Professional Documents
Culture Documents
إدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي ومعوقاتها
إدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي ومعوقاتها
متطمبات تطبيق إدارة الجودة الشاممة في مؤسسات التعميم العالي ومعوقاتها -مقاربة سوسيولوجية -
د .راضية بوزيان
قسم عمم االجتماع
جامعة الطــارف
Abstract ممخص
This study ains at identtifying the سجمت السنوات األخيرة من القرن الماضي اىتماما
applicability of TQM in the higher واضح المعالم بمفيوم ضمان الجودة القائم عمى
educational sector, more الفمسفة الوقائية ال العالجية بوصفو مدخال فاعال
specifically it seeks to explore the إلدارة الجودة في األنشطة اإلنتاجية والخدمية .ومع
ازدياد حدة المنافسة وادراك المنظمات حقيقة أن
main constraints facing the
بقاءىا واستمرارىا يرتبطان بما توفره من مستوى
implementation of TQM.
رضا عال لممستفيدين ،استعيرت مفاىيم مختمفة
The intention is to build an
لمجودة في األنشطة الخدمية وتحديدا في أنشطة
integrated vision of the concept of التعميم العالي باتجاه ضمان جودة أركان النظام
TQM in the Algerian higher التعميمي األساسي (العممية التعميمية ،الييئة
educational system. التدريسية ،الطالب ،المنيج).
ىدفت ىذه الدراسة إلى التعرف عمى مدى إمكانية
Keywords: total quality تطبيق إدارة الجودة الشاممة في قطاع التعميم العالي
والوقوف عمى أىم المعوقات التي تواجو تطبيق إدارة
management, higher education
الجودة الشاممة .وعميو يطمح ىذا البحث إلى بناء
institutions, requirements,
تصور متكامل عن مفيوم إدارة الجودة الشاممة ،في
constraints, ISO.
أركان النظام التعميمي من خالل تأشير منطمقات
مفاىيمية وتطبيقية.
مقدمة:
تعتبر إدارة الجودة الشاممة ،Total Quality Managementمن أىم القضايا السوسيولوجية و اإلدارية
الحديثة ،التي استحوذت عمى االىتمام الكبير من قبل الباحثين األكاديميين ،كإحدى األنماط اإلدارية السائدة
والمرغوبة في الفترة الحالية ،وقد وصفت بأنيا الموجو الثورية الثالثة بعد الثورة الصناعية والثورة اإلعالمية ،نتيجة
لممنافسة العالمية الشديدة بين المؤسسات اإلنتاجية اليابانية من جية و األمريكية و األوروبية من جية أخرى.
24
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
ويعد مفيوم إدارة الجودة الشاممة ( )TQMكغيره من المفاىيم السوسيولوجية التي تتباين بشأنو األفكار ،إال أن
ىذا التباين الشكمي ،يكاد يكون متماثالً في المضامين اليادفة إذا أنو يتمحور حول اليدف الذي تسعى لتحقيقو
المنظمة والذي يتمثل بالمستيمك من خالل تفاعل كافة األطراف الفاعمة في المنظمة .إن إدارة الجودة الشاممة
تعني اإلسيام الفعا ل لمنظام اإلداري والتنظيمي بكافة عناصره في تحقيق الكفاءة االستثمارية لمموارد المتاحة من
مادة أولية ومعدات وقوى بشرية ومعموماتية وادارة واستراتيجية ومعايير ومواصفات ..الخ .ويتجاوز مفيوم الجودة
معناه التقميدي أي جودة المنتج أو الخدمة ليشتمل جودة المؤسسة أو المنظمة بيدف تحسين و تطوير العمميات
واألداء ،تقميل التكاليف ،التحكم في الوقت ،تحقيق رغبات العمالء و متطمبات السوق ،العمل بروح الفريق ،وتقوية
االنتماء وىذه جميعيا يمكن تمخيصيا في نقطتين أساسيتين:
أ -المطابقة لممواصفات Conformance to Specifications
ب -إشباع و تحقيق متطمبات السوق . Meeting Market Requirements
أو كما يختصرىا جوران Juranفي المواءمة لالستخدام .Fitness for Useبحيث تسيم جميعاً في السعي
لتحقيق ىدف المنظمة .أمـا "سوندرس" saundersفقد اشار الى ان الجودة ىي مطابقة تخصيص الرسالة
وتحقيق اليدف وتنوع نمط المؤسسة واستجابتيا لتغير القيم و االحتياجات االجتماعية .و ترتبط الجودة بالتوسع
في االلتحاق و يمكن قياس جودة ادائيا برؤية اوسع لممخرجات و بمدى مساىمة خرجييا في المجتمع .ويمكن
التعبير عن ىذه النظرة الشمولية بالشكل التالي:
إن التغير السريع في المبادئ االقتصادية والتقنية االجتماعية والديموغرافية،استدعى نشوء مطالب ممحة عمى
الجودة وعمى فعالية ىذه الجودة .ومجتمعاتنا العربية تشيد في الوقت الراىن كثي ار من التغيرات الممحوظة في شتى
المجاالت ،التي تفرض عمى مؤسساتيا العممية و منظماتيا اإلدارية تغيير أساليبيا التقميدية في اإلدارة ،وتبني
المفاىيم اإلدارية الحديثة إذا ما أرادت تحقيق أىدافيا بكفاءة وفاعمية .
والتعميم العالي ،مثمو كأي نسق تعميم نظامي ،ليس إال انعكاساً لمسياق االجتماعي واالقتصادي العام .وليس
بالمستغرب أن يعاني التعميم العالي ومؤسساتو من مشكالت كبيرة ،وتحديات وتيديدات بالغة الخطورة نشأت عن
المتغيرات التي غيرت شكل العالم وأوجدت نظاماً عالمياً جديداً يعتمد العمم والتطوير التكنولوجي المتسارع أساساً،
25
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
ويستند إلى تقنيات عالية التقدم والتفوق ،األمر الذي ال يدع مجاالً لمتردد في البدء ببرامج شاممة لمتطوير
والتحديث تضمن لمؤسسات التعميم العربية عامة و الجزائرية خاصة ،القدرة عمى تجاوز مشاكميا ونقاط الضعف
فييا ،لموصول بيا إلى المستوى المطموب الذي يكون فيو مؤش ار و متفاعال مع التطمعات التنموية في المجالت
كافة .
ورغم أىمية الجامعات في دفع مسيرة التنمية االقتصادية و االجتماعية و دورىا في تحديث المجتمعات
وتطويرىا إال أن العديد من الدراسات تشير إلى مواجية أغمب مؤسسات التعميم العالي العربية حالة من الضبابية
والمحدودية في التعاطي مع مفاىيم الجودة المعاصرة أمثال ضمان الجودة ،األمر الذي انعكس ميدانيا في ما
تواجيو من مشكالت داخمية أو خارجية مقارنة بمؤسسات التعميم العالي في الدول المتقدمة ،كما أن التعميم العالي
لم يصل إلى المستوى المطموب الذي يكون فيو مؤش ار و متفاعال مع التطمعات التنموية في المجاالت كافة .
كما أن ىن اك قناعة في األوساط االجتماعية واألكاديمية في الوطن العربي مؤداىا أن إدارة الجامعات تفتقر
إلى الكفاءة ،وأن غالبية الجامعات و مؤسسات التعميم العالي العربية تعاني من انعدام االستقالل الذاتي وضخامة
األنظمة والتعميمات وغموضيا وتناقضيا .وتعدد المستويات أو الحمقات اإلدارية واليرمية ،واىمال دور القيادات
اإلدارية الوسطى والتنفيذية ،األمر الذي ترتب عميو عجز في اإلداريين المقتدرين ،وسيادة نمط إداري معروف
باسم إدارة الطوارئ واألزمات ،كما يشير واقع الحال إلى أن التعميم العالي فشل في إنتاج نوع الخريجين المطموبين
لتحديا ت عالم العمل ،كما أن زيادة االلتحاق بمؤسسات التعميم العالي مع تدني الجودة و الموارد أدى إلى
انخفاض مستوى السمعة العممية لمعديد من الجامعات العربية .و ما نتج عنو من بطالة الخريجين و ىجرة العقول،
كما أن معظم طاقات الجامعات تصرف عمى األمور الروتينية وال توجد أية سيطرة إدارية عمى أداء العاممين من
أكاديميين واداريين ،وبالتالي معرفة مستوى ىذا األداء ،وغالباً ما تستخدم أساليب مراوغة وتأخير لمقاومة
اإلصالح والتغير.
في إطار ىذا التوجو ،جاءت ىذه المقالة ،بمحاولة يسمط من خالليا الضوء عمى إشكالية ضمان إدارة الجودة
الشاممة في مؤسسات التعميم العالي ،بغية تقصي أبعاد الظاىرة وحيثياتيا ،انطالقا من جممة من التساؤالت أىميا:
)1ما ىو مفيوم إدارة الجودة الشاممة في مؤسسات التعميم العالي في ظل العولمة و ما تفرضو من قدرات
تنافسية ؟.
)2ماىي مؤشرات الجودة الشاممة التي ينبغي توافرىا في الجامعات في ضوء تجارب الدول المتقدمة في ىذا
المجال؟ ،و ما ىي صعوبات ومعوقات تطبيق إدارة الجودة الشاممة؟.
في إدارة الجودة و التنمية لمؤسسات التعميم العالي )3ماىو التصور المقترح الستراتيجيات اإلصالح
الجزائرية؟.
أوال -إدارة الجودة الشاممة تحديد المفهوم عمى ضوء االتجاهات الحديثة :
ُّ
يعد مفيوم إدارة الجودة الشاممة( )TQMمن أحدث المفاىيم السوسيولوجية واإلدارية التي تقوم عمى مجموعة
من المبادئ واألفكار التي يمكن ألي إدارة أن تتبناىا من أجل تحقيق أفضل أداء ممكن .وقد ظير ىذا المفيوم
بعد األزمة التي حدثت في االقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية ،مما اضطر زعماء الصناعة اليابانية إلي
)*(
الذي أكد أن الجودة الشاممة ىي »:تطبيق الطرق إحداث الجودة بمساعدة ادوارد ديمنج ( )Deeming
26
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
اإلحصائية في كل مراحل اإلنتاج قصد تحسين المنتج و تقديمو إلى السوق بأقل كمفة) .«(1و كل فرد لو عالقة
)(2
،ويقدم معيد بعممية اإلنتاج أو الخدمات ينبغي أن يساىم في تحقيق النتائج المرجوة وىي إرضاء العمالء
الجودة الفيدرالي بالواليات المتحدة األمريكية تعريفاً لمجودة الشاممة ىو »:القيام بالعمل بشكل صحيح ومن أول
خطوة مع ضرورة االعتماد عمى تقييم العمل في معرفة مدى تحسين األداء).«(3
ونظ اًر لتعدد مفاىيم الجودة الشاممة ،فقد حاول العمماء والمتخصصون التمييز بين خمسة مداخل لتعريف
الجودة الشاممة ىي :المدخل المبني عمى أساس التفوق ،والمدخل المبني عمى أساس المستفيد ،والمدخل المبني
)(4
. عمى أساس القيمة ،والمدخل المبني عمى أساس المنتج ،والمدخل المبني عمى أساس التصنيع
ويشير مفيوم إدارة الجودة الشاممة إلى أنو » أسموب متكامل يطبق في جميع فروع ومستويات المنطقة
التعميمية؛ ليوفر لألفراد وفرق العمل الفرصة إلرضاء الطالب والمستفيدين من عممية التعمم ،أو "ىي فعالية تحقيق
أفضل خدمات تعميمية بحثية واستشارية بأكفأ أساليب وأقل تكاليف وأعمي جودة ممكنة « ) ،(5أو كما حددىا
)**(
أنيا »المواءمة لالستخدام« بمعنى مطابقة المنتج لممواصفات القياسية المحددة من جوزيف جوران J. Juran
ناحية ،باإلضافة إلى تمبية احتياجات و متطمبات السوق من خالل كفاءة األداء ،الثقة ،سرعة االستجابة.
ويرتبط جوران بثالثية مشيورة ىي :
-3تحسين الجودة -2الرقابة عمى الجودة -1تخطيط الجودة
بمعنى أن المواءمة لالستخدام كمرادف لمجودة كما يراىا جوران تتطمب :التخطيط ،Planningالرقابة
، Controlالتحسين ،Improvementبما يضمن االستدامة ،Sustainabilityبينما يرى فيميب كروسبي P.
Crosbyأن الجودة تقوم عمى أربعة دعائم أساسية أو كما يسمييا »المطمقات :« The Absolutes
- 1تعني الجودة التوائم أو المطابقة مع المتطمبات.
- 2تتحقق الجودة بالوقاية أكثر من تقييم األداء.
- 3معيار أداء الجودة يعني ال عيوب (أخطاء) مطمقا .Zero Defects
- 4تقاس الجودة بالثمن المحقق من عدم التطابق مع المتطمبات أو المعايير و ليس بمؤشرات معينة .
و يؤكد البعض أن إدارة الجودة الشاممة ىي " مدخل استراتيجي إلنتاج أفضل منتج أو خدمة من خالل االبتكار
المنتج ").(6
في حين يرى » جابمونسكي جوزيف« ،Jablonski Josephأن مفيوم إدارة الجودة الشاممة كغيره من
المفاىيم اإلدارية التي تتباين بشأنو المفاىيم واألفكار وفقاً لزاوية النظر ،من قبل ىذا الباحث أو ذاك إال أن ىذا
التباين الشكمي في المفاىيم يكاد يكون متماثالً في المضامين اليادفة ،إذا أنو يتمحور حول اليدف الذي تسعى
لتحقيقو المنظمة والذي يتمثل بالمستيمك من خالل تفاعل كافة األطراف الفاعمة في المنظمة .إن إدارة الجودة
الشاممة تعني إذا اإلسيام الفعال لمنظام اإلداري والتنظيمي بكافة عناصره في تحقيق الكفاءة االستثمارية لمموارد
المتاحة من مادة أولية ومعدات وقوى بشرية ومعموماتية وادارة واستراتيجية ومعايير ومواصفات ..الخ ،بحيث
تسيم جميعاً في السعي لتحقيق ىدف المنظمة الذي يتركز في تحقيق اإلشباع األمثل لممستيمك األخير من خالل
تقديم السمع والخدمات بالمواصفات القياسية ذات النوعية الجيدة والسعر الذي يتالءم مع قدراتو الشرائية.
27
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
28
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
المستثمرين) ،وانتياء بأدنى مستوى تنظيمي .مع حشد ىذه الجيود باتجاه تحقيق أىداف الجودة ،وىو ما يعرف
بالمسؤولية الجماعية تجاه الجودة ). (Quality Is Every Body Responsibility
تانيا -تجارب بعض الدول المتقدمة في تطبيق إدارة الجودة الشاممة في التعميم العالي:
قامت العديد من الدول المتقدمة والنامية بتطبيق إدارة الجودة الشاممة في مؤسساتيا التعميمية والتعميم العالي،
وسنقتصر عمى تجارب دولة من الدول المتقدمة التي تعتبر من أكثر الدول نموا وتطو ار في كافة المجاالت:
إدارة الجودة الشاممة في أمريكا :
واجيت مؤسسات التعميم العالي في الواليات المتحدة األمريكية العديد من التحديات منذ عام 1999وبخاصة
منذ تخفيض الميزانية الخاصة بيا ،ومن ثم كان البد من إعادة التقييم والمراجعة لممناىج والطمب وذلك لممساىمة
في برنامج التطوير االقتصادي ،حيث ظيرت بعض المشاكل بالموازنة بوالية (كاليفورنيا) ،وحيث أن التقييم
ونظمو المتعددة قد أسست لتقيس تأثير المؤسسات فيما يتعمق بتعميم الطالب من خالل التركيز عمى الجامعات
وتعميم الطالب الجامعي لمقابمة متطمبات العمل دائمة التغير ،وكذالك تزويد الطالب بالميارات والمعرفة " ،كما أن
نجاح الشركات في استعمال إدارة الجودة الشاممة قد شجع العديد من مؤسسات التعميم العالي في الواليات المتحدة
األمريكية عمى تبنييا؛ وذلك لمواجية أزمة خالل نصف العقد األخير ،وىذا ما أظيرتو التقارير الخاصة بييئات
التعميم مثل المعيد الوطني لمتعميم ،حيث أدركوا أنيا غير مناسبة ومن ىنا كان البد من التدخل الممح في التعميم،
واالستفادة من القطاعات المتعددة في االقتصاد لوقف االنحدار في جودة خريجي الجامعات ،ولقد كان التطبيق
األول إلدارة الجودة الشاممة في التعميم العالي بالكمية التقنية (فوكس فالي) حيث أصبح أكثر كفاءة في مجاالت
الخرجين ،ورضا أرباب األعمال وتحسين البيئة التعميمية ،كما أن العديد من المؤسسات بدأت في تطبيق إدارة
(وسكونسن ماديسون) ،وجامعة (شمال داكوتا) ،وكمية مجتمع (ديالوير) الجودة الشاممة ،كما حدث في جامعة
وجامعة والية (أوريجون) ،كما اخبر بوخالترعام 1996أن ىناك ( ) 161جامعة في أمريكا تضمنت مبادئ
)(9
. تحسين الجودة ،وحوالي ( ) %51منيا قد أسس تركيبا تنظيميا لمجودة "
وباستخدام مبادئ الجودة وعناصرىا وأساليبيا التنظيمية يمكن زيادة رضا الزبون ( الطالب) واختصار
التكاليف ،كما يستخدم أنموذج ىندسة الجودة الشاممة ( ) Total Quality Engineeringفي أمريكا عناصر
إدارة الجودة الشاممة في توجيو منتجاتيا ،وتقدم جائزة مالكوم ( ) Malcolm Baldrigeأنموذجا ومعيا ار لنجاح
إدارة الجودة الشاممة ،وتركز إدارة الجودة الشاممة إلنجاز النتائج عمى ( :الزبون ،عممية التخطيط ،اإلدارة العممية،
التحسين ).
تالثا -المعايير الواجب إتباعها لتقييم جودة العممية التعميمية :
تعمل االتجاىات الحديثة في قياس وادارة الجودة عمى تفادى ضيق النظرة ،والعمل عمى قياس مخرجات التعميم
الجامعي المتمثمة ليس في توافر خصائص اتجاىية ومعرفية وميارية وسموكية في الخريجين فحسب ،بل يمتد
قياس جودة الخدمة إل ى جودة عناصر تقديم الخدمة التعميمية عمى مستوى المؤسسات التعميمية ،ولقد قامت و ازرة
التعميم العالي البريطانية في عام 1992بتشكيل لجنة دائمة لتقييم جودة تمك العناصر عمى مستوى الدرجة
الجامعية األولي في الجامعات البريطانية) ،(10كما انشأ في عام 1995مجمس أعمى لتقييم جودة الدراسة في
29
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
مرحمة الدراسات العميا في الجامعات األمريكية) .(11وقد اتفقت المجنتان عمى المعايير الواجب إتباعيا لتقييم جودة
الخدمة وجاءت ىذه العناصر ومعايير تقييميا كما يمي :
- 1المنيج العممي -2 ،المرجع العممي -3،أعضاء ىيئة التدريس -4 ،أسموب التقييم -5 ،النظام
اإلداري -6،التسييالت المادية .
رابعا -متطمبات تطبيق إدارة الجودة الشاممة في التعميم الجامعي :
إن تطبيق إدارة الجودة الشاممة في العديد من الدول المتقدمة -كأمريكا -والعديد من الدول األوروبية وبعض
الدول النامية وما تمى ىذا التطبيق من نجاحات لممؤسسات التي تبنت ذلك األسموب عمى مستوى تحسين المنتج
وزيادة الطمب عمى تمك المنتجات في المجال االقتصادي والصناعي والتكنولوجي؛ أوجد مبر ار قويا وميال شديدا
لتطبيق ىذا األسموب بالنظام والمؤسسات التعميمية في العديد من الدول ،ولكي تترجم مفاىيم الجودة الشاممة في
مؤسسات التعميم العالي و لموصول إلى رضا المستفيد الداخمي والخارجي لممؤسسة التربوية؛ البد من توفر العديد
من المتطمبات ومنيا:
- 1دعم وتأييد اإلدارة العميا لنظام إدارة الجودة الشاممة.
- 2ترسيخ ثقافة الجودة الشاممة بين جميع األفراد كأحد الخطوات الرئيسة ،حيث أن تغيير المبادئ
والمعتقدات التنظيمية السائدة بين أفراد المؤسسة الواحدة يجعميم ينتمون إلى ثقافة تنظيمية جديدة ،تمعب دو ار بار از
في خدمة التوجييات الجديدة في التطوير والتجويد لدى المؤسسات التربوية).(12
- 3تنمية الموارد البشرية لدى المشرفين واألكاديميين وتحديث المناىج وتبني أساليب التقويم المتطورة مع
تحديث اليياكل التنظيمية إلحداث التجديد التربوي المطموب.
- 4مشاركة جميع العاممين في الجيود المبذولة لتحسين مستوى األداء.
- 5التعميم والتدريب المستمر لكافة األفراد.
- 6التعرف عمى احتياجات المستفيدين الداخميين وىم الطالب والعاممون والخارجون الذين ىم عناصر
المجتمع المحمي ،مع إخضاع تمك االحتياجات لمعايير قياس األداء والجودة.
- 7تفويض الصالحيات يعد من الجوانب الميمة في إدارة الجودة الشاممة ،وىو من مضامين العمل الجماعي
والتعاوني بعيدا عن المركزية في اتخاذ الق اررات.
- 8المشاركة الحقيقية لجميع األساتذة بالمؤسسة في صياغة الخطط واألىداف الالزمة لجودة عمل المؤسسة
من خالل تحديد أدوار الجميع وتوحيد الجيود ورفع الروح المعنوية في بيئة العمل في كافة المراحل والمستويات
المختمفة).(13
- 9استخدام أساليب كمية في اتخاذ الق اررات وذلك لزيادة الموضوعية بعيدا عن الذاتية.
إن متطمبات تطبيق إدارة الجودة الشاممة في التعميم الجامعي تشمل ما يمي :
- 1رسم سياسة الجودة الشاممة في الجامعة من حيث :تحديد المسئول عن إقامة الجودة الشاممة
وادارتيا) ، (14تحديد كيفية مراقبة ومراجعة النظام من قبل اإلدارة ،تحديد الميمات المطموبة واإلجراءات المحددة
لكل ميمة ،تحديد كيفية مراقبة تمك اإلجراءات ،تحديد كيفية تصحيح اإلخفاق في تنفيذ اإلجراءات.
30
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
- 2اإلجراءات :وتشمل الميمات التالية :التسجيل ،تقديم المشورة ،تخطيط المنيج ،عمميات التقويم ،مواد
التعميم ،اختيار وتعيين العاممين ،تطوير العاممين.
- 3تعميمات العمل :يجب أن تكون تعميمات العمل واضحة و مفيومة وقابمة لمتطبيق.
- 4المراجعة :وىي الوسيمة التي يمكن لممؤسسة أن تتأكد من تنفيذ اإلجراءات.
- 5اإلجراء التصحيحي :ىو تصحيح ما تم إغفالو أو ما تم عممو بطريقة غير صحيحة.
- 6الخطوات اإلجرائية :وضع معايير لتطبيق إدارة الجودة الشاممة مثل نظام االيزو (15) ISO9002في
الميدان التعميمي ،والذي يعني :مدى التطابق لممواصفات القياسية ،وىي إحدى المؤسسات العالمية التي تيدف
إلي وضع أنماط ومقاييس عالمية لمعمل عمى تحسين كفاءة العممية اإلنتاجية وتخفيض التكاليف ،ولقد تم تطوير
نظام (األيزو )9111؛ ليتوافق مع الميدان التربوي ،فظير ما يسمي (أيزو ،)9112وقد تضمن 19بندا تمثل
مجموعة متكاممة من المتطمبات الواجب توافرىا في نظام الجودة المطبق في المؤسسات التعميمية لموصول إلى
خدمة تعميمية عالية وىي :مسئولية اإلدارة العميا ،نظام الجودة ،مراجعة العقود ،ضبط الوثائق والبيانات،
الشراء،التحقق من الخدمات والمعمومات المقدمة من الطالب أو ولي أمره ،تمييز وتتبع العممية التعميمية لمطالب،
ضبط ومراقبة العممية التعميمية ،التفتيش واالختيار ،ضبط وتقويم الطالب ،حالة التفتيش واالختبار ،حاالت عدم
المطابقة ،اإلجراءات التصحيحية والوقاية ،التناول والتخزين والحفظ والنقل ،ضبط السجالت ،المراجعة الداخمية
لمجودة ،التدريب ،الخدمة ،األساليب اإلحصائية.
خامسا -معوقات تطبيق الجودة الشاممة في التعميم الجامعي :
رغم السمات والمميزات إلدارة الجودة الشاممة في المجال التعميمي إال َّ
أن تطبيقيا في قطاع التعميم العالي
يصادف العديد من المعوقات والصعوبات أىميا:
.1عدم مالئمة الثقافة التنظيمية السائدة في المؤسسات التعميمية والثقافة التنظيمية التي تتفق ومتطمبات تطبيق
مدخل إدارة الجودة الشاممة وذلك عمى مستوى األبعاد الثقافية التنظيمية (القيادة -اليياكل والنظم -التحسين
المستمر -االبتكار)
.2عدم مالئمة األوضاع األكاديمية واإلدارية والمالية السائدة بالجامعات لمتطمبات تطبيق مدخل إدارة الجودة
الشاممة وذلك عمى مستوى (فمسفة التعميم الحالية وأىدافو وىياكل وأنماط التعميم الجامعى ,أداء أعضاء ىيئة
التدريس ومعاونييم وأدوات العممية التعميمية ونظام الدراسات العميا والبحث العممى واإلمكانات المادية وتمويل
التعميم الجامعى).
.3المركزية في اتخاذ القرار التربوي ألن إدارة الجودة الشاممة بحاجة إلى نظام ال مركزي يسمح بالمزيد من
الحريات واالبتكار في العمل بعيداً عن التعقيدات اإلدارية.
.4ضعف الكوادر المدربة والمؤىمة في مجال إدارة الجودة الشاممة في المجال التربوي.
.5عدم مالئمة جودة الخدمة التعميمية المقدمة لمطالب ومستوى جودة الخدمة التى تتفق مع رغباتيم وتوقعاتيم
وذلك فيما يختص (بالكتاب الجامعى ,وأداء ىيئة التدريس وأساليب التقييم المتبعة ,وكفاءة وفعالية نظام تقديم
الخدمة ورعاية الطالب).
.6عدم الربط بين الكميات بالجامعة وقطاعات سوق العمل .
31
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
32
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
-11عقد ال مقاءات والندوات عن ثقافة الجودة الشاممة ودورىا في تنمية المجتمع سواء أكان ذلك في وسائل
اإلعالم أو المساجد أو المؤسسات األخرى ذات العالقة ،مع إقامة المزيد من المؤتمرات حول ىذا المفيوم.
خاتمـة:
سعت ىذه المقالة إلى محاولة إيجاد وسيمة تُمكن مؤسسات التعميم العالي عمى اختالف أوجو تخصصاتيا من
مواكبة التطورات المفاىيمية الخاصة بالجودة باتجاه تمبية حاجات المجتمع المتزايدة ،وبما يحقق التوافق مع
متطمبات التطور العممي واالجتماعي واالقتصادي الذي يعيشو العالم اليوم .فالتعميم اليوم لم يعد قضية اجتماعية
فحسب ،بل اقتصادية أيضا كما أن واقع الحال ُيؤشر لتصاعد حدة المنافسة المعتمدة عمى الجودة Quality
Based Competitionوفي شتى المجاالت ومن ضمنيا أنشطة التعميم العالي ،ويقدم مفيوم ضمان الجودة
وسيمة حيوية باتجاه بناء مرتكزات أساسية لمقدرة التنافسية لممؤسسة التعميمية ،لذلك بات من الضروري أن تطبق
مؤسسات التعميم العالي مرتكزات ىذا النظام لتتمكن من إيجاد القيمة المضافة من عناصر النظام التعميمي ،من
طمبة وىيئة تدريسية و ىياكل بيداغوجية ومناىج وعممية تعميمية ،بموجب ذلك يمكن تحديد عدد من المحاور
بوصفيا خالصة نظرية عمى النحو اآلتي :
)1تكتسب مسالة الجودة في أنشطة التعميم العالي دو اًر ميماً بدأ يحظى باىتمام الباحثين وال ُكتاب ولعل من
أسباب ذلك نجاح ىذا المفيوم في رفع مستوى أداء الجامعات ،باتجاه بناء ميزات تنافسية تُ َمكن المؤسسة من
االستمرار والنمو.
)2تتشابك عناصر نظام التعميم إلى الحد الذي يصعب معو الفصل بينيا ،خصوصا في إطار تناول مضامين
جودتيا وفق المدخل النظمي.
)3ينشأ ترابط جدلي ومنطقي بين أركان ومجاالت ضمان جودة أنشطة التعميم العالي (تصميم وتنفيذ المناىج
والمقاييس الجامعية ،الكفايات األكاديمية والتعميمية لمييئة التدريسية كذلك بما يمتمك الطالب بوصفو مدخال ميما
في النظام التعميمي من مقدرة عمى استيعاب المعرفة والتعمم الذاتي واكتساب الميارات...الخ ) .
)4إن نجاح مؤسسات التعميم العالي في تحديد مرتكزات جودة أنشطتيا يعد تمييداً العتمادىا مدخالً وقائي ًا
يعتمد فكرة (إعمموُ صحيحاً منذ البدء وفي كل مرة .)Do It Right From The First And Keep Onفي
إطار مشاركة واسعة من قبل المعنيين تستمد فكرتيا من شعار (الجودة مسؤولية الجميع Quality Is Every
.)Body Responsibility
)5يمكن مفيوم ضمان الجودة من وضع أسس لمتحسين المستمر Continues Improvementبوصفو
أداة ميمة في رفع مستوى جودة أنشطة التعميم العالي ،مع عدم إغفال ما يوفره التحسين المتسارع
Improvement Breakthroughمن قدرة عمى كسب خطوات النجاح عمى نحو مضطرد األمر الذي يتوافق
مع مؤسسات التعميم العربية التي تحاول أن تع تمد مبدأ المنافسة المعتمدة عمى الجودة ( Quality Based
. )Competition
33
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
الهوامش:
)*( ىو أمريكي يسمي بأبي الجودة ،قام بتعميم المنتجين اليابانيين عمى كيفية تحويل السمع الرخيصة والرديئة إلى سمع ذات جودة
ئل (ديمنج) عن سبب نجاح إدارة عالية ،حيث تم بالفعل تسجيل أفضمية لمسمع اليابانية عمى المنتجات األمريكية ،وعندما ُس َ
الجودة الشاممة في اليابان بدرجة أكبر من الواليات المتحدة قال" :الفرق في عممية التنفيذ ،أي تجسيد إدارة الجودة الشاممة
وتطبيقاتيا".
1- K. Ishihara, « maitriser la qualité : méthodologie de gestion », édition Mare Nostrum, paris,
1996, p10.
- 2الياللي ،الياللي الشربيني» إدارة الجودة الشاممة في مؤسسات التعميم الجامعي والعالي :رؤية مقترحة« ،مجمة كمية التربية
بالمنصورة ،كمية التربية جامعة المنصورة ،العدد (.1998 .)37ص .152
- 3القحطاني ،سالم بن سعيد» إدارة الجودة الكمية وامكانية تطبيقيا في القطاع الحكومي« ،مجمة التنمية اإلدارية ،العدد
(.)78الكويت .1993 .ص .17
- 4بن سعيد ،خالد بن سعد عبد العزيز » ،إدارة الجودة الشاممة تطبيقات عمى القطاع الصحي« ،العبيكان لمطباعة والنشر.
الرياض .1997.ص.49-48
- 5النجار ،فريد ارغب » ،إدارة الجامعات بالجودة الشاممة « ،أميرال لمنشر والتوزيع ،القاىرة .1999 .ص .73
)**(عالم أمريكي و مدير معيد جوران لمجودة .
- 6فيميب انكستون» التغيير الثقافي في األساس الصحيح إلدارة الجودة الشاممة « ،ترجمة عبد الفتاح السيد النعمان ،الدار
المبنانية المصرية 1995ص.38
7- Hixon, J.and K.lovelace,« Total Quality Management Challenge to Urban School », Education
Leadership, 50(3). 1992.P.6-24.
)***( أحد مستشاري الجودة عمى المستوى العالمي .انظر ىنا :
Crosby, ph. B,« Quality is free: the Art of Making Quality certain », Mc Graw-Hill Book Co.
New York: 1979, p 19.
- 8الدراكة ،مأمون وطارق أل الشبمي » ،الجودة في المنظمات الحديثة« ،دار صفاء لمنشر ،عمان.2112 .ص .51
- 9خميل أحمد السيد ،وابراىيم عباس الزىيري » ،اإلدارة التعميمية في الوطن العربي في عصر المعمومات« ،المؤتمر السنوي
التاسع ،دار الفكر العربي ،القاىرة 2111،ص .312
10- David, B., & Harold, T,« Quality in Higher Education », (Vol. 6): Routledge, part of the
Taylor & Francis Group. 2000.
Davis, D. J., & Ringsted, C,« Accreditation of undergraduate and graduate medical education:
how do the standards contribute to quality? », Adv Health Sci Educ Theory Pract, 11(3), 2006.pp
305-313.
11- National Quality Assurance and Accreditation,« The Quality Assurance and Accreditation
)Handbook », National Quality Assurance and Accreditation. (2004
-12مصطفي أحمد و محمد األنصاري » ،برنامج إدارة الجودة الشاممة وتطبيقاتيا في المجال التربوي« ،قطر ،المركز
العربي لمتدريب التربوي لدول الخميج. 2112 .ص .57-51
-13عقيمي عمر وصفي » ،المنيجية المتكاممة إلدارة الجودة الشاممة « ،دار وائل ،عمان 2111 .ص .58
-14وارين شميث وجيروم فانجا » ،مدير الجودة الشاممة ،ترجمة محمود عبد الحميد مرسي « ،دار آفاق لإلبداع العالمية لمنشر
واإلعالم ،الرياض ،السعودية 1997 ،ص . 41
-15نشير ىنا الى أن :نظام الجودة – االيزو : 9111وىو مصطمح عام لسمسمة من المعايير التي تم وضعيا من قبل الييئة
الدولية لممواصفات القياسية ) ISO ( International Standardization Organizationلتحديد أنظمة الجودة التي ينبغي
34
عدد -23ديسمبر 3103 التواصل في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
أن تطبقيا عمى القطاعات الصناعية والخدمية وكممة إيزو مشتقة من كممة يونانية تعنى التساوي ،والرقم 9111ىو رقم
اإلصدار الذي صدر تحتو المعيار او المواصفة ،وقد نالت مواصفة االيزو 9111منذ صدورىا عام 1987اىتماما بالغا لم تنمو
مواصفة قياسية دولية من قبل ،وتنقسم مطالب أنظمة الجودة ايزو 9111الى ثالث مستويات ىى:
)1نظام إيزو : 9111ويختص بالمؤسسات التي تقوم بالتصميم والتطوير واإلنتاج والخدمات.
)2نظام إيزو :9112ويختص بالمؤسسات التي تقوم باإلنتاج والخدمات ،وحيث ان المدارس ال تقوم بتصميم المناىج فيي ال
تخضع لنظام المواصفة إيزو . 9112
)3نظام إيزو :9113ويختص بالورش الصغيرة فيي ال تصمم منتجاتيا وتقوم بعممية التجميع [ .ولقد تبنت ىذه المواصفات
أكثر من 131دولة ] .
35