Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 23

‫المجلد ‪ /08‬الع ــدد‪ ،)2021( 01 :‬ص ‪246 -224‬‬ ‫المجلة الجزائرية للدراسات السياسية‬

‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ؟ قراءة في إشكالية"‬


‫بناء الدولة في إفريقيا‬
‫‪The 'fragile state' or 'fragility status': a problematic of‬‬
‫?‪State building in Africa‬‬

‫كنزة مغي ــش‬


‫كلية العلوم السياسية‪ /‬جامعة اجلزائر‪Kenza.meghiche@univ-alger3.dz،03‬‬
‫تاريخ النشر‪2021/06/27 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2021/05/30 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2021/01/16 :‬‬

‫الملخص ‪:‬‬
‫تناقش هذه الدراسة إشكالييت "اهلشاشة" و"حالة اهلشاشة" يف أفريقيا ‪ ،‬على اعتبار اهلشاشة من‬
‫التحديات الرئيسية اليت تقف يف وجه اية مبادرة تنموية ‪ ،‬وقد نشرت العديد من املنظمات الدولية بل‬
‫امهها مثل (البنك الدويل‪ ،‬ومنظمة التعاون االقتصادي والتنمية‪ ،‬وبنك التنمية األفريقي‪ ،‬ومنظمات األمم‬
‫عددا من التقارير حول هذا املوضوع ‪ ،‬كما يتم وضع قوائم من "الدول اهلشة" من هذه‬ ‫املتحدة) ً‬
‫املنظمات‪ ،‬انطالقا من مجلة من املؤشرات املتعارف عليها ‪ ،‬ويتم حتديثها كل عام‪ ،‬و تساعد مؤشرات‬
‫اهلشاشة يف حتديد البلدان املعنية باهلشاشة ‪.‬‬
‫حتاول الدراسة التعرف على املقاربة اجلديدة يف تعريف اهلشاشة‪ ،‬من خالل التعرف على اهم ابعادها‪:‬‬
‫العنف ؛ العدالة؛ مؤسسات شاملة و خاضعة للمساءلة ؛ الشمول االقتصادي واالستقرار ؛ القدرة على‬
‫التكيف مع الصدمات والكوارث االجتماعية واالقتصادية والبيئية‪ .‬كما حتاول مناقشة كيف ان هذه‬
‫اهلشاشة (هشاشة الدولة) هي قيد رئيسي على تنمية أفريقيا‪ ،‬السيما ان أربع من كل مخس دول هشة‬
‫حول العامل توجد بأفريقيا‪ ،‬و كيف اصبحت املسألة اليوم مشكلة ملحة‪.‬‬
‫كما هتدف هذه الدراسة إىل توضيح آثار اهلشاشة و تكاليفها على افريقيا ‪ ،‬وهي مرتبطة ببعض أكرب‬
‫مشاكل العامل‪ :‬الفقر واجلوع وسوء التغذية واملرض والنزوح واإلرهاب واجلرمية‪ ،‬و كيف ان اهلشاشة ليس هلا‬
‫تأثري على مواطين الدول اهلشة فحسب ‪ ،‬بل تولد تداعيات سلبية إقليمية وعاملية كبرية ايضا‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫ قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬: "‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة‬
‫ اهلشاشة‬،‫ افريقيا‬،‫ بناء الدولة‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Abstract:
This study discusses the concepts of fragility and fragility status in Africa.
Fragility is widely recognized as the main development challenge, and all
major international development agencies (the World Bank, OECD, the
African Development Bank and UN Organizations) have published a
number of reports on the subject. A harmonized list of “fragile states” has
been set up by them, and it is updated every year. Indicators of fragility and
vulnerability help define the countries considered as fragile. A new
approach to fragility has been defined. It applies to all countries, and relies
on five dimensions: violence; Justice; Accountable and inclusive
institutions; economic inclusion and stability; Capacity to adapt to social,
economic and environmental shocks and disasters.
State fragility is a major constraint on Africa’s development. Four out of
every five fragile states around the world are found in Africa. Hence
promoting inclusive growth is now a matter of urgency.
This study aims at clarified the impacts of Fragility, she is associated with
some of the world's biggest problems: poverty, hunger, malnutrition,
disease, displacement, terrorism and crime. fragility has not only an impact
on the citizens of fragile states but also generates considerable regional and
global negative spillovers.
Key words: state building, fragility, fragility status

‫ كنزة مغيش‬:‫المؤلف المرسل‬

225
‫كنزة مغيش‬

‫‪ .1‬المقدمة ‪:‬‬
‫رغم تغري منوذج "وستفاليا"‪ ،‬الزالت املفردة الرئيسية يف خطاب العالقات الدولية هي الدولة ‪ ،‬حيث متثل‬
‫‪ 200‬دولة ‪ -‬من سان مارتان حىت الصني‪ -‬القاعدة اليت يرتكز عليها النظام الدويل ‪ ،‬وحىت التقدم الذي‬
‫حققته املؤسسات الدولية‪ ،‬ال يعد يف الواقع إال الوجه األخر لتلك الظاهرة‪ ،‬اليت ما فتأت ترتسخ‪ ،‬حيث‬
‫انتقل العامل من ‪ 85‬دولة عام ‪ 1950‬إىل ‪ 192‬عام ‪،2011 François Gaulme ( 2000‬‬
‫‪ ،( p.18‬غري ان فشل عدد كبري من هذه الدول يف القيام بأدىن وظائف الدولة ‪ ،‬و عدم قدرهتم على‬
‫التحلي بأدىن صفاهتا ‪ ،‬أدى اىل ظهور مفهوم الدولة الفاشلة‪.‬‬
‫ظل الرتابط والتفاعل‬
‫الدويل‪ ،‬يف ّ‬
‫ّ‬ ‫اهلشاشة والضعف يف خطاب الغرب حتديّاً أمام اجملتمع‬
‫أصبحت وضعية ّ‬
‫بني دوله ‪ ،‬وذلك بسبب عوملة االقتصاد وعوملة نُظم تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬واألمن‪ ،‬وعليه؛ فإ ّن تداعيات‬
‫الداخلي واحمللي‪ ،‬وإمنا متتد لتشمل دول اجلوار‪ ،‬وما هو‬
‫ّ‬ ‫هشاشة دو ٍلة ما ال تنحصر بالضرورة يف املستوى‬
‫أبعد منها أيضاً‪ ،‬ويكون من ضمن تلك التداعيات اتساع دائرة العنف‪.‬‬
‫اإلشكالية‪ :‬انطلقت النقاشات حول الفشل مث اهلشاشة من إشكالية مركزية‪ :‬من أين تأيت اجملتمعات اليوم‬
‫بالقدرة على التصدي لالزمات و املرونة ‪ résilience‬؟ من أين تأيت باملوارد الضرورية الستباق األزمات‬
‫و تسيريها؟ عند اإلجابة عن هذا االنشغال مت فرز حاالت دولية عرفت سابقا يف بداية التسعينيات بالدول‬
‫الفاشلة ‪ ، les Etats faillis‬و هي اليوم تواجه حتديات جديدة أكرب ع ّقدت من فشلها‪ ،‬هي دول تعاين‬
‫من ظواهر اإلرهاب والتطرف‪ ،‬القرصنة البحرية‪ ،‬اهلجرة غري الشرعية‪ ،...‬وهي مشكالت نقلتها من حميطها‬
‫اإلقليمي و اجلهوي إىل احمليط الدويل بسبب هشاشتها تلك ‪.‬‬
‫سنحاول من خالل هذه االنشغاالت و النقاشات أن جنيب على اشكالية مركزية‪ :‬ملاذا مل تتمكن بعض‬
‫الدول رغم االنتقال املرن حلركة التجارة و املالية و االتصاالت و اإلعالم و حىت املعارف مل تتمكن من‬
‫الصعود ‪ L’émergence‬؟ ملاذا ال تزال اغلب الدول االفريقية غري قادرة على التقارب يف سياساهتا مع‬
‫جتارب ناجحة يف ظل عامل منفتح؟ ملاذا زادت بعض الدول االفريقية الفاشلة هشاشة وباقي العامل يزيد‬

‫‪226‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫يفسر دميومة هذا الوضع‬
‫غىن و تصاعدا يف إطار املنافسة الدولية؟ ما هي جذور اهلشاشة؟ و ما الذي ّ‬
‫لدى البعض؟‬
‫سنحاول اإلجابة على هذه االنشغاالت من خالل مخس حماور رئيسية حيث خنوض أوال يف مفهوم‬
‫اهلشاشة مث نناقش يف جذورها يف حمور ثاين و تكاليفها كعنصر ثالث‪ ،‬و خنصص احملور الرابع إىل املقاربة‬
‫الدولية ملواجهة اهلشاشة‪ ،‬و نناقش االنتقال من مفهوم "الدولة اهلشة" إىل "وضعية اهلشاشة"‪ ،‬أما احملور‬
‫اخلامس فانه يناقش املقاربة " االفريقية احمللية" ملواجهة اهلشاشة اليت طرحها االحتاد اإلفريقي‪.‬‬
‫‪ .2‬في مفهوم الهشاشة‬
‫فرض مفهوم "الدول اهلشة" أو بصفة أدق صفة "اهلشاشة" نفسه تعويضا لتعبري "الفاشلة"‪ ،‬الذي‬
‫يف مقال مبجلة ‪ ، foreign affairs‬ويعترب‬ ‫‪Helman‬‬ ‫انتشر بداية التسعينيات من طرف ‪ Ratner‬و‬
‫املفهوم يف نظر البعض ترمجة للمقاربة الدولية لعامل ما بعد ‪ 11‬سبتمرب‪ ،‬و الدول اهلشة‪ -‬يف نضرهم‪ -‬هي‬
‫تلك الدول اليت فشلت يف عدة مستويات‪ ،‬وبدرجات متفاوتة‪ ،‬هي الدول األقل أداء يف املعمورة‪ ،‬نتيجة‬
‫عدم قدرة حكوماهتا أو عدم اهتمامها بتحقيق املطالب األساسية ملواطنيها من اجل حتقيق‬
‫التنمية)‪(Thomas POIRIER,2012,p11‬‬
‫اهلشة» من اضعف املفاهيم متاسكا و وضوحا من الناحية النظرية‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫ويُع ّد تعبري «الدول ّ‬
‫من وجود عدد من املؤشرات املتعارف عليها دوليا‪ ،‬و الشائعة االستخدام لالستدالل على هشاشة الدول‪،‬‬
‫مثل‪ :‬دولة القانون و حماربة الفساد‪ ،‬القدرة االقتصادية للبلد‪ ،‬اإلرهاب و التطرف‪ ،‬الطفولة واملرأة‪ ،‬القدرة‬
‫متفق عليه بني املؤسسات املاحنة‪ ،‬يف‬
‫متماسك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫يف‬
‫على مواجهة الكوارث واألزمات‪ ،‬فإنه ال يوجد تعر ٌ‬
‫إطار املساعدات الدولية االقتصادية و اإلنسانية ‪ ،‬و ال بني الدول املعنية بالصفة ‪.‬‬

‫إن لكل من املؤسسات الدولية‪ ،‬البنوك التنموية املتعددة األطراف‪ ،‬اجملموعات اإلقليمية‪ ،‬جمموعات‬
‫التفكري‪ ،‬اجلامعات‪...‬حتليله‪ ،‬خربته‪ ،‬معايريه‪ ،‬لتشخيص اهلشاشة‪ ،‬مما أدى إىل ظهور عدة قوائم وتصنيفات‬
‫ومؤشرات متعلقة با‪ :‬ارتباط فشل الدولة خبروجها عن القانون وانتهاكها للحقوق األساسية لإلنسان!‬
‫مبعاناهتا من مستوى تنمية سياسية ضعيفة جدا! بالتمعن يف خارطة احلروب األهلية يف العامل‪ ،‬وإشكالية‬
‫‪227‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫إمكانية دمج احلروب ما بني الدول و املناطق اليت ينتشر فيها اإلرهاب! النظر يف األقل غىن واألقل جاهزية‬
‫‪ ،‬ذات االقتصاديات األكثر مجودا‪ ،‬و ذات اخلدمات االجتماعية األكثر فشال! بدمج البعد املتعلق‬
‫باألكثر تأثرا بالتغريات البيئية! لذلك نتج عن هذه االنشغاالت عدة قوائم‪ ،‬و بطاقيات وقواعد بيانات ال‬
‫تتشابه كثريا‪ ،‬و نتجت معايري وتصنيفات تتغري و تتطور باستمرار‪.‬‬

‫أكثر األمثلة تأكيدا لذلك تغيري البنك الدويل ملقاربته التعريفية ملفهوم اهلشاشة عدة مرات‪ ،‬حيث‬
‫اعترب البنك يف ‪ 2001/2000‬اهلشاشة بأهنا "تعبري عن وضع قلق ‪ stress‬تعيشه الدول ذات الدخل‬
‫الضعيف" ؛ يف ‪ 2006‬قدم البنك تصنيفا للدول اهلشة انطالقا من عدد من املؤشرات ذات الطابع‬
‫عوضها يف ‪ 2010‬بقائمة أخرى بعنوان "دول هشة و متأثرة بالصراعات"‪ ،‬سرعان‬
‫السياسي واملؤسسايت‪ّ ،‬‬
‫ما مت انتقادها نظرا لعدم متكن مؤشراهتا من استيعاب دول ما مسي بالربيع العريب‪ ،‬رغم هشاشتها السياسية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬مما دفعته سنة ‪ 2011‬لطرح تصنيف أخر ملا امساه بالوضعية اهلشة ادمج خالهلا مؤشرات‬
‫سياسية و أمنية‪.‬‬
‫اهلشة" ‪ ،‬وهو‬
‫املؤسسات البحثية واملهنية حول العامل على تقرير "مؤ ّشر الدول ّ‬
‫وتستند العديد من ّ‬
‫سنوي واسع االنتشار‪ ،‬يصدر عن‬
‫ٌّ‬ ‫اهلشة ‪ ،‬تقر ٌير‬
‫أهم التقارير الدولية اليت تصدر يف موضوع الدول ّ‬
‫أحد ّ‬
‫مؤسسة صندوق السالم الدولية‪ ،‬وتشاركها فيه جملة السياسة اخلارجية ‪ Foreign policy‬واسعة االنتشار‪.‬‬
‫دأبت اجمللة منذ عام ‪ 2005‬بالتعاون مع "منظمة الصندوق من أجل السامل" على نشر مقياسها‬
‫يضم التقرير ترتيباً لـ ـ ‪ 178‬بلداً حول العامل‪،‬‬
‫السنوي‪ ،‬حيث تقوم برتتيب أبرز الدول الفاشلة يف العامل‪ّ .‬‬
‫مستنداً يف ترتيبه لتقييم مستويات االستقرار يف تلك الدولة من ناحية‪ ،‬والضغوط اليت تواجهها من ٍ‬
‫ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬وذلك لتقدير احتماالت الصراع يف تلك البلدان ) علي ابو فرحة‪ ،) 2018،‬تقوم منهجية التقرير‬
‫قسم دول العامل وفقاً لتقدير تلك املؤشرات إىل‬
‫على ‪ 12‬مؤ ّشراً‪ ،‬ينقسم بدوره إىل مائة مؤ ّشر فرعي‪ ،‬تُ ّ‬
‫كل جمموعة ألوان حالة الدولة‪ ،‬وذلك على مقياس من ‪ 10‬وحىت ‪.120‬‬ ‫ٍ‬
‫متدرجة‪ ،‬تصف ّ‬ ‫ألوان ّ‬

‫‪228‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬

‫يقسم إىل أربعة مستويات‪ ،‬ه ـ ــي‪:‬‬


‫حيث ّ‬
‫تقدير اإلنذار‬ ‫تقدير الحذر‬ ‫حالة االستقرار‬ ‫حالة االستدامة‬
‫من‬ ‫درجات‬ ‫ثالث‬ ‫ثالث درجات من اللون‬ ‫ثالث درجات من اللون‬ ‫ثالث درجات من اللون‬
‫اللون األحمر‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫األصفر‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫لتصف‬ ‫األخضر؛‬ ‫األزرق؛ لتصف حالة‪:‬‬
‫‪ ‬إنذار‬ ‫‪ ‬منخفض الحذر‬ ‫حالة‪:‬‬ ‫‪ ‬المستدام للغاية‬
‫‪ ‬إنذار عال‬ ‫‪ ‬حذر‪،‬‬ ‫المستقر للغاية‬ ‫‪‬‬ ‫جدا‬
‫‪ ‬ومستدام ّ‬
‫جدا‬
‫‪ ‬إنذار عال ّ‬ ‫‪ ‬حذر للغاية‪.‬‬ ‫جدا‬
‫‪ ‬مستقر ّ‬ ‫‪ ‬ومستدام‪.‬‬
‫‪ ‬مستقر‪.‬‬

‫ٍ‬
‫متفاوتة من اللون األزرق لوصف حالة الدولة بأهنا‬ ‫ٍ‬
‫بدرجات‬ ‫فيبدأ املقياس من (‪ 10‬حىت ‪)30‬‬
‫«مستدامة»؛ أما من (‪ )60 - 40‬فهي درجات متفاوتة من اللون األخضر لوصف حالة الدولة بأهنا‬
‫«مستقرة»؛ أما من (‪ )90 - 70‬ذات اللون األصفر مبستوياته املختلفة وصوالً للربتقايل كتقدير حلالة‬

‫‪229‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫«احلذر» بشأن الدول الواقعة يف هذا اجملال؛ وأخرياً التقدير من (‪ 100‬إىل ‪ )110‬لتقدير حالة «اإلنذار»‬
‫بشأن الدول الواقعة يف هذا النطاق‪.‬‬
‫وتُصنّف تلك املؤشرات إىل ثالث جمموعات (علي ابو فرحة‪:)2018،‬‬
‫المؤشرات السياسية والعسكرية‬ ‫المؤشرات االقتصادية‬ ‫المؤشرات االجتماعية‬
‫شرعية الدولة‬ ‫التنمية االقتصادية املتفاوتة‬ ‫مؤشر الضغوط الدميوغرافية‬
‫السياسات احلكومية‬ ‫مؤشر النزوح واللجوء‬
‫حقوق اإلنسان وحكم القانون‬ ‫الفقر و التداعي االقتصادي‬ ‫مؤشر شكاوى‬
‫اجلهاز األمين داخل الدولة‬
‫تفتت وتشرذم النّخب داخل الدولة‬ ‫مؤش ـ ـر هجرة رأس املال البشري‬
‫مؤشـ ـ ـر التدخل الدويل‬
‫المصدر‪ :‬علي ابو فرحة ‪ ،‬الدولة ّ‬
‫اهلشة يف إفريقيا يف ضوء علم االجتماع السياسي ‪ ،‬قراءات‬
‫إفريقية ‪ ،2018 .‬العدد ‪http://www.qiraatafrican.com،27‬‬

‫أما ‪ Fund for Peace‬و هي من أهم املنظمات غري احلكومية للتنمية (واشنطن)‪ ،‬فقد قامت بتطوير‬
‫فهرسة جديدة خاصة بالدول اهلشة‪ ،‬نشرهتا سنة ‪ ، 2014‬متخلية بذلك عن مفهوم الدولة الفاشلة الذي‬
‫كانت قد استعملته منذ ‪ 8‬سنوات من قبل يف ‪ ،2006‬و كان من بني ‪ 20‬دولة هشة ‪ 14‬دولة افريقية‬
‫(‪. )Julien SERRE,2016,p22‬‬
‫‪.16‬زميبابوي×‬ ‫‪.11‬هييت‬ ‫‪. 6‬التشاد×‬ ‫‪ -1‬جنوب السودان ×‬
‫‪.17‬غينيا بيساو×‬ ‫‪.12‬العراق‬ ‫‪. 7‬اليمن‬ ‫‪ -2‬صوماليا×‬
‫‪.18‬البورندي×‬ ‫‪ .13‬باكستان‬ ‫‪. 8‬سوريا‬ ‫‪ -3‬مجهورية إفريقيا الوسطى×‬
‫‪19‬النيجر×‬ ‫‪14‬نيجرييا×‬ ‫‪ 9‬أفغانستان‬ ‫‪ -4‬السودان ×‬
‫‪20‬أثيوبيا×‬ ‫‪15‬كوت ديفوار ×‬ ‫‪10‬غينيا×‬ ‫‪ -5‬الكونغو×‬
‫المصدر‪Julien Serre, les Etats Fragiles .Manuel théorique et :‬‬
‫‪pratique. Paris :Studyrama ,2016,p.22‬‬

‫‪230‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫بنيت تلك الفهرسة على ‪ 12‬مؤشر‪ ،‬و رغم صعوبة تكميم بعضها‪ ،‬إال أهنا سامهت يف حتليل اكرب عدد‬
‫من احلاالت‪ ،‬انطالقا من معايري اجتماعية (الضغط الدميغرايف‪ ،‬الالجئني‪ ،‬هجرة رأس املال البشري‪،)...‬‬
‫معايري اقتصادية (الفقر‪ ،‬التفاوت التنموي‪ ،)...‬معايري سياسية و عسكرية (مشروعية الدولة‪ ،‬اخلدمة‬
‫العمومية‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬دولة احلق و القانون‪ ،‬اجلهاز األمين‪ ،‬الصراع بني النخب‪ ،‬التدخل األجنيب‪...‬‬
‫‪Center for Research on Inequality Human security and‬‬ ‫اقرتح مركز البحث‬
‫‪ Ethnicity‬جبامعة أكسفورد تعريفا للهشاشة يقوم على ثالث أبعاد رئيسية‪ ،‬كان من الناحية االمربيقية‬
‫أكثر مالءمة مع واقع عدد كبري من الدول‪:‬‬
‫‪ .1‬إفالس السلطة‬
‫‪ .2‬إفالس يف احلقوق السوسيو‪-‬اقتصادية املرتبطة بقضايا الالعدالة األفقية‬
‫‪ .3‬إفالس يف املشروعية‪.‬‬
‫و على الرغم من أن اغلب التعاريف حول الدولة اهلشة تركز على عنصر املؤسسات و دولة احلق والقانون؛‬
‫الصراعات و الصور األخرى من عدم االستقرار؛ و اخلدمات األساسية للمواطن و حاالت الضعف‬
‫املرتبطة هبا؛ إال انه ميكن أن منيز ضمن تعدد التعاريف املقرتحة حول اهلشاشة ست‪ 6‬فئات اساسية هي‪:‬‬
‫(‪) Julien SERRE,2016,p30‬‬
‫التعريف‬ ‫المنظمة‬ ‫نوع التعريف‬
‫الدولة اهلشة هي الدولة غري القادرة على‬ ‫منظمة التعاون و‬ ‫تعريف يركز على اختالل‬
‫االستجابة الحتياجات مواطنيها‪ ،‬أو تسيري‬ ‫التنمية االقتصادية‬ ‫العالقة بني الدولة واجملتمع‬
‫التغيري يف طموحاهتم‪ ،‬و يف قوة مسارها‬ ‫‪OCDE‬‬
‫السياسي (‪.)2009‬‬
‫‪ Department For‬عندما ال تريد أو ال تستطيع احلكومة القيام‬ ‫تعريف وظيفي‬
‫‪International‬‬
‫‪ Development.‬بوظائفها األساسية أمام اجملتمع‪ ،‬السيما‬
‫أمام األكثر فقرا من أفراده (‪. )2005‬‬ ‫‪Gov.UK‬‬
‫هي الدولة اليت فشلت أو بصدد الفشل يف‬ ‫‪CRISE‬‬ ‫تعريف عمليايت‬
‫تزويد مصاحلها االجتماعية و االقتصادية مبا‬
‫‪231‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫هو منتظر منها‪ ،‬أو يف مشروعيتها يف جمال‬


‫احلكامة‪2006‬‬
‫هي الدولة ذات شدة مرتفعة يف ضعفها‬ ‫‪China Securities‬‬ ‫درجة حساسيتها للمخاطر‬
‫‪Regulatory‬‬
‫أمام الصدمات الداخلية و اخلارجية‬ ‫‪Commission‬‬
‫والصراعات احمللية أو الدولية (‪)2006‬‬
‫هي دولة مؤسساهتا ضعيفة جدا تكاد‬ ‫‪BMZ Ministère‬‬ ‫تعريف مؤسسايت‬
‫‪Fédéral de‬‬
‫تنهار‪ ،‬وأفرادها يعيشون حتت خط الفقر‪،‬‬ ‫‪coopération‬‬
‫يعانون من العنف‪ ،‬و من حكومة قراراهتا‬ ‫‪économique‬‬
‫)‪(Allemagne‬‬
‫اعتباطية (‪)2013‬‬
‫مؤشرات ‪ :‬النجاعة‪ ،‬احلكامة‪ ،‬دولة‬ ‫صندوق البنك الدويل‬ ‫تعريف قائم على مؤشرات‬
‫القانون‪ ،‬فعالية احلكومة‪ ،‬مستوى الرشوة‪،‬‬ ‫للدول األكثر فقرا‬
‫حقوق اإلنسان(‪.)2012‬‬ ‫‪IDA‬‬

‫‪Julien Serre, les Etats Fragiles .Manuel théorique et pratique. Paris :‬‬
‫‪.Studyrama: 2016, p.29, 30‬‬

‫ميكن للهشاشة أن تتخذ عدة أشكال كما بينته عدة أحباث‪ :‬فالدولة اهلشة قد تكون هشة ضعيفة ‪faible‬‬
‫إذا كانت ال متارس رقابة إدارية على إقليمها‪ ،‬هشة منقسمة إذا كانت االنقسامات االثنية الدينية و حىت‬
‫الوطنية هبا عميقة‪ ،‬دولة هشة ما بعد احلرب خرجت من صراع دموي‪ ،‬أو دولة هشة مفلسة ‪en faillite‬‬
‫إذا أصبحت املؤسسات و الوظائف األساسية فيها ال تشتغل إطالقا‪ .‬يف حالة الدول اإلفريقية‪ ،‬جتتمع‬
‫هذه األصناف غالبا يف وضعية واحدة‪ ،‬وأحسن مثال على ذلك هو الصومال( ‪Claude DUVAL ,‬‬
‫‪.)2009,p45‬‬

‫‪ .3‬جذور الهشاشة في افريقيا ‪:‬‬


‫حسب مؤشر الدول املنحرفة )‪ ، (Failed States Index - FSI‬من بني ‪ 20‬دولة كانت معرضة‬
‫لالهنيار عام ‪ 2010‬اثين عشر‪ 12‬منها موجودة بإفريقيا ‪ ، 8‬أما وفقا للمقياس السنوي للدول الفاشلة ‪،‬‬
‫فإن أكثر الدول هشاشة يف العامل ترتكز يف إفريقيا‪ 7 ،‬دول من بني أكثر ‪ 10‬دول هشاشة يف العامل عام‬
‫‪232‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫‪ 2014‬حسب املقياس كانت افريقية‪ ،‬تتصدر جنوب السودان دول املؤشر‪ ،‬تليها الصومال ومجهورية‬
‫إفريقيا الوسطى(عبد الفتاح القلقيي ‪2010 ،‬ـ‪ ،‬ص‪ . ) 87‬تتفق اغلب األحباث حول جذور اهلشاشة يف‬
‫إفريقيا حول األسباب اآلتية‪:‬‬

‫‪1.3‬ضعف مؤسسة الدولة ‪:‬‬


‫إن الدولة يف معظم أحناء أفريقيا هي يف األساس دولة مصطنعة‪ ،‬معلَّقة فوق جمتمع ما كان أبداً ليفرزها أو‬
‫يطالب هبا‪ .‬كان تطور مؤسسات الدولة يف زمن ما قبل االستعمار يسري بشكل خمتلف عما كان يف‬
‫أوروبا‪ ،‬فلم تنبثق عن عملية ممتدة عرب الزمن‪ ،‬تعمل على توطيد املؤسسات غري الرمسية‪ ،‬وتسوية اخلالفات‬
‫النامجة عن املصاحل املتعارضة داخل اجملتمع‪ ،‬وبدالً من ذلك‪ ،‬فقد مت فرضها من اخلارج‪ ،‬بفعل القوة‬
‫العسكرية للبلدان األوروبية‪ ،‬حيث زرع االستعمار األورويب هياكل مؤسسية كانت دخيلة على السياق‬
‫احمللي‪.‬‬
‫ميكن قياس مسألة ضعف املؤسسات أيضا من خالل بنية احلق يف امللكية و وجود سوق‪ ،‬الدول اليت متلك‬
‫فضلت خلق مؤسسات‬ ‫مؤسسات ضعيفة‪ ،‬مل تستطع اخلروج من الفقر و من الصراعات‪ ،‬هي دول ّ‬
‫الستخراج الثروة الوطنية‪ ،‬السلطة فيها لصاحل خنبة صغرية كما حدث مع زميبابوي‪ .‬بينت األحباث أن حبث‬
‫تسبب يف تراجع رهيب يف جودة املؤسسات‪،‬‬ ‫النخب يف الدول الغنية بالبرتول و الغاز عن الريع و الرشوة ّ‬
‫مما أدى إىل تراجع نسبة النمو يف هذه الدول ( ترابط سبيب بينته اإلحصائيات واألرقام) ‪ ،‬فالدول الغنية يف‬
‫املوارد هي الدول الفقرية غالبا؛ و ميكن تفسري أزمة مؤسسة الدولة يف إفريقيا بأربعة مشكالت هيكلية‬
‫كربى و هي ‪:‬‬
‫سيطرة الشمولية‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪ .‬إقصاء األقليات الذي غالبا ما كان ألسباب أثنية‪،‬‬
‫الضعف االقتصادي و االجتماعي‪ ،‬معمق بالالعدالة‪،‬‬ ‫ج‪.‬‬
‫د ‪ .‬ضعف هياكل تسيري الدولة غري القادرة على مواجهة أزمات متعددة األبعاد‪ .‬و عندما جتتمع األسباب‬
‫األربع مع بعضها يصبح الوضع مأساويا ( ‪.)Didimala LODGE , 2008, p05‬‬

‫‪233‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫‪2.3‬العامل االستعماري‪:‬‬
‫تعترب حقبة "التكالب على أفريقيا"‪ ،‬اليت بدأهتا البلدان األوروبية يف هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬عامال رئيسيا‬
‫كوهنا األصل التارخيي للهشاشة اليت تعاين منها بلدان عديدة يف أفريقيا‪ .‬وقد ثبت أن الفرتة االستعمارية‪،‬‬
‫كانت هلا عواقب طويلة املدى على منط التطور املؤسسي خالل فرتة االستعمار‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬
‫مؤسسات الدولة قد تكون هشة حىت يف بلدان مثل إثيوبيا وليبرييا‪ ،‬اليت مل تتأثر حبقبة "التكالب على‬
‫أفريقيا"‪ ،‬إال أن االستعمار األورويب حال دون قيام هياكل قوية لدول املنطقة (التقرير األورويب حول التنمية‬
‫لعام ‪ ،2009‬ص‪.)49‬‬
‫متكنت البلدان األوروبية ‪ -‬اليت ظلت لقرون من الزمن حتتفظ مبعاقل هلا على طول الساحل األفريقي –‬
‫من فرض سيطرهتا السياسية‪ ،‬على اجلزء األكرب من أفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬يف غضون بضعة عقود‪ ،‬بني‬
‫هناية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ .‬و كانت التجربة االستعمارية نقطة فارقة يف التاريخ‬
‫األفريقي‪ ،‬رغم مرور أقل من قرن بني عقد مؤمتر برلني واستقالل املستعمرات الربتغالية يف منتصف‬
‫السبعينات‪.‬‬
‫إن جوانب عديدة يف تكوين مؤسسات الدولة يف أفريقيا ميكن ربطها هبشاشة الدولة‪ ،‬فقد أدخل‬
‫االستعمار عنصراً ال عالقة له باخلصائص االجتماعية واملؤسسية والثقافية للمناطق املستعمرة ‪ .‬كان هيكل‬
‫مؤسسات الدولة مصمماً لنقل املوارد إىل القوى االستعمارية‪ ،‬و ليس لتعزيز التنمية احمللية‪ .‬بعدها أنشأت‬
‫الدولة روابط اقتصادية وثيقة مع مستعمر األمس‪ ،‬يف عالقة قائمة على التبعية السياسية السيما فرنسا‬
‫وبلجيكا ‪.‬‬
‫‪.3 3‬مشكلة الحدود االصطناعية‪:‬‬
‫تعد مشكلة احلدود يف إفريقيا عنصر هام من مصادر اهلشاشة يف إفريقيا‪ ،‬و الذي مصدره االستعمار‪ .‬إن‬
‫احلدود االصطناعية اليت رمسها املستعمرون األوروبيون للقارة اإلفريقية يف مؤمتر برلني ‪ ، 1885‬أثناء مرحلة‬
‫التكالب االستعماري على أفريقيا‪ ،‬هي اليت أوجدت هذه املشكلة ‪ ،‬ذلك أهنا مل توضع تعبريا عن أوضاع‬
‫سياسية أو حقائق اجتماعية ذات دالالت إنسانية أو تارخيية معقولة‪ ،‬بل على العكس متاما ‪ ،‬وضعت‬
‫على أسس اعتباطية حتكمية (عبد السالم ابراهيم البغدادي‪ ، )2000 ،‬تعرب بعمق عن مطامع استعمارية‬
‫يف تقسيم الطورطة‪ ،‬وأصبحت احلدود الثقافية ال تتفق مع احلدود السياسية‪ ،‬حيث اجتمعت داخل الدولة‬

‫‪234‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫قسمت احلدود بني مجاعات عرقية منسجمة متاما إىل دول‪.‬‬ ‫اإلفريقية عدة مجاعات خمتلفة و متنافرة‪ ،‬و ّ‬
‫هذا التقسيم العشوائي أدى إىل خلق صراعات حادة الزالت أثارها إىل اليوم ‪.‬‬

‫‪ 4.3‬الوضعية االقتصادية للبلد ‪:‬‬


‫تعاين القارة السمراء حسب األرقام من الفقر‪ ،‬البطالة‪ ،‬اجلوع ‪ ،‬و خاصة الصراعات ‪ .‬والبلدان اإلفريقية‬
‫اهلشة اليت تشهد صراعات هي األكثر عرضة النعدام األمن االقتصادي‪ ،‬السيما امن الغذاء‪ .‬وليس من‬
‫السهل إنشاء عالقة سببية‪ ،‬ولكن حاالت عدم االستقرار السياسي غالباً ما تؤدي إىل انعدام األمن‬
‫االقتصادي‪ .‬وتعترب الصراعات واالهنيارات االقتصادية السبب وراء أكثر من ثلث حاالت الطوارئ الغذائية‬
‫بني عامي ‪ 1995‬و‪ ،2003‬يف حني تعترب احلروب األهلية وحاالت اللجوء والنزوح الداخلي السبب‬
‫الرئيسي ألكثر من نصف حاالت الطوارئ الغذائية يف أفريقيا‪.‬‬
‫ويف العادة تؤدي الصراعات إىل ختفيض اإلنتاج الزراعي‪ ،‬والعائد من احملاصيل النقدية واملواشي‪ .‬ووفقاً‬
‫ملنظمة األغذية والزراعة‪ ،‬فإن الصراعات قد أحلقت بأفريقيا خسائر يف اإلنتاج الزراعي‪ ،‬تزيد قيمتها على‬
‫أكثر من ‪ 120‬مليار دوالر يف الثلث األخري من القرن العشرين ‪ .‬وقد تراجع اإلنتاج الغذائي يف ‪ 13‬من‬
‫أصل ‪ 18‬دولة مزقتها الصراعات ومشلها االستطالع‪ ،‬فقد فقدت موزمبيق ‪ 40‬يف املائة من إمكاناهتا يف‬
‫جماالت الزراعة والبنية التحتية واالتصاالت خالل حرهبا األهلية اليت استمرت ‪ 20‬عاما ) التقرير األورويب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪. ( 68.‬‬

‫‪ 5.3‬االنقسامات االثنية و القبلية ‪:‬‬


‫على الرغم من أن اهلويات القبلية والعرقية املتباينة كانت موجودة قبل الفرتة االستعمارية‪ ،‬إال أن اإلدارات‬
‫االستعمارية وقفت وراء "جتميد الشعوب‪ ،‬وتعزيز االنتماءات العرقية ‪ ،‬بينما مل تكن أفريقيا السيما جنوب‬
‫الصحراء قبل االستعمار تتميز بـ"هوية حمددة‪ ،‬إذ كان معظم األفارقة يتنقلون بني هويات متعددة‪ .‬ويشري‬
‫رينجر(التقرير األورويب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ )49.‬صراحة إىل "اخرتاع التقاليد يف أفريقيا املستعمرة"‪ ،‬مبيناً أن‬
‫بعض السمات املميزة للمجتمعات األفريقية يف فرتة ما بعد االستعمار‪ ،‬مثل أمهية االنتماءات العرقية أو‬
‫القبلية‪ ،‬مل تكن من موروثات فرتة ما قبل االستعمار‪ ،‬بل نشأت ‪ -‬أو مت ترسيخها بشكل كبري ‪ -‬يف عهد‬
‫احلكم االستعماري‪ .‬الصراع يف نيجرييا و جنوب السودان مثال لديه بعد ديين و اثين‪ ،‬حىت الصراعات‬

‫‪235‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫األقدم من هذه مثل روندا كانت كذلك‪ ،‬فالتعدد االثين يف حد ذاته ليس املشكل‪ ،‬بل املشكل يف ضعف‬
‫الدولة‪ ،‬و ضعف مشروع بناء الدولة على اإلمجاع كشرط قبلي ‪.‬‬

‫‪ .4‬تكاليف الهشاشة في إفريقيا‪:‬‬


‫يبدو أن تكاليف اهلشاشة ال تعري اهتماماً للحدود الوطنية‪ ،‬فالبلدان اهلشة "جريان سوء "كما تصفها‬
‫خمتلف التقارير الدولية ‪ ،‬إذ تشري التقديرات إىل أن حنو ‪ % 80‬من تكاليف اهلشاشة ‪-‬يف النمو‬
‫االقتصادي الضائع ‪ -‬تتحمله البلدان اجملاورة‪ ،‬اليت تعاين كثرياً من تأثري "جار السوء"‪ ،‬حيث ينخفض‬
‫معدل النمو لكل دولة جماورة‪ .‬فمن املمكن أن تصل اخلسائر النامجة عن تأثري جار السوء إىل حوايل‬
‫‪ 237‬مليار دوالر سنويا (التقرير األورويب‪،‬ص‪)37‬‬
‫ال يبدو أن اهلشاشة تنتقل بالعدوى‪ ،‬لكنها حتدث آثاراً سلبية عرب احلدود‪ ،‬مثل تعرض الدول اجملاورة‬
‫حلروب أهلية أو الدخول يف االضطرابات وعدم االستقرار السياسي‪ .‬وال يوجد أي دليل على أن اهلشاشة‬
‫تؤدي إىل زيادة منتظمة يف احتمال التعرض حلروب مع دول أخرى‪ ،‬إال أن هناك حاالت معروفة لعب‬
‫فيها مثل هذا األثر دوراً‪ ،‬مثل حكومة تشارلز تايلور يف ليبرييا‪ ،‬واليت قدمت املرتزقة واألموال واألسلحة‬
‫والبىن التحتية للجماعات املتمردة يف سرياليون ‪ ،‬أمالً يف حتقيق السيطرة على مناجم املاس اإلقليمية‪،‬‬
‫والشبكات االقتصادية يف املنطقة ‪.‬‬
‫ومن العوامل املساعدة على انتشار خطر عدم االستقرار والصراعات العنيفة عرب احلدود‪ ،‬انتشار أسواق‬
‫األسلحة اإلقليمية يف أفريقيا‪ ،‬إذ تؤدي سهولة اخرتاق احلدود الوطنية يف أفريقيا‪ ،‬إىل تيسري تنقل األسلحة‬
‫والذخائر بني الدول‪ ،‬حىت يتناسب العرض من األسلحة مع التوزيع اجلغرايف للطلب عليها‪ ،‬كما تنشأ املزيد‬
‫من تأثريات جار السوء عن حتركات الالجئني عرب احلدود‪ ،‬واليت غالباً ما تكون إىل الدول اجملاورة‪ ،‬مما‬
‫يفرض تكاليف باهظة على الدولة املستقبلة‪.‬‬
‫وتساهم حركات الالجئني يف انتشار األمراض عرب بلدان أفريقيا جنوب الصحراء‪ .‬فكان من شأن تنقل‬
‫الالجئني من رواندا وبوروندي إىل إقليم كاغريا يف مشال غرب تنزانيا‪ ،‬أن أحلق أضراراً بالغة بالصحة‬
‫والتعليم‪ .‬وميكن أن تؤدي حتركات الالجئني اجلماعية أيضاً إىل زعزعة استقرار البلدان اجملاورة ‪ ،‬كما أبرزت‬
‫أعمال العنف يف منطقة البحريات الكربى‪ ،‬فمن املمكن أن تصبح خميمات الالجئني موقعاً لتنظيم‬
‫اجلماعات والعنف‪ .‬ويأيت الالجئون والنازحون داخلياً يف أفريقيا جنوب الصحراء بشكل حصري تقريباً من‬
‫‪236‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫البلدان اهلشة يف املنطقة ‪ ،‬كما ميكن أن تشكل التدفقات األخرى غري املشروعة‪ ،‬اليت جتتذهبا البلدان ذات‬
‫السيطرة احملدودة على أراضيها واليت يضعف فيها سيادة القانون‪ ،‬هتديداً الستقرار البلدان اجملاورة ‪ ،‬وخاصة‬
‫اليت تعجز عن فرض القانون‪ .‬وتعترب غينيا بيساو مركزاً لعبور الكوكايني من أمريكا اجلنوبية إىل أوروبا‪ ،‬األمر‬
‫الذي خيلف تداعيات أمنية وإنسانية خطرية (التقرير االورويب‪ ،‬ص‪.)29‬‬

‫‪ .5‬المقاربة الدولية لمواجهة الهشاشة‪ :‬من "الدولة الهشة" إلى "وضعية الهشاشة‪":‬‬
‫لقد كتب الكثري حول الكيفية اليت ميكن هبا مساعدة الدول اهلشة من طرف احلكومات اخلارجية‪ ،‬هيئات‬
‫املساعدة‪ ،‬و املؤسسات املالية الدولية للخروج من هشاشتها‪ .‬مسامهات نظرية وحبثية عديدةكتبت حول‬
‫الدور السياسي و االقتصادي هلؤالء يف تنمية الدول اهلشة‪ ،‬و حول إشكالية فعالية املساعدات الدولية‪،‬‬
‫ومدى قدرهتا على حتقيق نتائج مرجوة يف هذه الدول ‪.‬‬
‫متكنت الفواعل الدولية مع الوقت من اكتساب خربة ملموسة يف جمال مساعدة الدول اهلشة‪ ،‬نلمحها من‬
‫خالل ابرز التقارير اليت تنشرها هذه األخرية‪ ،‬مثل تقرير برنامج األمم املتحدة من اجل التنمية ‪،2008‬‬
‫البنك الدويل ‪ ،2011‬صندوق النقد الدويل ‪ ،2011‬التعاون و التنمية االقتصادية‪، OCDE 2013‬‬
‫‪ ، 2015،2014‬تقارير هتدف للبحث يف عناصر جناح اجلهود الدولية يف ترقية االستقرار والتنمية يف‬
‫الدول اهلشة‪ ،‬السيما بعدما اقتنعت هذه الدول يف السنوات األخرية أن جذور اهلشاشة خمتلفة من حالة‬
‫إىل أخرى‪ ،‬حسب احلاالت الوطنية‪.‬‬
‫مع تعقد حاالت التدخل‪ ،‬زادت االنتقائية يف تقدمي املساعدات ‪ ،‬وقد أدى التأكيد املتزايد على انتقائية‬
‫تقدميها إىل حدوث حتول كبري يف ختصيص املساعدات الثنائية‪ ،‬ووجد املاحنون أنفسهم أمام معضلة‪ :‬أن‬
‫انتقائية تقدمي املساعدات جاءت على حساب ختفيضها يف األماكن اليت كانت يف أمس احلاجة إليها‪،‬‬
‫لذلك سجلت بعض البلدان اليت تضم حكومات ضعيفة اخنفاضاً حاداً و تقلباً يف املساعدات‪ .‬إن‬
‫االهتمام املتزايد باهلشاشة "بدا وكأنه استجابة سياسية لقضية تنفيذية ‪ ،‬و واجهت الوكاالت املاحنة متاعب‬
‫يف التعامل مع "البلدان اليت تفتقر إىل االلتزام السياسي‪ ،‬والقدرات الكافية لوضع وتنفيذ سياسات لصاحل‬
‫الفقراء ‪.‬‬
‫على الرغم من بعض النتائج االجيابية اليت سجلها تقرير االحتاد األورويب لعام ‪ ، 2008‬يف إطار‬
‫املساعدات من اجل التنمية و املساعدات اإلنسانية املقدرة بـ ــا ‪ 50‬مليار أورو ‪ ،‬يف سبيل حتقيق أهداف‬
‫األلفية للتنمية‪ ،‬فإن التقرير أكد أن أكثر الدول اليت مل حتقق فيها نتائج اجيابية كانت الدول املسماة هشة‬
‫‪237‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫يف إفريقيا الصحراوية ‪( subsaharienne‬التقرير االورويب ‪ ،‬ص‪ ،)31‬و رغم املساعدات‪ ،‬الزالت‬
‫ملفات أخرى مل تلق الدعم‪ ،‬مثل قضايا حقوق اإلنسان‪ ،‬و العنف ضد املرأة ‪)Julien‬‬
‫‪ .)SERRE,2016‬كما قام االحتاد األوريب بإحصاء عدد من عناصر اهلشاشة يف غرب إفريقيا‪ :‬ضعف‬
‫املؤسسات أمام حتدي القرصنة و اجلماعات اليت تستعمل العنف مثل ‪ ، LRA‬الصراعات بني الدول‪،‬‬
‫اهلجرة والفقر‪ ،‬والتغري البيئي‪ ،‬بغرض وضع خمطط عمل جهوي ‪ 2020/2015‬حلل عدد من‬
‫اإلشكاليات مثل‪ :‬األمن اجلهوي‪ ،‬مكافحة التطرف و اجلهادية‪ ،‬البطالة و اهلجرة‪ ،‬دولة القانون‪ ،‬مع تقدمي‬
‫دعم تقين للربامج مع مؤسسات جهوية ملكافحة القرصنة البحرية‪ ،‬من خالل برنامج األمن من اجل احمليط‬
‫اهلندي وإفريقيا الشرقية واجلنوبية‪ ،‬مهمات عسكرية مثل مهمة االحتاد اإلفريقي يف السودان‪ ،‬دعم‬
‫ملؤسسات وطنية مثل ما حدث يف الصومال‪...‬‬
‫إن املتتبع للنقاشات الدائرة حول مفهوم الدول اهلشة‪ ،‬ميكنه بسهولة التمييز بني مقاربتني ‪ ،‬األوىل أمنية‬
‫بقيادة الواليات املتحدة األمريكية اليت ترى يف اهلشاشة أرضا خصبة لتنامي الظاهرة اإلرهابية‪ ،‬ولذلك‬
‫جندها تقرتح حلوال أمنية ؛ و مقاربة أخرى بقيادة املاحنني و هي تقرتح حلوال تنموية ‪.‬‬
‫و على الرغم من انتشار الدعوة إىل توسيع تطبيق منهجية « ‪ « 3 D‬من طرف بعض القادة يف‬
‫الغرب‪ ،‬إال أن البعض ينتقد املقاربة جلعلها بعد التنمية ‪ Développement‬والدبلوماسية ‪Diplomatie‬‬
‫بعدين تابعني إىل البعد األمين ‪ ،‬فنجدهم يدعون إىل الرتكيز على الوفاق السياسي الداخلي يف الدولة‪،‬‬
‫احلكامة الشرعية‪ ،‬التنمية السوسيو‪ -‬اقتصادية‪ ،‬و التعاون اجلهوي مع دول اجلوار يف جمال حفظ السلم‬
‫واألمن يف املنطقة ‪.‬‬

‫و نظرا للرتابط الوثيق بني األمن والتنمية يف البلدان اهلشة‪ ،‬ينادي بعض ال ُكتاب باستخدام جمموعة أوسع‬
‫من األدوات‪ ،‬مبا يف ذلك التدخالت العسكرية‪ ،‬للتعامل مع حتديات التنمية اليت تواجهها تلك البلدان‪.‬‬
‫تكثفت يف السنوات األخرية التدخالت اخلارجية يف إفريقيا شبه الصحراوية‪ ،‬السيما منها تدخالت االحتاد‬
‫األوريب‪ ،‬الذي أطلق عدة مهمات ‪politique Européenne de Sécurité et ، PESD,‬‬
‫‪ ،Défense‬عسكرية و مدنية ( وصلت إىل ‪ 6‬هناية ‪ ، ) 2008‬إىل جانب العمليات اليت يقودها‬
‫االحتاد اإلفريقي أيضا يف عدد من الدول مثل البورندي الصومال السودان‪...‬‬

‫‪238‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫لقد وضع االحتاد األورويب عام ‪ 2011‬اسرتاتيجيتني يف القارة السمراء‪ ،‬األوىل للقرن اإلفريقي والثانية‬
‫للساحل‪ ،‬و هو الشريط الفاصل بني دول مشال إفريقيا و إفريقيا الصحراوية ‪ ،‬و ميثل اكرب خطر بات‬
‫يهدد امن و استقرار إفريقيا الغربية و الشمالية على وجه اخلصوص‪ ،‬حيث يعاين الشريط منذ سنوات من‬
‫تغريات مناخية كربى‪ ،‬من دون أن ننسى خطر اجلماعات املسلحة اليت باتت تسيطر على املنطقة‪ .‬بعض‬
‫الدول األكثر منو اقتصادي يف القارة تقع ضمن الشريط‪ ،‬مما قد يهدد أفاق تنميتها على املدى البعيد‪ ،‬إذا‬
‫مل تقم باختاذ إجراءات ملموسة ‪ .‬لقد مت مجع كل من بوركينافاصو ‪ ،‬التشاد ‪ ،‬مايل‪ ،‬موريطانيا والنيجر‬
‫ضمن اسرتاتيجية الساحل من اجل دعم أربع حماور أساسية (‪:)Julien SERRE,2016‬‬
‫األمن و دولة القانون (حمور أساسي)‬ ‫‪1‬‬
‫الوقاية من الصراعات و حلها مع احلكم الراشد (حمور يضم كل املسائل املتعلقة بالتنمية)‬ ‫‪2‬‬
‫النشاط الدبلوماسي و السياسي‬ ‫‪3‬‬
‫حماربة التطرف و العنف ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫لكن مع تأزم الوضع يف مايل منذ ‪ 2013‬فقد مت الرتكيز على حمور التطرف و اهلجرة غري الشرعية وملف‬
‫احلدود و التزوير‪ .‬و نظرا للعالقة الطردية بني اهلشاشة و إمكانية ظهور الصراعات‪ ،‬تركزت مساعي‬
‫وكاالت املساعدة الدولية على جماالت كانت حىت اآلن حكرا على املنظمات اإلنسانية‪ ،‬من خالل الرتكيز‬
‫على السكان واألفراد‪ ،‬الن اهلدف من وراء ذلك يف تقديراهتا حماولة منع الدول اهلشة من التحول إىل دول‬
‫لصة خارجة عن القانون )‪ ، (rogue state‬لذلك جند املؤسسات املاحنة على املستوى الدويل قد‬
‫أدجمت يف براجمها االسرتاتيجية بعد الوقاية من األزمات و الصراعات عرب عدة آليات ( ‪Thomas‬‬
‫)‪ .)POIRIER,2012,p22‬و منذ إقامتها يف‪ 2009‬تقوم الشبكة الدولية حول الصراعات واهلشاشة‬
‫)‪ ،le Réseau International sur les conflits et les fragilités (INCAF‬بعمل تنسيقي‬
‫يرتكز على ‪ 4‬حماور أساسية ‪:‬‬
‫نشر مبادئ املساعي الدولية يف الدول اهلشة و الوضعيات الزائلة‬ ‫‪1‬‬
‫هيكلة املساعدات و قضايا التمويل‬ ‫‪2‬‬
‫بناء السلم‬ ‫‪3‬‬
‫تقوية الدولة و األمن‪ ،‬و احلوار الدويل حول بناء السلم و تقوية الدولة ( ‪La Coopération‬‬ ‫‪4‬‬
‫)‪)Luxembourgeoise, 2012, P.4‬‬

‫‪239‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫بدأت منظمة التعاون والتنمية تتحدث عن "حاالت اهلشاشة" عوض "دولة هشة"‪ ،‬موسعة نطاق الرتكيز‬
‫الذي كان ينصب على الدولة وحدها‪ ،‬إذ تؤكد مبادئها للمشاركة الدولية اجليدة على أن اهلدف طويل‬
‫األجل من املشاركة يف هذه البلدان هو "مساعدة اإلصالحيني الوطنيني على بناء مؤسسات فعالة وشرعية‬
‫ومرنة‪ ،‬وقادرة على التعاطي بشكل مثمر مع شعوهبا‪ ،‬لتعزيز التنمية املستدامة"‪ ،‬و أن بناء الدولة هو عملية‬
‫داخلية‪ ،‬ال ميكن أن تتأثر إال تأثراً طفيفاً بالفاعلني اخلارجيني‪.‬‬
‫يف ‪ 2007‬قامت منظمة التعاون و التنمية بتبين ‪ 10‬مبادئ متعلقة باملساعي الدولية يف الدول اهلشة‬
‫والوضعيات الزائلة‪ ،‬و مت التأكيد على ضرورة تبين مقاربة متكيفة مع اإلطار احمللي‪ ،‬و على ضرورة التنسيق‬
‫بني كل املاحنني ضمن التزام طويل املدى‪ ،‬و على جعل األولوية يف الدعم لعملية تقوية الدولة ‪.‬‬
‫منذ عام ‪ 2005‬تنشر هذه املنظمة تقريراً سنوياً عن الدول اهلشة ملراقبة املعونات املقدمة لقائمة من‬
‫غريت املنظمة من مقاربتها‪ ،‬و أصبحت ال تكتفي‬ ‫البلدان اليت تعترب أكثر هشاشة ‪ ،‬و منذ عام ‪ّ ،2015‬‬
‫بطرح قائمة بل تقريرا شامال ألوضاع اهلشاشة‪ ،‬ويعكس العنوان اجلديد للتقرير‪ ،‬وهو "دول اهلشاشة عوض‬
‫"الدول اهلشة" هذا التغري‪ .‬دعت منظمة التعاون و التنمية االقتصادية ‪ OCDE‬يف هذا التقرير حول‬
‫اهلشاشة سنة ‪ 2015‬إىل ضرورة دمج عملية الدعم املستقبلي للبيئة األكثر هشاشة ضمن األهداف‬
‫اجلديدة للتنمية املستدامة ‪ ODD‬ل ـ ـ ‪ ،2030‬الن هذه الدول ستواجه حتديات القرن بوضع هش‬
‫يستدعي املرافقة و الدعم‪ ،‬السيما أن وضعية اهلشاشة وضعية صعبة‪ ،‬تعرب عن مجلة من العوامل ضمن‬
‫حلقة مفرغة‪ ،‬يكون اخلروج منها شاقا‪ 30 ،‬عاما بعد تصنيفها من طرف البنك الدويل سنة ‪،1979‬‬
‫بقيت ‪ 35‬دولة يف وضعية هشة يف تقرير له لعام ‪. 2009‬‬
‫كانت سنة ‪ 2017‬مناسبة إلفريقيا عرب ثالث حمطات لالستفادة من اخلربة الدولية يف التنمية‪ ،‬أوهلا ندوة‬
‫املبادرة حول الشراكة مع إفريقيا‪ ،‬و جمموعة العشرين املنعقدة ‪ 13/12‬جوان بربلني‪ ،‬واملتبوعة بقمة جمموعة‬
‫العشرين ب ـ ـهامربغ ‪ 9/8‬جويلية ؛ ثانيها قمة االحتاد اإلفريقي بأديسابابا‪ 4/3‬جويلية (إثيوبيا) املنعقدة حتت‬
‫شعار القيادة و االستثمار يف الشباب؛ و أخريا قمة االحتاد اإلفريقي‪ /‬االحتاد األوريب ‪ 29/28‬نوفمرب‬
‫بأبيجان (كوت ديفوار)‪ ،‬الذي ركز على موضوع الشباب يف إفريقيا‪ .‬عربت هذه املبادرات عن املكانة‬
‫اهلامة اليت حتتلها إفريقيا يف مستقبل السياسات الدولية ملا فيها من مورد بشري شاب ‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫آفاق ‪ 2050‬سيصبح عدد الشباب يف إفريقيا ‪ 10‬أضعاف العدد يف االحتاد األوريب‪ ،‬حيث‬
‫سيصل عدد السكان يف إفريقيا ‪ 2‬مليار ‪ 500‬مليون‪ ،‬نصفهم شباب اقل من ‪ 25‬سنة ‪ ،‬سيحتاج‬
‫هؤالء لفرص عمل تسمح هلم حبياة كرمية ‪ ،‬فالقادة األفارقة أمام حتدي سوق عمل‪ ،‬سيصل الطلب فيه إىل‬
‫‪ 450‬مليون منصب عمل ما بني ‪ ، 2035/2015‬أي ‪ 22.5‬مليون كل سنة ‪ ،‬باملقابل لو استمرت‬
‫وترية التنمية يف إفريقيا على هذا احلال حىت ‪ ، 2022‬فان أثارها على األمن اإلقليمي و الدويل وخيمة‪،‬‬
‫وستصل معها البطالة إىل ‪ 41.4‬مليون بطال ‪ ،‬و سيكون هؤالء أوىل ضحايا الفقر و الشروط البيئية‬
‫الصعبة (‪)Le Siècle de l’Afrique , p3‬‬

‫من أهم احللول اليت يقرتحها خرباء الغرب ملا يصفونه باهلشاشة‪ ،‬هو إعادة بناء الدولة‪ ،‬و الذي يضم يف‬
‫تقديراهتم بناء الدولة ‪ +‬ترسيخ األمن و التنمية ‪ .‬و لتحقيق ذلك ‪ ،‬جيب على الدولة أن تتميز بأربع ميزات‬
‫أساسية للخروج من وضعية اهلشاشة‪ ،‬ميكن إمجاهلا يف ما يعرف مبنهجية كارل ‪، méthode CARL‬‬
‫وهي تعين‪ :‬القدرة‪ -‬السلطة‪ -‬املسؤولية و املشروعية‪)Julien SERRE, p.177( .‬‬

‫قدرة اإلدارة و القطاع اخلاص مع الرتكيز على جماالت‪ :‬الرعاية الصحية‪ ،‬محاية‬ ‫‪CAPACITÉ‬‬
‫‪C‬‬
‫الطفولة‪ ،‬القدرة على إقامة اهلياكل القاعدية‪...‬‬
‫سلطة الدولة‪ :‬احرتام القانون‪ ،‬استقاللية القضاء‬ ‫‪AUTORITÉ‬‬
‫‪A‬‬
‫مسؤولية السلطة السياسية و اإلدارية ‪ :‬حماربة الرشوة‪ ،‬الصفقات‬ ‫‪RESPONSABILIT‬‬
‫‪R‬‬
‫العمومية‪،‬مشاركة املواطن‬ ‫‪É‬‬
‫مشروعية السلطة السياسية‪ :‬شفافية االنتخابات‪ ،‬استقاللية القضاء‪ ،‬الشفافية‬ ‫‪LÉGITIMITÉ‬‬
‫‪L‬‬
‫املالية و امليزانية‬
‫و ميكن ترسيم املنهجية يف الشكل التايل ‪:‬‬

‫‪241‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫‪ .6‬من اجل مقاربة "افريقية محلية" لمواجهة الهشاشة‪:‬‬

‫لقد رفض االحتاد اإلفريقي االعرتاف بتسمية " الدول الفاشلة" بسبب اإلطار السياسي واإليديولوجي الذي أنتج‬
‫املفهوم ‪ ،‬و الذي يندرج ضمن التصورات الغربية لعامل ما بعد ‪ 11‬سبتمرب‪ ،‬معتربا التعريف نوع من التجرمي غري‬
‫املباشر للدول اإلفريقية ‪ ،‬فالتعبري هو تصنيف للدول اإلفريقية انطالقا من معايري غربية‪ ،‬و هذا ما اعتربه االحتاد‬
‫غري مقبول‪ .‬يف إطار عالقاته مع االحتاد األورويب يفضل االحتاد اإلفريقي تعبري "وضعية اهلشاشة" معتربا إياه أكثر‬
‫حيادا‪.‬‬
‫السبب اآلخر للرفض هو اعتبار املقاربة يف حد ذاهتا مطية لتربير التدخل الغريب يف القارة‪ ،‬ويدعو االحتاد اإلفريقي‬
‫إىل تبين مقاربة حملية يف حتليل وضعية اهلشاشة‪ ،‬يقودها خرباء حمليني‪ ،‬ويطرح للنقاش إشكالية الطابع العاملي‬
‫للنموذج الغريب يف احلكامة‪ ،‬الذي يطرحونه كالنموذج "الفضيل ( ‪Rapport Canadien sur le‬‬
‫)‪ . )Développement 2008‬على الرغم من ان عددا من افقر الدول‪ ،‬ال متانع يف استخدام تعبري" اهلشة"‬
‫‪،‬الذي كان مرفوضا ‪ ،‬يف إطار اسرتاتيجية للضغط على املاحنني الدوليني‪ ،‬يف ظل األوضاع االقتصادية و املالية‬
‫الصعبة اليت تعيشها جراء ما خلفته عليها األزمة العاملية منذ ‪)Olivier NAY ,2013,p142( .2008‬‬

‫إن وضعية اهلشاشة هي وضعية مركبة ال ميكن فيها تبين مقاربة موحدة ‪ ،‬فهناك العديد من االختالفات بني‬
‫الدول اهلشة ‪ ،‬فهشاشة الدولة تتأتى من عوامل أخرى غري تلك املعروفة و املتعلقة بــا الفقر‪ ،‬عدم األمن‪،‬‬
‫الصراعات‪ ،‬الفساد كما يؤكد ‪ Ivan BRISCOE‬باحث با ‪La Fundacion Para Las Relaciones‬‬
‫‪ internacionales y el Dialogo Exterior (FRIDE) de Madrid.‬مبدريد ‪ ،‬حيث ميكن هلذه‬
‫الدول أن تكون غنية باملوارد أو فقرية‪ ،‬مستوى منو اقتصادي مرتفع أم متضائل ‪ ،‬مستوى مديونية مرتفع أم‬
‫منخفض ‪ ،‬قد تبدأ اهلشاشة بصراع مسلح عنيف وقد تكون نتيجة ملسار من التآكل يف مشروعية السلطة ‪.‬‬

‫إن وضعية اهلشاشة وضعية مركبة ‪ ،‬ال ميكن اخلروج منها بسهولة و بسرعة ‪ ،‬حيث قدر البنك الدويل يف‬
‫‪ ،2015‬انه من بني ‪ 26‬دولة يف إفريقيا شبه الصحراوية مصنفة كدولة هشة‪ 12 ،‬دولة منها فقط ميكنها أن‬
‫تعرض قدرة على املقاومة ضد وضعية اهلشاشة أفاق ‪ ، 2039‬حيث سيعرف مسار االنتقال من هذا الوضع حنو‬
‫وضع أفضل عدد من املراحل االنتقالية‪ ،‬اليت ستمس أساسا‪ :‬فشل الدولة‪ ،‬ضعف املؤسسات واحلكامة و كل‬
‫مرحلة تستلزم حتديات كربى‪ .‬يف بداية التسعينيات ‪ 20‬دولة من بني ‪ 44‬دولة افريقية شبه صحراوية كانت دول‬
‫هشة ‪ ،‬سبعة دول منها متكنت عكس غريها من تطوير قدرة على املقاومة و هي الكامريون‪ ،‬اثيوبيا ‪،‬موزمبيق‪،‬‬
‫‪242‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫النيجر‪ ،‬نيجريا‪ ،‬روندا‪ ،‬لوغندا‪ ،‬حيت متكنت هذه األخرية من إقامة مؤسسات سياسية أكثر إدماجا ‪ ،‬وتقوية‬
‫املؤسسات و تشجيع االستثمارات‪ ،‬و متكنت من حتقيق استقرار ماكرو اقتصادي‪ ،‬و زيادة العائدات الداخلية‬
‫بغرض ترقية االستثمارات العمومية واخلدمات االجتماعية‪ ،‬يف الوقت الذي مل تتمكن دول افريقية أخرى من الدفع‬
‫هبذا املسار االنتقايل‪ ،‬وبل تراجع بعضها مثل كوت ديف ـ ـوار‪ ،‬مــاالوي‪ ،‬زميبابوي ‪. EnriqueGELBARD,‬‬
‫)‪. ) 2015,p8‬‬

‫تعترب كل من أونغوال و زميبابوي ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬من الدول اهلشة املصنفة ضمن قوائم منظمة‬
‫‪ OCDE‬لعدة سنوات ‪ ،‬على الرغم من أن أنغوال رمسيا يف سالم منذ ‪ ،2002‬مسجلة نسبة من النمو‬
‫االقتصادي‪ ،‬لكنها الزالت تعاين من مستوى أمية و وفيات لألطفال مرتفع؛ يف حني و رغم ضعفها االقتصادي‬
‫فان زمبابوي من الدول اليت تقل فيها نسب األمية‪ ،‬و ال تعاين من مشكل وفيات األطفال‪ .‬هذا النوع من‬
‫اهلشة‪ ،‬مما جعل‬
‫االختالفات‪ ،‬جيعل من اخلطأ تبين مقاربة موحدة حنو املشكالت التنموية اليت تعاين منها الدول ّ‬
‫من الوسائل التقليدية املعروفة يف جمال املساعدات من اجل التنمية مل تعد مالئمة ‪.‬‬
‫إن أهداف التنمية لأللفية قد تقدم قراءة غري عادلة حول وضعية اهلشاشة يف دول إفريقيا شبه‪-‬الصحراوية ‪ ،‬الن‬
‫هذه األخرية ‪ ،‬بدأت مسارها للخروج من اهلشاشة و هي يف وضع أسوا بكثري من الكثري من الدول النامية‪،‬‬
‫فالفقر ميثل ثالث مرات ضعف مستواه يف دول أخرى أكثر استقرار‪ ،‬و قد تضاعفت نسبه ثالث أضعاف ما‬
‫كانت عليه يف إفريقيا شبه الصحراوية ما بني ‪ ، 2000/1980‬أما سوء التغذية فيمثل ‪ % 40‬يف الدول اهلشة‬
‫يف إفريقيا‪ ،‬وما يعادل ‪ % 76‬يف مجهورية الكونغو الدميقراطية لوحدها ‪ ،‬والنسب الضعيفة من التمدرس‪ ،‬و نسب‬
‫وفيات األطفال األقل من ‪ 5‬سنوات‪ ،‬هي يف مستويات اخطر بكثري من دول أخرى نامية ‪Enrique ( .‬‬
‫‪. ) GELBARD, 2015, p8‬‬

‫روندا دولة غري ساحلية و فقرية يف املوارد الطبيعية مثلها مثل املوزمبيق دولة ساحلية فقرية أيضا من حيث املوارد‪،‬‬
‫خرجتا من جتربة صراع داخلي بداية التسعينيات ‪ ،‬لكنهما متكنتا من إعادة بناء قدراهتم و مؤسساهتم يف العشر‬
‫سنوات الالحقة‪ ،‬و متكنتا من حتقيق درجة من املقاومة للهشاشة‪ ،‬و من املرونة‪ ،‬كما تشري إىل ذلك النقاط اليت‬
‫حصلتا عليها يف تقييم السياسات و املؤسسات الوطنية )‪ (ÉPIN‬اليت جتاوزت ‪ 3.2‬منذ منتصف ‪ .2000‬أما‬
‫مجهورية الكونغو الدميقراطية‪ ،‬و مجهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬فقد عرفتا صعوبات واضحة يف جمال مقاومة اهلشاشة ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من كون الكونغو دولة ساحلية غنية باملوارد ‪ ،‬و متكنها يف ‪ 2001‬من توقيع اتفاق سالم و تنظيم‬
‫انتخابات ‪ ، 2003‬و رغم حتسن تقييمها ‪ ، ÉPIN‬إال أهنا مل تتمكن من حتقيق تقدم يف مقاومة اهلشاشة‪،‬‬
‫مثلها مثل مجهورية إفريقيا الوسطى ‪ ،‬الغنية باملوارد رغم كوهنا غري ساحلية‪ ،‬فإهنا مل خترج من سلسلة األزمات‬
‫‪243‬‬
‫كنزة مغيش‬

‫السياسية واملدنية املتتالية‪ ،‬واالنقالبات و احلروب األهلية منذ ‪ 1960‬تاريخ استقالهلا‪ ،‬فرغم توقيع اتفاق سالم‬
‫يف ‪ 2007‬إال أهنا تراجعت جمددا يف ‪. ) Enrique GELBARD, 2015, p8( 2012‬‬
‫لقد قام خزان التفكري ‪ McKinsey Global Institute‬بوصف االقتصاديات اإلفريقية ذات أقوى‬
‫معدالت منو باألسود اإلفريقية‪ ،‬يف تقريره لعام ‪ ، « Lions on the move » 2010‬حيث دعى التقرير‬
‫بوضوح لضرورة استغالل القدرات االستثمارية للقارة‪ ،‬و األسد اإلفريقي قد يكون دولة هشة‪ ،‬و قد يندرج ضمن‬
‫فئة الدول األقل تقدما‪ ،‬السيما أن أكثر من نصف الدول اهلشة بالعامل ‪ 37‬من ‪ 65‬تقع يف إفريقيا؛ يف حني‬
‫دولة من ‪ 37‬دولة هشة يف إفريقيا هي أيضا دول اقل تقدما ‪، Des Pays Moins avancés (PMA).‬‬
‫بعض هذه الدول مثل تنزانيا‪ ،‬رواندا موزنبيق‪ ،‬مجهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬سرياليون ‪،‬أوغندا كانت ضمن الدول ذات‬
‫أقوى معدل منو يف ‪. 2016‬‬
‫جتارب كل من أوغندا‪ ،‬إثيوبيا‪ ،‬كينيا‪ ،‬تبني أن الدولة اهلشة وتلك األقل تقدما مرتبطتان ‪ ،‬فعلى الرغم من كوهنا من‬
‫اجنح دول شرق إفريقيا اقتصاديا ‪ ،‬إال أهنا اكرب مقر لالجئني بالعامل‪ ،‬فهي دول جارة مع جنوب السودان الذي‬
‫يعاين الصراع و اجملاعة و اإلفالس االقتصادي‪ ،‬ففي اقل من سنة حتول موقع ‪ BIDI BIDI‬بأوغندا إىل اكرب مقر‬
‫لالجئني بالعامل ‪ 720.000‬الجئ‪ ،‬يعاين جرياهنا من خطر انتقال عدم االستقرار السيما للجريان األكثر راحة‬
‫‪)Le Siècle de‬‬ ‫اقتصاديا‪ ،‬الذين سيجربون على تسيري املخلفات السياسية و االقتصادية‬
‫‪)l’Afrique, p.7.‬‬

‫خات ـمة ‪:‬‬


‫يبدو جليا أن تعبري الدول اهلشة هو مفهوم أطلقه املاحنني‪ ،‬معناه هو مفهوم مفروض مثله مثل احلكامة والتنمية‪...‬‬
‫مما جيعله مفهوم متجذر يف اخلطاب و املمارسة الغربية‪ ،‬و يطرح لزوميته السياسية يف نظر االحتاد اإلفريقي‪ .‬و بعيدا‬
‫عن النقاشات االصطالحية‪ ،‬و حىت األجندة التدخلية اليت ميكن أن تالزم هذا التعبري‪ ،‬جيب االعرتاف أن وضعية‬
‫اهلشاشة مسألة واقعة حبق يف إفريقيا‪ ،‬و أن األخطار اليت باتت تشكلها على الفئات احمللية أصبحت خطر على‬
‫جرياهنا كأضعف تقدير‪ ،‬و انه ميكنها أن تشكل خطر على دول أخرى‪ .‬ما يعاب رمبا على مقاربة الدول املاحنة‬
‫أهنا تركز على أولوياهتا اليت وضعتها‪ ،‬من دون دعم سريورات وديناميكيات اإلصالح احمللي ‪ ،‬لذلك على القارة‬
‫اإلفريقية أن تعتمد أكثر على معايريها الداخلية و أن تطور مقاربتها احمللية ملواجهة وضعية اهلشاشة‪.‬‬
‫إن الوصفات اليت قدمتها املساعدات الدولية من اجل التنمية ترتكز على مقاربة متمركزة حول الذات‬
‫‪ ، ETHNOCENTRIQUE‬تقرتح خالهلا حلوال صاحلة للجميع من دون االلتفات إىل الوضعيات اخلاصة اليت‬
‫متثلها كل حالة‪ ،‬حلوال تنطلق من الرباديغم الغريب حول مفهوم الدولة ‪ ،‬احلكم ‪ ،‬الشرعية ‪ ،‬العقالنية الغربية ‪،‬‬
‫‪244‬‬
‫الدولة الهشة" أم "وضعية الهشاشة" ‪ :‬قراءة في إشكالية بناء الدولة في إفريقيا ؟‬
‫حلوال تتناسى املؤسسات غري الرمسية و العرفية املتجذرة يف هذه اجملتمعات اإلفريقية ‪ ،‬و اليت تؤثر بصورة كبرية على‬
‫أية إصالح أو تغيري ‪.‬‬
‫ال ميكن أن نتناسى إشكالية تاريخ بناء الدولة‪ ،‬والذي استغرق يف أوروبا عدة قرون من املعارك والتغريات العميقة‬
‫على املستوى االقتصادي واالجتماعي والسياسي والتقين‪ .‬ميكن أن يساعد احلصول على الدعم لبناء الدولة من‬
‫فاعلني خارجيني على توطيد الدولة‪ ،‬إال أن هذه العملية تظل عملية داخلية يف األساس‪ ،‬يف البلدان اليت مل يكتمل‬
‫فيها تكوين الدولة‪ ،‬فمن املتوقع أن يستغرق التغلب على اهلشاشة وقتاً أطول‪ ،‬وأن يكون أكثر صعوبة‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫المراجع بالعربية‪:‬‬
‫البغدادي عبد السالم ابراهيم (‪ .) 2000‬الوحدة الوطنية و مشكلة األقليات يف إفريقيا‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬سلسلة األطروحات‪.‬‬
‫الزبائنية‬ ‫الطبيعة‬ ‫ذات‬ ‫اهلشة‬ ‫الدولة‬ ‫‪،‬‬ ‫القلقيي‬ ‫الفتاح‬ ‫عبد‬
‫‪Yaf.ps/server/uploaded,files/docs/Palestinian-issuse10/6.PDF‬‬
‫التقرير األورويب حول التنمية لعام ‪ ، 2009‬التغلب على اهلشاشة يف أفريقيا‪ ،‬مركز روبرت شومان للدراسات‬
‫املتقدمة‪ ،‬املعهد اجلامعي األورويب‪ ،‬سان دومينيكو دي فيسويل ‪.‬‬
‫اهلشة يف إفريقيا يف ضوء علم االجتماع السياسي ‪ ،‬قراءات إفريقية العدد‬
‫ابو فرحة علي ‪ ،‬الدولة ّ‬
‫‪http://www.qiraatafrican.com،‬‬

‫المراجع باألجنبية‪:‬‬

‫‪DEVLIN-FOLTZ Zachary (2010), les Etats Fragiles de l’Afrique : vecteurs‬‬


‫‪de l'extrémisme, exportateurs du Terrorisme. Bulletin de la Sécurité‬‬
‫‪Africaine, Centre d’étude Stratégique de l’Afrique, NO. 6 / Aout.‬‬
‫? ‪DUVAL Claude, ETTORI François, États Fragiles… ou Etats autres‬‬
‫? ‪Comment repenser l'aide à leur Développement, notamment en Afrique‬‬
‫‪Géopolitique de l’Afrique Subsaharienne, N° 25 10/09.‬‬

‫‪245‬‬
‫كنزة مغيش‬

GAULME François, (2011). États FAILLIS, États FRAGILES : concepts


jumèles d'une nouvelle réflexion mondiales, Politique Etrangère, /1
(Printemps).

GELBARD Enrique, DELECHAT Corinne, Ulrich JACOBY, et autres


(2015), Accroitre la Résilience dans les États Fragiles d’Afrique
Subsaharienne. Fonds Monétaire International, département Afrique,
Washington.

Institut Nord-Sud(2008). États Fragiles ou Développement défaillant ?


Rapport Canadian sur le Développe DELECHAT DELECHAT ment,
OTTAWA.

la Coopération Luxembourgeoise (2012).Direction de la Coopération au


Développement, États Fragiles, Stratégies et Orientations..

Le Siècles de l’Afrique https :// S3 .Amazonaws .com /one. org/ pdf .

LODGE Didimala (2008 ), "les Etats Fragiles en Afrique: un paradigme


utile pour l’Action ?" Rapport de conférence, Afrique du SUD – 12 et 13
Mai.

NAY Olivier (2013). Grand Angle la Théorie des « États FRAGILES » :


un nouveau développementaliste politique ? Gouvernement et Action
Publique, N° 1.

POIRIER Thomas. (2012). Éducation pour tous : L’aléa des États Fragiles.
Education. Université de BOURGOGNE.

SERRE Julien (2016). les Etats Fragiles .Manuel Théorique et pratiques.


Paris: Studyrama.

246

You might also like