Professional Documents
Culture Documents
الدولة-الهشة_-أم-_وضعية-الهشاشة_-؟-قراءة-في-إشكالية-بناء-الدولة-في-إفريقيا
الدولة-الهشة_-أم-_وضعية-الهشاشة_-؟-قراءة-في-إشكالية-بناء-الدولة-في-إفريقيا
الملخص :
تناقش هذه الدراسة إشكالييت "اهلشاشة" و"حالة اهلشاشة" يف أفريقيا ،على اعتبار اهلشاشة من
التحديات الرئيسية اليت تقف يف وجه اية مبادرة تنموية ،وقد نشرت العديد من املنظمات الدولية بل
امهها مثل (البنك الدويل ،ومنظمة التعاون االقتصادي والتنمية ،وبنك التنمية األفريقي ،ومنظمات األمم
عددا من التقارير حول هذا املوضوع ،كما يتم وضع قوائم من "الدول اهلشة" من هذه املتحدة) ً
املنظمات ،انطالقا من مجلة من املؤشرات املتعارف عليها ،ويتم حتديثها كل عام ،و تساعد مؤشرات
اهلشاشة يف حتديد البلدان املعنية باهلشاشة .
حتاول الدراسة التعرف على املقاربة اجلديدة يف تعريف اهلشاشة ،من خالل التعرف على اهم ابعادها:
العنف ؛ العدالة؛ مؤسسات شاملة و خاضعة للمساءلة ؛ الشمول االقتصادي واالستقرار ؛ القدرة على
التكيف مع الصدمات والكوارث االجتماعية واالقتصادية والبيئية .كما حتاول مناقشة كيف ان هذه
اهلشاشة (هشاشة الدولة) هي قيد رئيسي على تنمية أفريقيا ،السيما ان أربع من كل مخس دول هشة
حول العامل توجد بأفريقيا ،و كيف اصبحت املسألة اليوم مشكلة ملحة.
كما هتدف هذه الدراسة إىل توضيح آثار اهلشاشة و تكاليفها على افريقيا ،وهي مرتبطة ببعض أكرب
مشاكل العامل :الفقر واجلوع وسوء التغذية واملرض والنزوح واإلرهاب واجلرمية ،و كيف ان اهلشاشة ليس هلا
تأثري على مواطين الدول اهلشة فحسب ،بل تولد تداعيات سلبية إقليمية وعاملية كبرية ايضا.
224
قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟: "الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة
اهلشاشة، افريقيا، بناء الدولة:الكلمات المفتاحية
Abstract:
This study discusses the concepts of fragility and fragility status in Africa.
Fragility is widely recognized as the main development challenge, and all
major international development agencies (the World Bank, OECD, the
African Development Bank and UN Organizations) have published a
number of reports on the subject. A harmonized list of “fragile states” has
been set up by them, and it is updated every year. Indicators of fragility and
vulnerability help define the countries considered as fragile. A new
approach to fragility has been defined. It applies to all countries, and relies
on five dimensions: violence; Justice; Accountable and inclusive
institutions; economic inclusion and stability; Capacity to adapt to social,
economic and environmental shocks and disasters.
State fragility is a major constraint on Africa’s development. Four out of
every five fragile states around the world are found in Africa. Hence
promoting inclusive growth is now a matter of urgency.
This study aims at clarified the impacts of Fragility, she is associated with
some of the world's biggest problems: poverty, hunger, malnutrition,
disease, displacement, terrorism and crime. fragility has not only an impact
on the citizens of fragile states but also generates considerable regional and
global negative spillovers.
Key words: state building, fragility, fragility status
225
كنزة مغيش
.1المقدمة :
رغم تغري منوذج "وستفاليا" ،الزالت املفردة الرئيسية يف خطاب العالقات الدولية هي الدولة ،حيث متثل
200دولة -من سان مارتان حىت الصني -القاعدة اليت يرتكز عليها النظام الدويل ،وحىت التقدم الذي
حققته املؤسسات الدولية ،ال يعد يف الواقع إال الوجه األخر لتلك الظاهرة ،اليت ما فتأت ترتسخ ،حيث
انتقل العامل من 85دولة عام 1950إىل 192عام ،2011 François Gaulme ( 2000
،( p.18غري ان فشل عدد كبري من هذه الدول يف القيام بأدىن وظائف الدولة ،و عدم قدرهتم على
التحلي بأدىن صفاهتا ،أدى اىل ظهور مفهوم الدولة الفاشلة.
ظل الرتابط والتفاعل
الدويل ،يف ّ
ّ اهلشاشة والضعف يف خطاب الغرب حتديّاً أمام اجملتمع
أصبحت وضعية ّ
بني دوله ،وذلك بسبب عوملة االقتصاد وعوملة نُظم تكنولوجيا املعلومات ،واألمن ،وعليه؛ فإ ّن تداعيات
الداخلي واحمللي ،وإمنا متتد لتشمل دول اجلوار ،وما هو
ّ هشاشة دو ٍلة ما ال تنحصر بالضرورة يف املستوى
أبعد منها أيضاً ،ويكون من ضمن تلك التداعيات اتساع دائرة العنف.
اإلشكالية :انطلقت النقاشات حول الفشل مث اهلشاشة من إشكالية مركزية :من أين تأيت اجملتمعات اليوم
بالقدرة على التصدي لالزمات و املرونة résilience؟ من أين تأيت باملوارد الضرورية الستباق األزمات
و تسيريها؟ عند اإلجابة عن هذا االنشغال مت فرز حاالت دولية عرفت سابقا يف بداية التسعينيات بالدول
الفاشلة ، les Etats faillisو هي اليوم تواجه حتديات جديدة أكرب ع ّقدت من فشلها ،هي دول تعاين
من ظواهر اإلرهاب والتطرف ،القرصنة البحرية ،اهلجرة غري الشرعية ،...وهي مشكالت نقلتها من حميطها
اإلقليمي و اجلهوي إىل احمليط الدويل بسبب هشاشتها تلك .
سنحاول من خالل هذه االنشغاالت و النقاشات أن جنيب على اشكالية مركزية :ملاذا مل تتمكن بعض
الدول رغم االنتقال املرن حلركة التجارة و املالية و االتصاالت و اإلعالم و حىت املعارف مل تتمكن من
الصعود L’émergence؟ ملاذا ال تزال اغلب الدول االفريقية غري قادرة على التقارب يف سياساهتا مع
جتارب ناجحة يف ظل عامل منفتح؟ ملاذا زادت بعض الدول االفريقية الفاشلة هشاشة وباقي العامل يزيد
226
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
يفسر دميومة هذا الوضع
غىن و تصاعدا يف إطار املنافسة الدولية؟ ما هي جذور اهلشاشة؟ و ما الذي ّ
لدى البعض؟
سنحاول اإلجابة على هذه االنشغاالت من خالل مخس حماور رئيسية حيث خنوض أوال يف مفهوم
اهلشاشة مث نناقش يف جذورها يف حمور ثاين و تكاليفها كعنصر ثالث ،و خنصص احملور الرابع إىل املقاربة
الدولية ملواجهة اهلشاشة ،و نناقش االنتقال من مفهوم "الدولة اهلشة" إىل "وضعية اهلشاشة" ،أما احملور
اخلامس فانه يناقش املقاربة " االفريقية احمللية" ملواجهة اهلشاشة اليت طرحها االحتاد اإلفريقي.
.2في مفهوم الهشاشة
فرض مفهوم "الدول اهلشة" أو بصفة أدق صفة "اهلشاشة" نفسه تعويضا لتعبري "الفاشلة" ،الذي
يف مقال مبجلة ، foreign affairsويعترب Helman انتشر بداية التسعينيات من طرف Ratnerو
املفهوم يف نظر البعض ترمجة للمقاربة الدولية لعامل ما بعد 11سبتمرب ،و الدول اهلشة -يف نضرهم -هي
تلك الدول اليت فشلت يف عدة مستويات ،وبدرجات متفاوتة ،هي الدول األقل أداء يف املعمورة ،نتيجة
عدم قدرة حكوماهتا أو عدم اهتمامها بتحقيق املطالب األساسية ملواطنيها من اجل حتقيق
التنمية)(Thomas POIRIER,2012,p11
اهلشة» من اضعف املفاهيم متاسكا و وضوحا من الناحية النظرية ،فعلى الرغم
ويُع ّد تعبري «الدول ّ
من وجود عدد من املؤشرات املتعارف عليها دوليا ،و الشائعة االستخدام لالستدالل على هشاشة الدول،
مثل :دولة القانون و حماربة الفساد ،القدرة االقتصادية للبلد ،اإلرهاب و التطرف ،الطفولة واملرأة ،القدرة
متفق عليه بني املؤسسات املاحنة ،يف
متماسك ٌ
ٌ يف
على مواجهة الكوارث واألزمات ،فإنه ال يوجد تعر ٌ
إطار املساعدات الدولية االقتصادية و اإلنسانية ،و ال بني الدول املعنية بالصفة .
إن لكل من املؤسسات الدولية ،البنوك التنموية املتعددة األطراف ،اجملموعات اإلقليمية ،جمموعات
التفكري ،اجلامعات...حتليله ،خربته ،معايريه ،لتشخيص اهلشاشة ،مما أدى إىل ظهور عدة قوائم وتصنيفات
ومؤشرات متعلقة با :ارتباط فشل الدولة خبروجها عن القانون وانتهاكها للحقوق األساسية لإلنسان!
مبعاناهتا من مستوى تنمية سياسية ضعيفة جدا! بالتمعن يف خارطة احلروب األهلية يف العامل ،وإشكالية
227
كنزة مغيش
إمكانية دمج احلروب ما بني الدول و املناطق اليت ينتشر فيها اإلرهاب! النظر يف األقل غىن واألقل جاهزية
،ذات االقتصاديات األكثر مجودا ،و ذات اخلدمات االجتماعية األكثر فشال! بدمج البعد املتعلق
باألكثر تأثرا بالتغريات البيئية! لذلك نتج عن هذه االنشغاالت عدة قوائم ،و بطاقيات وقواعد بيانات ال
تتشابه كثريا ،و نتجت معايري وتصنيفات تتغري و تتطور باستمرار.
أكثر األمثلة تأكيدا لذلك تغيري البنك الدويل ملقاربته التعريفية ملفهوم اهلشاشة عدة مرات ،حيث
اعترب البنك يف 2001/2000اهلشاشة بأهنا "تعبري عن وضع قلق stressتعيشه الدول ذات الدخل
الضعيف" ؛ يف 2006قدم البنك تصنيفا للدول اهلشة انطالقا من عدد من املؤشرات ذات الطابع
عوضها يف 2010بقائمة أخرى بعنوان "دول هشة و متأثرة بالصراعات" ،سرعان
السياسي واملؤسسايتّ ،
ما مت انتقادها نظرا لعدم متكن مؤشراهتا من استيعاب دول ما مسي بالربيع العريب ،رغم هشاشتها السياسية
واالجتماعية ،مما دفعته سنة 2011لطرح تصنيف أخر ملا امساه بالوضعية اهلشة ادمج خالهلا مؤشرات
سياسية و أمنية.
اهلشة" ،وهو
املؤسسات البحثية واملهنية حول العامل على تقرير "مؤ ّشر الدول ّ
وتستند العديد من ّ
سنوي واسع االنتشار ،يصدر عن
ٌّ اهلشة ،تقر ٌير
أهم التقارير الدولية اليت تصدر يف موضوع الدول ّ
أحد ّ
مؤسسة صندوق السالم الدولية ،وتشاركها فيه جملة السياسة اخلارجية Foreign policyواسعة االنتشار.
دأبت اجمللة منذ عام 2005بالتعاون مع "منظمة الصندوق من أجل السامل" على نشر مقياسها
يضم التقرير ترتيباً لـ ـ 178بلداً حول العامل،
السنوي ،حيث تقوم برتتيب أبرز الدول الفاشلة يف العاملّ .
مستنداً يف ترتيبه لتقييم مستويات االستقرار يف تلك الدولة من ناحية ،والضغوط اليت تواجهها من ٍ
ناحية
أخرى ،وذلك لتقدير احتماالت الصراع يف تلك البلدان ) علي ابو فرحة ،) 2018،تقوم منهجية التقرير
قسم دول العامل وفقاً لتقدير تلك املؤشرات إىل
على 12مؤ ّشراً ،ينقسم بدوره إىل مائة مؤ ّشر فرعي ،تُ ّ
كل جمموعة ألوان حالة الدولة ،وذلك على مقياس من 10وحىت .120 ٍ
متدرجة ،تصف ّ ألوان ّ
228
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
ٍ
متفاوتة من اللون األزرق لوصف حالة الدولة بأهنا ٍ
بدرجات فيبدأ املقياس من ( 10حىت )30
«مستدامة»؛ أما من ( )60 - 40فهي درجات متفاوتة من اللون األخضر لوصف حالة الدولة بأهنا
«مستقرة»؛ أما من ( )90 - 70ذات اللون األصفر مبستوياته املختلفة وصوالً للربتقايل كتقدير حلالة
229
كنزة مغيش
«احلذر» بشأن الدول الواقعة يف هذا اجملال؛ وأخرياً التقدير من ( 100إىل )110لتقدير حالة «اإلنذار»
بشأن الدول الواقعة يف هذا النطاق.
وتُصنّف تلك املؤشرات إىل ثالث جمموعات (علي ابو فرحة:)2018،
المؤشرات السياسية والعسكرية المؤشرات االقتصادية المؤشرات االجتماعية
شرعية الدولة التنمية االقتصادية املتفاوتة مؤشر الضغوط الدميوغرافية
السياسات احلكومية مؤشر النزوح واللجوء
حقوق اإلنسان وحكم القانون الفقر و التداعي االقتصادي مؤشر شكاوى
اجلهاز األمين داخل الدولة
تفتت وتشرذم النّخب داخل الدولة مؤش ـ ـر هجرة رأس املال البشري
مؤشـ ـ ـر التدخل الدويل
المصدر :علي ابو فرحة ،الدولة ّ
اهلشة يف إفريقيا يف ضوء علم االجتماع السياسي ،قراءات
إفريقية ،2018 .العدد http://www.qiraatafrican.com،27
أما Fund for Peaceو هي من أهم املنظمات غري احلكومية للتنمية (واشنطن) ،فقد قامت بتطوير
فهرسة جديدة خاصة بالدول اهلشة ،نشرهتا سنة ، 2014متخلية بذلك عن مفهوم الدولة الفاشلة الذي
كانت قد استعملته منذ 8سنوات من قبل يف ،2006و كان من بني 20دولة هشة 14دولة افريقية
(. )Julien SERRE,2016,p22
.16زميبابوي× .11هييت . 6التشاد× -1جنوب السودان ×
.17غينيا بيساو× .12العراق . 7اليمن -2صوماليا×
.18البورندي× .13باكستان . 8سوريا -3مجهورية إفريقيا الوسطى×
19النيجر× 14نيجرييا× 9أفغانستان -4السودان ×
20أثيوبيا× 15كوت ديفوار × 10غينيا× -5الكونغو×
المصدرJulien Serre, les Etats Fragiles .Manuel théorique et :
pratique. Paris :Studyrama ,2016,p.22
230
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
بنيت تلك الفهرسة على 12مؤشر ،و رغم صعوبة تكميم بعضها ،إال أهنا سامهت يف حتليل اكرب عدد
من احلاالت ،انطالقا من معايري اجتماعية (الضغط الدميغرايف ،الالجئني ،هجرة رأس املال البشري،)...
معايري اقتصادية (الفقر ،التفاوت التنموي ،)...معايري سياسية و عسكرية (مشروعية الدولة ،اخلدمة
العمومية ،حقوق اإلنسان ،دولة احلق و القانون ،اجلهاز األمين ،الصراع بني النخب ،التدخل األجنيب...
Center for Research on Inequality Human security and اقرتح مركز البحث
Ethnicityجبامعة أكسفورد تعريفا للهشاشة يقوم على ثالث أبعاد رئيسية ،كان من الناحية االمربيقية
أكثر مالءمة مع واقع عدد كبري من الدول:
.1إفالس السلطة
.2إفالس يف احلقوق السوسيو-اقتصادية املرتبطة بقضايا الالعدالة األفقية
.3إفالس يف املشروعية.
و على الرغم من أن اغلب التعاريف حول الدولة اهلشة تركز على عنصر املؤسسات و دولة احلق والقانون؛
الصراعات و الصور األخرى من عدم االستقرار؛ و اخلدمات األساسية للمواطن و حاالت الضعف
املرتبطة هبا؛ إال انه ميكن أن منيز ضمن تعدد التعاريف املقرتحة حول اهلشاشة ست 6فئات اساسية هي:
() Julien SERRE,2016,p30
التعريف المنظمة نوع التعريف
الدولة اهلشة هي الدولة غري القادرة على منظمة التعاون و تعريف يركز على اختالل
االستجابة الحتياجات مواطنيها ،أو تسيري التنمية االقتصادية العالقة بني الدولة واجملتمع
التغيري يف طموحاهتم ،و يف قوة مسارها OCDE
السياسي (.)2009
Department Forعندما ال تريد أو ال تستطيع احلكومة القيام تعريف وظيفي
International
Development.بوظائفها األساسية أمام اجملتمع ،السيما
أمام األكثر فقرا من أفراده (. )2005 Gov.UK
هي الدولة اليت فشلت أو بصدد الفشل يف CRISE تعريف عمليايت
تزويد مصاحلها االجتماعية و االقتصادية مبا
231
كنزة مغيش
Julien Serre, les Etats Fragiles .Manuel théorique et pratique. Paris :
.Studyrama: 2016, p.29, 30
ميكن للهشاشة أن تتخذ عدة أشكال كما بينته عدة أحباث :فالدولة اهلشة قد تكون هشة ضعيفة faible
إذا كانت ال متارس رقابة إدارية على إقليمها ،هشة منقسمة إذا كانت االنقسامات االثنية الدينية و حىت
الوطنية هبا عميقة ،دولة هشة ما بعد احلرب خرجت من صراع دموي ،أو دولة هشة مفلسة en faillite
إذا أصبحت املؤسسات و الوظائف األساسية فيها ال تشتغل إطالقا .يف حالة الدول اإلفريقية ،جتتمع
هذه األصناف غالبا يف وضعية واحدة ،وأحسن مثال على ذلك هو الصومال( Claude DUVAL ,
.)2009,p45
233
كنزة مغيش
2.3العامل االستعماري:
تعترب حقبة "التكالب على أفريقيا" ،اليت بدأهتا البلدان األوروبية يف هناية القرن التاسع عشر ،عامال رئيسيا
كوهنا األصل التارخيي للهشاشة اليت تعاين منها بلدان عديدة يف أفريقيا .وقد ثبت أن الفرتة االستعمارية،
كانت هلا عواقب طويلة املدى على منط التطور املؤسسي خالل فرتة االستعمار ،وعلى الرغم من أن
مؤسسات الدولة قد تكون هشة حىت يف بلدان مثل إثيوبيا وليبرييا ،اليت مل تتأثر حبقبة "التكالب على
أفريقيا" ،إال أن االستعمار األورويب حال دون قيام هياكل قوية لدول املنطقة (التقرير األورويب حول التنمية
لعام ،2009ص.)49
متكنت البلدان األوروبية -اليت ظلت لقرون من الزمن حتتفظ مبعاقل هلا على طول الساحل األفريقي –
من فرض سيطرهتا السياسية ،على اجلزء األكرب من أفريقيا جنوب الصحراء ،يف غضون بضعة عقود ،بني
هناية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .و كانت التجربة االستعمارية نقطة فارقة يف التاريخ
األفريقي ،رغم مرور أقل من قرن بني عقد مؤمتر برلني واستقالل املستعمرات الربتغالية يف منتصف
السبعينات.
إن جوانب عديدة يف تكوين مؤسسات الدولة يف أفريقيا ميكن ربطها هبشاشة الدولة ،فقد أدخل
االستعمار عنصراً ال عالقة له باخلصائص االجتماعية واملؤسسية والثقافية للمناطق املستعمرة .كان هيكل
مؤسسات الدولة مصمماً لنقل املوارد إىل القوى االستعمارية ،و ليس لتعزيز التنمية احمللية .بعدها أنشأت
الدولة روابط اقتصادية وثيقة مع مستعمر األمس ،يف عالقة قائمة على التبعية السياسية السيما فرنسا
وبلجيكا .
.3 3مشكلة الحدود االصطناعية:
تعد مشكلة احلدود يف إفريقيا عنصر هام من مصادر اهلشاشة يف إفريقيا ،و الذي مصدره االستعمار .إن
احلدود االصطناعية اليت رمسها املستعمرون األوروبيون للقارة اإلفريقية يف مؤمتر برلني ، 1885أثناء مرحلة
التكالب االستعماري على أفريقيا ،هي اليت أوجدت هذه املشكلة ،ذلك أهنا مل توضع تعبريا عن أوضاع
سياسية أو حقائق اجتماعية ذات دالالت إنسانية أو تارخيية معقولة ،بل على العكس متاما ،وضعت
على أسس اعتباطية حتكمية (عبد السالم ابراهيم البغدادي ، )2000 ،تعرب بعمق عن مطامع استعمارية
يف تقسيم الطورطة ،وأصبحت احلدود الثقافية ال تتفق مع احلدود السياسية ،حيث اجتمعت داخل الدولة
234
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
قسمت احلدود بني مجاعات عرقية منسجمة متاما إىل دول. اإلفريقية عدة مجاعات خمتلفة و متنافرة ،و ّ
هذا التقسيم العشوائي أدى إىل خلق صراعات حادة الزالت أثارها إىل اليوم .
235
كنزة مغيش
األقدم من هذه مثل روندا كانت كذلك ،فالتعدد االثين يف حد ذاته ليس املشكل ،بل املشكل يف ضعف
الدولة ،و ضعف مشروع بناء الدولة على اإلمجاع كشرط قبلي .
.5المقاربة الدولية لمواجهة الهشاشة :من "الدولة الهشة" إلى "وضعية الهشاشة":
لقد كتب الكثري حول الكيفية اليت ميكن هبا مساعدة الدول اهلشة من طرف احلكومات اخلارجية ،هيئات
املساعدة ،و املؤسسات املالية الدولية للخروج من هشاشتها .مسامهات نظرية وحبثية عديدةكتبت حول
الدور السياسي و االقتصادي هلؤالء يف تنمية الدول اهلشة ،و حول إشكالية فعالية املساعدات الدولية،
ومدى قدرهتا على حتقيق نتائج مرجوة يف هذه الدول .
متكنت الفواعل الدولية مع الوقت من اكتساب خربة ملموسة يف جمال مساعدة الدول اهلشة ،نلمحها من
خالل ابرز التقارير اليت تنشرها هذه األخرية ،مثل تقرير برنامج األمم املتحدة من اجل التنمية ،2008
البنك الدويل ،2011صندوق النقد الدويل ،2011التعاون و التنمية االقتصادية، OCDE 2013
، 2015،2014تقارير هتدف للبحث يف عناصر جناح اجلهود الدولية يف ترقية االستقرار والتنمية يف
الدول اهلشة ،السيما بعدما اقتنعت هذه الدول يف السنوات األخرية أن جذور اهلشاشة خمتلفة من حالة
إىل أخرى ،حسب احلاالت الوطنية.
مع تعقد حاالت التدخل ،زادت االنتقائية يف تقدمي املساعدات ،وقد أدى التأكيد املتزايد على انتقائية
تقدميها إىل حدوث حتول كبري يف ختصيص املساعدات الثنائية ،ووجد املاحنون أنفسهم أمام معضلة :أن
انتقائية تقدمي املساعدات جاءت على حساب ختفيضها يف األماكن اليت كانت يف أمس احلاجة إليها،
لذلك سجلت بعض البلدان اليت تضم حكومات ضعيفة اخنفاضاً حاداً و تقلباً يف املساعدات .إن
االهتمام املتزايد باهلشاشة "بدا وكأنه استجابة سياسية لقضية تنفيذية ،و واجهت الوكاالت املاحنة متاعب
يف التعامل مع "البلدان اليت تفتقر إىل االلتزام السياسي ،والقدرات الكافية لوضع وتنفيذ سياسات لصاحل
الفقراء .
على الرغم من بعض النتائج االجيابية اليت سجلها تقرير االحتاد األورويب لعام ، 2008يف إطار
املساعدات من اجل التنمية و املساعدات اإلنسانية املقدرة بـ ــا 50مليار أورو ،يف سبيل حتقيق أهداف
األلفية للتنمية ،فإن التقرير أكد أن أكثر الدول اليت مل حتقق فيها نتائج اجيابية كانت الدول املسماة هشة
237
كنزة مغيش
يف إفريقيا الصحراوية ( subsaharienneالتقرير االورويب ،ص ،)31و رغم املساعدات ،الزالت
ملفات أخرى مل تلق الدعم ،مثل قضايا حقوق اإلنسان ،و العنف ضد املرأة )Julien
.)SERRE,2016كما قام االحتاد األوريب بإحصاء عدد من عناصر اهلشاشة يف غرب إفريقيا :ضعف
املؤسسات أمام حتدي القرصنة و اجلماعات اليت تستعمل العنف مثل ، LRAالصراعات بني الدول،
اهلجرة والفقر ،والتغري البيئي ،بغرض وضع خمطط عمل جهوي 2020/2015حلل عدد من
اإلشكاليات مثل :األمن اجلهوي ،مكافحة التطرف و اجلهادية ،البطالة و اهلجرة ،دولة القانون ،مع تقدمي
دعم تقين للربامج مع مؤسسات جهوية ملكافحة القرصنة البحرية ،من خالل برنامج األمن من اجل احمليط
اهلندي وإفريقيا الشرقية واجلنوبية ،مهمات عسكرية مثل مهمة االحتاد اإلفريقي يف السودان ،دعم
ملؤسسات وطنية مثل ما حدث يف الصومال...
إن املتتبع للنقاشات الدائرة حول مفهوم الدول اهلشة ،ميكنه بسهولة التمييز بني مقاربتني ،األوىل أمنية
بقيادة الواليات املتحدة األمريكية اليت ترى يف اهلشاشة أرضا خصبة لتنامي الظاهرة اإلرهابية ،ولذلك
جندها تقرتح حلوال أمنية ؛ و مقاربة أخرى بقيادة املاحنني و هي تقرتح حلوال تنموية .
و على الرغم من انتشار الدعوة إىل توسيع تطبيق منهجية « « 3 Dمن طرف بعض القادة يف
الغرب ،إال أن البعض ينتقد املقاربة جلعلها بعد التنمية Développementوالدبلوماسية Diplomatie
بعدين تابعني إىل البعد األمين ،فنجدهم يدعون إىل الرتكيز على الوفاق السياسي الداخلي يف الدولة،
احلكامة الشرعية ،التنمية السوسيو -اقتصادية ،و التعاون اجلهوي مع دول اجلوار يف جمال حفظ السلم
واألمن يف املنطقة .
و نظرا للرتابط الوثيق بني األمن والتنمية يف البلدان اهلشة ،ينادي بعض ال ُكتاب باستخدام جمموعة أوسع
من األدوات ،مبا يف ذلك التدخالت العسكرية ،للتعامل مع حتديات التنمية اليت تواجهها تلك البلدان.
تكثفت يف السنوات األخرية التدخالت اخلارجية يف إفريقيا شبه الصحراوية ،السيما منها تدخالت االحتاد
األوريب ،الذي أطلق عدة مهمات politique Européenne de Sécurité et ، PESD,
،Défenseعسكرية و مدنية ( وصلت إىل 6هناية ، ) 2008إىل جانب العمليات اليت يقودها
االحتاد اإلفريقي أيضا يف عدد من الدول مثل البورندي الصومال السودان...
238
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
لقد وضع االحتاد األورويب عام 2011اسرتاتيجيتني يف القارة السمراء ،األوىل للقرن اإلفريقي والثانية
للساحل ،و هو الشريط الفاصل بني دول مشال إفريقيا و إفريقيا الصحراوية ،و ميثل اكرب خطر بات
يهدد امن و استقرار إفريقيا الغربية و الشمالية على وجه اخلصوص ،حيث يعاين الشريط منذ سنوات من
تغريات مناخية كربى ،من دون أن ننسى خطر اجلماعات املسلحة اليت باتت تسيطر على املنطقة .بعض
الدول األكثر منو اقتصادي يف القارة تقع ضمن الشريط ،مما قد يهدد أفاق تنميتها على املدى البعيد ،إذا
مل تقم باختاذ إجراءات ملموسة .لقد مت مجع كل من بوركينافاصو ،التشاد ،مايل ،موريطانيا والنيجر
ضمن اسرتاتيجية الساحل من اجل دعم أربع حماور أساسية (:)Julien SERRE,2016
األمن و دولة القانون (حمور أساسي) 1
الوقاية من الصراعات و حلها مع احلكم الراشد (حمور يضم كل املسائل املتعلقة بالتنمية) 2
النشاط الدبلوماسي و السياسي 3
حماربة التطرف و العنف . 4
لكن مع تأزم الوضع يف مايل منذ 2013فقد مت الرتكيز على حمور التطرف و اهلجرة غري الشرعية وملف
احلدود و التزوير .و نظرا للعالقة الطردية بني اهلشاشة و إمكانية ظهور الصراعات ،تركزت مساعي
وكاالت املساعدة الدولية على جماالت كانت حىت اآلن حكرا على املنظمات اإلنسانية ،من خالل الرتكيز
على السكان واألفراد ،الن اهلدف من وراء ذلك يف تقديراهتا حماولة منع الدول اهلشة من التحول إىل دول
لصة خارجة عن القانون ) ، (rogue stateلذلك جند املؤسسات املاحنة على املستوى الدويل قد
أدجمت يف براجمها االسرتاتيجية بعد الوقاية من األزمات و الصراعات عرب عدة آليات ( Thomas
) .)POIRIER,2012,p22و منذ إقامتها يف 2009تقوم الشبكة الدولية حول الصراعات واهلشاشة
) ،le Réseau International sur les conflits et les fragilités (INCAFبعمل تنسيقي
يرتكز على 4حماور أساسية :
نشر مبادئ املساعي الدولية يف الدول اهلشة و الوضعيات الزائلة 1
هيكلة املساعدات و قضايا التمويل 2
بناء السلم 3
تقوية الدولة و األمن ،و احلوار الدويل حول بناء السلم و تقوية الدولة ( La Coopération 4
))Luxembourgeoise, 2012, P.4
239
كنزة مغيش
بدأت منظمة التعاون والتنمية تتحدث عن "حاالت اهلشاشة" عوض "دولة هشة" ،موسعة نطاق الرتكيز
الذي كان ينصب على الدولة وحدها ،إذ تؤكد مبادئها للمشاركة الدولية اجليدة على أن اهلدف طويل
األجل من املشاركة يف هذه البلدان هو "مساعدة اإلصالحيني الوطنيني على بناء مؤسسات فعالة وشرعية
ومرنة ،وقادرة على التعاطي بشكل مثمر مع شعوهبا ،لتعزيز التنمية املستدامة" ،و أن بناء الدولة هو عملية
داخلية ،ال ميكن أن تتأثر إال تأثراً طفيفاً بالفاعلني اخلارجيني.
يف 2007قامت منظمة التعاون و التنمية بتبين 10مبادئ متعلقة باملساعي الدولية يف الدول اهلشة
والوضعيات الزائلة ،و مت التأكيد على ضرورة تبين مقاربة متكيفة مع اإلطار احمللي ،و على ضرورة التنسيق
بني كل املاحنني ضمن التزام طويل املدى ،و على جعل األولوية يف الدعم لعملية تقوية الدولة .
منذ عام 2005تنشر هذه املنظمة تقريراً سنوياً عن الدول اهلشة ملراقبة املعونات املقدمة لقائمة من
غريت املنظمة من مقاربتها ،و أصبحت ال تكتفي البلدان اليت تعترب أكثر هشاشة ،و منذ عام ّ ،2015
بطرح قائمة بل تقريرا شامال ألوضاع اهلشاشة ،ويعكس العنوان اجلديد للتقرير ،وهو "دول اهلشاشة عوض
"الدول اهلشة" هذا التغري .دعت منظمة التعاون و التنمية االقتصادية OCDEيف هذا التقرير حول
اهلشاشة سنة 2015إىل ضرورة دمج عملية الدعم املستقبلي للبيئة األكثر هشاشة ضمن األهداف
اجلديدة للتنمية املستدامة ODDل ـ ـ ،2030الن هذه الدول ستواجه حتديات القرن بوضع هش
يستدعي املرافقة و الدعم ،السيما أن وضعية اهلشاشة وضعية صعبة ،تعرب عن مجلة من العوامل ضمن
حلقة مفرغة ،يكون اخلروج منها شاقا 30 ،عاما بعد تصنيفها من طرف البنك الدويل سنة ،1979
بقيت 35دولة يف وضعية هشة يف تقرير له لعام . 2009
كانت سنة 2017مناسبة إلفريقيا عرب ثالث حمطات لالستفادة من اخلربة الدولية يف التنمية ،أوهلا ندوة
املبادرة حول الشراكة مع إفريقيا ،و جمموعة العشرين املنعقدة 13/12جوان بربلني ،واملتبوعة بقمة جمموعة
العشرين ب ـ ـهامربغ 9/8جويلية ؛ ثانيها قمة االحتاد اإلفريقي بأديسابابا 4/3جويلية (إثيوبيا) املنعقدة حتت
شعار القيادة و االستثمار يف الشباب؛ و أخريا قمة االحتاد اإلفريقي /االحتاد األوريب 29/28نوفمرب
بأبيجان (كوت ديفوار) ،الذي ركز على موضوع الشباب يف إفريقيا .عربت هذه املبادرات عن املكانة
اهلامة اليت حتتلها إفريقيا يف مستقبل السياسات الدولية ملا فيها من مورد بشري شاب .
240
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
آفاق 2050سيصبح عدد الشباب يف إفريقيا 10أضعاف العدد يف االحتاد األوريب ،حيث
سيصل عدد السكان يف إفريقيا 2مليار 500مليون ،نصفهم شباب اقل من 25سنة ،سيحتاج
هؤالء لفرص عمل تسمح هلم حبياة كرمية ،فالقادة األفارقة أمام حتدي سوق عمل ،سيصل الطلب فيه إىل
450مليون منصب عمل ما بني ، 2035/2015أي 22.5مليون كل سنة ،باملقابل لو استمرت
وترية التنمية يف إفريقيا على هذا احلال حىت ، 2022فان أثارها على األمن اإلقليمي و الدويل وخيمة،
وستصل معها البطالة إىل 41.4مليون بطال ،و سيكون هؤالء أوىل ضحايا الفقر و الشروط البيئية
الصعبة ()Le Siècle de l’Afrique , p3
من أهم احللول اليت يقرتحها خرباء الغرب ملا يصفونه باهلشاشة ،هو إعادة بناء الدولة ،و الذي يضم يف
تقديراهتم بناء الدولة +ترسيخ األمن و التنمية .و لتحقيق ذلك ،جيب على الدولة أن تتميز بأربع ميزات
أساسية للخروج من وضعية اهلشاشة ،ميكن إمجاهلا يف ما يعرف مبنهجية كارل ، méthode CARL
وهي تعين :القدرة -السلطة -املسؤولية و املشروعية)Julien SERRE, p.177( .
قدرة اإلدارة و القطاع اخلاص مع الرتكيز على جماالت :الرعاية الصحية ،محاية CAPACITÉ
C
الطفولة ،القدرة على إقامة اهلياكل القاعدية...
سلطة الدولة :احرتام القانون ،استقاللية القضاء AUTORITÉ
A
مسؤولية السلطة السياسية و اإلدارية :حماربة الرشوة ،الصفقات RESPONSABILIT
R
العمومية،مشاركة املواطن É
مشروعية السلطة السياسية :شفافية االنتخابات ،استقاللية القضاء ،الشفافية LÉGITIMITÉ
L
املالية و امليزانية
و ميكن ترسيم املنهجية يف الشكل التايل :
241
كنزة مغيش
لقد رفض االحتاد اإلفريقي االعرتاف بتسمية " الدول الفاشلة" بسبب اإلطار السياسي واإليديولوجي الذي أنتج
املفهوم ،و الذي يندرج ضمن التصورات الغربية لعامل ما بعد 11سبتمرب ،معتربا التعريف نوع من التجرمي غري
املباشر للدول اإلفريقية ،فالتعبري هو تصنيف للدول اإلفريقية انطالقا من معايري غربية ،و هذا ما اعتربه االحتاد
غري مقبول .يف إطار عالقاته مع االحتاد األورويب يفضل االحتاد اإلفريقي تعبري "وضعية اهلشاشة" معتربا إياه أكثر
حيادا.
السبب اآلخر للرفض هو اعتبار املقاربة يف حد ذاهتا مطية لتربير التدخل الغريب يف القارة ،ويدعو االحتاد اإلفريقي
إىل تبين مقاربة حملية يف حتليل وضعية اهلشاشة ،يقودها خرباء حمليني ،ويطرح للنقاش إشكالية الطابع العاملي
للنموذج الغريب يف احلكامة ،الذي يطرحونه كالنموذج "الفضيل ( Rapport Canadien sur le
) . )Développement 2008على الرغم من ان عددا من افقر الدول ،ال متانع يف استخدام تعبري" اهلشة"
،الذي كان مرفوضا ،يف إطار اسرتاتيجية للضغط على املاحنني الدوليني ،يف ظل األوضاع االقتصادية و املالية
الصعبة اليت تعيشها جراء ما خلفته عليها األزمة العاملية منذ )Olivier NAY ,2013,p142( .2008
إن وضعية اهلشاشة هي وضعية مركبة ال ميكن فيها تبين مقاربة موحدة ،فهناك العديد من االختالفات بني
الدول اهلشة ،فهشاشة الدولة تتأتى من عوامل أخرى غري تلك املعروفة و املتعلقة بــا الفقر ،عدم األمن،
الصراعات ،الفساد كما يؤكد Ivan BRISCOEباحث با La Fundacion Para Las Relaciones
internacionales y el Dialogo Exterior (FRIDE) de Madrid.مبدريد ،حيث ميكن هلذه
الدول أن تكون غنية باملوارد أو فقرية ،مستوى منو اقتصادي مرتفع أم متضائل ،مستوى مديونية مرتفع أم
منخفض ،قد تبدأ اهلشاشة بصراع مسلح عنيف وقد تكون نتيجة ملسار من التآكل يف مشروعية السلطة .
إن وضعية اهلشاشة وضعية مركبة ،ال ميكن اخلروج منها بسهولة و بسرعة ،حيث قدر البنك الدويل يف
،2015انه من بني 26دولة يف إفريقيا شبه الصحراوية مصنفة كدولة هشة 12 ،دولة منها فقط ميكنها أن
تعرض قدرة على املقاومة ضد وضعية اهلشاشة أفاق ، 2039حيث سيعرف مسار االنتقال من هذا الوضع حنو
وضع أفضل عدد من املراحل االنتقالية ،اليت ستمس أساسا :فشل الدولة ،ضعف املؤسسات واحلكامة و كل
مرحلة تستلزم حتديات كربى .يف بداية التسعينيات 20دولة من بني 44دولة افريقية شبه صحراوية كانت دول
هشة ،سبعة دول منها متكنت عكس غريها من تطوير قدرة على املقاومة و هي الكامريون ،اثيوبيا ،موزمبيق،
242
الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" :قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟
النيجر ،نيجريا ،روندا ،لوغندا ،حيت متكنت هذه األخرية من إقامة مؤسسات سياسية أكثر إدماجا ،وتقوية
املؤسسات و تشجيع االستثمارات ،و متكنت من حتقيق استقرار ماكرو اقتصادي ،و زيادة العائدات الداخلية
بغرض ترقية االستثمارات العمومية واخلدمات االجتماعية ،يف الوقت الذي مل تتمكن دول افريقية أخرى من الدفع
هبذا املسار االنتقايل ،وبل تراجع بعضها مثل كوت ديف ـ ـوار ،مــاالوي ،زميبابوي . EnriqueGELBARD,
). ) 2015,p8
تعترب كل من أونغوال و زميبابوي -على سبيل املثال -من الدول اهلشة املصنفة ضمن قوائم منظمة
OCDEلعدة سنوات ،على الرغم من أن أنغوال رمسيا يف سالم منذ ،2002مسجلة نسبة من النمو
االقتصادي ،لكنها الزالت تعاين من مستوى أمية و وفيات لألطفال مرتفع؛ يف حني و رغم ضعفها االقتصادي
فان زمبابوي من الدول اليت تقل فيها نسب األمية ،و ال تعاين من مشكل وفيات األطفال .هذا النوع من
اهلشة ،مما جعل
االختالفات ،جيعل من اخلطأ تبين مقاربة موحدة حنو املشكالت التنموية اليت تعاين منها الدول ّ
من الوسائل التقليدية املعروفة يف جمال املساعدات من اجل التنمية مل تعد مالئمة .
إن أهداف التنمية لأللفية قد تقدم قراءة غري عادلة حول وضعية اهلشاشة يف دول إفريقيا شبه-الصحراوية ،الن
هذه األخرية ،بدأت مسارها للخروج من اهلشاشة و هي يف وضع أسوا بكثري من الكثري من الدول النامية،
فالفقر ميثل ثالث مرات ضعف مستواه يف دول أخرى أكثر استقرار ،و قد تضاعفت نسبه ثالث أضعاف ما
كانت عليه يف إفريقيا شبه الصحراوية ما بني ، 2000/1980أما سوء التغذية فيمثل % 40يف الدول اهلشة
يف إفريقيا ،وما يعادل % 76يف مجهورية الكونغو الدميقراطية لوحدها ،والنسب الضعيفة من التمدرس ،و نسب
وفيات األطفال األقل من 5سنوات ،هي يف مستويات اخطر بكثري من دول أخرى نامية Enrique ( .
. ) GELBARD, 2015, p8
روندا دولة غري ساحلية و فقرية يف املوارد الطبيعية مثلها مثل املوزمبيق دولة ساحلية فقرية أيضا من حيث املوارد،
خرجتا من جتربة صراع داخلي بداية التسعينيات ،لكنهما متكنتا من إعادة بناء قدراهتم و مؤسساهتم يف العشر
سنوات الالحقة ،و متكنتا من حتقيق درجة من املقاومة للهشاشة ،و من املرونة ،كما تشري إىل ذلك النقاط اليت
حصلتا عليها يف تقييم السياسات و املؤسسات الوطنية ) (ÉPINاليت جتاوزت 3.2منذ منتصف .2000أما
مجهورية الكونغو الدميقراطية ،و مجهورية إفريقيا الوسطى ،فقد عرفتا صعوبات واضحة يف جمال مقاومة اهلشاشة ،
وعلى الرغم من كون الكونغو دولة ساحلية غنية باملوارد ،و متكنها يف 2001من توقيع اتفاق سالم و تنظيم
انتخابات ، 2003و رغم حتسن تقييمها ، ÉPINإال أهنا مل تتمكن من حتقيق تقدم يف مقاومة اهلشاشة،
مثلها مثل مجهورية إفريقيا الوسطى ،الغنية باملوارد رغم كوهنا غري ساحلية ،فإهنا مل خترج من سلسلة األزمات
243
كنزة مغيش
السياسية واملدنية املتتالية ،واالنقالبات و احلروب األهلية منذ 1960تاريخ استقالهلا ،فرغم توقيع اتفاق سالم
يف 2007إال أهنا تراجعت جمددا يف . ) Enrique GELBARD, 2015, p8( 2012
لقد قام خزان التفكري McKinsey Global Instituteبوصف االقتصاديات اإلفريقية ذات أقوى
معدالت منو باألسود اإلفريقية ،يف تقريره لعام ، « Lions on the move » 2010حيث دعى التقرير
بوضوح لضرورة استغالل القدرات االستثمارية للقارة ،و األسد اإلفريقي قد يكون دولة هشة ،و قد يندرج ضمن
فئة الدول األقل تقدما ،السيما أن أكثر من نصف الدول اهلشة بالعامل 37من 65تقع يف إفريقيا؛ يف حني
دولة من 37دولة هشة يف إفريقيا هي أيضا دول اقل تقدما ، Des Pays Moins avancés (PMA).
بعض هذه الدول مثل تنزانيا ،رواندا موزنبيق ،مجهورية إفريقيا الوسطى ،سرياليون ،أوغندا كانت ضمن الدول ذات
أقوى معدل منو يف . 2016
جتارب كل من أوغندا ،إثيوبيا ،كينيا ،تبني أن الدولة اهلشة وتلك األقل تقدما مرتبطتان ،فعلى الرغم من كوهنا من
اجنح دول شرق إفريقيا اقتصاديا ،إال أهنا اكرب مقر لالجئني بالعامل ،فهي دول جارة مع جنوب السودان الذي
يعاين الصراع و اجملاعة و اإلفالس االقتصادي ،ففي اقل من سنة حتول موقع BIDI BIDIبأوغندا إىل اكرب مقر
لالجئني بالعامل 720.000الجئ ،يعاين جرياهنا من خطر انتقال عدم االستقرار السيما للجريان األكثر راحة
)Le Siècle de اقتصاديا ،الذين سيجربون على تسيري املخلفات السياسية و االقتصادية
)l’Afrique, p.7.
قائمة المراجع:
المراجع بالعربية:
البغدادي عبد السالم ابراهيم ( .) 2000الوحدة الوطنية و مشكلة األقليات يف إفريقيا ،بريوت :مركز دراسات
الوحدة العربية ،سلسلة األطروحات.
الزبائنية الطبيعة ذات اهلشة الدولة ، القلقيي الفتاح عبد
Yaf.ps/server/uploaded,files/docs/Palestinian-issuse10/6.PDF
التقرير األورويب حول التنمية لعام ، 2009التغلب على اهلشاشة يف أفريقيا ،مركز روبرت شومان للدراسات
املتقدمة ،املعهد اجلامعي األورويب ،سان دومينيكو دي فيسويل .
اهلشة يف إفريقيا يف ضوء علم االجتماع السياسي ،قراءات إفريقية العدد
ابو فرحة علي ،الدولة ّ
http://www.qiraatafrican.com،
المراجع باألجنبية:
245
كنزة مغيش
POIRIER Thomas. (2012). Éducation pour tous : L’aléa des États Fragiles.
Education. Université de BOURGOGNE.
246