Professional Documents
Culture Documents
58991953
58991953
58991953
)(1ذكر أحمد اليعقوبي في كتاب" البلدان" (ص ،) 359محددا جغرافية سوس قائال " :سأتعرض اآلن لناحية سوس الواقعة وراء األطلس إلى جهة
الجنوب المقابلة لبالد حاحة ،تبتدئ غربا من المحيط ،وتنتهي جنوبا في رمال الصحراء ،وشماال في األطلس ،وشرقا عند منابع نهر سوس الذي سميت به
هذه الناحية " .وقد ذكر الحسن العبادي في كتابه "فقه النوازل في بالد سوس" في الصفحة 15قوله ":وقد ظل اسم سوس يطلق على المنطقة التي حددتها
مجموعة من المصادر التي ذكرناها منذ بداية العهد العلوي حتى اآلن ،وهو ما خلف األطلس الكبير جنوبا إلى الصحراء ،ومن المحيط األطلسي إلى وادي
درعة شرقا" .قد اكتف ينا بهاتين اإلشارتين فقط ،وإال فبالد سوس مذكورة في مؤلفات عديدة كسوس العالمة للمختار السوسي والمقدمة البن خلدون
وغيرها.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
أفريقيا ،فقد "ثبت أنهم ينظمون المالحم على عهد الرومان ،يسجلون فيها بطوالتهم ويمتدحون بما
عندهم من أمجاد"()3؛ على نهج اإللياذة واألوديسة اليونانية ،أو على نهج المالحم اآلشورية
والسومرية( جلجامش) و الغربية (الكوميديا اإللهية لدانتي) وغيرها؛ أما لدى العرب فكان الشعر ديوانا
ووعاء حامال بطوالتهم وأحداثهم الكبرى( ،)4فاعتنوا به أيما عناية منذ القدم؛ وكذلك لم تخل الثقافة
األمازيغية من البطوالت التي سطرها الشعر وترنمت بها الحناجر؛ وهو ما أشار إليه األستاذ عمر
أمرير مؤكدا على أنه "حتى بعد قرون من انتشار الدين اإلسالمي في المغرب ،فهناك ما يشير إلى أن
الشعر األمازيغي كان له دور ،وتأثير في النفوس ،فقد ذكر ابن خلدون ما يفهم منه أنه كان لهذا الشعر
في عصره مقام الصدارة ،حتى في الحروب"(.)5
ولما كان الشعر عصب الموسيقى ومادتها الحية ،فال تلذّ الكلمة إذن وال يسعها تشنيف اآلذان إال إذا
امتزجت على لسان ناطقها باللحن ،فتخرج مموسقة ومنشدة ،مضافا إليها اهتزاز الوتر وتغريد الناي
ودندنات الدّف ...هذا المزيج كله ما يجعل الحواس تترنم والجوارح تستجيب لهذه السمفونية المتكاملة
في تلقائية تامة ،وهنا نزعم بأن نيتشه قد أصاب حين نطق بحكمته الشهيرة ":إن الحياة بال موسيقى
غرد األمازيغي وشدا وأنشد وغنّى ،فأبدع ألوانا موسيقية شتى ،وتفنن خطأ فادح ،عزلة ومنفى"؛ هكذاّ ،
في تنميقها وتجويدها وتطويرها ،فتجاوز بها حدود الحي والبلدة واإلقليم والوطن ،حتى بلغ بها مبلغ
العالمية ،وأصبح األجنبي ساعيا لخطبة ودّها ،عاكفا على تعلّم أبجدياتها.
لزمنا في هذا المقام اإلشارة إلى أن الشعر األمازيغي ظل في إلقائه وترديده مقرونا بما تتيحه
الحناجر والشفاه من ألحان بسيطة( ،)6سواء بصيغة الفرد أو بصيغة الجماعة ،قبل استعمال آالت النقر
واإليقاع (الطبول والدفوف) وآالت النفخ (الناي) واآلالت الوترية ( العود والرباب والقانون.)...
عرف األمازيغ السوسيون أنماطا موسيقية جماعية مختلفة ومتعددة( ،)7بقدر ما تعرفه منطقة سوس من
تعددية ثقافية وجغرافية؛ فكان بالضرورة أن تعرف كل بقعة جغرافية (قبيلة) نمطا متمايزا معينا،
)(2نعنى هنا بالشعر بالخصوص ،ألن الكالم المرتبط بالموسيقى وباللحن البد أن يكون شعرا أو نظما ابتداء ،أما وصفنا إياه بالسوسي تحديدا فمرده كون
المحتفى به ،ضمن مؤلفنا هذا ،نشأ بمنطقة سوس وترعرع بها وأصدر أعماله الفنية باللغة المتداولة ضمن جغرافيتها.
) (3عباس الجراري ،من وحي التراث (مطبعة األمنية ،الرباط) ص .137
عرف أحمد حسن الزيات الملحمة في كتابه "في أصول األدب" بكونها "حكاية شعرية في الغالب ألمر خارق عجيب أو عمل حماسي عظيم له أثره )ّ ( 4
في حياة شعب بأسره"؛ وفي هذا التعريف غنية عن إيراد تعاريف مشابهة كما نعتقد.
) (5عمر أمرير ،الشعر المنسوب إلى سيدي حمو أوطالب ،منشورات جامعة الحسن الثاني ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية .الدار البيضاء ،ص . 5
) (6أشار المؤرخ محمود كامل في كتابه " تذوق الموسيقى العربية " إلى أن " حنجرة اإلنسان وفمه وقدمه تعتبر أقدم آالت الطرب ،فقد كان المكاء ،وهو
صفير الفم ،والتّصْدية ،وهو التصفيق باألكف ،أقدم ما عرفه اإلنسان ".
) (7اهتممنا في هذا المقام باألنماط الموسيقية الجماعي ة على حساب الفردية ،أوال لقلة هذه األخيرة ،ثانيا ألن سوس لم تعرف الموسيقى إال في شكلها
الجماعي ،بغض النظر عن التناظر الشعري الفردي الذي يتخلل هذا النمط أو ذاك.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
خلقته تراكيبها البشرية من أعراف ومواضعات اجتماعية وثقافية ،ومادام " تاريخ المغرب تاري َخ
قبائل"(،)8فال بد أن تصنع كل قبيلة تاريخها وإن كانت ال تدري حقيقة أنها كانت تصنع تاريخا جمعيا
ومشتركا للمغرب(.)9تأسيسا على ما سبق ،عرفت سوس تالوين متعددة من فنون أسايس( )10مازالت
الذهنية السوسية تتقبل الحفاظ عليها إرثا تاريخيا منحدرا من األسالف ،بالرغم من بعض التالوين التي
طالها النسيان ،فسقطت في شباك االنقراض( ،)11مع التذكير بأن المغرب كان من الموقعين على اتفاقية
حماية التراث اإلنساني الالمادي ،المصادق عليها خالل المؤتمر الثاني والثالثين لمنظمة اليونيسكو،
في 17من أكتوبر سنة .2003ومما عرفته سوس إجماال ،مما تم الحفاظ عليه أبا عن جد ،فن
ستّْ ،وهو فن للنظم وللحوار الشعري ،وقد عرف في مناطق طاطا وتزروالت (تزنيت) ومناطق ّْ
الد ّْر ّْ
ار المتسم بطابعهاألطلس الصغير الشرقي (إزناكن وسكتانة العليا ونواحي الفيجاء )؛ وفن أ َ ّْهنَاقَّ ّْ
االحتفالي ،حيث ينسجم إيقاع النقر على الطبل والدفوف مع المقاطع الشعرية المتغنّى بها؛ وقد انتشر
هذا النمط في مناطق واسعة من األطلس الصغير (قبائل إنداوزال وتاكموت وطاطا وإسافّن وإداوزكي
وإدوسكا وغيرها)؛ كذلك فن أجماك ،وهو فن رجالي بامتياز ،تندر فيه المشاركة النسوية؛ يعتمد على
األداء الحركي واألداء الشعري وإيقاع الدف ،حيث تتناغم الحركة واللحن والمعنى؛ وعرف هذا الفن
جغرافيا في غرب األطلس الصغير ،خاصة في المناطق المفتوحة على سهلي سوس وماسة ،ونقصد
قبائل اشتوكة وأيت وادريم وإياللن وأيت صواب وإيداولتيت حيث الزال هذا النمط متداوال بشكل
مستمر؛ إضافة لفن أحواش ،أبرز فنون أسايس في سوس ،الذي يعتبره الدارسون المحك الحقيقي أمام
كل شاعر وناظم وكل إيقاعي وكل راقص إلثبات جدارته ومهارته وحرفيته ،وهو الذي أنجب خيرة
الشعراء من أمثال أجماع و كوكو و بوزيت و أوشن والالئحة تطول .وقد انتشر هذا الفن عبر رقعة
منداحة ،تشمل المناطق الواقعة بين مدينة تارودانت وبين مدينة أوالد برحيل ،كما تشمل السفوح
الجنوبية لألطلس الكبير والسفوح الشمالية لألطلس الصغير ،مع اإلشارة إلى بداية زحف هذا الفن
وامتداده إلى مناطق خارج سوس .من تلكم الفنون كذلك ،فن أگوال ن تفرخين ،وهو فن يكاد يكون فيه
للمرأة النصيب األوفى ،حيث تستطيع البرهنة على ندّيتها وعلى قدرتها على منافسة الرجل ،سواء في
قرض الشعر أو في األداء الصوتي أو في التعابير الجسدية؛ هنا ،البد من اإلشارة إلى أسماء بصمت
اإلبداع النسوي بامتياز ،ونذكر مثاال ال حصرا الشواعر "خديجة تاحلوشت" و "سلطانة ن تباريت" و
"رقية الهاشم" و "تِمرگيت" و "سييا" و" فاضيم أمحند" و"تادريست" و" تاكوباط" ،وأمثالهن الالئي
صدحن شعرا وحكمة عبر ربوع األطلس .وكما عرفت سوس فن أگوال ن تفرخين فنّا نسويا ،عرفت
) (8عبد هللا العروي ،مجمل تاريخ المغرب ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،1984ص .89
)(9إحالة على قولة كارل ماركس المعروفة " اإلنسان يشيد التاريخ دون أن يدري".
)(10يقصد بأسايس المكان الذي تؤدى فيه مختلف الفنون الموسيقية الجماعية ،ويطلق عليه كذلك اسم أسراك وأسرير داخل الحدود السوسية.
) (11أشار الباحث إبراهيم أوبال في كتابه "أمارك ن ؤسايس" إلى االختفاء الفعلي لفن أجوغر أزناك وفن تماووشت منذ ستينات القرن الماضي.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
وتزرارت كشكلين من أشكال المساجلة الشعرية بين الرجل والمرأة ،وقد انتشر
ّ كذلك فنّي تماووشت
هذان اللونان عبر سفوح جبال أكليم ومنطقة طاطا ومحيطها القريب.
إلى إقليم ورززات ونواحيه نمضي اآلن لنطل على فن أراسال ،وهو فن جماعي يشترك في أدائه
الرجل والمرأة ،معروف بالحوار الشعري وبإيقاعات الدف والطبل؛ يتداول بشغف في المناطق الممتدة
بين األطلسين الصغير والكبير والهضاب الرابطة بينهما مرورا بورزازات منبته األصلي .كذلك
الر ّحل ،يتداوله الرجال والنساء على السواء،
كفن مرتبط بشكل وثيق بقبائل ّ عرفت سوس فن تارحالت ّ
مولين األهمية القصوى للكلمة الشعرية على حساب اإليقاع واأللحان .مازال هذا النوع ممارسا بشكل
كبير في منطقة تغجيجت (إقليم كلميم) ،وفق نفس الطقوس التقليدية الموروثة من حيث الزي والزمان
والمكان .ومن الفنون التي القت اهتماما سوسيا منذ عهود االستعباد واالسترقاق الزنجي ،ما يدعى فن
إسمگان ( گناوة) ،الفن الذي ج ّ
سد بامتياز التالقح والتمازج بين الثقافتين األمازيغية واألفريقية في
انسجام تام؛ لم يلبث أن تبوأ مكانة خاصة بين الفنون الشعبية ،حتى أضحت مدينة الصويرة تقيم له
مهرجانا سنويا يستقطب آالف المعجبين والمهتمين عبر أصقاع العالم؛ فبالطبل وبالقراقب وبآلة
الهجهوج عبّر الزنجي واألمازيغي جنوب المغرب عن معاناته وظروفه االجتماعية ،مرسال رسائل
وصيحات االنعتاق إلى من يهمهم األمر عبر حنجرته المجروحة.
يبقى أن نشير إلى فن بووسگا المنتشر جغرافيا عبر األطلسين الكبير والصغير ،وهو فن رجالي
ونسائي ،حيث يصطف الرجال أمام النساء ،مع استقالل كل صف باألداء الحركي أو الترديد الغنائي،
مع بقاء الشاعر وضابط اإليقاع خارج الصفين ،على أن يفتي ويردد هذا الشاعر بيتا شعريا في مستهل
كل رقصة ،ليتلقفه المرددون والمرددات من الصفين ،ثم يردَّد البيت بموازاة مع اإليقاع لمدة تقارب
عشر دقائق ،بعدها ينبري شاعر آخر إلفتاء بيت أو مجموعة أبيات .كما نشير كذلك إلى فن تاسكوين
الذي يكاد يشبه في إيقاعه إيقاعات أحواش وبووسگا وأهياض ،لكن هذا الفن يتميز بغياب الحوار
العدو في الحرب والمعارك،
ّ الشعري و بزيّه الخاص وبرقصته المرتبطة بالفرح عند االنتصار على
وهو فن ذكوري محض منتشر في أعالي األطلس الكبير األوسط؛ وبالرغم من محدودية انتشاره
جغرافيا إال أنه اكتسب حظوة إعالمية مكنته من الظهور ضمن فعاليات ثقافية وفنية على المستووين
الوطني والدولي .أخيرا ،نشير إلى فن أهياض ،وهو من الفنون الذكورية التي يغيب فيها أيضا التحاور
الشعري ،مكتفيا باألداء اإليقاعي الذي يتمازج فيه الناي والدف؛ منتشر بشكل كبير في مناطق حاحا
وإداوتنان وماسة وتزنيت وأيت بعمران(...)12
تازرارت _ الشبيه بأحواش_ الذي تغيب فيه األدوا1ت اإليقاعية ،وفن الناقوس المؤدى مناسباتيا أو بدون مناسبة
ّ )(12مما يلحق بالفنون المذكورة فن
أحيانا ،وينتشر في مناطق نفوذ أحواش وأهنقار؛ كذلك فن سا ْي ْسالَ وهو مزيج من أهنقار وأحواش خاليا من األدوات اإليقاعية؛ أضف فن تاسوغانت ،أو
ت ،المرتبط باألعراس ،بالضبط في مرحلة زف العروس إلى بيت زوجها ،وينتشر هذا الشكل تقريبا في مناطق سوس كلها ،مع االحتفاظ تنگي ْف ْ
بخصوصية كل منطقة في طقوسها الخاصة باألعراس .ولمزيد من التفصيل واإلسهاب نحيل القارئ الكريم على كتاب أمارگ ن ؤسايس للباحث إبراهيم
أوبال ،والكتاب وجدناه خير ما جمع تلكم الفنون الجماعية المعروفة قديما في سوس ،إلى جانب ما استحدث منذ فترة ليست بالبعيدة.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
تحتم إذن كما أسلفنا الذكر اإلشارة إلى تلكم الفنون الجماعية المعروفة على صعيد سوس كأول ما
عرفته من نشاط موسيقي مؤطر بضوابط محددة ،ومنظم على مستويي اإليقاع والتعبير الشعري،
ويرجع الفضل لهذه الفنون األ ّم بال شك في إنجاب نخبة من الشعراء الذين بلغوا بها بدورهم اآلفاق
البعيدة ،بل ،من الفنون ما بلغ ما وراء البحر المتوسط بشهرة شاعر وشهرة ناظم( ،)13ولعل بعض
الباحثين بهذا الصدد _ على قلتهم _ قد أسدوا خدمة كبيرة للتراث وللمكتبة األمازيغيين حين أرفدوا
عرفَت القارئ برواد أحواش من الشعراء والناظمين ،فنذكر على سبيل المكتبة المغربية بمؤلفات ّ
()15
المثال كتاب الباحث أحمد عصيد "إيماريرن"(،)14وكتاب المؤرخ أحمد بوزيد الكنساني " أحواش "
وأقدمها كتاب اإلثنوغرافي الفرنسي أرسين رو(، )16وغيرها مما وضع تحت الطبع ،منتظرا دوره في
النشر(.)17
لم نكن نتوخى االستطراد واإلطالة فيما أوردناه في الصفحات السابقة من ألوان فنون أحواش ،ولم نشر
إلى تلك التفاصيل المقتضبة المرتبطة بها إال من باب تعريف الباحث المبتدئ وتذكير الباحث
المتخصص أوال ،ثانيا ألننا ال نستطيع منهجيا الخوض في الفروع دون المرور ابتداء عبر األصول،
باعتبار فن الروايس التقليدي وفن المجموعات العصرية ليس إال نسال ً و َخلَفًا للفن األم "فن أحواش"؛
ثالثا ألن فنون أحواش مازالت في الساحة الفنية والتراثية ذات حركية دائمة تؤدي أدوارها في اإلمتاع
والمؤانسة إلى جانب أدوارها الثقافية والتاريخية.
لقد طالت يد التطور والحداثة كل شيء في الزمن المعاصر ،ولم تكن الفنون بشتى أنواعها بمنأى عن
ّف والطبل والتصفيق ،حتى أصبحت التحديث والتطوير ،فمنذ كانت الموسيقى السوسية تقتصر على الد ّ
سويسيت،الناقوس) إلى جانب آالت النقر ،فأصبح الوترية(الرباب ،لو َ
طار،تا ّ ِّ تستدعي اآلالت
)(13ينبغي هنا إيراد الفرق بين الشاعر والناظم ،رفعا للّبس وبع ض الخلط الحاصلين لدى نفر غير قليل .فالشاعر ال يكتب تحت الطلب ،إنما الشاعر من
حرر شعوره ونطق بلسان حاله دون تكلّف العبارة والمعنى ،مح ّمِال قصيدته كل المواجع واللواعج وكل ما يختزنه الوجدان ،حتى أن القارئ يحس بصدق
مشاعره وبالحرارة المنبعثة من كلماته وتعابيره ،وفي هذا يقول العقاد:
ويسلك مسلكه صالح عبد الصبور قائال ":الشعر سلوى نفس الشاعر حين تنوب النوائب"؛ أما الناظم فصانع متكلف ،يكتب في كل مناسبة كالما تقريريا
خاليا من ماء الشعر وإن التزم صاحبه بالقافية وبالوزن ،وصدق شوقي منشدا :
) (14نقصد كتاب إيماريرن :مشاهير شعراء أحواش في القرن العشرين ،منشورات المعهد الملكي للثقافة األمازيغية.2012 ،
) (15نقصد كتابه أحواش :الرقص و الغناء الجماعي بسوس ،عادات وتقاليد ،منشورات عكاظ /الرباط.1996،
)(17نقصد كتاب محمد أوحميد الموسوم ب " أمود" ،حاول الباحث من خالله تدوين ما جمعه من أشعار كبار الشعراء األمازيغ وعظماء فن احواش،
أمثال الحاج عابد أوطاطا ولشكر بن وا كريم و أج ّماع وأزوليض و عصيد و موالي موح و مستاوي وإحيا بوقدير وغيرهم..
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
السوسيون _منذ ثالثينات القرن الماضي_ يستمعون إلى توليفة فنية جديدة تجمع مقامات موسيقية
مختلفة ( أشلحي ،أمع ّكل ،أگناوي) باتت معروفة لدى أرباب الحرفة والمهتمين ،ممهدة لإلرهاصات
األولى لبزوغ فن "الروايس"(.)18
يصعب في الحقيقة تحديد رأس خيط الكبّة المتعلقة بفن " الروايس" ،خصوصا حين نبحث عن البدايات
األولى لظهور وتشكّل هذا الفن؛ فج ُّل الباحثين في هذا المجال يعزون بداياته ومهده إلى َّ
الرايس
والشاعر محمد بلعيد(، )19المعروف فنيا باسم " الحاج بلعيد "( ،)1954_1875خاصة على مستوى
سب ٌْق في إصدار أشرطة مسموعة االحتراف ،بالرغم من كون بعض معاصريه من الروايس كان لهم َ
ما بين 1930و ،1936أمثال :بيهي بن بوعزة ،ومحمد بودراع التازروالتي ،وأحمد بن سعيد ،ومحمد
بن الحسن ،ومحمد بن يهي ،ومبارك بن محمد ،وموالي علي الشحيفة ،وأبوبكر أزعري وغيرهم،
ويعزو بعضهم ذلك إلى تفوق الحاج بلعيد على أولئكم شعرا وأدا ًء وعزفا ،فطغت بذلك شهرته على
أعمالهم الفنية ،مع ضرورة اإلشارة إلى أسماء ضارعت في أدائها أداء الحاج بلعيد أمثال :عبد النبي
الرا ْس ْلوادي .ومع صعوبة ضبط بدايات التناني ،ومبارك بولحسن ،وبوبكر أنشاد ،والرايس بوجمعة َّ
سا " ،لكن،دخول اآلالت الموسيقية( )19على فنون أحواش ،لتنشأ بعد حين فنون الروايس أو "تِ ُّرو ْي َ
يبقى مطلع القرن العشرين مهدا زمنيا لهذا التحول والتحديث ،وتشهد على ذلك المواضيع المشتركة
المتضمنة في القصائد المغناة لدى جل الروايس (الجيل األول) في تلك الحقبة الزمنية المرتبطة أساسا
كمتلق يكون "منطلقا من ّ ٍّ بالمد الكولونيالي األوربي وبالحرب العالميتين ،حتى المتتبع من موقعه
ذخيرته المعرفية واأليديولوجية التي لم تخرج عن اإلطار المعرفي العام لالستعمار ،كما أن الجيل
()20
) (18كلمة "الروايس" جمع لكلمة "الرايس"( بتخفيف الهمز) ،أي الرئيس ،وهو " قائد المجموعة الموسيقية ،الذي يجب أن تتوفر فيه طالقة وتمكن في
الشعر والتلحين والعزف والغناء .من األهمية بمكان في هذا المقام اإللماع إلى البعد الميتولوجي في إعداد الرايس /الشاعر وتنشئته ،ومن المعروف في
األدبيات االجتماعية التقليدية ضرورة مرور المفترض فيه اإلقبال على تحمل مسؤولية "الرايس/الشاعر" واالستعداد لتملّك الحكمة من مراحل ثالث (
النية ،القربان ،الحلم ) ،بعد مبيته بفناء ضريح ما ،منتظرا بركة وتطمين الشيخ الذي يتلقى في الحلم .وللتفصيل يرجى العودة إلى مقالة أحمد عصيد :
Le discours de la « sagesse » dans la poésie amazighe. AWAL n° 33 10-07-2006 16:14 P 49
نفس البعد المشار إليه في مقالة هنري باسيت المعنونة ب :أدب األمازيغيين
Henri basset.La littérature des berbères revue Hesperis Volume 1, 1921, page 203
وفي غالب األحيان يقود الرايس مجموعته بآلة الرباب كما يمكن أن يقودها بآلة لوطار" .التعريف مقتبس من مقالة الكاتب بلعيد عكاف على الرابط التالي
.https://www.maghress.com/alalam/24757 :
) (19تعرضت كتابات عدة لسيرة الحاج بلعيد إلى جانب آخرين ،لكن يبقى كتاب محمد المستاوي أهم ما فصل في حياة هذا الفنان ،ونقصد كتاب :الرايس
الحاج بلعيد ،حياته وقصائد مختارة من شعره ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح الجديدة .1996 ،كما نذكر باإلزاء عمل ْي الباحث ابن يحيى الحسين الوجاني
الذي خصص بحثي سلك اإلجازة وسلك الماستر لدراسة شعر الحاج بلعيد ،وعنوانهما على التوالي "شعر الشهادة عند الحاج بلعيد "و" شعر الرايس محمد
بلعيد".
) (20نقصد آلة لوطار ،وهي آلة وترية تصنع من صندوق مجوف يغطى بجلد حيواني مرتبط بزند خشبي يصل الصندوق بمفاتيح تعديل درجة توتر
الرباب ،فمن المعروف كونها آلة دخيلة على ِيت ،فهي كآلة لوطار شكال ،لكن في حجم أصغر .أما بخصوص آلة َّ
الربابة الوترية أو ّ األوتار؛ أما آلة تا ّْ
س ِوس ْ
المغرب األقصى ،فبعضهم يعزو منشأها إلى اليمن وبعضهم إلى العراق وبعضهم إلى مصر؛ أما الباحث المصري الدكتور "نبيل شوره" فقد أكد أن أول
إشارةٍّ الستعمال قوس كان في كتاب "الموسيقى الكبير" للفارابي ،ثم في "رسائل إخوان الصفا" ،ثم في كتاب "الشفاء" البن سينا ،ومن بعدهم ورد ذكرها
عند "ابن زيله" في كتاب "الكافي" ،كما ذكرت في رسائل "الجاحظ" ثم "ابن خلدون" في مقدمته و"القلقشندي" في كتاب "صبح األعشى" ،وهكذا عرفت
الربابة في الحضارة اإلسالمية منذ النصف األول من القرن العاشر الميالدي ،ثم انتقلت إلى "أوربا" في بداية القرن الحادي عشر ،كما أشار "ابن الفقيه"
في كتابه "البلدان" إلى أن أمهر من عزف على الربابة هم "أقباط مصر"؛ كما ذكرت الربابة في مخطوطة "كشف الهموم والكرب في شرح الطرب"،
ا لتي تعود إلى القرن الرابع عشر الميالدي؛ أما الناقوس فآلة حديدية تنقر بقضيبين حديدين بإيقاعات محددة .
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
األول تطرق لمواضيع الغزل والدين والقيم والسياسة والهجرة والواقع المجتمعي وغيرها(،)21أي كل
ما يالمس اليومي اإلنساني من اهتمامات وانشغاالت؛ ليأتي الجيل الثاني معززا ومعمقا تجربة فن
الروايس عبر ربوع سوس ،مع الرواد محمد أموراك ،محمد بن إحيا أوتزناغت ،بوجمعة أوتزروالت،
الحسن ماشي ،الحسن صاصبو ،الحسين جانطي ،فطومة تالكرشيت ،محمد البصير ،عبوش تماسيت،
عمر إجوي ،صفية أولتلوات ،فاطمة تاكرامت ،محمد أعراب ،محمد أكرام ،أحمد أمنتاك ،محمد
أباعمران ،موالي علي اليعقوبي ،موالي الحسن ،محمد أكيلول ،محمد بن الحاج بلعيد ،بريك بن عدي
أتيكي ،العربي المتوكي وآخرون ممن حافظوا على اإلرث الفني من آبائهم من الجيل المؤ ِسّس،
محافظين على نفس " المتن" الفني،سواء من حيث الموضوع أو من حيث اإليقاع الموسيقي()22؛ لينتقل
اإلرث كما هو مبنًى ومعنًى إلى الجيل الثالث ،الذي جدد في الموسيقى السوسية وأدخل عليها المقام
"العصري" المعروف بسرعة نوتاته وحماسية أغانيه المعزوفة عليه ،ونذكر جيل محمد الدمسيري،
عمر واهروش ،المهدي بن مبارك ،محمد بونصير ،الحسن الفطواكي ،سعيد أشتوك ،إبراهيم بيهتي،
أحمد الريح،أحمد أوتمراغت ,الحسين موفليح ،رقية الدمسيرية ،فاطمة تيحيحيت الكبرى ،أحمد
أوتمراغت ،أحمد بيزماون ،إبراهيم أشتوك ،الحسن أزروال،الحسين أشتوك ,الحسين أوتزناغت ،جامع
الحميدي ،عبد هللا بن إدريس المزوضي ،محمد أوتاصورت األصغر ،الحسين بوالمسايل ،ويليهم قلة
من الروايس الذين اعتبرهم المصنفون من نفس الجيل ،وإن تباعد الزمن بينهم وبين سابقيهم قليال،
وهم :مبارك أيسار ،محند أجوجكل ،محمد بيسموموين ،الحسين أمنتاك ،أحمد أمسكين ،الرايس إحيا
أزدو،الرايس أجماع ،لحسن بوميا المزوضي ،جامع إزيكي ،محمد أكرايمي وآخرون؛ ليدخل فن
الروايس عهد العصرنة بجيل جديد من المبدعين متحوا من السابقين ،مستفيدين من ظهور عدد ال بأس
به من شركات اإلنتاج الفني التي سعت إلى تحقيق انتشار واسع لمجموعة من األسماء الفنية()23؛ يليهم
مجموعة من األسماء التي صادفت منافسة شرسة من لدن المجموعات الغنائية العصرية ،التي بزغ
نجمها في نهاية الستينات ومطلع السبعينات (أوسمان،أرشاش،إزنزارن ،)...وهنا نذكر الرايس حسن
أكالوو ،أوطالب المزوضي ،حسن أرسموك ،العربي بهني ،الحسين أمراكشي ،العربي إحيحي ،أحمد
أسياخ ،عبد اللطيف أزيكي ،أعراب أتيكي مزين ،عمر أزمزم ،العربي أيسار ،إبراهيم أفروك ،عابد
أوتنالت ،فاطمة تمراكشيت ،فاطمة تيحيحيت تتريت ،زهرة تالبنسيرت ،خدوج تعيالت ،عائشة
تشنويت ،وآخرون .أما الجيل( )24الشبابي من الروايس فقد بدأ لتوه في مراكمة رصيده الفني منازعا
ومنافسا المجموعات الغنائية العصرية الجديدة ،معتمدا المقامات العصرية والكناوية ،بل ،ومنفتحا على
) (21لمزيد من التفصيل والتوسع في الموضوع ،يرا َجع كتاب اإلعالمي محمد أعماري الموسوم ب :رحالت الحج في الشعر األمازيغي_من خالل شعر
الروايس ،منشورات مركز المقاصد للدراسات والبحوث ،الرباط2017 ،؛ وكذا كتب محمد المستاوي الموسومة ب :الهجرة واالغتراب في الشعر
المغربي األمازيغي ،منشورات جهة سوس ماسة ،المطبعة الكبرى ،أكادير ،2011،وكتاب الوحدة الترابية في الشعر األمازيغي بسوس
ومزوضة،منشورات تاوسنا2014،؛ وكتاب المقاومة في سوس من خالل الشعر األمازيغي ،إدكل للطباعة والنشر2018،؛ وكتاب الشعر الديني المغربي
األمازيغي في خدمة اإلسالم ،مطابع الرباط نت.2016،
) (22يشار هنا إلى التنوع الذي عرفته اآلالت الموسيقية في فترة الخمسينات والستينات ،وذلك بظهور آالت نقر جديدة ك "الطمطام" (، )tam tam
وهي عبارة عن مجسمين مخروطيين مختلفان حجما مغطيان بجلد حيواني ،ينقران بقضيبين خشبيين ،كما بدأ استعمال آلة البانجو والقيثار الوتريتين.
) (23نذكر على سبيل المثال " آر فون" و " صوت المعارف" و"بوسي فيزيون" و "وردة فيزيون "و "صوت النجوم" و"تشكافون"...
) (24قد يكون توظيف مصطلح الجيل في تصنيف الروايس غير دقيق ،سواء بتعريفه العلمي( التجييل الوراثي) أو بتعريفه التقليدي (الفارق الزمني
المحصور بين 23وبين 30سنة )،ومع ذلك وظفنا المصطلح تقريبا وتبسيطا للتصنيف الذي تورده بعض الكتابات عند الحديث عن التجييل الزمني
لحركية ونشاط رايس ما.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
األنماط الموسيقية الشعبية والغربية أحيانا ،فيما يسمى بالفيزيون ،)25( fusionتحقيقا لالختالف
واكتسابا لالنتشار وللشهرة ،وتماهيا مع متطلبات سوق العولمة؛ ونقصد الرايس سعيد أوتاجاجت،
محمد أنضام ،سعيد أشينوي ،إبراهيم أسلي ،صالح الباشا ،إحيا أمراكشي ،العربي أرسموك ،محمد
أزيكي،أحمد أباعمران ،مبارك أجنضيض وآخرون ممن أعطوا نفسا جديدا لألغنية األمازيغية(.)26
إن اشتراطات العولمة وإمالءاتها ،وكذا ضرورة مسايرة الذوق العام المتجدد والمزاج الشبابي المرن،
عوامل تفرض على الفنان وعلى المبدع بصفة عامة االنخراط في التحوالت السائلة( )27الطارئة على
المجتمع أفرادا وجماعات ،ومن هنا عرفت الموسيقى األمازيغية طفرة نوعية بدأت تلقي بظاللها على
الساحة الفنية منذ أواخر الستّينات بانطالق عهد جديد من اإلبداع األمازيغي المعصرن ،أو عهد
سمها بعض الدارسين ،مقدمة ً في مسارها الفني _ فيما بعد _ رصيدا المجموعات والفرق الغنائية كما َو َ
إبداعيا مهما،سواء عبر إعادة إنتاج ما سبق إنتاجه في عهد الرواد وقدماء الروايس وإحيائه بإسلوب
جديد وبألحان جديدة؛ أو عبر أنتاج إبداعي أصيل مرتبط بفترة زمنية حافلة بتدافعات اجتماعية
وسياسية واقتصادية ،مادام الشعر المغنى" تفاع َل مجموعة من األحداث االجتماعية والسياسية
والطبيعية والعاطفية في شكل ردود فعل عنيفة أو هادئة أو منكسرة أو مستسلمة "( .)28تأسيسا على ما
سبق ،يمكن القول إن الفن األمازيغي بشكل عام عرف فتحا هاما ببروز المجموعات الغنائية التي
تفاعلت بشكل كبير والفت مع مختلف الطبقات الشعبية ومع الدينامية الفكرية واالجتماعية،إذ "ال يمكن
أن يوجد عمل فني يخلو تماما من مضمون أيديولوجي"( ،)29مواكبة _ شعرا ولحنا_ كل صيرورة
يحدثها اإلنسان على هذه األرض()30؛ وهكذا يكون الفن بشكل عام وفيا لرسالته األولى ودوره األساس،
مواصال وسيطيته بين الفرد وبين الحياة.
إن الحديث عن المجموعات الغنائية العصرية كآخر ما بلغته عجلة تطوير وتجديد الموسيقى األمازيغية
حديث عن أسماء بصم ت بالعشرة على الرصيد الفني المتراكم منذ الفترة االستعمارية إلى يوم الناس
) (25نقصد بظاهرة الفيزيون "االنصهار" ،تماما كما تدل عليه الترجمة العربية لكلمة fusionالفرنسية؛ وهي القائمة على صهر نمطين موسيقيين في
بوثقة واحدة ،بغية النفاذ إلى نمط موسيقي يوحد االثنين ،وهنا ،نضرب مثاال بفرق أمارك فيزيون amarg fusionويوبا yubaوماسنيسا massinisa
التي استطاعت خلق إيقاع موسيقي جديد يجمع بين إيقاع أمازيغي وبين إيقاع غربي.
) (26وقفنا على هذا التصنيف في مقالة األستاذ سعيد جليل المعنونة ب :أجيال الروايس :مقاربة أولية ،على الرابط االلكتروني التالي :
،https://www.maghress.com/chtoukapress/29501وقد وجدناه تصنيفا منطقيا،روعي فيه معيار زمنية ( الشيخ /التلميذ ) ،وهذا ما رأيناه
تيرويسا ،نبش في التراث أفضل _ من منظورنا_ من معيار المجايلة غير الدقيق كما أوردنا سابقا؛ ويبقى كتاب اإلعالمي محمد ولكاش المعنون ب ُّ :
والذاكرة عند رواد وأعالم الموسيقى األمازيغية ( منشورات أكادير ميديا )2012،أهم ما ألف في فن الروايس ،بالرغم مما أثاره من مالحظات ومؤاخذات
من بعض الدارسين على مستوى المضمون وعلى مستوى المنهج.
)(27السيولة هنا بمع نى الجريان والتغير غير المنقطع ،وقد أرسى قواعد هذا المفهوم الفيلسوف السوسيولوجي البولندي زيجمونت باومان من خالل
مؤلفاته :الحداثة السائلة؛ الحب السائل؛ الحياة السائلة؛ األزمنة السائلة ؛ الخوف السائل؛ الثقافة السائلة؛ المراقبة السائلة ...ماجعله في نظر بعض الباحثين
في الحقل السوسيولوجي أبا نظرية السيولة في علم االجتماع.
) (28محمد يعقوبي ،عبد هللا الوثيق ،الرؤية المأساوية في الشعر األمازيغي السوسي المعاصر ،نموذج مجموعتي إزنزارن وأرشاش .بحث لنيل اإلجازة
في األدب العربي ،إشراف محمد أبزيكا ،الموسم الجامعي،1990/1989جامعة ابن زهر أكادير.
) (29تيري إيجلتون ،الماركسية والنقد األدبي ،ترجمة جابر عصفور،منشورات عيون ،الطبعة األولى ،القاهرة.1935 ،
) (30من المعروف أن الحركة األمازيغية كانت والزالت تدافع وترافع باستمرار عما أسمته "ثالوث القضية األمازيغية" ،و هي ”أكال ،أفگان ،أوال“،
وتعني في اللغة العربية على التوالي ”األرض ،اإلنسان ،اللغة ".
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب
()33
هذا ،وبهذا الصدد وجب تثمين عمل الباحثين أحمد الخنبوبي( )31وسعيد كيكش( )32و إبراهيم باوش
وطارق المعروفي( )34الذين ساهموا في توثيق فترة ظهور وامتداد وانتشار موسيقى المجموعات داخل
وخارج سوس ،إلى جانب ما ساهمت به البرامج التلفزية واإلذاعية والشبكية الرقمية التي ألقت جانبا
عرفةً بتاريخها الفني حينا ،أو تكريما لها أو ردّا لالعتبار
من أضوائها على العديد من الفرق الغنائية ،م ّ
أحايين أخرى( .)35ولقد عرفت الساحة الفنية منذ أواخر الستينات ومطلع السبعينات فرقا متعددة
المشارب والمنابع و إن اشتركت في الشكل و في المظهر وفي أدوات االشتغال( ،)36ونذكر مجموعة
المجاديل ،أوسمان ،لقدام ،إزنزارن ،أرشاش،تيتار ،إزماز،إعشاقن ،إيكيدار،تودرت ،أيت العاتي،
أودادن ،إنرزاف (بيزنكاض لحسن)،إنرزاف(بايح حميد )،إمغران ،أيتماتن ،إزنكاض،إيمايرن ،أيت
إيمراين ،إسوفا ،إمدوكال،ّ باعمران ،إسوتار ،أسمغور،إمودال ،إمزالن ،إكبارن ،إمزوارن ،لجواد،
وغيرها مما يضيق المقام بذكره(.)37
لم يعد ينظر للموسيقى األمازيغية السوسية نظرة تبسيط وتقزيم ،ولم يعد الظن القديم بها القائم على أنها
تت َعاطى من قِبل بَ ْد ٍّو بسطاء أميّين ،أخذتهم العفوية وبعض من الموهبة غير المؤطرة فنيا وأكاديميا إلى
ممارستها والتعلق بها؛ بعدما أصبح لها من الشأن والقيمة ما جعلها تراثا عالميا ،يقبل عليه اآلخر
بشغف مسبوق بانبهار وبدهشة ،تماما ،كما انبهر الناقد الفني الفرنسي بيير كودير والفنان األلماني
فيرنر كيردت برسومات عفوية وفطرية لرسامة من قرية بسيطة في إقليم اشتوكة أيت باها،
أصبحت،بعدما تخففت ثقافة االعتراف من كل خلفيات و هوامش ،الفنانة السوسية العالمية "الشعيبية
طالل" .إن الرصيد الموسيقي األمازيغي حري به أن يكون ديوانا جامعا الثقافةَ والتاريخ األمازيغيين،
وحري به في مستوى آخر أن يكون شاهدا حيا على نبوغ وحكمة وإبداع اإلنسان األمازيغي ،الذي أ ّكد
ومازال يؤكد قدرته ومكنته على المساهمة في الركب الحضاري لإلنسانية جمعاء في شتى المجاالت.
)(31نقصد كتابه المجموعات الغنائية العصرية السوسية ، 2008،الذي استعرض فيه الباحث تعريفات مقتضبة لمجموعة من الفرق الموسيقية السوسية
منذ مطلع السبعينات.
) (33بحث معنون ب :المجموعات الغنائية األمازيغية النشأة والتطور ،ضمن كتاب جماعي معنون ب :األسس األمازيغية للثقافة األمازيغية ،منشورات
جامعة سيدي محمد بن عبد هللا ،فاس.
)(34نقصد كتابه مجموعة أوسمان األمازيغية ،منشورات المعهد الملكي للثقافة األمازيغية.2011 ،
ّ
تيرزاف (الهدايا)؛ إويز ن تِسْتامت(سهرة )(35نشير هنا مثاال إلى البرامج التلفزية :أَبريد نثران (طريق النجوم)؛ تيروريوين (ألحان )؛
الثامنة).والبرامج اإلذاعية :أ ْس ْمغر نونازور (تكريم فنان)؛ أسايس( المحفل ).والشبكية :إسْكا نكاور دونازور( لقاء مع فنان).
) (36نقصد الزي الموحد ،واصطفاف أعضاء الفرقة جنبا إلى جنب ،واآلالت الموسيقية المعتمدة التي يطالها اختالف طفيف بين الفرق ،ونشير هنا إلى
اعتماد الفرق الغنائية في الغالب على آلة البانجو والقيثارة الكهربائية كأدوات غير مطروقة في الجيل األول من الروايس ،مع اإلشارة إلى انفراد مجموعة
أوسمان بآلة األكورديون ذات األصل النمساوي واشتراكها مع مجموعة إزنزارن في استعمال آلة الكمان.
) (37اقتصرنا في هذا المقام على استحضار المجموعات ذات اإلنتاج الدائم أو المنقطع ،نقصد التي أنتجت ألبوما غنائيا أو أكثر من لدن إحدى شركات
اإلنتاج الفني ،دون الخوض في األسباب المادية والمعنوية المؤدية إلى توقف بعض المجموعات في مسارها الفني ،ولم نذكر بالطبع المجموعات الشعبية
الهاوية المناسباتية ( أعراس ،احتفاالت متنوعة ،)...وإن كانت تؤدي دورها المهم في التنشيط الفني والثقافي.
الموسيقى األمازيغية بين األمس واليوم /إبراهيم أوحسين /المغرب