شريعة_الله_يا_ولدي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 136

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب‪ :‬شريعة هللا اي ولدي‬


‫املؤلف‪ :‬حممود حممد غريب‪ :‬من علماء األزهر الشريف واملوجه الديين لشباب‬
‫جامعة القاهرة‬
‫(أسلم على يدي املؤلف مخسةٌ من علماء أوراب يف فرتة السبعينيات)‬
‫الناشر‪ :‬املطبعة السلفية ‪ -‬القاهرة‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1407 -‬هـ ‪ 1987 -‬م‬
‫[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]‬
‫ري اجلََز ِاء َوأَوفَاهُ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ج َزى ه ِ‬
‫اَّللُ َكاتبَهُ َوَم ْن ََتَ هم َل نَـ َف َقةَ الْكتَابَة َخ َ‬ ‫َ‬

‫اَّلل ال هر ْْحَ ِن ال هرِح ِيم‬


‫بِس ِم هِ‬
‫ْ‬
‫الكتاب‪ :‬شريعة هللا اي ولدي‬
‫املؤلف‪ :‬العالمة الشيخ ‪ /‬حممود غريب‬
‫(أسلم على يدي املؤلف مخسةٌ من علماء أوراب يف فرتة السبعينيات)‬
‫الناشر‪ :‬املطبعة السلفية ‪ -‬القاهرة‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1407 -‬هـ ‪ 1987 -‬م‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]‬
‫ري اجلََز ِاء َوأَوفَاهُ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫جزى ه ِ‬
‫اَّللُ َكاتبَهُ َوَم ْن ََتَ هم َل نَـ َف َقةَ الْكتَابَة َخ َ‬ ‫ََ‬
‫****************‬
‫الكتاب واحد من الكتب اليت مت تدريسها لطالب املعاهد واجلامعات‪.‬‬
‫من عناوين الكتاب‪:‬‬
‫اللقاء األول‬
‫يف هذا الفصل‬
‫* طوىب للغرابء‪.‬‬
‫* ملاذا اإلسالم وحده؟‬
‫* ملاذا غشاء البكارة؟‬
‫* اجلانب اإلهلي واجلانب االجتهادي‪.‬‬
‫* املساواة أهم منه‪.‬‬
‫* خيال املآتة‪.‬‬
‫اللقاء الثاين‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* هل على الرجل عدة إذا طلق زوجته؟‬
‫* دور السنة يف خدمة القرآن‪.‬‬
‫* ما يصدر عن بشريته‪ ،‬وما يصدر عن نبوته‪.‬‬
‫* أنتم أعلم أبمر دنياكم‪.‬‬
‫* نريد من هو أعلم منا ابلقرآن‪.‬‬
‫* عندما أنكل السمك والكبد‪.‬‬
‫اللقاء الثالث‬
‫يف هذا اللقاء‪:‬‬
‫* أدركوا هؤالء الشباب‪.‬‬
‫* من االعتماد إىل االجتهاد‪.‬‬
‫* التلقي ابلعقل‪ ،‬والتلقي ابلقلب‪.‬‬
‫* حنو سلفية صحيحة‪.‬‬
‫* اختالف ال يضر‪.‬‬
‫* إذا عرف السبب‪.‬‬
‫* االختالف الفقهي ال التعصب الفقهي‪.‬‬
‫* السواك ‪...‬‬
‫ومعجون األسنان‪.‬‬
‫* هل تصلي خلف اإلمام مالك؟‬
‫* من أجل صاحب هذا القرب‪.‬‬
‫اللقاء الرابع‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* الذين يتطوعون بتيسري الزان‪.‬‬
‫* هل ألسنة الناس أقالم احلق دائماً؟‬
‫* قرب اجلرائم األخالقية أفضل‪.‬‬
‫* لو كنت سرتته بثوبك كان خرياً لك‪.‬‬
‫* ال توثقوه ابحلبال‪.‬‬
‫* أوله سفاح وآخره نكاح‪.‬‬
‫اللقاء اخلامس‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* الثوب صدقه عليه اي رسول هللا‪.‬‬
‫* التكافل أوالً‪.‬‬
‫* السفينة قرارترنىت اصدق داللة‪.‬‬
‫* بني العقاد وابن األزرق‪.‬‬
‫* يد عاملة‪.‬‬
‫ويد عاطلة‪.‬‬
‫ويد عاجزة‪.‬‬
‫ويد عابثة‪.‬‬
‫* رقبة مانع الزكاة‪ ،‬قبل يد السارق‪.‬‬
‫* حروب الردة ملاذا؟‬
‫اللقاء السادس‬
‫* حتمية احلصاد‪.‬‬
‫* القتل إعالم بنهاية األجل‪.‬‬
‫وليس إهناء لألجل‪.‬‬
‫* القاضي مل يهب القاتل احلياة‪ ،‬فلماذا يسلبها منه؟‬
‫* القصاص ال يعيد احلياة للمقتول‪.‬‬
‫ولكن‪.‬‬
‫* سأصرب ‪...‬‬
‫حىت حيكم هللا‪.‬‬
‫* الشريعة َتكم الناس من داخلهم‪.‬‬
‫* آية الدين‪.‬‬
‫* عندما تعدل شهادة املرأة الواحدة شهادة رجلني‪.‬‬
‫اللقاء السابع‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* منفعة بني إمثني‪.‬‬
‫* سر اإلنسان ِ‬
‫كعرضه‪.‬‬
‫* اهلضم شيء آخر‪.‬‬
‫* داللة االجتناب أوسع‪.‬‬
‫* اجلدوا الصائم أوالً‪.‬‬
‫* ما ذنب هؤالء؟‪.‬‬
‫* هل تضر مع اإلميان معصية؟‪.‬‬
‫* حنو منهج للعالج‪.‬‬

‫(‪)2/1‬‬

‫اَّلل ال هر ْْحَ ِن ال هرِح ِيم‬


‫بِس ِم هِ‬
‫ْ‬
‫مقدمة‬
‫اَّلل ال هر ْْحَ ِن ال هرِح ِيم‬
‫بِس ِم هِ‬
‫ْ‬
‫احلمد هلل وسالم على عباده الذين اصطفى ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على النيب املصطفى‪.‬‬
‫أما بعد‬
‫فهذه الرسالة هي الرسالة الرابعة من "سلسلة اي ولدي" وهي حوار علمي حول جانب (العقوابت) يف‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫سمت الشريعة اإلسالمية إىل جانبني‪.‬‬
‫وقد ق ه‬
‫* اجلانب األول‪ :‬جانب إهلي‪.‬‬
‫يْخذ حكم العقيدة فمنكر كافر‪.‬‬
‫وهذا اجلانب اثبت ثبوت القوانني الكونية‪.‬‬
‫الع ُدول وال التعديل‪.‬‬
‫فال يقبل ُ‬
‫ونصوصه حمددة‪ ،‬وحمدودة‪.‬‬

‫(‪)3/1‬‬

‫* اجلانب الثاين‪ :‬جانب اجتهادي‪.‬‬


‫أثْـ َرى الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فاستطاعت أن تس ّد حاجة األُهمة الكبرية‪.‬‬
‫وقد بينت أصوله‪.‬‬
‫وسبب اختالف األئمة يف استنباط األحكام منه‪.‬‬
‫مبا يرفع املالم عن األئمة األعالم رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫مث َت ّدثت عن العقوابت مؤّكداً النقاط التالية‪.‬‬
‫* أن هللا حيكم عباده من داخلهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫فسرها اإلسالم لصاحل املتههم‪.‬‬
‫* كل شبهة يف العقوابت يُ ّ‬
‫* إذا وقع اإلسالم العقوبة على مذنب فالعقوبة "ذاتية" ال متت ّد لألبرايء‪ ،‬كما أهنا "وقتيهة" ال يتبعها‬
‫لعنة وال إغالق ألبواب العيش يف وجه املذنب‪.‬‬
‫* شدهد اإلسالم يف قبول دعوى الزان تشديداً جيعل قبوهلا من الصعوبة مبكان‪.‬‬
‫وأسقط العقوبة ِّ‬
‫ألي شبهة‪.‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫وقد بينّت أن الذين يدخلون البيت ‪ -‬عادة ‪ -‬بدون استئذان ‪ -‬كاملرأة والصيب ‪ -‬ال يقبل القضاءُ‬
‫شهادهتما يف احلدود وللزوج أحكام خاصة بينتها‪.‬‬
‫مث ختمت الرسالة ‪ -‬ابحلديث عن التوبة‪.‬‬
‫مؤكداً أ ّن تعطيل احلدود ال يعين تعطيل املغفرة‪.‬‬
‫والسلسلة ‪ -‬كما أمجع قراؤها الكرام ‪ -‬جتمع بني العمق والسهولة‪.‬‬
‫"حبي الكرخ ببغداد" وهللا أَسأَل أَن يوفقنا خلدمة هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫وقد دارت يف بيت الشيخ عارف ّ‬
‫وأَن جيعل عملنا خالصاً لوجهه الكرمي‬
‫حممود غريب‬
‫سلطنة عمان ‪ -‬صاللة‬

‫(‪)5/1‬‬

‫اللقاء األول‬
‫يف هذا الفصل‬
‫* طوىب للغرابء‪.‬‬
‫* ملاذا اإلسالم وحده؟‬
‫* ملاذا غشاء البكارة؟‬
‫* اجلانب اإلهلي واجلانب االجتهادي‪.‬‬
‫* املساواة أهم منه‪.‬‬
‫* خيال املآتة‪.‬‬

‫(‪)6/1‬‬

‫يف غرفة املدرسني جلس الشيخ (عارف) مع زمالئه يهنّئهم ابلقرن اخلامس عشر اهلجري‪ ،‬ويشيد‬
‫ابلدور العظم الذي ق ّدمته الشريعة اإلسالمية للعامل طوال هذه املدة‪.‬‬
‫فقد حافظت الشريعة على دولة اإلسالم أكثر من ألف عام‪.‬‬
‫واعتنقتها شعوب ذات حضارات واسعة‪ ،‬وفلسفات متعددة‪ ،‬فوسعتهم‪ ،‬وح ّدت مشاكلهم‪ ،‬فلم‬
‫يشعروا يف ظلهها بغُربة‪.‬‬
‫وسبقت الغرب والشرق‪ ،‬يف أتسيس قواعد دستوريّة وقضائية‪ ،‬مل يهتد العامل إليها إال بعد ألف عام من‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وحسب الشريعة فخراً أهنا أقامت أول نظام قضائي ‪ -‬العامل َحا َك َم رئيس الدولة األعلى‪ ،‬أمام احملاكم‬

‫(‪)7/1‬‬
‫العادية‪ ،‬وجعل سلطة القضاء فوق اجلميع‪.‬‬
‫عما يفعل‪.‬‬
‫ظل هللا يف األرض‪ ،‬فال يسأل ّ‬
‫لك هو ّ‬
‫هذا يف الوقت الذي كان العامل يؤمن أب ّن املَ َ‬
‫والناس أمامه يسألون‪.‬‬
‫لقد استطاعت الشريعة اإلسالمية أَن تريب النفوس وأَن َُتكم السفينة‪ ،‬وأن متنع املسلم من اجلرمية‪،‬‬
‫حىت مع أمنه من العقاب‪.‬‬

‫(‪)8/1‬‬

‫حوار بني منصف وعارف عن شريعة اإلسالم‬


‫منصف‪ :‬حديثك عن الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حديث احملامي املؤمن عن القضية العادلة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اإلسالم أعمق مما نعلم‪.‬‬
‫اي أُستاذ منصف‪.‬‬
‫وسنّة احلياة ‪...‬‬
‫منصف‪ :‬لكنك َت ّدثت عن الشريعة وهي شباب ُ‬
‫كل قوي يضعف‪ ،‬وكل حي ميوت‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬بدأ اإلسالم غريباً‪،‬‬
‫وسيعود غريباً كما بدأَ‪.‬‬
‫فطوىب للغرابء"‪.‬‬
‫"رواه مسلم وأْحد"‬
‫عارف‪ :‬هذا احلديث صحيح السند‪.‬‬
‫ولكنه ال يؤخذ على ظاهره (اي منصف) ‪.‬‬
‫فهناك حديث آخر‬

‫(‪)9/1‬‬

‫صحيح أيضاً البد أن يُدرس هنا ليتم املعىن‪.‬‬


‫س ُك ِّل ِمائَ ِة َسنَ ٍة َم ْن ُجيَ ِّد ُد َهلَا‬
‫ث ِهلَ ِذهِ ْاألُهم ِة َعلَى َرأْ ِ‬ ‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪" :-‬إِ هن ه‬
‫اَّللَ يَـ ْبـ َع ُ‬
‫ِدينَـ َها"‪.‬‬
‫(رواه أبو داوود‪.‬‬
‫‪)3740‬‬
‫فاإلسالم بدأ غريباً‪.‬‬
‫من قوي فحكم العامل‪.‬‬
‫مث عاد غريباً‪.‬‬
‫مث بعث هللا بعد مائة عام من ُجي ّدد شبابه فأصبح قوايً‪.‬‬
‫مث عاد غريباً مث بعث هللا له من ُجي ّدد شبابه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فاحلديثان يرمسان خطاً بيانياً لنبضات قلب اإلسالم‪ ،‬قوة وغربة‪ ،‬ولكن اإلسالم لن ميوت‪.‬‬
‫{هو اله ِذي أَرسل رسولَه ِاب ْهل َدى و ِدي ِن ا ْحل ِّق لِيظْ ِهره علَى ال ِّدي ِن ُكلِّ ِه وَك َفى ِاب هِ‬
‫َّلل َش ِهي ًدا} [الفتح ‪]28‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َُ َ‬ ‫َْ َ َُ ُ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫كرم‪ :‬أربعة عشر قرانً ليس ابلعمر القصري‪.‬‬
‫وال ابألمر السهل‪.‬‬
‫والزمن يُغري كل شيء‪.‬‬
‫وجه هذا الكالم لإلسالم وحده؟ ملاذا ال يوجه للنصرانية ‪ -‬اليت بلغت حوايل عشرين‬
‫عارف‪ :‬ملاذا يُ ّ‬
‫قرانً؟‬

‫(‪)10/1‬‬

‫واليهودية اليت بلغت أكثر من ذلك بكثري ملاذا ‪...‬‬


‫اإلسالم وحده؟!‬
‫كرم‪ :‬قانون التطور كحجر الرحى ‪...‬‬
‫يطحن كل شيء‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هل ميكن ملرور الزمن أن جيعل العلم رذيلة؟ أو العدل ظلماً؟ أو الفضيلة عاراً؟ اي أستاذ كرم‪.‬‬
‫الوسائل هي اليت ختضع لقانون التطور‪.‬‬
‫فالقاضي يذهب اليوم إىل دار القضاء ابلسيارة املرحية وحيافظ على احلقوق أبساليب علمية متطورة‪.‬‬
‫ويستفيد من الطب الشرعي "العديل" يف معرفة ظروف اجلرمية وسالحها‪.‬‬
‫ولكن التطور ال جيعل الظلم عدالً‪.‬‬
‫ّ‬
‫وال سلب حقوق الناس فضلية‪.‬‬
‫اي أُستاذ كرم‪.‬‬
‫إ ّن الشريعة اإلسالمية اثبتة ثبوت القوانني الكونية‪.‬‬
‫فقانون اجلاذبية‪.‬‬
‫وقانون امل ّد واجلزر‪.‬‬
‫وقانون مت ّدد املعادن ابحلرارة‪.‬‬
‫كلها قوانني اثبتة‬

‫(‪)11/1‬‬

‫والشريعة كذلك‪.‬‬
‫ألن الذي قنهن الشريعة‪ ،‬هو الذي قنّن القوانني الكونية‪.‬‬
‫والقرآن يُؤكد هذا املعىن فيقول‪.‬‬
‫اَّلل} [الروم ‪ ]30‬فقوانني الكون اثبتة‪.‬‬ ‫{ال تَـب ِديل ِخلَل ِْق هِ‬
‫َ ْ َ‬
‫اَّلل} [يونس ‪. ]64‬‬‫ات هِ‬
‫{ال تَـ ْب ِديل لِ َكلِم ِ‬
‫ويقول أيضاً‪َ :‬‬
‫َ َ‬
‫فقوانني الشريعة اثبتة أيضاً‪.‬‬
‫منصف‪ :‬ثبوت القوانني الكونية ال نناقش فيه‪.‬‬
‫ألنّه أمر مشاهد‪.‬‬
‫ولكننا نناقش ثبوت القوانني الشرعية فقط‪.‬‬
‫ًَ ْخالَق‪.‬‬
‫عارف‪ :‬من الصعب أن نُفرق بني قوانني اخلَلْق‪ ،‬وقوانني األ ً‬
‫أل ّن هللا سبحانه ‪ -‬راعي اجلانب األخالقي يف تكوين اإلنسان‪.‬‬
‫فاملهندس املدين عندما يضع رمساً إلنشاء مصنع‪ ،‬فإنه يضع يف اعتباره نوع األغراض اليت سينتجها‬
‫هذا املصنع‪.‬‬
‫وضماانت السالمة له‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل وله املثل‬

‫(‪)12/1‬‬
‫األعلى ملا خلق اإلنسان جعله خملوقاً أخالقياً‪ ،‬ووضع فيه ما يؤهله ملهمته‪.‬‬
‫كرم‪ :‬طبعاً هذا الكالم من الناحية النفسية فقط‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ومن الناحية العضوية كذلك‪ !!.‬وقد قمت بدراسة هلذا املوضوع‪ ،‬عندما كنت شاابً‪ ،‬وخرجت‬
‫بنتيجة إجيابية‪.‬‬
‫منصف‪ :‬أنت مل تزل يف شبابك اي شيخ عارف‪.‬‬
‫ولكن ما الدراسة اليت قمت هبا؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬عملية احلمل والوضع واإلرضاع ‪ -‬عند املرأة ‪ -‬عملية صعبة‪.‬‬
‫صالُهُ ثََالثُو َن َش ْه ًرا} [األحقاف ‪ ]15‬وهذه‬ ‫ِ‬
‫ض َع ْتهُ ُك ْرًها َوْحَْلُهُ َوف َ‬
‫{ْحَلَْتهُ أ ُُّمهُ ُك ْرًها َوَو َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫املتاعب كفيلة أن متنع املرأة من تكرار احلمل‪.‬‬
‫من أجل لك جعل هللا سبحانه ‪ -‬الغريزة اجلنسية عند املرأة أضعاف مثلها عند الرجل‪.‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫كما جعل عاطفة األُمومة (عند املرأة) ‪ ،‬أقوى بكثري من عاطفة األُبوة‬
‫(عند الرجل) ‪.‬‬
‫وذلك حىت تتهيّأ املرأة حلمل جديد‪.‬‬
‫كلما استع ّدت لذلك‪.‬‬
‫متناسية آالم احلمل والوضع‪.‬‬
‫ولكن ثورة اجلنس‪ ،‬ونداء العاطفة املُلح‪ ،‬قد يدفع املرأة لالحنراف املبكر قبل الزواج‪.‬‬
‫ِ‬
‫(غشاء البكارة) حىت مينع املرأة من تلبية كثري من‬ ‫لذلك نرى عظمة هللا يف خلق صمام الشرف‬
‫الرغبات املنحرفة قبل الزواج‪.‬‬
‫فعملية التكوين العضوي للجسد‪ ،‬تؤكد مراعاة اجلانب األخالقي يف تكوين اإلنسان فاإلنسان كائن‬
‫ات هِ‬
‫اَّلل} يف َترمي الزان مثالً‪.‬‬ ‫{ال تَـ ْب ِديل لِ َكلِم ِ‬
‫أخالقي برتكيبه النفسي والعضوي كذلك َ‬
‫َ َ‬
‫{ال تَـب ِديل ِخلَل ِْق هِ‬
‫اَّلل} يف جعل اإلنسان كائناً أخالقياً‪.‬‬ ‫و َ ْ َ‬

‫(‪)14/1‬‬
‫كرم‪ :‬غشاء البكارة مسألة عضوية‪ ،‬ختضع لنظرية التطور ‪ -‬اليت قال هبا دارون‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ال اي أستاذ كرم‪.‬‬
‫لقد درست هذا اجلانب‪.‬‬
‫وثبت يل غري هذا الرأي لو كانت املسألة كما تقول‪ ،‬لوجد غشاءُ البكارة يف احليوان أيضاً‪.‬‬
‫ولكنين اتصلت بكلية (الطب البيطري) وسألت أساتذهتا يف هذا املوضوع‪.‬‬
‫وقام صديقنا الدكتور عبد املنعم صاحل ‪ -‬أستاذ التشريح ابلكلية وأعد يل دراسة وافية‪ ،‬يف هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬أكدت أن (غشاء البكارة) بصورته الكاملة الناضجة‪ ،‬من خصائص املرأة فقط‪ ،‬وال يوجد‬
‫بصفة كاملة يف أنثى احليوان‪.‬‬
‫وقد ترجم يل الدكتور عبد املنعم صاحل ‪ -‬مشكوراً ‪ -‬ما كتبه الدكتور (هيكل) يف كتابه "األحشاء‬
‫للحيواانت األلفية" (طبعة برلني ‪ 1973‬فأكد ما قلته) ‪.‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫أ ّن غشاء البكارة ‪ -‬اي أستاذ كرم ‪ -‬شارة أخالقية‪ ،‬انفردت هبا املرأة أتكيداً للرابط النفسي‬
‫والعضوي بني املرأة واألخالق‪.‬‬
‫{ال تَـب ِديل ِخلَل ِْق هِ‬
‫اَّلل} أل هن قوانني الكون اثبتة‪.‬‬ ‫َ ْ َ‬
‫ات هِ‬
‫اَّلل} أل هن قوانني الشريعة‪ ،‬وما هتدي إليه من فضيلة‪ ،‬اثبتة أيضاً‪.‬‬ ‫{ال تَـ ْب ِديل لِ َكلِم ِ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫منصف‪ :‬هذه دراسة جديدة‪.‬‬
‫أظنك مل تُسبق إليها اي شيخ عارف‪.‬‬
‫ويعجبين دائماً اهتمامك ابحلقائق العلمية والبحث عنها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬احلقائق العلمية‪ ،‬واآلايت القرآنية‪ ،‬كالمها دليل على عظمة هللا‪.‬‬
‫كرم‪ :‬لكن عصران هذا جدت فيه أمور كثرية‪.‬‬
‫ومشاكل متعددة‪ ،‬مل تكن يف عهد التشريع‪.‬‬
‫فكيف حنتكم إىل الشريعة فيما ج ّد من أُمور؟‪.‬‬

‫(‪)16/1‬‬
‫عارف‪ :‬رمبا يوجه هذا السؤال إىل التشريح الوضعي أل هن واضعي القانون يعرفون بعض املاضي‬
‫واحلاضر ‪ -‬الذي حييط هبم ‪ -‬وال يعرفون املستقبل‪.‬‬
‫ولكن الشريعة اإلسالمية شرعها هللا سبحانه وهو يعلم السر وأخفى‪.‬‬
‫ادةِ} ‪.‬‬ ‫{ع ِاملُ الْغَْي ِ‬
‫ب َوال ه‬
‫ش َه َ‬ ‫يعلم الغيب‪ ،‬علمه للحاضر َ‬
‫لذلك جعل هللا سبحانه نصوص الشريعة من املرونة حبيث تتسع لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫وقد أثبتت التجربة التارخيية‪ ،‬أن التشريع اإلسالمي ‪ -‬الذي نزل يف مكة واملدينة قد وسع األُمم ذات‬
‫احلضارات القدمية‪ ،‬والفلسفات املختلفة‪ ،‬ومل يشعر أهايل هذه البالد بغُربة يف ظل اإلسالم‪.‬‬
‫وال حبرية يف حل مشاكلهم‪.‬‬
‫سرها على كثري من الناس‪ ،‬فأخطأُوا فهمها‪.‬‬
‫وأُلفت نظرك اي أستاذ كرم‪ ،‬إىل قضية خفي ُّ‬

‫(‪)17/1‬‬

‫كرم‪ :‬نعم اي شيخ عارف‪.‬‬


‫عارف‪ :‬كثري من الناس خلط بني اجلانب اإلهلي‪ ،‬واجلانب االجتهادي‪ ،‬يف الشريعة اإلسالمية فضاق‬
‫تصورهم للشريعة اإلسالمية بسبب هذا اخلطأ‪.‬‬
‫كرم‪ :‬ماذا تعين؟‬
‫عارف‪ :‬الشريعة اإلسالمية فيها جانب إهلي اثبت‪ ،‬ال يقبل التطور وال التبديل‪ ،‬وهو ما ثبت من‬
‫األحكام الشرعية ابلنص القرآين‪.‬‬
‫أو احلديث النبوي الصحيح‪.‬‬
‫نصاً ال حيتمل التأويل‪.‬‬
‫وهذا اجلانب يخذ حكم العقدة‪.‬‬
‫ويكفر جاحدة (منكره) ‪.‬‬
‫سا ِرقَةُ فَاقْطَ ُعوا أَيْ ِديَـ ُه َما}‬
‫سا ِر ُق َوال ه‬
‫{وال ه‬
‫الرَاب} [البقرة ‪َ ]275‬‬ ‫اَّللُ الْبَـ ْي َع َو َح هرَم ِّ‬
‫َح هل ه‬‫{وأ َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫اء َسبِ ًيال} [اإلسراء ‪]33‬‬ ‫الزَان إِنههُ َكا َن فَا ِح َ‬
‫شةً َو َس َ‬ ‫{ال تَـ ْق َربُوا ِّ‬
‫[املائدة ‪َ ]38‬‬

‫(‪)18/1‬‬
‫ت َعلَْي ُك ْم أُ هم َهاتُ ُك ْم َوبَـنَاتُ ُك ْم‬ ‫{ح ِّرَم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِِ‬ ‫{ال هزانِيةُ وال هز ِاين فَ ِ‬
‫اجل ُدوا ُك هل َواحد م ْنـ ُه َما مائَةَ َج ْل َدة} [النور ‪ُ ]2‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ني} [النساء ‪ُ { ]11‬كت َ‬ ‫ظ ْاألُنْـثَـيَ ْ ِ‬‫اَّللُ ِيف أ َْوَال ِد ُك ْم لِل هذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬ ‫َخواتُ ُكم} [النساء ‪{ ]23‬ي ِ‬
‫وصي ُك ُم ه‬‫ُ‬ ‫َوأ َ َ ْ‬
‫اص ِيف الْ َق ْتـلَى} [البقرة ‪ ]178‬وهذه األحكام متثل اجلانب اإلهلي يف الشريعة‬ ‫ِ‬
‫ص ُ‬ ‫َعلَْي ُك ُم الْق َ‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫وهي ال َتتمل التأويل‪ ،‬وال جيوز فيها العدول وال التعديل‪ ،‬وحكمها حكم العقيدة‪ ،‬لذلك يكفر‬
‫جاحدها‪.‬‬
‫أما القسم الثاين من الشريعة فهو اجتهاد األئمة يف فهم النصوص الشرعية‪.‬‬
‫واألحكام اليت تنشأ عن هذا االجتهاد ‪ -‬وإن كان أصلها الكتاب والسنة ‪ -‬إال أهنا تتسع لعالج ‪-‬‬
‫املشاكل املعاصرة‪.‬‬
‫ألن جتربة املاضي أثبتت أن سلف األمة من العلماء اجملتهدين قد استنبطوا أحكاماً للتجارة البحرية‪.‬‬
‫واجملتمعات الزراعية‬

‫(‪)19/1‬‬

‫والصناعية واملصارف اإلسالمية ‪ -‬البنوك وغريها مما استج ّد من النظم احلضارية‪.‬‬


‫استنبطوا هذه األحكام من األُصول العامة للشريعة‪.‬‬
‫ني ْاألَ ْغنِيَ ِاء ِم ْن ُك ْم}‬
‫الرَاب} [‪ 275‬البقرة] { َك ْي َال يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْ َ‬ ‫اَّللُ الْبَـ ْي َع َو َح هرَم ِّ‬
‫َح هل ه‬
‫{وأ َ‬
‫كقوله تعاىل َ‬
‫ُويل ْاألَلْبَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب} [البقرة ‪ ]179‬وقول الرسول ‪ -‬صلى هللا‬ ‫اص َحيَاةٌ َاي أ ِ‬‫ص ِ‬ ‫{ولَ ُك ْم ِيف الْق َ‬‫[احلشر ‪َ ]7‬‬
‫عليه وسلم ‪" -‬ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬
‫استبط العلماء أحكاماً ّسدت حاجة الدولة الكبرية‪ ،‬وعاجلت مشاكل الدولتني احلضاريتني (الفرس‬
‫والروم) عندما دخل يف اإلسالم‪.‬‬
‫واألحكام االجتهادية‪ ،‬يؤخذ منها‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬بدليل شرعي‪ ،‬أل هن اجتهاد إمام ليس حجة على إمام‬
‫آخر‪.‬‬
‫وابب االجتهاد مفتوح ملن استكمل شروط االجتهاد‪.‬‬
‫فالشريعة اإلسالمية مرنة النصوص مما يؤهلها إلصالح كل زمان ومكان‪ ،‬وذلك ألن‬

‫(‪)20/1‬‬
‫كلمات القرآن وإن كانت حمدودة العدد‪.‬‬
‫إال أهنا ال هنائية العطاء‪.‬‬
‫وسوف أسوق لك اي أستاذ منصف‪ ،‬مثاالً واحداً‪ ،‬يغنينا عن كثري من األمثلة لضيق الوقت‪.‬‬
‫يف القانون الوضعي ختتلف الدية والتعويضات‪ ،‬اليت تُدفع ألُسرة الرجل الغين أو صاحب املنصب‬
‫الكبري‪ ،‬عن الدية والتعويضات اليت تُدفع ألُسرة الرجل الفقري‪.‬‬
‫فإذا أُصيب أو قتل يف حادث واحد‪ ،‬عامل ومدير‪ ،‬فإن الدية أو التعويضات ختتلف حبسب راتب كل‬
‫منهما ومنصبه‪ ،‬مع أن أسرة الفقري غالباً ما تكون أحوج إىل الدية والتعويضات‪.‬‬
‫ولكن الشريعة اإلسالمية سبقت العامل‪ ،‬وسبقت الثورة الفرنسية‪ ،‬عندما نظرت لإلنسان من خالل‬
‫بشريته اجملردة‪.‬‬
‫فالغين والفقري والرجل واملرأة‪ ،‬واملسلم والكتايب‪ ،‬يستوون مجيعاً يف البشرية‪ ،‬ويف حرمة الدم‪ ،‬لذلك ‪-‬‬

‫(‪)21/1‬‬

‫يستوون يف الدية‪.‬‬
‫فالدية يف حكم اإلسالم مائة من اإلبل‪ ،‬أو ألف دينار من الذهب‪ ،‬أو اثنا عشر ألف درهم من‬
‫الفضة (املغين البن قدامه جـ ‪ - 7‬ص ‪. )758‬‬
‫فالناس سواءٌ يف التعويضات والدايت مبقدار استوائهم يف البشرية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كرم‪ :‬مسألة اإلبل مسألة بدوية‪.‬‬
‫تصلح جملتمعات الصحراء‪.‬‬
‫عارف‪ :‬لو أدركت اي كرم حكمة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬عندما جعلت الدية مائة من اإلبل‪ ،‬أو ألف‬
‫دينار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الرأي الذي اخرتانه يف مساواة الرجل واملرأة هو الذي اختاره أستاذان الشيخ حممد أبو زهرة‪.‬‬
‫أما مساواة املسلم والكتايب فهو رأي أليب حنيفة‪.‬‬
‫وقال الشيخ حممد أبو زهرة يف تعليله رأي أيب حنيفة‪ :‬أل هن دم غري املسلم كدم املسلم‪.‬‬
‫ألن هلم ما لنا وعليهم ما علينا‪.‬‬
‫فنحن ملزمون يف التعويض مبثل ما نلزم به يف قتالان (راجع العقوابت ص ‪ 573‬للشيخ حممد أبو‬
‫زهرة) ‪.‬‬

‫(‪)22/1‬‬

‫من الذهب‪.‬‬
‫لو أدركت حكمة الشريعة لعرفت أهنا تصلح للمجتمع يف أعظم بالد العامل حضارة‪.‬‬
‫كرم‪ :‬كيف ذلك اي شيخ عارف؟‬
‫عارف‪ :‬حنن نالحظ اختالف العمالت احمللية يف البالد ونالحظ اخنفاض (القوة الشرائية) للعمالت‪.‬‬
‫ولكن ربط الدية ‪ -‬يف الشريعة اإلسالمية ‪ -‬ابإلبل أو ابلذهب أو ابلفضة‪ ،‬جيعل دية اإلنسان ترتفع‪،‬‬
‫كلما اخنفضت القوة الشرائية للعمالت احمللية‪.‬‬
‫منصف‪ :‬ماذا تعين اي شيخ عارف؟‬
‫عارف‪ :‬مثن اجلمل مثالً منذ عشر سنوات مائة جنية‪ ،‬اآلن ارتفع مثن اجلمل حوايل ثالث أضعاف مثنه‬
‫السابق‪.‬‬
‫فكلما قلت القوة الشرائية للعملة‪ ،‬زادت قيمة الدية‪.‬‬
‫والذهب كذلك‪.‬‬
‫فقد ارتفه مثن الذهب يف السنوات العشر األخرية حوايل عشرة‬

‫(‪)23/1‬‬

‫أضعاف‪.‬‬
‫ومعىن ذلك أن الدية تضاعفت عشر مرات يف زمن قليل مبا يسد حاجة األسر املصابة‪ ،‬وما يتمشى‬
‫مع احلالة االقتصادية‪.‬‬
‫مع أن النصوص الشرعية اثبتة‪.‬‬
‫فالفروع تتطور اثبتة‪.‬‬
‫منصف‪ :‬هذه فكرة جيدة اي شيخ عارف؟!‬
‫عارف‪ :‬الشريعة اإلسالمية كلها أسرار‪ ،‬فمع أن نصوصها اثبتة‪ ،‬ومر عليها أكثر من ألف عام‪ ،‬إال‬
‫أهنا تسد حاجات الناس‪ ،‬وتعاجل قضاايهم‪.‬‬
‫من أجل ذلك نرى التشريع الذي نزل يف مكة واملدينة‪ ،‬وسع األمم ذات احلضارات القدمية‬
‫والفلسفات املختلفة‪ ،‬كدولىت الفرس والروم ‪ -‬ومل يشعر أهايل الدولتني بغربة يف ظل شريعة اإلسالم‪.‬‬
‫كرم‪ :‬كنت أعتقد أن املساواة يف القضاء مل يعرفها‬

‫(‪)24/1‬‬

‫العامل إال بعد الثورة الفرنسة‪.‬‬


‫ألن قبلها كان لألشراف حمكمة‪.‬‬
‫ولرجال الدين حمكمة‪ ،‬وللرجل العادي حمكمة‪.‬‬
‫وكان احلكم خيتلف من رجل إىل آخر يف أوراب‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اإلسالن مل يُ ِّ‬
‫سو بني الناس يف الدايت والتعويضات فقط ولكنه ساوى بني كل الناس حىت‬
‫رئيس الدولة األعلى يف احلقوق والتقاضي‪.‬‬
‫وهذا موضوع واسع‪ ،‬سأحدثك عنه بعد أن نشرب الشاي "شرب اجلميع الشاي وعادوا حلديثهم"‬
‫اإلسالم اي أستاذ كرم هو أول نظام دويل‪ ،‬وضع دستور لألمة‪ ،‬جيعل رئيس الدولة األعلى حيكتم إىل‬
‫القضاء يف شئونه اخلاصة والعامة‪.‬‬
‫فعل اإلسالم ذلك قبل الغرب أبلف عام‪.‬‬
‫كرم‪ :‬املهم أن الناس مجيعاً ‪ -‬بعد الثورة الفرنسية ‪-‬‬

‫(‪)25/1‬‬

‫أصبحوا سواسية أمام القانون ‪ -‬وقد ألغيت ‪ -‬احملاكم املختلفة من أوراب‪.‬‬


‫عارف‪ :‬هل َتققت املساواة الكاملة اآلن اي أستاذ كرم؟‬
‫كرم‪ :‬أجل‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هل تعين أن (الدبلوماسيني) ‪ ،‬وكبار ضيوف ‪ -‬الدولة واملوظفني الدوليني‪ ،‬يستوون يف‬
‫القضاء‪ ،‬مع سائر الناس؟‪.‬‬
‫كرم‪ :‬هناك نظم دولية تنظم تقتضي (الدبلوماسيني) وكبار الضيوف‪)1( .‬‬
‫عارف‪ :‬الفقري إذا عجز عن دفع (الكفالة املادية) للنيابة يستكر حبسه على ذمة التحقيق‪ ،‬حىت‬
‫جلسة القضاء‬
‫كرم‪ :‬والغين كذلك‪.‬‬
‫إذا مل يدفع الكفالة املادية يستمر حبسه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع التنظيم الدويل العاملي للدكتورة مىن حممود مصطفى ص ‪.98‬‬

‫(‪)26/1‬‬

‫عارف‪ :‬وهل يعجز الغين عن دفع الكفالة املادية‪ ،‬ليدفع عن نفسه احلبس؟‬
‫كرم‪( :‬يسكت)‬
‫عارف‪ :‬إذن رمبا حيبس الفقري على ذمة التحقيق‪ ،‬مث يربئه القضاء‪ ،‬فمعىن ذلك أنه حبس لعدم‬
‫استطاعته دفع الكفالة‪ ،‬يعين حبس ألنه فقري‪.‬‬
‫كرم‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬وقد حدث يل وأان طالب مثل هذا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬الشريعة اإلسالمية كما ساوت بني الناس يف التعويضات‪ ،‬والدايت‪ ،‬ساوت بني الناس كذلك‬
‫يف كل جوانب القانون الشرعي (‪ )1‬حىت رئيس الدولة األعلى أمام عدالة القانون الشرعي يؤخذ منه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ساوت الشريعة بني مجيع الناس يف احلالل واحلرام‪.‬‬
‫فكل ما هو حالل لألمري‪ ،‬فهو حالل للخفري‪.‬‬
‫وكل ما هو حمرم على رجل الشارع‪ ،‬فهو حمرم على أمري املؤمنني والفرائض والسنن كذلك‪.‬‬

‫(‪)27/1‬‬

‫كم يؤخذ له‪.‬‬


‫ألن مقياس نظرة اإلسالم هي اإلنسانية نفسها‪ ،‬وأمام هذه النظرة تسقط كل االعتبارات حىت‬
‫االختالفات العقائدية‪.‬‬
‫فقد قام النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬جلنازة‪ ،‬فقيل له أهنا جنازة يهودي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أليست نفساً‪.‬‬
‫(رواه البخاري) وقد خرج النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وهو يعاين من مرضه األخري ‪ -‬متكئاً على‬
‫الفضل بن العباس‪ ،‬وعلي بن أيب طالب‪ ،‬حىت جيلس على املنرب‪ ،‬مث قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬من كنت‬
‫جلدت له ظهراً‪ ،‬فهذا ظهري فليستقد منه (أي يقتص منه) ومن كنت شتمت له عرضاً‪ ،‬فهذا‬
‫عرضي فليستقد منه‪ ،‬ومن أخذت منه ماالً‪ ،‬فهذا مايل فليأخذ منه ‪ -‬وال خيشى الشحناء من قبلي‪،‬‬
‫فإهنا ليست من شأين‪.‬‬
‫أال ‪ -‬أحبكم إيل‪ ،‬من أخذ مين حقاً إن كان له‪ ،‬أو‬

‫(‪)28/1‬‬

‫حللين‪ ،‬فلقيت ريب وأن طيب النفس‪.‬‬


‫مث نزل فصلى الظهر‪.‬‬
‫(اتريخ ابن األثري جـ ‪ 2‬ص ‪ )154‬وجاء أبو بكر ليعلن للناس يف خطبة توليه الوالية أيها الناس أين‬
‫وليت عليمن ولست خبريكم‪ ،‬إن أحسنت فأعينوين وإن أسأت فقوموين‪.‬‬
‫وأكثر من هذا يطلب منهم‪ :‬أن يعزلوه إن قصر يف رسالته‪ ،‬أو خالف دستور الشريعة‪.‬‬
‫أطيعوين ‪ -‬ما أطعت هللا فيكم‪ ،‬فإذا عصيت هللا ورسوله‪ ،‬فال طاعة يل عليكم‪.‬‬
‫كرم‪ :‬من الناحية النظرية هذا نظام بديع‪ ،‬سبق به اإلسالم كل النظم الدولية فعالً‪.‬‬
‫آمنُوا ِملَ تَـ ُقولُو َن َما َال تَـ ْف َعلُو َن‬ ‫هِ‬
‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫عارف‪ :‬اإلسالم ال يعرف الفصل بني النظرايت والتطبيق َ‬
‫(‪َ )2‬كرب م ْقتا ِع ْن َد هِ‬
‫اَّلل أَ ْن تَـ ُقولُوا َما َال تَـ ْف َعلُو َن} ‪.‬‬ ‫َُ َ ً‬
‫[الصف ‪]3 ،2‬‬

‫(‪)29/1‬‬

‫وشواهد التاريخ اإلسالمي تؤكد هذا اجلانب ففي عهد أيب بكر‪ ،‬طلق عمر زوجته‪ ،‬وله منها ولد‬
‫صغري‪.‬‬
‫فرآه يوماً يلعب مع الصبيان‪ ،‬فحمله بني يديه‪ ،‬فأدركته جدته (الشموس بنت أيب عامر) وجعلته‬
‫تنازعه إايه‪.‬‬
‫حىت أنتهيا إىل أيب بكر‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬خل بينه وبينها‪ ،‬فهي حاضنته‪.‬‬
‫فلم يستطع عمر‪ ،‬وهو يومها وزير الدولة ‪ -‬إال أن يُسلم الطفل جلدته (عبقرية عمر ص ‪ )296‬ويف‬
‫عهد عمر‪ ،‬أقام عمر احل ّد على ولده عبد الرْحن بن عمر‪ ،‬عندما شرب اخلمر (عبقرية عمر ص‬
‫‪. )33‬‬
‫كرم‪ :‬منتهى العدل أن يقيم احلد على ولده‪.‬‬
‫عارف‪ :‬إن ابن عمر أمام الشريعة كابن راعي الغنم‪.‬‬
‫التفاضل بني الناس ابلتقوى‪.‬‬
‫وال تفاضل بينهم‬

‫(‪)30/1‬‬

‫يف جمال املعصية‪.‬‬


‫ويف عهد علي بن أيب طالب‪ ،‬ختاصم أمري املؤمنني مع يهودي على درع‪.‬‬
‫ومل يستطع أمري املؤمنني ‪ -‬يف جملس القضاء ‪ -‬أن يقيم األدلة على ملكية الدرع‪ ،‬فحكم القاضي‬
‫ابلدرع لليهودي‪.‬‬
‫منصف‪ :‬اتريخ اخللفاء زاجر مبثل هذه األمثلة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬مل تكن املسألة جمرد سلوك شخصي من بعض احلكام‪ ،‬ولكنها القاعدة الشرعية لإلسالم‪- ،‬‬
‫وبنفس امليزان القضائي‪ ،‬الذي حيتكم غليه الناس‪ ،‬ساوت الشريعة اإلسالمية بني أبناء البالد وبني‬
‫(الدبلوماسيني) وكبار الضيوف‪ ،‬الذين حيضرون إىل البالد اإلسالمية من بالد أخرى‪ ،‬اقرأ اي أستاذ‬
‫كرم (التشريع اجلنائي يف اإلسالم) ص ‪.330‬‬
‫ولعلك تذكر قصة جبلة بن األيهم ‪ -‬األمري‬

‫(‪)31/1‬‬

‫الغساين ‪ -‬مع األعرايب الذي اشتكي إىل أمري املؤمنني عمر‪ ،‬كيف أن األمري لطمه بغري حق فلم يسع‬
‫عمر إال أن حيضر جبلة ويطلب منه أن ميكن األعرايب ليقتص منه‪ ،‬لطمة بلطمة‪ ،‬إال أن يعفو‬
‫األعرايب‪ ،‬ويصفح‪.‬‬
‫وعز ذلك على األمري الغساين‪ ،‬وقال لعمر بصراحة‪:‬‬
‫ّ‬
‫كيف تقتص مين وأان ملك وهو سوقه؟!‬
‫وهرب امللك ليالً‪ ،‬وارتد عن اإلسالم‪.‬‬
‫(عبقرية عمر) ‪.‬‬
‫كرم‪ :‬أمل يكن يف وسع عمر أن حيفظ هذه القضية‪ ،‬بدالً من ارتداد امللك؟‬
‫عارف‪ :‬إن خسارة ملك‪ ،‬ال تعدل عند عمر هدم مبدأ من أعظم مبادئ اإلسالم وهو مبدأ املساواة‬
‫فاملبادئ أغلى من الرجال‪.‬‬
‫منصف‪ :‬العجيب اي شيخ عارف أن القانون الوضعي يف العامل مل يصل إىل هذه الدرجة املشرقة من‬
‫املساواة‬

‫(‪)32/1‬‬

‫حىت اآلن‪.‬‬
‫وحنن نقارن بني الشريعة اإلسالمية الثابتة منذ أربعة عشر قرانً‪ ،‬وبني القانون الوضعي بعد أن حدث‬
‫فيه ألف تغيري وتعديل‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هللا يكرمك اي أستاذ منصف‪.‬‬
‫املسألة يف تصوري‪ :‬أان القانون مهما تقدم فهو كتمثال من ذهب ‪ -‬هذا إن أحسنا به الظن‪ ،‬فالبشر‬
‫يستطيع أن يصنع متاثيل من ذهب‪.‬‬
‫ولكن هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ينفخ يف الطني‪ ،‬فيصبح بشراً سوايً‪.‬‬
‫فالقانون متثال من الذهب‪.‬‬
‫وحا ِم ْن أ َْم ِرَان} [الشورى ‪]52‬‬ ‫{وَك َذلِ َ‬
‫ك أ َْو َح ْيـنَا إِلَيْ َ‬
‫ك ُر ً‬ ‫والشريعة كائن حي َ‬
‫منصف‪ :‬أمسح يل اي شيخ عارف‪.‬‬
‫القانون الوضعي ‪ -‬يف تصوري ‪ -‬يشبه (خيال املآتة) الذي يضعه الفالح يف احلقل‪ ،‬لتخاف منه‬
‫الطيور فتهرب‪ ،‬مع أنه ال يرى وال يسمع‪.‬‬
‫إنه جمرد نصب لو‬

‫(‪)33/1‬‬
‫علم الطري حقيقته ما فر منه‪.‬‬
‫فالقانون ال يعاقب الذين يعبثون يف الظالم‪.‬‬
‫أما الشريعة‪ ،‬فهي رقابة حية على سلوك الناس‪ ،‬ألهنا رقابة هللا‪.‬‬
‫(ينظر الشيخ يف الساعة ويقول‪ :‬ما أرسع الوقت‪ ،‬لقد آن موعد احملاضرة) ‪.‬‬

‫(‪)34/1‬‬

‫اللقاء الثاين‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* هل على الرجل عدة إذا طلق زوجته؟‬
‫* دور السنة يف خدمة القرآن‪.‬‬
‫* ما يصدر عن بشريته‪ ،‬وما يصدر عن نبوته‪.‬‬
‫* أنتم أعلم أبمر دنياكم‪.‬‬
‫* نريد من هو أعلم منا ابلقرآن‪.‬‬
‫* عندما أنكل السمك والكبد‪.‬‬

‫(‪)35/1‬‬

‫اجتمع الشباب يف بيت الشيخ‪ ،‬ودار حديث الذكرايت‪ ،‬مث بدأ احلوار‪.‬‬
‫عارف‪ :‬منذ عدة أسابيع‪.‬‬
‫وصديقك (رامي) مل حيضر معك‪.‬‬
‫وائل‪ :‬نسأل هللا أن حيسن خالصه‪.‬‬
‫لقد وقع يف حمنة‪ ،‬وهو اآلن ابلسجن‪.‬‬
‫كانت امرأته يف حالة وضع‪ ،‬وجاءت ابنة أخيها خلدمتها‪ ،‬وانتهت الزايرة بطالق العمة‪ ،‬وزواجه من‬
‫الفتاة‪.‬‬
‫هشام‪ :‬هذه نذالة وخسة‪.‬‬
‫ولكن ما سبب السجن؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ألنه تزوج الفتاة قبل أن تنتهي عدة عمتها‪.‬‬
‫وليس لرجل أن جيمع بني املرأة وأختها‪ ،‬وال بني املرأة وعمتها‪ ،‬وال بني املرأة وخالتها‪ ،‬يف زواج واحد‪،‬‬
‫وال يف مدة العدة‪ ،‬من هذا الزواج‪.‬‬
‫هشام‪" :‬يضحك ويقول" وهل على الرجل عدة؟!!‬

‫(‪)36/1‬‬

‫عارف‪ :‬هناك أمور جيب على الرجل فيها أن ينتظر انتهاء عدة زوجته املطلقة‪ ،‬قبل أن يتزوج غريها‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أن يطلق املرأة ليتزوج أختها‪ ،‬أو عمتها‪ ،‬أو خالتها‪ ،‬وكذلك إذا مجع الرجل يف عصمته‬
‫أربع نساء‪ ،‬مث طلق واحدة‪ ،‬ليتزوج غريها‪.‬‬
‫البد من انتظار العدة‪.‬‬
‫ألن الزوجية تعترب قائمة طول مدة العدة‪.‬‬
‫حىت لو مات أحد الزوجني يف مدة الع ّدة يرثه اآلخر‪.‬‬
‫حرم اجلمع بني املرأة وأُختها فقط‪.‬‬ ‫وائل‪ :‬لكن القرآن الكرمي ّ‬
‫ني ْاألُ ْختَ ْ ِ‬
‫ني}‬ ‫{وأَ ْن َجتْ َم ُعوا بَ ْ َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫عارف‪ :‬الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ّ -‬بني حكم العمة واخلالة‪.‬‬
‫قياساً على َترمي األُخت‪.‬‬
‫راجع عمدة القارئ يف شرح صحيح البخاري جـ ‪ 20‬ص ‪.105‬‬
‫كل قرابة النسب لألُخت من الرضاعة‪ ،‬قياساً‬
‫حرم ّ‬
‫كما ّ‬

‫(‪)37/1‬‬

‫على األُخت الشقيقة فقال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬حيرم من الرضاع ما حيرم من النسب‪.‬‬
‫مجيل‪ :‬نالحظ أ ّن السنة املطهرة قيدت املطلق من القرآن الكرمي‪.‬‬
‫فالقرآن بعد أن ّبني احملرمات من النساء‪.‬‬
‫كل امرأة‬ ‫قال القرآن الكرمي‪{ :‬وأ ِ‬
‫ُح هل لَ ُكم ما ور ِ‬
‫اء ذَل ُك ْم} [النساء ‪ ]42‬هبذا اإلطالق الذي يشمل ّ‬
‫ْ َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫غري احملرمات فجاءت السنة‪ ،‬وبينت أن اإلطالق يف اآلية الكرمية ُمقيد ابحلديث الذي ّبني َترمي‬
‫اجلمع بني املرأة وعمتها‪ ،‬وبني املرأة وخالتها‪.‬‬
‫فالسنة تُقيّد مطلق القرآن‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من تقييد السنة ملطلق القرآن بيان حرمان الوارث من نصيبه يف املرياث إذا قتل مورثه‪ ،‬أو‬
‫اختلف معه يف الدين‪.‬‬
‫ألن آية املرياث عامة‪.‬‬
‫والسنة قيدت هذا العموم‪.‬‬
‫سا ِرقَةُ فَاقْطَ ُعوا‬
‫سا ِر ُق َوال ه‬
‫ومن ذلك أيضاً بيان السارق الذي جيب أن تقطع يده‪ ،‬أل هن اآلية الكرمية {ال ه‬
‫أَيْ ِديَـ ُه َما} (املائدة ‪ )38‬عامو يف كل من يسرق سواء سرق القليل أم الكثري‪.‬‬
‫فبينت السنة املطهرة من تقطع يده ومن ال تقطع راجع الفصل السادي من هذا الكتاب‪.‬‬
‫فالسنة أمجلت ما أطلقه القرآن‪.‬‬

‫(‪)38/1‬‬

‫عارف‪ :‬تقييد السنة ملطلق القرآن الكرمي‪ ،‬نوع من البيان الذي كلف هللا النيب به يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫هاس َما نُـ ِّز َل إِلَْي ِه ْم} [النحل ‪. ]44‬‬ ‫ني لِلن ِ‬ ‫{وأَنْـزلْنا إِلَي َ ِ ِ‬
‫ك ال ّذ ْك َر لتُـبَِّ َ‬ ‫َ ََ ْ‬
‫ضل ما أمجله القرآن‪.‬‬ ‫وكما أ ّن السنة تقيد ما أطلقه القرآن فهي أيضاً تُف ّ‬
‫ُصلِّي"‪.‬‬
‫"صلُّوا َك َما َرأَيْـتُ ُم ِوين أ َ‬
‫فالقرآن أخربان الناس وقال‪َ :‬‬
‫(رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ )595‬والقرآن أوجب احلج على املسلمني‪.‬‬
‫اس َك ُك ْم فَِإِّين َال أَ ْد ِري لَ َعلِّي‬
‫ْخ ُذوا منَ ِ‬ ‫ِ‬
‫حج أمام الناس مث قال‪" :‬لتَأ ُ َ‬
‫والرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ّ -‬‬
‫َح ُّج بَـ ْع َد َح هج ِيت َه ِذهِ"‪.‬‬
‫َال أ ُ‬
‫(رواه أْحد‪.‬‬
‫‪ )14511‬وبني نصاب الزكاة‪ ،‬واملقدار الواجب فيها‪ ،‬وغري ذلك من فروع الدين اليت مل تُعرف إال‬
‫ابلسنة‪.‬‬
‫اي وائل‪ :‬إن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ّ -‬بني بقوله‪ ،‬وفعله وإقراره‪ ،‬مجيع أُصول الدين وفروعه‪.‬‬

‫(‪)39/1‬‬

‫جهاد‪ :‬عندما أدرس أفعال الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أشعر أبن عظمته تتجلى يف تطابق‬
‫أفعاله مع كل ما أمر به‪.‬‬
‫ولعل هذا السبب يف أن أقرب الناس منه‪ ،‬وأطلعهم على سلوكه اخلاص‪ ،‬هم أكثر الناس إمياانً به‪،‬‬
‫وتعظيماً لقدره ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لقد قالت عائشة ‪ -‬عن يقني ‪ -‬كان خلقه القرآن‪.‬‬
‫مجيل‪ :‬بل يزيد األمر على ما تفضلت به اي جهاد‪.‬‬
‫لقد كان النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ينهى أصحابه عن صوم الوصال‪ ،‬ومع ذلك كان يصومه‬
‫هو‪.‬‬
‫وأسقط هللا عنه وجوب القسمة يف املبيت بني نسائه‪.‬‬
‫شاءُ} [األحزاب ‪ ، ]51‬ومع ذلك ظل النيب‬ ‫شاءُ ِم ْنـ ُه هن َوتُـ ْؤ ِوي إِلَْي َ‬
‫ك َم ْن تَ َ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬تُـ ْرِجي َم ْن تَ َ‬
‫يما أ َْملِ ُ‬
‫ك فََال تَـلُ ْم ِين‬ ‫ِ ِ‬
‫على املساواة بينهن يف القسمة‪ ،‬وكان يعتذر إىل هللا ويقول‪" :‬الله ُه هم َه َذا قَ ْسمي ف َ‬
‫ك"‬ ‫ك َوَال أ َْملِ ُ‬
‫يما متَْلِ ُ‬
‫فَ‬
‫ِ‬

‫(‪)40/1‬‬

‫(رواه أبو داوود‪.‬‬


‫‪. )1( )1822‬‬
‫جهاد‪ :‬هناك أمر آخر جيدر أن نشري إليه‪.‬‬
‫سم تصرفاته إىل قسمني‪ ،‬قسم يسمح ألجهزة اإلعالم أن تقرتب منه‪،‬‬
‫كل حاكم أعلى أو ملك يق ه‬
‫وأن جتليه للناس‪ ،‬وللتاريخ‪.‬‬
‫وقسم يعتربه من أسراره‪ ،‬وأسرار بيته‪ ،‬ال يذاع‪.‬‬
‫أخص أسرار النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حىت ما حيدث‬
‫ولكن الدارس للفقه اإلسالمي‪ ،‬يرى أن ّ‬
‫يف فرشاه‪ ،‬يُعترب تشريعاً‪.‬‬
‫وائل‪ :‬أُالحظ إن الشيخ ال يتكلم‪.‬‬
‫مين بصحة ما تقولون‪.‬‬
‫عارف‪ :‬سكويت عن احلديث إقرار ّ‬
‫وقد اعترب العلماءُ إقرار الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬جزءُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يقول اإلمام الشاطيب‪ ،‬تعليقاً على هذا األمر‪ :‬أل هن مناصب "الرسالة" تقتضي يف االعتبار الكمايل‬
‫القتب على ما دون الالئق هبا‪.‬‬
‫(املوافقات جـ ‪ 4‬ص ‪ )64‬فحسنات األبرار سيئات املقربني ‪ -‬كما قال العلماء‪.‬‬

‫(‪)41/1‬‬

‫من داللة سنته‪.‬‬


‫فالسنة قول وعمل وإقرار‪.‬‬
‫قال اإلمام الشاطيب‪ :‬وأما اإلقرار فمحمله على أن ال حرج يف الفعل الذي رآه ‪ -‬عليه السالم ‪-‬‬
‫فأقره‪ ،‬أو مسع فأقره ‪ -‬كسماع النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لعائشة وهي تعلم املرأة كيف تتطهر‪،‬‬
‫مسعها مث سكت‪.‬‬
‫فعلم أ ّن سكوته إقرار هلا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويف عمرة القضاء‪ ،‬أنشد ابن رواحة الشعر يف املسجد احلرام بني يدي النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬فأنكر عليه عمر بن اخلطاب‪ ،‬وقال له‪ :‬بني يدي النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬ويف حرم هللا‪،‬‬
‫تقول الشعر؟! فقال له النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬خل منه اي عمر‪.‬‬
‫فلهى أسرع فيهم من نفح النبل‪.‬‬
‫أخرجه النسائي‪.‬‬
‫ومن إقراره ‪ -‬عز وجل ‪ -‬مع عدم املشاركة يف الفعل‪.‬‬
‫رؤيته ملن يكل حلم الضب على مأدبته‪ ،‬ومع ذلك مل ينهه النيب‪ ،‬ومل يكل‬

‫(‪)42/1‬‬
‫معه‪.‬‬
‫فالسنة قول‪ ،‬وعمل‪ ،‬وإقرار‪.‬‬
‫فسر من القرآن ما ال ميكن أن نقبل مثله إال من املعصوم ‪-‬‬
‫كما أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ّ -‬‬
‫اب ُس هج ًدا َوقُولُوا‬
‫{وا ْد ُخلُوا الْبَ َ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كتفسريه لقول هللا تعاىل على بين إسرائيل‪َ :‬‬
‫ِحطهةٌ نَـ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم َخطَ َااي ُك ْم} [البقرة ‪ ]58‬فسرها النيب الكرمي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬أبهنم دخلوا‬
‫يزحفون على أوراكهم‪.‬‬
‫(البخاري) وقالوا (حنطة) بدل كلمة (حطة) ‪.‬‬
‫(‪. )1‬‬
‫فتفسري النيب للقرآن أقرب إىل الوحي‪ ،‬منه إىل ُجمرد فهم القرآن‪.‬‬
‫وائل‪ :‬هذا احلوار اجليد عن دور السنة يف القرآن الكرمي‪ ،‬فهمت منه أن السنة تُقيّد مطلق القرآن‬
‫وتشرح جممله‪ ،‬وتفسر غامضه‪.‬‬
‫فلماذا حياول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ومعىن كلمة "حطة" أي حط عنا خطاايان‪.‬‬
‫فبدل الذين ظلموا الكلمة بكلمة "حنطة" أي قمح أو شعري‪.‬‬
‫تركوا نداء رهبم‪ ،‬إىل نداء بطوهنم‪.‬‬

‫(‪)43/1‬‬

‫بعض املنتسبني لإلسالم عزهلا عن التشريع‪.‬‬


‫عارف‪ :‬الدعوة إىل عزل السنة دعوة قدمية‪.‬‬
‫تستهدف اإلسالم‪ ،‬أو العبث بتفسريه بال ضوابط‪.‬‬
‫فقد ظهرت يف التناريخ مجاعة أطلقوا على أنفسهم (القرآنيون) وقد تصدى للرد عليهم اإلمام‬
‫السيوطي يف كتابه "مفتاح اجلنة يف االحتجتج ابلسنة وقد أكد هذا الكتاب أن السنة وحي من هللا‬
‫للنيب‪ ،‬كما أن القرآن وحي‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫يت الْ ُق ْرآ َن َوِمثْـلَهُ َم َعهُ "رواه أْحد‪.‬‬
‫" أ ََال إِِّين أُوتِ ُ‬
‫‪. )16546‬‬
‫وجاء يف كتاب "مفتاح اجلنة" (‪ )1‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ُ -‬عرضت عليه قضية فقال‪:‬‬
‫والذي نفسي بيده ألَقضني بينكم بكتاب هللا‪ ،‬مث قضى بينهم مبا أراه هللا من احلكمة (متفق عليه)‬
‫فالسنة وحي‪.‬‬
‫ولكنها وحي ابملعىن دون األلفاظ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬طبع يف املطبعة السلفية عدة طبعات‪.‬‬

‫(‪)44/1‬‬

‫وائل‪ :‬نُسلم اي شيخ عارف أن كل ما خرج من فم النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وحي‪.‬‬
‫قطعي الثبوت‪ ،‬والسنة ظنية الثبوت‪ ،‬فكيف تقيِّد السنة ما أطلقه القرآن؟‪.‬‬
‫ولكن القرآن ُّ‬
‫عارف‪ :‬يذكرين سؤالك ها حبوار بني اإلمام الشافعي‪ ،‬وأحد خصومه‪.‬‬
‫اخلصم‪ :‬القرآن قطعي الثبوت‪ ،‬والسنة ظنية الثبوت‪.‬‬
‫ظين الثبوت‪ ،‬ونضعه مع أحكام القرآن‪ ،‬وهي قطعية الثبوت؟‪.‬‬
‫فكيف أنخذ حكماً ّ‬
‫الشافعي‪" :‬يشري إىل رجل جبواره‪ ،‬ويسأل خصمه" هل هذا الرجل معصوم الدم؟‪.‬‬
‫اخلصم‪ :‬نعم‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬وهل املال الذي يف يده ملك له؟‪.‬‬
‫اخلصم‪ :‬نعم‪.‬‬

‫(‪)45/1‬‬

‫الشافعي‪ :‬ماذا حيدث لو شهد شاهدان عليه‪ ،‬أبنه قتل رجالَ ًً‪ ،‬وسرق ماله؟‪.‬‬
‫اخلصم‪ :‬حيكم إبعدامه‪ ،‬ومصادرة ما يف يده من مال‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬هل ميكن أن يكذب الشاهدان؟‪.‬‬
‫اخلصم‪ :‬جيوز‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬إذن قد تذهب العصمة لدمه ‪ -‬وهي قطعية الثبوت‪ ،‬بشهادة شاهدين‪ ،‬مع أن شهادهتما‬
‫ظنية الثبوت‪.‬‬
‫وحنن نتحرى يف راوي احلديث‪ ،‬أكثر مما نتحرى عن الشهود يف جرمية القتل‪.‬‬
‫فقد تقبل شهادة الرجل يف ساحة القضاء‪.‬‬
‫وال تقبل روايته حلديث الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫مجيل‪ :‬رضى هللا عن اإلمام الشافعي فقد أوجز وأفاد‪.‬‬
‫وأذكر أن رجالً قال ملطرف بن عبد هللا‪ :‬ال َتدثنا إال ابلقرآن‪ ،‬فقال مطرف‪ :‬وهللا ما نريد‬

‫(‪)46/1‬‬

‫ابلقرآن بديالً‪.‬‬
‫ولكننا نريد من هو أعلم منّا ابلقرآن وهو النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫عارف‪ :‬اي وائل‪..‬‬
‫لقد أخذت األُمة القرآن من فم النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فليس بدعاً من األمر‪ ،‬أن أتخذ‬
‫أحكامها من سنته‪.‬‬
‫فالسنة ليست شارحة للقرآن فحسب‪ ،‬ولكنها أنشأَت أحكاماً مستقلة‪ ،‬مل ترد يف القرآن وسندها‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما َهنَا ُك ْم َع ْنهُ فَانْـتَـ ُهوا} [احلشر ‪ ]7‬من‬
‫آات ُك ُم ال هر ُس ُ‬
‫{وَما َ‬
‫القآين الوحيد هو قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ذلك حكم الزاين احملصن‪ ،‬فقد حكم النيب عليه ابلرجم‪.‬‬
‫وبقى هذا احلكم موضع قبول األُمة‪ ،‬مع أنه مل يرد يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وائل‪ :‬لكن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بشر‪ ،‬جيوز عليه ما جيوز على البشر فكيف أنخذ كل ما‬
‫يصدر عنه؟‬
‫عارف‪ :‬النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بشر يوحى إليه‪ ،‬وهللا سبحانه يراقب‬

‫(‪)47/1‬‬

‫كل تصرفات النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬


‫واجتهاداته‪ ،‬فإذا صدر عنه أمر خالف األوىل‪ ،‬نبّهه القرآن إىل األفضل‪.‬‬
‫إن جعل هللا على قلوب األنبياء حراسة مشددة‪.‬‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ضى ِم ْن ر ُس ٍ‬
‫ول فَِإنههُ يَ ْسلُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ب فَ َال يُظْ ِه ُر َعلَى غَْيبِه أ َ‬
‫َح ًدا (‪ )26‬إِهال َم ِن ْارتَ َ‬ ‫{ع ِاملُ الْغَْي ِ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ص ًدا} [اجلن ‪. ]27‬‬ ‫ِِ‬ ‫بِ ِ ِ‬
‫ني يَ َديْه َوم ْن َخلْفه َر َ‬
‫َْ‬
‫مجيل‪ :‬وما مهمة هذا الرصد؟‬
‫عارف‪ :‬مهمة الرصد هي حفظ قلوب األنبياء من الوساوس‪ ،‬وعقوهلم من الزيغ‪ ،‬وذاكرهتم من‬
‫النسيان يف جمال التبليغ‪.‬‬
‫وائل‪ :‬هل كل ما ينطق به النيب يعترب تشريعاً‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هللا يهديك اي وائل‪.‬‬
‫ماذا تقصد؟‬
‫وائل‪" :‬يضحكة ويقول وهللا أريد احلقيقة‪.‬‬
‫اي شيخ عارف‪.‬‬
‫وما أريد غريها‪.‬‬

‫(‪)48/1‬‬

‫عارف‪ :‬النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فرق بني ما يصدر عن بشريته وما يصدر عن نبوته‪.‬‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما َهنَا ُك ْم َع ْنهُ فَانْـتَـ ُهوا} [احلشر‬
‫آات ُك ُم ال هر ُس ُ‬
‫{وَما َ‬
‫فالذي يصدر عن نبوته‪ ،‬البد من اتباعه َ‬
‫‪. ]7‬‬
‫مجيل‪ :‬وكيف نفرق بني ما يصدر عن بشرية الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وما يصدر عن‬
‫نبوته؟‬
‫عارف‪ :‬اي أستاذ مجيل ‪...‬‬
‫الوحي له طبيعة خاصة‪ ،‬يدركها من يتذوق اإلسالم ‪ -‬وأنت منهم ‪ -‬إن شاء هللا‪.‬‬
‫وجمال ما يصدر عن نبوة الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هو األُمور اليت ال دخل للعقل فيها‪.‬‬
‫كمسائل العقيدة ومعرفة ما وراء الطبيعة‪ ،‬وأُصول التشريع‪ ،‬والعبادات‪ ،‬وأُصول األخالق‪.‬‬
‫كل هذه قضااي ختضع للوحي‪ ،‬وال جمال للعقل فيها هذا هو جانب النبوة‪ ،‬وكل ما جاء عنه يف هذا‬
‫اجملال فهو موضع قبول األُمة‪.‬‬

‫(‪)49/1‬‬
‫وائل‪ :‬فماذا عن جانب البشرية؟‬
‫عارف‪ :‬أما اجلانب الذي يصدر عن بشرية الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فمجاله ميادين احلياة‬
‫كحديثه يف الزراعة‪ ،‬وختطيطه للحرب‪.‬‬
‫وفصله بني الناس‪ ،‬ومساومته يف البيع‪.‬‬
‫أنه معلوم اي وائل أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مل يبعثه هللا ليعلمنا كيف نزرع‪ ،‬أو كيف نُعمر‬
‫األرض‪.‬‬
‫مجيل‪ :‬لقد جاء النيب ليعلمنا كيف نزرع اخلري يف حياتنا‪ ،‬وكيف نُعمر قلوبنا ابإلميان‪ ،‬وكيف حنارب‬
‫الشيطان‪..‬‬
‫عارف‪ :‬اي وائل ‪...‬‬
‫املسائل اليت استشار النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فيها أصحابه مثل اختيار موقع اجلنود يف بدر‬
‫وأسرى املعركة‪ ،‬واخلروج للجهاد يف أُحد‪ ،‬كل هذه من مسائل بشرية الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ , -‬ألهنا لو كانت وحياَ ًً ‪ -‬صادراً‬

‫(‪)50/1‬‬

‫عن نبوته ‪ -‬ما جرؤ أحد أن يبدى فيها رأايً جبوار الوحي‪.‬‬
‫آمنُوا َال تُـ َق ِّد ُموا‬ ‫هِ‬
‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ألنه هللا هنى املسلمني عن إبداء الرأي واالقرتاحات يف جانب النبوة َ‬
‫اَّلل َوَر ُسولِ ِه} [احلجرات ‪. ]1‬‬ ‫بني ي َد ِي هِ‬
‫َْ َ َ‬
‫ومدح هللا املؤمنني فقال‪{ :‬بَ ْل ِعبَا ٌد ُمك َْرُمو َن (‪َ )26‬ال يَ ْسبِ ُقونَهُ ِابلْ َق ْو ِل} [األنبياء ‪ ، ]27‬فاملؤمنون ال‬
‫يقرتحون على هللا‪ ،‬يف مسائل الوحي فاألُمور اليت استشار النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فيها‬
‫أصحابه‪ ،‬هي من األُمور اليت تصدر عن بشريته‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬هنى النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أصحابه عن أتبري النخل ‪ -‬أي تلقيح النخل ‪ -‬فلما‬
‫اشتكى الصحابة من عدم نضج التمر‪ ،‬قال النيب الكرمي‪ :‬أنتم أعلم أبمر دنياكم‪.‬‬
‫فمسألة زراعة النخيل ليست من ختصص الوحي‪.‬‬
‫إهنا من أُمور البشرية‪.‬‬
‫(‪)51/1‬‬

‫وائل‪ :‬هذا احلديث فرصة لبعض املنحرفني يقول‪ :‬إن الناس أحرار يف كل شئون دنياهم ‪ ,‬فلهم أن‬
‫يضعوا أحكاماً للزراعة والتجارة‪ ،‬ويقولون‪ :‬حنن أعلم أبُمور دنياان‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي وائل‪ :‬طريقة الزراعة شيء‪ ،‬وأحكام الزراعة شيء آخر‪.‬‬
‫فطريقة الزراعة من اختصاص املهندس الزراعي‪.‬‬
‫أما أحكام الزراعة فمن اختصاص القضاء اإلسالمي واخللط بني األمرين غباءٌ منهم‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬احلكم بني الناس‪ ،‬بعد مساع حجة كل واحد منهم مسألة‪ ،‬تصدر من جاين البشرية أيضاً‬
‫رجح بينهما مث حيكم‪.‬‬
‫فالرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كان يستمع حلجة كل خصم‪ ،‬ويُ ّ‬
‫روت أم سلمة‪ :‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال لرجلني اختصما إليه‪ :‬إمنا أان بشر"‪.‬‬

‫(‪)52/1‬‬

‫وإنكم ختتصمون إيل‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون أحلن ‪ -‬أي أقوى ‪ -‬حبجته من اآلخر فأقضي له فمن‬
‫قضيت له من حق أخيه شيئاً فإمنا أقضي له بقطعة من النار‪.‬‬
‫(البخاري كتاب األحكام) ومعلوم اي وائل ‪...‬‬
‫أن الفصل بني الناس عمل قضائي‪.‬‬
‫خيضع لبشريته ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فهو يسمع حجج اخلصمني مث حيكم‪.‬‬
‫أما التشريع القضائي فمن خصائص الوحي‪ ،‬والنيب فيه مبلغ معصوم فاحلكم بقطع يد السارق هذا‬
‫تشريع‪.‬‬
‫فهم من خصائص الوحي‪.‬‬
‫واحلكم على شخص ما أبنه سرق‪ ،‬هذا تطبيق‪ ،‬خيضع لبشريته ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫مجيل‪ :‬أعتقد أن هللا يراقب قضاء النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬ويعصمه من اخلطأ‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هذا صحيح‪.‬‬
‫وقد حدث أن سرق أحد املنافقني‬

‫(‪)53/1‬‬
‫درعاً وأودعه عند يهودي‪ ،‬فلما ضبط الدرع عند اليهودي‪ ،‬أنكر املنافق السرقة‪ ،‬وعجز اليهودي عن‬
‫تربئة نفسه‪.‬‬
‫وكاد النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أن حيكم على اليهودي بقطع يده‪.‬‬
‫ولكن هللا أنزل قرآانً يربئ اليهودي‪ ،‬ويفضح املنافق‪.‬‬
‫يما‬
‫ني َخص ً‬ ‫اَّللُ َوَال تَ ُك ْن لِل َ‬
‫ْخائِنِ َ ِ‬ ‫اك ه‬ ‫هاس ِمبَا أ ََر َ‬
‫ني الن ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ِاب ْحلَ ِّق لتَ ْح ُك َم بَ ْ َ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬إِ هان أَنْـزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اَّلل َكا َن غَ ُف ِ‬ ‫استَـ ْغ ِف ِر ه‬
‫يما} [النساء ‪. ]105‬‬ ‫ورا َرح ً‬ ‫ً‬ ‫اَّللَ إِ هن هَ‬ ‫(‪َ )105‬و ْ‬
‫فاهلل سبحانه قد راقب قضاء النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حىت ال حيكم بغري العدل املطلق‪.‬‬
‫هذه بعض القضااي اليت تصدر عن بشرية الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ومن اجلانب البشري أيضاً يف حياته ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مساومته يف البيع والشراء‪.‬‬
‫فقد فهم الصحابة أن ما يطلب النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬شراءه‪ ،‬أو ما يرغب يف بيعه يُع ّد من‬
‫األُمور اليت ال دخل للوحي فيها‪.‬‬
‫فقد طلب‬

‫(‪)54/1‬‬

‫النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من جابر بن عبد هللا أن يبيع له مجله‪ ،‬فاعتذر ألنه ليس عنده مجل‬
‫آخر‪.‬‬
‫ومع ذلك مل يعترب الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬امتناعه عن البيع معصية‪.‬‬
‫وطلب النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من سلمة بن األكوع أن يهبه فتاة أسرها من قريش فامتنع‬
‫حلسن املرأة ومجاهلا ‪ ,‬مث لقيه الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف اليوم الثاين فطلبها منه‪ ،‬فقال‬
‫سلمة‪ :‬هي لك اي رسول هللا‪.‬‬
‫فأخذها الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وبعث إىل مكة‪ ،‬ففدى هبا انساً من اسرى املسلمني كانوا‬
‫مبكة‪.‬‬
‫فالرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مل يعترب امتناع جابر عن البيع‪ ،‬وسلمة عن اهلبة‪ ،‬معصية‪.‬‬
‫أل ّن البيع‪ ،‬وفداء األسرى‪ ،‬من أمور الدنيا‪ ،‬وليست من أمور الدين‪.‬‬
‫(واحلديثان بتمامهما يف صحيح مسلم) ‪.‬‬
‫وائل‪ :‬مادامت السنة النبوية هبذه األمهية‪ ،‬فلماذا مل يكتبها صحابة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬؟‬

‫(‪)55/1‬‬

‫عارف‪ :‬النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هنى صحابته عن كتابة السنة‪ ،‬حىت يتفرغوا لكتابة القرآن‪.‬‬
‫وأنت تعرف قلة الصحابة الذين كانوا جييدون الكتابة‪ ،‬وقلة وسائل الكتابة يف عهد النيب ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪.-‬‬
‫مجيل‪ :‬ولعل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬خاف من اختالط القرآن ابلسنة‪ ،‬عند األجيال القادمة‪،‬‬
‫فنهاهم عن كتابة السنة‪ ،‬حىت يتمكن القرآن من نفوسهم‪ ،‬وبعدها ال حرج عليهم أن يكتبوها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬األصل يف احلفظ عند األُمة العربية يومها هو احلفظ يف الصدور‪.‬‬
‫وقد قال ابن شهاب‪ :‬وهللا ما دخل شيء قط ونسيته‪.‬‬
‫وقد عزم عمر بن اخلطاب على كتابة السنة‪ ،‬بعد أن فرغ من كتابة القرآن‪.‬‬
‫ولكنه عدل عن ها وقال‪ :‬إين كنت أريد أن أكتب السنة‪ ،‬ولكين ذكرت قوماً‬

‫(‪)56/1‬‬

‫قبلكم كتبوا كتباً مث انكبوا عليها‪ ،‬وتركوا كتاب هللا‪.‬‬


‫وإين وهللا ال أشوب كتاب هللا بشيء أبداً‪.‬‬
‫هشام‪ :‬اي أيب أان أذكر أن بعض صحابة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬كتب لنفسه جمموعة من‬
‫األحاديث اليت مسعها من النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وائل‪ :‬يف أي مصدر قرأت هذا اي هشام؟‪.‬‬
‫هشام‪ :‬يف كتاب (جامع بيان العلم) البن عبد الرب‪.‬‬
‫وكتاب (تقييد العلم) للخطيب‪.‬‬
‫وائل‪ :‬سأرجع إىل هذين املرجعني إن شاء هللا أل هن الشيخ عارف عودين قراءة املصادر‪.‬‬
‫عارف‪ :‬عندان اليوم كبد ومسك‪ ،‬فتناولوا معنا طعام العشاء‪.‬‬
‫وائل‪ :‬كبد ومسك؟ هذا الطعام يذكرين بسؤال‪.‬‬
‫السمك امليت‪..‬‬
‫كيف جيوز أكله‪ ،‬والقرآن حيرم علينا أكل امليت؟‪.‬‬

‫(‪)57/1‬‬

‫عارف‪ :‬اي وائل ‪...‬‬


‫النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬استثىن من امليت السمك واجلارد واستثىن من الدم (الكبد‬
‫والطحال) فهذا من ابب تقييد السنة ملطلق القرآن‪.‬‬
‫ومن يقل‪ :‬إن القرآن يغنينا عن السنة‪.‬‬
‫فقد حرم على نفسه الكبد والسمك‪.‬‬
‫وائل‪ :‬حيب للكبد والسمك‪ ،‬سيزيذين اهتماماً بدراسة السنة‪.‬‬
‫يضحك اجلميع ‪ -‬ونرتكهم وهم يتناولون العشاء‪ ،‬وإىل ٍ‬
‫لقاء‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪)58/1‬‬

‫اللقاء الثالث‬
‫يف هذا اللقاء‪:‬‬
‫* أدركوا هؤالء الشباب‪.‬‬
‫* من االعتماد إىل االجتهاد‪.‬‬
‫* التلقي ابلعقل‪ ،‬والتلقي ابلقلب‪.‬‬
‫* حنو سلفية صحيحة‪.‬‬
‫* اختالف ال يضر‪.‬‬
‫* إذا عرف السبب‪.‬‬
‫* االختالف الفقهي ال التعصب الفقهي‪.‬‬
‫* السواك ‪...‬‬
‫ومعجون األسنان‪.‬‬
‫* هل تصلي خلف اإلمام مالك؟‬
‫* من أجل صاحب هذا القرب‪.‬‬

‫(‪)59/1‬‬

‫الفصل األول‬
‫اختالف األئمة‬
‫بعد صالة الفجر‪ ،‬جلس الشيخ عارف‪ ،‬مع بعض الشباب‪ ،‬يتجاذبون أطراف احلديث‪.‬‬
‫وجلس معهم الشيخ شاكر الذي ُع ّني إماماً جديداً للمسجد‪.‬‬
‫شاكر‪ :‬لقد عزمت على تقدمي استقاليت‪ ،‬أو أطلب نقلي من القرية‪.‬‬
‫لقد أصبح الشباب يُع ّدد اجلماعة يف املسجد أثناء الصالة‪ ،‬ويعمل على تفريق القرية ابسم الدين‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ما هي األسباب يف تصورك اي شاكر؟‪.‬‬
‫شاكر‪ :‬يقولون‪ :‬إن مذهيب حنفي‪.‬‬
‫املذهب احلنفي‬

‫(‪)60/1‬‬

‫ال حيكم بنقض الوضوء عند ملس املرأة وال قنت يف صالة الصبح‪.‬‬
‫عارف‪ :‬توقع اي شيخ شاكر كثرياً من هذه املتاعب‪ ،‬أل هن طريق الدعوة إىل هللا مل يُفرش ابلورود‪.‬‬
‫ومسألة االختالفات الفقهية جيب أن يفهما الشباب فهماً صحيحاً‪.‬‬
‫اخلالفات الفقهية اي شاكر دليل على نضج هذه األُمة‪ ،‬وحرية فكرها‪.‬‬
‫والنيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قد رىب صحابته على االجتهاد فيما ال نص فيه‪ ،‬لينقلهم من مرحلة‬
‫االعتماد إىل مرحلة االجتهاد‪.‬‬
‫فقد ثبت يف صحيح السنة‪ ،‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عندما أرسل معاذ بن جبل إىل اليمن‬
‫سأله‪ :‬كيف تقضي بني الناس؟ قال بكتاب هللا‪.‬‬
‫قال فإن مل جتد؟ قال‪ :‬بسنة نبيه‪ ،‬قال فإن مل جتد؟ قال‪ :‬أجتهد رأيي ‪ -‬فقال‬
‫(‪)61/1‬‬

‫النيب الكرمي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬احلمد هلل الذي وفق رسول رسوله ملا يُرضي هللا ورسوله‪،‬‬
‫واخلالف الفقهي واحلمد هلل يف الفروع فقط‪.‬‬
‫وجيب أال يكون سبباً يف التفرق يف الدين‪ ،‬أو يؤدي إىل خصومة أو بغضاء ولكل جمتهد أجره‪ ،‬وال‬
‫مانع من التحقيق العلمي النزيه‪ ،‬يف مسائل اخلالف‪ ،‬يف ظل احلب يف هللا‪ ،‬والتعاون يف الوصول إىل‬
‫جير ذلك إىل املراء املذموم‪ ،‬أو التعصب‪)1( .‬‬
‫احلقيقة‪ ،‬من غري أن ّ‬
‫اثئر‪ :‬االجتهاد بطبيعته يُولّد اخلالفات‪ ،‬واخلالفات تولد الفرقة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي اثئر اخلالفات الفقهية غري التعصب الفقهي‪.‬‬
‫االجتهاد البد منه‪ ،‬أل هن النصوص الشرعية متناهية‪ ،‬ومشكالت الناس غري متناهية‪.‬‬
‫فالبد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من كالم اإلمام الشهيد‪.‬‬

‫(‪)62/1‬‬

‫من االجتهاد لس ّد حاجات األُمة‪ ،‬فيما يُستجد من مشكالت‪.‬‬


‫وما يتسع من رقعة اجلولة‪ ،‬وواجبنا أن نتلقي اخلالفات الفقهية بعقولنا‪ ،‬ال بقلوبنا‪.‬‬
‫ألن تلقي اخلالفات الفقهية ابلقلب يُؤدي إىل ال ُفرقة‪.‬‬
‫راضي‪ :‬اي شيخ عارف هللا يكرمك‪.‬‬
‫حنن اآلن يف مسجد القرية‪ ،‬ولسنا يف اجلامعة‪.‬‬
‫ما هو الفرق بني التلقي ابلعقل‪ ،‬والتلقي ابلقلب؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي حاج راضي ‪...‬‬
‫من تلقى اخلالفات الفقهية بعقله حاول أن يبحث عن دليل لكل رأي وقارن بني األدلة‪ ،‬وعند ذلك‬
‫يخذ ابلرأي األقوى دليالً‪.‬‬
‫أما من تلقاها بقلبه أي بعاطفته فقد يكتفي أبن إمامه ‪ -‬الذي حيبه ‪ -‬قال كذا‪.‬‬
‫فالبد أنه صادق‪ ،‬فيسلم بصحته‪ ،‬ويغلق عقله عن كالم غريه من األئمة‪ ،‬وكل واحد يُؤخذ من‬

‫(‪)63/1‬‬

‫كالمه ويُر ّد عليه‪ ،‬إال املعصوم صلوات هللا وسالمه عليه فمن تلقى اخلالفات الفقهية بقلبه يعرف‬
‫احلق ابلرجال‪.‬‬
‫ومن يتلقاهلا بعقله يعرف الرجال ابحلق‪.‬‬
‫عماد‪ :‬هل اختلف صحابة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عندما اجتهدوا؟‬
‫راضي‪( :‬متعجباً) كيف خيتلف أصحاب النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وفيهم النيب؟!‬
‫عارف‪ :‬قلت لكم إن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬رابهم على االجتهاد ليخرجوا من دور‬
‫االعتماد‪ ،‬إىل دور االجتهاد‪ ،‬وذلك ليتهيأ كل صحايب حلمل الرسالة‪ ،‬يف قطر من األقطارز وكان النيب‬
‫قر نتائج اجتهادهم‪.‬‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يُ ّ‬
‫ووعد اجملتهد إن أخطأ أبجر اجتهاده وإن أصاب فله أجران‪.‬‬
‫روى البخاري عن ابن عمر‪.‬‬
‫والبيهقي يف سننه‪.‬‬
‫أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬

‫(‪)64/1‬‬

‫عندما انتهى من غزوة األحزاب‪ ،‬أراد أن يُـ َؤدهب يهود بين قريظة على خيانتهم‪ ،‬فقال للصحابة‪:‬‬
‫عزمت عليكم ال تصلوا العصر إال يف بين قريظة‪.‬‬
‫فغربت الشمس قبل أن يتوها‪.‬‬
‫فقالت طائفة من املسلمني ‪...‬‬
‫إن النيب مل يُرد أن تَ َد ُعوا الصالة‪.‬‬
‫فقاموا لصالة العصر‪ ،‬مث واصلوا السري‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬وهللا إان لفي عزمية النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وما علينا من إمث‪.‬‬
‫فلم يصلزا حىت وصلوا‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن تيمية‪ :‬فصلت طائفة إمياانً واحتساابً‪.‬‬
‫وتركت طائفو إمياانً واحتساابً‪.‬‬
‫فأقر النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬االجتهادين‪.‬‬
‫ّ‬
‫سراج‪ :‬هذه الطائفة احرتمت ظاهر النص وعملت به‪.‬‬
‫واألُخرى احرتمت روح النص‪ ،‬وعملت به‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أحسنت اي سراج‪.‬‬
‫وقد ذكر أُستاذان الشيخ‬

‫(‪)65/1‬‬

‫حممد أبو زهرة يف كتابه (اتريخ املذاهب الفقهية) ‪.‬‬


‫ذكر أن عمرو ابن العاص ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬كان يف سفر فأصابه ما يوجب االغتسال فلم يستطيع‪،‬‬
‫فتيمم وصلى‪ ،‬مث اغتسل فلم يُعد الصالة‪.‬‬
‫بينما حدث مثل هذا جلماعة آخرين‪ ،‬فأعادوا الصالة بعد اإلغتسال‪.‬‬
‫أقر االجتهادين‪.‬‬
‫فلما علم النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بذلك‪ّ ،‬‬
‫أل ّن األول أصاب عندما مل يُعد الصالة‪ ،‬أل هن الصالة ابلتيمم تكفي‪.‬‬
‫والثاين احتاط لدينه‪ ،‬وأعاد الصالة‪.‬‬
‫اثئر‪ :‬كالمك مقنع اي فضيلة الشيخ‪.‬‬
‫ولكن ما رأيك لو تركنا فقه املذاهب‪ ،‬وأخذان ديننا من أحاديث الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪،-‬‬
‫لنريح أنفسنا من اخلالفات‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هل تتصور اي اثئر أن أئمة املسلمني ‪ -‬رضوان هللا عليهم ‪ -‬مل يدرسوا أحاديث رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬

‫(‪)66/1‬‬
‫ومل يخذوا األحكام منها؟ اي ولدي‪ :‬أخاف أن ختدعك بعض الدعوات املعاصرة‪ ،‬الداعية إىل نكران‬
‫فضل األئمة‪ ،‬واخلروج عليهم‪ ،‬فإن بعض الشباب يفهم من احلديث املروي فهماً ُمعيناً‪ ،‬فإذا خالفه‬
‫غريه قال له‪ :‬لقد خالفت رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ال اي ولدي‪.‬‬
‫إن احلديث الواحد يصلنا برواايت عديدة‪.‬‬
‫والرواية الواحدة كلما تعمقنا يف دراستها‪ ،‬جادت علينا ٍ‬
‫بعطاء جديد‪.‬‬
‫وأئمة املسلمني كانوا علماء ابحلديث‪ ،‬انقدين للسند‪ ،‬عارفني ابلرجال الذين يروون احلديث‪ ،‬لقد‬
‫ألف اإلمام مالك كتابه (املوطأ يف احلديث) واإلمام أْحد بن حنبل له (مسنده) يف احلديث واإلمام‬
‫الشافعي ييؤكد كتابه (األُم) على علمية واسعة ابحلديث‪ ،‬وفهم عميق للسند‪.‬‬
‫وكان اإلمام الشافعي يُعلق بعض املسائل فال يُفيت فيها‬

‫(‪)67/1‬‬

‫انتظاراً للتيقن من صحة السند للحديث‪.‬‬


‫إمياانً منه أبمانة الفتوى‪.‬‬
‫وقد ألف اإلمام النووي رسالة مساها (املنحة فيما علق الشافعي القول فيه على الصحة) وهذا يؤكد‬
‫علم الشافعي ابحلديث‪ ،‬واحرتامه له‪.‬‬
‫واإلمام األعظم أبو حنيفة كان من أشد الرجال حرصاً على صحة احلديث الذي يخذ به‪ ،‬وكان‬
‫تلميذه حممد بن احلسن أشد منه يف هذا امليدان‪.‬‬
‫اثئر‪ :‬أبو حنيفة كان يُقدم االجتهاد على حديث االحاد واالجتهاد عمل عقل غري معصوم‪ ،‬وحديث‬
‫اآلحاد فيه رائحة الوحي والنبوة‪ ،‬وإن مل نقطع بصحته‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي اثئر اي ولدي‪..‬‬
‫القياس هو نقل حكم شرعي اثبت‪ ،‬لقضية مشاهبة‪.‬‬
‫فليس فيه من عمل العقل البشري إال الصفة اجلامعة بني القضيتني‪.‬‬

‫(‪)68/1‬‬
‫وإذا كانت ترى يف احلديث الضعيف رائحة الصحة‪ ،‬فإن أاب حنيفة كان يرى فيه مالمح الوضع‪،‬‬
‫والكذب على رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫اي اثئر اي ولدي أعجبتين كلمة لألستاذ اإلمام حممد الغزايل يقول فيها‪( :‬إن نقد األئمة ال يتصدى له‬
‫إال من قارب مستواهم على األقل‪ ،‬وكان نقده بياانً للحق‪ ،‬كما وقر يف نفسه‪ ،‬دون أن جيعل احلق‬
‫حكراً على فهمه هو‪ ،‬ودون أن حيرم عباد هللا الصاحلني أجورهم على ما اجتهدوا‪ ،‬أخطأُوا أم أصابوا‪.‬‬
‫مث يقول فضيلته‪ :‬وقد درست احلصيلة األخرية جلهود هؤالء الذين يتطاولون على فقه األئمة فوجدهتا‬
‫تشكيلة من فقه املذاهب القدمية‪ ،‬أساسها التلفيق‪ ،‬ورأيت أحكاماً جديدة يدعي من بلغوها أهنا‬
‫الدين‪ ،‬وهي ال تزيد‬

‫(‪)69/1‬‬

‫على أهنا آراءٌ ألصحاهبا‪ ،‬ختضع لقانون اخلطأ والصواب يؤجرون عليها ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬أصابوا أم‬
‫أخطأُوا‪.‬‬
‫ومشكلة هؤالء أهنم يفهمون من األثر (احلديث) املروي فهماً ما‪ ،‬فإذا خالفهم غريهم قالوا له‪:‬‬
‫خالفت رسول هللا‪.‬‬
‫مع أن فهمهم قد يكون شراً مستطرياً على السنة وصاحبها‪ ،‬والدين ومستقبله‪ ،‬فمن حق أويل‬
‫وحيذروا الناس منهم (‪. )1‬‬
‫األلباب من العلماء أن يخذوا على أيديهم‪ُ ،‬‬
‫فأئمة املسلمني اي اثئر كانوا علماء ابحلديث الشريف‪ ،‬ومنه استمدوا أُصول اجتهادهم‪.‬‬
‫وقد أمجعت األُمة على أن األئمة رضي هللا عنهم مل يتعمدوا خمالفة لنص قرآين وال حلديث صحيح‪،‬‬
‫فإن ُو ِجد لواحد منهم رأي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دستور الوحدة الثقافية بني املسلمني (بتصرف) ‪.‬‬

‫(‪)70/1‬‬

‫خيالف حديثاً صحيحاً‪ ،‬فالبد من عر له يف عدم األخذ هبذا احلديث‪.‬‬


‫وذلك كضعف سند احلديث عند هذا اإلمام‪ ،‬أو ثبوت حديث أقوى منه سنداً‪ ،‬فيأخذ اإلمام‬
‫ابحلديث األقوى‪ ،‬أو تعارض احلديث مع ظاهر آية قرآنية‪ ،‬فيأخذ اإلمام ابآلية القرآنية‪ ،‬ويؤول‬
‫احلديث (‪. )1‬‬
‫راضي‪ :‬أجلس بينكم وال أكاد أفهم شيئاً اي شيخ عارف‪.‬‬
‫شاكر‪ :‬حنن حباجة إىل حماضرة طويلة‪ ،‬يشرح فيها الشيخ عارف هذه القضية إبسهاب‪.‬‬
‫ألن الشباب حباجة إىل من يبصره حبقائق اإلسالم‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اقرأ انت اي شيخ شاكر‪ ،‬فوقتك أوسع‪ ،‬وأنت شاب مثلهم‪ ،‬وإن اختلفوا معك‪ ،‬فهم ُحيبونك‬
‫واحلمد هلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنعرف النماذج يف الفصل القادم إن شاء هللا‪.‬‬

‫(‪)71/1‬‬

‫شاكر‪ :‬أي كتاب عاجل هذه القضية اي شيخ عارف؟‪.‬‬


‫عارف‪" :‬االنصاف يف التنبيه على األسباب اليت أوجبت اخلالف" للبطليوس‪.‬‬
‫"بداية اجملتهد البن رشد‪.‬‬
‫وقد كتب يف هذا املوضوع الدكتور مصطفى الزملي‪.‬‬
‫والدكتور حممد أبو الفتح البيانوين‪.‬‬
‫وأستاذان الدكتور عبد الكرمي زيدان‪ ،‬وأُستاذان الشيخ حممد الغزايل يف كتابه "دستور الوحدة الثقافية‬
‫بني املسلمني"‪.‬‬
‫اي أبنائي‪ :‬ال ختدعكم دعوة بعض املعاصرين‪ ،‬اليت هتدف إىل ترك فقه املذاهب ابسم (الالمذهبية) أو‬
‫ابسم (السلفية) فإن السلفية ‪ -‬كما صورها ‪ -‬فضيلة الشيخ حممد الغزايل ‪ -‬هي دعوة إىل اإلميان‬
‫السهل السائغ البعيد عن التقعر‪ ،‬الربئ من املماحكات‪ ،‬وليست السلفية قنطرة لرتويج بعض اآلراء‪،‬‬
‫أو حباالً ينصبها بعض البله يف اجملتمع الصطياد األغرار‬

‫(‪)72/1‬‬
‫هاس َو َذلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم‬ ‫ع لَهُ الن ُ‬ ‫شاكر‪ :‬إن شاء هللا موعد حماضرتك عقب صالة اجلمعة { َذلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم َْجم ُمو ٌ‬
‫َم ْش ُهو ٌد}‬
‫عارف‪ :‬قبلت الدعوة‪ ،‬وسأحضر بتوفيق هللا‪.‬‬
‫ولكنين أُحب أن أُؤكد بينكم بعض القضااي‪ ،‬قبل أن أنساها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬البد من دراسة اإلسالم على يد أُستاذ فاهم‪ ،‬أل هن الدراسة بغري أُستاذ كالتداوي بغري طبيب‬
‫خطرها أقرب من نفعها‪.‬‬
‫ودور األُستاذ أن يعطي كل قضية حجمها الذي تستحقه من الدارسة‪.‬‬
‫وذلك حىت ال ينشغل الشباب بقضااي فرعية عن اجلوهر‪ ،‬أو ينشغلوا ابلنوافل عن مستقبل ال إله إال‬
‫هللا‪.‬‬
‫اي أبنائي‪ :‬إن عقيدة (ال إله إال هللا) يف خطر‪ ،‬واإلسالم يُذبح يف كثري من بالد العامل‪.‬‬
‫واملسلمون يف غفلة‪ ،‬يناقشون فضل السواك على معجون األسنان‪.‬‬

‫(‪)73/1‬‬

‫وابن عطاء هللا السكندري يقول‪ :‬من عبادة اهلوى اليت هناان هللا عنها‪ ،‬أن ننشغل ابلنوافل عن‬
‫الواجبات‪ ،‬فما أقبح أن ينتقل مصاب إىل املستشفى‪ ،‬فينشغل الطبيب بتصفيف شعره‪ ،‬عن إنقاذ‬
‫حياته‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬عليكم أن تتلقوا اخلالفات الفقهية بعقولكم ال بعواطفكم‪ ،‬والدليل هو دائرة التحكيم بني رأي‬
‫وآخر وحنن ال ندعي العصمة لألئمة‪.‬‬
‫واخلالفات الفقهية ظاهرة صحية‪ ،‬أهنا أمدت األمة بثروة تشريعية وسعت األُمة طوال القرون املاضية‪.‬‬
‫أما التعصب الفقهي فهو خيبة يف العقول‪ ،‬وهو سبب الشقاق‪.‬‬
‫إن بعض الشباب يعتب على أئمتنا بسبب حدوث اخلالفات‪ ،‬مع أن القرآن الكرمي حكى لنا قصة‬
‫نبيني اجتهدا ‪ -‬يف قضية واحدة ‪-‬‬

‫(‪)74/1‬‬
‫فأصاب أحدمها احلكم وهو سليمان عليه السالم ومع ذلك فقد امتدح القرآن داوود عليه السالم‬
‫ومل يُنقص من قدره‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش ْ ِِ‬ ‫ود وسلَْيما َن إِ ْذ َْحي ُكم ِ‬
‫ان ِيف ا ْحلر ِ‬
‫ت فيه غَنَ ُم الْ َق ْوم َوُكنها حلُكْم ِه ْم َشاهد َ‬
‫ين‬ ‫ث إِ ْذ نَـ َف َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫{و َد ُاو َ َ ُ َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ري َوُكنها‬ ‫ه‬ ‫ال يُ ِ‬ ‫اها سلَْيما َن وُك اال آتَـ ْيـنَا حكْما و ِعلْما وسخهرَان مع َداو َ ِ‬
‫سبّ ْح َن َوالط ْ َ‬
‫ود ا ْجلبَ َ َ‬ ‫ُ ً َ ً ََ ْ ََ ُ‬ ‫همنَ َ ُ َ َ‬ ‫(‪ )78‬فَـ َفه ْ‬
‫ني} [األنبياء ‪. ]79 ،78‬‬ ‫ِِ‬
‫فَاعل َ‬
‫فاألنبياء اجتهدوا‪ ،‬واختلفوا‪ ،‬ومع ذلك فقد مدحهم القرآن‪.‬‬
‫أليس هذا يرفع املالم عن أئمتنا؟‬
‫اثلثاً‪ :‬مسألة ملس املرأة ينقض الوضوء أو ال ينقض الوضوء‪ ،‬مسألة شبع العلماء من دراستها‪ ،‬وال‬
‫داعي أبداً لتجديد هذه اخلالفات‪.‬‬
‫فمعظم األحاديث الصحيحة تؤكد عدم نقض الوضوء بلمس املرأة‪،‬‬

‫(‪)75/1‬‬

‫من ذلك قول السيدة عائشة‪ :‬كنت أانم بني يدي النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ورجالي يف قبلته‪.‬‬
‫فإذا سجد غمزين فقبضت رجلي‪.‬‬
‫واحلديث متفق عليه‪.‬‬
‫أما إذا صاحب اللمس شهوة‪ ،‬فجميع األئمة يوجبون إعادة الوضوء‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مسألة القنوت يف صالة الصبح‪ ،‬سنة يف أايم احلرب والشدائد‪ ،‬فقد كان النيب ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يدعو يف كل صالته أايم الشدائد‪.‬‬
‫أما يف غريها فيجوز الدعاءُ‪ ،‬وجيوز الرتك‪.‬‬
‫وقرأت للشيخ السيد سابق بعد أن ذكر أدلة املذهبني (‪ )1‬يف القنوت‪ ،‬قال‪ :‬هذا من االختالف‬
‫املباح الذي يستوي فيه الفعل والرتك‪.‬‬
‫فإذا كان الدعاءُ سنة فإن وحدة األُمة فرض‪.‬‬
‫واجتهاد إمام ليس حجة على إمام آخر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فقه السنة جـ ‪ 1‬ص ‪.198‬‬

‫(‪)76/1‬‬
‫فقد حدث أن لقى عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬رجالً فسأله عمر‪ :‬ماذا صنعت؟‪.‬‬
‫قال الرجل‪ :‬قضى علي بن أيب طالب بكذا‪.‬‬
‫عمر‪ :‬لو كنت أان القاضي لقصيت بكذا‪.‬‬
‫قال الرجل‪ :‬فما منعك واألمر إليك؟‬
‫قال عمر‪ :‬لو كنت أردك إىل كتاب هللا أو سنة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لفعلت‪.‬‬
‫ولكنين أردك إىل رأي ‪ -‬أي اجتهاد مين والرأي مشرتك‪.‬‬
‫فعمر مل يقبل أن يرد اجتهاد اإلمام علي ابجتهاد مثله أل هن اجتهاد إمام ليس حجة على جمتهد آخر‪.‬‬
‫ولكن عندما خيالف االجتهاد نصاً‪ ،‬فال اجتهاد مع نص‪.‬‬
‫(ينظر الشيخ إىل ساعته ويقول‪ :‬ساحمكم هللا‪ ،‬لقد أشرقت الشمس‪ ،‬واحلاج راضي يريد أن يُغلق ابب‬
‫املسجد ليسرتيح) ‪.‬‬
‫وخيرج اجلميع على أمل اللقاء يوم اجلمعة إن شاء هللا‪.‬‬

‫(‪)77/1‬‬

‫الفصل الثاين‬
‫اختالف األئمة‬
‫امتأل املسجد ابلشباب الذين امتدوا إىل الشوارع اجملاورة ملسجد القرية‪ ،‬بينما جلست األخوات فوق‬
‫البيوت يسمعن احملاضرة‪.‬‬
‫واستفتح الشيخ ابلذي هو خري‪ ،‬مث بدأ احلديث‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أقدم للمحاضرة بعض النقاط اهلامة‪ ،‬اليت توفر علينا كثرياً من الوقت‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬عصم هللا هذه األُمة عندما حدد القرآن كل جزئيات العقيدة‪ ،‬قلم ختتلف األُمة يف عقيدهتا‪.‬‬
‫أكرم هللا هذه األُمة‪ ،‬عندما جعل الشريعة اإلسالمية قسمني‪.‬‬

‫(‪)78/1‬‬
‫* قسم إهلي‪ :‬حدده القرآن ابلنص ‪ -‬الذي ال يقبل التأويل ‪ -‬كتحرمي الراب‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والزان أو إابحة‬
‫الطيبات‪ ،‬وبيان الفرائض‪.‬‬
‫وهذا اجلانب مل ختتلف فيه األُمة‪.‬‬
‫ومنكره كافر‪.‬‬
‫وحكمه حكم العقيدة‪ُ ،‬‬
‫* وقسم اجتهادي‪ :‬جعل هللا نصوصه قابلة لالجتهاد‪ ،‬وتعدد الفهم‪.‬‬
‫وذلك ليتسع عطاءُ الشريعة‪ ،‬أل هن نصوصها حمددة‪ ،‬ومشكالت الناس ال هنائية‪ ،‬وهذا جانب من‬
‫جوانب عظمة الشريعة‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬أمجعت األُمة على أن القرآن الكرمي وسنة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مها أصل الشريعة‪.‬‬
‫ومل ختتلف األُمة إال يف السند الذي وصلتنا السنة عن طريقه‪.‬‬
‫فمن األئمة من قبل سنداً وعمل به‪ ،‬ومنهم من رفض‬

‫(‪)79/1‬‬

‫هذا السند ومل يعمل مبتنه‪.‬‬


‫لعدم الثقة يف رجاله‪.‬‬
‫وهذه مسألة ختضع لعلم مصطلح احلديث‪ ،‬وعلم اجلرح والتعديل‪ ،‬واتريخ الرجال (‪. )1‬‬
‫ولكن الذي أُؤكده اآلن‪ ،‬أن أحداً من األئمة مل يتعمد رفض حديث صحيح‪ ،‬فإن ُوجد لواحد منهم‬
‫قوالً خيالف حديثاً صحيحاً‪ ،‬فالبد من عذر له‪ ،‬يف عدم األخذ هبذا احلديث‪.‬‬
‫وذلك كضعف السند الذي وصل به هذا احلديث عند هذا اإلمام‪.‬‬
‫مع أن احلديث نفسه قد يصل إماماً آخر بسند أقوى فيقبله‪.‬‬
‫أو بسبب اقتناع اإلمام حبديث أقوى سنداً من احلديث األول ‪ ,‬فيأخذ ابألقوى‪.‬‬
‫وقد يتعارض احلديث مع ظاهر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬علم اجلرح والتعديل‪.‬‬
‫هو علم دراسة اتريخ الرجال الذين نقلوا إلينا احلديث‪.‬‬
‫واحلكم على روايتهم ابلقبول والرفض‪.‬‬

‫(‪)80/1‬‬
‫آية قرآنية‪ ،‬فيشك اإلمام يف سند احلديث‪ ،‬فيأخذ ابآلية‪ ،‬ويُؤول احلديث‪.‬‬
‫عماد‪ :‬نرجو أن يسوق الشيخ لنا مثاالً لذلك‪.‬‬
‫الشيخ‪ :‬النماذج كثرية‪.‬‬
‫من ذلك مثالً ما روى أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هنى عن القصاص‪ ،‬إذا قتل مسلم كافراً‪.‬‬
‫روى البخاري عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أنه قال أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪ :‬ال يُقتل مسلم بكافر‪.‬‬
‫{اي‬
‫واعتمد مجهور كبري من العلماء هذا احلديث‪ ،‬فاستثىن الكفار وأهل الكتاب من عموم قوله تعاىل َ‬
‫اص ِيف الْ َق ْتـلَى} فأفتوا بعدم القصاص من املسلم إذا قتل ذمياً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬
‫ص ُ‬‫ب َعلَْي ُك ُم الْق َ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫فالعلماءُ اعتربوا هذا احلديث ُخمصصاً لعموم اآلية الكرمية‪.‬‬
‫ولك هن أاب حنيفة عمل ابآلية الكرمية ‪ -‬اليت تسوي بني كل‬

‫(‪)81/1‬‬

‫القتلى املقيمني يف دار اإلسالم‪ ،‬حلُرمة دم أهل الكتاب‪ ،‬وألَ ّن هلم ما لنا‪ ،‬وعليهم ما علينا‪ ،‬فالقصاص‬
‫يتفق مع روح املساواة‪ ،‬اليت امتازت هبا الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫اثئر‪ :‬لكن احلديث الذي ذكرته صحيح‪ ،‬فكيف يهمل أبو حنيفة هذا احلديث مع صحته؟!‬
‫عارف‪ :‬أبو حنيفة ال يستطيع أن يرفض احلديث‪ ،‬إذا ثبتت صحته‪.‬‬
‫ولكنه أ هوله أبن املراد من الكافر يف هذا احلديث ‪ -‬هو الذي ال عهد له مع الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫أو املراد ابلكافر هنا غري الذي ثبتت ابألحاديث الصحيحة أن هلم ما لنا من حقوق‪ ،‬وعليه ما علينا‬
‫من واجبات‪.‬‬
‫فجميع األئمة إذا سلم لديهم احلديث فهو مذهبهم‪.‬‬
‫وإذا تعارض احلديث مع حديث آخر أقوى منه‪ ،‬أو مع ظاهر‬

‫(‪)82/1‬‬
‫آية قرآنية‪ ،‬فإن األئمة جيتهدون يف حماولة الوصول إىل الرأي الصحيح‪.‬‬
‫اثلثاَ ًً‪ :‬مل يدع أحد من األئمة لنفسه العصمة‪.‬‬
‫هع األُمة العصمة ألَئمتها (‪ ، )1‬فكل إنسان يؤخذ منه‪ ،‬ويرد عليه‪ ،‬إال املعصوم ‪ -‬صلى هللا‬
‫ومل تد ِ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وهذه القاعدة تؤكد أن اخلالفات الفقهية شيء والتعصب الفقهي شيء آخر‪.‬‬
‫فاخلالفات الفقهية ظاهرة صحية هلذه األُمة‪ ،‬وقد أَسهمت يف توسيع الثروة التشريعية‪ ،‬هلذه األُمة‪.‬‬
‫أما التعصب الفقهي‪ ،‬فظاهرة مرضية‪ ،‬ابتليت هبا األُمة‪ ،‬ومناها بعض احلكام على طول التاريخ‪ ،‬بقصد‬
‫شغل الناس عن مساوئهم‪ ،‬وتسهيالً لقيادهتم‪.‬‬
‫ض َو َج َع َل أ َْهلَ َها ِشيَـ ًعا} ‪.‬‬
‫{إِ هن فِ ْر َع ْو َن َع َال ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مل خيالف يف هذا األمر سوى الشيعة الذين يعتقدون أن أئمتهم من آل بيت النيب ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬معصومون‪.‬‬

‫(‪)83/1‬‬

‫وحسب التعصب الفقهي بالء على األُمة‪ ،‬أنه كان سبباً يف دخول القوانني الفرنسية‪ ،‬إىل الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬عندما طلب سالطني اخلالفة العثمانية من بعض العلماء أن يُقنن الشريعة اإلسالمية‬
‫ليسهل األخذ منها واحلكم هبا‪.‬‬
‫ولكن الذي حدث أن كل فقيه تعصب ملذهبه‪ ،‬وأصر أن يُؤخذ منه وحده‪ ،‬وأن حيكم مبذهبه فقط‪.‬‬
‫مما جعل السلطان يلجأُ إىل القانون الفرنسي‪ ،‬وقد صدق فيهم قول الشاعر‪:‬‬
‫املستجري بعمرو عند ُكربته ‪...‬‬
‫ِ‬
‫الرمضاء ابلنار‬ ‫كاملستجري من‬
‫ِ‬
‫العلماء عن متابعة القضااي الفكرية املعاصرة‪ ،‬ومستقبل‬ ‫كما أن التعصب الفقهي‪ ،‬شغل كثرياً من‬
‫اإلسالم يف البالد‪ ،‬لقد أخذ اإلحلاد عدداً من‬

‫(‪)84/1‬‬
‫اجلمهورايت اإلسالمية‪ ،‬وفنت أهلها‪ ،‬ومن قبل سلب الصليبيون بالد األندلس ‪ -‬عروس بالد‬
‫اإلسالم‪ ،‬وسرقوا ‪ %80‬من عقيدة بالد الفليبني اإلسالمية‪ ،‬وأحرق اليهود بيت املقدس‪ ،‬كل هذا‬
‫بالء حل ابملسلمني‪ ،‬وانهيكم ابلغزو الفكري لبالدان‪ ،‬فالغزو العسكري أهون خطراً من الغزو‬
‫الفكري‪ ،‬إن االستعمار مهما عاش يف بلد فالبد أن يرحل‪ ،‬أما الغزو الفكري فيجند أبناء البالد‬
‫التنصل عن دينهم وتراثهم‪ ،‬كل هذا حيدث واملسلمون يشغلون‬
‫أنفسهم حلماية مصاحل العدو‪ ،‬و ّ‬
‫أنفسهم ابجلدل يف فروع ال يضرهم أن يعملوا أبي رأي فيها‪.‬‬
‫وبعضهم يبحث عن بعض اخلالفات القدمية ‪ -‬املتطفلة على العقيدة اإلسالمية ‪ -‬واليت قربها الزمن‪،‬‬
‫وحياول إحياءها‪ ،‬ويدفع وحدة األُمة ومتاسكها مثناً هلذا‬

‫(‪)85/1‬‬

‫البالء وكل ما أرجوه من الدعاة املخلصني الكرام أن حيددوا حجم القضية اليت يدعون الناس هلا‪،‬‬
‫ويعطوهنا من اجلهد مبقدار حجمها يف دين هللا‪.‬‬
‫وشغل الناس ببعض القضااي الفرعية‪ ،‬وتفرغ بعض الدعاة لدراستها‪ ،‬والرد على منكريها‪ ،‬وإاثرهتا يف‬
‫كل واد‪ ،‬ييت على حساب قضااي أخرى متساوية معها يف احلجم‪ ،‬أو على حساب قضااي كبرية ال‬
‫يسع املسلمون جهلها‪.‬‬
‫إن التيارات العاملية اليوم جتري بريح عاصف‪ ،‬ضد سفينة اإلسالم‪.‬‬
‫فاليهودية العاملية متلك أمرين ال يضرها أن تفقد ما سوامها‪.‬‬
‫متلك البنوك العاملية‪ ،‬واإلعالم العاملي‪.‬‬
‫والصليبية العاملية اليوم ال تدخر وسعاً يف الرتويج حلمالت التبشري‪ ،‬اليت ال تستهدف تغيري هوية‬
‫الشباب املسلم‪ ،‬بقدر ما تستهدف تفريغه من اإلسالم‪ ،‬أما اآلفة الكربى‪ ،‬يف عصر‬

‫(‪)86/1‬‬

‫الناس هذا فهي الشيوعية العاملية‪ ،‬وهي ذئب يلبس جلد ْحل‪ ،‬فإذا دخل احلظرية‪ ،‬فعل ابلقطيع ما‬
‫يريد‪.‬‬
‫وال يتسع اجملال للحديث عن الدعوات الفرعية‪ ،‬اليت ميوهلا ويُنميها الثالثي السابق الذكر‪.‬‬
‫واليت دخلت بالد حممد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف غفلة حراس احلق‪.‬‬
‫كل هذا ‪...‬‬
‫وحضرات املسلمني ُجيدون يف مناقشة‪ :‬أيهما أفضل ‪...‬‬
‫أن نلتزم ابلنص فنرتك تسيد الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف األذان‪ ،‬أم نلتزم ابألدب‪ ،‬فنسيده‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أيهما أفضل السواك‪ ،‬أم معجون األسنان‪ ،‬هل تصح صالة الصبح خلف‬
‫إمام ال يقنت؟ وهل هبة الثواب للميت تصل أو ال تصل؟ وما مدى خطورة ِ‬
‫بناء احملراب يف قبلة‬
‫املسجد على عقيدة املسلمني‪.‬‬
‫وأيهما أفضل‪ :‬التسبيح على اليد‪ ،‬أم على املسبحة‪.‬‬
‫سامح هللا املسلمني لقد انموا يف النور‪،‬‬

‫(‪)87/1‬‬

‫بينما استيقط غريهم يف الظالم‪ ،‬وجد يف السري أبنائي وإخواين تالميذ القرآن‪ :‬لقد أطلت يف املقدمة‪،‬‬
‫ألضع أيديكم على أبعاد املشكلة وخطرها‪.‬‬
‫واآلن أحدثكم عن األسباب اليت ساعدت على اختالف الفقهاء‪.‬‬
‫وأقرتح أن نستمع إىل احلاج راضي يرتل بعض آايت القرآن لنُجدد نشاطنا (يقرأ الشيخ راضي مطلع‬
‫صيبُوا قَـ ْوًما ِجبَ َهالَ ٍة} مث يقرأ (فَثبَـيهـنُوا‬ ‫سورة احلجرات إىل قوله تعاىل {إِ ْن جاء ُكم فَ ِ‬
‫اس ٌق بِنَـبٍإ فَـتَـبـيهـنُوا أَ ْن تُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫صيبُوا قَـ ْوًما ِجبَ َهالَ ٍة) مث خيتم قراءته‪.‬‬
‫أَ ْن تُ ِ‬
‫عماد‪ :‬اي حاج راضي اآلية (فتبينوا) وأنت قرأهتا (فتثبتوا) ابلثاء‪.‬‬
‫عارف‪ :‬مها قراءاتن قرأ هبما النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬والقراءات املتعددة توسع معاين القرآن‪.‬‬
‫وهلا دخل يف مسألة اختالف الفقهاء لقد قرأ النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قوله تعاىل‬

‫(‪)88/1‬‬

‫ص َالةِ فَا ْغ ِسلُوا وجوه ُكم وأَي ِدي ُكم إِ َىل الْمرافِ ِق وامسحوا بِرء ِ‬
‫آمنُوا إِ َذا قُ ْمتُ ْم إِ َىل ال ه‬ ‫هِ‬
‫وس ُك ْم‬ ‫ََ َ ْ َ ُ ُُ‬ ‫ُُ َ ْ َْ َ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬‫َ‬
‫ني} [املائدة ‪ ]15‬قرأ النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬وأرجلَكم ابلنصب) عطفاً‬ ‫َوأ َْر ُجلَ ُك ْم إِ َىل الْ َك ْعبَ ْ ِ‬
‫وس ُك ْم} فأخذ مجهور علماء‬ ‫على (اغسلوا وجوهكم) وقرأها ابجلر (‪ )1‬عطفاً على {وامسحوا بِرء ِ‬
‫َ ْ َ ُ ُُ‬ ‫ّ‬
‫األُمة بقراءة النصب فأوجبوا غسل الرجلني يف الوضوء واستدلوا على ذلك مبا رواه عبد هللا بن عمرو‬
‫فقد قال‪ :‬ختلف النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عنا يف سفر‪ ،‬فأدركنا وقد أرهقتنا صالة العصر‪.‬‬
‫فجعلنا نتوضأُ‪ ،‬ومنسح على أرجلنا ‪( -‬عمالً بقراءة اجلر) فنادى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬أبعلى صوته‪ :‬ويل لألعقاب من النار‪.‬‬
‫قاهلا ثالاثً‪.‬‬
‫(رواه البخاري ومسلم) ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواية النصب قرأهل انفع وابن عامر والكسائي ورواية اجلر قرأها ْحزة وابن كثري وأبو عمرو‬
‫والنيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قرأ ابلنصب واجلر‪.‬‬

‫(‪)89/1‬‬

‫شاكر‪ :‬لكن رواية اجلر صحيحة أيضاً‪ ،‬أل هن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قرأ هبا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اعترب اجلمهور رواية اجلر خاصة ابملسح على اخلفني‪.‬‬
‫ألن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مسح عليهما (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أول العلماء رواية اجلر يف اآلية الكرمية أبهنا (جر حلركة اجملاورة) وهذا ابب يف اللغة العربية‪.‬‬
‫تقول العرب (جحر ضب خرب) وهذا ابب يف اللغة العربية‪.‬‬
‫تقول العرب (جحر ضب خرب) فتجر كلمة خرب‪ ،‬واألصل فيها أهنا مرفوعة‪ ،‬ولكنهم جروها‬
‫جملاورهتا لكلمة (ضب) وهي جمرورة‪.‬‬
‫صر ِ‬
‫ِ‬ ‫وجاء يف هذا قول هللا تعاىل {يـرسل علَي ُكما ُشوا ٌ ِ‬
‫ان} (الرْحن ‪ )35‬قرأو‬ ‫ظ م ْن َان ٍر َوُحنَ ٌ‬
‫اس فَ َال تَـ ْنـتَ َ‬ ‫ُْ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫حناس ابلرفع عطفاً على شواظ وقرأ ابجلر جملاورهتا لكلمة (من انر) فاجلر هنا حلركة اجملاورة‪.‬‬
‫ومىن العلماء من أول (وأرجلكم) يف قراءة اجلر عطفاً على اللفظ ال على احملل‪ ،‬والعرب تفعل هذا‬
‫أيضاً يف شعرها‪ ،‬فالعريب عندما علف انقته وسقاها قال‪ :‬علفتها تبناً وماء ابرداً‪.‬‬
‫واملعىن علفتها تبناً وسقيتها ماء‪ ،‬فالعطف هنا على اللفظ فقط ومن أخذ برواية اجلر ‪ -‬وهم الشيعة‬
‫اإلمامية ‪ -‬حاولوا أتويل رواية النصب‪.‬‬
‫راجع كتاب (بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع للكاساين احلنفي جزء واحد ص ‪.5‬‬
‫وتفسري جممع البيان للطربي من علماء الشعية اإلمامية جزء ‪ 3‬ص ‪.163‬‬

‫(‪)90/1‬‬

‫والذي يعنينا هنا هو أن القراءات الثابتة عن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬هلا دخل يف اختالف‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫(يتقدم الشيخ راضي بكوب من احلليب الدافئ‪ ،‬للشيخ عارف‪ ،‬قائالً‪ :‬أنت َتلب وحنن نشرب)‬
‫ماء‪ ،‬اي شيخ راضي‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كذبت عليك أن تسقين ً‬
‫راضي‪ :‬العفو اي شيخ عارف‪.‬‬
‫أنت مل تكذب أبداً واحلمد هلل (يضحك الشيخ عارف ويقول‪:‬‬
‫عارف‪ :‬كلمة كذبت عليك‪ ،‬هلا معنيان‪.‬‬
‫كذبت عليك مبعىن قلت غري الصدق‪.‬‬
‫وكذبت عليك مبعىن (أوجبت عليك) أن تسقين‪ ،‬فكلمة كذب هلا معنيان‪.‬‬
‫وعمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬يقول‪ :‬كذب عليكم احلج‪.‬‬
‫وكذب عليكم العمرة‪ ،‬وكذب عليكم اجلهاد‪.‬‬
‫ثالث سفرات كذبن عليكم ‪ -‬يعين وجنب عليكم‪.‬‬

‫(‪)91/1‬‬

‫وهذا ابب واسع يف اللغة العربية‪ ،‬امسه ابب املشرتك اللفظي‬


‫راضي‪ :‬العلم واسع اي شيخ عارف‪.‬‬
‫فأان مل أمسع عن كذب مبعىن وجب إال اآلن‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كثري من كلمات اللغة العربية هلا معنيان متقابالن من ذلك كلمة ظننت فإهنا أتيت مبعىن‬
‫ين يَظُنُّو َن أ هَهنُ ْم ُم َالقُو‬ ‫هِ‬
‫شككت يف األمر‪ ،‬وأتيت مبعىن تيقنت من األمر‪ ،‬قال تعاىل يف مدح املؤمنني {الذ َ‬
‫َرّهبِِ ْم} فكلمة يظنون مبعين يتيقنون‪.‬‬
‫قال السيوطي أي الذين يتيقنون من لقاء هللا‪.‬‬
‫حيث ال يذهب وهم عاقل أن هللا ميدح قوماً ابلشك يف لقاء هللا‪.‬‬
‫فالقرآن الكرمي عندما حدد العدة للمطلقة قال تعاىل‪{ :‬والْمطَله َقات يرتبهصن ِأبَنْـ ُف ِس ِه هن ثََالثَةَ قُـر ٍ‬
‫وء}‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫[البقرة ‪. ]228‬‬
‫وكلمة (قُـ ْرٍء) يف اللغة العربية هلا معنيان (قُـ ْرءٌ) مبعىن احليض‪.‬‬
‫(وقُرءٌ) مبعىن الطهر‬

‫(‪)92/1‬‬

‫من احليض‪.‬‬
‫وشواهد اللغة العربية كثرية يف ذلك فالشاعر وصف رجالً ينزف دمه قال‪ :‬له قُرءٌ كقرء احلائض‪.‬‬
‫فالقرءُ هنا مبعىن احليض‪.‬‬
‫وشاعر آخر أراد مدح أحد اجملاهدين أشاد برتفعه عن رغباته‪ ،‬وابتعاده عن نسائه‪ ،‬يف أايم طهرهن‪،‬‬
‫من أجل احلصول على النصر فقال‪:‬‬
‫أيف كل عام أَنت جاشم غزوة ‪...‬‬
‫تش ّد ألَقصاها عزمي عزائك‬
‫مورثة عزا ويف احل ّي رفعة ‪...‬‬
‫قرُوِء نسائك‬
‫مبا ضاع فيها يف ُ‬
‫فالقرءُ هنا مبعىن الطهارة من احليض‪.‬‬
‫فالكلمة مشرتكة بني معنيني متقابلني‪.‬‬
‫مما سبب اختالف األئمة يف َتديد مدة العدة‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يف كتب الفقه‪.‬‬
‫فأي لوم على األئمة يف اختالفهم‬

‫(‪)93/1‬‬

‫واللغة العربية لغة القرآن ‪ -‬هلا دخل يف هذا االختالف‪ ،‬كما أن للقراءات دخل كبري (‪ )1‬فيه ونشأ‬
‫عن هذا التشديد صحة احلديث عند بعض األئمة‪ ،‬فأخذ به‪.‬‬
‫وعدم صحته عند بعضهم‪ ،‬فأخذ حبديث آخر أقوى منه سنداً‪ ،‬ودائرة اخلالف هي األحاديث اليت مل‬
‫تبلغ ح ّد التواتر‪.‬‬
‫فأبة حنيفة ‪ -‬مثالً ‪ -‬مع تشدده يف البحث عن صحة احلديث‪ ،‬كان حيسن الظن ابلناس‪.‬‬
‫فإذا روى رجل مستور احلال حديثاً‪ ،‬فإن اإلمام يقبل روايته‪ ،‬حلسن ظنه ابلناس ‪ -‬من انحية ‪ -‬وألَ ّن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ومن ذلك أن اللغة العربية لغة اإلجياز‪.‬‬
‫فإذا قال النيب الكرمي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ال صالة ملن ال يقرأ فاَتة الكتاب‪.‬‬
‫فإن مجهور العلماء قدر احلديث‪ :‬ال صالة صحيحة‪ ،‬ملن مل يقرأ فاَتة الكتاب‪ ،‬وإىل ذلك ذهب‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫أما األحناف معىن احلديث‪.‬‬
‫ال صالة كاملة‪.‬‬
‫ملن مل يقرأ فاَتة الكتاب‪.‬‬
‫وموضع هذا اخلالف يف كتب الفقة‪.‬‬

‫(‪)94/1‬‬

‫األصل يف املسلم أنه ثقة ‪ -‬من انحية أخرى بينما مل يقبل تلميذه (حممد بن احلسن) أحاديث الرجل‬
‫املستور احلال‪ ،‬الذي مل يتيقن من صالحه‪ ،‬ويتحقق من عدالته‪ ،‬وذلك لالحتياط يف أحكام الشريعة‬
‫(‪ )1‬ومن ذلك أيضاً أ ّن اإلمام مالك ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أعترب عمل أهل املدينة مصدراً من مصادر‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد خالف يف هذا اإلمام (الليث بن سعد ‪ -‬إمام مصر) ‪.‬‬
‫ومن يقرأ الرسالة املطولة اليت كتبها الليث بن سعد وأرسلها إىل اإلمام مالك ‪ -‬يف هذا الشأن ‪-‬‬
‫يدرك أدب العلماء الرفيع‪ ،‬مع ما بينهم من اختالف يف الرأي (‪ )2‬وهناك علوم واسعة‪ ،‬وكتب مطولة‬
‫ذكرت هذه القضية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أصول الفقه للسرخسي جـ ‪ 1‬ص ‪.27‬‬
‫(‪ )2‬الرسالة بتمامها يف كتاب االختالفات الفقهية للدكتور حممد البيانوين‪.‬‬
‫(‪)95/1‬‬

‫وال أحب أن أوسع يف هذا املوضوع‪ ،‬حرصاً على وقتكم (‪. )1‬‬
‫وأُوكد لكم ما بدأت به احلديث‪ ،‬من أن صدر هذه األُمة تلقي اخلالفات الفقهية بعقله‪.‬‬
‫فلم تتفرق كلمتهم‪.‬‬
‫أما حنن فقد تلقيناها بقلوبنا وعواطفنا‪.‬‬
‫وقد حفظ كل جمتهد ألخيه حقه يف حرية االجتهاد‪.‬‬
‫فعندما عرض اخلليفة املنصور على اإلمام مالك أن يعمم مذهبه على مجيع البالد‪ ،‬مل يقبل اإلمام‬
‫مالك احرتاماً الجتهاد بقية األئمة رضوان هللا عليهم‪ ،‬وأذكر اي أبنائي كلمة للعالمة الدهلوى قال‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من ذلك ما خيتص ابلثقات من رجال احلديث ككتاب (الثقاة البن شاهني‪ ،‬والثقاة البن حبان) ‪.‬‬
‫وما خيتص ابلضعفاء من الرجال مثل كتاب (الضعفاء لإلمام البخاري) ‪ ،‬وكتاب الكامل البن عدى‬
‫حقق صديقنا األستاذ صبحي السامرائي‪.‬‬
‫ومنها ما يشمل الثقاة والضعفاء مثل كتاب اتريخ الرجال والعلل ومعرفة الرجال البن معني (خمطوط)‬
‫واجلرح والتعديل البن أيب حامت وغري هذا كثري‪.‬‬

‫(‪)96/1‬‬

‫كان صحابة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬والتابعون‪ ،‬ومن بعدهم منهم من يقرأ البسملة يف‬
‫الصالة‪ ،‬ومنهم من ال يقرأ‪.‬‬
‫منهم من يقنت يف الصبح‪ ،‬ومنهم من ال يقنت‪.‬‬
‫صليّت ابلتيمم‪ ،‬ومنهم من ال يعيد‪.‬‬
‫ومنهم من يعيد الصالة اليت ُ‬
‫ومع ذلك كان بعضهم يصلي خلف بعض‪.‬‬
‫وكان بعضهم حيرتم اجتهاد بعض‪.‬‬
‫فقد صلى اإلمام الشافعي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬صالة الصبح يف بغداد‪ ،‬فرتك دعاء القنوت‪ ،‬فلما سئل‬
‫عن ذلك قال‪ :‬احرتاماً لصاحب هذا القرب يعين (أاب حنيفة) ‪.‬‬
‫وسئل اإلمام أبو يوسف‪ :‬هل تُصلي خلف اإلمام مالك إذا سال منه دم‪ ،‬ومل يتوضأ؟ فقال أبو‬
‫يوسف‪ :‬كيف ال أصلي خلف اإلمام مالك؟!‬
‫وذلك أل هن خروج الدم يبطل الوضوء عند أيب يوسف‪ ،‬وال يُبطله عند اإلمام مالك‪.‬‬

‫(‪)97/1‬‬

‫للسنة املطهرة أن تنهي هذا اخلالف‪.‬‬


‫اثئر‪ :‬كان ميكن ُ‬
‫ويفصل فيه النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫عارف‪ :‬اي اثئر اي ولدي‪.‬‬
‫األحاديث الشريفة اختفلت طرقها‪ ،‬اليت وصلتنا هبا (السند) وقد تشدد بعض األئمة يف نقد اتريخ‬
‫الرجال‪ ،‬الذين نقلوا إليهم األحاديث‪ ،‬حىت ال يخذوا دين هللا إال من مصادره املوثوقة ‪...‬‬
‫اي أبنائي‪.‬‬
‫هذه حملة سريعة عن أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬وأهم أسباهبا‪ ،‬وإذا كان بعض األغبياء أساء تصويرها‪،‬‬
‫وحاول أن يفرق األمة‪ ،‬فإن املنصفني يف الشرق والغرب من املسلمني وغري املسلمني قد أدركوا‬
‫عظمة هذا االختالف فاإلمام ابن تيمية بعد أن تكلم عن اختالف الفقهاء قال‪ :‬هبذا العقل املتفتح‪،‬‬
‫والقلب املتسامح‪ ،‬ندرس ما وقع من األئمة من خالف‪ ،‬لنرفع عنهم املالم‪.‬‬
‫خلوف َتاول هدم‬
‫ٌ‬ ‫مث خلفت‬

‫(‪)98/1‬‬

‫القمم العلمية‪ ،‬وتلتمس هلا األخطاء من بعيد‪.‬‬


‫وتريد أن جتعل اإلسالم بال اتريخ علمي‪ ،‬وال مفكرين كبار‪ ،‬وحني تنظر إىل هذه اخللوف املسعورة‪،‬‬
‫تدرك مزجياً من اجلهل والكرب‪ ،‬ال يستحق إال املقت واإلذالل‪ ،‬هؤالء هم الذين يُشوهون سرية األئمة‪.‬‬
‫وإذا كان رأي ابن تيمية هو رفع املالم عن األئمة‪ ،‬فقد شهدت جامعات ابريس مؤمتراً يف كلية‬
‫احلقوق سنة ‪ 1951‬أكد هذا املؤمتر أن مبادئ الفقه اإلسالمي هلا قيمة ال مياري فيها‪ ،‬كما أكد هذا‬
‫املؤمتر عظمة الدور الذي أداه اختالف الفقهاء املسلمني يف تنمية الثروة الفقهية‪.‬‬
‫وجاء يف القرارات اليت اختذها هذا املؤمتر‪.‬‬
‫أن اختالف املذاهب الفقهية‪ ،‬يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ينطوي على ثروة من املفاهيم واملعلومات‪.‬‬
‫وأوصى املؤمتر بوضع معجم للفقه‬

‫(‪)99/1‬‬

‫يسهل الرجوع إىل املصادر الفقهية‪ ،‬ليكون موسوعة للفقه اإلسالمي‪ ،‬تعرض فيه الشريعة‬
‫اإلسالمي‪َ ،‬‬
‫بطريقة تتالءم أسلوبياً مع التطور املعاصر‪.‬‬
‫أشكركم على حسن مساعكم وأفتح الباب للمناقشة وأرجو أن جيمع هللا كلمتكم‪ ،‬ويوحد صفكم‪.‬‬
‫بعد احملاضرة قام الشباب يصافح بعضه بعضاً‪ ،‬ويعتذر بعضهم لآلخر عما بدا منه من ٍ‬
‫جفاء‪.‬‬

‫(‪)100/1‬‬

‫اللقاء الرابع‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* الذين يتطوعون بتيسري الزان‪.‬‬
‫* هل ألسنة الناس أقالم احلق دائماً؟‬
‫* قرب اجلرائم األخالقية أفضل‪.‬‬
‫* لو كنت سرتته بثوبك كان خرياً لك‪.‬‬
‫* ال توثقوه ابحلبال‪.‬‬
‫نكاح‪.‬‬
‫سفاح وآخره ٌ‬
‫* أ هولُه ٌ‬

‫(‪)101/1‬‬

‫مل تعرف القرية فتاة يف طهرها‪ ،‬وحسن سريهتا‪ ،‬مما دعا طالب الغفاف أن يتقدموا خلطبتها‪.‬‬
‫ويف زحام الركب تس هرب "حالق الفضيلة" ‪ -‬آسف ‪ -‬حالق النساء ‪ -‬صاحب "الكوافري" اجلديد‬
‫ابلقرية‪.‬‬
‫تقدم خلطبتها‪.‬‬
‫فحالت سريته الشائنة بينه وبني ما يريد‪.‬‬
‫وألول مرة يرى نفسه أمام امرأة من طراز خاص‪.‬‬
‫أمام امرأة لن تسمح ملثله أن يكشف غطاء رأسها ليعبث بشعرها‪.‬‬
‫فضالً عن السماح له أن يعبث مبا َتت هذا الشعر‪ ،‬من عقل صنعه اإلسالم‪.‬‬
‫هاجت مسوم احلرمان يف نفسه ‪ -‬تنسج من‬
‫خياله الكليل ما يربر رفض األسرة له‪.‬‬
‫وصادف افرتاؤه أحقاد املرت ّددات على حمله‪.‬‬
‫فتلقوا كل فرية ابلقبول‪.‬‬
‫وأشاعوا هبا أحقادهم‪.‬‬
‫ويف الظالم تنشط اخلفافيش‪.‬‬

‫(‪)102/1‬‬

‫عالء‪ :‬لعلك ما يدور على ألسنة الناس يف القرية‪.‬‬


‫عارف‪ :‬غياب الشريعة عن سلوك الناس هو سبب متاعبهم‪.‬‬
‫عالء‪ :‬أ ِ‬
‫َلسنَ ْة الناس أَقالم احلق‪.‬‬
‫فطهر‬
‫عارف‪ :‬أي انس؟ وأي حق؟ أتعين أن ألسنة الناس أَقالم احلق عندما تكلموا عن مرمي البتول‪ّ ،‬‬
‫اك علَى نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك وطَه ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} [آل عمران ‪. ]42‬‬ ‫ساء ال َْعالَ ِم َ‬ ‫اصطََف َ َ‬ ‫هرك َو ْ‬ ‫اصطََف َ َ‬ ‫اَّللَ ْ‬ ‫{اي َم ْرَميُ إِ هن ه‬
‫القرآن سريهتا َ‬
‫فربأَها‬
‫أم تعين أن أَلسنة الناس أقالم احلق عندما وقعوا يف حديث اإلفك املفرتي على السيدة عائشة‪ّ ،‬‬
‫كع ِ‬ ‫هِ‬
‫سبُوهُ َش ارا لَ ُك ْم بَ ْل ُه َو َخ ْريٌ لَ ُك ْم} [النور‬ ‫ين َجاءُوا ِاب ِْإلفْ ِ ُ ْ‬
‫صبَةٌ م ْن ُك ْم َال ََتْ َ‬ ‫هللا مما قالوا {إِ هن الذ َ‬
‫‪. ]11‬‬
‫أي خري يف حديث اإلفك؟‬
‫عالء‪ّ :‬‬
‫عارف‪ :‬عرف املسلمون من دفاع القرآن الكرمي عن‬

‫(‪)103/1‬‬
‫عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬منزلتها الكرمية عند هللا‪.‬‬
‫فقد أثبت هللا براءهتا يف عشر سور من القرآن‪.‬‬
‫اي عالء ‪...‬‬
‫إن ألسنة الناس عندما ختوض يف األعراض هي حبائل الشيطان‪.‬‬
‫وليست أقالم احلق‪.‬‬
‫وكثري منهم ُمي ّهد للجرائم األخالقية‪ ،‬وهو يتصور أنه يستنكر الفاحشة بكالمه‪.‬‬
‫اخلري ابلشر؟‪.‬‬
‫عالء‪ :‬ماذا تعين؟ أَييت ُ‬
‫عارف‪ :‬أَي خري؟!‬
‫عالء‪ :‬استنكار الفاحشة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هل يستطيع شاب ‪ -‬مهما بلغ فسقه ‪ -‬أن يطرق األبواب املستورة ويراود نساءها على‬
‫الفاحشة؟‬
‫عالء‪ :‬ابلطبع ال ‪...‬‬
‫يدل حبديثه هذا كل‬
‫عارف‪ :‬ولكن عندما جيلس أحدهم ُمتطوعاً خيوض يف أعراض الناس‪ ،‬فسوف ّ‬

‫(‪)104/1‬‬

‫راغب يف الفاحشة على صيده‪.‬‬


‫الغيب يتطوع بتذليل أَش هد العقبات للزان‬
‫أن هذا ّ‬
‫وهي البحث عن الفريسة يف جمتمع مستور‪.‬‬
‫{ولَيَ ْح ِملُ هن أَثْـ َقا َهلُ ْم َوأَثْـ َق ًاال َم َع أَثْـ َقاهلِِ ْم َولَيُ ْسأَلُ هن يَـ ْوَم‬
‫فإذا وقع الزان بسبب حديثه‪ ،‬فهو شريك يف اإلمث‪َ :‬‬
‫رتو َن} [العنكبوت ‪ ]13‬أثقاهلم ‪...‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الْقيَ َامة َع هما َكانُوا يَـ ْف َُ‬
‫يف رمي احملصنات‪ ،‬وكشف سرت هللا‪.‬‬
‫وأثقاالً مع أثقاهلم‪..‬‬
‫إذا متّ الزان بسبب داللتهم‪.‬‬
‫على بيوت الفاجرات‪.‬‬
‫روت السيدة عائشة أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال أتدرون ما أرىب الراب؟ قالوا‪ :‬هللا‬
‫ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال فإن أريب الراب عند هللا استحالل عرض امرئ مسلم‪.‬‬
‫احتَ َملُوا ُهبْتَ ًاان َوإِ ْمثًا ُمبِينًا}‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يُـ ْؤذُو َن ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫مث قرأ قوله تعاىل ه ِ‬
‫ني َوال ُْم ْؤمنَات بغَ ِْري َما ا ْكتَ َ‬
‫سبُوا فَـ َقد ْ‬ ‫{والذ َ‬
‫َ‬
‫[األحزاب ‪]58‬‬

‫(‪)105/1‬‬

‫إن هللا حيب أن تقرب اجلرائم األخالقية يف مكاهنا‪.‬‬


‫شةُ ِيف‬ ‫ألن إشاعتها كثرياً ما تنقل املرأة من االحنراف إىل االحرتاف {إِ هن اله ِذين ُِحيبُّو َن أَ ْن تَ ِشيع الْ َف ِ‬
‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ َو ه‬
‫اَّللُ يَـ ْعلَ ُم َوأَنْـتُ ْم َال تَـ ْعلَ ُمو َن} [النور ‪. ]19‬‬ ‫يم ِيف ُّ‬‫اله ِذين آمنوا َهلم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ َ ُ ُْ َ ٌ‬
‫عالء‪ :‬عذاب اآلخرة هو النار‪ ،‬فما عذاهبم يف الدنيا؟‬
‫ِ‬ ‫عارف‪ :‬يطالب أبربعة شهد ٍاء يؤيدون دعواه {واله ِذين يـرمو َن الْم ْح ِ‬
‫صنَات مثُه َملْ َيْتُوا ِأب َْربَـ َعة ُش َه َد َ‬
‫اء‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫اس ُقو َن} [النور ‪. ]4‬‬ ‫ادةً أَبَ ًدا َوأُولَئ َ ُ ُ‬ ‫وه ْم َمثَانِ َ‬
‫ني َج ْل َدةً َوَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َ‬ ‫اجل ُد ُ‬
‫ْ‬
‫عالء‪ :‬سبحان هللا ‪...‬‬
‫حياول أن ييت أبربعة شهداء ليدفع اجللد عن نفسه‪.‬‬
‫لقد أصبح يف قفص االهتام‪.‬‬
‫عارف‪ :‬وبعد اجللد لن خيرج من قفص االهتام ألنه‬

‫(‪)106/1‬‬

‫اد ًة أَبَ ًدا‬


‫{وَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َ‬
‫سيظل ما بقى من عمره متهماً‪ ،‬ومردود الشهادة أمام القضاء وأما الناس َ‬
‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ُقو َن} ‪.‬‬ ‫َوأُولَئ َ ُ ُ‬
‫عالء‪ :‬قد يكون صادقاً‪.‬‬
‫عارف‪ :‬فليأتنا أبربعة شهداء‪.‬‬
‫عالء‪ :‬اجلرائم اليت َتدث يف الطريق العام يصعب أن نقيم عليها أربعة شهداء‪.‬‬
‫فكيف ابلزان الذي ال حيدث إال من وراء جدار؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬القتل يثبت بشهادة اثنني فقط‪.‬‬
‫لش َه َد ِاء‬
‫اء فَِإ ْذ َملْ َيْتُوا ِاب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أما الزان فالبد من أربعة شهداء‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬لَ ْوَال َجاءُوا َعلَْيه ِأب َْربَـ َعة ُش َه َد َ‬
‫فَأُولَئِ َ ِ ِ‬
‫اَّلل ُهم الْ َك ِ‬
‫اذبُو َن} [النور ‪. ]13‬‬ ‫ك ع ْن َد ه ُ‬
‫اي عالء اي ولدي ‪...‬‬
‫ذكر ابن قدامة يف كتابه املغين‪ :‬أن عدم إكمال‬

‫(‪)107/1‬‬

‫الشهود أربعة يوجب جلد الشهود‪.‬‬


‫استدل على ذلك مبا فعله عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬عندما جلد "أاب بكر بن مسروح"‬
‫وأصحابه يف قضية املغرية بن شعبة‪.‬‬
‫فقد جلدهم عمر عندما شهد ثالثة‪ ،‬وتراجع الرابع ‪ -‬وهو زايد بن عبيدة ومل يشهد‪.‬‬
‫(القصة بتمامها يف اتريخ األُمم واملسلوك للطربي حـ ‪ 4‬ص ‪. )206‬‬
‫عالء‪ :‬جمرد اكتمال الشهود أربعة هل يوجب إقامة احل ّد؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬البد أن يناقش القاضي الشهود‪.‬‬
‫حىت يقتنع بصدقهم‪.‬‬
‫عالء‪ :‬فإذا رأى القاضي بنفسه الزان‪ ،‬هل جيلدهم بعلمه؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬يصبح القاضي يف حكم املبلغ ويطلب منه أربعة شهداء‪.‬‬
‫جاء يف مسند اإلمام أْحد‪ :‬أن أاب بكر‬

‫(‪)108/1‬‬

‫الصديق ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال لو رأيت أحداً على ٍ‬


‫حد من حدود هللا ما أخذته‪ ،‬حىت يكون معي‬
‫غريي‪.‬‬
‫(أي شهود) ‪.‬‬
‫عالء‪ :‬هذا ما نسميه اليوم "حيادية القضاء" وأسألك اي شيخ عارف‪ :‬حديث القرية عنها‪ ،‬أال يُعترب‬
‫األقل مينعين من إمتام الزواج هبا؟‬
‫دليالً‪ ،‬على ّ‬
‫فما بيننا جمرد خطبة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ال ايعالء ‪...‬‬
‫ت فَُالنَةَ فَـ َق ْد ظَ َه َر ِم ْنـ َها ِّ‬
‫الريبَةُ‬ ‫َح ًدا بِغَ ِْري بَـيِّنَ ٍة لََرمجَْ ُ‬ ‫فقد قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪" -‬لَو ُك ْن ُ ِ‬
‫ت َرامجًا أ َ‬ ‫ْ‬
‫ِيف َم ْن ِط ِق َها َو َه ْيـئَتِ َها َوَم ْن يَ ْد ُخ ُل َعلَْيـ َها"‪.‬‬
‫(رواه ابن ماجة‪. )2549 .‬‬
‫فمع ظهور الريب يف منطقتها ‪...‬‬
‫وهيأهتا ‪...‬‬
‫والذين يدخلون عليها مع كل هذا مل حيكم النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عليها‪.‬‬
‫(إِ هن الظه هن َال يُـغْ ِين ِم َن ا ْحلَ ِّق َش ْيـئًا) أما خطيبتك فلم يظهر‬

‫(‪)109/1‬‬

‫منها سوى اإلميان والتقوى‪.‬‬


‫إن األحكام الكبرية ال تُؤخذ يف ثورة الغضب‪.‬‬
‫وال تُبىن على الشبهات‪.‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم‪:‬‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫روى عن َع ْن َعائِ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ت‪ :‬قَ َ‬ ‫شةَ قَالَ ْ‬
‫ام أَ ْن خيُْ ِط َئ ِيف‬ ‫ج فَ َخلُّوا َسبِيلَهُ فَِإ هن ِْ‬
‫اإل َم َ‬ ‫استَطَ ْعتُ ْم فَِإ ْن َكا َن لَهُ َخمَْر ٌ‬
‫ني َما ْ‬
‫ِ‬
‫ود َع ْن ال ُْم ْسل ِم َ‬ ‫"ا ْد َرءُوا ا ْحلُ ُد َ‬
‫ري ِم ْن أَ ْن خيُْ ِط َئ ِيف ال ُْع ُقوبَِة"‪.‬‬‫ال َْع ْف ِو َخ ٌْ‬
‫(رواه الرتمذي‪. )1344 .‬‬
‫عالء‪ :‬ماذا املراد ابلشبهات؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ليس كل من مجع على دعواه أربعة شهداء البد أن تُقبل دعواه‪ ،‬وأن نقيم احلد بشهادهتم‪.‬‬
‫اي عالء إن احلد ‪ -‬يف موضوع الزان ‪ -‬حد صارم‪.‬‬
‫جلد مائة جلدة لغري املتزوج‪ ،‬ورجم حىت املوت للمتزوج‪.‬‬
‫وال تنس ما يلحق أُسرهتا بعد ذلك من عار‪.‬‬
‫لذلك شدد اإلسالم يف قبول الدعوة ما مل يُشدد يف أي دعوة أُخرى‪.‬‬
‫فالبد أن يناقش‬

‫(‪)110/1‬‬
‫القاضي شهود اإلثبات‪.‬‬
‫وأي اختالف بينهم يف الشهادة تُرد شهادهتم‪ ،‬كاختالفهم يف َتديد املكان الذي حدث فيه الزان‪ ،‬أو‬
‫الزمان الذي حدث فيه‪.‬‬
‫والبد أن يعرتف الشهود مبشاهدهتم لعورة الرجل واملرأة مبا يثبت متام الزان‪.‬‬
‫فعندما شهد ثالثة أمام عمر بن اخلطاب بتمام الزان‪ ،‬وقال الرابع‪{ :‬ايت منظراً قبيحاً‪ ،‬ومسعت نَـ َفساً‬
‫عالياً‪.‬‬
‫وما أَدري أَخالطها أو ال‪.‬‬
‫رد عمر شهادته‪.‬‬
‫وأمر جبلد الثالثة "البالذرى‪ :‬فتوح البلدان" فإذا علمت اي عالء إن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫ال‪:‬‬
‫قَ َ‬
‫"ال يـ ْنظُر ال هرجل إِ َىل َعورةِ ال هرج ِل وَال الْمرأَةُ إِ َىل َعورةِ الْمرأَةِ وَال يـ ْف ِ‬
‫ضي ال هر ُجل إِ َىل ال هر ُج ِل ِيف ثَـ ْو ٍ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َْ َْ َ ُ‬ ‫َْ ُ َ َْ‬ ‫َ َ ُ ُُ‬
‫ب الْو ِ‬
‫اح ِد"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َواحد َوَال تُـ ْفضي ال َْم ْرأَةُ إِ َىل ال َْم ْرأَة ِيف الثـ ْهو ِ َ‬
‫(رواه مسلم‪)512 .‬‬
‫َمر صعب‪.‬‬
‫علمت أ ّن إمتام الشهادة أ ٌ‬
‫إ ّن هللا حيب أن تقرب اجلرائم األخالقية يف مكاهنا‬
‫الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ"‪.‬‬
‫اَّللُ ِيف ُّ‬
‫رتهُ ه‬ ‫"ومن س َ ِ‬
‫رت ُم ْسل ًما َس ََ‬
‫ََ ْ َ َ‬
‫(رواه البخاري‪)4867.‬‬

‫(‪)111/1‬‬

‫وعندما زىن (ماعز) أمره هزال أن يذهب إىل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ليطهره من ذنبه‪.‬‬
‫ت َس َ ْرتتَهُ بِثَـ ْوبِ َ‬
‫ك‬ ‫ال لَ ْو ُك ْن َ‬ ‫فلما أُقيم عليه احلد قال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هلزال‪" :‬و هِ‬
‫اَّلل َاي َه هز ُ‬ ‫َ‬
‫ت بِ ِه"‪.‬‬ ‫َكا َن َخ ِ‬
‫ريا ممها َ‬
‫صنَـ ْع َ‬ ‫ًْ‬
‫(مسند أْحد‪. )20885 .‬‬
‫حىت الذين من شأهنم ‪ -‬عادة ‪ -‬أن يدخلوا البيوت بال َترج‪،‬‬
‫كاملرأة تدخل على جارهتا‪ ،‬والصيب كذلك‪.‬‬
‫ال تقبل شهادهتما يف احلدود‪.‬‬
‫عالء‪" :‬متعجباً" أي مانع مينع قبول شهادة املرأة؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أل هن كل اآلايت اليت حددت الشهود أبربعة ذكرت كلمة "أربعة مؤنثة" وأنت تعرف اي عالء‬
‫أن العدد من ثالثة إىل عشرة يُ َذ ّكر مع املؤنث‪ ،‬ويؤنث مع الذكر‪.‬‬
‫ِ‬
‫فإذا قال القرآن الكرمي { ِأب َْربَـ َعة ُش َه َد َ‬
‫اء} فداللة اللغة استشهاد أربعة رجال‪.‬‬
‫عالء‪ :‬أليس يف هذا إهانة لكرامة املرأة؟‪.‬‬

‫(‪)112/1‬‬

‫عارف‪ :‬ابلعكس‪.‬‬
‫فاإلسالم يقبل شهادة املرأة الواحدة يف دفع احلدود‪ ،‬ووقفها عن التنفيذ‪.‬‬
‫وإن كان ال يقبل شهادهتا يف إثباهتا‪.‬‬
‫فلو شهد أربعة رجال على امرأة ابلزان‪ ،‬مث ادعت املرأة أهنا بكر‪ ،‬وكشفت عليها امرأة واحدة‪.‬‬
‫وشهدت ببكارهتا‪.‬‬
‫يسقط احلد عنها بشهادة امرأة واحدة‪.‬‬
‫قال عبد القادر عودة ‪ -‬يرْحه هللا ‪ :-‬أل هن شهادة املرأة الواحدة مقبولة عند أيب حنيفة وعند اإلمام‬
‫أْحد بن حنبل‪.‬‬
‫توهم إمتام الزان‪ ،‬أل هن دوام البكارة شبهة‪.‬‬
‫وأساس درء احل ّد عنها هو احتمال ّ‬
‫واحلدود تُ ْد َرأُ ابلشبهات‪( .‬التشريع اجلنائي جـ ‪ 2‬ص ‪. )425‬‬
‫عالء‪ :‬من يُعلم نساءان أن شهادة املرأة الواحدة تعدل شهادة رجلني‪.‬‬
‫بل أكثر فيما ختصصت فيه النساءُ ًٌ؟‪.‬‬

‫(‪)113/1‬‬

‫عارف‪ :‬اإلسالم حيرتم التخصصات‪.‬‬


‫عالء‪ :‬حنن حباجة إىل كوب من الشاي‪.‬‬
‫أل هن احلديث ذو شجون‪.‬‬
‫عارف‪ :‬بل نتناول طعام العشاء‪.‬‬
‫مث نشرب الشاي‪.‬‬
‫وعلى مأ ُْدبة العشاء دار حوار هادئ‪.‬‬
‫عالء‪ :‬تفضلت اي شيخ عارف وقلت‪:‬‬
‫إن الذين يدخلون البيوت عادة بدون استئذان كاملرأة والصيب ال تقبل شهادهتما يف احلدود‪.‬‬
‫ولكن الزوج ‪ -‬صاحب البيت ‪ -‬هل تُرفض شهادته أيضاً وهل يطالب ابخلروج والبحث عن أربعة‬
‫شهود؟ حىت لو وجد الشهود فسوف يدخلون البيت فيجدون كل شيء قد انتهى‪.‬‬
‫عارف‪ :‬شريعة هللا مل تتجاهل هذه القضية مل تطلب من الزوج يف مثل هذه احلالة أن يقدم الشهود‬

‫(‪)114/1‬‬

‫ليثبت ما رآه‪.‬‬
‫عليه أن يُـ ْق ِس َم أربعة أميان ابهلل‪.‬‬
‫إنه ملن الصادقني‪.‬‬
‫واليمني اخلامس‪ :‬أ ّن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبني‪.‬‬
‫عالء‪ :‬قد يكون مع هذه األَميان ‪ -‬كلها ‪ -‬كاذابً يريد أن خيتار طريقاً ملتوايً للتخلص من زوجته‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هللا أعلم بطوااي عباده‪.‬‬
‫من أجل ذلك ال نقيم احل ّد على املرأة بشهادة زوجها وحده‪.‬‬
‫بل يطلب منها أن تشهد أربع شهادات ابهلل إنه ملن الكاذبني والشهادة اخلامسة‪ :‬أن غضب هللا‬
‫عليها إن كان من الصادقني‪.‬‬
‫وهذه احلالة من احلاالت اليت تتساوي فيها شهادة املرأة بشهادة الرجل‪.‬‬
‫فهو يشهد مخس شهادات‪ ،‬وهي تشهد نفس هذا العدد‪.‬‬
‫عالء‪ :‬وكيف تطاق املعيشة بعد ذلك؟‪.‬‬

‫(‪)115/1‬‬

‫عارف‪ :‬إذا متت (املالعنة) ‪.‬‬


‫فرق القاضي بينهما‪.‬‬
‫اد ٍ‬
‫ات‬ ‫َح ِد ِه ْم أ َْربَ ُع َش َه َ‬‫ادةُ أ َ‬ ‫ش َه َ‬ ‫س ُه ْم فَ َ‬ ‫ِ‬
‫اج ُه ْم َوَملْ يَ ُك ْن َهلُ ْم ُش َه َداءُ إ هال أَنْـ ُف ُ‬
‫ين يَـ ْرُمو َن أَ ْزَو َ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ه ِ‬
‫{والذ َ‬ ‫َ‬
‫ني (‪َ )7‬ويَ ْد َرأُ َع ْنـ َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬‫ت ه‬ ‫سةُ أَ هن لَ ْعنَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ني (‪َ )6‬و ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّلل إِنههُ لَ ِم َن ال ه‬‫ِاب هِ‬
‫اَّلل َعلَْيه إ ْن َكا َن م َن الْ َكاذب َ‬ ‫اخلَام َ‬ ‫صادق َ‬
‫ضب هِ‬ ‫اذبِني (‪ )8‬و ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْع َذاب أَ ْن تَ ْشه َد أَربع َشهاد ٍ ِ‬
‫اَّلل َعلَْيـ َها إِ ْن َكا َن‬ ‫سةَ أَ هن غَ َ َ‬ ‫اخلَام َ‬ ‫َ‬ ‫ات ِاب هَّلل إِنههُ لَ ِم َن الْ َك َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ني} [النور ‪. ]8‬‬ ‫ِمن ال ه ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫َ‬
‫َع ْن أَِيب ُه َريْـ َرةَ‬
‫ت َعلَى قَـ ْوٍم‬ ‫ت آيَةُ ال ُْم َال َعنَ ِة أَُّميَا ْام َرأَةٍ أَ ْد َخلَ ْ‬ ‫ني نَـ َزلَ ْ‬ ‫اَّلل علَي ِه وسلهم يـ ُق ُ ِ‬
‫ول ح َ‬ ‫صلهى هُ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ول هِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫أَنههُ َِمس َع َر ُس َ‬
‫اَّللُ َجنـهتَهُ َوأَُّميَا َر ُج ٍل َج َح َد َولَ َدهُ َو ُه َو يَـ ْنظُُر إِلَْي ِه‬ ‫اَّلل ِيف َش ْي ٍء َوَال يُ ْد ِخلُ َها ه‬ ‫ت ِمن هِ‬
‫س ْ ْ‬
‫رج ًال لَي ِ‬
‫س م ْنـ ُه ْم فَـلَْي َ‬ ‫َُ ْ َ‬
‫ين يَـ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َو ْاآلخ ِر َ‬ ‫وس ْاألَ هول َ‬‫ض َحهُ َعلَى ُرءُ ِ‬ ‫اَّللُ َع هز َو َج هل م ْنهُ َوفَ َ‬ ‫ب ه‬ ‫احتَ َج َ‬ ‫ْ‬
‫(سنن النسائي‪)3427 .‬‬

‫(‪)116/1‬‬

‫عالء‪ :‬لست أدري أيهما أشهى‪ :‬طعامك‪.‬‬


‫أم كالمك؟‬
‫عارف‪ :‬اي عالء إن هللا مل حيكم عباده ابلسياط‪.‬‬
‫إن هللا حيكم عباده من داخلهم‪.‬‬
‫والعقوبة ملن ش هذ فقط‪.‬‬
‫ومع ذلك فاهلل سبحانه مل يكلفنا أن نتجسس على من َتوم حوله الشبهات‪ ،‬لنقيم عليه احلده‪.‬‬
‫بل يطلب منا أن نسرت على من وقعت عيوننا عليه‪.‬‬
‫آملني إصالحه وتوبته‪.‬‬
‫لقد كان النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يُل ّقن من يعرتف ابلزان أمامه حجة الرتاجع‪.‬‬
‫فقد روي أ ّن (ماعز) ملا أق هر ابلزان أمام الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫ل هقنه الرجوع‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬لعلك قبلتها‪.‬‬
‫لعلك مسستها‪ ،‬لعلك‪.‬‬
‫لعلك‪.‬‬
‫يصر على االعرتاف‪.‬‬
‫وماعز ُّ‬
‫وبعد أن يعرتف الزاين أربع مرات‪.‬‬
‫ال يلقي عليه الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬القبض حىت حيني وقت العقوبة‪.‬‬
‫بل رمبا يرتكه سنة أو أكثر يعيش‬

‫(‪)117/1‬‬

‫يف بيته‪.‬‬
‫بال حبس وال َتفظ عليه‪.‬‬
‫فعندما طلبت الغامدية من رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أن يقيم عليها احل هد ليطهرها‪.‬‬
‫حاول النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إرجاعها عن إقرارها‪.‬‬
‫فأرادت املرأة أن يؤكد له زانها‪.‬‬
‫ول ا هِ ِ‬ ‫ول هِ‬
‫ك‬‫َّلل ملَ تَـ ُردُِّين لَ َعله َ‬ ‫ت َاي َر ُس َ‬ ‫هها فَـلَ هما َكا َن الْغَ ُد قَالَ ْ‬ ‫ت فَطَ ِّه ْرِين َوإِنههُ َرد َ‬ ‫اَّلل إِِّين قَ ْد َزنَـ ْي ُ‬ ‫ت َاي َر ُس َ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫يب ِيف‬ ‫ت أَتَـ ْتهُ ِابل ه‬‫ال إِ هما َال فَا ْذ َهِيب َح هىت تَلِ ِدي فَـلَ هما َولَ َد ْ‬ ‫اَّلل إِِّين َحلُْبـلَى قَ َ‬‫اعزا فَـو هِ‬ ‫أَ ْن تَـردِهين َكما رد ْد َ ِ‬
‫صِ ِّ‬ ‫ت َم ً َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يب ِيف يَ ِده كِ ْس َرةُ‬ ‫ِ‬
‫ض ِع ِيه َح هىت تَـ ْفط ِم ِيه فَـلَ هما فَطَ َم ْتهُ أَتَـ ْتهُ ِابل ه‬
‫صِ ِّ‬
‫ال ا ْذ َهِيب فَأَر ِ‬
‫ْ‬ ‫ت َه َذا قَ ْد َولَ ْدتُهُ قَ َ‬ ‫ِخ ْرقَ ٍة قَالَ ْ‬
‫ني مثُه أ ََم َر ِهبَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يب هِ‬
‫يب إِ َىل َر ُج ٍل م ْن الْ ُم ْسل ِم َ‬ ‫صِ ه‬
‫ام فَ َدفَ َع ال ه‬ ‫اَّلل قَ ْد فَطَ ْمتُهُ َوقَ ْد أَ َك َل الطه َع َ‬ ‫ت َه َذا َاي نَِ ه‬ ‫ُخ ْب ٍز فَـ َقالَ ْ‬
‫ِِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هم‬
‫هح الد ُ‬ ‫وها فَـيُـ ْقب ُل َخال ُد بْ ُن ال َْوليد حبَ َج ٍر فَـ َرَمى َرأْ َس َها فَـتَـنَض َ‬ ‫هاس فَـ َر َمجُ َ‬‫ص ْد ِرَها َوأ ََم َر الن َ‬ ‫فَ ُحف َر َهلَا إِ َىل َ‬
‫ال َم ْه ًال َاي َخالِ ُد فَـ َواله ِذي‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َسبههُ إِ هاي َها فَـ َق َ‬
‫صلهى ه‬ ‫يب هِ‬ ‫س ِم َع نَِ ُّ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫سبهـ َها فَ َ‬‫َعلَى َو ْجه َخالد فَ َ‬
‫صلهى َعلَْيـ َها َو ُدفِنَ ْ‬ ‫احب مك ٍ ِ‬ ‫ت تَـوبةً لَو َات َهبا ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ْس لَغُف َر لَهُ مثُه أ ََم َر ِهبَا فَ َ‬ ‫ص ُ َ‬ ‫نَـ ْفسي بِيَده لََق ْد َاتبَ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫(مسلم‪. )3208 .‬‬
‫عالء‪ :‬إصرار عجيب‪.‬‬
‫أتصور أن اعرتافهما جمرد صحوة ضمري‪ ،‬رمبا عاجلته مشاغل احلياة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كنت‬

‫(‪)118/1‬‬

‫عارف‪ :‬مل يسجنهما النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حىت يعطي هلما فرصة الرتاجع‪.‬‬
‫عن عب ُد هِ‬
‫اَّلل بْ ُن بُـ َريْ َدةَ َع ْن أَبِ ِيه قَ َ‬
‫ال‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫اعز بْن مالِ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم نَـتَ َحد ُ‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫اب ر ُس ِ‬
‫ك لَ ْو َر َج َعا بَـ ْع َد‬ ‫هث أَ هن الْغَامديهةَ َوَم َ َ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َص َح َ َ‬ ‫ُكنها أ ْ‬
‫رتافِ ِه َما َملْ يَطْلُْبـ ُه َما َوإِ همنَا َر َمجَ ُه َما ِع ْن َد ال هرابِ َع ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رتافِ ِه َما أ َْو قَ َ‬
‫ال لَ ْو َملْ يَـ ْرج َعا بَـ ْع َد ا ْع َ‬
‫ِ‬
‫ا ْع َ‬
‫(رواه أبو داود‪. )3847 .‬‬
‫حىت عند تنفيذ احلد على املقر ال يسمح اإلسالم بتوثيقه ابحلبال‪ ،‬وال وضعه يف حفرة‪ ،‬فإن حاول‬
‫الفرار عند التنفيذ ال يتبعونه ابلرجم‪.‬‬
‫ويعترب أبو حنيفة ومالك واإلمام أْحد جمرد حماولة اهلروب عند التنفيذ رجوعاً عن اإلقرار‪.‬‬
‫وقد هنى النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن تتبعه ابلرجم‪.‬‬
‫فقال "هال تركتموه" وكره من الصحابة اتباعهم (ملاعز) ابلرجم عندما فر منهم‪.‬‬
‫(راجع بدائع الصنائع جـ ‪ 7‬ص ‪. )61‬‬
‫عالء‪ :‬ما رأيك اي شيخ عارف لو تزوج مبن زىن هبا ليصلح خطأه‪ ،‬ال مانع شرعاً من الزواج هبا إذا‬

‫(‪)119/1‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم ْن فَ َج َر ِاب ْم َرأَةٍ مثُه تَـ َزهو َج َها قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫اس ر ِ‬
‫اح الَ‬ ‫ال‪ :‬أَ هولُهُ س َف ٌ‬
‫اح َوآخ ُرهُ ن َك ٌ‬ ‫ض َى ه‬
‫اَّللُ َع ْنـ ُه َما ف َ‬ ‫اتبت‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبه ٍ َ‬
‫ْس بِ ِه"‪.‬‬
‫َأب َ‬
‫(رواه البيهقي‪. )1425 .‬‬
‫وجاء يف فتاوى ابن تيمية "نكاح الزانية حرام حىت تتوب‪.‬‬
‫َ‬
‫سواءٌ زىن هبا هو أو غريه‪.‬‬
‫هذا هو الصواب‪.‬‬
‫وهو مذهب معظم السلف واخللف" فيجوز له أن يتزوجها بعد أن تتوب‪.‬‬
‫عالء‪ :‬زواجه هبا يسرتها‪.‬‬
‫فقد يفضحها احلمل‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اإلمام الشافعي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أجاز له أن يتزوجها وهي حامل‪.‬‬
‫سواءٌ كان احلمل منه أو من غريه‪.‬‬
‫ألن نطفة الزاين ال تتعلق هبا أحكام شرعية عند اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫عالء‪ :‬وزواجه منها‪.‬‬
‫هل يسقط العقوبة؟‪.‬‬

‫(‪)120/1‬‬
‫عارف‪ :‬األئمة األربعة يوجبون احل ّد بسبب الزان السابق للزواج ‪ -‬وال يسقطونه ابلزواج ‪ -‬جاء يف‬
‫أحكام القرآن البن العريب (جـ ‪ 3‬ص ‪ : )130‬أن رجالً جاء إىل أيب بكر وقال له‪ :‬إ هن ضيفا ضافه‬
‫فزىن اببنته فضربه عمر على صدره‪.‬‬
‫وقال‪ :‬أال تسرت على ابنتك‪.‬‬
‫فجلدمها احلد‪.‬‬
‫مث زوجها‪ ،‬وغرهبما سنة‪.‬‬
‫فالزان ال حيرم الزواج منها‪.‬‬
‫والزواج هبا ال يسقط احلد عنهما عند األئمة األربعة‪ ،‬ومل خيالف يف هذا املوضوع إال اإلمام أبو يوسف‬
‫تلميذ أيب حنيفة فقال‪ :‬إن الزواج هبا يسقط احلده‪.‬‬
‫ألن املرأة تصري مملوكة له ابلنكاح يف حق االستمتاع‪.‬‬
‫فحصل االستيفاءُ من حمل مملوك له‪.‬‬
‫فيصري الزواج شبهة‪.‬‬
‫واحلدود تدفع ابلشبهات (بدائع الصنائع جـ ‪ 7‬ص ‪. )62‬‬
‫ولعله قاس ذلك على السارق إذا اشرتى الشيء الذي سرقه‬

‫(‪)121/1‬‬

‫قبل احلكم عليه بقطع يده‪.‬‬


‫ال تقطع يده لشبهة امللكية الطارئة‪.‬‬
‫عالء‪ :‬لكن رأيه خيالف رأي األئمة األربعة رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اختالف األئمة يف احلكم يسقط احلد‪.‬‬
‫وأسوق لك مثاالً‪.‬‬
‫(زواج املتعة) ‪ -‬مثالً ابطل عند األئمة األربعة‪.‬‬
‫ومع ذلك لو عقد على امرأة (بزواج املتعة) مث دخل هبا يعترب العقد شبهة تسقط احلد عند أئمة‬
‫السنة‪.‬‬
‫ألن الشيعة قالوا بصحته‪.‬‬
‫فيعترب قوهلم شبهة تُؤثر يف إسقاط احلد من ابب أ ّن كل شبهة تُفسر لصاحل املتهم‪.‬‬
‫وعلى هذا فيمكن أن يسقط احلد عن الزاين الذي تزوج مبن زىن هبا‪.‬‬
‫بناء على قول أيب يوسف‪.‬‬
‫ً‬
‫أما عقوبة اآلخرة فالتوبة تُكفرها‪.‬‬
‫اي عالءُ اي ولدي‬

‫(‪)122/1‬‬

‫إن عقوبة الزان عقوبة صارمة‪.‬‬


‫وكثرياً ما ميتد شؤمها إىل أُسرة املرأة فيتخفض رؤوسهم‪.‬‬
‫والناس غالباً حيكمون ابلزان على الشخص مبجرد الظن والوهم‪.‬‬
‫بدون َتقق‪.‬‬
‫من أجل ذلك شدد اإلسالم يف غثبات هذا احلد‪.‬‬
‫وحاول العلماء دفع العقوبة مبجرد توافر أي شبهة‪.‬‬
‫حىت تسلم أعراض الناس وتقرب اجلرائم األخالقية يف مكاهنا‪.‬‬
‫عالء‪ :‬جزاك هللا خرياً‪.‬‬
‫ولكن ما زواج املتعة؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬زواج املتعة هو الزواج املؤقت‪.‬‬
‫يدفع هلا مبلغاً من املال على أن يتمتع هبا مدة حمددة من الزمن‪ ،‬كأُسبوع أو شهر‪.‬‬
‫وينتهي العقد ابنتهاء املدة‪.‬‬
‫وهو زواج ابطل عند األئمة األربعة‪.‬‬
‫ملا رواه النسائي ومسلم وأبو داود وابن ماجة‪ :‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حرم املتعة ابلنساء‬
‫يف حجة الوداع‪.‬‬

‫(‪)123/1‬‬
‫وحكى صاحب كتاب "معامل السنن" أن َتريكه موضع إمجاع األُمة إال شيئاً ذهب إليه بعض‬
‫الروافض‪ ،‬ومع ذلك فمن متتع ابمرأة يسقط عنه احلد لشبهة العقد‪.‬‬
‫وأل ّن الشيعة اعتربته نوعاً من الزواج املباح‪.‬‬
‫عالء‪ :‬يبدو يل من حديثكم أن إثبات احلد ابلشهود أمر صعب جداً‪.‬‬
‫ليس يف عدد الشهود فحسب‪.‬‬
‫ولكن يف حماولة إقناع القضاء بصدق شهادهتم وحماولة دفع الشبهات اليت تثار حول الثبوت خصوصاً‬
‫إذا مل يفضحها احلمل‪.‬‬
‫عارف‪ :‬وهل احلمل لغري املتزوجة يغين عن التقاضي؟‬
‫عالء‪ :‬وهل حيتاج النهار إىل دليل؟‬
‫عارف‪ :‬ليس كل النزر هنار‪.‬‬
‫قد حيدث احلمل وال يقام عليها احلد‪.‬‬

‫(‪)124/1‬‬

‫عالء‪ :‬وأي شبهة بعد احلمل؟‪.‬‬


‫عارف‪ :‬قد تكون أُكرهت على الزان‪.‬‬
‫يقول اإلمام البخاري‪ :‬إذا أُكرهت املرأة على الزان فال حد عليها‪.‬‬
‫عالء‪ :‬هذا جمرد عنوان يف صحيح البخاري‪.‬‬
‫وليس من كالم النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫عارف‪ :‬العلماءُ يقولون‪ :‬فقه البخاري يف عناوينه‪.‬‬
‫وروي أن عبداً من عبيد أمري املؤمنني عمر وقع على وليدة من سىب املسلمني فاستكرها حىت‬
‫افتضها‪.‬‬
‫فجلده عمر احلد‪.‬‬
‫وغربه ‪ -‬اي نفاه ‪ -‬ومل جيلدها‪ ،‬من أجل أهنا استكرهت "البخاري" وحدث يف عهده أيضاً ‪ -‬رضي‬
‫ت له امرأة بتهمة الزان‪.‬‬
‫هللا عنه ‪ -‬قُ ّد َم ْ‬
‫فقالت‪ :‬طلبت من أحد الرعاة أن يسقين يف الصحراء فأىب إال أن‬

‫(‪)125/1‬‬
‫أمكنه من نفسي‪.‬‬
‫فأفىت علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أبهنا مكرهة‪.‬‬
‫فدفع هلا عمر مساعدة وخال سبيلها‪.‬‬
‫"نيل األوطار للشوكاين"‪.‬‬
‫عالء‪ :‬حىت مع احلمل ‪...‬‬
‫البد من التقاضي!!‬
‫عارف‪ :‬ذكر ابن قدامة يف كتابه املغين‪ :‬لو ْحلت امرأة ال زوج هلا مل يلزمها احلد حىت تعرتف‪ ،‬أو يقوم‬
‫على زانها شهود‪.‬‬
‫فلعلها أُكرهت‪ ،‬أو ْحلت من زواج فيه شبهة‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬وقد َتمل الفتاة البكر نتيجة انتقال ِ‬
‫ماء الرجل إليها (املغين جـ ‪ 8‬ص ‪. )200‬‬
‫عالء‪ :‬كل هذا علماءُ املسلمني قبل العلم احلديث!! إنه على حق‪.‬‬
‫فلعلها لبست مالبس الرجل الداخلية امللوثة بنطفته‪ ،‬فانتقلت إليها احليواانت املنوية‪.‬‬
‫عارف‪ :‬رفعت امرأة إىل عمر بن اخلطاب وهي حامل‪.‬‬

‫(‪)126/1‬‬

‫وال زوج هلا‪..‬‬


‫علي رجل وأان انئمة‪ ،‬فما قمت‬
‫فقالت‪ :‬وهللا اي أمري املؤمنني إين امرأة ثقيلة الرأس يعين النوم ‪ -‬ووقع ّ‬
‫حىت فرغ‪.‬‬
‫مل يُقم عليها احلد‪.‬‬
‫ألن النائم ال يُسأل عما جىن‪.‬‬
‫عالء‪... :‬‬
‫إن هللا حيكم عباده ‪ -‬كما قلت لك ‪ -‬من داخلهم‪.‬‬
‫وقرب اجلرائم األخالقية يف مكاهنا خري من إشاعتها‪.‬‬
‫عالء‪ :‬اهلروب من عقوبة الدنيا أمر سهل‪.‬‬
‫س َوالْ َق َم ُر (‪)9‬‬ ‫ف الْ َقمر (‪ )8‬و ُِ‬
‫مج َع ال ه‬ ‫ولكن كيف الفرار من هللا؟ {فَِإ َذا بَ ِر َق الْبَ َ‬
‫ش ْم ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ َُ‬ ‫ص ُر (‪َ )7‬و َخ َ‬
‫ك يَـ ْوَمئِ ٍذ ال ُْم ْستَـ َق ُّر (‪ )12‬يُـنَـبهأُ‬
‫سا ُن يَـ ْوَمئِ ٍذ أَيْ َن ال َْم َف ُّر (‪َ )10‬ك هال َال َوَزَر (‪ )11‬إِ َىل َربِّ َ‬ ‫ول ِْ‬
‫اإلنْ َ‬ ‫يَـ ُق ُ‬
‫ٍِ‬
‫هر} القيامة [‪. ]13 - 7‬‬ ‫هم َوأَخ َ‬ ‫سا ُن يَـ ْوَمئذ ِمبَا قَد َ‬ ‫ِْ‬
‫اإلنْ َ‬
‫عارف‪ :‬امسح يل اي عالءُ أن أَسأَلك‪.‬‬
‫هل حاول أحد الشباب أن يطلب يد خطيبتك قبلك‪ ،‬مث رفضته‬

‫(‪)127/1‬‬

‫األُسرة‪.‬‬
‫وآثرتك عليه؟ "يفكر عالء مث يقول‪ :‬صاحب "الكوافري" رفضته األُسرة ‪ -‬مع ثرائه ‪ -‬ألنه يُ ْد ِمن‬
‫اخلمر‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اآلن سأدلك على مفتاح القضية‪.‬‬
‫(الكوافري) ‪ -‬ترتدد عليه نساءُ ًٌ كثريات حيقدن على خطيبتك لدينها وحجاهبا‪.‬‬
‫وصاحب (الكوافري) خيشى من انتشار احلجاب اإلسالمي أل هن ذلك يُقلل من زابئنه‪.‬‬
‫فضالً عن رفض األُسرة وإيثارك عليه‪.‬‬
‫ففي تصوري أن هذه الفتنة نبتت يف "الكوافري" وروجتها احلاقدات على خطيبتك‪.‬‬
‫عالء‪ :‬والعالج اي شيخ عارف؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬سأعرض خطة تكشف لك عن احلقيقة إن شاء هللا عندما تراه يف الليل يتأرجح من سكره‪،‬‬
‫حاول استدراجه بلطف إىل النادي‪.‬‬
‫وحدثه أنّك‬

‫(‪)128/1‬‬

‫تركت خطيبتك‪.‬‬
‫وأنك تشكره على كشفه ملا غاب عنك‪.‬‬
‫وساعتها سوف ينطق عقله الباطن بكل خواطره الدفينة‪.‬‬
‫ويتجلى احلق أمام الشباب يف النادي‪.‬‬
‫فَ ُم ْد ِم َن اخلمر ال يقوى على سرت ِّ‬
‫سره‪ ،‬وساعتها سوف تعرف أنك شريك يف اخلطأ‪ ،‬عندما صدقت‬
‫األوهام‪.‬‬
‫ك ُمبِ ٌ‬
‫ريا َوقَالُوا َه َذا إِفْ ٌ‬ ‫والقرآن يقول {لَوَال إِ ْذ َِمسعتُموهُ ظَ هن الْم ْؤِمنُو َن والْم ْؤِمنَ ُ ِ ِ‬
‫ني}‬ ‫ات أبَنْـ ُفس ِه ْم َخ ْ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫[النور ‪. ]12‬‬
‫كما سوف يسمع الشباب من لسانه أنه نسج خيوط العنكبوت‪.‬‬
‫اي عالءُ اي ولدي‪..‬‬
‫إنه م ِ‬
‫دم َن اخلمر ال س هر له‪.‬‬ ‫ُ‬

‫(‪)129/1‬‬

‫اللقاء اخلامس‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* الثوب صدقه عليه اي رسول هللا‪.‬‬
‫* التكافل أوالً‪.‬‬
‫* السفينة قرارترنىت اصدق داللة‪.‬‬
‫* بني العقاد وابن األزرق‪.‬‬
‫* يد عاملة‪.‬‬
‫ويد عاطلة‪.‬‬
‫ويد عاجزة‪.‬‬
‫ويد عابثة‪.‬‬
‫* رقبة مانع الزكاة‪ ،‬قبل يد السارق‪.‬‬
‫* حروب الردة ملاذا؟‬

‫(‪)130/1‬‬

‫عجر املهندس نبيل عن إمتام بيت الشيخ يف املوعد احملدد‪ ،‬وجاءه يعتذر عن هذا التأخري‪ ،‬معلالً ذلك‬
‫بقلة األيدي العاملة وتفضل الشيخ بقبول االعتذار‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬نعاين كثرياً من نقصان األيدي العاملة اي شيخ عارف لالجتاه اجلماعي للتعليم‪ ،‬وسفر الفنيني‬
‫للبالد العربية الشقيقة‪ ،‬وتكاسل بعض العمال عن العمل‪ ،‬جملرد أن هللا يسر له الرزق‪ ،‬كل هذا أوقعنا‬
‫يف حرج‪.‬‬
‫"وابتسم نبيل وقال"‪ :‬أان على ثقة أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لو كان بيننا اآلن حياً ألوقف‬
‫(قطع يد السارق) ليوفر األيدي العاملة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اإلسالم ال يقطع اليد العاملة اي نبيل‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬إذا سرقت يقطعها‪.‬‬

‫(‪)131/1‬‬

‫عارف‪ :‬وملاذا تسرق؟‬


‫نبيل‪ :‬متطلبات احلباة ال هناية هلا‪.‬‬
‫والنفس ال تشبع‪ ،‬وأنت تعرف لوازم األوالد‪ ،‬والبحث عن املظاهر‪.‬‬
‫وغري ذلك من األسباب رمبا يدفع صاحب اليد العاملة إىل السرقة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬رمبا تقصد السهرات‪ ،‬ولوازم العشيقات‪ ،‬وحماولة إشباع غريزة مجع املال بدون تعب‪ ،‬والرغبة‬
‫يف االستخفاف ابجملتمع وأمنه‪.‬‬
‫هذه هي األسباب احلقيقة للسرقة‪ .‬اي نبيل‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬األسباب اليت تكرمت بذكرها صحيحة‪.‬‬
‫ولكن هذا ال مينع وقوع السرقة من أجل إطعام األوالد‪ ،‬أو عالج مريض‪ ،‬أو سد ضرورة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي أُستاذ نبيل‪ :‬اإلسالم أخذ يف اعتباره الظروف العامة للمجتمع‪ ،‬والظروف اخلاصة ابلسارق‪.‬‬

‫(‪)132/1‬‬

‫ففي أعوام اجملاعة يوقف اإلسالم قطع اليد‪.‬‬


‫ويف الفنت العامة‪ ،‬واحلروب الداخلية‪ ،‬يوقف اإلسالم القصاص بني املتقاتلني‪ ،‬سعياً للصلح بني‬
‫الطائفتني املتنازعتني‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬هذا صحيح ابلنسبة للظروف العامة‪ ،‬وموقف كرمي من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أما ظروف السارق‬
‫اخلاصة‪ ،‬فال أظن أن الشريعة تُوقف احلد من أجل ُح هجة يسوقها السارق‪.‬‬
‫يتنصل هبا من جرميته‪.‬‬
‫عارف‪ :‬الشريعة أعظم وأرحم‪ ،‬مما تتصور اي نبيل‪ ،‬فاهلل سبحانه ‪ -‬أرحم بعباده من أُمهاهتم‪.‬‬
‫لقد فسرت الشريعة اإلسالمية كل شبهة لصاحل املتهم‪ ،‬وجعلت احلدود ترفع ابلشبهات‪ ،‬وجعلت‬
‫خطأ القاضي قي براءة املتهم‪ ،‬خري من خطئه يف قطع يده‪.‬‬
‫وجعل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬للمجتمع احلق يف‬

‫(‪)133/1‬‬

‫عالج هذه القضااي قبل أن يرفعها للقضاء‪.‬‬


‫أما إذا رفع األمر للقضاء‪.‬‬
‫فال شفاعة يف حد من حدود هللا‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬أان أعرف أ ّن أُسامة بن زيد ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬عندما أراد أن يفع المرأة سرقت‪ ،‬غضب‬
‫النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وقال‪ :‬وهللا لو سرقت فاطمة بنت حممد لقطعت يدها‪.‬‬
‫فاإلسالم ال يقبل الشفاعة يف احلدود فكيف يعاجل اجملتمع القضية اي شيخ عارف؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬قلت لك اي سيد نبيل‪ :‬إن اجملتمع إذا رأى أ هن السارق انشئ‪ ،‬وميكن إصالحه‪ ،‬وتوجيهه إىل‬
‫عمل مثمر‪ ،‬فيمكنه أن يذهب إىل صاحب املال (املسروق) ويعوضه‪ ،‬ويطلب منه عدم رفع القضية‬
‫للقضاء‪ ،‬واإلسالم ال ُحيرم هذا العمل‪ ،‬فمن سرت مسلماً سرته هللا يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن عفا‪ ،‬عفا‬
‫هللا عنه‪.‬‬

‫(‪)134/1‬‬

‫وهذا العمل ال يُضيع احلق على صاحب املال‪ ،‬ويُعطي السارق فرصة للتوبة‪ ،‬أما إذا وصل األمر إىل‬
‫القضاء‪ ،‬فال شفاعة يف ح ّد من حدود هللا‪.‬‬
‫جاء يف موطأ اإلمام مالك‪ :‬أ ّن صفوان بن أُمية عندما ُس ِرق ثوبه وأمر النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫بقطع يد السارق‪.‬‬
‫قال صفوان إين مل أُرد هذا اي رسول هللا‪.‬‬
‫هو عليه صدقة‪.‬‬
‫فقال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬فهال قبل أن أتتين) ؟ ومعىن هذا أن صاحب احلق إذا تنازل‬
‫قبل أن يرفع األمر للقضاء‪ ،‬فال حماكمة وال قطع‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬رمبا ال يقبل صاحب املال أن يتنازل‪.‬‬
‫لشدةّ غضبه‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ميكن للسارق أن يشرتي منه الشيء املسروق‪ ،‬ولو أبضعاف مثنه حىت يُنقذ يده‪.‬‬
‫وميكن للمجتمع أن يتدخل يف حل املشكلة ‪ -‬قبل رفعها للقضاء ‪.-‬‬

‫(‪)135/1‬‬

‫ويشرتي الشيء املسروق من صاحبه‪ ،‬وبذلك تنتهي املشكلة‪.‬‬


‫كل هذه أمور شرعها اإلسالم‪ ،‬حىت يعطي للسارق الفرصة يف استئناف حياة كرمية شريفة‪.‬‬
‫بشرط عدم رفع األمر للقضاء‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬هذا الكالم أمسعه ألول مرة‪.‬‬
‫الذي مسعناه يف أوراب ‪ -‬وأان أدرس اهلندسة هناك ‪ -‬غري هذا بكثري‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أرجو أن أتخذ احلق من أهله‪ ،‬وأن تفكر بعقلك املستقل‪.‬‬
‫فالغرب الذي يئن اآلن‪ ،‬ويتباكى على لص قُطعت يده‪.‬‬
‫(هذا الغرب) ال يتحرك وجدانه على آالف األبرايء الذين يتعرضون للموت اجلماعي ابلقنابل النووية‪،‬‬
‫واألسلحة احلديثة‪.‬‬
‫وال يتأمل آلالف األشخاص الذين يُقتلون بسبب خمالفة سياسية‪ ،‬أو‬

‫(‪)136/1‬‬

‫اختالف يف الرأي‪.‬‬
‫اي نبيل‪ :‬أحضر جملة (الوطن العريب) العدد ‪ 211‬لعام ‪ ،1981‬واقرأ خرب السفينة قراترنىت اليت َتمل‬
‫‪ 182‬طن من (نفاايت املواد النووية) القاتلة‪ ،‬اجمللة أمامك اي نبيل‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬ما شأن هذه السفينة؟‬
‫عارف‪ :‬لقد حاول الغرب أن يتخلص من هذه النفاايت املشعة فأرسلها إىل ابكستان‪ ،‬ومنها إىل‬
‫الشارقة‪ ،‬ورأس اخليمة مث عادت إىل الشارقة يف ‪ 1982 - 2 - 2‬وهناك افتعل طاقم الباخرة حريقاً‬
‫فيها‪ ،‬فأحرقوا املستندات وأجهزة احلركة ‪ -‬حىت يصبح حكام الشارقة أمام األمر الواقع‪ ،‬فيقبلوا دفن‬
‫هذه "النفاايت النووية" يف مياهم‪ ،‬أو صحرائهم‪.‬‬
‫وأنت تعرف خطورة هذه النفاايت على سكان‬

‫(‪)137/1‬‬

‫املنطقة‪.‬‬
‫وبعد ذلك ف هر طاقم الباخرة‪ ،‬وتركوها‪.‬‬
‫وأَسأَلك اي سيد نبيل‪ :‬ملاذا حاول الغرب إحراق السفينة‪ ،‬ودفن ما فيها من مواد قاتلة‪ ،‬يف ابكستان‪،‬‬
‫أو البالد العربية ابلذات؟!‬
‫نبيل‪ :‬أل هن سكان هذه البالد مسلمون‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي نبيل‪ :‬إن الغرب ‪ -‬الذي يتباكى ‪ -‬بكاء التمساح على قطع يد السارق‪ ،‬مل يكلف نفسه‬
‫أن ينشر خرب هذه السفينة املشئومة‪ ،‬يف أي جهة من جهات اإلعالم الغريب‪ ،‬كأن هذا اخلرب ال‬
‫يستحق أن ينشر‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬جهلنا ابلشريعة السمحة‪ ،‬جعلنا نصدق كل ما قاله الغرب من حقائق وأكاذيب‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أقول لك كلمة واحدة اي سيد نبيل‪ :‬إن هللا شرع قطع السارق لئال يُـنَـ هف َذ‪" :‬يضحك نبيل‬
‫ويقول"‬

‫(‪)138/1‬‬

‫نبيل‪ :‬فلماذا شرعه هللا اي شيخ عارف؟!‬


‫عارف‪ :‬عندما يعلم السارق أن يده ‪ -‬اليت يعمل هبا‪ ،‬واليت يسرق هبا أيضاً ‪ -‬ستقطع‪ ،‬فإن ذلك‬
‫سيمنعه من السرقة‪.‬‬
‫فإذا امتنع عن السرقة‪ ،‬سلمت يده‪.‬‬
‫وبذلك فال قطع‪ ،‬وال سرقة‪.‬‬
‫إن هللا شرع قدع اليد زجراً‪ ،‬وتطبيقه مينع من تنفيذه‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬هذا الكالم مقبول جداً من الناحية النظرية‪.‬‬
‫ولكن الواقع أن السرقة حدثت ابلفعل‪ٍ ،‬‬
‫وأايد كثرية قُطعت‪.‬‬
‫عارف‪ :‬وقعت سرقات ‪...‬‬
‫هذا صحيح‪.‬‬
‫ولكن عدد األيدي اليت قطعت يف أربعني سنة‪ ،‬تكاد تُعد على األصابع‪ ،‬يف عهد النيب ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬وأيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي رضى هللا عنهم أل هن قطع اليد‬

‫(‪)139/1‬‬

‫شرع يف جمتمع إسالمي‪ ،‬له خصائصه يف التكافل االجتماعي‪ ،‬واإليثار‪ ،‬ومل تشرع يف جمتمع ‪-‬‬
‫كمجتمع أوراب ‪ -‬الذي ال يتحمل األب نفقات ابنته إذا بلغت سناً ُمعيناً‪.‬‬
‫ومن حق جمتمع ساد فيه التكافل االجتماعي‪ ،‬وفرضت فيه الزكاة‪ ،‬وترىب أبناؤه على ُخلق اإليثار من‬
‫وخيل أبمنه‪.‬‬
‫حق هذا اجملتمع أن يستأصل العضو الشاذ الذي يتيقن أن بقاءه يفسد صفاء اجملتمع ‪ّ -‬‬
‫فأي لوم على الطبيب إذا استأصل رئة مريضه‪ ،‬أو أي عضو آخر أتكد أ ّن بقاءه ‪ -‬سيصيب اجلسد‬
‫ابلسرطان‪.‬‬
‫اي نبيل ‪...‬‬
‫البد من عنصر القوة حىت حيدث الرتابط االجتماعي‪ ،‬فالنفوس شاردة وراء َتقيق مطامعها‪ ،‬والبد من‬
‫قوة جتمعها وتربط بينها‪.‬‬
‫وأن ال يقل دور القوة عن دور الرْحة والعدل‪ ،‬يف صيانة اجملتمع‪.‬‬

‫(‪)140/1‬‬

‫قم اي نبيل وأحضر كتاب "بدائع السلك يف طبائع املُلك البن األزرق‪.‬‬
‫فأان ال أقوى على الوقوف بسهولة‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬أي جزء اي شيخ عارف؟‪.‬‬
‫اجلزء األَول وافتح ص ‪.51‬‬
‫عارف‪ُ :‬‬
‫فقد كتب ابن األزرق حبثاً فيما حلل فيه النفس اإلنسانية َتليالً رائعاً‪ ،‬وتكلم عن وجوب الوازع‬
‫القانوين أي الرادع القانوين للمنحرفني‪ ،‬وذلك حىت تسلم قوة الرتابط االجتماعي من خطر اجلذب‬
‫املضاد‪.‬‬
‫إن الرادع القانوين ‪ -‬يف تصور ابن األزرق ‪ -‬هو سر ِ‬
‫بقاء العمران‪ ،‬وسالمة الناس‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اقرأ اي أستاذ نبيل‪" :‬يقرأُ قول ابن األزرق" إن الظلم واقع يف نفوس الناس ابلطبع‪.‬‬
‫إال أن يصد عنه وازع‪.‬‬

‫(‪)141/1‬‬

‫ألن كل إنسان يريد لنفسه ما ميكن أن متتد إليه يده ومن هنا نشأ التضارب والنزاع بني إرادات‬
‫األفراد وأهوائهم‪ ،‬مما ميكن أن يتخذ شكل املقابلة الدموية‪ ،‬ويهدد النوع اإلنساين ابالنقراض "مث يغلق‬
‫الكتاب"‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬هذه نظرية قدمية‪.‬‬
‫والنظرايت القانونية اآلن أخذت يف اعتبارها قضااي كثرية‪.‬‬
‫عارف‪ :‬إذا كان ابن األزرق من الفالسفة السياسيني القدماء‪ ،‬فإن عباس حممود العقاد ‪ -‬عامل معاصر‬
‫‪ -‬مجع بني ثقافة شرقية واسعة‪ ،‬وثقافة غربية‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬فقد وجدوا يف مكتبته اثنني وعشرين ألف جملد‪ ،‬علق على أكثرها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬قال ‪ -‬رْحه هللا ‪ :-‬من املبادئ املتفق عليها يف عصران أن اجلرمية فساد يف نفس اجملرم‪ ،‬وأن‬
‫العقوبة‬

‫(‪)142/1‬‬

‫إصالح له‪ ،‬أو وقاية للمجتمع من فساده‪.‬‬


‫وأن مصلحة اجلماعة مقدمة على مصلحة الفرد‪.‬‬
‫ولكن ال نغفل مصلحة اآلخرين (الفلسفة القرآنية ص ‪. )103‬‬
‫نبيل‪ :‬آمنت ابهلل وبشريعته‪.‬‬
‫إن حديثي كان من وحي مشكلة األيدي العاملة‪.‬‬
‫ما تعانيه من نقصها فقط‪ ،‬ولكنين أؤمن بعدالة شرع هللا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬مشكلة توفري األيدي العاملة‪ ،‬ال حيلها اللصوص‪.‬‬
‫لقد وضع اإلسالم هلا حالً متكامالً‪ ،‬أحب أن تعرف شيئاً عنه‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬إذا تكرمت اي شيخ عارف‪ ،‬فهذه الليلة فرصة‪.‬‬
‫(يدخل هشام ويطلب من الضيف ومن الوالد أن حيضر مأدبة العشاء‪ ،‬وبعد العشاء متم الشيخ‬
‫احلديث) ‪.‬‬

‫(‪)143/1‬‬

‫عارف‪ :‬اإلسالم يهتم ابإلنسان‪ ،‬ويكرمه مهماً كان دينه‪.‬‬


‫واليد هي العضو املنتج يف اإلنسان‪.‬‬
‫لذلك جعل اإلسالم االعتداء عليها اعتداء على اجملتمع‪ ،‬فمن قطع يد أخيه ظلماً قطع اإلسالم يده‬
‫قصاصاً‪ ،‬ومن قطعها خطأ‪ ،‬دفع نصف الدية اليت يدفعها القاتل خطأ‪ ،‬فاليد يف اإلسالم ُمصانة‬
‫وحمرتمة‪ ،‬ألهنا أداة اإلنتاج‪ ،‬ولكم اليد يف نظر اإلسالم أربعة أنواع‪.‬‬
‫‪ -‬يد عاملة‪.‬‬
‫‪ -‬يد عاطلة‪.‬‬
‫‪ -‬يد عاجزة‪.‬‬
‫‪ -‬يد عابثة‪.‬‬
‫وكل نوع من هذه األنواع تنظر إليه الشريعة نظرة خاصة‪.‬‬

‫(‪)144/1‬‬

‫اليد العاملة‪:‬‬
‫يكرمها اإلسالم‪ ،‬ويعترب عملها شرفاً‪ ،‬وكفارة للذنوب‪.‬‬
‫ربوٍر"‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َي الْ َك ْس ِ‬ ‫ول هِ‬ ‫ِ‬
‫ال َع َم ُل ال هر ُج ِل بيَده َوُك ُّل بَـ ْي ٍع َم ْ ُ‬ ‫ب أَطْيَ ُ‬
‫ب قَ َ‬ ‫اَّلل أ ُّ‬ ‫يل َاي َر ُس َ‬
‫ق َ‬
‫(رواه أْحد‪ )16628 .‬وهي امتداد أليدي األنبياء‪.‬‬
‫فكل نيب بعثه هللا كان يكل من عمل يده‪.‬‬
‫حىت نيب هللا داود ‪ -‬الذي آاته هللا امللك والنبوة ‪ -‬كان يكل من عمل يده‪.‬‬
‫ض ًال َاي ِجبَ ُ‬
‫ال أ َِّوِيب َم َعهُ‬ ‫ود ِمنها فَ ْ‬
‫{ولََق ْد آتَـ ْيـنَا َد ُاو َ‬
‫فكان يعمل حداداً يصنع الدروع احلربية قال تعاىل َ‬
‫ِ‬ ‫سرِد وا ْعملُوا ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاحلًا إِِّين ِمبَا تَـ ْع َملُو َن بَص ٌ‬
‫ري}‬ ‫ري َوأَلَنها لَهُ ا ْحلَدي َد (‪ )10‬أَن ا ْع َم ْل َسابِغَات َوقَ ّد ْر ِيف ال ه ْ َ َ َ‬ ‫ه‬
‫َوالط ْ َ‬
‫[سبأ ‪. ]11‬‬
‫اي أستاذ نبيل‪ :‬إن اليد العاملة َتقق سبب اخلالفة يف األرض‪ ،‬هذا الشرف الذي متنته املالئكة يوم‬
‫سجودها آلدم‪.‬‬
‫وقد عمل‬

‫(‪)145/1‬‬

‫اإلسالم على تكرميها ومكافأهتا ليضمن بقاءها منتجة‪.‬‬


‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪:-‬‬
‫ري أَ ْج َرهُ قَـ ْب َل أَ ْن َِجي ه‬ ‫ِ‬
‫ف َع َرقُهُ"‪.‬‬ ‫"أَ ْعطُوا ْاألَج َ‬
‫(رواه ابن ماجة‪)2434 .‬‬
‫وضمن اإلسالم صيانة حقها من الضياع‪،‬‬
‫فمن الثالثة الذين ال ينظر هللا إليهم يوم القيامة وال يزكيهم‪،‬‬
‫آكل حق اآلجري‪.‬‬
‫ض َي ه‬
‫اَّللُ َع ْنهُ‬ ‫َعن أَِيب ُهريْـرةَ ر ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ‬
‫ص ُم ُه ْم يَـ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة َر ُج ٌل أَ ْعطَى ِيب مثُه غَ َد َر‬ ‫ال ه‬
‫اَّللُ ثََالثَةٌ أ ََان َخ ْ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬
‫ال قَ َ‬ ‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫َع ْن النِ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَأ ِ‬
‫َج َرهُ"‪.‬‬‫استَـ ْو ََف م ْنهُ َوَملْ يُـ ْعط أ ْ‬‫ريا فَ ْ‬‫ْج َر أَج ً‬‫ع ُح ارا فَأَ َك َل َمثَنَهُ َوَر ُج ٌل ْ َ‬ ‫َوَر ُج ٌل َاب َ‬
‫(رواه البخاري‪)2075 .‬‬
‫مغفورا له"‪.‬‬
‫ً‬ ‫كاال ِمن عمل يديه أمسى‬ ‫"من أمسى ا‬
‫رواه الطرباين يف األوسط‪. )7733 .‬‬
‫هذه هي اليد العاملة ‪ -‬اي أُستاذ نبيل ‪ -‬واليت جئت جتادل عنها‪.‬‬
‫اليد العاطلة‪:‬‬
‫مع قدرة بعض الناس على العمل فإهنم يتكاسلون وأسباب ترك العمل ‪ -‬مهما كانت ‪ -‬يكرهها‬

‫(‪)146/1‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬حىت ولو كان ترك العمل من أجل العبادة‪.‬‬
‫فقد أفىت فقهاءُ املسلمني‪ :‬أبن من أصابه الفقر بسبب التفرغ للعبادة مع القدرة على العمل ال يعطي‬
‫من مال الزكاة‪.‬‬
‫أما من أصابه الفقر بسبب تفرغه لطلب العلم فيعطى من مال الزكاة ما يسد حاجته‪.‬‬
‫ألن دراسته تنفع اجلميع ومساعدته مادايً تدفعه إىل التعمق العلمي‪.‬‬
‫خبالف من يتفرغ للعبادة‪ ،‬فعبادته لنفسه‪.‬‬
‫وأسباب البطالة متعددة‪.‬‬
‫وقد حاول اإلسالم عالج كل سبب‪.‬‬
‫فمن الناس من يرتفع عن العمل بدعوى (عراقة األُسرة) اليت احندر منها‪ ،‬وهؤالء ضرب النيب ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هلم املثل األعلى بعمله بيده‪ ،‬وعمل الراشدين من بعده‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬كالمك هذا يذ ّكرين بقول أيب العتاهية‪:‬‬

‫(‪)147/1‬‬

‫إمنا يعرف الفضل من الناس ذووه ‪ ...‬لو رأى الناس نبياً عاطالً ما وصلوه‬
‫عارف‪ :‬أجل اي نبيل‪ :‬لو رأى الناس نبياً عاطالً ما وصلوه‪.‬‬
‫فرتك العمل‪ ،‬بدعوى شرف األُسرة‪ ،‬لون من البطالة السقيمة‪.‬‬
‫ومن الناس من يرتك العمل زهداً يف الدنيا‪.‬‬
‫وهؤالء أَخطأُوا فهم اإلسالم‪.‬‬
‫فاملسلم جيب أن يعمل من أجل قوته وقوت أهله‪ ،‬وألن يذر املسلم ورثته أغنياء خري من أن يذرهم‬
‫فقراء عالة يتكففون الناس‪.‬‬
‫والزهد اي سيد نبيل‪ :‬أن تكون الدنيا يف أيدينا‪ ،‬ال يف قلوبنا‪.‬‬
‫ومن يدع اهلروب من فساد اجملتمعات ال يستحق احلياة‪ ،‬أل هن املسلم يعمل على حل مشاكل جمتمعه‪،‬‬
‫ال على اهلروب منها‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬بعض الشباب لديه القدرة على العمل‪ ،‬ولكنه‬
‫(‪)148/1‬‬

‫حيتاج إىل مال كثري ليحقق أهدافه‪.‬‬


‫من أجل ذلك نراه عاطالً‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اإلسالم وسع هذا الصنف من الشباب وأوجد حالً ملشكلته‪ ،‬عندما شرع أنواعاً من‬
‫الشركات يساهم فيها صاحب رأس املال ٍ‬
‫جبزء من ماله‪ ،‬ويساهك فيها صاحب اخلربة خبربته وعمله‪،‬‬
‫واألرابح تقسم بينهما‪.‬‬
‫وهذا النوع من الشركات أطلق عليه العلماءُ اسم املضاربة‪.‬‬
‫ألن أحدمها يضرب يف األرض ابتغاء فضل هللا‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬وهذا النوع من الكسب حالل ال شبهة فيه؟‬
‫عارف‪ :‬لقد عمل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف مال السيدة خدجية ‪ -‬قبل البعثة ‪ -‬على هذا‬
‫أقر هذا النظام من التعامل‪.‬‬
‫النحو ‪ -‬وبعد البعثة ّ‬
‫فالعامل جيد فرصة لتنمية مواهبه‪ ،‬وصاحب املال يستثمر ماله‪.‬‬
‫وهذا النظام‬

‫(‪)149/1‬‬

‫قد فتح أبواب احلياة أمام كثري من أبناء األمة الذين ختصصوا يف الزراعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬ولكنهم مل جيدوا‬
‫من املال ما يربزون به مواهبهم (التكافل االجتماعي يف السنة) ‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬أرجو أال أكون خرجت من موضوع قطع اليد الذي بدأان به احلديث‪.‬‬
‫عارف‪ :‬إن حديثنا عن قطع اليد يُلزمنا ابحلديث عن اجملتمع الذي ُشرع فيه قطع اليد‪ ،‬وطبيعة‬
‫الشريعة اليت حكمت بقطع يد السارق‪.‬‬
‫ومن انحية أخرى ‪ -‬اي أستاذ نبيل تكره الشريعة اإلسالمية املال اجلامد‪.‬‬
‫ألن سيولة النقد تؤدي حق اجلماعة يف املال‪ ،‬لذلك فرض اإلسالم يف املال اجلامد الزكاة‪ ،‬ليدفع‬
‫صاحبه إىل استثماره حىت ال أتكله الزكاة‪.‬‬
‫اي أستاذ نبيل‪.‬‬
‫يف ظل هذا اجملتمع تعترب السرقة شذوذاً‪.‬‬

‫(‪)150/1‬‬

‫نبيل‪ :‬هناك مشكلة اي شيخ عارف‪.‬‬


‫رمبا ال يقتنع أصحاب األموال بنظام الشركة‪ ،‬لريحيوا أنفسهم من املراجعات‪ ،‬وااللتزامات التجارية‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ويف هذه احلالة أيضاً شرع اإلسالم نظام القرض احلسن‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬وماذا يستفيد صاحب املال من القرض احلسن؟‬
‫عارف‪ :‬املسلم حيرص على أجر اآلخرة أكثر من حرصه على تنمية ماله يف الدنيا‪ ،‬وقد قرر اإلسالم‬
‫أن القرض احلسن يعدل على أجر اآلخرة‪ ،‬أو يزيد عليها‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬رأيت ليلة أن أُسرى يب على ابب اجلنة مكتوابً‪ :‬الصدقة بعشر أمثاهلا‬
‫والقرض بثمانية عشر‪.‬‬
‫فقلت اي أخي اي جربيل‪ :‬ما ابل القرض أفضل من الصدقة؟‬
‫قال‪ :‬أل هن السائل يسأل وعنده ما يغنيه‪ ،‬واملستقرض‬

‫(‪)151/1‬‬

‫ال يستقرض إال من حاجة‪.‬‬


‫حب املسلمني إلقراض إخواهنم‪ ،‬وتفريج كرابهتم‪ ،‬أ ّن رجالً جاء إىل‬
‫(رواه ابن ماجة) وقد بلغ من ّ‬
‫شريح يسأله أن يقرضه بعض املال‪.‬‬
‫ذل‬
‫فقال شريح‪ :‬حاجتك عندان ميسرة‪ ،‬فارجع إىل بيتك‪ ،‬فسيأتيك ما تريد‪ ،‬فإين أخاف أن ميسك ّ‬
‫السؤال (عيون األخبار)‬
‫نبيل‪ :‬ليس كل الناس يكتفي أبجر اآلخرة‪ ،‬فأنت تعرف طباع الناس‪ ،‬اي شيخ عارف‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هللا أعلم بطباع الناس مين ومنك‪ ،‬لذلك شرع اإلسالم ملن يُقرض إخوانه مكافأة مادية جيب‬
‫أن أذكرها لك‪.‬‬
‫قرر الفقهاءُ أن من أقرض أخاه املسلم مبلغاً من املال لعدة سنوات فعليه زكاة سنة واحدة‪ ،‬وهذا رأي‬
‫ّ‬
‫السيدة عائشة وعمر بن عبد العزيز رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫(فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي) ‪.‬‬

‫(‪)152/1‬‬

‫نبيل‪ :‬هذا نظام بديع للقضاء على الراب يف اجملتمع املسلم‪.‬‬


‫عارف‪ :‬أكرمك هللا اي نبيل‪ ،‬وأَسأَلك بعد ذلك هل بقى عذر لليد العاطلة‪.‬‬
‫اليد العاجزة‪:‬‬
‫وهناك يد عاجزة ملرض أو لصغر أو لشيخوخة‪.‬‬
‫قد رعاها اإلسالم وسد حاجتها‪ ،‬مهما كانت عقيدهتا‪.‬‬
‫مر عمر بن اخلطاب ‪ -‬وهو يف طريقه إىل الشام ‪ -‬على بعض النصارى املصابني ابجلذام‪ ،‬فأمر هلم‬
‫براتب من بيت مال املسلمني‪ ،‬ورفع عنهم اجلزية‪.‬‬
‫وأمر ليهودي يتسول لكرب سنه‪ ،‬ما يغنيه عن التسول من بيت مال املسلمني وجاء خامس الراشدين‬
‫عمر بن العزيز ‪ -‬وأرسل إىل عامله ابلبصرة ‪ -‬عدى بن أرطاة ‪ -‬أرسل إليه‪ :‬أُنظر من حولك من‬
‫أهل الذمة‪ ،‬قد‬

‫(‪)153/1‬‬

‫كرب سنّه‪ ،‬وضعفت قوته‪ ،‬وولت عنه املكاسب‪ ،‬فاجعل له راتباً من بيت مال املسلمني‪ ،‬مبقدار ما‬
‫يصلحه‪.‬‬
‫(األموال أليب عبيدة‪ .‬ص ‪. )45‬‬
‫نبيل‪ :‬رضى هللا عن عمر بن عبد العزيز يف قوله‪ :‬مبقدار ما يصلحه‪ ،‬أل هن سد حاجته ال ييت إال هبذه‬
‫العبارة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬واإلسالم اي أُستاذ نبيل يذهب إىل أبعد من هذا يف مساعدة اليد العاجزة‪ ،‬فهو يفرض على‬
‫اجملتمع أن يتاجر يف مال اليتيم‪ ،‬حىت ينميه له‪ ،‬وال أتكله الصدقة والنفقات اليومية‪.‬‬
‫ب عن أَبِ ِيه عن ج ِّدهِ‬
‫َْ َ‬ ‫َع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ُش َع ْي ٍ َ ْ‬
‫رتْكهُ َح هىت‬ ‫ِ ِِ‬ ‫يما لَهُ َم ٌ‬‫ال أ ََال من وِ ِ‬ ‫صلهى ه ِ ه‬ ‫أَ هن النِ ه‬
‫ال فَـ ْليَـتهج ْر فيه َوَال يَ ْ ُ‬ ‫يل يَت ً‬
‫هاس فَـ َق َ َ ْ َ َ‬
‫ب الن َ‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسل َم َخطَ َ‬ ‫هيب َ‬
‫َأتْ ُكلَهُ ال ه‬
‫ص َدقَةُ"‪.‬‬
‫(رواه الرتمذي‪. )580 .‬‬
‫فإذا كان العجز بسبب كرب أو مرض‪ ،‬فإليك ما فعله عمرو بن العاص‪ ،‬كنموذج حلاكم مسلم‬

‫(‪)154/1‬‬

‫فقد وزهع األراضي الزراعية على القادرين على زراعتها‪ ،‬ومن يعجز أو ميوت يتكفل القادرون زرعة‬
‫أرضه له أو لورثته‪.‬‬
‫(الوحدة اإلسالمية ص ‪. )120‬‬
‫فهل بعد هذه الرعاية يتصور العقل أن الغرب هو‬
‫الذي ابتدع نظام التكافل؟!‬
‫اي أُستاذ نبيل اليد العاملة يُكرمها اإلسالم‪ ،‬واليد العاجزة يُطعمها اإلسالم‪ ،‬واليد العاطلة يفتح أمامها‬
‫كل أبواب احلياة‪.‬‬
‫اليد العابثة‪:‬‬
‫وهي اليد اليت يستهني صاحبها ابجملتمع‪ ،‬ويعبث أبمنه‪ ،‬من أجل سهرة ْحر ِاء‪ ،‬أو شربة صفراء‪.‬‬
‫تلك اليد ‪ -‬أنت معي اي أستاذ نبيل ‪ -‬إهنا ش هذت يف جمتمع آمن متكافل‪.‬‬
‫ولإلسالم معها موقف الطبيب املعاجل‪ ،‬فإن مل ينجح العالج‪ ،‬فموقف الطبيب اجلراح‪.‬‬

‫(‪)155/1‬‬

‫نبيل‪ :‬ما هو العالج‪ :‬وما هي اجلراحة؟‬


‫عارف‪ :‬ربط اإلسالم املسلمني ابملبادئ السامية‪ ،‬وعودهم على العطاء‪ ،‬وفرض عليهم الزكاة‪ ،‬أل هن‬
‫اليد اليت تعودت على العطاء‪ ،‬وتقدمي الصدقة إرضاء هللا‪ ،‬ال تطاوع صاحبها على سرقة‪ ،‬أو أخذ أي‬
‫مال جيلب عليها غضب هللا‪.‬‬
‫فالزكاة ْحاية من السرقة‪.‬‬
‫ًًستاذ نبيل ‪ -‬أن اإلسالم رسخ يف أذهان املسلمني االعتقاد ابن أي نفس لن‬
‫ومن العالج ‪ -‬اي أ ُ‬
‫متوت حىت تستوَف رزقها وأجلها‪.‬‬
‫فمن تع هفف عن احلرام جاءه رزقه يف احلالل ال حمالة‪.‬‬
‫ومن العالج أيضاً إميان املؤمن أبن أي حلم نبت من حرام فالنار أوىل به‪ ،‬ومن يفلت من عقاب الدنيا‬
‫فلن يفلت من نكال هللا‪.‬‬
‫هذا هو العالج‪.‬‬
‫أما اجلراحة فالذي مل يرتدع‬

‫(‪)156/1‬‬

‫خوفه اإلسالم من قطع يده‪ ،‬أل هن عارها سيالزمه يف كل حياته فمن أص هر بعد كل هذا على السرقة‬
‫ه‬
‫فمشرط اجلراح ْحاية للمجتمع‪ ،‬وصيانة ألمنه بل ْحاية للسارق حييمه من شر نفسه‪.‬‬
‫فيمنعه من الفعل‪.‬‬
‫كما قلت لك ‪ -‬إن هللا شرع قطع اليد لئال يُـنَـ هفذ‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬ولكن هل كل سرقة يعاقب عليها اإلسالم ابلقطع ولو كانت صغرية؟‬
‫عارف‪ :‬ال اي أُستاذ نبيل‪.‬‬
‫فمن سرق من مكان عام ‪ -‬كاملسجد املفتوح‪ ،‬أو الفندق‪ ،‬أو احملالت العامة ‪ -‬يعاقب ابلسجن‪ ،‬وال‬
‫تقطع يده‪ ،‬أل هن شرط اجلرمية أن يسرق (من حرز) أي مكان مينع دخوله كاملسجد املغلق مثالً‪ ،‬أو‬
‫املخازن والبيوت‪.‬‬
‫ولو سرق من مال له فيه شبهة امللكية العامة أو اخلاصة ‪ -‬كمن يسرق من شريكه ال تُقطع يده‪.‬‬

‫(‪)157/1‬‬

‫ألن له شبهة‪ ،‬والشبهة تُفسر لصاحل املتهم دائماً‪ ،‬ومن سرق كتب علم وادهعى إنه يريد قراءهتا‪ ،‬أو‬
‫أدوات هلو وادهعى إنه يريد تكسريها‪ ،‬أو سرق ماالً مل يبلغ النصاب‪ ،‬يعاقب ابلسجن وال تقطع يده‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬ماذا تقصد بكلمة النصاب؟‬
‫وأان أعرف أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫سا ِر َق يَ ْس ِر ُق الْبَـ ْي َ‬
‫ضةَ فَـتُـ ْقطَ ُع يَ ُدهُ َويَ ْس ِر ُق ا ْحلَْب َل فَـتُـ ْقطَ ُع يَ ُدهُ"‪.‬‬ ‫"لَ َع َن ه‬
‫اَّللُ ال ه‬
‫(البخاري‪)6285 .‬‬
‫ِ‬
‫سا ِرقَةُ فَاقْطَ ُعوا أَيْديَـ ُه َما} آية عامة ّ‬
‫ألي سارق‪.‬‬ ‫سا ِر ُق َوال ه‬
‫واآلية الكرمية {ال ه‬
‫عارف‪ :‬أمل أقل لك اي نبيل إن السنوات اليت قضيتها يف أوراب شغلتك عن دراسة اإلسالم‪.‬‬
‫إن قول الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫سا ِر َق يَ ْس ِر ُق الْبَـ ْي َ‬
‫ضةَ فَـتُـ ْقطَ ُع يَ ُدهُ َويَ ْس ِر ُق ا ْحلَْب َل فَـتُـ ْقطَ ُع يَ ُدهُ"‪.‬‬ ‫"لَ َع َن ه‬
‫اَّللُ ال ه‬
‫معناه أنه يتدرج يف السرقة من البيضة واحلبل إىل‬

‫(‪)158/1‬‬

‫سرقة ما يستحق عليه قطع اليد‪.‬‬


‫واإلسالم وضع حداً للمبلغ الذي لو قلت السرقة عنه ال تقطع اليد‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬ما قيمة هذا املبلغ؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬املسألة اجتهادية‪ ،‬اختلف فيها الفقهاءُ‪.‬‬
‫فبعضهم تشدد وجعلها أربعة دراهم من الفضة‪ ،‬وبعضهم جعلها عشرة دراهم من الفضة‪ ،‬أو ديناراً‬
‫من الذهب‪.‬‬
‫واملسألة كما قلت لك اجتهادية‪ ،‬ختتلف من عصر إىل عصر‪ ،‬ومن بلد إىل بلد‪ ،‬حسب ظروف‬
‫املعاش‪.‬‬
‫والذي أفهمه من كالم العالمة السرخسى أن العشرة دراهم من الفضة يف عصره تعترب ماالً كثرياً‪ ،‬حىت‬
‫عرب عنها بقوله‪( :‬وهذا مال خطري‪ ،‬وهو مصون من االبتذال) ‪.‬‬
‫(املبسوط جـ ‪ 9‬ص ‪)138‬‬
‫فليس كل مال تقطع فيه اليد‪.‬‬
‫وليس كل من سرق يقطع اإلسالم يده‪.‬‬

‫(‪)159/1‬‬

‫نبيل‪ :‬أرحت صدري اي شيخ عارف‪.‬‬


‫أكرمك هللا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ثق اي نبيل أن اإلسالم قبل أن يقطع يد السارق حكم بقطع رقبة مانع الزكاة كفراً هبا‪.‬‬
‫وإنكاراً لفرضيتها‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬ماذا حدث اي شيخ عارف؟‪.‬‬
‫املناقشة من أول الليل كانت هادفة وهادئة‪ ،‬ومسألة الزكاة شخصية ال دخل هلا ابملوضوع‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ال اي نبيل الشريعة اإلسالمية كل ال يتجزأ وأان مل أابلغ عندما قلت‪.‬‬
‫إن اإلسالم قبل أن يقطع يد السارق‪ ،‬حكم بقطع رقبة مانع الزكاة‪ ،‬إنكاراً لفرضيتها‪ ،‬واستخفافاً‬
‫بدورها‪ ،‬وأكثر من هذا اي نبيل أن من أتول اآلايت اليت توجب دفع الزكاة يُقتل ويعترب هو القاتل‬
‫لنفسه‪ ،‬كما أن قطع يد السارق املستهرت حبرمة اجملتمع‪ ،‬يعترب‬

‫(‪)160/1‬‬

‫هو القاطع ليده‪.‬‬


‫فعندما توىل أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬اخلالفة‪.‬‬
‫متردت مجاعة من األعراب على دفع الزكاة‪.‬‬
‫وأتولوا اآلايت‪ ،‬فحارهبم أبو بكر‪ ،‬كما حارب املرتدين سواء بسواء‪.‬‬
‫ويعترب قتال أيب بكر هلم هو أعظم عمل قام به أبو بكر‪ ،‬حيث أ همن الدولة اإلسالمية‪ ،‬وثبت نظامها‪.‬‬
‫نبيل‪ :‬أان أعرف أن بعض الذين تباطؤا عن مبايعة اخلليفة يف األايم األُوىل سارعوا للمبايعة‪ ،‬ودخلوا يف‬
‫اجليش اإلسالمي املتوجه لقتال املرتدين ومانعي الزكاة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي أستاذ نبيل‪ :‬الشريعة اإلسالمية شرعت قطع اليد يف جمتمع فرضت فيه الزكاة‪ ،‬وأوجبت فيه‬
‫التكافل‪ ،‬وربت الناس على خلق اإليثار‪،‬‬

‫(‪)161/1‬‬

‫فمن شذ بعد ذلك ش َذ إىل النار‪.‬‬


‫بقى سؤال واحد أان أَسأَلك إايه اي نبيل‪.‬‬
‫مىت نستلم البيت اجلديد؟‬
‫نبيل‪( :‬يضحك ويقول‪ :‬إن شاء هللا ستؤدي فيه أايم العيد هذا العام) خيرج املهندس نبيل عازماً على‬
‫مراجعة كل شيء مسعه عن اإلسالم يف أوراب‪.‬‬
‫(‪)162/1‬‬

‫اللقاء السادس‬
‫* حتمية احلصاد‪.‬‬
‫* القتل إعالم بنهاية األجل‪.‬‬
‫وليس إهناء لألجل‪.‬‬
‫* القاضي مل يهب القاتل احلياة‪ ،‬فلماذا يسلبها منه؟‬
‫* القصاص ال يعيد احلياة للمقتول‪.‬‬
‫ولكن‪.‬‬
‫* سأصرب ‪ ...‬حىت حيكم هللا‪.‬‬
‫* الشريعة َتكم الناس من داخلهم‪.‬‬
‫* آية الدين‪.‬‬
‫* عندما تعدل شهادة املرأة الواحدة شهادة رجلني‪.‬‬

‫(‪)163/1‬‬

‫َمن كان يصدق أن كل األموال اليت أرسلها (ضياءٌ) إىل أخيه ليستثمرها له‪ ،‬قد ضمها أخوه إىل‬
‫جتارته‪ ،‬وأنكر كل شيء‪ ،‬وزاد من حرية (ضياء) خلو يده متاماً من أي وثيقة تؤيد دعواه إذا جلأ إىل‬
‫القضاء‪.‬‬
‫لقد ضاعت رحلة السنوات السبع‪ ،‬ضياع احلب الذي كان بينهما قبل (حمنة الثراء) لقد توقف تفكريه‬
‫عند العزم على قتل أخيه‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ما حدث ليس مستغرابً‪.‬‬
‫لقد ترىب جيل كامل من الشباب مبعزل عن هدى هللا‪.‬‬
‫فالبد من هذا احلصاد‪.‬‬
‫إن هللا اثلث شريكني ما مل خين أحدمها صاحبه‪ ،‬فإن خانه خرج هللا من بينهما‪.‬‬
‫واليوم يصدق يف كثري من الشركاء قوله تعاىل {وإِ هن َكثِريا ِمن ْ ِ‬
‫ض إِهال‬ ‫اخلُلَطَاء لَيَـ ْب ِغي بَـ ْع ُ‬
‫ض ُه ْم َعلَى بَـ ْع ٍ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫يل َما ُه ْم} [سورة ص ‪ ]24‬اي ضياء‪..‬‬ ‫اله ِذين آمنوا وع ِملُوا ال ه ِ ِ ِ‬
‫صاحلَات َوقَل ٌ‬ ‫َ َُ َ َ‬

‫(‪)164/1‬‬

‫لقد كثرت األموال‪ ،‬ولكنها مع كثرهتا أصبحت كماء البحر‪ ،‬ال يزيد الشرب منها سوى الظمأُ‪.‬‬
‫هذا‪..‬فضالً عن اعتقاد كثري من الناس أن الذين يعلمون ابخلارج يغرفون من حبر ال قرار له‪.‬‬
‫مع أهنم لو جربوا الغُربة‪ ،‬والبعد عن األهل‪ ،‬ألَيقنوا أ ّن يوماً يف السفر كألف يوم مما يعدون‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬لو وثقت الشركة للجأت إىل القضاء‪.‬‬
‫علي االختيار الصعب‪.‬‬
‫ولكن لوال تفيد لقد فُرض ّ‬
‫عارف‪ :‬عندما يصاب التفكري ابلشلل يهذى اإلنسان احذر اي ضياءُ من شلل التفكري‪.‬‬
‫اخلطأُ ال يُعاجل اخلطأُ‪.‬‬
‫والدم ال يغسل الدم‪.‬‬
‫اصِ ْرب َح هىت َْحي ُك َم ه‬
‫اَّللُ} ‪.‬‬ ‫{و ْ‬
‫ثق يف ربك َ‬

‫(‪)165/1‬‬

‫ضياء‪ :‬لقد حكم هللا مبوته على يدي‪.‬‬


‫عارف‪ :‬وإن مل تصبه‪ ،،‬ماذا تفعل؟ سوف تعاقب بتهمة القتل مع سبق اإلصرار‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬سهمي ال ُخيطئ‪.‬‬
‫عارف‪ :‬حىت ولو أراد هللا حياته؟!!‬
‫رب تقطع اآلجاال؟‬
‫اي من تُدبّر يف الليايل مصرعاً ‪ ...‬هل أَنت ٌ‬
‫ضياء‪ :‬سوف أُواجهه إبطالق الرصاص‪.‬‬
‫ولن خييب سهمي‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هذه ْحاقة ‪...‬‬
‫ألنك إن مل تقتله فإنه سيموت وحده بال قتل‪.‬‬
‫هناء منك لعمره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القتل دليل على هناية العمر‪ ،‬وليس إ ً‬
‫والقتل ْحاقة‪..‬‬
‫مثنها غال علينا مجيعاً‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬أَعرف أ هن مثنه اإلعدام‪.‬‬
‫حي‪.‬‬
‫لقد أَعدمين وأان ٌّ‬

‫(‪)166/1‬‬

‫واإلعدام دليل على هناية عمري‪ ،‬وليس إهناءٌ منهم لعمري ‪ -‬كما قلت‪.‬‬
‫عارف‪ :‬لو كان اإلعدام وحده هو الثمن الختله ميزان العدل اإلهلي‪.‬‬
‫أل هن املقتول ميوت‪ ،‬والقاتل ميوت‪.‬‬
‫والقرآن ينفي تساويهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ََتْ ُك ُمو َن} [القلم ‪. ]35‬‬
‫ني (‪َ )35‬ما لَ ُك ْم َك ْي َ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬أَفَـنَ ْج َع ُل ال ُْم ْسل ِم َ‬
‫ني َكال ُْم ْج ِرم َ‬
‫إعدام القاتل بداية لعذاب طويل ‪...‬‬
‫ألنه هدم لبناء هللا الذي بناه بيده‪ ،‬وأسكن فيه سره‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬سوف يستوي القاتل والسارق يف النار‪.‬‬
‫وال تنسى أن أخي سرقين‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كل خطأ ميكن للتوبة أن تُصلحه‪.‬‬
‫إال القتل ‪...‬‬
‫فمهما اتب القاتل فلن ُحيىي املقتول‪.‬‬
‫لذلك كان عذاب القاتل أكرب‪.‬‬

‫(‪)167/1‬‬

‫اَّللُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َوأَ َع هد لَهُ َع َذ ًااب‬


‫ب ه‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬ومن يـ ْقتُل م ْؤِمنًا متَـع ِم ًدا فَجزا ُؤهُ جهن ِ ِ‬
‫يها َوغَض َ‬
‫هم َخال ًدا ف َ‬
‫ََ ْ َ ْ ُ ُ َّ ََ َ َ ُ‬
‫يما} [النساء ‪. ]93‬‬ ‫ِ‬
‫َعظ ً‬
‫فالعذاب العظيم الذي أخربت عنه اآلية الكرمية خيتلف متاماً عن اخللود يف النار‪ ،‬وغضب هللا عليه‪،‬‬
‫ولعنته له‪.‬‬
‫إنه عذاب للقاتل فقط‪.‬‬
‫أل هن اآلية الكرمية عطفته على اخللود يف النار وعلى اللعنة‪.‬‬
‫القتل اي ضياءُ هدم لبناء هللا‪.‬‬
‫لذلك استبعد القرآن أن حيدث القتل العمد بني املسلمني‪.‬‬
‫{وَما َكا َن لِ ُم ْؤِم ٍن أَ ْن يَـ ْقتُ َل ُم ْؤِمنًا إِهال َخطَأً} [النساء ‪. ]92‬‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ضياء‪ :‬لكن القتل يقع ابلفعل‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هذا أُسلوب قرآين بليغ‪.‬‬
‫فبدالً من أن يقول لك‪ :‬ال تقتل أخاك‪ ،‬يقول‪ :‬مثلك ال يقتل فهذا أبلغ يف النهي‪.‬‬

‫(‪)168/1‬‬

‫ضياء‪ :‬أبي حق حيكم القاضي ابإلعدام؟‪.‬‬


‫إنه مل يهب القاتل حق احلياة‪ ،‬فكيف يسلبها منه؟‬
‫عارف‪ :‬وهل أنت واهب احلياة ألخيك؟ كيف جترؤ على سلبها منه؟‪.‬‬
‫إ ّن املسلم عندما يذبح دجاجة‪ ،‬يشعر أنه مل يهبها احلياة‪.‬‬
‫لذلك فهو يُعلن أ ّن هللا الذي وهبها احلياة‪ ،‬أذن له أن يذحبها‪.‬‬
‫لذلك يقول عند البذبح‪ :‬ابسم هللا‪.‬‬
‫هللا أكرب‪.‬‬
‫والقاضي يعلم إنه مل يهب القاتل حق احلياة‪ ،‬ولكن هللا الذي وهبه احلياة أذن لنا بقتل القاتل‪.‬‬
‫اص ِيف الْ َق ْتـلَى} [البقرة ‪. ]178‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬
‫ص ُ‬‫ب َعلَْي ُك ُم الْق َ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫فاهلل الذي وهب احلبياة كلفنا بسلبها من القاتل‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬إعدام القاتل ال يُعيد احلياة للمقتول‪.‬‬

‫(‪)169/1‬‬

‫عارف‪ :‬ولكن يهب احلياة لألحياء‪.‬‬


‫واحلي أوىل من امليت‪.‬‬
‫فالقاتل عندما يثق من إعدامه‪ ،‬فإ ّن غريزة حب احلياة الكامنة يف كل حي‪ ،‬سوف تتحرك ملنعه من‬
‫ْحاقته‪.‬‬
‫وعند ذلك يسلم القاتل واملقتول‪ ،‬واجملتمع كله‪.‬‬
‫اب لَ َعله ُك ْم تَـتهـ ُقو َن} [البقرة ‪. ]79‬‬
‫ُويل ْاألَلْبَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اص َحيَاةٌ َاي أ ِ‬
‫ص ِ‬ ‫{ولَ ُك ْم ِيف الْق َ‬
‫وهذا بعض معىن قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ضياء‪ :‬هلل األمر كنت أظن أن القتل هو العالج الوحيد من منطلق‪ :‬ضيعين فضيعته‪.‬‬
‫ولكنين آمنت أبن الصواب‪ ،‬هو تسليم األمر هلل‪.‬‬
‫ما أهون الدنيا‪ ،‬وأخلد اآلخرة‪.‬‬
‫سوف أُسافر‪ ،‬ولن يُضيع هللا سعيي إن سلطان القرآن الكرمي مل يزل قادراً على توجيه سفينة احلياة‪.‬‬
‫ومنعنا من السقوط يف اهلاوية‪..‬‬

‫(‪)170/1‬‬

‫عارف‪ :‬اي ضياء اي ولدي ‪ ...‬إن هللا حيكم الناس من داخلهم‪.‬‬


‫والشريعة حريصة على منع وقوع اجلرمية عندما يمن القاتل العقوبة‪.‬‬
‫فكيف إذا تيقنها؟ أستودعك هللا‪.‬‬
‫لعل هللا ُحي ُدث بعد ذلك أمراً‪.‬‬
‫وسوف أذهب إىل أخيك‪ّ ،‬‬
‫سافر ضياء‪.‬‬
‫وانقطعت أخباره‪.‬‬
‫ووجد يف إخوانه من أهل العراق قوماً ُحيبون من هاجر إليهم‪.‬‬
‫عاش بينهم سنوات مل يشعر ابلغربة‪ ،‬ولكن حنينه للوطن فرض عليه العودة‪.‬‬
‫عاد خيمل مثن السنوات اليت عاشها بني اآللة واجلدران‪.‬‬
‫عاد فوجد الدنيا قد أدبرت عن أخيه‪.‬‬
‫وولت عنه املكاسب‪.‬‬
‫ت حىت ولده الوحيد الذي ارتكب كل ْحاقة من أجل أن يُؤمن مستقبله‪ ،‬قد‬
‫ت أ َْو َحلَ ْ‬
‫فالدنيا إ ْن َحلَ ْ‬
‫فارق احلياة‪.‬‬
‫عانق أخاه‬

‫(‪)171/1‬‬
‫بكل شوق‪ ،‬متناسياً كل ما كان‪.‬‬
‫وعزاه بكلماته وماله‪.‬‬
‫وحضر الشيخ عارف ليشهد أمسى ٍ‬
‫لقاء‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬خري هدية أق ّدمها البن أخي يف قربه أن أحج عنه‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أظتك حججت عن نفسك‪.‬‬
‫أل ّن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬مسع رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬رجالً يقول‪ :‬لبيك‬
‫ربمه‪.‬‬
‫عن ُش ُ‬
‫ربمه؟ قال‪ :‬أخي‪.‬‬
‫فقال له النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬كم ُش ْ ُ‬
‫قال له النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬هل حججت عن نفسك؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال قال له النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حج عن نفسك (أوالً) ‪.‬‬
‫ربمة‪.‬‬
‫مث حج عن ُش ُ‬
‫رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫صفاء‪ :‬ما أنفقته ‪ -‬جبهلي ‪ -‬يف مراسيم العز ِاء ًِ كان يكفي ألحج عن نفسي وعنه‪.‬‬
‫ولكن اجلهل أضاع علينا الكثري‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬لقد عزمت على إقامة شركة بيين وبني أخي أان مبايل‪ ،‬وأخي جبهوده وخربته‪.‬‬

‫(‪)172/1‬‬

‫عارف‪ :‬هذه مضاربة‪.‬‬


‫وهي حالل شرعاً‪.‬‬
‫فقد ضارب النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف مال السيدة خدجية‪ ،‬قبل اإلسالم‪ ،‬وشارك "السائب‬
‫املخذمى" ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬فلما لقيه يوم الفتح قال له النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬مرحباً‬
‫أبخي وشريكي‪.‬‬
‫"رواه ابن ماجة"‪.‬‬
‫كما وصفه النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بقوله‪ :‬كان ال ُميارى وال يُداري‪.‬‬
‫"رواه احلاكم" فاملصاربة مشروعة‪.‬‬
‫ورحبها حالل مبارك‪ ،‬إذا قامت على أمانة الشريكني‪.‬‬
‫ني ما َمل َخيُن أَح ُد ُمها ص ِ‬
‫احبَهُ فَِإ َذا‬ ‫جاء يف احلديث القدسي عن هللا ‪ -‬عز وجل ‪ :-‬أ ََان َاثلِ ُ‬
‫ش ِري َك ْ ِ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫ث ال ه‬
‫ت ِم ْن بَـ ْينِ ِه َما"‪.‬‬
‫َخانَهُ َخ َر ْج ُ‬
‫(رواه أبو داود‪)2936 .‬‬
‫ضياء‪ :‬لقد أصلح أخي كل شيء‪.‬‬
‫فقد سجل ابمسي املعرض واملخازن ‪ -‬وأان غائب‪ ،‬إبراءً لذمته أمام هللا‪.‬‬

‫(‪)173/1‬‬

‫صفاء‪ :‬القرب ضيق اي شيخ عارف‪.‬‬


‫وموت ولدي نبهين خلري كثري‪.‬‬
‫اَّللُ ِم ْنهُ} ‪.‬‬
‫اد فَـيَـ ْنـتَ ِق ُم ه‬
‫ف َوَم ْن َع َ‬ ‫{ع َفا ه‬
‫اَّللُ َع هما َسلَ َ‬ ‫عارف‪َ :‬‬
‫ضياء‪ :‬نريد أن تكتب لنا عقد الشركة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬الكتابة واجبة‪.‬‬
‫وأطول آية يف القرآن توجب توثيق العقود‪.‬‬
‫هِ‬
‫س امى فَا ْكتُـبُوهُ}‬ ‫آمنُوا إِذَا تَ َدايَـ ْنـتُ ْم بِ َديْ ٍن إِ َىل أ َ‬
‫َج ٍل ُم َ‬ ‫ين َ‬‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫َ‬
‫وكررت اآلية الكرمية األمر ابلكتابة‬
‫َجلِ ِه}‬
‫ريا إِ َىل أ َ‬ ‫ِ‬
‫ريا أ َْو َكب ً‬ ‫صغ ً‬
‫{وَال تَسأَموا أَ ْن تَ ْكتُـبوهُ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫[البقرة ‪]282‬‬
‫صفاء‪ُّ :‬‬
‫نود أن نعرف كل ما يف اآلية الكرمية من أحكام لنبين شركتنا على هدى هللا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ركزت اآلية الكرمية على تنظيم جانب املعامالت بني الناس‪ ،‬صيانة حلقوقهم‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬مع أن اآلية الكرمية نزلت على أُمة أُميّة‪.‬‬
‫ومع ذلك‬

‫(‪)174/1‬‬
‫أوجبت كتابة العقود‪.‬‬
‫لتفرض على األُمة تعلم الكتابة‪.‬‬
‫يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ما ال ُّ‬
‫أما عن اآلية الكرمية‪.‬‬
‫فتضمنت عدة أحكام‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أوجبت اآلية الكرمية ‪ -‬أو على األقل ‪ -‬ندبت إىل كتابة العقود؟‬
‫هِ‬
‫س امى فَا ْكتُـبُوه}‬ ‫آمنُوا إِذَا تَ َدايَـ ْنـتُ ْم بِ َديْ ٍن إِ َىل أ َ‬
‫َج ٍل ُم َ‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫اثنياً‪ :‬جعلت حق إمالء العقد للجانب الضعيف ففي عقد الدين ُميلى املدين صيغة العقد‪.‬‬
‫ويف عقد العمل‪ُ ،‬ميلى العامل صيغة العقد‪.‬‬
‫ويف التعاقد بني املنتج واملستهلك ُميلي املستهلك‪.‬‬
‫ويف ذلك منفعة للطرفني‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬منفعة للمدين‪.‬‬
‫حىت ال تُلجئه احلاجة إىل قبول شروط مهينة ميليها عليه الدائن‪.‬‬

‫(‪)175/1‬‬

‫اثنياً‪ :‬منفعة للدائن‪.‬‬


‫أل ّن املدين إن أملى العقد بنفسه أخذ العقد صيغة االلتزام‪.‬‬
‫واإلقرار على النفس‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يقول‪:‬‬
‫" ال ضرر وال ضرار "‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬طلب القرآن وساطة كاتب عدل‪.‬‬
‫ليس طرفاً يف العقد‪.‬‬
‫ب ِابل َْع ْد ِل}‬ ‫ِ‬
‫ب بَـ ْيـنَ ُك ْم َكات ٌ‬
‫{ولْيَكْتُ ْ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫وأوجبت على الكاتب أن يكتب شكراً هلل الذي علمه‬
‫ب َك َما َعله َمهُ ا هَّللُ} ‪.‬‬ ‫{وَال ي ِ‬
‫ب أَ ْن يَكْتُ َ‬
‫ْب َكات ٌ‬
‫َ َ َ‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪:-‬‬
‫" وفضل علمك جتود به على من ال علم له صدقة "‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬أوجب القرآن ‪ -‬أو ندب ‪ -‬إىل اإلشهاد على العقد‪.‬‬
‫بل جعل بعض العقود ال تتم صفتها‪ ،‬وال أتخذ حكمها الشرعي‪ ،‬إال ابإلشهاد عليها‪.‬‬
‫كعقد الزواج‪.‬‬
‫ني فَـ َر ُج ٌل‬ ‫استَ ْش ِه ُدوا َش ِهي َديْ ِن ِم ْن ِر َجالِ ُك ْم فَِإ ْن َملْ يَ ُك َ‬
‫وان َر ُجلَ ْ ِ‬ ‫{و ْ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬

‫(‪)176/1‬‬

‫امهَا فَـتُ َذ ّكِ َر إِ ْح َد ُ‬


‫امهَا ْاألُ ْخ َرى} ‪.‬‬ ‫الش َه َد ِاء أَ ْن تَ ِ‬
‫ض هل إِ ْح َد ُ‬ ‫ض ْو َن ِم َن ُّ‬
‫َو ْام َرأ ََات ِن ِممه ْن تَـ ْر َ‬
‫خامساً‪ :‬أوجب على الشهود َتمل الشهادة‪.‬‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫الش َه َداءُ إِ َذا َما ُد ُعوا}‬
‫ْب ُّ‬
‫{وَال َي َ‬
‫َ‬
‫أي ال ميتنعوا عن َتمل الشهادة عند كتابة العقد‪.‬‬
‫ضياء‪ :‬الشهود يبون التحمل خوفاً من‬
‫تكاليف األداء يف ساحة القضاء‪ ،‬إذا لزم األمر‪.‬‬
‫{وأَ ْش ِه ُدوا إِ َذا تَـبَايَـ ْعتُ ْم َوَال‬
‫عارف‪ :‬ألزم هللا املتعاقدين دفع أي ضرر يقع على الكاتب أو الشهود َ‬
‫ب َوَال َش ِهي ٌد} ‪.‬‬ ‫يَ ِ‬
‫ضا هر َكات ٌ‬‫ُ‬
‫فأي ضرر يقع عليهما بسبب َتمل الكتابو‪ ،‬أو َتمل الشهادة‪ ،‬جيب على املدعي أن يتحمله‪.‬‬
‫ب‬ ‫واعترب القرآن الكرمي وقوع الضرر ابلكاتب أو الشهود لوانً من الفسوق قال تعاىل‪{ :‬وَال ي َ ِ‬
‫ضا هر َكات ٌ‬‫َ ُ‬
‫سو ٌق بِ ُك ْم} ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَال َش ِهي ٌد َوإ ْن تَـ ْف َعلُوا فَإنههُ فُ ُ‬

‫(‪)177/1‬‬

‫وقد دعا اإلمام القرطيب إىل تعيني مجاعة من املسلمني‪ ،‬يقومون بتحمل الشهادة يف مثل هذه العقود‪.‬‬
‫ويرفعوهنا إىل القضاء عند احلاجة ويُصرف هلم راتب من بيت مال املسلمني‪.‬‬
‫وهذا هو املعمول به يف (الشهر العقاري) (والكاتب العدل) اآلن يف بعض البالد العربية‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬أوجب على املسلم أداء الشهادة أمام القضاء‪.‬‬
‫وتبليغها أبمانة‪.‬‬
‫ألن شهادة الزور هدم للعدل‪.‬‬
‫وضياع للحقوق‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ْب}‬ ‫ادةَ َوَم ْن يَكْتُ ْم َها فَإنههُ آمثٌ قَـل ُ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬وَال تَكْتُ ُموا ال ه‬
‫ش َه َ‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬اي أَيُّـها اله ِذين آمنوا ُكونُوا قَـ هو ِامني ِابل ِْقس ِط ُشه َداء ِهِ‬
‫َّلل َولَ ْو َعلَى أَنْـ ُف ِس ُك ْم أَ ِو ال َْوالِ َديْ ِن‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫ضوا فَِإ هن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اَّللُ أ َْو َىل هب َما فَ َال تَـتهبِ ُعوا ا ْهلََوى أَ ْن تَـ ْعدلُوا َوإِ ْن تَـل ُْووا أ َْو تُـ ْع ِر ُ‬
‫ريا فَ ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ْاألَقـْربِ َ ِ‬
‫ني إ ْن يَ ُك ْن غَنياا أ َْو فَق ً‬ ‫َ‬
‫ريا} [النساء ‪. ]135‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫اَّللَ َكا َن مبَا تَـ ْع َملُو َن َخب ً‬

‫(‪)178/1‬‬

‫ور} [الفرقان ‪. ]72‬‬ ‫وقد مدح القرآن عباد الرْحن فقال‪ :‬ه ِ‬
‫الز َ‬
‫ين َال يَ ْش َه ُدو َن ُّ‬
‫{والذ َ‬
‫َ‬
‫ضياء‪ :‬حكم القرآن كل شيء‪.‬‬
‫حىت ال يرتك ثغرة للمتالعبني‪.‬‬
‫ولكن البيع والشراء يصعب فيه كتابة العقود وتوثيقها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬استثنت اآلية الكرمية ديون البيع والشراء من وجوب األشهاد والتوثيق‪.‬‬
‫ألن البيع والشراء يقتضي السرعة‪ ،‬واشرتاط التوثيق يف كل مرة يُوقع التاجر يف حرج‪ ،‬رمبا يدفعه إىل‬
‫منع البيع أبجل‪.‬‬
‫فيقع املستهلك يف حرج‪.‬‬
‫اح أ هَال تَ ْكتُـبُ َ‬
‫وها} ‪.‬‬ ‫س َعلَْي ُك ْم ُجنَ ٌ‬ ‫اض َرًة تُ ِد ُير َ‬
‫وهنَا بَـ ْيـنَ ُك ْم فَـلَْي َ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬إِهال أَ ْن تَ ُكو َن ِجتَارًة ح ِ‬
‫َ َ‬
‫وقد أخذت القوانني الوضعية هبذا املبدأ‪.‬‬
‫واعتربت "دفرت املبيعات" وثيقة قانونية ميكن للتاجر أن يثبت هبا دعواه‪.‬‬

‫(‪)179/1‬‬

‫ضياء‪ :‬مازال بعض الناس خبري اي شيخ عارف‪.‬‬


‫عارف‪ :‬والقرآن مل ينف هذا‪.‬‬
‫فقد جعل التعامل مع الناس ثالث درجات‪.‬‬
‫درجة أوجب فيها الكتابة‪.‬‬
‫ادةِ‬ ‫ط ِع ْن َد هِ‬
‫اَّلل َوأَقـ َْوُم لِل ه‬ ‫ِ‬
‫ش َه َ‬ ‫سواءٌ يف ذلك العقود املوثقة‪ ،‬أو الكتابة يف مذكرة خاصة { َذل ُك ْم أَق َ‬
‫ْس ُ‬
‫َوأَ ْد َىن أ هَال تَـ ْرَاتبُوا} فغن تعذرت الكتابة فقد شرع القرآن الرهن‪.‬‬
‫وضةٌ} وللرهن أحكام يف كتب‬ ‫{وإِ ْن ُك ْنـتُ ْم َعلَى َس َف ٍر َوَملْ َِجت ُدوا َكاتِبًا فَ ِرَها ٌن َم ْقبُ َ‬
‫توثيقاً للدين قال تعاىل‪َ :‬‬
‫الفقه (‪. )1‬‬
‫الدرجة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الرهن حبس عني ذات قيمة يف مقابل دين‪.‬‬
‫وجيوز يف السفر ‪ -‬كما نصت اآلية الكرمية ‪ -‬أل هن الغالب يف السفر عدم إمكان توثيق الدين‪.‬‬
‫وجيوز يف احلضر أيضاً "روى البخاري عن أم املؤمنني عائشة أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫اشرتى من يهودي طعاماً ورهن درعه"‬

‫(‪)180/1‬‬

‫الثالثة‪.‬‬
‫التعامل ابلثقة بني املسلمني‪.‬‬
‫ضا فَـ ْليُـ َؤ ِّد اله ِذي ْاؤُمتِ َن أ ََمانَـتَهُ َولْيَـت ِهق ه‬
‫اَّللَ َربههُ}‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬فَِإ ْن أ َِم َن بَـ ْع ُ‬
‫ض ُك ْم بَـ ْع ً‬
‫__________‬
‫= وكان النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ابملدينة‪.‬‬
‫وال جيوز للمرهتن ‪ -‬صاحب الدين ‪ -‬أن ينتفع ابلرهن‪.‬‬
‫ألن انتفاعه به استثمار لدينه‪.‬‬
‫وكل قرض جر نفعاً فهو رابً ‪ -‬كما قال علي بن أيب طالب‪.‬‬
‫أما إذا كان الرهن حباجة إىل نفقات ‪ -‬كاحليوان املرهون مثالً‪ ،‬فيجوز للمرهتن أن يشرب لبنه وأن‬
‫يركبه يف مقابل إطعامه وحفظه‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬الظهر يركب إذا كان مرهوانً‪ ،‬واللنب يشرب بنفقته إذا كان مرهوانً‪.‬‬
‫وعلى الذي يركب ويشرب النفقة‪.‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد أخطأ كثري من الناس حكم هللا يف الرهن إذا حل أجل الدين وعجز املدين عن فك الدين‪.‬‬
‫فأابحوا ألنفسهم مصادرة الرهن‪.‬‬
‫وهذه عادة جاهلية‪ ،‬حرمها النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بقوله ال يغلق الرهن من صاحبه الذي‬
‫رهنه وأضاف سعيد بن املسيب يف روايته‪ :‬له غنمه وعليه غرمه‪.‬‬
‫رواه الشافعي والدارقطين‪.‬‬
‫ومعىن ال يغلق ‪ -‬أي ال يصادر‪ ،‬وعلى هذا فإذا مضى أجل الدين‪ :‬وعجز املدين عن فك الرهن‬
‫جيوز بيعه‪.‬‬
‫ويستوَف الدائن حقه‪ ،‬ويرد الزائد إىل الراهن‪ ،‬أل هن االستيالء على الرهن جير منفعه حمرمة للدائن‪.‬‬
‫(راجع سبل السالم جـ ‪ ،3‬فقه السنة جـ ‪.3‬‬
‫فتح الباري حـ ‪. )5‬‬

‫(‪)181/1‬‬

‫وتقوى هللا حصن من اخليانة‪.‬‬


‫ضياء‪ :‬اآلية الكرمية رمست منهجاً متكامالً لصيانة احلقوق‪.‬‬
‫ولكن موضوع شهادة املرأة حيتاج إىل بعض التوضيح‪.‬‬
‫امهَا فَـتُ َذ ّكِ َر إِ ْح َد ُ‬
‫امهَا ْاألُ ْخ َرى}‬ ‫عارف‪{ :‬أَ ْن تَ ِ‬
‫ض هل إِ ْح َد ُ‬
‫تضل ‪ -‬هنا ‪ -‬مبعىن تنسى‪.‬‬
‫وقد حدث أن وقفت امرأة لإلدالء بشهادهتا‪ ،‬ووقفت األُخرى تلقنها ما تقول‪.‬‬
‫فاعرتض القاضي وأمرها ابلسكوت‪.‬‬
‫امهَا فَـتُ َذ ّكِ َر إِ ْح َد ُ‬
‫امهَا ْاألُ ْخ َرى}‬ ‫فقال له {أَ ْن تَ ِ‬
‫ض هل إِ ْح َد ُ‬
‫فسكت القاضي‪.‬‬
‫وللوقوف أمام القضاء رهبة‪.‬‬
‫فناسب أن تستعني املرأة أبُختها يف جملس القضاء‪.‬‬
‫اي ضياء ‪...‬‬
‫اإلسالم حيرتم التخصصات‪.‬‬
‫ففي األُمور اليت ختصص فيها الرجل‪.‬‬
‫شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتني‪.‬‬
‫ويف األمور اليت‬

‫(‪)182/1‬‬

‫ختصصت فيها املرأة شهادة املرأة تعدل شهادة الرجل‪.‬‬


‫ففي سورة النور جاء حكم "اللعان" وفيه أن ارجل يشهد أربع شهادات ابهلل إنه ملن الصادقني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت هِ ِ‬ ‫{و ْ ِ‬
‫اَّلل َعلَْيه إِ ْن َكا َن م َن الْ َكاذبِ َ‬
‫ني}‬ ‫سةُ أَ هن لَ ْعنَ َ‬
‫اخلَام َ‬ ‫َ‬
‫ويف مقام دفاع املرأة عن نفسها‪،‬‬
‫وردها لشهادة الزوج تقسم املرأة أربع شهادات ابهلل إنه ملن الكاذبني‪.‬‬
‫اَّلل َعلَيـها إِ ْن َكا َن ِمن ال ه ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫سةَ أَ هن غَ َ‬ ‫{و ْ ِ‬
‫ني}‬
‫صادق َ‬ ‫َ‬ ‫ب ه َْ‬ ‫ضَ‬ ‫اخلَام َ‬ ‫َ‬
‫[النور ‪. ]96‬‬
‫فاملرأة تقسم نفس العدد يف هذا املقام‪.‬‬
‫بل إن شهادة املرأة قد تصل يف ختصصها إىل أكثر من ذلك‪.‬‬
‫فقد تعدل شهادة رجلني ويخذ القضاءُ بشهادهتا وحدها وعلماءُ املذهب احلنفي يخذون بشهادة‬
‫القابلة وحدها إذا أخربت أبن اجلنني ولد حياً مث مات ويرتبون على ذلك أحكاماً يف املرياث‪.‬‬

‫(‪)183/1‬‬

‫ضياء‪ :‬مل أفهم املسألة‪.‬‬


‫عارف‪ :‬حدث يف بغداد أن انقلبت سيارة‪.‬‬
‫مات فيها الزوج والزوجة قبل وصول عربة اإلسعاف ومل ينج سوى اخلادمة وعند توزيع الرتكة توقف‬
‫احلكم على شهادة اخلادمة وحدها‪.‬‬
‫فعندما شهدت أن الزوجة ماتت بعد زوجها بعدى دقائق‪.‬‬
‫حكم القضاءُ أب ّن الزوج قد مات‪ ،‬وترك زوجته على قيد احلياة‪.‬‬
‫لعدة دقائق‪.‬‬
‫فحكم للزوجة بنصيبها من زوجها‪ ،‬مث ماتت بعده‪.‬‬
‫فورثت أُسرهتا نصيبها‪.‬‬
‫صفاء‪ :‬أخذ القضاء بشهادهتا وحدها لعدم وجود غريها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬وقد حيدث أن تتعارض شهادة املرأة مع شهادة الرجال‪.‬‬
‫فيأخذ القضاء بشهادة املرأة‪.‬‬
‫فلو شهد أربعة من الرجال على امرأة بكر ابلزان‪.‬‬
‫مث قررت امرأة واحدة أبن الفتاة مل تزل بكراً‪ ،‬تقبل‬

‫(‪)184/1‬‬

‫شهادة املرأة الواحدة‪ ،‬وتسقط العقوبة عن املرأة املتهمة‪.‬‬


‫فال التأْنيث يف اسم الشمس عيب ‪ ...‬وال التذكري فخر للهالل‬
‫اي صفاء ‪...‬‬
‫إن هللا سبحانه خلق الزوجني الذكر واألُنثى‪.‬‬
‫ولكل إنسان دوره يف احلياة ورسالته‪.‬‬
‫ِ‬
‫واألداء من املرأة‪.‬‬ ‫ومل خيتلف عاقالن يف أ ّن الرجل أقوى على التحمل‬
‫ضياء‪ :‬يقولون‪ :‬إن الرجل هو املسؤول عن ذلك‪ ،‬ألنّه حبس املرأة على طول العصور فضعفت‪.‬‬
‫عارف‪" :‬يضحك ويقول‪ :‬إذن الديك هو املسؤول أيضاً عن ضعف الدجاجة"‪.‬‬
‫كل خلية يف الرجل ختتلف متاماً عن خلية املرأة‪.‬‬
‫اي ضياء‪ :‬علماءُ اخلالاي يقررون أ ّن ّ‬
‫واملرأة تتمتع أبُنوثتها أكثر مما‬

‫(‪)185/1‬‬

‫تتمتع بقوهتا لو كانت بطلة يف كمال األجسام‪.‬‬


‫ضياء‪ :‬أنساين احلديث أن أُبلغك َتيات صاحب (معمل الطحني) الذي كنت أعمل فيه ببغداد فهو‬
‫يعرفك‪.‬‬
‫عارف‪" :‬خيفض رأسه‪ ،‬ويدور هبا خواطر السنوات الطوال‪ ،‬ويسأل‪" :‬أكنت تعمل عند احلاج رشيد؟‬
‫اآلن اطمأن قليب عليك‪.‬‬
‫فهذا الرجل ال يضام من جاوره‪.‬‬
‫كنت دائماً أقول األُمة العربية أُمة كرمية‪ ،‬وشعب العراق شعب أصيل‪.‬‬
‫واحلاج رشيد وحده يكفي دليالً على ذلك‪.‬‬
‫ري} استودعكم هللا‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ه‬
‫{اَّللُ َْجي َم ُع بَـ ْيـنَـنَا َوإلَْيه ال َْمص ُ‬

‫(‪)186/1‬‬

‫اللقاء السابع‬
‫يف هذا اللقاء‬
‫* منفعة بني إمثني‪.‬‬
‫* سر اإلنسان ِ‬
‫كعرضه‪.‬‬
‫* اهلضم شيء آخر‪.‬‬
‫* داللة االجتناب أوسع‪.‬‬
‫* اجلدوا الصائم أوالً‪.‬‬
‫* ما ذنب هؤالء؟‪.‬‬
‫* هل تضر مع اإلميان معصية؟‪.‬‬
‫* حنو منهج للعالج‪.‬‬

‫(‪)187/1‬‬

‫مل يستطع مكارم أن يعيش يف اجلامعة منطوايً على نفسه كما كان يف القرية ‪ ,‬فالعاصمة ‪...‬‬
‫واالختالط ‪...‬‬
‫وصعوبة السكن ‪...‬‬
‫فرضت عليه االنطالق ‪...‬‬
‫وحىت جياري من حوله‪ ،‬بدأ الطريق طريقاً شائكاً ‪...‬‬
‫أوله زجاجات "البرية" وآخره اخلمر وأقراص املخدرات‪.‬‬
‫سار يف الطريق املنحدرة تشده جاذبية اخلطيئة‪.‬‬
‫وعلى األرض بدأ جيين احلصاد‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬ق هل مايل‪.‬‬
‫وانصرف األخيار من حويل‪.‬‬
‫وتراكمت علي الديون‪.‬‬
‫لوال راتب زوجيت‪ ،‬وبقية من احلياء متنعين من أخذه‪ ،‬لتعسرت يف مثن الطعام‪.‬‬
‫لعل هذا أمر سهل‪.‬‬
‫ولكن الطامة الكربى هي عجزي عن حفظ سر نفسي‪ ،‬فضالً عن أسرار‬

‫(‪)188/1‬‬

‫اآلخرين‪.‬‬
‫أصبحت أجود أبخص أسراري بال مثن والسر كالعرض متاماً‪.‬‬
‫إذا مل حيفظه صاحبه يعبث به اآلخرون‪.‬‬
‫وكلما حاصرتين املشكلة‪ ،‬زاد تناويل لألقراص‪.‬‬
‫أحبث عن النسيان‪ ،‬وغريي يعترب النسيان مشكلة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬النسيان نعمة من هللا‪.‬‬
‫لواله لتزاْحت املشكالت يف أذهاننا فنصاب ابجلنون‪.‬‬
‫ولكنك اي مكارم أخطأت الطريق‪ ،‬وعاجلت الداء ِ‬
‫ابلداء‪.‬‬
‫اهلروب من املشكلة ال يعين حلها‪.‬‬
‫وال يعني عليه‪.‬‬
‫ملاذا مل تكن جاداً‪ ،‬وَتاول حل املشكلة بنفسك‪.‬‬
‫اي مكارم ‪...‬‬
‫إن ختدير العقل انتحار لشخصية اإلنسان الداخلية‪.‬‬
‫واإلنسان بعقله وقلبه‪.‬‬
‫أما اجلسد فمجرد صندوق حلفظ اجلوهرة‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬جئت أحبث عن احلل‪.‬‬
‫وأطلب العالج‪.‬‬
‫(‪)189/1‬‬

‫عارف‪ :‬رغبتك يف العالج هي أول الطريق‪.‬‬


‫ومنهج الشريعة اإلسالمية هو العالج الوحيد‪.‬‬
‫لقد جنح يف عالج أُمة خممورة‪.‬‬
‫بكلمات من هدي هللا‪.‬‬
‫والناس حباجة إىل هدي هللا كحاجتهم إىل رزقه‪.‬‬
‫اي مكارم ‪...‬‬
‫إن الشريعة اإلسالمية حرمت اخلمر على مراحل‪.‬‬
‫تدريباً للناس على االمتناع‪.‬‬
‫وأول هذه املراحل هي ترسيخ العقيدة يف قلوهبم‪.‬‬
‫مما أكسب األوامر والنواهي الشرعية قداسة يف النفوس‪ ،‬جعلتها تلتزم أبوامر هللا‪.‬‬
‫وجتتنب نواهيه‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬هذا هو السبب يف احلقيقة‪.‬‬
‫لقد خسر العامل كثرياً عندما عاش مبعزل عن هدي هللا‪.‬‬
‫بلغت ستة ومخسني ألف‬
‫ذكر اللواء حممود شيت خطاب‪ :‬أ ّن خسائر الوالايت املتحدة على املدنني ْ‬
‫مليون دوالر عام ‪1978‬‬

‫(‪)190/1‬‬

‫ومع ذلك تضاعف عدد املدمنني عشرين مرة عن عددهم عام ‪.1964‬‬
‫عارف‪ :‬أحسنت اي مكارم‪.‬‬
‫بعد أن استقرت العقيدة‪ ،‬بدأ القرآن رحلة التشريع‪.‬‬
‫الس َكر‬
‫وقد جاء التحرمي للخمر على مراحل ‪ -‬كما قلت لك ‪ -‬فمنذ العهد املكي قابل القرآن بني َ‬
‫وبني الرزق احلسن‪.‬‬
‫واملقابلة تقتضي املغايرة‪.‬‬
‫فالس َكر ليس رزقاً حسناً‪.‬‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل َو ْاألَ ْعنَاب تَـتهخ ُذو َن م ْنهُ َس َك ًرا َوِر ْزقًا َح َ‬
‫سنًا} [النحل ‪. ]67‬‬ ‫{وم ْن َمثََرات النهخ ِ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫كان هذا يف مكة‪..‬‬
‫وبدأت النفوس تتعفف عنها‪.‬‬
‫مع أهنا مل َُترم بع ُد‪.‬‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر قُ ْل فِي ِه َما إِ ْمثٌ َكبِريٌ َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬
‫هاس َوإِ ْمثُُه َما‬ ‫ك َع ِن ْ‬
‫ويف املدينة نزل قوله تعاىل‪{ :‬يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫رب ِم ْن نَـ ْف ِع ِه َما} [البقرة ‪. ]219‬‬
‫أَ ْك َُ‬
‫وأدرك الصحابة أن‬

‫(‪)191/1‬‬

‫القرآن الكرمي وضع منافع اخلمر املادية بني إمثني‪.‬‬


‫رب ِم ْن نَـ ْف ِع ِه َما}‬ ‫{وَمنَافِ ُع لِلن ِ‬
‫هاس} َ ِ‬
‫{وإ ْمثُُه َما أَ ْك َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{في ِه َما إِ ْمثٌ َكبري} َ‬
‫وال خري يف منفعة مادية حماطة إبمثني‪.‬‬
‫فالدنيا ال تُغين عن اآلخرة‪.‬‬
‫ومرت األايم‪..‬‬
‫وبدأت النفوس مرحلة الشك يف منفعة اخلمر‪.‬‬
‫وشاء هللا أن يصلي أحد الصحابة ويقرأ يف صالته‪{ :‬قُ ْل َاي أَيُّـ َها الْ َكافِ ُرو َن (‪َ )1‬ال أَ ْعبُ ُد َما تَـ ْعبُ ُدو َن}‬
‫[أول الكافرون] ‪.‬‬
‫قرأها بدون (ال) قرأها أعبد ما تعبدون "فنزل َترمي الصالة وهم سكارى‪.‬‬
‫هِ‬
‫ص َالةَ َوأَنْـتُ ْم ُس َك َ‬
‫ارى َح هىت تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن} [النساء ‪]43‬‬ ‫آمنُوا َال تَـ ْق َربُوا ال ه‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َ‬
‫القرآن ينهاهم عن الصالة وهم سكارى‪.‬‬
‫ومل ينههم عن السكر‪.‬‬
‫فدفعهم احلرص على الصالة إىل ترك السكر‬
‫ش ِاء َوال ُْم ْن َك ِر}‬ ‫{إِ هن ال ه‬
‫ص َالةَ تَـ ْنـ َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬
‫[العنكبوت ‪]45‬‬

‫(‪)192/1‬‬
‫مكارم‪ :‬امتنعوا عن الشرب‪ ،‬مع أن اآلية الكرمية مل تنههم عنه ‪-‬‬
‫هذا وهللا هو سلطان العقيدة يف النفوس‪.‬‬
‫عارف‪ :‬الصالة ‪ -‬كما تعرف ‪ -‬موزعة من الفجر إىل العشاء فال وقت للسكر سوى الليل‪.‬‬
‫ضِ‬
‫اج ِع}‬ ‫وهبُ ْم َع ِن ال َْم َ‬‫اَف ُجنُ ُ‬
‫وبعضهم {تَـتَ َج َ‬
‫ألهنم كانوا {قَلِ ًيال ِم َن اللهْي ِل َما يَـ ْه َج ُعو َن (‪َ )17‬وِاب ْألَ ْس َحا ِر ُه ْم يَ ْستَـ ْغ ِف ُرو َن}‬
‫وهؤالء امتنعوا عن اخلمر قبل َترميها‪.‬‬
‫لقد هيأهم القرآن نفسياً قبل أن حيرمها عليهم‪.‬‬
‫فلما تنازع صحابيان يف جملس مسر‪ ،‬وقد لعبت اخلمر برؤوسهم فتسااب‪.‬‬
‫تضرع عمر إىل ربه أن يُنزل على النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫بياانً شافياً يف اخلمر‪.‬‬
‫فنزلت كلمة هللا اخلامتة ابلتحرمي املطلق‪.‬‬

‫(‪)193/1‬‬

‫اجتَنِبُوهُ لَ َعله ُك ْم‬ ‫اخلَمر والْم ْي ِسر و ْاألَنْصاب و ْاألَ ْزَالم ِرجس ِمن َعم ِل ال ه ِ‬ ‫هِ‬
‫ش ْيطَان فَ ْ‬ ‫آمنُوا إِ همنَا ْ ْ ُ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ ْ ٌ ْ َ‬ ‫ين َ‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫َ‬
‫ص هد ُك ْم َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫اء ِيف ْ‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْيس ِر َويَ ُ‬ ‫ضَ‬ ‫تُـ ْفلِ ُحو َن (‪ )90‬إِ همنَا يُ ِري ُد ال ه‬
‫ش ْيطَا ُن أَ ْن يُوقِ َع بَـ ْيـنَ ُك ُم ال َْع َد َاوةَ َوالْبَـ ْغ َ‬
‫َطيعوا ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل وع ِن ال ه ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َذ ُروا} [املائدة ‪90‬‬ ‫ول َو ْ‬ ‫يعوا ال هر ُس َ‬
‫اَّللَ َوأَط ُ‬ ‫ص َالة فَـ َه ْل أَنْـتُ ْم ُم ْنـتَـ ُهو َن (‪َ )91‬وأ ُ‬ ‫ِذ ْك ِر ه َ َ‬
‫‪]92 -‬‬
‫ملا سأهلم القرآن {فَـ َه ْل أَنْـتُ ْم ُم ْنـتَـ ُهو َن}‬
‫قالوا انتهينا اي رب‪.‬‬
‫هذه كلمة هللا األخرية يف موضوع اخلمر‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬ملاذا مل يُصرح القرآن بلفظ التحرمي؟‬
‫ان}‬ ‫س ِم ْن َع َم ِل ال ه‬
‫ش ْيطَ ِ‬
‫عارف‪ :‬كلمة { ِر ْج ٌ‬
‫أليست تصرحياً ابلتحرمي؟‪.‬‬
‫اجتَنِبُوهُ} ‪.‬‬‫مكارم‪ :‬أعين كلمة {فَ ْ‬
‫عارف‪ :‬األمر ابالجتناب ال يستعمله القرآن إال يف النهي عن األُمور الكبرية‪.‬‬
‫(‪)194/1‬‬

‫وت أَ ْن يـعب ُدوها وأ ََانبوا إِ َىل هِ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ه ِ‬


‫اَّلل َهلُ ُم الْبُ ْش َرى}‬ ‫اجتَـنَـبُوا الطهاغُ َ َ ْ ُ َ َ ُ‬
‫ين ْ‬
‫{والذ َ‬
‫َ‬
‫[الزمر ‪]17‬‬
‫ضبُوا ُه ْم يَـ ْغ ِف ُرو َن} [الشورى ‪]37‬‬
‫احش وإِذَا ما غَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َْجيتَنِبُو َن َكبَائَِر ِْ‬ ‫هِ‬
‫اإل ِْمث َوالْ َف َو َ َ َ‬ ‫{والذ َ‬ ‫َ‬
‫وت}‬‫اجتَنِبُوا الطهاغُ َ‬ ‫َن ا ْعبُ ُدوا ه‬
‫اَّللَ َو ْ‬ ‫{ولََق ْد بَـ َعثْـنَا ِيف ُك ِّل أُ هم ٍة َر ُس ً‬
‫وال أ ِ‬
‫َ‬
‫[النحل ‪]36‬‬
‫اجتَنِبُوا قَـ ْو َل ُّ‬
‫الزوِر}‬ ‫ِ‬ ‫الرج ِ‬ ‫{فَ ْ ِ‬
‫س م َن ْاأل َْوَاثن َو ْ‬ ‫اجتَنبُوا ِّ ْ َ‬
‫[احلج ‪]30‬‬
‫{اجتَنِبُوا} ومشتقاهتا ال يستعملها القرآن إال‬
‫فكلمة ْ‬
‫يف النهي عن األُمور الكبرية‪.‬‬
‫أل ّن االجتنباب يفيد التحرمي وزايدة‪.‬‬
‫فلة قلت لزوجتك ال تكلمي أخاك‪.‬‬
‫مث دخلت عليها فوجدهتا جتلس معه وال تكلمه‪.‬‬
‫فقد استجابت ألمرك‪.‬‬
‫أما لو طلبت منها اجتنابه فليس من حقها أن جتلس معه فضالً عن مكاملته ‪...‬‬
‫بدون تشيبه وهلل املثل األعلى ‪ -‬األمر ابجتنباب اخلمر يعين‬
‫عدم شرهبا وبيعها واجللوس مع شارهبا‪.‬‬

‫(‪)195/1‬‬

‫اب ر ِ‬
‫ال‬ ‫ض َي ه‬
‫اَّللُ َع ْنهُ قَ َ‬ ‫اخلَطه ِ َ‬ ‫عن ُع َم َر بْ ِن ْ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم يَـ ُق ُ‬
‫صلهى ه‬ ‫ول هِ‬ ‫هاس إِِّين َِمس ْع ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َاي أَيُّـ َها الن ُ‬
‫َّلل َوالْيَـ ْوِم ْاآل ِخ ِر فَ َال يَـ ْق ُع َد هن َعلَى َمائِ َدةٍ يُ َد ُار َعلَْيـ َها ِاب ْخلَ ْم ِر‪.‬‬
‫"من َكا َن يـ ْؤِمن ِاب هِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َْ‬
‫(رواه أْحد‪)120 .‬‬
‫وروى أن عمر بن عبد العزيز أمر جبلد مجاعة شربوا اخلمر‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬إن فيهم فالانً‪ ،‬وقد كان صائماً ‪ ,‬فقال عمر ابدؤوا به اجللد‪.‬‬
‫ت هِ‬
‫اَّلل يُ ْك َف ُر ِهبَا َويُ ْستَـ ْه َزأُ ِهبَا فَ َال‬ ‫اب أَ ْن إِذَا َِمس ْعتُم آاي ِ‬ ‫{وقَ ْد نَـ هز َل َعلَْي ُك ْم ِيف الْكِتَ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫أما مسعتم قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫يث غَ ِْريهِ إِنه ُك ْم إِذًا ِمثْـلُ ُه ْم}‬
‫وضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫تَـ ْق ُع ُدوا َم َع ُه ْم َح هىت َخيُ ُ‬
‫[النساء ‪. ]140‬‬
‫فاألمر ابالجتناب‪.‬‬
‫يتسع ليشمل شرهبا واجللوس مع شارهبا‪.‬‬
‫وعصرها‪ ،‬وبيعها‪ ،‬وأكل مثنها‪ ،‬وغري ذلك مما ال تتسع له كلمة التحرمي‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬أعتقد أ هن رسوخ العقيدة يف قلوب املؤمنني هو الذي هيأهم لاللتزام‪.‬‬

‫(‪)196/1‬‬

‫فاستطاعت كلمات القرآن أن تفعل ما عجز الغرب وأمريكا عن فعله‪.‬‬


‫عارف‪ :‬رسوخ العقيدة‪.‬‬
‫وسالمة منهج التشريع أمران ال ميكن الفصل بينهما‪.‬‬
‫وقد قمت بدراسة علمية حاولت فيها أن أتعرف‬
‫على احلكمة من التدرج يف َترمي اخلمر‪.‬‬
‫وخرجت من دراسيت بنتيجة إجيابية أرجو أن يستفيد منها من ييت بعدي‪.‬‬
‫وحسيب أنين دللته على الطريق؟‬
‫يف عام ‪ 1964‬اكتشف بعض العلماء أن املخ مزود خبالاي قابلة الستقبال املواد املُخدرة كاملورفني‪.‬‬
‫وأاثر هذا االكتشاف تساؤالت كثرية يف ذهن العلماء‪.‬‬
‫من هذه التساؤالت‪ :‬ملاذا خلقت هذه اخلالاي يف مخ احليوان؟‬
‫وما دور هذه اخلالاي عند املدمنني للمخدرات؟‬
‫وهل ميكن أن تكون هذه اخلالاي معطلة عند غري املدمنني؟‬
‫تساؤالت كثرية‪.‬‬

‫(‪)197/1‬‬
‫دفعت العلماء إىل الدراسة املعملية اجلادة‪،‬‬
‫اليت أوصلتهم إىل اكتشاف سر عجيب‪.‬‬
‫فبعد أعوام من الدراسة املتواصلة اكتشفوا أن املخ به‬
‫خالاي تفرز مادة مهدئة تعمل على تسكني آالم اجلسم الداخلية‪.‬‬
‫فاملخ ينتج مادة مهدئة لآلالم‪.‬‬
‫وتقوم خالايه ابستقبال هذه املادة واإلفادة منها‪.‬‬
‫توازن داخلي عجيب‪.‬‬
‫جعل العلماء يقولون‪ :‬سيأيت اليوم الذي ال يُسمح فيه ببيع املخ من رأس الذبيحة أل هن شركات‬
‫األدوية ستحصل على املخ احليواين الستخراج هذه املادة منه‪.‬‬
‫كما تقوم الغدة النخامية بفرز مثل هذه املادة لتسكني اآلالم‪.‬‬
‫معامل ختدير بداخل اجلسد‪.‬‬
‫أل ّن احليوان ال جيد من يشكو له آالمه‪.‬‬

‫(‪)198/1‬‬

‫مكارم‪ :‬أي مادة هذه اي شيخ عارف؟‬


‫عارف‪ :‬أطلق عليها العلماءُ اسم "بيتا أندورفني"‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬يعين ‪ -‬مسكن داخلي‪.‬‬
‫عارف‪ :‬سبحان هللا ‪ -‬اجلسم عامل متكامل‪.‬‬
‫وتوازن عجيب‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬ما دام األمر هكذا‪.‬‬
‫فاملخدرات تقلل من إنتاج اجلسم الداخلي هلذه املادة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كلما زادت اجلرعة اخلارجية قبل إنتاج اجلسم الداخلي‪ ،‬حىت تتوقف الغدد متاماً عن إنتاج‬
‫"البيتا أندورفني" يف حالة اإلدمان‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬لعل هذا هو السبب يف االهنيار الذي يصيب املدمن إذا امتنع عن التعاطي مرة واحدة؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬لست طبيباً حىت أقطع يف هذه األمور‪.‬‬
‫ولكنين أتتبع كل ما ينشر يف هذه اجملاالت‪.‬‬
‫وأُانقش األطباء املتخصصني‪.‬‬
‫وأعرف أن الطب اآلن‬

‫(‪)199/1‬‬

‫ميكنه أن يثري خالاي ِّ‬


‫الفص األمامي يف املخ (مبرور تيار كهرابئي مستمر ضعيف) فيقوم املخ بفرز مادة‬
‫"األندورفني" أو املسكن الداخلي ‪ -‬كما قلت لك ‪ -‬املهم أل هن تعاطي املخدرات يقلل من إنتاج‬
‫اجلسم ملادة "البيتا أندورفني" حىت يتوقف اإلنتاج الداخلي متاماً يف حاالت اإلدمان‪.‬‬
‫فإذا رغب املدمن يف العالج فعليه أن ينقص من كل قرص (ربع قرص) مثالً ‪ -‬فسوف تبدأ خالاي‬
‫املخ يف اإلنتاج لتعوض النقص‪.‬‬
‫وبعد أُسبوع أو شهر ينقص الكمية (ربع قرص آخر) وهكذا فإن الجسم سيقوم بتعويض النقص‬
‫اخلارجي‪ ،‬حىت تستعيد اخلالاي نشاطها‪.‬‬
‫ويستغىن اجلسم عن املخدر كيوم خلقه هللا‪.‬‬
‫ولعل هذا هو السبب يف َترمي اخلمر على مراحل‪.‬‬
‫اي مكارم‪..‬‬
‫لقد عاجل القرآن أُمة‬

‫(‪)200/1‬‬

‫مدمنة بكلمات من وحي هللا‪.‬‬


‫مازالت تُقرأ على أمساعنا‪.‬‬
‫بينما فشل العامل (يف عصر الفضاء* يف وضع عالج للمشكلة‪.‬‬
‫أحد الغربيني دخل مصحة لعالج املدمنيني‪.‬‬
‫وقضى هبا عدة أشهر‪ ،‬ويوم خروجه منها أقام أصدقاؤه حفالً مبناسبة شفائه من اإلدمان‪ ،‬وقام هذا‬
‫الرجل بشرب اخلمر معهم ابتهاجاً هبذه املناسبة‪.‬‬
‫أما عن سلفنا فقد اشرتى أحد الصحابة قافلة من مخر الشام‪ ،‬وملا وصل هبا إىل املدينة لبيعها‪ ،‬علم‬
‫أن هللا حرم اخلمر‪.‬‬
‫فأانخ اجلمال وسكب ما عليها من مخور‪.‬‬
‫"تدخل شيماءُ وخترب والداها أبن جهاز التليفزيون تعطل وهي تريد مشاهدة أفالم كرتون" فسأل‬
‫عارف ضيفه‪ :‬هل تعرف أحداً جييد إصالح هذا اجلهاز؟‬

‫(‪)201/1‬‬

‫مكارم‪ :‬توكيل الشركة املنتجة للجهاز أفضل‪.‬‬


‫عارف‪ :‬أحسنت‪..‬‬
‫منتج اجلهاز أعلم بسره‪ ،‬وأقدر على إصالحه‪.‬‬
‫وهللا سبحانه أقدر على هداية خلقه ‪ -‬وهلل املثل األعلى ‪ -‬اي مكارم ‪...‬‬
‫اَّللُ فَـ ُه َو ال ُْم ْهتَ ِد َوَم ْن‬
‫{م ْن يَـ ْه ِد ه‬
‫اإلسالم هو التوكيل الوحيد يف األرض القادر على إصالح الناس َ‬
‫ضلِ ْل فَـلَ ْن َِجت َد لَهُ َولِياا ُم ْر ِش ًدا}‬ ‫يُ ْ‬
‫[الكهف ‪]17‬‬
‫اإل ْس َالِم ِدينًا فَـلَ ْن يُـ ْقبَ َل ِم ْنهُ}‬
‫ري ِْ‬ ‫{وَم ْن يَـ ْبـتَ ِغ غَ ْ َ‬
‫َ‬
‫[آل عمران ‪. ]85‬‬
‫مكارم‪ :‬إن العامل جرب كل وسيلة فلم خيفف من شقائه‬
‫ملاذا ال ُجيرب اإلسالم؟!‬
‫عارف‪ :‬أل هن واقع األُمة اإلسالمية اليوم ال جيلي عظمة اإلسالم للجاهلني به‪.‬‬
‫بل رمبا يسيء واقعهم إىل اإلسالم نفسه‪.‬‬
‫وأذكر أن أحد علماء الغرب أسلم وهو يف بلده‪.‬‬
‫مث زار بعض بالد املسلمني‬

‫(‪)202/1‬‬

‫فقال‪ :‬احلمد هلل الذي هداين لإلسالم قبل أن أرى املسلمني‪.‬‬


‫مكارم‪ :‬اإلسالم نور‪ ،‬ومن يغمض عينيه دون النور يُضري بعينيه‪،‬‬
‫وال يضري النور‪.‬‬
‫بقى عندي كثري من التساؤالت اليت يثريها من كنت أجلس معهم من السكارى‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬إن املشروابت اليت يشربوهنا اليوم ختتلف عن اخلمر الذي حرمه القرآن‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اخلمر كل ما خامر العقل وغيبه‪.‬‬
‫وكل ما أسكر كثريه فقليله حرام‪.‬‬

‫يذكرين كالمهم هذا مبا رواه عبادة بن الصامت عن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إنه قال‪:‬‬
‫وهنَا إِ هايهُ"‪.‬‬ ‫س ِم ْن أُ هم ِيت ْ ِ‬
‫اخلَ ْم َر اب ْس ٍم يُ َ‬
‫س ُّم َ‬ ‫ب َان ٌ‬
‫"يَ ْش َر ُ‬
‫(رواه ابن ماجة‪)3376 .‬‬
‫ويف رواية أيب أمامة أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫وهنَا بِغَ ِْري ِْ‬
‫امس َها"‪.‬‬ ‫س ُّم َ‬ ‫يها طَائَِفةٌ ِم ْن أُ هم ِيت ْ‬
‫اخلَ ْم َر يُ َ‬
‫"ال تَ ْذهب اللهي ِايل و ْاأل هَايم ح هىت تَ ْشر ِ‬
‫بفَ‬‫ََ‬ ‫َ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫(رواه ابن ماجة‪)3375 .‬‬

‫(‪)203/1‬‬

‫فتغيري األمساء ال يعين تغيري احلكم‪.‬‬


‫فكل مسكر مخر‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫روت عائشة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قَ َ‬
‫ف ِم ْنهُ َح َر ٌام"‪.‬‬
‫َس َك َر الْ َف َر ُق ِم ْنهُ فَ ِم ْلءُ الْ َك ِّ‬ ‫ِ‬
‫" ُك ُّل ُم ْسك ٍر َح َر ٌام َما أ ْ‬
‫(رواه الرتمذي‪. )1789 .‬‬
‫والْ َف َر ُق كيل معروف ابملدينة‪.‬‬
‫واإلمام الشوكاين يقول‪ :‬املراد ابل َف َرق وملء الكف التمثيل‪،‬‬
‫فالتحرمي يشمل مقدار القطرة الواحدة وحنوها‪..‬‬
‫مكارم‪ :‬بعضهم ال يسكر حىت شرب قنطاراً‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هؤالء تسممت أجسامهم‪.‬‬
‫واألصل يف السكر وعدمه الرجل العادي‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬بعضهم يتداوى هبا‪.‬‬
‫أو على األقل يدعي هذا‪.‬‬
‫عارف‪ :‬الشفاءُ مبا مظنون‪.‬‬
‫والتحرمي متيقن‪.‬‬

‫(‪)204/1‬‬

‫واملظنون ال يدفع املتيقن‪.‬‬


‫فتاوى اإلمام عبد احلليم حممود اي مكارم ‪...‬‬
‫إن اخلمر مل يتعني للتداوي‪.‬‬
‫فالعلم كل يوم يكشف جديداً يف علم الدواء‪.‬‬
‫وما مسعنا عن طبيب وصف اخلمر ملريضه أبداً‪.‬‬
‫ولكن السكارى من الناس يصفوهنا للمرضى‪.‬‬
‫ويقولون‪ْ :‬‬
‫اسأل ُجمرب‪.‬‬
‫وال تسأل طبيباً‪.‬‬
‫ِ‬ ‫{وي ِري ُد اله ِذين يـتهبِعو َن ال ه ِ ِ‬
‫ش َه َوات أَ ْن َمتيلُوا َم ْي ًال َعظ ً‬
‫يما}‬ ‫ََ ُ‬ ‫َُ‬
‫[النساء ‪. ]27‬‬
‫اخلمر داءٌ ‪...‬‬
‫فكيف تتصور أنه دواءٌ؟!‬
‫مكارم‪ :‬اخلمر يساعد على اهلضم مثالً ‪...‬‬
‫ومع هذا فهناك أدوية بديلة تساعد على اهلضم‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ملاذا ال أتكل املقدار الذي تطيقه املعدة فقط؟‬
‫الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كان ينصح دائماً‪:‬‬
‫بقوله ثلث لطعامك‪.‬‬
‫وثلث لشرابك‪.‬‬
‫وثلث لنَـ َفسك‪.‬‬

‫(‪)205/1‬‬
‫وشعور شارب اخلمر بسرعة اهلضم خداع‪.‬‬
‫الذي حيدث أن اخلمر يسبب احتقاانً يف جدار املعدة‪،‬‬
‫فيقوم جدار املعدة بفرز مقدار من املخاط ليحمي نفسه من القرحة‪.‬‬
‫وَتاول املعدة طرد كل ما فيها من طعام يف أسرع وقت‪.‬‬
‫بدون أن يستفيد منه اجلسم‪.‬‬
‫وهذا الطرد السريع هو الذي يتومهه شارب اخلمر سرعة هضم‪.‬‬
‫"راجع اليد الطيب للدكتور كيلوج" فالشعور ابهلضم خداع‪.‬‬
‫وخطورهتا على جدار املعدة حقيقة اثبتة‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬والشعور ابلدفء خداع أيضاً؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬اي مكارم حرارة اجلسم اثبتة ‪ -‬كما تعلم ‪ -‬فإذا تعرض اإلنسان للربد الشديد فإن أعضاء‬
‫اجلسم الظاهرة كاألطراف مثالً ميكن أن جنلب هلا الدفء أما األعضاء الداخلية فال نستطيع إدفاءها‪.‬‬
‫لذلك ‪...‬‬

‫(‪)206/1‬‬

‫يقوم اجلسم بتضييق األوردة اليت َتمل الدم إىل األطراف‪.‬‬


‫وتوسيع األوردة اليت َتمل الدم داخل اجلسم‪ ،‬ليضمن تدفئة‪.‬‬
‫األعضاء الداخلية‪.‬‬
‫واخلمر ُحيدث عكس ما يريده هللا‪.‬‬
‫فهو يوسع األوردة املتجهة ابلدم إىل األطراف‪.‬‬
‫فتشعر ابلدفء بينما يقل الدفء الداخلي بدون أن تشعر فاهلل يريد إدفاء املخ‪.‬‬
‫واخلمر تدفئ األطراف على حساب املخ وبقية األعضاء الداخلية األُخرى‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬أان أأتمل من الربد إذا أصاب يدي‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كل عضو ميكن أن ندفئه بلبس الصوف مثالً ومع ذلك يؤدي وظيفته‪.‬‬
‫إال العني لو حاولنا إدفاءها فسوف تتعطل وظيفتها‪.‬‬
‫من أجل ذلك جعل هللا جلد العني ال حيس الربد‪ ،‬وال يتأثر به‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬إن هللا نظم جسم اإلنسان تنظيماً عجيباً‪.‬‬
‫(‪)207/1‬‬

‫عارف‪ :‬واخلمر هتدم نظام هللا يف جسم اإلنسان‪.‬‬


‫مكارم‪ :‬إن بعض املرضى يشربوهنا لتسكني آالمهم فقط مدة العالج‪.‬‬
‫عارف‪ :‬مشكلة هؤالء أن آالم تربأ ابلعالج‪ ،‬ويظل اجلسم يطلب بعد ذلك يتطلب اخلمر أو املخدر‪،‬‬
‫ألهنا خالطت الدم‪.‬‬
‫مكارم‪:‬‬
‫دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ ‪ ...‬وداوين ابليت كانت هي الداءُ‬
‫عارف‪ :‬أجل‪ ..‬هي الداءُ‪ .‬وليست الدواء‪.‬‬
‫وهذا ما قاله املعصوم ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عندما سأله طارق بن سويد عن اخلمر يصنعها‬
‫للدواء‪.‬‬
‫َع ْن َع ْل َق َمةَ بْ ِن َوائِ ٍل َع ْن أَبِ ِيه ذَ َك َر طَا ِر ُق بْ ُن ُس َويْ ٍد أ َْو ُس َويْ ُد بْ ُن طَا ِر ٍق‬
‫ال‬ ‫يب هِ‬
‫اَّلل إِ ههنَا َد َواءٌ قَ َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم َع ْن ْ‬
‫اخلَ ْم ِر فَـنَـ َهاهُ مثُه َسأَلَهُ فَـنَـ َهاهُ فَـ َق َ‬
‫ال لَهُ َاي نَِ ه‬ ‫صلهى ه‬ ‫َسأ ََل النِ ه‬
‫هيب َ‬
‫ِ‬ ‫هيب صلهى ه ِ‬
‫هها َداءٌ"‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم َال َولَكنـ َ‬ ‫النِ ُّ َ‬
‫(رواه أبو داوود‪. )3375 .‬‬
‫اَّلل ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬و ُه َو يَـ ْغلِى فَـ َق َ‬
‫ال‬ ‫ول هِ‬ ‫ت نَبِي ًذا َِف ُكوٍز فَ َد َخ َل َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬نَـبَ ْذ ُ‬ ‫َع ْن أُِّم َسلَ َمةَ قَالَ ْ‬
‫اَّلل ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إِ هن ه‬
‫اَّللَ َملْ َْجي َع ْل‬ ‫ول هِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت َهلَا َه َذا فَـ َق َ‬ ‫ت ابْـنَةٌ ِىل فَـنَـ َع ُّ‬‫ْت ا ْشتَ َك ِ‬‫َما َه َذا قُـل ُ‬
‫يما َح هرَم َعلَْي ُك ْم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ُك ْم ف َ‬‫ش َف َ‬
‫(رواه البيهقي‪)20171 .‬‬

‫(‪)208/1‬‬

‫مكارم‪ :‬احلمد هلل ‪ -‬قد امتنعت عن اخلمر فلن أشرهبا إال يف املناسبات فقط‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أبو النواس اتب على يد أحد الصاحلني‪.‬‬
‫وعاهده أال يشرب اخلمر إال يف حالتني فقط‪.‬‬
‫إذا كان مسروراً‪ ،‬أو كان حزيناً ‪ ,‬فكانت النتجة أنه شرهبا يوماً ألنه مكروب‪.‬‬
‫وشرهبا يف اليوم الثاين أل هن هللا قد فرج كربه‪ ،‬وهكذا ال ختلو حياة الناس من الفرح واحلزن‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬لعل األقراص املخدرة أقل حرمة وضرراً‪.‬‬
‫ري أَ ْم قَـ ْو ُم تُـبه ٍع} ؟‬
‫يهز رأسه ويقرأ‪{ :‬أ َُه ْم َخ ٌْ‬
‫عارف‪ُّ " :‬‬
‫مكارم‪ :‬يبتسم ويقول‪ :‬ال خري فيهم وال يف قوم تُبع‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ال خري يف اخلمر وال يف املخدر‪.‬‬
‫احضر كتاب‬

‫(‪)209/1‬‬

‫"سبل السالم للصنعاين" يفتح اجلزءُ الرابع ص ‪1321‬‬


‫ويقرأُ‪ :‬كل ما أسكر من أي شيء‪ ،‬وإن مل يكن مشروابً‪ ،‬فهو حرام‪.‬‬
‫كاحلشيش واألفيون‪ ،‬ألهنا َُتدث يف اجلسم ما ُحيدثه اخلمر من الطرب والنشوة‪.‬‬
‫وإذا سلمنا بعدم حدوث السكر فهي ُمفرتة‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود‪ :‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هنى عن كل مسكر ٍّ‬
‫ومفرت‪.‬‬
‫وقال العالمة العراقي‪ :‬املفرت كل شراب يورث الفتور واخلور يف األعضاء‪.‬‬
‫واإلمام ابن تيمية قال عن املخدر‪ :‬إنه شر من اخلمر من بعض الوجوه‪ ،‬ألنه يصعب الفطام عنه‪ ،‬أي‬
‫التخلص منه‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬كنت أسأل من أجل الذين جتمعين هبم جمالس الشراب أُريد إقناعهم‪.‬‬

‫(‪)210/1‬‬

‫عارف‪ :‬ال أمل يف العالج ما دمت جتلس معهم‪.‬‬


‫فتأثريهم عليك أخطر من دعوتك إلصالحهم‪.‬‬
‫جدد حياتك‪.‬‬
‫وحاول أن تُنقض الكمية اليت تتعاطاها ابلتدريج‪ ،‬ليقوم اجلسم بفرز "بيتا أندورفني" ‪ -‬كما قلت لك‬
‫‪ -‬وكلما م هر أُسبوع أنقصت الكمية‪ ،‬حىت تنشط الغدد الداخلية‪ ،‬وتستغىن عن هذا البالء ‪ -‬إن شاء‬
‫هللا‪.‬‬
‫لقد عاجلت قبلك هبذا املنهج ثالثة من الشباب‪.‬‬
‫عادوا اليوم إىل رشدهم واحلمد هلل‪.‬‬
‫{سيَـ ُقولُو َن ثََالثَةٌ َرابِ ُع ُه ْم َك ْلبُـ ُه ْم}‬
‫مكارم‪ :‬اطمئن‪َ .‬‬
‫[الكهف ‪. ]22‬‬
‫{ولََق ْد َك هرْمنَا بَِين َ‬
‫آد َم}‬ ‫عارف‪َ :‬‬
‫[اإلسراء ‪. ]70‬‬
‫مكارم‪ :‬كرمهم ابلعقل الذي حناول قتله‪.‬‬
‫كل خلية يف جسم اإلنسان متوت وينشأ غريها‪،‬‬
‫عارف‪ّ :‬‬

‫(‪)211/1‬‬

‫حىت قال العلماءُ‪ :‬إن اجلسم يتغري بكامله كل ست سنوات تقريباً‪.‬‬


‫إال خالاي األعصاب واملخ‪ ،‬فهي وحدها اليت يولد هبا اإلنسان ومتوت مبوته‪.‬‬
‫خالاي األعصاب واملخ ال تتغري أبداً‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬جهاز األعصاب حيكم تصرفات اإلنسان‪.‬‬
‫وندرك به السعادة واآلالم‪.‬‬
‫إن هدأ هان كل شيء‪.‬‬
‫وإن اثر فعلى الدنيا السالم‪.‬‬
‫ومع ذلك فنحن نتلفه أبيدينا‪.‬‬
‫مث يضحك ويقول ‪ :-‬إذا صحا ضمريي حلظة من الوقت‪ ،‬واستنكر علي سلوكي‪.‬‬
‫فإنين أحاول خداع نفسي‪.‬‬
‫أخدعها بقويل‪ :‬ما دمت أُؤمن ابهلل‪.‬‬
‫فال يضر مع اإلميان معصية‪.‬‬
‫عارف‪ :‬املعصية تضر ابإلميان نفسه‪.‬‬
‫فكيف ال تضر املؤمن؟‪.‬‬
‫وقولك "ال يضر مع اإلميان معصية"‬
‫يهدم كل القيم اليت دعا إليها اإلميان‪.‬‬
‫فاإلميان النظري ال وزن له عند هللا‪.‬‬

‫(‪)212/1‬‬

‫وكل آايت القرآن تربط بني اإلميان والعمل الصاحل‪.‬‬


‫إن عشق اإلميان ‪ -‬بدون عمل ‪ -‬ينتهي حبسن الكالم عنه فقط‪.‬‬
‫مث يطوى األمر دون نتيجة‪.‬‬
‫وهذا لون االدعاء‬
‫{اي أَيُّـها اله ِذين آمنوا ِمل تَـ ُقولُو َن ما َال تَـ ْفعلُو َن (‪َ )2‬كرب م ْقتا ِعنْ َد هِ‬
‫اَّلل أَ ْن تَـ ُقولُوا َما َال تَـ ْف َعلُو َن}‬ ‫َُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ َ‬
‫[الصف ‪. ]3 - 2‬‬
‫ويعجبين كلمة لألُستاذ اإلمام حممد الغزايل‪:‬‬
‫إن الدين منهج كامل للرقي والتهذيب‪ ،‬ولكن اإلفادة منه ال تتم إبدارة معلومات دينية بني األلسنة‬
‫واألمساع‪ ،‬وال ابستيعاب أحكامه يف الذاكرة‪.‬‬
‫فهذا التناول للدين قليل النفع‪ ،‬بل عدمي اجلدوى‪.‬‬
‫وقد جاء عن أحد التابعني‪ :‬كنا نستعني على حفظ أحاديث الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫ابلعمل هبا‪.‬‬
‫فاملعصية تضر املؤمن ما مل يتب منها‪.‬‬

‫(‪)213/1‬‬

‫أكثر من هذا اي شيخ عارف أنين كنت أقرأ قوله تعاىل‪:‬‬ ‫مكارم‪ُ :‬‬
‫يما طَ ِع ُموا}‬ ‫ت جنَ ِ‬
‫{لَْيس َعلَى اله ِذين آمنُوا و َع ِملُوا ال ه ِ ِ‬
‫اح ف َ‬
‫صاحلَا ُ ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫[املائدة ‪.. ]93‬‬
‫فأقول‪ :‬ما دمت مؤمناً ابهلل‪.‬‬
‫فال يضرين طعام‪.‬‬
‫عارف‪ :‬لو صح فهمك لآلية الكرمية ألصبح كل حمظوٍر حالالً على املؤمن‪.‬‬
‫وهذا ابطل‪.‬‬
‫هذه اآلية الكرمية ال نستطيع فهمها إال إذا عرفنا سبب نزوهلا‪.‬‬
‫وهو أن بعض الصحابة استشهد يف سبيل هللا ويف بطنه مخر ‪ -‬كان قتل قبل َترميها ‪ -‬فسأل‬
‫الصحابة رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن إخواهنم‪ :‬هل سينال أجر الشهداء‪ ،‬أم ستحول‬
‫اخلمر بينهم وبني اجلنة؟ فنزلت اآلية الكرمية تطمئنهم أن سبحانه ال حياسب عباده على ذنب قبل أن‬
‫حيرمه ابلنص الصريح‪.‬‬
‫ألنه ال جرمية وال عقوبة بال نص‪.‬‬

‫(‪)214/1‬‬

‫مكارم‪ :‬أعرتف أهنا أوهام عشت فيها‪.‬‬


‫وخدعت هبا نفسي‪.‬‬
‫خدعت نفسي عندما تصورت أن اخلمر وسيلة للنسيان‪.‬‬
‫وخدعت نفسي عندما اعتقدت أن اإلميان وحده يكفي بدون عمل أو التزام‪.‬‬
‫السفهاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫وخدعت نفسي من قبل عندما اعتقدت أ ّن (العصرية) تعين أُن أَجاري‬
‫حىت ال يصفونين ابلتخلف‪.‬‬
‫علي فال أموت ويف بطين شيء منها‪.‬‬
‫أسأل هللا أن يتوب ّ‬
‫عارف‪ :‬قرأت يف كتاب "موارد الظمآن" أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪ :‬ما من أحد‬
‫يشرهبا فال تقبل صالته أربعني يوماً‪.‬‬
‫وال ميوت ويف مثانته منها شيء إال حرمت عليه اجلنة‪.‬‬
‫فمن شرب مخر الدنيا حرمها يف اآلخرة‪.‬‬
‫ومع عذاب اآلخرة فإن الشارب ال يفلت من التأديب يف الدنيا‪.‬‬
‫فالنيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬جلد شارب اخلمر أتدبياً له‪.‬‬
‫جلده أربعني جلدة‪.‬‬

‫(‪)215/1‬‬
‫وجلده أكثر‪.‬‬
‫جلد كل إنسان مبا يؤدبه‪.‬‬
‫فمعادن الناس ختتلف‪.‬‬
‫والقرآن الكرمي حيدد عدد اجللدات كما فعل يف حد الزان وح ّد القذف‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أتى برجل شرب اخلمر‬
‫فجلده النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬جبريدتني حنو أربعني جلدة‪.‬‬
‫وفعله أبو بكر أي جلد أربعني‪.‬‬
‫فلما كان عهد عمر بن اخلطاب استشار الناس‪.‬‬
‫فقال عبد الرْحن بن عوف ُّ‬
‫أخف احلدود يف احلدود مثانون‪.‬‬
‫فأمر به عمر "متفق عليه"‬
‫مكارم‪ :‬ملاذا اقرتح عبد الرْحن ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬مثانني؟‬
‫عارف‪ :‬ألنه إن شرب سكر‪.‬‬
‫وإن سكر هذى‪.‬‬
‫وإن هذى افرتى‪ ،‬وإن افرتى وقع يف أعراض الناس فجلده عمر حد القذف‪.‬‬

‫(‪)216/1‬‬

‫مكارم‪ :‬هل من حق احلاكم أن يزيد أو ينقص يف احلدود‪.‬‬


‫عارف‪ :‬اإلمام الشافعي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬اعترب األربعني هي احلد‪.‬‬
‫وما زاد عليها "تعذيراً" للقاضي أن يعاقب به‪ ،‬أو ببعضه‪ ،‬حسب حالة الشارب النفسية‪.‬‬
‫كما أن له أن جيلد األربعني فقط‪.‬‬
‫وحنن قد أمران ابتباع سنة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعده‪.‬‬
‫جاء يف صحيح مسلم عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ْب َح رْك َعتَ ْ ِ‬ ‫يد قَ ْد َ ه‬ ‫أُِيت ِابلْولِ ِ‬
‫ب ْ‬
‫اخلَ ْم َر‬ ‫ش ِه َد َعلَْيه َر ُج َالن أ َ‬
‫َح ُد ُمهَا ْحُْ َرا ُن أَنههُ َش ِر َ‬ ‫ال أَ ِزي ُد ُك ْم فَ َ‬ ‫ني مثُه قَ َ‬ ‫صلى ُّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ال َعل ٌّي قُ ْم‬ ‫ِ‬
‫اجل ْدهُ فَـ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُعثْ َما ُن إِنههُ َملْ يَـتَـ َقيهأْ َح هىت َش ِرَهبَا فَـ َق َ‬ ‫َو َش ِه َد َ‬
‫آخ ُر أَنههُ َرآهُ يَـتَـ َقيهأُ فَـ َق َ‬
‫ال َاي َعل ُّي قُ ْم فَ ْ‬
‫ال اي عب َد هِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلِ ْدهُ فَـ َق َ‬
‫اَّلل بْ َن َج ْع َف ٍر‬ ‫س ُن َو ِّل َحا هرَها َم ْن تَـ َو هىل قَا هرَها فَ َكأَنههُ َو َج َد َعلَْيه فَـ َق َ َ َ ْ‬ ‫ال ا ْحلَ َ‬ ‫س ُن فَ ْ‬‫َاي َح َ‬
‫ال أ َْم ِس ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قُم فَ ِ‬
‫ك مثُه‬ ‫اجل ْدهُ فَ َجلَ َدهُ َو َعل ٌّي يَـ ُع ُّد َح هىت بَـلَ َغ أ َْربَع َ‬
‫ني فَـ َق َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫هيب صلهى ه ِ‬
‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم أ َْربَع َ‬
‫ني‬ ‫ال َجلَ َد النِ ُّ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ِ‬
‫ب إِ َه‬
‫يل"‪.‬‬ ‫َح ُّ‬‫ني َوُكلٌّ ُسنهةٌ َو َه َذا أ َ‬ ‫ني َو ُع َم ُر َمثَانِ َ‬
‫َو َجلَ َد أَبُو بَ ْك ٍر أ َْربَع َ‬
‫(رواه مسلم‪. )3220 .‬‬
‫فاألربعون ُسنّة‪ .‬والثمانون ُسنّة‪.‬‬

‫(‪)217/1‬‬

‫والقاضي ابخليار‪.‬‬
‫املهم حدوث التأديب‪.‬‬
‫والناس خيتلفون يف احلساسية والكرامة‪.‬‬
‫فمنهم من تؤدبه الكلمة ومنهم ما ال يهذبه ضرب احلمري‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬اجللد عملية بدائية‪.‬‬
‫هتني كرامة اإلنسان‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ما هو البديل يف تصورك؟‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬السجن‪.‬‬
‫عارف‪ :‬قانون العقوابت يف اإلسالم مبين على املسؤولية الفردية‪.‬‬
‫فال تتحمل نفسي أخطاء نفس أُخرى‪.‬‬
‫{وَال تَ ِزُر َوا ِزَرةٌ ِو ْزَر أُ ْخ َرى}‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫[اإلسراء ‪]15‬‬
‫وهذا هو العدل املطلق‪.‬‬
‫فعندما جلد اإلسالم اجلاين‪َ ،‬تمل اجلاين وحده العقوبة‪.‬‬
‫أما عندما يودع يف السجن فسوف يتحمل األبرايء كثرياً من املتاعب بدون مشاركة منهم يف اجلرمية‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬السجن له وحده‪.‬‬

‫(‪)218/1‬‬
‫عارف‪ :‬وزوجته ‪...‬‬
‫ماذا جنت حىت تعيش السنوات الطوال بال زوج‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬من حقها أن تطلب الطالق‪.‬‬
‫والقاضي يطلقها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬طالق زوجته يضيف إليه عقوبة مل ينص عليها "قانون العقوابت"‬
‫ومل حكموا ابلسجن‪ ،‬وخراب البيت‪ ،‬وضياع األوالد‪.‬‬
‫ولكن كل هذا حيدث ابلفعل‪.‬‬
‫فماذا جىن كل هؤالء؟‪.‬‬
‫وما ذنب الدولة اليت حكمت بسجنه؟‬
‫وكم تتحمل من نفقات على السجون؟‬
‫وكم تتحمل من خسائر نظري تعطيل الطاقات املنتجة داخل السجن‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬كما تتحمل نفقات الرتبية والتعليم يف ِّ‬
‫أي مرحلة وهذا واجبها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ال أنكر حماولة الدولة توجيه السجناء وإصالحهم‪.‬‬

‫(‪)219/1‬‬

‫ولكنين ال أجهل اآلاثر السيئة الجتماع السجني مبحرتيف اإلجرام داخل السجن‪.‬‬
‫فكثرياً ما يكون السجن مدرسة لالحنراف‪.‬‬
‫وأسألك‪ :‬ملاذا يعمل بعض السجناء على العودة للسجن؟‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬أل هن احلياة تُغلق أبواهبا يف وجوههم‪.‬‬
‫عارف‪ :‬تطاردهم لعنة اجلرمية ‪ -‬حىت بعد توبتهم!!‪.‬‬
‫ُوتغلق احلياة أبواهبا يف وجوههم‪.‬‬
‫فريون السجن أرحم‪.‬‬
‫أما العقوبة يف اإلسالم فعقوبة أتديب‪ ،‬ال يتبعها مطاردة وال لعنة‪.‬‬
‫لقد جلد النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬شارابً للخمر فلما سبهه الناس ولعنوه‪ ،‬قال هلم النيب ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬ال تقولوا هذا‪.‬‬
‫ولكن قولوا اللهم اغفر له‪ .‬اللهم ارْحه‪.‬‬
‫"سبل السالم جـ ‪ 4‬ص ‪ "28‬ويف حادثة أُخرى قال النيب الكرمي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪:-‬‬
‫" ال تلعنوه فإنه حيب هللا ورسوله "‪.‬‬
‫(مسند أيب يعلى‪. )164 .‬‬

‫(‪)220/1‬‬

‫فالعقوبة يف اإلسالم (فردية) ‪.‬‬


‫ال يتحمل فيها األبرايء شيئاً من العقاب‪ ،‬كما أهنا (وقتية) ال يتبعها لعنة اجملتمع‪ ،‬وال تُغلق أبواب‬
‫احلياة يف وجهه‪.‬‬
‫ابهلل عليك السجن أم اجللد؟‪.‬‬
‫مر‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬أمران أحالمها ٌّ‬
‫عارف‪ :‬اي مكارم اي ولدي‪.‬‬
‫كنت أدرس التعويضات اليت جتب يف حالة االعتداء على النفس‪.‬‬
‫فوقفت طويالً عندما كتبه النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف كتابه لعمرو بن حزام من قوله ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪" :-‬يف العقل الدية" أي الدية كاملة‪.‬‬
‫فمن اعتدى على رجل فضربه فأذهب عقله فعليه دية كاملة‪.‬‬
‫أل هن العقل يساوي النفس‪.‬‬
‫وما بقى من اإلنسان بعد ف ْق ِد عقله فالقرب أسرت له‪.‬‬
‫وأرحم به من عبث السفهاء‪.‬‬
‫وحيضرين أن قوماً من العرب استضافوا‬

‫(‪)221/1‬‬

‫امرأة‪ ،‬وسقوها مخراً‪ ،‬فلما عبثت اخلمر هبا سألتهم‪ :‬أتشرب نساؤكم من هذه؟ قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وهللا إن أحدكم ال يدري من أبوه‪.‬‬
‫مكارم‪ :‬احلمد هلل أُمي مل تشرب مخراً‪.‬‬
‫"يضحكان ‪...‬‬
‫وينتهي اجمللس"‪.‬‬

‫(‪)222/1‬‬

‫احلل األخري‬
‫* جاءت متأخرة ‪...‬‬
‫ولكنها جاءت‪.‬‬
‫* ما مصري املذنب بعد تعطيل احلدود‪.‬‬
‫* حريتين اي شيخ عارف‪.‬‬
‫اَّلل سيِئَاهتِِم حسنَ ٍ‬ ‫* (فَأُولَئِ َ ِ‬
‫ات) ‪.‬‬ ‫ك يُـبَ ّد ُل هُ َ ّ ْ َ َ‬

‫(‪)223/1‬‬

‫جاءت متأخرة ‪...‬‬


‫ولكنها جاءت تبحث عن نفسها ‪...‬‬
‫أين هي؟ وكيف اخلالص؟ ‪..‬‬
‫وماذا ميكن أن يقدم هلا الشيخ؟‬
‫إن اإلسالم ال يعرف (كرسي االعرتاف) ‪.‬‬
‫وغري هللا ال يهب املغفرة للمخطئني‪.‬‬
‫فكيف السبيل إىل هللا؟‬
‫هي‪ :‬ما جئت ألروي ذكرايت املاضي‪.‬‬
‫ولكن جئت ألتمس الطريق‪.‬‬
‫لو كنت يف بلد تقيم حدود هللا لكنت (الغامدية الثانية)‬
‫فآالم اجلسد سعادة إذا كانت خلالص الروح‪.‬‬
‫ولو صعدت روحي إىل ابرئها عند إقامة احلد لشعرت أنين شهيدة املتاب‪.‬‬
‫عارف‪ :‬تعطيل احلدود ال يعين تعطيل املغفرة‪.‬‬
‫إن هللا ال حيكم عباده ابلسياط‪.‬‬
‫والشريعة اإلسالمية هتتم بتوبة املسلم أكثر مما هتتم بعقوبته‪.‬‬

‫(‪)224/1‬‬

‫اَّللُ بِ َع َذابِ ُك ْم إِ ْن َش َك ْرُْمت َو َ‬


‫آم ْنـتُ ْم} ؟‬ ‫{ما يَـ ْف َع ُل ه‬
‫َ‬
‫[النساء ‪. ]147‬‬
‫لقد كان النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يتأمل عندما يقيم احلد على مسلم‪.‬‬
‫لكنه ال ميلك بعد رفع األمر إليه‪ ،‬أن يُعطل حدود هللا‪.‬‬
‫خطب النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫اَّلل من أَصاب ِمن َه ِذهِ الْ َقاذُور ِ‬
‫ات َش ْيـئًا فَـلْيَ ْستَِ ْرت بِ ِس ِْرت‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫هاس قَ ْد آ َن لَ ُك ْم أَ ْن تَـ ْنـتَـ ُهوا َع ْن ُح ُدود ه َ ْ َ َ ْ‬
‫"أَيُّـ َها الن ُ‬
‫اَّلل فَِإنهه من يـب ِدي لَنا ص ْفحته نُِقم علَي ِه كِتاب هِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل"‪.‬‬ ‫ه ُ َ ْ ُْ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ‬
‫(املوطأ‪. )1299 .‬‬
‫بل كان النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ُ -‬حياول أن يدفع احلد عن املعرتف ابلزان إبسكاته عند‬
‫االعرتاف األول‪ ،‬ألنّه لو اعرتف أربع مرات فالبد من إقامة احلد عليه‪.‬‬
‫ُروي أن رجالً جاء إىل النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهو على وشك أن يصلي ابلناس‪.‬‬
‫أصبت حداا اي رسول هللا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقال له‪:‬‬

‫(‪)225/1‬‬

‫فأشاح النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بوجهه‪.‬‬


‫مث صلى ابلناس‪.‬‬
‫فعاد الرجل إىل رسول هللا بعد الصالة فقال له‪ :‬أصبت حداا اي رسول هللا‪.‬‬
‫فقال له الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬ألست صليت معنا؟ قال بلى اي رسول هللا‪.‬‬
‫قال فإ ّن هللا قد غفر لك‪.‬‬
‫"احمللى البن حزم‪.‬‬
‫وإعالم املوقعني‪.‬‬
‫فالشريعة اإلسالمية فرضت العقوابت لتأديب اخلارجني‬
‫على اجلماعة العابثني أبمنها‪.‬‬
‫فإن اتبوا فقد اهتدوا‪.‬‬
‫لقد اختلف العلماء يف مغفرة ذنب من أُقيم عليه احلد‪.‬‬
‫هل عقوبة الدنيا تُسقط عنه عقوبة اآلخرة أم ال؟‪.‬‬
‫ولكنهم مل خيتلفوا يف شأن التائب‪.‬‬
‫يقينا منهم أن التوبة تُسقط عقوبة اآلخرة‪.‬‬
‫وهي اليت جئت لتسألني عنها‪.‬‬
‫وإذا كان الزان جرمية‪ ،‬والسرقة جرمية‪،‬‬
‫فإن استعمال القوة يف الزان والسرقة ينقلهما إىل‬

‫(‪)226/1‬‬

‫ابب آخر يف العقوابت‪.‬‬


‫ينقلهما إىل ابب (احلَِرابة) (‪ )1‬ويوقع اإلسالم أقصى العقوابت على الفاعل‪.‬‬
‫صلهبُوا أ َْو‬ ‫هِ‬
‫ادا أَ ْن يُـ َقتهـلُوا أ َْو يُ َ‬
‫سً‬ ‫ض فَ َ‬ ‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ َويَ ْس َع ْو َن ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ين ُحيَا ِربُو َن ه‬‫قال تعاىل‪{ :‬إِ همنَا َج َزاءُ الذ َ‬
‫الدنْـيا وَهلم ِيف ْاآل ِخرةِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َذلِ َ‬ ‫ف أ َْو يُـ ْنـ َف ْوا ِم َن ْاأل َْر ِ‬
‫تُـ َقطهع أَي ِدي ِهم وأَرجلُهم ِمن ِخ َال ٍ‬
‫َ‬ ‫ي ِيف ُّ َ َ ُ ْ‬ ‫ك َهلُ ْم خ ْز ٌ‬ ‫َ ْ ْ َ ُْ ُْ ْ‬
‫يم}‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫َع َذ ٌ‬
‫[املائدة ‪. ]33‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬احلرابة‪ :‬هي استعمال القوة يف االعتداء على أصحاب احلقوق كالسرقة ابلقوة‪ ،‬واالعتداء على‬
‫األعراض ابلقوة‪.‬‬
‫وقطع الطريق‪.‬‬
‫سواء حدث منه اعتداء على املارة أم ال‪.‬‬
‫مادام قد خرج بقصد إخافة الناس‪.‬‬
‫ومن احلرابة أيضاً ‪ -‬من خرج مسلحاً الغتصاب أعراض الناس أو العتداء عليهم‪ :‬ويعترب اإلمام‬
‫مالك أخذ املال ابخلداع ‪ -‬كأن يسقى صاحب املال شراابً خمدراً‪ ،‬أو حيقنه مبخدر‪ ،‬مث يسلبه ماله أو‬
‫عرضه يعتربها حرابة يستحق عليها أحد العقوابت األربع ‪ -‬اليت نص عليها القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وقد اختلف األئمة يف توزيع العقوابت على اجلرائم‪.‬‬
‫وسبب هذا االختالف هو اختالفهم يف فهم كلمة "أو" يف اآلية الكرمية‪ :‬هل هي للخري فلإلمام احلق‬
‫أن خيتار العقوبة املناسبة للجرمية‪.‬‬
‫وهذا مذهب الظاهرية‪.‬‬
‫أم هي للتوزيع فلكل جرمية عقاهبا ‪ -‬كمت هو مذهب األئمة األربعة‪.‬‬
‫وتفصل اخلالفات يف كتب الفقه‪.‬‬

‫(‪)227/1‬‬

‫فاستعمال القوة يف اجلرائم يضاعف العقوبة‪.‬‬


‫ومع ذلك فالقرآن الكرمي مل يُغلق ابب التوبة يف وجه املذنبني‪.‬‬
‫اَّلل غَ ُف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬
‫يم}‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬إِهال الذ َ‬
‫ين َاتبُوا م ْن قَـ ْب ِل أَ ْن تَـ ْقد ُروا َعلَْي ِه ْم فَا ْعلَ ُموا أَ هن هَ ٌ‬
‫[املائدة ‪. ]34‬‬
‫ولكن شرط التوبة الوحيد أن يتوبوا قبل أن تصل يد احلاكم (‪)1‬‬
‫جاء يف حديث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكر املرحوم عبد القادر عودة‪ :‬أن علة قبول التوبة قبل القدرة عليه أهنا توبة إخالص غالباً ‪-‬‬
‫أما بعد القدرة عليه فهي توبة تقية ‪ -‬أي للهروب من العقاب‪.‬‬
‫وقبول التوبة قبل القدرة عليهم يرغب احملارب يف التوبة والرجوع عن اإلفساد فيجمي اجملتمع من‬
‫شره‪.‬‬
‫ويعترب احملارب اتئباً إذا أتى اإلمام طائعاً قبل القدرة عليه‪.‬‬
‫ملقياً سالحهز أو ترك ختويف الناس وإن مل يت احلاكم‪.‬‬

‫(‪)228/1‬‬
‫اإلمام علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أ ّن عاملة ابلبصرة كتب إليه أن حارثة بن زيد حارب هللا‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫فكتب إليه اإلمام‪ :‬أن حارثة بن زيد قد اتب‪.‬‬
‫قبل أن تقدر عليه‪.‬‬
‫فال تتعرض له إال خبري‪.‬‬
‫(بدائع الصنائع جـ ‪ 7‬ص ‪. )96‬‬
‫فإذا كان القرآن الكرمي يُ ِّ‬
‫صرح بقبول توبة قاطع الطريق‪.‬‬
‫فكيف ال يقبل هللا توبتك!!‪.‬‬
‫جتب ما قبلها‪.‬‬
‫إن التوبة ُّ‬
‫ِ ِِ‬ ‫عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ :‬‬
‫"والهذي نَـ ْفسي بِيَده لَ ْو َملْ‬
‫َ‬
‫اء بَِق ْوٍم يُ ْذنِبُو َن فَـيَ ْستَـغْ ِف ُرو َن ه‬
‫اَّللَ فَـيَـغْ ِف ُر َهلُ ْم"‪.‬‬ ‫تُ ْذنِبُوا لَ َذ َهب ه ِ‬
‫اَّللُ ب ُك ْم َو َجلَ َ‬ ‫َ‬
‫(رواه مسلم‪. )4936 .‬‬
‫هي‪ :‬األمل يف هللا كبري‪.‬‬
‫ولكنين جئت متأ ِّخرة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬ولكنك جئت والعربة ابخلواتيم‪.‬‬
‫هي‪ :‬كنت أمتىن التوبة من قريب‬

‫(‪)229/1‬‬

‫وء ِجبَ َهالَ ٍة مثُه يَـتُوبُو َن ِم ْن قَ ِر ٍ‬


‫يب}‬ ‫الس َ‬
‫ين يَـ ْع َملُو َن ُّ‬ ‫{إِ همنَا التـهوبةُ َعلَى هِ ِ ِ‬
‫اَّلل للهذ َ‬ ‫َْ‬
‫[النساء ‪]17‬‬
‫وأان مل أكن جاهلة حبكم ما أفعل‪.‬‬
‫ومل أَتب من قريب‪.‬‬
‫عارف‪( :‬اجلهالة) يف اآلية الكرمية معناها الضاللة‪.‬‬
‫وسواءٌ طال الوقت أم قصر تعترب من قريب ما مل تبلغ الروح احللقوم‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫اَّللَ َع هز َو َج هل لَيَـ ْقبَ ُل تَـ ْوبَةَ ال َْع ْب ِد َما َملْ يُـغَ ْر ِغ ْر"‪.‬‬
‫"إِ هن ه‬
‫(رواه ابن ماجة‪. )4243 .‬‬
‫فكل من اتب قبل الدخول يف سكرات املوت‬
‫ِ‬ ‫اَّلل علَي ِهم وَكا َن ه ِ‬ ‫{فَأُولَئِ َ‬
‫يما}‬
‫يما َحك ً‬‫اَّللُ َعل ً‬ ‫وب هُ َ ْ ْ َ‬ ‫ك يَـتُ ُ‬
‫[النساء ‪]17‬‬
‫يسر يل الطريق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هي‪ :‬أراك تُ ّ‬
‫مع أنك إن أغلقت اببك ‪ -‬كما فعل غريك ‪ -‬فلن أرجع للمعصية حسيب الندم الذي أعيش فيه‪.‬‬
‫عارف‪( :‬النه َد ُم تَـ ْوبَةٌ)‬
‫رواه ابن ماجة‪. )- 4242 .‬‬
‫"ما علم هللا من عبد ندامة على ذنب إال غفر له قبل أن يستغفره منه"‬
‫(رواه احلاكم‪ )7754 .‬عن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪.-‬‬

‫(‪)230/1‬‬

‫هي‪ :‬كل ٍ‬
‫مكان يف املدينة اليت عشت فيها شهد استهتاري ومعصييت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫كل بيت من هذه البيوت وأسجد هلل اتئبة‪.‬‬
‫ليتين أملك أن أدخل ّ‬
‫لعل رْحة ِّ‬
‫ريب حني يقسمها‬ ‫ّ‬
‫أتْيت على حسب العصيان يف القسم‬
‫عارف‪ :‬ال داعي للطواف يف البيوت‪.‬‬
‫فإذا اتب العبد أنسى هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حفظته ذنبه‪ ،‬وأنسى جوارحه‪ ،‬وأنسى البقاع اليت عصى هللا‬
‫عليها حىت يلقي هللا وليس عليه شاهد‪.‬‬
‫(رواه األصفهاين) ‪.‬‬
‫هي‪ :‬وهللا اي شيخ عارف‪.‬‬
‫كانت هذه الفرصة ستضيع مين‪ ،‬فأخسر بضياعها الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫لقد جنوت من حادث سيارة مات فيها صاحبها قبل أن يغتسل من اجلنابة‪.‬‬
‫وشعرت أن هللا أعطاين فرصة للمتاب لن أَضيِّعها‪.‬‬

‫(‪)231/1‬‬
‫عارف‪" :‬إن من سعادة املرء أن يطول عمره ويرزقه هللا اإلانبة"‬
‫رواه احلاكم‪ . )7710 .‬عن جابر عن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫هي‪ :‬فرحت بنجايت كثرياً‪.‬‬
‫وبتوبيت أكثر‪.‬‬
‫عارف‪ :‬هللا أشد فرحاً منك بتوبتك‪.‬‬
‫َح ِد ُك ْم َكا َن َعلَى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫اَّلل صلهى ه ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫وب إِلَْيه م ْن أ َ‬ ‫اَّللُ َعلَْيه َو َسله َم َهَّللُ أَ َش ُّد فَـ َر ًحا بِتَـ ْوبَة َع ْبده ح َ‬
‫ني يَـتُ ُ‬ ‫ول ه َ‬ ‫قَ َ َ ُ‬
‫ضطَ َج َع ِيف ِظلِّ َها قَ ْد‬ ‫س ِم ْنـ َها فَأَتَى َش َج َرةً فَا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ض فَ َالةٍ فَانْـ َفلَت ْ ِ‬
‫ت م ْنهُ َو َعلَْيـ َها طَ َع ُامهُ َو َش َرابُهُ فَأَي َ‬ ‫َ‬
‫رِ‬
‫احلَتِ ِه ِأب َْر ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال م ْن ِشدهة الْ َف َر ِح الله ُه هم‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ ِِخبطَام َها مثُه قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ك إِذَا ُه َو ِهبَا قَائِ َمةً ع ْن َدهُ فَأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س م ْن َراحلَتِ ِه فَـبَـ ْيـنَا ُه َو َك َذل َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَي َ‬
‫ك أَ ْخطَأَ ِم ْن ِشدهةِ الْ َف َر ِح"‪.‬‬ ‫ت َع ْب ِدي َوأ ََان َربُّ َ‬ ‫أَنْ َ‬
‫(رواه مسلم‪. )4932 .‬‬
‫هي‪ :‬ملاذا ال نسعى إىل هللا مبثل هذا الشوق!!‬
‫أُعاهد هللا على توبة لو رجعت بعدها للمعاصي أُحرم اجلنة‬

‫(‪)232/1‬‬

‫عارف‪ :‬ال تضيقي رْحة هللا الواسعة‪.‬‬


‫ميل املغفرة‪.‬‬
‫فاهلل ال ُّ‬
‫حسبك ‪ -‬اليوم ‪ -‬صدق العزم‪.‬‬
‫ألَ هن التائب من الذنب وهو ُم ّ‬
‫صر عليه كاملستهزئ بربه‪.‬‬
‫واتركي غداً هلل‪.‬‬
‫فاهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال يُغلق اببه أمام اتئب‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫َع ْن أ ََيب ُه َريْـ َرةَ قَ َ‬
‫ال‪:‬‬‫اَّللُ َعلَْي ِه َو َسله َم قَ َ‬
‫صلهى ه‬ ‫هيب َ‬ ‫ت النِ ه‬ ‫َِمس ْع ُ‬
‫ت فَا ْغ ِف ْر ِيل فَـ َق َ‬
‫ال َربُّهُ‬ ‫َص ْب ُ‬
‫ال أ َ‬‫ت َوُرهمبَا قَ َ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫ب أَ ْذنَـ ْب ُ‬ ‫ب ذَنْـبًا فَـ َق َ‬ ‫اب ذَنْـبًا َوُرهمبَا قَ َ‬
‫ال أَ ْذنَ َ‬ ‫َص َ‬ ‫"إِ هن َع ْب ًدا أ َ‬
‫اب ذَنْـبًا أ َْو‬
‫َص َ‬‫اَّللُ مثُه أ َ‬‫اء ه‬ ‫ث َما َش َ‬ ‫ت لِ َع ْب ِدي مثُه َم َك َ‬ ‫ْخ ُذ بِ ِه غَ َف ْر ُ‬‫ب َو َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫أ َِ ِ‬
‫َعل َم َع ْبدي أَ هن لَهُ َرااب يَـغْف ُر ال هذنْ َ‬
‫ِ‬ ‫ال أ َ ِ ِ‬ ‫آخ َر فَا ْغ ِف ْرهُ فَـ َق َ‬
‫ْخ ُذ‬
‫ب َو َي ُ‬ ‫َعل َم َع ْبدي أَ هن لَهُ َرااب يَـ ْغف ُر ال هذنْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت أَ ْو أ َ‬
‫َص ْب ُ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫ب أَ ْذنَـ ْب ُ‬ ‫ب َذنْـبًا فَـ َق َ‬ ‫أَ ْذنَ َ‬
‫ت أ َْو‬ ‫َص ْب ُ‬
‫بأ َ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫ال قَ َ‬ ‫اب َذنْـبًا قَ َ‬
‫َص َ‬‫ال أ َ‬ ‫ب َذنْـبًا َوُرهمبَا قَ َ‬ ‫اء ه‬
‫اَّللُ مثُه أَ ْذنَ َ‬ ‫ث َما َش َ‬ ‫ت لِ َع ْب ِدي مثُه َم َك َ‬‫بِ ِه غَ َف ْر ُ‬
‫ت لِ َع ْب ِدي ثََال ًاث‬ ‫ْخ ُذ بِ ِه غَ َف ْر ُ‬
‫ب َو َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال أ َ ِ ِ‬
‫َعل َم َع ْبدي أَ هن لَهُ َرااب يَـ ْغف ُر ال هذنْ َ‬ ‫آخ َر فَا ْغ ِف ْرهُ ِيل فَـ َق َ‬
‫ت َ‬ ‫ال أَ ْذنَـ ْب ُ‬
‫قَ َ‬
‫فَـ ْليَـ ْع َم ْل َما َشاءَ "‪.‬‬
‫(رواه البخاري‪. )6953 .‬‬
‫ميل الرْحة‪.‬‬
‫إن هللا ال ُّ‬

‫(‪)233/1‬‬

‫مادام العبد صادق العزم عند توبته‪.‬‬


‫شأَ ُك ْم ِم َن‬
‫اس ُع ال َْمغْ ِف َرةِ ُه َو أَ ْعلَ ُم بِ ُك ْم إِ ْذ أَنْ َ‬
‫كوِ‬
‫ش إِهال الله َم َم إِ هن َربه َ َ‬
‫ِ‬ ‫ين َْجيتَنِبُو َن َكبَائَِر ِْ‬
‫اإل ِْمث َوالْ َف َواح َ‬
‫هِ‬
‫{الذ َ‬
‫ض}‬‫ْاأل َْر ِ‬
‫[النجم ‪. ]32‬‬
‫فاهلل سبحانه علّل سعة مغفرته جتذبنا‪ ،‬واملادة َتبسنا عن إدراك الكمال‪.‬‬
‫وهللا سبحانه ميد يده إلينا لينقذان‪.‬‬
‫اَّلل إِ هن ه ِ‬‫ادي اله ِذين أَسرفُوا علَى أَنْـ ُف ِس ِهم َال تَـ ْقنطُوا ِمن ر ْْح ِة هِ‬ ‫ِ‬
‫الذنُوب َِ‬
‫مج ًيعا إِنههُ ُه َو‬ ‫اَّللَ يَـ ْغف ُر ُّ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫{قُ ْل َاي عبَ ِ َ َ ْ َ َ‬
‫يم}‬ ‫ِ‬
‫ور ال هرح ُ‬
‫الْغَ ُف ُ‬
‫[الزمر ‪. ]53‬‬
‫إ ّن الطني يغالبنا لوال أن هللا سبحانه ميد إلينا يد اخلري دائماً‪.‬‬
‫وب ُم ِسيءُ اللهْي ِل‬ ‫ط ي َده ِابلنـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هها ِر ليَـتُ َ‬
‫سَُ ُ َ‬ ‫هها ِر َويَـ ْب ُ‬ ‫ط يَ َدهُ ِابللهْي ِل ليَـتُ َ‬
‫وب ُمسيءُ النـ َ‬ ‫سُ‬ ‫"إِ هن ه‬
‫اَّللَ َع هز َو َج هل يَـ ْب ُ‬
‫س ِم ْن َم ْغ ِرِهبَا"‬ ‫ش ْم ُ‬ ‫َح هىت تَطْلُ َع ال ه‬
‫"رواه مسلم‪. )4954 .‬‬
‫"وخطؤان أننا نعلق التوبة على أُمنية يلدها الغيب‬

‫(‪)234/1‬‬

‫وأتجيل التوبة طريق إىل احندار شديد"‬


‫"جدد حياتك لإلمام حممد الغزايل"‪.‬‬
‫هي‪ :‬واألموال اليت مجعتها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬كل حلم نبت من حرام فالنار أوىل به‪.‬‬
‫هي‪ :‬سألت أحد الصاحلني فقال‪ :‬أحرقيها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬إجابة ال تتفق مع واقعية الشريعة‬
‫الس َؤ ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"إِ هن ه‬
‫ال َوَكثْـ َرَة ُّ‬ ‫اَّللَ َح هرَم َعلَْي ُك ْم ُع ُقو َق ْاألُهم َهات َوَوأْ َد الْبَـنَات َوَمنَ َع َو َهات َوَك ِرَه لَ ُك ْم ق َ‬
‫يل َوقَ َ‬
‫ال"‪.‬‬ ‫اعةَ الْم ِ‬ ‫َوإِ َ‬
‫ضَ َ‬
‫(رواه البخاري‪. )2231 .‬‬
‫هي‪ :‬أَتصد ّق هبا؟‪.‬‬
‫عارف‪ :‬إن هللا طيب ال يقبل إال طيباً‪.‬‬
‫وحدث أن سرق رجل تفاحة مث تصدق هبا‪.‬‬
‫فقال له أحد العلماء‪ :‬ملاذا فعلت هذا؟‬
‫علي معصية‪.‬‬
‫فقال‪ :‬سرقتها فكتبت ه‬
‫وتصدقت هبا فكتب يل عشر حسنات‪.‬‬
‫فاستفدت تسع حسنات فقال له‪ :‬سرقتها‬

‫(‪)235/1‬‬

‫فكتبت عليك معصية‪.‬‬


‫وتصدقت هبا فلم يقبلها هللا منك‪.‬‬
‫ألن هللا طيب ال يقبل إال طيباً‪.‬‬
‫هي‪ :‬أتركه للبنك‪.‬‬
‫َع ْنيت بذلك جهة أعلن هللا احلرب عليها‪.‬‬
‫عارف‪ :‬أ َ‬
‫ألن هذه البنوك ربوية وهللا سبحانه قد أعلن احلرب على املرابني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اَّللَ َوذَ ُروا َما بَِقي ِم َن ِّ‬ ‫هِ‬
‫الرَاب إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ني (‪ )278‬فَِإ ْن َملْ‬ ‫َ‬ ‫آمنُوا اتهـ ُقوا ه‬‫ين َ‬ ‫{اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫اَّلل َوَر ُسولِ ِه}‬
‫ب ِمن هِ‬ ‫ِ‬
‫تَـ ْف َعلُوا فَأْذَنُوا حبَ ْر ٍ َ‬
‫[البقرة ‪. ]279 - 278‬‬
‫ومن أعان عدوك فقد حاربك‪.‬‬
‫هي‪ :‬حريتين اي شيخ عارف‪.‬‬
‫إن أكلتها‪ ..‬فلحمي ينبت من حرام‪.‬‬
‫إن أحرقتها‪ ..‬فاهلل كره إضاعة املال‪.‬‬
‫إن تصدقت هبا‪ ..‬فاهلل طيب ال يقبل إال طيباً‪.‬‬
‫إن تركتها للبنك‪ ..‬أعنت جهة أعلن هللا احلرب عليها‪.‬‬
‫فما احلل؟!!‬

‫(‪)236/1‬‬

‫عارف‪ :‬ما ذكرته لك هو ما أمجع عليه سلف األمة‪،‬‬


‫ولكن العلماء يف عصران أفتوا يف مثل هذه األموال‪ ،‬ويف فوائد البنوك الربويهة‪ ،‬جبواز أن يفعل هبا‬
‫صاحبها فعالً يفيد اإلسالم‪ ،‬وينفع املسلمني‪ ،‬وال ميلكه شخص بعينه‪.‬‬
‫كبناء دار للعجزة واأليتام‪ ،‬أو مستشفى‪ ،‬أو دفعها للمجاهدين‪.‬‬
‫ال أقول لك هإهنا صدقة جارية‪.‬‬
‫احلل الوحيد‪.‬‬
‫ولكن أقول‪ :‬هذا هو ُّ‬
‫فإن عرفيت غريه أهدى منه فافعلي‪.‬‬
‫هي‪ :‬قال يل بعض الصاحلني‪ :‬حيرم دخوهلا والصالة فيها مردودة‪.‬‬
‫عارف‪ :‬سندخل مرة اثنية يف الطريق املسدود‪.‬‬
‫نفذي هذا املشروع‪.‬‬
‫فاملال الذي متلكينه سيئة‪.‬‬
‫وتوجيهه إىل اخلري جيعلك ممن قال هللا فيهم‪:‬‬

‫(‪)237/1‬‬

‫س الهِيت َح هرَم ه‬
‫اَّللُ إِهال ِاب ْحلَ ِّق َوَال يَـ ْزنُو َن َوَم ْن يَـ ْف َع ْل‬ ‫{واله ِذين َال ي ْدعو َن مع هِ‬
‫اَّلل إِ َهلًا َ‬
‫آخ َر َوَال يَـ ْقتُـلُو َن النهـ ْف َ‬ ‫َ َ َ ُ ََ‬
‫آم َن‬‫ب َو َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب يَـ ْوَم الْقيَ َامة َوخيَْلُ ْد فيه ُم َه ًاان (‪ )69‬إِهال َم ْن َات َ‬ ‫ف لَهُ ال َْع َذ ُ‬‫اع ْ‬ ‫ضَ‬ ‫ْق أ ََاث ًما (‪ )68‬يُ َ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫ك يَـل َ‬
‫اَّلل غَ ُف ِ‬ ‫اَّلل سيِئَاهتِِم ح ٍ‬ ‫احلا فَأُولَئِ َ ِ‬
‫و َع ِمل َعم ًال ِ‬
‫يما}‬ ‫ورا َرح ً‬ ‫سنَات َوَكا َن هُ ً‬ ‫ك يُـبَ ّد ُل هُ َ ّ ْ َ َ‬ ‫ص ً‬‫َ َ َ َ‬
‫[الفرقان ‪]68‬‬
‫فأموالك سيئات‪.‬‬
‫عمل صاحلٌ‪.‬‬
‫اخلريي ٌ‬
‫ُّ‬ ‫والبناء‬
‫ٍ‬
‫حسنات‪.‬‬ ‫حيول سيئاتِك إىل‬
‫فال حرج على فضل هللا أن ِّ‬
‫احلل األخريُ‪.‬‬
‫هذا هو ُّ‬
‫َمته الكتاب‪ِ ،‬‬
‫وهلل احلم ُد واملِنهةُ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫(‪)238/1‬‬

You might also like