يمني ليشء هو ٌ‬
‫أن يمني اليمني يمني‪ ،‬ولوال العلم هبذه القض ّية ملا كان‬ ‫يمني للثالث‪ ،‬أي ّ‬ ‫ٌ‬
‫إن كان من حيث‬ ‫سبياًل‪ ،‬ألنّه ْ‬
‫لالستنتاج من املقدّ متني املذكورتني للنتيجة ً‬
‫ألهّنا ال تفيد شي ًئا عن موقع‬ ‫خصوص األطراف أي (أ)‪ ،‬و(ب)‪ ،‬و(ج) فهو؛ ّ‬
‫األول‬
‫وإن كان من حيث خصوص كون الطرف ّ‬ ‫أي منها بالنسبة لآلخر‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬
‫عىل يمني الطرف الثاين الذي هو عىل يمني الطرف الثالث‪ ،‬فهذا عني القض ّية‬
‫متوسطة يف نظر العقل لالستنتاج‪. ...‬‬ ‫املضمرة لشدّ ة وضوحها‪ّ ،‬إاّل ّأهّنا ّ‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪199‬‬

‫املتضمن هلذه العالقات يكون مؤ َّل ًفا من ثالثة‬


‫ِّ‬ ‫أن القياس‬ ‫ومن هنا ُيع َلم ّ‬
‫حدود‪ ،‬فقولنا (أ) أكرب من (ب) مقدّ مة أوىل‪ ،‬و (ب) أكرب من (ج) مقدّ مة‬
‫ثانية‪ ،‬إذن (أ) أكرب من (ج) مضا ًفا إىل أنّه حلاظ للقياس من حيث املا ّدة‪ ،‬وهي‬
‫فإن (أكرب من ب) هي متام املحمول كام (أكرب من ج)‪ ،‬وليس أكرب حدًّ ا‬ ‫ِ‬
‫الك َرَب‪ّ ،‬‬
‫إن الدليل القيايس ما كان فيه ثالثة حدود‪ ،‬وهذا‬ ‫راب ًعا حتى ُيدا َفع بالقول‪ّ :‬‬
‫فيه أربعة فهو خارج عن القياس‪ ،‬فينربي براديل وهي ّلل له زكي نجيب حممود‬
‫طريق آخر‬‫ٍ‬ ‫اعرتاف من أنصار املنطق التقليدي بوجود‬
‫ٌ‬ ‫إىل القول ّ‬
‫بأن ذلك‬
‫أسسوه من انحصار طريق االستدالل به!‬ ‫غري القياس‪ ،‬وهو هد ٌم ملا ّ‬
‫فأواًل القياس نوعان … قياس اقرتاين واستثنائي‪ ،‬وثان ًيا مل ُيدَّ ع رضورة‬ ‫ً‬
‫أعم من أن تكون مفردات أو‬ ‫كون أطراف القض ّية اجلملية مفردات‪ ،‬بل ّ‬
‫اهلوة يف‬
‫تعبريا عن مدى ّ‬ ‫ً‬ ‫مركّبات تقييد ّية‪ ،‬فليس ما قاموا به من النقض ّإاّل‬
‫عقوهلم بينهم وبني فهم قواعد املنطق بالشكل السليم»‪. 1‬‬

‫ّ‬
‫التكرّث املعريف (برهان املالزمات)‬ ‫التف ّرد الثالث‪ :‬كيف ّية حصول‬
‫للعاّلمة الطباطبائي‪ ،‬واحلال ّ‬
‫بأن‬ ‫من االشتباهات نسبة برهان املالزمات ّ‬
‫متفردات ابن سينا‪ ،‬وقد كان‬ ‫برهان املالزمات واملعروف (بالشبيه باللم) من ّ‬
‫انعكاسات فلسفي ٌة وكالمي ٌة عىل الرؤية التوحيدية فتحت ً‬
‫فتحا معرف ًيا‬ ‫ٌ‬ ‫له‬
‫(اإلن واللم)‪،‬‬‫ّ‬ ‫بأن أرسطو وتب ًعا حلرصه الربهان بني‬‫مثمرا‪ ،‬فمن املعروف ّ‬
‫ً‬
‫مل يكن له االستدالل عىل اإلله ّإاّل بام يتناسب مع هذين اآللتني اإلثبات ّيتني‬
‫برهانًا‪ ،‬ولكن ِكال اآللتني تعتمدان عىل االنتقال بوساطتني واقعيتني‬
‫خارج ّيتني مها إ ّما العلة وإ ّما املعلول‪ ،‬والواجب ال علة له فانحرص الربهان‬
‫بتوسيط معلوله‪ ،‬فكان برهان احلركة الذي هو عمدة االستدالل األرسطي‬
‫‪ .1‬محمد نارص‪ ،‬نهج العقل‪ ،‬ص ‪.٢٨٧ – ٢٨٦ - ٢٨٥‬‬
‫‪ | 200‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن الشارح األكرب‪ -‬ابن‬‫تب ًعا حلرصه الربهان ضمن قسميه‪ ،‬ومن هنا ترى ّ‬
‫رشد ‪ -‬بقي مداف ًعا عن برهان احلركة وجعله يف س ّلم الرباهني عىل وجود‬
‫بأن برهان ّ‬
‫اإلن املعتمد عىل التصديق بوسط‬ ‫اهلل‪ ،‬هذا والشيخ الرئيس يرى ّ‬
‫ٌ‬
‫برهان فاسدٌ الستلزامه الدور‪ ،‬ونورد هنا كالم بعض األساتذة‬ ‫هو املعلول‬
‫من املعارصين‪ ،‬لسهولة عبارته ووضوحها‪ ،‬يف تشقيقه ألنواع الربهان‪ ،‬وبيان‬
‫ما يتم ّيز به برهان املالزمات عن غريه من أنواع الرباهني‪ ،‬وفساد الربهان‬
‫املعتمد عىل أوسط ّية املعلول‪:‬‬

‫يقول السيد يد اهلل يزدان پناه‪ :‬هناك جمموع ٌة من الربهان اإلن ّية ال تفيد‬
‫اللمي ‪ -‬وبعض‬ ‫َعمل يف الفلسفة؛ ّ‬
‫ألن أمه ّية الربهان ّ‬ ‫فإهّنا ال تُست َ‬
‫اليقني؛ ولذا ّ‬
‫ألهّنا براهني تفيد اليقني‪ ،‬واليقني‬‫الرباهني اإلن ّية ‪ -‬يف الفلسفة إنّام كانت ّ‬
‫اخلاصة به‪ ،‬وهذه الع ّلة قد تكون أحيانًا‬
‫ّ‬ ‫النفس أمري إنّام حيصل من ع ّلته‬
‫تصو َر مفاهيم موضوع وحممول القض ّية نفسه‪ ،‬وذلك طب ًعا بلحاظ ما حيكيانه‬ ‫ّ‬
‫مثل (الكل أكرب من اجلزء) فع ّلة اليقني يف األوليات مستبطن ٌة يف داخلها‪.‬‬

‫ومصح ٍح له يف‬ ‫ٍ‬


‫موجبة لليقني‪،‬‬ ‫وأ ّما التصديق بالنظريات‪ ،‬فالبدّ من ع ّل ٍة‬
‫ّ‬
‫األهم يف الربهان هو احلدّ‬
‫ّ‬ ‫نفس األمر‪ ،‬وهذه العلة هي الربهان‪ .‬والركن‬
‫تارة يكون ع ّل ًة للتصديق‪ ،‬وع ّل ًة يف نفس األمر‬ ‫األوسط‪ ،‬واحلدّ األوسط ً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫وحينئذ يكون الربهان ِّمِلِ ًيا‪ ،‬وتار ًة يكون ع ّل ًة للتصديق فقط‪،‬‬‫ٍ‬ ‫أيضا‪،‬‬
‫ً‬
‫يكون الربهان إ ّن ًيا‪.‬‬

‫ألن ع ّلة التصديق فيه هي الع ّلة اخلارجية‬


‫اللمي يفيد اليقني جز ًما؛ ّ‬
‫والربهان ّ‬
‫نفسها التي أوجدت االرتباط الواقعي بني األكرب واألصغر‪ ،‬فام دامت هذه‬
‫الع ّلة موجود ًة فاالرتباط بني األكرب واألصغر موجود … وأ ّما الربهان ّ‬
‫اإليّن‬
‫أن بعضها ال يفيد اليقني‪ ،‬ومن مجلة صوره‪:‬‬ ‫فله صور متعدّ دة‪ ،‬غري ّ‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪201‬‬

‫معلواًل لثبوت األصغر‪ ،‬وهذه الصورة هي املقصودة‬ ‫ً‬ ‫‪1‌.‬كون احلدّ األوسط‬
‫اإليّن ننتقل من املعلول اىل الع ّلة‪ ،‬وعادة‬
‫غال ًبا حينام يقال إنّنا يف الربهان ّ‬
‫حينئذ بـ(الدليل)‪ ،‬كام يف (أ) هي (ب)‪ ،‬بدليل (ج)‪،‬‬‫ٍ‬ ‫سمى الربهان‬ ‫ما ُي ّ‬
‫و (ج) معلول لكون (أ) هي ب‪.‬‬
‫‪2‌.‬كون احلدّ األوســط ‪ -‬ومــع ثبوت األكرب لألصغر ‪ -‬لــه نحو من (املع ّية‬
‫بالطبع) وهلذه املع ّية بالطبع أنواع‪:‬‬
‫ألف‪ :‬إحدى أنواع املع ّية بالطبع‪ ،‬املع ّية بني معلويل ع ّلة واحدة‪ .‬فلو‬
‫معلويَل الع ّلة عىل املعلول اآلخر نكون قد أقمنا برهانًا إ ّن ًيا‬
‫َ‬ ‫استدللنا بأحد‬
‫يكون للحدّ األوسط فيه مع ّي ٌة مع النتيجة‪ ،‬وهذا الربهان أحد أنواع (الربهان‬
‫اإليّن املطلق)‪.‬‬
‫ّ‬

‫باء‪ :‬النوع الثاين للمع ّية بالطبع‪( ،‬املع ّية باإلضافة)‪ ،‬فإذا كان (ج)‪ ،‬و(خ)‬
‫حينئذ جعل (ج) حدًّ ا أوسط‪ ،‬وإثبات (خ) وبالعكس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مضافني‪ ،‬فإنّه يمكن‬

‫جيم‪ :‬النوع الثالث للمع ّية بالطبع هي املع ّية بني اللوازم الذات ّية لليشء‪،‬‬
‫حينئذ جعل أحد الالزمني‬‫ٍ‬ ‫واحد الزمان بإتقان‪ ،‬فإنّه يمكن‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ليشء‬ ‫فإذا كان‬
‫حدًّ ا أوسط إلثبات الالزم اآلخر كنتيجة‪ ،‬إ ًذا ففي هذا النوع من الربهان ّ‬
‫اإليّن‬
‫املطلق يكون احلدّ األوسط واحلدّ األكرب من اللوازم الذاتية للحدّ األصغر‬

‫اإليّن‬ ‫ومن بني األنواع املذكورة ّ‬


‫فإن الصورة األخرية منها‪ ،‬أي الربهان ّ‬
‫املطلق عن طريق اللوازم‪ ،‬هو املفيد لليقني؛ ّ‬
‫ألن الصور األخرى ال تشتمل‬
‫عىل رشوط اليقني‪.‬‬
‫ٌ‬
‫معلول للنتيجة‪ ،‬وعىل‬ ‫إن الدليل ال يفيد اليقني؛ ّ‬
‫ألن احلدّ األوسط فيه‬ ‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫وكل ضاحكٍ‬
‫كل إنسان ضاحك‪ّ ،‬‬ ‫سبيل املثال انظروا إىل هذا االستدالل‪ّ :‬‬
‫‪ | 202‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٌ‬
‫معلول لناطق ّية‬ ‫إن الضحك ‪ -‬يف الواقع ‪-‬‬ ‫ناطق‪ ،‬إ ًذا ّ‬
‫فكل إنسان ناطق‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫دليل‬ ‫فبأي‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬والسؤال هنا عن كيف ّية حصول اليقني بالصغرى؟‬
‫وكل إنسان‬ ‫ألن ع ّلة الضحك هي النطق‪ّ ،‬‬ ‫يكون ّ‬
‫كل إنسان ضاحكًا؟ إذا قيل ّ‬
‫فكل إنسان ضاحك‪ ،‬نجيب‪ :‬إ ًذا فالعلم بالنتيجة كان موجو ًدا من‬‫ناطق‪ ،‬إ ًذا ّ‬
‫قبل‪ ،‬وعليه يكون هذا االستدالل بال فائدة‪ ،‬ومن دون العلم بالع ّلة ال يمكن‬
‫حتصيل اليقني بالصغرى‪.‬‬

‫احلس‪ ،‬فيأيت اجلواب‪:‬‬‫بأن اليقني قد حصل من طريق ّ‬ ‫أن ُيقال ّ‬


‫ويمكن ْ‬
‫احلس فقط‪ ،‬ولن‬ ‫حينئذ سوف تكون الصغرى يقيني ًة يف حدود ما أدركه‬‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ينتف إمكان خالفها وعليه فلن تتح ّقق الكل ّية‪ ،‬وبذلك لن حيصل اليقني‬ ‫ِ‬
‫الدائم؛ إذ العقل حيتمل وجو َد إنسان ليس ضاحكًا‪ ،‬وهلذا يقول ابن سينا ّ‬
‫بأن‬
‫العلم اليقيني بذوات األسباب ال يكون ّإاّل من طريق أسباهبا‪.‬‬

‫اإليّن الذي‬
‫وبنا ًء عليه فاإلشكال الذي يطرحه ابن سينا عىل يقين ّية الربهان ّ‬
‫رب ٍر ليقين ّية الصغرى‪ ،‬سوى‬
‫مصح ٍح وم ِّ‬
‫ّ‬ ‫يكون من نوع الدليل هو فقدان أي‬
‫أن يتم إثباهتا هبذا الربهان…‪. 1‬‬‫ع ّلتها التي من املفرتض ْ‬

‫فيتعرض ملع ّية األوسط‬


‫اإليّن ّ‬
‫ويستمر املصنّف باستعراض أقسام الربهان ّ‬
‫بالطبع التي هي من قبيل معية معلول ملعلول مثله مع كوهنام لعلة‪ ،‬ومعية‬
‫ٍ‬
‫إنتاجية منهام‪.2‬‬ ‫ٍ‬
‫فائدة‬ ‫اإلضافة‪ ،‬وعدم وجود‬

‫مصحح اإلثبات اليقيني يف قسم األوسط الذي تكون‬


‫ّ‬ ‫يتعرض لذكر‬
‫ثم ّ‬
‫معيته من باب الالزم‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫‪ .1‬يد الله يزدان بناه‪ ،‬تأمالتٌ يف فلسفة الفلسفة اإلسالميّة ص ‪.٢١٥-٢١٤-٢١٣- ٢١٢ -٢١١‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.٢١٧ -٢١٦ - ٢١٥‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪203‬‬

‫الربهان ّ‬
‫اإليّن عن طريق اللوازم‬
‫اإليّن املطلق من طريق اللوازم‪ ،‬يكون األكرب الز ًما ذات ًيا‬ ‫يف االستدالل ّ‬
‫البنّي هو لزوم األوسط لألصغر‪،‬‬ ‫لألصغر‪ ،‬غري ّ‬
‫أن هذا اللزوم ليس ب ّينًا‪ ،‬إنّام ّ‬
‫فمثاًل (أ) هلا عالقة ذاتية نفس أمر ّية بـ (ب)‪ ،‬أي ّ‬
‫إن‬ ‫ولزوم األكرب لألوساط‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫لسبب‬ ‫ٌ‬
‫معلول‬ ‫أن ثبوت (ب) لـ (أ)‬ ‫(ب) تُستنتَج من (أ)‪ ،‬ال ّ‬

‫أيضا هلا مع (ب) العالقة نفسها‪ ،‬وهنا يكون اليقني بالصغرى‬ ‫و (ج) ً‬
‫والكربى ليس متو ّق ًفا عىل العلم بالسبب‪ ،‬وإنّام يكون اليقني بالصغرى‬
‫والكربى ليس متو ّق ًفا عىل العلم بالسبب‪ ،‬وإنّام سبب هذا اليقني هو ذات‬
‫األصغر واألوسط‪ ،‬وعىل هذا يمكن االستنتاج بشكل يقيني ّ‬
‫أن (ج) الز ٌم‬
‫يت لـ (أ)‪.1‬‬
‫ذا ّ‬
‫رس االعتامد عىل برهان املالزمات يف‬ ‫ً‬
‫تفصياًل يف ّ‬ ‫ثم يذكر السيد يزدن بناه‬
‫بحوث الفلسفة ويذكر شواهد وكلامت للشيخ الرئيس من كتبه يف احلاشية‬
‫عىل املطلب‪ . 2‬قال الشيخ يف برهان الشفاء‪« :‬فإن كان األكرب لألصغر ال‬
‫بسبب ‪ ،‬بل لذاته ‪ ،‬لكنَّه ليس ِّبنِّي الوجود له‪ ،‬واألوسط كذلك لألصغر‪،‬‬
‫ّإاّل أنّه ِّبنِّي الوجود لألصغر‪ ،‬ثم األكرب ِّبنِّي الوجود لألوسط ‪ ،‬فينعقد برهان‬
‫إن ليس برهان ِمِلْ»‪.3‬‬
‫يقيني ‪ ،‬ويكون برهان ْ‬

‫وقد ط ّبق الشيخ يف إشاراته هذا القسم من الربهان يف اإلهليات ً‬


‫قائاًل‪« :‬‬
‫األول ووحدانيته وبراءته عن الصامت إىل‬
‫تأ ّمل كيف مل حيتج بياننا لثبوت ّ‬
‫اعتبار ِمن خلقه وفعله‪ْ ،‬‬
‫وإن كان ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫تأ ّم ٍل لغري نفس الوجود‪ ،‬ومل حيتج إىل‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.٢١٧‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.٢١٨ – ٢١٧‬‬
‫‪ .3‬ابن سينا ‪ ،‬الشفاء‪ ،‬ج‪ ٣‬ص ‪.١٨٦‬‬
‫‪ | 204‬تاریخ علم املنطق‬

‫دلياًل عليه‪ ،‬لك ّن هذا الباب أوثق وأرشف‪ ،‬أي إذا اعتربنا حال الوجود فشهد‬ ‫ً‬
‫به الوجود من حيث هو وجود‪ ،‬وهو يشهد بعد ذلك عىل سائر ما بعده يف‬
‫َ ُ‬
‫اآلفاق ويف‬
‫ِ‬ ‫الواجب‪ ،‬إىل مثل هذا ُأشري يف الكتاب اإلهلي‪﴿ :‬سرُنيهم آيات ِنا يف‬
‫إن هذا حكم لقو ٍم‪ ،‬ثم يقول‪﴿ :‬أَ َولَمْ‬ ‫احلق﴾‪ .‬أقول‪ّ :‬‬‫َّ ُ ُّ‬ ‫ىَّتَّ نَّيَّ‬
‫أنفسهم ح يتب َ لهم أنه‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ‬
‫حكم للصديقني الذين‬ ‫يد﴾‪ .‬أقول‪ّ :‬‬
‫إن هذا‬ ‫ك أن ُه ىَلَع لُك ْ‬
‫يَش ٍء ش ِه‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫يك ِف بِرب ِ‬
‫يستشهدون به‪ ،‬ال عليه»‪. 1‬‬

‫وال يمكن جعل الوجود وس ًطا ثبوت ًّيا خارج ًيا بالنسبة ألعيان املوجودات؛‬
‫األويل‪ ،‬واملعقول‬
‫أن نسبته إليها نسبة املعقول الثاين الفلسفي إىل املعقول ّ‬ ‫ذلك ّ‬
‫ً‬
‫معقواًل‬ ‫يصح وقوعه حدًّ ا للامهيات‪ ،‬وليس‬ ‫الفلسفي ال يدخل يف قوامه فال ّ‬
‫أواًل فال يمكن وقوعه ع ّل ًة من العلل الثبوت ّية‪ ،‬هذا بالنسبة للممكنات‬ ‫ً‬
‫املاهوية‪ ،‬بل أقول ليست املاهيات ماهيات ّإاّل يف طول حلاظ العقل هلا‬
‫أعقله‬‫أعقل اإلنسان ِ‬
‫معقولة بمنظار فلسفي‪ ،‬وكذا مجيع املوجودات‪ ،‬فعندما ِ‬
‫جوهرا له أعراض‪ ،‬وتع ّقل اإلنسان من حيث‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫مشخ ًصا‬ ‫موجو ًدا ممكنًا واحدً ا‬
‫وإاّل‬ ‫ٍ‬
‫استعداد وقابلية‪ّ ،‬‬ ‫ناطق مأخو ٌذ فيه تع ّقلنا له من حيث هو ذو‬ ‫ٌ‬
‫حيوان ٌ‬ ‫هو‬
‫ُأبطلت احلدود؛ ومن هنا صار الوجود طر ًفا إثباتًا واقع ًيا دون كونه خارج ًيا؛‬
‫ليس ع ّلة؛ لعدم‬
‫إذ اخلارج الثبويت للعلل‪ ،‬وعليه فالوجود بالنسبة للباري ّ‬
‫ختص ًصا‪ ،‬وللنكتة نفسها ال يمكن وقوعه‬ ‫صحة وقوع الوجود ع ّل ًة وخروجه ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫معلواًل‪ ،‬كذا ليس الوجود ههنا اعتبار ًيا‪ ،‬إذ املراد منه التح ّقق‪ ،‬وملا كان‬
‫ينفك عن متح ّقق‪ ،‬وكان للمتح ّقق أنحاء كان النظر يف الوجود‬ ‫التح ّقق ال ّ‬
‫جوهر وإما عرض إ ّما واحدٌ وإ ّما كثري‪ ،‬فكان هذا‬
‫ٌ‬ ‫وأنّه ممك ٌن أو واجب‪ ،‬وإما‬
‫التك ّثر املعريف من خالل شهود العقل ملعنى الوجود نفسه وحتليله‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا ‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ٣‬ص ‪.٥٥ ،٥٤‬‬


‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪205‬‬

‫التف ّرد الرابع‪ :‬تعريف الفكر‬


‫الفكر عند ابن سينا كام جاء يف إشاراته هو حركة الفكر من املبادئ إىل‬
‫ا َملطالب‪ ،‬وذلك قوله «وأعني بالفكر ههنا ما يكون عند إمجاع اإلنسان من‬
‫ٍ‬
‫حارضة يف ذهنه متصورة‪ ،‬أو مصدَّ ق هبا تصدي ًقا علم ًيا أو‬ ‫أن ينتقل من ٍ‬
‫أمور‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫حارضة فيه‪ ،‬وهذا االنتقال ال خيلو من ترتيب‬ ‫وتسلياًم‪ 1‬إىل ٍ‬
‫أمور غري‬ ‫وضع ًيا‪،‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪ « :‬فاملنطق علم يتعلم فيه رضوب‬
‫يترصف فيه ‪ -‬وهيأة»‪ . 2‬وقال ً‬
‫‪ -‬فيام ّ‬
‫ٍ‬
‫حاصلة يف ذهن اإلنسان إىل أمور مستحصلة » ‪. 3‬‬ ‫االنتقاالت من ٍ‬
‫أمور‬

‫إن‬‫متفردات الشيخ الرئيس يف تعريف الفكر‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ويمكن عدّ ذلك من ّ‬


‫املشهور قد جعل الفكر جمموع حركتني‪ -1 :‬احلركة األوىل من ا َملطالب إىل‬
‫املبادئ‪ -2 ،‬واحلركة الثانية من املبادئ إىل ا َملطالب‪ .‬وصناعة املنطق عاصم ٌة‬
‫ٍ‬
‫اختيار وإرادة‪ ،‬لك ّن الشيخ‬ ‫للذهن يف هاتني احلركتني الواقعتني منه عن‬
‫جنوح من الشيخ الرئيس إىل اختزال‬‫ٌ‬ ‫خص الفكر باحلركة الثانية‪ ،‬فهل يف هذا‬
‫ّ‬
‫أن هناك نكتة‬ ‫املنطق وآلِ ّيتِه وعصمتِه يف جانب الصوري دون املادي منه؟ أم ّ‬
‫أخرى وراء ذلك؟!‬

‫ّهم يف صوريته وعدم اهتاممه باجلانب‬ ‫وغري خفي ّ‬


‫بأن املنطق األرسطي مت ٌ‬
‫املادي‪ ،‬وهذا قد يكشف عن عمق املشكلة التي نعانيها مع ٍ‬
‫كثري من املث ّقفني‬
‫وبعض أهل االختصاص يف قراءهتم للمنطق‪ ،‬بل وأصل فهمهم لعنوان‬

‫‪ .1‬هذا ما سيكون شاهدًا عىل ع ّد املنطق صوريًا عند الشيخ الرئيس يف بعض معاين الصورة أو‬
‫نفي املادة‪ ،‬إذ جعل شغل املنطق يف مساح ٍة واقع ٍة بعد املرحلة التجميعية‪ ،‬فالفكر املعني يف‬
‫تخصها من حيث كونها‬
‫ّ‬ ‫رسم كربياته املنطق يكون بني طريف االنتقال من أمو ٍر حارض ٍة لها صفات‬
‫متصور ًة أو مص ّدقًا بها إىل أمو ٍر غري حارضة‪ ،‬ولنا شواهد نسوقها يف محلها من الكالم‬
‫‪ .2‬ابن سينا ‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،١‬ص ‪.١١٩‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ،١‬ص ‪.١٢٧‬‬
‫‪ | 206‬تاریخ علم املنطق‬

‫املادية والصورية الناعتة ملباحث املنطق‪ّ ،‬‬


‫ولعل هذا النص ممّا قد يعدّ ه بعضهم‬
‫مكر ًسا ملقول ّية صوريته أكثر يف أذهان أصحاب هذا الرأي ومن يميلون إليه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫حمل نظر املنطقي من حركات الفكر الواقعة باإلرادة‬ ‫أن َّ‬ ‫نص الشيخ َّ‬ ‫حيث َّ‬
‫جانب اهليأة وترتيب الفكر‪ ،‬لك ّن الشواهد عىل ماد ّية املنطق‪ ،‬وعدم كونه‬
‫مسكة‪ ،‬ومن له أدنى إ ّطالع‪ ،‬بل ليست‬‫ٍ‬ ‫أن ختفى عىل ذي‬ ‫صور ًّيا ممّا ال ينبغي ْ‬
‫مباحث املنطق مفصول ًة بني صور ّية وماد ّية‪ ،‬إنّام هي متداخلة‪ ،‬نعم تداخلها‬
‫ال يعني عدم فصلها بجعل بعض املباحث يظهر فيها أحد اجلانبني عىل‬
‫فمثاًل مباحث النسب األربعة قائم ٌة عىل حلاظ كون التساوي من‬ ‫اآلخر‪ً ،‬‬
‫عالقة ما صدق بني مفهومني ومعقولني‪ ،‬فالضاحك واملتعجب‬ ‫ِ‬ ‫حيث وجود‬
‫مفهومان متغايران لكن النسبة بينهام التساوي‪ ،‬وهذا ال يكون لوال فرضنا‬
‫سابق بقانون العلية بني املتعجب‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الراجعة إىل التزا ٍم‬ ‫ِ‬
‫عالقة تالز ٍم‪،‬‬ ‫وجو َد‬
‫كل األقسام الباقية‪ ،‬فالنسب‬‫وبني اإلنسان وكذا بني الضاحك واإلنسان‪ ،‬كذا ّ‬
‫األربعة قائم ٌة عىل الفراغ من بعض املبادئ املادية‪ ،‬كذا يف احلدّ والرسم‬
‫فإن هذه املباحث قائم ٌة عىل فرض وجود الكيل الطبيعي وأقسامه‬ ‫والتقسيم ّ‬
‫أن مباحث الربهان والتي هي‬ ‫من جنس وفصل ونوع وخاصة وعرض‪ ،‬كام ّ‬
‫أساس تشكّالت وتبديات البحث املادي إنّام وقعت بالنسبة ملسائل علم‬
‫أحصل اليقني األخص املطلوب البدّ من‬ ‫املنطق موقع الغاية والثمرة‪ ،‬فحتى ّ‬
‫فرض عالقة ما بالذات وما بالعرض وسبيل التمييز بينهام‪ ،‬وبالتايل سيقت‬
‫كل املباحث السابقة عليها ألجلها دون العكس‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪207‬‬

‫ما ّدة املنطق بني املايض والحارض‬


‫إن هذا املعنى من املادية ليس هو املنفي يف كلامت بعض القائلني بصوريته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بل املنفي هو النظر إىل مضمون التعاريف والقضايا العلم ّية اجلزئ ّية‪ ،‬فاملنطق‬
‫ليس معن ًيا بالبحث عن خصوص آثار بعض طعوم الكورونا‪ ،‬وأنّه هل‬
‫أثر إجيايب يف شفاء الناس أو ال‪ ،‬بل ما يعني املنطقي هو بيان كربيات‬ ‫هلا ٌ‬
‫اخلطوات الفكرية العاصمة للذهن عن اخلطأ يف أثناء قيامه هبا‪ ،‬وأ ّما احلديث‬
‫العامَل وحقيقة التغيري وما بالذات لألدوية فهو من شؤون‬ ‫َ‬ ‫عن خصائص‬
‫املجرد للمواد‬
‫ّ‬ ‫الرصد احليس البسيط أو احليس املركب التجريبي أو العقيل‬
‫نظري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بدهيي وبعضها‬
‫ٌّ‬ ‫اخلارجية التي بعضها أويل وبعضها ثانوي‪ ،‬بعضها‬
‫العامِل املخصوص يف ذلك العلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأن حتقيق حال النظري منها عىل عهدة‬ ‫ّ‬
‫والتي ال ُشغل للمنطقي هبا بذاهتا‪ ،‬بل شغل املنطقي ال يعدو بام له من شأن ّية‬
‫خاص ٍة من‬ ‫ٍ‬
‫بأن املنطقي ال شغل له بلغة ّ‬ ‫يتفرع عليه ّ‬ ‫انطباق قواعده عليها‪ ،‬كذا ّ‬
‫علم‬
‫اللغات املحكية لشعب من الشعوب‪ ،‬فالصورة هنا تنعت املنطق بام هو ٌ‬
‫رمزي‪ ،‬وهذا املعنى من صور ّية املنطق ال مشكلة فيه‪ ،‬وال أعتقد أنّه ينبغي‬
‫أحد يريد من نظر املنطق إىل اجلانب‬ ‫حمل تناز ٍع وخالف‪ ،‬فليس من ٍ‬ ‫عدّ ه ّ‬
‫ناظرا إىل العناية بتحقيق مصاديق وجزئيات العلوم‪ّ ،‬‬
‫وإاّل للزم‬ ‫املادي كونه ً‬
‫أن يكوهنا‬ ‫خارجا عنها‪ْ ،‬‬ ‫ً‬ ‫أن يكون املنطق يف عني كونه آل ًة العلوم الالزم كونه‬ ‫ْ‬
‫بدهيي الفساد وظاهره‪ ،‬وهبذا يقول السيد حممد باقر الصدر‬ ‫ٌ‬ ‫بأمجعها‪ ،‬وهو‬
‫يف إحدى حمارضاته املجموعة يف كتاب حتت عنوان حمارضات تأسيس ّية ّ‬
‫«إن‬
‫لحظ من حيث موا ّده‪ ،‬و ُأخرى من‬ ‫الفكر من وجهة نظر املنطق العقيل تار ًة ُي َ‬
‫التغرُّي) ما ّدتان من‬
‫ُّ‬ ‫تغرِّي)‪ ،‬و(وحدوث‬ ‫َ‬
‫(العامَل ُم ِّ‬ ‫حيث صورته‪ :‬ففي قولنا‪:‬‬
‫لحظ صدقهام أو كذهبام يف مقام حكايتهام عن اخلارج‪.‬‬ ‫مواد الفكر البرشي‪ ،‬ف ُي َ‬
‫وتار ًة أخرى ال ُي ْل َحظ صدق املواد أو كذهبا وإنّام ُت ْل َحظ صورة الفكر‪ّ ،‬‬
‫ويتم‬
‫‪ | 208‬تاریخ علم املنطق‬

‫املفصالت باملبهامت‪ ،‬تبديل مجيع املواد بالرموز‪،‬‬


‫ذلك من خالل تبديل مجيع ّ‬
‫وذلك عرب قطع النظر عن خصوص ّية املادة وأفضل طريقة لتحقيق ذلك‬
‫َ‬
‫(العامَل)‪ ،‬و(التغيري)‪ ،‬و(احلدوث)‪ ،‬ونأيت يف مقابل ذلك‬ ‫تتأتّى عرب إمهال ذكر‬
‫يتصورها العقل‪ ،‬فنقول‬‫ّ‬ ‫بالرموز التي تتناسب مع ّ‬
‫كل ما ّدة من املواد التي‬
‫(أ)‪ ،‬و(ب) هو (ج) إذن (أ) هو (ج)…‬

‫يبق من الفكر ّإاّل صورته وشكله‪ ،‬أ ّما‬ ‫ونالحظ يف هذه احلالة أنّه مل َ‬
‫مضمونه فلم يعد موجو ًدا؛ ألنّه ال ُمطا َبق له يف عامل اخلارج‪ ،‬ولكنّه يف نفس‬
‫وكل‬‫متغرّي‪ّ ،‬‬
‫الوقت احتفظ بالصورة نفسها التي كانت موجود ًة يف قولنا العامل ّ‬
‫متغرّي حادث‪ ،‬فالعامل حادث‪ ،‬فهاتان الصورتان متطابقتان من حيث اإلجياب‬ ‫ّ‬
‫والسلب‪ ،‬ومن حيث الكلية واجلزئية‪ ،‬ومن حيث الرشطية واحلملية إىل غري‬
‫أن إحدامها صيغت عىل‬ ‫ذلك من اجلهات املقوالت املنطقية… غاية األمر ّ‬
‫أساس الرموز‪ ،‬واألخرى عىل أساس املواد اخلارجية …‬

‫ألن بعض املواد ال حاجة‬ ‫وعليه‪ :‬فاملواد ال تقع ضمن وظيفة علم املنطق؛ ّ‬
‫تتوزع عىل‬
‫إىل البحث فيها‪ ،‬باعتبارها ّأولية كام قلنا واملواد األخرى الثانوية ّ‬
‫ٍ‬
‫عالية‬ ‫فروع املعرفة البرشية والتي تنقسم بحسب ترتيب القدماء هلا إىل علو ٍم‬
‫ٍ‬
‫وسافلة»‪. 1‬‬ ‫ومتوس ٍ‬
‫طة‬ ‫ّ‬
‫وال إشكال يف هذا النحو من الصور ّية عىل ظاهر األمر‪ ،‬وإن كنّا سنرجع‬
‫ونبنّي عمقه يف تعرضنا إىل معنى آخر من الصورية قد تُفهم من‬
‫إىل كالمه ‪ّ ،‬‬
‫أن نشري‬ ‫وحماًل فيه‪ ،‬ولكن ا ُمل ّ‬
‫هم عندنا اآلن ْ‬ ‫بعض عباراته‪ ،‬وجتد هلا مصدا ًقا ً‬
‫التفرد السينوي‪.‬‬
‫مهتنا ببيان مواطن ّ‬‫إىل معقد ما عكفنا عليه ّ‬

‫‪ .1‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬محارضات تأسيس ّية ‪ ،‬ص ‪.٤٣ ،٤٢‬‬


‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪209‬‬

‫التف ّرد الخامس‪ :‬الصور ّية ولغة الرتميز العلمي التكميمي‬


‫شق طريقه الشيخ‬ ‫يعد التبدّ ي ل َفهم الصورية يف مباحث املنطق ممّا ّ‬
‫الرئيس يف متهيده للمنطق الريايض القائم عىل استعامل اللغة املصطنعة دون‬
‫اللغة املحك ّية إلمكان ضبط املعاين ومراداهتا‪ ،‬وقد ظهر ذلك يف أكثر من‬
‫موضع‪ ،‬وكانت عمدة ظهوره يف سياق حديثه عن عالقة اللغة باملطالب‬
‫أمر تدعو إليه الرضورة‪ ،‬وليس‬ ‫املنطقية يقول‪« :‬وأ ّما النظر يف األلفاظ فهو ٌ‬
‫للمنطقي من حيث هو منطقي شغل ّأول باأللفاظ ّإاّل من جهة املخاطبة‬
‫واملحاورة‪ ،‬ولو أمكن أن يتع ّلم املنطق بفكرة ساذجة‪ ،‬إنّام ت َ‬
‫ُلحظ فيها املعاين‬
‫وحدها‪ ،‬لكان ذلك كاف ًيا‪ ،‬ولو أمكن أن ي ّطلع املحاور عىل ما يف نفسه بحيلة‬
‫أو أخرى‪ ،‬لكان ذلك يغني عن اللفظ البتّة»‪. 1‬‬

‫وإن كانت له فوائد عرضية عديدة‪ ،‬والتي منها رفضه لتو ّلد‬ ‫فقوله هذا ْ‬
‫املعاين من اللغات وتعدّ دها بحسبها‪ ،‬والتي قاد لواءها فتجنشتني يف مرحلته‬
‫ٌ‬
‫مدلول إال‬ ‫الفكرية الثانية‪ ،‬أو القول بمركزية اللغة وأنّه ليس وراء اللغة‬
‫تراكيبها‪ ،‬وهاتان نزعتان اسميتان موجودتان عىل مستوى فلسفة اللغة‬
‫تعريضا‪ّ ،‬إاّل‬
‫ً‬ ‫وطبيعة عالقتها مع الواقع‪ ،‬وهذا قد ُيعدّ من مبتكرات الشيخ‬
‫ٍ‬
‫متعال يف ذاته عن اللغات‪،‬‬ ‫أن الكالم يف إشارة الشيخ املهمة إىل ّ‬
‫أن املنطق‬ ‫ّ‬
‫وهبذا يعرض ببعض النحاة الذين قاموا بعملية ٍ‬
‫قرن بني اللغة اليونانية‬ ‫ّ‬
‫واملنطق األرسطي‪ ،‬بنحو نفوا صلوحه يف صريورته قواعد برشية‪ ،‬فجعلوه‬
‫ٍ‬
‫وانتامء خمصوص‪ ،‬لك ّن املنطق عند الشيخ شأنه شان القواعد‬ ‫ٍ‬
‫ولون‬ ‫ذا طع ٍم‬
‫لفظ يف‬‫معقوالت نعرّب عنها بوساطة اللفظ‪ ،‬وليس ألي ٍ‬ ‫الرياضية‪ ،‬فقواعده‬
‫ّ‬ ‫ٌ ّ‬
‫نفسه خصوصية‪ ،‬وعالقته باملعقوالت عرضية‪ ،‬بل يمكن جتاوز األلفاظ لو‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬ج ‪ ١‬ص ‪.٨‬‬


‫‪ | 210‬تاریخ علم املنطق‬

‫حضورا‬
‫ً‬ ‫أمكن ‪ -‬لوال عالقة االقرتان بينهام التي جتعل حضور الواحد منهام‬
‫لآلخر ‪ -‬إىل التعاطي مع املعقول نفسه‪ ،‬وهذا ما عناه بقوله ولو أمكن ْ‬
‫أن‬
‫عرُس ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ساذجة إنّام تلحظ فيها املعاين وحدها‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يتع ّلم املنطق‬
‫وإن ُ‬ ‫بفكرة‬
‫ٍ‬
‫وساطة من‬ ‫كام هو واضح فال أقل ْ‬
‫أن يقوم باالطالع عىل ما يف نفسه بإجياد‬
‫غري األلفاظ املعهودة‪ ،‬وذلك باستعامل احلروف‪ ،‬وقد أكثر الشيخ يف منطق‬
‫املرشقيني استعامل الرموز اهلجائية ولنأخذ شاهدً ا دون إكثار قال ‪:‬‬

‫أن ما يوصف‬ ‫يف حتقيق املوضوع يف احلميل « إذا قلت (ب ج) فمعناه ّ‬


‫فرض أنّه (ب) سواء كان موجو ًدا أو ليس بموجود‪ ،‬ممكن‬ ‫بأنّه (ب)‪ ،‬و ُي َ‬
‫الوجود أو ممتنع الوجود بعد أن ُجُي َعل موصو ًفا بالفعل أنّه (ب) … واعلم‬
‫أن املوضوع قد يكون مفر ًدا مثل اإلنسان وقد يكون مؤ ّل ًفا احليوان الناطق‬ ‫ّ‬
‫قوة املفرد‪ ،‬ومن املؤ ّلفات ما يكون‬‫قوته ّ‬
‫مائت وإنّام يكون كذلك إذا كانت ّ‬
‫فإن لك ْ‬
‫أن تضع‬ ‫جز ٌء منه حر ًفا يف مثل قولك (غري بصري)‪ ،‬أو(ال بصري)‪ّ ،‬‬
‫أن جتعله حمكو ًما عليه باإلجياب‬ ‫بدله لف ًظا مفر ًدا كـ(األعمى )‪ ،‬وكذلك ْ‬
‫والسلب» ‪. 1‬‬

‫وأمهية كالم الشيخ عن نحو ارتباط اللغة باملنطق تتقدّ م يف األمهية عىل‬
‫أن حماوالت ربط املعقوالت باللغة ْ‬
‫وإن كان‬ ‫ورشاحه‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫كالم أرسطو ّ‬
‫هلا جذرها يف تفكري املدرسة الرواقية لك ّن النزاع احلاصل يف البيئة اإلسالمية‬
‫نضج أكرب لرضورة التفات الشيخ إىل موقعية‬ ‫ٍ‬ ‫عرّب عن‬
‫العربية والفارسية قد ّ‬
‫أن ما س ّطره وقع يف سياق النزاع احلاصل بني‬ ‫وخصوصا ّ‬
‫ً‬ ‫املنطق من اللغة‪،‬‬
‫املناطقة والنحاة‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫حتل‬ ‫فإن البن سينا يف رجائه ْ‬
‫«وأيضا ّ‬
‫ً‬ ‫يقول الدكتور إبراهيم مدكور‪:‬‬
‫‪ .1‬منطق املرشقيني والقصيدة املزدوجة ابن سينا‪ ،‬ص‪.١٠٠‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪211‬‬

‫تتكون‬
‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫حمل األلفاظ وسائل أخرى ألداء املعاين‪ ،‬يتن ّبأ باللوجستيقا قبل ْ‬
‫بنحو ثامنية قرون‪ ،‬وال غرابة فإنّا نراه يف (رسالته النريوز ّية) حياول ْ‬
‫أن‬
‫فيكون بذلك رض ًبا من اجلرب‬
‫يؤ ّدي بعض املعاين الفلسفية بواسطة احلروف ِّ‬
‫شبيها باجلرب املنطقي الذي انتهى إليه راسل وكوتورا »‪. 1‬‬
‫الفلسفي ً‬

‫التف ّرد السادس‪ :‬املنطق يف جانبه التجريدي العام‬


‫جمر َد قواعد تقوم عىل تناسق الفكر مع ذاته‪،‬‬ ‫علم املنطق ّ‬‫بعضهم َ‬ ‫ي ُعد ُ‬
‫عاصم عن تناقض الفكر مع ذاته هبذا املعنى‪ ،‬مل يكن‬ ‫ٌ‬ ‫فالقائلون ّ‬
‫بأن املنطق‬
‫نظرهم للخارج‪ ،‬وبالتايل كانت العصمة بمعنى عدم تناقض الفكر مع‬
‫فروضاته‪ ،‬وهذه الفروض ال شأن لنا بوجود مطا َبق هلا يف اخلارج أو عدم‬
‫بأن املنطق موضوعه‬ ‫وجود مطابق‪ ،‬والقائلون بالصورية هبذا املعنى يرون ّ‬
‫فإن احلديث عن العلية واملعلولية‪،‬‬ ‫الذهن البرشي يف تناسقه مع ذاته‪ ،2‬وعليه ّ‬
‫ٍ‬
‫مقوالت‬ ‫وما بالذات‪ ،‬وما بالعرض‪ ،‬وعن اجلوهر وعن العرض‪ ،‬إ ّما تُعدّ‬
‫مقوالت فرضية إلمكان قيام صورة للمنطق دون ْ‬
‫أن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫ذاتي ًة للذهن وإ ّما‬
‫أي ُب ْع ٍد يف تصحيح الفكر‬ ‫للصورة مطابق خارجي‪ ،‬ومن هنا مل يكن للمنطق ّ‬
‫عن اخلطأ اخلارجي‪ ،‬فاستبعدت املادة هبذا املعنى‪ ،‬وهذا املعنى للصورية يقوم‬
‫عىل استبعاد املباحث امليتافيزيقية دون إرجائها بل برفضها من األساس‪،‬‬
‫متهد للكالم عن إمكان قيام منطق‬ ‫أهم املبادئ ــ التي ِّ‬ ‫وبيانه ْ‬
‫أن ُيقال إنّه ومن ّ‬
‫ُي ْعنى بتصحيح الفكر يف بعده املادي ــ هي املبادئ التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬الشفاء ‪ ،‬مقدمة املدخل د إبراهيم مدكور‪ .‬ص ‪.٦١‬‬


‫‪ .2‬فإ ّن املنطق الصوري باملعنى الدقيق هو ذلك الذي عناه هاملتون فقال‪ :‬إ ّن املنطق باملعنى‬
‫الصوري هو علم اتفاق الفكر مع نفسه ‪ ،Consistency‬فإ ّن يف الفكر قانونًا رضوريًا هو قانون عدم‬
‫إاّل أ ْن يسري عىل هذا القانون‪ .‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬املنطق الصوري‬ ‫التناقض فليس عىل العقل ّ‬
‫والريايض ص ‪.٨‬‬
‫‪ | 212‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪1‌.‬قانون الع ّلية يف جانبها املوضوعي‪ ،‬فليس للمنطق املادي تواجدٌ دون أصل‬
‫قانون الع ّلية‪ ،‬وليســت الع ّلية لوحدها كاف ًية؛ َّ‬
‫ألن العلية تار ًة تتم َّثل يف‬
‫ٍ‬
‫كقانون موضوعي‬ ‫ٍ‬
‫كقانون ذايت‪ ،‬وأخرى‬ ‫الذهن‬
‫‪2‌.‬السنخ ّية‬
‫‪3‌.‬اجلوهر والعرض‬
‫بأن املنطق ُيعنى بتصحيح صورة الفكر فقط‪ ،‬دعواهم هذه‬‫فالقائلون ّ‬
‫تأثريي وخصائيص بني األشياء خارج‬ ‫ٍ‬
‫ارتباط‬ ‫تعود اىل عدم اعرتافهم بوجود‬
‫ّ‬
‫الذهن!‬

‫قانون ال واقع له خارج البعد النفيس واالعتياد‬ ‫ٌ‬ ‫فإن قانون الع ّلية هو‬
‫ّ‬
‫واألُنس الذهنيني كام عند (ديفيد هيوم)‪ .‬وكذلك إمانويل كانط الذي ال‬
‫جمه ٍز به الذهن‪ ،‬والقبلية عند كانط كام ّأهّنا ال‬ ‫ٍ‬
‫يرى الع ّلية سوى قانون َقبيل َّ‬
‫تعني كوهنا قضايا حتليلية ــ خال ًفا للفالسفة الذين سبقوه بل ومن جاء بعده‬
‫تعرِّب عن الواقع‪ ،‬بل ليس القبلية ّإاّل وصف‬‫ــ كذلك ال تعني قبليتها كوهنا ِّ‬
‫جتهز الذهن هبا‪ ،‬وهذه اجلهوزية عنده ال تعني حكاي ًة عن‬ ‫للقضية بلحاظ ّ‬
‫واقع خارج الذهن‪.‬‬

‫أن نتجاوز‬ ‫فإن احلديث عن منطق ما ّدي‪ ،‬ماذا يعني؟! يعني ْ‬ ‫ومن هنا َّ‬
‫تصحح لنا عملية ربط مفهومني أو قضيتني؛‬ ‫ّ‬ ‫جمرد الصورة التي‬ ‫الشكل أو ّ‬
‫ألن صحة الصورة مبني ٌة عىل ينعكس يف الذهن من مفهو ٍم وما ُيتصالح عليه‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫سبب ذايت بينهام‬ ‫و ُيفرض بني العقالء‪ ،‬فالتساوي بني مفهومني ال يعود إىل‬
‫جعلهام كذلك‪ ،‬بل ليس املتساويان ّإاّل ما تم رصدمها كوهنام كذلك‪ ،‬لذلك‬
‫يكون احلديث عن املتساويني بعيدً ا عن منشأ كوهنام كذلك؛ ألنّه ليس هناك‬
‫منشأ موضوعي يف ذاتيهام‪ ،‬بل املسألة تعود اىل اندماج صوري ليس ّإاّل‪.‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪213‬‬

‫ألهّنام كذلك‬
‫كذلك يف احلديث عن التباين‪ ،‬فاحلرارة والربودة متباينان؛ ّ‬
‫كل منهام جتعلهام متنافيني يف االجتامع‪ .‬لكن‬ ‫ألن خاص َّية ٍّ‬
‫يف الذهن‪ ،‬ال ّ‬
‫املنطق املادي‪ ،‬ينظر َّ‬
‫أن العلية تعكس واق ًعا موضوع ًيا‪ ،‬ال ّأهّنا حبيسة الذهن‬
‫ملجرد ترتيب األشياء وتنظيمها‪ ،‬وليست كذلك عادة مكتسبة من‬ ‫يستعملها ّ‬
‫جراء التكرار!‬
‫ّ‬
‫أي‬
‫واقع موضوعي‪ ،‬يدركه الذهن بعيدً ا عن ذاتيته ودون ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بل العلية هلا‬
‫ٍ‬
‫مرتبة طولية‪،‬‬ ‫ف زائد‪ ،‬وهذه الواقعية تُعقل ضم َن تع ُّق ٍل ثانوي يأيت يف‬ ‫ترص ٍ‬
‫ّ‬
‫سمى باملعقول الثانوي الفلسفي؛ من هنا فالعلية املوضوعية‪ ،‬هي‬ ‫وهو ما ُي َّ‬
‫منطق ُيعنى بتصحيح عملية‬ ‫أوىل املبادئ التي لوال ثبوهتا ملا جاز احلديث عن ٍ‬
‫الفكر املادي‪ ،‬فقويل النار والربودة متباينان‪ ،‬أي ال يشء من النار يكون بار ًدا‪،‬‬
‫وال يشء من البارد هو نار‪.‬‬

‫ملجرد أهنام انعكسا يف احلس كذلك‪،‬‬


‫وليس عدم االجتامع والبينونة هنا‪ّ ،‬‬
‫بل ّ‬
‫ألن خاص َّية النار فيها ما يوجب التنايف مع خاص َّية الربودة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يأخذنا لتحقيق مبدأ أخر دخيل يف تشكِّل املنطق املادي‪ ،‬وهو مبدأ اجلوهر‪.‬‬

‫هل الشيخ يف اختزاله حركة الفكر باحلركة الثانية أراد هذا األمر؟‬

‫تم سطره مسب ًقا من أنّه‬ ‫وخصوصا إذا تذكرنا ما ّ‬


‫ً‬ ‫قد يكون اجلواب بالنفي‬
‫تم استبعاد ونفي هذه‬ ‫حتى مباحث التعريف والقضايا ال يقوم هلا قائمة إذا ّ‬
‫مهة وجرأة يف استجواب الشيخ الرئيس من كتبه‬ ‫القواعد‪ ،‬لكن سيبقى لنا ّ‬
‫فنعاود سؤال سبب استبعاد احلركة األوىل‪ ،‬ولع ّله يكون لنا يف الشفاء شفا ٌء‬
‫واضح ّأهّنا‬
‫ٌ‬ ‫وإن كان مكتو ًبا إلرضاء العا ّمة من املشائني‪ ،‬إذ بعض مطالبه‬‫ْ‬
‫ِ‬
‫املعينة‬ ‫استجواب للشفاء ووقف ٌة مع بعض إهل ّياته‬ ‫من متبنياته؛ لذا سيكون لنا‬
‫ٌ‬
‫‪ | 214‬تاریخ علم املنطق‬

‫لنا عىل فهم املطلب الذي نحن بصدد استبيان حاله‪ ،‬لكن لنذهب ً‬
‫أواًل إىل‬
‫عرف الشيخ موضوع علم املنطق ملا للتعريف‬ ‫كتاب التعليقات ونرى كيف ّ‬
‫ٍ‬
‫ارتباط ببحثنا‪ ،‬فقال‪« :‬موضوع علم املنطق هو املعقوالت الثانية املستندة‬ ‫من‬
‫إىل املعقوالت األُ َول‪ ،‬حيث يتوصل هبا من معلو ٍم إىل جمهول‪ ،‬ورشح ذلك‬
‫ٍ‬
‫معقوالت ُأ َول كاجلسم واحليوان وما أشبههام‪ ،‬ومعقوالت ثواين‬ ‫ٍ‬
‫لليشء‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫تستند إىل هذه‪ ،‬وهي كون األشياء كلي ًة وجزئي ًة وشخصية‪ ،‬والنظر يف إثبات‬
‫هذه املعقوالت الثانية يتع ّلق بعلم ما بعد الطبيعة‪ ،‬وهي موضوع ٌة لعلم‬
‫فإن نحو وجودها مطل ًقا يثبت هناك‪،‬‬ ‫املنطق ال عىل نحو وجودها مطل ًقا‪ّ ،‬‬
‫توصل‬ ‫وهو‪ :‬هل ّأهّنا وجو ٌد يف األعيان أو يف النفس؟ بل برشط آخر هو ْ‬
‫أن ُي َّ‬
‫منها من معلوم اىل جمهول»‪. 1‬‬

‫متفردات الشيخ‪ ،‬وال جتد هذا عند‬ ‫هذا البيان يف حتديد موضوع علم املنطق من ّ‬
‫وخصوصا يف كتاب (إحصاء العلوم)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفارايب مع ما ذكر الفارايب من تفصيل‬
‫فاملعقوالت الثانية ــ وبحسب تعبري الشيخ التي هي موضوع علم املنطق من‬
‫حيث ُي َتو َّصل هبا إىل جمهول ــ تستند إىل املعقوالت األُ َول‪ ،‬واملعقوالت األُ َول‬
‫هي التي تشكّل متن األعيان يف اخلارج‪ ،‬إذ قبل احلديث عن اجلنس والفصل‬
‫ِّلة لِب ِ‬
‫ِ‬
‫نية أنحاء وقوع التعريفات وحتصيل املطلوب‬ ‫والعرض ونحو ذلك‪ ،‬ا ُمل َشك ُ‬
‫التصوري‪ ،‬البدّ من الفراغ عن وجود الكيل يف ذاته‪ ،‬ومقسمها الكيل الطبيعي‬ ‫ّ‬
‫املوجود بوجود أفراده‪ ،‬ومنه يكون اجلنس حيث يكون الكيل بني افراد متباينة‬
‫أن الشيخ‬ ‫يف احلقيقة مشرتك بينها وكذا الكالم يف النوع والفصل‪ ،‬لكن ا ُمل َ‬
‫الحظ ّ‬
‫التوصل إىل‬
‫ّ‬ ‫فصل بني الكيل الذي هو اجلنس والفصل والعرض من حيثية‬
‫معرفة حال املجهول‪ ،‬وبني متن الوجود الذي يتشكّل من الطبائع‪ ،‬إذ جعل‬
‫حمل وجودها‪ ،‬هل هي األذهان أم األعيان عىل عهدة الفلسفة األوىل‪.‬‬ ‫تعيني ّ‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬التعليقات‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪215‬‬

‫سابق عىل الفلسفة األوىل‪ ،‬لعموم آليته‬‫أن املنطق يف الرتبة ٌ‬‫والشك يف ّ‬


‫ّ‬
‫لكل علم‪ ،‬والفلسفة أ ّم العلوم‪ ،‬وهذا لع ّله يؤكّد صور ّية املنطق باملعنى‬ ‫ّ‬
‫كثريا من مباحث املنطق األرسطي مبني أمرها‬ ‫فإن قيل ّ‬
‫بأن ً‬ ‫الذي استبعدناه‪ْ ،‬‬
‫أصل مس َّل ٌم‬
‫بأن هذا ٌ‬
‫شك ّ‬ ‫عىل العلية واملعلولية يف جانبها املوضوعي‪ ،‬وال ّ‬
‫أي علم حتى الفلسفة األوىل‬ ‫نِّي بذاته‪ ،‬ال ينبغي أن يتك ّفل بعالجه ّ‬
‫فوقاين َب ِّ ٌ‬
‫بأن هذا بالنسبة للشيخ غري مستقيم‬ ‫فضاًل عن غريها كام هو واضح‪ ،‬قلنا ّ‬ ‫ً‬
‫«وأيضا ّ‬
‫فإن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استشكااًل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وقد هامجه بشدّ ة واستبق فيه كالم الغربيني‬
‫العلم باألسباب املطلقة حاصل بعد العلم بإثبات األسباب لألمور ذوات‬
‫األسباب‪ ،‬فإنّا ما مل نثبت وجود األسباب للمسببات من األمور بإثبات ّ‬
‫أن‬
‫لوجودها تع ّل ًقا بام يتقدّ مها يف الوجود‪ ،‬مل يلزم عند العقل وجود السبب‬
‫احلس فال يؤ ّدي ّإاّل املوافاة‪.‬‬ ‫املطلق‪ّ ،‬‬
‫وأن ههنا سب ًبا ما‪ ،‬وأ ّما ّ‬
‫أن يكون أحدمها سب ًبا لآلخر‪ ،‬واإلقناع الذي‬‫وليس اذا تواىل شيئان‪ ،‬وجب ْ‬
‫احلس والتجربة فغري متأكَّد‪ ،‬عىل ما علمت‪ّ ،‬إاّل‬
‫يقع يف النفس لكثرة ما يورده ّ‬
‫أن األمور التي هي موجودة يف األكثر هي طبيعية واختيارية‪ ،‬وهذا‬ ‫بمعرفة ّ‬
‫يف احلقيقة مستندٌ إىل إثبات العلل‪ ،‬واإلقرار بوجود العلل واألسباب‪ ،‬وهذا‬
‫ليس ب ّينًا ّأول ًيا بل مشهور‪ ،‬وقد علمت الفرق بينهام‪ ،‬وليس اذا كان قري ًبا عند‬
‫أن للمحادثات مبد ًأ ما جيب ْ‬
‫أن يكون ب ّينًا بنفسه مثل‬ ‫البنّي بنفسه ّ‬‫العقل من ّ‬
‫ثم البيان الربهاين‬‫املربهن عليها يف كتاب إقليدس‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫كثري من األمور اهلندس َّية‬
‫أن يكون يف هذا العلم»‪. 1‬‬‫لذلك ليس يف العلوم األخرى‪ ،‬فإذن جيب ْ‬

‫أخذا ُمس ّل ًاًم‪ ،‬إذ‬


‫أن السببية ال تؤخذ ً‬
‫نص الشيخ يف املقطع املزبور ّ‬ ‫لقد ّ‬
‫فضاًل عن اخلاص‪،‬‬ ‫ليست من القضايا املس ّلمة ال يف جانبها العام واملطلق ً‬

‫‪ .1‬الشفاء اإللهيات‪ ،‬املقالة األوىل ‪ ،‬ص‪.١٦‬‬


‫‪ | 216‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن تقع السببية بوجهها هذا موضو ًعا للعلم األعىل والفلسفة‬ ‫وعليه منع ْ‬
‫أن يكون بحثها فيها وتطلب يف تضاعيف بحوثها ومطاوي‬ ‫األوىل‪ ،‬بل وجب ْ‬
‫مسائلها‪ ،‬ويرتتّب عىل هذا القول إ ّما‪:‬‬
‫‪1‌.‬صور ّية املنطق يف حدّ ها األعىل التي تتنكّر للقواعد العامة الفلسفية‪ ،‬وتقول‬
‫وضعي بالرضورة‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫بخرافة امليتافيزيقيا‪ ،‬وهذا سيتو ّلد عنه ٌ‬
‫منطق‬
‫واضح بطالن تبنّيه يف مقامنا‬
‫املتوســط‪ ،‬أي االعرتاف هبــذه القواعد لكن‬
‫ّ‬ ‫‪2‌.‬صوريتهــا يف حدّ ها املركّب‬
‫ضمن تبدياهتا القبلية الذاتية‪ ،‬وهذا سينشأ عنه منطق كانطي ال عالقة‬
‫األول وال بالواقــع اخلارجي‪ ،‬وهو خالف ما جاء من‬ ‫لــه باملعقوالت ّ‬
‫ترصيح الشــيخ يف التعليقات من املقطع الذي ســطرناه أعاله‪ ،‬حيث‬
‫قال موضوع علم املنطق هو املعقوالت الثانية املســتندة إىل املعقوالت‬
‫األول‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪3‌.‬صوريتها بحدّ ها األدنى‪ ،‬وهو تســ ّلم بعض مبادئها من علم آخر‪ ،‬وهذا‬
‫العلم إ ّما أسبق‪ ،‬وإ ّما بعرض املنطق‪ ،‬وإ ّما بعدي بالنسبة للمنطق‪ ،‬فعىل‬
‫األول ال صور ّية يف البني‪ ،‬كام ال يمكن صدق التس ّلم‪ ،‬وعىل‬ ‫االحتامل ّ‬
‫لكل العلوم وعليه‬ ‫أن املنطق آل ٌة ّ‬ ‫الثاين كذلك ال صور ّية‪ ،‬لك ّن الواضح ّ‬
‫كل مســألة من‬ ‫أن َّ‬
‫فالعلم األعىل يقع يف طوله‪ ،‬ويرتتّب عىل هذا القول َّ‬
‫خصوصا ‪ -‬البدّ‬
‫ً‬ ‫مســائل املنطق يف شــ ّقه املادي‪ ،‬كبحوث الربهان ‪-‬‬
‫وأهّنا تتو ّقف عىل حســم بعض قضاياها عىل مراجعة مسائل وبحوث‬ ‫ّ‬
‫أصاًل موضو ًعا مس ّل ًاًم به‪ ،‬وعليه فامد ّية املنطق‬
‫العلم األعىل؛ ولذا تؤخذ ً‬
‫هبذا املعنى إرجائ ّية وتعليق ّية حتت رمحة ما يتح ّقق يف العلم األعىل!‬
‫يتضمن مبادئ ب ّينة بذاهتا أو مب ّينة تعود إىل‬
‫ّ‬ ‫ومجلة القول َّ‬
‫بأن املنطق الذي‬
‫تلك الب ّينة دون حاجة علم أسبق عىل اإلطالق إنّام هو اجلانب الصوري منه‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪217‬‬

‫فخصه الشيخ بإطالق لفظ املنطق عليه‪. 1‬‬


‫دون املادي‪ّ ،‬‬

‫التف ّرد السابع‪ :‬الحدس‬


‫تفرد به الشيخ‪ ،‬مبحث احلدس‪ ،‬وقد وقع الكالم عن احلدس منه يف‬
‫وممّا ّ‬
‫عدّ ة مناسبات‬

‫األوىل عند ذكره للحاجة اىل علم املنطق وسؤال استغناء اإلنسان عن‬
‫الصناعة‪ ،‬يقول الشيخ يف الشفاء‪« :‬قد يتفق لإلنسان أن ينبعث يف غريزته‬
‫أن ذلك يكون شي ًئا غري‬ ‫موقع للتصور‪ ،‬وحج ٌة ِ‬
‫موق َع ٌة للتصديق‪ ،‬إالَّ َّ‬ ‫حدٌّ ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ٌ‬
‫صناعي‪ ،‬وال يؤمن غلطه يف غريه فإنّه لو كانت الغريزة والقرحية ممّا يكفينا‬
‫طلب الصناعة كام يف كثري من األمور لكان ال يعرض االختالف يف املذاهب‪،‬‬
‫ولكان اإلنسان الواحد ال يناقض نفسه وقتًا بعد وقت إذا اعتمد قرحيته»‪. 2‬‬
‫ّأو ًاًل‪ ،‬وكالم الشيخ هنا يومئ إىل ّ‬
‫أن ما يؤمن غلطه ينبغي ْ‬
‫أن يكون صناع ًيا‬
‫فكر ًيا‪ ،‬يف حال كون القض ّية نظرية‪ ،‬كام أنّه يمنع جعل الغريزة والقرحية‬
‫يف نفسيهام أمرين موجبني للعصمة‪ ،‬ويمنع َ‬
‫جعل املاثل يف الذهن بوساطة‬
‫أمرا موج ًبا لالستغناء عن الصناعة أو‬
‫احلجة التصديق ّية ً‬
‫التصوري أو ّ‬
‫ّ‬ ‫احلدّ‬
‫أن الشيخ سيجعل احلدس فيام بعد من مبادئ‬ ‫العرض عىل الصناعة‪ ،‬مع ّ‬

‫‪ .1‬وهنا الب ّد من مساءلة للشيخ يف معنى الربهان الذي وقع يف عبارته يف إلهيات الشفاء حينام قال‪:‬‬
‫« ث ّم البيان الربهاين لذلك ليس يف العلوم األخرى‪ ،‬فإذن يجب أ ْن يكون يف هذا العلم »‪ .‬فكيف‬
‫ميكن مامرسة الربهان الصناعي عىل تحقيق مسألة إثبات السبب ّية املطلقة‪ ،‬مع كون الربهان مأخوذًا‬
‫فيه ‪ -‬تض ّم ًنا وضمن مبادئه ‪ -‬العليّة واملعلوليّة؟!‬
‫فاستعامل الربهان يلزمه اعتامده عىل مبادئ تصديقية‪ ،‬ومطلوبنا يف الفلسفة بحسب دعوى الشيخ‬
‫هو إثبات نفس هذا املبدأ التصديقي‪ ،‬فيلزم الدور والتهافت وهو من املفارقات العجيبة يف كلامت‬
‫الشيخ الرئيس‪ ،‬وقد طرحت هذا السؤال عىل أستاذي الدكتور أمين قبل سنوات ووضعته بني أيدي‬
‫أهل االختصاص من زماليئ فحاروا بذلك جوابًا‪.‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬ج ‪ ١‬ص ‪.٦‬‬
‫‪ | 218‬تاریخ علم املنطق‬

‫الصناعة الربهانية‪ ،‬ومبادئ الربهان جيمعها كوهنا قضايا بده ّية مطابق ًة‬
‫وإن اختلف تقريب مالزمتها للصدق واختالف‬ ‫للواقع رضوري َة الصدق‪ْ ،‬‬
‫األوليات‪،‬‬
‫درجة بداهتها‪ ،‬واعتامد بعضها عىل بعض كاعتامد مجيع املبادئ عىل ّ‬
‫كيفام كان فيمكن لنا مجع كالم الشيخ هنا مع عدّ ه للحدسيات من ضمن‬
‫بأن عدم كون اليشء صناع ًيا ال يلزمه عدم كونه مطاب ًقا‬
‫أن ُيقال‪ّ ،‬‬
‫املبادئ‪ْ ،‬‬
‫إن احلدس اآليت ذكره يف باب الربهان إنّام‬‫للواقع وبده ًيا عند صاحبه‪ ،‬بل ّ‬
‫من خصائصه عدم إمكان ّية الربهنة عليه من صاحبه للطرف اآلخر‪ّ ،‬‬
‫ولعل‬
‫هذا هو املراد هنا من عدم كونه صناع ًيا‪ ،‬والذي سيلزم عنه هناك عدم إمكان‬
‫تقديمه بلغة علمية وإكسابه لآلخر‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ّ ،‬‬
‫إن قوله ال يؤمن غلطه يف غريه‪ ،‬إنّام هو نفي للغلط فيه‪ ،‬وحرص الغلط لو‬
‫وللحجة‬
‫ّ‬ ‫بأن ما اتفق ً‬
‫أواًل من االنبعاث للحدّ‬ ‫وقع فيكون يف غريه‪ ،‬لكن قد ُيقال ّ‬
‫أن معيار الصدق ْ‬
‫إن‬ ‫أن يكون كذلك يف غريه‪ ،‬بداهة ّ‬ ‫صحيحا‪ ،‬فينبغي ْ‬
‫ً‬ ‫إن كان‬ ‫ْ‬
‫احلجة فيكون الصدق مالز ًما ّ‬
‫لكل ما كان فيه انبعاث‬ ‫كان االنبعاث للحدّ أو ّ‬
‫حتكياًم للسنخ ّية ولقاعدة حكم األمثال‪ّ ،‬‬
‫وإاّل لكان عدم‬ ‫ً‬ ‫النحو احلاصل ً‬
‫أواًل‬ ‫ّ‬ ‫عىل‬
‫بنِّي وال ُم َّبنَّي‪ ،‬وحتك ًُّاًم‪.‬‬
‫حكاًم ال هو ِّ ٌ‬
‫األول ً‬
‫األمن من اخلطأ يف الثاين دون ّ‬
‫أن ُيقال ّ‬
‫أن قوله‪( :‬ولو كانت القرحية والغريزة ممّا يكفينا‬ ‫واجلواب‪ ،‬يمكن ْ‬
‫فإن حمض‬ ‫طلب الصناعة…)‪ ،‬هو إخراج للبحث من رأس عن احلدس‪ّ ،‬‬
‫واحلجة يف الذهن ال جيعل السبب يف املثول هو احلدس‪ ،‬فليس‬ ‫ّ‬ ‫مت ّثل احلدّ‬
‫واحلجة ومل يكن صناع ًيا‪ ،‬فيلزم كونه حدس ًيا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كل ما تس ّبب عنه ٌ‬
‫مثول احلدّ‬ ‫ّ‬
‫أن هذا‬‫أن الذي استوجب املثول إنّام هي الغريزة والقرحية‪ ،‬فلو ّ‬ ‫والكالم هنا ّ‬
‫وتبنّي مطابقته للواقع ولقواعد‬‫املثول عندما حصل و ُع ِرض عىل الصناعة ّ‬
‫مرة أخرى وثالثة سيكون حكمه املطابقة‪ ،‬بل‬ ‫الصناعة فال يعني ّ‬
‫أن املاثل ّ‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪219‬‬

‫املطابقة حصلت بالعرض‪ ،‬نعم اشرتاك السبب املوجب ِ‬


‫ملثول ‪ -‬وهو الغريزة‬ ‫َ‬
‫واحلجة مع احلدس يف ّأهّنام ليسا صناعيني‪ ،‬وبالتايل عدم إمكان‬‫ّ‬ ‫‪ -‬احلدِّ‬
‫تعليمهام لآلخر‪ ،‬لكن يف الغريزة يمكن عرض ما مثل للصناعة ليعلم حاله‪،‬‬
‫وهذا يلزم عنه عدم العلم بكون املاثل يقينيا ّإاّل بعد العرض‪ ،‬ويف احلدس ال‬
‫يمكن عرضه عىل الصناعة البتّة‪ ،‬ولو أمكن العرض ألمكن التعليم‪ ،‬وأ ّما‬
‫يف الغريزة فيمكن التعليم بعد العرض ال قبله‪ ،‬نعم مطابقة احلدس للواقع‬
‫يكون ألسباب حصول احلدس الشخصية‪.‬‬

‫أن يكون هذا املقطع من الشفاء‬ ‫بدوا‪ ،‬وهو نفي ْ‬


‫يرتجح من البحث ً‬ ‫وما ّ‬
‫يراد منه احلدس‪ ،‬لك ّن فهم الرازي للحدس يف تعليقه عىل كالم الشيخ من‬
‫ناظرا إىل معنى احلدس وإرادة‬‫النمط الثالث من كتاب اإلشارات سرتاه ً‬
‫الفطرة املالئمة مع معنى القرحية والغريزة‪ ،‬قال الفخر الرازي ‪«:‬فإذن‬
‫مقتىض ما ذكرناه أن حيصل جلميع النفوس البرشية مجيع العلوم النظرية من‬
‫غري طلب لتحصيلها عىل أرسع الوجوه‪ ،‬وال معنى للحدس ّإاّل ذلك‪ّ ،‬إاّل‬
‫أن اشتغال النفس بتدبري البدن معارضة واخليال معارضة لذلك‪ ،‬فثبت ّ‬
‫أن‬
‫وأن احلاجة إىل الفكر ألجل‬‫مقتىض الفطرية األصلية هو احلدس القوي‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مولود ُيولد عىل الفطرة)»‪. 1‬‬ ‫صىّل اهّللّ عليه وس ّلم‪ّ :‬‬
‫(كل‬ ‫العوارض‪ ،‬وهلذا قال ّ‬

‫ومّما يؤكّد اجلمع بني املطلبني يف جعلهام ناظرين إىل معنى واحد‪ّ ،‬‬
‫أن الرازي‬ ‫ّ‬
‫جعل احلدس هو مقتىض الفطرة األصلية لوال العوارض‪ ،‬والعوارض ملا‬
‫حضورا ومزامحة للفطرة‪ ،‬فيلزم عنه ّ‬
‫أن احلدود واحلجج‬ ‫ً‬ ‫كانت هي األكثر‬
‫عرّب عنه الشيخ‪( :‬وقد يتفق‬
‫أمرا أقل ًيا حصوله‪ ،‬وهو الذي ّ‬ ‫مثوهلا سيكون ً‬
‫خلو‬
‫وأن عدم األمن من اخلطأ مرجعه اىل عدم ّ‬ ‫أن ينبعث …)‪ّ .‬‬ ‫لإلنسان ْ‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ :‬الطبيعيات ‪ ،‬ص ‪.٢٧٤‬‬


‫‪ | 220‬تاریخ علم املنطق‬

‫النفس من معارضات اخليال والوهم‪ ،‬وبالتايل كانت احلاجة إىل صناعة‪ ،‬ولو‬
‫كان هذا هو مراد الشيخ من احلدس يف النمط الثالث يف قوله تنبيه‪ « :‬لعلك‬
‫أن تعرف الفرق بني الفكرة واحلدس‪ .‬فاستمع‪ :‬أ ّما الفكرة‬ ‫تشتهي اآلن ْ‬
‫فهي حرك ٌة ما للنفس يف املعاين مستعينة بالتخ ّيل يف أكثر األمر‪ُ ،‬يطلب هبا‬
‫احلدّ األوسط أو ما جيري جمراه‪ ،‬ممّا يصار به إىل العلم املجهول حالة الفقد‬
‫استعراضا للمخزون يف الباطن وما جيري جمراه‪ ،‬فربام نادت إىل املطلوب‪،‬‬ ‫ً‬
‫أن يتم ّثل احلد األوسط يف الذهن دفعة‪ ،‬إ ّما‬
‫وربام أنبتت‪ .‬وأ ّما احلدس وهو ْ‬
‫ٍ‬
‫اشتياق وحركة‪ .‬ويتم ّثل‬ ‫وشوق من غري حركة‪ ،‬وإ ّما من غري‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طلب‬ ‫عقيب‬
‫معه ما هو وسط له أو يف حكمه»‪. 1‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مقدور عليه ّإاّل بتك ّلف ّ‬
‫مشوه‪ ،‬وإ ّما‬ ‫ستبقى أمامنا معضلة اجلمع‪ ،‬وهو غري‬
‫بأن احلدس ههنا غري احلدس الذي هو من مبادئ الربهان‪ ،‬أو يقال‬ ‫بااللتزام ّ‬
‫أعم من احلدس يف مبادئ الربهان‪ ،‬فالذي‬ ‫بأن احلدس والذي هو بإزاء الفكر ّ‬ ‫ّ‬
‫حج ًة دون حركة‪ْ ،‬‬
‫فإن كان‪:‬‬ ‫يعرّب عن مثول األوسط حدًّ ا أو ّ‬
‫هو بإزاء الفكر ّ‬
‫ٍ‬
‫وغريزة كان املعنى املذكور يف الشــفاء الذي هو مقابل‬ ‫ٍ‬
‫قرحيــة‬ ‫‪1‌.‬املثول عن‬
‫حاجتنا إىل الصناعة‪.‬‬
‫خاص من تكرار املشــاهدة ومقارنة القياس‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫اعتبار‬ ‫‪ْ 2‌.‬‬
‫وإن كان املثــول عن‬
‫مع كوهنام شخصيني كان املعنى احلدس الذي هو من مبادئ القياس‪.‬‬
‫أهم‬
‫وهذا املعنى الثاين هو من مبادئ األقيسة اليقينية الربهانية‪ ،‬وهذا هو ّ‬
‫تفردات باب الربهان عند الشيخ‪ ،‬إذ مل يسبق للمعلم األول والثاين ْ‬
‫أن ذكرا‬ ‫ّ‬
‫احلدس ضمن املبادئ‪ ،‬قال الشيخ يف اإلشارات « والواجب قبوهلا‪ :‬أوليات‬
‫وجمربات‪ ،‬وما معها من احلدسيات واملتواترات‪ ،‬وقضايا‬ ‫ّ‬ ‫ومشاهدات‪،‬‬

‫‪ .1‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬القسم ‪ ٢،‬ص ‪.٣٩٤- ٣٩٣ -٣٩٢‬‬


‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪221‬‬

‫قياساهتا معها… »‪. 1‬‬

‫املجربات احلدسيات‪،‬‬ ‫يعرف طبيعة احلدسيات ً‬


‫قائاًل‪ « :‬وممّا جيري جمرى ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫الشك‪،‬‬ ‫قوي جدًّ ا‪ ،‬فزال معه‬
‫وهي قضايا مبدأ احلكم هبا حدس من النفس ٌّ‬
‫أن جاحدً ا جحد ذلك‪ ،‬ألنّه مل ّ‬
‫يتول االعتبار املوجب‬ ‫وأذعن له الذهن‪ ،‬فان ّ‬
‫يتأت‬
‫لقوة ذلك احلدس‪ ،‬أو عىل سبيل املذاكرة ــ ويف نسخة املناكرة ــ مل ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أن يتح ّقق ــ ويف نسخة حي ّقق ــ له ما حت ّقق عند احلادس‪ ،‬مثل قضائنا ــ‬
‫ْ‬
‫بأن نور القمر من الشمس…‪ .‬هليأة تشكّل النور فيه‬ ‫ويف نسخة (قضايانا) ــ ّ‬
‫للمجربات»‪. 2‬‬
‫ّ‬ ‫قوة قياس ّية‪ ،‬وهي شديدة املناسبة‬
‫أيضا ّ‬
‫وفيها ً‬

‫والكالم عن احلدس ‪ -‬وفرقه عن الفطريات وحماكمة قيمته العلمية‬


‫إن و ّفقت لذلك‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل أعرضه ْ‬ ‫املوجبة عدّ ه من مبادئ الربهان ‪ -‬له بحث‬
‫ٍ‬
‫كتاب تعنى مسائلها بعلم املنطق‪.‬‬ ‫ضمن ٍ‬
‫مقال أو أبحاث‬

‫التف ّرد الثامن ‪ -‬املركّب التام‬


‫يصح‬
‫ّ‬ ‫متفردات الشيخ عدم تعريف املركّب التام املنطقي بأنّه (ما‬ ‫من ّ‬
‫األول وابن رشد‬ ‫السكوت عليه)‪ ،‬فهذا كام هو حدّ املركّب التام عند املع ّلم ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد بحدٍّ آخر يستوجب اختال ًفا يف املعنى‪،‬‬ ‫ومشهور املناطقة‪ ،‬كذا حدّ ه غري‬
‫واختال ًفا يف تبويب البحوث‪ ،‬والبداية كانت من عند الشيخ الرئيس ابن سينا‬

‫نص يف كتاب‬ ‫التفرد ما وقفت عليه من ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت بداية التفايت إىل هذا‬
‫اإلشارات والتنبيهات يف بحث (املفرد واملركّب) حيث جعل الشيخ الرئيس‬
‫قولنا (حيوان ناطق) من املركبات التا ّمة! واحلال ّأهّنا نسب ٌة تقييدي ٌة ال فائدة‬

‫‪ .1‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬قسم املنطق‪ ،‬ج ‪ ،١‬ص ‪.٣٤٣‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.٣٤٨‬‬
‫‪ | 222‬تاریخ علم املنطق‬

‫تا ّمة هلا‪ ،‬كام ال حتتمل بنفسها الصدق والكذب إذ ال ُحكم فيها‪ ،‬وليست‬
‫نسب ًة إنشائي ًة كام ال خيفى‪ .‬وعليه رجعت إىل رشح فخر الدين الرازي ألجده‬
‫الرشاح‬ ‫ٍ‬
‫ثم غري واحد من ّ‬ ‫كرر وأكّد عىل كالم الشيخ الرئيس‪ ،‬ومن ّ‬ ‫قد ّ‬
‫وأصحاب املتون‪ ،‬فصار اشتباه هؤالء اجلمع باملثال بعيد االحتامل‪ ،‬بعد ذلك‬
‫رجعت إىل تعريف الشيخ الرئيس ابن سينا للمركّب التام‪ ،‬ألجدّ ّ‬
‫أن تعريفه‬
‫املعيار(صحة السكوت)‪ ،‬بل تعريف‬ ‫إشارة إىل مسألة جعل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خال عن أي‬
‫ّ‬
‫واحد من أجزائه عىل جزء معناه دالل ًة مستقلة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫دل ّ‬ ‫املركّب التام هو ما ّ‬
‫كل ٍ‬
‫جزء منه ٌ‬
‫لفظ تام الداللة‪ :‬اسم‪ ،‬أو‬ ‫قول تا ٌّم وهو الذي ّ‬
‫قال الشيخ‪ « :‬فمنه ٌ‬
‫يدل عىل معنى موجود‬ ‫فعل‪ ،‬وهو الذي يسميه املنطقيون كلمة‪ ،‬وهو الذي ّ‬
‫معنّي من األزمنة الثالثة‪ ،‬وذلك مثل قولك‪ :‬حيوان‬ ‫معنّي يف زمان ّ‬‫ليشء غري ّ‬
‫ناطق‪ ،‬ومنه قول ناقص‪ ،‬مثل قولك‪ :‬يف الدار‪ ،‬وقولك‪ :‬ال إنسان»‪ . 1‬وعرفه‬
‫مستقل بنفسه‪ ،‬كقولك‪( :‬زيد‬‫ٍّ‬ ‫جزء منه ّ‬
‫يدل بانفراده عىل معنى‬ ‫«كل ٍ‬
‫الساوي‪ّ :‬‬
‫كاتب)‪ ،‬و(راعي الشاة)‪ ،‬و(باب الدار) » ‪. 2‬‬
‫ِ‬
‫ومن َث َّم فاملركّب التام ال يشرتط يف ميزانه جعله مر ّد ًدا بني كونه مجلة خربية‬
‫إن تعريف الشيخ يمنع كون بعض‬ ‫أو إنشائ ّية إنّام أعم ليشمل التقييدية‪ ،‬بل ّ‬
‫اجلمل اخلربية واالنشائية من املركّبات التا ّمة‪ ،‬ففي ميزان الشيخ دقة لربط‬
‫منسجاًم معها‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫ميزان املركب التام بعلم املنطق وبحوثه‪ ،‬وجعله‬
‫األدوات بام هي ألفاظ ال شغل للمنطقي هبا سواء يف األقيسة أم التعاريف‪.‬‬

‫وعليه يرتتّب عىل حدِّ الشيخ الرئيس نتائج ختتلف عن تعريف املشهور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ّ 1‌.‬‬
‫أن شغل املنطقي بحســب هذا التعريف إنّام هو باملركبات التامة سواء يف‬

‫‪ .1‬الفخر الرازي‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ص ‪. ٣٦‬‬


‫‪ .2‬القايض زين الدين عمر بن سهالن الساوي‪ ،‬البصائر النصريية‪ ،‬ص‪.١٦٧‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪223‬‬

‫كل ٍ‬
‫جزء‬ ‫أن يف التعاريــف يكون ّ‬
‫بحــث احلجج أم التعاريــف؛ وذلك ّ‬
‫املعرف‪ ،‬وهذا ال يســتقيم يف‬ ‫املعرف ّ‬
‫يدل عىل ما يقابله من َّ‬ ‫مــن أجزاء ِّ‬
‫الرتاكيــب الناقصة بداهــة ّ‬
‫أن األداة يظهر معناها مــن خالل ارتباطها‬
‫باالسم أو الكلمة‪ ،‬وكذا يف األقيسة‪.‬‬
‫‪2‌.‬خروج مباحث املركبات الناقصة عــن أبحاث املنطقي‪ ،‬بخالف تعريف‬
‫املشهور ّ‬
‫فإن مباحث احلدود والرسوم تتشكّل من النسب التقييدية التي‬
‫هي قسم من املركبات الناقصة‪.‬‬
‫هم املنطقي يف اللفظ املفرد‪ ،‬ويتم ّثل ذلك يف بحث الكيل ويف‬
‫من هنا فإن ّ‬
‫املركّبات التي تتألف من خصوص الكلامت واألسامء لتكون تامة الداللة ‪-‬‬
‫واحلجة‪ ،‬وال شغل له بالنسبة‬
‫ّ‬ ‫منطق ًيا ال بالغ ًيا ‪ -‬ويتم ّثل يف بح َثي ّ‬
‫املعرف‬
‫الناقصة التقييدية‪ ،‬بخالف التعريف الذي حدّ التا ّم منه بام يقبل الصدق‬
‫رصح هناك ّ‬
‫بأن‬ ‫والكذب‪ ،‬كام فعله ابن رشد يف تلخيص العبارة فإنّه قد ّ‬
‫التعاريف تُست ْ‬
‫َخدَ م فيها النسب التقييدية أي النسب الناقصة‪.‬‬

‫التف ّرد التاسع‪ :‬التجربة وقيمتها العلم ّية ونزعة اليقني الذايت‬
‫منطقي يالحظ أفعال ذهنه وأحواله‪ ،‬ويقوم‬ ‫ّ‬ ‫جمرد‬
‫مل يكن الشيخ الرئيس ّ‬
‫ٍ‬
‫موضوعات غاي ًة‬ ‫ٍ‬
‫فيلسوف يالحظ‬ ‫جمرد‬
‫بتحليلها وفصلها وتدوينها‪ ،‬وليس ّ‬
‫متعالية عن أرض االختبار والتغيري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مطلقة‬ ‫يف العموم فقط؛ ليدرسها من حيث ّي ٍة‬
‫الطب كتحدٍّ يف مواقف غاية يف‬ ‫َّ‬ ‫متمر ًسا‪ ،‬عاش‬ ‫والتبدّ ل‪ ،‬بل كان الشيخ طبي ًبا ّ‬
‫قوته للوصول إىل نتائج ُم ْر ِض َي ٍة‪،‬‬ ‫ُلزم العقل باستنفاد ّ‬ ‫الصعوبة أمام سالطني ت ِ‬
‫عرف بالطبيب‬ ‫كل ألقابه األخرى‪ ،‬فصار ُي َ‬ ‫الطب حتّى نازع اللقب هذا َّ‬ ‫ّ‬ ‫عاش‬
‫أرض خصب ٌة بينها وبني سامء‬ ‫احلس ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫وألن‬ ‫أكثر منه بالفيلسوف؛ ومن هنا‬
‫ِ‬
‫وحصول‬ ‫ِ‬
‫رشوط التن ّبه‬ ‫ألهم‬ ‫للحس فاقدٌ‬ ‫َّ‬
‫وألن الفاقدَ‬ ‫تبادل يف النفع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العقل ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫‪ | 224‬تاریخ علم املنطق‬

‫كبري نف ٍع من تلك األرض املعطاءة فلم يقترص‬ ‫التع ّقل؛ كان للشيخ الرئيس ُ‬
‫ٍ‬
‫تقنني ُم ْس ٍبق جيعل عمله الطبي مؤ َّط ٍر ضمن‬ ‫النفع عىل طريقة عمله‪ ،‬بل عىل‬
‫ُ‬
‫الطب إىل جزئني ‪:‬‬‫ّ‬ ‫قسم العرب علوم‬‫قواعد‪ ،‬فقد « ّ‬
‫‪1‌.‬علمي‬
‫‪2‌.‬عميل‬
‫قسم اجلزء العلمي إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫و ُي َّ‬
‫‪.‬أالعلم باألمور الطبيع ّية‪.‬‬

‫‪.‬بالعلم بأحوال البدن‬

‫‪.‬جالعلم باألسباب‪.‬‬

‫‪.‬دالعلم بالعالمات»‪. 1‬‬

‫«يقسم هذا اجلزء إىل قسمني‪ :‬أــ حفظ الصحة‪ .‬ب ــ‬
‫واجلزء العميل‪َّ ،‬‬
‫مداواة األمراض‪. 2‬‬

‫ثم‬
‫أواًل ما جاء من جتارب الشيخ وقواعده الطب ّية العا ّمة ومن ّ‬‫ولنذكر ً‬
‫َ‬
‫البحث عن رؤيته العا ّمة لنظرية التجربة وبيان قيمتها العلمية‬ ‫نصحب ذلك‬
‫وحدود صدقها‬

‫الصحة ّملا كانت تابعة العتدال املزاج‪ ،‬واستواء الرتكيب عىل ما ُف ِّرِّس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫«إن‬
‫أمور واجتناب أمور‪:‬‬ ‫الصحة) بتعديل ٍ‬‫ّ‬ ‫أهم هبا‪ ،‬وكان حفظها (أي‬ ‫يف ٍ‬
‫كتب يف ّ‬
‫‪ .1‬كتاب دفع املضار الكلية عن األبدان اإلنسانية ‪ -‬األرجوزة يف الطب ‪ -‬كتاب األدوية القلبية‬
‫(املقدمة)‪ ،‬ص ‪.٧‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.٩‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪225‬‬

‫أ ّما تعديل األمور‪ :‬فتعديل اهلواء‪ ،‬وتعديل الطعام‪ ،‬وتعديل الرشاب‪،‬‬


‫وتعديل اليقظة‪ ،‬وتعديل احلركة النفسانية‪ ،‬وتعديل السكون والدعة‪،‬‬
‫وتعديل ما يستفرغ‪ ،‬وتعديل ما ُحُيت َبس‪.‬‬

‫جيمد‪،‬‬
‫يرض وما يكرس وما يقطع وما ّ‬ ‫وأ ّما اجتناب أمور‪ :‬فاجتناب ما ُ‬
‫حيرق‪ ،‬وما يع ّفن‪ ،‬وما يو ّلد مزاج قتال‪ ،‬بار ًدا أو ًّ‬
‫حارا‪ ،‬وما يضاد املزاج‬ ‫وما ّ‬
‫باخلاص ّية »‪. 1‬‬

‫وما يذكره الشيخ بعد ذلك يف أحوال التعاديل هي أمور قائمة عىل‬
‫أيضا‬‫نصا شاهدً ا عىل تعديل الرشاب « فتعديله ً‬ ‫التجربة واملعاينة‪ ،‬فنأخذ ًّ‬
‫شبيهة هبذه الوجوه ‪ -‬يقصد الوجوه املتقدّ مة من تعديل الطعام‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وجوه‬ ‫من‬
‫واهلواء ‪ -‬والرشاب ُيقال للامء… تعديل املاء إ ّما يف كم ّيته‪ ،‬حتّى ال يكون‬
‫فوق الذي ينبغي وال دون الذي ينبغي‪ ،‬وأ ّما يف كيفيته حتّى يكون رقي ًقا‬
‫قبواًل للحر والربد برسعة‪ ،‬ومن‬ ‫خفيف الوزن‪ ،‬عديم الطعم والرائحة‪ً ،‬‬
‫احلر‪ ،‬أو الطني العذب رسيع اجلرية (أي املاء)‬ ‫األهنار اجلارية عىل الطني ّ‬
‫بعيد عن املبدأ الذي منه املنبع‪ ،‬مكشوف للشمس والريح‪ْ ،‬‬
‫وإن كان النهر‬
‫أعظم فهو أجود‬

‫وخاصيته ( أي املاء املعتدل)‪ :‬اللذة‪ ،‬ورسعة االنحدار عن فم املعدة‬


‫والتعرق‪ْ ،‬‬
‫فإن كان املاء آجام ًيا أو كربيت ًيا‬ ‫ّ‬ ‫والرشاسيف‪ ،‬ورسعة الدرور‬
‫قوة يشء من‬ ‫أو ش ّب ًيا أو زاج ًيا أو نحاس ًيا أو زنجار ًيا أو زرنيخ ًيا‪ ،‬أو فيه ّ‬
‫املعادن‪ ،‬أورث أنوا ًعا من األمراض‪ ،‬وخري مياه املعادن ماء احلديد…ومن‬
‫التعديل ما يتع ّلق بوقته‪ :‬أي وقت رشبه‪ ،‬حتّى ال يكون عىل الريق‪ ،‬وال بعد‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬املنت‪ ،‬ص ‪.١٢‬‬


‫‪ | 226‬تاریخ علم املنطق‬

‫االمتالء ساعة الفراغ من الطعام‪ ،‬وال عقب حركة عنيفة‪ ،‬وال عقب سبب‬
‫خيلخل البدن فوق القدر‪ ،‬مثل اجلامع واحلامم‪ ،‬وال عقب سبب يوجب نرش‬
‫احلرارة الغريزية باإلفراط‪ ،‬كالغضب والفرح»‪. 1‬‬

‫اخلاصة يف الطب وتطبيقاهتا وتوصياهتا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا ذكرنا بعض القواعد‬


‫أن نتائج الربهان تكون مطلق ًة وثابت ًة‬
‫فلنرشع يف املهم من بحثنا من املعلوم ّ‬
‫للموضوع‪ ،‬وهذا ما سيجعل مبادئ األقيسة الربهانية حتمل اخلاص ّية نفسها‬
‫إن املحمول يقال عىل ذات املوضوع‪ ،‬لك ّن الشيخ‬ ‫أن نقول ّ‬‫حتّى يمكن لنا ْ‬
‫كلمة كل ّي ٍة مطلقة‪ ،‬بل رأى يف حكمها عىل‬ ‫ٍ‬ ‫الرئيس مل جيعل التجربة ذات‬
‫وعرض فيمن‬ ‫حكاًم مق ّيدً ا وحمدّ ًدا بحدود الظروف والتجربة‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫املوضوع‬
‫إن التجربة ليست تفيد العلم لكثرة ما يشاهد عىل‬ ‫جيعلها مطلقة‪ ،‬فقال‪ّ « :‬‬
‫قياس به قد ذكرناه‪ ،‬ومع ذلك فليس تفيد‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك احلكم فقط‪ ،‬بل القرتان‬
‫تكرر عىل‬
‫أن هذا اليشء الذي ّ‬ ‫علاًم قياس ًّيا مطل ًقا‪ ،‬بل كل ًّيا برشط‪ ،‬وهو ّ‬
‫ً‬
‫أن يكون‬‫دائاًم‪ّ ،‬إاّل ْ‬
‫أمرا ً‬
‫احلس هبا ً‬
‫تكرر ّ‬ ‫احلس تلزم طباعه يف الناحية التي ّ‬
‫مانع‪ ،‬فيكون كل ًيا هبذا الرشط‪ ،‬ال كل ًيا مطل ًقا »‪. 2‬‬

‫نص آخر للشيخ الرئيس جيعل مفاد‬ ‫النص املذكور آن ًفا يعضدُ ه ٌّ‬
‫ّ‬ ‫هذا‬
‫التجربة عىل ذات املوضوع احتامل ًيا‪ ،‬ويعزو اليقني فيه إىل صعوبة التفات‬
‫ّ‬
‫وألن التفات الذهن إىل تلك النسبة‬ ‫الذهن إىل نسبة املرجوح ّية التي تالزمه؛‬
‫أمر عسري حيتاج إىل‬
‫الضئيلة — القابعة خلف ستار ( كثرة الدالئل ) — ٌ‬
‫يتم‬
‫يتم جتربته‪ ،‬أي عىل ما ّ‬
‫متييز عالية‪ ،‬كان هناك حكم باليقني عىل ما ّ‬ ‫جودة ٍ‬
‫اصطحابه لكثرة من الدالئل تو ّلد عقائد شبه يقينية‪ ،‬فاحلكم عىل املوضوع‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.١٨‬‬
‫‪ .2‬الشفاء – املنطق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.٩٦‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪227‬‬

‫لشبهة عرضت‬ ‫ٍ‬ ‫والذي خيضع للتجربة يتو ّلد عنه يقني‪ ،‬لكن ليس هذا إال‬
‫احلق فيها مع وجه الباطل‪،‬‬ ‫صاحبها‪ ،‬والشبهة إنّام كانت شبه ًة لتشابه وجه ّ‬
‫احلق اخلالص الذي‬ ‫واحلكيم املنطقي هو الذي يق ّعد القواعد احلاكية عن ّ‬
‫شك‪ ،‬وليس من تلك القواعد التجربة بحكمها عىل موضوعها‬ ‫ال يشوبه ّ‬
‫ونص الشيخ‬‫باملطلق‪ ،‬بل عىل املوضوع بام هو مق ّيد بحدود ما متّت جتربته‪ّ ،‬‬
‫الرئيس واضح يف عزو اليقني عىل موضوع التجربة غري املق ّيد‪ ،‬إىل ٍ‬
‫يقني‬
‫موضوعي وآخر ذايت‪ ،‬نقرأ ما أفاده رمحه اهلل‪ « :‬ولو كانت التجربة مع‬
‫أن يكون املوجود بالنظر التجريبي عن معنى‬ ‫القياس الذي يصحبها متنع ْ‬
‫أخص‪ ،‬لكانت التجربة وحدها توقع اليقني بالكلية املطلقة ال بالكلية‬
‫أن يقرتن به‬ ‫املق ّيدة فقط‪ ،‬وإذ ذلك وحده ال يوجب ال يوجب ذلك ّإاّل ْ‬
‫أن التجربة‬‫وقياس غري القياس الذي هو جزء من التجربة‪ ،‬فباحلري ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نظر‬
‫ٌ‬
‫احلق‪ ،‬ومن قال غري هذا فلم ينصف أو‬ ‫بام هي جتربة ال تفيد ذلك‪ ،‬فهذا هو ّ‬
‫الشك فيه لكثرة دالئله وجزئياته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يفرق بني ما يعرس‬‫هو ضعيف التمييز ال ّ‬
‫فإن ها هنا عقائد تشبه اليقني وليست باليقني‪ ،‬وباجلملة ّ‬
‫فإن‬ ‫وبني اليقني‪ّ ،‬‬
‫التجربة معترب ٌة يف األمور التي حتدث عىل الرشط الذي رشطناه ويف اعتبار‬
‫عللها فقط»‪.1‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.٩٧‬‬


‫‪ | 228‬تاریخ علم املنطق‬

‫النتائج‬
‫‪1‌.‬بيان الشيخ كيف ّية رجوع القياس إىل صورة مك ّثرة للمعرفة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل بيان تعدّ د املبادئ التي يتشكّل منها القياس من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫نسبة القضايا بعضها إىل بعض يف حصول التوليد املعريف‪.‬‬
‫‪2‌.‬ذكره لقياس املساواة والعالئق املنطق ّية التي ترجع إىل القياس‪ ،‬وبيانه كيفية‬
‫الرجوع‪ ،‬وسبقه لزمانه من مستشكيل نظرية املعرفة واملنطق الريايض‬
‫خيص هذا اجلانب‪.‬‬‫فيام ّ‬
‫‪3‌.‬بيانه لوقوع التك ّثر املعريف من خالل برهان املالزمات‪ ،‬وما له من ٍ‬
‫أثر عىل‬
‫اإليّن‪.‬‬
‫فصلنا القول يف أقسام الربهان ّ‬
‫الفلسفة باملعنى األخص‪ ،‬وقد ّ‬
‫صورية‬
‫ّ‬ ‫تضمن جنوحه نحو مرتبة من مراتب‬ ‫ّ‬ ‫‪4‌.‬تعريفه للفكر‪ ،‬والذي‬
‫املنطق‪ ،‬والشواهد منها كان التعريف نفسه‪ ،‬ومنها تكميمه للغة املنطق‬
‫رمزا‪ ،‬ومنها جعلها مبادئ املادة لصناعة الربهان ضمن ما ُين َظر فيه‬
‫ً‬
‫وحيتاج إىل فكر‪.‬‬
‫‪5‌.‬ذكره للحدس يف مقابل الفكر‪ ،‬واحلدس بمعنى الغريزة‪ ،‬وكذا احلدس‬
‫ضمن مبادئ األقيسة لصناعة الربهان‪.‬‬
‫تفرد الشيخ بتعريفه للمركّب التام‪ ،‬املرتتّب عليه اختالف مواد احلدود‬
‫‪ّ 6‌.‬‬
‫والتعاريف‪.‬‬
‫تفرد الشيخ ببيانه ملاه ّية التجربة ومفاد حكمها‪.‬‬
‫‪ّ 7‌.‬‬
‫اإلبداعات املنطق ّية للشيخ الرئيس ابن سينا | ‪229‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن رشد‪ ،‬الربهان وتلخيص الربهان‪ ،‬ح ّققه ورشحه وقدّ م له الدكتور عبد الرمحن بدوي‪ ،‬ط‪،١‬‬
‫الكويت ‪ :‬قسم الرتاث العريب‪١٩٨٤‬م‪.‬‬
‫‪2.‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬حتقيق د سليامن دنيا‪.‬ط‪ ،3‬بريوت‪ :‬دار املعارف‪.‬‬
‫‪3.‬ــــــــــــــ‪ ،‬التعليقات‪ ،‬دراسة‪ :‬د حسن جميد العبيدي‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفراقد‪.2009 ،‬‬
‫‪4.‬ــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء قسم اإلهليات‪ ،‬راجعه وقدّ م له‪ :‬د إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬حتقيق‬
‫األستاذين األب قنوايت وسعيد زايد‪ .‬ط‪ ،1‬ايران ‪ :‬شرياز‪ ،‬نرش‪ :‬ذوي القربى‪.‬‬
‫‪5.‬ــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء قسم املنطق‪ ،‬املدخل تصدير‪ :‬د حسني باشا‪ ،‬مراجعة‪ :‬د إبراهيم بيومي‬
‫مدكور‪ ،‬حتقيق األساتذة‪ :‬األب قنوايت‪ ،‬وحممود احلصيني‪ ،‬وفؤاد األهواين‪ .‬ط‪ ،1‬ايران ‪ :‬شرياز‪.‬‬
‫‪6.‬ــــــــــــــ‪ ،‬املنطق‪ ،‬الربهان‪ ،‬تعليقات السيد حممد حسني الطباطبائي‪ ،‬مراجعة د‬
‫إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬حتقيق أبو العال عفيفي‪ .‬ط‪ ،1‬ايران‪ :‬شرياز‪ ،‬نرش ذوي القربى‪.‬‬
‫‪7.‬ــــــــــــــ‪ ،‬كتاب دفع املضار الكلية عن األبدان اإلنسانية ( األرجوزة يف الطب ) كتاب‬
‫األدوية القلبية‪ ،‬دراسة وحتقيق حممد زهري البابا‪ ،‬ط ‪ ،١‬منشورات جامعة حلب املنظمة العربية‬
‫للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬معهد الرتاث العلمي العريب‪ ،‬معهد املخطوطات العربية‪ ١٩٨٤ ،‬م‪.‬‬
‫‪8.‬ــــــــــــــ‪ ،‬منطق املرشقيني والقصيدة املزدوجة يف املنطق ‪ -‬دار بيبليون ط‪.٢٠٠٩ :‬‬
‫‪9.‬جون ديوي‪ ،‬املنطق نظرية البحث‪ ،‬ترمجة زكي نجيب حممود‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪.‬‬
‫ ‪10.‬الرازي‪ ،‬فخر الدين حممد بن عمر ‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مقدمة وتصحيح د عيل رضا‬
‫نجف زاده‪ .‬طهران‪ :‬سلسلة انتشارات انجمن آثار ومفاخر فرهنكي‪.1384 ،‬‬
‫ ‪11.‬زكي نجيب حممود‪ ،‬املنطق الوضعي‪ ،‬ط‪ ،3‬مكتبة األنجلو مرصية‪.1961،‬‬
‫ ‪12.‬الساوي‪ ،‬القايض زين الدين عمر بن سهالن ‪ ،‬البصائر النصريية يف علم املنطق‪ ،‬تقديم وحتقيق‬
‫حسن املراغي‪ ،‬مع تعليقات الشيخ حممد عبده‪.‬ط‪،1‬طهران‪،‬مطبعة رشيعتي‪1390 ،‬هـ ‪.‬‬
‫ ‪13.‬الصدر‪ ،‬السيد حممد باقر ‪ ،‬حمارضات تأسيس ّية جمموعة من األبحاث املنطقية والفقهية التي‬
‫ألقاها يف عطل شهر رمضان املبارك‪ ،‬إعداد املؤمتر العاملي لإلمام الشهيد الصدر‪،‬ط‪ ،1‬النارش مركز‬
‫األبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر‪1430 .‬م‪.‬‬
‫‪ | 230‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪14.‬الكايش‪ ،‬حييى بن أمحد ذكرى‪ .‬ابن سينا نكت يف أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬حتقيق الدكتور‬
‫أمحد فؤاد األهواين‪ ،‬منشورات املعهد العلمي الفرنيس‪ ،‬ط ‪ :‬دار املعارف بمرص‪.‬‬
‫ ‪15.‬حممد عجوط‪ ،‬مسامهة ابن سينا يف تطوير املنطق‪ ،‬مذكّرة مقدمة لنيل شهادة املاجيستري يف‬
‫الفلسفة‪ .‬جامعة اجلزائر ‪ :‬كلية العلوم اإلنسانية‪ ،‬قسم الفلسفة‪2009-2008 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬حممد نارص‪ ،‬هنج العقل تأصيل األسس وتقويم النهج‪ ،‬إرشاف الدكتور أيمن املرصي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار املحبني‪ ٢٠١٤ ،‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬مكاتبة أيب سعيد اخلدري للشيخ الرئيس ابن سينا (نسخة إلكرتونية)‪.‬‬
‫ ‪18.‬يد اهلل يزدان بناه‪ .‬تأ ّمالت يف فلسفة الفلسفة اإلسالمية‪ :‬مباحث يف نظرية املعرفة واملنهج‬
‫املعريف ترمجة أمحد وهبة‪ ،‬ط ‪ ،١‬لبنان ‪ :‬معهد دار املعارف احلكمية‪. ٢٠٢١ .‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان‬
‫‪1‬‬
‫الشيخ سامر توفيق عجمي‬
‫ُملخّص البحث‬
‫هبمنيار بن املرزبان من كبار حكامء مدرسة املشاء‪ ،‬وأحد أعيان تالمذة ابن‬
‫اهتم بتعليمه وتأديبه كأنّه ولدٌ له‪ ،‬كتب يف املنطق‪ ،‬واإلهليات‪،‬‬‫سينا‪ ،‬ا ّلذي ّ‬
‫والطبيع ّيات‪ ،‬واألخالق‪ ...‬ومع أمه ّية هبمنيار ال تتو ّفر املعطيات الكافية عنه‪،‬‬
‫مهها منهج معاجلته للقضايا‬ ‫كان جموس ًّيا‪ ،‬وهناك قرائن عدّ ة عىل أنّه أسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫دور يف الكشف عن‬ ‫اإلهل ّية‪ ،‬يتم ّيز بأنّه م ّطلع بد ّقة عىل فلسفة ابن سينا‪ ،‬وله ٌ‬
‫أهم كتبه‪( :‬التحصيل)‪ ،‬يشتمل عىل‪ :‬املنطق‪،‬‬ ‫معضالهتا وغوامضها‪ ،‬من ّ‬
‫والطبيع ّيات‪ ،‬واإلهليات‪ ،‬سار فيه عىل النهج السينوي‪ ،‬مقتد ًّيا يف الرتتيب‬
‫مرص ًحا بأنّه‬
‫الفلسفي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫توصل إليه اجتهاده‬ ‫باحلكمة العالئية‪ ،‬وأضاف فيه ما ّ‬
‫تعليمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كتاب‬
‫ٍ‬
‫بشكل موجز‪ ،‬إذ‬ ‫خمصص ٌة لكتاب (املنطق) من التحصيل‪،‬‬ ‫وهذه املقالة ّ‬
‫كقوة حتليل وتركيب‬‫عاجلت أقسام اإلدراك عند هبمنيار‪ ،‬مركّز ًة عىل ا ُملفكِّرة ّ‬
‫يف عملية إنتاج املعرفة‪ .‬ذاكر ًة دفاع هبمنيار عن املنطق ضدّ التيار املعارض‪،‬‬
‫مناقش ًة شبهة كفاية الفطرة السليمة والذهن الصحيح عن املنطق يف إنتاج‬
‫املعرفة‪ ،‬بأنّه لو كانا كافيني يف التمييز ملا وقع بني العلامء اختالف‪ ،‬وال وقع‬
‫ٍ‬
‫لواحد يف رأيه تناقض‪ .‬متو ّقف ًة عند مت ّيز تعريف املنطق عند هبمنيار بالتأكيد‬
‫عىل ُبعديه‪ :‬الصوري واملادي‪ ،‬وبذلك ُيظهر ضعف من أشكل عىل املنطق‬
‫األرسطي بأنّه منطق الصورة فقط‪.‬‬

‫متخصص يف الفلسفة واملنطق‪ .‬لبنان‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .1‬مؤلّف وباحث‬
‫‪ | 232‬تاریخ علم املنطق‬

‫كام سلطت الضوء عىل العالقة بني اللغة واملنطق عند هبمنيار‪ ،‬حيث يرى‬
‫أن األفكار العقلية مؤ ّلف ٌة من أقوال عقل ّية‪ ،‬وتناولت‪ :‬نظرية الوضع‪ ،‬ونظرية‬
‫ّ‬
‫تبع ّية الداللة للقصد‪ ،‬ونظرية داللة األلف والالم عىل العموم دون حرص‬
‫الطبيعة‪ ،‬ولذا يكون هناك قضي ٌة مهمل ٌة يف املنطق‪.‬‬

‫وتو ّقفت املقالة عند نظريته يف اكتساب املعقوالت باقتباس النفس للصور‬
‫الذهني املحض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العلم ّية من العقل الف ّعال‪ ،‬ال بسبب النشاط‬

‫وختمنا ببيان نظرية هبمنيار يف الربهان ال ّلمي والتي متتاز عن نظرية‬


‫أستاذه ابن سينا‪ ،‬حيث ذهب التلميذ إىل أنّه من رشوط الربهان ال ّلمي كون‬
‫احلدّ األوسط ع ّلة لالعتقاد وع ّلة لوجود األكرب يف ذاته‪.‬‬

‫أ ّو ًاًل‪ :‬نبذة مخترصة عن بهمنيار بن املرزبان‬


‫املشكلة البحث ّية األوىل التي يواجهها الكاتب عن هبمنيار هي ندرة‬
‫املعطيات عنه‪ ،‬فال تتو ّفر بني أيدينا مواد كافية ومعلومات وافية عن حياته‬
‫الشخص ّية‪ ،‬بل تكاد تنعدم‪ .‬وقد اعرتف بذلك مرتىض مطهري يف مقدّ مته‬
‫عرف تاريخ والدته‪ ،‬أ ّما وفاته فقد‬
‫عىل كتاب التحصيل‪ .‬ومن مجلتها أنّه ال ُي َ‬
‫البغدادي واخلضريي‪ 2‬ومطهري‪ّ -3‬أهّنا سنة ‪ 458‬هـ‬ ‫ّ‬ ‫البيهقي‪ - 1‬وتبعه‬
‫ّ‬ ‫ذكر‬
‫ُويّف حواىل سنة ‪ 430‬ه (‪1038‬م)‪.4‬‬ ‫(‪1066‬م)‪ .‬وذهب بروكلامن إىل أنّه ت ّ‬

‫أيضا جموس ًّيا‪.‬‬


‫أصله من أذربيجان‪ ،‬كانت عائلته جموس ّية‪ ،‬وكان هو ً‬
‫أيضا‬ ‫يبق عىل املجوس ّية‪ ،‬قال اخلوانساري‪ « :‬كان هو ً‬
‫املشهور أنّه أسلم ومل َ‬
‫‪ .1‬البيهقي‪ ،‬تت ّمة صوان الحكمة‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫نقاًل عن‪ :‬بدوي‪ ،‬التعليقات‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ .2‬الخضريي‪ ،‬سلسلة متصلة من تالميذ ابن سينا‪ ،‬ص ‪ً .55‬‬
‫‪ .3‬مطهري‪ ،‬مقدّمة كتاب التحصيل‪ ،‬ص‪ :‬ح‪.‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬التعليقات‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪233‬‬

‫أيضا من‬ ‫ّ‬


‫واستدل عليه ً‬ ‫ثم أسلم كام هو املشهور‪،‬‬
‫عىل املجوس ّية يف البداية‪ّ ،‬‬
‫كتابه املذكور‪ ،‬أي التحصيل »‪ .1‬وقال إسامعيل باشا البغدادي (ت ‪1339‬ه)‪:‬‬
‫ثم أسلم»‪.2‬‬
‫« هبمنيار بن مرزبان العجمي األذربيجاين‪ ،‬كان جموس ًّيا‪ّ ،‬‬
‫وثمة قرائن عديد ٌة يمكن استظهار إسالمه منها‪ ،‬أ ّما القرائن‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪1‌.‬ما ذكره يف املقالة األوىل من املنطق عند البحث عن التقدّ م بالرشف‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن أبا بكر قبل عمر»‪ .3‬وقيل بسبب‬ ‫بالرَّشف‪ ،‬كام ُيقال‪ّ :‬‬
‫«ويقال متقدِّ م َّ‬
‫أن تكون هذه قرين ًة‬
‫هذه العبارة إنّه سنّي املذهب‪ .‬لكن‪ ،‬رفض مطهري ْ‬
‫ألن هذه التمثيالت يف الكتب العلم ّية‬‫فضاًل عن تسنّنه؛ ّ‬‫عىل إسالمه ً‬
‫أمر معتا ٌد‪ ،‬وال تُعدّ ً‬
‫دلياًل عىل إسالمه أو تسنّنه‪.4‬‬ ‫ٌ‬
‫أن هبمنيار يبتدأ كتاب املنطق من التحصيل (ص‪ )1‬بعبارة‪:‬‬ ‫‪2‌.‬القرينة الثانية‪ّ :‬‬
‫بعلو شأنه وسبوغ إحسانه‪ ،‬وصلواته عىل‬ ‫«احلمد هلل محدً ا يستحقه ّ‬
‫تم كتاب املنطق‪،‬‬
‫نب ّيه وآله وأصحابه»‪ ،‬وخيتم (ص‪ )275‬بعبارة‪ّ « :‬‬
‫ّ‬
‫وصىّل اهلل عىل حممد وآله أمجعني»‪ .‬وكذلك يف‬ ‫رب العاملني‪،‬‬
‫واحلمد هلل ّ‬
‫باقي الكتب‪ :‬كتاب علم ما بعد الطبيعة‪ ،‬وكتاب العلم بأحوال أعيان‬
‫املوجودات‪.5‬‬
‫النساخ‪ ،‬ولكنّها مع‬
‫إن هذا قد حيصل من قلم ّ‬‫أن يقال ّ‬‫ولكن يمكن ْ‬
‫أن تكون من هبمنيار نفسه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إثبات ناقصة؛ الحتامل ْ‬ ‫ذلك تبقى قرين َة‬
‫‪3‌.‬القرينة الثالثة‪ :‬مطالعة روح املطالب الفلسف ّية ومنهج ّية هبمنيار يف معاجلة‬

‫‪ .1‬الخوانساري‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.161‬‬
‫‪ .2‬البغدادي‪ ،‬هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.244‬‬
‫‪ .3‬بهمنيار‪ ،‬التحصيل‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ .4‬مطهري‪ ،‬مقدمة كتاب التحصيل‪ ،‬ص‪ :‬ح‪.‬‬
‫‪ .5‬التحصيل‪ ،‬ص‪ ،1‬ص‪ ،275‬ص‪ ،278‬ص‪ ،569‬ص‪.837‬‬
‫‪ | 234‬تاریخ علم املنطق‬

‫والرش‪ ،‬واخلالقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املسائل الوجودية واإلهلية‪ ،‬وقضايا التوحيد‪ ،‬واخلري‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬التي تنسجم متام االنسجام مع منهج الفلسفة اإلسالم ّية‬
‫ال املجوس ّية‪ .‬يقول مرتىض مطهري‪ « :‬من البعيد بقاء هبمنيار عىل‬
‫املجوس ّية مع ما نرى من نظراته وسياق فكره يف مسائل التوحيد واخلري‬
‫والرّش‪ّ ،‬‬
‫وأن ذلك ال ينتظم مع العقائد املجوس ّية»‪.1‬‬ ‫ّ‬
‫أن هبمنيار الزم ابن سينا منذ سن مبكرة‪ ،‬وتتلمذ‬ ‫‪4‌.‬والقرينة الراب ّعة‪ :‬هي ّ‬
‫تلمذه عىل يد ابن سينا أنّه رآه َق ِد َم يو ًما‬ ‫ِ‬
‫عىل يده‪ ،‬وقد نُقل يف سبب ُّ‬
‫الرجل‪ُ :‬خ ْذ وعاءك اجعل‬ ‫ٍ‬
‫نارا‪ .‬فقال له ّ‬
‫عىل حدّ اد أو غريه‪ ،‬يطلب منه ً‬
‫ثم بسط ك ّفه إليه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فيه النّار‪ ،‬وكان مل يأته بوعاء هلا معه‪ ،‬فتو ّقف ً‬
‫يسريا‪ّ ،‬‬
‫وصب عليه من تراب األرض شي ًئا‪ ،‬وقال‪ :‬ضعها عىل هذا الوعاء‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وح ْسن قرحيته‪ ،‬وطلب منه‬ ‫فتعجب الرئيس [ابن سينا] من فطانته ُ‬ ‫ّ‬
‫املالزمة عىل بابه إىل أن بلغ ما بلغ ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويكفي يف بيان مدى اهتامم ابن سينا ببهمنيار قول ابن سينا نفسه يف املباحثة‬
‫الثالثة خماط ًبا هبمنيار كام هو الظاهر‪« :‬وذلك غري ما كنت أتو ّقعه منه‪ ،‬وهو يل‬
‫وأحب‪ ،‬وقد ع ّلمته وأ ّدبته‪ ،‬وبلغت به املنزلة التي‬
‫ّ‬ ‫ألح من الولد‬
‫كالولد ‪ ،‬بل ّ‬
‫بلغها؛ فام كان له يف ذلك التبليغ آخر غريي يقوم فيه مقامي»‪.3‬‬
‫أن يكون هبمنيار حتت إرشاف ابن سينا ورعايته‬ ‫ومن غري املتو ّقع عاد ًة ْ‬
‫ٍ‬
‫كولد له‪ ،‬وال تكون عقيدته هي عقيدة ابن سينا‪ ،‬وبالتايل‬ ‫وتعليمه وتأديبه‬
‫تُعتدّ هذه القرينة مع التي سبقتها‪ ،‬مع شهادة بعض أصحاب الرتاجم‬
‫شيعي املذهب‪ ،‬كام ذهب إىل ذلك‬‫ّ‬ ‫الشيعة‪ ،‬شواهد عىل إسالمه بل كونه‬ ‫ّ‬
‫مرتىض مطهري‪.4‬‬
‫‪ .1‬مطهري‪ ،‬مقدمة كتاب التحصيل‪ ،‬ص‪ :‬ح‪.‬‬
‫‪ .2‬الخوانساري‪ ،‬روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.161‬‬
‫‪ .3‬ابن سينا‪ ،‬املباحثات‪ ،‬تعليق محسن بيدارفر‪ ،‬حاشية ص‪.9‬‬
‫‪ .4‬بهمنيار‪ ،‬التحصيل‪ ،‬مقدّمة املعلّق‪ -‬مرتىض مطهري‪ ،‬ص‪ :‬ز‪.‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪235‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقوال املرتجمني يف بهمنيار‬


‫ـ ـقال البيهقي (ت‪« :)565‬الفيلسوف هبمنيار احلكيم‪ ،‬كان تلميذ أيب‬
‫جمويس املِ ّلة‪ ،‬غري ماهر يف كالم العرب‪ ،‬وكان من‬
‫ّ‬ ‫عيل [ابن سينا]‪ ،‬وكان‬
‫بالد آذرباجيان‪ .‬واملباحث التي أليب عيل أكثرها مسائل هبمنيار‪ ،‬تبحث‬
‫عن غوامض املشكالت‪ .‬ومن تصانيف هبمنيار‪ :‬كتاب التحصيل‪،‬‬
‫وكتاب الرتبة يف املنطق‪ ،‬وكتاب يف املوسيقى‪ ،‬ورسائل كثرية»‪.1‬‬

‫إن هبمنيار غري ماهر يف كالم العرب‪ ،‬يف غري حم ّله؛‬


‫أن قوله ّ‬
‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫تدل عىل خالف ذلك‪.‬‬ ‫ألن كتاباته ّ‬
‫ّ‬
‫ـ ـوقال اخلوانساري (ت ‪1313‬ه)‪« :‬احلكيم احلاذق‪ ،‬أبو احلسن هبمنيار‬
‫بن مرزبان‪ ،‬األعجمي‪ ،‬األذربيجاين‪ ،‬كان من أعيان تالمذة الشيخ‬
‫عيل‪ ،‬وكاش ًفا عن مشكالت علومه‪ ،‬بل باح ًثا عن سائر‬ ‫الرئيس أيب ّ‬
‫الغوامض يف األغلب‪ ...‬وله‪ :‬كتاب (التحصيل) يف املنطق‪ ،‬والطبيعى‪،‬‬
‫واإلهلي بالرتتيب املذكور عىل طريقة املشائني‪ .‬والفاضل اخلفري ينقل‬
‫كثريا يف حاشيته‪ ،‬ويستشهد بكالمه‪ ،‬وقد كان أ ّلفه خلاله أيب منصور‬
‫عنه ً‬
‫املجويس»‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫بن هبرام بن خورشيد بن برديار‬

‫ـ ـوقال إسامعيل باشا البغدادي (ت ‪1339‬ه)‪ « :‬هبمنيار بن‬


‫مرزبان ‪ ...‬من أعيان تالمذة الرئيس ابن سينا‪ ،‬تويف سنة ‪458‬‬
‫ه‪ ،‬من تآليفه‪ :‬كتاب البهجة يف املنطق والطبيعي واإلهلي‪،‬‬

‫‪ .1‬البيهقي‪ ،‬تت ّمة صوان الحكمة‪ ،‬ص‪ .19‬وترجمة البيهقي لبهمنيار هي أقدم ترجمة‪ ،‬وما ذكره هو‬
‫جل ما نعرفه من ترجمة بهمنيار‪ ،‬وقد أخذ عنه سائر املرتجمني له‪ ،‬كالشهرزوري حيث نقل كالم‬ ‫ّ‬
‫البيهقي املذكور بعينه دون أن يشري إليه‪ .‬انظر‪ :‬الشهرزوري‪ ،‬تاريخ الحكامء‪ -‬نزهة األرواح وروضة‬
‫األفراح‪ ،‬ص‪ ،316‬برقم‪.67 :‬‬
‫‪ .2‬الخوانساري‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬روضات الجنات يف أحوال العلامء والسادات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.161‬‬
‫‪ | 236‬تاریخ علم املنطق‬

‫كتاب التحصيل كذا‪ ،‬كتاب السعادة»‪.1‬‬

‫ـ ـوقال الشيخ أبو القاسم الكازروين‪« :‬إنّه كان من تالمذة ابن سينا‪،‬‬
‫وماهرا يف احلكمتني‪ ،‬وعلم املنطق‪ ،‬وله تصانيف مشهورة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ً‬
‫التحصيل‪ ،‬والبهجة‪ ،‬والسعادة‪ ،‬وغريها» ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ـ ـويقول الشيخ مرتىض مطهري‪ « :‬أبو احلسن هبمنيار بن مرزبان‬


‫اآلذرباجياين‪ ،‬كان جموس ًّيا‪ ،‬فأسلم‪ ،‬وهو من أشهر تالمذة ابن سينا‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومن أسباب شهرته أسئلته الكثرية من شيخه‪ ،‬وأجوبة الشيخ له‪ ،‬وأكثر‬
‫كتاب املباحثات للشيخ أجوبة عىل أسئلة هبمنيار‪ ،‬والعامل اآلخر‬
‫كثريا يف كتب‬
‫لشهرة هبمنيار كتابه املعروف‪( :‬التحصيل)‪ ،‬الذي ُيذكَر ً‬
‫الفلسفة‪ ،‬نقل عنه صدر ّ‬
‫املتأهّلني يف كتاب (األسفار) مطالب متعددة يف‬
‫مواضع عديدة‪ ،‬وموضوعني عن كتابه اآلخر (البهجة والسعادة)»‪.3‬‬

‫ثالثًا‪ :‬كتب بهمنيار ومؤلَّفاته‬


‫ذكر املؤرخون واملح ّققون كتب عدّ ة لبهمنيار تقدّ م ذكر بعضها يف الرتاجم‬
‫بعضا غريها‪ ،4‬وهي‪:‬‬
‫السابقة‪ ،‬وذكر آخرون ً‬ ‫ّ‬
‫أ‪ .‬الرتبة يف املنطق‪ .‬ب‪ .‬كتاب يف املوسيقى‪ .‬ج‪ .‬البهجة‪ .‬د‪ .‬السعادة‪ .‬هـ‪.‬‬
‫رسالة ىف مراتب املوجودات‪ ،‬خمطوطة ىف ليدن برقم ‪ .١٤٨٢‬و‪ .‬رسالة ىف‬
‫موضوع العلم املعروف بام بعد الطبيعة‪ ،‬خمطوطة ىف ليدن برقم ‪.١٤٨٤‬‬

‫‪ .1‬البغدادي‪ ،‬هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.244‬‬


‫‪ .2‬الكازروين‪ُ ،‬سلّم الساموات‪ ،‬تصحيح عبد الله النوراين‪ ،‬مرياث مكتوب‪ ،‬طهران‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1386‬هـ‪.‬ش‪‌.‬‬
‫‪ .3‬مطهري‪ ،‬مرتىض‪ ،‬اإلسالم وإيران‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫‪ .4‬ابن أيب أصيبعة‪ ،‬عيون األنباء يف طبقات األطباء‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،19‬و‪.204‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪237‬‬

‫و ُطبِعت يف القاهرة‪ ،‬سنة ‪١٣٢٩‬ه ىف مطبعة كردستان العلم ّية‪ .‬وقيل ّإهّنا‬
‫أيضا معنونه باسم‪( :‬إثبات املبدأ األول)‪ .‬ذكر الدكتور املهدوي (فهرست‬ ‫ً‬
‫مصنفات ابن سينا ‪ّ )259 :‬أهّنا موجودة يف جمموعتَي (‪ 4829‬و ‪4849‬‬
‫أيا صوفيا) و (‪ 4894‬نور عثامن ّية) منسوب ًة إىل الشيخ‪ ،‬ويف (‪ 1484‬ليدن)‬
‫وأهّنا ُطبعت مع رسالة يف مراتب املوجودات لبهمنيار‪،‬‬‫منسوب ًة إىل هبمنيار‪ّ .‬‬
‫وترمجتها باألملان ّية (ليبزيك ‪ 1851‬م‪ .‬بتحقيق ‪.)Salomonpoper‬‬

‫‪ .1‬هبمنيار وكتاب‪( :‬التعليقات)‬


‫صدر هذا الكتاب بتحقيق عبد الرمحن بدوي يف القاهرة ‪1973‬م‪ .‬ثم‬
‫صدر بتحقيق حسن جميد العبيدي عن بيت احلكمة ببغداد‪ ،‬عام ‪2002‬م‪.‬‬

‫يقول عبد الرمحن بدوي يف تصدير كتاب التعليقات‪« :‬هذا كتاب‬


‫(التعليقات) البن سينا‪ ،‬أماله وع ّلقه عنه تلميذه هبمنيار‪ .‬وكام ُّ‬
‫يدل عليه‬
‫وأقوال شتّى تشمل معظم موضوعات الفلسفة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫إن هو ّإاّل ُ َ‬
‫مُج ٌل‬ ‫اسمه ْ‬
‫األخص املنطق‪ ،‬وما بعد الطبيعة‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬وعلم النفس»‪ .1‬ويقول‬ ‫ّ‬ ‫وعىل‬
‫العبيدي‪« :‬كتاب التعليقات إنّام هو مباحث فلسف ّي ٌة دقيق ٌة قامت يف شكل‬
‫وإن كانت شخص ّية التلميذ‬ ‫حوار بني ابن سينا وتلميذه هبمنيار بن املرزبان ْ‬ ‫ٍ‬
‫العلمي (أي‬ ‫واضحة يف صفحات الكتاب‪ ...‬فقد دارت يف جملسه‬ ‫ٍ‬ ‫غري‬
‫ّ‬
‫جملس ابن سينا) مناظرات فلسفية ومباحثات يف دقيق العلم ظهرت عنها‬
‫هذه املؤ ّلفات ‪ -‬أي كتاب املباحثات وكتاب التعليقات‪ -‬ويبدو ّ‬
‫أن لتلميذه‬
‫الفلسفي يف ُجُممل الفلسفة‬
‫ّ‬ ‫هبمنيار الدّ ور الفاعل واملتم ّيز يف إدارة د ّفة احلوار‬
‫ومباحثها من منطق وطبيعة ورياضيات وميتافيزيقا وسياسة وأخالق»‪.2‬‬

‫‪ .1‬التعليقات‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬كتاب التعليقات‪ ،‬مقدّمة املحقّق‪ ،‬ص‪.16 -13‬‬
‫‪ | 238‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪ .2‬هبمنيار وكتاب‪( :‬املباحثات)‬


‫صدر كتاب املباحثات بتحقيق حمسن بيدارفر‪ ،‬الذي يقول‪« :‬وقد اشتهر‬
‫لدى الباحثني والناقدين آلراء الشيخ‪ ،‬رغم صغر حجمه وعدم الرتتيب‬
‫نظريا له من كتب الشيخ فأشبه يشء به كتابه‬
‫والتبويب فيه؛ ولو ذهبنا لنجد ً‬
‫فإهّنام اسرتضعا من ثدي واحد‪ .‬إذ مل يكن شأن الشيخ فيهام‬
‫التعليقات‪ّ ،‬‬
‫القصد إىل تأليف كتاب ‪ ،‬بل مها جمموعة جوابات وكلامت مأخوذة منه‪،‬‬
‫اخلاص هبمنيار بنفسه‪.1»...‬‬
‫ّ‬ ‫مجعهام تلميذه‬

‫‪ .3‬التحصيل‪ُ :‬طبع بتصحيح وتعليق األستاذ الشهيد مرتىض مطهري‪ ،‬يف‬


‫جامعة طهران‪.‬‬
‫حمص ٌل يف هذه الرسالة للخال‬‫«فإيّن ِّ‬
‫يقول هبمنيار يف مقدمة هذا الكتاب‪ّ :‬‬
‫هذهبا الشيخ‬‫أيب منصور هبرام بن خورشيد بن ايزديار‪ ،‬كتاب احلكمة التي ّ‬
‫الرئيس أبو عيل احلسني بن عبد اهلل بن سينا ‪ ،‬مقتد ًّيا يف الرتتيب باحلكمة‬
‫العالئية‪ ،‬ويف استيعاب املعاين بعامة تصنيفاته‪ ،‬وبام جرى بيني وبينه حماورةً‪،‬‬
‫حصلته بنظري يف الفروع التي جتري جمرى األصول‪ ،‬ويدّ لك‬ ‫ومضيف إليه ما ّ‬
‫ٌ‬
‫عىل هذه الفروع نظرك يف كتبه‪.‬‬
‫وينقسم هذا الكتاب إىل ثالثة كتب‪:‬‬
‫فالكتاب األول يف املنطق‪ ،‬ويشتمل عىل ثالث مقاالت‪ :‬فاملقالة‬
‫األوىل تشتمل عىل ثالثة أبواب‪ :‬فالباب األول يف اإلبانة عن الغرض يف‬
‫إيساغوجي‪.2‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬املباحثات‪ ،‬مقدّمة املحقّق‪ ،‬ص ‪.12-10‬‬
‫‪ .2‬إيساغوجي ‪ Εἰσαγωγή‬كلمة يونانيّة تعني‪ :‬املقدّمة أو املدخل‪ ،‬وتطلق يف املنطق ويراد بها‪:‬‬
‫الكليّات الخمس‪ :‬الجنس‪ ،‬النوع‪ ،‬الفصل‪ ،‬العرض العام‪ ،‬العرض الخاص‪ .‬ولعله من باب إطالق‬
‫الكل عىل أرشف األجزاء وأه ّمها‪.‬‬
‫ّ‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪239‬‬

‫والباب الثاين يف اإلبانة عن الغرض يف قاطيغورياس‪ .1‬والباب الثالث‬


‫يف اإلبانة عن الغرض يف باريرمنياس‪ .2‬واملقالة الثانية تشتمل عىل كتاب‬
‫القياس وهو باب واحد‪ .‬واملقالة الثالثة تشتمل عىل معاين كتاب الربهان‬
‫وهو بابان‪.‬‬
‫والكتاب الثاين وهو العلم املوسوم بعلم ما بعد الطبيعة‪.‬‬
‫والكتاب الثالث يف اإلشارة إىل أعيان املوجودات‪.‬‬

‫والطريق إىل تع ّلم هذا الكتاب أن يبتدأ باحلكمة العالئية ويتع ّلم منها املنطق‬
‫يعرج إىل هذا الكتاب ليحصل لطالب العلم مطلوبه‪.3»...‬‬ ‫خصوصا‪ ،‬ثم ّ‬
‫ً‬
‫يمكن استخراج جمموعة خالصات من هذا النص‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أنّه قام بتأليف هذا الكتاب أليب منصور هبرام بن خورشيد بن ايزديار‪.‬‬
‫الثانية‪ّ :‬‬
‫أن كتابه يف احلكمة والفلسفة عىل النهج السينوي‪ ،‬مقتد ًّيا يف‬
‫الرتتيب باحلكمة العالئية‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬أنّه اعتمد عىل مصدرين يف معرفة احلكمة السينوية‪ ،‬األول‪َ :‬كتْبي‪،‬‬
‫وهو عامة تصنيفات ابن سينا‪ .‬والثاين‪ :‬شفهي‪ ،‬وهو ما جرى بني هبمنيار‬
‫وابن سينا من حماورات‪.‬‬

‫حصله بنظره‪،‬‬ ‫الرابعة‪ّ :‬‬


‫أن هبمنيار جمتهد يف احلكمة‪ ،‬إذ أضاف يف كتابه ما ّ‬
‫من الفروع التي جتري جمرى األصول‪.‬‬
‫‪ .1‬قاطيغورياس ‪ :‬املقوالت‪ :‬الجوهر‪ ،‬الكم‪ ،‬الكيف‪ ،‬اإلضافة‪ ،‬األين‪ ،‬متى‪ ،‬الوضع‪ ،‬الجدة‪ ،‬أن‬
‫يفعل‪ ،‬أن ينفعل‪.‬‬
‫‪ .2‬باريرمنياس‪ :‬أو باري ارمانياس‪ :‬هو كتاب العبارة يف املنطق‪ ،‬ويشمل‪ :‬مباحث األلفاظ والداللة‬
‫وأنحاء تركب األقوال والقضايا‪.‬‬
‫‪ .3‬بهمنيار‪ ،‬التحصيل‪ ،‬ص‪.2-1‬‬
‫‪ | 240‬تاریخ علم املنطق‬

‫اخلامسة‪ :‬أنّه عالج يف كتابه هذا ميادين احلكمة النظر ّية‪ :‬املنطق‪ ،‬علم ما‬
‫بعد الطبيعة‪ ،‬معرفة واجب الوجود‪ ،‬الطبيعيات‪ ،‬علم النفس الفلسفي‪ .‬ومل‬
‫يتعرض للحكمة العمل ّية‪.‬‬‫يتعرض للرياضيات‪ ،‬وكذلك مل ّ‬ ‫ّ‬
‫السادسة‪ :‬يظهر أنّه يتبنى كون املنطق من أقسام احلكمة النظر ّية‪.‬‬
‫تعليمي‪ ،‬إذ قال هبمنيار‪« :‬والطريق إىل تع ُّلم‬
‫ّ‬ ‫السابعة‪ :‬يظهر منه أنّه كتاب‬
‫خصوصا‪ ،‬ثم‬‫ً‬ ‫هذا الكتاب أن يبتدأ باحلكمة العالئ ّية‪ ،‬ويتع ّلم منها املنطق‬
‫يعرج إىل هذا الكتاب ليحصل لطالب العلم مطلوبه يف مدة تقرص عن حت ّفظ‬ ‫ّ‬
‫كتاب احلامسة»‪.1‬‬
‫يتبنّي ما يف قول األغا بزرك الطهراين‪( « :‬التحصيل) يف املنطق‬
‫وهبذا ّ‬
‫والريايض والطبيعي واإلهلي‪ ،‬عىل طريقة املشائني‪ ،‬للحكيم أيب احلسن‬
‫هبمنيار بن مرزبان اآلذرباجياين املتوىف سنة ‪ ،458‬كان من أعيان تالميذ‬
‫الرّشيف‪ ،‬لعدم‬
‫الريايض من سهو قلمه ّ‬
‫ّ‬ ‫الشيخ أيب عيل بن سيناء»‪ّ ،2‬‬
‫فلعل ذكر‬
‫اشتامل كتاب التحصيل عىل الرياض ّيات‪.‬‬
‫أن تكون من‬ ‫أن للكتاب ترمج ًة بالفارس ّية‪ ،‬واحتمل ْ‬
‫وذكر اخلوانساري ّ‬
‫ترمجة هبمنيار نفسه‪.3‬‬
‫أن كتاب التحصيل حيتوي عىل كنوز الفلسفة املشائ ّية وحتديدً ا‬ ‫شك يف ّ‬
‫وال ّ‬
‫كل مباحث منطق‬ ‫أن نس ِّلط الضوء عىل ِّ‬
‫يف ضوء رؤية ابن سينا‪ ،‬وال نستطيع ْ‬
‫التحصيل‪ ،‬لذا نقترص عىل بعض النامذج بشكل شديد االختصار بام يسعه‬
‫الوقت واملجال‪.‬‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ .‬وكتاب‪( :‬الحامسة)‪ ،‬أليب متام حبيب بن أوس الطايئ (ت ‪231‬ه) جمع فيه ما اختاره‬
‫من أشعار العرب العرباء ورت ّبه عىل عرشة أبواب‪ :‬الحامسة‪ ،‬املرايث‪ ،‬األدب‪ ،‬النسيب‪ ،‬الهجاء‪،‬‬
‫اإلضافات‪ ،‬الصفات‪ ،‬السري وامللح‪ ،‬ومذمة النساء‪ ،‬واشتهر ببابه األول‪.‬‬
‫‪ .2‬آقا بزرك الطهراين‪ ،‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،395‬برقم‪.1410 :‬‬
‫‪ .3‬الخوانساري‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪241‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أقسام املعرفة البرش ّية ووظيفة املُفكِّرة يف اكتسابها‬


‫يبدأ هبمنيار مقالته األوىل من كتاب املنطق بتقسيم العلم ‪ -‬ويقصد به‬
‫التصور بأنّه‪« :‬هو العلم األول»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تصو ٍر وتصديق‪ً ِّ ،‬‬
‫معرِّبا عن‬ ‫احلصويل‪ -‬إىل ّ‬
‫ألن التصديق فرع‬‫ولعل مقصوده أنّه يقع قبل التصديق‪ ،‬وله ّأول ّية عليه‪َّ ،‬‬
‫البرشي‪ ،‬فام مل حيصل‬
‫ّ‬ ‫حضورا منه يف الذهن‬‫ً‬ ‫التصور أسبق‬
‫ّ‬ ‫التصور‪ ،‬فيكون‬‫ّ‬
‫تصو ٍر‬
‫التصور ال تصل النوبة إىل التصديق‪ .‬وهذه املقدِّ مة يف تقسيم العلم إىل ّ‬ ‫ّ‬
‫وتصديق رضور ّي ٌة لتحديد مفهوم املنطق واالنعطاف الح ًقا نحو بيان‬ ‫ٍ‬
‫الحظ ّ‬
‫أن هبمنيار مل ُحُيدِّ د لنا يف هذا املوطن تعريفه اخلاص‬ ‫فائدته‪ .‬لكن‪ ،‬ا ُمل َ‬
‫التصور‪ ،‬والتصديق‪ ،‬رغم مركزيتها‬ ‫ّ‬ ‫للمفاهيم الثالثة الرئيسة‪ ،‬وهي‪ :‬العلم‪،‬‬
‫أن يفعل ذلك من باب حتديد معاين املفردات‬ ‫جديرا به ْ‬
‫ً‬ ‫يف البحث‪ ،‬وكان‬
‫تصور ّية‪.‬‬‫املأخوذة كمبادئ ّ‬
‫األرسطي ‪ّ -‬‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ويعتقد هبمنيار ‪ -‬كغريه من احلكامء ا ّلذين يتبنّون املنطق‬
‫ٍ‬
‫وبعبارة أخرى‬ ‫تعريف اإلنسان يقوم عىل أساس أنّه‪ :‬حيوان ناطق أو مفكِّر‪،‬‬
‫حيوان متمنطق‪ ،‬يامرس التمنطق بالفطرة‪ ،‬وألجل حتديد مفهوم التفكري‬
‫بشكل واضح ٍعند هبمنيار‪ ،‬نس ّلط الضوء عىل بعض النقاط التي‬ ‫ٍ‬ ‫والتمنطق‬
‫أثارها يف كتاب النفس من التحصيل (الباب الرابع من املقالة الثانية)‪:‬‬
‫جاهاًل‪ ،‬خايل الذهن من أي ٍ‬
‫لون من ألوان املعرفة‬ ‫ً‬ ‫األوىل‪ :‬يولد اإلنسان‬
‫ِّ‬
‫تصو ًرا وتصدي ًقا‪.‬‬
‫احلصول ّية ّ‬
‫ٍ‬
‫بمجموعة من األدوات املعرف ّية التي ُمُتكّنة من‬ ‫الثانية‪ :‬اإلنسان ُم َّ‬
‫زود‬
‫اإلدراك وإنتاج املعرفة‪.‬‬
‫‪ | 242‬تاریخ علم املنطق‬

‫الثالثة‪ :‬يقسم هبمنيار اإلدراك‪ 1‬إىل أربعة أقسام‪:‬‬

‫احليس‪ :‬حيصل باحلواس الظاهرة‪( :‬البرص‪ ،‬السمع‪ ،‬اللمس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .1‬اإلدراك‬


‫الشم‪ ،‬الذوق)‪ ،‬وهو غري خمتّص باإلنسان بل يشمل احليوان ُمطل ًقا‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ّ‬
‫احليس‬
‫ّ‬ ‫املادي‪ .‬ويرتبط اإلدراك‬
‫ّ‬ ‫اإلدراك هو ا ّطالع احليوان عىل الواقع‬
‫باألمور اجلسامن ّية ألنّه حيتاج إىل حضور اليشء ا ُمل َ‬
‫درك عىل نسبة حمدودة‪ ،‬فال‬
‫جتر ًدا تا ًّما بخالف اإلدراك العقيل‪.‬‬
‫جمر ًدا ّ‬
‫يكون ّ‬
‫أن يتصل اإلنسان مع اخلارج بوساطة احلواس‪،‬‬ ‫‪ .2‬اإلدراك اخليايل‪ :‬بعد ْ‬
‫يلتقط جهازه اإلدراكي صورة عن اخلارج‪ُ ،‬‬
‫وخُتَّزن هذه الصورة يف اخليال‪،‬‬
‫فإن غابت‬‫احلس املشرتك»‪ْ ،2‬‬
‫أي «القوة التي هبا يستحفظ النفس ما حيصل يف ّ‬
‫احليس الذي‬
‫ّ‬ ‫درك‪ ،‬بخالف اإلدراك‬ ‫املادة وبطلت ال يبطل ببطالهنا األثر ا ُمل َ‬
‫يبطل ببطالن االتصال باملادة ا ُمل َ‬
‫دركة‪.‬‬
‫بأن يدرك اإلنسان املعاين التي هي يف ذواهتا ليست‬ ‫‪ .3‬اإلدراك الومهي‪ْ :‬‬
‫بامدية‪ ،‬كاملوافق واملخالف‪.‬‬
‫واإلنسان ُي ِ‬
‫شارك احليوان يف هذين ال ّلون َْنْي من اإلدراك (اخليايل والومهي)‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلدراك العقيل‪ :‬بأن ُيدرك اإلنسان املعقوالت الكلية واملفاهيم‬
‫التجرد التام عن املادة؛ ولذا ال يكون إدراك املعقوالت‬
‫ّ‬ ‫العامة‪ ،3‬التي سمتها‬
‫ٍ‬
‫بآلة جسامنية‪ .‬وهبذه القوة يتم ّيز اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .1‬يع ِّرف بهمنيار اإلدراك‪« :‬هو حصول أثر من صورة امل ُد َرك يف القوة امل ُدرِكة»‪ .‬التحصيل‪ ،‬ص ‪.745‬‬
‫‪ .2‬يع ّرف بهمنيار الحس املشرتك‪« :‬هو من الحواس الباطنة وهو القوة التي يتأدّى بها املحسوسات‬
‫محسوسا يف‬
‫ً‬ ‫كلّها من طريق الحواس الظاهرة والحواس الظاهرة كالرواضع لها واملحسوس يكون‬
‫بالحقيقة إذا حصل فيه»‪ .‬املصدر السابق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد متفقٍ ‪ ،‬إ ّما كثريين يف الوجود‬ ‫يدل عىل كثريين مبعنى‬ ‫‪ .3‬يع ِّرف بهمنيار الكيل‪« :‬هو الذي ّ‬
‫كاإلنسان أو كثريين يف جواز التوهم (أي عىل نحو التقدير والفرض) كالشمس‪ ،‬وبالجملة الكيل‬
‫هو اللفظ الذي ال مينع مفهومه أن يرشك يف معناه كثريون»‪ .‬التحصيل‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪243‬‬

‫والنقطة الرابعة‪ :‬ا ُملفكِّرة قوة تركيب وتفصيل ال إدراك‪ :‬وهي النقطة‬
‫املحور ّية‪ ،‬حيتاج اإلنسان يف عملية االنتقال من حال اجلهل إىل إنتاج‬
‫آليات يكتسب بواسطتها العلم‪ ،‬ومن ّ‬
‫أمّهها ما يشري إليه‬ ‫ٍ‬ ‫العلم إىل‬
‫«إن يف طبيعة اإلنسان تركيب املحسوسات بعضها‬ ‫هبمنيار بقوله‪ّ :‬‬
‫إىل بعض‪ ،‬وتفصيلها‪ ،‬ال عىل الصورة التي وجدناها من خارج‪ ،‬وال‬
‫مع تصديق هبا‪ ،‬ففينا قوة تفعل ذلك‪ ...‬وهي آل ٌة للنفس تستعملها‬
‫يف الرتكيب والتفصيل‪ ،‬وتار ًة بحسب العقل العميل‪ ،‬وتار ًة بحسب‬
‫ُفصل فقط وال‬ ‫العقل النظري‪ ،‬وهي يف ذاهتا وطبيعتها تُركِّب وت ِّ‬
‫ُدرك‪ .‬وهذه إذا استعملتها النفس بواسطة القوة العقلية يف ٍ‬
‫أمر عقيل‬ ‫ت ِ‬
‫ُسم ّيت‪ :‬ا ُملفكِّرة»‪.1‬‬
‫قو ٌة ‪ -‬يصطلح عليه‪( :‬ا ُملفكِّرة)‪ُ ،-‬مُتكِّن النفس البرش ّية من‬
‫ففي اإلنسان ّ‬
‫نشاطني ذهنيني‪:‬‬
‫األول‪ :‬حتليل املعطيات العقلية وتفكيكها وجتزئتها وتقسيمها‪.‬‬
‫ ّ‬
‫وضمها ومجعها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والثاين‪ :‬الرتكيب بني املعطيات ووصل املعلومات‬
‫البرشي عىل إنتاج املعرفة العقلية‪ ،‬وعندما‬
‫ّ‬ ‫وهبذين النشاطني يقتدر العقل‬
‫عرف املناطقة اإلنسان بأنّه‪( :‬حيوان ناطق)‪ ،‬يقصدون بالنطق‪ :‬قوة التفكري‬ ‫ُي ّ‬
‫(الرو ّية)‪.‬‬
‫العقيل أو حسب تعبري هبمنيار َّ‬
‫ٍ‬
‫تلقائية أو تذكّر ّية‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫فإنتاج املعرفة وتوليد العلم ال حيصالن‬
‫ٍ‬
‫جمموعة من العمليات العقل ّية التي‬ ‫بالرو ّية واالكتساب الفكري‪ ،‬أي إجراء‬
‫َّ‬
‫تؤدي إىل إنتاج العلم وتوليده‪.‬‬

‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص ‪.785‬‬


‫‪ | 244‬تاریخ علم املنطق‬

‫تصور وتصديق ‪-‬عىل نحو القسمة احلارصة‬ ‫ٍ‬ ‫و ّملا كان العلم ينقسم إىل‪:‬‬
‫التصور وهي‪ :‬التعريف والتحديد والرتسيم‪،‬‬‫ّ‬ ‫فثمة آلي ٌة الكتساب‬
‫منطق ًّيا‪ّ ،-‬‬
‫يتكون منها‪ ،‬كاألجناس‬
‫بمعنى بيان حقيقة اليشء وتفكيكه إىل أجزائه التي ّ‬
‫وثمة آلي ٌة أخرى الكتساب التصديق‪،‬‬
‫والفصول والعوارض اخلاصة الالزمة‪ّ .‬‬
‫وهي‪ :‬القياس املنطقي واالستنباط‪ ،‬وما جيري جمراه كاالستقراء والتمثيل‪.‬‬
‫التصور‪ ،‬والثاين‪ :‬يف‬
‫ّ‬ ‫األول‪ :‬يف‬
‫ونطرح نموذجني لتوضيح الفكرة‪ّ :‬‬
‫التصور ُيكتسب بوساطة التعريف‪ ،‬والتعريف هو بيان‬ ‫ّ‬ ‫التصديق‪ .‬ذكرنا ّ‬
‫أن‬
‫أجزاء اليشء التي يتأ ّلف منها ذلك اليشء‪ ،‬وإنّام يمكن بيان أجزاء اليشء‬
‫بعد تفكيكه وإعادة تركيبه‪ ،‬فاجلواب عن سؤال‪ :‬ما هو اإلنسان؟ يكون‬
‫تحرك باإلرادة‪ ،‬ناطق‪ .‬فهذا التعريف‬ ‫حساس‪ُ ،‬م ِّ‬‫بأنّه‪ :‬جوهر‪ ،‬جسم‪ ،‬نا ٍم‪ّ ،‬‬
‫حصلت عليه ا ُملفكِّرة بالرتكيب بني جمموعة من املفردات واملفاهيم ا ُملفكّكة‪.‬‬
‫والتصديق ُيكتسب بوساطة القياس‪ ،‬فاجلواب عن سؤال‪ِ :‬مِل َ العامل حادث؟‬
‫منطقي عىل النحو التايل ً‬
‫مثاًل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫قياس‬ ‫يكون بتشكيل‬
‫تغرِّي حادث‪ ،‬فالعامل حادث‬ ‫العامل ُمتغرِّيِّ ‪ّ ،‬‬
‫وكل ُم ِّ‬
‫إذ تقوم ا ُملفكِّرة بالرتكيب بني قضيتني منفصلتني‪ ،‬لكن تشرتكان باحلدّ‬
‫ّرة يف تركيب‬ ‫القوة املفك ِ‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫َرص ُ‬
‫األوسط‪ ،‬لتستنتج منهام قضية ثالثة‪ .‬فت ُّ‬
‫املعقوالت من مفاهيم وقضايا‪ ،‬هو الذي يمنح اإلنسان القدرة عىل التمنطق‪،‬‬
‫بحيث يمكن تعريفه بأنّه‪ :‬حيوان منطقي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خاصة‪،‬‬
‫تتحرك يف ضوء قواعد ّ‬ ‫والقوة ا ُملفكِّرة ال تشتغل بطريقة عفوية‪ ،‬بل ّ‬
‫فعملية التفكري عملي ٌة نظام ّي ٌة مقنّن ٌة وليست عشوائي ًة واتفاقية‪ ،‬ووظيفة علم‬
‫حتركت‬‫إن ّ‬‫املنطق اكتشاف وتدوين وتعليم هذه القواعد والقوانني التي ْ‬
‫صحيح يف توليد العلم وإنتاج املعرفة‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫املفكِّرة يف ضوئها فكّر اإلنسان‬
‫تصو ًرا وتصدي ًقا‪ ،‬وعصم ذهنه عن الوقوع يف اخلطأ يف التفكري‪.‬‬ ‫ّ‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪245‬‬

‫خامسا‪ :‬دور العقل الف ّعال يف عمل ّية اكتساب املعرفة‬


‫ً‬
‫خاصا يف إنتاج املعرفة‪ ،‬ووظيفة‬ ‫أن اإلنسان يامرس نشا ًطا ذهن ًّيا ًّ‬
‫شك يف ّ‬
‫ال ّ‬
‫خاصة تساعد عىل التفكري الصحيح‬ ‫املنطق هي تنظيم التفكري ضمن قوانني ّ‬
‫تصو ًرا وتصدي ًقا‪ .‬لكن‪ ،‬هل يكتسب اإلنسان املعقوالت‬ ‫يف اكتساب املجهول ّ‬
‫بطريقة ذات ّي ٍة بسبب نشاطه الذهني وأجهزته اإلدراك ّية فقط‪ ،‬بحيث تكون‬ ‫ٍ‬
‫أن النفس‬ ‫النفس البرش ّية هي فاعل املعرفة و ُمبدع الصور العلم ّية العقل ّية؟ أ ّم ّ‬
‫مفارق‪ ،‬وتكون األنشطة والفعال ّيات الذهن ّية‬ ‫ٍ‬
‫موجود ِ‬ ‫تقتبس هذه الصور من‬
‫فارق؟‬‫أدوات تستعدّ هبا النّفس لتق ّبل الفيض من ذلك املوجود ا ُمل ِ‬ ‫ٍ‬

‫أن البصري منّا ال يبرص ما عنده ّإاّل بعد حضور ٍ‬


‫نور‪،‬‬ ‫يعتقد هبمنيار «أنّه كام ّ‬
‫كالشمس أو النّار‪ ،‬ويبرص املنري من دون حضور يشء آخر‪ ،‬فكذلك ال يعقل‬ ‫ّ‬
‫سمى‪:‬‬‫شي ًئا ّإاّل هبداية موجود ليس بجسم وال يف داخل العامل وال يف خارجه‪ُ ،‬ي ّ‬
‫الشمس إىل أبصارنا‪ ،‬وباحلقيقة‬ ‫(العقل الف ّعال)‪ ،‬نسبة ذلك إىل عقولنا نسبة ّ‬
‫أصاًل‪ ...،‬والتع ّلم والرو ّية سببان ّ‬
‫ألن‬ ‫حيس وال يبرص وال ُيدرك ً‬ ‫لواله ملا كان ّ‬
‫نور منه املعقوالت‪ ،‬هذا‬‫يتصل هبذا العقل الف ّعال عقو ُلنا‪ ،‬ونقتبس بواسطة ٍ‬
‫األوليات بغري‬
‫أن العني يبرص بذاته‪ ،‬ومنه نقتبس ّ‬ ‫العقل هو املعقول بذاته كام ّ‬
‫يتبنّي أنّه إذا كان (ج ب)‪ ،‬و (ب أ)‪ ،‬فـ(ج أ)‪.1»...‬‬
‫وسط‪ ،‬وبسببه ّ‬

‫سادسا‪ :‬دفاع بهمنيار عن صناعة املنطق ور ّد إشكاالت نفي الحاجة إليه‬


‫ً‬
‫خصوصا عند الفقهاء وأهل‬
‫ً‬ ‫ثمة ّاجّتاه يف املناخ اإلسالمي‬
‫من املعروف أنّه ّ‬
‫احلديث (مثل‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬وابن اجلوزي‪ ،‬وابن الصالح الشهرزوري‪ ،‬وابن‬
‫تيم ّية‪ ،‬وابن القيم اجلوز ّية‪ )...،‬عارض املنطق بل مطلق علوم اليونان‪ ،‬عىل‬

‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ | 246‬تاریخ علم املنطق‬

‫كفر وزندقة‪ ،‬فنرى تكفري الفارايب وابن سينا وغريمها‪،‬‬‫أساس ّأهّنا علوم ٍ‬
‫ووصفهام بالزندقة واملالحدة بل رأس املالحدة‪ ،1‬ولذا حاول تظهري املنطق‬
‫تورط يف مكافحة املنطق‬
‫وأن من متنطق فقد تزندق‪ ،‬مع أنّه ّ‬ ‫رش‪ّ ،‬‬‫عىل أنّه ٌّ‬
‫بحجة كفاية‬
‫بالتمنطق بتشكيل قياسات منطق ّية‪ .‬وقد نفوا احلاجة إىل املنطق ّ‬
‫التصور الصحيح عن‬
‫ّ‬ ‫الفطرة اإلنسانية السليمة والذهن الصحيح يف إنتاج‬
‫املفاهيم‪ ،‬أو توليد التصديق الصحيح بالقضايا‪ ،‬وبالتايل‪ :‬تسقط احلاجة إىل‬
‫علم املنطق‪!2‬‬

‫جييب هبمنيار عىل من ينفي احلاجة إىل علم املنطق با ّدعاء االكتفاء بالفطرة‬
‫اإلنسانية السليمة الكافية لرفع اخلطأ يف الفكر‪ ،‬بالقول‪ « :‬الفطرة اإلنسانية يف‬
‫ٍ‬
‫كافية يف التمييز» والدليل عىل ذلك‪ :‬أنّه لو كانت كافي ًة يف التمييز‬ ‫األكثر غري‬
‫ٍ‬
‫لواحد يف رأيه تناقض»‪.3‬‬ ‫«ملا وقع بني العلامء اختالف‪ ،‬وال وقع‬
‫ٍ‬
‫قياس منطقي‪ ،‬نستثني فيه‬ ‫ويمكن صياغة وجهة نظر هبمنيار يف صورة‬
‫‪ .1‬ابن الجوزي البغدادي‪ ،‬تلبيس إبليس‪ ،‬ص‪ .63-59‬وابن قيم الجوزية‪ ،‬الصواعق املرسلة يف‬
‫الر ّد عىل الجهم ّية واملعطلة‪ ،‬الفصل‪ .24 :‬وابن حجر‪ ،‬لسان امليزان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .293‬حيث نقل‬
‫الشافعي شارح الوسيط يف كتابه امللل والنحل‪ ...« :‬فقطع علامء زمانه‬
‫ّ‬ ‫عن ابن أيب الحموي الفقيه‬
‫أصواًل وفرو ًعا بكفره وبكفر أيب نرص الفارايب من اجل‬
‫ً‬ ‫ومن بعدهم من األمئّة م ّمن يعترب قولهم‬
‫اعتقاد هذه املسائل وانها خالف اعتقاد املسلمني‪.»...‬‬
‫أصاًل ‪ ،‬وما يزعمه املنطقي للمنطق‬
‫ً‬ ‫‪ .2‬يقول ابن الصالح‪ ... « :‬الحمد لله [ فاالفتقار ] إىل املنطق‬
‫كل‬
‫من أمر الحد والربهان فقعاقع قد أغني الله عنهام [ بالطريق األقوم والسبيل األسلم األطهر ] ّ‬
‫صحيح الذهن ‪ ،‬والسيام من خدم نظريات العلوم الرشعية‪ ،‬وقد متت الرشيعة وعلومها وخاض يف‬
‫بحار الحقائق والدقائق علامؤها‪ ،‬حيث ال منطق وال فلسفة و [ الفالسفة ]‪ ،‬ومن زعم أنه يشتغل مع‬
‫نفسه باملنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به‪ ،‬فالواجب عىل السلطان – أعزه‬
‫الله وأعز به اإلسالم وأهله – أن يدفع عن املسلمني رش هؤالء املشائيم‪ ،‬ويخرجهم من املدارس‬
‫ويبعدهم‪ ،‬ويعاقب عىل االشتغال بفنهم‪ ،‬ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفالسفة عىل السيف‬
‫أو اإلسالم لتخمد نارهم‪ ،‬ولتنمحي آثارها وآثارهم»‪ .‬فتاوى ومسائل يف التفسري والحديث واألصول‬
‫والفقه‪ ،‬ص‪.209-208‬‬
‫‪ .3‬التحصيل‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪247‬‬

‫نقيض التايل لينتج نقيض املقدّ م‪ :‬لو كانت الفطرة اإلنسانية السليمة كافية‬
‫‪-‬تصو ًرا وتصدي ًقا‪ -‬وضامن حقانية حمتوى ما‬
‫ّ‬ ‫يف حتصيل العلم الصحيح‬
‫ينتجه الذهن البرشي من معارف‪ ،‬ملا وقع االختالف بني العلامء‪ ،‬وملا حصل‬
‫أن االختالف بني‬ ‫ٍ‬
‫واحد يف زمانني‪ .‬ولكن ا ُملالحظ ّ‬ ‫التناقض يف آراء إنسان‬
‫أمر حاصل‪ ،‬فالفطرة اإلنسانية‬ ‫العلامء وتناقص اإلنسان الواحد يف اآلراء ٌ‬
‫صححان احلاجة إىل‬‫غري كافية‪ .‬فاالختالف بني العلامء والتناقض يف اآلراء ُي ِّ‬
‫املنطق‪.‬‬

‫إن نسبة املنطق إىل‬‫ويتابع هبمنيار بأنّه هبذا تتضح فائدة صناعة املنطق‪ ،‬إذ ّ‬
‫الشعر‪ ،‬لكن الفطرة‬ ‫والرو ّية نسبة النحو إىل الكالم والعروض إىل ّ‬ ‫الفكر َّ‬
‫السليمة والذوق السليم ر ّبام أغنيا عن تع ّلم النحو والعروض‪ ،‬وليس يش ٌء‬
‫ٍ‬
‫بمستغن عن املنطق يف عمليات التفكري ا ُملنتجة‬ ‫من الفطرة اإلنسانية يف األكثر‬
‫للمعرفة‪.‬‬

‫كثريا حول جدوائية املنطق‪ ،‬وهي أنّه إذا كان املنطق‬ ‫وثمة إشكال ّية ترت ّدد ً‬
‫ّ‬
‫بشكل صحيح‪ِ ،‬‬
‫فل َم إ ًذا يقع‬ ‫ٍ‬ ‫صناع ًة يتمكّن معها اإلنسان من التفكري‬
‫االختالف بني العلامء والتناقض يف اآلراء من ِق َبل من درس املنطق وتع ّلم‬
‫بأن االختالف الذي يقع فيه إنّام هو‬‫أصوله وقواعده؟! جييب هبمنيار عليها‪ّ ،‬‬
‫معنى خمال ًفا لآلخر‪ ،‬ولو اجتمعوا عىل‬ ‫كل ٍ‬
‫فرقة منها‬ ‫وتصور ّ‬ ‫بسبب األلفاظ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ورد يف تصحيح ما جيب أن‬ ‫الفرض الواحد ملا تنازعوا‪ ،‬واالحتجاج ا ّلذي ُي َ‬
‫فهم من معاين تلك األلفاظ‪ ،‬إنّام هو عىل سبيل االحتجاجات التي ال يقع‬ ‫ُي َ‬
‫فيها غلط‪ ،‬فاحلدّ والربهان من املنطق ُمستن َبط من العلوم التي ال يقع فيها‬
‫أن اجلزء اجلد ّيل واخلطايب والشعري ُمستن َبط من حماورات الناس‪.‬‬‫غلط‪ ،‬كام ّ‬
‫ٌ‬

‫توصلوا إىل‬
‫توصلوا إىل استخراج املنطق كام ّ‬ ‫وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫إن املناطقة ّ‬
‫‪ | 248‬تاریخ علم املنطق‬

‫الصناعة والعروض من ّ‬
‫الشعر‪ ،‬فكأنّه أريد‬ ‫استخراج علم املوسيقى من ّ‬
‫أن يطا َبق بني بيانات العلوم التي ال يقع فيها ٌ‬
‫غلط وبني بيانات العلوم التي‬ ‫ْ‬
‫غلط‪ ،‬فلم يمكن ّإاّل بعد جتريد الرباهني عن املواد‪ ،‬فسهل األمر يف‬
‫يقع فيها ٌ‬
‫مقايسة بيانات العلوم التي يقع فيها الغلط إىل بيانات العلوم التي ال يقع فيها‬
‫غلط‪.‬‬
‫أن بعض من نفى احلاجة إىل املنطق ا ّدعى ّ‬
‫أن اخلطأ يف الفكر تار ًة يكون‬ ‫كام ّ‬
‫أن يكون‬ ‫ناش ًئا من جهة املادة‪ ،‬وأخرى من جهة الصورة‪ ،‬والغالب يف اخلطأ ْ‬
‫من جهة املادة‪ ،‬أ ّما ما هو من جهة الصورة فقليل جدًّ ا‪ ،‬وعلم املنطق إنّام‬
‫الصورة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُيمكن االستعانة بقواعده لتصحيح الفكر ورفع اخلطأ من جهة ّ‬
‫دون املا ّدة‪ ،‬وهي حاج ٌة قليلة‪ ،‬ال تستدعي هذا االهتامم بعلم املنطق وتضييع‬
‫العمر يف تدوينه وتع ّلمه وتعليمه‪.‬‬

‫مهمة جدًّ ا‪ ،‬تنفي أصل اإلشكالية‪ ،‬تتع َّلق‬ ‫يعرج هبمنيار عىل نقطة ّ‬ ‫هنا‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫كل‬ ‫أن ّ‬‫بتقسيم املنطق إىل‪ :‬منطق املادة‪ ،‬ومنطق الصورة‪ ،‬إذ يعدّ هبمنيار ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫معقولة بتأليف حمدود‪ ،‬فيكون ّ‬
‫لكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معان‬ ‫ف من‬ ‫من احلدّ والقياس مؤ ّل ٌ‬
‫أي مادة اتّف َقت‬ ‫منهام ما ّد ٌة منها ُأ ِّلف‪ ،‬وصورة هبا التأليف‪ .‬وكام أنّه ليس عن ّ‬
‫يصلح بناء ٍ‬
‫يتم من مادة‬ ‫بأي صورة اتّف َقت يمكن أن َّ‬ ‫كريس‪ ،‬وال ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫بيت أو صناع ُة‬ ‫ُ ُ‬
‫ختصه وصور ٌة بعينها‬ ‫ٍ‬ ‫كريس‪ ،‬بل ِّ‬
‫لكل يشء ما ّد ٌة ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الكريس‬
‫ّ‬ ‫بيت أو من مادة‬‫البيت ٌ‬
‫ختصه وصور ٌة بعينها‬ ‫بالرو ّية والتفكري ما ّد ٌة ّ‬‫لكل معلو ٍم ُيع َلم َّ‬ ‫ختصه‪ ،‬كذلك ِّ‬ ‫ّ‬
‫أن الفساد يف إجياد البيت قد يقع من جهة‬ ‫ختصه‪ ،‬منها يصار إىل احلقيقة‪ ،‬وكام ّ‬ ‫ّ‬
‫وإن كانت املادة‬ ‫وإن كانت الصورة صحيحة‪ ،‬وقد يقع من جهة الصورة‪ْ ،‬‬ ‫املا ّدة‪ْ ،‬‬
‫صحيحة‪ ،‬وقد يقع من جهتيهام م ًعا‪ ،‬كذلك الفساد العارض يف احلدّ والقياس‪،‬‬
‫قد يقع من جهة الصورة‪ ،‬وقد يقع من جهة املادة‪ ،‬وقد يقع من جهتيهام م ًعا‪.‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪249‬‬

‫بشكل واضح إىل وعي هبمنيار بوجود نحوين من‬ ‫ٍ‬ ‫يؤرِّش‬
‫النص ِّ‬
‫فهذا ّ‬
‫األرسطي‬
‫ّ‬ ‫املنطق‪ :‬منطق املا ّدة‪ ،‬ومنطق الصورة‪ ،‬وليس كام حياول ُن ّقاد املنطق‬
‫والريايض‪ 1-‬تصويره عىل أنّه منطق‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫‪-‬خصوصا املشتغلني يف املنطق‬
‫ً‬
‫الصورة فقط‪ ،‬ولذا اصطلحوا عليه يف تعبرياهتم‪( :‬املنطق الصوري)‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا منطق املادة‪.‬‬‫األرسطي يدرس ً‬
‫ّ‬ ‫فادح منهم‪ّ ،‬‬
‫فإن املنطق‬ ‫خطأ ٌ‬‫ٌ‬

‫ساب ًعا‪ :‬تعريف صناعة املنطق وتحليل آليته عند بهمنيار‬


‫ذكر هبمنيار ‪ -‬بناء عىل ما تقدَّ م ‪ -‬للمنطق تعري ًفا مم ّي ًزا جدًّ ا‪ ،‬من تأكيده‬
‫ُعرف ّ‬
‫أن‬ ‫عىل البعدين الصوري واملادي‪ ،‬فقال‪« :‬هو الصناعة النظرية التي ت ِّ‬
‫سمى‪ :‬حدًّ ا‪ ،‬والقياس‬ ‫أي الصور واملوا ّد يكون احلدّ الصحيح الذي ُي ّ‬ ‫من ّ‬
‫أي الصور واملواد يكون‬ ‫ُعرف أنّه من ّ‬ ‫يسمى‪ :‬برهانًا‪ ،‬وت ِّ‬ ‫الصحيح الذي ّ‬
‫أي الصور واملوا ّد يكون القياس‬ ‫رساًم‪ ،‬وعن ّ‬ ‫سمى‪ً :‬‬ ‫احلدّ اإلقناعي الذي ُي ّ‬
‫يسمى ما قوي منه وأوقع تصدي ًقا مشبِ ًها باليقني‪ :‬جدل ًّيا‪ ،‬وما‬ ‫اإلقناعي الذي ّ‬
‫أي صورة ومادة يكون‬ ‫ُعرف أنّه عن ِّ‬ ‫ضعف منه وأوقع ظنًّا غال ًبا‪ :‬خطاب ًّيا‪ .‬وت ِّ‬
‫يسمى‪:‬‬
‫أي صورة وما ّدة يكون القياس الفاسد‪ ،‬الذي ّ‬ ‫احلدّ الفاسد‪ ،‬وعن ِّ‬
‫مغالطيا وسوفسطائيا‪ ،‬وعن أي صورة ومادة يكون القياس ا ّلذي ال ي ِ‬
‫وقع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫يقززها‪،‬‬ ‫تصدي ًقا البتّة‪ ،‬ولكن ُخُت ّيل بأن ُير ِّغب النفس يف يشء‪ ،‬أو ين ّفرها أو ّ‬
‫الشعري»‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫أو يبسطها أو يقبضها‪ ،‬وهو القياس‬
‫األرسطي هو‬
‫ّ‬ ‫ففي هذا التعريف يعيد هبمنيار التأكيد عىل كون املنطق‬
‫والصورة م ًعا‪.‬‬‫منطق املا ّدة ّ‬
‫‪ .1‬انظر للتفصيل‪ :‬مطهري‪ ،‬مرتىض‪ ،‬املنطق‪ ،‬ترجمة حسن عيل الهاشمي‪ ،‬دار الوالء‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪2011 ،2‬م‪ .‬وبالنيش‪ ،‬روبري‪ ،‬املنطق تاريخه من أرسطو حتى راسل‪ ،‬ترجمة خليل أحمد خليل‪،‬‬
‫ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ .‬والنشار‪ ،‬عيل سامي‪ ،‬املنطق الصوري منذ أرسطو حتى‬
‫عصورنا الحارضة‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬التحصيل‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ | 250‬تاریخ علم املنطق‬

‫مهمة‪ ،‬بأنّه إذا كان املنطق آل ًة لغريه من احلقول املعرف ّية‬


‫وقد تثار إشكال ّي ٌة ّ‬
‫املحصلة‬
‫ِّ‬ ‫نفسه‪ ،‬ففي‬
‫املنطق َ‬
‫َ‬ ‫صحح‬
‫لتصحيح الفكر فيها‪ ،‬فام هو العلم الذي ُي ِّ‬
‫خاص‪ ،‬حيتاج إىل ميزان ألفكاره وقضاياه‪ ،‬فإذا كان‬ ‫ّ‬ ‫معريف‬
‫ّ‬ ‫املنطق هو حقل‬
‫ومعيارا لقياس املعارف‪ ،‬فام هو امليزان الذي‬‫ً‬ ‫املنطق ميزانًا لغريه من العلوم‬
‫يف ضوئه نقيس صحة القضايا املنطقية وحقانية مضموهنا؟!!‬

‫يعالج هبمنيار هذه اإلشكالية بالتفكيك بني حلاظني‪:‬‬


‫األول‪ :‬اللحاظ اآليل‪ ،‬بأن يكون املنطق آل ًة لغريه من املعارف‪.‬‬
‫بأن ُين َظر إىل املنطق كعل ٍم خاص‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬اللحاظ االستقاليل‪ّ ،‬‬

‫يصح أن يقال‪ :‬إنّه جزء من العلم املطلق‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫يقول هبمنيار‪« :‬واملنطق‬
‫ويصح أن يقال‪ :‬إنّه آلة‪ ،‬عىل أنّه يستعمل يف غري املنطق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البحث عن املجهول‪،‬‬
‫أعم منه‪ ،‬وهو‪ :‬العلم‪ ...‬فافرتاق‬
‫فاملنطق من حيث هو آلة‪ُ ،‬حُي َمل عليه معنى ّ‬
‫أعم‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫أخص واآلخر ّ‬ ‫ّ‬ ‫كونه جز ًءا وكونه آل ًة‪ ،‬هو افرتاق معنيني‪ ،‬أحدمها‬
‫كل ما هو آلة لعل ِم كذا‪ ،‬فهو جز ٌء من العلم املطلق‪ ،‬وليس ينعكس»‪.1‬‬ ‫ّ‬

‫ً‬
‫مكيااًل‬ ‫أن يكون‬ ‫ني يف معرفة أخرى‪ ،‬عىل ْ‬‫ويضيف هبمنيار‪ « :‬واملنطق ُي ِع ُ‬
‫ٍ‬
‫بوجه ما ما ّدة‪ ،‬إذا كان املطلوب منطق ًّيا‪ ،‬فإذا قلنا‪:‬‬ ‫هلا‪ ،‬واملكيال قد يكون‬
‫بمتحرك‪ ،‬فليس يف‬ ‫ّ‬ ‫جسم‪ ،‬والنفس ليس بجسم‪ ،‬فالنفس ليس‬ ‫ٌ‬ ‫تحرك‬
‫كل ُم ِّ‬‫ّ‬
‫أن هذا‬‫يعرفنا ّ‬
‫هذا ما ّد ٌة منطق ّي ٌة البتة‪ ،‬ومعونة املنطق يف هذا املوضع‪ ،‬هي‪ :‬أن َّ‬
‫فإن قلت‪ :‬وهذا‬ ‫التأليف ُمنتج‪ ،‬ففائدة املنطق يف هذا من حيث هو مكيال‪ْ ،‬‬
‫الشكل ُمنتج‪ ،‬فقد استعملت املنطق عىل أنّه ما ّدة يف هذا املكان‪.2 »...‬‬

‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ .2‬التحصيل‪ ،‬ص‪-.6‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪251‬‬

‫أن قضايا علم املنطق يمكن النظر إليها كميزان وآلة إلنتاج معرفة‬ ‫فصحيح ّ‬
‫عرّب هبمنيار بقوله‪ « :‬واملنطق‬‫خاص كالفلسفة والكالم و‪ ...‬كام ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف حقل‬
‫ً‬
‫مكيااًل هلا»‪ ،‬فهذا إنّام هو بلحاظ كونه آل ًة‬ ‫يعني يف معرفة أخرى عىل أن يكون‬
‫أيضا‪،‬‬ ‫لغريه‪ ،‬ولكن املنطق يمكن مالحظته يف نفسه‪ ،‬فهو علم كباقي العلوم ً‬
‫يتكون من‬ ‫كام توحي هبا عبارته‪ « :‬فقد استعملت املنطق عىل أنّه مادة»‪ ،‬إذ َّ‬
‫جمموعة قضايا هي مواده‪.‬‬
‫ً‬
‫مكيااًل له‪،‬‬ ‫واملحصلة يف اجلواب‪ ،‬ال حيتاج املنطق إىل عل ٍم آخر يكون‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ألن املنطق إنّام حيتاج إىل قضاياه فقط‪ ،‬دون حاجة إىل قضايا من‬ ‫وذلك ّ‬
‫خارج‪ ،‬ألنّه قضاياه عىل قسمني‪ :‬إ ّما بدهي ّية‪ ،‬فهو حيتاج إىل بدهيياته املنطقية‪،‬‬
‫ال إىل يشء من خارجه‪ .‬وإ ّما نظر ّية كسب ّية‪ ،‬ولكن حينها حيتاج املنطق إىل‬
‫غنى عن غريه‪ ،‬فاملواد‬ ‫خصوص نظرياته التي تستند إىل بدهيياته‪ ،‬فهو يف ً‬
‫املنطقية ال حتتاج ّإاّل إىل املنطق نفسه دون حاجة إىل علم مكيايل خارج ذاته‪،‬‬
‫مكيال آخر‪ ،‬وهكذا يتسلسل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حمتاجا إىل‬
‫ً‬ ‫ليكون ما هو مكيال‬

‫ولكن يمكن املناقشة فيام ذكره هبمنيار‪ ،‬وليس هنا موضع تفصيلها؛ ألنّه‬
‫شك يف ّ‬
‫أن‬ ‫خلط بني املنطق يف مقام الثبوت واملنطق يف مقام اإلثبات‪ ،‬وال ّ‬
‫علم‬
‫علم آ ٌّيل لغريه‪ ،‬ولكنّه يف مقام الثبوت هو ٌ‬ ‫املنطق يف مقام اإلثبات هو ٌ‬
‫خاص ال يكفي فيه اعتامده عىل بدهي ّياته املنطق ّية أو النظريات التي تنتهي‬‫ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كثريا ما يعتمد املنطق عىل مقدِّ مات مطو ّية‪ ،‬بل رصحية مأخوذة‬ ‫إليها؛ ألنّه ً‬
‫من الفلسفة العا ّمة الباحثة عن أحكام الوجود واملاه ّيات‪ ،‬أو من علم النفس‬
‫الفلسفي حتديدً ا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ | 252‬تاریخ علم املنطق‬

‫ثام ًنا‪ :‬املنطق يف عالقة الفكر باللغة‬


‫يس ّلط هبمنيار الضوء عىل موضوع مهم جدً ا من موضوعات علم املنطق‪،1‬‬
‫وهو ثنائية العالقة بني اللغة والفكر‪ ،‬أو األلفاظ واملنطق‪ .‬املنطق هو ميزان‬
‫التفكري الصحيح‪ ،‬وبالتايل هيتم املنطق بالعمليات العقلية والنشاط الذهني‬
‫اخلاص بإنتاج املعرفة‪ ،‬ويرتبط بعامل املعاين واملفاهيم واملعقوالت‪ ،‬وال عالقة‬
‫له بام هو خارجها كالبحث عن شؤون اللغة واأللفاظ والكلامت‪ .‬لكن‪ ،‬يف‬
‫الوقت عينه‪ ،‬اإلنسان كائ ٌن مفكِّر بوساطة اللغة‪ ،‬أي أنّه ال ُيفكِّر باستحضار‬
‫ألهّنا –غال ًبا‪ -‬ليس هلا وجود بام‬‫املعاين بام هي بذاهتا يف ذهنه لتوليد املعرفة؛ ّ‬
‫جمردة‪ ،‬فالعقل البرشي يفكِّر باملعاين بام هي مداليل األلفاظ ومتل ّبسة‬ ‫هي ّ‬
‫بثوب اللغة‪ ،‬ولذا يقول هبمنيار‪« :‬األفكار العقلية مؤ ّلف ٌة من أقوال عقل ّية»‪،2‬‬
‫ٍ‬
‫وتفاعل‬ ‫أي حركة ٍ‬
‫تأثري‬ ‫ثوب يرتديه الفكر دون ّ‬ ‫جمرد ٍ‬‫وعىل هذا ال تكون اللغة َّ‬
‫ٍ‬
‫رصفة ال‬ ‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫ٍ‬
‫صور‬ ‫حيول املعاين إىل‬
‫بينهام‪ ،‬فتجريد الفكر عن ثوب اللغة ّ‬
‫أصاًل‪ ،‬فعندما ُحُت ِرِض أي معنى كان يف ذهنك‬
‫يتمكّن اإلنسان معها من التفكري ً‬
‫اخلاص به ّ‬
‫الدال عليه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أن حترض معه لفظه‬‫ال بد ْ‬

‫عرَّب عن ذلك خري تعبري الشيخ حممد رضا املظفر‪ ،‬بقوله‪ ...« :‬تكون‬ ‫وقد َّ‬
‫بتوسط إحضارك أللفاظها يف الذهن‪،‬‬ ‫انتقاالتك الذهنية من معنى إىل معنى ّ‬
‫أمر كان عن خت ِّيل األلفاظ وتصورها‬ ‫أي ٍ‬
‫فإنّا نجد أنّه ال ينفك غال ًبا تفكرينا يف ّ‬
‫كأنّام نتحدث إىل نفوسنا ونناجيها باأللفاظ التي نتخيلها‪ ،‬فنرتّب األلفاظ يف‬
‫أذهاننا‪ ،‬وعىل طبقها نرتب املعاين وتفصيالهتا‪ ،‬كام لو كنا نتك ّلم مع غرينا‪...‬‬
‫تغرّيت عليه أحواهلا يؤ ّثر ذلك عىل‬ ‫فإذا أخطأ ا ُملفكِّر يف األلفاظ الذهنية أو ّ‬

‫‪ .1‬بدوي‪ ،‬املنطق الصوري والريايض‪ ،‬ص‪.43-31‬‬


‫‪ .2‬التحصيل‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪253‬‬

‫أفكاره وانتقاالته الذهنية‪ ،‬للسبب املتقدم‪ .‬فمن الرضوري لرتتيب األفكار‬


‫أن حيسن معرفة أحوال األلفاظ من وجهة عامة‪،‬‬ ‫الصحيحة لطالب العلوم‪ْ :‬‬
‫وكان لزا ًما عىل املنطقي ْ‬
‫أن يبحث عنها مقدّ مة لعلم املنطق واستعانة هبا عىل‬
‫تنظيم أفكاره الصحيحة»‪.1‬‬

‫ومن هنا يرسي اخلطأ يف حقل اللغة إىل اخلطأ يف التفكري ذاته من باب‬
‫حكم رساية أحد املتّحدَ ين إىل ا ُملت ِ‬
‫َّحد اآلخر‪ ،‬وهلذا ُيرجع هبمنيار األغالط يف‬ ‫ْ‬
‫تصور‬
‫التفكري الناشئ عنه االختالف والتنازع يف اآلراء إىل األلفاظ بلحاظ ّ‬
‫إن «االختالف الذي يقع فيه‬‫معنى خمال ًفا لآلخر‪ ،‬كام تقدَّ م عنه قوله ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫كل فرقة ً‬
‫إنّام هو بسبب األلفاظ‪.»...‬‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬يقول املح ّقق الطويس‪ « :‬لليشء وجو ٌد يف األعيان‪،‬‬
‫تدل‬‫ووجو ٌد يف األذهان‪ ،‬ووجود يف العبارة‪ ،‬ووجود يف الكتابة‪ .‬والكتابة ّ‬
‫ٍ‬
‫بألفاظ‬ ‫عىل العبارة‪ ،‬وهي عىل املعنى الذهني‪ ...‬االنتقاالت الذهنية قد تكون‬
‫ذهنية‪ ،‬وذلك لرسوخ العالقة املذكورة يف األذهان‪ ،‬فلهذا السبب ربام تأدت‬ ‫ٍ‬
‫األحوال اخلاصة باأللفاظ إىل توهم أمثاهلا يف املعاين وتتغري املعاين بتغريها‬
‫واألغالط التي تعرض بسبب األلفاظ مثل ما يكون باشرتاك االسم ً‬
‫مثاًل إنّام‬
‫أيضا عليها»‪.2‬‬
‫ترسي إىل املعاين الشتامل األلفاظ الذهنية ً‬

‫نتعرض للمباحث اللغوية مجيعها التي عاجلها هبمنيار‪ ،‬وإنّام‬ ‫وال يسعنا ْ‬
‫أن ّ‬
‫نتوقف عند ثالث مسائل‪:‬‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح نصري الدين الطويس‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.131‬‬
‫‪ | 254‬تاریخ علم املنطق‬

‫املسألة األوىل‪ :‬األلفاظ موضوعة للمعاين بالوضع ال بالطبع‪.‬‬


‫أن داللة األلفاظ عىل املعاين هل‬ ‫وقع النقاش عند علامء اللغة واملنطق يف ّ‬
‫عرّب عن ذلك ابن سينا بقوله‪« :‬وسواء‬ ‫هي باإلهلام أم الوضع أم الطبع؟ وقد ّ‬
‫وموحى به‪ُ ،‬ع ّلمه من عند اهلل تعاىل ُمع َّلم ّأول‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫له ًاًم‬
‫أمرا ُم َ‬
‫كان اللفظ ً‬
‫معنى بصوت هو أليق به‪ ،...‬أو كان قوم‬ ‫ً‬ ‫كان الطبع قد انبعث يف ختصيص‬
‫اصطالحا‪.1»...‬‬
‫ً‬ ‫اجتمعوا فاصطلحوا‬

‫وقد تبنى هبمنيار تب ًعا البن سينا نظرية الوضع والتواطئ‪ ،‬يقول هبمنيار‪:‬‬
‫آثارا لتلك األمور‬
‫«لألمور وجود يف األعيان ووجود يف النفس يكون ً‬
‫املوجودة يف األعيان‪ ...‬وا ُمل َ‬
‫درك باحلقيقة وبالذات هو األثر الذي يف النفس‪،‬‬
‫إن هذا اليشء موجود أو‬ ‫وبال َع َرض األمر الذي من خارج‪ ،‬فلهذا نقول‪ّ :‬‬
‫معدوم‪ ،‬أي هذا األثر احلاصل الذي يف الذهن له وجود يف األعيان أو ليس‬
‫له وجود يف األعيان‪.‬‬

‫واأللفاظ حكاية لألثر الذي يف النفس‪ ،‬وال يكون ّإاّل بالتواطؤ والوضع‪،‬‬
‫خيتص بأمر بال ّطبع‪ .‬والكتابة حكاية لذلك األثر‪ ،‬فكان‬
‫إذ ليس يف األسامء ما ُّ‬
‫أثر يف النفس حكاي ُة ٍ‬
‫كتابة خاصة‪ .‬لكنّه كان يطول األمر‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬‫أن يكون ّ‬‫جيوز ْ‬
‫وركِّب منها كتابات حتاكي األلفاظ جتنّ ًبا‬
‫فدُ ِّبر يف أن اقتُرص عىل األلفاظ ُ‬
‫للتطويل‪.‬‬

‫ألهّنام ليسا بطبيعية ملا يف النفس‪ ،‬بل عىل‬


‫يصح أن خيتلفا ّ‬
‫فالكتابة واأللفاظ ّ‬
‫سبيل الوضع‪ ،‬وأ ّما األثر الذي يف النفس فهو حكاية طبيعية لألمور املوجودة‬
‫يف اخلارج‪ .‬فالكتابة دالل ٌة وضع ّي ٌة خمتلفة بحسب األوضاع عىل حروف‬
‫تصورات‬
‫ّ‬ ‫الكالم‪ ،‬واأللفاظ داللة وضعية خمتلفة بحسب األوضاع عىل‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ -‬املنطق‪ ،‬ج‪ ،1‬الفن الثالث من الجملة األوىل يف املنطق‪ ،‬املقالة األوىل‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪255‬‬

‫وتصورات النفس داللة غريز ّية عىل أعيان األشياء‪ ،‬فأعيان األشياء‬ ‫ّ‬ ‫النفس‪،‬‬
‫وتصورات النفس‬‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫مدلول عليها‪،‬‬ ‫مدلول عليها غري دالة‪ ،‬والكتابة دال ٌة غري‬ ‫ٌ‬
‫التصورات ال ختتلف‬
‫ّ‬ ‫دال ومدلول‪ ،‬فاألعيان و‬ ‫كل واحد منها ٌ‬ ‫واأللفاظ ّ‬
‫اساًم بالطبع‬
‫والكتابة واأللفاظ ختتلف» ‪ .‬ويقول‪« :‬وليس يش ٌء من األسامء ً‬
‫‪1‬‬

‫اساًم‪ ،‬وذلك عندما يراد به الدّ اللة»‪ .2‬وهذه‬ ‫ِ‬


‫اساًم إذا ُجعل ً‬ ‫ليشء‪ ،‬بل إنّام يصري ً‬
‫النقطة حتيلنا إىل املسألة الثانية‪.‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬تبع ّية الداللة للقصد واإلرادة‪.‬‬


‫تصورية‬
‫ّ‬ ‫املعروف اليوم بني علامء أصول الفقه تقسيم الداللة إىل‬
‫وتصديقية‪.‬‬

‫والداللة التصورية‪ :‬عبار ٌة عن انتقال ذهن اإلنسان من سامع اللفظ إىل‬


‫أي الفظ‪ْ ٍ،‬‬
‫وإن مل يقصده‪ ،‬كالساهي والنائم‪.‬‬ ‫معناه بمجرد صدوره من ِّ‬
‫والداللة التصديقية‪ :‬عبار ٌة عن انتقال الذهن من اللفظ إىل املعنى الذي‬
‫قصد املتك ّلم اجلا ّد استعامله فيه للتفهيم والبيان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تابعة لإلرادة‪ ،‬بل تابعة لعلم‬ ‫وقد ذهب بعض املناطقة إىل ّ‬
‫أن الداللة غري‬
‫أن داللة اللفظ ليست‬ ‫ب ّ‬ ‫«ه ْ‬
‫السامع بالوضع‪ ،‬يقول قطب الدين الرازي‪َ :‬‬
‫أن تكون تابع ًة لإلرادة بل بحسب الوضع‪ ،‬فإنّا‬ ‫ذات ّية‪ ،‬لكن ليس يلزم منه ْ‬
‫لفظ ملعنى‪ ،‬وكان صورة ذلك اللفظ‬ ‫علم وضع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نعلم بالرضورة ّ‬
‫َ‬ ‫أن من َ‬
‫حمفو ًظة له يف اخليال‪ ،‬وصورة املعنى مرتسم ًة يف البال‪ ،‬فك ّلام خت ّيل ذلك اللفظ‬
‫تع ّقل معناه‪ ،‬سواء كان مرا ًدا أو ال»‪.3‬‬
‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص‪.39-38‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ .3‬قطب الدين الرازي‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.114‬‬
‫‪ | 256‬تاریخ علم املنطق‬

‫ويظهر من هبمنيار تأييده للنظرية التي تعتقد بتبعية الداللة للقصد‬


‫تدل عىل املعاين بحسب قصد القاصد‬ ‫«إن األلفاظ ّ‬
‫واإلرادة‪ ،‬حيث يقول‪ّ :‬‬
‫يدل‬‫أن ّ‬ ‫ٍ‬
‫واحد من غري ْ‬ ‫يدل عىل معنى‬ ‫أن َّ‬
‫والتواطؤ‪ ،‬فإذا كان قصد القاصد ْ‬
‫يشء آخر مل يكن ّإاّل ما يقتيض قصد القاصد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحد من أجزائه عىل‬ ‫ّ‬
‫بكل‬
‫سمى به‪ ،‬وبالعرض‬ ‫شخص ّ ٍ‬
‫متعنّي قد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فقولنا‪ :‬عبد اهلل‪ّ ،‬‬
‫يدل به بالذات عىل‬
‫ألن ذلك يقع منه عند مسموع اللفظ»‪ .1‬ويقول يف موض ٍع‬ ‫عىل كونه عبدَ اهلل؛ ّ‬
‫آخر‪« :‬إذ الداللة تكون بقصد القاصد ال بغريه»‪.2‬‬

‫أن الداللة تابع ٌة‬‫وقد تبنى الشيخ املظفر هذه النظرية‪ ،‬فقال‪« :‬واحلق ّ‬
‫التصورية دالل ًة عىل‬
‫ّ‬ ‫لإلرادة»‪ ،3‬وبالتايل ال تكون ما يصطلح عليها الداللة‬
‫ألهّنا عىل نحو تداعي املعاين الذي قد‬ ‫وجه احلقيقة بل املجاز والتشبيه؛ ّ‬
‫فإن اللفظ إذا صدر من املتك ّلم عىل نحو‬ ‫ٍ‬
‫مناسبة بني الشيئني‪ّ « ،‬‬ ‫حيصل بأدنى‬
‫وأن غرضه البيان‬ ‫شعور وقصد‪ّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫حيرز معه أنّه جا ٌّد فيه غري هازل‪ ،‬وأنّه عن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫فإن كالمه يكون حينئذ دااًّلًّ عىل وجود املعنى‪ ،‬أي وجوده يف‬ ‫واإلفهام‪ّ ...‬‬
‫نفس املتكلم بوجود قصدي‪ ،‬فيكون علم السامع بصدور الكالم منه يستلزم‬
‫أن يفهمه السامع»‪.4‬‬ ‫بأن املتكلم قاصد ملعناه ألجل ْ‬‫علمه ّ‬

‫نموذجا توضح ًّيا لطي ًفا لبيان املسألة‪ ،‬فيقول‪« :‬اعترب‬


‫ً‬ ‫ثم يقدّ م الشيخ املظفر‬
‫مغلوق – ً‬
‫مثاًل‬ ‫ٌ‬ ‫بالالفتات التي توضع يف هذا العرص للداللة عىل ّ‬
‫أن الطريق‬
‫فإن الالفتة إذا‬‫أن االجتاه يف الطريق إىل اليمني أو اليسار‪ ،‬ونحو ذلك‪ّ ،‬‬ ‫– أو ّ‬
‫أن َو ْض َعها‬ ‫كانت موضوع ًة يف موضعها الالئق عىل ٍ‬
‫وجه ُمن َّظ ٍم بنحو يظهر منه ّ‬

‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ .3‬املظفر‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.18‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.18‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪257‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ عىل‬ ‫فإن وجودها هكذا ُّ‬
‫يدل‬ ‫هلداية املستطرقني كان مقصو ًدا لواضعها‪َّ ،‬‬
‫ما يقصد منها من غلق الطريق أو االجتاه‪ .‬أ ّما لو شاهدهتا مطروح ًة يف الطريق‬
‫فإن املعنى املكتوب خيطر يف ذهن القارئ‪،‬‬ ‫مهمل ًة أو عند الكاتب يرسمها‪ّ ،‬‬
‫أن الطريق مغلوق ٌة‪ ،‬أو ّ‬
‫أن االجتاه كذا»‪ .1‬ولكن‬ ‫ولكن ال تكون دال ًة عنده عىل ّ‬
‫العجيب من الشيخ املظفر هو قوله‪« :‬وأول من تن ّبه لذلك فيام نعلم الشيخ‬
‫نصري الدين الطويس – أعىل اهلل مقامه»‪.2‬‬

‫لكن كام تقدّ م‪ ،‬سبق هبمنيار املحقق الطويس إىل ذلك‪ ،‬وكذلك يظهر‬
‫هذا الرأي من الشيخ الطويس حيث يقول‪« :‬وأ ّما الداللة فيه ما أمكن‬
‫ُسمى بذلك ّإاّل إذا قصد‬
‫االستدالل هبا عىل ما هي دالة عليه‪ّ ،‬إاّل ّأهّنا ال ت ّ‬
‫فاعلها االستدالل»‪.3‬‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬داللة األلف والالم عىل العموم دون حرص الطبيعة‬
‫املنطقي ال عناية له بالبحث اللغوي بام هو لغوي‪ ،‬ولذلك‬
‫ّ‬ ‫شك يف ّ‬
‫أن‬ ‫ال ّ‬
‫كثريا ما ير ّدد ابن سينا يف املباحث اللغوية املنطق ّية «إن حتقيق القول‬
‫نالحظ ً‬
‫يف هذا إىل أصحاب صناعة اللغة»‪ ... ،4‬إلخ من العبارات‪ ،‬ومنها املسألة‬
‫التي نحن فيها حيث قال ابن سينا‪« :‬أ ّما البحث عن مشاركة األلف والالم‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬أصواللفقه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19-18‬‬


‫لعل مقصوده العبارة التي ذكرها املحقّق الطويس يف رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫ص‪ ...« :144‬أل ّن داللة اللفظ ملا كانت وضعية كانت متعلِّق ًة بإرادة امل ُتلفِّظ الجارية عىل قانون‬
‫الوضع‪ .‬فام يتلفظ به ويراد به معنى ما ويفهم منه ذلك املعنى يقال له إنّه دال عىل ذلك املعنى‪.‬‬
‫ماّم ال تتعلّق به إرادة املتلفظ وإ ْن كان ذلك اللفظ أو جز ٌء منه بحسب تلك‬ ‫وما سوى ذلك املعنى ّ‬
‫دل به عليه فال يقال له إنّه دال عليه»‪.‬‬ ‫اللغة أو لغة أخرى أو بإراد ٍة أخرى يصلح أل ْن يُ ّ‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬العدة يف أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.18‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪-‬املنطق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ | 258‬تاریخ علم املنطق‬

‫والسور فهو أوىل بصناعة النحويني»‪ ،1‬ولكن املنطقي يبحث عنها بام هلا من‬
‫تأثري يف املعاين املنطق ّية‪ ،‬ومن هذا الباب بحث عن الـ (األلف والالم)‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬
‫إشكااًل عىل تقسيم املناطقة‬ ‫ً‬ ‫ألن بعضهم طرح‬ ‫بحثه عن القضية املهملة؛ ّ‬
‫ألن األلف والالم يف اللغة العرب ّية‬ ‫القضية إىل‪ :‬مهملة‪ ،‬وحمصورة؛ وذلك ّ‬
‫الكيل‪ ،‬وبالتايل ال يكون هناك قضي ٌة مهمل ٌة ّإاّل وهي كل ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تدل عىل احلرص‬
‫وقد أجاب عن ذلك هبمنيار ّ‬
‫بأن املفردة التي تدخل عليها األلف والالم‬
‫مثل‪( :‬اإلنسان)‪ ،‬مأخو ٌذ ال برشط من حيث العموم واخلصوص؛ ّ‬
‫ألهّنام‬
‫يلحقان اإلنسان من اخلارج‪ ،‬وبالتايل إذا كان (اإلنسان) ً‬
‫‪-‬مثاًل‪ -‬هو املوضوع‬
‫أن يكون شخص ًّيا ْ‬
‫وأن يكون كل ًّيا‪ ،‬ولكن‬ ‫خمص ًصا صلح ْ‬
‫يف القضية فإذا مل يكن ّ‬
‫بحسب القرائن اخلارج ّية‪ ،‬وليس من ذات املوضوع بام هو‪ ،‬هذا‪.2‬‬
‫أن يف لغة العرب ّ‬
‫يدل األلف والالم عىل العموم يف‬ ‫يقول هبمنيار‪« :‬واعلم ّ‬
‫يدل هبام عىل حرص الطبيعة‪ ،‬فلذلك ال يكون موقعهام موقع ّ‬
‫كل‪،‬‬ ‫املهمل‪ ،‬وال ّ‬
‫نوع وعا ّم‪ ،‬إذ‬
‫كل إنسان ٌ‬‫نوع وعا ّم‪ ،‬وال تقول‪ّ :‬‬
‫أال ترى أنّك تقول‪ :‬اإلنسان ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحد من الناس»‪.3‬‬ ‫كل إنسان‪ ،‬أي ّ‬
‫كل‬ ‫معنى قولنا‪ّ :‬‬

‫فأقىص ما تفيده األلف والالم بالوضع يف اللغة العربية هو العموم دون‬


‫حرص الطبيعة‪ ،‬وبالتايل تكون هناك قضي ٌة مهمل ٌة يف لغة العرب بقاموس‬
‫ألن قولنا‪ :‬اإلنسان‪ ،‬ال يتضمن احلرص‪ ،‬فاملهمل ال يوجب احلرص؛‬‫املنطق؛ ّ‬
‫أن تكون كل ّي ًة وتصلح ْ‬
‫أن توجد جزئ ّية‪.‬‬ ‫ألنّه إنّام يوجب طبيعة تصلح ْ‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫‪ .2‬التحصيل‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ .3‬التحصيل‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪259‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬طبيعة الربهان اللّمي عند بهمنيار‬


‫أهم مباحث علم املنطق؛ ألنّه هو املنهج الذي‬ ‫يشكِّل البحث عن الربهان ّ‬
‫حق‪ ،‬ولذا‬
‫احلق بام هو ّ‬‫يسلكه احلكيم يف العلوم الفلسف ّية املطلوب فيها الوصول إىل ّ‬
‫عرف هبمنيار الربهان بأنّه «ما يكون مؤ َّل ًفا من يقين ّيات إلنتاج ّ‬
‫يقيني»‪ ،1‬ويعتمد‬ ‫ّ‬
‫أن تكون‪:‬‬‫الربهان عىل مقدِّ مات هي علل النتيجة‪ ،‬و«املقدّ مات الربهان ّية جيب ْ‬
‫وأول ّي ًة‪ ،‬ومناسب ًة‪ ،‬وكل ّية»‪.2‬‬
‫وأن تكون ذات ّي ًة‪ّ ،‬‬
‫رضور ّي ًة‪ ،‬وأعرف من النتيجة‪ْ ،‬‬

‫خيتص بإنتاج املعرفة املضمونة احلقان ّية اليقين ّية املطابقة للواقع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالربهان‬
‫األخص‪ .‬ولكن كيف يقوم الربهان بإنتاج املعرفة من‬ ‫ّ‬ ‫أي توليد اليقني باملعنى‬
‫املقدّ مات؟‬
‫أن يكون‬ ‫استدالل قياس ّي ٍة واستنباط ّي ٍة حيتاج إىل ْ‬
‫ٍ‬ ‫أي عمل ّية‬ ‫البرشي يف ّ‬
‫ّ‬ ‫إن العقل‬ ‫ّ‬
‫الربهاين هو عبار ٌة عن انتقال‬
‫ّ‬ ‫ألن االستدالل‬ ‫عالقات لزوم ّية بني قض ّيتني أو أكثر؛ ّ‬
‫مالزمة هلا ناجتة عنها مستبطنة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بقضية‬ ‫الذهن البرشي من العلم بقضايا إىل العلم‬ ‫ّ‬
‫فيها‪ ،‬وما مل تكن النتيجة مستبطن ًة يف املقدّ مات ال يمكن أن تتو ّلد منهام‪ً .‬‬
‫فمثاًل‪:‬‬
‫التغرّي فيه‪ .‬وا ْعت َقد ً‬
‫أيضا‬ ‫متغرّي ملا يراه من آثار ّ‬ ‫بأن َ‬
‫العامَل ّ ٌ‬ ‫البرشي ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا ا ْعت َقد ّ‬
‫الذهن‬
‫متغرّي حادث‪ .‬فإنّه يستطيع من خالل الرتكيب بني هاتني‬ ‫كل ّ ٍ‬ ‫بقضية أخرى وهي‪ّ :‬‬‫ٍ‬
‫أن يستخرج قضي ًة ثالث ًة مستبطن ًة فيهام بمساعدة العنرص‬ ‫خاص ْ‬ ‫نحو ٍّ‬ ‫القضيتني عىل ٍ‬
‫املشرتك بني القضيتني‪ ،‬فالقضية األوىل ال تشارك القضية الثانية يف املوضوع‪:‬‬
‫(العامَل)‪ ،‬والقضية الثانية ال تشارك القضية األوىل يف املحمول‪( :‬حادث)‪ ،‬ولكن‬ ‫َ‬
‫(متغرّي)‪ ،‬فيقوم هذا العنرص‬ ‫ّ‬ ‫مشرتك بني القضيتني‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫عنرص‬
‫ٌ‬ ‫مع ذلك يوجد‬
‫تكرره يف القضيتني بالربط بينهام‪ ،‬فيقول الذهن‪:‬‬ ‫املشرتك نتيجة ّ‬
‫َ‬
‫فالعامَل حادث‬ ‫وكل ّ ٍ‬
‫متغرّي حادث‪،‬‬ ‫متغرّي‪ّ ،‬‬ ‫ َ‬
‫العامَل ّ‬
‫‪ .1‬التحصيل‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫‪ .2‬التحصيل‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫‪ | 260‬تاریخ علم املنطق‬

‫ثالثة من خالل العنرص املشرتك بني‬ ‫قضية ٍ‬‫ٍ‬ ‫فيتوصل الذهن البرشي إىل إنتاج‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫بالعامَل‬ ‫أن يكون جرس العبور من ربط التغري‬ ‫بتكرره ْ‬‫القضيتني‪ ،‬الذي وظيفته ّ‬
‫أيضا عىل مقدِّ ٍ‬ ‫بالعامَل‪ ،‬م ِ‬
‫مة‬ ‫عتمدً ا يف ذلك ً‬ ‫َ ُ‬ ‫وربط احلدوث بالتغري إىل ربط احلدوث‬
‫مصداق لذلك اليشء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫مصداق اليشء هو‬ ‫َ‬
‫صداق‬ ‫كربى عقل ّي ٍة مطو ّية‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن ُم‬
‫ففي املثال السابق الذي طرحه هبمنيار‪ :‬إذا كان (ج ب)‪ ،‬و (ب أ)‪ ،‬فـ(ج أ)‪ ،‬فإذا‬
‫كان (ج) هو مصداق (ب)‪ ،‬و(ب) مصداق (أ)‪ ،‬فـ( ج مصداق أ)‪ ،‬أو املسند إىل‬
‫ا ُملسند إىل اليشء هو مسندٌ إىل ذلك اليشء‪ ،‬واملوضوع هو من مصاديق مفهوم‬
‫َ‬
‫فالعامَل‬ ‫ومتغرّي هو مصداق حادث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متغرّي‪،‬‬
‫مصداق ّ‬ ‫ُ‬ ‫املحمول‪ ،‬و ّملا كان الع َامل هو‬
‫(متغرّي) يربط بني احلدوث والعامل‪ ،‬فيثبت‬ ‫ّ‬ ‫هو مصداق حادث‪ ،‬فهذا العنرص‬
‫التغرّي‪ ،‬ولذا يطلق عىل َ‬
‫العامَل بلغة منطقية‪ :‬احلد األصغر‪،‬‬ ‫احلدوث للعامل بوساطة ّ‬
‫التغرّي‪ :‬احلد األوسط‪ ،‬ووظيفة األوسط هو‬ ‫وعىل احلدوث‪ :‬احلدّ األكرب‪ ،‬وعىل ّ‬
‫إن األوسط هو وساط ٌة يف العلم واالعتقاد‬ ‫إثبات األكرب لألصغر يف النتيجة‪ ،‬أي ّ‬
‫بأن األكرب موجو ٌد يف األصغر‪.‬‬ ‫والتصديق ّ‬
‫أن األكرب موجو ٌد لألصغر مشرتكة‬ ‫وهذه النقطة بكون األوسط عل ًة العتقاد ّ‬
‫بني مجيع أقسام الربهان‪ .‬وال خالف بني املناطقة يف هذه النقطة‪ .‬ولكن وقع‬
‫اخلالف بينهم‪ ،‬بعد تقسيم الربهان إىل قسمني‪ّ :‬ملي ّ‬
‫وإيّن‪ ،‬أنّه ما هي طبيعة الربهان‬
‫بأن كذا‬‫واإليّن‪ ،‬فذهب ابن سينا إىل أنّه «إذا كان القياس يعطي التصديق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّلمي‬
‫كذا‪ ،‬وال يعطي العلة يف وجود كذا كذا‪ ،‬كام أعطى العلة يف التصديق فهو برهان‬
‫إن‪ .‬وإذا كان يعطي الع ّلة يف األمرين مجي ًعا حتى يكون احلدّ األوسط فيه كام هو‬ ‫ٍّ‬
‫ع ّلة للتصديق بوجود األكرب لألصغر أو سلبه عنه يف البيان‪ ،‬كذلك هو ع ّلة لوجود‬
‫األكرب لألصغر أو سلبه يف نفس الوجود‪ ،‬فهذا الربهان يسمى‪ :‬ملّ»‪.1‬‬
‫مستها النار ترتفع درجة‬ ‫مستها النار‪ّ ،‬‬
‫وكل حديدة ّ‬ ‫ً‬
‫فمثاًل إذا قلنا‪ :‬هذه احلديدة ّ‬
‫مستها‬
‫حرارهتا‪ ،‬فهذه احلديدة ارتفعت درجة حرارهتا‪ .‬فهنا احلد األوسط‪ ،‬هو‪ّ :‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ -‬املنطق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.79‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪261‬‬

‫النار‪ .‬واألصغر‪ :‬هذه احلديدة‪ .‬واألكرب‪ :‬ارتفعت درجة حرارهتا‪ .‬فالسبب والعلة‬
‫مستها النار‪ ،‬فاحلد‬‫التي أ ّدت إىل العلم بارتفاع درجة حرارة هذه احلديدة هو ّأهّنا ّ‬
‫األوسط هو ع ّلة للتصديق بالنتيجة واالعتقاد ّ‬
‫بأن األكرب موجو ٌد يف األصغر‪.‬‬
‫أيضا وليس يف‬ ‫ويف الوقت نفسه احلدّ األوسط هو ع ّل ٌة يف الثبوت والوجود ً‬
‫فإن العلة الواقعية الرتفاع درجة حرارة احلديدة هو ّأهّنا‬ ‫املعرفة والعلم فقط‪ّ ،‬‬
‫مستها النار‪ .‬فاحلدّ األوسط هو ع ّل ٌة يف االعتقاد والواقع م ًعا‪ .‬فيشرتط يف برهان‬ ‫ّ‬
‫اللم أن يكون احلدّ األوسط ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغر بغض النظر عن كونه‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫معلواًل له‪.‬‬ ‫ع ّل ًة لألكرب يف نفسه أم‬
‫إن األوسط علة لوجود األكرب‬ ‫ولذا قال ابن سينا‪« :‬واعلم أنّه ال سواء قولك‪ّ :‬‬
‫مطل ًقا أو معلول مطل ًقا‪ ،‬وقولك‪ :‬إنّه علة أو معلول لوجود األكرب يف األصغر‪،‬‬
‫ً‬
‫معلواًل لألكرب‪،‬‬ ‫كثريا ما يكون األوسط‬
‫وهذا مما يغفلون عنه‪ ،‬بل جيب أن تعلم أنّه ً‬
‫لكنه علة لوجود األكرب يف األصغر»‪ .1‬وع ّلق املحقق الطويس‪ :‬أقول‪« :‬وجود‬
‫األكرب مطل ًقا غري وجود األكرب يف األصغر‪ ،‬واحلكم هو الثاين‪ ،‬وع ّلة األول غري‬
‫األول‪ ،‬وأهل‬ ‫ٌ‬
‫ومعلول يف الدليل الثاين دون ّ‬ ‫ع ّلة الثاين‪ ،‬واألوسط ع ّل ٌة يف برهان ِمِلْ‪،‬‬
‫الظاهر من املنطقيني قد غفلوا عن هذا الفرق‪ ،‬فالشيخ أوضح احلال فيه‪ ،‬وممّا نزيده‬
‫ً‬
‫معلواًل‬ ‫أن يكون مع كونه ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغر‪،‬‬ ‫أن األوسط يمكن ْ‬ ‫بيانًا ّ‬
‫أن حركة النار ع ّل ٌة لوصوهلا إىل هذه اخلشبة مع ّأهّنا معلولة النار‪،‬‬ ‫لألكرب‪ ،‬كام ّ‬
‫ولكل مؤ َّلف مؤ ِّلف‪.2»...‬‬‫ويكون هذا الربهان برهان ِمِلّ‪ ،‬ومنه قولنا‪ :‬العامل مؤ ّلف ِّ‬
‫أن من رشوط القياس‬ ‫أن هبمنيار خالف يف ذلك‪ ،‬إذ ذهب إىل ّ‬ ‫ولكن املالحظ ّ‬
‫الربهاين ال ّلمي أن يكون احلد األوسط مضا ًفا إىل كونه ع ّل ًة لالعتقاد هو علة‬
‫الربهاين عىل قسمني‪ :‬قسم يكون‬ ‫ّ‬ ‫لوجود األكرب يف ذاته‪ ،‬حيث يقول‪« :‬القياس‬
‫أن األكرب موجو ٌد لألصغر‪،‬‬ ‫األوسط ع ّل ًة لوجود األكرب يف ذاته‪ ،‬وع ّل ًة العتقاد ّ‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.308‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.308‬‬
‫‪ | 262‬تاریخ علم املنطق‬
‫وهذا القسم برهان‪ِ :‬‬
‫(مِلٍّ)‪ ...‬وقسم ال يكون األوسط عل ًة لوجود األكرب يف نفسه‪،‬‬
‫يسمى برهان‪ٍّ :‬‬
‫(إن)» ‪.1‬‬ ‫بل العتقاد وجود األكرب يف األصغر‪ ،‬وهذا ّ‬
‫معلول األكرب ولكنّه يكون ع ّل ًة لوجود األكرب‬ ‫َ‬ ‫ولذا يتابع أنّه « إذا كان األوسط‬
‫يف األصغر أو كان األوسط واألكرب معلو ّيل ع ّلة واحدة‪ ،‬ولكن األوسط يكون‬
‫(إن)‪.2»...‬خامتة‪:‬‬ ‫يسمى برهان‪ٍّ :‬‬‫ع ّل ًة لوجود األكرب يف األصغر‪ّ ،‬‬
‫فيلسوف حكيم‪ ،‬وأنّه م ّط ٌ‬
‫لع‬ ‫ٌ‬ ‫من يطالع كتب هبمنيار‪ ،‬يستكشف بوضوح أنّه‬
‫عىل فلسفة ابن سينا وكتبه ك ّلها‪ ،‬وقد ُعجن عىل مباحثها ومطالبها‪ ،‬وملتز ٌم بمنهج‬
‫الفلسفي يف معاجلة القضايا الوجود ّية والطبيع ّية واإلنسان ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املشائية‬
‫أهم كتبه‪( :‬التحصيل)‪ ،‬ا ّلذي ينقل عنه كبار احلكامء كاخلفري و ُم ّاّل صدر‬ ‫ومن ّ‬
‫اختصت بتسليط الضوء عىل كتاب املنطق من التحصيل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وغريمها‪ .‬وهذه املقالة‬
‫أن نعرض دراس ًة حتليلي ًة تفصيل ّي ًة ملنطق التحصيل‪،‬‬ ‫وبطبيعة احلال ال نستطيع ْ‬
‫مقارنة تا ّم ٍة حول موارد افرتاق نظر هبمنيار عن أستاذه‬ ‫ٍ‬ ‫وكذلك ال يمكننا عقد‬
‫أن تسعفنا به‬ ‫ابن سينا يف املنطق‪ ،‬ولذا اقترصنا عىل بعض النامذج بمقدار ما يمكن ْ‬
‫صفحات البحث وما يسمح به الوقت‪.‬‬
‫الفلسفي‬
‫ّ‬ ‫يتم إغفال الباحثني يف الرتاث‬
‫وال ينقيض العجب‪ ،‬من أنّه كيف ّ‬
‫خاص ٍة يف الكشف عن‬ ‫ٍ‬
‫اإلسالمي لشخصية مثل هبمنيار مع ما له من مكانة ّ‬
‫ّ‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫معضالت فلسفة ابن سينا ومشكالهتا‪ ،‬ورشح غوامضها‪ّ ،‬‬
‫وفك رموزها‬
‫يف مباحثاته معه وتعليقاته وحواراته‪.‬‬
‫أن يو ّفق طلبة العلم والدراسة وأهل البحث والتحقيق لدراسة‬
‫نسأل اهلل تعاىل ْ‬
‫كبريا‬
‫حكياًم مشائ ًّيا ً‬
‫ً‬ ‫تفصييل‪ ،‬لكونه‬
‫ّ‬ ‫تراث هبمنيار املنطقي والفلسفي بشكل‬
‫يستحق هذا النوع من الدّ راسة والبحث‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬بهمنيار‪ ،‬التحصيل‪ ،‬ص‪.227‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫منطق التحصيل لبهمنيار بن املرزبان | ‪263‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫‪1.‬ابن أيب أصيبعة‪ ،‬أمحد بن القاسم‪ ،‬عيون األنباء يف طبقات األطباء‪ ،‬حتقيق نزار رضا‪ ،‬دار مكتبة‬
‫احلياة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2.‬ابن اجلوزي البغدادي‪ ،‬تلبيس إبليس‪ ،‬حتقيق وتعليق السيد اجلمييل‪ ،‬دار الريان للرتاث‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪3.‬ابن الصالح‪ ،‬فتاوى ومسائل يف التفسري واحلديث واألصول والفقه‪ ،‬حققه وعلق عليه عبد‬
‫املعطي أمني فلعجى‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1406 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪4.‬ابن حجر العسقالين‪ ،‬أمحد بن عيل‪ ،‬لسان امليزان‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1971 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ 5.‬ابــن ســينا‪ ،‬التعليقــات‪ ،‬مقدّ مــة املحقــق‪ ،‬حتقيــق عبــد الرمحــن بــدوي‪ ،‬مكتــب اإلعــام‬
‫اإلســامي‪ ،‬قــم‪1404 ،‬ه‪.‬‬
‫‪6.‬ــــــــــــــ‪ ،‬احلسني بن عبد اهلل‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح نصري الدين الطويس‪،‬‬
‫حتقيق سليامن دنيا‪ ،‬القسم األول يف املنطق‪ ،‬مؤسسة النعامن‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬ه‪1992-‬م‪.‬‬
‫‪7.‬ــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء‪ -‬املنطق‪ ،‬منشورات مكتبة آية اهلل العظمى املرعيش النجفي‪ ،‬قم‬
‫املقدسة‪-‬إيران‪1405 ،‬ه‪ ،‬حتقيق األب قنوايت‪ ،‬حممود اخلضريي‪ ،‬فؤاد اإلهواين‪ ،‬تصدير طه حسني‪،‬‬
‫مراجعة إبراهيم مدكور‪ ،‬نرش وزارة املعارف العمومية‪ ،‬املطبعة األمريية‪ ،‬القاهرة‪1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪8.‬ــــــــــــــ‪ ،‬املباحثات‪ ،‬تصحيح حمسن بيدارفر‪ ،‬مؤسسه بروهشى حكمت وفلسفه ايران‪،‬‬
‫طهران‪ ،‬ط‪1396 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪9.‬ــــــــــــــ‪ ،‬كتاب التعليقات‪ ،‬حتقيق وتقديم د حسن جميد العبيدي‪ ،‬دار فرقد‪ ،‬سورية‪-‬‬
‫دمشق‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬الصواعق املرسلة يف الر ّد عىل اجلهم ّية واملعطلة‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه وعلق‬
‫عليه عيل بن حممد الدخيل اهلل‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،1‬ه‪.‬‬
‫ ‪11.‬آقا بزرك الطهراين‪ ،‬حممد حمسن‪ ،‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1365 ،1‬ه‪.‬‬
‫ ‪12.‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬املنطق الصوري والريايض‪ ،‬دار الذخائر للمطبوعات‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬ط‪1368 ،1‬ه‪.‬ش‪.‬‬
‫ ‪13.‬البغدادي‪ ،‬إسامعيل باشا‪ ،‬هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني‪ ،‬مؤسسة التاريخ‬
‫‪ | 264‬تاریخ علم املنطق‬

‫العريب‪ ،‬طبع بعناية وكالة املعارف اجلليلة يف مطبعتها البهية استانبول سنة ‪1951‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬بالنيش‪ ،‬روبري‪ ،‬املنطق تارخيه من أرسطو حتى راسل‪ ،‬ترمجة خليل أمحد خليل‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫ ‪15.‬هبمنيار بن املرزبان‪ ،‬التحصيل‪ ،‬تصحيح وتعليق أستاذ شهيد مرتىض مطهري‪ ،‬انتشارات‬
‫دانشگاه هتران ‪ ،‬ط‪1375 ،2‬ه‪.‬‬
‫تتمة صوان احلكمة‪https://ar.lib.eshia.ir/40321/1/1 ،‬‬
‫ ‪16.‬البيهقي‪ ،‬عيل بن زيد بن حممد‪ّ ،‬‬
‫ ‪17.‬اخلضريي‪ ،‬محد حممود‪ ،‬سلسلة متصلة من تالميذ ابن سينا‪ ،‬بحث قدِّ م يف املهرجان األلفي لذكرى ابن‬
‫الذهبى للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا‪ ،‬القاهرة‪1952 ،‬م‪.‬‬ ‫سينا‪ ،‬ون ُِرِش يف‪ :‬الكتاب َّ‬
‫ ‪18.‬اخلوانساري‪ ،‬حممد باقر‪ ،‬روضات اجلنات يف أحوال العلامء والسادات‪ ،‬نرش اسامعيليان‪ ،‬قم‪،‬‬
‫ط‪1390 ،1‬ه‪.‬ش‪.‬‬
‫ ‪19.‬الشهرزوري‪ ،‬تاريخ احلكامء‪ -‬نزهة األرواح وروضة األفراح‪ ،‬حتقيق عبد الكريم أبو شويرب‪،‬‬
‫مجعية الدعوة اإلسالم ّية العامل ّية‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪20.‬الطويس‪ ،‬حممد بن احلسن‪ ،‬العدة يف أصول الفقه‪ ،‬حتقيق حممد رضا األنصاري القمي‪ ،‬مطبعة‬
‫ستاره‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪.‬‬
‫ ‪21.‬قطب الدين الرازي‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬مع تعليقات السيد الرشيف اجلرجاين‪ ،‬راجعه وضبط نصه‬
‫أسامة الساعدي‪ ،‬مطبعة سليامنزاده‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪.‬‬
‫ ‪22.‬الكازروين‪ ،‬أبو القاسم بن أيب حامد‪ُ ،‬س ّلم الساموات‪ ،‬تصحيح عبد اهلل النوراين‪ ،‬مرياث‬
‫مكتوب‪ ،‬طهران‪ ،‬ط‪1386 ،1‬هـ‪.‬ش‪‌.‬‬
‫ ‪23.‬مطهري‪ ،‬مرتىض‪ ،‬اإلسالم وإيران‪ ،‬ترمجة حممد هادي اليوسفي الغروي‪ ،‬رابطة الثقافة‬
‫والعالقات اإلسالمية‪ ،‬طهران‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬ــــــــــــــ‪ ،‬املنطق‪ ،‬ترمجة حسن عيل اهلاشمي‪ ،‬دار الوالء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2011 ،2‬م‪.‬‬
‫ ‪25.‬املظفر‪ ،‬حممد رضا‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1410‬ه‪1990-‬م‪.‬‬
‫ ‪26.‬ــــــــــــــ‪ ،‬املنطق‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬ه‪1995-‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬النشار‪ ،‬عيل سامي‪ ،‬املنطق الصوري منذ أرسطو حتى عصورنا احلارضة‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬حممد عبد املهدي احللو‬

‫ُملخّص البحث‬
‫ال يستقيم الفكر الفلسفي والعلمي يف سابقة الزمن من دون دراسة‬
‫املنطق‪ ،‬بل حتى األطباء فيام سلف كانوا يدرسون املنطق‪ ،‬ودخل املنطق يف‬
‫علاًم وحياةً‪ ،‬نظر ًّيا وتطبيق ًّيا‪ ،‬وكان من الرواد يف احلضارة العربية‬ ‫ّ‬
‫كل يشء‪ً ،‬‬
‫واضحا املعامل يف هذه الصناعة ــ كام يسميها‬
‫ً‬ ‫اإلسالمية الذين قدموا إسها ًما‬
‫ودرج مسالكها ــ اخلواجة نصري الدين الطويس (‪ ،)672-579‬ومن الذين‬
‫ٍ‬
‫إسهامات كبري ًة يف الفلسفة واملنطق واحلكمة والفلك‪ ،‬وكان حاف ًظا‬ ‫قدّ موا‬
‫للحضارة اإلسالمية من منهجية الغزو املغويل‪ ،‬وأسس مرصد مراغة الفلكي‬
‫العاملي يف بغداد‪ ،‬وجذب إليه أفاضل العلامء واملفكّرين والفالسفة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رائدة فيه‪،‬‬ ‫والبحث يقوم عىل تتبع املنهج املنطقي له‪ ،‬بام ترك من تصانيف‬
‫التصورات والتصديقات بمبحثني‪ ،‬والثاين‬
‫ّ‬ ‫و ُق ّسم عىل فصلني‪ّ ،‬‬
‫األول تناول‬
‫تناول القياس وأشكاله‪ ،‬وأخريا تم إدراج اخلالصة واملصادر‪ ،‬ومن اهلل تعاىل‬
‫استمد العون والتوفيق‪.‬‬

‫املنجز العلمي للشيخ الخواجة نصري الدين الطويس‬


‫مل يكن املح ّقق اخلواجة نصري الدين الطويس بعيدً ا عن أجواء التصنيف‬
‫السائد يف عرصه‪ ،‬ويف ما قبله‪ ،‬بخصوص التصنيفات املنطقية‪ ،‬أو التصنيف‬
‫خمترصا لغريه‪ ،‬وأ ّلف‬
‫ً‬ ‫خمترصا يف املنطق‪ ،‬و رشح‬
‫ً‬ ‫يف احلكمة بعامة‪ ،‬فهو كتب‬

‫متخصص يف الفكر اإلسالمي ‪ /‬النجف األرشف‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .1‬باحث أكادميي‬
‫‪ | 266‬تاریخ علم املنطق‬

‫كتا ًبا جام ًعا فيه‪ ،‬واملخترص هو كتاب التجريد يف املنطق‪ ،‬الذي رشحه‬
‫احل ّيّل ‪ ،1‬والثاين هو رشحه الوايف عىل كتاب اإلشارات والتنبيهات‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ّ‬
‫نصيب من الرشح‪ ،‬أما األخري فهو ما كتبه يف‬ ‫ٌ‬ ‫البن سينا ‪ ،2‬وكان للمنطق فيه‬
‫وساّمه (أساس االقتباس) ‪ ،3‬وغريها من النقود والرشوح‪ ،‬فهو إ ًذا‬ ‫هذا الفن‪ّ ،‬‬
‫ابداعي‬
‫ٌّ‬ ‫مل يكن بعيدً ا عن معارصيه‪ ،‬أو خمال ًفا هلم فيام تقدّ م‪ ،‬لكن كان له وج ٌه‬
‫نظريات منطقية‪ ،‬أضاف هبا‪ ،‬أو خالف السابقني عليه أو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫جتىّل فيام قدّ مه من‬
‫منجزا منطق ًيا‪ ،‬شكّل هوية البحث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املعارصين له‪ ،‬و قدّ م هبا‬
‫ومع ّ‬
‫أن تتبع املنجز املنطقي للمتقدّ مني كاخلواجة الطويس ليس من‬
‫السهولة بحال من األحوال‪ ،‬وذلك لتشابك الصناعة املنطقية مع سابقيه‬
‫أيضا يف األبحاث والتنظيم والرتتيب‪ ،‬فكان بلوغ غور‬
‫ومعارصيه وتشاهبها ً‬
‫املختلف خيالطه جهد جهيد‪.‬‬

‫التنوع بالتأليف‪ ،‬انعكس عىل التنوع يف البدء بموضوعات هذه‬‫وهذا ّ‬


‫الصناعة كام يطلق عليها اخلواجة‪ ،4‬فهو عندما يتناول موضوعاهتا يف كتابه‬

‫الح ّيّل‪ ،‬جامل الدين‪ ،‬حسن بن يوسف‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح التجريد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محسن‬ ‫‪ِ .1‬‬
‫بيدار فر‪ ،‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1426 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬أبو عيل الحسني‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬نرش البالغة‪ ،‬قم – إيران ‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪133‬هـ ش‪ .‬كذلك‪ :‬أبو عيل‪ ،‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬تحقيق‪ :‬كريم فييض‪ ،‬مطبوعات‬
‫ديني‪ ،‬قم – إيران‪ ،‬الطبعة األوىل‪134 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬نصري الدين‪ ،‬أساس االقتباس ترجمة‪ :‬منال خرس‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن الشافعي وآخر‪،‬‬
‫املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬مرص‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬وبدون تاريخ‪.‬‬
‫علاًم‪،‬‬
‫‪ .4‬يف معرض بيانه للتنازع هل أ ّن املنطق علم أم ليس بعلم؟ يخلص إىل أنّه صناعة وليس ً‬
‫وسبب ذلك أ ّن موضوعه هو املعقوالت الثانية‪ ،‬أما بقية العلوم فموضوعاتها املعقوالت األُ َول‪.‬‬
‫يُنظر‪ :‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .9‬وهذا اإلشكال والر ّد الذي أثاره الخواجة‬
‫الطويس كان محاول ًة منه إلكامل ما بدأ به الشيخ ابن سينا يف كتابه الشفا‪ ،‬بتقديم معالج ٍة ملوضوع‬
‫مستقل بالذات‪ ،‬أم أنّه مدخل لبقية العلوم‪ .‬وبغض النظر عن ما قدّمه ابن سينا‬ ‫ٌّ‬ ‫هل أ ّن املنطق عل ٌم‬
‫جا إىل املنطق؛‬ ‫ً‬ ‫محتا‬ ‫كان‬ ‫لو‬ ‫علم‪،‬‬ ‫أي‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫االلتباس‪،‬‬ ‫لهذا‬ ‫ا‬‫ري‬
‫ً‬ ‫تفس‬ ‫ّم‬
‫د‬ ‫يق‬ ‫الخواجة‬ ‫يف الشفا‪ ،‬فإ ّن‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪267‬‬

‫التجريد‪ ،‬بوصفه الكتاب املخترص يف املدخل إىل علم املنطق‪ ،‬يبدأ ببحث‬
‫األلفاظ‪ ،‬ولكن من حيث الداللة‪ :‬التطابق والتضمن وااللتزام ‪ ،1‬وجياري‬
‫ابن سينا يف رشحه عىل اإلشارات‪ ،‬يف بيان الغرض وأمهية علم املنطق‪،‬‬
‫ووجوب االبتداء به‪ ،‬ساب ًقا يف ذلك بكونه آل ًة يف تعلم سائر العلوم عىل ما‬
‫يذهب إليه الشيخ الرئيس ‪ ،2‬يف حني كان يف كتابه أساس االقتباس مبتدئًا به‬
‫خصوصا أنّه ‪ -‬املنطق‪ - 3‬قاعد ٌة‬
‫ً‬ ‫يف بيان أمهية املنطق‪ ،‬وبيان قواعده وأصوله‬
‫وأساس للعلوم والسيام ِ‬
‫احلكَمية منها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ومع أمهية علم املنطق‪ ،‬فهو مل يقدّ م له تعري ًفا ّإاّل بالرسم‪ ،‬متب ًعا بذلك‬
‫أن َّ‬
‫يضل‬ ‫عرفه بأنّه‪« :‬آل ٌة قانوني ٌة تعصم مراعاهتا عن ْ‬ ‫الشيخ الرئيس الذي ّ‬
‫ٍ‬
‫بلحاظات متعدّ دة‪،‬‬ ‫يف فكره»‪ .4‬مع ّل ًقا عىل التعريف بالرسوم إنّام يكون‬
‫وأخريا بالغاية‪،‬‬
‫ً‬ ‫فمر ًة يكون بالذات‪ ،‬ومر ًة يكون بالفعل‪ ،‬وأخرى بالفاعل‪،‬‬
‫فالكوز ً‬
‫مثاًل‪ ،‬عندما يرسم بذاته‪ ،‬فهو وعا ٌء من الفخار‪ ،‬ومن ناحية الفعل‬
‫آل ٌة قانونية‪ ،‬واآللة هي ما يؤ ّثر الفعل فعله يف منفعل‪ ،‬والتعريف بالغاية هي‬
‫أخص االعتبارات‬‫ّ‬ ‫رسم املنطق بعصم الذهن عن اخلطأ والوقوع فيه وهي‬
‫يعرّب‪.5‬‬
‫كام ّ‬

‫الحتاج علم املنطق بذاته إىل نفسه وإىل منطقٍ آخر‪ ،‬وعليه فإ ّن بعض العلوم هي من تكون بحاج ٍة‬
‫مثاًل فهي مبا متلك من‬
‫إىل املنطق ال جميعها‪ ،‬عىل حد عبارته‪ ،‬و بعض العلوم كالهندسيات ً‬
‫نظريات وتحويلها من أوليات ‪ ،‬فهي ليس بحاجة إليه‪ .‬ينظر‪ :‬رشح اإلشارات والتنبيهات ج‪ ،1‬ص‬
‫‪.10-9‬‬
‫‪ِ .1‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.7-6‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.9‬‬
‫‪ .5‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.10-9‬‬
‫‪ | 268‬تاریخ علم املنطق‬

‫لكنه يستثمر العالقة بني اللفظ واملعنى ويضع تعري ًفا لعلم املنطق‪ ،‬واص ًفا‬
‫التصور والتصديق يف تعريفه‪ ،‬واللذين يتمكّن هبام‬
‫ّ‬ ‫موس ًطا‬
‫املنطقي باحلاذق‪ّ ،‬‬
‫أن نعرف مدى‬ ‫احلاذق من الوصول إىل املعاين‪ ،‬وإذا أرشنا إىل تعريفه‪ ،‬يمكن ْ‬
‫العالقة بني اللفظ واملعنى من جهة‪ ،‬وتعريف املنطق بالذات‪ ،‬وهو اخلالصة‬
‫أمور‬ ‫ٍ‬
‫معلومة إىل ٍ‬ ‫أمور‬ ‫ٍ‬
‫انتقال من ٍ‬ ‫ألن عملية الفكر‪ ،‬هي عملية‬ ‫هلذه العالقة؛ ّ‬
‫ٍ‬
‫عملية من‬ ‫فالتصور ال جتري فيه أية‬ ‫غري معلومة (جمهولة)‪ ،‬أو غري حارضة‪،‬‬
‫ّ‬
‫حارضا؛ لكنه جمرد عن احلكم‪ ،‬أ ّما التصديق‬
‫ً‬ ‫عمليات االنتقال‪ ،‬فهو ْ‬
‫وإن كان‬
‫ٍ‬
‫معلومة إىل‬ ‫الذي ال يفارق احلكم‪ ،‬هو من جتري فيه عملية االنتقال من ٍ‬
‫أمور‬
‫عرّب عنها بالفكر‪،‬‬
‫أخرى جمهولة‪ ،‬ويرشح اخلواجة عملية االنتقال هذه التي ّ‬
‫أو حركات الفكر‪ ،‬وهو االنتقال من املبادئ إىل ا َملطالب ليحصل به اجلزم و‬
‫اليقني وهو ما تبتغيه صناعة الربهان ‪.1‬‬

‫أما املبادئ التي تعطي الظ ّن أو الوضع أو التسليم فهي التي ينتقل منها‬
‫الذهن إىل اجلدل واخلطابة والسفسطة‪ ،‬ويفرد الشعر من هذه الصناعات‬
‫وخيرجه من التصديق؛ لعدم قول الشيخ الرئيس به‪ 2‬حتى يبني اخلواجة‬
‫الطويس‪ّ ،‬‬
‫أن تعريف املنطق بحسب الذات إنّام هو تعريف ابن سينا‪« :‬فاملنطق‬
‫ٍ‬
‫حاصلة يف ذهن اإلنسان إىل‬ ‫ٍ‬
‫أمور‬ ‫علم ُيتع َّلم فيه رضوب االنتقاالت من‬
‫ٌ‬
‫أمور مستحصلة»‪.3‬‬ ‫ٍ‬

‫واضحا لعلم املنطق يف خمترصه‬


‫ً‬ ‫أن اخلواجة مل يقدّ م تعري ًفا‬
‫وعىل الرغم من ّ‬
‫التصور والتصديق ً‬
‫فصاًل يف صناعة الربهان‪ 4‬نجده‬ ‫ّ‬ ‫(التجريد)‪ ،‬وجعل من‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪،1‬ص ‪.11‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.14-13‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ِ .4‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح التجريد‪ ،‬ص‪.300‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪269‬‬

‫اقرتب يف تعريفه للمنطق من تعريف الشيخ الرئيس بأنّه‪« :‬علم املنطق فهم‬
‫أي‬ ‫أن يتوصل هبا إىل أنواع العلوم املكتسبة‪ّ ،‬‬ ‫معان يمكن ْ‬ ‫ٍ‬
‫أي معنى إىل ّ‬ ‫وإن ّ‬
‫ٍ‬
‫وجه يؤدي إىل‬ ‫كل معنى عىل‬ ‫عل ٍم يتوصل به‪ ،‬ومعرفة كيفية الترصف يف ّ‬
‫ٍ‬
‫وجه يليق‪.‬‬ ‫إن أ ّدى ال يؤدي عىل‬ ‫ٍ‬
‫وجه ال يؤ ّدي إليه‪ ،‬أو ْ‬ ‫املطلوب‪ ،‬و عىل‬
‫أن يكون مع فهم املعاين‪ ،‬ومعرفة كيفية الترصف‪ ،‬ملك ٌة‬ ‫وصناعة املنطق ْ‬
‫وفكر أصناف املعاين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا هلاتني الفضلتني بحيث يفهم بال رو ّي ٍة‬ ‫مقارن ٌة ً‬
‫الترصفات‪ ،‬ليقدر عىل اكتساب أنواع العلوم‪ ،‬ويأمن‬ ‫ّ‬ ‫ويتمكّن من أنواع‬
‫لعل يف إشارته‬‫الضاللة واحلرية‪ ،‬ويقف عىل مزال أقدام أهل الضاللة»‪ ،1‬و ّ‬
‫أعاله (ويتمكّن من أنواع الترصفات ليقدر عىل اكتساب أنواع العلوم)‬
‫تصور‪ ،‬وهو مورد‬ ‫بأهّنا ّ‬ ‫عرّب عنها ّ‬ ‫إشار ًة وافي ًة ملعرفة ماهية علم املنطق‪ ،‬التي ّ‬
‫واحلجة‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫بأهّنا القول الشارح‬ ‫عرّب عنها ّ‬
‫البحث يف العرضيات ‪ ،‬أو التي ّ‬
‫‪2‬‬

‫احلجة هو الربهان‬ ‫ّ‬ ‫التصور‪ ،‬وما ُيكتسب به‬ ‫ّ‬ ‫ُيكتسب به القول الشارح هو‬
‫وهو اكتساب الذاتيات‪ ،3‬وتبني لنا أمهية ودور التصور والتصديق يف تعريف‬
‫وتوضيح علم املنطق وبيان رسمه وماهيته‪.‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ِ .3‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ | 270‬تاریخ علم املنطق‬

‫الفصل األول ‪ :‬املُع َّرف و الحجة (القضية)‪:‬‬


‫املعرف‬ ‫ٍ‬
‫وتصديق أي بني ّ‬ ‫تصو ٍر‬
‫ّ‬ ‫ّملا كان البحث يف املنطق ينقسم إىل‬
‫ٌ‬
‫ومبحث‬ ‫واحلجة‪ ،‬كان هذا الفصل موز ًعا بني مبحثيهام‪ٍّ ،‬‬
‫لكل منهام عنوانه‬ ‫ّ‬
‫احلجة عىل القضية فقط؛ ألمهيتها يف‬
‫مستقل بذاته‪ .‬ولكن اقترص يف مباحث ّ‬ ‫ٌ‬
‫القياس ماد ًة وصورة؛ وهو ما ألجله ‪ -‬أي القياس – بأشكاله األربعة أفرد‬
‫البحث الفصل الثاين له كام سنبني‪.‬‬

‫التصورات‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األول‪:‬‬
‫املبحث ّ‬
‫التصورات‪،1‬‬
‫ّ‬ ‫يبدأ اخلواجة يف كتابه التجريد بـ (اللفظ) عند البحث عن‬
‫أن هناك عالق ًة بني اللفظ واملعنى‪،‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬شارح التجريد إىل ّ‬ ‫ويشري ّ‬
‫أواًل وبالذات‪ ،‬وعن‬ ‫تتصدّ ر اهتامم املنطقي‪ ،‬فاملنطقي إنّام يبحث عن املعنى ً‬
‫بأهّنا عالق ٌة‬
‫عرّب اخلواجة عن هذه العالقة ّ‬ ‫اللفظ ثان ًيا وبالعرض؛ ولذلك ّ‬
‫وأن العالقة الطبيعية إنّام تكون بني املعنى والعني؛ ولذلك‬ ‫(غري طبيعية)‪ّ ،‬‬
‫قسم املوجودات عىل أربعة أقسام‪ :‬فلليش الواحد وجو ٌد يف األعيان ـ العني‬ ‫ّ‬
‫وأخريا يف الكتابة‪ ،‬فالكتابة‬
‫ً‬ ‫‪/‬اخلارج ـ ثم يف األذهان‪ ،‬ثم يف اللفظ ‪ /‬العبارة‪،‬‬
‫دال عىل ما يف الذهن‪ ،‬والذهن عىل ما يف العني‪،‬‬ ‫دال ٌة عىل اللفظ‪ ،‬واللفظ ٌ‬
‫والداللة بني الذهني والعيني‪ ،‬دالل ٌة طبيعي ٌة ال ختتلف ً‬
‫أصاًل‪ ،‬والداللة بني‬
‫الكتابة واللفظ‪ ،‬واللفظ والذهن دالل ٌة غري طبيعة؛ كوهنا ختتلف باختالف‬
‫منارصا لعبارة الشيخ الرئيس يف اإلشارات‪ّ ،‬‬
‫بأن بني‬ ‫ً‬ ‫الطباع‪ ،‬وبذلك كان‬
‫اللفظ واملعنى عالق ًة ما؛ فعبارة (عالقة ما) قدّ م هلا اخلواجة الطويس تفسريه‬
‫أيضا يف أساس االقتباس‪،2‬‬ ‫السابق وأشار إىل معناها‪ ،‬وإىل مثل ذلك ذهب ً‬

‫يل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪ِ .1‬‬


‫الح ّ‬
‫‪ .2‬اإلشارات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .22-21‬وكذلك ينظر‪ :‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪271‬‬

‫فاملنطقي ال وسيلة له للتعبري عن املعاين سوى اللفظ‪ ،‬فاملعاين تفهم يف قالبها‬


‫خيص لغ ًة دون أخرى‪ ،‬وإنّام يشمل اللغات‬ ‫أن هذا الفهم ال ّ‬ ‫اللفظي‪ ،‬عىل ّ‬
‫علاًم دون آخر‪.‬‬
‫خيص ً‬ ‫أيضا ال ّ‬‫ككل‪ .‬و ّملا كان ال خيص لغ ًة دون أخرى‪ ،‬فهو ً‬

‫وهذه املباحث مرتاص ٌة ومرتابط ٌة فيام بينها‪ ،‬فهي تبحث عن ماهية اللفظ‪،‬‬
‫من حيث التواطؤ والتشكيك‪ ،‬ثم الداللة والعالقة بني هذه األلفاظ‪ ،‬مرتادف ٌة‬
‫أو متباينة‪ ،‬واللفظ من حيث الكيل واجلزئي‪.‬‬
‫توضح العالقة بني‬ ‫وأول موضوعات هذا الفصل هو الداللة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ّ‬
‫اللفظ واملعنى‪ ،‬وهي أبعد املوضوعات عن املنطق‪1‬؛ ّ‬
‫ألن املنطق هو انتقال أو‬
‫حركة الفكر من املعلوم إىل املجهول‪ ،‬وهي عالق ٌة غري طبيعية‪ ،‬بني الذهن و‬
‫املعنى‪ ،‬كالعالقة بني اللفظ واملعنى‪ .2‬وإذا كان موضوع الداللة عند اخلواجة‬
‫يرسي وينتظم وفق ما ّقرره املناطقة من قبل‪ ،‬فإنّه قد زاد فيها كوهنا طبيعي ًة‬
‫فيام بينها‪ ،‬أو أهنّا مشرتك ٌة يف الطبيعة و العقل‪ ،‬أو ّأهّنا وضعي ٌة فقط؛ ولذلك‬
‫فأن الداللة عىل أقسا ٍم ثالثة‪ :‬وضعية وهي الداللة املطابقية فقط‪ ،‬وطبيعية‬ ‫ّ‬
‫وهي داللة (أح أح) عىل أذى الصدر‪ ،‬وعقلية‪ ،‬كداللة الصوت عىل صاحبه‪.‬‬
‫وجعل التداخل بني املطابقية و التضمنية‪ ،‬فاللفظ قد يدل عىل متامه بالتطابق‪،‬‬
‫يدل عليه بالتضمن‪ ،‬إذا كان جز ًءا منه‪ ،‬وقد دفع اخلواجة هذا التداخل‬ ‫و قد ّ‬
‫بني الداللتني‪ ،‬بمفهوم اإلرادة و القصد‪ ،‬بقصد الواضع هلا وضع اللفظ إزاء‬
‫املعنى‪ ،‬فام يريده الواضع و يقصده؛ فهو املراد من اللفظ واملعنى‪ .3‬باإلضافة‬
‫تدل عىل العام واخلاص‪،‬‬ ‫ألهّنا ّ‬
‫أن الداللة التضمنية قد تكون عقلي ًة رصفة؛ ّ‬ ‫إىل ّ‬
‫كداللة املمكن عىل اإلمكان العام واإلمكان اخلاص‪.4‬‬
‫‪ .1‬اإلشارات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.28‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ِ .3‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ .4‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.29‬‬
‫‪ | 272‬تاریخ علم املنطق‬

‫وكي ال يقع اخلواجة يف إشكال بإطالق الداللة عىل اللفظ بأزاء املعنى‪،‬‬
‫أن احلمل هنا إنّام هو محل املواطأة وليس محل‬‫نوع من احلمل‪ّ ،‬بنّي ّ‬
‫وهو ٌ‬
‫املحمول عىل املوضوع محل الضحك عىل اإلنسان‪ ،‬محل االشتقاق‪.‬‬

‫اللفظ مفرد أو مركّب‪:‬‬


‫مل ينفرد اخلواجة الطويس عن بقية املناطقة يف قسمته اللفظ إىل مفرد‬
‫كل منهام بحد‪ ،‬يتوافق مع ما تسامل عليه املناطقة‪ ،‬فاملفرد‬‫ومركب‪ ،‬فهو قد حدّ ّ‬
‫هو‪« :‬اللفظ الذي مل جيعل ألجزائه فيه داللة ً‬
‫أصاًل» ‪ ،1‬أ ّما املركّب فهو‪:‬‬
‫«الذي أجزاءه دال ٌة عىل أجزاء املعنى»‪ .2‬ولكن يف عرضه لذات املوضوع‬
‫إشكااًل يعتمد عىل تغيري احلدّ املتقدّ م للمفهومني أعاله‪ ،‬وينطلق من‬ ‫ً‬ ‫يقدم‬
‫يدل جزؤه عىل جزء‬ ‫ذلك اإلشكال من حدّ املفرد‪ ،‬والتعبري عنه بأنّه ما ال ّ‬
‫معناه‪ ،‬وينفي أو جيعل من التعريف األخري ناف ًيا للتعريف األول‪ ،‬بل ويزيد‬
‫يدل جزؤه عىل جزء معناه)‪ ،‬ويدعو إىل تثليث‬ ‫اخلواجة يف التعريف (ما ال ّ‬
‫أن يكونا مفر ًدا ومرك ًبا فقط‪ ،‬فإذا اعتمدناه كتعريف‬ ‫أقسام اللفظ ً‬
‫بداًل من ْ‬
‫للفظ‪ ،‬فيكون اللفظ إ ّما‪:3‬‬
‫أصاًل‪ ،‬بلحاظ القيد (ما ال ّ‬
‫يدل جزؤه عىل‬ ‫يدل جزؤه عىل ٍ‬
‫يشء ً‬ ‫‪ّ .1‬أاّل ّ‬
‫ً‬
‫(أصاًل) ونسب هذا التعريف للمفرد‪.‬‬ ‫جزء معناه)‪ ،‬فأضاف اخلواجة‬
‫يدل جزؤه عىل ٍ‬
‫يشء غري جزء معناه‪ ،‬وقصد بذلك (املركّب)‬ ‫أن ّ‬‫‪ .2‬وإ ّما ْ‬
‫وخاصة املركّب النحوي نحو (عبد قيس)‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ِ .1‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.32‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪273‬‬

‫‪ .3‬وإ ّما يدل جزؤه عىل جزء معناه وهو املؤ َّلف‪.‬‬
‫وقد وصف اخلواجة هذا النوع من التقسيم بقلة االعتبار‪ّ ،‬‬
‫وأن اإلجابة‬
‫عىل هذا النوع من التداخل تتم بموردين‪:‬‬

‫املورد األول‪ :‬أكّد فيه ّأاّل تعارض بني التعريف يف أصل املفهوم واإلرادة‪،‬‬
‫وأثبت ذلك بالقسمة العقلية املر ّددة بني النفي واإلثبات‪ ،‬فأنت تريد باللفظ‬
‫يدل عىل ٍ‬
‫يشء آخر‪ ،‬وإ ّما ّأاّل‬ ‫أن ّ‬
‫يدل بجزئه عىل جزء معناه) إ ّما ْ‬ ‫الذي (ما ال ّ‬
‫يشء آخرــ فهو ليس‬ ‫ٍ‬ ‫يدل اللفظ بجزئه عىل‬ ‫بأن ّ‬
‫يدل‪ ،‬فإذا كان األول ــ ْ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حمدد‬ ‫مقصودا أو مرادا‪ ،‬أو قد يكون ذلك اللفظ املدلول عليه بجزء ٍ‬
‫لفظ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يدل جزء اللفظ عىل جزء املعنى‪ .‬وعرب‬ ‫إنّام هو لفظ باألساس‪ ،‬وبذلك ال ّ‬
‫يدل عىل جزء‬ ‫اخلواجة عن ذلك‪« :‬وليس كالمنا فيه»‪ ،1‬وإذا كان جزؤه ال ّ‬
‫دل فهو املركب‪ ،‬وهذا هو املطلوب‪ ،‬وبذلك أخرج‬ ‫معناه فهو املفرد‪ ،‬وأ ّما إذا ّ‬
‫النوع الثالث وهو (املؤ ّلف)‪ ،‬وأضاف اخلواجة هنا أنّه ال فرق من وراء هذا‬
‫التحليل بني التعريفني املتقدّ مني‪.2‬‬

‫املورد الثاين‪ :‬أكّد فيه اخلواجة عىل مفهوم الداللة الوضعية‪ ،‬وتع ّلقها‬
‫فإن القصد من املتحدّ ث‪ ،‬أو ما يتلفظ فيه‪ ،‬وبحسب ّ‬
‫كل‬ ‫بالقصد واإلرادة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫لغة من اللغات‪ ،‬إنّام هو ما حيدّ د كون اللفظ مفر ًدا أو مر ّك ًبا‪.3‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫معنى ما‪ ،‬ويفهم عنه ذلك املعنى‪ ،‬يقال‪ :‬إنه ٌ‬
‫دال عىل‬ ‫ً‬ ‫ماّم يتلفظ به‪ ،‬ويراد به‬
‫‪ .3‬قال الخواجة‪ّ " :‬‬
‫ذلك املعنى"‪ ،‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ | 274‬تاریخ علم املنطق‬

‫أقسام املفرد‪:‬‬
‫أن املفرد ينقسم عىل تا ٍم وناقص‪ ،‬والتام يتوزع بني االسم‬ ‫وأكد اخلواجة ّ‬
‫والفعل‪ ،‬والفرق بني التام والناقص‪ ،‬هي الداللة بنفسه والداللة بغريه‪،‬‬
‫فالتام يتم بنفسه‪ ،‬مقرونًا بالزمان وهو الفعل‪ ،‬وبغري الزمان وهو االسم‪.‬‬
‫يدل بنفسه فهو احلرف‪ ،‬الذي يطلق عليه املناطقة بـ (األداة)‪،‬‬ ‫أما الذي ال ّ‬
‫وجهه اخلواجة إىل احلدّ الذي‬ ‫والغرض من ذكر هذا األمر‪ ،‬هو النقد الذي ّ‬
‫خاصة‪ « :‬الفعل هو الذي يسميه املنطقيون‬ ‫ّ‬ ‫صاغه الشيخ الرئيس للفعل‬
‫معنّي‬ ‫ٍ‬
‫زمان ّ ٍ‬ ‫معنّي يف‬ ‫ٍ‬
‫ليشء غري ّ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫موجود‬ ‫يدل عىل معنى‬ ‫(كلمة)‪ ،‬وهو الذي ّ‬
‫وسجل اخلواجة نقدً ا وتصحيح ًيا عىل حدّ الفعل املتقدّ م‬ ‫ّ‬ ‫من الثالثة»‪،1‬‬
‫وخص (الفصل) من الذاتيات املفقودة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫متناول جلميع ذاتياته)‪،‬‬ ‫بأنّه (غري‬
‫تعريف‬
‫ٌ‬ ‫عرّب عنه اخلواجة بأنّه‬
‫يعرّب فقط عن اجلنس‪ ،‬أو ما ّ‬ ‫فتعريف ابن سينا ّ‬
‫ٍ‬
‫ليشء‬ ‫ٍ‬
‫موجود‬ ‫وأن التعريف بالفعل إنّام هو‪ « :‬الذي ّ‬
‫يدل عىل معنى‬ ‫بالقوة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫معنّي من األزمنة الثالثة»‪ ،‬وتصحيح اخلواجة يدور حول‬ ‫ٍ‬
‫معنّي يف زمان ّ ٍ‬ ‫غري ّ ٍ‬
‫وأن التع ّلق بالزمان يغنيه اليشء‬ ‫االستقالل بالوضع‪ ،‬استقالال بنفسه‪ّ ،‬‬
‫«لفظ مفرد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫املتع ّلق به‪ ،‬والذي هو الفاعل‪ ،‬فكان تعريف الفعل عنده‪:‬‬
‫ٍ‬
‫زمان من‬ ‫ٍ‬
‫بيشء ال يعينه يف‬ ‫مستقل بنفسه‪ ،‬ويتع ّلق‬
‫ٍّ‬ ‫يدل بالوضع‪ ،‬عىل معنى‬ ‫ّ‬
‫األزمنة الثالثة‪ ،‬يعينه ذلك التعلق»‪ ،2‬وهو بذلك يعود إىل األشياء األربعة‪،‬‬
‫التي تشرتك هبا األقوال الثالثة (االسم‪ ،‬الفعل‪ ،‬األداة)‪ ،‬واألشياء األربعة‬
‫يدل عىل معنى‪ْ ،‬‬
‫أن يكون‬ ‫التي ذكرها اخلواجة الطويس هي‪( :‬اللفظ املفرد‪ّ ،‬‬
‫بالوضع‪ ،‬أن يكون متواط ًئا)‪ ،‬لكن يمتاز االسم عن الفعل بشيئني‪ :‬األول‪:‬‬
‫أن يكون الفعل‬‫أن يكون معناه مستقاًّلًّ مرتب ًطا بالغري (الفاعل)‪ ،‬والثاين‪ْ :‬‬
‫ْ‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.31‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪275‬‬

‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫مستقاًّلًّ ‪ ،‬لكن االرتباط ليس بالفاعل بل بغريه‪ ،‬وهذا ما يفيض إىل‬
‫ً‬
‫مستقاًل بنفسه‪.1‬‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬ارتباط الفعل بالغري‪ ،‬كونه‬

‫أن اخلواجة الطويس‪ ،‬قد أدخل البالغة يف املنطق عند بيان نسبة‬ ‫وكام ّ‬
‫أيضا عند حديثه عن اللفظ املركب‪،‬‬ ‫األلفاظ إىل املعاين‪ ،‬فهو قد أدخل النحو ً‬
‫بكونه مفر ًدا أو مرك ًبا‪ّ ،‬‬
‫فإن من املفرد االسم الذي قد يكون مفر ًدا أو مر ّك ًبا‪،‬‬
‫خاصة‬‫ّ‬ ‫رشوط أربع ٌة‬
‫ٌ‬ ‫و الذي قد يكون جامدً ا أو مشت ًقا‪ ،‬والفعل الذي له‬
‫به‪ ،‬اختلفت عن الرشوط األربعة املشرتكة بينه وبني االسم واحلرف‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫إن يف‬ ‫ّ‬
‫املحل هو الفاعل يف النحو‪ .‬ثم ّ‬ ‫املعنى وحمله‪ ،‬واحلدث وزمانه؛ ّ‬
‫فإن‬
‫وضح اخلواجة ــ يكون الفعل فيها مشت ًّقا من االسم‪.‬‬ ‫كثري من اللغات ــ كام ّ‬‫ٍ‬
‫أن اخلواجة يم ّيز بني الفعل والفعل الناقص‪( ،‬الكلامت الوجودية) كان‬ ‫كام ّ‬
‫وأخواهتا‪ ،‬وهو يفرتق عن االسم باحلدوث والزمان‪.2‬‬

‫الكليات اخلمسة‪:‬‬
‫مل يكن الرشح الذي قدّ مه اخلواجة عىل منطقيات اإلشارات جمرد‬
‫أيضا وبجدارة مناقش ًة لنظريات‬ ‫ٍ‬
‫استعراض ملفاهيم هذا املوضوع‪ ،‬وإنّام كان ً‬
‫سابقة‪ ،‬والر ّد عليها‪ ،‬وقد سبقه الشيخ الرئيس يف التنبيه إليها‪ ،‬يف حني ّ‬
‫أن‬
‫فإهّنم‬ ‫بعض املناطقة ّ‬
‫املتأخرين حني يذكرون احلدّ (الواقع يف جواب ما هو ) ّ‬
‫كل كيل من هذه الكليات إنّام‬‫أن ّ‬
‫خيلطون بني الكل ّيات اخلمسة‪ ،‬ويعتقدون ّ‬
‫حرصا‪ ،‬إنّام هو اجلنس‬
‫ً‬ ‫أن يم ّيزوا ّ‬
‫أن الواقع يف (ما هو)‬ ‫يقع جوا ًبا عنها‪ ،‬دون ْ‬
‫والفصل‪.3‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.67‬‬
‫‪ | 276‬تاریخ علم املنطق‬

‫وكذلك يشرتط اخلواجة يف التعريف ّأاّل يكون ّإاّل باملساوي‪ ،‬ويؤكّد ّ‬


‫أن‬
‫األعم إنّام يقع يف طريقه‪1‬؛‬
‫ّ‬ ‫املساوي إنّام هو الغاية يف حتصيل التعريف‪ ،‬وأن‬
‫لذلك انتقد اخلواجة الطويس ــ متب ًعا بذلك ابن سينا ــ املناطقة الذين اتبعوا‬
‫األول يف دراسة األجناس وترتيبها‪ ،‬عاليها وسافلها ومتوسطها‪،‬‬ ‫املعلم ّ‬
‫وأكّد اخلواجة ّ‬
‫أن هم املنطقي ليس هو النظر يف ما تقدّ م؛ وإنّام ما حيتاج إليه‬
‫يف دراسة التعريفات واحلدود من تلك املعرفة باألجناس وأنواعها‪ ،‬فلوال‬
‫معرفة اجلنس عاليه وسافله ومتوسطه ملا أمكن إجراء التعريف‪ ،‬ومعرفة‬
‫معرفها ذات ًيا‪،‬‬
‫األنواع‪ ،‬وإرجاعها إىل أجناسها‪ ،‬ومتييزها بفصوهلا‪ ،‬إذا كان ّ‬
‫وكذلك ال يمكن معرفة التصديقات التي تبتني عليها‪ ،‬فليس الغرض معرفة‬
‫تلك األجناس وال سيام مراتبها نتيج ًة لكثرهتا وصعوبة حرصها‪ .2‬ولكن مع‬
‫ذلك نجد أنّه بحثها يف خمترصه التجريد‪.3‬‬

‫وجعل اخلواجة من السؤال بـ (أي)‪ ،‬والتي ُيسأل هبا املناطقة عاد ًة عن‬
‫أن املقصود‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف بيان ّ‬ ‫ً‬
‫سؤااًل عن (اجلوهر)‪ ،‬ورشع ّ‬ ‫الفصل جعلها‬
‫اخلاصة املميز‬
‫ّ‬ ‫يف اجلوهر‪ :‬إنّام هو للتمييز بني الفصل املميز الذايت وبني‬
‫العريض‪.4‬‬
‫ومن الالفت للنظر ّ‬
‫أن اخلواجة الطويس فيام قدّ م من مصنفاته املنطقية؛‬
‫إمجااًل ملوضوع (النسب األربعة) بعد مباحث الكيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تفصياًل أو‬ ‫مل يقدّ م‬
‫وكأهّنا خارج ٌة عن املوضوع املنطقي‪ ،‬مع أمهية‬
‫ّ‬ ‫وجتاهلها كل ّيا يف مصنفاته‪،‬‬
‫والتصور الصادر عنه‪ .‬وكذلك شارحه‬ ‫ّ‬ ‫هذا املوضوع يف بيان (التعريف)‪،‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.68‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.84-83‬‬
‫‪ .3‬الحيل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.63-49‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪277‬‬

‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬


‫تعلياًل شاف ًيا إلغفاله هلا‪.‬‬ ‫العاّلمة احل ّيّل مل ّ‬
‫يتطرق إىل هذا املوضوع‪ ،‬ومل يقدّ م‬
‫أن اخلواجة سار عىل ما سار‬ ‫يفرّس لنا هذا اإلغفال‪ ،‬سوى ّ‬‫ولربام ال نجد ما ّ‬
‫عليه ابن سينا يف الشفاء والذي انتقل فيه من اإليساغوجي – املدخل إىل‬
‫كتاب املقوالت‪ ،‬متب ًعا بذلك ابن سينا أرسطو يف جمموعته املنطقية‪ ،‬ومن‬
‫أن القطب الرازي ذكر (النسب بني الكليني يف كتابه رشح‬ ‫اجلدير بالذكر ّ‬
‫املطالع)‪ ،1‬لكنّه مل يبني أسباب فقده يف الكتب املتقدّ مة عليه‪ -‬كام مل يتّضح‬
‫أن املقارنة بني مفهومني كليني تُعدّ رش ًطا الز ًما بل‬
‫لنا أسباب إيراده له‪ ،‬عىل ّ‬
‫رضور ًيا للتفكري‪.2‬‬
‫‪ .1‬القطب الرازي ‪ :‬رشح املطالع ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.260‬‬
‫‪ .2‬عيل أصغر‪ ،‬خندان‪ ،‬املنطق التطبيقي‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد حسن الواسطي وعبد الرزاق سيادت‬
‫الجابري‪ ،‬مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2017 ،‬ص ‪.52‬‬
‫ريا (موسوعة مصطلحات علم املنطق عند العرب)‪ ،‬والذي‬ ‫والالفت للنظر أيضً ا أ ّن كتابًا موسوع ًيا كب ً‬
‫رش يف كثريٍ من مواده ذات العالقة إىل‬ ‫بلغت فيه املصطلحات املنطقية ‪ 2900‬مصطلح‪ ،‬مل ي ْ‬
‫موضوع النسب األربعة‪ ،‬فلو دققنا النظر إىل الحرف (أ) مل نجد ذك ًرا لها‪ ،‬وال كذلك يف حرف‬
‫(ن)‪ ،‬بل نجد أ ّن النسبة هنا وقعت يف مقولة (اإلضافة) ولكن نجد إشار ًة إليها يف الحرف (ك) تحت‬
‫كيّل آخر إ ْن كانا‬
‫الكيّل إىل ّ‬
‫ّ‬ ‫مقولة (الكيل)‪ ،‬ذكر فيها موضوع الكلّيني املتساويني‪ ،‬يوضح فيها نسبة‬
‫كل ما يصدق عليه اآلخر‪،‬‬ ‫متساويني‪ ،‬فالنسبة بينهام التساوي‪ ،‬وإال التباين‪ ،‬وإ ْن صدق أحدهام عىل ّ‬
‫فهو العموم و الخصوص مطلقًا‪ ،‬أو بعض ما يصدق عليه اآلخر فهو العموم والخصوص من وجه‪،‬‬
‫وعند مراجعة رمز املصدر‪ ( :‬ن ‪ ،‬ش ) والذي يقصد به رشح الشمسية للكاتب القزويني‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫جرب‪ ،‬فريد‪ ،‬وآخرون موسوعة مصطلحات علم املنطق عند العرب‪ ،‬نارشون‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،1999 ،‬ص ‪ xix‬يف معرفة رمز (ن‪ ،‬ش) من ص ‪ – 1‬ص ‪ 138‬مادة (أ)‪ ،‬وكذلك من ص‬
‫‪-1053‬ص‪ 1082‬مادة (ن)‪ ،‬وكذلك مادة (الكيل) ص ‪.752‬‬
‫كل مفهومٍ إ ّما‬
‫وقد ورد هذا املعنى للنسب األربعة أيضً ا تحت مادة (م) مصطلح ( املفهوم )‪ ،‬بإ ّن ّ‬
‫وخصوص من جهة أو مطلقًا‪ .‬وقد أشار‬ ‫ٌ‬ ‫يباين مفهو ًما آخر وإ ّما يساويه وإ ّما يكون بينهام عمو ٌم‬
‫النص بتاممه‬‫ّ‬ ‫إىل الرمز (م‪ ،‬ط) وهو مطالع األنوار يف الحكمة واملنطق لألرموري وقد ورد هذا‬
‫يف لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار‪ .‬ينظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ . 947-946‬وكذلك ينظر‪:‬‬
‫الرازي‪ ،‬قطب الدين‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيل أصغر‬
‫جعفري دلني‪ ،‬انتشارات دانشكاه طهران‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1396 ،‬ص ‪.104‬‬
‫نصوص ذكرها الفارايب عالقة األعم واألخص والتساوي‪ ،‬ولكن هذه النسب مل تذكر‬ ‫ٍ‬ ‫نعم ورد يف‬
‫يف معرض موضوع النسب األربعة‪ ،‬وإمّنّ ا ذكرت يف بيان إمكانية وجواز حمل األعم عىل األخص‪،‬‬
‫كحمل الحيوان عىل اإلنسان كون الحيوان أعم واإلنسان أخص‪ ،‬وحمل اإلنسان عىل الحيوان‪ ،‬هو‬
‫‪ | 278‬تاریخ علم املنطق‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التصديقات ‪ -‬القضية‪:‬‬


‫يتابع اخلواجة ابن سينا يف الشفاء يف مقدّ مته عن الرتكيب اخلربي‪ ،‬وأنواع‬
‫احلس هو الوسيلة إىل ما يف‬ ‫ّ‬ ‫الوجودات‪ ،‬واحلاجة إليها‪ .‬ذكر ابن سينا ّ‬
‫أن‬
‫العامل اخلارجي من املوجودات وما ُحُي ّس به‪ ،‬و لو غاب عن العني الرتسم‬
‫املشخصات‪ ،‬وهذا هو الفرق‬ ‫ّ‬ ‫يف الذهن‪ ،‬وهذا االرتسام يقتيض التجريد عن‬
‫احليّس (اخلارجي)‪ ،‬والوجود العيني (الذهني)‪ ،‬وهذه املجردات‬ ‫بني الوجود ّ‬
‫ولغرض احلاجة إىل الغري للمحاورة‪ُ ،‬اخرتع الصوت لتبادل هذه املعاين‬
‫الذهنية‪ ،‬ولكن الصوت مع خفته ورسعته يستمر ملدّ ٍة زمنية‪ ،‬فيفتقر إليه من‬
‫اكتشاف آخر يتم به التحاور‪ ،‬فعمد اإلنسان إىل‬ ‫ٍ‬ ‫يأيت؛ فكان البدّ من وجود‬
‫ٍ‬
‫بتوقيف وتعلي ٍم منه تعاىل ملع ِّل ٍم أول ع ّلمها الناس‪،‬‬ ‫األلفاظ‪ ،‬التي هي‪ :‬إ ّما‬
‫املعرّبة عن املعاين التي‬
‫وإ ّما تم الوضع به من قبل واضع‪ ،‬فكانت األلفاظ هي ّ‬
‫تعبريا عن الوجود اللفظي املتقدّ م‪.‬‬ ‫ترد يف الذهن‪ ،‬وكانت الكتابة ً‬

‫ما عرب عنه الفارايب‪ ،‬بأنّه حمل (غري مطلق)‪ ،‬والتساوي يف الحمل هو ما قصد به حمل الناطق عىل‬
‫اإلنسان‪ .‬ينظر‪ :‬الفارايب‪ ،‬أبو نرص‪ ،‬محمد بن محمد بن طرخان‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق‪،‬‬
‫تحقيق‪ ،‬محسن مهدي‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1999 ،‬ص ‪.64- 61‬‬
‫ويظهر و من خالل البحث أ ّن القزويني الكاتبي هو أول من أورد هذا املوضوع؛ وذلك أل ّن القطب‬
‫جل عليه نقدًا‪ ،‬مفاده أ ّن نقيضا اإلمكان العام واليشء‪ ،‬هام الالممكن باإلمكان العام‬‫الرازي قد س ّ‬
‫والاليشء‪ ،‬وهام مفهوما كليان‪ ،‬ال تصدق بينهام النسب األربعة‪ ،‬فإ ّن هذا النقد مل يكتبه القطب‬
‫جله يف نقده عىل رشح مطالع األنوار‪ ،‬ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬محمد‬ ‫الرازي يف رشحه للشمسية وإمّنّ ا س ّ‬
‫بن محمد القطب‪ ،‬تحرير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محسن بيدافر‪،‬‬
‫انتشارات بيداء‪ ،‬ايران قم‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1426 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪ .175- 170‬وينظر أيضً ا الرازي‪ ،‬لوامع‬
‫األرسار يف رشح مطالع األنوار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيل أصغر الجعفري‪ :‬مؤسسة انتشارات دانشكاه‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ 1396 ،‬شـ‪ ،‬ص ‪ ،105-104‬حيث سجل القطب الرازي نقده مبا نصه‪« :‬ويف هذا‬
‫ّ‬
‫الشك يف كونهام مفهومني‪ ،‬وليسا متباينني‪،‬‬ ‫الحرص إشكال‪ :‬وهو أ ّن نقييض اإلمكان العام والشيئية‬
‫أصاًل‪ ،‬وال بينهام‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫وإال لكان بني عينيهام مباين ٌة جزئية‪ ،‬وال متساويني؛ ألنّهام ال يصدقان عىل يشء‬
‫عمو ٌم مطلق؛ أل ّن عني العام ميكن أ ْن تصدق مع نقيض الخاص‪ ،‬وال ميكن صدق أحدهام عىل‬
‫ٍ‬
‫واحد منهام مع نقيض اآلخر»‪.‬‬ ‫كل‬
‫عني اآلخر‪ ،‬وال من وجه‪ ،‬الستدعاء صدق ّ‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪279‬‬

‫أن ابن سينا جيعل من مبحث الداللة وسيل ًة ملعرفة‬ ‫ومن هنا نجد ّ‬
‫العالقة بني هذه الوجودات األربعة‪ :‬احلسية ‪ /‬اخلارجية‪ ،‬العقلية ‪ /‬الذهنية‬
‫بأن جيعل ما يف الذهن ّ‬
‫يدل عىل‬ ‫(املعاين)‪ ،‬الوجود اللفظي‪ ،‬الوجود الكتبي‪ْ .‬‬
‫ما يف اخلارج دالل ًة طبيعة‪ ،‬ال ختتلف بني الدال واملدلول‪ ،‬أ ّما ما بينها – املعاين‬
‫فإن املدلول عليه (املعنى) غري خمتلف‪ ،‬لكن اللفظ خمتلف‪ ،‬واحلال‬ ‫واللفظ – ّ‬
‫كذلك يف العالقة بني الدال واملدلول الكتبي فالدال واملدلول بينهام خمتلف‪.1‬‬

‫يبنّي اخلواجة العالقة بني اللفظ واملعنى‪ ،‬وبالصورة نفسها التي‬ ‫أن ّ‬‫فبعد ْ‬
‫بأن من داللة اللفظ عىل املعنى‬ ‫إن اخلواجة يزيد يف الداللة ً‬
‫إيغااًل‪ّ ،‬‬ ‫عرضها‪ ،‬إال ّ‬
‫أيضا‪ ،‬وأطلق عىل هذه الدالالت‬ ‫داللة وضعية‪ ،‬وداللة الكتابة عىل اللفظ وضعية ً‬
‫لفظي ّ‬
‫يدل عىل وجود املعنى الذي‬ ‫ٍ‬
‫وجود‬ ‫تسمية الوجود‪ ،‬فوجو ٌد كتبي ّ‬
‫يدل عىل‬
‫ّ‬
‫يدل عىل الوجود اخلارجي‪ ،‬والدالالت ثالث كام يصورها اخلواجة‪:‬‬ ‫بدوره ّ‬

‫‪.1‬داللة املعنى – الصورة التي يف الذهن – عىل العني ‪ -‬املوجود اخلارجي‬


‫وهي دالل ٌة طبيعي ٌة ال ختتلف وال تتخ ّلف‪.‬‬

‫‪ .2‬داللة اللفظ والعبارة املنطقية عىل ما يف الذهن ‪ -‬الصورة الذهنية وهي‬


‫داللة وضعية‪.‬‬

‫‪ .3‬داللة الكتابة عىل اللفظ وهي وضعي ٌة ً‬


‫أيضا‪.‬‬
‫فالداللة األوىل داللة املعنى عىل العني‪ ،‬دالل ٌة طبيعي ٌة ال ختتلف باختالف‬
‫األزمان واألمم‪ ،‬والداللة الثانية داللة اللفظ عىل املعنى والداللة الثالثة داللة‬
‫الكتابة عىل اللفظ داللتان وضعيتان ختتلفان باختالف األمم واألزمان‪.2‬‬

‫‪ .1‬ابن سينا موسوعة الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬كتاب العبارة‪ ،‬ص ‪.5 – 1‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.85-84‬‬
‫‪ | 280‬تاریخ علم املنطق‬

‫وهذا يعيدنا إىل السطور األوىل التي انطلق منها اخلواجة يف ّ‬


‫أن األلفاظ إنّام‬
‫وضعها العقالء ليستد ّلوا هبا عىل املعاين دالل ًة وضعية‪ ،‬واهتم منها بالقسم‬
‫األول الذي هو الداللة املطابقية‪ ،‬داللة اللفظ عىل متام املعنى املوضوع له‬
‫وهي الداللة الوضعية الوحيدة من بني الدالالت األخرى الباقية والتي ال‬
‫مدخلية للعقل فيها‪.1‬‬

‫وأهّنا مادة‬
‫أن منها ما هو مفرد‪ّ ،‬‬‫أن األلفاظ كام ّ‬
‫لينطلق اخلواجة إىل بيان ّ‬
‫بنحو خاص‪ ،‬نحو (محيل) يطلق عليها‬ ‫ٍ‬ ‫للتصور‪ّ ،‬‬
‫فإن األلفاظ إذا ما تركّبت‬
‫بـ(الرتكيب اخلربي) الذي يمكن احلكم عليه بالصدق أو بالكذب‪ ،‬فالقول‬
‫عند اخلواجة إ ّما تام وإ ّما غري تام‪ ،‬والتام هو الذي يعرض له لذاته الصدق‬
‫أو الكذب‪ ،‬أ ّما غري التام فهو كاملركّب التقييدي‪ ،‬وهو كالقول ّ‬
‫بأن اإلنسان‬
‫(حيوان ناطق)‪ ،‬وهذا القيد خاص باإلنسان دون سائر أنواع احليوان‪.2‬‬

‫ويشري اخلواجة الطويس إىل مسألة متت إثارهتا من قبل بعض املناطقة‪ ،‬وهي‬
‫متوقف عىل معرفة الصدق‬
‫ٌ‬ ‫مسألة (الدور) عند تعريف القول اخلربي بأنّه‬
‫أيضا‪ ،‬ويرى ّ‬
‫أن تعريف‬ ‫أن الصدق والكذب متوقفان عليها ً‬ ‫والكذب‪ ،‬كام ّ‬
‫اخلرب بالصدق أو بالكذب ال يشري إىل دور البتة‪ ،‬وإنّام الصدق والكذب من‬
‫األعراض الذاتية للقول اخلربي‪ ،‬وهبام يتم متييز القول اخلربي عن غريه من‬
‫األقوال التقييدية واإلنشائية‪ ،‬والذين ال يتم هبام احلكم عىل الرتكيب بالصدق‬
‫أعراض‬
‫ٌ‬ ‫أن الصدق والكذب‬ ‫واحلجة التي قدّ مها اخلواجة من ّ‬
‫ّ‬ ‫أو بالكذب‪،‬‬
‫ذاتي ٌة للرتكيب اخلربي بين ٌة بذاهتا وال حتتاج يف بياهنا للتو ّقف عىل ٍ‬
‫يشء آخر‬
‫أن يتو ّقف تعريف ّ‬
‫األول عىل‬ ‫وإن التعريف بالدور يلزم منه ْ‬ ‫مثل اخلرب‪ّ .3‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ِ .2‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.72 - 71‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.113-112‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪281‬‬

‫األول مع االحتاد يف جهة التو ّقف‪ .1‬وأضاف ً‬


‫أيضا‬ ‫الثاين وتو ّقف الثاين عىل ّ‬
‫تعريف بالرسم وليس باحلدّ‬
‫ٌ‬ ‫أن تعريف اخلرب بالصدق والكذب إنّام هو‬ ‫ّ‬
‫عرضا ذات ًّيا واإلشارة هبام إنّام حتديدٌ لنوعه عن بقية الرتاكيب التي ال‬
‫كوهنام ً‬
‫حيكم هبام بالصدق والكذب‪.2‬‬

‫أيضا‪ ،‬كحمل احليوانية عىل‬ ‫يسمى باحلمل ً‬ ‫والقضية هي القول‪ ،‬وهو ما ّ‬


‫اإلنسان‪ ،‬وهذا يف حال اإلجياب‪ ،‬فنقول اإلنسان حيوان‪ ،‬وكذا يف حال السلب‬
‫أيضا يطلق عليه اخلواجة ً‬
‫محاًل‪ « :‬ما يعدم احلمل فيه‪،‬‬ ‫الذي هو عدم احلمل ً‬
‫إلن األعدام قد تلحق بامللكات يف بعض‬ ‫يسمى أيضا محل ًّيا؛ ّ‬
‫أعني السالبة‪ّ ،‬‬
‫إن الفارق الذي جيعله اخلواجة بني املركبني التقييدي واخلربي‬ ‫أحكامها‪ ،3‬ثم ّ‬
‫التصورات)‪ ،‬أ ّما الثاين الرتكيب‬
‫ّ‬ ‫أن التقييدي يكون يف باب األقوال الشارحة (‬‫ّ‬
‫احلجة‪ ،4‬وجعل اخلواجة الرتكيب اخلربي مكونًا من‬ ‫اخلربي فإنّه من مباحث ّ‬
‫خاصة‪ ،‬وبتعبريه‪« :‬هو اسم‬ ‫(اساًم) ّ‬ ‫أن يكون ً‬ ‫مفردين‪ ،‬املوضوع واشرتط فيه ْ‬
‫اساًم أو ً‬
‫فعاًل‪ ،‬والثالث‬ ‫أن يكون ً‬‫ال حمالة»‪ ،5‬والثاين هو املحمول والذي يمكن ْ‬
‫وظاهرا يف‬
‫ً‬ ‫مضمرا يف اللغة العربية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ظاهرا أو‬
‫ً‬ ‫الرابط بينهام‪ ،‬والذي قد يكون‬
‫غريها كالفارسية‪.6‬‬

‫أن تكون داخل ًة يف تكوين اخلرب لعدم استقالليتها‪،7‬‬


‫أ ّما األداة فال يمكن ْ‬
‫«وكل قضية تشتمل عىل جزئني‪:‬‬‫وضح العالقة بني املوضوع واملحمول‪ّ :‬‬ ‫لكنّه ّ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬ص ‪.113-112‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ .4‬ينظر‪ ،‬الطويس أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ .5‬الحيل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ .6‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ .7‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ | 282‬تاریخ علم املنطق‬

‫ما حيكم عليه وما حيكم به»‪ ،1‬ونبقى مع اخلواجة يف مفهوم القضية ويف داللة‬
‫أن يستطرد يف ذكر الرتكيبة من املفردين‪،‬‬‫اختالف املصطلح عنده‪ ،‬فهو بعد ْ‬
‫لكل منها مدلوهلا‬‫وأن ٍّ‬
‫أو املركّب‪ ،‬يوضح الفرق بني عدة مصطلحات‪ّ ،‬‬
‫اخلاص هبا‪ ،‬فالقول اجلازم واإلخبار وكذلك اخلرب‪ ،‬واحلكم‪ ،‬والقضية‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ّ‬
‫تدل عىل املركّب اخلربي؛ لكن ٍّ‬
‫لكل منها معنى إلزائه‪ ،‬فإذا كان‬ ‫كانت مجيعها ّ‬
‫خيص أحد الطرفني املتناقضني بام يوجب القطع والبت‪ ،‬فالشمس‬ ‫التصديق ّ‬
‫طالعة‪ ،‬أو ّإهّنا ليست بطالعة‪ ،‬فإذا صدقنا أحد طريف النقيض كان احلاصل‬
‫أن نتحقق من الصدق‬ ‫إخبارا‪ ،‬وإذا أردنا ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قواًل‪ ،‬وإذا أردنا به إعالم الغري كان‬
‫ربا‪ ،‬وإذا أردنا‬
‫أو الكذب لذات اخلرب‪ ،‬وليس ألجل اإلخبار‪ ،‬كان القول خ ً‬
‫حكاًم‪ ،‬وإذا أردنا النفي أو اإلثبات كان قضية‪،2‬‬
‫إزالة التوهم وااللتباس به كان ً‬
‫وهي ميزة افرتق هبا عن ابن سينا‪.‬‬

‫أيضا استعامله لأللف والالم يف لغة العرب‪ ،‬إذ جعل ابن سينا‬ ‫وممّا امتاز به ً‬
‫منها دال ًة عىل القضية الطبيعية‪ ،‬فال يمكن حتديد نسبة احلكم فيها‪ ،‬عندما‬
‫تدل عىل القضية‬ ‫تدل عىل (الكل) عنده‪ ،‬وقد ّ‬ ‫نقول‪ :‬اإلنسان عام‪ ،‬فهي هنا ال ّ‬
‫املخصوصة عندما يدخلها عىل الفكرة املقصودة كقولنا (الرجل)‪ .3‬لكن‬
‫تصرّيها‬
‫أن ّ‬ ‫وضح ّأهّنا عند دخوهلا عىل القضية الطبيعية فهي إ ّما ْ‬ ‫اخلواجة ّ‬
‫قضي ًة مهمل ًة‪ ،‬وإ ّما قضي ًة حمصور ًة بجزئيها الكلية أو اجلزئية‪ ،‬وإ ّما قضي ًة‬
‫خمصوصة‪ ،‬ويقدّ م لذلك أمثل ًة يستدل هبا عىل مطلوبه‪ ،‬فعند قولنا‪( :‬اإلنسان‬
‫تدل عىل اإلمهال‪ ،‬والالم هنا لالستغراق‪ ،‬لكن ما قصد‬ ‫هو الضحاك) فهي ّ‬
‫منها تعيني طبيعة اإلنسان بأنّه ضحاك‪ ،‬كام يمكن لالم االستغراق ْ‬
‫أن حتدد‬

‫‪ِ .1‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.90-89‬‬
‫‪ .3‬ينظر‪ ،‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪283‬‬

‫القضية املحصورة الكلية أو اجلزئية كقولنا اإلنسان حيوان‪ ،‬وبعض احليوان‬


‫إنسان‪ ،‬أما إذا دخلت عىل املفرد فهي هنا الم العهد وليس الم االستغراق‬
‫نحو حممد الرجل‪.1‬‬
‫ّ‬
‫إن اخلواجة يف معاجلته ملوضوع (القضية املهملة)‪ ،‬وما ا ّدعاه ابن سينا من‬
‫ساذج‬
‫ٌ‬ ‫بأن هذا اال ّدعاء ادعا ٌء‬ ‫أن صيغتها العامة ّ‬
‫تدل عىل الكلية‪ ،‬فاستطرد ّ‬ ‫ّ‬
‫تدل بصيغتها عىل‬ ‫بأن القضية املهملة ال ّ‬
‫كام يظ ّن به بعضهم‪ ،‬فاخلواجة يشري ّ‬
‫بأن الكلية منها تستوجب‬ ‫املهملة وكام يؤكّد ما تطرق إليه الشيخ الرئيس ّ‬
‫اجلزئية ال العكس‪ ،‬فاجلزئية من القضية املهملة صادقة عىل كل حال‪ .‬أ ّما‬
‫القضية الكلية فهي ترتاوح يف احتاملية الصدق والكذب؛ لذلك كانت املهملة‬
‫يف قوة اجلزئية‪2‬؛ لذلك عدّ مثل القضايا املهملة قضايا ال يمكن استخدامها‬
‫يف العلوم أو يف صناعة الربهان‪ ،‬ومثل ما شمل احلكم القضايا املهملة فهو‬
‫أيضا يشمل القضايا املخصوصة‪ ،‬وعلل عدم استخدامهام يف الربهان؛ ألنّه‬ ‫ً‬
‫أن تكون مقدمة الربهان مشتمل ًة عىل الصدق‪ ،‬وإخراجه ملثل القضايا‬ ‫ال بدّ ْ‬
‫أن القضايا‬ ‫ألهّنا ال دوام هلا‪ .3‬وبذلك توصل إىل ّ‬
‫املخصوصة أو الشخصية؛ ّ‬
‫املعتدة يف العلوم هي القضايا املحصورة فحسب‪.‬‬

‫يبنّي فيه مفهوم القضايا أو استخالص أجزائها‬ ‫يعقد اخلواجة ً‬


‫فصاًل مهاًّمًّ ّ‬
‫متب ًعا بذلك للشيخ الرئيس‪ ،‬لكنه اختلف عنه يف ّ‬
‫أن ابن سينا انتقل من بيان‬
‫تأثري احلكم الكيل عىل األفراد أو عىل بعضها إىل بيان التناقض والتداخل‬
‫وسع اخلواجة وزاد يف القواعد التي‬
‫والتضاد وما حتته يف القضايا ‪ ،‬يف حني ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪ .106‬وكذلك اإلشارات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.120‬‬


‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬
‫الح ّيّل الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪ 198‬وكذلك ينظر الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫‪ِ .3‬‬
‫‪ .4‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬املدخل‪ ،‬تحقيق‪ :‬األب قنوايت وآخرين‪ ،‬ج ‪ 7‬منشورات ذوي القرىب‪،‬‬
‫‪ | 284‬تاریخ علم املنطق‬

‫أيضا مقارن ًة‬


‫حتقيق مفهوم القضايا وأجزائها‪ ،‬وأدخل ً‬ ‫َ‬ ‫تتيح ملتعلم املنطق‬
‫مهم ًة باستعامل (احلروف) يف اللغتني العربية والفارسية للداللة عىل السلب‬
‫ّ‬
‫أو احلرص أو اإلمهال‪ ،‬لكن بعض الرشوط التي ذكرها يف بناء القضية ــ‬
‫املختص ً‬
‫بداًل من‬ ‫ّ‬ ‫كام سيتضح ــ ناقشها يف مبحث األلفاظ يف حتديد اللفظ‬
‫املشرتك‪ ،‬أو املنقول أو احلقيقة أو املجاز يف بناء ركني القضية (املوضوع‬
‫واملحمول)‪ّ .‬إاّل ْ‬
‫إن نحمل ماذكره عىل أنّه زياد ٌة يف الرشح والتفصيل‪ ،‬بلحاظ‬
‫كتاب وضع‬ ‫ٍ‬ ‫أن ما ذكره من جمموعة الرشوط (اإلحدى عرش) جاءت يف‬ ‫ّ‬
‫للمبتدئني وليس للمختصني‪ .‬كام إنّه مل يذكر شي ًئا يف هذه الرشوط يف جتريده‬
‫أو يف رشحه لإلشارات‪.‬‬

‫يتّخذ اخلواجة من مفهوم اإلنسان موضو ًعا ليحدّ د به جمموع ًة من املفاهيم‬


‫ّ‬
‫(الكيّل‬ ‫يعرّب عنه بـ‬
‫املحمولة عليه‪ ،‬فهو بغض النظر عن العموم أو اخلصوص ّ‬
‫الطبيعي)‪ ،‬وإذا ُع ّمم و ُأشري إليه فهو ّ‬
‫كيّل منطقي‪ ،‬وهبام م ًعا يكون كل ًّيا عقل ًّيا‪،‬‬
‫قضية ك ّل ٍية أو‬
‫ٍ‬ ‫أيضا ما يفيد العموم واخلصوص ودخول السور عليه يف‬ ‫لكن ً‬
‫خمتصا يف‬ ‫جزئية‪ ،‬ليكون عاما يف األول ُحُيمل عىل ّ ٍ‬
‫كل فرد من أفراده‪ ،‬ويكون ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫الثانية‪ُ ،‬حُيمل عىل بعض أفراده دون بعضها اآلخر‪ ،‬وإذا ُج ِّرد من اللواحق‬
‫خاص منه كان موضو ًعا‬ ‫ٍ‬
‫بفرد‬ ‫كان موضو ًعا للقضية املهملة‪ ،‬وإذا ُعني‬
‫ٍّ‬
‫للقضية الشخصية‪.1‬‬
‫أن املوضوع البدّ ْ‬
‫أن ُحُيدّ د معناه بالفعل كي ينطبق‬ ‫وهنا يشري اخلواجة إىل ّ‬
‫أن تنطبق‬‫ال لفظة (الرسير) فالبد ْ‬‫انطبا ًقا تا ًما عىل اللفظ املراد منه‪ ،‬فإذا قلنا مث ً‬
‫عىل ذات الرسير بالفعل من دون جهة القوة‪ ،‬فهو هنا يضيف قيدً ا جديدً ا‬
‫أن تكون‬‫وإن كانت الداللة مطابقية‪ ،‬لكن البد ْ‬ ‫يف داللة اللفظ عىل املعنى‪ْ ،‬‬
‫قم – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1434 ،‬ص ‪.48-46‬‬
‫‪ .1‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪285‬‬

‫كل إنسان كاتب) فالداللة هنا‬‫(إن ّ‬


‫الداللة بالفعل ال بالقوة فعندما نقول‪ّ :‬‬
‫ألن بعض الناس ليس هلم القدرة عىل الكتابة‪ ،‬أما جلهل موضوع‬ ‫بالقوة؛ ّ‬
‫ّ‬
‫إن القول‪ّ :‬‬
‫(كل إنسان كاتب) يعني‬ ‫مثاًل‪ ،‬بل ّ‬
‫الكتابة أو لفقداهنم أصابعهم ً‬
‫بالفعل من هلم القدرة عىل الكتابة ومسك القلم‪« :‬كالكاتب حيث يطلق عىل‬
‫من يكتب بالفعل ‪ ،‬وعىل من يعرف صنعة الكتابة وال يكتب»‪.1‬‬

‫أن مثل هذا املوضوع قد‬ ‫واالعرتاض الذي نورده هنا ــ كام تقدم ــ ّ‬
‫وتطرق اخلواجة إليه ً‬
‫قائاًل‪« :‬فاللفظ‬ ‫ّ‬ ‫وضعت أسسه يف مباحث األلفاظ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫معان كثرية ‪ .2»...‬لكن‬ ‫واحد فقط وأخرى عىل‬ ‫يدل عىل معنى ٍ‬ ‫الواحد تار ًة ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫أن ّ‬
‫يدل عىل معنى‬ ‫أن اللفظ املستعمل البد ْ‬ ‫يتطرق اخلواجة هناك إىل ّ‬
‫مل ّ‬
‫تطرق هنا إىل الرشوط السبعة لتحديد اللفظ‪ ،‬لكن ليس الغاية منه‬ ‫خيصه‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫هو حتديد اللفظ بداللته عىل املعنى فقط‪ ،‬بل لتخصيص وحتديد ما ّ‬
‫تدل عليه‬
‫أن ّ‬
‫يدل عىل معناه باملطابقة‪ ،4‬وهو‬ ‫بأن اللفظ البد ْ‬ ‫أقر ّ‬
‫القضية جمتمع ًة ‪ ،‬فهو قد ّ‬
‫‪3‬‬

‫خيص املوضوع واملحمول‪،‬‬ ‫أرجع من ضمن االحتياطات العرشة‪ ،‬ستّة منها ّ‬


‫واحد منهام‪ ،‬وأربعة مشرتكة يف ما بينهام م ًعا‪ ،‬وأمهها هي ّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ختص ّ‬
‫كل‬ ‫أي ّ‬
‫أن يعلم يف أي‬ ‫ٌ‬
‫اشرتاك البدّ ْ‬ ‫لف َظي املحمول املوضوع إذا وقع فيهام اشتبا ٌه أو‬
‫أن نحدده هل أنّه بالقوة أو بالفعل‪.5‬‬ ‫وأيضا البدّ ْ‬
‫معنى يستعمل‪ً ،‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪. 109‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ .4‬الحيل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪120‬‬
‫‪ .5‬أساس االقتباس ‪،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ | 286‬تاریخ علم املنطق‬

‫الفصل الثاين‪ :‬القياس وأشكاله‬


‫املبحث األول‪ :‬تركيب القياس ورشائطه‬
‫إن ما يقودنا للبحث عن القياس‪ ،‬هو االبداع املقدّ م من قبل اخلواجة يف هذا‬ ‫ّ‬
‫املوضوع‪ ،‬بام م ّثل اختال ًفا عن السابقني عليه أو املعارصين له‪ ،‬وال س ّيام الفالسفة‬
‫كثريا‪ ،‬أو الفخر الرازي‬
‫واملناطقة الكبار كأمثال ابن سينا‪ ،‬والذي اعتمده اخلواجة ً‬
‫املحصل‪ ،‬أو يف رشحه‬‫ّ‬ ‫يف نقد اخلواجة له يف بعض التصانيف املنطقية‪ ،‬كام يف نقد‬
‫عرّب عنه اخلواجة بالفاضل الشارح‪.‬‬
‫لإلشارات والتنبيهات‪ ،‬إذ ّ‬
‫عاّم‬
‫وال خيتلف تعريف القياس الذي قدّ مه أرسطو يف (أنالوطيقا األوىل)‪ّ ،‬‬
‫قدّ مه ابن سينا يف الشفاء سوى يف الصياغة‪ ،‬مع االتفاق يف املعنى‪ ،‬فالقياس‬
‫قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم يش ٌء ما آخر‬‫عند أرسطو هو‪ٌ « :‬‬
‫من االضطرار لوجود تلك األشياء املوضوعة بذاهتا»‪ ،1‬والقياس عند ابن‬
‫«قول إذا ما وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم من تلك األشياء‬‫سينا هو‪ٌ :‬‬
‫يشء آخر غريها من االضطرار»‪.2‬‬ ‫املوضوعة بذاهتا ال بالعرض ٌ‬
‫و كام ال خيتلف تعريف القياس بني املناطقة‪ ،‬كذلك ال ُخُيتلف يف أقسامه‪،‬‬
‫من حيث إنّه يقسم عىل القياس واالستقراء والتمثيل‪ ،‬بل ّ‬
‫إن ابن سينا جيعل‬

‫‪ .1‬ارسطو‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬النص الكامل ملنطق ارسطو‪ ،‬ج‪ ،1‬تحقيق‪ :‬فريد جرب‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1999 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬موسوعة الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬القياس‪ ،‬ج‪ ،8‬تحقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬منشورات ذوي القرىب‪،‬‬
‫قم – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1434 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪ .54‬وعرفه الفخر الرازي بأنّه‪" :‬عبار ٌة عن قو ٍل مؤل ٍ‬
‫َّف من‬
‫قول آخر"‪ .‬املنطق الكبري‪ ،‬تحقيق‪ :‬طورغود آق يوز‪ ،‬دار فارس‪،‬‬ ‫أقوا ٍل متى سلمت لزم عنه لذاته ٌ‬
‫الرياض – السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،22022 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.6‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬بحيث يلزم‬ ‫مشتمل عىل أزيد من قو ٍل جازمٍ‬
‫ٌ‬ ‫قائاًل‪" :‬القياس ٌ‬
‫قول‬ ‫وقد ع ّرفه الخواجة الطويس ً‬
‫ٌ‬
‫من وضع تلك األقوال بالذات قول آخر جاز ٌم معني عىل سبيل االضطرار" ‪ .‬أساس االقتباس‪ ،‬ص‬
‫وقريب منه يف التجريد‪ ،‬ينظر‪ :‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫ٌ‬ ‫‪.197‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪287‬‬

‫من القياس هو املنطق‪ ،‬وجيعل من املدخل (قاطيغورياس)‪ ،‬أو العبارة (باري‬


‫املمهدة واملساعدة لتعلم املنطق؛ ولذلك فهو يؤكّد‬ ‫ارمينياس) من العلوم ِّ‬
‫ّ‬
‫بأن ال حاجة «إىل مجيع املنطق يف مجيع املنطق»‪ .1‬وإنّام احلاجة إنّام تكون ملعرفة‬
‫صناعة القياس التي تصل هبا إىل الربهان‪ ،‬بل يعدّ ه الفخر الرازي جز ًءا من‬
‫ٍ‬
‫أقوال يلزم منه التصديق‬ ‫ف من عدّ ة‬‫قول مؤ َّل ٍ‬
‫واحلجة عبارة عن ٍ‬ ‫احلجة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األخص فهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نستدل باألعم عىل‬ ‫املطلق‪ ،‬وهو عىل أنوا ٍع ثالثة‪ ،‬فإذا أردنا ْ‬
‫أن‬
‫القياس‪ ،‬وأ ّما إذا أردنا االستدالل من األخص إىل األعم فهو االستقراء‪،‬‬
‫وأما التمثيل فهو االستدالل من اجلزئي إىل اجلزئي‪.2‬‬

‫وجيعل اخلواجة الغرض من معرفة األقوال اجلازمة‪ ،‬التي تم تأليفها من‬


‫مر‬
‫األلفاظ املفردة‪ ،‬معرفة كيفية اكتساب املعارف‪ ،‬وذلك هو القياس بام ّ‬
‫اقرتاين وآخر‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫قياس‬ ‫يف تعريفه‪ .3‬فالقياس إ ًذا بلحاظ األهم ُيقسم ً‬
‫أيضا عىل‬
‫قسم من النتيجة فيه مع شبهه بالرشطية‪ ،‬وتكون‬ ‫استثنائي‪ ،‬واألخري هو ما ُيذكر ٌ‬
‫ّ‬
‫النتيجة مذكور ًة فيه بالفعل‪ ،‬أما االقرتاين فهو الذي يتأ ّلف من مقدّ متني‪،‬‬
‫بالقوة‪،‬‬
‫والنتيجة ليست مذكور ًة فيه بالفعل‪ ،‬وإنّام تكون مذكور ًة يف املقدّ متني ّ‬
‫يعرّب عنهام بـ(صورة القياس) اللذين يلزم من تركيبهام النتيجة‪ .4‬ومع ذلك‬ ‫ّ‬
‫ليات فقط‪ ،‬وإما من َرَشطياتٍ‬ ‫مَح ٍ‬
‫أن يتكون من َ ْ‬ ‫فإن القياس االقرتاين إما ْ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫محليات ومتصالت‪،‬‬ ‫منفصالتومتصالت‪ ،‬وإ ّما يرتكب منهام؛ فيكون إما من‬
‫متصالت ومنفصالت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫محليات ومنفصالت‪ ،‬وإ ّما من‬ ‫وإ ّما من‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬القياس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪ .2‬الفخر الرازي‪ ،‬أبو عبد الله‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسني‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬تحقيق‪ :‬طُور غود آق‬
‫يوز‪ ،‬دار فارس‪ ،‬الرياض – السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ .2022 ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.5‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ .197‬والجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪ ،162‬واإلشارات‬
‫والتنبيهات ج‪ ،1‬ص ‪.229‬‬
‫‪ .4‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ | 288‬تاریخ علم املنطق‬

‫ختص‬ ‫اخلاصة التي ّ‬


‫ّ‬ ‫لكن للقياس جمموع ًة من الرشائط العامة‪ ،‬والرشائط‬
‫أن هناك نو ًعا من االختالف بني املناطقة يف تركيب‬ ‫شكل من أشكاله‪ ،‬مع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫كل‬
‫بأن الفخر الرازي‬ ‫رصح ّ‬ ‫املقدمتني (الصغرى والكربى)‪ ،‬فهذا اخلونجي ُي ّ‬
‫اعتمد يف تركيب احلدود عىل أساس املقدّ مات وما جيري بني احلدود من‬
‫العموم واخلصوص املطلق أو من وجه‪ ،‬أو التساوي أو التباين‪ ،‬بني احلدود‬
‫يتطرق إليه اخلواجة كام مر‬ ‫أن موضوع النسب األربعة مل ّ‬ ‫الثالثة‪ ،1‬يف حني ّ‬
‫حيق له ْ‬ ‫ٍ‬ ‫تطرق إليه عند تركيب القضايا‪ّ ،‬‬
‫أن يكون جز ًءا‬ ‫مفرد ّ‬ ‫فكل‬ ‫آن ًفا‪ ،‬لكنه ّ‬
‫عرّب عنه اخلواجة بـ(احلمل)‪.‬‬ ‫نوع من الرتابط‪ّ ،‬‬ ‫من القضية إذا كان بني احلدّ ين ٌ‬
‫عرّب عنه باإلجياب ّ‬
‫الكيّل‪ ،‬وهو‬ ‫فإذا أمكن محل أحدمها عىل اآلخر ً‬
‫محاًل كل ًّيا ّ‬
‫األول عىل الثاين‪ ،‬ومحل‬‫بمعنى العموم واخلصوص املطلق‪ ،‬وإذا أمكن محل ّ‬
‫األول‪ ،‬كحمل اإلنسان عىل الناطق‪ ،‬ومحل الناطق عىل اإلنسان‬ ‫الثاين عىل ّ‬
‫عرّب عنه بالتساوي‪ ،‬وأما إذا أمكن محل أحدمها عىل اآلخر من دون‬ ‫فهو ما ّ‬
‫يعرّب عنه بالعموم واخلصوص من وجه‪ ،‬أما إذا‬ ‫األول فهو ما ّ‬
‫محل اآلخر عىل ّ‬
‫يعرّب عنه بالتباين‪.2‬‬
‫مل يتمكن من محل أحدمها عىل اآلخر هو ما ّ‬
‫أن اخلونجي أشار إىل موضوعات النسب األربعة‬ ‫والفارق هنا‪ّ ،‬‬
‫ومدخليتها يف تركيب مقدّ مات القياس‪ ،‬يف حني بحثها اخلواجة بانفرادها يف‬
‫تركيب املقدّ مة الواحدة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن اخلونجي جعلها جز ًءا مقدّ ًما من مباحث‬
‫القياس‪ ،‬لكن اخلواجة جعلها جز ًءا من مباحث القضايا‪.‬‬

‫وإن انفرد بعضهم‬‫وتعد الرشائط العامة أكثر املوارد اتفا ًقا بني املناطقة‪ْ ،‬‬
‫فيام يكون من مقدم ًة صغرى سالب ًة‪ ،‬وكربى جزئية‪ .3‬والرشائط العا ّمة هي‪:‬‬
‫‪ .1‬الخونجي‪ ،‬أفضل‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫إاّل إذا كانت مادته ممكن ًة وال عرب ًة يف غريه‪ .‬ينظر‬
‫‪ .3‬أشار الساوي إىل أ ّن هذا الرشط ال يكون ّ‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪289‬‬

‫‪1‌.‬ال قياس – ال إنتاج من جزئيتني‪.‬‬


‫‪2‌.‬ال قياس – ال إنتاج من سالبتني‪.‬‬
‫‪3‌.‬ال إنتاج أو قياس من صغرى سالبة‪ ،‬وكربى جزئية‪.‬‬
‫خصصوا الكم‬
‫‪4‌.‬والنتيجــة تتبع أخس املقدّ متــن يف الكم والكيف‪ .‬وقــد ّ‬
‫أخــس املقدّ متني عند افرتاض‬
‫ّ‬ ‫والكيــف؛ وذلــك ّ‬
‫ألن النتيجة ال تتبع‬
‫اجلهة مع الكم والكيف كام تظهر من القياسات ذات اجلهة‪.‬‬
‫نتعرف عىل مقدار اإلنجاز واإلضافة التي قدّ مها اخلواجة يف الشكلني‬
‫وكي ّ‬
‫الثالث والرابع‪ ،‬كان ال بدّ من استعراض األشكال األربعة‪ ،‬ومعرفة الرشوط‬
‫عرّب‬ ‫ٍ‬ ‫الالزمة ّ‬
‫لكل مقدّ مة من مقدماته‪ ،‬مع بنائه يف الصورة القياسية‪ ،‬التي ّ‬
‫ٍ‬
‫مناسبة ما‪ ،‬عند تكوين األجزاء‪ ،1‬وهذا االشرتاك‬ ‫عنها اخلواجة باالشرتاك يف‬
‫الذي يكون من األجزاء‪ ،‬أجزاء املقدّ مة وحدّ هيا‪ ،‬املوضوع واملحمول‪ ،‬هو‬
‫العالقة التي تكون بينهام‪ ،‬وهي من مصنّفات املناطقة (احلدّ األوسط) ودوره‬
‫يف صورة القياس والنتيجة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أساس تقوم عليه‪،‬‬ ‫وأشكال القياس أربعة‪ ،‬وهذه القسمة ال بدّ هلا من‬
‫أن أساس القسمة إنّام هو احلدّ األوسط‪ ،‬ومكانته بني‬ ‫ومن املناطقة من أكّد ّ‬
‫املقدّ متني‪ ،‬فإذا كان احلدّ األوسط حمموالً يف الصغرى موضو ًعا يف الكربى‪،‬‬
‫وإن‬ ‫ً‬
‫حممواًل يف املقدّ متني فهو الشكل الثاين‪ْ ،‬‬ ‫األول‪ ،‬وإذا كان‬
‫فذلك الشكل ّ‬
‫األول فهو الرابع‪.2‬‬
‫وإن خالف ّ‬ ‫كان موضو ًعا فيهام فهو الثالث‪ْ ،‬‬

‫الساوي‪ ،‬زين الدين عمرو بن سهالن‪ ،‬النصائر البصريية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن مراغي‪ ،‬شمس تربيزي‪،‬‬
‫طهران – إيران‪ ،‬الطبعة األوىل‪1383 ،‬هـ ش‪ ،‬ص ‪ .241‬وكذلك ابن سينا‪ :‬الشفاء‪ ،‬القياس‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫ص ‪.108‬‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬ج‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ | 290‬تاریخ علم املنطق‬

‫ومن مكانة احلدّ األوسط و دوره يف اإلنتاج نجد من املناطقة من يعتمد‬


‫فقط عىل األشكال الثالثة األوىل منها يف اإلنتاج وهيمل الرابع‪ ،‬ومنهم من‬
‫خاصة‪ ،1‬وقد رفض أرسطو اإلنتاج من الشكل‬ ‫يعتمد الرابع وفق رشوط ّ‬
‫الرابع‪ ،‬ومل يقم هذا الرفض عىل أساس موضع احلدّ األوسط‪ ،‬وإنّام عىل‬
‫عرّب‬
‫أساس العالقة بينه وبني احلدّ ين اآلخرين (املوضوع واملحمول)‪ ،‬التي ّ‬
‫بأهّنا انتقال ٌة‬
‫بأهّنا عالق ٌة انطولوجي ٌة وليست تراتبي ًة‪ ،‬ويم ّيز هذه العالقة ّ‬
‫عنها ّ‬
‫األول‪،‬‬
‫للفكر من احلدّ األكرب إىل احلدّ األصغر باملرور باألوسط يف الشكل ّ‬
‫وإهّنا انتقال ٌة للفكر من احلدّ األوسط إىل احلدّ األكرب‪ ،‬ثم إىل احلدّ األصغر يف‬ ‫ّ‬
‫وإهّنا انتقال ٌة للفكر من األكرب إىل األصغر إىل األوسط‪ .2‬فهي‬ ‫الشكل الثاين‪ّ ،‬‬
‫عقيل بني احلدود الثالثة؛ لذلك مل يتم هبذه العالقة الشكل الرابع‪ ،‬يف‬ ‫حرص ّ‬ ‫ٌ‬ ‫هنا‬
‫أن الرتاتبية مل تكن ناظر ًة للعالقة بني احلدود الثالثة بام نظر إليه أرسطو‪،‬‬ ‫حني ّ‬
‫بأن الشكل‬ ‫وإنّام نظر فقط إىل مكانة احلدّ األوسط بني املقدّ متني‪ ،‬وهلذا قالوا‪ّ :‬‬
‫ف كبري‪ ،‬وأنّه عىل هذا الوجه (الصورة )‬ ‫الرابع غري منتج‪ ،‬وحيتاج إىل تك ّل ٍ‬
‫مرغوب فيه‪ ،‬وليس بالطبيعي وغري املالئم للروية‬ ‫ٍ‬ ‫أمر غري‬
‫من القياس‪ ،‬فهو ٌ‬
‫يتطرق إليه‬‫والنظر عىل حدّ تعبري الشيخ الرئيس ‪ ،‬وهو ما تركه الرازي‪ ،‬ومل ّ‬
‫‪3‬‬

‫يف لباب اإلشارات‪ ،4‬كون الشكل الرابع يشوش النظم‪ ،‬ويضاعف الكلفة‬
‫مفص ًاًل يف موضع آخر‪ ،5‬وجعله مواف ًقا يف‬ ‫يف اإلنتاج؛ ولذا أمهل‪ ،‬لكنه يذكره ّ‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ .10‬وكذلك اإلشارات ج‪ ،1‬ص ‪.239‬‬


‫‪ .2‬ماكوفلسيك‪ ،‬ألكسندر‪ ،‬تاريخ علم املنطق‪ ،‬ترجمة‪ :‬نديم عالء الدين‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت –‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1987 ،‬ص ‪.137-135‬‬
‫‪ .3‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬القياس‪ ،‬ج‪ ،8‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.10 .7‬‬
‫‪ .4‬الفخر الرازي‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسني‪ ،‬لباب اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد حجازي السقا‪ ،‬نفرتيتي‪ ،‬مرص‪ .186 ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ .5‬الفخر الرازي‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسني‪ ،‬الرسالة الكاملية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيل محي‬
‫الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ‪ ،‬ص ‪.25-24‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪291‬‬

‫منتجا الفتقاره إىل البيان ّإاّل‬


‫ذلك البن سينا‪ ،‬بأنّه ال يتم األخذ به‪ ،‬أو ال يكون ً‬
‫األول‪ ،1‬يف حني أعرض الغزايل عن ذكر الشكل الرابع‪.2‬‬ ‫بعد ر ّده إىل اجلزء ّ‬
‫أن أساس القسمة لديه ليس هو العالقة بني‬ ‫نص اخلواجة ّ‬ ‫ويبدو من ّ‬
‫احلدود الثالثة‪ ،‬كام قدّ م لذلك أرسطو‪ ،‬وإنّام األساس هو موضع احلدّ‬
‫األوسط‪ 3‬كام تقدّ م‪ ،‬ومن هنا نشأ موضوع الشكل الرابع واجلدل الذي ُأثري‬
‫وأن جالينوس هو الذي عمل عليه‬ ‫حوله من أنّه مل يكن معرو ًفا بعد أرسطو‪ّ ،‬‬
‫أن جالينوس هو الذي قال‬ ‫أن ّأول من أشار إىل ّ‬
‫عىل حدّ قول ابن رشد‪ ،4‬مع ّ‬
‫بالشكل الرابع هو ابن سينا وليس ابن رشد‪ ،‬ووصفه بأنّه فاضل األطباء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مقبول وبعيدٌ عن النظر؛ حلاجته‬ ‫وع ّقب ابن سينا بإنّه – الشكل الرابع – غري‬
‫األول‪ ،5‬وعىل هذا انتهج املناطقة يف عدم قبول هذا‬
‫يف رد نتائجه إىل الشكل ّ‬
‫الشكل لعدم إمكانية ر ّده إىل الشكل األول‪.‬‬

‫وقد يكون من أسباب عدم الرغبة فيه بأنّه ال ينتج كلي ًة موجبة‪ ،‬الحتاملية‬
‫أعم من األوسط‪ ،‬واحتامل آخر‬ ‫أن يكون األصغر الذي ُمُحل عليه األوسط ّ‬ ‫ْ‬
‫أخص من األصغر‪ ،6‬وهذا يعني‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫بأن يكون األكرب الذي ُمُحل عليه األوسط‬
‫انتفاء االستغراق بني احلدود الذي أوضحناه فيام تقدّ م‪ ،‬وإىل مثل ذلك أشار‬
‫اخلونجي وأضاف املباينة بينه وبني الشكل األول يف الكليات‪ ،‬وهذا ما جعله‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬القياس‪ ،‬ص ‪ .107‬الفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪،‬ج‪ ،2‬ص ‪.17-16‬‬
‫‪ .2‬الغزايل‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬معيار العلم‪ ،‬ص ‪ .136-109‬وكذلك ينظر‪ :‬املغنيساوي‪ ،‬محمود بن‬
‫الحافظ الحنفي‪ ،‬مغني الطالب يف رشح منت اإليساغوجي لألبهري‪ ،‬املكتبة الهاشمية‪ ،‬إسطنبول ـ‬
‫تركيا‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2013 ،‬ص‪.111-110‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.201-200‬‬
‫‪ .4‬الساوي‪ ،‬البصائر النصريية‪ ،‬مقدّمة املحقّق‪ ،‬ص ‪.20-19‬‬
‫‪ .5‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ .6‬الفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.43‬‬
‫‪ | 292‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫تغيري كثري‪ ،1‬وعزى األرموي إسقاط الفارايب‬ ‫بعيد الطبع وال ُينتج إال بعد‬
‫األول‪ ،‬و كونه يف غاية البعد فأسقطاه‬
‫مر من خمالفته للشكل ّ‬‫وابن سينا له ملا ّ‬
‫أيضا‪.2‬‬
‫عن االعتبار وعن القسمة ً‬

‫تعلياًل لألخذ به عند من أخذ به‪ ،‬وجعله رابع ًا يف اإلنتاج‪ ،‬كالفخر‬ ‫ومل أجد ً‬
‫احليّل‪ ،‬كالتعليل الذي ساقه اخلونجي‪:‬‬ ‫الرازي واخلواجة الطويس أو ّ‬
‫العاّلمة ّ‬
‫أن يتأدى‬ ‫إن املنطقي ينظر يف مجيع ما يمكن ْ‬ ‫املتأخرين يف ذكره‪ ،‬إذ ّ‬
‫«ونحن نتبع ّ‬
‫بواسطته من املعلوم إىل املجهول‪ ،‬ويف كيفية ترتيب ما يتأدى هبا‪ ،‬سواء أكان ترتي ًبا‬
‫ترتيب آخر أم بغري وسط‪ .‬كيف كان‪ .‬و لو كان االستغناء عن نظم‬ ‫ٍ‬ ‫مؤ ّد ًيا بوسط‬
‫كر يف ِذكْر‬ ‫بغريه يوجب اإللغاء أللغي الشكل الثاين والثالث‪ ،‬والفائدة التي َذ َ‬
‫القياس عىل هذين الشكلني موجود ٌة يف الرابع أيضا»‪ .3‬والفائدة هي كفاية اإلنتاج‪.‬‬

‫أن الشكل األول ُينتج كلي ًة موجب ًة‬ ‫إن من األسباب يف عدم الرغبة ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫او جزئي ًة موجبة‪ ،‬أ ّما الشكل الثاين فهو ال ينتج ّإاّل كلي ًة أو جزئي ًة سالبة‪.‬‬
‫وإن كانت سالب ًة أفضل عند املناطقة من اجلزئية املوجبة‪ ،‬التي هي‬ ‫والكلية ْ‬
‫من إنتاج الشكل الثالث‪ ،‬أ ّما الرابع فهو ال ينتج كلي ًة مطل ًقا‪ .‬لك ّن اخلواجة ال‬
‫وإن السبب كام يرى إنّام هو ملخالفته‬ ‫يعدّ السبب املتقدّ م سب ًبا لرفض إنتاجه‪ّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬فاملطالب ال تشمل هذا الشكل‬ ‫للطبع وعدم إمكانية ر ّده إىل الشكل ّ‬
‫فقط‪ ،‬بل تشمل الشكلني الثاين والثالث‪ّ ،‬‬
‫بإن مقدّ ماهتا تُرد إ ّما بالعكس وإ ّما‬
‫إن‬‫األول مغن ًيا عنهام‪ ،‬بل ّ‬
‫أن يكون ّ‬ ‫األول‪ ،‬وهذا ال يعني ْ‬‫بالرد إىل الشكل ّ‬

‫‪ .1‬الخونجي‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.246‬‬


‫‪ .2‬االرموي‪ ،‬رساج الدين أبو الثناْء محمود ابن ايب بكر‪ ،‬مطالع االنوار ورشحه لوامع األرسار‬
‫للقطب الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو القاسم الرحامين‪ ،‬مؤسسة بزوهيش وفلسفة إيران‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،1393 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.35‬‬
‫‪ .3‬الخونجي‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.248‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪293‬‬

‫غرّيها‪ ،‬وهذا العكس ليس‬


‫وضع طبيعي لكن العكس ُي ّ‬‫ٌ‬ ‫هناك مقدّ مات هلا‬
‫أيضا أو مستسا ًغا عند العقل كعكس املقدّ متني‪:‬‬
‫مطلو ًبا ً‬
‫ـ ـاجلسم منقسم‬

‫ـ ـوالنار ليس بمرئية‪.‬‬


‫ٍ‬
‫بمقبول‬ ‫فعكسها‪ :‬ليس بعض اجلسم بمنقسم‪ ،‬واملرئي نار‪ ،‬وهو ليس‬
‫عند العقل‪ّ ،1‬‬
‫وإن سبب املخالفة للطبع هو عكس كال مقدّ متيه عىل خالف‬
‫بعكس أو برد مقدّ ٍ‬
‫مة‬ ‫ٍ‬ ‫األول‬
‫ّ‬ ‫الشكلني اآلخرين اللذين يتم إرجاعهام إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة فقط‪ ،‬بل بسبب الوضع الطبيعي للمقدّ مات الذي يعني عىل العكس‬
‫والر ّد إىل الشكل األول‪.‬‬

‫خاصا الشكل الرابع بأمهيته ودوره يف اإلنتاج‪:‬‬ ‫ًّ‬ ‫خيتم الطويس كالمه‬
‫«فللشكل الرابع أيضا غناء ال يقوم غريه مقامه»‪2‬؛ وهلذا ذكر يف التجريد ّ‬
‫أن‬
‫ٍ‬
‫كاملة وغري ب ّينة اإلنتاج‪ ،‬لكن‬ ‫األول ك ّلها غري‬
‫األشكال الثالثة األخرية دون ّ‬
‫خمالف للبيان يف‬
‫ٌ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل ذلك بأنّه‬ ‫أحوجها إىل البيان هو الرابع‪ ،‬وع ّلل ّ‬
‫األول‪.‬‬
‫كلتا مقدّ متيه‪ .3‬والبيان هنا هو الشكل ّ‬

‫األشكال األربعة‪:‬‬
‫وملعرفة الشكل الرابع ورشائطه وسبب اهتامم املناطقة به‪ ،‬ودور اخلواجة‬
‫ْنتطرق إىل األشكال الثالثة كي تتضح الفكرة‪.‬‬
‫الطويس فيه‪ ،‬ال بدّ أن ّ‬
‫ٌ‬
‫رشوط‬ ‫األول‪ :‬وهو ّ‬
‫أتم األشكال‪ ،‬ووضعه وض ًعا طبيع ًيا‪ ،‬وله‬ ‫الشكل ّ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬حكيمي‪ ،‬مصدر سابق ج‪ ،1‬ص ‪.333‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.334-333‬‬
‫‪ .3‬الحيل‪ ،‬الجوهر النضيد ‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪ | 294‬تاریخ علم املنطق‬

‫خاصة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ّ‬
‫)‌‪1‬إجياب الصغرى‪.‬‬
‫)‌‪2‬ك ّل ّية الكربى‪.‬‬

‫األول برضورة دخول األصغر حتت األوسط؛‬ ‫وعلل اخلواجة الرشط ّ‬


‫ألن احلكم عىل‬ ‫شاماًل له يف اإلجياب والسلب‪1‬؛ وذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫ليكون احلكم‬
‫األوسط يكون بحمل األكرب عليه‪ ،‬وبحمل األوسط عىل األصغر‪ ،‬يكون‬
‫شاماًل لألصغر سل ًبا وإجيا ًبا‪ ،‬فلو كانت الصغرى سالب ًة؛ للزم مباينة‬
‫ً‬ ‫احلكم‬
‫األصغر لألوسط‪ ،‬فلو كانت الصغرى سالب ًة‪ ،‬لكان األصغر مباينًا لألوسط‪،‬‬
‫حكاًم عىل األصغر‪ ،‬أو ال يكون‪« ،‬فالنتيجة ال‬
‫ولكان احلكم الذي لألوسط ً‬
‫حتصل من هذه القرينة عىل سبيل االضطرار‪ ،‬وهو املعنى بعدم إنتاجه»‪.2‬‬

‫أن احلكم املتنقل من األوسط إىل‬ ‫والرشط الثاين هو كل ّية الكربى لتضمن ّ‬
‫األصغر يشمل العموم‪ ،‬فينتقل من األكرب إىل األصغر‪ ،‬أ ّما إذا مل تكن الكربى‬
‫إن احلكم يشمل مجيع األصغر أو ال‪ ،‬فال‬ ‫كلي ًة وكانت جزئي ًة فال نعلم هل ّ‬
‫يكون احلكم رضور ًيا‪ ،‬ومثاله‪:‬‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وبعض احليوان طري= بعض اإلنسان يطري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ ّ‬
‫كل‬
‫أن املقدّ مة الصغرى ّملا سلبنا منها احلمل‪ ،‬ومحل األوسط عىل‬
‫وهذا يعني ّ‬
‫األصغر‪ ،‬فكيف يتم بعد ذلك محل األكرب عىل األوسط‪ .‬فلو قلنا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حجر متح ّيز= فال يشء من اإلنسان‬ ‫ال يشء من اإلنسان بحجر‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫بمتح ّيز‪.‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.202‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪295‬‬

‫حجرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فتكذب النتيجة‪ ،‬كون النفي السابق يف الصغرى بكون اإلنسان‬
‫فكيف نحكم عليه بالنتيجة بأنّه غري متح ّيز‪ .1‬وهذا هو معنى االضطرار‪ ،‬مع‬
‫وجه بأنّه استفاد من طريقة أبو الربكات البغدادي يف استخدام‬ ‫ّ‬
‫أن اخلواجة ّ‬
‫احلدود الرياضية يف رسم العالقة بني احلدود من تقاط ٍع وموازاة‪.2‬‬

‫واعتام ًدا عىل الرشطني أعاله‪ ،‬تكون الرضوب املنتجة من هذا الشكل‬
‫ً‬
‫جدواًل أوضح فيه العالقة بني‬ ‫أربعة‪ ،‬وكان إبداع اخلواجة فيها ْ‬
‫أن رسم هلا‬
‫الست عرش‪ ،‬وهي حاصل رضب ٍّ‬
‫كل منها يف غريها‪ ،‬كرضب الكلية‬ ‫ّ‬ ‫القضايا‬
‫املوجبة ً‬
‫مثاًل مع أربع قضايا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وبذلك تكون الرضوب املنتجة األربعة‬
‫هي‪:‬‬
‫)‌‪1‬كلي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة‪ ،‬تنتج كلية موجبة‪.‬‬
‫)‌‪2‬كلي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة تنتج كلية سالبة‪.‬‬
‫)‌‪3‬جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة تنتج جزئية موجبة‪.‬‬
‫)‌‪4‬جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة تنتج جزئية سالبة‪.‬‬

‫واألمثلة عىل هذه الرضوب عىل النحو اآليت‪:‬‬


‫ٍ‬
‫حيــوان جســم‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫إنســان حيــوان‪ّ ،‬‬ ‫األول‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫وكل‬ ‫كل‬ ‫)‌‪1‬الــرب ّ‬
‫إنســان جســم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إنســان حيــوان‪ ،‬وال يشء مــن احليــوان‬ ‫)‌‪2‬الــرب الثــاين‪ّ :‬‬
‫كل‬

‫‪ .1‬الخبييص‪ ،‬فخر الدين عبيد الله بن فضل الله ‪ ،‬التذهيب عىل تهذيب املنطق للتفتازاين‪،‬‬
‫املجموعة املنطقية‪ ،‬قراءة وضبط‪ :‬خالد خليل الزاهدي‪ ،‬دار ابن حزم ‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪.2022 ،‬ص ‪.790‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ | 296‬تاریخ علم املنطق‬

‫بجــاد‪ ،‬ال يشء مــن اإلنســان بجــاد‪.‬‬


‫وكل كاتـ ٍ‬
‫ـب متحـ ّـرك‬ ‫)‌‪3‬الــرب الثالــث‪ :‬بعــض اإلنســان كاتــب‪ّ ،‬‬
‫األصابــع‪ ،‬بعــض اإلنســان متحـ ّـرك األصابــع‪.‬‬
‫)‌‪4‬الــرب الرابــع‪ :‬بعــض اإلنســان أبيــض‪ ،‬وليــس ّ‬
‫كل أبيــض‬
‫طويــل‪ ،‬بعــض اإلنســان ليــس بطويــل القامــة‪.‬‬

‫نالحظ ّ‬
‫أن هذا الشكل أنتج القضايا األربع عىل الرتتيب‪.‬‬

‫الشكل الثاين‪:‬‬

‫ورشوطه هي‪:‬‬
‫)‌‪1‬اختالف الكيف يف الصغرى‪.‬‬
‫أن تكون الكربى ك ّلية‪.‬‬
‫)‌‪ْ 2‬‬
‫األول إىل عدم املالقاة بني األصغر واألكرب يف‬ ‫أرجع اخلواجة سبب الرشط ّ‬
‫السلب واإلجياب‪ ،‬وتكون بينهام مباين ٌة مطرد ٌة كام تقدّ م‪ ،‬وال يكون اإلنتاج رضور ًيا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان طائر)‪.‬‬ ‫(كل‬ ‫و(كل ٍ‬
‫طائر حيوان)‪ ،‬ينتج ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان حيوان)‪،‬‬ ‫ ّ‬
‫(كل‬
‫ال يش َء من اإلنســان بحيوان‪ ،‬وال يش َء من الشجر بحيوان‪ ،‬ينتج‪ :‬ال‬
‫يش َء من اإلنسان بشجر‪.‬‬
‫اضطرارا؛ لعدم إمكانية محل األوسط عىل األكرب‪ ،‬وكذلك‬ ‫ً‬ ‫وذلك ليس‬
‫لعدم إمكانية محل احليوان عىل اإلنسان‪ ،‬أ ّما الرشط الثاين‪ ،‬وهو كّلية الكربى‪،‬‬
‫فإن كانت جزئي ًة مل يعلم هل يشمل بعضها‬ ‫شاماًل للكل‪ْ ،‬‬
‫ً‬ ‫كي يكون احلكم‬
‫اآلخر أم ال‪.1‬‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.204-203‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪297‬‬

‫بأن‬ ‫ولذلك فهو ال ينتج موجبة‪ ،‬وع ّلل اخلواجة عدمية اإلنتاج هذه؛ ّ‬
‫فإن محل اإلجياب مل تكن‬ ‫ً‬
‫حممواًل عىل األكرب واألصغر م ًعا‪ّ ،‬‬ ‫األوسط إذا كان‬
‫وإن محل السالب مل تكن أيضا فيهام مالقا ٌة‬ ‫هناك مالقا ٌة بني األصغر واألكرب‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫مثاًل‪ّ :‬‬
‫(كل‬ ‫بني األصغر واألكرب‪ ،‬وتكون املباينـة يف كليهام مطردة‪ً 1‬‬
‫حيوان)‪ ،‬و(ال يش َء من اجلامد بحيوان)‪ ،‬ينتج (ال يش َء من اإلنسان بجامد)؛‬
‫أيضا‬ ‫وذلك لعدم محل األوسط عىل األكرب يف الكربى‪ ،‬وعدمية احلمل تعني ً‬
‫عدم محل األكرب عىل األصغر (محل اجلامد عىل اإلنسان)؛ ولذلك أنتج سالب ًة‬
‫ومل ينتج موجب ًة‪ ،‬هذا يف حال اإلجياب‪ ،‬أ ّما يف حال السلب فلم تكن هناك‬
‫حجر‬ ‫ٍ‬ ‫مالقا ٌة بني األصغر واألكرب‪ ،‬نحو‪ :‬ال (يش َء من اإلنسان بجامد)‪ّ ،‬‬
‫و(كل‬
‫مجاد)‪ ،‬فـ(اليش َء من اإلنسان بحجر)‪ ،‬فال ينتج موجب ًة‪ ،‬و باإلضافة إىل ذلك‬
‫أن يف الشكل ونتيج ًة الختالف الكيف فهو ال ينتج ّإاّل سالب ًة‪ ،‬كلي ًة كانت أم‬ ‫ّ‬
‫تبنّي من رضوهبا التي تُعدّ بأربعة أرضب وف ًقا للرشوط املتقدّ مة‬‫جزئي ًة‪ ،‬وكام ّ‬
‫ً‬
‫حممواًل يف املقدّ متني‪ ،‬وقام املناطقة‬ ‫إذا ضممنا إليها ْ‬
‫أن يكون احلدّ األوسط‬
‫األول إما بوساطة الر ّد‬
‫إلضفاء صفة اإلنتاجية عىل رضوبه بر ّده إىل الشكل ّ‬
‫وإ ّما بعكس املقدّ مات‪:‬‬
‫األول‪ :‬ك ّلي ٌة موجب ٌة وك ّلي ٌة سالب ٌة‪ ،‬ينتج ك ّلية سالبة‪.‬‬
‫الرضب ّ‬
‫الرضب الثاين‪ :‬ك ّلي ٌة سالبة وكلي ٌة موجب ٌة‪ ،‬ينتج ك ّلية سالبة‪.‬‬
‫الرضب الثالث‪ :‬جزئي ٌة موجب ٌة وكلي ٌة سالب ٌة‪ ،‬ينتج جزئية سالبة‪.‬‬
‫الرضب الرابع‪ :‬جزئي ٌة سالب ٌة وكلي ٌة موجب ٌة‪ ،‬ينتج جزئية سالبة‪.‬‬
‫أ ّما األمثلة والرباهني عليه فهي مايأيت‪:‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.204‬‬


‫‪ | 298‬تاریخ علم املنطق‬

‫األول ‪ :‬الرضب األول‪:‬‬


‫موجبة وك ّل ٍية سالبة‪ّ :‬‬
‫(كل إنسان حيوان)‪ ،‬و(ال يشء من اجلامد‬ ‫ٍ‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫بحيوان)‪ ،‬ينتج‪( :‬ال يشء من اإلنسان بجامد)‪.‬‬

‫األول‪ :‬إ ّما بعكس الكربى وعكسها كلية سالبة‪،‬‬


‫وللتأكيد برده إىل الشكل ّ‬
‫فـ(اليشء من اجلامد بحيوان)‪ ،‬عكسها (ال يشء من احليوان بجامد)‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان)‪ ،‬فتكون النتيجة‬ ‫نضم الكربى املعكوسة إىل الصغرى‪ّ :‬‬
‫(كل‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان)‪ ،‬و(ال يشء من احليوان بجامد)‪،‬‬ ‫صحيح ًة وصادق ًة بالر ّد‪( :‬كل‬
‫فينتج (ال يشء من اإلنسان بجامد)‪.‬‬

‫أيضا هنا دليل‬


‫إذا تم ر ّدها إىل الرضب الثاين من الشكل األول‪ .‬واستخدم ً‬
‫األول‪:‬‬
‫اخللف إلثبات النتيجة ور ّده إىل الشكل ّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وال يش َء من اجلامد بحيوان‪.‬‬ ‫املفروض‪ّ :‬‬
‫كل‬
‫ا ُملدّ عى‪ :‬ال يش َء من اإلنسان بجامد‪.‬‬
‫نقيضها‬ ‫الربهان‪ :‬لو مل ْ ت َْص ْ‬
‫دق (ال يش َء من اإلنســان بجامد)‪ ،‬لصدق ُ‬
‫(بعض اإلنسان مجاد)‪.‬‬
‫األول‪ :‬إجياب‬
‫ألن من رشوط ّ‬ ‫ونجعل من النقيض صغرى القياس؛ ّ‬
‫الصغرى وك ّلية الكربى؛ ألننا إذا جعلنا النقيض هو الكربى فهي ال تر ّد‬
‫األول ملخالفته رشط ك ّلية الكربى‪ ،‬وإذا جعلنا كربى األصل‬‫إىل الشكل ّ‬
‫فإهّنا ختالف الرشط بإجياب الصغرى فتكون‪( :‬بعض اإلنسان‬ ‫صغرى‪ّ ،‬‬
‫مجاد)‪ ،‬و(ال يش َء من اجلامد بحيوان)‪ :‬تنتج (بعض اإلنسان ليس مجا ًدا)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وإذا كذبت النتيجة صدق‬ ‫كل‬‫أن ّ‬
‫وهو خمالف للفرض يف ّ‬
‫أن قياس اخللف الذي قدّ مه ابن سينا‪ ،‬كان قد‬‫تبنّي ّ‬
‫املدّ عى‪ .‬وبعد التدقيق ّ‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪299‬‬

‫أدخل فيه اجلهة‪ ،‬ومن املعلوم ّ‬


‫أن إدخال اجلهة يف القياس تكون النتيجة‬
‫غريها إذا فرضنا فقط الكم والكيف‪.1‬‬

‫الرضب الثاين‪:‬‬

‫سالب ٌة ك ٌلي ٌة وموجب ٌة ك ّلية‪ ،‬تنتج‪ :‬سالبة كلية‪ ،‬نحو‪( :‬ال يش َء من الذهب‬
‫ّ‬
‫و(كل ما يتمدّ د باحلرارة فهو حديد)‪ ،‬تنتج‪( :‬ال يش َء من الذهب‬ ‫بحديد)‪،‬‬
‫يتمدّ د باحلرارة)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بخطوات وهي‪:‬‬ ‫يتم ذلك‬
‫وألجل إقامة الربهان يرى اخلواجة إنّام ّ‬
‫األول‪.‬‬
‫)‌‪1‬قلب املقدّ متني لتكونا رضبا من الشكل ّ‬
‫)‌‪2‬وبعد قلبهام عكس النتيجة‪.‬‬
‫األول‪.‬‬
‫)‌‪3‬أو استخدام اخللف بالر ّد إىل الشكل ّ‬
‫األول من‬‫أن اخلواجة قد ر ّد هذا الرضب إىل الرضب ّ‬ ‫ومن هنا نالحظ ّ‬
‫الشكل الثاين‪ ،‬يف حني عمد ابن سينا إىل ر ّده إىل إحدى رضوب الشكل‬
‫األول‪ ،‬وذلك بعكس الصغرى‪ ،‬وإضافة العكس إىل املقدّ مة‪ ،‬ثم عكس‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫و(كل ما‬ ‫النتيجة‪ .2‬وإليك برهان ابن سينا‪( :‬ال يش َء من الذهب بحديد)‪،‬‬
‫يتمدّ د باحلرارة فهو حديد)‪ ،‬ينتج (ال يش َء من الذهب يتمدّ د باحلرارة)‪.‬‬
‫)‌‪1‬عكس الصغرى‪ :‬ال يش َء من احلديد بذهب‪.‬‬
‫)‌‪2‬إضافــة العكــس للمقدّ مــة‪ّ :‬‬
‫كل مــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو حديــد‪،‬‬
‫وال يش َء مــن احلديــد بذهــب ( إجيــاب الصغــرى وك ّليــة الكربى)‪:‬‬
‫ال يش َء ممّــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو ذهــب‪.‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ :‬النجاة‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد تقي دانش‪ ،‬دانشكاه طهران‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1379 ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ .2‬ابن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬ج‪ ،8‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ | 300‬تاریخ علم املنطق‬

‫)‌‪3‬عكس النتيجة‪ :‬ال يشء من الذهب يتمدّ د باحلرارة‪.‬‬


‫األول من الشكل الثاين وبرهن عليه‪:‬‬
‫لكن اخلواجة ر ّده إىل الرضب ّ‬
‫)‌‪1‬قلــب املقدّ متــن‪ّ :‬‬
‫كل مــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو حديــد‪ ،‬ال يش َء‬
‫مــن الذهــب بحديــد ( الــرب األول مــن الشــكل الثــاين)‪ :‬ال‬
‫يش َء ممّــا يتمــدّ د باحلــرارة فهــو ذهــب‪.‬‬
‫)‌‪2‬عكس النتيجة‪ :‬ال يش َء من الذهب يتمدّ د باحلرارة‪.‬‬

‫ويمكن القول ّ‬
‫إن اخلواجة مل يفته الر ّد إىل الشكل كام صنع ابن سينا ولكنه‬
‫وإن كنّا نعرتض‬ ‫أراد اتساع رقعة الربهان وإثبات النتيجة من الشكل نفسه‪ْ ،‬‬
‫األول؛ كونه أكمل األشكال‪ ،‬كام سريجعه إىل‬ ‫عىل عدم إرجاعه إىل الشكل ّ‬
‫ذلك باخلُلف‪ ،‬مع أنّه أكّد يف رشحه لإلشارات عىل ما أفاده ابن سينا بالر ّد إىل‬
‫مشريا إىل رأي ابن سينا بذلك‪ ،1‬وإىل مثله ذهب‬ ‫ً‬ ‫(بنّي)‬
‫األول بقوله ّ‬‫الشكل ّ‬
‫يف التجريـد‪.2‬‬

‫واخلُلف عىل النحو اآليت‪:‬‬


‫املفروض‪ :‬ال يش َء من الذهب بحديد‪ّ ،‬‬
‫وكل ما يتمدّ د باحلرارة حديد‪.‬‬
‫املدعى‪ :‬ال يش َء من الذهب يتمدّ د باحلرارة‪.‬‬
‫َ‬
‫لصدق‬ ‫الربهان‪ :‬لــو مل ْ ت َْصدُ ق‪( :‬ال يش َء من الذهب يتمدّ د باحلرارة)؛‬
‫نقيضها‪( :‬بعض الذهب يتمدّ د باحلرارة)‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج‪.258 ،1‬‬


‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل إىل ر ّد هذا الرضب إىل الشكل‬ ‫الح ّيّل‪ :‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص ‪ .193‬اذ ذهب ّ‬ ‫‪ِ .2‬‬
‫ريا عكس النتيجة‪ ،‬وسبق أ ْن بيّنا أ ّن عكس‬ ‫األول؛ وذلك بعكس الصغرى‪ ،‬ثم قلب املقدّمتني‪ ،‬وأخ ً‬
‫مطابق ملعالجة ابن سينا ‪ .‬املصدر‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املقدّمتني يوجب عند الخواجة عكس النتيجة‪ ،‬وما ق ّرره الح ّيّل‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.1994‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪301‬‬

‫وبالر ّد إىل الرضب الثالث من الشكل األول‪( :‬بعض الذهب يتمدّ د‬


‫ّ‬
‫و(كل ما يتمدّ د باحلرارة حديد)‪ ،‬ينتج‪( :‬بعض الذهب حديد)‪،‬‬ ‫باحلرارة)‪،‬‬
‫وهو خالف الفرض من أنّه (ال يش َء من الذهب بحديد)‪ ،‬وإذا كذب النقيض‬
‫صدق ا ُملدّ عى‪.‬‬

‫الرضب الثالث من الشكل الثاين‪:‬‬


‫وسالبة ٍ‬
‫كلية ينتج‪ :‬جزئية سالبة‪ ،‬نحو‪( :‬بعض الناس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جزئية‬ ‫ٍ‬
‫موجبة‬ ‫من‬
‫أسود) و(اليش من الثلج بأسود)‪ ،‬ينتج (ليس بعض الناس ثلج)‪.‬‬

‫واخلطوات كام عند اخلواجة‪ :‬عكس الكربى‪ ،‬والر ّد بذلك إىل الرضب‬
‫األول‪.1‬‬
‫الرابع من ّ‬
‫بعض الناس أسود‪ ،‬وال يش َء من األسود بثلج‪ :‬بعض الناس ليس بثلج‪.‬‬
‫أن سبب عكس الكربى للمحافظة عىل َرَش َطي اإلنتاج ومها إجياب‬ ‫وهنا تبني ّ‬
‫الصغرى وك ّلية الكربى‪ .‬أما ملاذا ال يعكس الصغرى؟ وذلك ّ‬
‫ألن املقدمتني‬
‫ألن الثالث ال ينتج ّإاّل‬
‫ستكونان من الرضب الثالث! وال يمكن ر ّده إليه؛ ّ‬
‫أن هذا الر ّد ُيطلق عليه التعريف‬ ‫جزئية‪ ،‬والثاين ينتج كلية باإلضافة إىل ّ‬
‫وإن كانت موجبة‪.‬‬ ‫باألخفى‪ ،‬وإن السالبة الكلية أتم عند املناطقة من اجلزئية ْ‬

‫وباخللف‪:‬‬
‫املفروض‪ :‬بعض الناس أسود‪ ،‬وال يش َء من الثلج أسود‪.‬‬
‫املدعى‪ :‬ليس بعض الناس ثلج‪.‬‬
‫نقيضها‬ ‫َ‬
‫لصدق ُ‬ ‫الربهــان‪ :‬لو مل ْ ت َْصدُ ق‪( :‬ليس بعض الناس أســود)‪،‬‬
‫(كل الناس ثلج)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ | 302‬تاریخ علم املنطق‬

‫ّ‬
‫كل الناس ثلج‪ ،‬وال يش َء من الثلج بأسود‪ :‬ال يش َء من الناس بأسود وهو‬
‫خالف الفرض‪ .‬وإذا كذبت النتيجة صدق ا ُملدّ عى‪.1‬‬

‫الدليل عىل إنتاج الرضب الرابع من الشكل الثاين‪:‬‬


‫ٍ‬
‫وموجبة كلية‪ ،‬تَنتج جزئي ٌة سالبة‪ ،‬نحو‪( :‬بعض املعدن‬ ‫ٍ‬
‫جزئية‬ ‫ٍ‬
‫سالبة‬ ‫من‬
‫و(كل أصفر ذهب)‪ :‬ينتج (بعض املعدن ليس بأصفر)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ليس بذهب)‪،‬‬
‫و ّملا كانت السالبة اجلزئية ــ وهي املقدّ مة الصغرى ــ ال تنعكس‪ّ ،‬‬
‫وإن‬
‫عكس املقدّ مة الكربى جزئي ٌة موجب ٌة‪ ،‬وال انتاج من جزئيتني؛ جلأ اخلواجة‬
‫إىل بيان اخللف‪:2‬‬
‫املفروض‪ :‬بعض املعدن ليس ذه ًبا‪ ،‬وكل أصفر ذهب‪.‬‬
‫املدعى‪ :‬بعض املعدن ليس بأصفر‪.‬‬
‫الربهان‪ :‬لو مل تصدق‪ :‬بعض املعدن ليس بأصفر‬
‫ٍ‬
‫معدن أصفر‪.‬‬ ‫لصدقت‪ّ :‬‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫معدن ذهب‪ ،‬وهو خالف‬ ‫معدن أصفر‪ ،‬وكل أصفر ذهب‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫كل‬
‫الفرض‪ ،‬فلو كذبت النتيجة صدق املدّ عى‪ .‬وأكد اخلواجة ّ‬
‫أن هذا الرضب‬
‫يمكن الربهنة عليه بطريق الفرض‪:‬‬

‫فنكون قضيتني‪ :‬كلي ًة‬


‫ّ‬ ‫نأخذ شي ًئا من موضوع الصغرى (احليوان)‪،‬‬
‫وجزئي ًة موجبتني‪ ،‬موضوعها الفرض وحمموهلا موضوع الصغرى األصل‪:‬‬
‫فرس صاهل‪ :‬بعض احليوان ليس بفرس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعض احليوان ليس بصاهل‪ ،‬وكل‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬النجاة‪ ،‬ص ‪.60‬‬


‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪303‬‬

‫إنسان حيوان (نأخذ بعض احليوان وهو اإلنسان بالفرض‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫والتطبيق‪ّ :‬‬
‫ونكون قضي ًة موضوعها الفرض‪ ،‬وحمموهلا موضوع الصغرى األصل‪ ،‬وهنا‬ ‫ّ‬
‫تكون قضية كلية صادقة مستغر ًقا موضوعها يف حمموهلا؛ ألنّه باألساس جز ٌء‬
‫منه)‪ ،‬وبعض اإلنسان حيوان‪.‬‬

‫أيضا قضيتني كليتني سالبتني (بلحاظ التباين بني املوضوع‬ ‫ونكون ً‬‫ّ‬
‫واملحمول‪ :‬ال يشء من اإلنسان بصاهل‪ ،‬وال يش َء من الصاهل بإنسان)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫موجبة‬ ‫وتسقط السالبتان الكل ّيتان م ًعا؛ ألنّه ال إنتاج منهام‪ ،‬كام ال إنتاج من‬
‫ألن إحدامها ــ وهي املوجبة اجلزئية ــ‬‫كلية كربى؛ ّ‬ ‫وسالبة ٍ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جزئية صغرى‬
‫غري صادقة‪ ،‬والالزم إخراج قضيتني صادقتني منهام‪ ،1‬وبذلك ينتج منهام‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وال‬ ‫كل‬‫رضب من الشكل الثاين كام يرى اخلواجة‪ 2‬نحو ‪ّ :‬‬
‫قياسا‬
‫فنكون منهام ً‬‫يش َء من الصاهل بإنسان‪ :‬ال يش َء من احليوان بصاهل‪ّ .‬‬
‫فرس صاهل‪ :‬بعض‬ ‫ٍ‬ ‫من الشكل الثاين‪ :‬ال يش َء من احليوان بصاهل‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫احليوان ليس بفرس‪ .‬وهو املطلوب‪.‬‬
‫وهنا نرى ّ‬
‫أن االبتكار الذي قام به اخلواجة هو ر ّده إىل الشكل الثاين عن‬
‫ٍ‬
‫بقياس أنتج منها ومن القضية الكربى‬ ‫طريق االفرتاض‪ ،‬وبعد ذلك ر ّده‬
‫األصل إىل الشكل األول‪ ،‬عكس ما عند ابن سينا الذي ر ّده إىل الشكل‬
‫األول باملبارش‪ ،‬بمعنى الغنى الفكري وتعدّ د حاالت اإلرجاع عند اخلواجة‬
‫الطويس يف ر ّد الرضب الواحد إىل الشكل الثاين مرةً‪ ،‬وإىل األول أخرى‪ْ ،‬‬
‫وإن‬
‫تعدّ دت الطرق‪.‬‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬محمد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬تحقيق‪ :‬غالم رضا فيايض‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم – إيران‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪ ،1424 ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪ .2‬الطويس ‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫‪ | 304‬تاریخ علم املنطق‬

‫رضوب الشكل الثالث‪:‬‬

‫األول‪ ،‬وك ّلية إحدى املقدّ متني‪،‬‬


‫ورشائطه هي‪ :‬إجياب الصغرى كالشكل ّ‬
‫وهو ال ينتج كلي ًة أبدً ا‪:‬‬

‫الرضب األول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‬ ‫موجبة وك ّل ٍية موجبة‪ :‬جزئية موجبة‪ ،‬نحو‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫متحرك اليد‪.‬‬ ‫متحرك اليد‪ :‬بعض احليوان‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫ّ‬
‫وكل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫جزئية موجبة‪ :‬بعض احليون إنسان‪،‬‬ ‫والر ّد يكون بعكس الصغرى إىل‬
‫متحرك اليد‪.‬‬ ‫متحرك اليد‪ :‬بعض احليوان‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫ّ‬
‫وكل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واخلُلف‪:‬‬
‫متحرك اليد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫وكل‬ ‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ّ ،‬‬ ‫املفروض‪ّ :‬‬
‫كل‬
‫ّ‬
‫متحرك اليد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املدّ عى‪ :‬بعض احليوان‬
‫نقيضها‪:‬‬
‫متحرك اليد)‪ ،‬لصدق ُ‬
‫ّ‬ ‫الربهان‪ :‬فلو مل تصدق (بعض احليوان‬
‫بمتحرك اليد)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(ال يشء من احليوان‬
‫قياس هو الرضب الثاين من الشكل األول‪:‬‬
‫ويكون لدينا ٌ‬
‫متحرك اليد‪ :‬ال يش َء من اإلنسان‬ ‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪ ،‬وال يش َء من اإلنسان‬ ‫كل‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫بمتحرك اليد وهو خالف بالفرض‪ .‬وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى‪ .‬إذ‬ ‫ّ‬
‫إن النتيجة هنا تتضاد مع كربى القياس فال يصدقان م ًعا‪ ،‬فتكذب النتيجة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫نقيضها وهو املطلوب‪.1‬‬
‫ويصدق ُ‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.209‬‬


‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪305‬‬

‫الرضب الثاين من الشكل الثالث‪:‬‬


‫كل ٍ‬
‫ناطق إنسان وال يش َء‬ ‫ك ّلي ٌة موجب ٌة وك ّلي ٌة سالبة‪ :‬جزئية سالبة‪ ،‬نحو‪ّ :‬‬
‫من الناطق بطائر‪ :‬بعض اإلنسان ليس بطائر‪.‬‬
‫)‌‪1‬عكس الصغرى‪ :‬بعض اإلنسان ناطق‪.‬‬
‫)‌‪2‬ضمهــا للكــرى‪ :‬وال يش َء مــن الناطــق بطائــر‪ :‬بعــض اإلنســان‬
‫ليــس بطائــر (الثالــث مــن األول)‪.‬‬

‫واخلُلف‪:‬‬
‫كل ٍ‬
‫ناطق إنسان‪ ،‬وال يش َء من الناطق بطائر‪.‬‬ ‫املفروض‪ّ :‬‬
‫املدّ عى‪ :‬بعض اإلنسان ليس بطائر‪.‬‬
‫الربهان‪ :‬لو مل تصدق (بعض اإلنسان ليس بطائر) لصدق نقيضها‪( :‬كل‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫إنسان طائر‪ّ :‬‬ ‫كل ٍ‬
‫ناطق إنسان‪ّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫إنســان طائر)‪ ،‬ومع الصغرى‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫ناطق طائر‪ ،‬وهو خالف الفرض‪ .‬وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى‪.‬‬
‫الرضب الثالث من الشكل الثالث‪:‬‬

‫جزئي ٌة موجب ٌة وك ّلي ٌة موجبة‪ :‬جزئية موجبة‪ ،‬نحو‪ :‬بعض الذهب معدن‪،‬‬
‫ذهب غايل الثمن‪ :‬بعض املعدن غايل الثمن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫وكل‬

‫وبيانه بالعكس‪:‬‬
‫)‌‪1‬عكس الصغرى‪ :‬بعض املعدن ذهب‪.‬‬
‫)‌‪2‬وضمهــا للكــرى‪ّ :‬‬
‫وكل ذهــب غــايل الثمــن‪ :‬بعــض املعــدن غايل‬
‫ا لثمن ‪.‬‬
‫‪ | 306‬تاریخ علم املنطق‬

‫وباخللف‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ذهب غايل الثمن‪.‬‬ ‫املفروض‪ :‬بعض الذهب معدن‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫املدّ عى‪ :‬بعض املعدن غايل الثمن‪.‬‬
‫الربهان‪ :‬لو مل تصدق (بعض املعدن غايل الثمن)‪ ،‬لصدق نقيضها‪( :‬ال‬
‫فنكون‪ :‬بعض الذهب معدن‪ ،‬وال يشء‬ ‫يشء من املعدن غايل الثمن)‪ّ ،‬‬
‫من املعدن غايل الثمن‪ :‬بعض الذهب ليس غايل الثمن‪ .‬وهو خالف‬
‫الفرض‪ ،‬وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى‪.‬‬
‫الرضب الرابع من الشكل الثالث‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حيوان جسم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وجزئية موجبة‪ :‬جزئية موجبة‪ ،‬نحو‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫موجبة‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫وبعض احليوان طائر‪ :‬بعض اجلسم طائر‪.‬‬

‫ألهّنا تكون جزئي ًة سالب ًة‪ ،‬وال إنتاج من‬


‫ال نعكس الصغرى؛ وذلك ّ‬
‫جزئيتني؛ لذلك عكس الكربى وجعلها صغرى‪ :‬بعض الطائر حيوان‪ ،‬وكل‬
‫حيوان جسم ( الثالث من األول )‪ :‬بعض الطائر جسم‪ .‬ثم عكس النتيجة‪:‬‬
‫بعض اجلسم طائر‪ ،‬وهو املطلوب‪.‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫وباالفرتاض ً‬
‫بعضا من املوضوع يف الصغرى‪ ،‬ونجعل منه قضيتني‪ ،‬األوىل جزئية‬
‫)‌‪1‬نأخذ ً‬
‫موجبة وهي الفرض‪ ،‬مع موضوع الصغرى‪ :‬بعض احليوان إنسان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان حيوان‪.‬‬ ‫)‌‪2‬والفرض مع حممول الصغرى‪ ،‬لكنها ك ّلية‪ّ :‬‬
‫وكل‬
‫ٍ‬
‫إنسان طائر‪.‬‬ ‫)‌‪3‬والفرض مع موضوع الكربى كلية‪ّ :‬‬
‫وكل‬
‫)‌‪4‬والفرض مع حممول الكربى جزئية‪ :‬وبعض اإلنسان طائر‪.‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪307‬‬

‫ألهّنا جزئية‪ .‬ونضيف الثانية إىل صغرى األصل‬


‫واألوىل والرابعة ال تنتج؛ ّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان جسم)‪ ،‬وهو األول من‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫حيوان جسم‪ّ :‬‬ ‫إنسان حيوان‪ّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٍ‬ ‫( ّ‬
‫كل‬
‫األول‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان طائر‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫إنسان جسم‪ ،‬وكل‬ ‫نضيف النتيجة إىل القضية الثالثة‪ّ :‬‬
‫(كل‬
‫بعض اجلسم طائر)‪ ،‬وهو املطلوب‪ .1‬وهنا نجد ّ‬
‫أن اخلواجة اعتمد يف‬
‫الوصول إىل النتيجة عىل الرضب األول من الشكل الثالث نفسه‪ ،‬ومل يرجع‬
‫به إىل األول أو الثاين‪ ،‬يف حني ّ‬
‫أن ابن سينا أرجعه بالفرض إىل األول‪.‬‬

‫الرضب اخلامس من الشكل الثالث‪:‬‬

‫حساس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫موجب ٌة كلي ٌة وجزئي ٌة سالبة‪ :‬جزئية سالبة‪ ،‬نحو‪ّ :‬‬
‫كل حيوان ّ‬
‫حس ٍ‬
‫اس بإنسان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حيوان بإنسان‪ :‬ليس ّ‬ ‫وليس ّ‬
‫كل ّ‬ ‫كل‬
‫)‌‪1‬الكربى ال تنعكس؛ ألنه ال إنتاج من جزئيتني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حيــوان‬ ‫حســاس‪ ،‬وليــس ّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫)‌‪2‬باخللــف‪ :‬املفــروض ّ‬
‫كل حيــوان ّ‬
‫إنســان‪.‬‬

‫حساس إنسان‪.‬‬ ‫املدّ عى‪ :‬ليس ّ‬


‫كل ّ‬
‫حس ٍ‬
‫اس بإنسان) لصدق نقيضها‪:‬‬ ‫الربهان‪ :‬لو مل تصدق (ليس ّ‬
‫كل ّ‬
‫حس ٍ‬
‫اس إنسان)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(كل ّ‬
‫ٍ‬
‫حيوان إنسان‪ ،‬وهو خالف‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫ساس إنسان‪ّ :‬‬ ‫حساس‪ّ ،‬‬
‫وكل ّح‬ ‫ّ‬
‫كل حيوان ّ‬
‫الفرض‪ ،‬وإذا كذبت النتيجة صدق املدّ عى‪ ،‬وإذا كذبت النتيجة صدق‬
‫النقيض‪.‬‬

‫‪ .1‬الطويس ‪ ،‬أساس االقتباس ‪ ،‬ص ‪.210‬‬


‫‪ | 308‬تاریخ علم املنطق‬

‫الرضب السادس من الشكل الثالث ‪:‬‬

‫جزئي ٌة موجب ٌة وكربى سالبة‪ :‬جزئية سالبة‪ ،‬نحو‪ :‬بعض احليوان إنسان‪،‬‬
‫وال يش َء من احليوان بحجر‪ :‬بعض اإلنسان ليس بحجر‪.‬‬
‫)‌‪1‬عكس الصغرى‪ :‬ليكون الرابع من الشكل األول‪ :‬بعض اإلنسان‬
‫حيوان‪ ،‬وال يشء من احليوان بحجر‪ :‬بعض اإلنسان ليس بحجر‪.‬‬
‫)‌‪2‬وباخللف‪ :‬لو مل تصدق (بعض اإلنسان ليس بحجر)‪ ،‬لصدق‬
‫وكل‬ ‫ٍ‬
‫إنسان حجر)‪ .‬لتكون‪ :‬بعض احليوان إنسان‪ّ ،‬‬ ‫نقيضها ّ‬
‫(كل‬
‫ٍ‬
‫إنسان حجر‪ :‬بعض احليوان حجر‪ ،‬وهو خالف الفرض‪ ،‬وإذا كذبت‬
‫النتيجة صدق النقيض‪.‬‬

‫املبحث الثاين ‪:‬الشكل الرابع‪:‬‬


‫بأن اخلواجة ذكر‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ّ :‬‬ ‫الشكل الرابع هو الشكل الذي قال فيه ّ‬
‫إن مقدم البصائر‬‫قيدً ا فيه مل يذكره األوائل‪ ،1‬وذلك يف معرض حديثه عنه‪ ،‬بل ّ‬
‫النصريية أشار إىل ّ‬
‫أن اخلواجة أبدع فيه أ ّيام إبداع مل يتقدّ مه أحد عليه‪ ،2‬ولبيان‬
‫مدى اإلبداع الذي قدّ مه اخلواجة‪ ،‬كان علينا دراسة هذا الشكل عنده‪ ،‬وعند‬
‫أن املتقدّ مني عليه كابن سينا والغزايل ْ‬
‫وإن‬ ‫من سبقه أو عند معارصيه‪ ،‬لنجد ّ‬
‫منتجا‪ ،‬فلم يشتغلوا‬
‫ذكروه جراء القسمة‪ ،‬وبتأثري احلدّ األوسط؛ لكنه مل يكن ً‬
‫قائاًل‪« :‬وقد عرفنا بذلك ّ‬
‫أن الرابع ممّا جيب ذكره؛ ألنّه‬ ‫به‪ ،‬وقد أكد اخلونجي ً‬
‫كثري من املواضع بحيث ال يمكن مراعاة هذا االعتبار‬ ‫قد يكون األمر يف ٍ‬
‫بأن يكون عىل هيأة الشكل الرابع»‪ ،3‬يف حني ذكر‬ ‫يف مقدّ مات القياس إال ْ‬

‫الح ّيّل‪ ،‬الجوهر النضيد‪ ،‬ص‪.169.‬‬‫‪ِ .1‬‬


‫‪ .2‬الساوي‪ ،‬البصائر النصريية‪ ،‬مقدّمة املحقّق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ .3‬الخونجي‪ :‬كشف األرسار‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪309‬‬

‫العديد من الرشائط الالزمة إلنتاجه‪ .‬و ّملا كان العديد من املناطقة السابقني‬
‫عىل اخلواجة قد ذكروا هذا الشكل‪ ،‬وأفردوا له رشو ًطا متعدد ًة ‪ ،1‬وكان من‬
‫توسعوا يف دراسته الفخر الرازي‪ 2‬واخلواجة الطويس؛‬ ‫أكثر املناطقة الذين ّ‬
‫لذا ستتم متابعة عنارص اإلبداع فيه‪ ،‬واملقارنة بني الفخر الرازي واخلواجة‬
‫خاص ًة‬
‫الطويس؛ كوهنام أكثر من أبدعا يف هذا املجال‪ ،‬وسنبني جهد اخلواجة ّ‬
‫يف موضوع البحث‪.‬‬

‫رشائط الشكل الرابع ‪:‬‬

‫عدّ منها اخلواجة ما هو لوازم جلميع األشكال‪ ،‬وهو ما اتفق عليه املناطقة‪،‬‬
‫خاص به‪ .‬ومن الرشائط العامة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإن منها ما هو‬
‫)‌‪1‬ال اجتامع لسالبتني‪ :‬وهي من الرشوط التي جعلها املناطقة جلميع‬
‫تعلياًل؛ ّ‬
‫ألن العالقة بني األوسط‬ ‫ً‬ ‫األشكال رش ًطا عا ًّما‪ ،‬ولكنّه يقدم‬
‫مناقضا لألصغر واألكرب قد حيدث مالقاة بينهام يف‬ ‫ً‬ ‫الذي يكون‬
‫اخلارج أو حيدث التباين‪ ،‬كام لو قلت‪( :‬ال يش َء من الفرس بإنسان‪،‬‬
‫يشء من اإلنسان بصاهل‪ ،‬إ ًذا ال يش َء من الفرس بصاهل)‪ ،‬مع‬ ‫وال َ‬
‫أن الفرس والصاهل بينهام مالقاة بل مساواة يف اخلارج‪ ،‬أو قد يكون‬ ‫ّ‬
‫بينهام تباين‪ :‬كام يف (ال يشء من الفرس بإنسان‪ ،‬وال يش َء من اإلنسان‬
‫مثاًل‪ :‬اآلمدي‪ ،‬سيف الدين‪ ،‬أبو الحسن عيل بن أيب عيل‪ ،‬دقائق الحقائق‪ ،‬تحقيق‪ :‬فاضل‬ ‫‪ .1‬ينظر ً‬
‫عيل املوسوي‪ ،‬نارشون‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،269‬فهو وإ ْن ذكر تلك‬
‫الرشائط لكنه جعل للجهة مدخلية يف إنتاجه‪ ،‬وينظر‪ :‬أيضً ا‪ :‬الخونجي‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫الطاّلب‪ ،‬ص ‪.110‬‬‫ّ‬ ‫واألرموي ‪ ،‬مطالع االنوار‪ ،‬ص ‪ ،71‬واملغنيساوي‪ ،‬مغني‬
‫‪ .2‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،43‬والرسالة الكاملية يف الحقائق اإللهية‪ ،‬ص ‪ .25-24‬ويرى محقّق‬
‫املنطق الكبري أ ّن هذه النسخة منه ووفقًا لتحقيقه‪ ،‬كانت مودع ًة عد القزويني الكاتبي؛ ألنّه وجد‬
‫عاماًل مع الخواجة يف مرصد مراغة‪ ،‬وأ ّن‬
‫ً‬ ‫أ ّن اسمه كان مكتوبًا عليها‪ ،‬وأ ّن القزويني أيضً ا كان‬
‫النسخة الخطية من املنطق الكبري كانت مودع ًة يف مكتبة (حسن الطويس أو حسن الطبيس)‪ ،‬ابن‬
‫الخواجة الطويس‪ ،‬الذي تال الخواجة يف رئاسة املرصد‪ .‬ينظر‪ :‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪،25‬‬
‫هامش املحقق رقم ‪.3‬‬
‫‪ | 310‬تاریخ علم املنطق‬

‫بحجر‪ :‬فال يشء من الفرس بحجر)‪ ،‬وهو تباين يف اخلارج‪ .1‬يف حني‬
‫اكتفى الفخر الرازي بالقول‪ّ :‬‬
‫بأن إحدى مقدّ متيه موجبة؛ ألنّه ال‬
‫ٌ‬
‫رشط عا ٌّم ‪ .3‬وانفرد اخلونجي يف‬ ‫إنتاج من سالبتني‪ ،2‬وهذا الرشط‬
‫أن الكربى إذا كانت ك ّلي ًة سالب ًة فالصغرى ال يمكن ْ‬
‫أن تكون سالب ًة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫جزئي ًة كانت أم كلية‪.4‬‬
‫)‌‪2‬من املتعارف أنّه ال إنتاج من جزئيني‪ ،‬موجبتني كانتا أم سالبتني‪،‬‬
‫فإن الصغرى‬‫لك ّن اخلواجة اشرتط بأنه إذا كانت الكربى كلي ًة موجب ًة ّ‬
‫ألن املقدّ مة الكربى إذا كانت كلي ًة‬
‫ال تكون جزئي ًة موجبة؛ وذلك ّ‬
‫فإن الكربى عند عكسها‬ ‫والصغرى جزئي ًة‪ ،‬وكالمها موجبتان‪ّ ،‬‬
‫إن احلكم الذي‬ ‫تنعكس جزئي ًة موجب ًة وال إنتاج من جزئيتني‪ ،‬ثم ّ‬
‫يكون عىل األصغر من األوسط‪ ،‬قد ال يشمل األكرب إذا كانت‬
‫حيوان إنسان‪ ،‬وبعض الناطق حيوان‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثاًل‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫الكربى جزئية‪ً 5‬‬
‫بعض اإلنسان ناطق‪ .‬وهذا ما عناه اخلونجي من ّ‬
‫أن املوجبة اجلزئية‬
‫ال تنتج مع الكلية املوجبة‪.6‬‬
‫)‌‪3‬ومن الرشوط العامة التي أشار إليها اخلواجة هو ّ‬
‫أن الصغرى إذا‬
‫فإهّنا ال تنتج مع كربى جزئية‪7‬؛ وذلك ّ‬
‫ألن احلكم الذي‬ ‫كانت سالب ًة ّ‬
‫ٌ‬
‫حاصل بني األوسط‬ ‫كان يف الكربى لبعض األكرب يتناىف‪ ،‬والتباين‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.210‬‬


‫‪ .2‬الفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.45‬‬
‫‪ .3‬املظفر‪ ،‬محمد رضا‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪ .4‬الخونجي‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬ص ‪ .263‬أي مبعنى إمكانية إذا كانت الصغرى جزئية سالبة أمكن‬
‫أ ْن تكون الكربى كلّي ًة سالبةً‪ ،‬كام هو واضح من السياق وإال ال قيمة لقيده‪.‬‬
‫‪ .5‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ .6‬الخونجي‪ ،‬كشف األرسار‪ ،‬ص‪.263‬‬
‫‪ .7‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪311‬‬

‫واألصغر يف الصغرى ومثاله‪ :‬ال يشء من اجلامد بحيوان‪ ،‬وبعض‬


‫احلجر مجاد‪ :‬بعض احليوان ليس بحجر‪.‬‬

‫وألن اخلواجة أكد عدمية ضبط هذه الرشوط يف هذا الشكل‪ ،‬جعل هذا‬ ‫ّ‬
‫وتعلياًل ملا قدّ مه اخلونجي‪ ،‬وقوله بجواز ْ‬
‫أن تكون الصغرى‬ ‫ً‬ ‫تفسريا‬
‫ً‬ ‫البيان‬
‫سالب ًة والكربى جزئي ًة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن احلكم يف النتيجة جيعل التالقي من بعض‬
‫األكرب لألصغر يف اخلارج كام يف املثال أعاله‪.‬‬

‫متفق عليها بني املناطقة‪ ،‬وقد‬ ‫إن هذه الرشوط العامة ٌ‬ ‫ونستطيع القول‪ّ :‬‬
‫بأن بعض الناس من جعل الرشوط مخسة‪ ،‬منها ّأاّل‬ ‫أشار اخلونجي إىل ذلك‪ّ :‬‬
‫يكون اإلنتاج من سالبتني‪ ،‬أو موجبتني‪ ،‬أو صغرى سالبة‪ ،‬وكربى جزئية‪،‬‬
‫أن اجلمع بني السالبتني ممكن‬ ‫مع قوله باجلواز كام تقدّ م‪ .1‬لكن اخلواجة زاد‪ّ :‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬برشط إذا كانت الكربى سالب ًة فال تكون الصغرى سالب ًة جزئية‪،‬‬
‫بمعنى إمكانية اإلنتاج إذا كانت الكربى ك ّلي ًة سالبة والصغرى ك ّلي ًة سالبة‬
‫وإاّل ملاذا ذكر هذا القيد ّ‬
‫(أاّل تكون الصغرى سالب ًة جزئية)‪.‬‬ ‫أيضا‪ّ ،‬‬‫ً‬

‫اخلاصة التي ذكرها اخلواجة فهي‪:‬‬


‫ّ‬ ‫أما الرشوط‬
‫إن السلب واجلزئية ال جيتمعان يف مقدّ ٍ‬
‫مة واحدة‪ ،‬بمعنى استبعاده‬ ‫)‌‪ّ 1‬‬
‫ً‬
‫معلاًل‬ ‫للجزئية السالبة باملطلق‪ ،‬وقد أشار اخلونجي إىل ذلك‪،2‬‬
‫بأن السالبة اجلزئية إذا كانت صغرى فال يمكن ر ّد القياس‬ ‫اخلواجة ّ‬
‫يف بيانه إىل الشكل األول‪ ،‬كام أنّه ال يمكن ر ّده إىل الشكل الثاين‬
‫ألن السالبة اجلزئية ال عكس هلا‪ ،‬وال تر ّد إىل الثالث؛ ّ‬
‫ألن ر ّد‬ ‫أيضا؛ ّ‬
‫ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الكربى يف الثالث إذا كانت ك ّلي ًة موجب ًة من جزئية موجبة وال إنتاج‬

‫‪ .1‬الخونجي‪ ،‬ص ‪.263‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪ | 312‬تاریخ علم املنطق‬

‫من جزئيتني‪ ،‬وإذا كانت سالب ًة كلي ًة فهي تعكس سالب ًة كلي ًة وال ٍ‬
‫إنتاج‬
‫من سالبتني‪ ،‬أما إذا استعملت مع املوجبة الكلية ال تنتج‪ ،‬الحتامل‬
‫أن يكون األكرب ً‬
‫فصاًل‪ ،‬واحلدّ األوسط يعمها م ًعا‪ ،‬فال إنتاج منهام‪.1‬‬ ‫ْ‬
‫ناطق حيوان‪ :‬بعض‬ ‫ٍ‬ ‫ومثاله‪ :‬بعض احليوان ليس بإنسان‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫يعم األصغر يف الصغرى‪.‬‬ ‫اإلنسان ليس بناطق‪ .‬فاألكرب يف الكربى ال ّ‬
‫)‌‪ّ 2‬‬
‫إن املقدمتني إذا كانتا موجبتني‪ ،‬فال تكون الصغرى جزئية‪ ،‬وذلك‬
‫فرس حيوان‪ :‬بعض‬‫ٍ‬ ‫للتباين بني احلدود‪ :‬بعض احليوان إنسان‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫واضح بني الفرس واإلنسان‪ ،‬كام ّ‬
‫أن احلدّ‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنسان فرس‪ .‬فالتباين‬
‫يعمهام مجي ًعا‪ .‬وهو جنس هلام‪.‬‬
‫األوسط ّ‬
‫أن تكون إحدى‬ ‫وإن هذا الشكل ال ينتج موجب ًة كلي ًة؛ ألنّه وكام تقدّ م ال ّبد ْ‬
‫ّ‬
‫اخلاصني اللذين ذكرمها‬
‫ّ‬ ‫أن بالرشطني‬ ‫مقدمتيه جزئية‪ ،‬أو سالبة‪ ،‬وممّا تقدّ م يتضح ّ‬
‫اخلواجة يمكن االستغناء عن الرشوط العا ّمة التي عدّ ها لوازم ّ‬
‫لكل اإلشكال‪،‬‬
‫اخلاصة بالشكل الرابع فحسب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإن الرشطني أعاله مها من الرشوط‬ ‫ّ‬
‫األول من الشكل الرابع‪:‬‬ ‫الرضب ّ‬
‫ٍ‬
‫ذهب معدن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫موجبة‪ :‬جزئية موجبة‪ ،‬مثل‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫موجبة وك ّل ٍية‬
‫ٍ‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫ّ‬
‫وكل ما يتمدّ د باحلرارة ذهب‪ :‬بعض املعدن يتمدد باحلرارة‪.‬‬
‫)‌‪1‬اتفق اخلواجة والرازي عىل قلب املقدّ متني‪ :‬كل ما يتمدّ د باحلرارة‬
‫كل ما يتمدّ د باحلرارة معدن‪ .‬فإذا قلبت‬ ‫ٍ‬
‫ذهب معدن‪ّ :‬‬ ‫ذهب‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫املقدّ متني نعكس النتيجة‪ :‬بعض املعدن يتمدّ د باحلرارة‪.‬‬
‫ذهب معدن‪ ،‬وبعض‬ ‫ٍ‬ ‫)‌‪2‬عكس الكربى ليكون الرابع من الثالث‪ّ :‬‬
‫كل‬
‫الذهب يتمدّ د باحلرارة‪ :‬بعض املعدن يتمدّ د باحلرارة ‪.2‬‬
‫‪ .1‬الفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.44-43‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ :‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪ ،214‬ويُنظر الفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.45‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪313‬‬

‫الرضب الثاين من الشكل الرابع‪:‬‬


‫كل ٍ‬
‫طائر يبيض‪ ،‬وبعض‬ ‫ك ّلي ٌة موجب ٌة وجزئي ٌة موجبة‪ :‬جزئية موجبة‪ ،‬مثل‪ّ :‬‬
‫احليوان طائر‪ :‬بعض ما يبيض حيوان‪.‬‬

‫ارجع اخلواجة هذا الرضب إىل الرضب الثالث من الشكل األول؛ وذلك‬
‫بقلب املقدّ متني‪ ،‬ويقصد بقلب املقدّ متني‪ ،‬جعل الصغرى كربى وبالعكس‪:‬‬
‫وكل ٍ‬
‫طائر يبيض‪ :‬بعض احليوان يبيض‪.‬‬ ‫بعض احليوان طائر‪ّ ،‬‬

‫ثم أكّد اخلواجة عىل عكس النتيجة‪ ،‬وعكس اجلزئية املوجبة جزئي ٌة موجب ٌة‬
‫لتصبح‪ :‬بعض ما يبيض حيوان‪ .‬بينام اعتمد الفخر الرازي عىل طريقة اخلُلف‬
‫يف الربهان‪ ،‬لكن اخلواجة زاد يف أنّه اعتمد االفرتاض‪ ،‬وأرجعه إىل الشكل‬
‫األول‪ ،‬وباقرتان النتيجة مع القضية األخرى يرجعنا إىل الشكل الثالث‪ ،‬وهذا‬
‫يد ّلنا عىل سعة اجلهد الذي بذله اخلواجة يف تثبيت الربهان هلذا الرضب‪.‬‬
‫أما ُ‬
‫اخللف‪:‬‬
‫كل ٍ‬
‫طائر يبيض‪ ،‬وبعض احليوان طائر‪.‬‬ ‫املفروض‪ّ :‬‬
‫املدّ عى‪ :‬بعض ما يبيض حيوان‪.‬‬
‫الربهان‪ :‬لو مل تصدق لصدق نقيضها‪( :‬ال يش َء ممّا يبيض بحيوان)‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫طائر يبيض‪ ،‬وال يشء ممّا يبيض بحيوان‪:‬‬ ‫وكانت مع الصغرى‪ّ :‬‬
‫ال يشء من الطائر بحيوان‪ .‬وهو خالف الفرض‪ ،‬وإذا كذبت النتيجة‬
‫صدق املدّ عى أو النقيض‪.1‬‬
‫أ ّما الفرض الذي أوسع اخلواجة فيه الربهان عىل هذا الرضب‪ ،‬والذي‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪ | 314‬تاریخ علم املنطق‬

‫اعتمد فيه باستخراج أربع قضايا‪ ،‬بإضافة الفرض مرتني إىل املوضوع يف‬
‫الكربى وإىل املحمول يف الكربى فانتج ما ييل‪:‬‬
‫كل ٍ‬
‫طائر يبيض‪ ،‬وبعض احليوان طائر‪ :‬بعض ما يبيض طائر‪ .‬والقضايا‬ ‫ّ‬
‫األربع هي‪:‬‬
‫)‌‪1‬بعض النعام حيوان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حيوان نعام‪.‬‬ ‫)‌‪ّ 2‬‬
‫كل‬
‫)‌‪ّ 3‬‬
‫كل نعا ٍم طائر‪.‬‬
‫)‌‪4‬بعض الطائر نعام‪.‬‬

‫واألوىل والثانية ساقط ٌة؛ لعدم االقرتان مع الصغرى الختالف احلدّ‬


‫األوسط‪ :‬كل طائر يبيض و (‪ )1‬بعض النعام حيوان‪ ،‬وكل طائر يبيض و(‪)2‬‬
‫كل حيوان نعام‪.‬‬‫ّ‬

‫والدليل عىل عدم االشرتاك أنّه لو قرن الثالث مع الصغرى من القياس‬


‫وكل ٍ‬
‫طائر‬ ‫كل نعا ٍم طائر‪ّ ،‬‬
‫ألنتج الرضب األول من الشكل الثالث‪ّ )3( ،‬‬
‫كل نعام يبيض‪ ،‬وقرن هذه النتيجة مع (‪ )1‬كل نعام يبيض‪ ،‬وبعض‬ ‫يبيض‪ّ :‬‬
‫النعام حيوان‪ :‬ينتج بعض ما يبيض حيوان وهو املطلوب ‪.1‬‬

‫الرضب الثالث من الشكل الرابع‬


‫ٍ‬
‫موجبة ُينتج ك ّلية سالبة‪ ،‬مثل‪ :‬ال يش َء من احليوان‬ ‫سالبة وك ّل ٍية‬
‫ٍ‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫طائر حيوان‪ :‬ال يش َء من اجلامد بطائر‪ .‬ويتم الربهان عىل النتيجة‬ ‫وكل ٍ‬‫بجامد‪ّ ،‬‬
‫بطريقني‪:‬‬
‫‪ .1‬أساس االقتباس‪ ،‬الطويس ص ‪. 214‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪315‬‬

‫كل ٍ‬
‫طائر‬ ‫األول‪ ،‬نحو‪ّ :‬‬‫‪1‌.‬قلب املقدّ متني ليكون الرضب الثاين من الشكل ّ‬
‫حيوان‪ ،‬وال يش َء من احليوان بجامد‪ :‬ال يش َء من الطائر بجامد‪ .‬و ّملا كان‬
‫عكس الك ّلية السالبة ك ّلي ًة سالب ًة‪ ،‬فتكون النتيجة‪ :‬ال يش َء من اجلامد بطائر‪.1‬‬
‫أيضا إىل الشكل الثاين الرضب الثاين‪ ،‬وذلك بعكس الصورة‪:‬‬
‫‪2‌.‬ويرد ً‬
‫وكل ٍ‬
‫طائر حيوان‪ :‬ال يش َء من اجلامد بطائر‪.‬‬ ‫ال يش َء من اجلامد بحيوان‪ّ ،‬‬

‫الرضب الرابع من الشكل الرابع‪:‬‬


‫ٍ‬
‫حيوان جسم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سالبة ُينتج جزئي ًة سالبة‪ ،‬مثل‪ّ :‬‬
‫كل‬ ‫موجبة وك ّل ٍية‬
‫ٍ‬ ‫من ك ّل ٍية‬
‫وال يش َء من اجلامد بحيوان‪ :‬بعض اجلسم ليس بجامد‪ .‬وقد أرجعه اخلواجة إىل‬
‫الشكل الثاين‪ ،‬وذلك بعكس الصغرى‪ ،‬وإىل الشكل الثالث‪ ،‬بعكس الكربى‪:‬‬
‫)‌‪1‬الر ّد إىل الشكل الثاين بعكس الصغرى‪ :‬بعض احليوان جسم‪ ،‬وال‬
‫يش َء من احليوان بجامد‪ :‬بعض اجلسم ليس بجامد‪.‬‬
‫)‌‪2‬الرد إىل الشكل الثالث بعكس الكربى‪ :‬بعض اجلسم حيوان‪ ،‬وال‬
‫يش َء من احليوان بجامد‪ :‬بعض اجلسم ليس بجامد‪.‬‬

‫األول بقلب املقدّ متني كام‬


‫الرد إىل الشكل ّ‬ ‫وهنا أكّد اخلواجة إمكانية ّ‬
‫غرّي يف تركيب الرضوب يف الشكل‬ ‫تقدّ م يف األرضب السابقة‪ ،‬وربام أنّه قد ّ‬
‫فإن هذا الرضب هو الرضب الثاين من الشكل‬ ‫الثالث‪ ،‬وأشار إىل االختالف؛ ّ‬
‫السادس عنده‪ ،‬وهو أشار إىل ذلك باالفرتاض إىل الرضب الثاين أو اخلامس‬
‫منه‪ ،‬إذ إنّه عند عكس املقدّ مة الكربى‪ ،‬وهي السالبة الكلية‪ ،‬فهب ال تنعكس‬
‫ٍ‬
‫جزئية‪ ،‬وعند تتبع هذا الرضب نجده قد‬ ‫ٍ‬
‫بموجبة‬ ‫سالبة ٍ‬
‫كلية‪ ،‬وليس‬ ‫ٍ‬ ‫ّإاّل إىل‬
‫وسمه بالرضب الثاين‪.‬‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬أساس االقتباس ص ‪ .214‬والفخر الرازي‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.46‬‬
‫‪ | 316‬تاریخ علم املنطق‬

‫الرضب اخلامس من الشكل الرابع‪:‬‬


‫ٍ‬
‫سالبة ُينتج جزئية سالبة‪ ،‬نحو‪ :‬بعض األبيض‬ ‫موجبة وك ّل ٍية‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جزئية‬ ‫من‬
‫معدن‪ ،‬وال يش َء من الذهب بأبيض‪ :‬بعض املعدن ليس ذه ًبا‪.‬‬

‫وأشار اخلواجة إىل أنّه ال يمكن الربهان عليه بالقلب‪ ،‬بل بعكس الصغرى‬
‫ليكون الثالث من الشكل الثاين‪ ،‬أو الكربى ليكون الرضب السادس من‬
‫أيضا‪:‬‬
‫الشكل الثالث‪ ،‬ويمكن باالفرتاض ً‬
‫)‌‪1‬عكس الصغرى ليكون الثالث من الشكل الثاين‪ :‬بعض املعدن‬
‫أبيض‪ ،‬وال يش َء من الذهب بأبيض‪ :‬بعض املعدن ليس بذهب‪.‬‬
‫)‌‪2‬عكس الكربى لينتج السادس من الرضب الثالث‪ :‬بعض األبيض‬
‫معدن‪ ،‬وال يش َء من األبيض بذهب‪ :‬بعض املعدن ليس بذهب‪.‬‬

‫أ ّما االفرتاض فقد تم بيناه‪ ،‬واستغنينا عنه جتن ًبا لإلطالة‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫‪1‌.‬تتعدّ د الزاوية التي نظر منها اخلواجة إىل رسم املنطق‪ ،‬فام ساقه ابن سينا‬
‫من تعريف بأنّه (آل ٌة قانوني ٌة تعصم الذهن من الوقوع يف اخلطأ)‪ ،‬إنّام‬
‫هو رسم بالغاية منه‪ ،‬أ ّما رسم املنطق وفق ذاته فهو االنتقال من معلو ٍم‬
‫بالتصور الذي يساعد عىل فهم‬
‫ّ‬ ‫إىل جمهول‪ ،‬مستعينًا عىل رسم املنطق‬
‫التصورات‪ ،‬وعىل التصديق الذي حي ّقق به هذا االنتقال‪،‬‬‫ّ‬ ‫املعاين ألنواع‬
‫أن املنطق إنّام هو صناعة له ال علم‪.‬‬‫عىل ّ‬
‫‪ 2‌.‬العالقة بني اللفظ واملعنى من جهة‪ ،‬والداللة من جهة أخرى‪ ،‬فالعالقة بني‬
‫بأهّنا غري طبيعية‪ّ ،‬‬
‫وأن العالقة الطبيعية‬ ‫عرّب عنها ّ‬
‫اللفظ واملعنى عالقة ّ‬
‫وأن الوسيلة التي ّاخّتذها املنطقي للتعبري‬
‫هي العالقة بني املعنى والعني‪ّ ،‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪317‬‬

‫وأن موضوع الداللة من أبعد املوضوعات عن‬ ‫عن املعاين هي اللفظ‪ّ ،‬‬
‫ألن حقيقة املنطق هي االنتقال من املعلوم إىل املجهول‪ّ ،‬‬
‫وأن ما‬ ‫املنطق؛ ّ‬
‫يعني عىل الداللة الوضعية املطابقية هو مفهوم اإلرادة والقصد الذي‬
‫وضعه الواضع من أجله‪ ،‬وما يقصده وما يريده‪.‬‬
‫‪3‌.‬اللفظ عنده إ ّما مفرد وإ ّما مركّب وإ ّما مؤ ّلف‪.‬‬
‫احلجة‪،‬‬
‫‪4‌.‬مل يبحث اخلواجة النسب األربعة يف مبحث القول الشارح‪ ،‬وإنّام بحثها يف ّ‬
‫وحتديدً ا يف العالقة بني احلدّ ين يف تركيب القضية الواحدة‪.‬‬
‫‪5‌.‬اتفق اخلواجة مع املناطقة يف صياغة األشكال القياسية ورضوهبا ورشوطها‬
‫اخلاصة‪ ،‬لكنّه انفرد مع غريه يف بيان الشكل الرابع‪ ،‬واختلف عنهم يف‬ ‫ّ‬
‫اخلاصة به باإلضافة إىل الرشوط العا ّمة‪ ،‬ثم اكتفى بالقول ّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬ ‫الرشوط‬
‫هذا الرشط ممكن االختالف فيه‪ ،‬لكن املهم هو عدم االستغناء عنه يف‬
‫ِ‬
‫يكتف بإرجاعه إىل‬ ‫ألن بعض اإلنتاجية ال تتم ّإاّل به‪ْ ،‬‬
‫وإن مل‬ ‫اإلنتاج؛ ّ‬
‫األول كام عليه املناطقة وأرجعه إىل رضوب من الشكلني اآلخرين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األول لكان أسلم منطق ًيا؛ بمعنى أنّه ر ّد‬ ‫ولكنّه لو اقترص بالر ّد إىل ّ‬
‫النظري وهي األشكال الثالثة إىل البدهيي‪ ،‬وهو الشكل األول‪ ،‬وأرشنا‬
‫إىل ّ‬
‫أن ذلك إنّام يعدّ من اتساع رقعة الربهان عنده‪.‬‬
‫‪ | 318‬تاریخ علم املنطق‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن سينا‪ :‬أبو عيل بن احلسني‪ ،‬النجاة‪ ،‬حتقيق‪ ،‬حممد تقي دانش‪ ،‬دانشكاه طهران‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.1379 ،‬‬
‫‪2.‬ابــن ســينا‪ ،‬أبــو عــي احلســن‪ ،‬اإلشــارات والتنبيهــات‪ ،‬نــر البالغــة‪ ،‬قــم – إيــران ‪ ،‬الطبعــة‬
‫األوىل‪133 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪3.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬حتقيق‪ :‬كريم فييض‪ ،‬مطبوعات ديني‪ ،‬قم – إيران‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪134 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ 4.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬موسوعة الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬القياس‪ ،‬ج‪ ،8‬حتقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬منشورات ذوي‬
‫القربى‪ ،‬قم – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء‪ ،‬املنطق‪ ،‬املدخل‪ ،‬حتقيق‪ :‬األب قنوايت وآخرين‪ ،‬ج ‪ 7‬منشورات ذوي‬
‫القربى‪ ،‬قم – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1434 ،‬‬
‫‪ 6.‬أرسطو‪ ،‬كتاب القياس‪ ،‬النص الكامل ملنطق أرسطو‪ ،‬ج‪ ،1‬حتقيق‪ :‬فريد جرب‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪7.‬األرموي‪ ،‬رساج الدين أبو الثناء حممود ابن أيب بكر‪ ،‬مطالع األنوار ورشحه لوامع األرسار‬
‫للقطب الرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو القاسم الرمحاين‪ ،‬مؤسسة بزوهيش وفلسفة إيران‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪8.‬اآلمدي‪ ،‬سيف الدين‪ ،‬أبو احلسن عيل بن أيب عيل‪ ،‬دقائق احلقائق‪ ،‬حتقيق‪ :‬فاضل عيل املوسوي‪،‬‬
‫نارشون‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ‪.‬‬
‫‪9.‬جرب‪ ،‬فريد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬موسوعة مصطلحات علم املنطق عند العرب‪ ،‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‬
‫‪ ،‬الطبعة األوىل‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪ِ 10.‬‬
‫احل ّيّل‪ ،‬مجال الدين‪ ،‬حسن بن يوسف‪ ،‬اجلوهر النضيد يف رشح التجريد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمسن بيدار‬
‫فر‪ ،‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم ‪ -‬إيران ‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1426 ،‬‬
‫ ‪11.‬اخلبييص‪ ،‬فخر الدين عبيد اهلل بن فضل اهلل‪ ،‬التذهيب عىل هتذيب املنطق للتفتازاين‪ ،‬املجموعة‬
‫املنطقية‪ ،‬قراءة وضبط‪ :‬خالد خليل الزاهدي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪2022 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬خندان‪ ،‬عيل أصغر‪ ،‬املنطق التطبيقي‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد حسن الواسطي وآخر‪ ،‬مركز احلضارة‬
‫لتنمية الفكر اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2017 ،‬‬
‫املنجز املنطقي للخواجة نصري الدين الطويس | ‪319‬‬

‫ ‪13.‬اخلونجي‪ ،‬أفضل الدين‪ ،‬كشف األرسار عن غوامض األفكار‪ ،‬حتقيق‪ :‬خالد الروهيب‪،‬‬
‫مؤسسة بزوهيش وفلسفة إيران‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األوىل‪.1389 ،‬‬
‫ ‪14.‬الرازي‪ ،‬لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل أصغر اجلعفري‪ :‬مؤسسة‬
‫انتشارات دانشكاه‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1396 ،‬شـ‪.‬‬
‫ ‪ 15.‬الرازي‪ ،‬حممد بن حممد القطب‪ ،‬حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حمسن بيدافر‪ ،‬انتشارات بيداء‪ ،‬إيران قم‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1426 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪16.‬الساوي‪ ،‬زين الدين عمرو بن سهالن‪ ،‬النصائر البصريية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن مراغي‪ ،‬شمس‬
‫تربيزي‪ ،‬طهران – إيران‪ ،‬الطبعة األوىل‪1383 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪17.‬الطويس‪ ،‬نصري الدين‪ ،‬أساس االقتباس ترمجة‪ :‬منال خرسو‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن الشافعي وآخر‪،‬‬
‫املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬مرص‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬وبدون تاريخ‪.‬‬
‫ ‪18.‬الفارايب‪ ،‬أبو نرص‪ ،‬حممد بن حممد بن طرخان‪ ،‬األلفاظ املستعملة يف املنطق‪ ،‬حتقيق‪ ،‬حمسن‬
‫مهدي‪ ،‬دار املرشق‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬الفخر الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل ‪ ،‬حممد بن عمر بن احلسني‪ ،‬املنطق الكبري‪ ،‬حتقيق‪ُ :‬طور غود آق‬
‫يوز‪ ،‬دار فارس‪ ،‬الرياض – السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪2022 ،‬م‪.‬‬
‫–‬ ‫ ‪20.‬ـــــــــــــــــ‪ ،‬الرسالة الكاملية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل حمي الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬
‫لبنان‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ‪.‬‬
‫ ‪21.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬لبــاب اإلشــارات والتنبيهــات‪ ،‬حتقيــق‪ :‬أمحــد حجــازي الســقا‪ ،‬نفرتيتي‪،‬‬
‫مــر‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬ماكوفلسكي‪ ،‬ألكسندر‪ ،‬تاريخ علم املنطق‪ ،‬ترمجة‪ :‬نديم عالء الدين‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت –‬

‫لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1987 ،‬م‪.‬‬


‫ ‪23.‬املظفر‪ ،‬حممد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬حتقيق‪ :‬غالم رضا فيايض‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم – إيران‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪.1424 ،‬‬
‫ ‪24.‬املغنيساوي‪ ،‬حممود بن احلافظ احلنفي‪ ،‬مغني الطالب يف رشح متن اإليساغوجي لألهبري‪،‬‬
‫املكتبة اهلاشمية‪ ،‬إسطنبول ـ تركيا‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2013 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الحلي يف تاريخ علم املنطق‬
‫موقع العاّلمة ِ‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬حممد غفوري نجاد‬
‫‪3‬‬
‫د‪ .‬أحد فرامرز قراملكي‬

‫ُملخّص البحث‬
‫احل ّيّل مكان ًة مرموق ًة يف تاريخ علم املنطق‪ ،‬بوصفه من املناطقة‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫أن اشتهاره‬ ‫البارزين يف هناية القرن السابع وبداية القرن الثامن للهجرة‪ .‬بيد ّ‬
‫يف سائر العلوم األخرى ــ وال س ّيام يف العلوم الدينية منها ــ قد طغى عىل‬
‫ِ‬ ‫مكانته يف علم املنطق‪ .‬لقد بلغت األعامل املنطقية ّ‬
‫للعاّلمة احل ّيّل (عرشين ً‬
‫أثرا)‬
‫بعضها رسائل مقتضبة‪ ،‬وبعضها يشتمل عىل العلوم الثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬املنطق‬
‫والطبيعيات واإلهليات‪ ،‬وبعضها يندرج ضمن خانة الرشح والتلخيص أو‬
‫احل ّيّل كثرية‪.‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫إن اإلبداعات والبحوث املنطقية ّ‬ ‫نقد آثار اآلخرين‪ّ .‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل ـ بوصفه متك ّل ًاًم ـ‬ ‫إن ّ‬
‫ويمكن بيان هذه الكثرة عىل النحو اآليت‪ّ :‬‬
‫حيمل هاجس األفكار الدينية‪ ،‬كان يرى يف تنكّر بعض الشخصيات من أمثال‬
‫احلراين لعلم املنطق بداي ًة للتفكري السطحي وتسلل األفكار السخيفة‬ ‫ابن تيمية ّ‬
‫واخلرافية يف دائرة التفكري الديني‪ ،‬ومن هنا فقد عمد إىل توسيع املنطق بوصفه‬
‫إعصارا هيدّ د التفكري الديني‪.‬‬
‫ً‬ ‫سدًّ ا مني ًعا حيول دون السطحية التي تشكل‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل ـ يف حقل املنطق القائم عىل قسمني‬ ‫إن أغلب اآلثار املنطقية ّ‬‫ّ‬
‫التأيّس فيها بمنطق اإلشارات والتنبيهات‬‫تم ّ‬‫تم تأليفها يف قسمني‪ ،‬وقد ّ‬‫ـ قد ّ‬
‫للشيخ الرئيس أيب عيل ابن سينا‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريب‪ :‬حسن عيل مطر‬
‫‪ .2‬أستاذ مساعد ومدير حقل تاريخ التشيّع يف جامعة األديان واملذاهب‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪ .3‬أستاذ حقل الفلسفة والكالم اإلسالمي يف جامعة طهران‪.‬‬
‫‪ | 322‬تاریخ علم املنطق‬

‫املقدمة‬
‫املطهر احليل‪ ،‬فقي ٌه‪ ،‬وأصو ٌّيل‪،‬‬
‫أبو منصور احلسن بن يوسف بن عيل بن ّ‬
‫ومفرّس‬
‫ٌّ‬ ‫وشاعر‪،1‬‬
‫ٌ‬ ‫وأديب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ومنطقي‪ ،‬ورجا ٌّيل‪ ،‬وحمدِّ ٌ‬
‫ث‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫وفيلسوف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ومتك ّل ٌم‪،‬‬
‫(العاّلمة)‪ .‬وهو من املناطقة األفذاذ‬ ‫ّ‬ ‫شيعي كبري؛ ومن هنا فقد استحق لقب‬ ‫ٌّ‬
‫النادرين إذ حيتل مكان ًة رفيع ًة يف تاريخ علم املنطق يف احلضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫أن سطوع نجمه الباهر يف علوم من قبيل‪ :‬الفقه واألصول والكالم‬ ‫بيد ّ‬
‫وغري ذلك من العلوم األخرى‪ ،‬قد حجب موقعه ومكانته املنطقية‪ ،‬ووضع‬
‫املتأخرين فلم يالحظوا آثاره املنطقية‪ .‬وعىل الرغم من‬ ‫ّ‬ ‫غشاو ًة عىل أعني‬
‫مهاًم يف علم املنطق‪ ،‬فإنّه مل ُيعرف بوصفه عا ًملا منطق ًيا كام‬
‫أثرا ً‬‫تأليفه لعرشين ً‬
‫يستحق وينبغي‪.‬‬

‫أن حيتاج إىل تعريف‪ .‬وقد شهدت السنوات‬ ‫العاّلمة ِ‬


‫احل ّيّل أشهر من ْ‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫اخلاصة برشح سريته الذاتية‪.2‬‬ ‫ّ‬ ‫كثري من املصادر والتحقيقات‬ ‫األخرية كتابة ٍ‬
‫وعليه سوف نغض الطرف عن بيان سريته الذاتية‪ ،‬وبعد التعريف اإلمجايل‬
‫بآثاره وأعامله يف علم املنطق‪ ،‬سوف تكون لنا جول ٌة عىل أساليبه يف تدوين‬
‫املنطق‪ .‬ثم ننتقل بعد ذلك إىل التحليل التارخيي واملعريف الهتامم ّ‬
‫العاّلمة‬
‫وإن جول ًة عىل اآلراء املنطقية اخلاصة بالعالمة ِ‬
‫احل ّيّل مت ّثل ُبعدً ا‬ ‫بعلم املنطق‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫آخر من أقسام هذه املقالة‪.‬‬

‫‪ .1‬األفندي اإلصفهاين‪ ،‬املريزا عبد الله‪ ،‬رياض العلامء وحياض الفضالء‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،359‬مكتبة‬
‫آية الله املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬حسون تربيزيان‪ ،‬فارس‪ ،‬مقدمة القواعد الجلية (يف‪ :‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬
‫الح ّيّل)‪ ،‬ص ‪ 11‬ـ ‪ ،53‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ؛ اشميتكه‪ ،‬زابينه‪،‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫للعاّلمة الح ّيّل)‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬أحمد‬
‫ّ‬ ‫انديشه‌هاي كالمي عالمه حيل (اآلراء الكالمية‬
‫منايئ‪ ،‬الفصل األول فام بعد‪ ،‬بنياد پژوهش‌هاي آستان قدس رضوي‪ ،‬مشهد‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪323‬‬ ‫موقع ّ‬

‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‬ ‫‪ 1‬ـ اآلثار املنطق ّية ّ‬
‫ِ‬ ‫إن اآلثار الفلسفية ‪ /‬املنطقية ّ‬ ‫ّ‬
‫للعاّلمة احل ّيّل ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬وفيام ييل نشري إىل‬
‫آثاره يف هذا الشأن‪:‬‬
‫احل ّيّل‪ ،‬رســائل قصرية نسب ًيا هتدف إىل تعليم علم‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫إن من بني آثار ّ‬‫‪ّ 1‌.‬‬
‫املنطق‪ ،‬مــن قبيل‪( :‬هنج العرفان يف علم امليــزان)‪ ،‬و(النور املرشق يف‬
‫علم املنطق)‪.‬‬
‫احل ّيّل ــ تب ًعا لكتاب النجاة واإلشارات البن سينا‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫إن من بني آثار ّ‬‫‪ّ 2‌.‬‬
‫ــ ما هو جامع لثالثة علوم‪ ،‬وهي‪ :‬املنطق والطبيعيات واإلهليات‪ّ .‬‬
‫وإن‬
‫كتــاب (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيــق)‪ ،‬و(القواعد واملراصد)‪،‬‬
‫و(األرسار اخلفيــة يف العلوم العقلية)‪ ،‬و(تنقيــح األبحاث يف العلوم‬
‫الثالث)‪ ،‬من مصاديق هذه اآلثار اجلامعة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رســالة يف إطار البحث‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل إىل تأليف‬ ‫‪3‌.‬ويف بعــض املوارد يعمد ّ‬
‫كبري أو مع حكامء الســلف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فيلســوف ٍ‬ ‫واحلــوار النقدي مع حكي ٍم أو‬
‫فهو يف كتــاب (خالصة األقوال يف علم الرجــال)‪ ،‬عند احلديث عن‬
‫رســالة بعنوان (إيضاح التلبيس من كالم الرئيس)‪ ،‬يقول‪« :‬باحثنا فيه‬
‫الشيخ ابن سينا»‪ .1‬وكذلك يف ذلك املوضع‪ ،‬وعند احلديث عن رسالة‬
‫يتم مع‬
‫املقامــات احلكمية‪ ،‬يقول‪« :‬باحثنا فيه احلكامء الســابقني‪ ،‬وهو ّ‬
‫متام عمرنا»‪.2‬‬
‫نص‬
‫مهم يف تنقيح وهتذيب وتبسيط ٍّ‬ ‫إن ّ‬
‫للعاّلمة يف التلخيص الذي هو ف ٌّن ٌّ‬ ‫‪ّ 4‌.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل إىل تلخيص‬ ‫فلسفي مع احلفاظ عىل دقته وكامله‪ .‬فقد عمد ّ‬
‫ّ‬

‫‪ِ .1‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬خالصة األقوال يف معرفة الرجال‪ ،‬ص ‪ ،24‬الطبعة‬
‫الحجرية‪ ،‬طهران‪ 1312 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ | 324‬تاریخ علم املنطق‬

‫كتاب الشفاء البن سينا‪ ،‬الذي هو بمنزلة املوسوعة الفلسفية‪.‬‬


‫ــي‪ ،‬هي رشوح عىل كتب‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّ‬ ‫إن أكثر اآلثار املنطقية والفلســفية ّ‬
‫‪ّ 5‌.‬‬
‫رشوح عىل كتاب اإلشارات البن سينا‬ ‫ٍ‬ ‫السلف؛ فقد كتب ّ‬
‫العاّلمة ثالثة‬
‫الــذي يم ّثل باكور ًة لكتابة املنطق اجلديد القائم عىل قســمني‪ ،‬وعالو ًة‬
‫عىل ذلك فقد حكــم بني املخالفني الناقدين لكتاب اإلشــارات وبني‬
‫رشاح اإلشارات)‬ ‫وإن (كتاب املحاكامت بني ّ‬‫أنصاره واملدافعني عنه‪ّ .‬‬
‫نموذجا للدراســة املقارنة‬‫ً‬ ‫الــذي وصل إلينا منه قســم املنطــق‪ ،‬يم ّثل‬
‫ِ‬ ‫والبحــث املنطقي والثابت والصلب‪ .‬وقــد كتب ّ‬
‫رشحا‬ ‫العاّلمة احل ّيّل ً‬
‫(امللخص) لفخر الديــن الرازي‪ ،‬و(حكمة اإلرشاق) لشــهاب‬ ‫ّ‬ ‫عــى‬
‫الدين الســهروردي‪ ،‬وكذلك (التلوحيات) لشيخ اإلرشاق‪ ،‬و(كشف‬
‫األرسار) ألفضــل الديــن حممد بــن نــام آور اخلونجي‪ ،‬و(الرســالة‬
‫تم‬‫الشمسية)‪ ،‬وكذلك (عني القواعد) لدبريان الكاتبي القزويني‪ .‬وقد ّ‬
‫انتخاب متن مجيع هذه الرشوح من بني اآلثار بأســلوب تدوين املنطق‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل نظر ًة جتاه املنطق املشتمل‬ ‫املشتمل عىل قســمني‪ .‬كام كان ّ‬
‫أيضا‪ ،‬وعالو ًة عىل تلخيص منطق الشــفاء‪ ،‬كتب‬ ‫عىل تســعة أقســام ً‬
‫رشحا عــى (جتريد املنطق) للخواجة نصري الديــن الطويس يف املنطق‬ ‫ً‬
‫املشــتمل عىل تسعة أقسام‪ .‬ويف سياق هذه املقالة سوف يكون لنا مزيدٌ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪.‬‬ ‫من البحث حول أساليب وأنامط تدوين املنطق عند ّ‬
‫ٍ‬
‫جامعة نسب ًيا‬ ‫ٍ‬
‫تقريرات‬ ‫ّ‬
‫احلظ فقد شهدت األعوام األخرية كتابة‬ ‫وحلسن‬
‫احل ّيّل باإلضافة إىل التعريف باملخطوطات واألماكن‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫حول آثار ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل) للمرحوم‬ ‫املحفوظة فيها‪ ،‬ومن بينها جتب اإلشارة إىل (مكتبة ّ‬
‫أثرا‬‫تم التعريف فيها بمئة وعرشين ً‬ ‫السيد عبد العزيز الطباطبائي‪ ،‬التي ّ‬
‫املتنوعة حتى القرن العارش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للعاّلمة والنسخ املوجودة عنها يف املكاتب‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪325‬‬ ‫موقع ّ‬

‫حسون تربيزيان‬ ‫للهجرة‪ .‬ويف مقدّ مة (حتقيق القواعد اجلل ّية) قدّ م فارس ّ‬
‫ٍ‬
‫معلومات يف هذا الشأن‪ ،‬مستفيدً ا االستفادة الكثرية من أثر السيد عبد العزيز‬
‫الطباطبائي‪ .‬كام عملت زابينه اشميتكه يف ملحق الفصل الثاين من كتاهبا ـ‬
‫الذي كتبته قبل صدور كتاب السيد عبد العزيز الطباطبائي ـ عىل التعريف‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬وهي‬ ‫أثرا من آثار ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بالنسخ من خالل تتبعها ملئة وستة وعرشين ً‬
‫تفوقها عىل جمهود السيد عبد العزيز الطباطبائي يف االستفادة من‬ ‫متتاز يف ّ‬
‫املكتبات والفهارس الغربية بشكل أكرب‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف كتابة املنطق‬ ‫‪ 2‬ـ أسلوب ّ‬
‫كان العلامء املسلمون يف البداية يعملون عىل تعليم األبحاث املنطقية يف‬
‫إن هذه‬‫نظا ٍم مؤ َّلف من تسعة أقسا ٍم بتأثري من كتاب األرغانون ألرسطو‪ّ .1‬‬
‫األقسام التسعة عبارة‪ :‬القاطيغورياس أو املقوالت‪ ،‬والباري أرميناس أو‬
‫العبارات‪ ،‬واألنالوطيقا األوىل أو التحليالت األوىل‪ ،‬واألنالوطيقا الثانية أو‬
‫التحليالت الثانية (الربهان)‪ ،‬والطوبيقا أو اجلدل‪ ،‬والسوفسطيقا أو املغالطة‪،‬‬
‫واأليطوريقا أو اخلطابة‪ ،‬والبوطيقا أو الشعر‪ ،‬ويف هناية املطاف األيساغوجي‬
‫للمرة األوىل يف كتاب اإلشارات إىل كرس هذه‬‫(املدخل)‪ .‬وقد عمد ابن سينا ّ‬
‫وأسس للمنطق القائم‬ ‫النمطية يف تدوين املنطق القائم عىل تسعة أقسام‪ّ ،‬‬
‫يتم عرض مباحث املنطق ضمن قسمني‪،‬‬ ‫عىل قسمني‪ .‬ويف هذا اإلبداع ّ‬
‫واحلجة‪ .‬ومنذ ذلك احلني أخذ بعض املناطقة يسريون عىل‬ ‫ّ‬ ‫املعرف‬
‫ومها‪ّ :‬‬
‫أثره يف هذا التقسيم وبذلك تم التأسيس لتدوين املنطق القائم عىل هذين‬

‫‪ .1‬للوقوف عىل مسار تبلور املنطق املشتمل عىل تسعة أقسام يف اليونان‪ ،‬انظر‪ :‬فرامرز قرامليك‪،‬‬
‫أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة املسلمني)‪ ،‬ص ‪ 6‬ـ ‪،7‬‬
‫پژوهشگاه علوم انساين‪ ،‬طهران‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 326‬تاریخ علم املنطق‬

‫القسمني‪ .1‬وعمد بعضهم إىل الدمج بني هذين األسلوبني وأسس لتدوين‬
‫املنطق التلفيقي‪.2‬‬

‫احل ّيّل متيل إىل أسلوب التدوين املنطقي القائم‬ ‫للعاّلمة ِ‬


‫إن اآلثار املنطقية ّ‬
‫ّ‬
‫عىل قسمني‪ .‬فهو غال ًبا ما يتبع البنية املتبعة يف اإلشارات والتنبيهات البن‬
‫إن ابن سينا يورد البحث عن مبادئ‬ ‫أيضا‪ّ .‬‬ ‫سينا‪ّ .‬‬
‫وإن هلذا األمر استثنا ًء ً‬
‫كيّل يف ٍ‬
‫هنج مستقل‪،‬‬ ‫بنحو ّ‬‫ٍ‬ ‫القياس الربهاين واجلديل واخلطايب والشعري‬
‫إن أغلب أتباع أسلوب‬ ‫ويقدّ مها عىل مباحث القياس (النهج السادس)‪ّ .‬‬
‫اإلشارات مل يعملوا يف هذا املورد بأسلوب ابن سينا‪ ،‬وقد ذكروا البحث عن‬
‫مبادئ القياس من حيث ارتباطه بأنواع املعرفة ومراتبها بعد مباحث القياس‪،‬‬
‫وأدرجوه يف الغالب ضمن الصناعات اخلمس بوصفها ملح ًقا للمنطق‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫متمس ٌك بأسلوب ابن سينا يف اإلشارات‪،‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف (مراصد التدقيق)‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫بيد أنّه يف (األرسار اخلفية) سار عىل املنهج السائد بني املؤ ِّلفني للمنطق القائم‬
‫عىل قسمني يف القرنني السادس والسابع للهجرة‪.‬‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل بعلم املنطق‬ ‫اخلاص ّ‬ ‫‪ 3‬ـ االهتامم‬
‫ّ‬
‫احل ّيّل يف حقل املنطق‪ ،‬يثبت آراءه‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫إن التحليل املضموين آلثار ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلبداعية واجلديدة وكذلك املواقف االنتقادية للسلف؛ من ذلك ـ عىل سبيل‬
‫املثال ـ أنّه خال ًفا جلميع املناطقة من السلف واخللف‪ ،‬قد أضاف مخسة أقسام‬
‫إىل تقسيامت القضية بحسب املوضوع‪ .‬ويف البحث عن (التسويغ)‪ ،‬قدّ م ـ تب ًعا‬
‫للشيخ الطويس ـ نظري ًة بنيوي ًة صلب ًة قائمة عىل عدّ البدهيي مساو ًقا لألويل‪.‬‬

‫‪ .1‬فرامرز قرامليك‪ ،‬أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة‬
‫املسلمني)‪ ،‬ص ‪ 38‬ـ ‪ 1378 ،50‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪ 1378 ،15‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪327‬‬ ‫موقع ّ‬

‫إن وفرة‬ ‫العاّلمة ِ‬


‫احل ّيّل يف املنطق متش ّعب ٌة وكثرية الفروع والثمر‪ّ .‬‬ ‫إن أبحاث ّ‬ ‫ّ‬
‫احل ّيّل يف علم املنطق حيتاج إىل تفسري وتعليل؛ إذ يقال‪ :‬إنّه‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ونشاط ّ‬
‫باإلضافة إىل علوم من قبيل‪ :‬الفقه والكالم والدراية واألصول وما إىل ذلك‬
‫من العلوم األخرى‪ ،‬ما الذي يدعوه كذلك إىل االهتامم بعلم املنطق‪ ،‬حتى أنه‬
‫طوياًل يف العمل عىل توسيعه وتنميته؟‬ ‫ً‬ ‫يبذل وقتًا‬

‫ينبغي احلصول عىل اجلواب عن هذا السؤال من خالل املقارنة بني‬


‫األوضاع التارخيية لعلم املنطق وعلم الكالم يف مرحلة اشتغال ّ‬
‫العاّلمة‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف إنتاج‬ ‫احل ّيّل بطلب العلم والدراسة‪ ،‬ويف مرحلة انطالق ّ‬ ‫ِ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل للعلم كان يف النصف الثاين من القرن‬ ‫إن تاريخ حتصيل ّ‬‫العلم‪ّ .‬‬
‫وإن هذا القرن كان يم ّثل مرحلة ازدهار وانتشار دراسة‬ ‫اهلجري السابع‪ّ .‬‬
‫رشحا عىل كتاب (الشفاء)‬ ‫املنطق وتدوينه‪ .‬وبعد ابن سينا أصبح علم املنطق ً‬
‫وتفصياًل لكتاب (اإلشارات)‪ .‬فبعد مرحلة ابن سينا عمل كبار‬‫ً‬ ‫رشحا‬
‫ً‬ ‫أو‬
‫العلامء ابتدا ًء من القرن الرابع إىل القرن السادس للهجرة عىل إعداد األرضية‬
‫لتطوير املنطق وازدهاره‪ .‬وقد أسهم يف هذه اجلهود علامء الفريقني من الشيعة‬
‫أيضا‪ ،‬من أمثال‪ :‬هبمنيار بن املرزبان‪ ،‬وأبو حممد بن حزم‪ ،‬وابن‬
‫السنّة ً‬
‫وأهل ُ‬
‫رضوان املرصي‪ ،‬وأبو حامد الغزايل‪ ،‬وابن ملكان البغدادي‪ ،‬وابن سهالن‬
‫الساوي‪ ،‬وجمد الدين اجلييل وهو الذي تتلمذ عىل يديه فخر الدين الرازي‬
‫وشيخ اإلرشاق السهروردي يف علم املنطق‪.‬‬

‫لقد كان أغلب املناطقة يف القرن السابع من املؤ ّثرين واملشاهري ومن زاخري‬
‫النشاط يف علم املنطق‪ ،‬من أمثال‪ :‬ابن رشد األندليس‪ ،‬وفخر الدين الرازي‪،‬‬
‫وشيخ اإلرشاق السهروردي‪ ،‬وأثري الدين األهبري‪ ،‬ونصري الدين الطويس‪،‬‬
‫ونجم الدين دبريان الكاتبي القزويني‪ ،‬وربام أمكن عدّ الكاتبي من أوفر‬
‫‪ | 328‬تاریخ علم املنطق‬

‫منهجا دراس ًيا يف‬


‫ً‬ ‫املناطقة نشا ًطا يف حقل املنطق‪ .‬وكانت (الرسالة الشمسية)‬
‫ٍ‬
‫طويلة من الزمن‪ .‬وكان رساج الدين األرموي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قرون‬ ‫علم املنطق عىل مدى‬
‫وابن كمونة‪ ،‬وشمس الدين حممد الكييش‪ ،‬وشمس الدين حممد السمرقندي‬
‫أيضا‪.‬‬
‫بدورهم من املناطقة البارزين يف احلضارة اإلسالمية يف هذا القرن ً‬

‫زاخرا بالفتن‬ ‫ناحية أخرى كان القرن السابع للهجرة ُيعدّ قرنًا‬ ‫ٍ‬ ‫ومن‬
‫ً‬
‫يف تاريخ إيران‪ .‬فقد هجم املغول عىل البالد وثقافتها‪ ،‬وشهدت احلضارة‬
‫اإلسالمية هجمة املغول املد ّمرة للحضارة‪ .‬وكان يمكن الهنيار هذه الثقافة‬
‫أن يشكل بداي ًة مد ّمر ًة للعامل اإلسالمي وال‬ ‫واالستيالء الثقايف للمغول ْ‬
‫س ّيام يف حقل الثقافة والتفكري اإلسالمي‪ .‬وبعد االستيالء املغويل املحبط‪،‬‬
‫أن الغزايل يف‬ ‫بدأ العزف التدرجيي عىل أنغام حماربة املنطق‪ .‬وعىل الرغم من ّ‬
‫القرن اخلامس للهجرة قد كتب (هتافت الفالسفة) يف نقد الفلسفة وتكفري‬
‫شخص مثل عبد الكريم الشهرستاين بتأليف‬ ‫ٌ‬ ‫الفالسفة‪ ،‬وكذلك قام‬
‫أن املنطق شهد يف هذه املرحلة منزل ًة ومكان ًة‬ ‫كتاب مصارعة الفالسفة‪ ،‬بيد ّ‬
‫كثريا من األعامل يف املنطق‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫مهمة‪ ،‬وقد كتب أبو حامد الغزايل نفسه ً‬ ‫ّ‬
‫(حمك النظر)‪ ،‬و(معيار العلم)‪ ،‬و(القسطاس املستقيم)‪ ،‬و(منطق مقاصد‬
‫الفالسفة)‪ ،‬و(منطق املستصفى من علم األصول)‪ .‬ويف النصف الثاين من‬
‫القرن السابع والعقود األوىل من القرن الثامن للهجرة‪ ،‬عمد تقي الدين أبو‬
‫احل ّيّل ـ إىل تأليف كتاب الر ّد عىل‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫العباس أمحد بن تيمية ـ املعارص ّ‬
‫املنطقيني‪ ،‬ويف جمموع الفتاوى قام بمجاهبة املباين املنطقية‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يرى يف التنكّر للمنطق بداي ًة للنظرة السطحية وظهور‬ ‫لقد كان ّ‬
‫الفجة واخلرافية يف دائرة التفكري الديني‪ ،‬ومن هنا فقد عمد إىل االهتامم‬
‫األفكار ّ‬
‫بتوسيع علم املنطق بوصفه سدًّ ا مني ًعا حيول دون طوفان السطحية يف التفكري‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪329‬‬ ‫موقع ّ‬

‫كثري من اآلثار املنطقية‪ ،‬عمد إىل تربية بعض‬ ‫الديني‪ .‬وباإلضافة إىل تأليف ٍ‬
‫رس‬ ‫أيضا‪ .‬وجيب البحث عن ّ‬ ‫املنطقيني الكبار من أمثال قطب الدين الرازي ً‬
‫أخذ االجتاه املبنائي الصلب يف نظرية التسويغ‪ ،‬يف هذا االجتاه الكالمي ّ‬
‫للعاّلمة‬
‫ٍ‬
‫شاخص‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬ ‫احل ّيّل‪ .‬فهو يف احلفاظ عىل استقامة وعمق التفكري الديني كان‬‫ِ‬
‫إن العقالنية حتافظ ـ من وجهة نظر ّ‬
‫العاّلمة‬ ‫ٍ‬
‫ومعيار يم ّيز به بني الغث والسمني‪ّ .‬‬
‫احل ّيّل ـ عىل أصالة التفكري الديني‪ ،‬ومن خالل املنطق القائم عىل نظرية املبنائية‬ ‫ِ‬
‫أن اإليامن بأحقية األفكار‬ ‫الصلبة يصبح إثبات األفكار الكالمية صع ًبا‪ ،‬بيد ّ‬
‫العاّلمة احليل عىل وضع موقفه الكالمي واملدارس‬ ‫الدينية األصيلة قد محل ّ‬
‫معيارا مضمونًا ومعتمدً ا يف الر ّد‬
‫ً‬ ‫إن هذه الرؤية مت ّثل‬
‫املنافسة عىل ميزان املنطق‪ّ .‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عىل األفكار اللقيطة‪ ،‬وكذلك األفكار السطحية ً‬

‫احل ّيّل نظرية املبنائية الصلبة من الشيخ نصري الدين‬‫العاّلمة ِ‬


‫وقد أخذ ّ‬
‫أيضا‪ .‬لقد كان‬
‫الطويس يف (رشح اإلشارات)‪ ،‬وكذلك من (جتريد املنطق) ً‬
‫أرسطو هو أول من ذكر املبنائية يف نظرية التسويغ يف كتاب (التحليل الثاين‬
‫الشك السفسطائي‪ .‬ويف ضوء رؤية أرسطو‬ ‫ّ‬ ‫أو الربهان) يف إطار مواجهة‬
‫يمكن أخذ العلم النظري مع مسار القياس من العلم البدهيي‪ ،‬وكان البدهيي‬
‫واألوليات‪ .‬وقد عمد‬
‫ّ‬ ‫من وجهة نظره ينحرص بنوعني‪ ،‬ومها‪ :‬املحسوسات‬
‫العلامء املسلمون إىل توسيع املبنائية األرسطية ٍ‬
‫بنحو معدّ ل‪ ،‬ورفعوا البدهييات‬
‫أعم من األويل‪.‬‬
‫إىل ستة أقسام‪ ،‬وعىل هذا األساس يكون البدهيي ّ‬
‫يستدل الشيخ نصري الدين الطويس عىل تساوق األويل والبدهيي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كام‬
‫ويقول يف مبادئ الربهان‪« :‬ومبادئه ستة‪ :‬األوليات‪ ،‬واملحسوسات‪،‬‬
‫واملجربات‪ ،‬واملتواترات‪ ،‬واحلدس ّيات‪ ،‬والقضايا الفطرية القياس)‪ .‬ثم‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬والعمدة هي‬
‫قال‪« :‬واألخريتان ليستا من املبادئ‪ ،‬بل واللتان قبلهام ً‬
‫‪ | 330‬تاریخ علم املنطق‬

‫األوليات»‪ّ .1‬‬
‫إن للشيخ نصري الطويس يف عدوله من املبنائية املعدلة للسلف‬
‫هاجسا يتم ّثل يف استحكام الفكر الديني وتعميقه‪ .2‬وقد‬
‫ً‬ ‫إىل املبنائية الصلبة‪،‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل هذه النقطة بوضوح وعمل عىل بسطها وتفصيلها‪.‬‬ ‫أدرك ّ‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‬ ‫‪ 4‬ـ اآلراء املنطقية ّ‬
‫أن تكون لنا يف هذا املقام جول ٌة قصري ٌة وإطالل ٌة إمجالي ٌة‬
‫يبدو من املناسب ْ‬
‫ِ‬ ‫اخلاصة ّ‬
‫تم بحث‬ ‫للعاّلمة احل ّيّل يف علم املنطق‪ .‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل اآلراء والنظريات‬
‫ٍ‬
‫عنوانات من‬ ‫احل ّيّل يف هذا الشأن عىل أساس أربعة‬ ‫اآلراء املنطقية للعالّمة ِ‬
‫مؤ ّلفاته‪ ،‬وهي‪( :‬اجلوهر النضيد)‪ ،‬و(القواعد اجلل ّية)‪ ،‬و(األرسار اخلفية)‪،‬‬
‫رئيس إىل االختالف بني‬ ‫ٍ‬ ‫و(مراصد التدقيق)‪ .‬وقد نظرنا يف هذا التقرير ٍ‬
‫بنحو‬
‫العاّلمة يف هذا الشأن‪.‬‬ ‫الشيخ نصري الدين الطويس والفخر الرازي‪ ،‬وموقف ّ‬
‫ٍ‬
‫علمية عىل‬ ‫ٍ‬
‫أطروحة‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف إطار‬ ‫لقد ُبحثت اآلراء املنطقية ّ‬
‫مستوى املاجستري للباحث الفقيد حسني حممد خاين‪ .3‬وقد عمدنا يف تدوين‬
‫أيضا‪:‬‬
‫هذا القسم إىل االستفادة من تلك األطروحة ً‬
‫‪.‬أبساطة التصديق أو تركّبه‪ :‬وقع االختالف بني الشيخ نصري الدين الطويس‬
‫وبني الفخر الرازي يف بحث بساطة التصديق وتركّبه؛ فقد ذهب الفخر‬
‫بأن التصديق مركّب‪ ،4‬بينام ذهب الشيخ نصري الدين‬‫الرازي إىل القول ّ‬

‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 199‬ـ ‪ ،201‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪ 1363 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬فرامرز قرامليك‪ ،‬أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة‬
‫املسلمني)‪ ،‬ص ‪ 129‬ـ ‪ 1391 ،142‬هـ ش‪.‬‬
‫حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري)‪،‬‬ ‫‪ .3‬محمد خاين‪ ،‬حسني‪ ،‬آراي منطقي عالمه ّ‬
‫جامعة طهران‪ ،‬بتاريخ‪ :‬شهر شهريور (‪ 1381 ،)6‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .4‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ ،7‬جامعة اإلمام الصادق ‪ ،‬طهران‪ 1381 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪331‬‬ ‫موقع ّ‬

‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف هذا‬ ‫بأن التصديق بسيط‪ .1‬وقد ذهب ّ‬ ‫الطويس إىل القول ّ‬
‫الشأن إىل ترجيح رأي أستاذه‪ ،‬فقال ببساطة التصديق‪.2‬‬

‫احل ّيّل يف البحث عن موضوع املنطق يف‬ ‫العاّلمة ِ‬


‫‪.‬بموضوع املنطق‪ :‬ذهب ّ‬
‫بالتصور والتصديق بوصفهام موضو ًعا للمنطق‪،3‬‬ ‫ّ‬ ‫موضع إىل التعريف‬
‫بأهّنا نظري ٌة‬
‫ورصح ّ‬
‫استدل عىل رفض هذه النظرية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولكنّه يف موض ٍع آخر قد‬
‫خاطئة‪ .4‬كام أنّه يف موض ٍع آخر قام نو ًعا ما باجلمع بني هاتني النظريتني‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتخيّل‬ ‫‪.‬جترك الداللة االلتزامية يف التعريف‪ :‬يف البحث عن داللة االلتزام‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل ـ تب ًعا ألستاذه‬ ‫عنها ـ وهو ما يدّ عيه الفخر الرازي‪ 5‬ـ ذهب ّ‬
‫والتخيّل‪ ،‬وقال ّ‬
‫بأن داللة‬ ‫ّ‬ ‫يف رشح اإلشارات‪ 6‬ـ إىل رفض هذا الرتك‬
‫احلدود الناقصة والرسوم داللة التزامية‪ ،‬بيد أنّه يف اجلواب عن (ما هو)‬
‫ال يمكن االستفادة من ملزوم اليشء‪.7‬‬

‫إن من بني البحوث األخرى‬ ‫‪.‬دتقسيم اللفظ إىل املفرد واملركّب واملؤ ّلف‪ّ :‬‬
‫التي وقعت مور ًدا لالختالف‪ ،‬تقسيم اللفظ إىل املفرد واملركّب واملؤ ّلف‪.‬‬

‫املحصل‪ ،‬إعداد‪ :‬عبد الله نوراين‪ ،‬ص‬


‫ّ‬ ‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬تلخيص‬
‫‪ ،6‬جامعة طهران ومؤسسة مونرتيال للدراسات اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ 1359 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط ّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ ،11‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1379 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط ّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .3‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ ،190‬مؤسسـة النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط ّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقیق مرکز‬ ‫‪ّ .4‬‬
‫األبحاث والدراسـات اإلسـالمية‪ ،‬ص ‪ 10‬ـ ‪ ،11‬مکتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1379 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .5‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 20‬ـ ‪ ،21‬جامعة اإلمام الصادق ‪ ،‬طهران‪ 1381 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .6‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ ،30‬نرش البالغة‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املطهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .7‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،16‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 332‬تاریخ علم املنطق‬

‫طب ًقا لتقرير الشيخ نصري الدين الطويس يف رشح اإلشارات‪ ،‬فقد أشكل‬
‫بعضهم عىل تعريف أرسطو للمفرد‪ ،‬وعدّ وا ألفا ًظا من قبيل (عبد اهلل)‬
‫عرفوا املفرد بالقول‪( :‬املفرد هو الذي ال ّ‬
‫يدل‬ ‫خارجا عنه‪ .‬ومن هنا فقد ّ‬‫ً‬
‫إن جزء اللفظ إ ّما ّأاّل ّ‬
‫يدل عىل‬ ‫جزؤه عىل جزء معناه)‪ ،‬وبالتايل فقد قالوا ّ‬
‫يشء هو ليس‬‫ٍ‬ ‫أي يشء‪ ،‬فيكون مثل هذا اللفظ مفر ًدا‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫يدل عيل‬ ‫ّ‬
‫جز ًءا من معناه‪ ،‬ومثل هذا اللفظ يكون مرك ًبا‪ ،‬وإ ّما يدل عىل جزء معناه‪،‬‬
‫سمى باملؤ ّلف‪ .‬وقد رفض الشيخ نصري الدين الطويس هذا‬ ‫وهذا اللفظ ُي ّ‬
‫إن الداللة اللفظية من الدالالت الوضعية والتابعة‬ ‫التقسيم‪ ،‬وقال‪ :‬حيث ّ‬
‫فإن ألفا ًظا من قبيل‪( :‬عبد اهلل) ال خترج عن تعريف‬ ‫إلرادة املتلفظ‪ّ ،‬‬
‫ألن داللة هذه األلفاظ عىل أجزائها ليس هو املقصود‬ ‫أرسطو؛ وذلك ّ‬
‫احل ّيّل َقبِل ـ تب ًعا ألستاذه ـ تعريف أرسطو‬‫أن العالمة ِ‬ ‫للمتكلم‪ .1‬كام ّ‬
‫مرفوضا‪.2‬‬
‫ً‬ ‫للمفرد‪ ،‬ويرى هذا التقسيم‬

‫‪.‬هاملقول يف جواب ما هو‪ ،‬والواقع يف طريق ما هو‪ :‬يف بحث التفاوت بني‬
‫(املقول يف جواب ما هو)‪ ،‬و(الواقع يف طريق ما هو)‪ ،‬وقع االختالف بني‬
‫الشيخ نصري الدين الطويس وبني الفخر الرازي‪ .‬يذهب الفخر الرازي‬
‫يتم أخذه يف التعريف‬‫بأن ذلك القسم من الذاتيات ـ الذي ّ‬ ‫إىل االعتقاد ّ‬
‫تم بيانه بالداللة املطابقية يف املقول يف‬
‫بوصفه جز ًءا من التعريف ـ إذا ّ‬
‫تم بيانه يف التعريف‬
‫جواب ما هو‪ ،‬فهو (املقول يف طريق ما هو)‪ ،‬وأ ّما لو ّ‬
‫(داخاًل يف جواب ما هو)‪ .3‬وقد ذهب الشيخ‬ ‫ً‬ ‫بنحو ضمني‪ ،‬فسوف يكون‬ ‫ٍ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 31‬ـ ‪ 1375 ،32‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املطهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن‬ ‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،17‬هـ ش؛ ّ‬
‫املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 1363 ،11‬هـ ش؛‬
‫للعاّلمة‬
‫ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املطهر‪ ،‬القواعد الجل ّية يف رشح الرسالة الشمسية‬ ‫ّ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ ،200‬مؤسسـة النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ .3‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 1381 ،37‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪333‬‬ ‫موقع ّ‬

‫نصري الدين الطويس يف رشح اإلشارات إىل عدّ (الداخل يف جواب ما‬
‫هو) بمعنى جزء املاهية (اجلنس أو الفصل)‪ ،‬و(الواقع يف طريق ما هو)‬
‫بمعنى الذايت األعم (اجلنس)‪.1‬‬

‫عىل الرغم من ذهاب أغلب املناطقة يف تفسري هذه املفاهيم الثالثة‪ ،‬إىل‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل مال إىل ترجيح تفسري‬ ‫فإن ّ‬‫اختيار تفسري الفخر الرازي‪ّ ،2‬‬
‫جمرد (ظن)‪،‬‬ ‫الشيخ نصري الدين الطويس‪ ،‬وعدّ تفسري الفخر الرازي ّ‬
‫و«تغيريا عديم الفائدة»‪.3‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪ .‬فقد ذهب الشيخ الطويس إىل‬ ‫‪.‬وتعريف احلدّ ‪ :‬لقد قام املناطقة بتعريف احلدّ ً‬
‫تعريف احلدّ بأنه «القول الدال عىل ماهية اليشء»‪ ،‬و َقبِل به اخلواجة نصري الدين‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف األرسار اخلفية‪« :‬إذا كان املراد من القول‬ ‫أيضا‪ .4‬قال ّ‬ ‫الطويس ً‬
‫يف هذا التعريف هو القول املركّب‪ ،‬فإنّه لن يكون ً‬
‫شاماًل للحدود املفردة»‪.5‬‬
‫أيضا‪ ،‬ومن هنا ال يكون هناك‬ ‫أن لفظ (القول) يشمل املفرد ً‬ ‫يبدو ّ‬
‫ٌ‬
‫إشكال يف جامعية التعريف‪ .‬ومن بني الشواهد عىل هذا اال ّدعاء هو‬
‫أن ّ‬
‫العاّلمة يف كتاب (املراصد) قد ذكر هذا التعريف بعينه‪.6‬‬ ‫ّ‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف البحث عن احلدّ والرسم‬ ‫إن ّ‬ ‫واخلاصة‪ّ :‬‬ ‫‪.‬زالتعريف بالفصل‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 1375 ،68‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬فرامرز قرامليك‪ ،‬أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة‬
‫املسلمني)‪ ،‬ص ‪ 1381 ،75‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،30‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .4‬الطويس‪ ،‬الخواجة نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ ،95‬نرش البالغة‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .5‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،45‬هـ ش‪.‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .6‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 1363 ،22‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 334‬تاریخ علم املنطق‬

‫عرف بالفصل واخلاصة وحدمها‬ ‫الناقص بيانني؛ فهو يف (األرسار اخلفية) ُي ّ‬


‫عىل التوايل باحلدّ الناقص والرسم الناقص‪ ،‬ولكنه يف (القواعد اجللية)‬
‫ٍ‬
‫تعريف ْ‬
‫أن يشتمل يف احلدّ األدنى‬ ‫رفض ذلك‪ .1‬وقال يف القواعد‪« :‬إن ّ‬
‫كل‬
‫عىل معنيني ّ‬
‫يدل عليهام لفظان»‪.2‬‬
‫‪.‬حأجزاء القضية احلملية‪ :‬هناك يف باب أجزاء القضية احلملية يف البنية‬
‫اختالف بني املنطقيني‪ .‬فقد ذهب الشيخ‬
‫ٌ‬ ‫املنطقية ـ دون البنية اللفظية ـ‬
‫نصري الدين الطويس إىل القول ّ‬
‫بأن القضية احلملية تشتمل عىل ثالثة أجزاء‪،‬‬
‫وهي‪ :‬املوضوع واملحمول والرابطة بينهام‪ .‬وقد ذهب الفخر الرازي إىل‬
‫حرص ثالثية القضية احلملية يف القضايا فقط حيث يكون حمموهلا جامدً ا‪،‬‬
‫أن املحموالت املشتقة بذاهتا تقتيض االرتباط باملوضوع‪،‬‬ ‫بيد أنّه يعتقد ّ‬
‫وال حتتاج يف ذلك إىل وساطة‪ .‬وقد أشكل الشيخ نصري الدين الطويس‬
‫مرفوضا‪.3‬‬
‫ً‬ ‫عىل هذا الكالم من الفخر الرازي‪ ،‬وعدّ ه‬

‫احل ّيّل يف هذا البحث إىل اتباع الشيخ نصري الدين‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫يذهب ّ‬
‫أيضا‪ .‬فقد حتدّ ث (يف القواعد) رصاح ًة عن خطأ رأي الفخر‬ ‫الطويس ً‬
‫الرازي‪ ،‬ولكنّه يف (املراصد) اختار طري ًقا وس ًطا‪ ،‬وعدّ القضايا التي‬
‫يكون الرابط فيها هو الفعل أو االسم املشتق من (القضايا الثالثية غري‬
‫تا ّمة)‪.4‬‬

‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،44‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬الخواجة نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص‪ 125‬ـ ‪ ،126‬نرش البالغة‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .4‬‬
‫ِ‬
‫العاّلمة الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،56‬هـ ش؛ ّ‬
‫املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 38‬ـ ‪1363 ،39‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬ ‫هـ ش؛ ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪335‬‬ ‫موقع ّ‬

‫عامة اإلطالق‪ :‬من األبحاث األخرى اجلديرة‬ ‫‪.‬طمفاد القضية املوجبة الكلية ّ‬
‫بالطرح يف هذا املجال‪ ،‬حتليل مفاد القضية املوجبة الكلية عا ّمة اإلطالق‪،‬‬
‫اختالف يف‬
‫ٌ‬ ‫تم إدراجها يف أكثر الكتب املنطقية بعد ابن سينا‪ .‬هناك‬ ‫التي ّ‬
‫تفسري كالم ابن سينا بني الفخر الرازي وبني الشيخ نصري الدين الطويس‪.‬‬
‫قال ابن سينا‪« :‬اعلم أنّا إذا قلنا‪ :‬كل ج ب‪ ،‬فلسنا نعني به ّ‬
‫أن كلية ج أو اجليم‬
‫فرّس الفخر الرازي الكلية ج يف هذا الكالم بـ (الكل‬
‫الكيل هو ب ‪ .»...‬لقد ّ‬
‫ّ‬
‫(الكيّل املنطقي)‪.‬‬ ‫وفرّسها الشيخ نصري الدين الطويس بـ‬ ‫املجموعي)‪ّ ،‬‬
‫فإن تفسري الفخر الرازي يف هذا املوضع هو األصح‪.‬‬ ‫وبطبيعة احلال ّ‬

‫التصورين اخلاطئني املذكورين يف‬ ‫العاّلمة ِ‬


‫احل ّيّل إىل هذين‬ ‫وقد أضاف ّ‬
‫ّ‬
‫رات أخرى‪ ،‬وقال‪( :‬ص‪.1)11‬‬ ‫كالم الشيخ‪ ،‬ثالثة تصو ٍ‬
‫ّ‬
‫رجح تفسري الشيخ نصري الدين الطويس عىل‬ ‫يتّضح من كالمه هذا أنّه ّ‬
‫تفسري الفخر الرازي‪.‬‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف كتاب (األرسار اخلفية) بيانًا أوضح‪ ،‬وبعد بيان‬ ‫إن ّ‬ ‫ ّ‬
‫أن ختطر عىل الذهن يف هذا الشأن‪،‬‬‫التصورات اخلاطئة التي يمكن ْ‬ ‫ّ‬
‫كل (ج)‪ ،‬كلية (ج)‪ ،‬أي الكيل املنطقي‪ ،‬وال‬ ‫قال‪« :‬ال نعني بقولنا‪ّ :‬‬
‫كل‪ ،‬أي ّ‬
‫الكل املجموعي‪ ،‬وال ما‬ ‫الكل من حيث هو ّ‬‫الكيل العقيل وال ّ‬ ‫ّ‬
‫حقيقته (ج) ‪ ...‬وال نعني به ما هو موصوف بـ (ج) ‪ ...‬بل نعني به ما‬
‫هو أعم‪ ،‬بحيث يشمل ما حقيقته (ج) وما هو موصوف به»‪ .2‬كام ّ‬
‫إن‬
‫أيضا‪.3‬‬
‫مماثاًل ً‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل كال ًما ً‬ ‫ّ‬

‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ ،247‬مؤسسـة النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫ّ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق‪ ،‬راجعه وضبطه‪ :‬مركز‬ ‫‪ِ .1‬‬
‫تراث الحلة‪ ،‬ص ‪ 1438 ،142‬هـ‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،61‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة‬
‫الحيل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .3‬‬
‫‪ | 336‬تاریخ علم املنطق‬

‫املتفرعة‬
‫ّ‬ ‫إن من بني األبحاث‬ ‫‪.‬يالقضايا احلقيقية واخلارجية والذهنية‪ّ :‬‬
‫عىل حتليل املوجبة الكلية‪ ،‬تقسيم القضايا إىل القض ّية احلقيقية واخلارجية‬
‫أن حرص البعض‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف هذا الشأن‪« :‬واعلم ّ‬ ‫والذهنية‪ .‬يقول ّ‬
‫بكل ما يصدق عليه (ج) يف اخلارج (مفاد القضية‬ ‫(كل ج ب)‪ّ ،‬‬ ‫ملفاد ّ‬
‫(كل ما لو وجد كان ج) (مفاد‬ ‫(كل ج)‪ ،‬هو ّ‬ ‫اخلارجية)‪ ،‬أو املراد من ّ‬
‫(كل ج ب) هو ما‬ ‫صحيحا‪ ،‬بل املراد من قولنا‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫القضية احلقيقية)‪ ،‬ليس‬
‫واحد ممّا يقال عليه (ج) ـ سواء كانت اجليمية ذاته‬‫ٍ‬ ‫كل‬‫أن ّ‬
‫أرشنا إليه من ّ‬
‫أو صفته‪ ،‬وسواء كانت صف ًة دائم ًة له أو غري دائمة‪ ،‬وسواء كان موصو ًفا‬
‫معنّي‪ ،‬وسواء كان موجو ًدا يف اخلارج‬ ‫وقت ّ ٍ‬‫بتلك الصفة يف ٍ‬
‫معنّي أو غري ّ‬
‫أو يف العقل أو يف الفرض الذهني»‪.1‬‬

‫‪.‬كرشوط التناقض‪ :‬إن من املوارد اخلالفية األخرى بني الفخر الرازي‬


‫والشيخ نصري الدين الطويس‪ ،‬رشوط التناقض‪ .‬بنا ًء عىل تقرير اخلواجة‬
‫بأن ك ّلية الوحدات‬
‫يف رشح اإلشارات‪ ،‬يذهب الفخر الرازي إىل االعتقاد ّ‬
‫الثامنية التي عُدّ ت رش ًطا يف التناقض بني قضيتني‪ ،‬تعود إىل املوضوع أو‬
‫فإن رشوط التناقض يف الواقع عبارة‬ ‫إىل املحمول؛ وعىل هذا األساس ّ‬
‫عن أمرين‪ ،‬ومها‪( :‬وحدة املوضوع)‪ ،‬و(وحدة املحمول)‪ .2‬وقد تراجع‬
‫عاّم ذكره يف رشح اإلشارات خطوة إىل الوراء‪،‬‬ ‫الفخر الرازي يف ّ‬
‫امللخص ّ‬
‫وعدّ وحدة الزمان مغاير ًة لوحدة املوضوع أو املحمول‪ ،‬ومن هنا فقد رفع‬
‫رشوط التناقض إىل ثالثة موارد‪.3‬‬

‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ ،253‬مؤسسـة النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن‬ ‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،64‬هـ ش؛ ّ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ 253‬ـ ‪ ،255‬مؤسسـة‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬
‫النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬الخواجة نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 1375 ،180‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪337‬‬ ‫موقع ّ‬

‫إن الشيخ نصري الدين الطويس ير ّد عىل ما اعتقده الفخر الرازي‪،‬‬ ‫ ّ‬


‫خصها الفخر الرازي باملوضوع أو باملحمول‪،‬‬ ‫إن املوارد التي ّ‬‫ويقول‪ّ :‬‬
‫واحد من املوضوع أو املحمول‪ ،‬ثم ّ‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫هلا صالحية اللحوق ّ‬
‫بكل‬
‫الوحدات الثامنية تتعلق أحيانًا باحلكم‪ ،‬وليس بأجزاء القضية‪.1‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل عىل الكاتبي القزويني ـ الذي ذهب تب ًعا‬ ‫وقد أشكل ّ‬
‫للفخر الرازي إىل إرجاع الوحدات الثامنية إىل وحدات ثنائية ـ ورفض‬
‫أن رشط التناقض يكمن يف احتاد‬ ‫هذا اجلواب‪ .2‬وقد رأى يف(املراصد) ّ‬
‫قضيتني يف النسبة احلكمية باستثناء الكيف‪ ،‬حيث تكتمل متامية هذا‬
‫ٍ‬
‫بأمور ثامنية‪.‬‬ ‫االحتاد‬
‫كام نقل يف كتاب (األرسار اخلفية) جواب الشيخ نصري الدين الطويس عن‬
‫رأي الفخر الرازي بالتفصيل‪ ،‬ويتبنى رؤية الشيخ نصري الدين الطويس‪.3‬‬
‫كام اتبع أستاذه الشيخ نصري الدين الطويس يف اجلوهر‪ ،‬ومل ِ‬
‫يأت عىل ذكر‬
‫االحتاد يف النسبة احلكمية‪.4‬‬
‫عامة اإلطالق‪ :‬يف باب نقيض املطلقة عا ّمة اإلطالق‪،‬‬
‫‪.‬لنقيض املطلقة ّ‬
‫ذهب بعض املتقدّ مني إىل االعتقاد ّ‬
‫بأن نقيض املطلقة مطلقة‪ ،‬يف حني قد‬
‫يكون زمان القضيتني خمتل ًفا‪ ،‬وتكون كلتا القضيتني صادقة؛ من ذلك‬
‫ٍ‬
‫شخص نائم بالفعل‪ ،‬بعض األشخاص ليسوا نائمني بالفعل)‪.‬‬ ‫مثاًل‪ّ :‬‬
‫(كل‬ ‫ً‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 1381 ،17‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬الخواجة نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 180‬ـ ‪ 1375 ،181‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .2‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ 1417 ،191‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،76‬هـ ش‪.‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .4‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 73‬ـ ‪ 1363 ،74‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 338‬تاریخ علم املنطق‬

‫وقد احتال الشيخ الرئيس لتوجيه هذا الكالم بحيلتني‪ ،‬ومها ً‬


‫أواًل‪ْ :‬‬
‫أن نعدّ‬
‫ٍ‬
‫بزمن معني‪ .‬وقد أشكل‬ ‫املطلقة بمعنى العرفية‪ ،‬وثان ًيا‪ْ :‬‬
‫أن نق ّيد املوضوع‬
‫الشيخ الطويس عىل كلتا احليلتني‪ ،‬وقام برفضهام‪ .1‬وقد ذهب ّ‬
‫العاّلمة‬
‫ِ‬
‫احل ّيّل ـ تب ًعا للشيخ نصري الدين الطويس ـ إىل القول بفساد حيل الشيخ‪.2‬‬

‫‪.‬متعريف العكس املستوي‪ :‬ينقسم املنطقيون يف تعريف العكس املستوي‬


‫إىل طائفتني؛ طائفة مثل الشيخ الرئيس‪ ،3‬والفخر الرازي‪ ،4‬وأثري الدين‬
‫األهبري‪ ،‬جعلت من (البقاء يف الكذب) ـ مثل (البقاء يف الصدق) ـ قيدً ا‬
‫يف تعريف العكس‪ .‬وذهبت طائف ٌة‪ ،‬مثل الشيخ نصري الدين الطويس‪،5‬‬
‫احل ّيّل‪ ،7‬إىل ختطئة هذا القيد‪ ،‬مستدلني‬ ‫والعاّلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫والكاتبي القزويني‪،6‬‬
‫لذلك بإمكان ْ‬
‫أن يكون املحمول أو التايل يف القضية الز ًما أعم‪.‬‬
‫أن عدّ قيد بقاء الكذب‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن تبعية كذب األصل‬ ‫وال بدّ من العلم ّ‬
‫لكذب العكس قابل ٌة للتوجيه‪.‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 188‬ـ ‪،193‬‬
‫مكتبة آية الله املرعيش النجفي‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 80‬ـ ‪ 1379 ،81‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .3‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 188‬ـ ‪،193‬‬
‫‪ 1375‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .4‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 1381 ،185‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ .5‬الطويس‪ ،‬الخواجة نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ 1375 ،196‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .6‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ 1417 ،298‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ .7‬العالّمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن‬ ‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 81‬ـ ‪ 1379 ،82‬هـ ش؛ ّ‬
‫بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪1363 ،84‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬ ‫هـ ش؛ ّ‬
‫للعاّلمة الحيِّلِّ ‪ ،‬ص ‪ 1417 ،299‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪339‬‬ ‫موقع ّ‬

‫إن البحث اآلخر الذي يمكن بيانه يف هذا الشأن‪،‬‬ ‫‪.‬نتفسري عكس النقيض‪ّ :‬‬
‫ِ‬ ‫هو تفسري عكس النقيض من وجهة نظر ّ‬
‫العاّلمة احل ّيّل‪ .‬هناك يف مورد‬
‫عكس النقيض بيانان؛ فقد ذهب بعضهم من أمثال الشيخ الرئيس يف‬
‫منطق الشفاء إىل تفسريه بالقول‪« :‬وضع نقيض املحكوم عليه ً‬
‫بداًل من‬
‫املحكوم به‪ ،‬ووضع نقيض املحكوم به ً‬
‫بداًل من املحكوم عليه‪ ،‬مع املوافقة‬
‫يف الصدق والكذب»‪ ،1‬وهذا هو الذي ُيطلق عليه يف مصطلح املنطقيني‬
‫بعض آخر من أمثال هبمنيار يف التحصيل‬ ‫بعكس النقيض املوافق‪ .‬وذهب ٌ‬
‫بداًل من املحكوم عليه‪،‬‬‫إىل تعريفه بالقول‪« :‬وضع نقيض املحكوم به ً‬
‫بداًل من املحكوم به) (عكس النقيض املخالف»‪.2‬‬ ‫وعني املحكوم عليه ً‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل هذا التفسري من الشيخ الرئيس‪ ،‬وعدّ التفسري‬ ‫وقد ارتىض ّ‬
‫الثاين يف األرسار اخلفية والقواعد عبارة عن‪« :‬أخذ الزم اليشء ً‬
‫بداًل منه»‪.3‬‬
‫‪.‬سالقياس االقرتاين من الشكل الرابع‪ :‬يف بحث القياس ُيعدّ جعل القياس‬
‫ٍ‬
‫رضوب من خمتلطات هذا‬ ‫االقرتاين من الشكل الرابع وإنتاج ثامنية‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ .4‬لقد قام الباحث الراحل‬ ‫املهمة ّ‬
‫الشكل‪ ،‬من بني اآلراء ّ‬
‫العاّلمة يف القياسات املختلطة بحسب‬ ‫حسني حممد خاين بتبويب آراء ّ‬
‫نظرياته يف الكتب األربعة مورد البحث‪ ،‬ضمن عدد من اجلداول‪ ،5‬بيد‬
‫ّ‬
‫أن هذه املقالة املخترصة ال تتسع لذكرها‪.‬‬
‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،193‬مكتبة آية الله املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬بهمنيار بن املرزبان‪ ،‬التحصيل‪ ،‬تصـ‪ :‬مرتىض املطهري‪ ،‬ص ‪ ،90‬دانشگاه طهران‪ ،‬طهران‪ 1375 ،‬ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫ِ‬
‫العاّلمة الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،95‬هـ ش؛ ّ‬
‫املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 1363 ،94‬هـ ش؛‬
‫للعاّلمة‬
‫ّ‬ ‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املطهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ّ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ 1417 ،315‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .4‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 134‬ـ ‪ 1363 ،135‬هـ ش‪.‬‬
‫حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري)‪،‬‬ ‫‪ .5‬محمد خاين‪ ،‬حسني‪ ،‬آراي منطقي عالمه ّ‬
‫جامعة طهران‪ ،‬بتاريخ‪ :‬شهر شهريور (‪ 1381 ،)6‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 340‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪.‬عمحلية كربى القياس االستثنائي أو َرَشطيتها‪ :‬يف بحث محلية كربى القياس‬
‫االستثنائي أو َرَشطيتها الذي هو من بني األبحاث اخلالفية بني الشيخ‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪.‬‬ ‫خاص ّ‬ ‫رأي‬
‫ٌّ‬ ‫نصري الدين الطويس والفخر الرازي‪ ،‬هناك ٌ‬
‫إن الفخر الرازي ال يرى محلية الكربى رضورية ّإاّل يف بعض املوارد التي‬
‫ّ‬
‫الرَشطية مركّب ًة من محليتني‪ ،‬ويرى يف سائر املوارد األخرى ّ‬
‫أن‬ ‫تكون فيه َ‬
‫أن تكون َرَشطية‪.1‬‬‫الكربى يمكن ْ‬

‫احل ّيّل يف كتابه (مراصد التدقيق)‪« :‬إذا كانت القضية‬ ‫العاّلمة ِ‬


‫قال ّ‬
‫الرَشطية (الصغرى) مركّب ًة من َرَشطيتني أو من َرَشطية هي املقدّ م‪،‬‬ ‫َ‬
‫إن استثنى العني‪ ،‬قد تكون الكربى كلي ًة‪ .‬وكذلك إذا‬ ‫ومحلية هي التايل ْ‬
‫كانت الصغرى مركّب ًة من محلية هي املقدم ورشطية هي التايل»‪.2‬‬
‫أي‪ :‬يف بيان املطالب األصلية والفرعية‪ ،‬يذهب الشيخ الرئيس‬ ‫‪.‬فمطلب ّ‬
‫أي) من املطالب األصلية‪.3‬‬ ‫بأن (مطلب ّ‬ ‫يف اإلشارات إىل االعتقاد ّ‬
‫ويذهب الشيخ نصري الدين الطويس يف تفسري كالم الشيخ الرئيس إىل‬
‫ٍ‬
‫واحد من‬ ‫وجها ّ‬
‫لكل‬ ‫أن تكون (أي) أصلية أو فرعية‪ ،‬ويذكر‬ ‫جواز ْ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫االحتاملني‪ .4‬وقد ذهب ّ‬
‫العاّلمة احل ّيّل يف اجلوهر النضيد ـ بعد عدِّ ّ‬
‫(أي)‬
‫من املطالب الفرعية ـ إىل القول‪« :‬وقد ُيضاف إىل األصول»‪ ،5‬بيد أنّه يف‬
‫(أي) ضمن املطالب األصلية‪ ،‬ويعدّ ها‬‫كتاب (األرسار اخلفية) ال يذكر ّ‬

‫‪ .1‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،‬تقديم وتحقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قرامليك وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬ص ‪ 1381 ،320‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ِ .2‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق‪ ،‬راجعه وضبطه‪ :‬مركز‬
‫تراث الحلة‪ ،‬ص ‪ 1438 ،330‬هـ‪.‬‬
‫‪ .3‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد الله‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪1375 ،311‬ش‪.‬‬
‫‪ .4‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين محمد بن محمد‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح‬ ‫‪ 1375 ،312‬هـ ش؛ ّ‬
‫منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 1363 ،196‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫‪ّ .5‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 1363 ،196‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪341‬‬ ‫موقع ّ‬

‫من املطالب اجلزئية رصاحة‪.1‬‬


‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل مناقشة مع‬ ‫‪.‬صترتيب املطالب‪ :‬يف بحث ترتيب املطالب‪ ،‬يثري ّ‬
‫أستاذه‪ ،‬وال يرتيض رأي أستاذه القائل بتقدّ م هل املركّبة عىل ما احلقيقية‪.2‬‬

‫اإلين يف الدليل‪ :‬يف تفسري الربهان ّ‬


‫اإلين يف الدليل ـ الذي‬ ‫‪.‬قماهية الربهان ّ‬
‫هو من موارد االختالف األخرى بني الفخر الرازي واخلواجة نصري‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل إىل القبول برأي أستاذه الشيخ نصري‬ ‫الدين الطويس ـ يذهب ّ‬
‫إين‬
‫الدين الطويس‪ ،‬وقال يف كتابه (األرسار اخلفية) بعد تقسيم الربهان إىل ّ‬
‫ً‬
‫معلواًل لوجود احلكم‬ ‫و ّملي‪ ،‬وبيان املالك يف ذلك‪« :‬ثم إن كان [األوسط]‬
‫يف اخلارج فهو الدليل»‪.3‬‬

‫ويف القسم اآليت سوف نعمل بالتفصيل عىل إيضاح وحتليل أحد‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬وهو إبداع مل يلتفت إليه املناطقة يف‬ ‫اإلبداعات املنطقية ّ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫املراحل الالحقة ً‬
‫ِ‬ ‫‪ 5‬ـ رشح إبداع منطقي ّ‬
‫للعاّلمة احل ّيّل وحتليله؛ القضية ّ‬
‫العامة‬
‫ِ‬ ‫أن ّ‬ ‫أن أرشنا إىل ّ‬
‫سبق ْ‬
‫اخلاصة به‪ .‬وفيام‬
‫ّ‬ ‫للعاّلمة احل ّيّل ً‬
‫كثريا من اآلراء املنطقية‬
‫ييل سوف نعمل يف هذا املقام عىل رشح واحد من تلك اآلراء اإلبداعية وحتليله‪،‬‬
‫خامس يف تبويب وتقسيم القضية من حيث املوضوع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهو عدّ قس ٍم‬
‫األول أو القياس‪ ،‬إىل القول ّ‬
‫بأن القضية‬ ‫لقد ذهب أرسطو يف بداية التحليل ّ‬

‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،206‬هـ ش‪.‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املطهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫‪ّ .2‬‬
‫محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 197‬ـ ‪ 1363 ،198‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،202‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 342‬تاریخ علم املنطق‬

‫من حيث املوضوع عىل ثالثة أنواع‪ ،‬وهي‪ :‬املهملة‪ ،‬والك ّلية‪ ،‬واجلزئية‪ .‬بيد ّ‬
‫أن‬
‫هذا التقسيم هو يف احلقيقة عبار ٌة عن نوعني؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫الكيّل واجلزئي قسامن للقضايا‬
‫املسورة‪ .‬ثم بعد أرسطو متّت إضافة القضية الشخصية أو املخصوصة ـ التي‬ ‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬وشاع هذا التقسيم‬ ‫حتدّ ث عنها أرسطو يف كتاب العبارة ـ إىل هذا التقسيم ً‬
‫الثالثي حتى القرن السابع للهجرة‪.‬‬
‫لقد حتدّ ث ابن سينا يف بيان أقسام احلميل عن (اإلنسان العام)‪ .‬وقد ذهب‬
‫املناطقة من القائلني باملنطق املشتمل عىل قسمني يف القرن اهلجري السابع ـ من‬
‫أمثال األرموي يف كتاب اإليضاح‪ ،‬واألهبري يف آثاره ـ إىل عدم عدّ مها قضي ًة‬
‫وإن كانت ال تشتمل عىل سور‪ ،‬ولكنها تقبل التسوير‪،‬‬ ‫إن القضية املهملة ْ‬
‫مهملة‪ّ .‬‬
‫أن قضية (اإلنسان عام) ال تقبل التسوير‪ .‬وقد أطلقوا عىل هذه القضية‬ ‫يف حني ّ‬
‫قساًم راب ًعا‪ .‬وأ ّما املناطقة القائلون باملنطلق‬
‫عنوان القضية الطبيعية‪ ،‬وعدّ وها ً‬
‫املشتمل عىل تسعة أقسام ـ من أمثال الشيخ الطويس ويف القرون التالية من أمثال‬
‫أن التبويب الرباعي كان‬ ‫غياث الدين الدشتكي ـ إىل خمالفة اعتبار الطبيعة‪ ،‬بيد ّ‬
‫احل ّيّل إىل عدم تسمية هذه القضية بالطبيعية‪ ،‬وإنّام‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫شائ ًعا‪ .1‬لقد ذهب ّ‬
‫خامس‪ ،‬وأطلق عليه عنوان الطبيعي‪.2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ساّمها عا ّمة‪ ،‬وعمد إىل تعريف وعدّ قس ٍم‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ما هو مضمون القضية الطبيعية يف مصطلح ّ‬
‫العاّلمة احل ّيّل‪ ،‬والتي هي ٌ‬
‫قسم‬
‫خامس من القضايا‪ ،‬وال ينبغي اخللط بينها وبني القضايا الطبيعية عند القوم؟‬
‫ٌ‬
‫جواب هذا السؤال يف حتليل الشيخ نصري الدين الطويس‬ ‫ٍ‬ ‫جيب العثور عىل‬

‫‪ .1‬فرامرز قرامليك‪ ،‬أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق‌دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة‬
‫املسلمني)‪ ،‬ص ‪ 439‬ـ ‪ 1391 ،461‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن‬ ‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،58‬هـ ش؛ ّ‬
‫املطهر‪ ،‬الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬محسن بيدار فر‪ ،‬ص ‪ 54‬ـ ‪1363 ،55‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬القواعد الجلية يف رشح الرسالة الشمسية‬ ‫هـ ش؛ ّ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬ص ‪ 351‬ـ ‪ ،352‬مؤسسـة النشـر اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪343‬‬ ‫موقع ّ‬

‫للقضية املهملة‪ .‬لقد استفاد الشيخ الطويس يف التاميز بني أقسام القضايا الثالثة‬
‫واملسورة) من االعتبارات الثالثة للامهية‪ ،‬وهي‪ :‬املاهية‬
‫ّ‬ ‫(املخصوصة‪ ،‬واملهملة‪،‬‬
‫بقيد اخلصوص (هذا إنسان) موضوع خمصوص‪ ،‬وبقيدي العموم والتخصيص‬
‫قيد‪ ،‬أو املاهية من حيث هي‬ ‫(كل وبعض) موضوع املسورة‪ ،‬ومن دون أي ٍ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موضوع املهملة (اإلنسان جمدّ )‪.‬‬
‫أن خيضع للنقد والنقاش؛‬ ‫يمكن هلذا التحليل من الشيخ نصري الدين الطويس ْ‬
‫أن يكون‬ ‫ألن الناهية عندما تقع موضو ًعا من دون قيد‪ ،‬تكون هناك حالتان؛ فإ ّما ْ‬ ‫ّ‬
‫احلكم لتلك املاهية العا ّمة من حيث هي هي (باحلمل األويل وبمنزلة املفهوم‬
‫أن يكون احلكم ملصاديق املاهية‪ .‬واحلالة األوىل هي التي أطلق‬ ‫العام)‪ ،‬وإ ّما ْ‬
‫عليها املناطقة ـ من القائلني باملنطق املشتمل عىل قسمني يف القرن الرابع للهجرة‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل مصطلح القضايا العا ّمة‪.‬‬ ‫ـ عنوان القضايا الطبيعية‪ ،‬ويطلق عليها ّ‬
‫أن مناط احلكم هو الطبيعة من حيث هي‬ ‫فإن كان احلكم ملصاديق املاهية‪ ،‬بيد ّ‬ ‫ْ‬
‫يصح‬
‫يصح عىل الطبيعة ّ‬ ‫ألن (ما ّ‬‫شاماًل؛ ّ‬
‫هي‪ ،‬سوف يكون احلكم يف هذه القضية ً‬
‫ِ‬ ‫إن ّ‬ ‫عىل األفراد)‪ّ .‬‬
‫املهمة‪ ،‬يعدّ هذه القضية‬‫العاّلمة احل ّيّل بالنظر إىل هذه النقطة ّ‬
‫قضي ًة مستقلة‪ ،‬ويطلق عليها عنوان القضية الطبيعية‪.‬‬
‫بأن نسبة املحمول واحلكم إىل املوضوع ّ‬
‫الكيّل عىل‬ ‫وقد ذهب إىل االعتقاد ّ‬
‫ثالثة أنواع‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ْ 1‌.‬‬
‫أن ُينظر إىل تلك الطبيعة من حيث هي هي‪ ،‬وحيكم عليها باملحمول‪،‬‬
‫وتسمى بـ (القضية الطبيعية)‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن ُينظر إليها من حيث تقع عىل الكثرة‪ ،‬وهي املأخوذة بمعنى ّ‬
‫الكيّل‬ ‫‪ْ 2‌.‬‬
‫العقيل‪ ،‬ونحن نسميها بـ(القضايا العا ّمة)‪ ،‬كقولنا‪( :‬اإلنسان نوع)‪،‬‬
‫و(احليوان جنس)‪.‬‬
‫‪ْ 3‌.‬‬
‫أن ُينظر إىل الكثرة من حيث تلك الطبيعة مقولة عليها‪ .‬ويمكن هلذا القسم‬
‫‪ | 344‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن ينقسم مع القيد والسور إىل ثالثة أقسام‪ ،‬وهي‪ :‬املهملة‪،‬‬‫بدوره ْ‬


‫والكلية‪ ،‬واجلزئية‪.1‬‬
‫وعىل هذا األساس ال تكون هناك حاج ٌة إىل عدّ القضية احلقيقية والقضية‬
‫اخلارجية‪ ،‬وهي التي ذكرها تلميذا جمد الدين اجلييل‪ ،‬ومها‪ :‬فخر الدين الرازي‬
‫وشيخ اإلرشاق السهروردي‪ ،‬ووصلت بوساطة األهبري إىل قضايا مبحث‬
‫(احلقيقية واخلارجية والذهنية)‪.‬‬
‫احل ّيّل‪ ،‬يعمل عىل إيضاح‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫إن متايز القضايا الكلية والطبيعية يف مصطلح ّ‬‫ّ‬
‫متايز القضايا الك ّلية يف العلوم التجريبية وعلوم من قبيل التاريخ‪ ،‬عن القضايا‬
‫امليتافيزيقية‪ .‬ويف القضايا الطبيعية حيث يكون مناط احلكم هو الطبيعة من حيث‬
‫امتناع‬
‫ٌ‬ ‫هي هي‪ ،‬يكون التضا ّد بني حكمني من قبيل التناقض‪ ،‬وال يكون هناك‬
‫ٍ‬
‫بشكل وآخر‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬هي‬ ‫إن القضايا الطبيعية يف مصطلح ّ‬ ‫جتريبي يف البني‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫تعرفنا عىل املوضوع يكون‬ ‫من قبيل القضايا الكلية عند غوتفريد اليبنتس‪ ،‬فإذا ّ‬
‫املحمول يف ضمن املوضوع (وذلك باحلمل األويل بطبيعة احلال)‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف عدّ القضية التي أطلق عليها عنوان القضية الطبيعية‬ ‫إن إبداع ّ‬
‫ّ‬
‫حيظ باستقبال املنطقيني ّ‬
‫املتأخرين‪ ،‬ولكنه حظي باهتام ٍم من قبل األصوليني‪.‬‬ ‫مل َ‬
‫وبطبيعة احلال قد حيدث يف بعض املوارد عند بعض األصوليني خلط بني‬
‫مصطلحني للقضية الطبيعية‪ ،‬ومها‪ :‬القضية الطبيعية يف مصطلح القوم التي‬
‫احل ّيّل مصطلح العامة‪ ،‬والقضية الطبيعية يف مصطلح ّ‬
‫العاّلمة‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫ُيطلق عليها ّ‬
‫ِ‬
‫احل ّيّل‪ .‬ويف النزاع عىل طبيعية األحكام الرشعية‪ ،‬يكون املراد هو القضية الطبيعية‬
‫ٍ‬
‫بشكل وآخر ـ مساوق ًة‬ ‫احل ّيّل‪ ،‬وحيث تكون هذه القضية ـ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫يف مصطلح ّ‬
‫أيضا‪.‬‬‫للحقيقة عند القوم‪ ،‬يتم يف هذا النزاع استعامل مصطلح القضية احلقيقية ً‬
‫وربام كان عدّ تساوق القضية احلقيقية يف مصطلح القوم مع القضية الطبيعية يف‬
‫العاّلمة ِ‬
‫الح ّيّل‪ ،‬أبو منصور الحسن بن املط َّهر‪ ،‬األرسار الخفية يف العلوم العقلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫األبحاث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 1379 ،58‬هـ ش‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪345‬‬ ‫موقع ّ‬

‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬واحدً ا من بني األسباب التي دعت إىل عدم اإلقبال عىل‬ ‫مصطلح ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪.‬‬ ‫رأي ّ‬

‫النتيجة‬
‫احليل من املناطقة األفذاذ النادرين؛ إذ حيتل مكان ًة رفيع ًة يف تاريخ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫أن سطوع نجمه الباهر يف علوم من قبيل‪:‬‬ ‫علم املنطق يف احلضارة اإلسالمية‪ ،‬بيد ّ‬
‫الفقه واألصول والكالم وغري ذلك من العلوم األخرى‪ ،‬قد حجب موقعه‬
‫املتأخرين؛ فلم يالحظوا آثاره يف هذا‬‫ومكانته املنطقية‪ ،‬ووضع غشاو ًة عىل أعني ّ‬
‫مهاًم يف علم املنطق‪ ،‬فإنّه مل ُيعرف‬
‫أثرا ً‬‫العلم‪ .‬وعىل الرغم من تأليفه لعرشين ً‬
‫بوصفه عا ًملا منطق ًيا كام يستحق وينبغي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إن اآلثار املنطقية ّ‬‫ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬فبعضها عبار ٌة عن رسائل قصرية نسب ًيا‬‫للعاّلمة احل ّيّل ّ‬
‫هتدف إىل تعليم علم املنطق‪ ،‬وبعضها اآلخر ـ تب ًعا لكتاب النجاة واإلشارات البن‬
‫سينا ـ جيمع بني العلوم الثالثة‪ ،‬وهي املنطق والطبيعيات واإلهليات‪ .‬ويف بعض‬
‫رسالة يف إطار البحث واحلوار النقدي مع‬ ‫ٍ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل إىل تأليف‬ ‫املوارد يعمد ّ‬
‫فإن أغلب اآلثار املنطقية‬‫كبري أو مع حكامء السلف؛ وبالتايل ّ‬ ‫ٍ‬
‫فيلسوف ٍ‬ ‫حكي ٍم أو‬
‫إن أغلب اآلثار‬ ‫احل ّيّل عبار ٌة عن رشوح عىل كتب السلف‪ّ .‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫والفلسفية ّ‬
‫احل ّيّل كتبها يف ضوء منهج تدوين املناطقة القائم عىل قسمني‪.‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬
‫املنطقية ّ‬
‫وقد سار يف الغالب عىل بنية كتاب (اإلشارات والتنبيهات) البن سينا‪.‬‬
‫الرس يف اهتامم ّ‬
‫العاّلمة‬ ‫يمكن العثور عىل جواب السؤال الباحث عن (مكمن ّ‬
‫ِ‬
‫احل ّيّل بعلم املنطق؟)‪ ،‬من خالل املقارنة بني األوضاع التارخيية َ‬
‫لعلمي املنطق‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل بطلب العلم والدراسة‪ ،‬ويف مرحلة‬ ‫وعلم الكالم يف مرحلة اشتغال ّ‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل للعلم كان‬ ‫إن تاريخ حتصيل ّ‬ ‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف إنتاج العلم‪ّ .‬‬ ‫انطالق ّ‬
‫وإن هذا القرن كان يم ّثل مرحلة‬
‫يف النصف الثاين من القرن اهلجري السابع‪ّ .‬‬
‫‪ | 346‬تاریخ علم املنطق‬

‫ناحية أخرى كان القرن السابع‬‫ٍ‬ ‫ازدهار وانتشار دراسة املنطق وتدوينه‪ .‬ومن‬
‫زاخرا بالفتن يف تاريخ األقطار اإلسالمية؛ فبعد استيالء املغول‬
‫للهجرة ُيعدّ قرنًا ً‬
‫عىل البالد اإلسالمية بدأ العزف التدرجيي عىل أنغام حماربة املنطق‪ .‬ويف النصف‬
‫الثاين من القرن السابع والعقود األوىل من القرن الثامن للهجرة‪ ،‬عمد أمحد بن‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل ـ إىل تأليف كتاب الر ّد عىل املنطقيني‪ ،‬ويف جمموع‬ ‫تيمية ـ املعارص ّ‬
‫الفتاوى قام بمجاهبة املباين املنطقية‪.‬‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يرى يف التنكّر لعلم املنطق بداي ًة للتفكري السطحي يف‬ ‫لقد كان ّ‬
‫الفجة واملمزوجة باخلرافات‪ ،‬ومن هنا فقد‬
‫دائرة التفكري الديني‪ ،‬وتسلل األفكار ّ‬
‫عمد إىل توسيع علم املنطق بوصفه سدًّ ا مني ًعا حيول دون السطحية التي تشكل‬
‫إعصارا يتهدد التفكري الديني‪.‬‬
‫ً‬
‫اجتهادي وتنظريي‪ ،‬ويمكن الوقوف‬
‫ّ‬ ‫العاّلمة إىل علم املنطق ّاجّتا ٌه‬
‫إن اجتاه ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫عابرة عىل إبداعاته املنطقية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إطاللة‬ ‫عىل هذه احلقيقة بوضوح من خالل‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف تاريخ علم املنطق | ‪347‬‬ ‫موقع ّ‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد اهلل‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬حتقيق‪ :‬سعيد زايد‪ ،‬مكتبة آية اهلل املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل)‪ ،‬ترمجه إىل‬ ‫‪2.‬اشميتكه‪ ،‬زابينه‪ ،‬انديشه هاي كالمي عالمه حيل (اآلراء الكالمية ّ‬
‫اللغة الفارسية‪ :‬أمحد نامئي‪ ،‬الفصل األول فام بعد‪ ،‬بنياد پژوهشهاي آستان قدس رضوي‪ ،‬مشهد‪،‬‬
‫‪ 1378‬هـ ش‪.‬‬
‫‪3.‬األفندي اإلصفهاين‪ ،‬املريزا عبد اهلل‪ ،‬رياض العلامء وحياض الفضالء‪ ،‬مكتبة آية اهلل املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬األمني العاميل‪ ،‬السيد حمسن‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬إعداد‪ :‬السيد حسن األمني‪ ،‬دار التعارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪ 1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬هبمنيار بن املرزبان‪ ،‬التحصيل‪ ،‬تصحيح‪ :‬مرتىض املطهري‪ ،‬دانشگاه طهران‪ ،‬طهران‪ 1375 ،‬ش‪.‬‬
‫‪6.‬احلُر العاميل‪ ،‬حممد بن احلسن‪ ،‬أمل اآلمل‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1362 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪7.‬حسون تربيزيان‪ ،‬فارس‪ ،‬مقدمة القواعد اجللية (يف‪ :‬القواعد اجللية يف رشح الرسالة الشمسية‬
‫احل ّيّل)‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫للعاّلمة ِ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫‪8.‬احل ّيّل‪ ،‬أبو منصور احلسن بن َّ‬
‫املطهر‪ ،‬أجوبة املسائل املهنائية‪ ،‬مطبعة اخليام‪ ،‬قم‪ 1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9.‬ــــــــــــــ‪ ،‬األرسار اخلفية يف العلوم العقلية‪ ،‬حتقيق‪ :‬مركز األبحاث والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1379 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪10.‬ــــــــــــــ‪ ،‬اجلوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‪ ،‬إعداد‪ :‬حمسن بيدار فر‪ ،‬انتشارات‬
‫بيدار‪ ،‬قم‪ 1363 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫للعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل‪ ،‬مؤسسـة النشـر‬ ‫ ‪11.‬ــــــــــــــ‪ ،‬القواعد اجللية يف رشح الرسالة الشمسية ّ‬
‫اإلسالمی‪ ،‬قم‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪12.‬ــــــــــــــ‪ ،‬خالصة األقوال يف معرفة الرجال‪ ،‬الطبعة احلجرية‪ ،‬طهران‪1312 ،‬ش‪.‬‬
‫ ‪13.‬ــــــــــــــــ‪ ،‬مراصــد التدقيــق ومقاصــد التحقيــق‪ ،‬راجعــه وضبطــه‪ :‬مركــز تــراث‬
‫احللــة‪ 1438 ،‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪14.‬الرازي‪ ،‬فخر الدين حممد‪ ،‬منطق ّ‬
‫امللخص‪ ،‬تقديم وحتقيق وتعليق‪ :‬أحد فرامر قراملكي وآدينه‬
‫أصغري نجاد‪ ،‬جامعة اإلمام الصادق ‪ ،‬طهران‪ 1381 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ | 348‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪15.‬الرازي‪ ،‬قطب الدين حممد‪ ،‬حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪16.‬ــــــــــــــ‪ ،‬حترير القواعد املنطقية يف رشح الرسالة الشمسية‪ ،‬حوايش وتعليقات السيد‬
‫ّ‬
‫والعاّلمة الدسوقي‪ ،‬وعبد الرمحن الرشبيني‪ ،‬إعداد‪:‬‬ ‫رشيف اجلرجاين‪ ،‬وعبد احلكيم السيالكويت‪،‬‬
‫الشيخ فرج اهلل زكي‪ ،‬املطبعة األمريية‪ ،‬مرص‪ 1323 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪17.‬ــــــــــــــ‪ ،‬لوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار‪ ،‬انتشارات الكتبي النجفي‪ ،‬قم‪.‬‬
‫ ‪18.‬ررش‪ ،‬نيكال‪ ،‬تطور املنطق العريب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد مهران‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬الشريازي‪ ،‬صدر الدين‪ ،‬التنقيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬غالم رضا يايس پور‪ ،‬انتشارات بنياد حكمت‬
‫اسالمي صدرا‪ ،‬طهران‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪20.‬الصدر‪ ،‬السيد حسن‪ ،‬تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم‪ ،‬منشورات األعلمي‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ ‪21.‬الطباطبائي‪ ،‬السيد عبد العزيز‪ ،‬مكتبة ّ‬
‫العاّلمة احل ّيّل‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة آل البيت ‪ ‬إلحياء الرتاث‪،‬‬
‫قم‪ 1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪22.‬الطهراين‪ ،‬اآلغا بزرك‪ ،‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬ط ‪ ،3‬بريوت‪ 1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪23.‬ــــــــــــــ‪ ،‬طبقات أعالم الشيعة‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ 1975 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬الطويس‪ ،‬الشيخ نصري الدين حممد بن حممد‪ ،‬الشفاء (املنطق)‪ ،‬مكتبة آية اهلل املرعيش النجفي‪،‬‬
‫قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫املحصل‪ ،‬إعداد‪ :‬عبد اهلل نوراين‪ ،‬جامعة طهران ومؤسسة مونرتيال‬
‫ّ‬ ‫ ‪25.‬ــــــــــــــ‪ ،‬تلخيص‬
‫للدراسات اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ 1359 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪26.‬ــــــــــــــ‪ ،‬حاشية رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬نرش البالغة‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪27.‬ــــــــــــــ‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬نرش البالغة‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪28.‬غفوري نجاد‪ ،‬حممد‪« ،‬مراصد التدقيق و مقاصد التحقيق عالمه حيل» (مراصد التدقيق‬
‫العاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل)‪ ،‬جمله گاهنامه كتاب شيعه‪ ،‬العدد‪ ،12 / 11 :‬ص ‪ 436‬فام بعد‪،‬‬ ‫ومقاصد التحقيق ّ‬
‫سنة ‪ 1396‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪29.‬فرامرز قراملكي‪ ،‬أحد‪ ،‬جستار در مرياث منطق دانان مسلامن (بحث يف تراث املناطقة‬
‫املسلمني)‪ ،‬پژوهشگاه علوم إنساين‪ ،‬طهران‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪30.‬املجليس‪ ،‬حممد باقر‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ 1364 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪31.‬حممد خاين‪ ،‬حسني‪ ،‬آراي منطقي عالمه ّ‬
‫حيّل (أطروحة علمية عىل مستوى املاجستري)‪ ،‬جامعة‬
‫طهران‪ ،‬بتاريخ‪ :‬شهر شهريور (‪ 1381 ،)6‬هـ ش‪.‬‬
‫ ‪32.‬املظفر‪ ،‬حممد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬دار التعارف‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت‪ 1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫محمد باقر الداماد وأثره يف تحقيق مطالب علم املنطق‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬السيد سعد رشيف البخايت‬

‫ُملخّص البحث‬
‫علم املنطق وهو جمموعة القواعد التي بمراعاهتا حيصل الباحث واملفكّر‬
‫عىل نتائج صحيحة يف تفكريه وبحثه التصوري والتصديقي؛ ولذا أطلقوا‬
‫التصور والتصديق‪ .‬وألمهية هذا العلم بذل العلامء يف كشف‬ ‫ّ‬ ‫عليه كاسب‬
‫دون املع ّلم‬ ‫قواعده وحتقيقها وتنقيحها وبسطها وبياهنا جهو ًدا كبرية‪ ،‬منذ ْ‬
‫أن ّ‬
‫األول قواعده‪ .‬واستمرت عناية احلكامء هبا حتى وصلت تلك اجلهود إىل‬
‫احلارضة اإلسالمية فأخذوا بحظهم منها‪ ،‬وأجهدوا أنفسهم يف حتصيلها‬
‫بارز فيها‪ ،‬من قبيل الفارايب‬
‫دور ٌ‬ ‫وحتقيقها‪ .‬وكان لعلامء شيعة أهل البيت ‪ٌ ‬‬
‫وابن سينا وغريهم‪ .‬ومن مجلة أولئك احلكامء السيد الداماد ‪ ،‬فقد كانت له‬
‫مهم ٌة يف هذا املضامر‪ ،‬ينبغي للباحثني يف العلوم العقلية‬
‫وإضافات ّ‬
‫ٌ‬ ‫حتقيقات‬
‫ٌ‬
‫االطالع عليها لالستفادة منها‪ ،‬من قبيل حتقيقاته يف باب احلمل والقضايا‬
‫ومراتب نفس األمر‪ ،‬وهو ما ركّزت عليه هذه الدراسة املخترصة‪.‬‬

‫ّاب‬ ‫ٍ‬
‫وحضارة وعلامء و ُكت ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تراث‬ ‫نسب إليها من‬ ‫تعتز األمم والشعوب بام ُي َ‬ ‫ّ‬
‫دليل عىل تقدّ مهم يف تلك اخلصوصية‪ .‬وقد‬ ‫وأبطال وشعراء وفنانني؛ ألنّه ٌ‬ ‫ٍ‬
‫يعتزون هبا ويفخرون هبا‪ .‬ومن‬‫مت ّيز أتباع أهل البيت ‪ ‬بكثرة املفاخر التي ّ‬
‫أن نحيي ذكرهم ونربز‬ ‫الواجب علينا ـ أبناء الطائفة احل ّقة ـ عرفانًا حل ّقهم ْ‬
‫مآثرهم‪ .‬ومن هذا املنطلق جاءت هذه الدراسة حماول ًة إلبراز ما جادت به‬
‫عبقرية السيد حممد باقر الداماد (رضوان اهلل عليه) يف علم املنطق وإسهاماته‬

‫ص يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬وأستا ٌذ يف الحوزة العلم ّية‪ :‬النجف األرشف‪.‬‬


‫متخص ٌ‬
‫ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ | 350‬تاریخ علم املنطق‬

‫التأسيسية يف الكشف عن بعض النظريات املنطقية التي مل يكن هلا ْ‬


‫أن تظهر‬
‫إىل عامل الوجود ّإاّل بفضل هذا الرجل الكبري‪.‬‬

‫مقدّ مة حول دور علامء الشيعة يف العلوم‬


‫لكثري من العلوم‪ ،‬كأيب األسود‬ ‫ٍ‬ ‫بل ُيعدّ علامء الفرقة املح ّقة املؤسسني‬
‫الدؤيل الواضع لعلم النحو‪ ،‬ثم جاء من بعده الفراهيدي فن ّقحه وبسطه‪ ،‬كام‬
‫يعدّ الفراهيدي ّأول من ضبط اللغة وكتب كتابه املعروف (العني)‪ .‬وذكر‬
‫بأن الفراهيدي هو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إىل‬ ‫ابن َخ ِّلكَان ّ‬
‫دون يف علم الرصف‪ .‬كام برز يف التفسري‬ ‫الوجود‪ ،‬وأبا عثامن املازين ّأول من ّ‬
‫علامء الشيعة منذ رحيل النبي صىل اهلل عليه وآله‪ ،‬كابن عباس حرب األمة ‪‬‬
‫اهلمداين يف جماز‬
‫تلميذ أمري املؤمنني ‪ ،‬وحييى بن زياد الكويف وأبو الفتح ْ‬
‫ولعل العالمة املجليس ‪ ‬من أوائل العلامء الذين كتبوا يف التفسري‬ ‫القرآن‪ّ ،‬‬
‫العاّلمة السبحاين (حفظه اهلل)‪ .‬وهكذا تطول القائمة‬ ‫املوضوعي‪ ،‬كام يقول ّ‬
‫إذا أردنا بيان دور الشيعة يف علم الكالم واحلديث والفقه وأصوله وعلم‬
‫املغازي والسري وعلم اجلغرافية والعلوم‪ .‬وعندما نرجع إىل تاريخ العلوم‬
‫العقلية نجد لعلامء الشيعة بصامته الواضحة كابن سينا‪ ،‬والفارايب‪ ،‬وخواجه‬
‫‪1‬‬
‫نصري الدين الطويس‪ ،‬وقطب الدين الراوندي‪ ،‬والداماد‪ ،‬وا ُمل ّاّل صدرا و‪...‬‬
‫ٍ‬
‫إسهامات كبري ًة جدً ا يف بناء احلضارة اإلسالمية‬ ‫فاملذهب الشيعي يمتلك‬
‫ٍ‬
‫كقوة‬ ‫يف شتى العلوم وخمتلف الفنون‪ ،‬وله مالحم كثرية بربكتها قام اإلسالم‬
‫يف وجه أعدائه يف خمتلف األزمنة واألصعدة‪.‬‬

‫ونحن يف هذه الدراسة املخترصة نو ّد تسليط الضوء عىل ع َل ٍم من أعالم‬


‫أن حي ّقق العلوم العقلية‬
‫ورمز من رموزها الذي استطاع ْ‬ ‫ٍ‬ ‫هذه الطائفة‬
‫‪ .1‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ ،‬دور الشيعة يف بناء الحضارة اإلسالمية‪ :‬ص‪ 18‬ـ ‪.94‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪351‬‬

‫وينضجها ويضيف عليها‪ ،‬حتى أصبحت يف غاية العمق واملتانة والنضج‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ولكن ظلمه التاريخ فلم يقف عنده ومل يتأمل يف نظرياته وحتقيقاته الختالف‬
‫فوجدت لزا ًما ْ‬
‫أن أشري إىل‬ ‫ُ‬ ‫كثري معه يف وجهات النظر تقليدً ا ال عن دراية‪.‬‬‫ٍ‬
‫هذه الشخصية الكبرية وفا ًء هلا وإلنجازاهتا العظيمة‪.‬‬

‫نبذ ٌة من حياة السيد الداماد‪ ،‬وأهم إنـجازاته‪.‬‬


‫نسبه وتاريخ والدته ووفاته‬
‫هو السيد حممد باقر ابن املري شمس الدين حممد احلسيني االسرتابادي‪.‬‬
‫عيل ‪ ،‬ثم سكن أجداده يف اسرتباد‬ ‫فنسبه يرجع إىل اإلمام احلسني بن ّ‬
‫يتعرض له شيعة أهل البيت وأبناؤهم‪ ،‬ف ُل ِّقب‬ ‫اإليرانية بسبب ما كان ّ‬
‫باالسرتبادي‪ .‬أ ّمه بنت املح ّقق الثاين الشيخ عيل عبد العايل الكركي العاميل‪،‬‬
‫من كبار فقهاء الشيعة اإلمامية يف العرص الصفوي‪ ،‬واحلاكم يف مملكة الشاه‬
‫(طهامسب)‪ ،‬فقد أكرمه الشاه الصفوي‪ ،‬وجعل له الكلمة يف إدارة ملكه‪،‬‬
‫فكان الشيخ يكتب إىل مجيع البلدان بدستور العمل؛ ولذا فهو الوزير األعظم‬
‫املرتجم له‪ُ ،‬ل ِّقب بالداماد‬
‫َ‬ ‫يف نظر األمة‪ .‬فلام صاهره السيد حممد احلسيني والد‬
‫املرتجم له باملري الداماد؛‬
‫َ‬ ‫بمعنى الصهر‪ ،‬ويعنون به صهر احلاكم‪ ،‬ثم ُعرف‬
‫تب ًعا لشهرة أبيه‪.1‬‬

‫ولذا يقول صاحب تعليقة أمل اآلمل‪« :‬األمري الكبري حممد باقر بن حممد‬
‫احلسيني االسرتآبادي الداماد‪( :‬الداماد) ملا كانت بنت الشيخ عيل الكركي‬
‫زوجة أب هذا السيد وهلذا اشتهر أبوه بالداماد‪ ،‬ثم ملا تولد منه هو اشتهر من‬
‫أجل والده بالداماد»‪ .‬كام ُل ِّقب باملعلم الثالث‪ ،‬وأستاذ البرش‪ ،‬وسيد األفاضل‪.‬‬
‫‪ .1‬األصبهاين‪ ،‬عبد الله أفندي‪ ،‬تعليقة أمل اآلمل‪ :‬ص ‪ .250‬الزركيل‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم‪ :‬ج‪،4‬‬
‫ص‪ .281‬األمني‪ ،‬محسن‪ ،‬أعيان الشيعة ج ‪ 9‬ص ‪.189‬‬
‫‪ | 352‬تاریخ علم املنطق‬

‫ُولِد يف إيران‪ ،‬يف إسرتآباد املسامة حال ًيا بـ(جورجان) عام ‪ 970‬هـ‪ ،‬وتويف‬
‫سنة ‪ 1041‬يف النجف عند جميئه لزيارة العتبات املقدّ سة يف العراق مع الشاه‬
‫صفي الصفوي‪ ،‬وقربه موجو ٌد بني النجف وكربالء يف منطقة احليدرية (خان‬
‫النص)‪.1‬‬

‫دراسته‪:‬‬
‫بدأ دراسته احلوزوية يف مدينة مشهد بخراسان‪ ،‬فرشع بدراسة األدب‬
‫العريب واملنطق‪ ،‬ثم العلوم القرآنية وعلوم احلديث والرجال والفقه واألصول‬
‫والفلسفة‪ ،‬وتعمق يف الرياضيات والفلك والنجوم وغريها من العلوم عىل‬
‫أيدي كبار املشايخ وأهل الفن يف زمانه‪.‬‬

‫ثم انتقل إىل دار السلطنة بقزوين‪ ،‬حيث التحق ببالط الشاه عباس‬
‫الصفوي واشتغل هناك بالبحث والتحقيق والتدريس‪ ،‬ثم ارحتل منها عام‬
‫‪ 988‬هـ إىل مدينة كاشان‪ ،‬وبقى فيها مد ًة من الزمن‪ ،‬ثم انتقل عنها إىل مدينة‬
‫أصفهان‪ ،‬حيث استقر فيها إىل األيام األخرية من حياته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫علمية عرفتها إيران يف ذلك‬ ‫ٍ‬
‫حوزة‬ ‫ويف هذه املدينة قام بتأسيس أكرب‬
‫طاّلب العلوم من ّ‬
‫كل‬ ‫الوقت‪ ،‬وقام بنرش أفكاره الفلسفية والتف حوله ّ‬
‫وخاصة يف‬
‫ّ‬ ‫مكان‪ ،‬ينهلون من بحر علومه ومعارفه يف الفنون املختلفة‬
‫الفلسفة اإلسالمية‪.‬‬

‫أساتذته‪:‬‬
‫جاء يف الكنى واأللقاب ما نصه‪« :‬وهو معارص للشيخ البهائي هاجر‬
‫إىل خراسان وعراق املعجم‪ ،‬وأخذ عن السيد نور الدين عيل بن أيب احلسن‬
‫‪ .1‬البستاين‪ ،‬فؤاد اخرام‪ ،‬دائرة املعارف‪ :‬ج ‪ 14‬ص ‪.316‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪353‬‬

‫املوسوي‪ ،‬وعن خاله املح ّقق الثاين وغريمها»‪ .1‬وقال الشيخ عيل أوسط‬
‫ناطقي يف مقدمة حتقيقه لكتاب الرواشح‪« :‬ت َت ْل َم َذ املري داماد عىل عدّ ة من‬
‫العلامء الكبار‪ ،‬منهم‪ .1 :‬خاله ابن املح ّقق الكركي الشيخ عبد العايل العاميل‬
‫الكركي‪ .2 .‬الشيخ حسني بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي‪ .3 .‬السيد‬
‫الساّمكي‬
‫عيل بن أيب احلسن املوسوي العاميل‪ .4 .‬فخر الدين ّ‬ ‫نور الدين ّ‬
‫األسرتآبادي‪ ،‬وهذا هو ُأستاذه يف املعقول‪ .5 .‬تاج الدين حسني الصاعد‬
‫الطويس»‪.2‬‬

‫تالمذته‪:‬‬
‫تتلمذ عىل يديه جمموع ٌة من العلامء البارزين‪ ،‬منهم‪ .1 :3‬العارف قطب‬
‫بم ّاّل صدرا‪ .3 .‬السيد‬
‫الدين األشكوري‪ .2 .‬صدر الدين الشريازي املعروف ُ‬
‫أمحد العلوي‪ ،‬وهو صهره‪ .4 .‬نرص اهلل اهلمداين املعروف باآلخوند نرصا أو‬
‫اآلخوند نصريا‪ .5 .‬السيد حسني بن السيد حيدر بن عيل بن قمر احلسيني‬
‫العاميل الكركي‪ .6 .‬حسني بن املريزا رفيع الدين احلسيني اآلميل املازندراين‪،‬‬
‫املل ّقب بسلطان العلامء وبخليفة السلطان‪ .7 .‬املريزا حممود بن مريزا عيل‪.‬‬
‫ال شمسا‪ .‬وغريهم من العلامء‪.‬‬ ‫حممد اجليالين املعروف با ُمل ّ‬
‫‪ .8‬شمس الدين ّ‬

‫‪ .1‬الق ّمي‪ ،‬عباس‪ ،‬الكنى واأللقاب‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.202‬‬


‫‪ .2‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬الرواشح الساموية‪ :‬ص‪(11‬مقدّمة التحقيق)‪.‬‬
‫‪ .3‬األمني‪ ،‬محسن‪ ،‬أعيان الشيعة‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،498‬وج‪ ،7‬ص‪ .470‬الحسيني‪ ،‬أحمد‪ ،‬تراجم‬
‫الرجال‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 590‬وص‪ .808‬األمني‪ ،‬حسن‪ ،‬مستدركات أعيان الشيعة‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.332‬‬
‫الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬الرواشح الساموية‪ :‬ص‪ .11‬الخوانساري‪ ،‬محمد باقر املوسوي‪ ،‬روضات‬
‫الجنات‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.65‬‬
‫‪ | 354‬تاریخ علم املنطق‬

‫أهم مؤ ّلفاته يف املنطق والفلسفة‪:‬‬


‫ّ‬
‫نرباس الضياء يف حتقيق معنى البداء‪ .2 .‬القبسات‪ .3 .‬اإليقاظات‪ .4 .‬تقدمة‬
‫تقويم اإليامن‪ .5 .‬حوايش رجال الكيش‪ .6 .‬رسالة يف الرضاع‪ .7 .‬رسالة يف‬
‫خلق األفعال‪ .8 .‬رسالة يف حتقيق مفهوم الوجود‪ .9 .‬األنموذج‪ ،‬ذكر فيه عرشين‬
‫عويصا فيام يتعلق بالريايض ذي األصلني وغريها‪ .10 .‬اإليامضات‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إشكااًل‬
‫والترشيقات يف حدوث العامل وقدمه‪ .11 .‬تقويم اإليامن‪ ،‬فيه مبحث واجب‬
‫الوجود وتقديسه ومتجيده‪ .12 .‬اجلذوات‪ ،‬يف بيان سبب عدم احرتاق جسد‬
‫التجيّل يف طور سيناء أ ّلفه للشاه صفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫موسى ‪ ،‬واحرتاق اجلبل يف حال‬
‫‪ .13‬األفق املبني يف احلكمة اإلهلية‪ .14 .‬اإلعضاالت العويصات يف فنون العلوم‬
‫والصناعات ‪ -‬يعرف بالسبع الشداد‪ .15 .‬رسالة يف حدوث العامل‪ُ ،‬طبِعت يف‬
‫هامش القبسات‪ .16 .‬رسالة يف العلم الواجب‪ .17 .‬الرواشح الساموية يف رشح‬
‫أحاديث اإلمامية‪ ،‬وهو رشح عىل الكايف‪ .18 .‬ديوان شعر‪.1‬‬

‫مكانته العلمية وأقوال العلامء فيه‪:‬‬


‫كل من ّأرخ له‪ ،‬فقد قال عنه السيد األمني‬‫وأ ّما مكانته العلمية فقد أشاد هبا ّ‬
‫شاعرا بالعربية‬
‫ً‬ ‫يف أعيانه‪« :‬كان فيلسو ًفا رياض ًيا متفننًا يف مجيع العلوم الغريبة‬
‫آثار باقي ٌة يف احلكمة وأصول الدين والفقه وغريها‪،‬‬ ‫والفارسية‪ ،...‬وله ٌ‬
‫ٍ‬
‫خالية من التعقيد»‪.2‬‬ ‫وعباراته يف بعض مؤ ّلفاته غري‬

‫وقد نقل الشيخ الرجائي ـ يف مقدمته عىل رجال الكيش تعليق املري دامادـ‬
‫املرتجم له‪ ،‬ونحن ننقل بعضها‪« :‬قال‬ ‫حق‬ ‫ٍ‬
‫جمموعة من العلامء يف ّ‬ ‫أقوال‬
‫َ‬
‫السيد عيل خان يف سالفة العرص‪ :‬باقر العلم وحتريره‪ ،‬الشاهد بفضله تقريره‬
‫‪ .1‬األمني‪ ،‬محسن‪ ،‬أعيان الشيعة‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪.189‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪355‬‬

‫صدر‬
‫ٌ‬ ‫وإن مكارمه ال يتسع لبثها‬ ‫إن الزمان بمثله لعقيم‪ّ ،‬‬
‫وحتريره‪ ،‬وواهلل ّ‬
‫املتأهّلني يف رشح األصول الكايف‪ :‬سيدي‬ ‫أيضا صدر ّ‬ ‫رقيم‪ ...‬وقال تلميذه ً‬
‫وسندي وأستاذي‪ ،‬واستنادي يف املعامل الدينة‪ ،‬والعلوم اإلهلية‪ ،‬واملعارف‬
‫احلقيقية‪ ،‬واألصول اليقينية‪ ،‬السيد األجل األنور‪ ،‬العامل املقدّ س األطهر‪،‬‬
‫احلكيم اإلهلي‪ ،‬والفقيه الرباين‪ ،‬س ّيد عرصه‪ ،‬وصفوة دهره‪ ،‬األمري الكبري‪،‬‬
‫عاّلمة الزمان‪ :‬أعجوبة الدوران‪ ،‬ا ُمل ّ‬
‫سمى ‍ب (حممد)‪ ،‬املل ّقب‬ ‫والبدر املنري‪ّ ،‬‬
‫‍ب (باقر الداماد احلسيني) قدس اهلل عقله بالنور الرباين»‪.1‬‬
‫وقال فيه ّ‬
‫العاّلمة املجليس‪« :‬األمري حممد باقر بن حممد الشهري بالداماد‬
‫احلسيني‪ .‬طراز العصابة‪ ،‬وجواز الفضل وسهم اإلصابة‪ ،‬الرافع بأحاسن‬
‫الصفا أعالمه‪ ،‬فسيد وسند وعلم ّ‬
‫وعاّلمة‪ ،‬أكيل جبني أرشف وقالدة جيده‪،‬‬
‫الناطقة ألسن الدهور بتعظيمه ومتجيده‪ ،‬باقر العلم ونحريره‪ ،‬الشاهد بفضله‬
‫وإن مكارمه ال يتّسع لب ّثها‬
‫إن الزمان بمثله لعقيم‪ّ ،‬‬
‫تقريره وحتريره‪ ،‬وواهلل ّ‬
‫صدر رقيم»‪.2‬‬
‫ورعه وعبادته‪:‬‬
‫مكاثرا من تالوة كتاب اهلل املجيد بحيث ذكر‬
‫ً‬ ‫كان ‪ ‬متع ّبدً ا يف الغاية‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة مخسة عرش جز ًءا من القرآن‪ ،‬مواظ ًبا عىل‬ ‫بعض الثقاة أنّه كان يقرأ ّ‬
‫أن بلغ سن التكليف حتى مات‪ُ ،‬جُم ّدً ا‬‫أداء النوافل‪ ،‬مل يفته يش ٌء منها منذ ْ‬
‫ساع ًيا يف تزكية نفسه النفيسة‪ ،‬وتصفية باطنه الرشيف حتى اشتهر أنّه مل يضع‬
‫جنبه عىل فراشه بالليل يف مدة أربعني سنة‪.3‬‬

‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اختيار معرفة الرجال (تعليق املريداماد‪ ،‬تحقيق الرجايئ)‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 8‬ـ ‪.11‬‬
‫‪ .2‬املجليس‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،106‬ص‪.124‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اختيار معرفة الرجال (تعليق املريداماد‪ ،‬تحقيق الرجايئ)‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫‪ | 356‬تاریخ علم املنطق‬

‫اإلبداعات العلم ّية للس ّيد الداماد‪:‬‬


‫ٍ‬
‫ومفرّسا الم ًعا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫كبريا‪،‬‬
‫فقيها ً‬ ‫برع الس ّيد الداماد يف علو ٍم كثرية؛ فقد كان ً‬
‫وحمد ًثا‪ ،‬ورجال ًيا‪ ،‬وفيلسو ًفا حمق ًقا‪ ،‬ومنطق ًيا‪ ،‬ومتك ّل ًاًم‪ ،‬وعار ًفا متأ ّل ًقا‪ .‬ومن‬
‫أن العلوم عنده غري متداخلة‪ ،‬ومل يؤ ّثر بعضها عىل بعض يف‬ ‫مجيل خصائصه ّ‬
‫ذهنه الرشيف‪ ،‬وهذا من غرائبه (رضوان اهلل عليه)‪.‬‬

‫توصل‬
‫ومن مجلة خصائصه أنّه من خالل حتقيقه مطالب علم املنطق ّ‬
‫إىل نتائج ال جتدها يف كتب من سبقه أمثال ابن سينا والفارايب وابن رشد‬
‫وأرسطو‪ .‬فهي مطالب بِك ٌْر مل ّ‬
‫يتطرق هلا فكر احلكامء من قبله‪ ،‬بل هي من‬
‫إبداعات عبقريته‪.‬‬

‫وقد أجاد أستاذنا الدكتور أيمن املرصي يف بيان نظريات الداماد اجلديدة‪،‬‬
‫وصنّفها إىل ثالثة أصناف (منطقية‪ ،‬وفلسفية‪ ،‬وكالمية)‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫أ ـ اإلبداعات املنطقية‪:‬‬
‫وتظهر أكثرها يف كتابه (األفق املبني) ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‌.‬حتقيق مباحث الوضع واحلمل يف القضايا‪ ،‬ومبدأ انتزاع املحمول والتفريق‬
‫بني منشأ االنتزاع ومصحح االنتزاع يف املحموالت‪ ،‬والفرق بني ظرف‬
‫انعقــاد احلمل ومطابق أو مفاد احلمل‪ ،‬أو بني ظرف العروض وظرف‬
‫االتصاف‪.‬‬
‫‪2‌.‬تقسيم اهل ّليات البسيطة إىل حقيقية ومشهورية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رشط آخر إىل رشوط حت ّقق التناقض وهو رشط وحدة احلمل‪.‬‬ ‫‪3‌.‬إضافة‬
‫‪4‌.‬حتقيق مباحث نفس األمر ومراتب الذهن بنحو بديع وجديد‪.‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪357‬‬

‫ب ـ إبداعاته الفلسفية‪:‬‬
‫‪1‌.‬احلــدوث الدهري‪ :‬ومعنــاه حدوث ّ‬
‫كل العــامل بعد العــدم الرصيح يف‬
‫األعيان‪ ،‬وخت ّلفــه اخلارجي عن اخلالق تعاىل يف األعيان‪ .‬وهو من ّ‬
‫أدق‬
‫وأرقى املباحث الفلسف ّية التي مل يلتفت إليها أحدٌ قبله‪ ،‬وقد تناول هذه‬
‫بنحو تفصييل يف كتاب (القبسات)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املسألة‬
‫‪2‌.‬أصالة املاهيــة‪ :1‬فعىل الرغم من إطباق مجهور الفالســفة قبله عىل القول‬
‫أمرا بدهي ًيا‬
‫فإهّنم كانوا يعدّ ون ذلك ً‬
‫بأصالة املاهية واعتبارية الوجود ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫تفصييل‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫يتعرضوا لالســتدالل عليها‬
‫أو قري ًبا مــن البدهيي؛ فلم ّ‬
‫ّ‬
‫لكل الشبهات التي‬ ‫ٍ‬
‫ودقيق كام فعل الســيد الداماد‪ ،‬باإلضافة إىل دفعه ّ‬
‫أن ترد عىل أصالة املاهية من وجهة نظــره‪ ،‬ور ّده الرصيح عىل‬‫يمكــن ْ‬
‫أصالة الوجود‪ .‬وربام يكون السبب يف ذلك هو طرح ا ُمل ّاّل صدرا ألصالة‬
‫الوجود يف عرصه؛ ممّا دعاه للنهوض لالستدالل ودفع اإلشكاالت‪.‬‬
‫‪3‌.‬اختصــار املقوالت العرش املشــهورة عند املشــائني إىل مقولتني فقط‪ ،‬مها‬
‫اجلوهر‪ ،‬والعرض واملندرج حتته األنواع العرضية التسعة العالية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وعميق كام يف كتاب (الرصاط‬ ‫ٍ‬
‫جديد‬ ‫‪4‌.‬حتقيق مباحث احلركة والزمان ٍ‬
‫بنحو‬
‫املستقيم)‪.‬‬

‫‪ .1‬املراد من األصيل هو صاحب اآلثار يف الخارج واألعيان‪ ،‬واملراد من املاهية هي حقيقة‬


‫اليشء وذاته التي ميكن تعقّلها‪ .‬فال الوجود جزء منها‪ ،‬وال العدم جزء منها‪ ،‬فالوجود والعدم ليس‬
‫من أجزائها الذاتية‪ ،‬بل يعرضان عليها بعلة‪ .‬فأصالة املاهية تعني أ ّن هذه املاهية هي مخلوق الله‬
‫تعاىل‪ ،‬وهي صاحبة اآلثار إ ْن تحققت و ُوجِدت يف األعيان والخارج‪ ،‬وليس املراد من أصالة‬
‫املاهية أ ّن املاهية التي هي ال موجودة وال معدومة موجود ٌة يف الخارج وهي صاحبة اآلثار؛ فإ ّن‬
‫تناقض رصيح‪ ،‬وهذا البيان ألصالة املاهية بعيد عن الواقع‪ ،‬ناشئ عن عدم وضوح مراد‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك‬
‫القائلني بأصالة املاهية‪ .‬ا ُنظر‪ :‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬األفق املبني‪ :‬ص‪ 4‬وص‪ .358‬الداماد‪ ،‬محمد‬
‫باقر‪ ،‬القبسات‪ :‬ص‪ 37‬وص‪ .119‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬التقديسات‪ :‬ص‪.132‬‬
‫مفص ًاًل واألقوال يف ذلك ومناقشتها يف أطروحتنا للدكتوراه (أصالة املاهية بني‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬لقد بيّنا ذلك‬
‫السيد الداماد وكانط دراسة مقارنة)‪.‬‬
‫‪ | 358‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪5‌.‬إبداع التقدّ م باملاهية وأصنافه املختلفة‪.‬‬


‫ّ‬
‫والتشخص‪.‬‬ ‫‪6‌.‬حتقيق بديع ملباحث املاهية واجلنس والفصل‬
‫‪7‌.‬نظري ٌة جديد ٌة يف علم الواجب تعاىل قبل وبعد اإلجياد‪.‬‬

‫ج ـ املسائل الكالمية‪:‬‬
‫بيان جديدٌ ملسألة البداء‪ّ ،‬‬
‫وإن البداء يف التكوين كالنسخ يف الترشيع‪.1‬‬ ‫‪ٌ 1‌.‬‬
‫طرح جديدٌ يف مسألة القضاء والقدر واجلرب واالختيار‪.3»2‬‬
‫‪ٌ 2‌.‬‬

‫د‪ -‬إبداعاته يف علم املنطق‬


‫ذكرت يف إطروحة الدكتوراه‬‫ُ‬ ‫وهي ما نروم بيانه يف هذه الدراسة‪ ،‬وقد‬
‫املسامة (أصالة املاهية بني السيد الداماد وكانط دراسة مقارنة) عند البحث‬
‫عن تاريخ مسألة أصالة املاهية‪ّ :‬‬
‫أن القول بأصالة املاهية متتد جذوره التارخيية‬
‫حمل إمجاع الفالسفة ّ‬
‫املشاء واإلرشاقيني‪.‬‬ ‫وأن القول هبا هو ّ‬‫إىل زمن اليونان‪ّ ،‬‬

‫أن بحث املسألة كان عىل مستوى واحد‪ ،‬بل كانت‬ ‫ولكن هذا ال يعني ّ‬
‫توضح أركاهنا‪ ،‬وال الدليل عليها‬ ‫ُطرح عىل ّأهّنا من املسلامت‪ ،‬فلم ّ‬
‫املسألة ت َ‬
‫وال طرح الشبهات الواردة عىل القول هبا‪ ،‬وكيفية ر ّدها‪ .‬وهذا ما امتازت‬
‫به فلسفة الداماد ‪ ،‬إذ تصدّ ى لبحث املسألة‪ ،‬بح ًثا تصور ًيا‪ّ ،‬بنّي فيه معنى‬
‫أصالة املاهية‪ ،‬ولوازم ذلك‪ ،‬كام بحثها من اجلهة التصديقية وإقامة الدليل‬
‫عليها‪ ،‬وإبطال القول بأصالة الوجود‪.‬‬

‫‪ .1‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬نرباس الضياء وتسواء السواء ص ‪ 55‬ـ ‪.61‬‬


‫‪ .2‬القبسات ـ القبس العارش‪.‬‬
‫‪ .3‬املرصي‪ ،‬أمين‪ ،‬أصالة املاهية أو الوجود بني السيد الداماد وتلميذه املال صدرا (أطروحة‬
‫دكتوراه)‪ :‬الفصل الرابع من فصول املقدمة‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪359‬‬

‫فكان إثباته هلا مقرونًا بإبداعات وتعميق للمسألة من زوايا خمتلفة‪ ،‬ومن‬
‫مهها هو تعميق بعض املطالب املنطقية؛ فقد استفاد املع ّلم الثالث من القواعد‬
‫أ ّ‬
‫بنحو واضح‪ً ،‬‬
‫فمثاًل استفاد من بحث‬ ‫املنطقية وتعميقها لبيان مسألة األصالة ٍ‬
‫احلمل‪ ،‬وحيثيات املوضوع‪ ،‬وحقيقة املحمول‪ ،‬وكيفية محله عىل املوضوع‪،‬‬
‫مطروحا قبله‪،‬‬
‫ً‬ ‫أو احتاده باملوضوع‪ ،‬يف بيان أصالة املاهية‪ .‬وهذا األمر مل يكن‬
‫بل وحتى من جاء بعده مل يستفد من هذه احليثيات يف بيان حقيقة األمر يف‬
‫املسألة‪ .‬فلنس ّلط الضوء عىل بعض إبداعاته‪:‬‬
‫املورد األول‪ :‬احلمل‬
‫معنى احلمل هو االحتاد واهلوهوية‪ ،‬وعليه فال بدّ من فرض سنخ ٍ‬
‫احتاد بني‬
‫املوضوع واملحمول حتى يصح احلمل‪ ،‬فقد ذهب ا ُمل ّاّل صدرا‪ 1‬إىل ّ‬
‫أن االحتاد‬
‫يف احلمل الشايع الصناعي يف الوجود‪ ،‬فهام يف اخلارج يش ٌء واحد‪ .‬ولك ّن‬
‫أن املوضوع هو املحمول‪ ،‬فقولنا‬ ‫أن االحتاد يف احلمل بمعنى ّ‬ ‫الداماد ‪ ‬يرى ّ‬
‫أن اجلسم هو األبيض‪ ،‬فننتزع احلمل من مبدأ‬ ‫مثاًل)‪ ،‬يراد به ّ‬
‫(اجلسم أبيض ً‬
‫سوغ محل املحمول‬ ‫املحمول املتع ّلق باملوضوع‪ ،‬وهذا املبدأ للحمل هو الذي ُي ّ‬
‫عىل املوضوع‪ ،‬واملحمول ـ األبيض ـ هنا هو املشتق الذي نصف به املوضوع‪،‬‬
‫فهو ـ يف الواقع ـ ليس شي ًئا بإزاء املوضوع‪ ،‬وإنّام هو ـ يف حقيقته ـ املوضوع‬
‫ألن احلمل حيتاج إىل حيثية ّاحّتاد وحيثية‬‫نفسه‪ ،‬ولكن بلحاظ وحيثية ّما؛ ّ‬
‫تغاير‪ ،‬فاملوضوع واملحمول متّحدان يف املوضوع نفسه‪ ،2‬لكنّهام متغايران يف‬
‫منظورا إليها مع‬
‫ً‬ ‫احليثية واالعتبار‪ ،‬إذ املوضوع من حيث هو يراد به الذات‬
‫كل ما سواها‪ .‬وأ ّما املحمول فهو املوضوع نفسه لكن من‬ ‫قطع النظر عن ّ‬
‫دائاًم ـ يف املوضوع والتغاير باالعتبار‪ .‬إ ًذا‪ ،‬االحتاد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واعتبار ما‪ .‬فاالحتاد ـ ً‬ ‫حيثية‬
‫حقيقي والتغاير اعتباري‪ .‬وهذا هو مقتىض احلمل‪.‬‬
‫‪ .1‬صدر الدين‪ ،‬محمد‪ ،‬الحكمة املتعالية‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.200‬‬
‫‪ .2‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬مصنفات مري داماد (األفق املبني)‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.46‬‬
‫‪ | 360‬تاریخ علم املنطق‬

‫حااًل فيه‪ ،‬بل هو املوضوع‬ ‫منضاًم إىل املوضوع أو ً‬


‫ً‬ ‫فليس املحمول شي ًئا‬
‫باعتبار معنّي‪ ،‬فال نحتاج إىل البحث عن جهة ٍ‬
‫احتاد بينهام حتى نفرتضها‬ ‫ٍ ّ‬ ‫عينه‬
‫أن احلمل يعني اهلوهوية‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن‬ ‫مثاًل ـ أو شي ًئا آخر‪ ،‬وهو معنى ّ‬ ‫الوجود ـ ً‬
‫أمر اعتباري‪ .1‬وعليه فام مل‬ ‫ٍ‬
‫املوضوع هو املحمول ال يشء ثان‪ .‬نعم‪ ،‬التغاير ٌ‬
‫حقيقي بني املوضوع واملحمول مل ينفع الوجود يف ّاحّتادمها؛‬
‫ّ‬ ‫يكن هناك احتا ٌد‬
‫عاجزا عن جعل االحتاد بني املاهيات املتباينة‪ ،‬يقول‬ ‫ً‬ ‫ولذا نجد الوجود‬
‫رضوان اهلل عليه‪« :‬فاملاه ّيات املتباينة ال تتحد يف الوجود‪ .‬وكيف ينتزع من‬
‫أن الوجود‬ ‫إحداها عني املنتزع من األخرى مع اختالفهام»‪ .2‬باإلضافة إىل ّ‬
‫ليس إال موجودية املاهية وحتققها‪.‬‬
‫أن االحتاد بني املوضوع واملحمول هو‬ ‫أن الداماد يرى ّ‬ ‫وما نخلص إليه ّ‬
‫أن املحمول هو عني ماهية املوضوع‬ ‫ّاحّتا ٌد باملاهية‪ ،‬ال بالوجود‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫معنّي‪.‬‬
‫منظورا إليها باعتبار ّ‬
‫ً‬
‫املورد الثاين‪ :‬اعتبارات املوضوع‬
‫من املوارد التي مل تكن واضح ًة يف كلامت من تقدّ م عىل الداماد من‬
‫املناطقة واحلكامء هي مسألة اعتبارات املوضوع وحيثياته‪ ،‬رغم أمهيتها يف‬
‫تنظيم الذهن ومعرفته يف ترتيب األحكام املنطقية والفلسفية‪ .‬وقد أجاد‬
‫السيد الداماد يف ابتكارها وتفصيل القول فيها‪ ،‬وتوضيحها‪ .‬فقد أشار ‪‬‬
‫أن املوضوع له اعتبارات خمتلفة‪ ،‬بحسب اختالفها ينتزع‬ ‫يف بحث احلمل إىل ّ‬
‫املحمول ثم حيمل عىل موضوعه‪ ،‬واالعتبارات أو احليثيات املشار إليه ثالثة‪:‬‬
‫ونتبنّي‬
‫احليثية اإلطالقية‪ ،‬واحليثية التعليلية‪ ،‬واحليثية التقييدية‪ .‬فلنقف عندها ّ‬
‫مراد الداماد منها‪.3‬‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.359‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.358‬‬
‫‪ .3‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬مصنفات مري داماد (األفق املبني)‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 37‬ـ ‪.38‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪361‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬احليثية اإلطالقية‬
‫أن املحمول حيمل عىل املوضوع من حيث هو هو‪ ،‬كام يف محل‬ ‫ويعنى هبا ّ‬
‫املقومة له‪ ،‬فنقول ـ ً‬
‫مثاًل ـ‬ ‫اليشء عىل نفسه‪ ،‬أو محل ذات ّياته اإليساغوجية ّ‬
‫اإلنسان إنسان‪ ،‬واإلنسان حيوان ناطق‪.‬‬

‫أن اإلنسان هو اإلنسان‪ ،‬والتغاير هنا بحسب‬ ‫ففي املثال األول يراد بيان ّ‬
‫أن اإلنسان امللحوظ ً‬
‫أواًل هو اإلنسان امللحوظ ثان ًيا‪ .‬فهنا ال‬ ‫اللحاظ‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫حقيقي بني املوضوع واملحمول‪ ،‬بل جمرد‬ ‫ٍ‬
‫واختالف‬ ‫ٍ‬
‫تغاير‬ ‫أي‬
‫ّ‬ ‫يوجد عندنا ّ‬
‫األول‬
‫أن امللحوظ باللحاظ ّ‬ ‫كأن يكون اختال ًفا زمان ًيا‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫اعتبار ذهني‪ْ ،‬‬
‫خيتلف زمانًا عن امللحوظ ثان ًيا‪ ،‬فأحدمها متقدّ م واآلخر ّ‬
‫متأخر‪.‬‬

‫وأما املثال الثاين (اإلنسان حيوان ناطق)‪ ،‬فكذلك نجد املوضوع هو‬
‫أي ٍ‬
‫تغاير يمكن فرضه يف املقام ّإاّل التغاير االعتباري‪،‬‬ ‫املحمول حقيق ًة من دون ّ‬
‫فإن اإلنسان هو احليوان الناطق‪.‬‬ ‫وهو اإلمجال والتفصيل؛ ّ‬

‫واخلالصة ّ‬
‫فإن الذات والذاتيات اإليساغوجية حتمل عىل موضوعها‬
‫باحليثية اإلطالقية‪.‬‬
‫وأما ِمِل سميت إطالقية فألهّنا تلحظ املوضوع ال برشط عن أي ٍ‬
‫يشء من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫حيث هو هو‪.‬‬

‫أنحاء احليثية اإلطالقية‬


‫للحيثية اإلطالقية ثالثة أنحاء‪:‬‬
‫النحو األول‪ْ :‬‬
‫أن يكون املحمول ثابتًا لذات املوضوع بذاته‪ ،‬فيام لو كان‬
‫ألهّنام‬
‫مقو ًما للموضوع‪ ،‬مثل اإلنسان حيوان‪ ،‬أو اإلنسان ناطق؛ ّ‬‫املحمول ّ‬
‫‪ | 362‬تاریخ علم املنطق‬

‫حيمالن عىل اإلنسان لذاته بذاته‪ ،‬فال حيتاج إىل وساطة يف اإلثبات وال وساطة‬
‫متقوم‬ ‫ٌ‬
‫إنسان ّ‬ ‫متقو ٌم باحليوانية‪ ،‬واإلنسان‬ ‫ٌ‬
‫إنسان ّ‬ ‫يف الثبوت‪ ،‬ومعناه‪ :‬اإلنسان‬
‫بالناطقية‪.‬‬

‫مقيس إىل‬
‫ٌ‬ ‫النحو الثاين‪ْ :‬‬
‫أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع من حيث إنّه‬
‫ٍ‬
‫يشء‪ ،‬فليس النظر إىل ذات املوضوع يف ذاته كام يف النحو األول‪ ،‬بل ينتزع‬
‫املحمول من ذات املوضوع بالقياس إىل معنى ليس بخارج عنه‪ ،‬وإنّام معنى‬
‫ً‬
‫فمثاًل لو نظرنا إىل األربعة مقيسة إىل معنى تقتضيه‪،‬‬ ‫يقتضيه املوضوع‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫كاالنقسام إىل متساويني‪ ،‬فليس النظر هلا من حيث هي هي؛ ألهنا‬
‫عدد‪ ،‬بل ننظر إليها من حيث هي مقيسة ملعنى تقتضيه لذاهتا بذاهتا‪ ،‬فنقول‬
‫األربعة بالقياس من حيث االنقسام إىل متساويني‪ ،‬زوج‪ .‬وكذا اإلنسان‬
‫ضاحك‪ ،‬بلحاظ التعجب‪ .‬وهذه األنحاء كام يسميها السيد الداماد أنحاء‬
‫انتزاع املحمول من املوضوع؛ ّ‬
‫ألن املحمول من اعتبارات املوضوع‪.‬‬

‫مقيس‬
‫ٌ‬ ‫أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع من حيث هو‬ ‫النحو الثالث‪ْ :‬‬
‫مسلوب عن ذاته‪ ،‬كاملاهية عندما تسلب منها الوجود والعدم يف‬ ‫ٍ‬ ‫إىل معنى‬
‫املرتبة الذاتية‪ ،‬ف ُينتزع اإلمكان‪ ،‬فتقول اإلنسان ممكن‪ .‬فاإلمكان معنى خارج‬
‫عن املاهية‪ ،‬ال تقتضيه حني قياسها إىل املعنى املسلوب عنها‪ .‬وهو ما يطلق‬
‫عليه لوازم املاهية غري االقتضائية؛ ألنّه مل يصدر عنها كالنحو الثاين‪ .‬فاألربعة‬
‫عدد‪ ،‬واألربعة زوج‪ ،‬واألربعة ممكنة‪ ،‬هذه األمثلة مجيعها حيمل املحمول‬
‫فيها عىل األربعة باحليثية اإلطالقية‪ ،‬ولكن بأنحاء خمتلفة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬احليثية التعليلية‬


‫ويراد هبا حلاظ املوضوع مقيسا إىل ٍ‬
‫يشء آخر‪ ،‬فال تلحظه من حيث هو‬ ‫ً‬
‫كام يف احليثية اإلطالقية‪ ،‬فيكون قياسه إىل ذلك اليشء هو علة االتصاف‪.‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪363‬‬

‫أيضا الواسطة يف‬


‫وتسمى ً‬
‫ّ‬ ‫أن يكون االتصاف حقيق ًيا ال جمازي‪،‬‬ ‫رشيطة ْ‬
‫فإن اجلسم من حيث هو ال يوصف باحلار وال‬‫الثبوت‪ ،‬كقولنا‪ :‬اجلسم حار‪ّ ،‬‬
‫حار‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬
‫صح وصفه بأنّه ّ‬‫بعدمه‪ ،‬ولكن إذا قيس إىل احلرارة التي عرضته ّ‬
‫حار حقيق ًة ولكن بغريه‪.‬‬
‫ٌ‬

‫أنحاء احليثية التعليلية‬


‫وهلا أربعة أنحاء‪:‬‬

‫أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع إذا ِقيس إىل معنى خارج‬
‫النحو األول‪ْ :‬‬
‫ٌ‬
‫وجاعل له‪ ،‬كحمل الوجود عىل املاهية‬ ‫عنه غري منض ٍم إليه‪ ،‬وإنّام هو ٌ‬
‫فاعل‬
‫أن تقيسها وتنسبها إىل الباري تعاىل‪ ،‬واجب الوجود بالذات‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫بعد ْ‬
‫املاهية موجود ٌة من حيث هي صادر ٌة من الواجب تعاىل‪ ،‬ال من حيث هي؛‬
‫فإهّنا باحليثية اإلطالقية ال موجودة وال معدومة‪ ،‬نعم باحليثية اإلطالقية هي‬
‫ّ‬
‫ممكنة الوجود‪ .‬فاملاهية باحليثية التعليلية‪ ،‬أي بعد حلاظها صادرة من الغري‬
‫ٍ‬
‫وساطة أخرى لالتصاف بالوجود‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حاجة إىل‬ ‫تكون موجودة‪ ،‬من دون‬

‫ٍ‬
‫خارج عنه‬ ‫أن يكون املحمول ثابتًا له إذا ِقيس إىل معنى‬ ‫النحو الثاين‪ْ :‬‬
‫فإن احلرارة خارج ٌة عن‬
‫أيضا ـ منض ٍم إليه‪ ،‬كحمل احلرارة عىل اجلسم؛ ّ‬ ‫ـ ً‬
‫معنى اجلسم حا ّلة فيه‪ ،‬فإذا نسبته إىل هذا املعنى اخلارج عنه املنضم إليه ّ‬
‫احلال‬
‫فاحلار ال حيمل عىل اجلسم من حيث هو هو باحليثية‬ ‫ّ‬ ‫حار‪.‬‬
‫فيه‪ ،‬تقول‪ :‬اجلسم ّ‬
‫ألن اجلسم من حيث هو ال حار وال بارد‪ .‬وهكذا محل األبيض‬ ‫اإلطالقية؛ ّ‬
‫منضم إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خارج عن اجلسم‬
‫ٌ‬ ‫عىل اجلسم إذا ِقيس إىل البياض؛ ألنّه‬

‫أن يكون املحمول ثابتًا للموضوع إذا ِقيس إىل معنى‬ ‫النحو الثالث‪ْ :‬‬
‫ٍ‬
‫مباين له‪ ،‬غري منض ٍم إليه‪ ،‬كحمل الفوقية عىل السامء‪ ،‬إذا قستها‬ ‫ٍ‬
‫خارج عنه‪،‬‬
‫‪ | 364‬تاریخ علم املنطق‬
‫ٍ‬
‫منضمة إليها مباينة‬ ‫فإن األرض خارج ٌة عن معنى السامء غري‬ ‫إىل األرض؛ ّ‬
‫بأهّنا فوق األرض‪ .‬أ ّما السامء من حيث هي فال‬ ‫ٍ‬
‫هلا‪ ،‬فنحكم حينئذ عىل السامء ّ‬
‫يصدق عليها ّأهّنا فوق وال حتت‪ ،‬فع ّلة ثبوت هذا الوصف للسامء هو قياسها‬
‫عىل ما هو حتتها وهو األرض‪ ،‬فنقول‪ :‬السامء فوق‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خارج عنه‪،‬‬ ‫أن يكون املحمول ثابتًا له إذا ِقيس إىل معنى‬ ‫النحو الرابع‪ْ :‬‬
‫مسلوب عنه‪ْ ،‬‬
‫كأن تقيس اإلنسان إىل فقدان البرص‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا ـ‪ ،‬ولكن‬
‫مباين له ـ ً‬
‫منضم إليه‪ ،‬بل تلحظ البرص بام‬
‫ٌ‬ ‫خارج عنه‬
‫ٌ‬ ‫يعني تلحظ البرص ال من حيث إنّه‬
‫مسلوب عنه‪ ،‬فنقول اإلنسان أعمى‪ .‬فحمل األعمى عىل اإلنسان بسبب‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫مسلوب عنه وهو فقدان البرص‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خارج عنه‬ ‫قياس ماهية اإلنسان إىل معنى‬
‫فيكون فقدان البرص حيثي ًة تعليلي ًة لثبوت العمى لإلنسان‪.‬‬

‫إ ًذا‪ ،‬هذه األنحاء األربعة للحيثية التعليلية كلها ثابت ٌة لذات املاهية بغريها‪،‬‬
‫فاإلنسان موجود‪ ،‬ثبت له الوجود لذاته حقيقة‪ ،‬لكن حني ِقيس إىل غريه‪،‬‬
‫وهو جاعله‪ .‬واإلنسان أبيض‪ ،‬ثبتت له األبيضية لذاته حقيقة‪ ،‬ولكن بغريه‬
‫فإن الفوقية ثبتت للسامء بسبب قياسها‬ ‫منضم إليه‪ .‬والسامء فوق األرض؛ ّ‬
‫إىل غريها‪ ،‬وهو األرض التي حتتها‪ ،‬ولوال حتتية األرض ما اتّصفت السامء‬
‫ثابت لإلنسان لذاته حقيقة‪،‬‬ ‫فإن األعمى ٌ‬ ‫بالفوقية‪ .‬وكذا اإلنسان أعمى‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلنسان ليس بذاته‬ ‫أن ِقيس إىل غريه‪ ،‬وهو فقدان البرص؛ ّ‬ ‫لكن بعد ْ‬
‫كل إنسان أعمى‪.‬‬ ‫أعمى‪ّ ،‬‬
‫وإاّل لصار ّ‬

‫ثال ًثا‪ :‬احليثية التقييدية‬


‫يشء آخر‪ ،‬ثم تثبت له أوصاف ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫أن تلحظ املوضوع مع‬ ‫ويراد هبا ْ‬
‫ويسمى ذلك‬
‫ّ‬ ‫يعرّب عنه باالستعامل املجازي‪ ،‬كام يف علوم اللغة‪.‬‬
‫الغري‪ .‬وهو ما ّ‬
‫اليشء اآلخر وساطة يف العروض‪ ،‬كقولنا‪( :‬جرى امليزاب)‪ّ ،‬‬
‫فإن امليزاب يف‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪365‬‬

‫جير‪ ،‬وإنّام الذي جرى هو املاء وليس امليزاب‪ .‬نعم ُو ِصف‬


‫احلقيقة والواقع مل ِ‬
‫امليزاب باجلريان لعالقة ّما بينه وبني ما جرى حقيقة‪ ،‬كعالقة الظرفية؛ لكون‬
‫فإن اجلسم من حيث‬ ‫مفرق للبرص)‪ّ ،‬‬
‫امليزاب ظر ًفا للامء‪ ،‬وكقولنا‪( :‬اجلسم ّ‬
‫هو ليس مفر ًقا للبرص‪ ،‬وال من حيث كونه مقيسا إىل ٍ‬
‫يشء آخر‪ ،‬وإنّام املفرق‬ ‫ً‬
‫للبرص حقيقة هو البياض‪ ،‬وإنّام محلناه عىل اجلسم بلحاظ عالقة اجلسم‬
‫ٍ‬
‫تقييدية هي وساطة يف العروض‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحيثية‬ ‫جمازي‪،‬‬ ‫بالبياض‪ ،‬فهو ٌ‬
‫محل‬
‫ّ‬

‫أنحاء احليثية التقييدية‬


‫ثابت ملوصوف‪ ،‬له نوع ٍ‬
‫احتاد‬ ‫فإن الوصف فيها ٌ‬ ‫وليس هلا ّإاّل نحو واحد‪ّ ،‬‬
‫باملوضوع‪ .‬نعم‪ ،‬نوع االحتاد بني املوصوف بالذات وبني املوصوف بالعرض‬
‫فإن قولنا‪( :‬جرى امليزاب)‪ ،‬خيتلف عن‬ ‫ٍ‬
‫قضية إىل أخرى‪ّ ،‬‬ ‫قد خيتلف من‬
‫مفرق للبرص)‪ ،‬ومها خيتلفان عن قولنا‪( :‬احليوان ضاحك)؛‬ ‫قولنا‪( :‬اجلسم ِ‬
‫ألن االحتاد بني موضوع القضية املذكورة ـ املوصوف بالعرض ـ وبني‬ ‫وذلك ّ‬
‫الوساطة يف العروض‪ ،‬وهو املوصوف بالذات‪ ،‬خيتلف يف هذه القضايا‪ ،‬ففي‬
‫االحّتاد من باب ّاحّتاد الظرف واملظروف‪ ،‬بينام يف الثانية عالقة العرض‬
‫األوىل ّ‬
‫الغريب بمعروضه‪ ،‬ويف الثالثة عالقة العرض الغريب بجنس معروضه‪.‬‬
‫يرض بأصل الوساطة‪ ،‬فال يستدعي تك ّثر أنحاء احليثية التقييدية‪.‬‬
‫وهذا ال ّ‬

‫املحمول من اعتبارات املوضوع‬


‫أن املحمول ليس ماهي ًة أخرى غري‬ ‫ومن خالل ما تقدّ م نخلص إىل ّ‬
‫ماهية املوضوع‪ ،‬بل هو املوضوع نفسه‪ ،‬ومن اعتباراته‪ ،‬فعندما يقال‪:‬‬
‫(اجلسم أبيض)‪ ،‬يراد به اجلسم جسم معروض للبياض‪ ،‬فهو ٌ‬
‫محل لليشء‬
‫عىل نفسه‪ ،‬ولكن ال باحليثية اإلطالقية كام يف قولنا‪( :‬اإلنسان إنسان)‪ ،‬بل‬
‫باحليثية التعليلية‪ ،‬بمعنى محل اليشء عىل نفسه مقيسا إىل ٍ‬
‫يشء آخر‪ ،‬كالبياض‬ ‫ً‬
‫‪ | 366‬تاریخ علم املنطق‬

‫واحلرارة يف قولنا‪( :‬اجلسم حار أو أبيض)‪ .‬والكالم نفسه يف قولنا املاهية‬


‫موجودة‪ ،‬فليس عندنا شيئان أحدمها املاهية واآلخر الوجود‪ ،‬بل هو يش ٌء‬
‫واحدٌ وهو املاهية من حيث هي مقيسة إىل علتها وجاعلها‪.‬‬

‫بمعقول أويل‪ ،‬له ما بإزاء يف اخلارج‪ ،‬حتى نبحث‬ ‫ٍ‬ ‫وعليه فاملحمول ليس‬
‫مصح ٍح احلمل‪،‬‬ ‫ثالث جيمع بني املوضوع واملحمول‪ ،‬ونبحث عن‬ ‫عن ٍ‬
‫يشء ٍ‬
‫ّ‬
‫أمرا ثال ًثا هو الوجود وأنّه هو الذي مجع بينهام‪ ،‬بل ليس هناك اثنيني ٌة‬
‫لنخرتع ً‬
‫فاحلار هو‬
‫ّ‬ ‫بني املوضوع واملحمول‪ ،‬بل وحدة حقيقية‪ ،‬واالثنينية اعتبارية‪،‬‬
‫اجلسم نفسه لكن باعتبار أنّه معروض للحرارة‪ ،‬فاملاهية واحد ٌة واالحتاد‬
‫االحّتاد بني ماهيتني‪ ،‬كيف واملاهيات‬ ‫أن ّ‬‫فيها‪ .‬فليس االحتاد يف الوجود‪ ،‬وال ّ‬
‫أن املاهية حقيق ٌة‬ ‫ألهّنا منشأ كثرة‪ ،‬فريجع األمر إىل ّ‬‫ال حتمل عىل بعضها؛ ّ‬
‫واحد ٌة واالختالف يف االعتبار‪.‬‬

‫إ ًذا املحمول هو احلار ال احلرارة‪ ،‬واحلار هو اجلسم نفسه‪ ،‬لكن ال من‬


‫حيث هو هو حتى يقال (اجلسم جسم)‪ ،‬بل من حيث هو كذا‪ ،‬باعتبارات‬
‫خمتلفة‪ .‬فعروض احلرارة أو البياض للجسم‪ ،‬هو املسوغ حلمل املحمول عىل‬
‫سمى عند النحاة بمبدأ االشتقاق‬
‫سمى مبدأ احلمل‪ ،‬أو ما ُي ّ‬
‫املوضوع؛ ولذا ُي ّ‬
‫ذات ثبت هلا مبدأ االشتقاق‪.‬‬ ‫بمعنى ما سوغ محل املشتق عىل الذات ّ‬
‫فإن املشتق ٌ‬

‫مسوغ احلمل‬
‫ّ‬
‫وعىل هذا يكون مسوغ احلمل هو وجود مبدأ احلمل‪ ،‬فلوال مبدأ احلمل‬
‫أن حتمل املحمول عىل املوضوع‪ .‬ومبدأ احلمل خمتلف‬ ‫صح وملا جاز لك ْ‬
‫ملا ّ‬
‫فقد يكون املوضوع نفسه باحليثية اإلطالقية‪ ،‬مثل (اإلنسان حيوان ناطق)‪،‬‬
‫أو املوضوع نفسه‪ ،‬ولكن باحليثية التعليلية املنضمة أو املفارقة‪.‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪367‬‬

‫املورد الثالث‪ :‬ظرف االنعقاد وظرف االتصاف‬


‫من إبداعات الس ّيد الداماد ‪ ‬املهمة يف علم املنطق أنّه يرى ّ‬
‫أن القضية‬
‫احلملية‪ ،‬هلا ظرفان نفس أمريان‪ ،‬األول ظرف انعقاد القضية‪ ،‬والثاين ظرف‬
‫االتصاف‪.‬‬

‫حتلييل‪ ،‬تظهر فيه األجزاء الثالثة‬‫ّ‬ ‫ظرف‬


‫ٌ‬ ‫األول‪ :‬ظرف االنعقاد‪ ،‬وهو‬
‫للقضية احلملية‪ ،‬املوضوع واملحمول والنسبة‪ .‬بال فرق بني القضايا سواء‬
‫كانت موجب ًة أم سالبة‪ ،‬ه ّلي ًة بسيط ًة كانت أم ه ّلي ًة مركّبة‪.‬‬

‫أيضا بمصداق‬
‫سمى ً‬ ‫الثاين‪ :‬ظرف االتّصاف‪ ،‬ويراد به وقوع احلمل‪ ،‬و ُي ّ‬
‫احلمل أو مطابق احلكم‪ .‬وهو عبار ٌة عن وقوع املوضوع متّص ًفا باملحمول‪.‬‬
‫وبنّي ّ‬
‫أن هناك فوارق بني الظرفني‪ ،‬فظرف االنعقاد هو ظرف الرتكّب من‬ ‫ّ‬
‫األجزاء‪ ،‬بخالف ظرف االتصاف فإنّه ظرف البساطة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن مفاده هو‬
‫وقوع املوضوع متّص ًفا باملحمول‪ ،‬فال ظهور للموضوع واملحمول والنسبة‬
‫منفصلة‪.‬‬

‫وإن ظرف االنعقاد تكون فيه أجزاء القضية متكثرة‪ ،‬املوضوع واملحمول‬ ‫ّ‬
‫والنسبة‪ .‬بخالف ظرف االتصاف فإنّه ال تظهر فيه األجزاء؛ ألنّه ظرف‬
‫أن ظرف االنعقاد يف مجيع القضايا واحد‪ ،‬فال بدّ فيه من أجزاء‬ ‫البساطة‪ .‬كام ّ‬
‫القضية الثالثة‪ .‬بال فرق بني املوجبة والسالبة‪ ،‬وال بني البسيطة واملركّبة؛ ففي‬
‫اجلميع ال بدّ من تركّبها من األجزاء الثالث‪ .‬بخالف ظرف االتصاف‪ ،‬فإنّه‬
‫خيتلف من قضية ألخرى‪.‬‬

‫إن السيد الداماد يم ّيز بني نوعني من الصفة واملوصوف يف ظرف‬ ‫ثم ّ‬
‫(انضاممي) بانضامم‬ ‫ٍ‬
‫ظرف ّما‪ :‬إ ّما‬ ‫ٍ‬
‫بيشء يف‬ ‫االتصاف‪ ،‬حيث قال‪« :‬االتّصاف‬
‫ّ‬
‫‪ | 368‬تاریخ علم املنطق‬

‫الصفة إىل املوصوف يف ذلك ال ّظرف‪ ،‬وال حمالة يستدعى ثبوت احلاشيتني‬ ‫ّ‬
‫(انتزاعي) بأن يكون‬
‫ّ‬ ‫م ًعا يف ظرف االتّصاف‪ ،‬كام يف األعراض العين ّية؛ وإ ّما‬
‫يصح للعقل إذا الحظه عىل ما هو عليه‬ ‫املوصوف يف ظرف االتّصاف بحيث ّ‬
‫أن حيكي عنه بام ينتزعه منه فيصفه به بحسب حاله يف‬ ‫من األحوال هناك ْ‬
‫(السامء فوق‬
‫والسلب ّيات املنتزعة يف قولنا‪ّ :‬‬‫ذلك ال ّظرف‪ ،‬كام يف اإلضاف ّيات ّ‬
‫األرض‪ ،‬وزيد أعمى ً‬
‫مثاًل)‪ ،‬عىل ّأهّنام من القضايا اخلارج ّية‪.‬‬
‫فمصداق احلمل السامء وزيد‪ ،‬بحسب الوجود يف اخلارج عىل ٍ‬
‫وجه يطابقه‬ ‫ّ‬
‫بأن يلحظه العقل حال املوضوع يف ذلك الوجود فيقايس بينه‬ ‫الصفة ّ‬
‫انتزاع ّ‬
‫موجود آخر كاألرض‪ ،‬فيجد بينهام إضاف ًة خمصوصة‪ ،‬فيحكم بالفوق ّية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبني‬
‫بالقوة‬
‫ّ‬ ‫أو بينه‏ وبني مفهو ٍم ّما‪ ،‬كالبرص‪ ،‬فيجده مسلو ًبا عنه بالفعل ثابتًا له‬
‫ّصف بالعمى ويصدق‪ ،‬لوجود املوصوف يف‬ ‫النّوع ّية‪ ،‬فيحكم عليه بأنّه مت ٌ‬
‫السلوب من‬ ‫حظ ّ‬ ‫الصفة عنه‪ .‬وذلك فقط ّ‬ ‫األعيان عىل ما يطابقه انتزاع ّ‬
‫الوجود يف األعيان‪.‬‬

‫هني؛ إذ مصداق احلكم بكل ّية اإلنسان‪،‬‬ ‫وكذلك األمر يف االتّصاف ّ‬


‫الذ ّ‬
‫خاص يصري مبد ًأ‬ ‫الذهن عىل ٍ‬
‫وجه‬ ‫مثاًل‪ ،‬هو وجوده يف ٍ‬
‫نحو من أنحاء حلاظة ّ‬ ‫ً‬
‫ٍّ‬
‫املشتق منها عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثم محله‬
‫النتزاع العقل الكل ّية منه‪ّ ،‬‬
‫وهذا النّحو من االتّصاف ال يستدعى ثبوت احلاشيتني يف ظرف االتّصاف‪،‬‬
‫بل إنّام ثبوت املوصوف فقط؛ إذ ليس معناه إالّ كون وجود املوصوف يف‬
‫الصفة عنه ومطاب ًقا‬
‫لصحة انتزاع ّ‬
‫ّ‬ ‫األعيان أو يف األذهان عىل ٍ‬
‫نحو يكون مبد ًأ‬
‫بالصفة والواقع ا ّلذى يعترب مطابقة احلكم‬
‫املحكي عنه ّ‬
‫ّ‬ ‫للحكم هبا عليه‪ ،‬فهو‬
‫بالصدق»‪.1‬‬
‫له حتى يوصف ّ‬
‫‪ .1‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬مصنفات مري داماد (األفق املبني)‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.21‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪369‬‬

‫املورد الرابع‪ :‬الفرق بني احلكم واحلمل عند الداماد‬


‫مثاًل العامل حادث‬ ‫احلكم هو الرتجيح من قبل النفس ألحد طريف النقيضني‪ً ،‬‬
‫يرتجح احلدوث وإ ّما الال حدوث‪.‬‬‫أو ال‪ ،‬إما ّ‬
‫«إيّن‬ ‫ٍ‬
‫خمتص باإلجياب‪ .‬يقول الداماد‪ّ :‬‬ ‫واحلمل هو إثبات يشء ليشء‪ ،‬فاحلمل ٌّ‬
‫كل عقد‪ ،‬موج ًبا كان‬ ‫أن النّسبة احلكم ّية يف ّ‬
‫مصوب سلف الفالسفة فيام عقلوا ّ‬ ‫ّ‬
‫السالب وراء النّسبة اإلجياب ّية ا ّلتي هي يف‬
‫أو سال ًبا‪ ،‬ثبوت ّية؛ وأن ال نسبة يف العقد ّ‬
‫السالب ومفاده هو سلب تلك النّسبة‪ ،‬وليس‬ ‫وأن مدلول العقد ّ‬ ‫العقد املوجب‪ّ ،‬‬
‫احلميل عىل املجاز والتّشبيه‏»‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫فيه محل بل سلب محل‪ .‬وإنّام يقال له‬
‫ألن احلمل إجياب فقط‪ ،‬واحلكم إجياب أو سلب؛‬ ‫أعم من احلمل؛ ّ‬ ‫فاحلكم ّ‬
‫ولذا ُيطلق عىل ظرف االتّصاف مصداق احلمل‪ ،‬أي منشأ انتزاع احلمل‪ ،‬وحني‬
‫يطلق عليها مطابق احلكم‪ُ ،‬يراد هبا ما يصدق عليه احلكم‪ ،‬فهام معنيان متقاربان‪،‬‬
‫ألن مصداق احلمل يعني مصداق اإلجياب‪ ،‬بمعنى‬ ‫أخص من الثاين؛ ّ‬‫األول ّ‬ ‫لك ّن ّ‬
‫منشأ انتزاع اإلجياب‪ ،‬أ ّما مطابق احلكم يعني املطابق اإلجيايب أو السلبي‪.‬‬
‫فإن مصداق احلمل أو مطابق احلكم هو‬‫فعندما نقول‪( :‬اإلنسان أبيض)‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واعتبار ما‪ ،‬وهو ـ يف املثال ـ اإلنسان من حيث هو‬ ‫املوضوع من حيثية ما‪،‬‬
‫معروض للبياض‪.‬‬
‫فإن مطابق احلكم هو اإلنسان‬ ‫وكذا يف اهل ّلية البسيطة (اإلنسان موجود)‪ّ ،‬‬
‫من حيث هو يف األعيان‪ ،‬فمصداق احلمل ومطابق احلكم يف اهل ّلية البسيطة هو‬
‫اإلنسان من حيث هو يف األعيان‪ ،‬فقولنا‪( :‬اإلنسان موجود) ترجع إىل معنى‬
‫اإلنسان إنسان يف األعيان‪.‬‬
‫فحيثية املوضوع هنا حيثي ٌة تعليلية‪ ،‬بمعنى أننا ننظر إىل اإلنسان من حيث هو‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.114‬‬
‫‪ | 370‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٌ‬
‫جمعول بجعل جاعل هو موجود‪،‬‬ ‫منسوب إىل اجلاعل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فمن حيث إنّه‬
‫بتوسط اجلاعل‪ ،‬ال من حيث هي هي ننتزع منها‬ ‫فاملوجودية عرضت عىل املاهية ّ‬
‫ألن املاهية من حيث هي هي باحليثية اإلطالقية ال موجودة وال‬ ‫ّأهّنا موجودة؛ ّ‬
‫معدومة‪ ،‬ولكن من حيث ّإهّنا منتسب ٌة للجاعل تعاىل فهي موجودة‪ .‬فحيثية احلمل‬
‫هنا‪ ،‬هي احليثية التعليلية‪ ،‬فاملاهية موجودة بالتبع‪ ،‬ال بالذات وال بالعرض‪.‬‬

‫املورد اخلامس‪ :‬عالقة املصدر الصناعي بالبحث املنطقي‬


‫كاشف عن‬‫ٌ‬ ‫املصدر الصناعي معناه وقوع االتصاف‪ ،‬فاملبدأ الصناعي‬
‫حصول احلمل‪ ،‬ووقوع احلمل‪ ،‬فيصري هو مفاد احلمل‪ ،‬أي ما بعد احلمل‪،‬‬
‫كاشف عن صحة احلمل؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬ ‫فلذلك يقول الداماد ّ‬
‫بأن انتزاع املصدر الصناعي‬
‫كاشف عن صحة الوصف واحلمل‪ ،‬يعني ع ّلة‬ ‫ٌ‬ ‫احلمل وصف‪ ،‬ووقوع االتصاف‬
‫ومعلول‪ ،‬ووجود املعلول يكشف عن الع ّلة كش ًفا إ ّن ًّيا‪ .‬فمفاد احلمل يعني وقوع‬
‫املوضوع متص ًفا باملحمول‪ ،‬يعني التق ّيد بدون القيد‪ ،‬فانتزاع األبيضية من اجلسم‬
‫يعني ح ًقا قد محلت األبيض عىل اجلسم بحق‪ ،‬ومحلك األبيض عىل اجلسم هو‬
‫لعروض البياض يف اخلارج عىل اجلسم‪.‬‬
‫إ ًذا معيار صدق احلمل هو صحة انتزاع املصدر الصناعي؛ ألنّه هو مفاد احلمل‪.‬‬

‫املورد السادس‪ :‬القضية البت ّية وغري البت ّية‬


‫قسم الداماد القضية احلمل ّية إىل بت ّية وغري بت ّية‪ ،‬وعنى بالبت ّية احلملية التي يكون‬ ‫ّ‬
‫موضوعها متح ّق ًقا بالفعل‪ ،‬بينام غري البت ّية فهي احلملية التي يكون موضوعها‬
‫إن كان ّ‬
‫باالحّتاد‬ ‫«ثم احلكم يف احلمل ّية ْ‬‫مفروض التح ّقق‪ ،‬فوجوده تقدير ًيا‪ .‬قال‪ّ :‬‬
‫باالحّتاد بالفعل عىل تقدير انطباق طبيعة‬ ‫وإن كان ّ‬ ‫البت ُس ّميت محل ّية ب ّت ّية‪ْ ،‬‬
‫عىل ّ‬
‫بتقرر ماه ّية املوضوع ووجودها ُس ّميت محل ّية غري‬ ‫العنوان عىل فرد‪ ،‬وإنّام حيصل ّ‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪371‬‬

‫للرّشط ّية‪ ،‬ال راجعة إليها‪ ،‬كام ُي َظ ّن‏»‪ ،1‬وقال ً‬


‫أيضا‪:‬‬ ‫ب ّت ّية‪ ،‬وهي مساوق ٌة يف ّ‬
‫الصدق ّ‬
‫تقرره ووجوده‬
‫تقرر املوضوع ووجوده بالفعل‪ ،‬وغري البت ّية ّ‬ ‫«البت ّية إنّام تستدعى ّ‬
‫عىل التّقدير‪ ،‬ال بالفعل‏»‪.2‬‬
‫ومن هذا السبيل استطاع ّ‬
‫حل الشبهة القائلة‪ :‬إنّكم اشرتطتم يف القضايا‬
‫املوجبة حت ّقق املوضوع؛ بناء عىل قاعدة الفرعية‪ ،‬فكيف حتملون االمتناع عىل‬
‫وأن اخلالء معدوم؟ ّ‬
‫فإن هذه القضايا‬ ‫النقيضني‪ ،‬واالستحالة عىل رشيك الباري‪ّ ،‬‬
‫يصح قولكم‪( :‬ثبوت يشء ليشء فرع‬‫محلي ٌة موجبة‪ ،‬موضوعها غري متح ّقق‪ ،‬فلم ّ‬
‫ثبوت املثبت له‪ ،‬أو فرع تقرره)‪.‬‬
‫السبيل يدفع اإلعضال يف احلمل اإلجيا ّيب‬ ‫فأجاب الس ّيد الداماد عنها ّ‬
‫بأن ‪:‬هذا ّ‬
‫عىل مفهومات املمتنعات‪ ،‬كاجتامع النّقيضني ممتنع‪ ،‬ورشيك الباري حمال‬
‫أن يعترب مفهومي النّقيضني وحيكم‬ ‫فإن للعقل ْ‬‫بالذات‪ ،‬واخلأل معدوم‪ ،‬وأمثاهلا؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتّناقض بينهام‪ ...‬واإلخبار عنه مطل ًقا‪ ،‬عىل سبيل إجياب ّ‬
‫محيل غري بت ّّي‪ .‬فكان‬
‫صحة احلكم‪ّ ،‬‬
‫وأن امتناع‬ ‫يتوجه إليه يف نفسه ّ‬ ‫مفهوم املعدوم املطلق بحسب ما ّ‬
‫يتوجه إليه باعتبار االنطباق عىل ما يقدّ ر أنّه بحذائه‪ .‬أليس لذلك نظائر‬
‫احلكم إنّام ّ‬
‫مثاًل‪ ،‬إذا قلنا‪( :‬الواجب بشخصه عني ذاته) كان احلكم فيه عىل مفهوم‬ ‫متقررة‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫متوجهة إليه‪،‬‬
‫ّشخص غري ّ‬ ‫الواجب‪ ،‬إذ هو املرتسم يف العقل ال غري‪ .‬لك ّن عين ّية الت ّ‬
‫احلق القائم بنفس ذاته‪ّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫بل إىل ما حت ّقق الربهان أنّه بإزائه‪ ،‬أعني ذات املوجود ّ‬
‫أن يتم ّثل يف ذهن ً‬
‫أصاًل»‪.3‬‬ ‫جل ْ‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬مص ّنفات مري داماد (األفق املبني)‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.44‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.44‬‬
‫‪ .3‬الداماد‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬مص ّنفات مري داماد (األفق املبني)‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 44‬ـ ‪.45‬‬
‫‪ | 372‬تاریخ علم املنطق‬

‫املورد السابع‪ :‬مراتب نفس األمر يف حكمة الداماد‬


‫عندما نحكم عىل ٍ‬
‫يشء بأنّه موجو ٌد أو ثبت له يشء‪ ،‬فال بدّ له من ظرف حت ّق ٍق‬
‫ومطابق للحكم‪ ،‬نحكم من خالله عىل صدق القضية أو كذهبا‪ ،‬وقد ذكر املناطقة‬
‫واحلكامء ّ‬
‫بأن ذلك ثالثة أنحاء‪:‬‬
‫ظرف أو مرتب ٌة يطلقون عليها‬
‫ٌ‬ ‫فظرف احلكم إ ّما اخلارج‪ ،‬وإ ّما الذهن‪ ،‬وهناك‬
‫اسم نفس األمر‪.‬‬
‫أ ّما اخلارج فاملراد به التح ّقق يف األعيان‪ ،‬فحني نقول‪( :‬اجلسم متح ّيز)‪ ،‬مرادنا‬
‫من حيث هو يف اخلارج ويف األعيان‪ .‬وهذا هو الوجود احلقيقي األصيل التي‬
‫ترتتب عليه اآلثار‪.‬‬
‫ثابت للموضوع من حيث هو يف الذهن‪ ،‬ال‬
‫أن احلكم ٌ‬ ‫وأما الذهن فاملراد به ْ‬
‫يف األعيان‪ ،‬كام نقول‪( :‬اإلنسان نوع)‪ ،‬أي من حيث هو يف الذهن‪ .‬وهو الوجود‬
‫العلمي االرتسامي احلاكوي‪.‬‬
‫تعم ٍل عقيل أو‬
‫أ ّما نفس األمر‪ ،‬فاملراد به الصادق‪ ،‬والثابت يف نفسه بدون ّ‬
‫اخرتا ٍع ذهني‪ .‬وهذا معنى الصدق‪ ،‬أو املطابقة للواقع‪ ،‬وليس للعقل دور يف‬
‫أن املحمول‬‫حت ّققه إال االكتشاف‪ .‬فمعنى كون احلكم صاد ًقا يف نفس األمر يعني ّ‬
‫واقع يف اخلارج أو يف‬
‫ثابت للموضوع بنفسه وأنّه واقعي‪ ،‬بغض النظر عن أنّه ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الذهن أم فيهام‪ ،‬وبغض النظر عن اعتبار املعترب وحكم احلاكم‪ .‬فالقضايا الصادقة‬
‫أن تكون خارجي ًة أو ذهني ًة أو حقيقية‪ .‬وعليه ّ‬
‫فكل حك ٍم ّ‬
‫محله الذهن عىل‬ ‫أعم من ْ‬
‫ّ‬
‫الواقع يكون غري واقعي‪ ،‬كقولنا‪( :‬األربعة فرد)‪ ،‬أو (رشيك الباري موجود)؛‬
‫بتعمل منه‪ .‬وعليه فنفس‬
‫ألن الذهن هنا مل يكتشفه من اخلارج‪ ،‬بل هو صنعه ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن الذهن يشمل القضايا الصادقة والكاذبة‪ ،‬بخالف‬ ‫أخص من الذهن؛ ّ‬ ‫األمر ّ‬
‫نفس األمر فإنّه ظرف للقضايا الصادقة فقط‪.‬‬
‫حممد باقر الداماد وأثره يف حتقيق مطالب علم املنطق | ‪373‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬األصبهاين‪ ،‬عبد اهلل أفندي‪ ،‬تعليقة أمل اآلمل‪ ،‬حتقيق السيد أمحد احلسيني‪ ،‬مكتبة آية اهلل‬
‫املرعيش النجفي‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬هـ‪ ،‬قم املقدسة ـ إيران‪.‬‬
‫‪2.‬األمــن‪ ،‬حســن‪ ،‬مســتدركات أعيــان الشــيعة‪ ،‬دار التعــارف للمطبوعــات‪ 1408 ،‬ـ ‪1987‬‬
‫م‪ ،‬بــروت ـ لبنــان‪.‬‬
‫‪3.‬ــــــــــــــ‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬حتقيق حسن األمني‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪4.‬البستاين‪ ،‬فؤاد افرام‪ ،‬دائرة املعارف‪ ،‬دار اجليل للطبع والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪5.‬احلر العاميل‪ ،‬حممد بن احلسن‪ ،‬أمل اآلمل‪ ،‬حتقيق‪ :‬السيد أمحد احلسيني‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬
‫‪ 1362‬ش‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪6.‬احلسيني‪ ،‬أمحد‪ ،‬تراجم الرجال‪ ،‬مكتبة آية اهلل العظمى املرعيش النجفي ‪ 1414‬ه‍‪ ،.‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪7.‬اخلوانساري‪ ،‬حممد باقر املوسوي‪ ،‬روضات اجلنات يف أحوال العلامء والسادات‪ ،‬مكتبة‬
‫إسامعيليان‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪8.‬الداماد‪ ،‬حممد باقر‪ ،‬األفق املبني‪ ،‬املطبوع ضمن (مصنفات مري داماد)‪ ،‬حتقيق عبد اهلل النوراين‪،‬‬
‫منشورات منتدى اآلثار واملفاخر الثقافية‪.‬‬
‫‪9.‬ــــــــــــــ‪ ،‬التقديسات املطبوع ضمن (مصنفات مري داماد)‪ ،‬حتقيق عبد اهلل النوراين‪،‬‬
‫منشورات منتدى اآلثار واملفاخر الثقافية‪.‬‬
‫ ‪10.‬ــــــــــــــ‪ ،‬الرواشح الساموية‪ ،‬حتقيق غالم حسني قيرصيه‌ها‪ ،‬نعمة اهلل اجللييل‪ ،‬دار‬
‫احلديث للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬هـ ـ ‪1380‬ش‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫ ‪11.‬ــــــــــــــ‪ ،‬القبسات‪ ،‬حتقيق مهدي حم ّقق‪ ،‬منشورات جامعة طهران‪.‬‬
‫ ‪12.‬ــــــــــــــــ‪ ،‬نــراس الضيــاء وتســواء الســواء‪ ،‬حتقيــق حامــد ناجــي إصفهــاين‪ ،‬نــر‬
‫دفــر نــر مــراث مكتــوب‏‪.‬‬
‫ ‪13.‬الزركيل‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪ ،5‬أيار ـ مايو ‪ 1980‬م‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫ ‪14.‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ ،‬دور الشيعة يف بناء احلضارة اإلسالمية‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ ـ‬
‫‪1993‬م‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ | 374‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪15.‬القمي‪ ،‬عباس‪ ،‬الكنى واأللقاب‪ ،‬تقديم حممد هادي األميني مكتبة الصدر‪ ،‬طهران ـ إيران‪.‬‬
‫ ‪16.‬املجلــي‪ ،‬حممــد باقــر‪ ،‬بحــار األنــوار‪ ،‬مؤسســة الوفــاء‪ ،‬ط‪ 2‬املصححــة‪ 1403 ،‬هـــ ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪ ،‬بــروت ـ لبنــان‪.‬‬
‫ ‪17.‬املــري‪ ،‬أيمــن‪ ،‬أصالــة املاهيــة أو الوجــود بــن الســيد الدامــاد وتلميــذه املــا صــدرا‬
‫(أطروحــة دكتــوراه)‪.‬‬
‫املنطق الصدرائي‪:‬‬
‫ّ‬
‫اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهیدیة‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬عسكري سلیامين أمریي‬

‫ُملخّص البحث‬
‫السينوية؛ لكن‬ ‫أن ا ُمل ّاّل صدرا يتأ ّثر يف املنطق بآراء احلكمة ِ‬
‫عىل الرغم من ّ‬
‫بحق املنطق الصدرائي‪.‬‬ ‫لديه بعض اإلبداعات يف املنطق‪ ،‬التي يمكن عدّ ها ٍ‬
‫ٍ‬
‫إبداعية يف ُجزأي التعريف واالستدالل‪ ،‬يعدّ ا ُمل ّاّل‬ ‫باإلضافة إىل وجود آراء‬
‫صدرا صاحب آراء خاصة فيام يتع ّلق بعلم املنطق إىل جانب العلوم البرشیة‬
‫وأيضا يف بحوث املنطق التمهیدیة‪ .‬انطال ًقا من تقسيم العلوم‬ ‫ً‬ ‫األخرى‪،‬‬
‫وحكمة عملية‪ ،‬أدرج ا ُمل ّاّل صدرا علم املنطق يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نظرية‬ ‫ٍ‬
‫حكمة‬ ‫احلقيقية إىل‬
‫احلكمة النظرية‪ ،‬وعدّ ه من فروع الفلسفة األولی‪ .‬ومع ذلك حسب اعتقاده‪،‬‬
‫مندرج يف‬ ‫ٌ‬ ‫ووف ًقا ملعيار تقسي ٍم آخر وبلحاظ متع ًّلق العلم‪ّ ،‬‬
‫فإن علم املنطق‬
‫العلوم العملية‪ ،‬ال احلكمة العملية‪ُ .‬یذكر يف هذا املقال بعض تدقیقات ا ُمل ّاّل‬
‫صدرا وآرائه وإبداعاته يف البحوث التمهيدیة من علم املنطق‪.‬‬

‫علم املنطق قبل ال ُم ّاّل صدرا‬


‫املنطق الذي كان املسلمون يتعاملون معه منذ عرص الرتمجة وحتى‬
‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫اليوم‪ ،‬بالرغم من تأ ّثره باملنطق الرواقي يف بعض املوضوعات‪ ،‬فإنّه‬
‫عا ٍّم هو املنطق األرسطي الذي عرفه املفكّرون املسلمون يف عرص الرتمجة‬
‫(القرن الثالث)‪ .‬يف هناية القرن نفسه قدّ م الفارايب (‪ 339-256‬هـ)‪ ،‬ــ‬
‫‪ .1‬تعریب‪ :‬د‪ .‬محمد عيل إسامعیيل‬
‫مؤسسة اإلمام الخمیني للتعلیم واألبحاث‪.‬‬
‫‪ .2‬دكتوراة فلسفة‪ ،‬وعضو الهیئة العلم ّیة يف ّ‬
‫‪ | 376‬تاریخ علم املنطق‬

‫املنطق الناشئ يف ثقافة‬


‫َ‬ ‫ٍ‬
‫معروف يف العامل اإلسالمي ــ‬ ‫منطقي‬ ‫وهو ّأول عاملٍ‬
‫ّ‬
‫املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬مستخد ًما منطق أرسطو وربام املنطق الرواقي‪ ،‬وقد‬
‫مرتمَجا؛ لذلك فهو الذي قد صاغ هذا العلم يف‬
‫مستقل وليس َ ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كتألیف‬ ‫قدّ مه‬
‫الثقافة اإلسالمية وقام بتوطینه‪.‬‬

‫منطقي‬ ‫ٍ‬
‫واحد ابن سينا​​(‪‍ 428-370‬ه ‪ .‬ق)‪ ،‬ثاين أشهر‬ ‫ٍ‬
‫بقرن‬ ‫ظهر بعده‬
‫ّ‬
‫منطقي (قسم منطق الشفاء) عىل‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫يف العامل اإلسالمي‪ ،‬الذي كتب أكرب‬
‫هنج كتابة منطق أرسطو‪ ،‬وأصبح وارث أعامل الفارايب املنطقية‪ .‬لقد أحدث‬
‫مهها يف ثالثة فقرات‪:‬‬ ‫​​حتو ًاًل ً‬
‫كبريا يف املنطق‪ ،‬يمكن التعبري عن أ ّ‬ ‫ابن سينا ّ‬
‫​​حتو ًاًل يف بنية املنطق يف بعض‬
‫‪ .1‬حتول بنية املنطق بأكمله‪ :‬أحدث ابن سينا ّ‬
‫أعامله املنطقية‪ ،‬بام يف ذلك منطق اإلشارات والتنبیهات‪ ،‬والذي أصبح يعرف‬
‫املكونة من جزأين‪،‬‬
‫وإن كان املنطق يف هذه البنية ّ‬‫باسم (املنطق ذو اجلزأین)‪ْ .‬‬
‫له تسعة أجزاء يف الواقع‪.‬‬

‫انقسم بعده علام ُء املنطق املسلمون إىل جمموعتني يف تدوین الكتب‬


‫املنطقية‪ :‬استمرت جمموع ٌة منهم يف تصنيف املوضوعات املنطقية بالطريقة‬
‫السابقة‪ ،‬وذكروا مباحث التعريف يف قسم الربهان‪ ،‬كبهمنیار يف التحصیل‪،1‬‬
‫واملح ّقق الطويس يف أساس االقتباس‪ ،2‬ومنطق التجرید‪ .3‬بینام ذكرت طائف ٌة‬
‫أخری منهم مباحث التعریف قبل مباحث القضایا‪ ،‬كابن ‌حزم األندليس‬
‫يف كتابه (التقریب حلد املنطق)‪ ،4‬والبغدادي يف (املعترب)‪ ،5‬واللوكري يف‬
‫‪ .1‬بهمنیار ابن مرزبان‪ ،‬التحصیل‪ ،1267 ،‬ص‪.242‬‬
‫‪ .2‬نصیر الدین الطويس‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،1367 ،‬ص‪.411‬‬
‫‪ .3‬نصیر الدین الطويس‪ ،‬منطق التجرید‪ ،‬الجوهر النضید‪،‬ص‪.221‬‬
‫‪ .4‬ابن الحزم‪ ،‬التقریب لحد املنطق‪ ،‬ص‪110‬ـ ‪.111‬‬
‫‪ .5‬البغدادي‪ ،‬املعترب‪ ،1373 ،‬ص‪.47‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪377‬‬

‫(بیان احلق بضامن الصدق)‪ ،1‬والسهروردي يف (حكمة اإلرشاق)‪ ،2‬والفخر‬


‫الرازي يف (منطق امللخص)‪ ،3‬واخلونجي يف (كشف االرسار)‪ ،4‬واألرموي‬
‫يف (مطالع‌ األنوار)‪ ،5‬ويف (بیان احلق ولسان الصدق)‪ ،6‬والدبریان الكاتبي‬
‫والعاّلمة ِ‬
‫احل ّيّل يف (األرسار‬ ‫ّ‬ ‫يف (الشمسیة)‪ ،7‬واألهبري يف (تنزیل االفكار)‪،8‬‬
‫اخلفیة)‪ ،9‬والتفتازاين يف (هتذیب املنطق)‪ .10‬لذلك‪ ،‬اختار معظم املنطقيني‬
‫املنطق ذو اجلزأین‪ ،‬الذي یكون له تسعة أجزاء‪ ،‬وقد تبنّى ا ُمل ّاّل صدرا هذه‬
‫املسمى (التنقيح)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الطريقة يف كتابه املنطقي الصغري‬
‫أن ابن سينا ​​مدي ٌن للفارايب يف هذا التطور؛ ّ‬
‫ألن الفارايب‬ ‫واجلدير بالذكر ّ‬
‫التصور والتصدیق‪ ،‬وبعد هذا التقسيم‪ ،‬أظهر‬‫ّ‬ ‫قسم العلم إىل‬
‫للمرة األوىل ّ‬
‫التصور والتصدیق؛‬
‫ّ‬ ‫أن حيتوي عىل جزأين أساسيني ومها‬ ‫أن املنطق جيب ْ‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫جلزء من القواعد املنطقية‪« :‬ینقسم‬ ‫ألن كاًّلًّ من هذين االثنني يستخدم‬ ‫ّ‬
‫التصور الساذج كتصور الشمس والقمر والعقل والنفس‪ ،‬وإلی‬
‫ّ‬ ‫العلم إلی‬
‫التصور مع التصدیق‪ ،‬كالتصدیق ّ‬
‫بـأن الساموات بعضها يف البعض اآلخر‬ ‫ّ‬
‫بتصور قبله‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التصورات إال‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫حادث‪ .‬والیتم بعض‬ ‫كاألفالك‪ّ ،‬‬
‫وأن العامل‬
‫تصور الطول والعرض‪ .‬ینقسم التصدیق من‬
‫تصور اجلسم من دون ّ‬‫كامتناع ّ‬
‫‪ .1‬اللوکري‪ ،‬بیان الحق بضامن الصدق‪ ،1364 ،‬ص‪.187‬‬
‫‪ .2‬السهروردي‪ ،‬حکمة اإلرشاق‪ ،‬مجموعة مصنفات شیخ إرشاق‪ ،‬ج‪ ،1372 ،2‬ص‪.18‬‬
‫‪ .3‬الرازي‪ ،‬فخر الدین‪ ،‬منطق امللخّص‪ ،1381 ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ .4‬الخونجي‪ ،‬أفضل‌الدین محمد‪ ،‬کشف األرسار عن غوامض األفكار‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ .5‬الرازي‪ ،‬قطب‌الدین‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪ .6‬األرموي‪ ،‬أبو بکر‪ ،‬بیان الحق ولسان الصدق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪ِ .7‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬جامل الدین حسن‪ ،‬القواعد الجلیة يف رشح الرسالة الشمسیة‪‍ 1412 ،‬ه ‪.‬ق‪ ،.‬ص‪.236‬‬
‫‪ .8‬األبهري‪ ،‬أثیر الدین‪ ،‬تنزیل األفكار‪ ،1370،‬ص‪.155‬‬
‫‪ِ .9‬‬
‫الح ّيّل‪ ،‬جامل الدین حسن‪ ،‬األرسار الخفیة‪.1379 ،‬‬
‫‪ .10‬املولی عبد الله‪ ،‬الحاشیة‪ ،1415 ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ | 378‬تاریخ علم املنطق‬

‫وجهة نظر الفارايب إلی النظري والنظري كام تنتهی التصدیقات النظریة إلی‬
‫أن عبد اهلل بن املق َّفع يف (املنطق)‪ ،2‬وكذا ابن‬
‫التصدیقات النظرية‪ .1‬الخیفی ّ‬
‫البهریز‪ 3‬يف (حدود املنطق)‪ ،‬ذكرا بحث احلدّ يف بدایة كتابیهام؛ لذلك ليس‬
‫أن يكون الفارايب وبعده ابن سينا‪​​،‬قد تأ ّثرا هبام‪.‬‬
‫من املستبعد ْ‬

‫​​تطورا آخر يف هيكل‬


‫ً‬ ‫التحول يف جزء من هيكل املنطق‪ :‬بدأ ابن سينا‬
‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫املنطق‪ ،‬والذي ُعرف يف القرون األخرية باسم (االستدالل املبارش)‪ .‬ناقش‬
‫اخلاص‬
‫ّ‬ ‫أرسطو القضايا يف (باري إرميناس)‪ ،‬أو (باب القضايا)‪ .‬الفصل‬
‫بالقضايا هو مقدّ مة ملوضوع (التحليل األول)‪ ،‬أو (القياس) وملحقاته‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫أن القضایا وحدها‬ ‫نتائج القیاس لوازم تركیبة للقضایا‪ .‬لكن املنطقيني أدركوا ّ‬
‫أيضا لوازم مثل العكس املستوى الذي أثاره أرسطو وتبعه الفارايب وابن‬ ‫هلا ً‬
‫سينا ​​يف (الشفاء) يف بحث القياس‪ .4‬لكن أثار أرسطو يف (باري إرميناس)‬
‫أو (باب القضايا) مسألة (تقابل القضایا بالتناقض والتضاد)‪ 5‬التي هی من‬
‫أن ُیثار بحث العكس‬ ‫اللوازم غری الرتكیبة للقضایا؛ لذلك‪ ،‬كان من اجلدیر ْ‬
‫ألن بحث العكس هو من لوازم القضایا ال من لوازم‬ ‫أیضا يف باب القضایا؛ ّ‬‫ً‬
‫القیاس أو اللوازم الرتكیبیة للقضایا؛ ولذلك ذكر ابن‌سینا يف النهج اخلامس‬
‫مباحث تناقض القضایا‬‫َ‬ ‫من اإلشارات والتنبیهات بعد بحث القضایا‪،‬‬
‫واحد‪ ،‬وذكر بحث القیاس يف‬ ‫ٍ‬ ‫وملحاقاته‪ ،‬والعكس املستوي يف موض ٍع‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬عیون املسائل‪ ،‬املجموع للمعلم الثانی‪ ،‬ص‪.65‬‬


‫‪ .2‬ابن‌ املقفّع‪ ،‬املنطق البن املقفع‪ ،1357 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ .3‬ابن البهریز‪ ،‬حدود املنطق البن بهریز‪ ،1357 ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ .4‬أرسطو طالیس‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪143‬؛ الفارايب‪ ،‬املنطقیات‪ ،1408 ،‬ص‪122‬؛ الشفاء‪،‬‬
‫القیاس‪1404 ،‬ه‍‪ .‬ق؛ ص‪.75‬‬
‫‪ .5‬منطق أرسطو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.105‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪379‬‬

‫إن تفصیل ابن ‌سینا بنی بحثي العكس والقیاس قد اعتمده‬‫النهج السابع‪ّ .1‬‬
‫املنطق ّيون الالحقون؛ وهلذا السبب أثار الغزايل هذه البحوث األربعة حتت‬
‫عنوان (قواعد القضایا وأقسامها)‪:‬‬
‫‪1‌.‬تقسیم القضایا إلی الشخصیة‪ ،‬واملهملة‪ ،‬واملحصورة‪.‬‬
‫‪2‌.‬جهات القضایا‬
‫‪3‌.‬تناقض القضایا‬
‫‪2‬‬
‫‪4‌.‬العكس املستوي‬
‫ألول مرة‪ّ ،‬‬
‫أن عنوان (أحكام القضایا) یشمل‬ ‫ولعل الفخر الرازي ا ّدعی ّ‬
‫التناقض يف القضایا‪ ،‬العكس املستوي وعكس النقیض‪ .3‬یمكن ْ‬
‫أن یقال‪:‬‬
‫متأثرا بالفخر الرازي حتت عنوان (أحكام القضایا)‬
‫ً‬ ‫دون دبریان الكاتبي‬
‫ّ‬
‫مباحث التناقض يف القضایا‪ ،‬العكس املستوي‪ ،‬العكس النقیض ولوازم‬‫َ‬
‫‌كمونة ثم قطب ‌الدين الشريازي‬ ‫الرشطیات ‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬ذكر ابن ّ‬
‫‪4‬‬

‫املوضوعات نفسها مع مالحق التناقض‪ ،‬حتت عنوان (لوازم القضیة عند‬


‫انفرادها)‪ .5‬أدرج املح ّقق الطويس حتت عنوان (أحوال القضایا) مضا ًفا إلی‬
‫مباحث من قبیل مناط الصدق والكذب يف الرشطیات‪6‬؛‬ ‫َ‬ ‫هذه املباحث‪،‬‬
‫فإن ّ‬
‫كل حك ٍم كان من لوازم القضیة املفردة‪ ،‬فإنّه ُیدرج حتت عنوان‬ ‫لذلك ّ‬

‫‪ .1‬اإلشارات والتنبیهات‪ ،‬مع الرشح‪ ،‬ج‪ ،1403 ،1‬ص‪ 177‬و‪.229‬‬


‫‪ .2‬الغزالی‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬معیار العلم يف املنطق‪ 1410 ،‬ه‍ ‪ .‬ق‪.‬‬
‫‪ .3‬منطق‪ ‎‬امللخّص‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫‪ .4‬دبیران الکاتبی‪ ،‬الشمسیة‪ ،‬القواعد الجلیة‪ ،1412 ،‬ص‪289‬ـ ‪.298‬‬
‫‪ .5‬ابن کمونة‪ ،‬الجدید يف الحکمة‪1402 ،‬ق‪ ،‬ص‪175‬؛ شیرازی‪ ،‬قطب‪‎‬الدین‪ ،‬درة التاج‪ ،1369،‬ص‪.389‬‬
‫‪ .6‬أساس االقتباس‪ ،‬ص‪ 61‬و ‪80‬؛ الطويس‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬منطق التجرید‪ ،‬الجوهر النضید‪،‬‬
‫‪ ،1363‬ص‪ 36‬و ‪.43‬‬
‫‪ | 380‬تاریخ علم املنطق‬

‫(أحكام القضایا)‪ .‬لذلك أدرج املرحوم املظ ّفر مباحث (نقض املحمول)‪،‬‬
‫حتو ٌل‬
‫أیضا يف أحكام القضایا‪ .1‬وهذا ّ‬ ‫(نقض املوضوع)‪ ،‬و(نقض الطرفنی) ً‬
‫ترسخ‬‫أن هذا اهليكل قد ّ‬‫يف بنية املنطق اإلسالمي‪ ،‬الذي بدأه ابن سينا​​‪ ،‬ونرى ّ‬
‫بني املنطقني املسلمني منذ القرن الثامن‪ ،‬كام اتبع صدر ّ‬
‫املتأهّلنی هذا اهليكل‬
‫نفسه يف التنقيح‪.‬‬

‫‪ .3‬التطور يف نفس املسائل املنطقیة‪ :‬ذكر ابن سينا ​​ املنطق األرسطي‬


‫إن‬ ‫ٍ‬
‫تغيريات يف مفاده‪ّ .‬‬ ‫أيضا بإجراء‬
‫والرواقي جيدً ا‪ ،‬ور ّبام انتقدمها‪ ،‬بل قام ً‬
‫من ابتكارات ابن سينا​​إدخال القیاسات االقرتانیة الرشطیة التي مل يسبق هلا‬
‫«أوردت ىف ذلك‬
‫ُ‬ ‫عرّب عن إسهامه يف املنطق هبذه العبارة القصرية‪:‬‬‫مثيل‪ .‬لقد ّ‬
‫[منطق الشفا] من األرسار واللطائف ما ختلو عنه الكتب املوجودة»‪ .2‬تأ ّثر‬
‫املنطق ّيون بعد ابن سينا​​به​​؛ لذا يمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن علم املنطق بعد ابن سينا​​هو‬
‫املنطق السينوي‪.‬‬

‫أن الفخر الرازي واألهبري واخلونجي واإلرموي‬ ‫عىل الرغم من ّ‬


‫وغريهم من علامء املنطق بعد ابن سينا‪​​ ،‬عدلوا عن آراء ابن سينا ​​يف بعض‬
‫إن الشيخ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو عا ٍّم اتبعوا املسار املنطقي البن سينا‪ّ .‬‬ ‫فإهّنم‬
‫املوضوعات‪ّ ،‬‬
‫شهاب‌ الدین السهروردي (‪‍ 587-549‬ه ‪ .‬ق) أكرب عامل منطقي ظهر‬
‫أهم موضوعات املنطق األرسطي‪،‬‬ ‫يف القرن السادس‪ ،‬قد عارض بعض ّ‬
‫وأسس (املنطق اإلرشاقي)‪ ،‬لكن املنطق اإلرشاقي‬ ‫وبالتايل املنطق السینوي‪ّ ،‬‬
‫نوع من املنطق‬
‫أيضا ٌ‬‫ال يمكن عدّ ه منط ًقا جدیدً ا جتاه املنطق السینوي​​‪ ،‬بل هو ً‬
‫السینوي‪​​،‬الذي عدل يف بعض املسائل أو بعض املناهج عن منطق ابن سينا‪.‬‬

‫‪ .1‬مظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ط‪ ،3‬مطبعة النعامن‪ ،1388 ،‬ص‪.188‬‬


‫‪ .2‬الشفاء‪ ،‬املدخل‪ ،‬تصدیر طه حسین باشا‪ ،1405 ،‬ص‪.11‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪381‬‬

‫أي حال‪ ،‬كان املنطق ّيون بعد ابن سينا ​​يبحثون يف الغالب عن حمتوى‬
‫عىل ّ‬
‫املنطق السینوي‪ ،‬وكانت ذروة هذه األبحاث يف القرنني السادس والسابع‪.‬‬

‫موقف ال ُم ّاّل صدرا يف املنطق‬


‫كام ذكرنا ساب ًقا‪ ،‬بلغ علم املنطق ذروته يف القرنني السادس والسابع؛‬
‫فإن اآلثار التي كتبت يف جمال املنطق بعد هذين القرنني هي األبحاث‬ ‫لذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن مستجدات‬ ‫إجراؤها ومج ُعها يف هذين القرنني؛ لذلك‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫نفسها التي تم‬
‫البحث املنطقي يف القرن الثامن حتی القرن العارش مل تكن جاد ًة ومهمة‪ ،‬بل‬
‫بشكل هنائي يف أعامل صدر ّ‬
‫املتأهّلنی‬ ‫ٍ‬ ‫هی جز ٌء من البحوث التي ظهر مجيعها‬
‫أن آراء صدر ّ‬
‫املتأهّلنی وأفكاره‬ ‫(‪‍ 1050 -979‬ه ‪ .‬ق)‪ .‬وهذا هو السبب يف ّ‬
‫املنطقیة جاد ٌة للغاية وموضحة‪ .‬ربام يكون ا ُمل ّاّل صدرا هو الفيلسوف الوحيد‬
‫إن أكثر‬ ‫كبريا من املوضوعات املنطقية يف أعامله الفلسفية‪ّ .‬‬ ‫قدرا ً‬‫الذي أدرج ً‬
‫األبحاث املنطقية لصدر ّ‬
‫املتأهّلنی هي يف فلسفة املنطق‪ ،‬التي دخلت تدرجي ًيا يف‬
‫ظهر فحص اآلراء املنطقية‬ ‫املباحث املنطقية أو الفلسفية منذ زمن ابن سينا‪ُ .‬ي ِ‬
‫أن لديه آرا ًء منطقي ًة فريدة‪ ،‬وينبغي عدّ ه متفو ًقا عىل العديد من‬
‫للم ّاّل صدرا ّ‬
‫ُ‬
‫أن نضعه يف املنطق يف‬ ‫املتفوقنی‪ ،‬وأنّه ليس من املبالغة ْ‬
‫علامء املنطق املسلمني ّ‬
‫أن جز ًءا من حكمته‬ ‫ظهر فحص آرائه املنطقية ّ‬ ‫عداد الفارايب وابن سينا‪ُ .‬ي ِ‬
‫يقوم عىل هذه اآلراء‪.‬‬

‫األعامل املنطقية لل ُم ّاّل صدرا‬


‫ٍ‬
‫عديد من أعامله الفلسفية والتفسريية والعرفانیة‪ ،‬إىل‬ ‫يلجأ ا ُمل ّاّل صدرا يف‬
‫ٍ‬
‫أعامل‬ ‫البحث الفلسفي بمناسبة طبیعة املسألة؛ باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬كتب ثالثة‬
‫مستق ّل ٍة يف املنطق‪:‬‬
‫‪ | 382‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫خمترصة من املوضوعات‬ ‫ٍ‬
‫جمموعة‬ ‫‪.‬أالتنقیح يف املنطق‪ :‬هذا الكتاب عبار ٌة عن‬
‫املنطقية املكتوبة يف شكل املنطق ذي اجلزئنی وذي تسعة أجزاء‪ .‬خلّص‬
‫ا ُمل ّاّل صدرا يف هذا الكتاب‪ ،‬إىل حدٍّ ٍ‬
‫كبري اآلرا َء املنطقية املقبولة يف القرنني‬
‫يأت فیه بآرائه الشخصية‪ ،‬عىل الرغم من أنّه أعرب‬ ‫السادس والسابع ومل ِ‬
‫أحيانًا عن رأيه يف بعض املوضوعات‪.‬‬

‫‪.‬بالتعلیقات‪ :‬جمموع ٌة من املوضوعات املنطقية التي يمكن من خالهلا‬


‫للم ّاّل صدرا‪ .‬هذا الكتاب‬
‫استخالص العديد من اآلراء املنطقية الدقيقة ُ‬
‫عبار ٌة عن تعلیقاته علی قسم املنطق من رشح حكمة اإلرشاق لقطب‌‬
‫الدین الشریازي‪ .‬ترتبط تعليقات ا ُمل ّاّل صدرا يف الغالب بعبارات شيخ‬
‫اإلرشاق‪ ،‬ومع ذلك كان يكتب أحيانًا تعليقات عىل عبارات قطب‌الدين‬
‫أیضا‪ ،‬وهي قليل ٌة يف املجموع‪.‬‬
‫شريازي ً‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫التصور والتصدیق‪ :‬تبحث هذه الرسالة عن حقیقة‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬جرسالة‬
‫املتأهّلنی يف هذه الرسالة‪ ،‬مع تأ ّثره‬
‫إن صدر ّ‬ ‫والتصدیق وحتدياهتام العلمية‪ّ .‬‬
‫بآراء شيخ اإلرشاق وشارحیه يف حقيقة التصدیق‪ ،‬أبدى رأ ًيا جديدً ا حول‬
‫وخاصة حول حقيقة التصدیق‪ ،‬حیث وافق فیها عىل رأي‬ ‫ّ‬ ‫التصور‬
‫ّ‬ ‫حقيقة‬
‫أن هذا الرأي هو رأي احلكامء‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬يدعي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شيخ اإلرشاق‪ .‬ومن‬
‫السابقني نفسه يف حقيقة التصدیق‪ .‬إ ًذا‪ ،‬لو كان يف الواقع رأیه حول حقيقة‬
‫التصدیق ما تبنّاه احلكامء السابقون كابن ‌سینا‪ ،‬كام يدّ عي صدر ّ‬
‫املتأهّلنی‬
‫تفسریا بدی ًعا حلقيقة التصدیق‬
‫ً‬ ‫إن ا ُمل ّاّل صدرا قدّ م‬
‫أن يقال‪ّ :‬‬‫ذلك‪ ،‬جيب ْ‬
‫الیوجد يف أعامل احلكامء السابقني‪.1‬‬

‫باإلضافة إىل هذه األعامل املستقلة الثالثة‪ ،‬وباإلضافة إىل األبحاث‬


‫خصص يف كتاب (مفاتیح‬‫املنطقية املوجودة يف املوضوعات الفلسفية‪ ،‬فقد ّ‬

‫‪ .1‬هذه الرسالة تم طبعها بالطباعة الحجرية مع کتاب الجوهر النضید‪ ،‬وطبعت أيضً ا يف شكل‬
‫تنضيد الحروف من قبل دار نرش بيدار يف عام ‪1363‬ه‪.‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪383‬‬

‫مستقاًّل للمباحث املنطقیة القرآنية‪ .‬وقد تأ ّثر ا ُمل ّاّل صدرا يف‬
‫ًّ‬ ‫الغيب) ً‬
‫فصاًل‬
‫هذا الفصل بكتاب (القسطاس املستقيم)‪ ،1‬للغزايل‪.2‬‬

‫املنطق السینوي ـ الصدرايئ‬


‫إن املنطقيني بعد ابن سينا​​تأ ّثروا مجي ًعا به​​‪ ،‬حتى مثل شيخ اإلرشاق‪.‬‬ ‫قلنا ّ‬
‫وعىل الرغم من اختالف منطقهم عن آراء ابن سينا​​يف بعض املوضوعات‪،‬‬
‫نوع من املنطق السينوي بشكل عام؛ وهلذا السبب ال ُيستثنى منطق ا ُمل ّاّل‬ ‫فإنّه ٌ‬
‫سينوي عمو ًما‪ ،‬وهو أقرب إىل ابن سينا​​‬‫ٌ‬ ‫صدرا من هذا احلكم العام‪ ،‬ومنطقه‬
‫من غريه من املنطقني‪ ،‬وال سيام شيخ اإلرشاق‪ .‬عىل الرغم من هذا ك ّله‪ ،‬تأ ّثر‬
‫أيضا بشيخ اإلرشاق يف‬ ‫ا ُمل ّاّل صدرا بالغزايل يف قسم املنطق القرآين‪ ،‬وتأ ّثر ً‬
‫املباحث املنطقية الثالثة التالية عىل األقل‪:‬‬
‫التصور والتصدیق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪1‌.‬يف حقیقة‬
‫‪2‌.‬يف منهج شیخ اإلرشاق املنطقي يف إيصال مجيع القضايا إىل (املوجبة الكلیة‬
‫الرضوریة)‪ ،‬وبنا ًء عليه‪ ،‬حرص‪ ،‬وخلّص املباحث املنطقية‪.‬‬
‫املوجهات إلی الرضوریة‪ ،‬وجعل اجلهات األخری إشــكالی ًة‬
‫‪3‌.‬يف إیصــال ّ‬
‫علمی ًة مرغو ًبا فیها‪ ،‬وال خیفی ّ‬
‫أن هذا البحث أحد فروع البحث الثاين‪.‬‬

‫‪ .1‬الغزالی‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬القسطاس املستقیم‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.67‬‬


‫‪ .2‬الشیرازی‪ ،‬صدر الدین محمد‪ ،‬مفاتیح الغیب‪ 1363 ،‬ص‪.309‬‬
‫‪ | 384‬تاریخ علم املنطق‬

‫موضوع علم املنطق‬


‫أقوال بني علامء املنطق يف حتدید موضوع هذا العلم‪ :‬جعله‬ ‫ٍ‬ ‫أثريت أربعة‬
‫تدل علی املعقوالت الثانیة‪ ،1‬بینام خالفه‬ ‫الفاريب األلفاظ من حیث هی ّ‬
‫ابن ‌سینا وعدّ املعقوالت الثانیة – دون األلفاظ الدالة علیها‪ -‬موضوع‬
‫ٍ‬
‫بحيلة وطريقة‪،‬‬ ‫علم املنطق‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬يف رأيه إذا خت ّلصنا من األلفاظ‬
‫أن موضوع علم املنطق‬ ‫فسيظل موضوع علم املنطق باق ًيا‪ .‬یری ابن ‌سینا ّ‬ ‫ّ‬
‫ليس املعقوالت الثانیة مطل ًقا‪ ،‬بل هي من حیث إیصاهلا إلی املطلوب‪ ،‬أو‬
‫غرّي املنطقيون الالحقون‬ ‫من حیث كوهنا تنفع أو متنع عن اإلیصال إلیه ‪ّ .‬‬
‫‪2‬‬

‫إن موضوع علم املنطق‬ ‫تفسريا آخر‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬‬


‫ً‬ ‫بيان ابن سينا‪​​ ،‬وربام قدّ موا له‬
‫التصور والتصدیق من حیث اإلیصال‪ ،‬ویری بعضهم كالتفتازاين ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫هو‬
‫عرف واحلجة‪.‬‬ ‫موضوع علم املنطق هو ا ُمل َّ‬
‫أن املنطقیني الذين عدّ وا موضوع علم املنطق هو‬ ‫والسؤال املطروح اآلن ّ‬
‫التصور والتصدیق أو مصادیقهام؟‬ ‫ّ‬ ‫التصور والتصدیق هل يقصدون عنوان‬ ‫ّ‬
‫فإن قصدوا عنوانیهام فهام أمران ذهنیان معدودان من املعقوالت الثانیة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫إن قصدوا مصادیق‬ ‫ویصح عدّ مها موضو ًعا لعلم املنطق حقیقة‪ ،‬وأ ّما ْ‬
‫والتصدیق فهذا غری صحیح‪ .‬فعلی سبیل املثال‪ ،‬نقول يف حتدید اإلنسان‪:‬‬
‫(اإلنسان حیوان ناطق)‪ ،‬فهذه القضیة التی حیكي موضوعها عن واق ٍع ّ‬
‫ویبنّی‬
‫إن اإلنسان‬ ‫حمموهلا األجزاء املفهومیة للموضوع‪ ،‬هل هذه القضیة من حیث ّ‬
‫بحث منطقي؟ بالطبع ال‪ .‬البحث املنطقي‬ ‫موضوع واحلیوان الناطق حممول‪ٌ ،‬‬
‫یبنّی املنطق ّیون قواعدمها العا ّمة‪،‬‬
‫واملعرف أنفسهام اللذین ّ‬
‫ِّ‬ ‫املعرف‬
‫هو عنواين َّ‬
‫كل عل ٍم هذه القواعد يف علمه‪ ،‬ويقدّ م التعريف املطلوب‪ .‬بنا ًء‬ ‫ثم يط ّبق عامل ّ‬

‫‪ .1‬الفارايب‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،1968 ،‬ص‪.74‬‬


‫‪ .2‬الشفاء‪ ،‬املدخل‪ ،‬ص‪.24 - 22‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪385‬‬

‫علی ذلك‪ ،‬فلیس حتدید اإلنسان والقضیة احلاكیة عن التحدید بح ًثا منطق ًیا‪.‬‬
‫أن موضوع علم املنطق هی املعقوالت الثانیة من حیث‬ ‫یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫املتأهّلنی ّ‬
‫أن املفاهیم‬ ‫یوضح صدر ّ‬ ‫تصلح أو تنفع يف اإلیصال إلی املطلوب‪ّ .1‬‬
‫أن هذه املفاهیم كالكلیة واجلزئیة‬ ‫ٍ‬
‫معقوالت ثانیة‪ .‬فهو یری ّ‬ ‫املنطقیة ملاذا تكون‬
‫والذاتیة والعرضیة واجلنسیة والفصلیة وغریها‪ ،‬ممّا تتعقل يف الدرجة الثانیة‬
‫ٍ‬
‫وحمموالت‬ ‫عوارض‬
‫َ‬ ‫أو درجات بعدها؛ ولذا تكون املعقوالت الثانیة املنطقیة‬
‫مفاهیم‬
‫َ‬ ‫عقلی ًة علی املعقوالت األولی؛ كام تكون املعقوالت األولی‬
‫ٍ‬
‫وموضوعات ومناشئ النتزاع هذه املفاهیم املنطقیة‪ .‬بنا ًء علی‬ ‫ٍ‬
‫وموصوفات‬
‫ذلك‪ ،‬یكون مطا َبق املعقوالت الثانیة هی املفاهیم األولی يف ظرف الذهن‪.‬‬
‫معقوالت ثانی ٌة منطقی ٌة قضایا ذهنیة‪.2‬‬
‫ٌ‬ ‫ومن هنا تكون القضایا التي حمموالهتا‬
‫كیفیة وجود موضوع علم املنطق‬
‫موضوع یبحث يف ذلك العلم عن حممول ذلك املوضوع‪ ،‬وهبذا‬ ‫ٌ‬ ‫لكل عل ٍم‬
‫أن موضوع العلم ماهو؟ وكیف یمكن إثباته‬ ‫تتشكّل مسائل ذلك العلم‪ .‬أما ّ‬
‫وكیف وجوده؟ فهذا لیس من مسائل العلم‪ .‬تعدّ هذه املباحث ‪ -‬بحسب‬
‫املصطلح ‪ -‬مبادئ العلم وجیب البحث عنها يف علم آخر‪ .‬بنا ًء علیه‪ ،‬فام‬
‫أن (موضوع علم املنطق هی املعقوالت الثانیة)‪ ،‬لیس من مباحث‬ ‫ذكرناه من ّ‬
‫أن كیفیة وجود املعقوالت الثانیة هی من‬ ‫علم املنطق‪ ،‬بل من مبادئه‪ ،‬كام ّ‬
‫أن الفلسفة تناقش وتبحث عن كون‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫مسائل الفلسفة‪ .‬یری صدر ّ‬
‫املعقوالت الثانیة املنطقیة وجودها يف النفس‪ ،‬كام ّ‬
‫أن القضایا الناظرة إلیها‬
‫قضایا ذهنیة‪.3‬‬
‫‪ .1‬الشیرازی‪ ،‬صدر الدین‪ ،‬التنقیح‪ ،1378 ،‬ص‪5‬؛ نفسه‪ ،‬رشح وتعلیقه صدر املتألهین بر الهیات‬
‫شفا‪ ،1382،‬ص‪.540‬‬
‫‪ .2‬الشیرازی‪ ،‬صدر الدین‪ ،‬الحکمة املتعالیة يف األسفار العقلیة األربعة‪ ،1981 ،‬ص‪.332‬‬
‫‪ .3‬الحکمة املتعالیة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪332‬؛ رشح وتعلیقه صدر املتألّهین بر الهیات شفاء‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ | 386‬تاریخ علم املنطق‬

‫املنطق جز ٌء من الفلسفة األولی‬


‫نوع من‬
‫لقد أثري هذا السؤال بني علامء املنطق‪ :‬هل املنطق أداة للعلم أم أنّه ٌ‬
‫العلم بحد ذاته؟ يبدو أنّه يف هذا السؤال قد ُفرض مسب ًقا أنّه إذا كان اليشء‬
‫علاًم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يقبل علامء املنطق أنّه عىل الرغم من‬
‫أدا ًة للعلم‪ ،‬فال يكون ً‬
‫نوع من العلم بحدّ ذاته‪.‬‬
‫أن املنطق هو أداة لعلوم أخرى‪ ،‬فإنّه ٌ‬‫ّ‬

‫املتأهّلنی؛ لذلك مل يناقش هذا املوضوع‪.‬‬ ‫شك يف ّ‬


‫أن (املنطق) علم عند صدر ّ‬ ‫ال ّ‬
‫علاًم‪ ،‬ففي أي عل ٍم يتم إدراجه؟‬
‫مناسب‪ :‬إذا كان املنطق ً‬
‫ٌ‬ ‫لكن هذا السؤال‬
‫قسم احلكامء السابقون احلكمة إىل قسمني‪ :‬نظري وعميل‪ .‬بطبيعة احلال‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫علاًم‪ ،‬ففي أي جزء من احلكمة‬
‫السؤال الذي يطرح نفسه هو أنّه إذا كان املنطق ً‬
‫یدخل؟ هل جيب عدّ املنطق جز ًءا من احلكمة النظرية أم من احلكمة العملية؟‬

‫صحيح من جهة أننا يف املنطق نتعامل مع عملیة التفكري؛ لذلك‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫هذا السؤال‬
‫فمن املمكن ْ‬
‫أن يكون املنطق نو ًعا من احلكمة العملية‪ .‬وقد جعل ابن سينا​​املنطق‬
‫جز ًءا من احلكمة النظرية دون احلكمة العملية‪ ،‬لكن إذا كان املنطق جز ًءا من‬
‫فرع مستقل؟‬ ‫احلكمة النظرية‪ ،‬فأي فر ٍع من احلكمة النظرية يكون؟ هل املنطق ٌ‬
‫عادة تنقسم احلكمة النظرية إىل ثالثة فروع‪ :‬الطبیعیات‪ ،‬والرياضيات‪،‬‬
‫أن موضوع املنطق هي املعقوالت الثانیة‬ ‫والفلسفة األولی‪ .‬ومن الواضح ّ‬
‫فإن املنطق لیس جز ًءا من الطبیعیات التي تبحث عن اجلسم‬ ‫املنطقیة؛ لذا ّ‬
‫الذی هو من املعقوالت األولی‪ ،‬وال من الریاضیات التي موضو ُعها املقدار‬
‫والعدد؛ لذلك‪ ،‬جيب ْ‬
‫أن يكون املنطق إ ّما فر ًعا راب ًعا للحكمة النظرية‪ ،‬وإ ّما‬
‫جز ًءا من الفلسفة األوىل‪.‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪387‬‬

‫أدرج ابن سينا​​املنطق يف الفلسفة األوىل‪ ،‬وأ ّید صدر ّ‬


‫املتأهّلنی ما قاله الشيخ‬
‫ألن موضوع الفلسفة األولی هو مطلق الوجود الذي مل ُیق ّید بالریاضیة‬ ‫الرئيس؛ ّ‬
‫والطبیعیة‪ ،‬ومل یكن من األفعال اإلرادیة لإلنسان‪ ،‬سواء كان يف الذهن أم يف‬
‫فإن املعقوالت الثانیة التي هي موضوع علم املنطق‪ ،‬تكون من‬ ‫اخلارج؛ لذلك ّ‬
‫سنخ الوجود غری املق ّید بقید الریاضیة والطبیعیة‪ ،‬ولیست من األفعال اإلرادیة‬
‫فإن موضوع الفلسفة األولی تشمل موضوع علم املنطق‪،‬‬ ‫لإلنسان‪ .‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫یصح إذا مل یكن املنطق‬ ‫ّ‬ ‫ولذا یعدّ املنطق جز ًءا من الفلسفة األولی‪ .‬هذا إنّام‬
‫جز ًءا من احلكمة العملیة‪ .‬لكن ملاذا الینبغی والیمكن عدّ املنطق جز ًءا من‬
‫أن التفكری أعني عملیتي التحدید واالستدالل هو من‬ ‫احلكمة العملیة‪ ،‬مع ّ‬
‫وإن كان یفكر إراد ًیا‪ ،‬لكن‬ ‫أن اإلنسان ْ‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫أفعالنا اإلرادیة؟ یری صدر ّ‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬يمكنني ّأاّل أتابع التفكري‬ ‫ٍ‬ ‫لیس التفكری ً‬
‫فعاًل إراد ًیا لإلنسان‪.‬‬
‫عن عمد‪ ،‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬ال أمجع بني الصغری والكربی م ًعا‪ ،‬أو أمجع‬
‫بینهام حسب اإلرادة‪ ،‬لكن الفكرة التي حتدث من خالل التجميع لیست ً‬
‫فعاًل‬
‫نتیجة من الصغری والكربی‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫إراد ًیا؛ بمعنی أنني ال یمكننی ْ‬
‫أن أستنتج أ ّیة‬
‫حتصل النتیجة يف الذهن قهر ًیا‪ .1‬فلیس املنطق جز ًءا من احلكمة العملیة‪.‬‬

‫املنطق علم عميل‬


‫املتأهّلنی يؤ ّید مقالة الشيخ الرئيس ّ‬
‫بأن املنطق جز ٌء‬ ‫أن صدر ّ‬ ‫عىل الرغم من ّ‬
‫من احلكمة النظرية وأحد فروع الفلسفة األوىل‪ ،‬فإنّه من وجهة نظر أخرى‪،‬‬
‫يضع املنطق حتت جمموعة العلوم العملية وليس جز ًءا من احلكمة العملية‪.‬‬

‫قسموها إلی العلوم النظریة والعلوم العملیة‪،‬‬ ‫توضیح ذلك ّ‬


‫أن العلوم ّ‬

‫‪ .1‬رشح و تعلیقه صدر املتألّهین بر الهیات شفاء‪ ،‬ص‪ .23‬الشیرازي‪ ،‬صدر الدین‪ ،‬رشح الهدایة‬
‫األثیریة‪ ،‬ص‪4‬ـ‪.6‬‬
‫‪ | 388‬تاریخ علم املنطق‬

‫فإن كان متع َّلق العلم كیفیة العمل فهو‬


‫ومعیار هذا التقسیم هو متع َّلق العلم‪ْ ،‬‬
‫علم نظري؛ لذا من‬ ‫وإن مل یكن متع َّلق العلم كیفیة العمل فهو ٌ‬
‫علم عميل‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫املتأهّلنی یكون املنطق كاألخالق‪ ،‬وتدبری املنزل‪ ،‬وسیاسة‬ ‫وجهة نظر صدر ّ‬
‫املدن‪ ،‬وكالطب العميل‪ ،‬وعلم اخلط‪ ،‬واخلیاطة من العلوم العملیة‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬
‫عمل‬ ‫عمل خارجي‪ ،‬كالطبابة‪ ،‬وبعضها اآلخر یشری إلی‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها یشری إلی‬
‫ذهني‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عندما يقال‪( :‬املوجبة الكلیة تنعكس إلی املوجبة‬
‫إنسان ضاحك»‬ ‫ٍ‬ ‫اجلزئیة)‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬يؤ ّدي ذهننا عملي ًة عقلي ًة مع ّ‬
‫«كل‬
‫وحيصل عىل «بعض الضاحك إنسان»‪.1‬‬

‫حقیقة التص ّور والتصدیق من وجهة نظر ال ُم ّاّل صدرا‬


‫قسم املنطق ّیون العلم احلصويل أو علی حدّ تعبری ا ُمل ّاّل صدرا (العلم‬ ‫ّ‬
‫احلصويل االنفعايل) أو (العلم احلادث) ‪ ،‬إلی التصور والتصدیق‪ .‬الفاريب‬
‫‪2‬‬

‫التصور والتصدیق يف‬


‫ّ‬ ‫قسم العلم رسم ًيا إىل‬
‫هو من أبدع هذا التقسیم؛ ألنّه ّ‬
‫املنطقیات‪ ،3‬وقد اتّبعه يف هذا التقسیم ابن‌سینا‪ 4‬وأتباعه‪ .‬و َقبِل صدر ّ‬
‫املتأهّلنی‬
‫أیضا هذا التقسیم‪ .5‬شيخ اإلرشاق هو الوحيد الذي عارض هذا التقسیم كام‬ ‫ً‬
‫دائاًم‪ ،‬ولیس التصدیق‬ ‫التصور ً‬
‫ّ‬ ‫سيأيت‪ ،‬وعدّ ه تساحمًا‪ .‬وهو یری ّ‬
‫أن العلم هو‬
‫وإن كان التصدیق یقع متع َّل ًقا للعلم التصوري‪.6‬‬
‫علاًم‪ْ ،‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬رشح و تعلیقه بر الهیات شفاء‪ ،‬ص‪22‬ـ‪.23‬‬
‫‪ .2‬الشیرازي‪ ،‬صدر الدین‪ ،‬رسالة التص ّور والتصدیق‪ ،‬يف‪ :‬الجوهر النضید‪ ،1363،‬ص‪.307‬‬
‫‪ .3‬املنطقیات للفارايب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.266‬‬
‫‪ .4‬ابن سینا‪ ،‬منطق املرشقیین‪ ،‬ص‪9‬؛ والنجاة يف املنطق واإللهیات‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ .5‬رسالة التص ّور والتصدیق‪ ،‬ص‪.308‬‬
‫‪ .6‬شهاب الدین السهروردي‪ ،‬املشارع واملطارحات‪1385 ،‬؛ ص‪.623‬‬
‫«وأما تقسیم العلم إلی تص ّو ٍر وتصدیقٍ فیتسامح فیه يف أوائل الکتب؛ ألنّه لیس موضع یحتمل‬
‫التدقیق‪ .‬وأحوط التقسیامت ما ذکره الشیخ أبو عيل يف بعض املواضع أ ّن العلم إ ّما تصور فقط‪،‬‬
‫وإما تص ّور معه تصدیق‪ .‬واشرتك کالهام يف التص ّور‪ ،‬وزاد أحدهام بالتصدیق وهو الحکم‪ ... .‬فکأنّه‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪389‬‬

‫ٍ‬
‫وتناقضات‪،‬‬ ‫مصدرا ألحكا ٍم‬ ‫التصور والتصدیق‬ ‫أصبح تقسيم العلم إىل‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫سخیفة لتلك‬ ‫ٍ‬
‫إلجابات‬ ‫مصدرا‬ ‫ّ‬
‫املتأهّلنی‬ ‫وأصبح من وجهة نظر صدر‬
‫ً‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫التناقضات‪ .‬كان ذلك يف رأي ا ُمل ّاّل صدرا بسبب الغفلة عن حقیقة‬
‫والتصدیق‪.1‬‬
‫‪1‌.‬عدّ بعض املنطقینی كالفخر الرازي وأتباعه التصدیق مر ّك ًبا من ثالثة‬
‫أو أربعة أجزاء‪ .‬من وجهة نظرهم یكون علمنا التصدیقي ّ‬
‫بأن (زیدً ا‬
‫تصور املحمول‬‫(تصور زید)‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫تصور املوضوع‬
‫قائم)‪ ،‬له أجزاء أربعة‪ّ :‬‬‫ٌ‬
‫قائم أو ال)‪ ،‬واحلكم‪.‬‬ ‫تصور النسبة احلكمیة ّ‬
‫(أن زیدً ا ٌ‬ ‫(تصور القیام)‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫التصور والتصدیق یظهر ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫یری صدر ّ‬
‫املتأهّلنی أنّه إذا اتّضحت حقیقة‬
‫أمرا مر ّك ًبا قول سخیف‪.2‬‬
‫عدّ التصدیق ً‬
‫التصور والتصدیق‪ ،‬فقالوا ّ‬
‫إن‬ ‫ّ‬ ‫‪2‌.‬أشكل بعضهم علی تقسیم العلم إلی‬
‫قسم من ا َمل ْقسم رش ًطا أو جز ًءا لقسمه‬‫أن یكون ٌ‬ ‫هذا التقسیم یستلزم ْ‬
‫أن یكون التصدیق بسی ًطا‬ ‫اآلخر؛ وذلك أنّه حسب رأی الفالسفة إ ّما ْ‬
‫بأن (زیدً ا قائم) مرشو ًطا‬
‫وحینئذ یكون التصدیق ّ‬ ‫ٍ‬ ‫التصور‪،‬‬ ‫ورشطه‬
‫ّ‬
‫وتصور نسبة القیام إلی زید‪ ،‬فهذه‬ ‫ّ‬ ‫وتصور القائم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بتصور زید‪،‬‬
‫ّ‬
‫رشط للحكم بقیام زید‪ .‬وإ ّما یكون التصدیق مر ّك ًبا كام‬ ‫ٌ‬ ‫التصورات‬
‫ّ‬
‫تصور املوضوع‬ ‫ٍ‬
‫هو كذلك عند الفخر الرازي وأتباعه‪ ،‬وحینئذ یصری ّ‬

‫ج وإلی مقرونٍ بالتصدیق‪.‬‬ ‫وقسم التصور إلی ساذ ٍ‬


‫أخذ العلم يف هذا املوضع بإزاء مجرد التص ّور‪ّ ،‬‬
‫ثم التصدیق حکم‪ ،‬والحکم فعل‪ ،‬وهو إیقاع نسبة أو قطعهاأ وإدراك فعلٍ ما لیس نفسه ذلك الفعل‪.‬‬
‫فتع ُّقلُنا للفعل الذی هو الحکم تص ّو ٌر لذلك الفعل‪ ،‬أي الحکم‪ ،‬فرجع العلم املذکور إلی التص ّور‪.‬‬
‫ثم التص ّور قد یکون تص ّو ًرا إلمور خارجة‪ ،‬وقد یکون تص ّو ًرا ألحکامٍ نفسانی ٍة هي التصدیقات‪،‬‬
‫فرتجع علومنا إلی التصورات‪ ،‬وإ ْن کانت يف بعض املواضع تص ّورات األحکام‪ ،‬والتصدیقات هي‬
‫أفعال نفسانیة‪ ،‬وإیقاع أو قطع» (ص‪ 623‬ـ‪.)624‬‬‫ٌ‬
‫‪ .1‬رسالة التص ّور والتصدیق‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫‪ | 390‬تاریخ علم املنطق‬

‫التصور قسیم‬
‫ّ‬ ‫واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم أجزا ًء له‪ .‬هذا مع ّ‬
‫أن‬
‫أن یكون القسیم رش ًطا أو جز ًءا لقسیمه اآلخر‪1‬؛‬
‫التصدیق‪ ،‬والیمكن ْ‬
‫التصور رش ًطا أو جز ًءا للتصدیق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولذا الیمكن ْ‬
‫أن یكون‬
‫قدّ م املنطق ّیون جوابنی خمتلفنی لإلجابة عن هذه املشكلة‪ :‬أحدمها‬
‫التصور رش ًطا‬
‫ّ‬ ‫یبتني علی كون التصدیق بسی ًطا‪ .‬وحسب هذا املبنی یكون‬
‫التصور الذي هو قسیم التصدیق‬
‫ّ‬ ‫حمذور يف ّ‬
‫أن یكون‬ ‫ٌ‬ ‫للتصدیق‪ ،‬والیوجد‬
‫التصور لیس رش ًطا ملفهوم التصدیق حتی یرد علیه‬ ‫ّ‬ ‫رش ًطا للتصدیق؛ إذ‬
‫أن الوضوء غری‬‫التصور رش ًطا للتصدیق‪ .2‬كام ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلشكال‪ ،‬بل عُدّ مصداق‬
‫الصالة‪ ،‬ومع ذلك یمكن تقسیم العبادات إلی الصالة وغریها كالوضوء‪،‬‬
‫ومع ذلك تكون الصالة التی هی إحدی األقسام مرشوط ًة بالوضوء الذي‬
‫هو قسم آخر للعبادات‪ .3‬هنا الیكون مفهوم الوضوء رش ًطا ملفهوم الصالة‬
‫بل مصداق الوضوء يكون رش ًطا للصالة‪.‬‬
‫املتأهّلنی هذا اجلواب سخیف؛ إذ هو یستلزم ْ‬
‫أن‬ ‫من وجهة نظر صدر ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد من األقسام‬ ‫أي‬ ‫یكون مفهوم التصدیق مرشو ًطا بقسیمه‪ ،‬مع ّ‬
‫أن مفهوم ّ‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫وإن عدّ املجیبون مصداق‬ ‫أن یكون مرشو ًطا بقسیمه اآلخر‪ّ .4‬‬ ‫الیصح ْ‬
‫عاّم یلزمه‪ ،‬وهو كون مفهوم‬‫ووجوده رش ًطا لوجود التصدیق‪ ،‬إال ّأهّنم غفلوا ّ‬
‫فإن التقسیم عند ا ُمل ّاّل صدرا هو ّ‬
‫ضم‬ ‫التصور؛ ّ‬‫ّ‬ ‫التصدیق مرشو ًطا بمفهوم‬
‫ٍ‬ ‫القیود املتخالفة إلی ٍ‬
‫ضم‬‫قسم جدیدٌ من خالل ّ‬ ‫أمر واحد مبه ٍم بحیث حیصل ٌ‬
‫ربا يف التصدیق‪ ،‬وعدم الحکم‬ ‫‪ .1‬القطب الرازي‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬ص‪« :8‬ألنّه لو کان التص ّور معت ً‬
‫ربا يف التصدیق‪ ،‬فیلزم إ ّما تق ّوم اليشء بالنقیضین أو‬ ‫ربا يف التص ّور‪ ،‬فیکون عدم الحکم معت ً‬
‫معت ً‬
‫اشرتاطه بنقیضه‪ ،‬وکالهام محاالن»‪.‬‬
‫‪ .2‬رشح املطالع‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ .3‬رسالة التص ّور والتصدیق‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪391‬‬

‫ٌ‬
‫فصول‬ ‫أن القیود امللحوظة لألقسام ّإما‬ ‫املتأهّلنی ّ‬
‫قید إلی املقسم‪ .‬یری صدر ّ‬ ‫ٍ‬
‫فصواًل ذاتیة‪ ،‬تكون القیود‬‫ً‬ ‫للم ْقسم وإ ّما عوارض خارجیة‪ْ ،‬‬
‫فإن كانت‬ ‫ذاتی ٌة َ‬
‫مقرر ًة‬
‫أن القیود تكون ّ‬ ‫للم ْقسم كام ّ‬
‫كل قس ٍم نو ًعا َ‬ ‫مقوم ًة لألقسام‪ ،‬ویكون ّ‬
‫ّ‬
‫وإن كانت‬‫جنسا حسب بعض االعتبارات‪ْ .‬‬ ‫لوجود ا َمل ْقسم‪ ،‬ویكون ا َمل ْقسم ً‬
‫القیود عوارض‪ ،‬فهي خارج ٌة عن حقائق األقسام ولكنّها داخل ٌة يف مفهوم‬
‫أن ا َمل ْقسم مع القیود ّ‬
‫املقومة‬ ‫للم ْقسم‪ .‬واحلاصل ّ‬ ‫األقسام من حیث ّإهّنا أقسام َ‬
‫رسم لذلك القسم‪ .1‬ويف‬ ‫حدٌّ لذلك القسم ومع القیود اخلارجة عن القسم ٌ‬
‫أن یكون مفهوم‬ ‫فإن كان مصداق التصور رش ًطا للتقسیم‪ ،‬فال بدّ ْ‬ ‫ضوء ذلك ْ‬
‫أیضا‪ ،‬وهذا حمال‪.‬‬ ‫التصور رش ًطا للتصدیق ً‬
‫ّ‬
‫جواب عا ٌّم یشمل حالتَي‬
‫ٌ‬ ‫أجابوا التناقض املذكور جوا ًبا ثان ًیا‪ ،‬وهو‬
‫بساطة الرتكیب والرتكّب‪ .‬ذكر بعض املنطقینی يف اجلواب عن التناقض‬
‫لفظي‪ ،‬هو تار ًة بمعنی العلم الذی یكون َم ْق ً‬
‫ساًم‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫مشرتك‬ ‫املذكور ّ‬
‫أن (التصور)‬
‫للتصور والتصدیق‪ ،‬وتار ًة أخری بمعنی القسم الذی یقع جتاه التصدیق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫التصور باملعنی األول‪ .2‬حسب‬ ‫ّ‬ ‫والذی یكون رش ًطا أو جز ًءا للتصدیق هو‬
‫حكم بوحدة القیام بنی زید‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا اجلواب یكون يف التصدیق ّ‬
‫بأن (زیدً ا قائم)‬
‫والتصور‬
‫ّ‬ ‫بتصور زید‪ ،‬والقائم علی نحو الالبرشط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويكون القائم مرشو ًطا‬
‫للتصور والتصدیق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مقساًم‬
‫ً‬ ‫علی نحو الالبرشط‬
‫من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا هذا اجلواب يف غایة الضعف والسفاهة؛ إذ‬
‫مركز علی حتصیل معنی التصدیق ومفهومه‪ ،‬ویندرج التقسیم‬ ‫ٌ‬ ‫ّأو ًاًل‪ ،‬الكالم‬
‫يف احلقیقة يف باب التعریفات واألقوال الشارحة؛ مع أنّه یستحیل ْ‬
‫أن نعدّ أفراد‬
‫أحد القسمنی يف ماهیة القسم اآلخر‪ ،‬وقوله الشارح سواء علی حدّ الرشط‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.309‬‬


‫‪ .2‬رشح املطالع‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ | 392‬تاریخ علم املنطق‬

‫أم اجلزء‪ .‬ثان ًیا‪ ،‬بنا ًء علی القول ببساطة التصدیق‪ ،‬یكون التصدیق مرشو ًطا‬
‫یتقوم التصدیق بنقیضه‪ .‬وحتى‬ ‫بنقیضه‪ ،‬وبنا ًء علی القول برتكّب التصدیق ّ‬
‫وف ًقا لرأي أولئك الذين عدّ وا التصدیق ّ‬
‫تصو ًرا جمام ًعا للحكم‪ ،‬فإنّه حینئذ‬
‫أیضا یكون التصدیق جمام ًعا لنقضیه‪ ،‬مع أنّه یستحیل اشرتاط اليشء بنقیضه‬ ‫ً‬
‫وتقوم اليشء بنقیضه‪ ،‬وجمامعة الشیء لنقیضه‪.1‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫قسمنا العلم‬ ‫ٌ‬
‫بسیط‪ .‬فحینئذ إذا ّ‬ ‫من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا التصدیق ٌ‬
‫أمر‬
‫التصور جزءه‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫بسیط‪ ،‬ولیس‬ ‫أمر‬ ‫التصور والتصدیق مع ّ‬
‫أن التصدیق ٌ‬ ‫ّ‬ ‫إلی‬
‫أن یكون القسیم‬‫التصور قسیم التصدیق والیصح ْ‬
‫ّ‬ ‫والرشطه – وذلك ّ‬
‫ألن‬
‫ٍ‬
‫فحینئذ كیف یمكن اجلواب عن التناقض املتقدّ م من وجهة‬ ‫معر ًفا لقسیمه‪-‬‬ ‫ّ‬
‫نظر ا ُمل ّاّل صدرا؟‬

‫التصور‬
‫ّ‬ ‫أن للعلم معنی جنس ًیا وینقسم إلی نوعنی‪:‬‬ ‫یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫التصور والتصدیق وحد ٌة طبیعی ٌة‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ولكل من‬ ‫ٍّ‬ ‫والتصدیق‪.‬‬
‫أن السواد والبیاض كیفان‬ ‫والتصدیق كیفیتان نفسانیتان بسیطتان‪ .‬فكام ّ‬
‫التصور والتصدیق‬
‫ّ‬ ‫حمسوسان بسیطان مندرجان حتت جنس اللون‪ ،‬كذلك‬
‫الیتحصل‬ ‫فإن جنسه‬ ‫ٍ‬
‫بسیط يف معناه‪ّ ،‬‬ ‫نوعان من العلم البسیط‪ُّ .‬‬
‫وكل نو ٍع‬
‫ّ‬
‫الیتحصل ّإاّل بفصله‬ ‫ّ‬ ‫التصوري‬
‫ّ‬ ‫فإن جنس العلم‬ ‫ّإاّل بفصله‪ .‬وعلی هذا ّ‬
‫التصوري‪ ،‬وهو كونه (برشط ال)‪ ،‬بالنسبة إلی احلكم‪ .‬وكذلك جنس العلم‬ ‫ّ‬
‫الیتحصل ّإاّل بفصله التصدیقي‪ ،‬وهو كونه (برشط يشء) بالنسبة‬ ‫ّ‬ ‫التصدیقي‬
‫كل من اجلنس والفصل يف مجلة األمور‬ ‫أن إجیاد ٍّ‬
‫إلی احلكم‪ ،‬بل یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫التصور والتصدیق‬ ‫كل من‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة أخری‪ٌّ :‬‬ ‫وحتصلهام واحدٌ ‪.2‬‬ ‫البسیطة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إمكاين آخر‪ .‬وعندما‬ ‫ٍ‬
‫موجود‬ ‫موجودان ممكنان خملوقان هلل تعالی‪ ،‬شأن ّ‬
‫كل‬
‫ٍّ‬
‫‪ .1‬رسالة التص ّور والتصدیق‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪ 309‬ـ‪.310‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪393‬‬

‫أمرا بسی ًطا‪.‬‬


‫التصور والتصدیق يف ذهن اإلنسان‪ ،‬فإنّه خیلق ً‬
‫ّ‬ ‫خیلق اهلل تعالی‬

‫التصور جزءه وال رشطه‪ ،‬فكیف حیصل‬‫ّ‬ ‫أمرا بسی ًطا‪ ،‬ولیس‬
‫إن كان التصدیق ً‬ ‫ْ‬
‫العلم بأجزاء القضیة التي هي ممّا یتع ّلق به احلكم والتصدیق؟ فهل من املمكن‬
‫تصور زید والقیام والنسبة احلكمیة؟‬ ‫أن حیصل العلم ّ‬
‫بأن (زیدً ا قائم) مع فقدان ّ‬ ‫ْ‬

‫یری ا ُمل ّاّل صدرا ویدعي أنّه ممّا ُیستفاد من كالم املح ّققنی‪ّ ،‬‬
‫أن العلم‬
‫تصو ٌر هو‬
‫حكاًم‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫تصو ٌر لیس ً‬‫(حصول صورة اليشء يف العقل)‪ ،‬إ ّما ّ‬
‫تصور یستلزم احلكم‬‫ّ‬ ‫احلكم نفسه (بمعنی االنكشاف التصدیقي)‪ ،‬وإ ّما‬
‫التصور الذی هو احلكم نفسه أو‬‫ّ‬ ‫یسمی‬
‫(بمعنی اإلذعان بعد االنكشاف)‪ّ .‬‬
‫حكاًم بـ(التصور)‪.1‬‬
‫التصور الذی لیس ً‬ ‫ّ‬ ‫سمی‬
‫یستلزمه بـ(التصدیق)‪ .‬بینام ُی ّ‬
‫التصور مشرتكًا لفظ ًیا له معنیان‪ :‬أحدمها‬
‫ّ‬ ‫فمن وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا یكون‬
‫التصور برشط‬
‫ّ‬ ‫للتصور والتصدیق‪ ،‬وثانیهام‬
‫ّ‬ ‫املعنی الالبرشط الذی هو َم ْق ٌ‬
‫سم‬
‫أیضا‪ .‬یقول ا ُمل ّاّل صدرا بعد هذا التوضیح‪ ،‬يف بیان‬ ‫تصو ًرا ً‬
‫سمی ّ‬ ‫ال‪ ،‬الذی ُی ّ‬
‫قسموا‬
‫التصور والتصدیق‪ :‬هذا هو ما یقصده أهل احلكمة عند ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقیقة‬
‫(التصور الذی معه‬
‫ّ‬ ‫والتصور املقارن للحكم‬
‫ّ‬ ‫التصور املحض‬ ‫ّ‬ ‫العلم إلی‬
‫املعنّی وجو ًدا يف العقل غری‬
‫لكل من ّ‬ ‫أن ٍّ‬ ‫حكم)‪ .‬الیقصد املح ّققون من املعیة ّ‬ ‫ٌ‬
‫وجود اآلخر حتی یكون أحدمها رش ًطا لآلخر أو جز ًءا له‪ ،‬ویكون اآلخر‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫مرشو ًطا به أو مر ّك ًبا منه‪ ،‬بل یقصدون املع ّیة يف التحلیل الذهني بنی‬
‫والتصدیق‪ .‬وعلی سبیل املثال‪ ،‬ماهیة اإلنسان مركّب ٌة يف التحلیل الذهني‬
‫أن للحیوان‬ ‫من احلیوان والناطق ولیس املقصود من مع ّیة احلیوان والناطق ّ‬
‫وجو ًدا‪ ،‬وللناطق وجو ًدا آخر بحیث اجتمعا يف اإلنسان‪.‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪ 311‬ـ‪.312‬‬


‫‪ | 394‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن (اإلنسان) له بلحاظ وجوده‬ ‫فإن مقصود املح ّققنی هو ّ‬ ‫بنا ًء علی هذا‪ّ ،‬‬
‫جنيس‪ ،‬واآلخر حمدّ ٌد فصيل‪ .‬وهذان‬‫ّ‬ ‫مبهم‬
‫ٌ‬ ‫الذهني وحدّ ه معنیان‪ :‬أحدمها‬
‫التصور مع‬ ‫واحد‪ .‬فعند ما یقال‪( :‬التصدیق هو‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بوجود‬ ‫املعنیان موجودان‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بعبارة أخری‪ :‬املقصود‬ ‫تصور هو عنی احلكم‪.1‬‬ ‫احلكم) معناه ّ‬
‫أن التصدیق ّ‬
‫من املع ّیة هی املع ّیة يف التحلیل العقيل بنی جنس اليشء وفصله‪ ،‬كمع ّیة اللون‬
‫وقابضیة البرص يف السواد‪ ،‬مع اللون وقابضیة البرص وجود واحد‪ ،‬دون‬
‫ّ‬
‫والكل‪ ،‬ومع ّیة الرشط‬ ‫املع ّیة يف الوجود التی تقتيض االثنینیة‪ ،‬كمع ّیة اجلزء‬
‫والكل‪ ،‬وكذا الرشط واملرشوط شیئان‪ .‬كذلك یری‬ ‫ّ‬ ‫واملرشوط‪ ،2‬إذ ّ‬
‫إن اجلزء‬
‫التصور املطلق إلی التصدیق هی النسبة االحتادیة دون‬ ‫ّ‬ ‫ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫أن نسبة‬
‫النسبة االرتباطیة ‪.3‬‬

‫انكشايف‬
‫ٌّ‬ ‫علم‬
‫أن التصدیق بـ (زید قائم) ٌ‬ ‫يف ضوء ذلك یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫تصور املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة‬ ‫ّ‬ ‫بسیط ینحل يف الذهن إلی‬ ‫ٌ‬
‫بسیط‪ ،‬إال‬ ‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫واحلكم‪ .‬حقیقة هذا العلم عند ما حصلت علیه القوة العاقلة ٌ‬
‫أن الذهن بعد احلصول علی هذا األمر البسیط یقوم بتحلیله إلی املوضوع‬ ‫ّ‬
‫واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم‪ ،‬ثم یربط مر ًة أخری تلك األجزاء‬
‫احلاسة تتأ ّثر من البیاض والسواد تأ ّث ًرا‬
‫ّ‬ ‫التحلیلة بعضها ببعض‪ .‬كام ّ‬
‫أن القوة‬
‫انكشاف ًیا بسی ًطا‪ ،‬لكن الذهن عند ما یقارن هذه التأ ّثرات بعضها ببعض‪ ،‬یری‬
‫كل من البیاض والسواد اللذین‬ ‫وخمتصة؛ ولذا ینحل ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫مكونات مشرتك ًة‬ ‫فیها‬
‫ّ‬
‫مها بسیطان عند العقل‪ ،‬إلی اللون واألمر املختص بالبیاض‪ ،‬واللون واألمر‬
‫املختص بالسواد‪ ،‬ثم یربط العقل هذین اجلزأين أحدمها باآلخر علی نحو‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪.312‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.320‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪395‬‬

‫ّاحّتاد اجلنس بالفصل‪ .‬وهبذا یرتفع التناقض املتقدم ً‬


‫رأسا؛ إذ التصدیق هو‬
‫التصور الالبرشط الذي یظهر يف الوجود من خالل برشط احلكم‪ ،‬إذ الیوجد‬ ‫ّ‬
‫متحص ٌل وصار أحدمها عنی اآلخر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫متحصل ّإاّل إذا ّاحّتد به ٌ‬
‫أمر‬ ‫ّ‬ ‫أمر غری‬
‫ٌ‬
‫أن رأیه حول حقیقة التصدیق هو قول املح ّققنی‪،‬‬ ‫یعتقد ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫مالئاًم ملذهب ّ‬
‫املتأخرین كالفخر الرازي‪،‬‬ ‫وتنطبق علیه أقوال احلكامء‪ ،‬كام یراه ً‬
‫ألهّنم‬
‫معروضا للحكم أو مقارنًا له؛ وذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫التصور‬
‫ّ‬ ‫وأولئك الذین یرون‬
‫الیقصدون أنّه عند حصول التصدیق‪ ،‬هناك عدة أشياء (عىل سبيل املثال‪،‬‬
‫وتصور النسبة احلكمیة والتصدیق‬‫ّ‬ ‫وتصور املحمول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتصور املوضوع‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التصورات الثالثة األولی‬
‫ّ‬ ‫أو احلكم) موجود ٌة يف الذهن‪ ،‬حتی تكون‬
‫بضم احلكم أجزاء للتصدیق‪ ،‬أو األمور الثالثة األولی‬ ‫رش ًطا للحكم ّ‬
‫وأهّنا ّ‬
‫معروضة أو مقارنة للحكم والتصدیق‪ .‬بل یقصدون هو أنّه عندما يتلقى‬
‫بسيط يف الذهن‪ ،‬والذي يمكن للذهن‬‫ٌ‬ ‫الذهن إدراكًا من اخلارج‪ ،‬یتح ّقق ٌ‬
‫أمر‬
‫فإن التصدیق ّ‬
‫ینحل‬ ‫أن يؤدي نشا ًطا ثانو ًيا عليه وحي ّللها إىل مكونات؛ لذلك ّ‬ ‫ْ‬
‫وتصور النسبة احلكمیة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتصور املحمول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تصور املوضوع‪،‬‬
‫عند التحلیل إىل ّ‬
‫التصورات الثالثة األولی‬‫ّ‬ ‫فإن رأي احلكامء الذین یرون‬‫واحلكم‪ .‬ولذلك ّ‬
‫رشو ًطا للحكم‪ ،‬وكذلك رأي الفخر الرازي وأتباعه الذین یعدّ ون املكونات‬
‫فإن هذین الرأینی صحیحان بعد التحلیل الذهنی ال قبله‪.‬‬ ‫األربعة تصدی ًقا‪ّ ،‬‬
‫التصورات الثالثة‪ ،‬وإ ّما‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫بسیط ورشطه‬ ‫فالتصدیق عند التحلیل الذهنی إ ّما‬
‫ّب وجزؤه تلك األجزاء الثالثة‪.‬‬ ‫مرك ٌ‬
‫ٍ‬
‫صفحة من‬ ‫ٍ‬
‫بعبارة أخری‪ :‬وف ًقا لرأي ا ُمل ّاّل صدرا عندما نفتح أعيننا عىل‬
‫تأثريا بسي ًطا‬
‫الورق األبيض‪ ،‬تتأثر قوانا اإلدراكية من خالل القوة البارصة ً‬
‫تصدیقي‪ ،‬ولك ّن‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫بسیط‬ ‫علم‬
‫من الورقة البيضاء اخلارجية‪ ،‬وینطبع يف أذهاننا ٌ‬
‫‪ | 396‬تاریخ علم املنطق‬

‫الذهن لديه القدرة عىل االنتباه ثان ًیا إلی ذلك العلم البسیط التصدیقي فیح ّلله‬
‫إلی املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة واحلكم؛ لذلك‪ ،‬یتبدّ ل التصدیق‬
‫البسیط بعد التحليل العقيل إلی أربعة عنارص‪ ،‬بينام كان بسي ًطا قبل التحليل‪.‬‬
‫مستويات وطبقات‪ ،‬يف الطبقة األوىل من‬
‫ٌ‬ ‫لذلك يمكن القول ّ‬
‫بأن أذهاننا هلا‬
‫الذهن‪ ،‬يتم تصوير الصور العلمیة اخلارجية‪.‬‬

‫أن یرجع إلی اخلارج‬‫ولكن مثلام يمكن للذهن من خالل األدوات‪ْ ،‬‬
‫احلسية يف الطبقة‬
‫احلسیة‪ ،‬وخيزن تلك املعلومات ّ‬ ‫للحصول علی الصور ّ‬
‫األوىل من الذهن‪ ،‬كذلك یمكن للذهن من أداة التحليل العقالين ْ‬
‫أن یرجع‬
‫ٍ‬
‫دراسات عىل هذه املعلومات ليحصل‬ ‫إىل الطبقات الدنيا من الذهن‪ ،‬وجيري‬
‫ٍ‬
‫جدیدة من خالهلا‪ ،‬ثم خیزهنا يف الطبقات العليا من الذهن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫معلومات‬ ‫علی‬
‫ٌ‬
‫بسیط يف الطبقة الدنیا من الذهن‪ ،‬أ ّما يف‬ ‫أمر‬
‫فإن العلم التصدیقي ٌ‬‫لذلك ّ‬
‫ّب‪ ،‬وذلك من خالل النشاط‬ ‫الطبقة العلیا من الذهن فیتبدل إلی ٍ‬
‫أمر مرك ٍ‬
‫الذهنی بمعنی التحلیل الذهنی؛ لذلك فإن ّبساطة التصدیق وفقدانه للرشط‬
‫واجلزء يتوافق مع كونه مرشو ًطا ومر ّك ًبا يف الطبقة العلیا من الذهن‪ ،‬من‬
‫خالل أداة التحلیل العقيل‪.‬‬

‫حمض‬
‫تصو ٌر ٌ‬ ‫ٍ‬
‫قسم املنطق ّیون العلم بطريقة أخرى‪ .‬العلم يف هذا التقسیم إ ّما ّ‬
‫ّ‬
‫للتصور‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫قسیاًم‬
‫تصدیق‪ .‬كام هو واضح‪ ،‬ال یعدّ التصدیق ً‬
‫ٌ‬ ‫تصو ٌر معه‬
‫وإ ّما ّ‬
‫التصور یصحبه التصدیق واحلكم‬ ‫ّ‬ ‫تصور‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫إن‬ ‫القسامن يف هذا التقسيم ّ‬
‫علاًم‪.‬‬
‫أن التصدیق ال يعدّ ً‬‫أحیانًا‪ ،‬وأحیانًا ال یصحبانه‪ .‬لذلك يبدو ّ‬

‫أن العلم ال ينقسم حقیقة إىل أقسام؛ إذ لیس العلم‬‫يدعي شيخ اإلرشاق ّ‬
‫التصور‪ ،‬إال ّ‬
‫إن العلم الذي هو التصور نفسه‪ ،‬تار ًة یكون وحیدً ا‪ ،‬وتار ًة‬ ‫ّ‬ ‫ّإاّل‬
‫تصدیق لیس من جنس العلم؛ إذ التصدیق هو احلكم الذي‬ ‫ٌ‬ ‫أخری یصحبه‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪397‬‬

‫تفعله النفس‪ .‬لذلك‪ّ ،‬‬


‫إن احلكم الذی هو إیقاع النسبة اإلجیابیة أو نفي النسبة‬
‫وإن كان ممّا یتع ّلق به‬
‫السلبیة‪ ،‬یكون من أفعال النفس‪ ،‬ولیس من جنس العلم ْ‬
‫حال من األحوال‬ ‫التصور وحیصل العلم التصوری به‪1‬؛ لذلك‪ ،‬ال يمكن بأية ٍ‬
‫ّ‬
‫علاًم‪.‬‬
‫عدّ التصدیق ً‬
‫يقبل ا ُمل ّاّل صدرا النقاط اإلجيابية يف بحث شيخ اإلرشاق‪ ،‬ويف الوقت‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫علم‪ .‬من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا كام ّ‬
‫أن‬ ‫أن التصدیق ٌ‬ ‫نفسه يدعي ّ‬
‫علم‬
‫التصور املصاحب للحكم ٌ‬ ‫ّ‬ ‫علم‪ ،‬كذلك‬ ‫التصور بال حك ٍم ٌ‬
‫ّ‬ ‫الساذج أو‬
‫التصوري‪ .‬وعندنا نوعان من العلم حقیقة‪ :‬النوع‬ ‫ّ‬ ‫أیضا‪ ،‬وهو یقع جتاه العلم‬ ‫ً‬
‫ساذجا‪،‬‬‫ً‬ ‫تصو ًرا‬
‫تصو ٌر مع احلكم‪ ،‬ولیس ّ‬ ‫ساذج‪ ،‬والنوع الثاين ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تصو ٌر‬
‫األول ّ‬‫ّ‬
‫التصور الذي‬
‫ّ‬ ‫أن التصدیق هو‬ ‫بل هو احلكم عینه؛ لذلك یعتقد ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫التصور الذي یستلزم احلكم بمعنی آخر‪ .‬لذلك تار ًة‬ ‫ّ‬ ‫حكم‪ ،‬أو هو‬‫ٌ‬ ‫هو نفسه‬
‫یكون احلكم العلم التصدیقی نفسه‪ ،‬وتار ًة أخری یكون احلكم ممّا یلزمه‬
‫أن للحكم ثالثة موارد‪:‬‬ ‫العلم التصدیقی‪2‬؛ لذلك يذكر ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫‪1‌.‬احلكم نفسه‪ ،‬بمعنی إیقاع النسبة يف املوجبة‪ ،‬أو نفي النسبة يف السالبة‪ ،‬وهو‬
‫من أفعال النفس‪ ،‬ولیس من جنس العلم احلصويل والصور الذهنیة‪.‬‬
‫تصــور احلكم الذي هو بمعنی إیقاع أو نفي النســبة‪ ،‬واحلكم هبذا املعنی‬
‫ّ‬ ‫‪2‌.‬‬
‫التصوري‪ ،‬ولیــس تصدی ًقا بل هو‬
‫ّ‬ ‫یكــون من جنس العلم احلصــويل‬
‫وإن كان معلومه ومتع ّلقه تصدی ًقا‪ .‬من‬
‫مــن أفراد ما یقابل التصدیــق‪ْ ،‬‬
‫علاًم ومعلو ًما‬ ‫وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا الیســتحیل ْ‬
‫أن یكون يش ٌء واحدٌ ً‬
‫من جهتنی‪.‬‬

‫‪ .1‬املشارع و املطارحات‪ ،‬ص‪ 623‬ـ‪.624‬‬


‫‪ .2‬رسالة التصور والتصدیق‪ ،‬ص‪.312‬‬
‫‪ | 398‬تاریخ علم املنطق‬

‫التصور هو التصدیق‬
‫ّ‬ ‫التصور الذي ال یفارق احلكم بل یســتلزمه‪ .‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫‪3‌.‬‬
‫الذي یقع جتاه التصور‪.1‬‬
‫بعبارة أخری‪ :‬عندما حي ّلل الذهن ذلك اليشء البسيط الذي دخل إىل‬ ‫ٍ‬
‫الذهن من خالل القوة البارصة‪ ،‬إىل املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة‬
‫تصوري‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬ ‫علم‬
‫لكل من هذه األمور األربعة هو ٌ‬ ‫فإن إدراكنا ٍّ‬
‫واحلكم‪ّ ،‬‬
‫تصدی ًقا أبدً ا‪ .‬ولكن قبل حتليل الذهن‪ّ ،‬‬
‫فإن تلك احلالة االنكشافیة من اليشء‬
‫حكاًم وتصدی ًقا‬
‫ُسمى تلك احلالة االنكشافیة ً‬ ‫نوع من العلم‪ ،‬وت ّ‬
‫اخلارجية هي ٌ‬
‫من باب تسمية اليشء باسم الزمه؛ ألنّه بعد تلك احلالة االنكشافیة وحتليلها‬
‫إىل أربعة أجزاء ‪ ،‬يكون اجلزء الرابع هو اإلذعان والتصدیق‪ ،‬واحلكم اللغوي‬
‫الذی یكون يف الواقع أحد أفعال النفس‪.‬‬

‫االفرتاضات الواضحة لعلم املنطق‬


‫املنطق هو أداة العلوم‪ ،‬ويف هذا العلم يتم حتدید قوانني يمكن من خالهلا‬
‫دورا أساس ًيا يف تقدّ م العلوم‪.‬‬
‫أي علم‪ .‬لذلك‪ ،‬يلعب املنطق ً‬ ‫التقدّ م يف ّ‬
‫يمكن إعطاء هذا الدور للمنطق إذا قبلنا أشياء‪ .‬هذه األشياء هي يف الواقع‬
‫افرتاضات مقبول ٌة يف علم املنطق؛ أي بعد قبول هذه االفرتاضات يمكننا‬‫ٌ‬
‫دورا يف تقدّ م العلوم‪ .‬تشمل‬ ‫صحيح ّ‬
‫بأن املنطق هو أداةٌ‪ ،‬ويؤ ّدي ً‬ ‫ٍ‬ ‫القول ٍ‬
‫بنحو‬
‫هذه االفرتاضات التي تكون يف الغالب بدهيي ًة‪ ،‬ما يأيت‪:‬‬
‫‪1‌.‬العلم احلصويل ممك ٌن‪.‬‬
‫‪2‌.‬ینقســم العلم احلصويل تار ًة إلی الــروري والنظري‪ ،‬وتارة أخری إلی‬
‫التصور والتصدیق‪.‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.313‬‬


‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪399‬‬

‫احلــس والوجدان (العلوم املأخوذة من العلم‬


‫ّ‬ ‫‪3‌.‬حتصل العلوم النظرية عرب‬
‫التصورات والتصدیقــات النظرية‬
‫ّ‬ ‫احلضوري)‪ ،‬والشــهود العقــي (‬
‫كتصــور الوجود‬
‫ّ‬ ‫األولیــة التی یدركهــا العقل مــن دون أداة‪ ،‬وذلك‬
‫بأن اجتامع النقیضنی ٌ‬
‫حمال)‪.‬‬ ‫والعدم‪ ،‬وكالتصدیق ّ‬
‫‪4‌.‬تُدرك العلوم النظریة من خالل العلوم النظرية‪.‬‬
‫ً‬
‫مستحیاًل أو كان ممكنًا ولكن مل ینقسم‬ ‫لذلك‪ْ ،‬‬
‫فإن كان العلم احلصويل‬
‫دور لعلم‬
‫إلی النظري والرضوري‪ ،‬بل كانت العلوم مجی ًعا بدهییة‪ ،‬ال یبقی ٌ‬
‫علم حتی یلزمنا وجود‬‫املنطق؛ إذ لو مل یكن العلم ممكنًا للبرش‪ ،‬لیس هناك ٌ‬
‫إن كانت العلوم مجی ًعا بدهییة‪ ،‬فلیس هناك‬‫قواننی للوصول إلیه‪ .‬وكذلك ْ‬
‫نظري حتی یتبدّ ل معلو ًما من خالل تركیب العلوم األخری‪ .‬فقبول‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫جمهول‬
‫كأداة للعلوم األخری‪ ،‬یبتني علی االفرتاضات املذكورة أعاله‬ ‫ٍ‬ ‫املنطق‬
‫ویتو ّقف علیها‪ .‬وهذه االفرتاضات كام أرشنا بدهییة‪ْ ،‬‬
‫وإن أنكرها بعضهم‪.‬‬
‫إنکار اکتساب العلم‬
‫أنکر بعضهم اکتساب العلم متا ًما؛ أي من وجهة نظرهم‪ ،‬العلم التصوري‬
‫احلجة يف خطوتني‪ :‬يف اخلطوة األوىل‬‫والعلم التصدیقي غري ممكنني‪ .1‬تتم هذه ّ‬
‫التصورات‪ .‬ويف اخلطوة الثانية يقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إن اإلنسان غري ٍ‬
‫قادر عىل حتصیل‬ ‫يقال‪ّ :‬‬
‫قادر عىل حتصيل التصدیقات النظرية‪ ،‬ونتيجتهام ّ‬
‫أن اإلنسان‬ ‫إن اإلنسان غري ٍ‬ ‫ّ‬
‫قادر عىل حتصیل العلم؛ لذلك‪ ،‬ال يكون لعلم املنطق مكان؛ ّ‬
‫ألن املنطق‬ ‫غري ٍ‬
‫احلجة ال يمكن‬‫ّ‬ ‫هی قواعد الوصول إىل العلوم النظرية‪ ،‬ولكن وف ًقا هلذه‬
‫لإلنسان ْ‬
‫أن ُحُي ّصل العلم‪.‬‬

‫‪ .1‬تعلیقات رشح حکمة اإلرشاق‪ ،‬ص‪52‬؛ صدر الدین الشیرازی‌‪ ،‬تفسیر القرآن الکریم‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫‪ ،1364‬ص‪.74‬‬
‫‪ | 400‬تاریخ علم املنطق‬

‫إنکار اكتساب التص ّورات‬


‫علاًم تصور ًّیا‪ .‬واالستدالل الذي یقام علی إثبات‬
‫أن یكتسب ً‬ ‫ال یقدر اإلنسان ْ‬
‫حاالت ثالث‪ :‬إ ّما جمهول مطلق‪ ،‬ومن الواضح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شیء‬ ‫أن ّ‬
‫لكل‬ ‫هذه الدعوی هو ّ‬
‫أن یكون معلو ًما من ّ‬
‫كل جهة‪ ،‬فیكون طلبه‬ ‫أن طلب املجهول املطلق ٌ‬
‫حمال‪ .‬وإ ّما ْ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫وجمهواًل من‬ ‫أن یكون معلو ًما من جهة‬ ‫حتصیاًل للحاصل‪ ،‬وهو ٌ‬
‫حمال أیضا‪ .‬وإ ّما ْ‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫حتصیاًل للحاصل‬ ‫إن طلبنا العلم به من جهته املعلومة كان‬ ‫ٍ‬
‫وحینئذ ْ‬ ‫ٍ‬
‫جهة أخری؛‬
‫وإن طلبناه من جهته املجهولة كان طل ًبا للمجهول املطلق‪ .‬فظهر ّ‬
‫أن اليشء‬ ‫ْ‬
‫الیمكن طلبه‪ ،‬والیصری من خالل الطلب معلو ًما‪.‬‬
‫هذا اإلشكال ذكره الفخر الرازي‪ .‬ذكر الفخر الرازي إلثبات استحالة‬
‫املعرف‪،‬‬
‫التصورات النظریة قسمنی من اإلشكاالت‪ :‬القسم األول منهام یشری إلی َّ‬ ‫ّ‬
‫املعرف‪ .‬يذكر ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫أن اإلشكال املذكور هنا‬ ‫والقسم الثاين منهام یشری إلی ِّ‬
‫املعرف‪.1‬‬
‫یشری إلی َّ‬
‫ً‬
‫جمهواًل‪ ،‬فال يمكن‬ ‫من الواضح أنّه إذا كان اليشء من مجیع اجلهات معلو ًما أو‬
‫وجمهواًل من ٍ‬
‫جهة‬ ‫ً‬ ‫دراسته؛ لذلك‪ ،‬إنّام یمكن طلبه ودراسته إذا كان معلوما من ٍ‬
‫جهة‬ ‫ً‬
‫إن طلبناه من جهته املجهولة‬ ‫أخری‪ .‬لكن یرد هنا إشكال الفخر الرازي وهو أنّه ْ‬
‫كان طل ًبا للمجهول املطلق‪ .‬والیمكن السؤال عنه ودراسته‪ْ .‬‬
‫وإن طلبنا العلم به من‬
‫ألن جهته املعلومة معلو ٌم مطلق وال یمكن‬ ‫حتصیاًل للحاصل؛ ّ‬
‫ً‬ ‫جهته املعلومة كان‬
‫دراسته‪ .‬وهكذا تبقی مشكلة طلب املجهول املطلق وطلب حتصیل احلاصل‪.2‬‬
‫أجاب املح ّقق الطويس عن إشكال الفخر الرازي ّ‬
‫بأن املطلوب لیس هذه‬
‫اجلهات نفسها حتی یكون طل ًبا لتحصیل احلاصل أو طل ًبا للمجهول املطلق‪ ،‬بل‬
‫‪ .1‬تعلیقات رشح حکمة اإلرشاق‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫املحصل‪ ،‬ط‪ ،1405 ،2‬ص‪7‬؛ الفخر الرازي‪ ،‬رشح عیون‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬تلخیص‬
‫الحکمة‪ ،‬ج ‪ ،1373 ،1‬ه‍ ‪.‬ش‪ .‬ص‪ 91‬ـ‪.92‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪401‬‬

‫وجمهواًل من ٍ‬
‫جهة أخری‪.1‬‬ ‫ً‬ ‫املطلوب هو ذو الوجه الذي یكون معلو ًما من جهة‪،‬‬
‫جییب قطب الدین الشریازی‪ ،‬تلمیذ املح ّقق الطويس وشارح حكمة اإلرشاق‪،‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ّ :‬‬
‫بأن طلب املجهول املطلق إنّام یكون ممتن ًعا إذا مل یقرتن باملجهول وج ٌه معلوم‪،‬‬
‫ْ‬
‫فإن اقرتن به وج ٌه معلو ٌم فیمكن طلبه ودراسته‪ .‬وثان ًیا‪ ،‬لو فرضنا عدم متامیة هذا‬
‫إن الطلب ال یشری إلی الوجه املجهول‪ ،‬بل إلی الذات التي ت َْصدق‬ ‫اجلواب نقول‪ّ :‬‬
‫أن الذات التي ت َْصدق علیها اجلهتان‪ ،‬تغایر ّ‬
‫كل‬ ‫علیها اجلهتان‪ .‬ومن الواضح ّ‬
‫أن جوابه األول نشأ عن جواب املح ّقق الطويس‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحدة من اجلهتنی‪ .2‬یبدو ّ‬

‫یصح جواب القطب الشریازی؛ ألنّنا نحتاج‬ ‫من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا ال ّ‬
‫فإن كان املقصود من (االقرتان)‪ ،‬ذلك االقرتان‬ ‫ً‬
‫أواًل إىل معرفة ما نعنيه باالقرتان‪ْ .‬‬
‫أن یكون كال الوجهنی‬ ‫ٍ‬
‫فحینئذ ال بدّ ْ‬ ‫الذي یوجد يف حدود القیاس وأجزاء احلدّ ‪،‬‬
‫معلو ًما‪ ،‬مع أنّه ال یمكن اقرتان الوجه املعلوم بالوجه املجهول‪ ،‬والذي هو من‬
‫وإن كان املقصود من اقرتان الوجه املعلوم بالوجه‬ ‫قبیل اقرتان الوجود بالعدم‪ْ .‬‬
‫أن یصری معلو ًما‪ ،‬فهذا االقرتان‬ ‫أن يقرتن باملعلوم بعد ْ‬
‫أن املجهول یستعد ْ‬ ‫املجهول ّ‬
‫وإن ُق ِصد معنى ثالث فيجب ً‬
‫أواًل إيضاح معناه‪.‬‬ ‫غري ٍ‬
‫مفيد هنا‪ْ .‬‬

‫أیضا؛‬
‫حیل املشكلة ً‬‫أن اجلواب الثاين للقطب الشریازی ال ّ‬ ‫یری ا ُمل ّاّل صدرا ّ‬
‫وإن كان جام ًعا للوجهنی املعلوم واملجهول‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫أن ذا الوجه إذا‬ ‫إذ ذو الوجه ْ‬
‫الحظناه بلحاظ كونه جام ًعا للوجهنی‪ ،‬فإنّه معلوم هبذا الشكل وال یمكن طلبه‪.3‬‬
‫أن ا ُمل ّاّل صدرا قد َقبِل إجابة املح ّقق الطويس‪ ،‬لكن يبدو أنّه كان یری ّ‬
‫أن‬ ‫يبدو ّ‬
‫هذه اإلجابة رغم صحتها‪ ،‬ال تفتح بوضوحٍ العقدة العمياء ملشكلة الفخر الرازي؛‬
‫تفسريا دقي ًقا إلجابة‬
‫ً‬ ‫أن ا ُمل ّاّل صدرا يعطي إجاب ًة أخرى يمكن عدّ ها‬
‫ولذلك نرى ّ‬
‫‪ .1‬الطويس‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬تلخیص املحصل‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ .2‬الشیرازی‪ ،‬قطب الدین‪ ،‬رشح حکمة اإلرشاق‪،‬ص‪161‬ـ‪.162‬‬
‫‪ .3‬تعلیقات‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ | 402‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن وجه اليشء هو الذي‬ ‫أن استدالل الفخر الرازي هو ّ‬ ‫املح ّقق الطويس‪ .‬یبدو ّ‬
‫یكون معلو ًما من ذلك اليشء‪ ،‬بینام ذو الوجه ال یكون معلو ًما لنا حقیقة؛ لذلك‬
‫ال یمكن السؤال عن ذي الوجه‪ .‬تشری إجابة ا ُمل ّاّل صدرا إلی هذه النقطة‪ .‬فهو یم ّیز‬
‫إن كان وجه اليشء معلو ًما أو‬ ‫ٍ‬
‫بوجه)‪ْ .‬‬ ‫و(تصور اليشء‬ ‫بنی (تصور وجه اليشء)‪،‬‬
‫ّ‬
‫جمهواًل ال یمكن السؤال عنه‪ ،‬لكن یمكن السؤال عن اليشء املعلوم وجهه؛ إذ‬ ‫ً‬
‫لیس السؤال عن وجه اليشء‪ ،‬بل السؤال إنّام هو عن الشیء نفسه أو ذي الوجه‪.‬‬
‫وإن مل یكن معلو ًما بالذات‪ ،‬لكنّه معلو ٌم بالعرض‪ .‬يقول ا ُمل ّاّل صدرا‬
‫الشیء نفسه ْ‬
‫يف رشح هذا األمر‪ :‬وجه اليشء املعلوم تار ًة یكون موضو ًعا للقضیة الطبیعیة‪،‬‬
‫إن كان موضو ًعا للقضیة الطبیعیة‪ ،‬فال‬ ‫وتار ًة أخری موضو ًعا للقضیة املتعارفة‪ْ .‬‬
‫یكون ذو الوجه مطلو ًبا حتی یتبدّ ل معلو ًما‪ .‬علی سبیل املثال‪ :‬اليشء الذی یكون‬
‫مشریا إلی القضیة الطبیعیة‪ ،‬ونقول‪:‬‬ ‫معلو ًما من جهة الكاتبیة‪ ،‬وجعلنا هذا الوجه ً‬
‫فحینئذ یشری الكاتب إلی املفهوم يف الذهن‪ ،‬ولیس هذا املفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫(الكاتب ّ‬
‫كيّل)‪،‬‬
‫مرآ ًة ألفراد الكاتب اخلارجیة‪ ،‬وال یتّحد الكاتب بأفراده يف هذا احلكم؛ ولذلك ال‬
‫یقع يف هذه احلالة ذو الوجه مطلو ًبا؛ إذ لیس ذو الوجه (وهی مصادیق الكاتب)‬
‫ّحد بوجهه (وهو عنوان الكاتب)‪ .‬لكن إذا جعلنا الكاتب موضو ًعا للقضیة‬ ‫غری مت ٍ‬
‫وإن كان املعلوم‬ ‫متحرك األصابع)‪ ،‬ففي هذه احلالة ْ‬ ‫كاتب ّ‬ ‫(كل ٍ‬ ‫املتعارفة ونقول‪ّ :‬‬
‫أن الوجه مرآ ٌة لألفراد‪ ،‬ولذلك تكون األفراد معلوم ًة‬ ‫بالذات الوجه نفسه‪ ،‬إال ّ‬
‫بالعرض‪ .‬ومن َث ّم‪ ،‬يمكن السؤال عن حقیقة األفراد؛ إذ ّاحّتاد الوجه باألفراد‬
‫تصور اليشء بالوجه مطلو ًبا‪.1‬‬‫يتيح لنا إمكانیة السؤال عن األفراد؛ لذلك یقع ّ‬

‫إنکار اكتساب التصدیق‬


‫إن منكر العلم‪ ،‬عىل‬‫التصورات‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫یتفرع علی رفض‬
‫رفض التصدیقات ّ‬
‫التصورات‪ ،‬يستنتج ّ‬
‫أن البرش ليسوا قادرين‬ ‫ّ‬ ‫أساس إنكار القدرة عىل اكتساب‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ 53‬و ‪.161‬‬


‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪403‬‬

‫أيضا؛ إذ التصدیق إنّام یتح ّقق فیام إذا كانت أطرافه‬


‫عىل اكتساب التصدیقات ً‬
‫ٍ‬
‫حینئذ إذا كان طرفا‬ ‫ومتصور ًة يف الذهن‪.‬‬ ‫(كاملوضوع واملحمول ً‬
‫مثاًل) حارض ًة‬
‫ّ‬
‫التصدیق حارضین يف الذهن‪ ،‬وكان حضورمها كاف ًیا للتصدیق‪ ،‬یضطر الذهن‬
‫إلی التصدیق‪ .‬لذلك تكون التصدیقات النظرية واجب ًة فیام إذا حرض طرفاها‪،‬‬
‫وممتنع ًة فیام إذا مل حیرضا يف الذهن؛ هلذا السبب یدور حت ّقق التصدیق وعدم حت ّققه‬
‫التصورات‪ .‬فال یمكن‬‫ّ‬ ‫تصور الطرفنی يف الذهن‪ .‬لكن ال یمكن اكتساب‬ ‫مدار ّ‬
‫اكتساب التصدیقات النظرية‪ ،‬وال یقدر اإلنسان علی اكتساب التصدیقات‬
‫ممكن؛ إذ التصدیقات‬ ‫ٍ‬ ‫النظرية‪ .‬وهلذا یكون اكتساب التصدیقات النظریة غری‬
‫التصورات النظرية‪ ،‬بینام ال یمكن اكتساهبا‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫النظریة إنّام تكتسب من تألیف‬
‫یبتني يف هذه الشبهة رفض اكتساب التصدقات النظریة علی رفض اكتساب‬
‫أن رفض اكتساب التصدیق النظري یبتني علی رفض‬ ‫التصدیق النظري كام ّ‬
‫إن ا ُمل ّاّل صدرا بالنسبة إلی إمكانیة اكتساب التصدیق‬ ‫التصور البدهیي‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫اكتساب‬
‫وقدرة البرش علی اكتساب التصدیق الرضوري والنظري‪ ،‬یرفض تو ّقف اكتساهبام‬
‫التصورات‪ .‬من وجهة نظر ا ُمل ّاّل صدرا سواء كان اكتساب‬‫ّ‬ ‫علی مقدوریة اكتساب‬
‫مقدور لإلنسان؛‬‫ٌ‬ ‫فإن التصدیق‬ ‫ٍ‬
‫مقدور له‪ّ ،‬‬ ‫مقدورا لإلنسان أم غری‬
‫ً‬ ‫التصورات‬
‫ّ‬
‫تصور‬ ‫جمرد ّ‬ ‫إذ اإلدراك التصوري یغایر اإلدراك التصدیقي؛ لذلك ال یكفي ّ‬
‫املوضوع واملحمول والنسبة بینهام حتی یتح ّقق التصدیق النظري؛ إذ ال تنايف بداه ُة‬
‫تصور املوضوع واملحمول والنسبة احلكمیة؛ إذ ربام‬ ‫تأخ َر التصدیق عن ّ‬ ‫التصدیق ّ‬
‫أن التصدیق‬ ‫حیتاج التصدیق إلی القصد النفساين واإلخطار القلبي‪ .‬مضا ًفا إلی ّ‬
‫وحینئذ حیصل التصدیق؛ لذلك‬ ‫ٍ‬ ‫التصورات والنسبة بینها‪،‬‬ ‫إنّام حیصل بعد اجتامع‬
‫ّ‬
‫مقدور‪.‬‬ ‫أمر‬ ‫ٍ‬
‫بشكل منفصل‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫فإن اجتامعها ٌ‬ ‫مقدورة‬ ‫التصورات غری‬
‫ّ‬ ‫حتی لو كانت‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ 52‬ـ‪ :53‬هذه الشبهة أیضً ا للفخر الرازي؛ یقول الم ُّاّل صدرا‪ « :‬لصاحب امللخّص‬
‫شبه ٌة قوي ٌة يف اكتساب التص ّورات‪ ،‬حللنا عقدتها وفككنا إشكالها بتوفيق الله تعاىل‏» (الحکمة‬
‫املتعالیة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪(492‬‬
‫‪ | 404‬تاریخ علم املنطق‬

‫التصورات غری مقدورة‪ ،‬ال يمكن استنتاج ّ‬


‫أن‬ ‫ّ‬ ‫بنا ًء عىل ذلك‪ ،‬من خالل عدّ‬
‫التصدیقات البدهيية غری مقدورة‪ .‬من هنا‪ ،‬یتضح ّ‬
‫أن التصدیقات النظرية التي‬
‫تصری معلومة من خالل تركیب التصدیقات املعلومة ممكنة‪ّ ،‬‬
‫ألن مجع مثل هذه‬
‫أمر ممك ٌن‪.1‬‬
‫التصدیقات ٌ‬
‫إنكار املجهوالت النظرية‬
‫فإن تقسيم العلم إىل النظري والرضوري هو أحد االفرتاضات‬ ‫كام قيل من قبل‪ّ ،‬‬
‫املسبقة لعلم املنطق‪ .‬إذا نفى أحدٌ املجهوالت النظرية‪ ،‬ففي رأيه مجيع علوم اإلنسان‬
‫ٌ‬
‫مكان يف العلوم البدهيية‪.‬‬ ‫ستكون بدهيية‪ ،‬ويف هذه احلالة‪ ،‬لن يكون لعلم املنطق‬
‫أن النظر والفكر الذي هو أساس اكتشاف املجهوالت‪ ،‬هل‬ ‫شك يف ّ‬‫اآلن يثار ٌّ‬
‫هییا‪ ،‬فيجب مشاركة‬ ‫إن كان بد ً‬ ‫رضوري وبدهیي يف حد ذاته أم إنّه نظري؟ ْ‬‫ّ‬ ‫هو‬
‫وإن كان نظر ًيا‪ ،‬فيجب إثبات جنس العلم النظري‬ ‫اجلميع فيه‪ ،‬بينام ليس كذلك‪ْ ،‬‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫خاص ّ‬ ‫ٍ‬
‫استدالل‬ ‫أن نُثبت من خالل‬ ‫من خالل ٍ‬
‫فرد من أفراده‪ ،‬بمعنی أنّه جيب ْ‬
‫فرد منه‪ ،‬والیمكن‬‫كل ٍ‬ ‫العلم النظري موجود‪ ،‬بينام الذی ینكر العلم النظري ينكر ّ‬
‫فرد منه؛ ألنّه من قبیل إثبات اليشء من خالل‬ ‫إثبات العلم النظري من خالل ٍ‬
‫جهة أخری‪،‬‬‫جهة ومعلوم من ٍ‬ ‫جمهول من ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫نفسه‪ ،‬وهذا یستلزم التناقض؛ ألنّه‬
‫ٌ‬
‫وبالتالی ُیثبت نفسه‪.‬‬
‫أن جنس العلم النظري هو‬ ‫يقول ا ُمل ّاّل صدرا ر ًدا عىل هذا الشك‪ :‬إنّنا نفرتض ّ‬
‫ألن دعوی ّ‬
‫أن‬ ‫من سنخ العلوم النظرية‪ ،‬ولكنّه ال یستلزم املحاالت املذكورة؛ ّ‬
‫بتصو ٍر‪ .‬ولذلك لكي‬
‫تصدیق وليس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نظري ومفیدٌ للمطلوب) هو‬‫ٌ‬ ‫(الفكر والنظر‬
‫ً‬
‫جمهواًل حتی یكون‬ ‫كتصو ٍر‬ ‫ٍ‬
‫نُثبته نحتاج إلی حدّ وسط‪ .‬لیس جنس العلم النظري‬
‫ّ‬
‫تصور فال یمكن إثباته من خالل‬ ‫ٌ‬ ‫أن جنس العلم‬ ‫مجیع أفراده جمهولة‪ .‬لو افرتضنا ّ‬
‫إلن إثبات امللزومات من خالل اللوازم ال‬ ‫ذاته‪ ،‬بل من خالل لوازم وأعراضه؛ ّ‬
‫یستلزم التناقض‪.2‬‬
‫‪ .1‬تعلیقات‪ ،‬ص‪53‬؛ تفسیر القرآن الکریم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 74‬ـ‪.76‬‬
‫‪ .2‬تفسیر القرآن الکریم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.72‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪405‬‬

‫مكانة املنطق يف علم الالهوت‬


‫وخاصة أداة العلوم العقلية‪ ،‬بام يف ذلك علم الالهوت‬
‫ّ‬ ‫املنطق هو أداة العلوم‪،‬‬
‫العقيل‪ .‬يرى بعضهم ّ‬
‫أن املنطق ال دور له يف علم الالهوت‪ .‬وقد قدّ موا دلیلنی عىل‬
‫دعواهم هذه‪:‬‬

‫األول‪ :‬حقیقة اهلل ال یمكن ّ‬


‫تصورها؛ لذلك ال یمكن إثبات ذاته وصفاته؛ إذ‬
‫تصور ذلك الشیء‪ ،‬بینام اهلل الذی‬
‫إثبات اليشء والتصدیق بوجوده یتوقفان علی ّ‬
‫تصوره؛ لذلك ال یمكن إثبات وجوده‬ ‫هو موضوع علم الالهوت‪ ،‬ال یمكن ّ‬
‫وصفاته‪ .‬ومن َث َّم‪ّ ،‬‬
‫فإن املنطق الذي هو بيان قواعد اإلثبات‪ ،‬ال دور له يف علم‬
‫الالهوت‪.‬‬
‫واحد منا هو أقرب ٍ‬
‫يشء إلينا‪ ،‬واألشياء اخلارجية بعيد ٌة عنا‪ .‬واهلل‬ ‫ٍ‬ ‫الثاين‪ّ :‬‬
‫كل‬
‫أن نعرف اهلل تعالی‬ ‫ألن له أقل املسانخة معنا‪ .‬لذلك ال یمكن ْ‬ ‫أبعد يشء عنا؛ ّ‬
‫من خالل النظر؛ ألنّنا غري قادرين عىل معرفة أنفسنا ‪ -‬أي أقرب األشياء إلينا ‪-‬‬
‫فكيف يمكننا معرفة األشياء األبعد‪.‬‬
‫أن حقيقة اهلل ال يمكن‬ ‫يرد ا ُمل ّاّل صدرا عىل ّ‬
‫احلجة األوىل بأنّه عىل الرغم من ّ‬
‫اخلاصة‬
‫ّ‬ ‫أن نعرفها من خالل لوازمها‬‫إن هذه احلقيقة يمكن ْ‬‫أن يعرفها البرش‪ ،‬إال ّ‬‫ْ‬
‫هبا مثل كوهنا واجبة الوجود‪ ،‬وكوهنا بداي ًة لسلسلة املمكنات ونحومها‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫أن هلل مثل‬‫يمكن معرفة اهلل بالنظر إىل املمكنات‪ .‬وبسبب هذا‪ ،‬يمكن احلكم عىل ّ‬
‫أن نغفل‬ ‫بأن اشتغال النفس بالبدن ُیس ِّبب ْ‬
‫احلجة الثانیة ّ‬
‫هذه الصفات‪ .‬ویرد علی ّ‬
‫أن نلجأ إليه ونخرج‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء سوی أنفسنا‪ ،‬فيمكننا ْ‬ ‫عن أنفسنا‪ .‬إذا كنّا غافلني عن ّ‬
‫من الغفلة واإلمهال‪ .‬لكن يف إمهال املرء نفسه‪ ،‬ال يمكن اخلروج منه بسهولة؛ ألنّه‬
‫أي يشء نُقبِل حتی نتخلص من اإلمهال؟‪.1‬‬ ‫يف هذه احلالة إلی ّ‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ 73‬ـ‪.74‬‬


‫‪ | 406‬تاریخ علم املنطق‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن البهریز‪ ،‬حدود املنطق البن هبریز‪ ،‬تصحیح حممد تقی دانش‪‎‬پژوه‪ ،‬طهران‪ ،‬مجعية الفلسفة‬
‫اإليرانية‪.1357 ،‬‬
‫‪2.‬ابن احلزم‪ ،‬التقریب حلد املنطق‪ ،‬رسائل ابن حزم األندليس‪ ،‬حتقیق إحسان عباس‪ ،‬بریوت‪،‬‬
‫املؤسسة العربیة للدراسات والنرش‪،1983 ،‬‬
‫ّ‬
‫‪3.‬ابــن‌ املق ّفــع‪ ،‬املنطــق البــن املقفــع‪ ،‬تصحیــح حممــد تقــی دانــش‪‎‬پــژوه‪ ،‬طهــران‪ ،‬مجعيــة‬
‫الفلســفة اإليرانيــة‪.1357 ،‬‬
‫‪4.‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبیهات‪ ،‬مع الرشح‪ ،‬بال مکان‪ ،‬مکتب نرش الکتاب‪.1403 ،‬‬
‫‪5.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬الشفاء‪ ،‬حتقیق سعید زاید‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات مکتبة آیة ‌اهلل العظمی املرعيش‬
‫النجفي‪1404 ،‬ه‍‪ .‬ق‪.‬‬
‫‪6.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬النجاة يف املنطق واإلهلیات‪ ،‬دار اجلیل‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ه‍ ‪.‬‬
‫‪7.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬منطق املرشقینی‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات مکتبة آیة اهلل العظمی املرعيش النجفي‪.‬‬
‫‪8.‬ابن کمونة‪ ،‬اجلدید يف احلکمة‪ ،‬حتقیق‪ :‬محید مرعید الکبیيس‪ ،‬مطبعة جامعة بغداد‪1402 ،‬ق‪.‬‬
‫‪9.‬األهبري‪ ،‬أثری الدین‪ ،‬تنزیل األفكاريف تعديل األرسار‪ ،‬املنطق و مباحث األلفاظ‪ ،‬بمساعدة‬
‫مهدی املحقق وتوشی‪ ‎‬هیکو ایزوتسو‪ ،‬طهران‪ ،‬منشورات جامعة طهران‪.1370 ،‬‬
‫ ‪10.‬األرمــوي‪ ،‬أبــو بکــر‪ ،‬بیــان احلــق ولســان الصــدق‪ ،‬أطروحــة جامعــة طهــران‪ ،‬تصحیــح‬
‫غــام رضــا الذکیــاين‪.‬‬
‫ ‪11.‬البغدادي‪ ،‬املعترب‪ ،‬أصفهان‪ ،‬منشورات جامعة أصفهان‪.1373 ،‬‬
‫ ‪12.‬هبمنیــار ابــن مرزبــان‪ ،‬التحصیــل‪ ،‬حتقیــق مرتضــی املطهــري‪ ،‬طهــران‪ ،‬منشــورات جامعــة‬
‫طهــران‪..1267 ،‬‬
‫ ‪ِ 13.‬‬
‫احل ّيّل‪ ،‬مجال الدین احلسن بن يوسف ‪ ،‬القواعد اجللیة يف رشح الرسالة الشمسیة‪ ،‬قم‪ ،‬مؤسسة‬
‫النرش اإلسالمي‪‍ 1412 ،‬ه ‪.‬ق‪.‬‬
‫ ‪14.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬األرسار اخلفیة يف العلوم العقلية‪ ،‬قم‪ ،‬مركز نرش مكتب اإلعالم‬
‫اإلسالمي‪.1379 ،‬‬
‫املنطق الصدرائي‪ :‬اآلراء واإلبداعات يف البحوث التمهید ّیة | ‪407‬‬

‫ ‪15.‬اخلونجي‪ ،‬أفضل ‌الدین حممد‪ ،‬کشف األرسار عن غوامض األفكار‪ ،‬أطروحة يف جامعة‬
‫طهران‪ ،‬تصحیح حسنی اإلبراهیمي‪.‬‬
‫ ‪16.‬دبریان الکاتبی‪ ،‬الشمسیة‪ ،‬القواعد اجللیة‪ ،‬قم‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪.1412 ،‬‬
‫ّ‬
‫امللخص‪ ،‬حتقیق‪ :‬أحد فرامرز القراملکي وآدینه اصغری ‌نژاد‪،‬‬ ‫ ‪17.‬الرازي‪ ،‬فخر الدین‪ ،‬منطق‬
‫طهران‪ ،‬منشورات اإلمام الصادق‪.1381 ،‬‬
‫ ‪18.‬الرازي‪ ،‬قطب‌الدین‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬قم‪ :‬منشورات کتبی نجفی‪( ،‬بال تأریخ)‪.‬‬
‫ ‪19.‬السهروردي‪ ،‬حکمة اإلرشاق‪ ،‬جمموعة مصنفات شیخ إرشاق‪ ،‬تصحیح‪ :‬هنری کربن‪ ،‬معهد‬
‫الدراسات والبحوث الثقافية ‪ ،‬ط‪ ،2‬طهران‪.1372 ،‬‬
‫ ‪20.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬املشارع واملطارحات‪ ،‬تصحیح مقصود حممدي وارشف عايل‌پور‪ ،‬جامعة‬
‫آزاد اإلسالمية (فرع کرج)‪.1385 ،‬‬
‫ ‪21.‬الشریازی‪ ،‬صدر الدین حممد‪ ،‬رشح وتعلیق بر اهلیات شفا‪ ،‬تصحیح‪ :‬نجفقلی حبیبی‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫منشورات مؤسسة صدرا للحكمة اإلسالمية‪.1382 ،‬‬
‫ ‪22.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬مفاتیح الغیب‪ ،‬تصحیح حممد خواجوی‪ ،‬طهران‪ ،‬معهد الدراسات‬
‫والبحوث الثقافية‪. 1363 ،‬‬
‫ ‪23.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬التنقیح‪ ،‬تصحیح‪ :‬غالم رضا یايس‌ پور‪ ،‬طهران‪ ،‬مؤسسة صدرا للحكمة‬
‫اإلسالمية‪.1378 ،‬‬
‫ ‪24.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬احلکمــة املتعالیــة يف األســفار العقلیــة األربعــة‪ ،‬بــروت‪ ،‬دار الــراث‬
‫العــريب‪.1981 ،‬‬
‫ ‪25.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬تفسری القرآن الکریم‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات بیدار‪.1364 ،‬‬
‫ـور والتصدیــق‪ ،‬يف‪ :‬اجلوهــر النضیــد‪ ،‬قــم‪ ،‬منشــورات‬
‫ ‪26.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬رســالة التصـ ّ‬
‫بیــدار‪.1363 ،‬‬
‫ ‪27.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬رشح اهلدایــة األثرییــة‪ ،‬الطباعــة احلجریــة‪( ،‬بــا مــکان)‪( ،‬بــا‬
‫عنــوان)‪( ،‬بــا تأریــخ)‪.‬‬
‫ ‪28.‬الشــرازی‪ ،‬قطــب‪‎‬الدیــن‪ ،‬درة التــاج‪ ،‬حتقیــق‪ :‬ســید حممــد املشــکوة‪ ،‬طهــران‪ ،‬منشــورات‬
‫احلکمــة‪.1369 ،‬‬
‫‪ | 408‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪29.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬رشح حکمة اإلرشاق‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات بیدار‪( ،‬بال تأریخ)‪.‬‬


‫ ‪30.‬الطويس نصري الدين ‪ ،‬حممد بن حسن ‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬حتقیق مدرس الرضوي‪ ،‬ط ‪،4‬‬
‫طهران‪ ،‬منشورات جامعة طهران‪.1367 ،‬‬
‫ ‪31.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬منطق التجرید‪ ،‬اجلوهر النضید‪ ،‬قم‪ ‌:‬منشورات بیدار‪.1363 ،‬‬
‫املحصل‪ ،‬ط‪ ،2‬دار االضواء‪.1405 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ ‪32.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬تلخیص‬
‫ ‪33.‬الغزالی‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬القسطاس املستقیم‪ ،‬ط‪ ،3‬بریوت‪ ،‬دار املرشق‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪34.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬معیار العلم يف املنطق‪ ،‬بریوت‪ ،‬دار الکتب العلمیة‪‍ 1410 ،‬ه ‪ .‬ق‪.‬‬
‫ ‪35.‬الفارايب‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،‬حتقیق‪ :‬عثامن أمنی‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مکتبة آنجلو املرصیة‪.1968 ،‬‬
‫ ‪36.‬ـــــــــــــــــــ‪ ،‬املنطقیات‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات مکتبة آیة اهلل العظمی املرعيش النجفي‪.1408 ،‬‬
‫ ‪37.‬الفخــر الــرازي‪ ،‬رشح عیــون احلکمــة‪ ،‬موسســة الصــادق للطباعــة النــر‪ ،‬إیــران‪ ،‬طهــران‪،‬‬
‫‪ ،1373‬ه ‍ـ ‪.‬ش‪.‬‬
‫ ‪38.‬القطب الرازي‪ ،‬رشح املطالع‪ ،‬قم‪ ،‬منشورات الکتبی النجفی‪( ،‬بال تأریخ)‪.‬‬
‫ ‪39.‬اللوکري‪ ،‬بیان احلق بضامن الصدق‪ ،‬حتقیق إبراهیم الدیباجي‪ ،‬طهران‪ ،‬مؤسسة منشورات‬
‫أمری کبری‪.1364 ،‬‬
‫ ‪40.‬املظفر‪ ،‬حممد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬ط‪ ،3‬مطبعة النعامن‪.1388 ،‬‬
‫ ‪41.‬املولی عبد اهلل‪ ،‬احلاشیة‪ ،‬قم‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪.1415 ،‬‬
‫موقع القضية الطبيعية‬
‫‪1‬‬
‫من منظار املال عبد اهلل الزيدي‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬حممد حسنی ایراندوست‬

‫ُملخّص البحث‬
‫أن (القضية الطبيعية) هي إحدى األقسام األربعة للقضية‬ ‫من املعروف ّ‬
‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫احلملية بلحاظ املوضوع‪ .‬صدور احلكم يف القضية الطبيعية هو عىل‬
‫ال يصح تقدير رجوع احلكم إىل األفراد‪ .‬يطلق املناطقة عىل هذه القضية‬
‫ألن احلكم فيها عىل الطبيعة نفسها من حيث‬ ‫مصطلح (القضية الطبيعية)؛ ّ‬
‫الكلية‪ُ .‬طرحت ثالثة آراء عن القضية الطبيعية‪ .‬نتناول يف هذا املقال الرأيني‬
‫األوليني وعنواهنام (القضية املهملة)‪ ،‬و(القضية الشخصية) حتت عنوان‬
‫(التحويل)‪ ،‬والرأي الثالث الذي يقول باعتبار مستقل للقضية الطبيعية‪،‬‬
‫وجيعلها قسيم الشخصية واملهملة يطلق عليه (عدم التحويل)‪.‬‬

‫يرشح املقال الرأيني املذكورين‪ :‬التحويل وعدم التحويل‪ ،‬ثم يتناول‬


‫موقع القضية الطبيعية من منظار ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي الفيلسوف واملنطيق‬
‫صاحب احلاشية عىل هتذيب املنطق (م ‪981‬هـ)‪ ،‬ثم جييب عن السؤالني‪ :‬ما‬
‫ّ‬
‫للمتأخرين‪ ،‬أو‬ ‫هو معيار تقسيم القضايا احلملية‪ :‬هل هو التقسيم الرباعي‬
‫للم ْقسم وكذلك َم ْقسم‬
‫التقسيم الثالثي للمتقدّ مني؟ ما هو الوجه املشرتك َ‬
‫القضية الطبيعية؟‬

‫‪ .1‬ترجمة‪ :‬حسني صايف‬


‫ص يف علم الكالم يف الجامعة اإلسالمية الحرة ‪ /‬قم ‪.‬‬
‫متخص ٌ‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬أستا ٌذ مساعد‪،‬‬
‫‪ | 410‬تاریخ علم املنطق‬

‫عرض املشكلة‬
‫مل يعد البحث يف القضايا الطبيعية للمنطق يف وقتنا احلارض مسأل ًة ذات‬
‫املقررة‬ ‫ٍ‬
‫أمهية يف العلوم العقلية‪ ،‬واقترص تداول هذه القضايا يف نطاق املسائل ّ‬
‫املهمة‬
‫يف املناهج الدراسية لعلم املنطق‪ ،‬لكنّه يف املايض كان من بني املسائل ّ‬
‫بالغة التعقيد‪ .‬يف املدّ ة التي سبقت الفيلسوف الشهري ابن سينا كانت القضايا‬
‫كم‬
‫احلملية تنقسم إىل قسمني‪ :‬مهملة وحمصورة‪ ،‬ومعيار هذا التقسيم كان ّ‬
‫األفراد موضوع القضية‪ .‬ثم ُطرح التقسيم الثالثي (القضايا الشخصية‪،‬‬
‫واملهملة‪ ،‬واملحصورة)‪ .‬وهو التقسيم الذي اعتمده ابن ‌سینا‪ ،‬يف الغالب‪،‬‬
‫يف مصنّفاته‪ .‬وكان يصنّف القضايا الطبيعية ضمن القضايا املهملة‪ .‬يبدو‬
‫أن القضايا الطبيعية كانت سائد ًة ومطروح ًة يف عرص ابن سينا‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫حتول القضية احلملية من التقسيم املث ّلث إىل املر ّبع (الشخصية‪ ،‬والطبيعية‪،‬‬
‫ّ‬
‫واملهملة‪ ،‬واملحصورة) حدث يف أواسط القرن السابع‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت‬
‫جرى تثبيت هذه األقسام األربعة‪.‬‬

‫دون عبد اهلل بن شهاب الدین الیزدي (م ‪۹۸۱‬هـ)‪ ،‬حاشيته عىل كتاب‬ ‫ّ‬
‫(هتذیب املنطق و الکالم) لسعد الدین التفتازاين‪ ،‬وهو يف عني إجيازه‬
‫واختصاره كان يعدّ من النصوص املعتربة يف النظام التعليمي القديم يف‬
‫دونت عليه رشوح وحوايش كثرية‪ .1‬وكان كتاب‬ ‫احلوزات العلمية‪ ،‬وقد ّ‬
‫خاص يف‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫وبنحو‬ ‫حاشیة ا ُمل ّاّل عبد اهلل الیزدي من املناهج الدراسية ّ‬
‫املهمة‬
‫احلوزات العلمية يف إيران وشبه القارة اهلندية‪.2‬‬

‫يسعى املقال إىل رشح موقع القضية الطبيعية من منظار ا ُمل ّاّل عبد اهلل‬

‫‪ .1‬بجنوردي وآخرون؛ دائرة املعارف بزرگ اسالمی‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.670‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪411‬‬

‫اليزدي‪ ،‬يف الفصل األول يتناول املسار التارخيي للقضية الطبيعية يف املصادر‬
‫املنطقية‪ ،‬ثم يرشح بالبحث والتحليل نظريتَي التحويل وعدم التحويل‬
‫للقضية الطبيعية من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي‪.‬‬

‫املسار التاريخي للقض ّیة الطبیع ّیة‬


‫ٍ‬
‫مهملة‬ ‫قسمها إىل‬
‫يعود تاريخ القضايا احلملية وتقسيامهتا إىل أرسطو عندما ّ‬
‫وحمصورة‪ .1‬وال ذكر للقضايا الطبيعية يف هذا التقسيم‪ .‬ونجد يف مصنّفات‬
‫نوع) لكنّه يصنّفها يف‬
‫ابن سينا بعض القضايا احلملية من قبيل (اإلنسان ٌ‬
‫خانة القضايا املهملة إىل جانب (اإلنسان ضاحك)‪ .‬يف النهج الثالث من‬
‫ً‬
‫مستقاًل حتت عنوان (القضايا الشخصية‪ ،‬واملهملة‪،‬‬ ‫اإلشارات يعقد ً‬
‫فصاًل‬
‫واملحصورة)‪ ،‬وال يشء عن القضايا الطبيعية‪ ،‬عدا ذكره لتلك األقسام‬
‫الثالثة التقليدية‪.2‬‬
‫رشاح كتبه‪ ،‬أعني‪ ،‬حتى رجال من أمثال اخلواجه نصري‬ ‫وعىل هنجه سار ّ‬
‫الدين الطويس والفخر الرازي عدّ وا القضية الطبيعية قضي ًة مهمل ًة وليست‬
‫قضي ًة مستقلة‪ .‬ففي رشحه للنهج الثالث يتبع اخلواجه الطويس ُخطى املؤ ّلف‬
‫ّ‬
‫املتأخرون يف‬ ‫ويرصح بوضوح ّ‬
‫أن ما يعتقده‬ ‫ّ‬ ‫يف تقسيمه الثالثي التقليدي‪،‬‬
‫أن موضوع القضية املهملة‬ ‫القضية الطبيعية إنّام هي قضي ٌة مهملة‪ ،‬ويضيف ّ‬
‫طبيعة يش ٌء من حيث هي‪ .‬بحسب اعتقاد اخلواجة ّ‬
‫إن طبيعة اليشء ال كلية وال‬
‫خاصة وال كثرية وال واحدة؛ لذا ينبغي إضافة الحقة أو‬
‫جزئية وال عا ّمة وال ّ‬
‫قرينة إىل طبيعة موضوع القضية لتصل إىل إحدى حاالت التخصيص‪ .‬واحلال‪،‬‬
‫إذا كانت طبيعة اليشء من حيث هي موضو ًعا فستكون القضية (مهملة)‪.3‬‬
‫‪ .1‬ارسطو‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ .2‬ابن‌سینا‪ ‌،‬حسین بن عبد الله‪ ،‬االشارات و التنبیهات‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ .3‬الطويس‪ ،‬الخواجه نصیر الدین‪ ،‬اساس‌االقتباس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.120‬‬
‫‪ | 412‬تاریخ علم املنطق‬

‫أيضا‬
‫رصح عمر بن سهالن الساوي (م ‪540‬هـ) ً‬ ‫قبل اخلواجه الطويس‪ّ ،‬‬
‫خصص عنوان الفصل الثالث من املقالة الثالثة‬ ‫ّ‬
‫بأن هذه القضايا مهملة‪ .‬فقد ّ‬
‫من كتابه (املنطق) ألقسام القضايا احلملية الثالثة‪ ،‬عا ًّدا القضايا الطبيعية‪،‬‬
‫دون ذكر االسم‪ ،‬قضايا مهملة‪.1‬‬

‫ب الدین الرازي (م ‪766‬هـ) يف (املحاكامت) عىل رشح اخلواجة‬ ‫وقط ‌‬


‫أن القضية الطبيعية هي القضية املهملة نفسها‪،‬‬ ‫الطويس يؤ ّيده يف اعتقاده ّ‬
‫وأن ا َمل ْقسم هو طبيعة‬
‫ويذكر التقسيم الثالثي التقليدي للقضايا احلملية ّ‬
‫يوجه نقده‬‫أن يطرح آراء املناطقة‪ّ ،‬‬‫اليشء‪ ،2‬لكنّه يف (رشح املطالع) بعد ْ‬
‫إىل الرأي القائل ّ‬
‫بأن الطبيعية هي املهملة‪ ،‬ليقول يف هناية املطاف بالتقسيم‬
‫الرباعي ً‬
‫بداًل من التقسيم الثالثي التقليدي‪« :‬واألوىل ْ‬
‫أن یر ّبع القسمة ویقال‬
‫إن کان جزئ ًیا حقیقیًّا فهي املخصوصة‪ْ ،‬‬
‫وإن کان کلیًّا‪،‬‬ ‫موضوع القض ّیة ْ‬
‫وإاّل یکون‬‫إن کان عىل ما صدق علیه فهي املحصورة أو املهملة‪ّ ،‬‬ ‫فاحلکم ْ‬
‫احلکم عىل نفس طبیعة الکيل»‪.3‬‬
‫ّ‬
‫تستقل بوضعها حتى أواخر‬ ‫وبنًاء عىل هذا‪ ،‬نالحظ ّ‬
‫بأن القضية الطبيعية مل‬
‫القرن السادس اهلجري‪ ،‬وكانت‪ ،‬يف األغلب‪ ،‬يف فهرس القضايا املهملة‪،‬‬
‫ونادرا ما كانت ُحُتسب عىل القضايا الشخصية‪ ،‬ويبدو أنّه بدأ طرح القضية‬ ‫ً‬
‫منطقية منذ القرن السابع اهلجري‪ ،‬فقبل ذلك كانت القضايا‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمسألة‬ ‫الطبيعية‬
‫جنس)‪ ،‬مهمل ًة يف الغالب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫و(احلیوان ٌ‬ ‫نوع )‪،‬‬ ‫ُ‬
‫(اإلنسان ٌ‬ ‫من قبيل‬

‫‪ .1‬الساوي‪ ،‬عمربن سهالن‪ ،‬البصائر النصیریه‪ ،‬ص ‪.173‬‬


‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬الخواجه نصیر الدین‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.119‬‬
‫‪ .3‬الرازي‪ ،‬قطب‌الدین‪ ،‬اللوامع األرسار فی رشح مطالع االنوار‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪413‬‬

‫نظريتا تحويل وعدم تحويل القضية الطبيعية‬


‫مستقاًل‪ ،‬بل حتيلها عىل‬ ‫ً‬ ‫ال تعطي نظرية التحويل القضية الطبيعية موق ًعا‬
‫ألهّنم مل يقفوا عىل أمهية هذه القضية‬ ‫إحدى القضايا املهملة أو الشخصية؛ ّ‬
‫بأن القضية الطبيعية معترب ًة ومفيدة‪ ،‬أو ربام مل جيدوا‬ ‫ووجودها‪ ،‬أو مل يعتقدوا ّ‬
‫فر ًقا بني الطبيعية واملهملة‪ .‬ابتدً اء من عرص ابن سينا فام بعد بدأنا نشهد‬
‫عبارات يف كتب املنطق حتمل داللة حتويل الطبيعية عىل املهملة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ظهور‬
‫طب ًعا‪ ،‬رأي ابن سينا ينسجم متا ًما مع حتويل الطبيعية‪ ،‬لكنّه يف بعض أقواله‬
‫أقوال أخرى حييل عبارات الطبيعية‬ ‫ٍ‬ ‫يعرّب عن الطبيعية نفسها باملهملة ويف‬ ‫ّ‬
‫عىل الشخصية‪ .‬ففي اإلشارة الرابعة من النهج الثالث من كتاب اإلشارات‬
‫أن موضوع‬ ‫يوضح فيه ّ‬ ‫ً‬
‫مستقاًل بعنوان (إشارة إىل حکم املهمل)‪ّ ،‬‬ ‫يعقد ً‬
‫فصاًل‬
‫«إن املهمل لیس یوجب التعمیم؛ ألنّه إنّام یذکر‬ ‫القضية املهملة طبيعة اليشء‪ّ :‬‬
‫خاصة‪ ،‬وليست‬ ‫أن طبيعة اليشء ليست عام ًة وال ّ‬ ‫فیه طبیعة»‪ .1‬يعتقد ابن سينا ّ‬
‫بصورة ٍ‬
‫كلية‬ ‫ٍ‬ ‫أن تُلحظ يف موضوع القضية‬ ‫كلي ًة وال جزئية‪ ،‬لكن هلا صالحية ْ‬
‫ٍ‬
‫بصورة‬ ‫خاصة‪ .‬أ ّما يف املهملة فقد لوحظت طبيعة اليشء‬ ‫ٍ‬
‫أو جزئية‪ ،‬عامة أو ّ‬
‫قرينة أو لواحق؛ لذا‪ ،‬فال كلية وال جزئية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بسيطة ومن حيث هي دون‬ ‫ٍ‬
‫أن تذكر‬ ‫أن املهمل ليس يوجب التعميم‪ ،‬ألنّه إ ّما ْ‬ ‫يقول ابن سينا‪« :‬اعلم ّ‬
‫أن تُؤخذ جزئي ًة‪ ،‬فأخذها الساذج‬ ‫أن تُؤخذ كلي ًة‪ ،‬وتصلح ْ‬
‫فيه طبيعة تصلح ْ‬
‫أن تُؤخذ جزئي ًة‪ ،‬فأخذها الساذج بال قرينة‪ ،‬ممّا ال‬ ‫قرينة كلية‪ ،‬وتصلح ْ‬ ‫ٍ‬ ‫بال‬
‫أن جيعلها كلية‪ .‬ولو كان ذلك يقيض عليها بالكلية والعموم‪ ،‬لكانت‬ ‫يوجب ْ‬
‫أن تكون عام ًة فام دام الشخص يكون إنسانا‪ ،‬لكنّها‬ ‫طبيعة اإلنسان تقتيض ْ‬
‫فإن املحمول‬ ‫أيضا‪ّ ،‬‬ ‫أن تؤخذ كلية‪ ،‬وهناك تصدق جزئية ً‬ ‫ملا كانت‪ :‬تصلح ْ‬
‫أن تُؤخذ جزئي ًة‪.‬‬ ‫حممول عىل البعض‪ ،‬وكذلك املسلوب‪ .‬وتصلح ْ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل الكل‬
‫‪ .1‬ابن‌ سینا‪ ‌،‬حسین بن عبد الله‪ ‌،‬االشارات و التنبیهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.120‬‬
‫‪ | 414‬تاریخ علم املنطق‬

‫ففي احلالتني يصدق احلكم هبا جزئ ًيا‪ .‬فاملهملة يف قوة اجلزئية‪ ،‬وكون القضية‬
‫أن تكون مع ذلك كلية الصدق‪ .‬فليس‬ ‫حيا ال يمنع ْ‬ ‫جزئية الصدق ترص ً‬
‫أن يكون الباقي باخلالف‪.‬‬‫إذا ُحكم عىل البعض بحكم‪ ،‬وجب من ذلك ْ‬
‫وإن كان برصحيه يف قوة اجلزئي‪ ،‬فال مانع ْ‬
‫أن يصدق كل ًيا»‪.1‬‬ ‫فاملهمل‪ْ ،‬‬

‫دفعت هذه العبارات الشارح الفاضل اخلواجه نصري الدين الطويس ْ‬


‫أن‬
‫يعدّ رصاح ًة قضايا مثل (اإلنسان نوع)‪ ،‬و(اإلنسان عام) مهملة‪.2‬‬

‫لكن بعض أنصار نظرية التحويل يدرجون القضية الطبيعية يف فهرس‬


‫مثاًل قطب ‌الدین الشریازي‬ ‫بقول البن سينا‪ً .‬‬‫ٍ‬ ‫وحيتجون لذلك‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‪،‬‬
‫مستقاًل للقضية الطبيعية‪ ،‬ويف رشحه‬ ‫ً‬ ‫(‪634-711‬هـ) مل يكن يفرد مكانًا‬
‫لـ(حكمة اإلرشاق) للسهروردي ال يذكر شي ًئا عن الطبيعية كام فعل املؤ ّلف‪،‬‬
‫ويدرج الطبيعية يف كتابه (درة التاج) يف زمرة القضايا الشخصية‪ ،‬وعىل غرار‬
‫مستقاًل حتت عنوان (يف اخلصوص واحلرص‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فصاًل‬ ‫املناطقة السابقني يعقد‬
‫وإمهال القضايا)‪ ،‬ويدافع عن التقسيم الثالثي التقليدي‪ ،‬طب ًعا مع علمه‬
‫واطالعه بالرتبيع‪ ،‬لكنّه ال يستحسنه‪ ،‬فيقول‪« :‬إذن‪ ،‬التقسيم ثالثي‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫خمل باحلرص»‪ ،3‬عالو ًة عىل‬ ‫الرتبيع كام قال به البعض غري مستحسن‪ ،‬ألنّه ّ‬
‫فإن قطب الدين الشريازي ينقل رأي ابن سينا يف اإلشارات والتنبيهات‬ ‫ذلك‪ّ ،‬‬
‫بأن الطبيعية هي‬‫بأن الطبيعية هي املهملة‪ ،‬ويقول لكنّه يف (الشفاء) يذكر ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخصية‪ ،4‬ثم بعد ذلك يعمل الشريازي عىل التوفيق بني رأيي ابن سينا‬
‫أن الطبیعیة هي نفسها الشخصیة‪،‬‬ ‫يف اإلشارات والشفاء فيتناهى إىل ذهنه ّ‬

‫‪ .1‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬ص ‪.234 – 233‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ .3‬الشیرازي‪ ،‬قطب‌الدین‪ ،‬درة التاج لغرة الدباج‪ ،‬ص ‪.349‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.350‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪415‬‬

‫رصح‬ ‫فيقول‪« :‬يمكن التوفيق بني الشفاء واإلشارات بالقول‪ :‬صحيح أنّه ّ‬
‫يرصح يف‬ ‫أن (اإلنسان نوع) شخصي ٌة وليست مهملة‪ ،‬لكنّه مل ّ‬ ‫يف الشفاء ّ‬
‫يبنّي رأيه الدقيق املتم ّثل‬
‫اإلشارات ّأهّنا مهمل ٌة وليست شخصية»‪ ،‬وبالتايل ّ‬
‫يف حتويل الطبيعية إىل شخصية بالقول‪« :‬أ ّما إذا كان الغرض من ذلك تعيني‬
‫الطبيعة بواسطة حلوق املعنى العام هبا‪ ،‬فال حاجة؛ ألنّه موضوع الشخصية‬
‫ال املهملة‪ ،‬وهذه من الدقائق»‪.‬‬

‫جاء بعد ابن سينا مناطقة مثل الفخر الرازي التزموا بنظرية التحويل‪،‬‬
‫وعدّ وا رصاح ًة القضية الطبيعية جز ًءا من املهملة‪ .‬ويف مبحث القياس يف‬
‫رشحه (اإلشارات) البن سينا يشري إىل اإلشكال املشهور املطروح يف‬
‫األول أنّنا إذا بطريق الشكل األول قلنا‪( :‬اإلنسان حيوان)‪،‬‬ ‫قياس الشكل ّ‬
‫بأن (اإلنسان حيوان)‪ ،‬و(احليوان‬ ‫و(احليوان جنس) ال بد أن نستنتج ّ‬
‫أجوبة البن سينا واآلخرين ويقول يف‬ ‫ٍ‬ ‫جنس) نتيجة كاذبة‪ .‬ثم ينقل عدّ ة‬
‫اخلتام‪« :‬هیهنا جواب أظهر منه و هو أنّا إذا قلنا‪ :‬اإلنسان حیوان؛ فإن قلنا‪:‬‬
‫احلیوان‏ جنس؛ کانت الکربى مهملة فکانت جزئ ّیة فالتنتج‏»‪ .1‬إ ًذا‪ ،‬تأ ّدى من‬
‫رجاًل مثل الفخر الرازي اعتقد‪ ،‬شأنه شأن سائر املناطقة‬ ‫أن ً‬ ‫حتويل الطبيعية ّ‬
‫املتقدمني‪ ،‬باألقسام الثالثة للقضايا احلملية‪ ،‬ومل يذكر شي ًئا عن الطبيعية‪.‬‬

‫منسجاًم مع الرأي القائل بتحويل‬


‫ً‬ ‫أيضا يمكن عدّ ه‬
‫رأي شيخ اإلرشاق ً‬
‫الطبيعية إىل املهملة؛ ففي (منطق التلوحيات) يستعني بمثال الطبيعية عند‬
‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫حتليله للقضية املهملة ويقول األلف والالم (أل) أحيانًا تشري إىل‬
‫ٍ‬
‫ذهنية مثل (اإلنسان نوع)‪ ،‬ويرشح سبب ذلك بالقول ّ‬
‫أن (أل) يف (اإلنسان‬
‫يفرّس‬
‫نوع)‪ ،‬تشري إىل احلقيقة املوجودة يف الذهن ال إىل الشمول‪ ،‬وهو ما ّ‬

‫‪ .1‬الفخر الرازي‪ ،‬رشح اإلشارات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.287‬‬


‫‪ | 416‬تاریخ علم املنطق‬

‫تعذر االستعاضة عن (أل) بكلمة ّ‬


‫(كل)‪.1‬‬ ‫ّ‬

‫اسم اخلواجه الطويس (‪672-598‬هـ) يف زمرة القائلني بنظرية‬ ‫ور َد ُ‬


‫قياسا بسائر‬ ‫ٍ‬
‫برصاحة أكرب‬ ‫التحويل‪ .‬ففي رشحه لإلشارات يتحدّ ث‬
‫ً‬
‫مصنّفاته عن مسألة حتويل الطبيعية إىل املهملة‪ .‬وهنجه يف ذلك هو ّ‬
‫كل ما قاله‬
‫بکل ج يف (کل‬‫املتأخرون حول الطبيعية عزاه اخلواجه إىل املهملة‪« :‬إنّا نعني ّ‬
‫ّ‬
‫کل ما یقال له (ج)‪ ،‬ویوصف بـ (ج)‪ ،‬الما هو طبیعة (ج) نفسها کام‬ ‫ج ب)‪ّ ،‬‬
‫ألن لفظ ک ُّل الیضاف إلیها هناك»‪.2‬‬
‫يف املهمالت؛ وذلك ّ‬

‫أن املهملة‬‫تشري عبارة (ال ما هو طبیعة (ج) نفسها کام فی املهمالت) إىل ّ‬
‫كل أفراد املوضوع‪ ،‬وال‬ ‫باعتقاد اخلواجه قضي ٌة موضوعها طبيعة اليشء ال ّ‬
‫اف يف مواضع أخرى‬ ‫واضح وش ّف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫األفراد املتّصفني باملوضوع‪ .‬ويقول‬
‫من رشح اإلشارات‪« :‬أقول‪ :‬احلکم يف املهملة عىل الطبیعة املجردة»‪ .3‬وهو‬
‫املتأخرون عىل الطبيعية‪ ،‬أي القضية التي موضوعها‬ ‫ّ‬ ‫التعريف الذي ذكره‬
‫طبيعة اليشء من حيث هي‪ .‬ويف موض ٍع آخر من هذا الكتاب يبني تقسيمه‬
‫الثنائي عىل حمور طبيعة اليشء وجيعل َم ْقسم مجيع األقسام الثالثة للحملية‬
‫إن طبيعة اليشء إ ّما من حيث هي موضوع احلملية‬ ‫(طبيعة اليشء)‪ ،‬ويقول ّ‬
‫ُسمى احلالة األوىل املهملة والثانية املحصورة والشخصية‪َ « :‬فال‬ ‫وإ ّما ال‪ .‬فت ّ‬
‫أن حیکم َعلیها من َحیث هي أو حیکم علیها مع‬ ‫ختلو تلك ال َطبائع إما ْ‬
‫األول قضیة مهملة»‪ .4‬ويتابع هذه العبارات فيعدّ‬ ‫الحق‪ ..‬‏‪ .‬حیصل من ّ‬
‫املثالني (اإلنسان نوع)‪ ،‬و(اإلنسان عام) مهملني‪.‬‬

‫‪ .1‬السهروردي‪ ،‬شهاب‌ الدین‪ ،‬منطق التلویحات‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ .2‬الطويس‪ ،‬الخواجه نصیر الدین‪ ،‬أساس االقتباس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.162‬‬
‫‪ .3‬م‪ .‬ن؛ ج ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ .4‬م‪ .‬ن؛ ص ‪.117‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪417‬‬

‫طب ًعا نتيجة هلذه الرؤية يذكر يف كتابه (أساس االقتباس) األقسام الثالثة‬
‫التقليدية (الشخصیة‪ ،‬املهملة‪ ،‬املحصورة)‪ ،‬وال أثر للطبيعية يف هذا املصنَّف‬
‫املنطقي‪.1‬‬

‫غافاًل عن عدّ‬‫ً‬ ‫أن اخلواجه الطويس كان‬ ‫أن نحتمل ّ‬ ‫ويقينًا‪ ،‬ال يمكن ْ‬
‫القضية الطبيعية قضي ًة مستقل ًة يف نظرية عدم التحويل؛ ألنّه كان مطل ًعا متا ًما‬
‫عىل آراء بعض األشخاص مثل أثري الدين األهبري (‪597-664‬هـ) أحد‬
‫املعتقدين بنظرية عدم التحويل‪ ،‬وأحيانًا كان يشري إىل اكتشافاته‪ ،‬لكنّه مل‬
‫يتناول نظرية عدم التحويل بالنقد‪ ،‬ومل يؤ ّيد رأيه‪ ،‬وبالنسبة لتقسيم احلمليات‬
‫اختار التقسيم الثالثي التقليدي‪.‬‬

‫عمر بن سهالن هو الشخص الوحيد الذي كان يعتقد بنظرية التحويل‪،‬‬


‫وأن القضية الطبيعية مهملة لكنّه يف تقسيم احلمليات كان يقول بالتقسيم‬ ‫ّ‬
‫بداًل من التقسيم املث ّلث‪ .‬يقول عمر بن سهالن‪« :‬فالقضایا احلملیة‬ ‫املر ّبع ً‬
‫هي هذه األربع خمصوصة‪ ،‬ومهملة‪ ،‬وحمصورة کلیة‪ ،‬وحمصورة جزئیة»‪.2‬‬
‫مشكلة هذا التقسيم حلاظ قسم القسيم ً‬
‫بداًل من القسيم‪ .‬إذا جتاوزنا املناطقة‬
‫املتقدّ مني‪ ،‬فحتى بعض ّ‬
‫املتأخرين يؤكّد عىل نظرية حتويل الطبيعية إىل املهملة‪،‬‬
‫وقد كتب رسال ًة مستقل ًة يف إثبات وحدة املهملة والطبيعية‪.3‬‬

‫أن جذور نظرية عدم التحويل تعود إىل أوائل القرن السابع اهلجري‪،‬‬ ‫بيد ّ‬
‫وجه َأ ْف َض ‌ُ‬
‫ل الدّ ین‌ِ اخلونَجي (‪590-646‬هـ) نقدً ا إىل نظرية التحويل‬ ‫عندما ّ‬
‫ٍ‬
‫مهملة باالستناد إىل كتاب (الشفاء)‬ ‫وطرح نظرية عدم حتويل الطبيعية إىل‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن؛ ص ‪.74‬‬


‫‪ .2‬الساوي‪ ،‬عمر بن سهالن‪ ،‬البصائر النصیریة‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ .3‬جلوه‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬املهملة هی الطبیعیة‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ | 418‬تاریخ علم املنطق‬

‫البن سينا‪ ،‬ومثال (اإلنسان نوع)‪ ،‬ورفض عدّ ها مهملة‪ .‬يف ضوء تدوين‬
‫أن اخلونجي هو‬ ‫كتاب (کشف األرسار عن غوامض األفکار) يمكن القول ّ‬
‫ً‬
‫مستقاًل‪ ،1‬وسار عىل‬ ‫ّأول منطقي منتقدٌ لنظرية التحويل جعل للطبيعية موق ًعا‬
‫هنجه معارصوه‪ ،‬وتبنّوا نظرية عدم التحويل‪ً .‬‬
‫مثاًل يرى أثری الدین األهبري‬
‫أن قضايا مثل (اإلنسان نوع)‬ ‫(‪664-597‬هـ) يف كتابه (کشف احلقائق) ّ‬
‫طبیعیة‪ .‬أو نجم الدین الکاتبي (‪617-675‬هـ) تلميذ األهبري وشارحه‪،‬‬
‫الذي يعتقد بعقيدة أستاذه يف عدم التحويل‪ ،‬حيث يقول يف بعض مصنّفاته‬
‫أن القضية الطبيعية معتربة‪ ،‬ويطرح التقسيم املر ّبع‪ .‬وكذلك سعد الدین‬ ‫ّ‬
‫التفتازاين (‪ 794-722‬هـ) يقول بالتقسيم املر ّبع يف رسالته (هتذیب املنطق‬
‫وحميّش هذا الكتاب ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي ً‬
‫أيضا يعتقد بالنظرية‬ ‫ّ‬ ‫والکالم)‪، 2‬‬
‫ترسخت يف أوساط معظم‬ ‫أي حال‪ ،‬فنظرية التقسيم املر ّبع قد ّ‬ ‫نفسها‪ .‬عىل ّ‬
‫املتأخرين مثل مريداماد‪ ،‬وصدر الدين الشريازي‪ ،‬واحلكيم السبزواري‪.‬‬ ‫ّ‬

‫موقع القضية الطبيعية من منظار ال ُم ّاّل عبد الله‬


‫كان ا ُمل ّاّل عبد اهلل الیزدي جامع املعقول واملنقول‪ ،‬وقد درس العلوم‬
‫العاّلمة الدواين‪ .‬كتب حاشي ًة‬ ‫العقلية عىل ا ُمل ّاّل مجال الدين حممود تلميذ ّ‬
‫تدرس‬ ‫عىل رسالة التفتازاين الشهرية (هتذیب املنطق والکالم)‪ ،‬وكانت ّ‬
‫يف احلوزات العلمية الشيعية يف إيران وشبه القارة الدينية كإحدى املناهج‬
‫ٍ‬
‫حواش عديدة عىل حاشیة ا ُمل ّاّل عبد اهلل‪ ،‬منها‪،‬‬ ‫دونت‬
‫الدراسية املهمة‪ ،3‬كام ّ‬
‫مثاًل‪ ،‬حاشية عبد الرزاق الالهیجي‪ ،‬وحاشية املریزا حممد علی قراجه داغی‪،‬‬ ‫ً‬
‫وحاشية ا ُمل ّاّل نظر عيل اجلیالين وحاشية املریزا عيل رضا جتيل‪.‬‬
‫‪ .1‬قراملکی‪ ،‬احد فرامرز‪ ،‬از طبیعیه تا محمول درجه دو‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ .2‬التفتازاين‪ ،‬سعد الدین‪ ،‬تهذیب املنطق والکالم‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ .3‬بجنوردي وآخرون؛ دائرة املعارف بزرگ اسالمی؛ ج ‪ ،15‬ص ‪.670‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪419‬‬

‫يف هذا الكتاب يقف ا ُمل ّاّل عبد اهلل إىل جانب امللتزمني بنظرية عدم‬
‫ً‬
‫مستقاًل‪ ،‬ويف تقسيمه املنطقي الثنائي‬ ‫التحويل‪ .‬ويفرد للقضية الطبيعية موق ًعا‬
‫کون احلکم‬‫«أن َی َ‬
‫يعدّ الطبيعية قضية احلكم فيها هو عىل طبق (حقيقة الكيل)‪ْ :‬‬
‫عىل نَفس حقیقة هذا الکيل»‪ .‬واملقصود من (هذا الكيل) الكيل املذكور يف‬
‫املرحلة األوىل من تقسيم الثنائية يف مقابل اجلزئي احلقيقي‪« :‬املوضوع إ ّما‬
‫جزئي حقیقي کقولنا‪( :‬هذا إنسان) أو کيل»‪ .‬وبنًاء عليه ّ‬
‫فإن (هذا الکيل) هو‬
‫اليشء الذي يقابل اجلزئي احلقيقي‪ ،‬واملفهوم الذي يصدق عىل الكثريين‪.‬‬
‫أن يكون ماهية وطبيعة كلية (مثل اإلنسان‪ ،‬الشجر و‪ ،)..‬أو‬ ‫وهو أعم من ْ‬
‫مفهو ًما كل ًيا (مثل اإلمکان‪ ،‬االمتناع و‪ .)...‬وكذلك أعم من ْ‬
‫أن يكون كل ًيا‬
‫منطق ًيا أو كل ًيا فلسف ًيا أو كل ًيا طبيع ًيا‪.‬‬

‫أن احلكم عىل‬ ‫إ ًذا‪ ،‬نستنتج من هذا اجلزء من عبارة املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل ّ‬
‫حكم عا ٌّم‬
‫ٌ‬ ‫كل مفهو ٍم يف القضية الطبيعية‪ ،‬وف ًقا لنظرية عدم التحويل‪ ،‬هو‬ ‫ّ‬
‫فإن حيثيته املفهومية ُأخذت‬ ‫وكيل‪ ،‬وعىل الرغم من وجود مصاديق له‪ّ ،‬‬
‫فإن ما يذكره يف مقابل موضوع الطبيعية‬ ‫باالعتبار وليس حيثية صدقه‪ .‬هلذا‪ّ ،‬‬
‫حلکم عىل‬ ‫يف املرحلة الثانية من تقسيمه الثنائي هو األفراد واألشخاص‪« :‬ا ُ‬
‫نَفس حقیقة هذا الکيل أو عىل أفراده»‬

‫يذكر ا ُمل ّاّل عبد اهلل القضیة الطبیعیة كقس ٍم يف مقابل قس ٍم آخر‪ ،‬وقسيمها‬
‫القضية التي تتعلق باحلكم عىل أفراد املوضوع‪ .‬وقد حذا املناطقة حذوه‬
‫كم‬
‫تعنّي ّ‬
‫تار ًة يف قسيم الطبيعية‪ ،‬وتار ًة أخرى عدّ وا قسيمها القضية التي ّ‬
‫األفراد‪ .‬ويذكر املرحوم املریزا حممد عيل يف حاشیته عىل حاشیة ا ُمل ّاّل عبد اهلل‬
‫ومقاباًل ّملا حکم فیه عىل‬
‫ً‬ ‫قساًم‬ ‫هذه النقطة نفسها‪ً ،‬‬
‫قائاًل‪« :‬إنّه جعل الطبیعیة ً‬
‫‪ | 420‬تاریخ علم املنطق‬

‫األفراد‪ ،‬ال ملا بنی فیه کم ّیة األفراد»‪ ،1‬وقسيم الطبيعية من منظار ا ُمل ّاّل عبد اهلل‬
‫قضية مل حيمل احلكم فيها عىل أفراد املوضوع‪.‬‬

‫ثم ينقل املرحوم املریزا حممد عيل‪ ،‬رأي نجم الدین الکاتبي (‪-675‬‬
‫یبنّی‬ ‫ْ‬
‫«وإن مل ّ‬ ‫كم األفراد‪:‬‬ ‫أن قسيم الطبيعية قضي ٌة ّ‬
‫تعنّي فيها ّ‬ ‫‪617‬هـ) من ّ‬
‫ألن یصدق کلیة وجزئیة ُس ّمیت طبیعیة‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫فإن مل یصلح ْ‬ ‫فیها کمیة األفراد ْ‬
‫أن املوضوع إ ّما جزئي وشخيص‬ ‫صلحت لذلك ُس ّمیت مهملة»‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫كم‬
‫يبنّي‪ .‬فإذا ّبنّي ّ‬
‫كم األفراد أو ال ّ‬
‫يبنّي فيه ّ‬ ‫وإ ّما ّ‬
‫كيّل‪ ،‬ويف احلالة الثانية‪ ،‬إ ّما ّ‬
‫كم األفراد يف موضوع القضية‪ ،‬حينئذ إ ّما‬ ‫يبنّي ّ‬
‫حمصورا‪ ،‬وإذا مل ّ‬
‫ً‬ ‫األفراد كان‬
‫أن تصدق عليه الكلية واجلزئية وإ ّما‬ ‫نحو ال يصلح ْ‬ ‫أن يكون املوضوع عىل ٍ‬
‫يصلح‪ .‬فتكون األوىل طبيعي ًة والثانية مهملة‪ .‬هذا التقسيم املنقول عن نجم‬
‫أيضا عىل‬ ‫أن موضوع الطبيعية ً‬ ‫الدين الكاتبي ينطوي عىل هذه الشائبة وهي ّ‬
‫أيضا ليس مقصود الكاتبي‪.‬‬ ‫أن هذا ً‬ ‫كمها واحلال ّ‬ ‫يبنّي ّ‬
‫األفراد‪ ،‬ولكن مل ّ‬
‫ويتابع املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل فيقدّ م وص ًفا أكرب عن موضوع الطبيعية‬
‫أصاًل؛ ّ‬
‫فإن‬ ‫قائاًل‪« :‬الطبیعیة ال یبحث عنها يف العلوم ً‬
‫فيستعرض خصائصها ً‬
‫الطبائع الک ّلیة من حیث نفس مفهومها کام هو موضوع الطبیعیة ال من حیث‬
‫حت ّققها يف ضمن األشخاص غری موجودة يف اخلارج»‪ .2‬هنا يصف موضوع‬
‫أخص وأضيق‪ .‬يمتاز املوضوع يف هذه العبارة ببضعة‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫القضية الطبيعية‬
‫خصائص‪:‬‬
‫كل مفهو ٍم ذهني‬ ‫‪1‌.‬موضــوع الطبیعیة من (الطبائع الکلیة)‪ .‬وعليــه فليس ّ‬
‫ٍ‬
‫موجودة يف‬ ‫فهم)‪ .‬فمن ناحيــة‪ ،‬الطبائع الكلية غري‬
‫يشــمل معنى (ما ُی َ‬
‫اخلــارج بالفعل‪ .‬وعىل قول ابن ســينا «لیس یمکــن ْ‬
‫أن تکو ‏ن الطبیعة‬
‫‪ .1‬الیزدي‪ ،‬الم ُّاّل عبد الله؛ الحاشیه علی تهذیب املنطق‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪421‬‬

‫ثابت‬
‫توجد يف األعیان‪ ،‬وتکون بالفعل کلیة»‪ ،1‬فوصف الكلية للطبيعة ٌ‬
‫ما دام متح ّق ًقــا يف الذهن؛ لذا‪ ،‬فموضوع الطبيعية ليس وصف الكلية‬
‫بل موصوفها‪.‬‬
‫‪2‌.‬لقــد ورد املوضوع‪ ،‬جلهة احليثية املفهوميــة‪ ،‬يف منظومة القضية؛ ذلك ّ‬
‫أن‬
‫أيضا ذات حيثيتني‪ ،‬حيثية مفهومية وأخرى مصداقية‪،‬‬ ‫الطبائــع الكلية ً‬
‫واملقصود هنا احليثية املفهومية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫موجــود يف اخلارج‪ ،‬ألنّه مل ُيلحــظ حت ّقق الطبائع‬ ‫‪3‌.‬موضــوع الطبیعیة غري‬
‫الك ّلية يف ضمن األشخاص يف موضوع الطبيعية‪.‬‬

‫َمقْسم الطبیع ّیة‬


‫أن املقسم هو القضية احلملية‬ ‫يف التقسيم املر ّبع أو املث ّلث‪ ،‬عدّ بعضهم ّ‬
‫بعض آخر املقسم هو‬ ‫بكل أركاهنا (املوضوع‪ ،‬واملحمول‪ ،‬والرابطة)‪ ،‬بينام عدّ ٌ‬ ‫ّ‬
‫موضوع القضية فقط‪ .‬وا َمل ْقسم عند املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل هو القضية احلملية‪.‬‬
‫يف رسالته (هتذيب املنطق) يطلق سعد الدین التفتازاين عىل املقصد األول‬
‫(التصورات)‪ ،‬وعىل املقصد الثاين (التصدیقات)‪ .‬يف بداية املقصد‬ ‫ّ‬ ‫عنوان‬
‫يقسم القضايا احلملية بلحاظ املوضوع‪ ،‬ويعدّ (موضوع القضية)‬ ‫الثاين ّ‬
‫مشخصا ُس ّمیت القضیة شخص ّی ًة‬‫ًّ‬ ‫َم ْقسم الطبيعية ويقول‪« :‬واملوضوع ْ‬
‫إن کان‬
‫کاًل أو‬‫فإن بنی کمیة أفراده‏ ً‬
‫وإاّل ّ‬‫وإن کان نفس احلقیقة فطبیعیة‪ّ ،‬‬ ‫وخمصوصة‪ْ ،‬‬
‫بعضا فمحصورة کلیة أو جزئیة‪ ،‬وما به البیان سور و ّإاّل فمهملة»‪.2‬‬ ‫ً‬

‫ثمة مبادئ مطروحة بالنسبة للتقسيم املر ّبع للتفتازاين‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪ .1‬ابن‌ سینا؛ الشفا‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ .2‬التفتازاين‪ ،‬سعد الدین‪ ،‬تهذیب املنطق والکالم‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ | 422‬تاریخ علم املنطق‬

‫املبدأ األول‪َ :‬م ْقسم هذا التقسيم هو (موضوع القضية) ال مجيع أركاهنا‪.‬‬

‫املبدأ الثاين‪ :‬تركيبة التقسيم ثنائية منطقية بصيغة الرتديد بني النفي‬
‫شخيص جزئي وإ ّما ال‪ .‬يف حال اإلثبات‬‫ّ‬ ‫واإلثبات‪ ،1‬فموضوع القضية إ ّما‬
‫(شخصية)‪ ،‬ويف حال النفي يستمر التقسيم فيكون املوضوع إ ّما الطبيعة‬
‫الكلية نفهسا وإ ّما ال‪ ،‬يف حال اإلثبات (طبيعية)‪ ،‬ويف حال النفي يستمر‬
‫كم األفراد حمدّ ًدا وإ ّما ال‪ .‬يف حال اإلثبات‬
‫التقسيم فيكون املوضوع إ ّما ّ‬
‫(حمصورة)‪ ،‬ويف حال النفي (مهملة)‪.‬‬

‫تشخص موضوع القضية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املبدأ الثالث‪ :‬معیار تقسیم الثنائیة األوىل‪،‬‬
‫خاصا ال يصدق‬
‫شخصا ًّ‬ ‫ً‬ ‫التشخص اجلزئي‪ .‬أي ْ‬
‫أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التشخص يعني‬
‫عىل كثريين‪ ،‬مثل اإلنسان برشط يشء‪ ،‬بمعنى‪ ،‬ماهية تتو ّفر عىل مجيع رشوط‬
‫التشخص يتناىف مع الكلية‪ّ ،‬‬
‫فإن قسيمه‬ ‫ّ‬ ‫خاص‪ .‬يف هذه احلال‪ ،‬و ّملا كان‬ ‫ٍ‬
‫فرد‬
‫ّ‬
‫هو ّ‬
‫الكيّل الذي يستمر التقسيم من ناحية قسيمه‪.‬‬

‫الكم معينًا‬ ‫املبدأ الرابع‪ :‬معیار تقسیم الثنائیة الثانية ّ‬


‫كم األفراد‪ .‬إذا كان ّ‬
‫فالقضية (حمصورة) ّ‬
‫وإاّل فهي (مهملة)‪.‬‬

‫بعضا من‬‫يف رشحه هلذه العبارات يؤ ّيد املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل الیزدي ً‬
‫املبادئ األربعة أعاله‪ ،‬أعني يؤ ّيد املبادئ الثانية والثالثة والرابعة دون املبدأ‬
‫أن َم ْقسم هذا التقسيم املر ّبع هو (القضية احلملية)‪« :‬هذا‬ ‫األول؛ ويقول ّ‬
‫تقسیم للقضیة احلملیة باعتبار املوضوع‪ ،‬و هلذا لوحظ فی تسمیة األقسام‬
‫سمى ما هو موضوعه شخص شخصیة وعىل هذا القیاس»‪.2‬‬ ‫حال املوضوع ف ُی ّ‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬محمد رضا‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪423‬‬

‫فا َمل ْقسم عنده (القضیة احلملیة) ال موضوعها‪ .‬و ّملا كان أحد الرشوط‬
‫ٍ‬
‫كمعيار‬ ‫أن نلحظ جه ًة واحد ًة يف املقسم ل ُتتّخذ هذه اجلهة‬
‫املنطقية للتقسيم ْ‬
‫وأساس للتقسيم‪ ،1‬فـاملوضوع هو تلك اجلهة الواحدة املالحظة يف التقسيم‪.‬‬‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫بعبارة أخرى‪( ،‬املوضوع) هو املعيار واألساس يف التقسيم املر ّبع ال َم ْقسمه‪.‬‬

‫بعد ذلك يؤ ّيد املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل املبدأ الثاين‪ ،‬ويصف تقسيم التفتازاين‬
‫أن املوضوع إ ّما جزئي‬‫بأنّه تقسيم ثنائي منطقي ويقول‪« :‬حمصل التقسیم‪ّ :‬‬
‫أن یکون احلکم عىل‬ ‫حقیقي کقولنا‪( :‬هذا إنسان) أو کيل‪ ،‬وعىل الثاين فإ ّما ْ‬
‫نفس حقیقة هذا الکيل أو عىل أفراده‪ ،‬وعىل الثاين فإ ّما ْ‬
‫أن یبنی کمیة األفراد‬
‫أن احلکم عىل ک ّلها أو عىل بعضها أو ال یبنی ذلك‪ ،‬بل‬ ‫بأن یبنی ّ‬
‫املحکوم علیها ْ‬
‫هیمل‪ ،‬فاألوىل شخصیة والثانیة طبیعیة‪ ،‬والثالثة حمصورة‪ ،‬والرابعة مهملة»‪.2‬‬

‫وإن نافذة توسعة‬ ‫هذا التقسيم بصيغة الرتديد بني النفي واإلثبات‪ّ ،‬‬
‫التقسيم متر عرب النفي؛ لذا‪ ،‬فأقسام احلملیة تنحرص يف أربعة أقسام‪.‬‬
‫تم حلاظ‬ ‫واملوضوع وأحواله هو معيار هذا التقسيم الثنائي‪ .‬واحلال أنّه ً‬
‫أواًل‪ّ ،‬‬
‫املوضوع يف املرحلة األوىل من هذا التقسيم وهو اجلزئي احلقيقي‪ ،‬وقالوا يف‬
‫احلقیقي ال حیمل عىل ک ّله باملواطاة‪ ،‬وإنّه ینقسم إىل َع َلم‬
‫ّ‬ ‫تعريفه‪ّ :‬‬
‫«إن اجلزئي‬
‫شق ثالث‬ ‫شخص و َع َلم جنس‏»‪ .3‬ولكي يتناقض قسام الثنائية لئال ُيفرتض ّ‬
‫ألن تصور اجلزئي احلقيقي‬ ‫فقد ذكر معيار (اجلزئي احلقيقي) للموضوع؛ ّ‬
‫الكيّل ال يمنع‪ .‬وهذان االثنان نقيضان‪ .‬ويف املرحلة‬ ‫والتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫يمنع املشاركة‪،‬‬
‫أن احلكم‬ ‫الثانية من الثنائية ّبنّي معيار (رسيان احلكم إىل أفراد املوضوع) وهو ّ‬
‫إ ّما يرسي عىل أفراد املوضوع وإ ّما ال يرسي‪ .‬ويف املرحلة الثالثة يذكر معيار‬
‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ .3‬جرب‪ ،‬فرید‪ ،‬موسوعة مصطلحات علم املنطق‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ | 424‬تاریخ علم املنطق‬

‫حال من‬‫كل ٍ‬ ‫(كم األفراد) للموضوع؛ أي‪ ،‬يف املراحل الثالثة مجيعها ّاخّتذ ّ‬ ‫ّ‬
‫معيارا جديدً ا للتقسيم؛ لذا فا َمل ْقسم يف هذا التقسيم املر ّبع‬
‫ً‬ ‫أحوال املوضوع‬
‫هو (قضية محلية)‪ ،‬ويعدّ (املوضوع) بحاالته الثالث (اجلزئية‪ ،‬الرسيان‪،‬‬
‫إن (املوضوع) هو معيار التقسيم‬ ‫الكم) جه ًة واحد ًة لوحظت يف ا َمل ْقسم‪ .‬أي ّ‬
‫ّ‬
‫املربع وأساسه‪ ،‬وليس مقسمه‪.‬‬

‫قبل التفتازاين‪ ،‬كان قطب الدين الرازي (‪766 – 647‬هـ) أحد عظامء‬
‫علامء اإلسالم ومفاخر الشيعة يف علم املنطق والكالم والفلسفة قد طرح‬
‫يف كتاب (حترير القواعد املنطقية يف رشح الشمسية)‪ ،‬وهو رشح عىل كتاب‬
‫الشمسية لنجم الدين عمر بن عيل الكاتبي القزويني (‪۶۷۵‬هـ) طرح هذا‬
‫التقسيم الثنائي وعدّ ا َمل ْقسم (القضية احلملية)‪ ،‬ومعيار التقسيم هو موضوع‬
‫القضية‪.1‬‬

‫وكان ابن سينا قد ذكر هذا التقسيم هبذا األسلوب الثنائي والرتديد بني‬
‫النفي واإلثبات‪ ،‬ولك ّن أقسامه مل تزد عن الثالثة (الشخصية‪ ،‬واملهملة‪،‬‬
‫واملحصورة)‪ .2‬طب ًعا كان موضوع القضية هو ا َمل ْقسم يف تقسيم ابن سينا‪،‬‬
‫املتأخرون تقسيم ابن سينا هذا‪ ،‬حسبام ذكر قطب الدين الرازي‬ ‫ّ‬ ‫وقد انتقد‬
‫أن هذا التقسيم ال يشمل مجيع األقسام؛ إذ مل تُذكر القضية‬ ‫وآخرون‪ ،‬حمتجني ّ‬
‫الطبيعية ضمن أقسام احلملية‪ ،‬فكان جواب قطب الدين الرازي عىل ذلك‪:‬‬
‫«و اجلواب ّ‬
‫أن الکالم يف القض ّیة املعتربة يف العلوم‪ ،‬والطبیع ّیات ال اعتبار‬
‫ألن احلکم فی القضایا عىل ما صدق علیه املوضوع ‪ -‬و هی‬ ‫هلا فی العلوم‏؛ ّ‬
‫األفراد ‪ -‬و الطبیعة لیست منها»‪.3‬‬
‫‪ .1‬الرازي‪ ،‬رشح مطالع االنوار ىف املنطق‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪ .2‬ابن سینا‪ ‌،‬حسین بن عبد الله‪ ‌،‬اإلشارات والتنبیهات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.117‬‬
‫‪ .3‬الرازي‪ ،‬رشح مطالع األنوار ىف املنطق‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪425‬‬

‫لو أردنا أن نح ّلل ر ّد قطب الدين الرازي من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد اهلل‬
‫ألن ابن سينا ذكر يف تقسيمه القضايا‬ ‫أن هذا اجلواب واف ًيا وتا ًما؛ ّ‬‫فال يبدو ّ‬
‫أن هذه القضايا‪ ،‬من وجهة نظر ا ُمل ّاّل عبد‬
‫أيضا‪ ،‬حيث ّ‬ ‫(الشخصية)‪ ،‬و(املهملة) ً‬
‫اهلل‪ ،‬ليست من العلوم املعتربة‪ ،‬وطب ًقا هلذا التحليل ما كان للشخصية واملهملة‬
‫أن تذكرا‪ .‬بحسب اعتقاده القضية املحصورة هي وحدها املعتربة وال‬ ‫أيضا ْ‬
‫ً‬
‫غري‪ ،‬وسنأيت عىل بسطها وتفصيلها يف مبحث تقييم اعتبار القضية الطبيعية‪.‬‬

‫أن احلكم يف القضايا الطبيعية‬ ‫ٌ‬


‫إشكال آخر عىل ر ّد القطب الرازي وهو ّ‬ ‫ثمة‬
‫ّ‬
‫أن مصداق أو فرد ّ‬
‫كل مفهو ٍم‬ ‫أيضا هو (عىل ما صدق عليه املوضوع)‪ ،‬غري ّ‬ ‫ً‬
‫هو بحسب ذلك املفهوم‪ .‬فالفرد واملصداق مها طبيعة اليشء يف الذهن‪.‬‬

‫تقييم القضية الطبيعية‬


‫يبنّي املرحوم ا ُمل ّاّل عبد اهلل األقسام األربعة للحمليات‪ ،‬ثم‬
‫يف كتابه احلاشية ّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة يعتقد باعتبار القضايا‬ ‫ٍ‬
‫موجزة‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة‬ ‫يق ّيم اعتبار ّ‬
‫كل قس ٍم يف البداية‪،‬‬
‫أن القضایا املعتربة فی العلوم هي املحصورات‬ ‫املحصورة فقط‪« :‬اعلم‪ّ :‬‬
‫األربع ال غری»‪.1‬‬

‫ويف معرض تبيينه ألسباب عدم اعتبار املهملة يقول‪ « :‬إذ ک ّلام صدق‬
‫احلکم عىل أفراد املوضوع فی اجلملة صدق عىل بعض أفراده»‪.‬‬

‫باعتقاد ا ُمل ّاّل عبد اهلل املهملة واجلزئية متالزمتان؛ وسبب هذا التالزم هو‬
‫أنّه يف القضايا املهملة ّ‬
‫فإن احلكم حيمل عىل أفراد املوضوع (يف اجلملة)‪ .‬ويف‬
‫هذه احلال يكون احلمل عىل بعض األفراد قطع ًيا‪ .‬وعليه‪ ،‬فاملهملة تقع حتت‬
‫أيضا بال اعتبار؛ ّ‬
‫ألن املعرفة‬ ‫طائل القضايا اجلزئية‪ .‬والقضایا الشخصیة ً‬

‫‪ .1‬الیزدي‪ ،‬املال عبد الله‪ ،‬الحاشیه علی تهذیب املنطق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ | 426‬تاریخ علم املنطق‬

‫واإلطالع الذي حيصل من الشخصية ال اعتبار له لسببني‪:‬‬


‫ ً‬
‫أواًل‪ّ :‬إهّنا معرف ٌة جزئية‪ ،‬بينام املعرفة املعتربة جيب ْ‬
‫أن تكون كلية‪.‬‬
‫فإن العلم بالشخصية ليس ً‬
‫كاماًل‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ّ :‬إهّنا متغري ٌة وغري ثابتة؛ ولذلك‪ّ ،‬‬
‫أيضا يف عدم اعتبار القضايا الطبيعية‪:‬‬
‫ويذكر سببني اثنني ً‬
‫بأي ٍ‬
‫حال يف العلوم‪.‬‬ ‫أواًل‪ :‬ال تستخدم الطبيعية ّ‬ ‫ ً‬
‫ثان ًیا‪ :‬ال يوجد موضوع الطبیعیة يف اخلارج‪ ،‬وإنّام له حيثية مفهومية‬
‫فحسب‪ ،‬وليس له حت ّقق يف ضمن األشخاص‪.‬‬
‫والتعرف عىل أحواله‬
‫ّ‬ ‫فإن املعرفة واالطالع بموضوع كهذا‪،‬‬ ‫من هنا ّ‬
‫وأحكامه ال يعدّ ً‬
‫كاماًل لإلنسان‪ .‬وعبارة ا ُملال عبد اهلل يف هذا املعنى هي‪« :‬و‬
‫فإن الطبائع الک ّلیة من حیث نفس‬
‫أصاًل؛ ّ‬ ‫الطبیعیة ال یبحث عنها فی العلوم ً‬
‫مفهومها کام هو موضوع الطبیعیة ال من حیث حتققها فی ضمن األشخاص‬
‫غری موجودة فی اخلارج فال کامل فی معرفة أحواهلا»‪.1‬‬

‫أن من بني األقسام املذكورة يف التقسيم املر ّبع‬ ‫إ ًذا‪ ،‬باعتقاد ا ُمل ّاّل عبد اهلل ّ‬
‫القضايا املحصورة وحدها هي املعتربة‪« :‬فانحرصت القضایا املعتربة فی‬
‫الكمية املذكورة يف املوضوع تار ًة تكون كلي ًة‬
‫ألن ّ‬‫املحصورات األربع»‪ ،‬ولكن ّ‬
‫فإن القضية املحصورة‬ ‫شامل ًة جلميع األفراد‪ ،‬وتار ًة أخرى تشمل بعضهم‪ّ ،‬‬
‫كيّل وجزئي‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬لو أضيف إىل االهتامم بكمية‬ ‫تنقسم إىل قسمني ّ‬
‫أيضا‪ ،‬النقسمت القضية إىل قسمني‪ :‬موجب‬ ‫القضية االهتامم بكيفيتها ً‬
‫وسالب‪ ،‬ولكان حاصل رضب كم وكيف القضية حت ّقق أربعة أنواع قضايا‬
‫معتربة يف علم املنطق‪.‬‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪427‬‬

‫ينتقد املرحوم املریزا حممد عيل يف حاشيته عىل احلاشية كالم ا ُمل ّاّل عبد اهلل‬
‫أن القضايا الطبيعية يف علم املنطق‬ ‫سلب اعتبار القضايا الطبيعية‪ ،‬ويعتقد ّ‬
‫وأهّنا جز ًءا من مسائل هذا العلم‪ .‬وبخالف ما يعتقد ا ُمل ّاّل عبد‬‫معتربة متا ًما‪ّ ،‬‬
‫أن معرفة موضوع الطبيعية واالطالع حول أحواله وأحكامه ليس‬ ‫اهلل من ّ‬
‫تم‬
‫كاماًل‪ ،‬يقول املرحوم املريزا حممد عيل إنّه يف مواضع عدّ ة من علم املنطق ّ‬ ‫ً‬
‫مثاًل قيل يف الشكل‬ ‫البحث يف أحوال وأحكام موضوع القضية الطبيعية‪ً .‬‬
‫األول غري منتجة‪ .‬أو إنّه يف‬ ‫إن الطبيعية يف كربى الشكل ّ‬ ‫األول للقياس ّ‬
‫مبحث عكس املستوى يتحدّ ث عن أحواله؛ لذا‪ ،‬فالطبيعية يف علم املنطق‬
‫معتربة‪.‬‬

‫بعد ذلك ويف معرض دفاعه عن هذه األشكال يقول‪ :‬ربام كان ما يقصده‬
‫ا ُمل ّاّل عبد اهلل اعتبار هذه القضايا يف علم الفلسفة واحلكمة‪ ،‬ال يف مطلق‬
‫العلم‪.1‬‬

‫نتيجة البحث‬
‫ثمة نظريتان مطروحتان‪ :‬التحويل وعدم‬ ‫ـ ـيف مكانة القضية الطبيعية ّ‬
‫التحويل‪ ،‬وكان ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي يعتقد بنظرية عدم حتويل الطبيعية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كقضيلة مستقلة‪ ،‬ويف‬ ‫ورشاحه إىل القضية الطبيعية‬
‫ـ ـمل ينظر ابن سينا ّ‬
‫أقل قضية شخصية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كقضية مهملة‪ ،‬ويف أحيان ّ‬ ‫الغالب كانوا يصنّفوهنا‬
‫وقد تأ ّثر ّ‬
‫الرشاح يف هاتني النظريتني التحويليتني أعني املهملة أو‬
‫الشخصية بازدواجية كالم ابن سينا يف اإلشارات والشفاء‪.‬‬
‫ـ ـوف ًقا لرأي ا ُمل ّاّل عبد اهلل اليزدي ّ‬
‫إن موضوع القضية الطبيعية من‬

‫‪ .1‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.276‬‬


‫‪ | 428‬تاریخ علم املنطق‬

‫(الطبائع الكلية)‪ ،‬والطبائع جلهة احليثية املفهومية قد وردت يف منظومة‬


‫القضية؛ ولذلك فهي ليست متح ّقق ًة يف اخلارج‪ ،‬كام ّأهّنا ال تشمل ّ‬
‫كل‬
‫مفهو ٍم ذهني‪ .‬موضوع هذه القضية ليس وصف الك ّلية بل موصوفها‪.‬‬
‫أن َم ْقسم الطبيعية القضية احلملية ّ‬
‫بكل أركاهنا‬ ‫ـ ـيعتقد بعض املناطقة ّ‬
‫أن ا َمل ْقسم هو‬
‫وبعض آخر يعتقد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫(املوضوع واملحمول والرابطة)‪،‬‬
‫ثالث يراه (طبيعة اليشء)‪ ،‬وبالنسة‬ ‫وبعض ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫موضوع القضية فقط‪،‬‬
‫للم ّاّل عبد اهلل الیزدي فإنّه يرى ا َمل ْقسم يف هذا التقسيم املر ّبع (القضية‬
‫ُ‬
‫كجهة واحدة ملحوظةٍ‬‫ٍ‬ ‫احلملية) ال موضوعها‪ ،‬وينظر إىل (املوضوع)‬
‫يف ا َمل ْقسم‪ .‬أعني‪ّ ،‬‬
‫أن املوضوع هو معیار التقسيم املر ّبع وأساسه وليس‬
‫َم ْقسمه‪.‬‬

‫ـ ـوف ًقا لرأي ا ُمل ّاّل عبد اهلل‪ ،‬ال اعتبار للقضايا الطبيعية لسببني‪ّ :‬‬
‫األول هو‬
‫أن الطبيعية ال تُستخدم بأي ٍ‬
‫وجه يف العلوم‪ .‬والثاين ال يوجدّ موضوع‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الطبيعية يف اخلارج وإنّام له حيثي ٌة مفهومية فحسب‪ ،‬من هنا ّ‬
‫فإن املعرفة‬
‫والتعرف عىل أحواله وأحكامه ال يعدّ ً‬
‫كاماًل‬ ‫ّ‬ ‫واالطالع هبكذا موضوع‪،‬‬
‫تعرض هذا الرأي لنقد اآلخرين‪.‬‬ ‫لإلنسان‪ .‬وقد ّ‬
‫موقع القضية الطبيعية من منظار املال عبد اهلل اليزدي | ‪429‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن سینا ‌‪ ،‬حسنی بن عبد اهلل ‌‪ ،‬اإلشارات والتنبیهات‪ ،‬مع الرشح للمح ّقق الطويس‪ ،‬قم‪ ،‬نرش‬
‫البالغة‪.1375 ،‬‬
‫‪2.‬ــــــــــــــ الشفا‪ ،‬قم‪ ،‬مرعشی نجفی‪ ،‬تصحیح‪ :‬سعید زائد قنواتی‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3.‬أرسطو‪ ،‬املنطق‪ ،‬ح ّققه وع ّلق علیه‪ :‬عبد الرمحن بدوی‪ ،‬بریوت‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪4.‬مجعية املفاخر الثقافية‪ ،‬اثرآفرینان‪ ،1380 ،‬ج ‪.6‬‬
‫‪5.‬بجنوردی وآخرون‪ ،‬دائرة املعارف بزرگ اسالمی‪ ،‬ط‪ .‬األوىل‪ ،‬مرکز دائرة املعارف بزرگ‬
‫اسالمی‪ ،‬طهران‪.۱۳۸۷ ،‬‬
‫‪6.‬التفتازاين‪ ،‬سعد الدین‪ ،‬هتذیب املنطق والکالم‪ ،‬مرص‪ ،‬مطبعة السعاده‪1912 ،‬م‪.‬‬
‫‪7.‬جرب‪ ،‬فرید‪ ،‬موسوعة مصطلحات علم املنطق‪ ،‬لبنان‪ ،‬مکتبه نارشون‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪8.‬جلوه‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬املهملة هی الطبیعیة‪ ،‬تصحیح‪ ،‬غالم حسنی رضا زاده‪ ،‬گلشن جلوه‪ ،‬إعداد‪:‬‬
‫غالم رضا گلی زواره‪ ،‬قم‪.1375 ،‬‬
‫ّ‬
‫(العاّلمة)‪ ،‬حسن بن یوسف‪ ،‬القواعد اجللیة فی رشح رسالة الشمسیة‪ ،‬حتقیق‪ :‬فارس‬ ‫‪ِ 9.‬‬
‫احل ّيّل‬
‫حسون تربیزیان‪ ،‬قم‪ 1412،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪10.‬ــــــــــــــ اجلوهر النضید فی رشح منطق التجرید‪ ،‬قم‪1363 ،‬ش‪.‬‬
‫ ‪11.‬الــرازي‪ ،‬قطــب الدیــن‪ ،‬لوامــع األرسار يف رشح مطالــع األنــوا‪ ،‬قــم‪ ،‬منشــورات کتبــی‬
‫نجفــی‪ ،‬بــا تاريــخ‪.‬‬
‫ ‪12.‬الساوي‪ ،‬عمر بن سهالن‪ ،‬البصائر النصریية‪ ،‬طهران‪ ،‬منشورات شمس تربیزی‪.1383 ،‬‬
‫ ‪13.‬السهروردي‪ ،‬شهاب‌الدین‪ ،‬منطق التلوحیات‪ ،‬حتقیق‪ :‬عيل أکرب فیاض‪ ،‬طهران‪.1334 ،‬‬
‫ ‪14.‬الشریازي‪ ،‬قطب ‌الدین‪ ،‬درة التاج لغرة الدباج‪ ،‬تصحیح‪ :‬السید حممد مشکوة‪ ،‬طهران‪:‬‬
‫منشورات حکمت‪.1369 ،‬‬
‫ ‪15.‬الطويس‪ ،‬اخلواجه نصری الدین‪ ،‬اساس االقتباس‪ ،‬تصحیح‪ :‬السید عبد اهلل أنوار‪ ،‬طهران‪ :‬نرش‬
‫مرکز‪.1375 ،‬‬
‫‪ | 430‬تاریخ علم املنطق‬

‫ ‪16.‬الفخر الرازي‪ ،‬رشح اإلشارات‪ ،‬منشورات مجعية اآلثار واملفاخر العلمية‪.1384 ،‬‬
‫ ‪17.‬فرامــرز قراملکــی‪ ،‬احــد؛ از طبیعیــه تــا حممــول درجــه دو؛ مقــاالت و بررسـی‌ها؛ العــدد‬
‫‪.1382 ،74‬‬

‫ ‪18.‬الیزدي‪ ،‬املال عبد اهلل؛ احلاشیة علی هتذیب املنطق؛ قم‪ :‬مؤسسة النرش االسالمی؛ ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫‪1‬‬
‫منطق املظفر دراسة مقارنة مع حاشية ماَّل عبد اهلل‬
‫‪2‬‬
‫د‪ .‬الشيخ مرتىض فرج‬

‫ُملخّص البحث‬
‫حممد رضا ا ُملظ َّفر؛‬ ‫يخ َّ‬ ‫بيان مزايا كتاب املنْطق َّ‬
‫للش ِ‬ ‫تستهدف َ‬
‫ُ‬ ‫هذه الدِّ راس ُة‬
‫واألسباب التي دفعت الكثريين لالقتنا ِع بأنَّه‬ ‫َ‬ ‫اجلدَّ ِة واإلبداع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مظاه َر ِ‬ ‫لت ُِرب َز‬
‫تم من‬ ‫غة حديثة‪ُ .‬‬ ‫ْطق األرسطي ب ُل ٍ‬ ‫يعر ُض للمن ِ‬ ‫كتاب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫بيان هذا األمر َّ‬ ‫أدق‬
‫ْهج‬‫أهم حم َّطات ومباحث الكتاب‪ ،‬ومقارنتها بام جا َء يف املن ِ‬ ‫ِ‬
‫خالل استعراض ّ‬
‫الضوء عىل ٍ‬ ‫ِ‬
‫نقاط‬ ‫ثم تسليط َّ‬ ‫السابق ا ُملتم ِّثل بـ حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪َّ .‬‬ ‫التَّقليدي َّ‬
‫ِ‬
‫األنامط‬ ‫ص يف‬ ‫َّ‬ ‫ملواكبة اجلديد يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتتلخ ُ‬ ‫حقل املنْطق‪،‬‬ ‫اجلدير االلتفات إليها‬ ‫من‬
‫واملغالطات والتحي ِ‬
‫زات اإلدراكية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلديدة من املنطق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬

‫متهيد‪:‬‬
‫كتاب أ َّل َف ُه أحدُ أعال ِم حوزة النَّجف‬
‫ْطق ا ُملظ َّفر) هو ُ‬‫املشهور بـ (من ِ‬
‫الكتاب ْ‬
‫ُ‬
‫الشيخ حممد رضا ا ُملظ َّفر‪ ،3‬وقد م َّث َل قفز ًة يف ِ‬
‫جمال إصالح‬ ‫املرحوم َّ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫وأفذاذها؛ ْ‬
‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫ْطق األرسطي‬ ‫وعر َض املن َ‬ ‫املنْهج الدِّ رايس يف احلوزات الع ْلمية‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫مكان الكتاب‬ ‫َ‬
‫وأخذ شي ًئا فشي ًئا‬ ‫واجلامعات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫احلوزات‬
‫ُ‬ ‫فريدة‪ ،‬وهتافتت عليه‬
‫احلوزات العلمية (عىل مدى عرشات‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫تداواًل يف‬ ‫أكثر ُكتُب املنْطق‬ ‫الذي َ‬
‫كان َ‬

‫‪ .1‬مصدر البحث‪ :‬موسوعة العالمة الشيخ املظفر‪ ،‬املجلد ‪ ،11‬البحوث املشاركة يف املؤمتر‬
‫الدويل حول التجديد يف فكر الشيخ محمد رضا املظفر‪ ،‬ص‪ 1437 .539‬هـ‪2016/‬م‪.‬‬
‫ص يف فلسفة املنطق وعلم اإلدراك وعلم الكالم ‪ /‬الكويت‪.‬‬
‫متخص ٌ‬
‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫ّ‬
‫وتويّف يف ‪ 16‬رمضان ‪ 1383‬هـ‪ 13/‬يناير‬ ‫‪ .3‬ولد يف ‪ 5‬شعبان ‪ 1322‬هـ‪ 15/‬أكتوبر ‪1904‬م‪.‬‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ | 432‬تاریخ علم املنطق‬

‫قديم كت َب ُه‬
‫ٌ‬ ‫كتاب‬
‫ٌ‬ ‫السنني)‪ ،1‬أعني (حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل)‪ ،2‬وهو‬
‫ور َّبام مئات ِّ‬

‫‪ .1‬من الكتب املنطقية القدمية التي ما زالت متداول ًة يف الجامعات الدينية والحوزات‪ ،‬الشفاء‪/‬‬
‫املنطق‪ ،‬واإلشارات والتنبيهات‪/‬املنطق البن سينا (‪ 427‬هـ‪1037/‬م)‪ ،‬وكتاب البصائر النصريية‬
‫لزين الدين عمر بن سهالن الساوي (ت ‪ 540‬هـ‪1145/‬م)‪ .‬أيضً ا كتاب ال ِّرسالة الشَّ مسية للكاتبي‬
‫القزويني (‪615‬هـ‪1276/‬م)‪ ،‬وهو من تالميذ نصري الدين الطويس‪ ،‬وميثّل مدرسة الرشقيني‬
‫(مدرسة ابن سينا)‪ ،‬ورشوحها املتعدّدة‪ ،‬منها رشح قطب الدين الرازي (ت ‪766‬هـ‪1365/‬م)‪.‬‬
‫أيضً ا كتاب مطالع األنوار للقايض رساج الدين محمود بن أيب بكر األرموي (ت ‪682‬هـ‪1283/‬م)‪،‬‬
‫وهو ميثّل مدرسة الغربيني (مدرسة بغداد‪ :‬الفارايب)‪ ،‬ورشحه لقطب الدين الرازي أيضً ا‪ ،‬الذي جمع‬
‫للعاّلمة جامل‬
‫ّ‬ ‫بني املدرستني‪ .‬أيضً ا من الكتب املتداولة الجوهر النضيد يف رشح منطق التجريد‬
‫الح ّيّل (ت‪726‬هـ‪1325/‬م)‪.‬‬ ‫الدين حسن بن يوسف ِ‬
‫‪ .2‬كتب الشيخ جعفر السبحاين يف ترجمة ُمال عبد الله اليزدي‪« :‬عبد الله بن الحسني (شهاب‬
‫الدين) اليزدي الشاه آبادي‪ ،‬امللقب بـ (نجم الدين)‪ ،‬صاحب الحاشية عىل تهذيب املنطق‪،‬‬
‫املعروفة بـ (حاشية الم ُّاّل عبد الله)‪.‬‬
‫ني املتكلّمنيِ‪ :‬جامل الدين محمود الشريازي (تلميذ جالل الدين الدواين)‪ ،‬والسيد‬ ‫تتلمذ عىل الحكيم ِ‬
‫غياث الدين منصور بن محمد الدشتيك الشريازي (ت ‪948‬هـ)‪ .‬وعكف عىل املطالعة والبحث‬
‫وتخصص بها‪ .‬وتصدر للتدريس‪ ،‬فمهر به‪ .‬أثنى عليه محمد‬ ‫ّ‬ ‫والتحقيق‪ ،‬ال سيّام يف العلوم العقلية‪،‬‬
‫عاّلمة زمانه) وقال‪« :‬كان مبارك التدريس‪ ،‬ما‬ ‫أمني املحبي الحنفي‪ ،‬ونعته بـ (صاحب التحقيقات‪ّ ،‬‬
‫«العاّلمة‪ ،‬املتكلّم‪ ،‬الفقيه‪ ،‬املنطقي»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اشتغل عليه أحد إال انتفع»‪ .‬وقال عبد الله األفندي يف حقه‪:‬‬
‫تتلمذ عىل املرتجم يف الحكمة والكالم وغريهام من العلوم العقلية لفيف من كبار العلامء‪ .‬منهم‪:‬‬
‫بهاء الدين محمد بن الحسني العاميل‪ ،‬الشهري والحكيم املتكلم السيد ظهري الدين إبراهيم بن‬
‫الحسني بن عطاء الله الحسني الطباطبايئ‪ ،‬والسيد محمد بن عيل بن أيب الحسن املوسوي العاميل‬
‫صاحب (املدارك)‪ ،‬والحسن بن الشهيد الثاين زين الدين العاميل صاحب (املعامل)‪ ،‬وآخرون‪.‬‬
‫وكان متمك ًنا من التأليف بعبارات تتصف بالسهولة واإليجاز‪ .‬حرر بعض مؤلّفاته يف بالده إيران‪،‬‬
‫وأسس بها مدرس ًة دينية)‪ ،‬وإليك عددًا منها‪:‬‬ ‫وبعضها اآلخر يف النجف األرشف (التي قطنها ّ‬
‫حاشية عىل الحاشية القدمية للد َّواين عىل رشح تجريد العقائد لعالء الدين عيل بن محمد القوشجي‪.‬‬
‫حاشية عىل مبحث الجواهر من رشح التجريد‪.‬‬
‫حاشية عىل تهذيب املنطق للتفتازاين‪ ،‬وهي مشهورة (أنجزها فيالنجف األرشف عام ‪967‬هـ‪،‬‬
‫وأصبحت معتمد العلامء واملتعلمني يف الدراسة الحوزوية لزمن طويل)‪.‬‬
‫حاشية عىل حاشيتي‪ :‬الد َّواين (القدمية) والرشيف الجرجاين عىل رشح املطالع يف املنطق لقطب الدين الرازي‪.‬‬
‫حاشية عىل الرشح املخترص للتفتازاين عىل تلخيص املفتاح يف املعاين والبيان لجالل الدين‬
‫محمد بن عبد الرحمن القزويني‪.‬‬
‫وحاشية عىل حاشية نظام الدين عثامن الخطايئ عىل الرشح املخترص املذكور‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫تويّف يف النجف األرشف سنة إحدى ومثانني وتسعامئة‪ .‬راجع‪ :‬جعفر السبحاين‪ ،‬معجم طبقات‬ ‫ّ‬
‫املتكلمني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.304-302‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪433‬‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫كتاب (هتذيب‬ ‫ٍ‬
‫كحاشية عىل‬ ‫اليزدي (ت ‪981‬هـ‪1573/‬م‪،).‬‬ ‫ا ُمل َّاَّل عبد اهلل ْ‬
‫ِ‬
‫لسعد الدِّ ين ال َّت ْفتازاين (ت ‪792‬هـ‪1390/‬م) ‪.‬‬ ‫املنْطق والكالم)‬

‫قاب‬‫بعضها ِبر ِ‬‫املواضيع َ‬


‫ُ‬ ‫تأخ ُذ‬
‫كيف ُ‬
‫القارئ َ‬
‫ُ‬ ‫للمظ َّفر جيدُ‬‫ْطق ُ‬‫كتاب املن ِ‬
‫ِ‬ ‫يف‬
‫أن‬ ‫سابق ِه يف تس ْل ُس ٍل طبيعي‪ ،‬من ِ‬
‫غري ْ‬ ‫كل موضو ٍع عىل ِ‬ ‫َّب ُّ‬
‫بعض‪ ،‬وكيف يرتت ُ‬
‫يم ُّر عليه فيام‬
‫غري هذا الكتاب‪ ،‬أو إىل ما ُ‬ ‫آخر يف ِ‬ ‫الب إىل موضو ٍع َ‬ ‫ُحُي َيل ال َّط َ‬
‫الشيخ ا ُملظ َّفر الدِّ رايس‬
‫مرشوع َّ‬
‫ُ‬ ‫كتاب املنْطق هو‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫بعد»‪ .1‬ويمك ُن القول َّ‬
‫دون ْ‬
‫أن‬ ‫زيح ما س َب َق ُه‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بجدارة ْ‬ ‫الوحيد الذي ُق ِّيض له االكتامل‪،2‬‬
‫أن ُي َ‬ ‫واستطاع‬
‫َ‬
‫‪ .1‬الشيخ محمد مهدي اآلصفي‪ ،‬الشيخ محمد رضا املظفّر‪ :‬وتطور الحركة اإلصالحية يف النجف‪،‬‬
‫سلسلة رواد اإلصالح (‪ ،)3‬مؤسسة التوحيد للنرش الثقايف‪ ،‬قم املقدسة‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪ .2‬أقول الكتاب هو مرشوعه الدرايس الوحيد املكتمل‪ ،‬ألنَّ‪:‬‬
‫مكتماًل إال أنَّه ليس كتابًا دراس ًيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كتاب السقيفة وهامش السقيفة وإ ْن كان‬
‫كتاب عقائد اإلمامية رغم اكتامله‪ ،‬إال أنَّه ‪ -‬كام يظهر من مقدِّم ِة مؤلِّف ِه للطَّبع ِة األوىل ‪ -‬مل يُكتَب‬ ‫ُ‬
‫ككتاب درايس يف علْمِ الكالم‪ ،‬فقد كتب‪« :‬كان إمالؤها‪...‬بدافعِ إلقائها محارضات دورية يف كلية‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منتدى النرش الدِّينية‪ ،‬لالستفادة منها متهيدًا لألبحاث الكالمية العالية‪....‬وما كنت قد أعد ْدتُها مؤلفًا‬
‫ِ‬
‫املحارضات والدروس‪.»...‬‬ ‫نرَش ويُقرأ‪ ،‬فأُه ِملَت يف أوراقٍ مبعرث ٍة شأ ُن كثريٍ من‬ ‫يُ َ‬
‫كتاب الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬مل يكتمل وإ ْن كانت مسودات ِه ُد ِّونَت كمذكرات دراسية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ري مكتمل‪.‬‬ ‫كتاب رشح كتاب املكاسب للشيخ األنصاري‪ ،‬ليس كتابًا دراسيًا‪ ،‬وغ ُ‬
‫ب يف إطا ِر تطوير ال ُكتُب الدِّراسية‪ ،‬إال أنَّه مل يكتمل‪ ،‬حيثُ توق ََّف‬ ‫كتاب أصول الفقه وإ ْن كان كُ ِت َ‬
‫بحث االستصحاب‪ .‬ورغم محاولة تلميذه املحقِّق مريزا غالم رضا عرفانيان اليزدي الخراساين‬ ‫ِ‬ ‫عند‬
‫تتميم هذا الكتاب‪ ،‬من خال ِل إضافة بحث أصالة الرباءة واالشتغال والتخيري‪ ،‬إال أ َّن هذه املحاولة‬
‫مل تأخذ مكانها يف الحوزات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتاب أصول الفقه ملنافس قوي‪ ،‬يتمثَّل يف دروس يف علم األصول‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ض‬‫مضافًا إىل ذلك‪ ،‬تع َّر َ‬
‫كل كُتُب أصول الفقه التي تُد َّرس‬ ‫َ‬
‫ليستبدل بها ّ‬ ‫الصدْر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫باقر‬ ‫د‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫مح‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫ِّ‬ ‫الس‬ ‫كتبها‬ ‫وهي حلقاتٌ ثالث‬
‫ِ‬
‫ملحاوالت‬ ‫الصدْر يف إطا ِر تقييم ِه النقدي‬ ‫كتب الس ِّي ُد َّ‬ ‫َ‬ ‫والسطوح‪ ،‬وقد‬ ‫ُّ‬ ‫يف مرحل ِة امل ُقدِّمات‬
‫تطوير املناهج (ومن ضم ِنها كتاب أصول الفقه للمظفَّر)‪« :‬صدرت يف العقو ِد الثالثة األخرية ع َّد ُة‬
‫ج هذه املحاوالت كتاب مخترص‬ ‫الكتب الدِّراسية‪ ،‬وكان من نتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫محاوالت لالستبدا ِل والتطوير يف‬ ‫ٍ‬
‫كتعويض عنها‪،‬‬‫ٍ‬ ‫وكتاب ال َّرسائل الجديدة اختصا ًرا لـ ال َّرسائل‬ ‫ُ‬ ‫كتعويض عن القوانني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفصول‬
‫وكتاب أصول الفقه كحلق ٍة وسيط ٍة بني املعامل وكتايب ال َّرسائل والكفاية‪ .‬وهي محاوالتٌ مشكورة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ومُتُ ث ُِّل جهودًا مخلصة يف هذا الطَّريق‪ .‬وقد يكو ُن أكرثُها استقاللي ًة وأصال ًة هو املحاولة الثالثة (أي‬
‫لكتاب سابق‪ ،‬ولك َّنها ال تفي‬ ‫ٍ‬ ‫مستقاًل‪ ،‬وليس مج َّرد اختصار‬ ‫ً‬ ‫أصول الفقه للمظفر) باعتبارِها تصنيفًا‬
‫مع ذلك بالحاج ِة لع َّد ِة أسباب‪:‬‬
‫‪ | 434‬تاریخ علم املنطق‬

‫السطح‪ ،‬واالكتفاء بها عن جميعِ ال ُكتُب الدِّراسية األصولية‪،‬‬ ‫منها‪ :‬إنَّها ال ميكن االقتصا ُر عليها يف َّ‬
‫وإمّنّ ا هي مرشَّ حة لتكون الحلقة الوسيطة بني املعامل وكتايب الكفاية وال َّرسائل عىل ما يبدو من‬
‫ح أ َّن هذا أشبه ما يكون بعملي ِة الرتقيع؛ فهي وإ ْن حرصت عىل أ ْن تعطي‬ ‫ظروف وضعها‪ .‬ومن الواض ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّف إدراكُ ُه واستيعابُهُ‪ ،‬ولك َّنها‬ ‫تيح للمؤل ِ‬ ‫ُ‬
‫للطالب غالبًا األفكار الحديثة يف علْمِ األصول بقد ِر ما أ َ‬
‫َّالب بـ املعامل‪ ،‬ليقرأ أفكا ًرا أصولية ومناهج‬ ‫تصبح قلق ًة حني توض ُع يف مرحل ٍة وسطى‪ ،‬فيبدأُ الط ُ‬ ‫ُ‬
‫ينتقل من ذلك فجأ ًة وبقدر ِة قادر‬ ‫ُ‬ ‫السنني‪ ،‬ث َّم‬ ‫ِّ‬ ‫مئات‬ ‫قبل‬
‫َ‬ ‫ْم‬ ‫ل‬ ‫الع‬ ‫عليه‬ ‫كان‬ ‫ملا‬ ‫ًا‬ ‫ق‬ ‫وف‬ ‫ِ‬
‫البحث‬ ‫يف‬ ‫أصولية‬
‫ليلتقي يف أصول الفقه أفكا ًرا أصولية حديثة‪ ،‬مستقاة من مدرس ِة املحقِّق النائيني عىل األغلب‪،‬‬
‫َّالب فهم هذه األفكار‪ ،‬نرج ُع به‬ ‫تحقيقات املحقِّق األصفهاين أحيانًا‪ .‬وبعد أ ْن يُفرتَض أ َّن الط َ‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬
‫خطو ًة إىل الوراء‪ ،‬ليلتقى يف ال َّرسائل والكفاية بأفكا ٍر أقدم تاريخيًا‪ ،‬بعد أ ْن نوقش جملة منها يف‬
‫ريهُ العلْمي يف‬ ‫َّالب مس َ‬
‫السابقة‪ ،‬واستبدلت جملة منها بأفكار أمنت‪ .‬وهذا يُش ِّوش عىل الط ِ‬ ‫الحلق ِة َّ‬
‫الصحيح‪.‬‬ ‫السطْح‪ ،‬وال يجعله يتح َّرك يف االت ِّجا ِه َّ‬ ‫مرحل ِة َّ‬
‫قس َم ُه إىل أربع ِة أقسام‬ ‫غرَّي املظه َر العام لعلْمِ األصول؛ إذ َّ‬ ‫أصول الفقه عىل ال َّرغمِ من أنَّه َّ‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬إ َّن‬
‫عاَّم‬ ‫وأدرج مباحثَ االستلزامات واالقتضاءات يف نطاقِ املباحث العقلية‪ً ،‬‬
‫بداًل َّ‬ ‫َ‬ ‫بداًلً من قسمني‪،‬‬
‫رصف يف كيفي ِة‬ ‫ُّ‬ ‫الت‬ ‫يتجاوز‬ ‫مل‬ ‫هذا‬ ‫ولكن‬ ‫األلفاظ‪،‬‬ ‫مباحث‬ ‫ضمن‬ ‫ِها‬ ‫ر‬ ‫ذك‬ ‫من‬ ‫ِّفون‬ ‫د َر َج عليه املؤل‬
‫ص ِّنفت يف‬ ‫السابقة إىل مجاميع‪ .‬فقد ُ‬ ‫ب َّ‬ ‫تقسيم مجموعة املسائل األصولية املطروحة يف ال ُكتُ ِ‬
‫رصف جوه َر تلك املسائل‪ ،‬ومل‬ ‫ميس هذا الت ُّ‬ ‫أربعِ مجاميع – كام أرشنا – بداًلً من مجموعتني‪ ،‬ومل ّ‬
‫مسائل‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ووجوب مقدِّمته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليَّشء‬‫وجوب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّمات مسألة املالزمة بني‬ ‫مثاًل يف مقد ِ‬ ‫يستطع أ ْن يكتشف ً‬
‫رص‬ ‫َ‬ ‫اقت‬ ‫وهكذا‬ ‫العقلية‪.‬‬ ‫َّة‬ ‫ل‬ ‫األد‬ ‫نطاقِ‬ ‫يف‬ ‫أصولية‬ ‫كمسائل‬ ‫ض‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ُع‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫أل‬ ‫الفني‬ ‫أصولية لها استحقاقها‬
‫ري عىل املظهرِ‪ ،‬ومل يتجاوزه إىل الجوهر‪.‬‬ ‫التغي ُ‬
‫مستويات متقاربة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكاًم‪ ،‬أو عن‬ ‫واحد من العطاء كيفًا ً‬ ‫ٍ‬ ‫ُعرِّب بحوث ُ ُه عن مستوى‬ ‫الكتاب ال ت ِّ‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬إ َّن‬
‫رص ويوج ُز يف مباحثَ أخرى‪ .‬فالحظ‬ ‫يتوس ُع ويتع َّمق‪ ،‬بينام يخت ُ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب يف بعض مباحثه َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بل إ َّن‬
‫بحث املطلق واملقيد‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬ ‫موسعٍ فيام يتصل باعتبارات املاهية يف‬ ‫َّ‬ ‫تحقيقٍ‬ ‫من‬ ‫عليه‬ ‫يشتمل‬
‫ُ‬ ‫ما‬ ‫مثاًل‬
‫ً‬
‫توسعٍ‬ ‫يشتمل عليه من ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ح ْسن وال ُق ْبح العقليني‪ ،‬وما‬ ‫وإطناب يف مباحث ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫توسعٍ‬ ‫يشتمل عليه من ُّ‬ ‫ُ‬
‫إثبات جريان االستصحاب يف موار ِد الشَّ ّك يف املقتيض‪ .‬بل امللحوظ يف كثريٍ من‬ ‫ِ‬ ‫كذلك يف‬
‫ِض منهجيًا أ ْن تكون بعدَهُ يف الخطِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تنسيق بينها وبني بحوث الكفاية التي فر َ‬ ‫َ‬ ‫بحوث الكتاب أنَّه ال‬ ‫ِ‬
‫رب ًرا لدراس ِة‬ ‫ماَّم يف الكفاية وأعمق‪ ،‬ال يُبقي ُم ِّ‬ ‫ض بنح ٍو أوسع َّ‬ ‫الدِّرايس‪ .‬فجمل ٌة من املسائلِ ت ُع َر ُ‬
‫ض موجز ًة أو ساذج ًة عىل نح ٍو‬ ‫املسألة نفسها من جديد يف الكفاية‪ .‬وجمل ٌة أخرى من املسائلِ تُع َر ُ‬
‫يبقى لـ الكفاي ِة قدرتها عىل إعطا ِء املزيد أو التعميق‪.‬‬
‫يجب أ ْن يت َّم بصور ٍة كاملة‪ ،‬فيُع َّوض عن مجموع ِة ال ُكتُب الدِّراسية األصولية‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫االستبدال‬ ‫وقد رأينا أ َّن‬
‫ثالث مراحل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أسس مشرتكة‪ ،‬وعىل‬ ‫ٍ‬ ‫ح واحدة‪ ،‬وعىل‬ ‫فعاًل مبجموع ٍة أخرى‪ُ ،‬مص َّممة برو ٍ‬ ‫القامئة ً‬
‫الصدْر‪ ،‬دروس يف علم األصول‪ ،‬دار‬ ‫وهذا ما قُ ْمنا به بعونِ الل ِه وتوفيق ِه‪ .»...‬الس ِّيد محمد باقر َّ‬
‫التعارف للمطبوعات‪1989 ،‬م‪ ،‬بريوت‪ ،‬مقدمة الكتاب‪ ،‬ص‪.225-223‬‬
‫كتاب امل ْنطق هو مرشوع الشَّ يخ املظفَّر الدِّرايس املكتمل‪ ،‬الذي‬ ‫َ‬ ‫يف ضو ِء ما م ّر‪ ،‬نستطي ُع القول أ َّن‬
‫األساس يف باب ِه‪.‬‬‫ُ‬ ‫زال هو‬ ‫كاماًل يف مل ِء الفراغ‪ ،‬وما َ‬ ‫ً‬ ‫لعب دو َرهُ‬ ‫َ‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪435‬‬
‫ُ‬

‫ْطق األرسطي‪ ،‬الذي أشا َد ُه أرسطو‪،‬‬ ‫ض للمن ِ‬ ‫عر ٍ‬


‫أفض ُل ْ‬ ‫يأيت ما ُيزحي ُه‪ ،1‬فهو َ‬
‫وأضاف عليه فالسف ُة اإلسالم الذين ساروا عىل دربِ ِه‪ ،‬كالفارايب‬
‫َ‬ ‫ونقدَ ُه َّ‬
‫وهذ ُبه‬
‫ويس‪...‬وغري ِهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونصري الدِّ ين ال ُّط‬ ‫ِ‬
‫وابن سينا‬

‫يخ مرتىض آل ياسني (خماط ًبا مؤ ِّل َف ُه ا ُملظ َّفر)‪« :‬ما‬ ‫الش ُ‬‫َب َّ‬ ‫عن هذا الكتاب‪ ،‬كت َ‬
‫ِ‬ ‫ِكدْ ُت ْ‬
‫نعمت باال ِّطال ِع‬ ‫ُ‬ ‫كتاب املنْطق‪ ،‬الذي‬ ‫أفر َغ من مطالعة كتابِ َك الق ِّيم‪َ ،‬‬ ‫أن َ‬
‫وتقديرا‬
‫ً‬ ‫امتألت إعجا ًبا‬‫ُ‬ ‫حيث ال أحتسب‪ ،‬حتى وجدْ تني قد‬ ‫أخريا من ُ‬ ‫عليه ً‬
‫شأن من شؤونِ ِه‪ .‬فق ْل ُت إ ْذ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫املاثلة يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫العظيمة‬ ‫ِ‬
‫للجهود‬ ‫وإكبارا‬
‫ً‬ ‫ملؤ ِّل ِف ِه‪،‬‬
‫أن تُدْ عى (ا ُملظ َّفر) ح ًقا‪ ،‬إ ْذ‬ ‫منذ اليوم ْ‬‫أجدر َك ُ‬
‫َ‬ ‫كأيِّن أراك‪ :‬ما‬ ‫اك ِّ‬ ‫ذاك خماط ًبا إ َّي َ‬ ‫َ‬
‫الفتح ما بعدَ ُه من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون هلذا‬ ‫يديك هذا الفت َْح املبني‪ .‬وعسى ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫فت ََح اهللُ عىل‬
‫ويتالحق ال َّظ َف ُر عىل‬
‫َ‬ ‫الفتح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يتواصل‬ ‫ميادين الع ْل ِم واألدب‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫الفتوح يف‬‫ِ‬
‫الفاتح ا ُملظ َّفر»‪.2‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البطل‬ ‫يديك ُّأهُّيا‬‫َ‬

‫نبذة عن امل ْنطق وتط ُّوره‪:‬‬


‫أن نُشري إىل ِ‬
‫نشأة‬ ‫ِ‬
‫املناسب ْ‬ ‫للمظ َّفر‪ ،‬من‬ ‫نأخ َذ جول ًة يف كتاب املن ِ‬
‫حتى ُ‬
‫َ‬ ‫ْطق ُ‬
‫وتطو ِر ِه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ع ْلم املنْطق‬

‫الفيلسوف اليوناين أرسطو طاليس (‪ 322-384‬ق‪.‬م)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ؤس ُس ع ْلم املنْطق هو‬
‫ُم ِّ‬
‫جمموعة ُمؤ َّلفاتِ ِه األُورغانون (األداة أو اآللة)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فهو َّأو ُل من َّ‬
‫هذ َب قواعدَ ُه يف‬

‫‪ .1‬كتبت كتب كثرية بعد كتاب املنطق للمظفّر‪ ،‬لكنها مل تنجح يف منافسته‪ ،‬منها عىل سبيل‬
‫املثال‪ :‬املنطق اإلسالمي‪ :‬أصوله ومناهجه‪ ،‬للسيد محمد تقي املدريس (‪1397‬هـ)‪ .‬ومذكرة‬
‫املنطق‪ ،‬للشيخ عبد الهادي الفضيل (‪1409‬هـ)‪ ،‬ومقدمات يف علم املنطق‪ ،‬لـ د‪ .‬هادي فضل‬
‫الله (‪1416‬هـ)‪ ،‬وتهذيب املنطق‪ ،‬لـبسام مرتىض (‪1419‬هـ)‪ ،‬واملنطق‪ ،‬للشيخ إبراهيم األنصاري‬
‫(‪1419‬هـ)‪ ،‬ودروس يف علم املنطق‪ ،‬لـلسيد حسني الصدر (‪1426‬هـ)‪....،‬الخ‪.‬‬
‫‪ .2‬يف رسال ٍة ملحقة بآخر كتاب املنطق للمظفَّر‪ ،‬ص‪.445‬‬
‫‪ | 436‬تاریخ علم املنطق‬

‫ُب التالية‪ :‬املقوالت‪ ،1‬العبارة‪ ،2‬التَّحليالت األوىل‪ ،3‬التَّحليالت‬ ‫وتض ُّم ال ُكت َ‬
‫ُ‬
‫والشعر‪.8‬‬ ‫كتاب اخلطابة‪ِّ 7‬‬ ‫ضيف إليها‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫الس ْفسطة‪ .6‬و ُأ‬
‫ال َّثانية ‪ ،‬اجلدل ‪َّ ،‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫رتمجيه إىل العربية‪ :‬عبدُ اهلل بن ا ُملق َّفع (ت ‪142‬هـ) (يف ِ‬


‫عهد‬ ‫ِ‬ ‫ـ ـمن ِ‬
‫أبرز ُم‬
‫(خصوصا‬
‫ً‬ ‫الرِّسيان‬
‫أيب جعفر املنصور الع َّبايس)‪ .‬وكان للمسيح ِّيني ِّ ْ‬
‫كبري يف ن ْق ِل املنطق األرسطي‪ ،9‬ومنهم‪ :‬يوحنَّا الب ْطريق‪،‬‬
‫دور ٌ‬‫النَّساطرة) ٌ‬
‫احل ْميص‪ُ ،‬حنني بن إسحق‪ ،‬أبو عثامن الدِّ مشقي‪،‬‬ ‫عبد املسيح بن ناعمة ِ‬
‫الرَّتمجات حصلت يف‬ ‫وأغلب َّ‬
‫ُ‬ ‫أبو برش متَّى بن يونس‪ ،‬حيي بن عدي‪.‬‬
‫عهد املأمون العبايس‪.‬‬ ‫ِ‬

‫السريايف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أبرز خمالفي املنطق األرسطي يف عاملنا‪ :‬أبو سعيد ِّ‬ ‫ـ ـمن‬
‫النَّحوي‪ .10‬ومن املعتزلة‪ :‬اجل َّبائي‪ ،‬والقايض عبد اجل َّبار (ت ‪321‬هـ)‬
‫ومن األشاعرة‪ :‬القايض أبو بكر الباقالين (ت بعد ‪403‬هـ)‪ ،‬وجالل‬
‫ُ‬
‫(صون املنْطق والكالم‬ ‫َب‬
‫السيوطي (ت‪911‬هـ) الذي كت َ‬ ‫الدِّ ين ُّ‬
‫‪ .1‬هو قاطيغورياس‪ ،‬ويتناول مجموعة أساسية من املفاهيم‪ ،‬وأغلب مباحثه انتقلت عند العرب‬
‫إىل املجال الفلسفي‪.‬‬
‫‪ .2‬هو باري أرمنياس‪ ،‬ويعالج تحليل القضايا واألحكام‪.‬‬
‫‪ .3‬هو أنالوطيقا األوىل‪ ،‬ويتناول نظرية القياس‪.‬‬
‫‪ .4‬هو أنالوطيقا الثانية‪ ،‬ويتناول نظرية الربهان‪ ،‬أي فن االستدالل املؤدي إىل اليقني‪.‬‬
‫‪ .5‬هو طوبيقا‪ ،‬ويعالج فن االستدالل املؤدي إىل الظن‪.‬‬
‫‪ .6‬هو سوفسطيقا‪ ،‬ويعالج املغالطات‪.‬‬
‫‪ .7‬هو ريطوريقا‪ ،‬ويعالج أقيسة بالغية مقنعة لعامة الجامهري‪.‬‬
‫‪ .8‬هو بيوطيقا‪ ،‬ويبحث يف القياس الشعري والعوامل املؤدية إىل جودة الشعر‪.‬‬
‫‪ .9‬ملزيد من التفصيل أنظر‪ :‬نيقوال ريرش‪ ،‬تطور املنطق العريب‪ ،‬ترجمة محمد مهران‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1985 ،1‬ص‪ 128‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .10‬الشَّ ارح لسيبويه‪ ،‬ت ‪ 368‬هـ‪ ،‬وتتجىل مخالفته للمنطق األرسطي يف مناظرته مع متَّى بن‬
‫يونس‪ ،‬التي يذكرها تلمي ُذهُ أبو حيان التَّوحيدي يف كتاب اإلمتاع واملؤانسة‪ ،‬منشورات دار مكتبة‬
‫الحياة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.128-107‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪437‬‬
‫ُ‬

‫حممد حسن بن موسى‬ ‫الشيعة‪ :‬أبو َّ‬ ‫عن ف ِّن املنْطق والكالم)‪ .‬ومن ِّ‬
‫الشيخ أبو سعيد أبو اخلري‬ ‫الصوفية‪َّ :‬‬ ‫النَّوبختي (ت بعد ‪300‬هـ) ومن ُّ‬
‫ِ‬
‫مشكلة‬ ‫أشار فيها إىل‬ ‫امليهني (ت ‪440‬هـ)‪ ،‬وله مناظرة مع ِ‬
‫ابن سينا ‪َ ،‬‬
‫السلفية‪ :‬أبو الع َّباس أمحد بن تيمية‬ ‫الشكل األول‪ .‬ومن َّ‬ ‫ِ‬
‫قياس َّ‬ ‫الدَّ ور يف‬
‫والر ُّد عىل‬
‫ْطق اليونان َّ‬‫(الر ُّد عىل من ِ‬
‫َب َّ‬ ‫الدِّ مشقي (ت ‪728‬هـ) الذي كت َ‬
‫املنْطقيني)‪.‬‬

‫الصالح َّ‬
‫الشهرزوري‪( :‬ت ‪643‬هـ) «من‬ ‫الشافعي ابن َّ‬‫أما كلم ُة الفقيه َّ‬
‫املشهورة بحر ِ‬
‫مة دراسة وتدريس‬ ‫متنْ َط َق فقد َتزنْدَ ق» ‪ -‬صاحب الفتوى ْ‬
‫ُْ‬
‫طارت يف اآلفاق‪.‬‬
‫املنْطق ‪ -‬فقد َ‬
‫كذلك قد يعدّ من خمالفي املنْطق األرسطي‪ :‬ابن خلدون (ت ‪806‬هـ) كام‬
‫حممد أمني االسرتابادي(ت‬ ‫الشيعي اإلخباري َّ‬ ‫يظهر يف املقدِّ مة‪ ،1‬وا ُملحدِّ ث ِّ‬
‫َ‬
‫أن القواعدَ املنطقية إنَّام‬‫ذهب إىل َّ‬ ‫‪ 911‬هـ) كام يظهر يف الفوائد املدنية‪ُ ،‬‬
‫حيث َ‬
‫جهة الصورة ال من ِ‬
‫جهة املا َّدة‪.2‬‬ ‫هي عاصم ٌة عن اخلطأِ من ِ‬
‫ُّ‬
‫الكنْدي (ت ‪260‬هـ)‪.‬‬ ‫ديه‪ :‬يعقوب بن إسحق ِ‬ ‫اح ِه أو مؤي ِ‬ ‫أبرز ُرُش ِ‬
‫ـ ـومن ِ‬
‫ُ ِّ‬ ‫َّ‬
‫نرْص الفارايب (ت ‪340‬هـ‪ ،).‬وله كتاب األوسط الكبري‪ .‬وأبو‬ ‫وأبو ْ‬
‫الشفاء‪/‬املنْطق واإلشارات‬ ‫عيل بن سينا(ت ‪428‬هـ)‪ ،‬وله كتاب ِّ‬ ‫ّ‬
‫الغزايل (ت ‪505‬هـ)‪ ،‬وله‬ ‫والتَّنبيهات‪/‬املنْطق‪ ،‬والنَّجاة‪ .‬وأبو حامد َّ‬
‫الساوي‪ ،‬وله البصائر النُّصريية‪ .‬وأبو‬ ‫معيار الع ْلم‪ .‬وعمر بن َّ‬
‫السهالن َّ‬ ‫ُ‬

‫‪ .1‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار العلم للجميع‪ ،‬بريوت‪ ،‬الفصل الثالث عرش (يف العلوم العقلية‬
‫وأصنافها)‪ ،‬الفصل السابع عرش (يف علم املنطق)‪ ،‬الفصل الرابع والعرشون (يف إبطال الفلسفة‬
‫وفساد منتحليها)‪.‬‬
‫‪ .2‬املوىل محمد أمني االسرتابادي‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة لجامعة‬
‫املد ّرسني بقم املقدّسة‪ ،‬ط‪1426 ،2‬هـ‪ ،‬ص‪.260-256‬‬
‫‪ | 438‬تاریخ علم املنطق‬

‫والسهروردي‪ ،‬وله منطق حكمة اإلرشاق (ت‬ ‫الربكات البغدادي‪َّ .‬‬


‫الس ْفسطة‪.‬‬
‫‪586‬هـ)‪ .‬وابن ُر ْشد األندليس(ت ‪595‬هـ) وله تلخيص َّ‬
‫الرازي(ت ‪606‬هـ‪ ،).‬وله رشح منطق اإلشارات‪.‬‬ ‫وفخر الدِّ ين َّ‬
‫الش ْمسية‪ .‬واخلواجة نصري‬ ‫الرسالة َّ‬
‫والكاتبي القزويني (ت ‪615‬هـ) وله ِّ‬
‫الدِّ ين ال ُّطويس (ت ‪672‬هـ‪ ،).‬وله أساس االقتباس واجلوهر النضيد‬
‫الصفدي‬‫يف منطق التجريد ورشح منطق اإلشارات‪ .‬وصالح الدِّ ين َّ‬
‫الرازي‪ ،‬وله‬‫(ت ‪746‬هـ ) وله منطق املعترب والتبرصة‪ .‬وق ْطب الدِّ ين َّ‬
‫الشمسية ولوامع األرسار يف رشح مطالع األنوار واملحاكامت يف‬ ‫رشح َّ‬
‫املنطق (ت ‪766‬هـ)‪ .‬وسعدُ الدِّ ين التَّفتازاين (ت ‪791‬هـ) وله هتذيب‬
‫الشريازي (‪1050‬هـ)‪ ،‬وله رسالة يف‬ ‫املنطق والكالم‪ .‬وصدْ ر الدِّ ين ِّ‬
‫السبزواري (ت ‪1289‬هـ)‪ ،‬وله‬ ‫التَّصور والتَّصديق‪ .‬و ُم ّاّل هادي َّ‬
‫منطق الآليل املنتظمة‪.1‬‬
‫املسلمون واملنطق األرسطي‪:‬‬
‫دور يف‬ ‫ِ‬
‫باالنفعال باملن ِ‬ ‫ِ‬
‫ْطق األرسطي‪ ،‬بل كان هلم ٌ‬ ‫املسلمون‬
‫مل يكتف ْ‬
‫كتب َّ‬
‫الشيخ‬ ‫ِ‬ ‫تطوير ِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫يتطرق إليها أرسطو‪َ .‬‬ ‫َّ‬ ‫واكتشاف مسائل جديدة مل‬
‫طهري حول املسائل املنْطقية التي استحدَ َثها املفكِّرون املسلمون‪:‬‬ ‫مرتىض ا ُمل َّ‬
‫«أما يف املنطق‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫طر َح َ‬
‫ذلك هو الفارايب‪.‬‬ ‫تصو ٍر وتصديق‪ .‬يبدو َّ‬
‫أن َّأو َل من َ‬ ‫تقسيم الع ْل ِم إىل ُّ‬
‫ُ‬ ‫‪1‌.‬‬
‫اعتبارات القضايا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪2‌.‬‬
‫خارجية وذهن َّي ٍة وحقيق َّية‪ .‬وهي من ِ‬
‫أكثر املسائل املنطقية‬ ‫ٍ‬ ‫تقسيم القضية إىل‬
‫ُ‬ ‫‪3‌.‬‬
‫للمر ِة األوىل من ِق َب ِل ِ‬
‫ابن سينا‪.‬‬ ‫قيم ًة‪ ،‬وقد ُط ِر َحت َّ‬
‫للتوسع انظر‪ :‬مصطفى طباطبايئ‪ ،‬املفكّرون املسلمون يف مواجهة املنطق اليوناين‪ ،‬دار ابن‬
‫ُّ‬ ‫‪.1‬‬
‫حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪439‬‬
‫ُ‬

‫ــق يف القض َّي ِة امل ْطلقة‬


‫التعم ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫خالل‬ ‫ذلك من‬ ‫وجهــات‪ .‬وقد حت َّق َق َ‬ ‫تكثري ا ُمل ِّ‬
‫‪ُ 4‌.‬‬
‫فخر‬ ‫مثل‪ :‬القضية ال ُعرفية العامة‪ ،‬التي طر َحها َّ ِ‬ ‫األرســطية‪ُ ،‬‬
‫مرة ُ‬ ‫ألول َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نصري الدِّ ين ال ُّطويس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرازي‪ ،‬كام ين ُق ُل‬
‫الدِّ ين َّ‬
‫اقرتاين واســتثنائي‪ ،‬وكون نقيض‬‫ٍّ‬ ‫تقســيم القيــاس إىل‬
‫ُ‬ ‫‪5‌.‬ومن هذا القبيل‪:‬‬
‫ذهب‬
‫بعكس ما َ‬ ‫ِ‬ ‫الرَّضورية املحمول‪،‬‬
‫احلملية َّ‬
‫جل ْزئية هو ْ‬ ‫القضية املركَّبة ا ُ‬
‫نقيض هذه القضية هو املنفصلة مانعة اخللو‪ ،‬املركَّبة‬ ‫أن َ‬ ‫إليه ال ُقدَ ماء من َّ‬
‫جل ْزأين األصل َّيني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نقيض ا ُ‬ ‫ِ‬
‫بدورها من‬
‫عكس النَّقيض‪ ،‬غري ما هو معروف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ُ 6‌.‬‬
‫بيان نو ٍع آخر من‬
‫ِ‬
‫معدولة ال َّط َرف»‪.1‬‬ ‫السالبة ال َّط َرف عن‬ ‫ُ‬ ‫‪7‌.‬‬
‫تفكيك القضية َّ‬
‫أشار‬
‫أن أرسطو كان قد َ‬ ‫طهري يف حم ِّله‪ ،‬لكن يبدو َّ‬ ‫ذكر ُه ا ُمل َّ‬
‫وعمو ًما‪ ،‬ما َ‬
‫املصطلحني‬ ‫كتابه العبارة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّصديق يف َّأو ِل‬ ‫ِ‬ ‫التصو ِر والت‬
‫وإن مل يذكُر هذين ْ‬ ‫ُّ‬ ‫إىل‬
‫غري ِصدْ ٍق وال‬
‫معقواًل من ِ‬
‫ً‬ ‫اليَّش ُء‬
‫س‪ ،‬ر َّبام كان َّ‬‫َب‪« :‬يف النَّ ْف ِ‬ ‫بالذات‪ .‬فقد كت َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫هذين األمرين»‪ .2‬ومن‬ ‫معقواًل قد ِلز َم ُه رضور ًة أحدُ‬
‫ً‬ ‫اليَّش ُء‬
‫كان َّ‬‫كذب‪ ،‬ور َّبام َ‬ ‫ِ‬
‫التصور‪ ،‬وبالثاين‪ :‬التَّصديق‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫باألو ِل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫يقصدُ‬ ‫ِ‬
‫الواضح أنَّه ُ‬

‫منطق املُظفَّر‪:‬‬
‫ُ‬
‫فكتاب املنطق َّ‬
‫للش ِ‬
‫يخ‬ ‫ُ‬ ‫انتقل اآلن إىل املوضو ِع األساس هلذا البحث‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأسباب‬
‫ُ‬ ‫نظري له يف بابِ ِه‪.‬‬
‫درايس ال َ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ككتاب‬ ‫ا ُملظ َّفر له مزايا فريدة‪َ ،‬‬
‫فرض ْت ُه‬
‫املضمون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالستيعاب يف ْ‬ ‫ض‪،‬‬‫اجلدَّ ِة يف ال َع ْر ِ‬
‫مظاهر ِ‬
‫ِ‬ ‫ذلك تتم َّث ُل يف‬

‫اجلدَّ ِة عىل مستوى العرض‪:‬‬ ‫ِ‬


‫مظاه ِر ِ‬ ‫فمن‬
‫‪ .1‬مرتىض املطهري‪ ،‬محارضات يف الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬ترجمة عبد الجبار الرفاعي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.52-51‬‬
‫‪ .2‬منطق أرسطو‪ ،‬يف العبارة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.100-99‬‬
‫‪ | 440‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬
‫واألشكال التَّوضيحية ُك َّلام دعت احلاج ُة إىل‬ ‫ِ‬
‫باألشجار‬ ‫تم تزويدُ الكتاب‬
‫‪َّ 1‌.‬‬
‫ذلك‪.1‬‬

‫‪ .1‬أمثلة عىل ذلك‪:‬‬


‫كل منهام إىل رضوري ونظري‪.‬‬ ‫شجرة‪ :‬انقسام العلم إىل تص ّور وتصديق‪ ،‬وانقسام ّ‬
‫ٍ‬
‫شجرة‪ :‬الداللة وأقسامها‪ ،‬وانقسام الداللة الوضعية إىل لفظية وغري لفظية‪ ،‬ثم انقسام اللفظية إىل‬
‫مطابقي ٍة وتضمني ٍة والتزامية‪.‬‬
‫(مختص‪ ،‬ومشرتك‪ ،‬ومنقول‪ ،‬ومرتجل‪ ،‬وحقيقة ومجاز)‪ ،‬ثم انقسام‬ ‫ّ‬ ‫شجرة‪ :‬انقسام اللفظ الواحد إىل‬
‫املنقول إىل (تعييني وتعيّني)‪.‬‬
‫شجرة‪ :‬اللفظان (مرتادفان ومتباينان)‪ ،‬ثم انقسام املتباينني إىل (متقابلني‪ ،‬متخالفني‪ ،‬متامثلني)‪ ،‬ثم‬
‫انقسام املتقابلني إىل (نقيضني‪ ،‬عدم وملكة‪ ،‬ضدّين‪ ،‬متضايفني)‪.‬‬
‫شجرة‪ :‬اللفظ (مفرد ومركّب)‪ ،‬وانقسام اللفظ املفرد إىل (اسم‪ ،‬كلمة‪ ،‬أداة)‪ ،‬وانقسام اللفظ املركّب‬
‫إىل (تام‪ ،‬وناقص)‪ ،‬وانقسام املركّب التام إىل (خرب‪ ،‬وإنشاء)‪.‬‬
‫شكل توضيحي يرشح الدور املضمر‪.‬‬
‫دل عىل الزمان وغريه)‪.‬‬ ‫دل عىل الذات وغريه)‪ ،‬وغريه (ما ّ‬ ‫يف مبحث القسمة‪ ،‬شجرة للكلمة (ما ّ‬
‫أيضً ا يف مبحث القسمة‪ ،‬شجرة حول الجوهر (قابل لألبعاد وغريه)‪ ،‬والقابل لألبعاد (نامٍ ‪ ،‬وغريه)‪،‬‬
‫والحساس‬
‫ّ‬ ‫(حساس‪ ،‬وغريه)‪ ،‬وغري النامي (جامد‪ ،‬وغريه)‪ ،‬وغري النامي (صاهل‪ ،‬وغريه)‪،‬‬ ‫والنامي ّ‬
‫(ناهق‪ ،‬وغريه)‪ ،‬وغري الصاهل (ناهق‪ ،‬وغريه)‪.‬‬
‫شجرة‪ :‬أقسام القضية (موجبة‪ ،‬وسالبة)‪ ،‬و(حملية‪ ،‬ورشطية)‪ .‬والحملية (محصورة‪ ،‬ومهملة‪،‬‬
‫وطبعية‪ ،‬وشخصية)‪ ،‬واملحصورة (كلية‪ ،‬وجزئية)‪ .‬ثم تقسيم الرشطية إىل (متصلة ومنفصلة)‪ ،‬ثم‬
‫كل منهام إىل (شخصية‪ ،‬ومهملة‪ ،‬ومحصورة)‪ ،‬واملحصورة (كلية‪ ،‬وجزئية)‪.‬‬ ‫انقسام ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شجرة‪ :‬تقسيامت القضية الحملية إىل ذهنية وخارجية وحقيقية‪ .‬أيضً ا تقسيم القضية الحملية إىل‬
‫محصل ٍة ومعدولة‪.‬‬
‫ّ‬
‫جهات (بسيطة ومركبة)‪ ،‬وأقسام البسيطة (رضورية ذاتية‪ ،‬ومرشوطة عامة‪ ،‬ودامئة مطلقة‪،‬‬ ‫شجرة للمو ّ‬
‫وعرفية عامة‪ ،‬ومطلقة عامة‪ ،‬وحينية مطلقة‪ ،‬وممكنة عامة‪ ،‬وحينية ممكنة)‪ ،‬وأقسام املركّبة (مرشوطة‬
‫خاصة‪ ،‬وعرفية خاصة‪ ،‬و وجودية ال رضورية‪ ،‬وجودية ال دامئة‪ ،‬وحينية ال دامئة‪ ،‬وممكنة خاصة)‪.‬‬
‫شجرة تقسيامت أخرى للقضية الرشطية املتصلة (لزومية‪ ،‬اتفاقية)‪ ،‬والقضية الرشطية املنفصلة‬
‫(عنادية واتفاقية‪ ،‬حقيقية‪ ،‬ومانعة الجمع‪ ،‬ومانعة الخلو)‪.‬‬
‫شكل توضيحي يوضح النسب بني القضايا‪ ،‬وهذا الشكل عىل هيأة مربّع مشهور يف املنطق حول‬
‫عالقة القضايا فيام بينها (تناقض‪ ،‬تضاد‪ ،‬تداخل‪ ،‬دخول تحت التضاد)‪.‬‬
‫كل قضي ٍة من القضايا الحملية‬ ‫يبنّي فيها ّ‬ ‫جدول توضيحي بعنوان (لوح نسب املحصورات)‪ّ ،‬‬
‫املحصورة األربع كيف تعكس أو تنقض‪.‬‬
‫قياس ومتثيلٍ واستقراء‪ ،‬ثم انقسام القياس إىل استثنايئ واقرتاين‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫جة إىل‬‫شجرة لتقسيم الح ّ‬
‫انقسام االقرتاين إىل حميل ورشطي‪.‬‬
‫شجرة‪ :‬لبيان أقسام األقيسة بحسب املادة‪ ،‬وهي خمسة‪ :‬ما أفاد تصديقًا وما مل يفد تصديقًا‪ ،‬والثاين هو‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪441‬‬
‫ُ‬

‫الرياض َّي ِة احلديثة ك َّلام دعت احلاج ُة إىل ذلك‪.‬‬ ‫بالر ِ‬


‫مــوز ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫تم تزويدُ‬‫‪َّ 2‌.‬‬
‫الصوري من املنْطق‪.1‬‬ ‫إبراز اجلانب ُّ‬ ‫أسهم يف ِ‬‫َ‬ ‫األمر‬
‫وهذا ُ‬
‫دي ُمتسلسل‪ ،‬بحيث‬ ‫ٍ‬
‫بنحو تصا ُع ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وفصول‬ ‫ٍ‬
‫أبواب‬ ‫ِ‬
‫الكتاب إىل‬ ‫تقســيم‬ ‫تم‬
‫ُ‬ ‫‪َّ 3‌.‬‬
‫املبتدئ بأ َّي ِة‬
‫ُ‬ ‫القارئ أو ال َّط ُ‬
‫الب‬ ‫ُ‬ ‫فص ٍل عىل ما سب َق ُه‪ ،‬فال يش ُع ُر‬ ‫كل ْ‬‫ي ْبتني ُّ‬
‫قفزة أو فجوة‪.‬‬
‫بنحو دقيق‪ ،‬فلم ختتلط فيام بينها‪.‬‬‫بعناوين مستق َّل ٍة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫تم متييز املواضيع‬ ‫‪َّ 4‌.‬‬
‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫ٍ‬
‫بــاب من‬ ‫بسلســلة مــن التَّمرينات يف ِ‬
‫هناية ِّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫تم تزويدُ‬
‫‪َّ 5‌.‬‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫رس ُد‬ ‫والش ِ‬ ‫ِ‬
‫االستيعاب ُّ‬ ‫ِ‬
‫املضمون‪ ،‬يمك ُن ْ‬
‫مول عىل مستوى ْ‬ ‫مظاهر‬ ‫ومن‬
‫الشعر‪ .‬وما أفاد تصديقًا جاز ًما‪ ،‬وما مل يفد تصديقًا جاز ًما‪ ،‬والثاين هو الخطابة‪ .‬والتصديق الجازم منه‬
‫ما يعترب أ ْن يكون حقًّا‪ ،‬وما ال يعترب أ ْن يكون حقًّا‪ ،‬والثاين هو الجدل‪ .‬والتصديق الجازم الذي يعترب أ ْن‬
‫يكون حقًّا منه ما يكون حقًا واق ًعا‪ ،‬ومنه ال يكون حقًّا واق ًعا‪ ،‬واألول هو الربهان والثاين هو املغالطة‪.‬‬
‫شجرة لبيان املغالطات اللفظية‪ :‬يف املفرد واملركّب‪ ،‬األول يف جوهر اللفظ (باشرتاك االسم)‪ ،‬أو‬
‫يف هيأة اللفظ (يف هيأة اللفظ الذاتية‪ ،‬أو يف اإلعراب واإلعجام)‪ .‬والثاين (املركّب)‪ ،‬إما باقتضاء‬
‫الرتكيب نفسه(املامراة)‪ ،‬أو بتوهم وجود الرتكيب (تركيب املفصل)‪ ،‬أو بتوهم عدم الرتكيب‬
‫(تفصيل املركب)‪.‬‬
‫شجرة لبيان املغالطات املعنوية‪ :‬إ ّما أ ْن يكون يف التأليف بني أجزاء القضية (ما يقع بني جزيئ‬
‫القضية‪ :‬إيهام االنعكاس‪ ،‬وما يقع يف جزء واحد‪ :‬أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات‪ ،‬سوء اعتبار‬
‫الحمل)‪ ،‬وإ ّما أ ْن يكون يف التأليف بني القضايا (فإ ْن كان تأليفًا غري قيايس‪ :‬جمع املسائل يف مسألة‬
‫واحدة‪ ،‬وإ ْن كان تأليفًا قياسيًا يف التأليف نفسه‪ :‬سوء التأليف‪ ،‬وإ ْن كان تأليفًا قياسيًا باعتبار النتيجة‪:‬‬
‫املصادرة عىل املطلوب‪ ،‬ووضع ما ليس بعلة علة)‪.‬‬
‫‪ .1‬أمثلة عىل ذلك‪:‬‬
‫رمز التساوي (=)‪ ،‬ورموز أكرب من (>)‪ ،‬ورمز أصغر من (<)‪ ،‬وغريها من الرموز يف رشحه للنسب‬
‫ٍ‬
‫واحد منها‪.‬‬ ‫كل‬
‫األربع‪ ،‬والنسب بني نقييض الكليني‪ ،‬ورشح أشكال القياس االقرتاين األربعة ورضوب ّ‬
‫(كل) للموجبة الكلية‪ ،‬و(ال)‬ ‫ويف أقسام القضية‪ ،‬استخدام الرموز يف القضايا الحملية املحصورة ّ‬
‫للسالبة الكلية‪ ،‬و(ع) للموجبة الجزئية‪ ،‬و(س) للسالبة الجزئية‪ .‬ثم استخدام رموز ملوضوع القضية‬
‫(ب) وملحمولها (حـ)‪.‬‬
‫استخدام الرموز يف بحث العكوس (العكس املستوي‪ ،‬وعكس النقيض)‪ ،‬وملحقات بحث‬
‫العكوس‪ :‬النقض (نقض املحمول‪ ،‬النقض التام ونقض املوضوع)‪ ،‬والبديهة املنطقية‪.‬‬
‫‪ | 442‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل‬ ‫ور َد يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بتذييل ّ‬
‫كل نقطة بمقارنة موجزة بام َ‬ ‫النُّقاط اآلتية‪ ،‬وسأقو ُم‬
‫رب َز بوضوح اخلدْ مة التي أسداها‬ ‫قرر الذي سب َق ُه)‪ ،‬حتى ت ُ‬ ‫عبد اهلل (الكتاب ا ُمل َّ‬
‫كتاب املنطق‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وتعريف ِه‪ ،‬بدون املرور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنطق‬ ‫بتوضيح احلاجة إىل‬‫ِ‬ ‫‪1‌.‬بد َأ ا ُملظ َّفر كتا َب ُه املنطق‬
‫ٍ‬
‫وأسلوب متم ِّيز‪.1‬‬ ‫بعبارات واضحة‬ ‫ٍ‬ ‫مات ال حاج َة هلا‪،‬‬ ‫بمقدِّ ٍ‬
‫ِ‬
‫البداية بتقسي ِم الع ْلم إىل‬ ‫رش َع املؤ ِّلف يف‬ ‫ِ‬
‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪َ ،‬‬
‫رضوري ونظري‪ ،‬مستهد ًفا‬ ‫ٍّ‬ ‫كل منهام إىل‬ ‫ثم انقسا ُم ٍّ‬ ‫تصو ٍر وتصديق‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫خل ُمع َّقدً ا عىل‬‫فصار املدْ ُ‬ ‫َ‬ ‫بذلك تعريف املنطق وبيان احلاجة إليه‪،‬‬
‫الب املبتدئ‪.2‬‬ ‫ال َّط ِ‬
‫َّمييز املهم بني الع ْل ِم‬ ‫احلاشية إىل الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل الع ْلم‪ ،‬فن َّب َه يف‬‫ثم َ‬ ‫‪َّ 2‌.‬‬
‫َ‬
‫املبحوث عنه يف‬ ‫احلصويل والع ْل ِم احلضوري‪ ،‬والفوارق بينهام‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫املنطق هو الع ْل ُم احلصويل‪.3‬‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نرى ِذك ًْرا للع ْل ِم احلضوري‪ً ،‬‬
‫فضاًل‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫عن ِ‬
‫بيان الفوارق بينَ ُه والع ْل ِم احلصويل‪.‬‬
‫(احلسية‪ ،‬اخليالية‪،‬‬ ‫بيان قوى النَّفس اإلنسانية األساسية‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل ِ‬
‫ثم َ‬
‫ِّ‬ ‫‪َّ 3‌.‬‬
‫ِِ‬ ‫َ‬
‫يدير د َّف َة مدركاته ِّ‬
‫احلسية‬ ‫العقل ُ‬ ‫الومهية‪ ،‬العقلية)‪ُ 4،‬من ِّب ًها عىل َّ‬
‫أن‬
‫وينتزع املعاين‬
‫ُ‬ ‫الصحيح منها من الفاسد‪،‬‬ ‫واخليالية والومهية‪ ،‬و ُيم ِّي ُز َّ‬
‫ُ‬
‫وينتقل من معلو ٍم إىل‬ ‫بعضها عىل بعض‪،‬‬ ‫ويقيس َ‬
‫ُ‬ ‫ال ُك ِّلية من اجلزئيات‪،‬‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.12-11‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.35-26‬‬
‫العاّلمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الثالثة من‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪ .13‬وهذا ما سيرشحه ّ‬
‫كتابه أصول الفلسفة واملنهج الواقعي‪.‬‬
‫‪ .4‬تطرق أرسطو إىل هذا املوضوع‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪443‬‬
‫ُ‬

‫ف ما شاءت له ُقدْ ر ُت ُه العقلية‪ 1،‬لينتهي‬ ‫ويترص ُ‬


‫َّ‬ ‫ويستنتج وحيكُم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪،‬‬
‫وح الف ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سفية‬ ‫الر ِ‬ ‫من ذلك إىل تعريف الع ْلم ‪ -‬تعري ًفا دقي ًقا ينْسج ُم مع ُّ‬
‫ينطلق من‬ ‫ُ‬ ‫اليَّشء عند العقل»‪ ،2‬الذي‬ ‫«حضور صورة َّ‬ ‫ُ‬ ‫املتأخرة ‪ -‬بأنَّه‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫احلقيقة علو ٌم حضورية»‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫بأن «العلوم احلصولية يف‬ ‫اإليامن َّ‬ ‫ِ‬

‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ ِذك ًْرا لقوى النَّفس اإلنسانية‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫القوة العقلية‬ ‫ِ‬
‫(احلسية‪ ،‬اخليالية‪ ،‬الومهية‪ ،‬العقلية)‪ ،‬لر ْبط َّ‬ ‫ِّ‬ ‫األساسية‬
‫ِ‬
‫بتحصيل الع ْلم‪.‬‬
‫تصو ٍر وتصديق‪ ،4‬فقدَّ َم‬ ‫ِ‬
‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل بيان انقسام الع ْلم احلصويل إىل ُّ‬ ‫ثم َ‬ ‫‪َّ 4‌.‬‬
‫(كابن سينا و ُم َّاَّل صدرا)‪ ،‬وبامذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفالسفة‬ ‫لنا خالصة آراء ا ُملح ِّققني من‬
‫بأن التصديق ال يتع َّلق إال‬ ‫التصور والتصديق‪ ،‬ليعرف القارئ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫يتع َّلق‬
‫باملفرد والن ِ‬
‫ِّسبة‬ ‫ِ‬ ‫التصور الذي يتع َّلق‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫باجلملة اخلربية (القضايا)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫رشح لنا أقسا َم‬ ‫َّب الناقص‪ .‬كام‬ ‫ِ‬
‫اإلنشاء وا ُملرك ِ‬ ‫ِّسبة يف‬‫اخلرب والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫التصديق‪ ،‬ل ُيم ِّي َز بني درجاتِ ِه املختلفة (يقني‪ ،‬ظ ّن‪ ،‬شك‪ ،‬وهم)‪ .‬وبعد‬
‫ث‬ ‫وأقسام ِه‪ ،5‬فتحدَّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلهل‬ ‫انتقل إىل‬ ‫وأقسام ِه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن انتهى من ِ‬
‫بيان الع ْل ِم‬ ‫ْ‬
‫بسيط ومركَّب‪ ،‬مؤ ِّكدً ا يف الن ِ‬
‫ِّهاية عىل‬ ‫ٍ‬ ‫عن انقسا ِم اجلهل التصديقي إىل‬
‫ُ‬
‫فاجلهل ا ُملركَّب يتخ َّيل صاح ُب ُه أنَّه‬ ‫ُ‬ ‫اجلهل ا ُملركَّب ليس من الع ْلم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬

‫‪ .1‬وهذا ما سيرشحه العالمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الرابعة من كتابه أصول الفلسفة‬
‫واملنهج الواقعي‪.‬‬
‫‪ .2‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.15-13‬‬
‫العاّلمة الطباطبايئ‪ ،‬بداية الحكمة‪ ،‬ص‪ .153‬والعمق الفلسفي لهذه األبحاث تجدها فيام‬ ‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫رشحه العالمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الخامسة من كتابه أصول الفلسفة واملنهج الواقعي‪.‬‬
‫‪ .4‬وقد أشار أرسطو لذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف العبارة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.100-99‬‬
‫‪ .5‬تط ّرق أرسطو إىل الجهل‪ ،‬وأ َّن من فَقَد ًّ‬
‫حسا فقد ف َق َد عل ًْاًم‪ ،‬وأنَّا إمَّنَّ ا نتعلَّم إما باالستقراء أو‬
‫بالربهان‪ ،‬وأ َّن العلم ال يكون إال بالك ُِّيِّل‪ ،‬والك ُِّيِّل ال يستخلص إال باالستقراء‪ ،‬واالستقراء ال يتم‬
‫بدون إحساس‪ .‬انظر‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬الربهان‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.385‬‬
‫‪ | 444‬تاریخ علم املنطق‬

‫من الع ْلم‪ ،‬ولكنَّه ليس بع ْلم‪.1‬‬


‫التصو ِر والتصديق‪،‬‬ ‫مقتضب بني‬ ‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ٌ ،‬‬
‫متييز‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫كتاب املنطق‪.2‬‬ ‫سج َلها ُ‬ ‫ألغلب النُّقاط املتقدِّ مة التي َّ‬ ‫ِ‬ ‫دون ذكر‬
‫ِ‬
‫التصور‬ ‫ُّ‬ ‫قسميه‪:‬‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل بيان انقسام الع ْلم احلصويل (بكال ْ‬ ‫ثم َ‬ ‫‪َّ 5‌.‬‬
‫يكتف ِ‬
‫ببيان‬ ‫ِ‬ ‫(كسبي)‪ .3‬ومل‬ ‫رضوري (بدهيي) ونظري ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫والتصديق) إىل‬
‫ٍ‬
‫برضورة‬ ‫بعض األحيان‬ ‫ِ‬ ‫برشح أسباب جهل اإلنسان يف‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‪ ،‬بل أرد َف ُه‬
‫(حركة العقل بني املعلو ِم‬ ‫ِ‬ ‫تعريف الفكر بـ‬‫ِ‬ ‫ثم انتهى إىل‬ ‫الرَّضوري‪َّ .‬‬ ‫َّ‬
‫بخمسة أدوار‪ ،4‬هذه األدوار‬ ‫ِ‬ ‫حتليل حركة العقل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالل‬ ‫واملجهول) من‬
‫لواحق القياس)‬ ‫ِ‬ ‫فص ًاًل حتت عنوان (خامتة يف‬ ‫سيرْش ُحها ُم َّ‬ ‫اخلمسة ْ‬
‫(الضمري)‪.5‬‬ ‫ِ‬
‫القياس ا ُمل ْض َمر َّ‬ ‫عندما يتحدَّ ث عن‬
‫أحدث‬ ‫ِ‬ ‫ْسج ُم مع‬‫العقل وف ًقا هلذا البيان‪ ،‬تن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن حرك َة‬ ‫كر َّ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫واجلدير ِّ‬ ‫‬
‫ُ‬
‫جمال ع ْلم اإلدراك واملعرفة (وع ْلم النَّفس املعريف)‪،‬‬ ‫النَّامذج املقرتحة يف ِ‬
‫أن‬ ‫املشهور بـ(نموذج معاجلة املعلومات)‪ .‬هذا النَّموذج ُيؤكِّد عىل َّ‬
‫يتفاعل‬ ‫ُ‬ ‫باملثريات التي‬‫ِ‬ ‫الذهن ‪ -‬املرتبطة‬ ‫دور َة معاجلة املعلومات يف ِّ‬
‫ثم االسرتجاع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثم التَّخزين‪َّ ،‬‬ ‫الرَّتميز‪َّ ،‬‬
‫مرحلة َّ‬ ‫معها اإلنسان ‪ -‬مت ُ ُّر يف‬
‫سجالت‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وهي ا ُمل ِّ‬ ‫رب أجهزة َّ‬ ‫تنفيذ مثل هذه العمليات ع َ‬ ‫ُ‬ ‫ويتم‬
‫ُّ‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪ .20-16‬والعمق الفلسفي لهذه األبحاث تجدها فيام رشحه العالمة‬
‫الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة الرابعة من كتابه أصول الفلسفة واملنهج الواقعي‪ .‬أيضً ا يف كتابه‬
‫بداية الحكمة‪ ،‬يف الفصل السابع من املرحلة الحادية عرشة‪ .‬ويف كتابه نهاية الحكمة يف الفصل‬
‫الثامن من املرحلة الحادية عرشة‪.‬‬
‫‪ .2‬حاشية مال عبد الله‪ ،‬ص‪.35-26‬‬
‫العاّلمة الطباطبايئ بالتفصيل يف املقالة‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬والعمق الفلسفي لهذه األبحاث تجدها فيام رشحه‬
‫الخامسة من كتابه أصول الفلسفة واملنهج الواقعي‪ .‬أيضً ا يف كتابه بداية الحكمة‪ ،‬يف الفصل الثامن‬
‫من املرحلة الحادية عرش‪ .‬ويف كتابه نهاية الحكمة يف الفصل التاسع من املرحلة الحادية عرشة‪.‬‬
‫‪ .4‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.24-21‬‬
‫‪ .5‬املظفّر‪ ،‬ص‪.257-254‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪445‬‬
‫ُ‬

‫والفر ُق بني‬
‫ْ‬ ‫والذاكرة طويلة املدى‪.1‬‬ ‫والذاكرة قصرية املدى‪َّ ،‬‬ ‫احلسية‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫رشحها ا ُملظ َّفر‪ ،‬وحركة العقل وفق نموذج معاجلة‬ ‫حركة العقل كام‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ب املعلومات‬ ‫كس َ‬ ‫رشحها ا ُملظ َّفر ت ِّ‬
‫ُفرِّس ْ‬ ‫أن حرك َة العقل كام َ‬ ‫املعلومات‪َّ ،‬‬
‫بخالف نموذج معاجلة املعلومات‬ ‫ِ‬ ‫ريقة القياسية األرسطية‪،‬‬ ‫وف ًقا لل َّط ِ‬
‫الذي ال حيرص نفسه هبذه ال َّط ِ‬
‫ريقة فقط‪.‬‬ ‫َ ُ‬
‫للرَّضوري والنَّظري‪،‬‬
‫مقتضب جدً ا َّ‬ ‫بيان‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ٌ ،‬‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫ٌ‬
‫حلركة العقل وأدوارها اخلمسة‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫أي ذكر‬‫دون ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألبحاث املنطق‬ ‫الب املبتدئ‬ ‫خالل النَّقاط املاضية‪ ،‬ال يته َّيأ ال َّط ُ‬ ‫‪6‌.‬من‬
‫ألهم أبحاث ع ْلم أصول الفقه (مباحث‬ ‫ِّ‬ ‫أيضا‬
‫يصبح مه ًَّيا ً‬
‫ُ‬ ‫فحسب‪ ،‬بل‬ ‫ْ‬
‫األلفاظ)‪ ،‬والف ْلسفة (نظرية املعرفة)‪.‬‬
‫لـحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬الذي مل مت ُ ُّر عليه‬ ‫ِ‬ ‫ارس‬ ‫مقارنة‪ :‬ال َّط ُ‬
‫الب الدَّ ُ‬
‫كبري‬
‫أثر ٌ‬ ‫املطالب املرشوحة يف كتاب املنطق‪ ،‬يفتقدُ هذا الته ُّيؤ‪ .‬وهلذا ٌ‬
‫ذهن طالب أصول الفقه والف ْلسفة‪.‬‬ ‫يف ْتر ِك أو سدِّ ثغرة يف ِ‬
‫األبحاث إىل ست ٍَّة (األلفاظ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قس َم‬ ‫ِ‬
‫يرْش َع ا ُملظ َّف ُر بأبحاث املنطق‪َّ ،‬‬ ‫أن ْ َ‬ ‫قبل ْ‬ ‫‪َ 7‌.‬‬
‫أن‬ ‫مشريا إىل َّ‬ ‫ً‬ ‫ناعات اخلمس)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الص‬
‫حل َّجة‪ِّ ،‬‬ ‫عرف‪ ،‬القضايا‪ ،‬ا ُ‬ ‫الك ُِّيِّل‪ ،‬ا ُمل ِّ‬
‫ِ‬
‫عرف‬ ‫يكم ُن يف مبح َثي‪ :‬ا ُمل ِّ‬ ‫الصورة واهليأة ُ‬ ‫حيث ُّ‬ ‫نقط َة ارتكاز املنطق من ُ‬
‫ُ‬
‫(ومبحث‬ ‫التصوري‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫باملجهول‬ ‫التوص َل إىل الع ْل ِم‬ ‫ُّ‬ ‫يستهدف‬
‫ُ‬ ‫الذي‬
‫التوص َل إىل الع ْل ِم‬‫ُّ‬ ‫يستهدف‬
‫ُ‬ ‫األلفاظ والك ُِّيِّل مقدِّ م ٌة له)‪ ،‬واحلُ َّج ُة الذي‬
‫أن نقط َة‬ ‫(ومبحث القضايا مقدِّ م ٌة له)‪ .‬يف حني َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باملجهول التَّصديقي‬
‫الصناعات اخلمس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكم ُن يف مبحث ِّ‬ ‫حيث املا َّدة ُ‬ ‫ارتكاز املنطق من‬
‫كل من أتكنسون وشيفرن (‪ )1971 ،Atkinson & Shiffrin‬من األوائل الذين أسهموا يف‬ ‫‪ .1‬ويُع ّد ٌّ‬
‫صياغة منوذج معالجة املعلومات‪ .‬وجرى بعد ذلك تعديل عىل هذا النموذج يف ضوء إسهامات‪،‬‬
‫باديل (‪ ،)1982 ،Baddeley‬وأندرسون (‪ ،)1990 ،Anderson‬وال سيّام يف مجال الذاكرة العاملة‪.‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.33-31‬‬
‫‪ | 446‬تاریخ علم املنطق‬

‫وباخلصوص‪ :‬صناع ُة ُ ْ‬
‫الرُبهان‪.1‬‬
‫حاشية م َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ضمن بيان موضوع املنطق‪ ،‬وأنَّه ِ‬
‫ينقس ُم‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تم إقحام القارئ أو ال َّطالب املبتدئ‬ ‫مبحث ا ُمل ِ‬ ‫ِ‬
‫حل َّجة‪َّ ،‬‬ ‫عرف وا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫إىل‬
‫ِ‬
‫وتقسيامهِتا!‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫«العوارض َّ‬
‫الذاتية»‬ ‫بمصطلحات ُمع َّقدة‪ ،‬من ِ‬
‫قبيل‬ ‫ٍ‬

‫خل‬‫(كباب َّأو ٍل ومدْ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إدخال مباحث األلفاظ‬ ‫ُ‬ ‫‪8‌.‬من أرو ِع إبداعات ا ُملظ َّفر‪،‬‬
‫آخر ِه ليس من‬ ‫البحث إىل ِ‬ ‫َ‬ ‫أن «هذا‬ ‫ِ‬
‫اهلامش إىل َّ‬ ‫أشار يف‬
‫للمنطق)‪ .‬وقد َ‬
‫التوسع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫يرغبون يف‬ ‫الب الذين‬‫منهاج دراستِنا‪ ،‬ولكنَّا وضعنا ُه لل ُّط ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫مباحث‬ ‫بحث له قيم ُت ُه الع ْلمية‪ ،‬ال س َّيام يف‬ ‫ٌ‬ ‫حر ًصا عىل فائدَ ِهِتِم‪ .‬هو‬ ‫ْ‬
‫أصول الفقه» ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫مباحث أصول الفقه‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫تقترص عىل‬ ‫أن فائد َة هذا البحث ال‬ ‫واحلقيق ُة َّ‬
‫ُ‬
‫أيضا؛ ألنَّه يقي ا ُملتل ِّقي من املغالطات املنطقية الناشئة‬ ‫له قيم ٌة منطقية ً‬
‫مبحث صناعة‬ ‫ِ‬ ‫بعضها يف‬‫سوء استخدام األلفاظ‪ ،‬والتي سيشري إىل ِ‬ ‫عن ِ‬
‫ُ ُ‬
‫حتت عنوان (املغالطات اللفظية)‪.4‬‬ ‫املغالطات‪َ ،‬‬
‫برش ِح‬ ‫َ‬
‫البحث ْ‬ ‫خصوصا عندما بد َأ‬
‫ً‬ ‫إن هلذا البحث قيم ًة فلسفية‪،‬‬ ‫كام َّ‬
‫الوجودات األربعة لألشياء وهي‪ :‬وجودان حقيق َّيان (اخلارجي‪،‬‬
‫والذهني)‪ ،‬ووجودان اعتباريان ج ْعل َّيان (ال َّلفظي‪ ،‬والكتْبي)‪ً .‬‬
‫فضاًل‬ ‫ِّ‬
‫رش َح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن الدَّ ِ‬
‫خصوصا عندما َ‬ ‫ً‬ ‫وتقسيامت األلفاظ‪.‬‬ ‫وأقسامها‪،‬‬ ‫اللة‬
‫ف والتَّبا ُي َن‪ ،‬وأقسام األلفاظ املتباينة (املثالن‪ ،‬املتخالفان‪،‬‬ ‫الرَّتا ُد َ‬
‫َّ‬
‫رش َح أقسا َم التَّقابل (وهلذا البحث بالتَّحديد قيم ٌة‬ ‫ثم َ‬
‫املتقابالن)‪َّ ،‬‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.27-26‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.36-35‬‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ .4‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.430-425‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪447‬‬
‫ُ‬

‫فرد‪ ،‬وا ُملركَّب)‪،‬‬ ‫رش َح أقسا َم ال َّلفظ (ا ُمل َ‬ ‫ثم َ‬‫منطقي ٌة وفلسفي ٌة كبري ٌة جدً ا)‪َّ .‬‬
‫‪1‬‬

‫فرد إىل (اسم‪ ،‬كلمة‪ ،‬أداة)‪ ،‬وانقسا َم ال َّلفظ ا ُملركَّب‬ ‫وانقسا َم ال َّلفظ ا ُمل َ‬
‫ذلك‬ ‫كل َ‬ ‫(خرب وإنشاء)‪ُّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫إىل (تا ٍّم وناقص)‪ ،‬وانقسا َم ا ُملركَّب التام إىل‬
‫رب‬
‫هيتم به املنطقي هو اخل ُ‬ ‫أن ما ُّ‬ ‫الب املبتدئ َّ‬ ‫أن يت َِّض َح لل َّط ِ‬ ‫أجل ْ‬ ‫من ِ‬
‫َّب تا ٌّم وليس بإنشاء‪.2‬‬ ‫لفظ مرك ٌ‬‫بالتَّحديد (القضايا)‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باستثناء إشارة‬ ‫أثر هلذه األبحاث‪،‬‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال َ‬
‫فرد و ُمركَّب)‪ ،‬وانقسام‬ ‫مقتضبة إىل أقسا ِم الدَّ اللة‪ ،‬وأقسام ال َّلفظ ( ُم َ‬
‫(خرب‬‫ٍ‬ ‫ال َّلفظ ا ُملركَّب إىل (تا ٍّم وناقص)‪ ،‬وانقسام املركَّب التام إىل‬
‫وإنشاء)‪ ،‬وبعض تقسيامت األلفاظ‪.3‬‬
‫مباحــث الك ُِّيِّل‪ ،‬وهي املباحث املعروفة بـ (اإليســاغوجي)‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬
‫انتقل إىل‬ ‫‪َّ 9‌.‬‬
‫ــز ا ُملظ َّف ُر بني الك ُِّيِّل واجلزئي‪،‬‬ ‫الصوري‪ .4‬فم َّي َ‬ ‫التــي ن َّق َحها فرفوريوس ُّ‬
‫بوصف ِه ُك ِّل ًيا من ناحية‪ ،‬وجزئ ًيا من‬ ‫ِ‬ ‫مع لفت النَّ َظر إىل اجلزئي اإلضايف‪،‬‬
‫متواطئ و ُمشكِّك (وهلذا التقسيم أمهي ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫قس َم الك ُِّيِّل إىل‬ ‫ٍ‬
‫ثم َّ‬ ‫ناحية أخرى‪َّ .‬‬
‫َّظر‬ ‫ــم الك ُِّيِّل إىل مفهو ٍم ومصداق‪ .‬ول َف َت الن َ‬ ‫قس َ‬ ‫ثم َّ‬ ‫فلســفي ٌة ومنطقية)‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫األمور‬ ‫َ‬
‫يكون من‬ ‫جيــب ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫املصداق ال‬ ‫َ‬ ‫يف هذا التَّقســيم األخري إىل َّ‬
‫أن‬
‫كل ما ينطبق عليه املفهوم‬ ‫املصداق هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫واحلقائق العينية‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫املوجــودة‬
‫أمرا عدم ًيا ال حت ُّق َق له يف األعيان‪.‬‬ ‫وإن كان ً‬ ‫ْ‬
‫العنــوان واملعنون‪ ،‬وداللة املفهوم‬ ‫ِ‬ ‫ث عن‬ ‫ضوء ذلك‪ ،‬عندما حتدَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬

‫‪ .1‬تعرض أرسطو ألنواع التقابل يف كتابه املقوالت‪ ،‬انظر‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬كتاب املقوالت‪ ،‬تحقيق‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.70-63‬‬
‫‪ .2‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.55-29‬‬
‫‪ .3‬حاشية ُمالّ عبد الله‪ ،‬ص‪.51-40‬‬
‫‪ .4‬راجع إيساغوجي فرفوريوس الصوري يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص‪.1104-1055‬‬
‫‪ | 448‬تاریخ علم املنطق‬

‫ف عن عد ِم‬ ‫مصداق ِه‪ ،‬اســتعر َض سلســل ًة من املفارقات‪ِ ،‬‬


‫ليكش َ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫َ‬
‫واحلم ِل َّ‬ ‫ِ‬
‫الشــايع‬ ‫ْ‬ ‫احلم ِل َّ‬
‫األويل‬ ‫بفض ِل التَّمييز بني ْ‬
‫وجود تنا ُقض فيها‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫إبداعات مال صدرا)‪.1‬‬ ‫(وهو من‬
‫ب األربع (التَّساوي‪ ،‬والعموم واخلصوص املطلق‪،‬‬ ‫استعر َض الن َِّس َ‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫ َّ‬
‫وجــه‪ ،‬والتَّباين)‪ ،‬والن َِّســب بني نقييض‬ ‫ٍ‬ ‫والعمــوم واخلصوص مــن‬
‫اخلاصة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الفصل‪،‬‬ ‫اجلنْس‪ْ ،‬‬ ‫ال ُك ِّليني‪ .‬وأخريا ال ُك ِّليات اخلمســة (النَّوع‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫حج َر األســاس يف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ســتكون َ‬ ‫ال َع َرض العام)‪ ،‬بتعريفات وأمثلة دقيقة‪،‬‬
‫عرف‪.‬‬ ‫مبحث ا ُمل ِّ‬
‫وض ًحا اختالف‬ ‫الذايت وال َع َريض ( ُم ِّ‬ ‫الفر َق بني َّ‬ ‫رش َح ضمن ذلك‪ْ ،‬‬ ‫كام َ‬
‫بعض تقســيامت احلمل (ط ْبعي‬ ‫ِ‬ ‫ثم ن َّب َه عىل‬ ‫الــذايت يف املنطق)‪َّ .‬‬ ‫معاين َّ‬
‫يت َّأو ٍّيل وشــائ ٍع‬ ‫احلمل إىل ذا ٍّ‬‫تقســيم ْ‬
‫ُ‬ ‫واألهم من ذلك‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ووضعــي)‪،‬‬
‫ِ‬
‫تقسيامت‬ ‫َ‬
‫وانتقل إىل‬ ‫ٍ‬
‫مواطأة واشتقاق‪.‬‬ ‫مح ِل‬‫تقســيم ُه إىل ْ‬ ‫ثم‬
‫ُ‬ ‫صناعي‪َّ ،‬‬
‫ثم تقســميات الــك ُِّيِّل (منطقي‪ ،‬طبيعي‪،‬‬ ‫فارق)‪َّ ،‬‬ ‫(الاَّلزم وا ُمل ِ‬ ‫ال َع َريض َّ‬
‫عقيل)‪.2‬‬
‫ِ‬
‫املتواطئ وا ُملشكِّك‪،‬‬ ‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬إشار ٌة مقتضب ٌة إىل‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫ب األربع‪ ،4‬وكذلك ال ُك ِّليات‬ ‫فص ٌل للن َِّس ِ‬ ‫ورش ٌح ُم َّ‬ ‫والك ُِّيِّل واجلزئي ‪ْ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫أثرا‬‫حول مفهوم الك ُِّيِّل وتقسيامته ‪ .‬لكن ال نجدُ ً‬


‫‪6‬‬ ‫اخلمس‪ ،5‬وخامت ٌة َ‬
‫احلمل وتقسيامتِ ِه‪.‬‬ ‫لبحث ْ‬
‫ِ‬
‫‪ .1‬صدر الدين الشريازي‪ ،‬الحكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،1981 ،3‬ج‪ ،1‬ص‪ .294-292‬أيضً ا‪.348-345‬‬
‫‪ .2‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪.88-57 ،‬‬
‫‪ .3‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.54-45‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.64-55‬‬
‫‪ .5‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.84-64‬‬
‫‪ .6‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.88-85‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪449‬‬
‫ُ‬

‫ِ‬ ‫األو ِل األساس من‬ ‫ِ‬


‫الصوري‬ ‫اجلانب ُّ‬ ‫ذلك انت َق َل ا ُملظ َّف ُر إىل البحث َّ‬ ‫ ‪10‌.‬بعد َ‬
‫مة هذا البحث‪ ،‬م َّي َز بني‬ ‫املنطق األرسطي‪ ،‬أعني ا ُملعرف‪ .‬يف مقدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الفرق بني هل البسيطة‬ ‫َّعريف ال َّلفظي‬‫ِ‬
‫(شارحا ْ‬ ‫ً‬ ‫واالسمي واحلقيقي‬ ‫ْ‬ ‫الت‬
‫ِ‬
‫رش َع‬ ‫ثم َ‬ ‫وهل ا ُملركَّبة‪...‬وهلذا التَّمييز أمهي ٌة كبرية يف بحوث الفلسفة)‪َّ .‬‬
‫ورس ٍم (تا ٍّم‬ ‫ِ‬
‫ينقسم إىل حدٍّ (تا ٍّم وناقص)‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫مبحث التَّعريف‪ ،‬الذي‬ ‫يف‬
‫وناقص)‪.‬‬
‫َّعريف باملثال (ال َّطريقة‬ ‫ِ‬ ‫أنامط أخرى من التَّعريف‪ ،‬كالت‬ ‫ٍ‬ ‫انتقل إىل‬ ‫ثم َ‬ ‫ َّ‬
‫ثم خت ََم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رشوط التَّعريف‪َّ .‬‬ ‫ورش َح‬
‫االستقرائية)‪ ،‬والتَّعريف بالتشبيه‪َ .‬‬
‫املباحث التي‬ ‫ِ‬ ‫«القسم ُة من‬ ‫قائاًل يف اهلامش‪:‬‬ ‫(القسمة)‪ً ،‬‬ ‫هذا البحث بـ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫املباحث التي تفت ََّق‬ ‫ِ‬ ‫العرْص احلديث‪ ،‬و ُظ َّن َّأهَّنا من‬ ‫عني هبا املناطق ُة يف ْ ِ‬
‫َّنبيه عليها‪.‬‬ ‫أن فالسف َة اإلسالم سبقوا إىل الت ِ‬ ‫غري َّ‬ ‫الفكر الغريب‪َ .‬‬ ‫ُ‬ ‫عنها‬
‫ِ‬
‫لتحصيل‬ ‫منطق التَّجريد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذكرها الش َّيخ ال ُّطويس العظيم يف‬ ‫وقد َ‬
‫رشح ِه اجلوهر‬ ‫ِ‬ ‫احل ِّيِّل يف‬ ‫العاَّلمة ِ‬ ‫َّ‬ ‫وأوض َحها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫واكتساهِبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬
‫أسهم‬ ‫يكون ا ُملظ َّف ُر قد‬
‫ُ‬ ‫مفصل‪،‬‬ ‫بنحو َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وبإدخال هذا البحث‬ ‫ِ‬ ‫النَّضيد»‪.1‬‬
‫َ‬
‫املخف َّية‬‫الكنوز ْ‬ ‫ِ‬ ‫جانب من‬ ‫ٍ‬ ‫ف عن‬ ‫وكش َ‬ ‫بربط املنطق القديم باحلديث‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫يف تُراثِنا املنطقي‪.2‬‬
‫ِ‬
‫مقتضب جدًّ ا‪ ،‬ال نرى‬ ‫ٌ‬ ‫عرف‬ ‫بحث ا ُمل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪،‬‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫َّعريف‬ ‫ِ‬ ‫َّعريف ال َّلفظي واالسمي واحلقيقي‪ ،‬والت‬ ‫ِ‬ ‫َّمييز بني الت‬ ‫أثرا للت ِ‬ ‫فيه ً‬
‫القسمة‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أثرا لبحث ْ‬ ‫باملثال والتَّشبيه‪ ،‬وال ً‬
‫ِ‬ ‫األو ِل‬
‫ببحث القضايا‬ ‫الفص ِل َّ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل التَّصديقات‪ ،‬فبد َأ يف ْ‬ ‫ثم َ‬ ‫ ‪َّ 11‌.‬‬
‫بالصدْ ِق‬ ‫ف القضي َة (ا ُملركَّب التام الذي يصح ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫أن نص َف ُه ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫فعر َ‬
‫وأحكامها‪َّ ،‬‬
‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫‪ .2‬املظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.121-91‬‬
‫‪ .3‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.93-89‬‬
‫‪ | 450‬تاریخ علم املنطق‬

‫خترج بعض‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫الكذب لذاته)‪ ،‬مب ِّينًا رضورة إضافة كلمة (لذاته) حتى ُ‬ ‫أو‬
‫أن فيها صدْ ٌق ِ‬
‫وكذب‪.‬‬ ‫اإلنشاءات التي قد ُي َّتوهم َّ‬
‫الرَّشطية‬ ‫ورشطية)‪ ،‬وتقسيم القضية َّ ْ‬ ‫محلية ْ‬ ‫رش َح أقسا َم القضية ( ْ‬ ‫ثم َ‬ ‫ َّ‬
‫احلملية (املوضوع‪،‬‬ ‫رشح أجزا َء القضية ْ‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫إىل (متَّصلة ومنْفصلة)‪َّ .‬‬
‫الرَّشطية (ا ُملقدَّ م‪ ،‬التايل‪ ،‬الرابطة)‪.‬‬ ‫املحمول‪ ،‬الرابطة)‪ ،‬وأجزا َء القضية َّ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬
‫(شخصية‪،‬‬ ‫باعتبار املوضوع إىل‬ ‫ث عن تقسي ِم القضية ْ‬
‫احلملية‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫احلملية املحصورة إىل‬ ‫وطبيعية‪ ،‬و ُم ْهملة‪ ،‬حمصورة)‪ ،‬وتقسي ِم القضية ْ‬
‫لتظهر لدينا (موجبة ُك ِّلية‪ ،‬وسالبة ُك ِّلية‪ ،‬وموجبة‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وجزئية)‪،‬‬ ‫( ُك ِّلية ُ‬
‫الرَّشطية‬ ‫ث عن تقسي ِم القضية َّ ْ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬ ‫ُج ْزئية‪ ،‬وسالبة ُج ْزئية)‪َّ .‬‬
‫احلملية‬ ‫ثم تقسيامت القضية ْ‬ ‫إىل (شخصية‪ ،‬و ُم ْهملة‪ ،‬وحمصورة)‪َّ .‬‬
‫حصلة)‪.1‬‬‫(الذهنية‪ ،‬اخلارجية‪ ،‬احلقيقية)‪ ،‬و(املعدولة وا ُمل ّ‬
‫ف القضي َة وأقسا َمها عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫نحو ما‬ ‫عر َ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وخارجية‬ ‫ذهنية‬ ‫أثرا لتقسي ِم ْ‬
‫احلملية إىل‬ ‫ف َع َل ُه ا ُملظ َّفر‪ ،‬لكن ال نجدُ ً‬
‫بحوث أصول الفقه والف ْلسفة‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫كبري يف‬‫أثر ٌ‬ ‫التقسيم ٌ‬
‫ُ‬ ‫وحقيقية‪ .‬وهلذا‬
‫يقرت ُب من‬ ‫وجهات‪( 3‬وهو ما ِ‬ ‫الستعراض مبحث ا ُمل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬
‫انتقل ا ُملظ َّفر‬ ‫ ‪َّ 12‌.‬‬
‫منطق اجلهات السبب َّية احلديث املستخدم يف ع ْل ِم الفيزياء)‪ ،4‬فبد َأ‬ ‫ِ‬
‫وجوب وامتنا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بمحموهِلا إىل‪:‬‬ ‫عالقة موضوع القضية‬ ‫ِ‬ ‫بالت ِ‬
‫َّمييز يف‬
‫برش ِح جهة‬ ‫ِ‬ ‫وإمكان (مع الت ِ‬
‫اخلاص والعام)‪ .‬ليبدأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫اإلمكان‬ ‫َّمييز بني‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.145-127‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.103-94‬‬
‫‪ .3‬تعرض أرسطو لذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف العبارة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪-109‬‬
‫‪ ،113‬وأيضً ا ص‪.129-122‬‬
‫‪ .4‬د‪ .‬السيد نفادي‪ ،‬السببية يف العلم‪ ،‬الهيأة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪-241‬‬
‫‪.281‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪451‬‬
‫ُ‬

‫وجهات (بسيطة ومركبة)‪ ،‬وأقسام البسيطة (رضورية‬ ‫القضية وأنواع ا ُمل ِّ‬
‫ذاتية‪ ،‬مرشوطة عامة‪ ،‬دائمة ُم ْطلقة‪ُ ،‬ع ْرفية عامة‪ُ ،‬م ْطلقة عامة‪ ،‬حينية‬
‫خاصة‪،‬‬‫ُم ْطلقة‪ ،‬ممكنة عامة‪ ،‬حينية ممكنة)‪ ،‬وأقسام ا ُملركَّبة (مرشوطة َّ‬
‫خاصة‪ ،‬وجودية ال رضورية‪ ،‬وجودية ال دائمة‪ ،‬حينية ال دائمة‪،‬‬ ‫ُع ْرفية َّ‬
‫خاصة)‪.1‬‬ ‫ممكنة َّ‬
‫للمظ َّفر وحاشية‬ ‫ِ‬
‫مقارنة‪ :‬ال نجدُ ْفر ًقا جوهر ًيا يف هذا املبحث بني املنْطق ُ‬
‫بوضوح العبارة ومتا ُيز العناوين وتوا ُفر األمثلة عىل‬ ‫ِ‬ ‫ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬إال‬
‫قضية يف الكتاب األول دون الثاين‪.2‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ثم َ‬
‫الرَّشطية املتَّصلة وهي‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل تقسيامت أخرى للقضية َّ ْ‬ ‫ ‪َّ 13‌.‬‬
‫الرَّشطية املنْفصلة وهي (عنادية‬ ‫( ُل ُزومية‪ ،‬اتِّفاقية)‪ ،‬وتقسيامت للقضية َّ ْ‬
‫اجلمع ومانعة اخللو)‪.3‬‬ ‫واتِّفاقية‪ ،‬حقيقية ومانعة ْ‬
‫للمظ َّفر وحاشية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال نجدُ ْفر ًقا جوهر ًيا يف هذا‬
‫املنطق ُ‬ ‫املبحث بني‬
‫األو ِل دون الثاين‪.4‬‬ ‫بوضوح العبارة ومتا ُيز العناوين يف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬إالّ‬
‫بحث أحكام القضايا أو الن َِّسب‬ ‫ِ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّف ُر إىل‬ ‫الفص ِل الثاين‪َ ،‬‬ ‫ ‪14‌.‬ويف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث عن التَّنا ُق ِ‬
‫ورُشوطه (الوحدات ال َّثامن)‪َّ ،‬‬
‫ثم ن َّب َه إىل‬ ‫ض ُُ‬ ‫بينها‪ ،‬فتحدَّ َ‬
‫تلك الوحدات‪:‬‬ ‫ضيف إىل َ‬ ‫ُ‬ ‫بعض املناطقة ُي‬ ‫أن َ‬ ‫نقطة بالغة األمهية‪ ،‬وهي َّ‬ ‫ٍ‬
‫احلمل‪ ،‬فلو‬ ‫ض القضيتني ْ ِ‬ ‫فيجب لتنا ُق ِ‬
‫أن يتَّحدا يف ْ‬ ‫ُ‬ ‫حل ْمل)‪.‬‬ ‫(وحدة ا َ‬
‫يصدُ قا‬‫أن ْ‬ ‫جيوز ْ‬
‫إحدامُها َّأول ًيا ويف األخرى شاي ًعا‪ ،‬فإنَّه ُ‬ ‫ُ‬ ‫احلم ُل يف‬ ‫كان ْ‬
‫َّداخل‪ ،‬والتَّضاد‪ ،‬والدُّ خول‬ ‫ِ‬
‫انتقل إىل ُم ْلحقات التَّنا ُقض (الت ُ‬ ‫ثم َ‬ ‫م ًعا‪َّ .‬‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.155-146‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.119-104‬‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.162-157‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.125-119‬‬
‫‪ | 452‬تاریخ علم املنطق‬

‫حتت التَّضاد)‪.1‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حل ْمل) يف‬ ‫لرشط (وحدة ا َ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ ً‬
‫أثرا ْ‬
‫ِ‬ ‫بالغ األمهية؛ ألنَّه ُيبدِّ ُد سلسل ًة من‬ ‫رش ٌط ُ‬
‫التناقضات‬ ‫التَّنا ُقض (وهو ْ‬
‫ِ‬
‫حقات‬ ‫تنبيها ُمل ْل‬ ‫احلمل)‪ ،‬وال نجدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫املوهومة الناشئة من االختالف يف ْ‬
‫حتت التَّضاد)‪.2‬‬ ‫َّداخل‪ ،‬والتَّضاد‪ ،‬والدُّ خول َ‬ ‫التَّنا ُقض (الت ُ‬
‫قضية عىل‬ ‫ٍ‬ ‫مبارش من‬ ‫ٌ‬
‫استدالل‬ ‫بحث ال ُعكُوس‪ ،‬وهو‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل ِ‬ ‫ثم َ‬
‫ٌ‬ ‫ ‪َّ 15‌.‬‬
‫العكس املستوي‬ ‫فرش َح‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الصدْ ق‪َ .‬‬ ‫خالل املالزمة بينهام يف ِّ‬ ‫أخرى‪ ،‬من‬
‫انتقل إىل‬ ‫ثم َ‬ ‫وعكس النِّقيض (املوافق‪ ،‬واملخالف)‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫وقاعد َت ُه ورشو َط ُه‪،‬‬
‫ُم ْلحقات العكوس‪ :‬النَّ ْقض (قاعدة نقض املحمول‪ ،‬وقاعدة النَّقض‬
‫تظهر‬ ‫ِ‬
‫ثم خت ََم بالبدهية املنطقية‪ ،‬وهبذه اخلامتة َ‬ ‫التام ونقض املوضوع)‪َّ .‬‬
‫نقط ُة تالقي املنطق بالعلو ِم ِّ‬
‫الرياضية‪.3‬‬
‫تم إقحام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬وتب ًعا‬
‫للمتن (التَّهذيب)‪َّ ،‬‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫تم إقحام ال َّطالب‬ ‫البحث ُمع َّقدً ا‪ ،‬كام َّ‬ ‫ُ‬ ‫فصار‬
‫َ‬ ‫وجهات بالعكوس‪،‬‬ ‫ا ُمل ِّ‬
‫بخالف‬ ‫ِ‬ ‫اخلالفات الدَّ قيقة بني الفارايب وابن سينا‪.4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ببعض‬ ‫املبتدئ‬
‫واضحا‪ ،‬والعناوي ُن‬ ‫ً‬ ‫بحث (العكوس)‬ ‫حيث نجدُ فيه َ‬ ‫للمظ َّفر‪ُ ،‬‬ ‫املنطق ُ‬
‫وضوحا‪.‬‬ ‫البحث أشدَّ‬ ‫َ‬ ‫بعض جعلت‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها عن‬ ‫املواضيع َ‬ ‫التي ِ‬
‫تفص ُل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫حل َّجة وهيأة‬ ‫ِ‬ ‫بحث القضايا‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن انتهى ا ُملظ َّفر من‬ ‫ ‪16‌.‬بعد ْ‬
‫انتقل إىل مبحث ا ُ‬
‫مباحث االستدالل‪ .‬وبد َأ بتقسي ِم ُط ُرق االستدالل (أو أقسام‬ ‫ِ‬ ‫تأليفها أو‬‫ِ‬
‫خاص)‪،‬‬ ‫انتقال من عا ٍّم إىل‬ ‫ٌ‬ ‫ثالثة أنوا ٍع رئيسة‪ :‬قياس (وهو‬ ‫احلجة) إىل ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ َّ‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪ .171-165‬تحدث أرسطو عن تقابل القضايا بالتناقض والتضاد يف‪:‬‬
‫منطق أرسطو‪ ،‬يف العبارة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،108-105‬وأيضً ا ص‪.133-129‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.131-126‬‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.198-173‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.156-135‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪453‬‬
‫ُ‬

‫انتقال من‬‫ٌ‬ ‫خاص)‪ ،‬واستقراء (وهو‬ ‫ّ‬ ‫خاص إىل‬ ‫ٍّ‬ ‫انتقال من‬ ‫ٌ‬ ‫ومتثيل (وهو‬ ‫ٍ‬
‫خاص إىل عا ّم)‪. 1‬‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫حل َّجة واالستدالل يف‬ ‫مقارنة‪ :‬هذه ا ُملقدِّ مة ‪ -‬التي ُمُت ِّث ُل خريط ًة ملبحث ا ُ‬
‫أن انتهى من‬ ‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬فبعدَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫املنطق األرسطي‪ -‬مفقود ٌة يف‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫القياس‬ ‫ِ‬
‫للامتن ‪ -‬إىل‬ ‫انتقل ا ُمل َّاَّل عبد اهلل مبارش ًة – تب ًعا‬ ‫بحث ال ُعكُوس‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫مسار مباحث االستدالل‪ .2‬وإنَّام‬ ‫ِ‬ ‫فكرة ٍ‬
‫عامة عن‬ ‫ٍ‬ ‫وتعريف ِه‪ ،‬دون إعطاء‬ ‫ِ‬
‫ضم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوصف ِهام‬
‫قسيمني للقياس – ْ‬ ‫أشار إىل االستقراء والتَّمثيل –‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أشار إىل هذه األقسا ِم الثالثة يف بداية بحث‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعريفه للقياس ‪َّ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫َ‬
‫ف باألقسا ِم‬ ‫عر َ‬ ‫الب املبتدئ ْ‬
‫أن ُي َّ‬ ‫واألوض ُح لل َّط ِ‬
‫َ‬ ‫واألنسب‬
‫ُ‬ ‫االستقراء‪،4‬‬
‫فعل املظ َّفر)‪.‬‬ ‫أي منها (كام َ‬ ‫رشح ٍّ‬ ‫يتم ْ‬ ‫أن ّ‬ ‫الثالثة َ‬
‫قبل ْ‬
‫ِ‬
‫ورش َح‬‫فعر َف ُه‪َ ،‬‬ ‫ثم بد َأ ا ُملظ َّفر بالنَّمط األول من االستدالل‪ :‬القياس ‪َّ ،‬‬ ‫ ‪َّ 17‌.‬‬
‫‪5‬‬

‫االصطالحات العامة فيه (صورة القياس‪ ،‬ا ُملقدِّ مة‪ ،‬املطلوب‪ ،‬النتيجة‪،‬‬
‫ب ما َّدتِ ِه وهيئتِ ِه‪،‬‬ ‫بحس ِ‬
‫انتقل لبيان أقسام القياس َ‬
‫ِ‬ ‫ذلك َ‬ ‫احلدود)‪ .‬بعد َ‬
‫بدور ِه إىل‬‫ِ‬ ‫وقياس اقرتاين الذي ينقسم‬ ‫ٍ‬ ‫قياس استثنائي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فقس َم ُه إىل‬ ‫َّ‬
‫مح ّيل ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫طي‪ ،‬و ْ‬ ‫رش ٍّ‬ ‫ْ‬
‫للمظ َّفر‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫القياس وأقسامه‪ ،‬ال َفر َق أساس نجدُ ُه بني املنطق ُ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪.7‬‬ ‫ِ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.202-201‬‬


‫‪ .2‬انظر‪ ،‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.157-156‬‬
‫‪ .3‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ .5‬تط ّرق أرسطو لذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.143-137‬‬
‫‪ .6‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.308-203‬‬
‫‪ .7‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.160-157‬‬
‫‪ | 454‬تاریخ علم املنطق‬

‫احلميل‪ ،‬الذي له قواعد عا َّمة‬ ‫القياس االقرتاين ْ‬


‫ُ‬ ‫أهم أقسام القياس هو‬ ‫ ‪18‌.‬من ِّ‬
‫إجياب إحدى املقدمتني‪ُ ،‬ك ِّلية إحدى ا ُملقدِّ متني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(تكرر احلدِّ األوسط‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أخس ا ُملقدِّ متني)‪ ،‬وينقس ُم بدوره إىل أشكال أربعة‪ ،‬لك ُِّل‬ ‫النتيج ُة ت ْت َب ُع ّ‬
‫شكل منها رشو ُط ُه ورضو ُب ُه‪.1‬‬ ‫ٍ‬
‫احلميل االقرتاين وأشكالِ ِه ورضوبِ ِه‪ ،‬ال ْفر َق أسايس‬ ‫ِ‬
‫القياس ْ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫ِ‬
‫وضوح العبارة‬ ‫للمظ َّفر وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬سوى‬ ‫ِ‬
‫نجدُ ُه بني املنطق ُ‬
‫األول دون الثاين‪.2‬‬ ‫ومتا ُيز العناوين يف َّ‬
‫عر َف ُه و ُي ِّبنِّي‬
‫الرَّشطي‪ ،‬ل ُي ِّ‬ ‫القياس االقرتاين َّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ ‪19‌.‬يعو ُد ا ُملظ َّف ُر بعدَ َ‬
‫ذلك إىل‬
‫ف من ا ُملتَّصالت‪،‬‬ ‫القياس ا ُملؤ َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫فص ٍل عن‬ ‫ٍ‬ ‫أقسا َم ُه‪ ،‬فتحدَّ َ‬
‫بنحو ُم َّ‬ ‫ث‬
‫ف من املت ِ‬
‫َّصلة‬ ‫والقياس ا ُملؤ َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫ف من املنْفصالت‪،‬‬ ‫والقياس ا ُملؤ َّل ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم يف اخلامتة قال‪:‬‬ ‫احلملية واملتَّصلة‪َّ .‬‬ ‫والقياس ا ُملؤ َّلف من ْ‬ ‫واملنْفصلة‪،‬‬
‫خالف املعهود يف ُكت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُب‬ ‫الرَّشطية عىل‬ ‫«قد أط ْلنا يف بحث االقرتانات َّ ْ‬
‫أكثر‬ ‫واحلاجة إليها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫املنطق املعتاد تدريسها‪ ،‬نظرا إىل ِ‬
‫كثرة فائدَ ِهِتا‬
‫فإن َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كثريا من‬ ‫وإن ُكنَّا تركنا ً‬ ‫الرَّشطية‪ْ ،‬‬ ‫الرباهني الع ْلمية تبتني عىل االقرتانات َّ ْ‬
‫أهم األقسا ِم التي‬ ‫ِ‬
‫واقترصنا عىل ِّ‬ ‫ْ‬ ‫يس ُعها هذا املخترص‪،‬‬ ‫األبحاث التي ال َ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪ .233-209‬تط ّرق أرسطو إىل ذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت‬
‫األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،207-147‬بل إىل آخر التحليالت األوىل‪ ،‬مع‬
‫مالحظة أ ّن أرسطو تحدث عن األشكال الثالثة األوىل فقط‪ ،‬ورضوبها‪.‬‬
‫شكاًل قامئًا بذاته (وأحيانًا‬
‫ً‬ ‫ويقول ابن رشد عن الطبيب جالينوس إنّه هو الذي جعل الشكل الرابع‬
‫محمواًل للمقدمة الكربى‪،‬‬‫ً‬ ‫يُس ّمى باسمه فيقال «قياس جالينوس»)‪ ،‬يكون الحد األوسط فيه‬
‫ريا من الهجوم والدفاع‪ ،‬وال‬ ‫وموضو ًعا للمقدمة الصغرى‪ .‬وقد لقي هذا الشكل من املناطقة كث ً‬
‫يزال يتنكر له كثريون من علامء املنطق املحدثني‪ .‬للتفصيل انظر‪ :‬زيك نجيب محمود‪ ،‬املنطق‬
‫الوضعي‪ ،‬مكتبة األنجلو املرصية‪ ،‬ط‪ ،1981 ،6‬ج‪ ،1‬ص‪.286-281‬‬
‫وقال املظفر عنه‪« :‬هذا الشكل أبعد الجميع عن مقتىض الطبع‪ ،‬غامض اإلنتاج عن الذهن‪ ،‬ولذا‬
‫تركه جامع ٌة من علامء املنطق يف مؤلفاتهم واكتفوا بالثالثة األوىل»‪ .‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.189-160‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪455‬‬
‫ُ‬

‫هي أشدُّ ُع ُلو ًقا بال َّط ْبع»‪.1‬‬


‫ِ‬
‫الرَّشطية ‪ -‬كام هو‬ ‫بح ُث االقرتانات َّ ْ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ْ ،‬‬
‫مقتضب‪.2‬‬
‫ٌ‬ ‫أكثر ُكتُب املنطق األرسطي ‪-‬‬ ‫احلال يف ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرَّشطي‪،‬‬
‫احلميل َّ ْ‬ ‫أن انتهى ا ُملظ َّف ُر من بيان القياس االقرتاين بق ْسميه ْ‬ ‫ ‪20‌.‬بعدَ ْ‬
‫ختم كال َم ُه‬‫ثم َ‬ ‫رُشو َط ُه‪َّ .‬‬ ‫فعر َف ُه‪َ َّ ،‬‬
‫وبنَّي ُ ُ‬ ‫القياس االستثنائي‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫انتقل إىل‬
‫(الضمري)‪،3‬‬ ‫ِ‬
‫القياس ا ُمل ْض َمر َّ‬ ‫ث عن‬ ‫لواحق القياس‪ ،‬فتحدَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بخامتة يف‬
‫ب املعلومات وفق ال َّطريقة‬ ‫كس ِ‬ ‫ِ‬
‫العقل وطريق َة ْ‬ ‫ليرْشح بالتَّفصيل حرك َة‬ ‫ْ‬
‫بداية كتابِ ِه‪.4‬‬
‫ث عنها يف ِ‬ ‫القياسية واألدوار اخلمسة التي حتدَّ َ‬
‫ِ‬
‫للقياس‬ ‫موجزا‬
‫ً‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ إال ً‬
‫ذكرا‬
‫ِ‬
‫حركة العقل‬ ‫ِ‬
‫للقياس ا ُمل ْضمر أو كال ٍم عن‬ ‫ٍ‬
‫إشارة‬ ‫أي‬
‫االستثنائي‪ ،‬دون ّ‬
‫واألدوار اخلمسة‪.5‬‬
‫ِ‬
‫القياس ا ُملركَّب‪،‬‬ ‫ث عن‬ ‫أن حتدَّ َ‬
‫ملف القياس إال بعدَ ْ‬ ‫غلق ا ُملظ َّفر َّ‬ ‫ ‪21‌.‬ومل ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪7‬‬
‫(قياس اخلُ ْلف‪ُ ،6‬‬
‫قياس املساواة)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وأقسامه‬
‫بنحو موجز‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قياس اخلُ ْلف‬ ‫أشار ا ُمل َّاَّل عبد اهلل يف حاشيتِ ِه إىل‬
‫مقارنة‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫قياس املساواة‪.8‬‬ ‫ث عن‬ ‫أن يتحدَّ َ‬
‫دون ْ‬‫َ‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.249-235‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.191-189‬‬
‫‪ .3‬تط ّرق أرسطو إىل ذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.316-313‬‬
‫‪ .4‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.257-254‬‬
‫‪ .5‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.195-192‬‬
‫‪ .6‬تط ّرق أرسطو إىل قياس الخُلف يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.288-285‬‬
‫‪ .7‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.263-258‬‬
‫‪ .8‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.195-194‬‬
‫‪ | 456‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬
‫ثم‬ ‫ثم بد َأ ا ُملظ َّف ُر بالنَّمط الثاين من االستدالل‪ :‬االستقراء ‪َّ ،‬‬
‫فعر َف ُه‪َّ ،‬‬ ‫ ‪َّ 22‌.‬‬
‫‪1‬‬

‫(ش ْبه ٌة‬


‫ثم حتت عنوان ُ‬ ‫بنَّي أقسا َم ُه (استقراء تا ّم‪ ،‬استقراء ناقص)‪َّ ،‬‬ ‫َّ َ‬
‫بـ(مشكلة االستقراء)‪،2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفلسفة‬ ‫ِ‬
‫املنطق‬ ‫ف يف‬ ‫عر ُ‬‫طر َح ما ُي َ‬‫مستعصية) َ‬ ‫ْ‬
‫حاًل مت َّث َل يف‬ ‫ٍ‬
‫ربرات التَّعميم من استقراء ناقص‪ ،‬فقدَّ َم ً‬ ‫بم ِّ‬‫والتي تتع َّلق ُ‬
‫بأن يبحث ا ُمل ِ‬
‫شاهدُ‬ ‫اليقني إذا كان ُمع َّل ًاًل‪َ ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أن االستقراء الناقص ُيفيدُ‬ ‫َّ‬
‫الوصف إنَّام‬
‫َ‬ ‫وت الوصف في ْع ِرف َّ‬
‫أن‬ ‫لبعض اجلزئيات عن الع َّل ِة يف ُثب ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫موجودة يف ِ‬
‫ٍ‬ ‫شاهدَ ة لع َّل ٍة أو خاص َّي ٍة‬
‫نوعها‪ ،‬وال‬ ‫لتلك اجلزئيات ا ُمل َ‬ ‫ثبت َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫معلوهُلا أبدً ا‪.3‬‬ ‫أن الع َّل َة ال يتخ َّلف عنها‬ ‫ِ‬
‫العقل يف َّ‬ ‫ُش ْبه ُة عند‬
‫الصدْ ر‪ ،‬يف‬
‫حممد باقر َّ‬
‫بنحو أعمق بكثري الس ِّيد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫هذا املوضوع سي ْط َر ُح ُه‬
‫ترتكز عىل‬
‫ُ‬ ‫كتابِ ِه األسس املنطقية لالستقراء‪ ،‬ل ُيقدِّ َم لنا إجاب ًة أخرى‬
‫الذايت يف توا ُل ِد املعرفة‪.‬‬
‫ومنطق ِه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حساب االحتامالت‬
‫–‬ ‫ِ‬
‫للقياس والتَّمثيل‬ ‫رش َح ا ُمل َّاَّل عبد اهلل االستقراء ‪ -‬كقسي ٍم‬ ‫مقارنة‪َ :‬‬
‫ص ال ُيفيدُ إال ال َّظ ّن‪ ،‬إال أنَّه مل ُي ِرِش‬ ‫وقسمه إىل تام وناقص‪ِ َّ ،‬‬
‫وأن الناق َ‬ ‫ٍّ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ْسجم‬ ‫يخ ا ُملظ َّفر‪ ،‬وقدَّ َم هلا حاًّلًّ ين‬ ‫تطر َق هلا َّ‬
‫الش ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫إىل مشكلة التَّعميم التي َّ‬
‫األرسطية‪/‬السينوية‪.4‬‬ ‫مع الر ِ‬
‫ؤية‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث ا ُملظ َّفر عن النَّمط الثالث من االستدالل‪ :‬التَّمثيل ‪َّ ،‬‬
‫فعر َف ُه‪،‬‬ ‫وأخريا حتدّ َ‬ ‫ ‪23‌.‬‬
‫‪5‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬تط ّرق أرسطو إىل ذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.308-306‬‬
‫‪ .2‬ويستشهد عادة لبيان مشكلة االستقراء بقصة الكابنت كوك ‪ .Captain Cook‬فقبل زيارة الكابنت‬
‫كل اإلوز الذي‬‫كوك إىل اسرتاليا عام ‪1770‬م‪ ،‬كان يُعتقد يف أوربا أ ّن كل األوز هو أبيض؛ أل ّن ّ‬
‫تم مالحظته هناك كان أبيض‪ ،‬لكن ما أن زار كوك منطقة بوتاين باي ‪ ، Botany Bay‬حتى رأى إوزًا‬
‫أسو َد يسبح يف مائها‪.‬‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.267-264‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.198-195‬‬
‫‪ .5‬تطرق أرسطو لذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.309-308‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪457‬‬
‫ُ‬

‫َّمثيل من األد َّل ِة التي‬ ‫أن الت َ‬ ‫حتت عنوان (قيم ُت ُه الع ْلمية) ‪ -‬عىل َّ‬ ‫ثم أ َّكدَ ‪َ -‬‬ ‫َّ‬
‫أمر – بل يف عدَّ ةِ‬ ‫شيئني يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال تُفيدُ إال االحتامل؛ ألنَّه ال يلزم من تشا ُبه‬
‫الش َبه بني‬ ‫أن يتشاهبا من مجي ِع الوجوه‪ .‬نعم إذا قويت وجو ُه َّ‬ ‫مور – ْ‬ ‫ُأ ٍ‬
‫يقر َب من اليقني‪،‬‬ ‫والفر ِع وك ُث َرت‪ ،‬يقوى عندَ َك االحتامل حتى ُ‬ ‫ْ‬ ‫األص ِل‬ ‫ْ‬
‫َّمثيل املعلوم‬ ‫أن الت َ‬ ‫ثم أ َّكدَ عىل َّ‬ ‫ويكون ظنًّا (والقياف ُة من هذا الباب)‪َّ .‬‬ ‫ُ‬
‫الرُبهاين املفيد لليقني‪ ،‬إذ‬ ‫باب القياس ُ ْ‬ ‫يكون من ِ‬ ‫ُ‬ ‫فيه اجلامع ع َّلة تا َّمة‪،‬‬
‫واحلكم حدًّ ا أكرب‪.‬‬‫ُ‬ ‫أصغر‬
‫َ‬ ‫والفر ُع حدًّ ا‬
‫ْ‬ ‫أوس َط‬ ‫اجلامع حدًّ ا َ‬ ‫ُ‬ ‫يكون فيه‬‫ُ‬
‫واس ِم (القياس)‬ ‫طالح املناطقة‪ْ ،‬‬ ‫باص ِ‬ ‫خير ُج عن اس ِم (التَّمثيل) ْ‬ ‫وهبذا ُ‬
‫حمل اخلالف عندَ ُهم‪.1‬‬ ‫باصطالح ال ُفقهاء الذي كان َّ‬ ‫ْ‬
‫واقتضاب‬ ‫تعريف التَّمثيل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إسهاب يف‬ ‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪،‬‬‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫واضح قيم ُت ُه الع ْلمية‪.2‬‬ ‫ٍ‬ ‫الب املبتدئ ٍ‬
‫بنحو‬ ‫يتبنَّي لل َّط ِ‬ ‫أن َّ‬ ‫رش ِح ِه‪ ،‬دون ْ‬ ‫يف ْ‬
‫تأليفها أو مباحث االستدالل‪،‬‬ ‫مبحث احلج ِة وهيأة ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن انتهى من‬ ‫ ‪24‌.‬بعدَ ْ‬
‫ُ َّ‬
‫الشعر‪،‬‬ ‫(الرُبهان‪ ،‬اجلدَ ل‪ ،‬اخلطابة‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اخلمس ُ ْ‬ ‫الصناعات ْ‬ ‫انتقل إىل مبحث ِّ‬
‫أجدْ ُه يف‬‫فريد مل ِ‬ ‫بنحو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إيضاح ِه‬
‫ِ‬ ‫مبحث أبدَ َع ا ُملظ َّفر يف‬ ‫ٌ‬ ‫ا ُملغالطة)‪ ،‬وهو‬
‫كثري من‬‫مه َل ُه ٌ‬ ‫ُب املنطق التقليدي‪ ،‬القديمة منها واحلديثة‪ ،‬وأ َ‬ ‫أي من ُكت ِ‬ ‫ٍّ‬
‫داريس املنطق املعارصين ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ِ‬
‫وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل يف‬ ‫للمظ َّفر‬ ‫ِ‬
‫املنطق ُ‬ ‫جوهري بني‬
‫ّ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال ْفرق‬
‫ِ‬
‫لصالح‬ ‫ِ‬
‫وضوح العبارة وسالستها‬ ‫ِ‬ ‫َّمهيد هلذا البحث‪ ،‬سوى يف‬ ‫الت ِ‬
‫األول دون الثاين‪.4‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ثامنية أصناف (يقينيات‪،‬‬ ‫مبادئ األقيسة وموا َّدها عىل‬ ‫بنَّي ا ُملظ ّفر َّ‬
‫أن‬ ‫ثم َّ َ‬
‫َ‬ ‫ ‪َّ 25‌.‬‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.270-268‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.201-198‬‬
‫‪ .3‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.280-279‬‬
‫‪ .4‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.202-201‬‬
‫‪ | 458‬تاریخ علم املنطق‬

‫مشهورات‪ ،‬ومهيات‪ُ ،‬مس َّلامت‪ ،‬مقبوالت‪ُ ،‬مش َّبهات‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫م ْظنونات‪،‬‬


‫ُخُم َّيالت)‪.1‬‬
‫ِ‬
‫وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل يف‬ ‫للمظ َّفر‬ ‫ِ‬
‫املنطق ُ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال ْفرق جوهري بني‬
‫ِ‬
‫بيان مبادئ األقيسة‪.2‬‬
‫الرُبهان‪،‬‬ ‫ ‪26‌.‬ولـليقينيات (البدهييات) أمه َّي ٌة كبرية؛ َّ‬
‫ألهَّنا هي موا ُّد صناعة ُ ْ‬
‫ِ‬
‫شاهدات‪ْ ،‬جتريبيات‪،‬‬‫(أوليات‪ ،‬ف ْطريات‪ُ ،‬م َ‬ ‫وهي عىل ستَّة أنواع َّ‬
‫كل نو ٍع من هذه األنواع اخلمسة‬ ‫ورش َح َّ‬
‫حدْ سيات‪ ،‬متواترات) ‪َ .‬‬
‫‪3‬‬

‫ٍ‬
‫بيشء من التَّفصيل‪.‬‬
‫االستنتاج فيها من نو ِع‬
‫َ‬ ‫ورك ََّز ا ُملظ َّفر عىل التَّجريبيات‪ ،‬ل ُيؤ ِّكدَ عىل َّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫قياسني‬ ‫واحلكم فيها يعتمدُ عىل‬‫ُ‬ ‫االستقراء الناقص املبني عىل التَّعليل‪،‬‬
‫وتفكري ِه‬
‫ِ‬ ‫نفس ِه‬
‫دخيلة ِ‬ ‫ِ‬ ‫يستعم ُلها اإلنسان يف‬ ‫ِ‬ ‫استثنائي واقرتاين‬
‫ّ‬ ‫خف َّيني‪:‬‬
‫رس اخلطأ يف‬ ‫بنَّي بقدْ ٍر من التَّفصيل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫من ِ‬
‫أن َّ‬ ‫ثم َّ َ‬‫غري التفات غال ًبا‪َّ .‬‬
‫يكم ُن يف عد ِم د َّقة مالحظة األشياء‪ ،‬فقد ُجُي ِّر ُب اإلنسان‬ ‫التَّجريبيات ُ‬
‫ذلك خاص َّي ًة‬
‫أن َ‬ ‫تكررة‪ ،‬فيعتقدُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ب يطفو عىل املاء يف عدَّ ة حوادث ُم ِّ‬ ‫اخلش َ‬
‫ب يطفو عىل املاء)‪ ،‬ولكنَّه‬ ‫خش ٍ‬ ‫(كل َ‬ ‫أن َّ‬‫ب واملاء‪ ،‬فيحك ُُم خ ًطا َّ‬ ‫اخلش ِ‬
‫يف َ‬
‫اخلشب ال َّثقيل الوزن لوجدَ أنَّه ال يطفو عىل املاءِ‬ ‫بعض أنواع َ‬
‫َ‬ ‫جر َب َ‬ ‫لو َّ‬
‫وسط املاء‪.‬‬‫ِ‬ ‫ب إىل الق ْع ِر أو إىل‬ ‫ْ‬
‫العذب‪ ،‬بل قد ْير ُس ُ‬
‫الفر َق بني‬
‫أن ْ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل رائ ٍع َّ‬ ‫ذلك عىل احلدْ سيات‪ ،‬ل ُي ِّبنِّي‬ ‫ثم رك ََّز ا ُملظ َّفر بعدَ َ‬
‫ َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫(سبب ما) َّ‬
‫وأن‬ ‫أن ا ُمل َّ‬
‫جربات إنَّام ُحُيك َُم فيها بوجود‬ ‫جربات واحلدْ سيات َّ‬ ‫ا ُمل َّ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.281‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.207-206‬‬
‫‪ .3‬تطرق ابن سينا لهذا املوضوع يف‪ :‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح نصري الدين‬
‫الطويس‪ ،‬تحقيق د‪ .‬سليامن دنيا‪ ،‬ذخائر العرب‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ص‪.364-343‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪459‬‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫اليَّشء الذي تتَّفق له هذه ال َّظاهرة ً‬
‫دائاًم‪ ،‬لكن من‬ ‫ب موجو ٌد يف َّ‬ ‫الس َب ُ‬
‫هذا َّ‬
‫ِ‬
‫باإلضافة إىل َ‬
‫ذلك –‬ ‫أن احلدْ سيات –‬‫السبب‪ .‬يف حني َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تعيني ملاه َّية َّ‬ ‫غري‬
‫ِ‬ ‫بتعيني ماهية السبب أنَّه أي ٍ‬
‫احلقيقة َّ‬
‫أن احلدْ سيات‬ ‫يشء هو‪ ،‬ويف‬ ‫ُّ‬ ‫ِ َّ َّ‬ ‫ُحُيك َُم فيها‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫الس َبب‪.‬‬ ‫ُجُم َّربات مع إضافة يشء‪ ،‬واإلضاف ُة هي احلدْ ُس بامه َّية َّ‬
‫إثباهُتا‬
‫جربات واملتواترات ال يمك ُن ُ‬ ‫أن ا ُمل َّ‬ ‫بعدَ ذلك‪ ،‬ن َّب َه ا ُملظ َّفر إىل َّ‬
‫ب من الت ِ‬ ‫جر ِ‬ ‫ذاكرة وال َّت ْلقني ما مل حيصل لل َّطالِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّجربة‬ ‫للم ِّ‬ ‫حص َل ُ‬ ‫ب ما َ‬ ‫با ُمل‬
‫الناس يف احلدْ سيات‬ ‫ُ‬ ‫خيتلف‬
‫ُ‬ ‫باخلرب من التواتر‪ ،‬وهلذا‬ ‫ِ‬ ‫وللمتي ِّق ِن‬
‫ُ‬
‫وإن كانت ُك ُّلها من أقسا ِم البدهييات‪،‬‬ ‫جربات واملتواترات‪ْ ،‬‬ ‫وا ُمل َّ‬
‫رش ٌع سواء‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫األوليات‪َّ ،‬‬
‫الناس يف اليقني هبا ْ‬ ‫فإن َ‬ ‫وليس كذلك َّ‬
‫احلواس‪ ،‬ومث ُلها الف ْطريات‪.1‬‬ ‫ّ‬ ‫املحسوسات عند من كانوا صحيحي‬
‫ِ‬
‫وحاشــية ُم َّاَّل عبد اهلل يف‬ ‫للمظ َّفر‬ ‫ِ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال ْفر َق جوهري بني‬
‫املنطق ُ‬
‫ِ‬
‫فصل هلذه القضايا اهلا َّمة ووضوح‬ ‫الرَّشح ا ُمل َّ‬
‫بيان اليقينيات‪ ،‬ســوى يف َّ ْ‬
‫فصل له‬ ‫الرَّش ُح ا ُمل َّ‬
‫لصالح األول دون الثاين ‪ .‬وهذا َّ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ِ‬ ‫العبارة وسالستها‬
‫كبري يف فه ِم البحث الفلسفي (نظرية املعرفة)‪.3‬‬ ‫أثر ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رش َح ا ُملظ َّفر أقسا َمها‬ ‫حيث َ‬ ‫خاصة‪ُ ،‬‬ ‫(الذايعات) أمه َّية َّ‬ ‫املشهورات َّ‬ ‫أيضا لـ ْ‬ ‫ ‪ً 27‌.‬‬
‫(واجبات القبول‪ ،‬تأديبات صالحية‪ُ ،‬خ ُلقيات‪ ،‬انفعاليات‪ ،‬عاديات‪،‬‬
‫استقرائيات)‪.‬‬
‫تتطابق عليها‬
‫ُ‬ ‫الصالحية (آراء حممودة) التي‬ ‫ورك ََّز عىل ْ‬
‫التأديبات َّ‬
‫ِ‬
‫باعتبار َّ‬
‫أن هبا حفظ‬ ‫للحك ِم هبا‬ ‫ِ‬ ‫اآلرا ُء من ِ‬
‫املصلحة العامة ُ‬
‫أجل قضاء ْ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.289-282‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.204-204‬‬
‫‪ .3‬ويتّضح ذلك من القسم الثالث من كتاب األسس املنطقية لالستقراء‪ ،‬حيث يدرس هذه اليقينيات‬
‫بنح ٍو نقدي‪ ،‬فيتحفظ عىل املوقف األرسطي‪ ،‬ويقدّم السيّد محمد باقر الصدر يف هذا القسم نظريته‬
‫الخاصة يف املعرفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ | 460‬تاریخ علم املنطق‬

‫كقضية ُح ْس ِن العدْ ِل و ُق ْب ِح ال ُّظ ْلم‪ .‬وهذا هو‬ ‫ِ‬ ‫النِّظام وبقاء النوع‪،‬‬
‫اخلالف يف ِ‬
‫إثباهِتِام بني‬ ‫ُ‬ ‫معنى التَّحسني والتَّقبيح العقل َّيني ال َّلذين و َق َع‬
‫ِ‬
‫األشاعرة والعدْ ل َّية‪ ،‬فن َفت ُْهام األوىل وأثب َتت ُْهام الثانية‪.‬‬
‫موقف ابن سينا‪ ،1‬وأستاذه ا ُملح ِّقق األصفهاين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫موقف ا ُملظ َّفر هذا ُحُياكي‬ ‫ُ‬ ‫‬
‫اهلامش‪ُ ،‬حُي ُيل ا ُملظ َّفر يف موضو ِع التَّحسني والتَّقبيح العقل َّيني إىل‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫العقل العميل يف‬ ‫ُ‬ ‫(العقل) هنا هو‬‫ِ‬ ‫أن املرا َد من‬ ‫وبنَّي َّ‬ ‫كتابِ ِه أصول الفقه‪َ َّ .‬‬
‫بتفاوت ا ُملدْ ركات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫التفاوت بين َُهام إنَّام هو‬‫َ‬ ‫مقابل العقل النَّظري‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ِ‬
‫أصول الفقه‬ ‫ِ‬ ‫فصلة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫البحث أمه َّي ٌة كبري ٌة‬ ‫ِ‬
‫كأساس لبحوث ُم َّ‬ ‫وهلذا‬
‫والف ْلسفة وع ْلم الكالم‪.2‬‬
‫بتعريفها‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬بل اكتفى‬ ‫املشهورات يف‬ ‫أثر ألقسا ِم ْ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال َ‬
‫اإلحسان و ُقبحِ العدْ ِ‬
‫ِ‬ ‫كح ْس ِن‬
‫وان‪،‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫بأهَّنا «القضايا التي تطا َب َق فيها آرا ُء الك ُّل ُ‬ ‫َّ‬
‫الب‬ ‫أهل اهلند» ‪ .‬ولذا يفقدُ ال َّط ُ‬
‫‪3‬‬ ‫أو آراء طائفة ك ُق ْبحِ ذبح احليوانات عند ِ‬
‫سفة وع ْل ِم الكالم‪.‬‬‫الفقه والف ْل ِ‬ ‫أصول ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيتاج ُه يف‬ ‫املبتدئ مدْ ً‬
‫ُ‬ ‫خاًل مهاًّمًّ‬
‫ِ‬
‫بمسألة‬ ‫ث عن الومهيات لريب َطها‬ ‫أروع كالم ا ُملظ َّفر وأنف َع ُه عندما حتدَّ َ‬ ‫ ‪28‌.‬وما َ‬
‫ِ‬
‫لغلبة‬ ‫الناس –‬ ‫ذلك كان‬‫أجل َ‬ ‫فقال (ممَّا قال)‪« :‬من ِ‬ ‫اإليامن باهللِ تعاىل‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العقل‬ ‫يتنور ِ‬
‫بنور‬ ‫نفوس ِهم – بني ُجُم ِّس ٍم و ُم ْلحد‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الوه ِم عىل‬
‫وقل من َّ‬
‫ِ‬
‫أوهامها»‪.4‬‬ ‫وجُيرد نفسه عن ِ‬
‫غلبة‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪.‬‬ ‫أثر هلذا البحث يف‬ ‫مقارنة‪ :‬ال َ‬

‫‪ .1‬تطرق ابن سينا لهذا املوضوع يف‪ :‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح نصري الدين‬
‫الطويس‪ ،‬تحقيق د‪ .‬سليامن دنيا‪ ،‬ذخائر العرب‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ص‪.353-350‬‬
‫‪ .2‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪299-293‬‬
‫‪ .3‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.206‬‬
‫‪ .4‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.302-300‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪461‬‬
‫ُ‬

‫بحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬


‫ب املا َّدة‪ ،‬وهي مخس ٌة‪ :‬ما‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر لبيان أقسام األقيسة َ‬ ‫ ‪َّ 29‌.‬‬
‫(الرُبهان)‪ ،‬وما أفا َد‬ ‫املطلوب ح ًّقا واق ًعا ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫أفا َد تصدي ًقا جاز ًما وكان‬
‫املطلوب ح ًّقا‪ ،‬ولكنَّ ُه ليس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ُرِب فيه ْ‬
‫أن‬ ‫تصدي ًقا جاز ًما‪ ،‬وقد اعت ِ َ‬
‫أن‬‫رب فيه ْ‬ ‫بحق واق ًعا (املغالطة)‪ ،‬وما أفا َد تصدي ًقا جاز ًما ولكن مل ُيع َت ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫والغر ُض‬ ‫َ‬ ‫االعرتاف والتَّسلي ِم‪،‬‬ ‫عترَب فيه عمو ُم‬ ‫املطلوب ح ًّقا بل ا ُمل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬
‫والغر ُض منه‬ ‫َ‬ ‫جلدَ ل)‪ ،‬وما أفا َد تصدي ًقا غري جاز ٍم‬ ‫اخلصم (ا َ‬ ‫منه إفحا َم ْ‬
‫ب‬ ‫والتعج ِ‬
‫ُّ‬ ‫إقناع اجلمهور (اخلطابة)‪ ،‬وما أفا َد غري التَّصديق من التخ ُّي ِل‬ ‫ُ‬
‫(الشعر)‪.‬‬ ‫حصول االنفعاالت النَّفسية ِّ‬ ‫ُ‬ ‫والغر ُض منه‬ ‫ِ‬
‫ونحومِها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫وحاشية ُم َّاَّل عبد اهلل يف‬ ‫ِ‬ ‫للمظ ِّفر‬ ‫ِ‬
‫املنطق ُ‬ ‫مقارنة‪ :‬ال ْفرق جوهري بني‬
‫لصالح‬ ‫ِ‬ ‫العبارة وسالستِها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضوح‬ ‫َّمهيد هلذا البحث‪ ،‬سوى يف‬ ‫الت ِ‬
‫األول دون الثاين‪.1‬‬ ‫َّ‬
‫يقيني‬ ‫ٌّ‬ ‫الرُبهان‪ ،2‬الذي هو‬ ‫اخلمس‪ْ ُ :‬‬ ‫الصناعات ْ‬ ‫بأو ِل ِّ‬ ‫ثم بد َأ ا ُملظ َّفر َّ‬ ‫ ‪َّ 30‌.‬‬
‫قياس‪ ،‬وهو إما ِّمِلِ ٌّي‬ ‫ٌ‬ ‫القبول ما َّد ًة وصورة‪ ،‬وهو يف حقيقتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫واجب‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫إيِّن (احلدُّ‬ ‫يكون واسط ًة يف اإلثبات وال ُّثبوت) وإ ّما ِّ ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫(احلدُّ األوسط فيه‬
‫اإلثبات فقط وليس واسط ًة يف ال ُّثبوت)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يكون واسط ًة يف‬ ‫ُ‬ ‫األوسط فيه‬
‫ِ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬
‫الرُبهان‪.‬‬ ‫ث عن أقسا ِم وضوابط ُ ْ‬ ‫َّ‬
‫الرُبهان)‪ ،‬أ َّكدَ‬ ‫لتحصيل ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫وحتت عنوان (ال َّطريق األساس الفكري‬ ‫ َ‬
‫يش ُّك فيهام إال ُمكابِ ٌر أو‬ ‫أن العقالء عندهم قضيتان َّأول َّيتان ال ُ‬ ‫عىل َّ‬
‫وجود ِه)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ممكن ال بدَّ له من ع َّل ٍة يف‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬
‫(كل‬ ‫والمُها‪َّ :‬‬ ‫مريض العقل؛ ُأ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جيب وجو ُد ُه عند وجود ع َّلته)‪ .‬و َّملا كان‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫وثانيهام‪َّ :‬‬
‫معلول ُ‬ ‫(كل‬

‫‪ .1‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.202-201‬‬


‫‪ .2‬تط ّرق أرسطو إىل ذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬باقتضاب يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫بدوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .310-309‬كام بحثه بالتفصيل يف منطق أرسطو‪ ،‬الربهان‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫بدوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.485-329‬‬
‫‪ | 462‬تاریخ علم املنطق‬

‫ٍ‬
‫موجبة‬ ‫اليقني من ع َّل ٍة‬ ‫ِ‬ ‫احلوادث املمكنة‪ ،‬فال بدَّ هلذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقضية من‬ ‫اليقني‬
‫ُ‬
‫(تصور أجزاء القضية‬ ‫تكون من الدَّ اخل‬ ‫َ‬ ‫لوجوده‪ ،‬وهذه الع َّل ُة إما ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫تكون من اخلارج‬ ‫َ‬ ‫األوليات)‪ ،‬وإ ّما ْ‬
‫أن‬ ‫للحك ِم والع ْل ِم بالنِّسبة‪َّ :‬‬ ‫ع َّل ٌة ُ‬
‫(باحلواس ال َّظاهرة أو الباطنة‪ ،‬أو القياس املنْطقي)‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫رش َح التفاصيل‪ ،‬خت ََم بقولِ ِه «فات ََّض َح من مجي ِع ما ذكرنا كيف‬ ‫أن َ‬ ‫وبعد ْ‬
‫ِ‬
‫هاتني‬ ‫أساس ُه عىل‬ ‫يرتكز‬ ‫احلاجة إليه‪ ،‬وأ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ورس‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرُبهان ُّ‬ ‫نحتاج إىل ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫كل برهان»‪.1‬‬ ‫لتحصيل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ريق األساس الفكري‬ ‫تني مها ال َّط ُ‬ ‫البدهيتني‪ ،‬ال َّل ِ‬

‫وأن املرا َد من الع َّل ِة فيه هو‬ ‫الرُبهان ال ِّل ِّمي‪َّ ،‬‬ ‫ث عن أقسا ِم ُ ْ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬ ‫ َّ‬
‫الصورية‪،‬‬ ‫رش ِح الع َّلة الفاعلية‪ ،‬املا ِّدية‪ُّ ،‬‬ ‫خصوص الع َّلة الفاعلية (مع ْ‬ ‫ُ‬
‫الرُبهان‬ ‫كتاب ُ ْ‬ ‫(الذايت) يف ِ‬ ‫الرُبهان‪ ،‬ومعنى َّ‬ ‫الغائية)‪ ،‬ورشوط ُمقدِّ مات ُ ْ‬
‫احلم ِل‬ ‫باب ال ُك ِّليات و ُيقابِ ُل ُه (ال َع َريض)‪ ،‬ويف ِ‬ ‫معانيه يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫رش ِح‬
‫باب ْ‬ ‫(مع ْ‬
‫ُ‬
‫(املحمول‬ ‫أيضا و ُيقابِ ُل ُه‬ ‫احلم ِل ً‬ ‫باب ْ‬ ‫وال ُع ُروض و ُيقابِ ُل ُه (الغريب)‪ ،‬ويف ِ‬
‫الصناعي)‪ ،‬ويف‬ ‫أيضا و ُيقابِ ُل ُه َّ‬ ‫احلم ِل ً‬ ‫ميمة)‪ ،‬ويف ِ‬ ‫بالض ِ‬
‫ائع ِّ‬ ‫(الش ُ‬ ‫باب ْ‬ ‫َّ‬
‫(الذايت)‬ ‫أن مقصو َد ُهم من َّ‬ ‫الع َلل و ُيقابِ ُل ُه (االتفاقي)‪ ،‬لينتهي إىل َّ‬ ‫باب ِ‬ ‫ِ‬
‫األول والثاين (ما ُيقابِ ُل ال َع َريض‬ ‫الرُبهان ما ي ُع ُّم املعنى ّ‬ ‫كتاب ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫(األويل)‬ ‫َّ‬ ‫أن املرا َد بـ‬ ‫(األويل)‪ ،‬ل ُيؤكِّد عىل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ثم خت ََم بمعنى‬ ‫والغريب)‪َّ .‬‬
‫حيتاج إىل‬ ‫ُ‬ ‫غري ِه‪ ،‬أي ال‬ ‫ط ِ‬ ‫املحمول ال بتوس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الرُبهان‪« :‬هو‬ ‫كتاب ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫موضوع ِه»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مح ِل ِه عىل‬ ‫وض يف ْ‬ ‫واسطة يف ال ُع ُر ِ‬ ‫ٍ‬

‫تأخرة‪،‬‬ ‫بعض ُكتُب أصول الفقه ا ُمل ِّ‬ ‫أن َ‬ ‫أن ُيع َل َم هنا َّ‬ ‫جيب ْ‬ ‫ثم قال‪« :‬ممَّا ُ‬ ‫ َّ‬
‫باب موضوع الع ْلم املقابل له‬ ‫(الذايت) الذي هو يف ِ‬ ‫تفسري َّ‬ ‫ُ‬ ‫و َق َع فيها‬
‫اشتباهات كثري ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫أجل َ‬
‫ذلك‬ ‫األويل هنا‪ .‬فوقعت من ِ‬ ‫(الغريب)‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫(الذايت)‪ ،‬و(األويل)‪ ،‬وال ِ‬
‫نخلط‬ ‫َّ‬ ‫ص منها إذا َّفر ْقنا بني َّ‬ ‫نستطيع التخ ُّل َ‬ ‫ُ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.319‬‬


‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪463‬‬
‫ُ‬

‫الواضح أنَّه يقصد هنا الكال َم ال َّطويل الذي‬‫ِ‬ ‫أحدَ ُمُها باآلخر»‪ .1‬ومن‬
‫حتديد موضوع ع ْلم أصول الفقه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وقع يف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املطالب ا ُملتقدِّ مة – التي ذكرها ا ُملظ َّفر ‪ -‬ال نجدُ هلا ً‬
‫أثرا يف‬ ‫مقارنة‪ُّ :‬‬
‫كل‬
‫ورش ٍح‬ ‫وانقسامه إىل ِّمِلِ ٍّي ِّ‬
‫وإيِّن‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬سوى ذكْر ُ ْ‬
‫الرُبهان‬
‫ٍ‬
‫واحدة تقري ًبا‪.2‬‬ ‫ٍ‬
‫صفحة‬ ‫ِ‬
‫هلذين القسمني‪ ،‬يف‬ ‫ِ‬
‫للغاية‬ ‫ٍ‬
‫مقتضب‬
‫اخلمس‪ :‬اجلدَ ل أو آداب املناظرة‪،3‬‬ ‫الصناعات ْ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل ثاين ِّ‬ ‫ثم َ‬ ‫ ‪َّ 31‌.‬‬
‫امت ا ُمل ْل ِز ُم‬ ‫هورات أو ا ُملس َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف من ْ‬
‫املش‬ ‫القول املؤ َّل ُ‬ ‫ُ‬ ‫و ُيرا ُد بـ (اجلدَ ِل)‬
‫خالف‬ ‫ٍ‬ ‫ينفك عن‬ ‫الصناعة‪ .‬فاإلنسان ال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للغري واجلاري عىل قواعد ِّ‬
‫ف‬ ‫وآرائ ِه‪ ،‬فتتأ َّل ُ‬
‫ِ‬ ‫عقائد ِه‬
‫ِ‬ ‫أبناء ج ْلدَ تِ ِه يف‬ ‫غري ِه من ِ‬ ‫ومنازعات بينَ ُه وبني ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقياس إىل ِّ‬
‫نقض ُه‪،‬‬ ‫ُنارِص ُه‪ ،‬وأخرى تريدُ َ‬ ‫كل وضع طائفتان‪ :‬طائف ٌة ت ُ‬
‫نظر ِه‬ ‫وجهة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتأييد‬ ‫فريق الدَّ َ‬
‫ليل‬ ‫كل ٍ‬ ‫فيلتمس ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك إىل اجلدال‪،‬‬ ‫وينجر َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫سبيل قويم‪ ،‬لكن َ‬ ‫هان ٌ‬ ‫والرُب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب (وهي‬ ‫هناك من‬ ‫خصمه‪ْ ُ .‬‬ ‫وإفحا ِم ْ‬
‫لة‬‫هان يف ُمُج ٍ‬ ‫األخذ بالرُب ِ‬ ‫ِ‬ ‫أسباب يذك ُُرها ا ُملظ َّفر) ما يدعو إىل عد ِم‬ ‫ٍ‬ ‫أربع ُة‬
‫ُْ‬
‫قار َن ا ُملظ َّفر بني اجلدَ ِل‬ ‫ِ‬ ‫من املواقع‪ ،‬وال ُّل ِ‬
‫ثم َ‬ ‫سبيل اجلدل‪َّ .‬‬ ‫جوء إىل‬
‫ومبادئ ِه و ُمقدِّ ماتِ ِه‬‫ِ‬ ‫وفوائد ِه‬
‫ِ‬ ‫تعريف اجلدَ ل‬ ‫ِ‬ ‫ث عن‬ ‫والرُبهان‪ ،‬وحتدَّ َ‬ ‫ُْ‬
‫ومسائل ِه ومطالبِ ِه وأدواتِه‪ِ.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫واملوض ُع هو ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬
‫ب منه‬ ‫ُيِّل تنشع ُ‬ ‫كل ُحك ٍم ك ِّ ٍّ‬ ‫مبحث املواضع‪.‬‬ ‫انتقل إىل‬ ‫ َّ‬
‫بمنزلة اجل ْزئي باإلضافةِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كل واحد منها‬ ‫وتتفر ُع عليه أحكا ٌم ُك ِّلي ٌة كثرية‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كل واحد من هذه األحكا ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل هلا‪ ،‬ويف الوقت عينه ُّ‬ ‫إىل َ‬
‫ذلك الك ُِّيِّل ْ‬
‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫القياس اجلدَ يل‬ ‫ِ‬ ‫يقع ُمقدِّ م ًة يف‬ ‫يصح ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ُملتش ِّعبة‬
‫أن َ‬ ‫مشهور يف نفسه ُّ‬ ‫ٌ‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.328-311‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ .3‬تط ّرق أرسطو إىل هذا املوضوع بالتفصيل يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬طوبيقا‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫بدوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .695-489‬أيضً ا ج‪ ،3‬ص‪.769-711‬‬
‫‪ | 464‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬ ‫ِِ‬


‫وأصناف املواضع‪،‬‬ ‫ورس الت َّْسمية‪،‬‬ ‫ث عن فائدة املوضع ِّ‬ ‫ُشهرته‪َّ .‬‬
‫األوىل واآل َثر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومواض ِع اإلثبات واإلبطال‪ ،‬ومواض ِع ْ‬
‫يستهدف‬ ‫ائل الذي‬ ‫للس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬
‫ُ‬ ‫تعليامت َّ‬
‫ٌ‬ ‫مبحث الوصايا‪ ،‬وفيه‬ ‫انتقل إىل‬ ‫ َّ‬
‫جيب الذي‬ ‫للم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اعرتاف ا ُمل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫تعليامت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ثم‬‫جيب يف جدَ له‪َّ ،‬‬ ‫احلصول عىل‬
‫للس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ائل‬ ‫تعليامت مشرتك ٌة َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وأخريا‬
‫ً‬ ‫السائل‪،‬‬ ‫خصمه َّ‬ ‫ُيداف ُع عن مهامجة ْ‬
‫(آداب املناظرة)‪. 1‬‬ ‫ُ‬ ‫وا ُملجيب‬
‫ِ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ِ‬
‫لصناعة اجلدَ ل‪،‬‬ ‫تفصييل‬
‫ٍّ‬ ‫ذكر‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ َّ‬
‫اخلمس‬ ‫ِ‬ ‫تأخ َ‬ ‫ذكر ُه ا ُمل ِّ‬ ‫بل اكتفى بالقول‪« :‬واع َلم َّ‬
‫الصناعات ْ‬ ‫رون يف ِّ‬ ‫أن ما َ‬
‫اقتصار ُ ِخُم ٌّل‪ ،‬قد أمجلو ُه وأمهلو ُه‪ ،‬مع كونِ ِه من ا ُمل ِه َّاَّمت‪.2»...‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫تستهدف‬
‫ُ‬ ‫اخلمس‪ :‬اخلطابة‪ ،3‬التي‬ ‫الصناعات ْ‬ ‫ثم انت َق َل ا ُملظ َّفر إىل ثالث ِّ‬ ‫ ‪َّ 32‌.‬‬
‫هان وال‬ ‫خيضع للرُب ِ‬ ‫إقناع اجلمهور فيام ُيرا ُد منهم حتقي ُق ُه‪.‬‬
‫فاجلمهور ال َ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ذلك يعو ُد إىل حتكُّم‬ ‫بب يف َ‬ ‫والس ُ‬ ‫خيض ُع لل ُّط ُرق اجلدَ لية‪َّ ،‬‬ ‫يقن َُع به‪ ،‬كام ال َ‬
‫الصرب عىل التأ ُّم ِل‬ ‫أكثر من التع ُّق ِل‬ ‫ِ‬
‫ليس ل ُه َّ‬ ‫والتبرُّص‪ ،‬بل َ‬ ‫ُّ‬ ‫العاطفة به َ‬
‫حي التَّفكري فاقدٌ للت ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّمييز الدَّ قيق‪ ،‬تُؤ ِّث ُر‬ ‫وحماكمة األد َّلة‪ ،‬وإنَّام هو س ْط ُّ‬
‫رباقة‪.‬‬ ‫العبارات ال َّ‬
‫ُ‬ ‫ُبه ُر ُه‬ ‫فيه املغريات وت ِ‬
‫ث عن أجزائها‪ :‬العمود (احلُ َّجة‬ ‫ف ا ُملظ َّفر اخلطاب َة‪ ،‬وحتدَّ َ‬ ‫عر َ‬
‫ثم َّ‬
‫ َّ‬
‫اإلقناعية)‪ ،‬واألعوان (األقوال واألفعال واهليئات اخلارجية ا ُملعينة له‬
‫ِ‬
‫(تعريف‬ ‫ِ‬
‫القائل‬ ‫بحس ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ثم حتدَّ َ‬
‫ث عن االستدراجات َ‬ ‫عىل اإلقناع)‪َّ .‬‬
‫َ‬
‫تكون‬ ‫ب القول ْ‬
‫(أن‬ ‫بحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلطيب ومظهره)‪ ،‬واالستدراجات‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِِ‬
‫الصوت والنَّربة واإللقاء)‪،‬‬ ‫وح ْسن َّ‬
‫للغرض‪ُ ،‬‬ ‫هلج ُة كالمه مناسب ًة َ‬
‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.363-329‬‬
‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ .3‬تطرق أرسطو لهذا املوضوع بالتفصيل يف‪ :‬أرسطوطاليس‪ ،‬الخطابة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫بدوي‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪465‬‬
‫ُ‬

‫عواطف اجلمهور‪ ،‬وعدم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(إثارة‬ ‫ب ا ُملخا َطب‬ ‫بحس ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستدراجات َ‬
‫وشهادة القول (االستعانة‬ ‫ِ‬ ‫ذ ِّم ِهم‪ ،‬أو إطالة الكالم والتَّكرار ا ُمل ِمل)‪،‬‬
‫وشهادة احلال (انطباع اجلمهور‬ ‫ِ‬ ‫وشعراء)‪،‬‬ ‫كامء ُ‬ ‫أنبياء وح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأقوال‬
‫ُ‬
‫وأركان اخلطابة‬ ‫ِ‬ ‫اخلطابة واجلدَ ل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والفر ِق بني‬ ‫ا ُمل ْس َبق عن اخلطيب)‪،‬‬
‫ْ‬
‫الضمري‪،‬‬ ‫وصور اخلطابة (التَّثبيت‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫(اخلطيب‪ ،‬اخلطاب‪ ،‬ا ُملخا َطب)‪،‬‬
‫أصناف‬ ‫ِ‬ ‫القول يف‬ ‫َ‬ ‫فص َل‬ ‫ِ‬
‫ثم َّ‬ ‫الرُبهان‪ ،‬املوضع)‪َّ ،‬‬ ‫التَّفكري‪ ،‬االعتبار‪ْ ُ ،‬‬
‫ا ُملخا َطبات (منافرات‪ ،‬مشاجرات‪ ،‬مشاورات)‪.1‬‬
‫ِ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ِ‬
‫لصناعة اخلطابة‪،‬‬ ‫تفصييل‬
‫ٍّ‬ ‫ذكر‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ َّ‬
‫اخلمس‬ ‫ِ‬ ‫تأخ َ‬ ‫ذكر ُه ا ُمل ِّ‬ ‫بل اكتفى بالقول‪« :‬واع َلم َّ‬
‫الصناعات ْ‬ ‫رون يف ِّ‬ ‫أن ما َ‬
‫‪2‬‬
‫اقتصار ُ ِخُم ٌّل‪ ،‬قد أمجلو ُه وأمهلو ُه‪ ،‬مع كونِ ِه من ا ُمل ِه َّاَّمت‪.»...‬‬ ‫ٌ‬
‫بتعريف ِه‬
‫ِ‬ ‫فمهدَ‬‫الشعر‪َّ ،3‬‬ ‫اخلمس‪ِّ :‬‬ ‫الصناعات ْ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل راب ِع ِّ‬ ‫ثم َ‬ ‫ ‪َّ 33‌.‬‬
‫ثم حتدَّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بأنَّه كال ٌم ُخُم َّي ٌل ُمؤ َّل ٌ‬
‫ث عن‬ ‫ف من أقوال موزونة متساوية ُمق َّفاة‪َّ ،‬‬
‫بب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فائدتِ ِه يف‬
‫الس َ‬ ‫وبنَّي َّ‬ ‫وإهاجة االنفعاالت واالتِّعاظ‪َ َّ ،‬‬ ‫والتأييد‬ ‫اإلثارة‬
‫أهم‬‫عر قوا ُم ُه التَّخييل‪ ،‬والتَّخييل من ِّ‬ ‫فالش ُ‬ ‫تأثري ِه عىل النُّفوس‪ِّ ،‬‬ ‫يف ِ‬
‫َّصوير واملحاكا ُة‬ ‫ُ‬ ‫أساس ُه الت‬ ‫َّخييل ُ‬ ‫ألن الت َ‬ ‫األسباب ا ُملؤ ِّثرة عىل النُّفوس؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫صو ِر الفنَّان الذي‬ ‫اعر كا ُمل ِّ‬ ‫فالش ُ‬‫َّعبري عن معنى؛ َّ‬ ‫َّمثيل ملا ُيرا ُد من الت ِ‬ ‫والت ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫عرِّبة‪.‬‬ ‫الص َور ا ُمل ِّ‬ ‫يرس ُم بريشته ُّ‬
‫بثالثة أشياء‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أجاب‬ ‫عر ِش ْع ًرا؟‬ ‫يكون ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وإجاب ًة عىل سؤال‪ :‬بامذا‬
‫َ‬ ‫الش ُ‬
‫الشعر‪:‬‬ ‫املشهورة عن ِّ‬ ‫رش َح العبار َة ْ‬ ‫ثم َ‬ ‫الوزن‪ ،‬واأللفاظ‪ ،‬واملعاين‪َّ .‬‬ ‫ْ‬
‫والذ ِّم‬ ‫ِ‬
‫َّخييل باملبالغات ‪ -‬كا ُملبالغة باملدْ ِح َّ‬ ‫إن الت َ‬ ‫فقال َّ‬ ‫أعذ ُب ُه)‪َ ،‬‬ ‫(أكذ ُب ُه َ‬ ‫َ‬

‫‪ .1‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.399-365‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ .3‬وقد تط ّرق أرسطو إىل هذا املوضوع بالتفصيل يف‪ :‬أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة د‪ .‬إبراهيم‬
‫حامدة‪ ،‬مكتبة االنجلو املرصية‪.‬‬
‫‪ | 466‬تاریخ علم املنطق‬

‫َّقبيح ‪ -‬ليس كذبا يف ا ُمل ِ‬


‫راد اجلدِّ ي إذا كان وق ُع ُه كذلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّحسني والت ِ‬ ‫والت‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫القبيح‬ ‫ب‬‫الكذ ِ‬
‫َ‬ ‫املراد االستعاميل‪ .‬وليس هذا من‬ ‫ِ‬ ‫ولكنَّها كاذب ٌة يف‬
‫ِ‬
‫(كتشبيه‬ ‫اإلخبار عنه حقيق ًة‬ ‫املذموم ما دا َم هو ليس ُمرا ًدا جدِّ ًيا ُيرا ُد‬‫ْ‬
‫ُ‬
‫بالشع ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫رة الدَّ قيقة)‪.‬‬ ‫للخرْص الدَّ قيق َّ ْ‬ ‫الشعراء‬ ‫ُّ‬
‫َّصوير‬
‫َ‬ ‫أن الت‬ ‫ِ‬
‫وتأثريها‪ ،‬ل ُيؤ ِّكدَ عىل َّ‬ ‫ث عن القضايا ا ُملخ َّيالت‬ ‫ثم حتدَّ َ‬
‫ َّ‬
‫ِ‬ ‫والتَّخييل ُمؤ ِّث ٌر يف الن ِ‬
‫الصور ُة أبعدَ‬ ‫وإن كان كاذ ًبا‪ ،‬بل ك َّلام كانت ُّ‬
‫َّفس ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتذاذها‪.‬‬ ‫إعجاب النَّفس‬ ‫أثرا يف‬‫وأغرب‪ ،‬كانت أب َلغ ً‬
‫بأهَّنا موهب ٌة ر َّباني ٌة‬ ‫أجاب َّ‬ ‫َ‬ ‫الشعر؟‬ ‫ وإجاب ًة عن سؤال‪ :‬من أين تتو َّلد م َلك ُة ِّ‬
‫كموهبة ُح ْسن البيان أو اخلطابة أو‬ ‫ِ‬ ‫عباد ِه‪،‬‬
‫بعض ِ‬ ‫خيتص اهللُ تعاىل هبا َ‬ ‫ُّ‬
‫وغريها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك ممَّا يتع َّل ُق بال ُفنون اجلميلة‬ ‫التَّصوير أو التَّمثيل‪...‬وما إىل َ‬
‫الشعراء نوابغ البرش‪...‬لينتهي‬ ‫أجل هذا االختصاص الر َّباين عُدَّ ُّ‬ ‫ومن ِ‬
‫عر عىل‬ ‫الش ُ‬ ‫الباطن (الالشعوري)‪ ،‬فيتد َّف ُق ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعقل‬ ‫عر ِصلة‬ ‫للش ِ‬‫أن ِّ‬ ‫إىل َّ‬
‫اختالف عظي ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫حيث يدْ ري وال يدْ ري‪ ،‬عىل‬ ‫اعر كاإلهلا ِم من ُ‬ ‫الش ِ‬ ‫لسان َّ‬ ‫ِ‬
‫بقول الفرزدق‪« :‬قد يأيت‬ ‫ِ‬ ‫واخلطباء يف هذه الناحية‪ ،‬مستشهدً ا‬ ‫ِ‬ ‫للش ِ‬
‫عراء‬ ‫ُّ‬
‫بيت شعر»‪ُ ،‬م ِ‬ ‫قول ِ‬
‫أهون من ِ‬ ‫رِض ٍ‬ ‫ِ‬
‫عرت ًفا يف‬ ‫ُ‬ ‫س عندي‬ ‫احلني وق ْل ُع ْ‬ ‫ُ‬ ‫َع َ َّيَل‬
‫ختر ُج‬
‫نفس الفرد‪ ،‬فال ُ‬ ‫الشعر إذا كانت موجود ًة يف ِ‬ ‫قو َة ِّ‬ ‫بأن َّ‬‫الوقت ذاتِ ِه َّ‬ ‫ِ‬
‫دون سابق مترين وممارسة‪.1‬‬ ‫من حدِّ القوة إىل حدِّ الفعلية من ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫أي ِذك ٍْر‬ ‫ِ‬
‫الشعر‪،‬‬ ‫لصناعة ِّ‬ ‫تفصييل‬
‫ٍّ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ َّ‬
‫اخلمس‬ ‫ِ‬ ‫تأخ َ‬ ‫ذكر ُه ا ُمل ِّ‬ ‫بل اكتفى بالقول‪« :‬واع َلم َّ‬
‫الصناعات ْ‬ ‫رون يف ِّ‬ ‫أن ما َ‬
‫اقتصار ُ ِخُم ٌّل‪ ،‬قد أمجلو ُه وأمهلو ُه‪ ،‬مع كونِ ِه من ا ُمل ِه َّاَّمت‪.2»...‬‬ ‫ٌ‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.415-401‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪467‬‬
‫ُ‬

‫خام ِ ِ‬ ‫انتقل ا ُملظ َّفر إىل ِ‬


‫فعر َفها‬ ‫اخلمس‪ :‬املغالطة ‪َّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫الصناعات ْ‬ ‫س وآخ ِر ِّ‬ ‫ثم َ‬ ‫ ‪َّ 34‌.‬‬
‫سمى‬ ‫لوض ٍع من األوضاعِ‪ُ ،‬ي َّ‬ ‫تكون ن ْق ًضا ْ‬ ‫ُ‬ ‫قياس نتيج ُت ُه‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫بأهَّنا ُّ‬ ‫َّ‬
‫لصاحب ذلك‬ ‫ِ‬ ‫تبكيت‬
‫ٌ‬ ‫باصطالح املنْطقيني (تبكيتًا)‪ ،‬بلحاظ أنَّه‬ ‫ِ‬
‫وإن‬‫هان‪ُ ،‬س ِّميت (سفسطة)‪ْ .‬‬ ‫فإن كانت املغالط ُة شبيه ًة بالرُب ِ‬ ‫الوضع‪ْ .‬‬ ‫ْ‬
‫ُْ‬
‫كانت املغالط ُة شبيه ًة باجلدَ ِل‪ُ ،‬س ِّميت (مشاغبة)‪.‬‬
‫الذهني ملا حت َّققت‬ ‫والقصور ِّ‬ ‫ِ‬
‫االنتباه‬ ‫ف‬ ‫َّمييز وض ْع ُ‬ ‫ ولوال ق َّل ُة الت ِ‬
‫ُ‬
‫قم ِة‬ ‫ِ‬
‫البرَش ُمرتك ٌس إىل َّ‬ ‫أن َ َ‬ ‫احلظ َّ‬
‫مغالط ٌة‪ ،‬وملا متَّت هلا صناعة‪ .‬ومن سو ُء ِّ‬
‫الذهني العام الذي ال يكاد خيلو منه‬ ‫بسبب ال ُق ُصور ِّ‬ ‫ِ‬ ‫رأس ِه باملغالطات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫الصاحلني‪.‬‬ ‫خص ُه اهللُ تعاىل برمحته من عباده َّ‬ ‫قلياًل‪ّ ،‬إاّل من َّ‬ ‫إنسان‪ ،‬ولو ً‬
‫ٍ‬
‫ملصلحة‬ ‫ٍ‬
‫صحيح‬ ‫قص ٍد‬ ‫واملغالط ُة قد‬
‫تعمدَ تغليط الغري عن ْ‬ ‫تستهدف ُّ‬ ‫ُ‬
‫تستهدف‬ ‫ُسمى (امتحانًا)‪ .‬وقد‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫كاختباره وامتحانه‪ ،‬فت َّ‬ ‫حممودة‪،‬‬
‫غرض‬ ‫ٍ‬ ‫تقع عن‬ ‫ِ‬ ‫وتعجيز ُه إذا كان ُم ْب ً‬
‫ُسمى (عنا ًدا)‪ .‬وقد ُ‬ ‫طاًل‪ ،‬فت َّ‬ ‫َ‬ ‫مدافع َت ُه‬
‫غري ِه‪.‬‬
‫التفوق عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كالرياء بالع ْل ِم واملعرفة‪ ،‬وطلب ُّ‬ ‫فاسد‪ِّ ،‬‬
‫ف مغالطات‬ ‫التحر ُز من الوقو ِع يف الغلط‪ْ ،‬‬
‫وكش ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الصناعة‪:‬‬
‫وفائد ُة هذه ِّ‬
‫كل ما تتع َّلق به صناع ُة‬ ‫تتناول ّ‬
‫ُ‬ ‫وموضوع صناعة املغالطة‬ ‫ُ‬ ‫اآلخرين‪.‬‬
‫ِ‬
‫وأجزاؤها – كاخلطابة – عمو ٌد وأعوان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرُبهان واجلدَ ل‪.‬‬ ‫ُْ‬
‫االسم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مغالطات ل ْف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫قس ِ‬ ‫ِ‬
‫ست (باشرتاك ْ‬ ‫ظية ّ‬ ‫مني رئيسني‪:‬‬ ‫وتنقس ُم إىل ْ‬
‫فصل‪،‬‬ ‫اإلعراب واإلعجام‪ ،‬املامراة‪ ،‬تركيب ا ُمل َّ‬ ‫ِ‬ ‫يف هيأة ال َّلفظ َّ‬
‫الذاتية‪ ،‬يف‬
‫أخ ِذ ما‬ ‫معنوية س ْبع (إهيا ِم االنعكاس‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومغالطات‬ ‫تفصيل ا ُملركَّب)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫ِ‬
‫املسائل يف‬ ‫مج ِع‬ ‫ِ‬ ‫ض مكان ما َّ‬ ‫بالعر ِ‬
‫احلمل‪ْ ،‬‬
‫بالذات‪ ،‬سوء اعتبار ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وض ِع ما ليس بع َّلة ع َّلة)‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحدة‪ ،‬سوء التَّأليف‪ ،‬املصادرة عىل املطلوب‪ْ ،‬‬
‫‪ .1‬تط ّرق أرسطو لذلك يف‪ :‬منطق أرسطو‪ ،‬يف التحليالت األوىل‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ .303-299‬ودرسه بالتفصيل يف منطق أرسطو‪ ،‬سوفسطيقا‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1052-773‬‬
‫‪ .2‬املظفّر‪ ،‬املنطق‪ ،‬ص‪.443-417‬‬
‫‪ | 468‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬ ‫أي ِذك ٍْر‬ ‫ِ‬


‫لصناعة املغالطة‪،‬‬ ‫تفصييل‬
‫ٍّ‬ ‫مقارنة‪ :‬يف حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪ ،‬ال نجدُ َّ‬
‫اخلمس‬ ‫ِ‬ ‫تأخ َ‬ ‫ذكر ُه ا ُمل ِّ‬ ‫بل اكتفى بالقول‪« :‬واع َلم َّ‬
‫الصناعات ْ‬ ‫رون يف ِّ‬ ‫أن ما َ‬
‫اقتصار ُ ِخُم ٌّل‪ ،‬قد أمجلو ُه وأمهلو ُه‪ ،‬مع كونِ ِه من ا ُمل ِه َّاَّمت‪ 1.»...‬لكن‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫والرؤوس‬ ‫ب ُمل َّاَّل عبد اهلل أنَّه خت ََم كتا َب ُه ببحث (أجزاء العلوم)‪ُّ ،‬‬ ‫ُحُي َس ُ‬
‫أي‬ ‫أي ع ْل ٍم هو؟ يف ِّ‬ ‫السمة‪ ،‬املؤ ِّلف‪ ،‬من ِّ‬ ‫ال َّثامنية (الغرض‪ ،‬املنفعة‪ِّ ،‬‬
‫القسمة‪ ،‬األنحاء التَّعليمية)‪.2‬‬ ‫ٍ‬
‫مرتبة هو؟ ْ‬
‫استعراض مباحث كتاب املنطق‪ ،‬ومقارنتِ ِه بام جا َء‬ ‫ِ‬ ‫انتهيت من‬‫ُ‬ ‫إىل هنا ُ‬
‫أكون قد‬
‫مهم ٍة أختِ ُم هبا هذا البحث‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وانتقل اآلن إىل ذك ٍْر نقاط َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل‪.‬‬ ‫يف‬
‫دارس املنطق‪:‬‬
‫كهام ُ‬ ‫أن ُيدْ ِر ُ‬
‫حقيقتان ال ُبدَّ ْ‬
‫َ‬
‫بالعامَلِ يف‬ ‫التطورات التي وق َعت‬ ‫يكون مواكبا ألحدَ ِ‬
‫ث‬ ‫ُ‬ ‫دارس املنطق‪ ،‬حتى‬
‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫احل ْق ِل املنطقي‪ ،‬ال بدَّ ْ‬
‫أن يدرك حقيقتني‪:‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫كتاب املنطق‪ ،‬هو ُّ‬ ‫أن ما ُذ ِك َر يف‬ ‫احلقيق ُة األوىل‪ :‬تتم َّث ُل يف أنَّه قد َّ‬
‫يتوه ُم َّ‬
‫ِ‬
‫تفسري آلية عمل العقل عندما‬ ‫لوحد ِه عىل‬
‫ِ‬ ‫قادر‬
‫غري ُه‪ ،‬وأنَّه ٌ‬ ‫منطق َ‬‫املنطق‪ ،‬وال َ‬
‫يستنتج قضي ًة من مقدِّ ِ‬
‫ماهِتا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫للمنطق‬ ‫عرض‬‫وإن م َّث َل أروع وأفضل ْ‬‫الكتاب ْ‬ ‫ُ‬ ‫وهم كبري‪ ،‬فهذا‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫أن هناك أنام ًطا أخرى من‬ ‫وطو َر ُه املسلمون‪ ،‬إال َّ‬
‫األرسطي‪ ،‬الذي ن َّظ َم ُه أرسطو َّ‬
‫أن ُحُي َ‬
‫يط به‬ ‫ٍ‬
‫بكثري من ْ‬ ‫ُ‬
‫وعقل اإلنسان أعقدُ‬ ‫القر ِ‬
‫نني األخريين‪.‬‬ ‫املنطق ظهرت يف ْ‬
‫آليات العقل عند االستنتاجِ والتفكري‪.‬‬‫منطق واحد‪ ،‬ليفرِّس ِ‬ ‫ٌ‬
‫ُ ِّ َ‬
‫ُوضح ِ‬
‫معامِل َ أنامط‬ ‫َ‬
‫وإليك عناوين لتلك األنامط من املنطق‪ ،‬وعبارات موجزة ت ِّ ُ‬
‫املنطق‪:‬‬

‫‪ .1‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪ ،‬ص‪.208‬‬


‫‪ .2‬حاشية ُم ّاّل عبد الله‪.226-209 ،‬‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪469‬‬
‫ُ‬

‫بعض األحيان‪:‬‬‫ِ‬ ‫املنطق األرسطي‪ُ .‬ي ُ‬


‫قال له يف‬ ‫ُ‬ ‫املنطق التَّقليدي القديم‪ :‬وهو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ناظر إىل نظرية القياس‬ ‫(الشكيل)‪ ،‬وهو ٌ‬
‫الصوري) أو َّ‬
‫غري دقيق؛ ألنَّه ٌ‬
‫قول ُ‬ ‫(املنطق ُّ‬
‫الرُبهان (التي تتناول ما َّدة‬
‫(التي تتناول صورة االستدالل)‪ ،‬ويتجاهل نظرية ُ ْ‬
‫االستدالل)‪.‬‬
‫ِ‬
‫أساس حتليل القضية إىل موضو ٍع وحممول‪ ،‬واستنباط‬ ‫املنطق عىل‬
‫ُ‬ ‫يقو ُم هذا‬
‫للمظ َّفر هذا‬ ‫ِ‬ ‫بنحو رضوري من مقدِّ ِ‬‫النتيجة ٍ‬
‫كتاب املنطق ُ‬
‫استعرض ُ‬
‫َ‬ ‫ماهِتا‪ .‬وقد‬ ‫ُ‬
‫بأفض ِل وجه‪ ،‬كام رأينا يف هذا البحث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املنطق َ‬ ‫النَّمط من‬
‫صوري أو‬
‫ٌّ‬ ‫منطق‬
‫ٌ‬ ‫الريايض)‪ ،‬وهو‬‫(املنطق ِّ‬
‫ُ‬ ‫أيضا‬‫قال له ً‬ ‫الرمزي‪ :‬و ُي ُ‬
‫املنطق َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫(منطق‬ ‫أيضا بـ‬
‫سمى ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أساس عالقات قائمة بني حدود‪ ،‬لذا ُي َّ‬ ‫شكيل‪ ،‬يقو ُم عىل‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫حتليل القضية إىل موضو ٍع‬ ‫االقتصار يف‬
‫َ‬ ‫املنطق‬
‫ُ‬ ‫يرفض هذا‬
‫العالقات)‪ ،‬وبالتايل ُ‬
‫وحممول‪.‬‬
‫ألن النتيج َة فيه‬
‫الصوري؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫اجلانب ُّ‬ ‫املنطق األرسطي يف‬ ‫ِ‬ ‫املنطق يت َِّف ُق مع‬
‫ُ‬ ‫هذا‬
‫فبداًل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خيتلف م َع ُه يف حتليله للقضية‪ً ،‬‬
‫ُ‬ ‫بالرَّضورة‪ .‬لكن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُستنبط من ُمقدِّ ماهِتا َّ‬ ‫ت‬
‫ٍ‬
‫حتليلها إىل موضو ٍع وحممول‪ُ ،‬حُي ِّل ُلها إىل حدود ْتربِ ُطها عالقات‪ .‬من أبرز أعال ِم‬ ‫ِ‬
‫هذا املنطق‪ :‬اإلنجليزي برتراند َر ِسل (ت ‪1970‬م)‪ ،‬وقبل ُه األملاين جوتلوب‬
‫فرجيه (ت ‪1935‬م‪ ،) .‬واإليطايل جوزيبه بيانو(ت ‪1932‬م)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ممكنة‬ ‫ٍ‬
‫كفرضية‬ ‫ٍ‬
‫ختمني ما‬ ‫ينطلق من‬‫ُ‬ ‫املنطق‬
‫ُ‬ ‫املنطق ال َف َريض‪ -‬االستنباطي‪ :‬هذا‬
‫ُ‬
‫ذلك التَّخمني‪ُ ،‬ع ِّز َزت‬ ‫كذ ُب َ‬ ‫الش ِ‬
‫واهد ما ُي ِّ‬ ‫فإن مل يظهر من َّ‬ ‫ِ‬
‫لتفسري ال َّظواهر‪ْ ،‬‬
‫ذلك التَّخمني‪،‬‬‫كذ ُب َ‬ ‫الش ِ‬
‫واهد ما ُي ِّ‬ ‫ظهر من ُّ‬ ‫الفرضي ُة وازدادت ال ِّثق ُة هبا‪ْ ،‬‬
‫وإن َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سمى هذا املنطق بـ (منطق‬ ‫اس ُت ْبد َلت بفرضية أخرى‪....‬وهكذا‪ .‬لذا قد ُي َّ‬
‫التَّكذيب)‪ ،‬أو (منطق املحاولة واخلطأ)‪ .‬من أبرز أعال ِم هذا املنطق‪ :‬النَّمساوي‬
‫كارل بوبر(ت ‪1994‬م)‪.‬‬
‫املنطق ُيو ِّظ ُ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫بـ(املنطق االستقرائي)‪ .‬هذا ُ‬ ‫منطق االحتامل‪ :‬و ُي َّ ُ‬
‫عرَّب عنه بعضهم‬ ‫ُ‬
‫‪ | 470‬تاریخ علم املنطق‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعطيات املتوافرة‪،‬‬ ‫لتحديد درجة االعتقاد املنْسجمة مع‬ ‫نظر َّي َة االحتامل ِّ‬
‫الرياضية‬
‫ِ‬
‫احلوادث املمكنة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جمموعة من‬ ‫ٍ‬
‫حادثة ما من‬ ‫من خالل حتديد درجة احتامل وقوع‬
‫ِ‬
‫من أبرز أعال ِم هذا املنطق‪ :‬األملاين رودولف كارناب (ت ‪1970‬م)‪ ،‬والعراقي‬
‫الصدْ ر(ت ‪1980‬م‪. ).‬‬
‫حممد باقر َّ‬
‫الس ِّيد َّ‬
‫تكميم‬
‫َ‬ ‫يستهدف‬
‫ُ‬ ‫(منطق ال ُغ ُموض)‪ .‬هذا ُ‬
‫املنطق‬ ‫ِ‬ ‫الضبايب‪ :‬وقد ُي َّ ُ‬
‫عرَّب عنه بـ‬ ‫املنطق َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كالذكاء وال ُّطول واحلرارة ُّ‬
‫والرُّسعة‪....‬‬ ‫املعاين الكيفية التي تأيت عىل درجات‪َّ ،‬‬
‫لذلك املفهوم الكيفي ( ُق ْرب ُه أو ُبعد ُه منه)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الستكشاف درجة انتامء ْفرد ما َ‬ ‫الخ‪،‬‬
‫من أبرز أعال ِم هذا املنطق‪ :‬األذربيجاين ُل ْطفي زاده‪.‬‬
‫دور أساس وحموري‬ ‫الضبايب‪ٌ ،‬‬ ‫الرمزي ومنطق االحتامل واملنطق َّ‬ ‫ِ‬
‫وللمنطق َّ‬
‫فالتطور‬‫ُّ‬ ‫االصطناعي واألنظمة اخلبرية‪.‬‬ ‫والذكاء ْ‬ ‫تطو ِر تكنولوجيا املعلومات َّ‬ ‫يف ُّ‬
‫ِ‬
‫التكنولوجي اهلائل الذي طر َأ يف العقود األخرية‪ ،‬مدي ٌن هلذه األنامط الثالثة من‬
‫املنطق‪.‬‬
‫كبريا‬ ‫ثم َة ُّ‬ ‫دارس املنطق‪ ،‬هي َّ‬ ‫أن ِ‬
‫يعر َفها‬ ‫احلقيق ُة الثاني ُة‪ :‬التي ال بدَّ ْ‬
‫تطو ًرا ً‬ ‫أن َّ‬ ‫ُ‬
‫منطقي‬ ‫بعضها‬ ‫يتورط هبا اإلنسان‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫وقع يف دراسة املغالطات والتح ُّيزات التي َّ‬ ‫قد َ‬
‫ٍ‬
‫إدراكي يتم َّثل بتح ُّيزات إدراكية‪ .‬والتح ُّي ُز‬ ‫قصور‬ ‫وبعضها اآلخر س َب ُب ُه‬ ‫نفيس‪ُ ،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫أو ٌّ‬
‫كثرية عندما ن ُْص ِد ُر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أحيان‬ ‫يتكر ُر وقو ُع ُه يف‬‫ومنهجي َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫اإلدراكي هو ٌ‬
‫خطأ ُمن َّظ ٌم‬
‫قرارات يف مواقف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أحكا ًما عىل قضايا أو نت ُ‬
‫َّخذ‬
‫عليه ِع ْل ُم اإلدراك (أو‬ ‫العقود األخرية ِع ْلم بالِ ُغ األمهية ُأ ْط ِل َق ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫نشأ يف‬‫فقد َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫مهها الفلسفة‬ ‫تداخ ِل سلسلة من املجاالت الع ْلمية املختلفة‪ ،‬أ ُّ‬ ‫املعرفة)‪ ،‬وهو نتيج ُة ُ‬
‫س اإلدراكي‬ ‫وع ْل ُم النَّ ْفس (وباخلصوص ِع ْل ُم النَّ ْف ِ‬ ‫الذهن)‪ِ ،‬‬
‫(وباخلصوص فلسفة ِّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االصطناعي‪ ،‬وع ْل ُم األعصاب‪ ِ،‬وع ْل ُم ال ُّلغويات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أو املعريف)‪ ،‬واملنطق َّ‬
‫والذكا ُء ْ‬
‫وع ْل ُم األنثروبولوجيا ‪...‬وعلو ٌم أخرى‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫وألوان‬ ‫خمتلفة من التح ُّي ِز اإلدراكي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ألوان‬ ‫ِ‬
‫بدراسة‬ ‫اهتم ِع ْل ُم اإلدراك‬ ‫وقد َّ‬
‫منطق ا ُملظ َّفر دراس ٌة مقارن ٌة مع حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل | ‪471‬‬
‫ُ‬

‫حقل‬ ‫غالطات ا َملنْطق َّية ‪ -‬التي تُدْ َر ُس يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ختتلف إىل حدٍّ ما عن ا ُمل‬ ‫ُ‬ ‫التح ُّيز اإلدراكي‬
‫مُج ٍ‬ ‫ِ‬
‫لة من املوارد‪ .‬واحلقيق ُة‬ ‫تداخ َلت معها يف ُ ْ‬ ‫وإن َ‬ ‫الصوري‪ْ -‬‬ ‫عرف بـ ا َملنْط ِق غري ُّ‬ ‫ُي َ‬
‫مُجل ًة من املغالطات التي يدْ ُر ُسها من النتائجِ التي‬ ‫ِ‬ ‫الصوري يستمدُّ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫غري ُّ‬ ‫أن املنْطق َ‬
‫حول ألوان التح ُّي ِز اإلدراكي‪.1‬‬‫ِ‬ ‫س اإلدراكي (أو املعريف) َ‬ ‫توص َل إليها ُعلام ُء النَّ ْف ِ‬ ‫َّ‬
‫الش َفقة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ناشدة َّ‬ ‫الصوري‪ :‬مغالط ُة ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنطق غري ُّ‬ ‫املغالطات املبحوثة يف‬ ‫فمن‬
‫الر ُج ِل القش‪...‬الخ‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫مغالط ُة ا ُملنْحدَ ِر َّ ِ‬
‫الزلق‪ ،‬مغالطة َّ‬ ‫َ‬
‫ومن التح ُّيزات املبحوثة ع ْلم اإلدراك‪ :‬حت ُّيز التو ُّفر‪ ،‬حت ُّيز التَّفاؤل‪َ ،‬و ْهم‬
‫الشفافية‪ ،‬تأثري املِنْحة‪،‬‬ ‫الس ْي َطرة‪ ،‬ال ُقدْ رة عىل التحكُّم‪ ،‬خطأ النِّسبة األسايس‪َ ،‬و ْهم َّ‬ ‫َّ‬
‫البقعة العمياء ا ُملتح ِّيزة‪ ،‬تأثري اجلوقة املوسيقية‪ ،‬حت ُّيز التأييد‪ ،‬حت ُّيز التو ُّقع‪...‬الخ ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قامر‪.‬‬ ‫املغالطات التي تلتقي بالتحيزات‪ :‬حتيز التأييد‪ ،‬مغالط ُة ا ُمل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫العربية ما‬ ‫ِ‬
‫احلوزات‬ ‫الرائجة يف‬ ‫كر أنَّا ال نجدُ يف ُكت ِ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫واجلدير ِّ‬
‫ُب املنطق َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وإن وجدنا مواكب ًة بدرجة ما يف بعض احلوزات الفارسية ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واك ُب هذا احلقل‪ْ ،‬‬ ‫ي ِ‬
‫‪4‬‬
‫ُ‬
‫نجاحا منقطِ َع النَّظري‬ ‫ً‬ ‫نج َح‬ ‫للمظ َّفر َ‬‫كتاب (املنطق) ُ‬ ‫أن َ‬ ‫وخالص ُة هذا البحث َّ‬
‫جيل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف تقدي ِم ٍ‬
‫املنطق األرسطي‪ ،‬ويتَّض ُح هذا النَّجاح بنحو ٍّ‬ ‫يستعرض َ‬ ‫ُ‬ ‫شامل‬ ‫بديل‬
‫بكتاب (حاشية ُم َّاَّل عبد اهلل)‪ ،‬الذي كان ُيدْ َر ُس من ق ْب ُل‪ .‬لكن مع‬ ‫ِ‬ ‫عند مقارنتِ ِه‬
‫يلم – ولو إملا ًما‬ ‫أن َّ‬ ‫لطالب املنطق‪ ،‬فال بدَّ له ْ‬ ‫ِ‬ ‫املنطق ال يكفي اليوم‬ ‫ِ‬ ‫كتاب‬
‫ذلك‪ُ ،‬‬
‫املهمة التي وقعت‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫التطورات َّ‬ ‫ويتعرف عىل ُّ‬ ‫َّ‬ ‫بأنامط أخرى من املنطق‪،‬‬ ‫بدرجة ما –‬
‫املنطق‬
‫ُ‬ ‫ملنطق واحد‪ ،‬هو‬ ‫يظل أسريا ٍ‬ ‫حقل املغالطات والتح ُّيزات‪ ،‬حتى ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫ً‬
‫األرسطي‪.‬‬
‫الرِّصاع االجتامعي‪ ،‬بحث غري منشور‪.‬‬
‫‪ .1‬مرتىض فرج‪ ،‬دور بعض ألوان التحيُّز اإلدرايك يف أجواء ِّ‬
‫للتوسع انظر‪ :‬عادل مصطفى‪ ،‬املغالطات املنطقية‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫عاَّمن‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬‫وأيضً ا‪ :‬بروس إن‪ .‬والر‪ ،‬التفكري الناقد‪ :‬ادرس الحكم‪ ،‬األهلية للنرش والتوزيع‪َّ ،‬‬
‫للتوسع انظر‪ :‬دانيال كامنان‪ ،‬التفكري الرسيع والبطيء‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬
‫‪ .4‬كنموذج للمواكبة يف حقلِ املغالطات‪ ،‬انظر‪ :‬عسكري سليامين أمريي‪ ،‬منطق پيرشفته‪ ،‬جامعة‬
‫املصطفى العاملية‪ ،‬ط‪ 1389 ،1‬ش‪ ،‬ص‪ 117‬إىل آخر الكتاب‪.‬‬
‫‪ | 472‬تاریخ علم املنطق‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬ابن خلدون‪ ،‬املقدّ مة‪ ،‬دار العلم للجميع‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪2.‬ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬مع رشح نصري الدين الطويس‪ ،‬حتقيق د‪ .‬سليامن دنيا‪ ،‬ذخائر‬
‫العرب‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪3.‬أبو حيان التَّوحيدي يف كتاب اإلمتاع واملؤانسة‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪4.‬أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬إبراهيم محادة‪ ،‬مكتبة االنجلو املرصية‪.‬‬
‫‪5.‬ــــــــــــــ‪ ،‬منطق أرسطو‪ ،‬حتقيق عبد الرمحن بدوي‪.‬‬
‫‪6.‬أرسطوطاليس‪ ،‬يف النفس‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪7.‬االسرتابادي‪ ،‬املوىل حممد أمني ‪ ،‬الفوائد املدنية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني‬
‫بقم املقدسة‪ ،‬ط‪1426 ،2‬هـ‬
‫‪8.‬اآلصفي‪ ،‬الشيخ حممد مهدي ‪ ،‬الشيخ حممد رضا املظ ّفر‪ :‬وتطور احلركة اإلصالحية يف النجف‪،‬‬
‫سلسلة رواد اإلصالح (‪ ،)3‬مؤسسة التوحيد للنرش الثقايف‪ ،‬قم املقدسة‬
‫عاَّمن‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪.‬‬
‫‪9.‬بروس إن‪ .‬والر‪ ،‬التفكري الناقد‪ :‬ادرس احلكم‪ ،‬األهلية للنرش والتوزيع‪َّ ،‬‬
‫ ‪10.‬د‪ .‬السيد نفادي‪ ،‬السببية يف العلم‪ ،‬اهليأة املرصية العا ّمة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪11.‬دانيال كانامن‪ ،‬التفكري الرسيع والبطيء‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬زكي نجيب حممود‪ ،‬املنطق الوضعي‪ ،‬مكتبة األنجلو املرصية‪ ،‬ط‪1981 ،6‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬الشريازي‪ ،‬صدر الدين‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،3‬ج‪1981 ،1‬م‪.‬‬
‫الصدْ ر‪ ،‬حممد باقر‪ ،‬دروس يف علم األصول‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بريوت‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪َّ 14.‬‬
‫ ‪15.‬الطباطبائي‪ ،‬العالمة حممد حسني‪ ،‬بداية احلكمة‪.‬‬
‫ ‪16.‬الطباطبائي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬املفكّرون املسلمون يف مواجهة املنطق اليوناين‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬عادل مصطفى‪ ،‬املغالطات املنطقية‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬عسكري سليامين أمريي‪ ،‬منطق پيرشفته‪ ،‬جامعة املصطفى العاملية‪ ،‬ط‪ 1389 ،1‬ش‪.‬‬
‫الرِّصاع االجتامعي‪ ،‬بحث غري منشور‪.‬‬
‫ ‪19.‬مرتىض فرج‪ ،‬دور بعض ألوان التح ُّيز اإلدراكي يف أجواء ِّ‬
‫ ‪20.‬مرتىض مطهري‪ ،‬حمارضات يف الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬ترمجة عبد اجلبار الرفاعي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪21.‬نيقوال ريرش‪ ،‬تطور املنطق العريب‪ ،‬ترمجة حممد مهران‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫املنطقية لالستقراء‬ ‫قراءة يف كتاب األسس‬
‫ّ‬
‫محمد باقر الصدر‬ ‫ّ‬
‫للسيد الشهيد‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬السيد حسام مهند مجال الدين‬

‫ُملخّص البحث‬
‫أهم‬
‫كتاب األسس املنطقية لالستقراء للسيد الشهيد حممد باقر الصدر هو ُّ‬
‫ما كُتب يف جمال االستقراء يف الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬أفاد منه مصنفه من‬
‫ٌ‬
‫مدخل‬ ‫الدراسات الفلسفية واملنطقية التي سبقته ‪ ،‬كام كان لعلم أصول الفقه‬
‫كبري يف تأسيس بناءات هذا الكتاب ‪ ،‬خاص ًة فيام يتعلق بمفهوم العلم اإلمجايل‬
‫شار‬
‫أهم ما يمك ُن أن ُي َ‬ ‫ِ‬
‫بعض ِّ‬ ‫‪ ،‬وقد جاءت هذه القراءة لتسليط الضوء عىل‬
‫ٍ‬
‫جممل ‪ ،‬تارك ًة التفصيل اىل الدراسة املتأنية‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫إليه من مرتكزات الكتاب‬
‫حلقات درسية مكثفة ؛ بدعوى أن ُه يف ضمن سلسلة الدراسات‬ ‫ٍ‬ ‫له من خالل‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فهو مما ال تفي القراءة الرسيعة بفهمه وإستيعابه‪.‬‬ ‫احلوزوية املباركة ‪،‬‬

‫املقدّ مة‬
‫حمم ٍد وعىل آله الط ّيبني‬
‫النبي ّ‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلواته وبركاته عىل ّ‬
‫الطاهرين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متكثرة يف‬ ‫ٍ‬
‫بحوث‬ ‫وبعد‪ ،‬فقد قادت ُعقدة االستقراء علامء البرشية إىل‬
‫تفسري أساسه املنطقي‪ ،‬إىل حدِّ جتاوز كوهنا بحو ًثا‪ ،‬فال ُجُيانب اإلنصاف‬
‫خاص به‪ ،‬وإنّام استفاضت تلك‬ ‫ٌّ‬ ‫علم‬
‫أن يكون لالستقراء ٌ‬ ‫قيل بإمكان ْ‬‫إن َ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫مهمة يف تن ّقل اإلنسان إىل جمهوالته املعرفية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مكانة‬ ‫البحوث ملا لالستقراء من‬

‫‪ .1‬باحثٌ يف الحوزة العلمية وأستا ٌذ جامعي ‪ /‬العراق‪ :‬النجف األرشف‪.‬‬


‫‪ | 474‬تاریخ علم املنطق‬

‫وترامت احللول والردود‪ ،‬واتّسع النقض واإلبرام‪ ،‬وبدأت أوروبا ببسط‬


‫احللول املتعدّ دة مستعين ًة بعلم الرياضيات الذي متظهر جل ًّيا يف دراسات‬
‫ٍ‬
‫موروث‬ ‫ٍ‬
‫هائل من‬ ‫برتراند رسل‪ ،‬الذي كانت دراساته قد ُبنيت عىل ركا ٍم‬
‫يب امتدَّ أربعة قرون‪.‬‬
‫معريف غر ّ‬
‫ّ‬
‫قل وجو ُد ٍ‬
‫نظري‬ ‫أن م َّن اهلل تعاىل عىل األُ ّمة اإلسالمية بعاملٍ فذ‪َّ ،‬‬ ‫كان ْ‬
‫ثم َ‬
‫خاض‬ ‫له‪ ،‬هو الس ّيد الشهيد حممد باقر الصدر‪ ،‬سليل العلم واملعرفة‪ ،‬الذي َ‬
‫ِ‬
‫ومطالعاته حلكمة‬ ‫ِ‬
‫تفكريه املك ّثف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خالل‬ ‫غامر معرتك هذا البحث املعريف من‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫املوروث وما‬ ‫املنطق‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫التفكري اىل إعالن َّ‬ ‫لينتهي به‬ ‫صغريا‪،‬‬ ‫الغرب ُمذ كان‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫جرت اجلمر ُة‬ ‫وس ْ‬ ‫ٍ‬
‫ختللته من تعديالت مل يعدْ كاف ًيا ملسايرة الفكر البرشي‪ُ ،‬‬
‫األوىل مع تعرضه ‪ -‬ضمن بحوثه األصولية ‪ -‬إىل نمط تفكري املنطق‬
‫طور من تلك األبحاث‬ ‫األرسطي‪ ،‬فنقدَ ذلك املنطق بام مل يسبقه به أحدٌ ‪ ،‬ثم ّ‬
‫فأخرجها‬
‫َ‬ ‫أن ُيذكر ضمن البحوث األصولية‪،‬‬ ‫وأضاف إليها ما مل يكن مناس ًبا ْ‬ ‫َ‬
‫رائعة ُعرفت باسم كتاب (األسس املنطق ّية لالستقراء)‪ ،‬ا ّدعى من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصياغة‬
‫أن متأل فرا ًغا‬ ‫جديدة يف املعرفة البرشية استطاعت ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نظرية‬ ‫َ‬
‫االنتقال إىل‬ ‫ِ‬
‫خالله‬
‫سنة‪ ،1‬وكان يم ّث ُل كتاب ُه‬‫طوال ألفي ٍ‬ ‫أن يمأل ُه َ‬
‫الفكر الفلسفي ْ‬ ‫كبريا مل يستطع‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫كان فيه أرسط ًيا‬ ‫حتو ًاًل منهج ًيا مباينًا ملا جاء يف كتاب (فلسفتنا)؛ فإ ّن ُه َ‬ ‫هذا ّ‬
‫مستنبطة بقانون العلية‪ ،‬وأ ّما يف‬ ‫ٍ‬ ‫املعرفة احلسية إىل معارف‬ ‫ِ‬ ‫إرجاع‬ ‫ُ‬
‫حياول‬
‫َ‬
‫فإن املدركات احلسية قائم ٌة عىل أساس حساب‬ ‫(األسس املنطقية لالستقراء) َّ‬
‫االحتامل الريايض‪ ،‬الذي أفاده من تراكامت علم الرياضيات التي ُأقحمت يف‬
‫الدراسات الفلسفية‪.‬‬

‫األسس املنطقية التي‬


‫َ‬ ‫اهلدف احلقيقي الذي قرره الكتاب هو َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ثم َ‬
‫كان‬ ‫َّ‬

‫‪ .1‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬تقريرات السيد محمود الهاشمي‪.130/4 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪475‬‬

‫أساس املالحظة والتجربة‬ ‫ِ‬ ‫تقو ُم عليها االستدالالت العلمية القائمة عىل‬
‫ِ‬
‫وجود صان ٍع حكي ٍم هلذا‬ ‫إثبات‬ ‫نفسها التي يقو ُم عليها‬
‫ُ‬ ‫هي األسس املنطقية ُ‬
‫علمي آخر؛ أل ّن ُه استقرائي‬ ‫ٍ‬
‫استدالل‬ ‫أي‬ ‫فإن هذا االستدالل ُ‬
‫يامثل َّ‬ ‫الكون؛ َّ‬
‫ٍّ‬
‫بطبيعته‪ ،‬ويقو ُم عىل النهج ذاتِه الذي تقو ُم عليه االستدالالت االستقرائية‬
‫رفض االستدالل العلمي ككل‪ ،‬أو قبوله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختيار‬ ‫فيكون اإلنسان أما َم‬ ‫ُ‬ ‫مجي ًعا‪،‬‬
‫ككل القي ِم التي تُعطى‬ ‫وإعطاء االستدالل العلمي إلثبات الصانع قيم ًة ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُطرح املزاوج ُة بني العلم‬ ‫أن ت َ‬ ‫لالستدالالت العلمية األخرى‪ ،‬ومنه يمكن ْ‬
‫واإليامن‪ ،‬و ُيميس االستقراء الذي عدّ ه علام ُء الغرب األنموذج األعىل لتأييد‬
‫منهجا لإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬وهو يدعو ‪ -‬كام هو منهج القرآن‬ ‫ً‬ ‫القوانني العلمية‬
‫ِ‬
‫وجود صان ٍع حكي ٍم‬ ‫ِ‬
‫نتيجة‬ ‫ليصل اىل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫مظاهر الكون‬ ‫ِ‬
‫تفحص‬ ‫الكريم ‪ -‬اىل‬
‫ْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫هم حىّت‬ ‫نفس‬
‫اآلفاق ويف أ ِ‬
‫ِ‬ ‫يه ْم آيات ِنا يف‬
‫قول اهلل تعاىل ‪{ :‬س َرُن ِ‬ ‫فيوافق َ‬‫َ‬ ‫للكون‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يَتبنَّيَّ َ ْ‬
‫شهيد}‪.1‬‬ ‫لُك يش ٍء‬ ‫يكف بربِك أنه ىلع ِ‬ ‫ِ‬
‫احلق أ َو ْ‬
‫لم‬ ‫لهم أن ُه‬

‫ِ‬
‫وغزو‬ ‫ِ‬
‫االنتاج الداخيل للمعرفة‬ ‫ِ‬
‫بفكرة‬ ‫هكذا كان الشهيدُ الصدر مهمو ًما‬
‫اخلالق الذي تركته النزعة العلمية‬ ‫ِ‬ ‫بات جفا ُء‬‫أن َ‬‫دارهم‪ ،‬بعدَ ْ‬ ‫عقر ِ‬
‫الغرب يف ِ‬
‫مالمح‬‫ِ‬ ‫وضوحا يف‬
‫ً‬ ‫األكثر‬
‫َ‬ ‫احلديثة منذ عرص النهضة األوربية الصور َة‬
‫والتطور املادي ترتجح عىل حساب ِ‬
‫كفة‬ ‫ِ‬ ‫الغرب األوريب‪ ،‬وراحت كف ُة العلم‬
‫ُ‬
‫أمست‬ ‫ْ‬ ‫وخرافات كثرية ب ّثتها الكنيس ُة يف أذهان الناس‪ ،‬وبعد ْ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫امليتافيزيقيا‬
‫الرشق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرجاء‬ ‫أمراضها يف‬ ‫ُ‬
‫تبعث‬ ‫العدوى الثقافية واالجتامعية والدينية‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أساس‬ ‫انترش اإلحلا ُد فكر ًة جديد ًة علمية‪ ،‬ال تقو ُم عىل‬ ‫َ‬ ‫فكان ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫بدائية ماضية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عصور‬ ‫وأساطري جدلي ًة من‬ ‫ٍ‬
‫خرافات‬ ‫ٍ‬
‫استدالالت أضحت ُت َعدُّ‬
‫َ‬
‫ومل يقترص دور هذا الكتاب الف ّعال عىل جمال إثبات وجود صانع حكي ٍم‬

‫ُصلت‪.53 :‬‬
‫‪ .1‬ف ّ‬
‫‪ | 476‬تاریخ علم املنطق‬

‫وإن كان ذلك دوره األهم – وإنّام ترشحت األفكار التي‬ ‫هلذا الكون – ْ‬
‫مباحث علم الفقه وأصوله وعلم الرجال وعلم الفلسفة‪ ،‬ولكنّي‬ ‫ِ‬ ‫احتواها إىل‬
‫أن إدراك املطالب يف هذه العلوم ك ِّلها ال يكون يف أعىل مستوياته ّإاّل إذا‬ ‫أظ ُّن َّ‬
‫بنحو جدي‪ ،‬وهذه النكتة‬ ‫ٍ‬ ‫تم تدارس كتاب األسس املنطقية لالستقراء‬ ‫َّ‬
‫بالذات تدعوين لالبتعاد عن كتابة ما يشبه اخلريطة اإلمجالية للكتاب؛‬
‫أليّن أعلم – بحكم خويض غامر هذا الكتاب يف أطروحة الدكتوراه – َّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫جل كتبه ملن كان له‬ ‫مطالبه متسلسل ٌة مرتابطة‪ ،‬وهي عادة الشهيد الصدر يف ِّ‬
‫عاّمر‬
‫طلب أخي الدكتور ّ‬ ‫ِ‬ ‫أدنى ٍ‬
‫تأمل يف ما تركه من مؤ ّلفات‪ ،‬لكنَّي وبحكم‬
‫آثرت كتاب َة هذا البحث الذي‬ ‫ُ‬ ‫الصغري ــ الذي أستصعب ْ‬
‫أن أر َّد له طل ًبا ــ‬
‫بحدود ما – توضيح الفكرة الرئيسة التي تدور حوهلا موضوعات‬ ‫ٍ‬ ‫يتك ّفل –‬
‫جل ما فيه من ثنايا أطروحة الدكتوراه التي عنونتها بـ(‬ ‫الكتاب‪ ،‬وقد جاء ُّ‬
‫التعميم االستقرائي يف املنطق الذايت)‪.‬‬

‫دور الدراسات املنطقية يف االستقراء مل يقف عىل حدِّ‬ ‫بأن َ‬‫ثم ينبغي العلم َّ‬
‫َّ‬
‫أبحاث كثري ٌة عربي ٌة وغري‬ ‫ٌ‬ ‫دراسات كثرية‪ ،‬مت ّثلتها‬
‫ٌ‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬بل جتاوزته‬
‫دور االحتامالت الرياضية كان رائدً ا يف‬ ‫أن َ‬ ‫أن يلحظ ّ‬‫عربية‪ ،‬وللمتفحص ْ‬
‫يدور حولنا‬
‫ُ‬ ‫دور يف تفسري ٍ‬
‫كثري ممّا‬ ‫أيضا التي هلا ٌ‬ ‫إحدى النظريات احلديثة ً‬
‫من الظواهر‪ ،‬وهي ما تُدعى بـ(نظرية األلعاب الرياضية) لصاحبها أستاذ‬
‫الرياضيات (جون ناش)‪ ،‬وأغلب الظ ِّن إمكان متظهر تطبيقها يف املجاالت‬
‫أمر يستدعي دراس ًة جاد ًة ال ُيناسبها عدم التفرغ‬ ‫أيضا‪ ،‬ولكنه ٌ‬ ‫الرشعية ً‬
‫حتديات‬
‫ٌ‬ ‫أن ُيقال فيها ّإهّنا‬ ‫أقل ما يمكن ْ‬ ‫واالنشغال بالدراسات الرشعية التي ُّ‬
‫وآخرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن احلمد هلل تعاىل ّأو ًاًل‬ ‫دعواي ْ‬
‫َ‬ ‫صع ٌبة للعقل البرشي‪ ،‬وآخر‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪477‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تأصيـل املفاهيم‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املعرفة البرشية يف ضوء املنطق األرسطي‬
‫هدف هذا العلم يف تصحيح‬ ‫ُ‬ ‫درس علم املنطق‬ ‫كل من َ‬ ‫ليس خاف ًيا عىل ِّ‬‫َ‬
‫أن غرضه الرئيس هو متييز الفكر‬ ‫اشتهر بني أربابِه َّ‬
‫َ‬ ‫مسار الفكر البرشي‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بوجه‬ ‫الصحيح من اخلاطئ‪ ،‬وأنّه علم القوانني الرضورية للذهن وللعقل‬
‫أن ثم َة جانبني له يتمثالن فيه‬
‫مسائل هذا العلم سنجدُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫تفحصنا ُج َّل‬
‫عام‪ ،‬ولو ّ‬
‫متثلهام يف غريه من العلوم األخرى‪ ،‬ومها اجلانب الصوري واجلانب املادي‪،‬‬
‫كل عل ٍم عن اآلخر؛‬‫كل منهام هو ما يؤدي إىل اختالف ِّ‬ ‫أن اختالف نسبة ٍّ‬ ‫غري َّ‬
‫يتضمن بح ًثا يف اجلزئيات وجتميع املالحظات ثم يتم‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫إذ يلزم يف ِّ‬
‫كل عل ٍم ْ‬
‫استخالص السامت العا ّمة وترتيبها ترتي ًبا عقل ًيا‪.‬‬

‫ألن موضوعه الذي‬ ‫ِ‬


‫النسق يف العلوم؛ َّ‬ ‫علم املنطق غري ًبا عن هذا‬
‫وليس ُ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫جمهواًل‪،‬‬ ‫التصورات والتصديقات التي تؤ ّدي إىل العلم بام كان‬
‫ّ‬ ‫يبحث فيه هو‬
‫أن املنطق ترجح فيه كف ُة اجلانب الصوري عىل اجلانب املادي‪َّ ،‬‬
‫ولعل ذلك‬ ‫غري َّ‬
‫َ‬
‫صنوا لعلم الرياضيات البحت؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أن جاء علم املنطق احلديث ً‬ ‫كان سب ًبا يف ْ‬
‫الرياضيات من أشدِّ العلوم ً‬
‫إيغااًل يف التجريد والصورية‪.1‬‬

‫أن مقصودنا من (املنطق األرسطي) منظومة املنطق‬ ‫شار اىل َّ‬ ‫وينبغي ْ‬
‫أن ُي َ‬
‫التي مت ّثلتها جهود املعلم األول أرسطو طاليس‪ ،‬التي متظهرت فيام بعدَ‬
‫أرسطو بجهود من آمن هبذه املدرسة من العلامء األفذاذ‪ ،‬فهذا املصطلح‬
‫ٍ‬
‫طوال من الفكر البرشي العبقري‪ ،‬ولك َّن‬ ‫ٍ‬
‫سنوات‬ ‫يف احلقيقة يغوص بنا إىل‬
‫خطو ًبا كثري ًة متتالي ًة مسخت تلك السم َة الفاعلة للمنطق األرسطي بحسب‬

‫‪ .1‬الشنيطي‪ ،‬محمد فتحي ‪ ،‬أسس املنطق واملنهج العلمي‪.18-17 ،‬‬


‫‪ | 478‬تاریخ علم املنطق‬

‫بعض ا ُمل ْحدَ ثني يف هذا املجال‪ ،‬وغدا ذلك العلم ً‬


‫عقياًم جمد ًبا؛ ولذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأي‬
‫أن تنفع يف رشح ما نعرف‬ ‫بأهّنا أدنى من ْ‬
‫وصف (ديكارت) أقيس َة املنطق ّ‬
‫فضاًل عن تعلم األمور‪ ،1‬ومن هنا تش َّظت مجرات احلمالت املتتالية‬ ‫للغري‪ً ،‬‬
‫محالت ترأستها نقود (ديكارت)‪ ،‬وجتارب (فرانسيس‬ ‫ٌ‬ ‫عىل املنطق وصاحبه‪،‬‬
‫بيكون)‪ ،‬وغريمها من املناطقة ا ُمل ْحدَ ثني الذين مل جيدوا يف املنطق األرسطي‬
‫ً‬
‫سبياًل ملعرفة ما جيهل اإلنسان‪ ،‬وانقسمت املعرفة البرشية بنا ًء عىل الذي تقدّ م‬
‫برهانية وأخرى استقرائية‪ ،‬وأصبح املنطق األرسطي القديم يف نظر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معرفة‬ ‫إىل‬
‫ممثل العلم املقترص عىل صورة الفكر دون مادته‪ ،‬يف‬ ‫رواد تلكم احلمالت َ‬ ‫ّ‬
‫حني كانت اآلراء املنطقية احلديثة منص ّب ًة عىل مادة الفكر‪.2‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬ثغرة الدليل االستقرائي‬
‫شار بنحو‬ ‫أن ُي َ‬‫قبل التعرف عىل الثغرة التي يعاين منها االستقراء‪ ،‬ينبغي ْ‬
‫حمور االستدالل يف املنطق‬ ‫اإلمجال إىل معناه يف مقابل القياس العقيل الذي ُيعدُّ َ‬
‫تعريف‬
‫ُ‬ ‫العقيل األرسطي‪ ،‬وقد تشاهبت كلامت املناطقة يف تعريفهام‪ ،‬فيمكن‬
‫ف من قضيتني أو أكثر‪ ،‬بحيث تستلز ُم هذه‬ ‫دليل مؤ َّل ٌ‬
‫القياس أو االستنباط بأنّه ٌ‬
‫رض اإلذعان بالقضايا املؤ ّلفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بقضية أخرى فيام لو ُف َ‬ ‫َ‬
‫اإلذعان‬ ‫القضايا ِ‬
‫لذاهِتا‬
‫فان) إ ًذا (سقراط‬ ‫بأن (سقراط إنسان )‪( ،‬وكل إنسان ٍ‬ ‫وذلك نحو القول َّ‬
‫عملية يتم من خالهلا االستدالل‬ ‫ٍ‬ ‫فان)‪ .3‬وأ ّما االستقراء فعاد ًة ما ُيطلق عىل‬ ‫ٍ‬
‫املشاهدة‪ ،‬فهو‬
‫َ‬ ‫كل األشياء الشبيهة بتلك األشياء اجلزئية‬ ‫بأشيا َء جزئية عىل ِّ‬
‫مشاهدة‪.4‬‬ ‫ٍ‬
‫جزئية‬ ‫ِ‬
‫خالل وقائع‬ ‫قضية ٍ‬
‫كلية من‬ ‫ٍ‬ ‫التوصل إىل حك ٍم أو‬ ‫عملي ُة‬
‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬ديكارت‪ ،‬مقال عن املنهج‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمود الخضريي‪.‬‬


‫‪ .2‬الشنيطي‪ ،‬محمد فتحي ‪ ،‬أسس املنطق واملنهج العلمي‪. 20- 19 ،‬‬
‫‪ .3‬جعفر الحسيني‪ ،‬معجم مصطلحات املنطق‪.242 ،‬‬
‫‪ .4‬كريم متى‪ ،‬املنطق‪.146 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪479‬‬

‫متضم ٍنة‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫جزئية‬ ‫ٍ‬
‫نتيجة‬ ‫عبورا من قضايا ك ّل ٍية اىل‬ ‫أن القياس يم ّثل ً‬ ‫فاملالحظ َّ‬
‫طلق عاد ًة عىل ذلك االستدالل الذي‬ ‫يف املقدّ مات‪ ،‬أ ّما االستقراء فهو ُي ُ‬
‫املشاهدات أو التجارب إىل قضايا ك ّلية‬ ‫جزئية نظري‬ ‫ٍ‬ ‫عبورا من قضايا‬ ‫يم ّثل‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫جيعل استنتاج القضايا الك ّلية من قضايا‬ ‫السري الفكري ُ‬ ‫ُ‬ ‫كالقوانني‪ ،‬وهذا‬
‫النتائج الك ّلية‬ ‫أن تكون‬ ‫السالمة املنطقية؛ إذ من املمكن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جزئية بعيدً ا عن‬
‫ُ‬
‫فليس العدد الكبري‬ ‫املشاهدة‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫رغم العدد الكبري من القضايا اجلزئية‬ ‫كاذب ًة َ‬
‫كل الغربان‬ ‫بأن َّ‬
‫احلكم َّ‬ ‫َ‬ ‫سو ُغ‬ ‫مهاًم؛ أل ّن ُه ال ُي ّ‬
‫املشاهدة ً‬ ‫َ‬ ‫من الغربان السوداء‬
‫ِ‬
‫خالله‬ ‫ربر الذي يمكن من‬ ‫أصبح االستفها ُم عن ا ُمل ّ‬ ‫َ‬ ‫سودا ُء اللون‪ ،‬ومن َث َّم‬
‫فكيف يمكن‬ ‫بمشكلة االستقراء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مسو ًغا ُيعرف‬
‫َ‬ ‫جعل الدليل االستقرائي َّ‬
‫واملشاهدات؟‪،‬‬ ‫َ‬ ‫احلكم بالتعميم مع العلم بصحة التجارب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صدق‬ ‫يربر‬
‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫أن‬‫رغم َّ‬‫باملشاهدات َ‬ ‫َ‬ ‫لكل ما هو شبي ٌه‬ ‫شاماًل ِّ‬
‫ً‬ ‫احلكم‬
‫ُ‬ ‫كيف يمكن أن يكون‬ ‫أو َ‬
‫مقدمات أصغر من النتيجة؟‬ ‫ٍ‬ ‫جزئيات تشكل‬ ‫ٍ‬ ‫املشاهدات ليست اال‬

‫أن‬‫أن مشكلة تربير الدليل االستقرائي يمكن ْ‬ ‫لفت االنتباه إىل َّ‬ ‫أن ُي َ‬ ‫وينبغي ْ‬
‫تتخذ صور ًة أخرى‪ ،‬فيعرف صدق القضايا الك ّلية عن ِ‬
‫طريق التجربة واخلربة‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫جتربة ما ‪ -‬سوا ٌء أكانت هذه التجرب ُة‬ ‫أن النتيج َة النابعة عن‬ ‫غري َّ‬
‫احلسية‪َ ،‬‬
‫اختبارا ‪ -‬ليست ّإاّل قضي ًة شخصي ًة أو جزئية‪ ،‬وليست‬ ‫ً‬ ‫مالحظ ًة أم كانت‬
‫أن‬ ‫باب َّ‬ ‫ِ‬
‫صدق القضايا الك ّلية اىل اخلربة احلسية من ِ‬ ‫قضي ًة ك ّلية‪ ،‬وربام كان ر ُّد‬
‫وأن صدق القضايا‬ ‫صدق القضية الشخصية‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة ما إىل‬ ‫صدقها يمكن ر ّده‬
‫فإن القضايا الكلية تقو ُم‬ ‫ِ‬
‫طريق اخلربة احلسية‪ ،‬ومن َث َّم ّ‬ ‫عرف عن‬‫الشخصية ُي ُ‬
‫ِ‬
‫صحة قوانني‬ ‫عىل أساس االستنتاج االستقرائي‪ ،‬وبذلك يكون التساؤل عن‬
‫تعبريا آخر عن التساؤل عن تربير االستنتاجات االستقرائية‪.1‬‬ ‫الطبيعة ً‬

‫‪ .1‬ماهر عبد القادر محمد عيل‪ ،‬املنطق ومناهج البحث‪.390 ،‬‬


‫‪ | 480‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن االستدالل االستنباطي ال ُيعاين من هذه املشكلة؛‬ ‫كام جيب اإللتفات إىل َّ‬
‫دائاًم عىل مبدأ عد ِم التناقض‪ ،‬وهو‬ ‫استنتاج النتيجة من مقدّ ماهتا يرتكز ً‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫إن النتيج َة يف القياس ملا‬‫مربره املنطقي منه؛ إذ َّ‬
‫القياس َ‬‫ُ‬ ‫املبدأ الذي يستمد‬
‫أن تكون صادق ًة‬ ‫كانت أصغر من املقدّ مات أو مساوي ًة هلا‪ ،‬فمن الرضوري ْ‬
‫افرتاض صدق املقدّ مات دون صدق النتيجة‬ ‫َ‬ ‫إن صدقت تلك املقدّ مات؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ْ‬
‫تناقضا منطق ًيا ما دامت النتيجة أصغر أو مساوية للمقدّ مات‪ ،‬وأ ّما‬‫ً‬ ‫يستبطن‬
‫تناقضا منطق ًيا؛‬
‫ً‬ ‫صح ِة مقدّ ماهتا‬
‫يف االستقراء فال يستبطن خطأ النتيجة مع ّ‬
‫تربير ُه‬
‫أن يستمدَّ االستقراء َ‬ ‫ألن النتيج َة أكرب من مقدّ ماهتا‪ ،‬وعليه ال يمكن ْ‬ ‫َّ‬
‫املنطقي من مبدأ عد ِم التناقض‪.1‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نمو املعرفة البرشية‬


‫ٍ‬
‫وتصديقات‬ ‫ٍ‬
‫تصورات‬ ‫التوصل اىل‬ ‫أن وظيفة علم املنطق هي‬ ‫تقدم ّ‬
‫ّ‬
‫رات وتصديقات‪ ،‬وقد متخضت‬ ‫جمهول من تصو ٍ‬‫ٌ‬ ‫معلومة عن طريق ما هو‬
‫ّ‬
‫هذه الوظيفة عن البحث يف توالد الفكر من الفكر‪ ،‬واملجهول من املعلوم‪،‬‬
‫طلق عليها الس ّيد‬ ‫ٍ‬
‫واحدة لتوالد املعرفة‪ ،‬وهي ما ُي ُ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫غري أنّه مل يؤمن ّإاّل‬
‫َ‬
‫الشهيد الصدر بالطريقة املوضوعية يف التوالد‪ ،‬وهي الطريقة التي الحظها‬
‫املنطق القديم يف بحوثه ك ّلها‪ ،‬والذي يقصده املنطق القديم هبذه الطريقة ْ‬
‫أن‬
‫ينعكس عىل‬
‫ُ‬ ‫يكون بني موضو َعي املعرفتني تالز ٌم وارتباط‪ ،‬وهذا التالزم‬
‫وضح بالبيان اآليت‪:2‬‬ ‫املعرفتني أنفسهام‪ ،‬فينتج منهام معرف ٌة ثانية‪ ،‬ويمكن ْ‬
‫أن ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫معينة متى ما ُوجدَ‬ ‫ٍ‬
‫بقضية‬ ‫إمكان ِ‬
‫تولد املعرفة‬ ‫َ‬ ‫التوالد املوضوعي يعني‬
‫بأن‬ ‫ِ‬
‫كاملعرفة َّ‬ ‫تالز ٌم بينها وبني موضوع القضية أو القضايا التي تستلزمها‪،‬‬

‫‪ .1‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬األسس املنطقية لالستقراء‪.19 -18 ،‬‬


‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.165- 160 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪481‬‬

‫بأن (خالدً ا ٍ‬
‫فان)‪،‬‬ ‫و(كل إنسان ٍ‬
‫فان)‪ ،‬إذ تتولدُ منهام معرف ٌة َّ‬ ‫ُّ‬ ‫(خالدً ا إنسان)‪،‬‬
‫نابع من التالزم بني‬ ‫وهذا التوالد يف املعرفة هو توالدٌ موضوعي؛ ألنّه ٌ‬
‫ومثل هذا التوالد املعريف‬ ‫ِ‬
‫القضية املو ِّلدة وموضوع القضية املتو ّلدة‪ُ ،‬‬ ‫موضو ِع‬
‫حيث النتيج ُة‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫استنتاج يقو ُم عليه القياس األرسطي؛‬ ‫هو األساس يف ِّ‬
‫كل‬
‫ِ‬
‫املعرفة باملقدّ مات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أساس‬ ‫مالزمة للمقدمات‪ ،‬فتنشأ املعرفة بالنتيجة عىل‬
‫ٌ‬
‫تفصيل‬ ‫أن املعرفة الناجت َة عن التوالد املوضوعي هي يف احلقيقة‬ ‫واحلقيقة َّ‬
‫ٌ‬
‫حادث‪ ،‬فالعامل‬ ‫ٍ‬
‫متغري‬ ‫متغري‪ّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٌ‬ ‫للمجمالت‪ ،‬وذلك كام لو قيل‪( :‬العامل ُ‬
‫ألن العامل َ‬ ‫ٌ‬
‫شامل للعامل؛ َّ‬ ‫فإن القانون املوجود يف الكربى يف الواقع‬ ‫حادث)‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫مشمواًل بقانون احلدوث‪ ،‬ومل ُيلتفت إىل َّ‬
‫أن العامل‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فيكون العامل ُ بالتايل‬ ‫متغري‪،‬‬
‫ٌ‬
‫(التغرّي)‪ ،‬فاحلدُّ األوسط هو الذي جعلنا‬ ‫ّ‬ ‫حادث ّإاّل بتوسط احلدِّ األوسط‬
‫شامل للعامل‪ ،‬وهذه املعرفة كانت‬ ‫ٌ‬ ‫أن احلد األكرب وهو (احلدوث)‬ ‫نعرف َّ‬
‫أن هذا املجمل قد تم‬ ‫ِ‬
‫األمر َّ‬ ‫مستبطن ًة يف املقدّ مات عىل نحو اإلمجال‪ ،‬غاية‬
‫وإيضاح ُه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تفصي ُل ُه‬
‫ِ‬
‫الفكر البرشي عىل‬ ‫يصو ُر اخلطأ يف‬ ‫وبنا ًء عىل ما تقدّ م َّ‬
‫فإن املنطق األرسطي ّ‬
‫نحوين‪ ،‬وكام يأيت‪:‬‬
‫ـة مــن مقدّ مـ ٍ‬
‫ـات‬ ‫ـتعامل طريقــة التوالــد املوضوعــي‪ ،‬واســتنتاج نتيجـ ٍ‬
‫‪.‬أاسـ ُ‬
‫ُ‬
‫كاذبــة‪.‬‬
‫ـة مــن مقدّ مـ ٍ‬
‫ـات‬ ‫‪.‬باســتعامل طريقــة التوالــد الــذايت‪ ،‬أي اســتنتاج نتيجـ ٍ‬
‫ُ‬
‫ـك النتيجــة‪.‬‬ ‫ال تســتلز ُم تلـ َ‬

‫املنطق‬
‫ُ‬ ‫اضطر‬
‫َّ‬ ‫وبسبب هذا ‪ -‬اإليامن بطريقة التوالد املوضوعي فقط ‪-‬‬
‫مكو ٍن من كربى عقلية‬ ‫ٍ‬
‫قياس ّ‬ ‫األرسطي إىل اإليامن َّ‬
‫بأن االستقراء مر ُّد ُه إىل‬
‫‪ | 482‬تاریخ علم املنطق‬

‫النتائج‬
‫َ‬ ‫نتج‬
‫القياس ُي ُ‬
‫َ‬ ‫وصغرى هي التعداد الناقص ‪ -‬كام سيأيت ‪-‬؛ َّ‬
‫ألن‬
‫بطريقة موضوعية‪ ،‬وهي الطريقة الوحيدة التي يؤمن هبا املنطق األرسطي‬ ‫ٍ‬
‫لنمو املعارف‪ ،‬ومن َث َّم فإنّه ال يؤمن ّإاّل بنوعني من املعارف‪ ،‬النوع األول‬
‫ِ‬
‫حدوث اخلطأ‬ ‫منها هو املعارف العقلية األولية القبلية؛ حيث ال يمكن تع ُّق ُل‬
‫طلق‬‫فيها لكوهنا رضوري ًة ‪ -‬حسب مدّ عى املنطق األرسطي ‪ -‬وهي ما ُي ُ‬
‫عليها مدركات العقل األول‪ ،‬والنوع الثاين هو املعارف الثانوية املستنتجة‬
‫الصدر يف‬
‫ُ‬ ‫أشار الشهيدُ‬‫من املعارف األولية بطريقة التوالد املوضوعي‪ ،‬وقد َ‬
‫كان سب ًبا يف االنتقال إىل‬‫أن هذا املنحى يف املنطق األرسطي َ‬ ‫بحثِ ِه األصويل إىل َّ‬
‫ٍ‬
‫جديدة يف املعرفة البرشية‪.1‬‬ ‫ٍ‬
‫نظرية‬

‫راب ًعا‪ :‬التوالد الذايت للمعرفة‬


‫أن التوالد املوضوعي الذي يؤمن به املنطق األرسطي يعني‬ ‫تقدّ م َّ‬
‫معينة متى ما ُوجدَ بينها وبني موضوع القضية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بقضية‬ ‫إمكان تو ّلد املعرفة‬
‫ٍ‬
‫معرفة من‬ ‫التي تستلز ُمها تالز ٌم‪ .‬وأ ّما التوالد الذايت فهو يعني إمكان تو ّلد‬
‫معرفة أخرى دونام تالز ٍم بني موضو َعي املعرفتني‪ ،‬وإنّام يكون التوالد عىل‬ ‫ٍ‬
‫أساس التالزم بني ذات املعرفتني‪ ،‬وليس التالز ُم ‪ -‬يف التوالد الذايت ‪ -‬بني‬
‫موضوعي القضيتني املولدة واملتو ّلدة‪ ،‬كام هو حاصل يف التوالد املوضوعي‪،‬‬
‫قضية من‬‫ٍ‬ ‫الستنتاج ِ‬
‫أية‬ ‫ِ‬ ‫ذايَت القضيتني ال يفسح املجال‬ ‫وهذا التالزم بني َ‬
‫زيد من طلو ِع الشمس؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫موت ٍ‬
‫كاستنتاج ِ‬
‫ِ‬ ‫قضية أخرى دون تالز ٍم بينهام‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫خاطئ‪ ،‬غايته َّ‬ ‫ٍ‬
‫أن التالز َم‬ ‫استدالل‬ ‫ألي‬ ‫ذلك جيعل طريق َة التوالد الذايت ً‬
‫مربرا ّ‬
‫هو بني ذايت القضيتني‪.2‬‬

‫‪ .1‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬تقريرات محمود الهاشمي‪.130/4 ،‬‬
‫‪ .2‬األسس املنطقية لالستقراء‪.161 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪483‬‬

‫ٍ‬
‫مستنبطة يف‬ ‫أن املعرف َة الناجتة يف التوالد الذايت غري‬
‫وعىل الذي تقدّ م يتضح َّ‬
‫مر يف املقدّ مات‪ ،‬بل املعرفة املتو ّلدة عىل أساس‬‫هي تفصيل ملا َّ‬‫املقدّ مات‪ ،‬وال َ‬
‫التوالد الذايت فهي معرف ٌة جديدة‪ ،‬فإذا تم استقرا ُء حاالت زوال الصداع عند‬
‫أن تناول ِ‬
‫حبة األسربين‬ ‫ٍ‬
‫معرفة جديدة هي َّ‬ ‫نصل إىل‬ ‫تناول حبة االسربين‪ُ ،‬‬
‫لزوال الصداع‪ ،‬وهذه الفكرة ليست فكر ًة مستنبط ًة يف فكرة االقرتان بني‬ ‫ِ‬ ‫عل ٌة‬
‫األسربين وزوال الصداع‪ ،‬بل هي فكر ٌة جديد ٌة تزيد من احلقيقة‪ ،‬وليست‬
‫جمماًل‪ .1‬وهذا عىل خالف املنطق العقيل األرسطي‬ ‫ً‬ ‫مفصل ًة ملا كان‬
‫فكر ًة ِّ‬
‫فإنّه ال يرى تالز ًما بني تناول األسربين وبني ارتفاع الصداع؛ فربام اقرتنت‬
‫أعم من‬
‫الظاهرتان عىل وجه الصدفة‪ ،‬فيكون الالزم وهو ارتفاع الصداع َّ‬
‫امللزوم؛ إذ لعله كان ألجل تناول األسربين‪ ،‬ولع ّله كان قد وقع صدف ًة‪ ،‬ومع‬
‫اخلاص وهو العلية‬
‫ّ‬ ‫أعم من امللزوم‪ ،‬فال وجه لالعتقاد بالالزم‬ ‫كون الالزم َّ‬
‫بني األمرين‪ ،‬فيكون تصديقنا املتو ّلد تصدي ًقا ً‬
‫باطاًل ‪.2‬‬

‫إن املنطق الذايت يؤمن باملعارف العقلية القبلية واملعارف الثانوية‬ ‫ثم َّ‬
‫املستنتجة من املعارف األولية بطريقة التوالد املوضوعي‪ ،‬واملعارف الثانوية‬
‫كل التعميامت‬‫املستنتجة بطريقة التوالد الذايت‪ ،‬ومثال املعارف األخرية ّ‬
‫ٍ‬
‫مالزمة بني التعميم‬ ‫االستقرائية املستنتجة بالتوالد الذايت‪ ،‬أي دون وجود‬
‫وهو النتيجة وبني الشواهد واألمثلة التي مت ّثل املقدّ مة‪.3‬‬
‫ٍ‬
‫منطق‬ ‫عرّب عن‬
‫مصطلح (املنطق الذايت) ُي ّ ُ‬
‫َ‬ ‫يتضح َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ومن خالل ما تقدّ م‬
‫أن‬ ‫الرشوط التي ُ‬
‫جتعل طريق َة التوالد الذايت معقول ًة‪ ،‬فكام َّ‬ ‫َ‬ ‫يكتشف‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جديد‬
‫ِ‬
‫أشكال القضايا التي جتعل‬ ‫كفيل باكتشاف صيغ التالزم بني‬ ‫املنطق األرسطي ٌ‬
‫َ‬
‫‪ .1‬محارضات تأسيسية‪.59 -55 ،‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.50 ،‬‬
‫‪ .3‬الصدر‪ ،‬األسس املنطقية لالستقراء‪.165-164 ،‬‬
‫‪ | 484‬تاریخ علم املنطق‬

‫فإن املنطق الذايت ٌ‬


‫كفيل بجعل‬ ‫من طريقة التوالد املوضوعي طريق ًة معقولة‪ّ ،‬‬
‫اصطالح الذاتية؛ إذ‬
‫ُ‬ ‫طريقة التوالد الذايت معقول ًة‪ ،‬ومن هذا املنطلق يتأتى‬
‫اصطلح الشهيدُ الصدر عىل مذهبه اصطالح املذهب أو املنطق الذايت يف‬ ‫َ‬
‫تفسري الدليل االستقرائي‪ ،‬وما ذلك ّإاّل من خالل طريقة التوالد الذايت‪،‬‬
‫ِ‬
‫املعرفة البرشية‪.‬‬ ‫والتي يعو ُد إليها ‪ -‬وف ًقا للشهيد الصدر ‪ -‬اجلز ُء األكرب من‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الركائز الثالث للتفسري الذايت لالستقراء‬


‫أن يستظهر‬‫يمكن للمطلع جيدً ا عىل كتاب (األسس املنطقية لالستقراء) ْ‬
‫أن فكرة العلم‬‫يدور حول رحاها حمور الكتاب‪ ،‬مع مالحظة َّ‬ ‫أمور مهمة ُ‬‫ثالثة ٍ‬
‫بارز يف التفسري‬
‫دور ٌ‬ ‫اإلمجايل التي تُذكر يف مطاوي عل ِم أصول الفقه َ‬
‫كان هلا ٌ‬
‫الذايت لالستقراء‪ ،‬لك َّن اختصاص عل ِم أصول الفقه هبا َ‬
‫منع ممّا هو أكثر من‬
‫دار حوله من‬ ‫ٍ‬
‫خوض يف بيان مفهوم هذا العلم وما َ‬ ‫اإلشارة إليها هنا‪ ،‬دونام‬
‫ُستوضح بالبيان اآليت‪:‬‬
‫َ‬ ‫أن ت‬ ‫ٍ‬
‫نقض وإبرا ٍم‪ ،‬وكيف ما كان فالركائز الثالث يمكن ْ‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬مرور االستدالل االستقرائي بمرحلتني‬
‫يدرج‬‫ُ‬ ‫املنطق الذايت يؤم ُن بطريقتني لنمو املعرفة البرشية‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫اتضح َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫التعميامت االستقرائية ضمن املعارف التي تتولدُ بطريقة التوالد الذايت‪ ،‬وإذ‬
‫بوجود طريقتني للتوالد املعريف‪ ،‬يؤمن كذلك بمرور‬ ‫ِ‬ ‫يعتقدُ املنطق الذايت‬
‫متار ُس‬ ‫أيضا‪ ،‬األوىل منهام استنباطية قياسية‪َ ،‬‬‫الدليل االستقرائي بمرحلتني ً‬
‫فيها طريق ُة التوالد املوضوعي‪ ،‬ويف هذه املرحلة تبدأ املعرفة احتاملي ًة؛ َّ‬
‫ألن‬
‫درجات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بالقضية االستقرائية اىل‬ ‫َ‬
‫الوصول‬ ‫الدليل االستقرائي حياول فيها‬
‫للتصديق درجات‪ ،‬أعالها هي‬ ‫ِ‬ ‫ممكنة من التصديق االحتاميل؛ إذ َّ‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عالية‬
‫حتاول‬ ‫ُ‬ ‫درج ُة اليقني‪ ،‬و ّملا كانت هذه املرحلة ال تصل بالتعميم إىل اليقني‪ّ ،‬‬
‫فإهّنا‬
‫عالية من التصديق‪ ،‬فتبقى القضية االستقرائية حمتمل ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫َ‬
‫الوصول به إىل‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪485‬‬

‫ٍ‬
‫اثبات‪ ،‬وريثام تبدأ املرحلة التالية وهي مرحلة التوالد الذايت يبد ُأ‬ ‫من غري‬
‫درجة اليقني املوضوعي‪.‬‬‫ِ‬ ‫تصعيدُ املعرفة إىل‬
‫ِ‬
‫احتامل القضية االستقرائية أو التعميم‬ ‫ووظيفة املرحلة االستنباطية تنمية‬
‫ِ‬
‫حماولة تفسري‬ ‫املتضمن يف السببية بمفهومها العقيل كام اجته الشهيدُ الصدر إىل‬
‫َّ‬
‫ختص تفسري الدليل االستقرائي؛‬ ‫االحتامل وتقنني بدهيياته وقواعده التي ُّ‬
‫خيصها من‬ ‫ِ‬
‫ولذا ابتدأ يف الفصل الثاين من كتابه ببحث نظرية االحتامل وما ّ‬
‫ٍ‬
‫بدهييات وقواعد وتفسريات‪.1‬‬
‫خمتصات املنطق األرسطي فقط‪،‬‬ ‫ليس من ّ‬ ‫القياس َ‬‫َ‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل َّ‬
‫أن‬
‫أن املنطق الذايت يعتقدُ‬‫أيضا‪ ،‬فقد تقدم َّ‬ ‫ِ‬
‫القياس ً‬ ‫إن املنطق الذايت يلجأ إىل‬ ‫بل َّ‬
‫لتوالد املعارف‪ ،‬مها املرحلة االستنباطية القياسية واملرحلة‬ ‫ِ‬ ‫بوجود مرحلتني‬ ‫ِ‬
‫خيتلف عن الطابع القيايس‬ ‫ُ‬ ‫أن الطابع القيايس للدليل االستقرائي‬ ‫غري َّ‬ ‫الذاتية‪َ ،‬‬
‫أن زوايا املثلث تساوي‬ ‫لألدلة القياسية البحتة كالربهان الذي يستنبط ّ‬
‫يثبت‬ ‫فإن هذا الربهان اهلنديس ُ‬ ‫قائمتني من مصادرات اهلندسة اإلقليدية‪َّ ،‬‬
‫وكل األدلة‬ ‫كحقيقة موضوعية‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التساوي بني زوايا املثلث وزاويتني قائمتني‬ ‫َ‬
‫االستنباطية القياسية البحتة إنّام تثبت اجلانب املوضوعي من احلقيقة‪ .‬وأ ّما‬
‫يثبت اجلانب املوضوعي من احلقيقة‪ ،‬وإنّام ُيثبت‬ ‫الدليل االستقرائي فإنّه ال ُ‬
‫فإن الدليل االستقرائي ال‬ ‫ٍ‬
‫بحقيقة ما‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫قياسية درج ًة تصديقي ًة معين ًة‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬
‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫قياسية سببي َة (أ) لـ(ب) ‪ -‬عىل سبيل املثال‪ ، -‬بل ُي ُ‬
‫ثبت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫ثبت‬
‫ُي ُ‬
‫قياسية درج ًة تصديقي ًة معين ًة من سببية (أ) لـ(ب)‪ ،‬وهذه الدرجة التصديقية‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫كبرية‬ ‫ٍ‬
‫احتاملية‬ ‫احتاملية كبرية‪ ،‬ينتجها ‪ -‬كام سيأيت ‪ -‬جتمع قي ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫تتم ّث ُل يف ٍ‬
‫قيمة‬
‫حمور واحد‪.2‬‬ ‫عىل ٍ‬

‫‪ .1‬جامل الدين‪ ،‬حسام‪ ،‬التعميم االستقرايئ يف املنطق الذايت‪.16 ،‬‬


‫‪ .2‬الصدر‪ ،‬األسس املنطقية لالستقراء‪.409 ،‬‬
‫‪ | 486‬تاریخ علم املنطق‬

‫املتضمنة‬
‫ّ‬ ‫هتدف إىل تنمية احتامل القضية االستقرائية‬ ‫ُ‬ ‫فاملرحل ُة االستنباطية‬
‫فرتض إثباهتا بالدليل االستقرائي‬ ‫أن القضية التي ُي ُ‬ ‫يف السببية‪ ،‬وقد تقدّ م َّ‬
‫وألجل االرتفاع باحتامل هذه القضية‬ ‫ِ‬ ‫كل (أ) يعق ُبها (ب)‪،‬‬‫تكون من قبيل‪ُّ :‬‬
‫احلكم بالتعميم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألهَّنا تتضم ُن‬
‫االرتفاع باحتامل سببية (أ) لـ(ب)؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫يلز ُم‬
‫طريقة الشهيد الصدر – بطريقني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حسب‬ ‫يتم ‪-‬‬
‫َ‬ ‫واالرتفاع هبذا االحتامل ُّ‬
‫الطريق الذي ُيعنى‬
‫ُ‬ ‫سيقترص البحث عىل ذكر أحدمها طل ًبا لالختصار‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫بتضئيل احتامل نفي السببية التي متثلها العنارص املعارصة لـ(أ)‪ ،‬والتي ُحُيتمل‬
‫فإن انخفاض احتامل نفي السببية‬ ‫األسباب احلقيقية لـ(ب)‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أن تكون هي‬ ‫ْ‬
‫يعني ارتفاع احتامل السببية وهو املطلوب يف هذه املرحلة‪ ،‬ويمكن ْ‬
‫أن ُيرمز‬
‫أن يكون هو السببي احلقيقي لـ(ب)‬ ‫للعنرص املعارص لـ(أ) والذي ُحُيتمل ْ‬
‫ٍ‬
‫برموز‬ ‫ٍ‬
‫واحد ُيرمز هلا‬ ‫ٍ‬
‫عنرص‬ ‫بـ(ت)‪ ،‬وإذا كانت العنارص املعارصة أكثر من‬
‫أيضا‪ ،‬وهذا الطريق الذي يستند يف تنمية سببية (أ) لـ(ب) يتم ّثل‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة ً‬
‫لحظ يف هذا التطبيق نسبة‬ ‫حيث ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫األول من التطبيقات األربعة‪،‬‬ ‫بالتطبيق ّ‬
‫تكرر (ت) يف التجارب‪.‬‬

‫أن الدليل االستقرائي يف مرحلته االستنباطية‬ ‫َّضح َّ‬


‫وهبذا يكون قد ات َ‬
‫ٍ‬
‫ممكنة من‬ ‫ٍ‬
‫درجات‬ ‫ِ‬
‫بالقضية االستقرائية إىل أعىل‬ ‫دلياًل استنباط ًيا‪ُ ،‬‬
‫يصل‬ ‫ُيعدُّ ً‬
‫امرس ُه الدليل االستقرائي يف‬ ‫َ‬
‫االستنباط الذي ُي ُ‬ ‫غري َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫التصديق االحتاميل‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫األدلة االستنباطية املحضة‪،‬‬ ‫املامرس يف‬
‫خيتلف عن االستنباط َ‬ ‫ُ‬ ‫تلك املرحلة‬
‫ِ‬
‫كالربهنة‬ ‫ِ‬
‫اجلانب املوضوعي من احلقيقة‪،‬‬ ‫َ‬
‫االستنباط املحض يربه ُن عىل‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫إن هذه احلقيقة مستنبط ٌة من‬ ‫أن زوايا املثلث تساوي قائمتني‪ ،‬إذ َّ‬ ‫عىل َّ‬
‫التساوي بني زوايا املثلث‬
‫َ‬ ‫يثبت الربهان‬
‫مصادرات اهلندسة اإلقليدية‪ ،‬وإنّام ُ‬
‫حني خيتلف االستنباط الذي يامرسه الدليل االستقرائي‬ ‫وزوايتني قائمتني‪ ،‬يف ِ‬
‫يف املرحلة االستنباطية‪ ،‬فهو ال يثبت احلقيقة املوضوعية‪ ،‬وإنّام يثبت الدرج َة‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪487‬‬

‫ِ‬
‫درجة‬ ‫منصب عىل‬ ‫التصديقية لتلك احلقيقة‪ ،‬فالربهان يف املرحلة االستنباطية‬
‫ُّ‬
‫القضية ال عىل ذات القضية‪.1‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬بدهييات االحتامل‬


‫ِ‬
‫تفسري املنطق الذايت للدليل االستقرائي‬ ‫ِ‬
‫مراحل‬ ‫ّملا كانت املرحل َة األوىل من‬
‫ِ‬
‫القضية االستقرائية‪ ،‬فقد ارتأى‬ ‫ِ‬
‫تنمية احتامل‬ ‫شكاًل استنباط ًيا ُ‬
‫يعمل عىل‬ ‫تأخذ ً‬ ‫ُ‬
‫أن ُيصدّ َر الفصل الثاين من فصول كتابه (األسس املنطقية‬ ‫الشهيد الصدر ْ‬
‫ٍ‬
‫بدهييات‬ ‫لالستقراء) بالبحث يف نظرية االحتامل الرياضية بام حتويه من‬
‫ألن تصعيدَ احتامل القضية االستقرائية يف‬ ‫ٍ‬
‫وتفسريات لالحتامل؛ َّ‬ ‫وقواعدَ‬
‫ات‬ ‫عالية من التصديق االحتاميل يعتمدُ عىل آلي ِ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫ِ‬
‫املرحلة االستنباطية إىل‬
‫ّ‬
‫خيص االستقراء‬ ‫ِ‬
‫عاّم ُّ‬
‫يقترص يف بحثه ّ‬
‫ُ‬ ‫هذه النظرية‪ ،‬وهو إذ يعتمدُ هذه النظرية‬
‫بالذات‪ ،‬تاركًا البحث يف الثنايا الرياضية األخرى إىل حملها‪.‬‬

‫إن الدليل االستقرائي يف مرحلته االستنباطية يعتمدُ عىل نظرية االحتامل‬ ‫ثم ّ‬
‫َّ‬
‫منطقي لتنمية التعميم االستقرائي‪ ،‬وهو إذ يعتمد تلك النظرية ال‬‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫كأساس‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫إضافية عىل بدهييات االحتامل املتقدّ مة‪ ،‬وهذا يعني َّ‬ ‫ٍ‬
‫مصادرات‬ ‫يفتقر اىل‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ليس سوى تطبيق لنظرية االحتامل بتعريفه االمجايل وبدهيياته التي‬ ‫االستقراء َ‬
‫تقدّ م الكال ُم عنها‪.‬‬

‫ينطلق يف موقفه من املرحلة‬


‫ُ‬ ‫أن الشهيد الصدر‬ ‫شار إىل َّ‬ ‫وينبغي ْ‬
‫أن ُي َ‬
‫مر هبا التجريبيون األوربيون‪2‬؛ إذ‬‫االستنباطية من الرتاكامت املعرفية التي َّ‬
‫أن من الرضوري‬ ‫بعض العلامء أمثال (دونالد جيليز) َّ‬ ‫يبدو وبحسب ما أفاده ُ‬
‫بني هنجني متاميزين انتهجهام العلام ُء التجريبيون؛ إذ َّ‬
‫إن التجريبيني‬ ‫التمييز َ‬
‫‪ .1‬جامل الدين‪ ،‬حسام‪ ،‬التعميم االستقرايئ يف املنطق الذايت‪.182 ،‬‬
‫‪ .2‬م‪ .‬ن‪.155 ،‬‬
‫‪ | 488‬تاریخ علم املنطق‬

‫انقسموا يف حماوالهتم ملعاجلة مشكلة الدليل االستقرائي عىل طائفتني‪َّ ،‬‬


‫فإن‬
‫ِ‬
‫لتفسري الدليل االستقرائي‪،‬‬ ‫العديدَ منهم أو أغلبهم انتهجوا نظري َة االحتامل‬
‫أن اإلجابة‬ ‫ألهّنم كام فعل (برايس) اعتقدوا َّ‬ ‫اسم (البايزية)؛ ّ‬‫و ُأطلق عليهم ُ‬
‫عىل ما أثاره (دافيد هيوم) من مشكالت تكمن خلف توظيف نظرية‬
‫احلل األنسب لتلك االثارات‪،‬‬ ‫االحتامل عند (بايز) ‪ -‬باخلصوص ‪ -‬لتم ّثل َّ‬
‫وقد ُس ّمي البايزي ُة هبذا االسم مناسب ًة مع اسم العامل الريايض (توماس بايز)‬
‫الذي ابتكر مربهنة (بايز) املتقدّ مة الذكر‪ ،‬ويعتقد البايزيون برضورة استخدام‬
‫نظرية االحتامل الرياضية ملعرفة درجة احتامل وصدق التعميامت االستقرائية‪،‬‬
‫بعض‬ ‫بينام حاول االجتاه اآلخر وهو االجتاه االستقرائي التقليدي الذي يم ّثله ُ‬
‫أن يفرس الدليل االستقرائي من‬ ‫العلامء التجريبيني أمثال (فرنسيس بيكون) ْ‬
‫يفرّس‬
‫فإن (بيكون) ّ ُ‬ ‫أن يكون معن ًيا باستخدام نظرية االحتامل الرياضية‪َّ ،‬‬ ‫غري ْ‬
‫منطلقة من أساسات نظرية االحتامل‪ ،‬وربام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تقليدية غري‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫االستقراء‬
‫أن ُيدرج ضمن‬ ‫إن (بيكون) يستحيل ْ‬ ‫يعود ذلك إىل السري التأرخيي للنظرية؛ إذ َّ‬
‫أساسا منطق ًيا لالستقراء؛‬ ‫ً‬ ‫املدرسة البايزية التي اعتمدت نظرية االحتامل‬
‫ألن اخلطوات األوىل لنظرية االحتامل متأخرة عن (بيكون)‪ ،‬وكتابِ ِه املعنون‬ ‫َّ‬
‫أن النهجني غال ًبا ما يقرتنان مع بعضهام‬ ‫إن املالحظ َّ‬ ‫باألورجانون اجلديد‪ ،‬ثم َّ‬
‫فإن صاحب املذهب االستقرائي التقليدي يرى‬ ‫يف تفسري الدليل االستقرائي‪َّ ،‬‬
‫أن التعميامت أو التنبؤات التي يتم التوصل هلا عن طريق مجع املالحظات يتم‬ ‫َّ‬
‫التوصل هلذه‬ ‫بدقة من خالل عملية استدالل استقرائية‪ ،‬ولكن بمجرد‬ ‫مجعها ٍ‬
‫ّ‬
‫صدق هذا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫احتاملية تبني مدى‬ ‫ٍ‬
‫بدرجة‬ ‫التعميامت يكون من الرضوري ْ‬
‫أن تُق َّيم‬
‫التعميم‪ ،‬وإنّام تتم اخلطوة الثانية املتم ّثلة بحساب درجة احتامل صدق التعميم‬
‫بأن (برتراند رسل)‬ ‫االستقرائي بوساطة نظرية االحتامل؛ ولذا ال ُيعدُّ القول َّ‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪489‬‬

‫ٍ‬
‫واحد سب ًبا للتعجب والدهشة‪.1‬‬ ‫‪ -‬عىل سبيل املثال ‪ -‬استقرائي وبايزي يف ٍ‬
‫آن‬

‫شاطر البايزيني اعتام َدهم نظرية االحتامل لتفسري الدليل‬


‫ُ‬ ‫والشهيد الصدر ُي‬
‫يتفق مع (البالس) و(رسل) ‪ -‬ومها مثاالن‬ ‫االستقرائي يف اجلملة‪ ،‬فهو ُ‬
‫تطبيق لنظرية االحتامل‪ ،‬إال إنّه‬
‫ٌ‬ ‫بارزان للبايزية ‪َّ -‬‬
‫بأن الدليل االستقرائي‬
‫مصادرات ٍ‬
‫قبلية غري‬ ‫ٍ‬ ‫خيتلف مع (رسل) يف تبنيه القول بحاجة االستقراء إىل‬‫ُ‬
‫بدهييات االحتامل وهي مصادرات السببية‪ ،‬بينام يتفق مع (ابالس) يف عدم‬
‫حاجة الدليل االستقرائي إىل تلك املصادرات‪ ،‬ولكنّه خيتلف معه يف طريقة‬
‫أن ُيعدَّ الشهيد الصدر مرحل ًة جديد ًة يف‬
‫تفسريه لالستقراء؛ ولذلك يمكن ْ‬
‫كثريا من‬
‫تفسري الدليل االستقرائي‪ ،‬عىل الرغم من تقاسمه والتجريبيني ً‬
‫املباين واملنطلقات‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬املصادرة الوجدانية‬
‫أن الدليل االستقرائي ّملا كان يرتفع بالقضية االستقرائية إىل أعىل‬ ‫ينبغي معرفة َّ‬
‫ممكنة من التصديق االحتاميل يف املرحلة االستنباطية‪ ،‬فإنّه لن يصل ‪ -‬كام‬ ‫درجات ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أن ينتقل بالقضية االستقرائية‬ ‫درجة اليقني‪ ،‬فيحاول يف املرحلة الذاتية ْ‬ ‫ِ‬ ‫اتّضح ‪ -‬إىل‬
‫أن هذه الدرجة العالية من‬ ‫يتم إذا ُعرف َّ‬ ‫من االحتامل العايل إىل اليقني‪ ،‬وهذا إنّام ّ‬
‫دائاًم؛ لوجود بعض القيم‬ ‫أقل من اليقني ً‬ ‫االحتامل هي درج ٌة موضوعية‪ ،‬غري ّأهّنا ّ‬
‫أن حيصل عىل أعىل‬ ‫االحتاملية الصغرية املضا ّدة‪ ،‬فال يمكن للدليل االستقرائي ْ‬
‫ٍ‬
‫درجات‬ ‫درجات التصديق وهي اليقني ّإاّل إذا جلأ إىل املصادرة القائلة َّ‬
‫بأن هناك‬
‫برهنة واستنباط‪ ،‬فيكون‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حاجة إىل‬ ‫ٍ‬
‫مبارشة دونام‬ ‫ٍ‬
‫بصورة‬ ‫موضوعي ًة أولي ًة معطا ًة‬
‫التصديق الذي حيصل عليه الدليل االستقرائي من خالل املرحلة االستنباطية‬
‫ٍ‬
‫بصورة مبارشة‪ ،‬وال يمك ُن‬ ‫درجة بوصفه درج ًة موضوعي ًة أولي ًة معطا ًة‬ ‫ٍ‬ ‫عىل أعىل‬
‫تربير اليقني إذا ُعدت الدرجة املوضوعية التي تصل إليها القضية االستقرائية يف‬
‫‪ .1‬دونالد جيليز‪ ،‬فلسفة العلم يف القرن العرشين‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسني عيل‪.34-30 ،‬‬
‫‪ | 490‬تاریخ علم املنطق‬

‫أن تكون‬ ‫درجات موضوعية أخرى‪ ،‬فال بد ْ‬ ‫ٍ‬ ‫املرحلة االستنباطية مستنبط ًة من‬
‫ربر ّأهّنا درج ٌة يقينية‪ ،‬وهذه املصادرة‬ ‫درج ُة القضية االستقرائية أولي ًة حتى ُي َ‬
‫كل املصادرات األخرى من هذا القبيل‪ ،‬فكام ال‬ ‫ال يمك ُن الربهن ُة عليها كام ُّ‬
‫ألهّنا درج ٌة‬
‫يمكن الربهنة عىل الدرجة العليا التي يتمتع هبا مبدأ عدم التناقض ّ‬
‫أن الدرجة املوضوعية التي حيصل عليها الدليل‬ ‫أولية‪ ،‬ال يمكن الربهنة عىل َّ‬
‫تربر‬‫أن املرحلة الذاتية ُ‬‫عرف َّ‬
‫االستقرائي هي درج ٌة موضوعي ٌة أولية‪ ،1‬وهكذا ُي ُ‬
‫كل من املنطق األرسطي واملنطق‬ ‫حصول اليقني بالتعميم االستقرائي‪ ،‬بينام عجز ٌّ‬‫َ‬
‫ٍ‬
‫بطريقة قياسية‬ ‫حصول اليقني‬‫َ‬ ‫التجريبي عن هذا التربير‪ ،‬فربر املنطق األرسطي‬
‫أن‬‫اتضح َّ‬
‫َ‬ ‫بحتة من خالل استعامل مبدأ (الصدفة ال تكرر دائم ًيا أو أكثر ًيا)‪ ،‬وقد‬
‫هذا التربير ال يفي بالغرض‪ ،‬ومل يستطع املنطق التجريبي تربير اليقني بالتعميم‬
‫ِ‬
‫إنكار‬ ‫االستقرائي فاكتفى بظنّيته‪ ،‬وعد ُم قدرته عىل التربير هو الذي أ ّدى به إىل‬
‫الدليل االستقرائي‪ ،‬كام اعتقدَ معظم التجريبيني‪ ،‬ومشكلتهم ‪ -‬كام تقدم ‪ -‬نابع ٌة‬
‫أصل إنكارهم للمعارف العقلية األولية‪ ،‬فلم تعد مشكل ًة منطقية ِ‬
‫بقدر ما‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫شك يف موت الذي تُقطع عنقه‪ ،‬ومن هنا تتأتّى‬ ‫هي مشكل ٌة نفسية‪ّ ،‬‬
‫وإاّل فام من ٍّ‬
‫وظيفة املنطق الذايت املتمثلة بإرجاع أمثال التجريبيني إىل دائرة اليقني‪ ،‬وسيأيت‬
‫الكالم عن ِ‬
‫دور املنطق الذايت يف اخلامتة ْ‬
‫إن شاء اهلل تعاىل‪.2‬‬

‫‪ .1‬ظ ‪ :‬الصدر‪ ،‬األسس املنطقية لالستقراء‪.419 ،‬‬


‫‪ .2‬جامل الدين‪ ،‬حسام‪ ،‬التعميم االستقرايئ يف املنطق الذايت ‪.184 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪491‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬نبذ ٌة من تطبيق التفسري الذايت لالستقراء‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬التفسري الذايت للخرب املتواتر‬
‫أن يكون اخلرب املتواتر الذي يم ّث ُل أحد أقسام األخبار الرشعية‬ ‫يمكن ْ‬
‫فرّس الشهيد الصدر اخلرب املتواتر‬ ‫مثااًل جيدً ا للتفسري الذايت لالستقراء؛ إذ ّ‬ ‫ً‬
‫مباين للتفسري املشهور‪ ،‬وذلك باالعتامد عىل تراك ِم االحتامالت ً‬
‫أساسا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬
‫قضية واحدة ‪ ،‬تضاءل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحد أو‬ ‫هلذا التفسري‪ ،‬فإذا تعدّ د اإلخبار عىل ٍ‬
‫حمور‬
‫املخرَب عنها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تضاؤل احتامل كذب القضية‬ ‫ُ‬ ‫احتامل املخالفة للواقع‪ ،‬بمعنى‬
‫إن كان‬ ‫ٍ‬
‫مستقرة ْ‬ ‫ٍ‬
‫بصورة‬ ‫تعمد الكذب‬ ‫ِ‬ ‫أن احتامل‬‫تفسري هذه اآللية إىل ّ‬ ‫ويرجع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين عن واقعةٍ‬ ‫رب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫موجو ًدا يف ّ‬
‫تعمد الكذب يف خم َ‬ ‫خمرب بدرجة ما‪ ،‬فاحتامل ّ‬
‫تعم ِد‬
‫خمرب واحد‪ ،‬واحتامل ّ‬ ‫تعمد الكذب يف ٍ‬ ‫أقل من احتامل ّ‬ ‫واحدة يكون ّ‬
‫ألن درج َة‬ ‫كثريا؛ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكذب يف خمربين كثريين عن واقعة واحدة يكون أقل ً‬
‫احتامل ذلك تساوي حاصل رضب قيمة احتامل الكذب يف أحد املخربين‬
‫كثريا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬
‫بقيمة احتامله يف خمرب آخر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬حتى يتضاءل احتامل الكذب ً‬
‫ِ‬
‫البسط منه‬ ‫الرقم واحد القابع يف‬ ‫كرسا معينًا يم ّث ُل‬
‫ُ‬ ‫دائاًم ً‬
‫قيمة االحتامل تساوي ً‬
‫رقم اليقني‪ ،‬فيام يم ّثل املقام جمموعة أطراف العلم االمجايل – وقد تقدّ م اعتامد‬ ‫َ‬
‫فكرة العلم اإلمجايل‪ ،‬وهو هنا يم ّثل جمم ًعا للحوادث املستقرأة التي ُيصطلح‬
‫قيمة احتاملية بأخرى زاد مقدار‪.‬‬ ‫عليها بالعلم اإلمجايل ‪ ،-‬وكلام تم رضب ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كل ٍ‬
‫خمرب‬ ‫تعمد الكذب ووجود داف ٍع مصلحي لدى ِّ‬ ‫فإذا كانت قيمة احتامل ّ‬
‫‪1‬‬
‫بصورة مستقلة متفاوتة‪ ،‬فكانت قيمة احتامل كذب أحدهم ‪ ، 1‬وآخر‬ ‫ٍ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫وآخر ‪ ، 1‬وهكذا‪ ،‬وكان عدد املخربين عرشة‪ ،‬وجب ملعرفة احتامل كذهبم‬
‫‪4‬‬
‫مجي ًعا رضب القيم االحتاملية مجي ًعا‪ ،‬ويكون ناتج احتامل اجتامعهم مجي ًعا عىل‬
‫ً‬
‫ضئياًل جدً ا‪ ،‬وذلك كاآليت‪:‬‬ ‫تو ّفر الداعي املصلحي والكذب‬
‫‪ | 492‬تاریخ علم املنطق‬

‫‪1‬‬ ‫‪1 1 1 1 1 1 1 1‬‬ ‫‪1‬‬


‫=‬ ‫× × × × × × ×‬ ‫×‬
‫‪3628800‬‬ ‫‪10 9 8 7 6 5 4 3‬‬ ‫‪2‬‬
‫ٍ‬
‫مرحلة‬ ‫ويزداد االحتامل ضآل ًة كلام زا َد عد ُد املخربين‪ ،‬حتى يصل إىل‬
‫يكون فيها بحكم املتاليش عمل ًيا؛ وذلك حسب املصادرة التي تقتضيها‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل أوعز للذهن‬ ‫املرحلة الذاتية للدليل االستقرائي‪ ،‬إذ َّ‬
‫البرشي ّأاّل َ‬
‫يعري االحتامالت الضئيلة جدً ا قيم ًة عملية‪.‬‬
‫ولفلسفة العملية املتقدّ مة جتدر اإلشارة إىل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫تكشف عن إجراء بدهيية االتصال‪ ،‬وإنّام‬ ‫ُ‬ ‫‪1‌.‬عملية رضب الكســور ببعضها‬
‫ألن الناتج املطلوب هو قيم ُة احتامل اجتامعهم‬ ‫ُجُترى بدهيية االتصــال َّ‬
‫كل ٍ‬
‫خمرب بالقيم‬ ‫مجي ًعا م ًعا عىل الكذب‪ ،‬فتُرضب القيم االحتاملية لكذب ِّ‬
‫االحتاملية لكذب املخربين اآلخرين‪.‬‬
‫تراكم االحتامالت يكون بلحاظ الكذب‪،‬‬ ‫بدهيية االتصال؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‌.‬يلز ُم إجراء‬
‫َ‬
‫يتوفر الكــذب فيهم مجي ًعا‪ ،‬بينام‬ ‫أن َ‬ ‫ولكــي يتح ّق َق كذب القضية جيب ْ‬
‫أحد املخربين‪ ،‬وهذا‬ ‫صدق ِ‬ ‫ِ‬ ‫إثبات صدق القضيــة ّإاّل إىل‬ ‫ِ‬ ‫ال نحتاج يف‬
‫ينــدرج ضمن احلالة‬ ‫ُ‬ ‫تفســر القضية املتواترة‬
‫َ‬ ‫راجع إىل َّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫يف حقيقتــه‬
‫األوىل من حاالت الشكل الثاين للمرحلة االستنباطية أو إثبات وجود‬
‫صغــرى العلة بعد الفراغ من عليتها‪ ،‬ويف تلك احلالة كانت مت ّثل ماهية‬
‫(ت) البديل لـ(أ) ثالث وقائع‪ ،‬ال يكون (ت) موجو ًدا ّإاّل بوجودها‪،‬‬
‫و(ت) يقابل كذب القضية املتواترة‪ ،‬فكي يكون الكذب متح ّق ًقا جيب‬
‫أن تتو ّفر الدواعي املصلحية للكذب يف املخربين مجي ًعا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫بلحــاظ جانب الكذب؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫حســاب االحتامالت‬ ‫ِ‬ ‫أن يكون إجرا ُء‬‫جيب ْ‬‫‪ُ 3‌.‬‬
‫أحد‬‫صدق ِ‬‫ُ‬ ‫إلثبــات صدق القضية املتواتــرة‬ ‫ِ‬ ‫التواتــر عريض‪ ،‬فيكفي‬
‫َ‬
‫املخربين وعدم تو ّفر الداعي املصلحي لديه‪.1‬‬
‫‪ .1‬مجال الدين‪ ،‬حسام‪ ،‬التعميم االستقرائي يف املنطق الذايت‪.208-207 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪493‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التفسري الذايت ملراسيل ابن أيب عمري‬


‫أن تُفرس مراسيل ابن أيب عمري عن طريق حساب االحتامل يف‬ ‫يمكن ْ‬
‫إثبات االطمئنان الشخيص بوثاقة الوسيط املجهول يف مراسيله ومن كان من‬ ‫ِ‬
‫أن عدد من يروي‬ ‫بتوسط الشهادة ‪َّ -‬‬
‫ألن الثابت ‪ّ -‬‬ ‫قبيله من الثقات‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ٍ‬
‫بشهادة أخرى‬ ‫أيضا‬
‫وثابت ً‬
‫ٌ‬ ‫عنهم اب ُن أيب عمري من الرواة هو أربعامئة رجل‪،‬‬
‫دل عىل ذلك اإلحصا ُء الدقيق‪،‬‬‫أن عدد الضعاف منهم هو مخسة تقري ًبا؛ إذ َّ‬
‫َّ‬
‫أن يكون الراوي املجهول يف سلسلة السند‬ ‫أن درجة احتامل ْ‬
‫وبذلك يثبت َّ‬
‫‪1‬‬
‫‪5‬‬
‫أي ‪. 2‬‬ ‫من أولئك الضعاف هو‬
‫‪400‬‬
‫‪40‬‬
‫‪395‬‬
‫وهي تساوي‬ ‫أن قيمة احتامل وثاقة الوسيط املجهول هي‬ ‫بمعنى َّ‬
‫‪400‬‬
‫‪ ، 39.5‬وهي قيم ٌة توجب حصول االطمئنان بوثاقة ذلك الوسيط املجهول‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫وبذلك تثبت حجي ُة املرسلة‪ ،‬وكذا األمر لو كان عدد الرواة الضعاف من‬
‫راو هو عرشة رواة ضعاف‪ ،‬كان احتامل ضعف ذلك الوسيط‬ ‫بني األربعامئة ٍ‬
‫املجهول هو ‪ 10‬وهو يساوي ‪ 1‬وهو احتامل أكرب من احتامل الضعف‬
‫‪40‬‬ ‫‪400‬‬
‫أن يكون‬‫أن احتامل ْ‬ ‫يف حالة كون عدد الرواة الضعاف هو مخسة فقط‪ ،‬كام َّ‬
‫الوسيط ثق ًة يكون أصغر من احلالة السابقة وتكون قيمته ‪ -‬يف حالة كون عدد‬
‫أن هذه احلالة مت ّثل اجلهة‬ ‫الضعاف عرشة ‪ ، 39 -‬ولكن ال بدّ من مالحظة َّ‬
‫‪40‬‬
‫األوىل من أحوال الوسيط الكامن يف سلسلة سند مراسيل ابن أيب عمري‪،‬‬
‫أن يف سلسلة السند وسي ًطا‬ ‫وهي جهة (وحدة الوسيط املجهول)‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫ٍ‬
‫رجل)‪،‬‬ ‫ً‬
‫جمهواًل واحدً ا ال ُيعرف ضعفه أو ثقته‪ ،‬كام لو قال ابن أيب عمري‪( :‬عن‬
‫ٍ‬
‫شخص آخر غري األربعامئة الذين وصلت إلينا رواي ُة ابن أيب‬ ‫ِ‬
‫بوجود‬ ‫ولو َ‬
‫قيل‬
‫ألن املرض إنّام هو احتامل ْ‬
‫أن‬ ‫أيضا؛ َّ‬
‫مرضا ً‬ ‫ٍ‬
‫عمري عنهم‪ ،‬ملا كان هذا االحتامل ً‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫فإن ُوجد احتامل وجود‬ ‫يكون الوسيط أحدَ أولئك الرواة الضعاف؛ ْ‬
‫‪ | 494‬تاریخ علم املنطق‬

‫آخر غري األربعامئة وهو غري ثقة‪َّ ،‬‬


‫فإن ذلك مردو ٌد تعبدً ا؛ لشمول دليل احلجية‬
‫وإن احتمل وجو ُد شخص غري األربعامئة ولكنه كان‬ ‫شهاد َة ابن أيب عمي‪ْ ،‬‬
‫فإن هذا االحتامل يف صالح إثبات وثاقة ذلك الوسيط املجهول‪ ،‬وبه ال‬ ‫ثق ًة‪َّ ،‬‬
‫مرضا سوا ٌء أكان ثق ًة أم مل‬ ‫ٍ ٍ‬
‫شخص زائد عىل األربعامئة ً‬ ‫يكون احتامل وجود‬
‫أن تكون متساوي ًة‬ ‫جيب ْ‬
‫أن مجيع االحتامالت األربعامئة ُ‬‫يكن كذلك‪ ،‬ويبقى َّ‬
‫واحد من الرواة املضعفني عىل قيمة ‪ ، 1‬وأ ّما‬‫ٍ‬ ‫يف قيمها؛ وبذلك حيصل ّ‬
‫كل‬
‫‪80‬‬
‫إذا مل تكن االحتامالت متساوي ًة فسوف خيتل احلساب املتقدّ م‪.1‬‬

‫الخامتة‬
‫كتاب األسس املنطقية لالستقراء يف تفسريه لالستقراء من املزاوجة‬ ‫ينطلق ُ‬
‫بني املنطق األرسطي واملنطق التجريبي؛ ألنّه ال ينكر املبادئ العقلية باجلملة‬
‫كام فعل ذلك التجريبيون‪ ،‬وال هو يعتمد عىل الرباهني العقلية وحدها يف هذه‬
‫العملية‪ ،‬فتم ّثل بدهييات االحتامل الرياضية منطلقات هذا التفسري‪ ،‬فيام ُيعدُّ‬
‫جتميع الظواهر والقرائن مم ّثلة ملرحلة التجريب واملشاهدة‪.‬‬

‫بنحو تتجمع‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ظاهرة معينة‪،‬‬ ‫أن تزداد الشواهد عىل‬ ‫وبعدئذ كلام أمكن ْ‬‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫االحتامالت الكثرية يف ٍ‬
‫حمور واحد‪ ،‬ارتفع احتامل القضية املستقرأة‪،‬‬
‫ساّمه باليقني‬
‫يتأتى دور الوجدان الذي يعتمده الشهيد الصدر لبلوغ ما ّ‬
‫الذايت‪ ،‬الذي ليس يقينًا باملعنى األرسطي املعروف‪ ،‬وإنّام هو ممّا أهلمه اهلل‬
‫تعاىل لإلنسان؛ فعقل اإلنسان ُأهلم عد َم االعتناء باالحتامالت الضئيلة‬
‫ألن االحتامل الضئيل الذي يواجه‬ ‫وإن كانت هلا قيم ٌة نظرية رياضية؛ َّ‬ ‫عمل ًيا‪ْ ،‬‬
‫كبريا ممّا ُيضا ّده من االحتامالت ممّا ال يعريه العقل البرشي قيم ًة عملية‪،‬‬
‫جتم ًعا ً‬
‫فتغدو القضية االستقرائية يقينية‪.‬‬
‫‪ .1‬عرفانيان‪ ،‬غالم رضا اليزدي‪ ،‬مشايخ الثقات‪.50 ،‬‬
‫قراء ٌة يف كتاب األسس املنطق ّية لالستقراء | ‪495‬‬

‫بأن مجيع أنحاء االستدالل ترجع اىل‬ ‫وقد اتّضح إيامن املنطق األرسطي َّ‬
‫ِ‬
‫املعرفة توالدً ا موضوع ًيا؛ ألنّه‬ ‫القياس؛ كي تُو ّلدَ ً‬
‫فكرا جديدً ا‪ ،‬فيكون توالد‬
‫كل من‬ ‫يفرتق عن ٍّ‬
‫ُ‬ ‫بصحة ما سوى التوالد املوضوعي‪ ،‬وهبذا فهو‬ ‫ِ‬ ‫ال يؤمن‬
‫بعض مذاهب‬ ‫ِ‬ ‫املنطق الذايت مع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويشرتك‬ ‫املنطقني التجريبي والذايت‪ ،‬كام‬
‫املنطق التجريبي يف االنطالق من نظرية االحتامل الرياضية‪ّ ،‬إاّل أنّه خيتلف‬
‫يصل إليه التجريبيون‬ ‫أن َ‬ ‫أن أقىص ما يمكن ْ‬ ‫معهم يف بلو ِغ اليقني‪ ،‬فقد تبني َّ‬
‫هي درج ٌة احتاملي ٌة ال تبلغ حتى النصف للتصديق بالسببية‪.‬‬

‫تفسريا جديدً ا مباينًا‬


‫ً‬ ‫فرّس االحتامل‬ ‫أن الشهيدُ الصدر ّ‬ ‫مع اإلشارة إىل َّ‬
‫ِ‬
‫التفسري اجلديد‬ ‫انطلق يف هذا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وتفسريه التكراري‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫لتفسريه الكالسيكي‬
‫فكرة العلم اإلمجايل التي تعو ُد جذورها إىل علم أصول الفقه‪ ،‬التي‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫وتطورت يف األبحاث‬ ‫بشكل عام‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شهدت تطورا كبريا عىل ِ‬
‫يد علامء اإلمامية‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نوع‬
‫تفسري االحتامل اجلديد ُ‬ ‫وليس‬
‫َ‬ ‫خاص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بنحو‬ ‫األصولية للشهيد الصدر‬
‫ُ‬
‫أن هذا البحث الصغري ال‬ ‫غري َّ‬ ‫مج ٍع بني التفسريين الكالسيكي والتكراري‪َ ،‬‬
‫أن ترابط األفكار يف الكتاب‬ ‫يسع لتوضيح ذلك ك ّله؛ ملا متت اإلشار ُة إليه من َّ‬
‫وتسلسلها يوجب تفصيل البحث بأكثر ممّا ُذكر‪.‬‬
‫‪ | 496‬تاریخ علم املنطق‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ 1.‬القرآن الكريم‬
‫‪2.‬مجال الدين‪ ،‬حسام مهند‪ ،‬التعميم االستقرائي يف املنطق الذايت‪ ،‬دار زين احلقوقية للنرش‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫‪3.‬احلسيني‪ ،‬جعفر ‪ ،‬معجم مصطلحات املنطق‪ ،‬دار االعتصام للطباعة والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪4.‬ديكارت‪ ،‬مقال عن املنهج‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممود اخلضريي‪.‬‬
‫‪5.‬الشنيطي‪ ،‬حممد فتحي ‪ ،‬أسس املنطق واملنهج العلمي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪6.‬الصدر‪ ،‬حممد باقر ‪ ،‬األسس املنطقية لالستقراء‪ ،‬حتقيق‪ :‬جلنة التحقيق التابعة للمؤمتر العاملي لإلمام‬
‫الشهيد الصدر‪ ،‬مركز األبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7.‬ـــــــــــــــــــ ‪ ،‬بحوث يف علم األصول‪ ،‬تقرير أبحاث السيد حممد باقر الصدر‪ ،‬حممود‬
‫اهلاشمي‪ ،‬املجمع العاملي للشهيد الصدر‪ ،‬الطبعة األوىل‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬دروس يف علــم األصــول‪ ،‬دار التعــارف للمطبوعــات‪ ،‬بــروت‪ ،‬الطبعــة‬
‫الثالثــة‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪9.‬ـــــــــــــــــــــ‪ ،‬حمــارضات تأسيســية‪ ،‬حتقيــق‪ :‬جلنــة التحقيــق التابعــة للمؤمتــر العاملــي‬
‫لإلمــام الشــهيد الصــدر‪ ،‬مركــز األبحــاث والدراســات التخصصيــة للشــهيد الصــدر‪ ،‬قــم‪،‬‬
‫الطبعــة األوىل‪1431 ،‬هـــ‪.‬‬
‫ ‪10.‬عرفانيان‪ ،‬غالم رضا اليزدي‪ ،‬مشايخ الثقات‪ ،‬مركز النرش التابع ملكتب اإلعالم االسالمي‪،‬‬
‫قم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬فلسفة العلم يف القرن العرشين‪ ،‬دونالد جيليز‪ ،‬ترمجة‪ :‬حسني عيل‪ ،‬مراجعة وتقديم‪ :‬إمام عبد‬
‫الفتاح إمام‪ ،‬اهليأة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬كريم متى‪ ،‬املنطق‪ ،‬مطبعة االرشاد‪ ،‬بغداد‪ ،‬الطبعة األوىل‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬ماهر عبد القادر حممد عيل‪ ،‬املنطق ومناهج البحث‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪1985 ،‬م‪.‬‬

You might also like