Professional Documents
Culture Documents
العرض 8-دور النبيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ
العرض 8-دور النبيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ
يتكون العرض من مفاهيم أساسية ال بد من تحديد مغزاها .النيابة العامة والملكية العقارية ثم مسطرة التحفيظ.
فما المقصود بها؟
النيابة العامة مؤسسة قضائية من نوع خاص ،وتسمى بالقضاء الواقف ،وإن كان البعض يعارض في هذه
التسمية ،على اعتبار أنها طرف في الدعوى العمومية .والطرف ال يكون خصما وحكما .وفي القديم كانت النيابة
العامة طرفا عاديا يقف بين يدي القضاء على قدم المساواة مع المتهم ،ومن ثم كانت تسميتها بالقضاء الواقف،
وبعد ذلك تغير الوضع وأصبحت تتمتع بامتيازات معلومة.1
وقد عهد قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة بإقامة الدعوى العمومية وممارستها ،أي تحريكها وتتبعها
ومراقبة سيرها إلى غاية تنفيذ الحكم الصادر بشأنها ،بما في ذلك القيام بإشعار الوكيل القضائي للمملكة بالمتابعات
المقامة في حق القضاة أو الموظفين وإشعار اإلدارة التي ينتمون إليها ،والسهر على تنفيذ المقررات القضائية،
وتسخير القوة العمومية مباشرة أثناء ممارسة مهامها.2
وتجسد النيابة العامة مفهوم الحق العام ،وتمثل المجتمع في إقامة وتأسيس الدعوى العمومية أمام الجهات
القضائية المختلفة .فهي طرف أصلي في القضايا الزجرية يتعين حضوره عند المناقشة وصدور األحكام .كما
تدخل في تأليف وتشكيل هيئة الحكم ،تحت طائلة بطالن تشكيل الهيئة .وي جب أن يوجد بالحكم ما يدل على
حضور ممثلها .وال يكفي القول أ نه كان حاض ار بل يجب ذكر اسم ممثل النيابة العامة .أما في القضايا المدنية
فهي طرف منضم وال تكون طرفا أصليا إال في حاالت معينة .ومهمة الدفاع عن الحق العام ،باعتباره حق مجتمعي
خالص ،تستدعي مراقبة سير الدعوى العمومية في جميع المراحل والمطالبة بتطبيق القانون ،والسهر على تنفيذ
الق اررات المختلفة التي تصدر عن المحاكم كيفما كانت الجهة التي صدرت عنها هذه الق اررات.3
ويؤطر عمل النيابة العامة ترسانة قانونية واسعة ،تتسع باتساع مجال تدخل هذه المؤسسة القانونية ،تشمل
أساسا ،دستور المملكة ،والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية ،والقانون التنظيمي المتعلق
بالنظام األساسي للقضاة ،والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية ،والقانون رقم 33.17
المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته
رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة ،ونصوص تنظيمية أخرى.4
1عبد السالم بنحدو ،الوجيز في شرح قانون المسطرة الجنائية ،المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش ،ص107 :
دليل و ازرة العدل ،البوابة القانونية والقضائية لو ازرة العدل ،ص26 : 2
تنص المادة 36من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي" :تتولى النيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون ،ولها أثناء 3
تأليف واختصاصات الهيئة المشتركة بين المجلس األعلى للسلطة القضائية والو ازرة المكلفة بالعدل بشأن التنسيق في مجال اإلدارة القضائية.
قرار الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة رقم 2021/22الصادر في 31دجنبر 2021يتعلق بتغيير وتتميم القرار رقم 17/1الصادر بتاريخ 2أكتوبر
2017والمتعلق بتنظيم بنيات إدارة رئاسة النيابة العامة وتحديد اختصاصاتها
1
وبالنسبة لمفهوم الملكية العقارية ،فاألمر يتعلق بأهم حق من الحقوق العينية األصلية وأوسعها نطاقا ،والتي
تتفرع عنها حقوق أخرى ،وتكمن أهميته في ارتباطه بحق الملكية الذي أولته المواثيق الدولية واإلعالنات العالمية
أهمية خاصة ،ومنها اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر بتاريخ 10دجنبر ،1948والذي كرس مبدأ ضمان
الملكية الخاصة وحرية التملك واعتبره حقا مقدسا.
واعتبا ار لكون المغرب صادق على هذه المواثيق فقد عمل على دسترة حق الملكية إذ نص الفصل 35من
الدستور المغربي لسنة 2011على ما يلي:5
"يضمن القانون حق الملكية .ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون ،إذا اقتضت ذلك مقتضيات
التنمية االقتصادية واالجتماعية للبالد".
كما نصت المادة 23من القانون 39.08المتعلق بمدونة الحقوق العينية 6على أنه:
"ال يحرم أحد من ملكه إال في األحوال التي يقررها القانون .ال تنزع ملكية أحد إال ألجل المنفعة العامة ووفق
اإلجراءات التي ينص عليها القانون ومقابل تعويض مناسب".
وطبقا للماد 14من مدونة الحقوق العينية فإن حق الملكية العقارية يخول لمالك العقار دون غيره سلطة
استعماله واستغالله والتصرف فيه ،وال يقيده في ذلك إال القانون أو االتفاق.
وهذا التعريف الذي وضعه المشرع المغربي ينسجم مع أغلب اآلراء الفقهية ومنها تعريف الفقيه مامون
الكزبري الذي اعتبر حق الملكية العقارية حقا عينيا على شيء معين يخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة
استعمال الشيء واستغالله والتصرف فيه ،وذلك في حدود القانون والنظام ودون تعسف.7
وبالنسبة للمفهوم الثالث واألخير من عنوان هذا العرض وهو مسطرة التحفيظ العقاري ،فال نجد أبلغ من
التعريف الذي وضعه المشرع المغربي نفسه لمسطرة التحفيظ في الفصل األول من ظهير 12غشت 1913
المتعلق بالتحفيظ العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.11.177بتاريخ 22نونبر 8 ،2011وذلك باعتباره يهدف إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر
في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد ،ويقصد به:
-تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من الرسوم ،وتطهير
الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛
مرسوم رقم 2-18-71صادر في 18من شوال 2( 1439يوليو ) 2018بشأن النظام األساسي لموظفي المجلس األعلى للسلطة القضائية.
ظھير شريف رقم 1.11.82صادر في 17يونيو ،2011المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5952مكرر. 5
6قانون رقم 39.08المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظھير الشريف رقم 1.11.178بتاريخ 24نوفمبر ،2011المنشور بالجريدة الرسمية
عدد 5998بتاريخ 22نوفمبر .2011
7مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء الثاني :الحقوق العينية األصلية والتبعية ،الطبعة الثانية
سنة 1987ص67
8الجريدة الرسمية عدد 5998بتاريخ 24نونبر ،2011ص 5575
2
-تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحمالت
المتعلقة بالملك ،في الرسم العقاري المؤسس له.
وبناء على ذلك ،يتضح بأن مسطرة التحفيظ تمر بعدة مراحل يتعين اتباعها للحؤول دون الوقوع فيما من
9
شأنه تأخيرها أو إلغاؤها بالمرة ،وبالتالي عرقلة تأسيس الرسم العقاري الذي هو هدف مطلب التحفيظ.
ولعل هذا األمر هو الذي يفسر أهمية الموضوع الذي بين أيدينا ،إذ بالنظر إلى المفهوم الواسع الذي أعطاه
المشرع لمسطرة التحفيظ والذي أصبح يدخل ضمنه كذلك اإلجراءات التي تلي تأسيس الرسم العقاري من جهة،
وإلى الدور الكبير الذي تلعبه مؤسسة النيابة العامة في حماية الملكية العقارية من جهة ثانية ،فإنه ينبغي تحديد
فرضية االشتغال لالقتصار على محاولة رصد دور هذه المؤسسة القانونية (أي النيابة العامة) في حماية الملكية
العقارية تحديدا وفي مرحلة إجرائية محددة وهي ما بين إيداع مطلب التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري باعتباره الغاية
من هذه العملية ،احتراما لعنوان الموضوع.
وتبعا لذلك ،حق لنا أن نتساءل عن الدور الذي تؤديه مؤسسة النيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ ،وأن
نتلمس أوجه هذا الدور أو لنقل هذه األدوار ،وأن نحاول الوقوف على أهميتها وجدواها في حماية الملكية العقارية
على ضوء األدوار التي تؤديها األطراف المشاركة في عملية التحفيظ ،وهي طالب التحفيظ نفسه ،ومؤسسة المحافظ
على األمالك العقارية بشقها القانوني وشقها التقني الذي تجسده مصلحة المسح العقاري والخرائطية ،والغير الذي
يدعي حقا على عقار يجري تحفيظه ،والقضاء الذي يتدخل في حالة إحالة مطلب التحفيظ عليه من أجل البت
في التعرضات ،أو في إطار الدعوى العمومية بشكل عام ،وكذا المؤسسات القانونية األخرى التي تشارك في هذه
المرحلة كالشهود والخبراء على سبيل المثال ،وأعمال تحقيق الدعوى القضائية؟
وأخذا بعين االعتبار اإلطار التشريعي والتنظيمي للتحفيظ العقاري الذي يسند للنيابة العامة أدوا ار محددة
بنصوص خاصة ،ويجرم ويعاقب على عدة أفعال نص عليها ،وللوظيفة العامة التي تؤديها هذه المؤسسة داخل
المجتمع باعتبارها صاحبة الحق العام وراعية مصالحه ،والتي تؤيدها القواعد القانونية المرتبطة بالتجريم والعقاب
أينما وجدت ،في القانون الجنائي أو في غيره ،فإن تتبع خيوط تدخل مؤسسة النيابة العامة لحماية الملكية العقارية
أثناء عملية التحفيظ يتسم باالنتشار ،وال يمكن مقاربته ،في منظورنا ،إال من خالل مبحثين ،يتناول األول ما يمكن
تسميته بالدور أو التدخل اإلداري للنيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ ،بينما يتناول المبحث الثاني ما يمكن تسميته
بالدور القضائي وهو التدخل األصيل لهذه المؤسسة.
مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء األول :التحفيظ العقاري ،الطبعة الثانية سنة 1987 9
ص 25
3
المبحث األول :الدور اإلداري للنيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ
ال يجادل أحد في أهمية عملية التحفيظ العقاري باعتبارها مسطرة تنتهي بتأسيس الرسم العقاري الذي ينقل
العقار من نظام العقارات غير المحفظة إلى نظام العقارات المحفظة ،بما يعنيه ذلك من تطهير لهذا العقار من
جميع الحقوق العينية والتحمالت العقارية ماعدا تلك التي تم تقييدها أثناء مسطرة التحفيظ.10
وعالوة على هذا االمتياز الذي يجعل العقار المحفظ يستفيد من قاعدة التطهير ،فإن الرسم العقاري يؤدي
إلى استقرار الملكية والمعامالت العقارية بشكل عام ويزيد من قيمة العقار المالية ألنه يمكن تعبئته في الدورة
االقتصادية من خالل تسهيل الحصول على القروض وإغناء فرص االستثمار.
غير أنه ال بد من اإلشارة إلى أن تأسيس الرسم العقاري هو بمثابة خط الالرجعة أو الالعودة بالنظر إلى
في الحالة التي يتم فيها المساس بملكية الحقوق 11
طابعه النهائي ،وبالتالي فإنه على نفس الدرجة من الخطورة
العينية والعقارية للغير وبحقوقه المالية فال يبقى له إال الحق في التعويض.
إن هذه الحقيقة هي التي جعلت المشرع يضع قواعد قانونية موضوعية وإجرائية متفاوتة الدرجة والطبيعة،
في محاولة منه إلحاطة عملية التحفيظ بالضمانات الكافية ألصحاب هذه الحقوق وخلق التوازن المطلوب فيما
بينهم ،ومنها تلك التي تباشرها النيابة العامة باعتبارها جها از إداريا.
إن الدور اإلداري الذي أوكله المشرع للنيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ يمكن
مقاربته من خالل أربعة مهام محددة بنصوص قانونية واضحة ،وهي التعرض أثناء مسطرة التحفيظ نيابة عن
أشخاص محددين على سبيل الحصر والتدخل من أجل تقييد حقوقهم على العقار ،وتلقي المخابرات المتعلقة
باألشخاص الذين ال يتوفرون على موطن للمخابرة وتسيير مكتب المساعدة القضائية ،ثم تسخير القوة العمومية
من أجل إجراء عملية التحديد وحماية األنصاب المؤقتة والنهائية وعالمات الربط الجيوديزي.
إلى جانب ما يمكن أن نسميه بالقواعد العامة التي تؤطر وظيفة النيابة العامة كجهاز قضائي داخل المجتمع
والتي يقصد بها ،أساسا ،القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ،أوكل المشرع لهذا الجهاز أدوا ار إدارية محددة
في مسطرة التحفيظ ،تستند إلى ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12غشت ،1913المعدل والمتمم بالقانون رقم
،14.07وإلى القرار الوزيري الصادر بتاريخ 3يونيو 1915والمتعلق بتطبيق نظام التحفيظ العقاري.
10ينص الفصل 62من ظهير التحفيظ العقاري على أن الرسم العقاري نهائي وال يقبل الطعن ،ويعتبر نقطة االنطالق الوحيدة للحقوق العينية والتحمالت
العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.
جواد كموني ،البسيط في التحفيظ العقاري بالمغرب بين النص القانوني والواقع العملي ،الطبعة الثانية ،بدون ذكر المطبعة 2017 ،ص 3 11
4
الفقرة األولى :التعرض أثناء مسطرة التحفيظ
من المعلوم أن الحق في التعرض على مسطرة التحفيظ هو بمثابة ادعاء لملكية العقار أو لحق عيني عقاري
يجري تحفيظه ،وهو في جوهره منازعة في أصل الملك ،أو في حق عيني ،وقد يكون إما تعرضا جزئيا أو كليا أو
تعرضا على حقوق مشاعة في عقار أو تعرضا انعكاسيا.12
وقد عرفه األستاذ محمد خيري بأنه "الوسيلة القانونية التي يمارسها الغير للحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ
وذلك من خالل اآلجال القانونية المقررة .ويهدف التعرض بهذا المعنى إلى توقيف إجراءات التحفيظ من طرف
المحافظ وعدم االستمرار فيها إلى أن يرفع التعرض ويوضع ح د للنزاع عن طريق المحكمة أو إبرام صلح بين
األطراف".13
وطبقا لقانون التحفيظ العقاري فإن التعرض يمكن تقييده منذ إيداع مطلب التحفيظ إلى غاية انتهاء اآلجال
القانونية التي تلي نشر اإلعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية وهي شهرين كاملين ،ويمكن أن يكون
خارج هذا األجل بقرار من المحافظ على األمالك العقارية فيسمى حينئذ تعرضا استثنائيا شريطة أال يكون الملف
قد وجه إلى المحكمة االبتدائية.
واعتبا ار لألهمية التي يكتسيها التعرض على مطلب التحفيظ في حماية وضمان حق الملكية وباقي الحقوق
العينية العقارية األخرى ،تدخل المشرع من خالل الفصل 26من ظهير التحفيظ العقاري لينص على الحاالت
التي يمكن فيها للنيابة العامة التدخل لممارسة الحق في التعرض نيابة عن الغير.
وفي هذا الصدد ،نصت الفقرة الثانية من الفصل أعاله على أنه "يمكن في جميع األحوال على شرط أن تقدم
اإلثباتات المنصوص عليها سابقا ،التدخل في المسطرة عن طريق التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين
وغير الحاضرين ،وذلك من طرف األوصياء والممثلين الشرعيين ووكيل الملك والقاضي المكلف بشؤون القاصرين
والقيم على أموال الغائبين والمفقودين".
وتبعا لذلك ،يمكن للنيابة العامة أن ت تدخل عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ باسم األشخاص
المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين ،ويعتبر هذا التوجه امتدادا للدور الحمائي الكبير الذي أسنده
المشرع بشكل عام لمؤسسة النيابة العامة في عالقتها بهذه الفئات االجتماعية ،وخاصة منها فئة القاصرين.
12ينص الفصل 24من ظهير التحفيظ العقاري على أنه "يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة
التحفيظ خالل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر اإلعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل ،وذلك :
-1في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛
-2في حالة االدعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛
-3في حالة المنازعة في حق وقع اإلعالن عنه طبقا للفصل 84من هذا القانون.
محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خالل القانون رقم 14.07المتعلق بالتحفيظ العقاري ومرسوم 14يوليوز 2014 13
وللتذكير ،فقد قيدت الفقرة األولى من الفصل 26المشار إليه آنفا التدخل لممارسة التعرض باسم الغير بشرط
اإلدالء بالوثائق الصحيحة وبالبيانات الواردة في الفصل 25من نفس القانون.16
وغني عن البيان أن مؤسسة النيابة العامة إذا كانت مؤهلة للتعرض نيابة عن الفئات سالفة الذكر بنص
القانون ،بحكم أنها الجهة الساهرة على تطبيق القانون وحفظ النظام العام ،فإنها بالمقابل تبقى ملزمة بإثبات أوجه
التعرض على النحو الذي اشترطه المشرع في الفصل 25من قانون التحفيظ العقاري ،ألن التعرض هو بمثابة
ادعاء خالل المرحلة القضائية للتحفيظ ،والمدعي يكون ملزما باإلثبات بإجماع الفقه والقضاء.
يتعلق األمر بإجراءات ال تقف عند حدود حق الملكية العقارية وحده ،ولكن تهدف إلى ضمان حقوق مكتسبة على
العقار أثناء جريان مسطرة التحفيظ بإيداع سند هذه الحقوق طبقا للفصل 1783من ظهير التحفيظ العقاري أو بناء
14ظهير شريف رقم 1.02.255صادر في 3أكتوبر 2002بتنفيذ القانون رقم 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية ،المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078
بتاريخ 30يناير ،2003ص 3
قانون المسطر الجنائية ،منشورات المجلس األعلى للسلطة القضائية. 15
"تقدم التعرضات عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على األمالك العقارية ،وإما للمهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إج ارء التحديد.
تضمن التصريحات الشفوية للمتعرض ،بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداهما .إن التصريحات والرسائل المحررة للغرض المشار إليه سابقا
يجب أن تبين فيها هوية المتعرض ،حالته المدنية ،عنوانه الحقيقي أو المختار ،اسم الملك ،رقم مطلب التحفيظ ،طبيعة ومدى الحق موضوع النزاع ،بيان
السندات والوثائق المدعمة للطلب .يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق
المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي النتهاء أجل التعرض. .يمكن أن تسلم لطالبي التحفيظ والمتدخلين
في المسطرة ،بطلب منهم ،صور شمسية للوثائق المدلى بها من طرف المتعرضين .يقوم المحافظ على األمالك العقارية بتضمين التعرضات المقدمة وفق
الشروط المنصوص عليها أعاله في سجل خاص يدعى سجل التعرضات .إذا كان التعرض يتعلق بجزء من العقار لم يتيسر تحديده بكيفية صحيحة أثناء إجراء
عملية التحديد حسبما هو منصوص عليه في الفصل 20تباشر هذه العملية على نفقة المتعرض .إذا تعذر تحديد الجزء محل النزاع ،فإن المحافظ على األمالك
العقارية يحيل المطلب على المحكمة االبتدائية ،ويمكن للقاضي المقرر الذي أحيل عليه الملف أن ينجز هذا التحديد طبقا لمقتضيات الفصل 34من هذا
القانون.
17ينص الفصل 83من ظهير التحفيظ العقاري على أنه "بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84من هذا القانون ،يمكن لصاحب وقع إنشاؤه أو
تغييره أو اإلقرار به حق أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية .تتابع مسطرة التحفيظ بصفة
قانونية مع أخذ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بعين االعتبار .يكتسب صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق
المعترف له به .إذا كان اإلعالن عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض ،يبتدئ من تاريخ
اإلعالن عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به .وفي هذه الحالة لن تقبل إال التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور .يؤخذ بعين االعتبار عند
التحفيظ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به خال المسطرة.
6
منه ،كادعاء استحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه أو المنازعة 18
على الفصل 84
في حق وقع اإلعالن عنه طبقا للفصل 84من قانون التحفيظ العقاري.
والتقييد في إطار الفصل 83يتطلب نشر خالصة إصالحية جديدة من طرف المحافظ لمتابعة إجراءات
التحفيظ في حدود الحق المعترف به استقالال عن مطلب التحفيظ األول ،وتفتح بشأنه آجال جديدة للتعرض ،وال
يتوقف مصيره على مصير المطلب األول.
أما اإليداع طبقا للفصل 84فهو إيداع في سجل التعرضات ،يحفظ لصاحبه رتبة تسجيل الحق يوم إنشاء
الرسم العقاري ،ويبقى مصيره رهينا بمصير مطلب التحفيظ.
وفي كلتا الحالتين ،فإنه إذا نشأ نزاع بين طالب تقييد الحق وطالب التحفيظ فإنه يتحول إلى تعرض ال بد
19
من البت فيه إما قضاء أو اتفاقا.
والمالحظ بالنسبة لهذا الشق من المسطرة أن المشرع تناول تدخل النيابة العامة نيابة عن القاصرين
والمحجورين في معرض الفصل 78من قانون التحفيظ العقاري أيضا ،أي على مستوى التقييدات التي ترد بالرسم
العقاري أو العقار المحفظ بالقول "على أن حقوق القاصرين والمحجورين تقيد بطلب من نوابهم الشرعيين أو
األوصياء عليهم وإال فبطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين أو وكيل الملك" ،ولم ينص عليها صراحة في
حالة العقار الذي يوجد في طور التحفيظ.
ومادام الفرع يتبع األصل ،فإنه من باب أولى أن تكون النيابة العامة مؤهلة لطلب التقييد باسم القاصرين
والمحجورين أثناء عملية التحفيظ مادامت مخولة لذلك في حالة التعرض الذي هو أقوى وفي حالة التقييدات التي
ترد على الرسوم العقارية ،وذلك إكماال لدور الحماية الذي تتواله لمصلحة هؤالء والذي ال يمكن أن يكون منقوصا.
المطلب الثاني :تلقي المخابرات المتعلقة باألشخاص الذين ال يتوفرون على موطن للمخابرة
من صميم األدوار اإلدارية التي تقوم بها مؤسسة النيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ بغرض حماية الملكية
العقارية ،أنها تعتبر جهة إدارية تحال عليها المخابرات المتعلقة باألشخاص الذين ال يتوفرون على موطن للمخابرة،
أي أن لها دو ار كبي ار في عملية تبليغ اإلجراءات الخاصة بمسطرة التحفيظ ،وفي تسيير ما يعرف بمكتب المساعدة
القضائية.
18ينص الفصل 84على أنه "إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع ل إلشهار أمكن لصاحبه ،من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير ،أن
يودع بالمحافظة العقارية الوثائق الالزمة لذلك .ويقيد هذا اإليداع بسجل التعرضات .يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له
إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك.
19محمد خيري ،مرجع سابق ،ص 233
7
الفقرة األولى :دور النيابة العامة في مسطرة التبليغ
يشغل التبليغ حي از كبي ار في مسطرة التحفيظ بمرحلتيها اإلدارية والقضائية ،ألنه يعتبر من أهم الضمانات
المركز القانونية ألصحاب الحقوق وتمكينهم من
ا القانونية التي تنص عليها مختلف التشريعات بهدف حماية
ممارسة الحق في الدفاع.
وفي هذا اإلطار ،ألزم ظهير التحفيظ العقاري طالب التحفيظ والمتعرضين وطالبي التقييدات وغيرهم ممن
هم معنيون بإجراءات المسطرة ،باختيار موطن للمخابرة وعند عدم تحقق ذلك يأتي الدور اإلداري للنيابة العامة
التي تتحول إلى موطن للمخابرة لدى المحكمة االبتدائية التي يقع العقار بدائرتها.
وقد نص الفصل 26من القرار الوزيري بتاريخ 3يونيو 1915على أن كل متدخل في مسطرة التحفيظ،
سواء كان طالبا للتحفيظ أو متعرضا يجب عليه أن يحدد موطنا للمخابرة تابعا لمقر المحافظة العقارية التي يوجد
بها العقار موضوع مسطرة التحفيظ ،وفي حالة عدم القيام بذلك فإن جميع المراسالت والتبليغات تكون صحيحة،
ومرتبة لكافة آثارها القانونية بمجرد وصولها إلى النيابة العامة التابع لها موقع العقار.
وغني عن البيان أن هذا اإلجراء الغاية منه هي تأمين صيرورة مسطرة التحفيظ وإيصالها إلى تأسيس الرسم
العقاري ،وحماية أصحاب الحقوق من طالب للتحفيظ ومتعرضين وطالبي التقييد فضال عن ضمان تحيين الرسم
العقاري ومطابقته مع األوضاع المادية وللمراكز القانونية وألصحاب الحقوق العينية.
ومع ذلك ،فإن هذا المقتضى وجه له انتقاد على مستوى الصياغة الذي انعكس على الجدوى منه ،في الحالة
التي يكون توجيه المخابرة فيها إلى النيابة العامة مجرد إجراء شكلي ال يتضمن أي أجل يؤدي إلى إبراء ذمة
المحافظ تجاه المسطرة ،كرفض التعرض لعدم إشفاع الطلب بالوثائق الكافية ،مما يطرح التساؤل حول الدور
الحقيقي للنيابة العامة في هذه الحالة ،هل يكمن في البحث عن صاحب المخابرة وإبالغه بها ،وهنا ستتحول إلى
وسيلة من وسائل التبليغ فقط ،أم في الدفاع عن مصالحه في حالة تعذر الوصول إليه ألي سبب من األسباب؟
وهل يمكن عمليا لهذه المؤسسة أن تقوم بهذا الدور أمام جسامة األدوار المنوطة بها وتعددها؟
تعتبر المساعدة القضائية تدبي ار وضعه المشرع المغربي من أجل ضمان الحق في التقاضي للجميع وتكريس
العدالة والمساواة القانونية في االستفادة من مرفق القضاء.
ولهذه الغاية ،نظم المشرع المساعدة القضائية منذ فترة الحماية بواسطة ظهير 12غشت 1913بشأن
المساعدة القضائية والفصل 11من ظهير 27شتنبر 1975بشأن المجلس األعلى (سابقا) واللذين تم إلغاؤهما
20
بموجب المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 514-65بتاريخ فاتح نونبر 1966يتعلق بالمساعدة القضائية
الصادر في 16نونبر ،1966كما تم تغييره.
20المرسوم الملكي رقم 514-65بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية ،المؤرخ في 3شعبان ،1386نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 16نونبر .1966
8
نص في فصله 121على أن "التقاضي يكون بالمجان في 21
وعالوة على ذلك ،فإن الدستور المغربي
الحاالت المنصوص عليها قانونا لمن ال يتوفر على موارد كافية للتقاضي".
وأكد على هذه القاعدة الفصل 6من القانون رقم 38.15المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة.22
وقد عرف الفقه المساعدة القضائية بأنها "تدبير أقره المشرع لمصلحة المتداعيين الذين ال تمكنهم حالتهم
المادية من دفع نفقات الدعوى ،فيستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام إجراءات التحقيق فيها حتى
صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند االقتضاء بالطرق القانونية وإجراء تنفيذه ،وتسخير محام يساعدهم في
خصومتهم مجانا".23
وطبقا للفصلين 1و 2من المرسوم الملكي أعاله فإن المساعدة القضائية تمنح لألشخاص والمؤسسات
العمومية أو ذات المصلحة العمومية والجمعيات الخصوصية القائمة بعمل إسعافي والمتمتعة بالشخصية المدنية
والجنسية المغربية والتي تجعلها إمكانياتها المادية ومواردها المالية غير قادرة على ممارسة حقوقها أو الدفاع عن
مصالحها أمام القضاء.
ويشمل مجال تطبيق المساعدة القضائية مختلف أنواع النزاع والمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق
وإصدار األحكام وتنفيذها والنزعات التي تنشأ على هذا التنفيذ.
ومن حيث التنظيم اإلداري ،فإن مكتب المساعدة القضائية يوجد بجميع المحاكم على اختالف درجاتها
ويترأسه قضاة النيابة العامة بمساعدة موظفي وأعوان النيابة العامة ،ويبت في طلبات المساعدة القضائية التي يتم
إشفاعها لزوما من طرف المطالبين بشواهد إدارية تسلمها السلطة المحلية وإدارة الضرائب إلثبات العجز المادي
أو حالة الضعف االجتماعي وعدم الخضوع ألي ضريبة ،بعد األبحاث التي يجريها للتحقق من ذلك.
وبالنسبة لمسطرة التحفيظ العقاري ،فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 25من ظهير التحفيظ العقاري على
أنه " يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية
وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي النتهاء أجل
التعرض".
وعلى هذا األساس ،فإن المتعرض معسر الحال الذي يتحول إلى مدعي يقع عليه اإلثبات ال يحرم من حقه
في االدعاء أثناء مسطرة التحفيظ ،إذ خول له القانون الحق في طلب المساعدة القضائية ،سواء في المرحلة اإلدارية
أو القضائية للتحفيظ .وهذا تجسيد واضح للدور الحمائي الذي تلعبه مؤسسة النيابة العامة في حماية الملكية
العقارية أثناء مسطرة التحفيظ.
الظهير الشريف رقم 1.11.91بتاريخ 29يوليوز 2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر بتاريخ 30يوليوز 2011 21
22القانون رقم 38.15المتعلق بالتنظيم القضائي ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.38المؤرخ في 30يونيو ،2022الجريدة الرسمية عدد 4568
بتاريخ 14يوليوز 22 20
23ادريس العلوي العبدالوي ،الوسيط في شرح المسطرة المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،1998 ،ص .283
9
الفقرة الثالثة :دور النيابة العامة في عملية التحديد وحماية األنصاب
تكتسي عملية التحديد كإجراء قانوني وتقني أهمية بالغة وحاسمة في مسطرة التحفيظ ،وذلك العتبارين اثنين:
-ألنها العملية التي ينتج عنها وضع حدود مادية ووصف دقيق لمشتمالت الملكية العقارية التي يجري تحفيظها،
وذلك من خالل معاينة العقار والطواف به ومعاينة شكله ومحتوياته وأوصافه ورسم حدوده وأخذ مقاييسه.
ولذلك أوكل المشرع هذه المهمة بموجب الفصل 19من ظهير التحفيظ العقاري إلى المحافظ الذي جعله
الجهة المخول لها تسيير عملية التحديد ،وينتدب لهذه الغاية مهندسا مساحا محلفا ينتمي إلى هيئة المهندسين
الطبوغرافيين.
-ألن عملية التحديد تجري بحضور طالب التحفيظ والمتعرض ،إن وجد ،والمجاورين للعقار موضوع التحديد وكل
من له مصلحة في حضور هذه العملية ،وتنتهي بتحرير محضر للتحديد يكتسي الصبغة الرسمية وال يطعن فيه
إال بالزور.24
وتأسيسا على ذلك ،فإنه يبقى من المحتمل نشوء بعض األعمال والتصرفات التي يهدف من ورائها أصحابها
إلى عرقلة عملية التحديد أو منع إجرائها بالمرة.
ولهذه الغاية ،تدخل المشرع الذي ابتغى من وراء تعديل قانون التحفيظ الرفع من وتيرة التحفيظ وتجاوز
العراقيل التي كانت سببا في توجيه أصابع االتهام إليه ،فأعطى بموجب الفصل 20من ظهير التحفيظ العقاري
ل كل من له مصلحة في إنجاز عملية التحديد كطالب التحفيظ أو المتعرض على مطلب التحفيظ ،تقديم طلب إلى
وكيل الملك قصد تسخير القوة العمومية بهدف توفير الظروف المالئمة إلجراء هذه العملية ،ويعتبر هذا األمر من
أهم المستجدات التي جاء بها قانون ، 14.07بدل الصيغة القديمة التي كانت تخول حق تسخير القوة العمومية
للسلطة المحلية.
لكن هذا المقتضى طرح عدة إشكاالت من الناحية العملية خاصة بالنسبة للجهة التي لها الصفة في تقديم
طلب تسخير القوة العمومية.
ولإلشارة ،فإن تدخل مؤسسة النيابة العامة ال يقف عند هذه الحدود ،بل يمتد إلى مرحلة ما بعد وضع
األنصاب ،سواء كانت مؤقتة أو نهائية ،وكذا وضع ما يسمى بعالمات الربط الجيوديزي ،حيث نص الفصالن
105و 105مكرر من القسم الثالث من ظهير التحفيظ العقاري المعنون بالعقوبات على جزاء إضافي للعقوبات
المنصوص عليها في الفصل 606من القانون الجنائي تتجلى في أداء نفقات ومصاريف إرجاع الحالة إلى ما
كانت عليه بالنسبة لمن يقترفون هدم أو تحريف أو تحويل عالمات الربط الجيوديزي أو أنصاب التحفيظ ،وفي
عقوبات حبسية ومالية دون اإلخالل بتطبيق المقتضيات الجنائية األكثر صرامة بالنسبة لمن يعرقلون سير عمليات
التحديد.
24أنظر الفصل 36من القرار الوزيري بتاريخ 3يونيو 1915في شأن تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري ،كما تم تغييره
10
إذا كانت هذه هي أهم األدوار ذات الصبغة اإلدارية التي تضطلع بها مؤسسة النيابة العامة أثناء مسطرة
التحفيظ بهدف حماية الملكية العقارية فماهي األدوار الموكولة إليها والتي تكتسي طبيعة قضائية؟
المبحث الثاني :الدور القضائي للنيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ
تتولى مؤسسة النيابة العامة وظيفة قضائية تتأرجح ما بين الحماية والزجر لألعمال والتصرفات التي من
شأنها المساس بحق الملكية العقارية ،وهي وظيفة أفقية تنبع من جوهر وجود هذه المؤسسة التي تتولى حماية
المصلحة العامة للمجتمع ،ومن القواعد العامة القانونية المنصوص عليها في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية
والنصوص الخاصة الواردة في قانون المسطرة المدنية وظهير التحفيظ العقاري وتشريعات أخرى تتقاطع مع وظيفة
حماية الملكية العقارية من طرف هذه المؤسسة كالقانون 03.03المتعلق بمكافحة اإلرهاب ،25كما تم تغييره
وتتميمه.
ونظ ار لتعدد أوجه تدخل النيابة العامة التي تتنوع ما بين كونها الجهة المالكة لسلطة تحريك الدعوى العمومية
كقاعدة عامة كلما تعلق األمر بفعل يجرمه القانون ،وما بين التدخل في القضايا المدنية بناء على أوضاع يحددها
القانون ،فإن منهجية البحث تستلزم التقيد بموضوع العرض وهو تدخل النيابة العامة من أجل حماية الملكية العقارية
أثناء مسطرة التحفيظ.
وبعبارة أوضح ،فإنه يمكن طرح التساؤل التالي ،ما هي الحاالت التي تتدخل فيها النيابة العامة قصد حماية
الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ؟
إن مسح أوجه هذا التدخل يسمح بحصر حاالت محددة تكتسي صبغة التدخل الجنائي من قبيل عقل
الممتلكات العقارية ،وانتزاع حيازة العقار من طرف الغير واألمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ،وارتكاب جرائم
التزوير في الرسوم العدلية والتوثيقية والعرفية والتالعب بالبيانات والمعطيات ومحاضر التحديد ،وإهانة الموظف
العمومي واالعتداء عليه ومنعه من القيام بعمل من صميم مسطرة التحفيظ ،وحاالت أخرى تكتسي صبغة التدخل
المدني في قضايا التحفيظ العقاري من خالل الفصلين 37و 45من ظهير التحفيظ العقاري ،والقضايا المدنية
بشكل عام بموجب الفصول من 6إلى 10من قانون المسطرة المدنية ،حيث تتدخل النيابة العامة في الدعوى إما
كطرف أصلي أو كطرف منضم لتقدم ملتمساتها دون أن يكون لها الحق في الطعن.
25القانون 03.03الصادر بتنفيذه الشريف رقم 1.03.140بتاريخ 28ماي ، 2003كما تم تغييره وتتميمه ،الجريدة الرسمية عدد 5112بتاريخ 29ماي
.2003
11
تبتدئ مسطرة التحفيظ بإيداع مطلب للتحفيظ وإدراجه من طرف المحافظ على األمالك العقارية ونشر ملخص
له بالجريدة الرسمية وتحديد تاريخ لتحديده ،وبعد إجراء عملية التحديد يتم مسح مطلب التحفيظ ونشر إعالن عن
انتهاء عملية التحديد بالجريدة الرسمية ،وبعد مرور اآلجال القانونية للتعرض يتم تأسيس الرسم العقاري من طرف
المحافظ في حالة عدم تسجيل أي تعرض أو رفع التعرض بموجب صلح أو حكم قضائي بات .وهذه أمور تناولها
بالتفصيل الزمالء الذين تطرقوا إلى مسطرة التحفيظ في عرض خاص بها.
وأثناء هذه المراحل التي تمت اإلشارة إليها بإيجاز شديد ،قد تقع أمور وتصرفات من طرف المتدخلين في
عملية التحفيظ تضر بالملكية العقارية وبالتالي تستدعي تفعيل اآلليات القانونية المتاحة من أجل التدخل لحماية
هذه الملكية العقارية.
ولهذه الغاية ،تمارس مؤسسة النيابة العامة دو ار كبي ار ومحددا في تأمين الملكية العقارية يستمد فلسفته من
جوهر وجود هذه المؤسسة في حد ذاته ،أال وهو حماية الحق العام واألمن العام واستقرار المعامالت بين أفراد
المجتمع وتكريس جو السكينة والطمأنينة والثقة بين الناس ،خاصة في مجال العقار الذي له تداعيات اقتصادية
ومالية كبيرة على الدولة ،وآثار تقاس بها درجة رقيها الحقوقي والحضاري في المجتمع الدولي ككل.
وتتنوع أوجه هذا التدخل الذي تمارسه النيابة العامة ما بين الطابع الحمائي التحفظي الذي يتجلى في تدابير
مؤقتة غايتها تحصين حق الملكية العقارية ،كما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة لعقل العقار أثناء مسطرة
التحفيظ ،وجريمة انتزاع الحيازة العقارية وما لها من أثر بالغ على مسطرة التحفيظ ،وتحريك المتابعة القضائية من
أجل زجر بعض األفعال التي يجرمها القانون أثناء مسطرة التحفيظ ،من قبيل تقديم رسوم عدلية أو توثيقية أو
عرفية مزورة ،والمسؤولية الجنائية للمحافظ باعتباره المسؤول إداريا عن مسطرة التحفيظ وعما قد يصدر عنه من
أعمال التالعب بالوثائق أو التزوير أو التحريف ،ثم األفعال التي تندرج ضمن خانة ما يعرف بإهانة الموظف
العمومي واالعتداء عليه والتي تجد تطبيقا عمليا لها أثناء عملية التحديد.
لم يكن المشرع الجنائي يتناول العقل كمسطرة تتعلق بمكافحة الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية ،وظل
العقل حاض ار في القانون الجنائي كإجراء وقتي من خالل الفصول 443و 449في الجانب المتعلق بالمسطرة
الغيابية ،أي كتدبير غايته إجبار الفارين من العدالة على تقديم أنفسهم ،ثم تناولته بعض النصوص الخاصة
كالقانون 03-03المتعلق بمكافحة اإلرهاب بالنسبة لجرائم اإلرهاب ،والقانون 43-05المتعلق بمكافحة غسيل
األموال في الجرائم الخاصة بغسيل األموال.
بيد أن تنامي السطو على العقارات ومنها عقارات األجانب ،دفع بالمشرع رغبة منه في الرفع من درجة األمن
العقاري إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية في حد ذاته ،من خالل القانون 18-32الصادر بتنفيذه الظهير
12
الشريف رقم 1-19-92بتاريخ 8يونيو ،2019الذي تم بموجبه تغيير وتتميم مقتضيات المواد ،104 ،49 ،40
360 ،299و 390من القانون 22-01المتعلق بالمسطرة الجنائية.
وقد جاء هذا التدخل التشريعي على خلفية الرسالة الملكية الموجهة بتاريخ 30دجنبر 2016إلى وزير
العدل والحريات (سابقا) في شأن تنامي ظاهرة االستيالء على عقارات الغير والتي طلبت التدخل العاجل من أجل
التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها ووضع خطة عمل عاجلة تشمل تدابير زجرية ووقائية.
وطبقا للتعديل المذكور ،خول المشرع للنيابة العامة وقاضي التحقيق ،إلى جانب كل من رئيس المحكمة
االبتدائية والرئيس األول لمحكمة االستئناف ومحاكم الموضوع ،سواء في المرحلة االبتدائية أو االستئنافية ،صالحية
إصدار أوامر بعقل العقارات كلما تعلق األمر بجريمة من الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية.26
وبغض النظر عن اإلشكال الذي قد يطرحه مفهوم العقل مقارنة مع غيره من المفاهيم المشابهة كالمصادرة
والتجميد والعقل في المسطرة الغيابية ،فإنه يبقى إجراء تحفظيا وقائيا مؤقتا يهدف من خالله المشرع إلى الحفاظ
على العقار قيد العقل إلى حين صدور الحكم النهائي من خالل م نع التصرف فيه بشتى أنواع التصرف حماية
لصاحب حق الملكية.27
وعلى هذا األساس ،أصبحت النيابة العامة تقوم بدور حمائي للعقار من خالل الصالحيات الجديدة التي
منحها إياها المشرع ،28بينما تعتبر مؤسسة المحافظ على األمالك العقارية الجهة اإلدارية التي تتولى تنفيذ األمر
الصادر بالعقل بحكم حيازتها للمعطيات القانونية والمادية للعقارات سواء ما تعلق منها بالرسوم العقارية والتقييدات
المضمنة بها أو بمطالب التحفيظ.
وتتجلى أهمية العقل الذي تمارسه مؤسسة النيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ في
تقييد األمر بالعقل بملف مطلب التحفيظ حماية ألصحاب الحقوق المحتملة إلى حين رفع العقل أو تأكيده بموجب
حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به.
وال بد من اإلشارة في هذا الباب إلى ممانعة بعض المحافظين على األمالك العقارية سابقا في تقييد األوامر
الصادرة عن قضاة التحقيق بالعقل بحجة عدم التنصيص عليها في ظهير التحفيظ العقاري .وقد تم تجاوز هذه
الوضعية بتدخل من المحافظ العام الذي عمم المذكرة عدد 1292بتاريخ 8يناير 2008في شأن أوامر قضاة
التحقيق بعقل وتجميد وحجز الممتلكات على المحافظين ودعاهم فيها ،في إطار توحيد العمل فيما بينهم ،إلى تقييد
هذه األوامر بالرسوم العقارية أو إيداعها بمطالب التحفيظ المتعلقة بالعقارات المعنية بالعقل.
26إسماعيل الصغيري ،مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية :عقل العقار نموذجا ،مغرب القانون 6 ،نونبر 2021
02 http://maroclaw.comدجنبر 2023الساعة 21:05
27رشيد أومالك ،عقل العقار آلية لحماية الملكية العقارية الخاصة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بتطوان ،جامعة عبد المالك السعدي 2020-2019 ،ص .29
28الشرقي حراث ،الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي ،مطبعة األمنية ،مكتبة الرشاد ،سطات ،الطبعة األولى ،2019ص 49
13
وبعد صدور القانون ،32.18عمم المحافظ العام على المحافظين على األمالك العقارية مذكرته عدد
2019/11بتاريخ 9غشت 2019طالبا منهم بموجبها تقييد األوامر المتعلقة بعقل العقارات الصادرة طبقا
لمقتضيات هذا القانون وإيالءها أقصى درجات العناية والبت فيها بالسرعة المطلوبة.
وإذا كان العقل يمنع إيداع التصرفات العقارية بسجالت المحافظة فإن التساؤل يثور حول مدى منعه لمواصلة
إجراءات التحفيظ بالنسبة لمطالب التحفيظ في ظل سكوت المشرع عن هذه المسألة؟
يمكن تعريف الحيازة بأنها "سلطة فعلية أو واقعية يباشرها الحائز على الشيء أو على حق عيني أو على
منقول أو عقار .وال يعتد بالحيازة وال يكون لها أثر قانوني إال إذا استجمعت العناصر التالية وهي :الهدوء والعلنية
واالستمرار والخلو من االلتباس".29
للحيازة تعريفا أوسع ،حيث اعتبرها السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء 30
وقد أعطى بعض الفقه
منقوال كان أو عقا ار أو على حق عيني مترتب على شيء شريطة أال تكون األعمال التي تنم عن هذه السلطة أو
السيطرة من قبيل األعمال التي يأتيها شخص على أنها رخصة من المباحات (كما في السير في الشوارع أو التنزه
في الحدائق أو إيقاف السيارات على جانب الطرقات المسموح وقوف السيارات فيها) ،أو التي يحملها الغير على
سبيل التسامح (كما في تقبل مالك أرض تجاوز أغصان شجر الجار أو جذورهما على هواء أرضه أو على عمقها،
أو في سماح المالك لجاره بالمرور في عقاره ألن الطريق المؤدية لعقار هذا الجار معطلة).
ويعتبر شرط الهدوء من أهم مظاهر تحقق الحيازة المكسبة للملك ألنها تجسيد عملي للعنصر المادي في
الحيازة أال وهو السيطرة الفعلية أو السلطة الواقعية على الشيء.
ولذلك ،رفض القضاء المغربي االعتداد بحيازة من انتزع أرض الغير بالعنف والتعدي وأجاز سماع دعوى
االسترداد ضده األمر الذي يعني بداهة عدم إمكان االستناد لمثل هذه الحيازة غير المتصفة بالهدوء في سبيل
التملك بالتقادم.31
وقد أشار المشرع إلى الحيازة االستحقاقية في المادة 239من مدونة الحقوق العينية 32واعتبر أنها "تقوم على
السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه" ،وأكد على في المادة 241من نفس المدونة على أنها "ال تقوم إذا بنيت
على عمل غير مشروع".
29محمد محبوبي ،أ ساسيات في نظام التحفيظ العقاري والحقوق العينية العقارية وفق المستجدات التشريعية للقانون رقم 14.07والقانون رقم ،08.39طبعة
،2014ص .167
30مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء الثاني :الحقوق العينية األصلية والتبعية ،الطبعة الثانية
سنة 1987ص .194
31مامون الكزبري ،مرجع سابق ،الصفحة .195
32القانون رقم 39.08الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178بتاريخ 22نونبر ( 2011الجريدة الرسمية عدد 5998بتاريخ 24نونبر .)2011
14
وبخصوص المدة المعتبرة فيها ،فقد نص المشرع في المادة 250من المدونة على أنه "إذا حاز شخص
أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم
ساكت بال مانع وال عذر فإنه يكتسب بحيازته ملكية العقار".
وفي المادة 251نص المشرع على أن "مدة الحيازة بين األقارب غير الشركاء الذين ليست بينهم عداوة
أربعين سنة ،وعشر سنوات إذا كان فيما بينهم عداوة".
ومن أهم مستجدات مدونة الحقوق العينية في باب آثار الحيازة وعالقتها بمسطرة التحفيظ ،نص المشرع في
المادة 263على أنه "من أثبت أنه يحوز ملكا حيازة مستوفية لشروطها وأدرج مطلبا لتحفيظه يعتبر حائ از حيازة
قانونية إلى أن يثبت العكس".
ولهذه الغاية ،نص الفصل 13من ظهير التحفيظ العقاري على أن طالب التحفيظ عليه أن يبين في طلب
التحفيظ أنه يحوز كل العقار أو جزءا منه إما مباشرة أو عن طريق الغير ،وفيما إذا انتزعت منه الحيازة ،يتعين
عليه بيان الظروف التي تم فيها ذلك.
ولعل غاية المشرع في هذا الفصل تكمن في توضيح المراكز القانونية لألطراف قبل بدء عملية التحفيظ،
وفي إزالة عبء إثبات الحيازة عن المحافظ باعتباره مؤسسة تسهر على التحفيظ وليس على البت في أو الفصل
في الحقوق.
وفي الفقرة 3من الفصل 20من ظهير التحفيظ العقاري نص المشرع على أن المهندس المساح الطبوغرافي
المنتدب "يعاين واقع الحيازة ومدتها ،ويعاين حالة العقار ،كما يباشر غير ذلك من المعاينات وأعمال البحث
المفيدة".
وفي هذا الصدد ،فإن من األمور التي قد يتعرض لها الحائز للعقار الذي أودع مطلبا لتحفيظه تعرضه
العتداء ينجم عنه فقدان الحيازة على العقار إما بكيفية كلية أو جزئية.
ومن هنا يظهر الدور الذي تلعبه مؤسسة النيابة العامة في حماية الحيازة العقارية لحظة وقوع االعتداء .وهذا
التدخل يشترط فيه أوال وجود اعتداء على الحيازة بعد تنفيذ حكم قضائي ،طبقا لما ورد في الفصل 570من القانون
الجنائي ،سواء صدر في دعوى مدنية كدعوى استرداد الحيازة ،أو في دعوى جنائية قضى فيها بإرجاع الحالة إلى
ما كانت عليه ،أي أن يقع هذا االعتداء على الحيازة إما خلسة أو بواسطة تدليس مع توافر القصد الجنائي في
هذا االعتداء ،أي ضرورة اتجاه إرادة ونية المعتدي الى االعتداء على حيازة الغير.33
33محمد بادن ،مدى اختصاص النيابة العامة بمنازعات الحيازة على ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد ،مقال منشور بمجلة المناظرة ،العدد 9سنة ،2004
ص .96
15
وال يقتصر تدخل النيابة العامة على مهمة الزجر بل يمكن أن يكتسي هذا التدخل طابع التوفيق بين األطراف
وتحقيق الصلح بخصوص جريمة انتزاع حيازة العقار طبقا للفصل 41من قانون المسطرة الجنائية الذي أجاز
لوكيل الملك بصفة شخصية أو بناء على طلب القيام بحل النزاعات قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق األمر
بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو بغرامة ال يتجاوز حدها األقصى 5000درهم ،وتدوين ذلك في محضر.
غير أن تدخل مؤسسة النيابة العامة في شخص وكيل الملك أو الوكيل العام للملك طبقا للفصلين 40و49
من قانون المسطرة الجنائية إلرجاع الحالة إ لى ما كانت عليه بناء على حكم قضائي ،يبقى ذا طابع احترازي
ومؤقت ومرهونا بمصادقة المحكمة عليه أو هيئة التحقيق المختصة داخل أجل ال يتعدى ثالثة أيام.
ومع ذلك ،يبقى دور مؤسسة النيابة العامة في حماية الحيازة العقارية محتشما مقارنة مع التشريع الفرنسي
أو المصري الذي يخول لهذا الجهاز صالحيات أوسع متى ثبت لديه باألدلة الكافية جدية االتهام.34
الفقرة الثالثة :تدخل النيابة العامة في حالة تزوير المحررات ووثائق الملكية
نص ظهير التحفيظ العقاري على مجموعة من الشكليات التي تنظم تقديم مطلب التحفيظ ،ومن أهمها ما
أشار إليه الفصل 14من أصول أو نسخ رسمية للرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية
وبالحقوق العينية المترتبة على الملك .ولعل الغاية من هذه الوثائق هي تحقيق ما سماه المشرع في الفصل 13
من ظهير التحفيظ العقاري ببيان أصل التملك.
وما يسري على طالب التحفيظ يسري على المتعرض ،سواء قدم تعرضه داخل أجل شهرين من تاريخ نشر
أو خارج هذا األجل ،في إطار 35
اإلعالن عن انتهاء التحديد الذي نظمه الفصل 25من ظهير التحفيظ العقاري
ما يعرف بالتعرض االستثنائي الذي تناوله المشرع من خالل الفصل 29من ظهير التحفيظ العقاري.36
وقد يحدث أن يتم اإلدالء ،سواء من طرف طالب التحفيظ أو المتعرض ،بوثائق أو محررات مزورة الدعاء
الملكية أو أحد الحقوق العينية .وقد أحاطها المشرع الجنائي هذه المرحلة "بمجموعة من الضمانات من بينها
34طيب محمد عمر ،إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في قانون المسطرة الجنائية ،مقال منشور في مجلة البحوث ،العدد األول ،ص . 61
35ينص الفصل 25من ظهير التحفيظ العقاري على تقدم التعرضات عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على األمالك العقارية ،وإما للمهندس
المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد .تضمن التصريحات الشفوية للمتعرض ،بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداهما.
إن التصريحات والرسائل المحررة للغرض المشار إليه سابقا يجب أن تبين فيها هوية المتعرض ،حالته المدنية ،عنوانه الحقيقي أو المختار ،اسم الملك ،رقم
مطلب التحفيظ ،طبيعة ومدى الحق موضوع النزاع ،بيان السندات والوثائق المدعمة للطلب .يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة
لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي
النتهاء أجل التعرض .يمكن أن تسلم لطالبي التحفيظ والمتدخلين في المسطرة ،بطلب منهم ،صور شمسية للوثائق المدلى بها من طرف المتعرضين.
يقوم المحافظ على األمالك العقارية بتضمين التعرضات المقدمة وفق الشروط المنصوص عليها أعاله في سجل خاص يدعى "سجل التعرضات ".إذا كان
التعرض ال يتعلق إال بجزء من العقار لم يتيسر تحديده بكيفية صحيحة أثناء إجراء عملية التحديد حسبما هو منصوص عليه في الفصل 20تباشر هذه العملية
على نفقة المتعرض .إذا تعذر تحديد الجزء محل النزاع ،فإن المحافظ على األمالك العقارية يحيل المطلب على المحكمة االبتدائية ،ويمكن للقاضي المقرر
الذي أحيل عليه الملف أن ينجز هذا التحديد طبقا لمقتضيات الفصل 34من هذا القانون.
36بعد انصرام األجل المحدد في الفصل 27أعاله يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على األمالك العقارية ،ولو لم يرد على مطلب
التحفيظ أي تعرض سابق ،شريطة أال يكون الملف قد وجه إلى المحكمة االبتدائية.
يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على األمالك العقارية بالوثائق المبينة لألسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل األجل ،وبالعقود والوثائق المدعمة
لتعرضه .كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.
يكون قرار المحافظ على األمالك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائية.
16
الضمان الجنائي من خالل جريمة التزوير ،حيث نجده وضع عقوبات لزجر مقترفيها حماية للحقوق من جهة،
وحماية للثقة الموضوعة لدى الجهات القانونية المكلفة بتحرير تلك المحررات ،والسيما في خلق األمن العقاري".37
تناول المشرع الجنائي جريمة تزوير المحررات في الفصول 351إلى 367من مجموعة القانون الجنائي،
وعرف التزوير في األوراق بأنه "تغيير الحقيقة فيها بسوء نية ،تغيي ار من شأنه أن يسبب ضر ار متى وقع في محرر
بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون".
وتختلف عقوبة التزوير في المحررات بحسب طبيعة مرتكبيها وبحسب ما إذا كانت المحررات رسمية أو
عرفية.
وتبعا لذلك ،فإن تزوير المحررات الرسمية من قبل الموظفين أو الجهات المخول لها تحرير العقود الرسمية
تضم عقوبات سالبة للحرية وأخرى مالية تتراوح ما بين 100.000إلى 200.000درهم ،لكل قاضي أو موظف
عمومي أو موثق أو عدل ارتكب أثناء قيامه بعمله تزوي ار بإحدى الطرق المحددة قانونا في الفصلين 352و.353
وقد ذهب المشرع الجنائي إلى توحيد العقوبة بين تزوير المحررات الرسمية والمحررات ثابتة التاريخ التي يقوم بها
المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض.
أما بخصوص المحررات العرفية فقد قرر المشرع بشأنها عقوبة تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات ،وغرامة
من مائتين وخمسين إلى ألفي درهم ،باإلضافة إلى تخويل القاضي صالحية إضافة بعض العقوبات على العقوبة
األصلية.
ومن جهته ،أكد المشرع على تجريم ومعاقبة مرتكبي التزوير في قانون التحفيظ العقاري بخصوص المحررات
التي يتم استعمالها في مسطرة التحفيظ أو في العمليات الالحقة لتأسيس الرسم العقاري ،ونص الفصل 104على
ما يلي:
"تطبق أحكام القانون الجنائي على من:
-1يقوم عن علم وبقصد جلب ربح غير مشروع لشخص آخر ،بتزوير أو تزييف أو تحريف الرسوم العقارية
أو نظائرها أو القوائم أو الشهادات التي سلمها المحافظ على األمالك العقارية طبقا لمقتضيات هذا القانون ،أو
يستعمل مستندات مزورة أو مزيفة أو محرفة على الكيفية المذكورة؛
-2يقترف زو ار في المحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب ،إما بتزييف أو تحريف كتابات أو توقيعات،
وإما بخلق أشخاص وهميين أو باصطناع اتفاقات أو تصرفات أو إبراءات ،أو أدرج ذلك في تلك السندات بعد
تحريرها بإضافة أو تزييف شروط أو تصريحات أو وقائع كان غرض تلك المحررات أن تثبتها.
وغني عن البيان ،أن قصد المشرع الجنائي والمشرع في قانون التحفيظ العقاري هو تحصين الملكية العقارية
سواء أثناء سريان مسطرة التحفيظ أو حتى بعد إسناد الرسم العقاري تحقيقا لألمن العقاري الذي هو أساس كل
تنمية اقتصادية واستقرار اجتماعي ،ويعتبر دور النيابة العامة جوهريا على هذا المستوى من خالل تحريك الدعوى
37إبراهيم بعلي ،تدخل النيابة العامة في قضايا التحفيظ العقاري المستمد من القانون الجنائي ،ماستر العقار والتعمير ،كلية الحقوق بالسويسي ،الرباط .موقع
03 http://droitfonc.comدجنبر 15:15 2023
17
العمومية لردع هذه التصرفات سواء بطلب من المحافظ على األمالك العقارية أو من طالب التحفيظ أو المتعرض
أو من له مصلحة في ذلك.
ومن نافلة القول أن جريمة التزوير كما عرفها المشرع الجنائي قد تصدر عن األشخاص العاديين كما قد
تصدر عن المحافظ نفسه أو المهندس المساح أثناء إعداد محضر التحديد أو أي جهة أخرى لها عالقة بمسطرة
التحفيظ.
ولهذه الغاية ،كان المشرع في التعديل األخير الذي مس ظهير التحفيظ العقاري أكثر صرامة حين عاقب
أفعاال ال ترقى إلى درجة التزوير ولكنها تؤثر في السير العادي لمسطرة التحفيظ وتضر بمصالح المالك كالتعرض
التعسفي والتقييد االحتياطي التعسفي.
الفقرة الرابعة :تدخل النيابة في حالة إهانة من يقوم بعملية التحديد واالعتداء عليه
بالنظر إلى األهمية المتزايدة التي يحظى بها العقار وعالقته بالثروة ،فإن ميادين االصطدام بين األفراد
تتعدد واجهاتها بتعدد المساطر التي وضعها المشرع من أجل تحصين الملكية العقارية.
وفي هذا اإلطار ،تعتبر عملية التحديد إحدى المراحل التي قد يتعرض خاللها المهندس المساح ممثل
المحافظ على األمالك العقارية في عملية التحديد ،لإلهانة أو االعتداء وهو األمر الذي قد ينعكس سلبا على
إجراء هذه العملية التقنية والقانونية وقد يحرم طالب التحفيظ من متابعة إجراءات تحفيظ ملكيته العقارية.
وبالنظر أيضا إلى المفهوم الواسع الذي يضعه المشرع للموظف العمومي في الفصل 224من القانون
الجنائي باعتباره كل شخص كيفما كانت صفته ،يعهد إليه في حدود معينة ،بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة،
بأجر أو بدون أجر ،ويساهم بذلك في خدمة الدولة ،أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية ،أو المؤسسات
العمومية ،أو مصلحة ذات نفع عام ،فإن مستخدمي الوكالة الوطنية للمحافظة على األمالك العقارية والمسح
العقاري والخرائطية يعتبرون موظفون عموميون بمفهوم القانون الجنائي ويخضعون بالتالي للحماية المقررة لهم
في هذا القانون إسوة بغيرهم.
وفي هذا الصدد ،فإن الفقرة األولى من الفصل 263من القانون الجنائي تنص على أنه "يعاقب بالحبس
من شهر إلى سنة وغرامة من 250إلى 5000درهم من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين
أو من رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم ،أو بسبب قيامهم بها بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو
إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو االحترام الواجب
لسلطتهم".
وعلى هذا األساس ،فإن تدخل النيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ بغاية حماية الموظف المكلف بالمسطرة
سواء كان محافظا أو مساحا طبوغرافيا أثناء مزاولتهم لمهامهم اإلدارية يكون متصو ار في الحالة التي يتعرض فيها
18
هذا الموظف لالعتداء أو اإلهانة ،سواء صدرت من طرف طالب التحفيظ أو المتعرض أو غيرهما ،وذلك بمجرد
توصلها بشكاية في الموضوع حيث تتولى تحريك المتابعة في حق المخالفين.
ويعتبر تدخل النيابة العامة على هذا المستوى ذا بعدين ،فهو من جهة يحافظ على النظام العام وصيرورة
المرفق العمومي ،ومن جهة أخرى ،يحقق الحماية الالزمة للملكية العقارية في الحالة التي يكون فيها طموح
المخالف هو عرقلة المسطرة من خالل منع التحديد أو تأخيره أو تغيير معالمه.
ومن المعلوم أن العقوبة المشار إليها سالفا تتضاعف إذا تم ارتكاب عنف أو إيذاء ضد أحد الموظفين
العموميين أو رؤساء أو أفراد القوة العمومية لترتفع من 3أشهر إلى سنتين.
وإذا ترتب عن العنف إراقة دم أو جرح أو مرض أو إذا ارتكب مع سبق اإلصرار أو الترصد فإن العقوبة
الحبسية تصير من سنتين إلى خمس سنوات.
وإذا ترتب عن العنف قلع أو بتر أو حرمان من استعمال عضو أو عمى أو عور أو أي عاهة مستديمة فإن
العقوبة تكون السجن من 10إلى 20سنة ،أما إذا ترتب عن العنف الموت دون نية إحداثه فإن العقوبة السجنية
تصير من 20إلى 30سنة ،وإذا تعلق األمر بالقتل العمد فإن العقوبة تصل إلى اإلعدام.
وهكذا يتبين أن القانون الجنائي وفر الحماية الالزمة سواء للمحافظ على األمالك العقارية أو المهندس
المساح الطبوغرافي أثناء القيام بعملية التحديد ،وهو امتياز يتولى تحقيقه مؤسسة النيابة العامة بما لها من سلطة
في الحفاظ على النظام العام.
وبعد استعراض أوجه الحماية القضائية التي توفرها مؤسسة النيابة العامة من خالل الدعوى العمومية ،يثور
التساؤل عن مظاهر هذه الحماية من خالل الدعوى المدنية.
المطلب الثاني :تدخل مؤسسة النيابة العامة لحماية الملكية العقارية من خالل الدعوى المدنية
ال تقف الحماية القضائية التي تمارسها مؤسسة النيابة العامة في صيانة الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ
عند حدود تحريك الدعوى العمومية وممارستها باعتبارها من أهم تجليات دور هذه المؤسسة في حماية المجتمع
وما يسمى بالحق العام ،بل تمتد لتشمل القضايا المدنية ومنها قضايا التحفيظ العقاري إما بوصفها طرفا رئيسيا أو
طرفا منضما ،وذلك بهدف حماية مصالح القاصرين ومصالح الدولة والمؤسسات العمومية.
وطبقا للفصلين 8و 9من قانون المسطرة المدنية فإن النيابة العامة تتدخل في القضايا المدنية من أجل
اإلدالء برأيها لمصلحة القانون والعدالة ،وتعتبر قضايا التحفيظ نسخة طبق األصل من القضايا المدنية ويجد
تدخلها فيها سنده في هذه الدعاوى األخيرة.38
أنس الشتيوي ،ازدواجية دور النيابة العامة في المادة المدنية وإشكاالته العملية ،بحث نهاية تكوين الملحقين القضائيين ،السنة ،2017-2015ص 12 38
19
الفقرة األولى :تدخل النيابة العامة كطرف منضم
ينص الفصل 8من قانون المسطرة المدنية على أن النيابة العامة "تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا
التي يأمر القانون بتبليغها إليها ،وكذا في الحاالت التي تطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد اطالعها على الملف،
أو عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي .وال يحق لها في هذه األحوال استعمال أي طريق للطعن".
وبمفهوم هذا الفصل فإن النيابة العامة تتدخل إما إراديا أو بناء على إحالة من المحكمة .وتدخلها اإلرادي
تستمده من صفتها كممثل للحق العام وبناء على سلطتها التقديرية التي ال ينازعها فيها أحد ولو بحجة عدم
االختصاص ، 39أما في حالة اإلحالة فإنها تدلي برأيها من موقع المدافع عن المصلحة العامة واألخالق الحميدة
بناء على تقديرها لمعطيات الملف دون أن يكون عدم جوابها سببا للطعن في الحكم ،مع تسجيل اختالف بين آراء
الفقهاء حول مدى إلزامية التدخل في حالة اإلحالة بين قائل بوجوبه وبين قائل باختياريته.
وبخصوص موقع قضايا التحفيظ من هذا الموضوع ،فإن مقتضيات الفصل 37من ظهير التحفيظ العقاري
تخول هذه اإلمكانية للنيابة العامة في المرحلة االبتدائية للدعوى "إن اقتضى الحال" لإلدالء بمستنتجاتها إما في
الحين أو بعد المداولة .وهو المنوال الذي سار عليه المشرع خالل المرحلة االستئنافية من خالل الفصل 45من
ظهير التحفيظ العقاري الذي أجاز للنيابة العامة تقديم مستنتجاتها في المرحلة االستئنافية للدعوى .وال تكون ملزمة
باإلدالء بهذه المستنتجات سواء كانت كتابية أو شفوية أو بحضور الجلسة ماعدا إذا نص القانون على خالف
ذلك كما هو الشأن بالنسبة للفصل 10من قانون المسطرة المدنية.
واعتبا ار ذلك ،فإن المشرع لم يخول للنيابة العامة إمكانية الطعن في الحكم مادامت تفتقد صبغة الطرف
الخصم بشكل صريح.
ومن الناحية العملية ،تباين أداء مؤسسة النيابة العامة بالصفة االختيارية بين من يلتمس تطبيق القانون وبين
من يؤسس تدخله بشكل قانوني كامل يحوله من طرف غير خصم إلى طرف خصم.40
نص الفصل 8من قانون المسطرة المدنية على الحاالت التي تكون فيها النيابة العامة ملزمة بالتدخل في
جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها.
وأورد الفصل 9من قانون المسطرة المدنية القضايا التي يلزم تبليغها للنيابة العامة ،وهي القضايا المتعلقة
بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية
39حكيم عتو ،الدور االجرائي للنيابة العامة في قضايا التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص العقار والتنمية ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة عبد المالك السعدي بطنجة ،السنة الجامعية ،2013-2012ص .60
40أمين برفود ،دور النيابة العامة في حماية الملكية العقارية ،سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة ،العدد ،14موقع العدالة
المغربية 5 www.justicemaroc.comدجنبر 20:58 ،2023
20
وممتلكات األحباس واألراضي الجماعية ،والقضايا المتعلقة باألسرة ،والقضايا المتعلقة بفاقدي األهلية ،وتلك التي
تتعلق باألشخاص المفترضة غيبتهم ،والقضايا التي تتعلق بعدم االختصاص النوعي ،وقضايا تنازع االختصاص
وتجريح القضاة واإلحالة بسبب القرابة أو المصاهرة ومخاصمة القضاة ،وقضايا الزور الفرعي.
وتدلي النيابة العامة لزوما بمستنتجاتها سواء كانت كتابية أو شفوية ومن حقها طلب تأخير الجلسة من أجل
الجواب ،ويترتب عن هذا اإللزام إمكانية الطعن ضد الحكم االبتدائي أو القرار االستئنافي.
وإذا أردنا إسقاط هذه الصورة على قضايا التحفيظ العقاري فإن الصيغة التي استعملها المشرع ،سواء في
الفصل 37أو الفصل 45من ظهير التحفيظ العقاري والتي تحيل على االختيار بعبارة "إن اقتضى الحال ذلك"،
تدفع إلى التساؤل عن مدى وجود تعارض بين مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري ومضمون الفصل 9من قانون
المسطرة المدنية.
إذا كان الرأي الفقهي قد دخل في سجال بين قائل بضرورة تطبيق مقتضيات الفصل 9من قانون المسطرة
المدنية في قضايا التحفيظ العقاري وبين من يقول عكس ذلك ،فإن العمل القضائي بالمغرب ،وعلى رأسه قضاء
محكمة النقض استقر على ضرورة تطبيق مقتضيات الفصل 9في نزاعات التحفيظ العقاري متى كانت الدولة
طرفا في النزاع ،أي طالبة للتحفيظ أو متعرضة ،وتكون إحالة الملف من طرف المحكمة على النيابة العامة قصد
اإلدالء بمستنتجاتها أو تالوتها إجباريا تحت طائلة نقض القرار.
وفي هذا الصدد ،استقر العمل القضائي لمحكمة النقض على إلغاء ونقض الق اررات القضائية التي ال تتقيد
بهذه النقطة القانونية .وللتدليل على ذلك ،نورد قرار محكمة النقض عدد 3829الصادر بتاريخ 13شتنبر 2022
في الملف المدني رقم 2009/1/1/4859الذي أشارت قاعدته إلى ما يلي:41
"إذا كان الفصل 37من قانون التحفيظ العقاري ينص على تقديم النيابة العامة لمستنتجاتها إن اقتضى الحال
ذلك ،فإن مقتضيات الفصل 9من قانون المسطرة المدنية تحصر هذه الحاالت ،كما توجب من جهة ثانية
التنصيص في الحكم الصا در بعد اإلحالة على النيابة العامة على إيداع مستنتجاتها أو تالوتها وإال كان باطال،
فإن خلو الحكم المستأنف من ذلك يجعله باطال بنص القانون".
عن محكمة النقض عدد 8/262بتاريخ 7ماي 2013في الملف المدني 42
وفي نفس السياق ،صدر قرار
رقم ( 2012/8/1/4499قضية تحفيظ) الذي عاب على القرار االستئنافي ليس فقط إبطال الحكم االبتدائي لعلة
عدم إحالة الملف إلى النيابة العامة من طرف المحكمة المصدرة له بل كان يتعين عليها "إرجاع الملف إليها (أي
المحكمة االبتدائية) للقيام بهذا اإلجراء وليس التصدي للبت في الدعوى ،األمر الذي يشكل خرقا لمقتضيات
الفصلين المذكورين (المقصود الفصلين 369و 9من قانون المسطرة المدنية) ويكون بالتالي القرار المطعون فيه
معرضا للنقض واإلبطال".
"حقا ،حيث ردت المحكمة دفع الطاعنة المبني على خرق الحكم االبتدائي للفصل 9من قانون المسطرة
المدنية بعدم اإلشارة فيه إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة بالتعليل الوارد في االنتقاد ،في حين أن العبرة بشأن
ما ينص عليه الفصل 9من ق م م من ضرورة اإلشارة في الحكم إلى إيداع النيابة العامة لمستنتجاتها أو تالوتها
بالجلسة تحت طائلة البطالن ،بما يضمن بالحكم ،وليس بما يرد بمحضر الجلسة المعد من طرف كاتب الضبط،
الذي إنما يضبط واقعة وجود المستنتجات وهي غير مدار النزاع ،مما كان معه تعليل القرار فاسدا ،مرتك از على
خرق الفصل 9من ق م م ،وعرضة للنقض".
أما بخصوص القضايا المعروضة على محكمة النقض فإن تدخل النيابة العامة فيها يكتسي صبغة اإللزام
المطلق وليس فيه أي استثناء اعتبا ار لمصلحة القانون والعدالة.
وفي األخير ،تبقى اإلشارة إلى أن النيابة العامة تتدخل بصفتها طرفا رئيسيا في نزاع التحفيظ حين تعمل
مقتضيات الفصل 26من ظهير التحفيظ العقاري ،أي حين تقدم تعرضها باسم المحجورين والغائبين والمفقودين
وغير الحاضرين ،وفي هذه الحالة تمارس دورها كامال باعتبارها خصما يدلي بدلوه دفاعا عن مصلحة من ينوب
عنه ويعزز رأيه بالحجج واألدلة وباقي الوثائق الداعمة.
22
خاتمة
من خالل المسح الذي تم القيام به لتدخل مؤسسة النيابة العامة من أجل حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة
التحفيظ ،بطابعيه اإلداري والقضائي ،يتضح بأن المشرع سن عدة قواعد قانونية ،سواء في ظهير التحفيظ العقاري
أو في نصوص قانونية موضوعية وإجرائية أخرى ،توخى من ورائها حماية الملكية العقارية وتبويئها المكانة
الدستورية التي تستحقها في التشريع الوطني وفي القانون الدولي.
على ظهير التحفيظ العقاري بموجب التعديل الذي ط أر عليه بموجب القانون 44
ومع ذلك ،فقد آخذ البعض
14.07أنه نكص على عقبيه لما ألغى مؤسسة التعرض خارج األجل الذي كان يتم أمام وكيل الملك بالمحكمة
االبتدائية بعد إحالة ملف مطلب التحفيظ من المحافظ على األمالك العقارية إلى القضاء من أجل البت في
التعرض أو التعرضات المسجلة قبل هذه اإلحالة.
وبعيدا عن هذا السجال الذي يتأرجح ما بين معارض ومؤيد للتعديل في جزئيته هذه ،وبالنظر إلى التطور
التاريخي الذي عرفه الفصل 29من ظهير التحفيظ العقاري من خالل مرحلة ما قبل ،1954حيث كان وكيل
الملك ال يقبل التعرض فقط وإنما يفتح آجاال جديدة لقبول التعرضات ،ومرحلة ما بين 1954و 2011حيث كان
يتولى قبول التعرض وملف مطلب التحفيظ معروض على هيئة الحكم وربما استنفذ جميع مراحل بحث وتحقيق
الدعوى مما كان يفضي إلى تأخير البت القضائي في ا
نزع التحفيظ ،ومرحلة ما بعد 2011التي تميزت بإلغاء
المشرع لهذا المقتضى ،يمكن القول بأن المش رع لم يكن يتمتع بحرية كاملة إلرضاء جميع اآلراء ،ألنه كان بين
مطرقة المشاكل التي تنجم عن تخويل مؤسسة النيابة العامة هذا الحق وعلى رأسها تأخير بت القضاء في نزاع
التحفيظ بل وتأخير مسطرة التحفيظ ككل وفتح الباب أمام التعرضات الكيدية ،وسنداد تقليص آجال مسطرة التحفيظ
وتجويدها وعقلنة إجراءاتها اإلدارية والقضائية دون المس بالمكتسبات ذات الصلة بحماية الملكية العقارية.
وفي رأينا المتواضع فإن حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ ال تتوقف على تخويل وكيل الملك
صالحية قبول التعرض خالل المرحلة القضائية من عدمه ،وإنما في الضمانات القانونية األخرى التي جاء بها
استرتيجية كبرى تتجلى في توفير
ا ظهير التحفيظ العقاري برمته ،مع تسجيل رغبة المشرع في االستجابة لمتطلبات
أكبر رصيد عقاري مطهر يمكن أن يكون صالحا للتعبئة في المشاريع ذات النفع العام ،وفي تحقيق األمن العقاري
الذي من مرتكزاته تحفيظ الملكية العقارية ،وذلك من خالل إشاعة ثقافة التحفيظ لدى عموم الناس ودفعهم إلى
اإلقبال على عملية التحفيظ ،وما كان باإلمكان بلوغ هذه األهداف دون تقديم ضمانات جديدة لها عالقة بآجال
المسطرة وفعاليتها.
44محمد خيري ،مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي "المساطر اإلدارية والقضائية" ،منشورات المعارف ،2013 ،ص .227
23
ومع ذلك ،ظلت بعض المقتضيات القانونية تواجه إشكاالت عملية ال بد من إعادة النظر فيها ،من قبيل
تفعيل مقتضيات الفصل 20من ظهير التحفيظ العقاري في الجانب المتعلق بتدخل النيابة العامة ومن له الصفة
في طلب هذا التدخل ،وما هي حدود هذا التدخل مقارنة مثال مع مقتضيات الفصل 23التي تعتبر مطلب التحفيظ
الغيا متى تعذر تحديده لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك.
وبخصوص المقتضيات التي تنظم تدخل مؤسسة النيابة العامة سواء للتعرض أو لتقييد حقوق القاصرين
والمحجورين فإن توضيحها بالتنصيص على هذه اإلمكانية أثناء مسطرة التحفيظ وقبل تأسيس الرسم العقاري في
الجانب المتعلق بتقييد هذه الحقوق يبقى ضروريا رفعا لكل التباس مادام الفرع يتبع األصل.
وهو األمر نفسه الذي يسري على تدخل مؤسسة النيابة العامة كمحل للمخابرة في عالقته بالمحافظ على
األمالك العقارية ،حيث يطرح التساؤل عن جدوى هذا اإلجراء في الحالة التي ال يتم فيها اإلدالء بالوثائق المؤيدة
ومدى قدرة المحافظ على إلغاء مطلب التحفيظ لهذا السبب من عدمه.
وعموما ،يبقى إجراء العقل الذي كرسه المشرع المغربي من خالل تعديل بعض فصول المسطرة الجنائية
أهم مكسب تم تحقيقه في مجال حماية الملكية العقارية بالمغرب ،إضافة إلى مؤسسات أخرى كالتعرض الكيدي
والتقييد االحتياطي التعسفي ،موازاة مع إضفاء طابع الرسمية على التصرفات التي لها عالقة بنقل الملكية العقارية
أو بإنشاء الحقوق العينية األخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكاالت الخاصة بها.
غير أن بلوغ الغاية المطلقة من الحماية ،ال يتحقق فقط بالقانون والتشريع ،بل هو رهان ينبغي أن ينخرط فيه باقي
المتدخلين ،وعلى رأسهم جهاز القضاء الذي هو ضمان للفصل بين الحقوق وإيصالها إلى أصحابها وأداة لتطبيق
القانون وتحقيق العدالة.
24
الئحة المراجع:
-1المؤلفات
✓ محمد محبوبي ،أساسيات في نظام التحفيظ العقاري والحقوق العينية العقارية وفق المستجدات التشريعية
للقانون رقم 14.07والقانون رقم ،08.39طبعة .2014
✓ عبد السالم بنحدو ،الوجيز في شرح قانون المسطرة الجنائية ،المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش
✓ مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء
األول :التحفيظ العقاري ،الطبعة الثانية سنة 1987
✓ مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء
الثاني :الحقوق العينية األصلية والتبعية ،الطبعة الثانية سنة 1987
✓ جواد كموني ،البسيط في التحفيظ العقاري بالمغرب بين النص القانوني والواقع العملي ،الطبعة الثانية،
بدون ذكر المطبعة2017 ،
✓ محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خالل القانون الجديد رقم 14.07
المتعلق بالتحفيظ العقاري ومرسوم 14يوليوز 2014بشأن إجراءات التحفيظ العقاري ،دار نشر المعرفة
.2018
✓ محمد خيري ،مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي "المساطر اإلدارية والقضائية"،
منشورات المعارف.2013 ،
✓ ادريس العلوي العبدالوي ،الوسيط في شرح المسطرة المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
.1998
✓ الشرقي حراث ،الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي ،مطبعة األمنية ،مكتبة الرشاد ،سطات،
الطبعة األولى .2019
-2الرسائل والبحوث:
✓ حكيم عتو ،الدور االجرائي للنيابة العامة في قضايا التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص تخصص العقار والتنمية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة عبد المالك
السعدي بطنجة ،السنة الجامعية .2013-2012
✓ رشيد أومالك ،عقل العقار آلية لحماية الملكية العقارية الخاصة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
بتطوان ،جامعة عبد المالك السعدي.2020-2019 ،
✓ أنس الشتيوي ،ازدواجية دور النيابة العامة في المادة المدنية وإشكاالته العملية ،بحث نهاية تكوين الملحقين
القضائيين ،السنة .2017-2015
25
-3المقاالت والمواقع اإللكترونية:
✓ محمد بادن ،مدى اختصاص النيابة العامة بمنازعات الحيازة على ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد،
مقال منشور بمجلة المناظرة ،العدد 9سنة .2004
✓ أمين برفود ،دور النيابة العامة في حماية الملكية العقارية ،سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة ،العدد
،14موقع العدالة المغربية www.justicemaroc.com
✓ إسماعيل الصغيري ،مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية :عقل العقار نموذجا،
مغرب القانون 6 ،نونبر http://maroclaw.com 2021
✓ إبراهيم بعلي ،تدخل النيابة العامة في قضايا التحفيظ العقاري المستمد من القانون الجنائي ،ماستر العقار
والتعمير ،كلية الحقوق بالسويسي ،الرباط .موقع http://droitfonc.com
-4الدالئل والمجالت:
✓ دليل و ازرة العدل ،البوابة القانونية والقضائية لو ازرة العدل
✓ مجلة ملفات عقارية ،العدد ،2012 ،1التحفيظ العقاري
26
الفهرس
مقدمة 1....................................................................................................
المبحث األول :الدور اإلداري للنيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ4................
المطلب الثاني :تلقي المخابرات المتعلقة باألشخاص الذين ال يتوفرون على موطن للمخابرة7...................
الفقرة الثالثة :دور النيابة العامة في عملية التحديد وحماية األنصاب والعالمات الجيوديزية9...................
المبحث الثاني :الدور القضائي للنيابة العامة في حماية الملكية العقارية أثناء مسطرة التحفيظ11..............
الفقرة الثالثة :تدخل النيابة العامة في حالة تزوير المحررات ووثائق الملكية16................................
الفقرة الرابعة :تدخل النيابة في حالة إهانة من يقوم بعملية التحديد واالعتداء عليه18..........................
المطلب الثاني :تدخل النيابة العامة في حماية الملكية العقارية من خالل الدعوى المدنية19...................
خاتمة 23..................................................................................................
الفهرس 27................................................................................................
27