حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫ترجمات‬

‫الدعوة إىل تصفية الدين‬


‫حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية‬
‫العثمانية القرن السابع عشر امليالدي‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أحمــد يشــار أوجاق‬

‫ترجمة‪:‬‬

‫رامــي إبراهيــم البنا‬

‫‪All rights reserved © 2018‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة © ‪2018‬‬


‫الدعوة إىل تصفية الدين‬
‫حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية‬
‫(‪)1‬‬
‫العثمانية القرن السابع عشر امليالدي‬

‫(‪)2‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬أحمــد يشــار أوجاق‬

‫ترجمة‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫رامي إبراهيم البنا‬

‫‪(1) TürkKültürüArastırmaları, XVII-XXI (1984), s, 208-225.‬‬


‫(‪ )2‬األســتاذ الدكتــور أحمــد يشــار أوجــاق؛ حصــل عــى الليســانس مــن كليــة اإللهيــات جامعــة مرمــرة يف‬
‫الفــرة (‪ ،)1967-1963‬وحصــل عــى ليســانس آخــر مــن قســم التاريــخ مــن كليــة اآلداب جامعــة إســتانبول‬
‫يف الفــرة (‪ ،)1971-1967‬وبعــد ذلــك ُعـ ِّـن يف كليــة التعليــم يف جامعــي حاجــي تبــه يف الفــرة (‪،)1974-1972‬‬
‫حصــل عــى الدكتــوراه مــن جامعــة سرتاســبورغ يف الفــرة (‪ ،)1976-1974‬وتــدرج يف الوظائــف األكادمييــة حتى‬
‫أصبــح أســتاذا دكتــو ًرا (بروفيســور) ســنة ‪1988‬م‪ ،‬لــه مؤلفــات عديــدة يف التاريــخ العثــاين منهــا "امللحــدون‬
‫والزنادقــة يف اإلمرباطوريــة العثامنيــة مــن القــرن الخامــس عــر إىل القــرن الســابع امليــادي" ومقــاالت عــدة‬
‫يف مجــات دوليــة‪ ،‬بجانــب ذلــك أرشف عــى عــدة رســائل ماجســتري ودكتــوراه‪ ،‬وهــو إىل اآلن ميــارس أنشــطته‬
‫األكادمييــة يف جامعــة حاجــي تبــه بأنقــرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬محارض بقسم العلوم اإلسالمية‪ ،‬كلية اإللهيات‪ ،‬جامعة نوشهري‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫الفهرس‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫امللخص ‪..................................................................................................................‬‬

‫‪5‬‬ ‫مقدمة املترجم ‪.................................................................................................‬‬

‫‪7‬‬ ‫املقال ‪.....................................................................................................................‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪ -1‬حقيقة حركة قايض زاده والبيئة التي خرجت منها ‪....................................................‬‬

‫‪ -2‬محمد أفندي الربكوي وأول محاولة لحركة تدعو لتنقية وتصفية الدين يف‬
‫‪9‬‬ ‫اإلمرباطورية العثامنية ‪...................................................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪ -3‬محمد أفندي زاده وبداية حركة قايض زاده ‪..............................................................‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪-4‬الصوفيون الذين خرجوا ملواجهة قايض زاده‪ ،‬والشيخ عبد املجيد السيوايس ‪.................‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪ -5‬إنهاء الدولة‪ ،‬الرصاع بني قايض زاده والسيوايس بشكلٍ مؤقت ‪....................................‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪ -6‬توسع حركة قايض زاده وانتقالها إىل ساحة الفعل ‪.....................................................‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪ -7‬محمد أفندي األسطواين وحركة قايض زاده ‪................................................................‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪ -8‬تدخل محمد باشا الكوبرليو نهاية حركة قايض زاده ‪...................................................‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪ -9‬نتيجة البحث ‪...........................................................................................................‬‬

‫‪27‬‬ ‫املراجع ‪...................................................................................................................‬‬


‫امللخص‪:‬‬

‫تكمــن أهميــة الورقــة التــي بــن أيدينــا يف عــدة نقــاط‪ ،‬أولهــا‬


‫أنهــا متثّــل إحــدى حلقــات هــذا التأثــر التــي أتــت بعــد ابــن تيميــة‬
‫أيضــا‪ ،‬مــا‬
‫بقــرون‪ ،‬وكان ذلــك قبــل قيــام الحركــة الوهابيــة بقليــل ً‬
‫يثــر تســاؤالت عــن التأثــر والتأث ّــر بــن حركــة قــايض زاده عــى‬
‫ســبيل املثــال والحركــة الو ّهابيــة التــي أتــت بعدهــا‪ ،‬ثــاين هــذه‬
‫النقــاط هــي أن املقالــة التــي بــن أيدينــا تتنــاول مســاحة مــن‬
‫التاريــخ تــكاد أن تكــون مجهولــة بالنســبة لنــا نحــن العــرب‪ ،‬وهــذا‬
‫حــال الفــرة العثامنيــة بالنســبة ألكرثنــا‪ ،‬وكان أحــد أســباب هــذا‬
‫البعــد هــو حاجــز اللغــة‪ ،‬إضافــة إىل جهلنــا بالفــرة العثامنيــة فــإن‬
‫هنــاك عــدة مفاهيــم وتصــورات مســيطرة عــى عقــول الباحثــن عــن‬
‫هــذه الفــرة‪.‬‬
‫وتــرز الدراســة بطريــق غــر مبــارش أن الديــن والســلطة صنــوان‬
‫يجتمعــان ويســتعمل كل منهــا اآلخــر‪ ،‬وأن التاريــخ يف كثــر مــن‬
‫األحــوال ال يختلــف عــن الواقــع املعــارص‪ ،‬فهــو يف كثــر مــن مشــاهده‬
‫رصاعــات طائفيــة ودينيــة وسياســية ونزاعــات تخفــو وتخبــت أحيانًــا‬
‫رأســا عــى ع ِقــب‪.‬‬
‫وتظهــر وتقــوى أحيانًــا وقــد تقلــب حــال النــاس ً‬

‫‪4‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫مقدمة املترجم‬
‫كان ظهـــور ابـــن تيميـــة يف العـــر اململـــويك نقطـــة فارقـــة يف التاريـــخ اإلســـامي‪ ،‬فبغـــض‬
‫النظ ــر ع ــن املحت ــوى الفك ــري ال ــذي حمل ــه الرج ــل فإن ــه ق ــد أث ّــر تأثــ ًرا ظاهــ ًرا وب ــارزًا في ــا‬
‫بع ــده‪ ،‬وت ــوزّع ه ــذا التأث ــر يف ع ــدة اتجاه ــات‪ ،‬مل ينح ــر ع ــى أتباع ــه ومؤيدي ــه فق ــط‪ ،‬ب ــل‬
‫أيض ــا كالعل ــاء الذي ــن رفض ــوا أن‬ ‫تعــ ّدى ه ــذا التأث ــر إىل خصوم ــه وم ــن ه ــم ع ــى الحي ــاد ً‬
‫يدخل ــوا ه ــذا الس ــجال أو املع ــارك الت ــي أثاره ــا اب ــن تيمي ــة‪ ،‬أم ــا أتب ــاع اب ــن تيمي ــة فإنه ــم‬
‫وأص ــل له ــا تأصي ــا عميق ــا يف كتبه ــم‬ ‫ق ــد تلقف ــوا املوضوع ــات الت ــي أثاره ــا الرج ــل وق ّع ــد له ــا ّ‬
‫ورس ــائلهم‪ ،‬بحث ــا وتلخيص ــا وتنقيح ــا وتحقيق ــا‪ ،‬وأم ــا أع ــداؤه فإنه ــم ق ــد اســتُنفروا يك ي ــر ّدوا‬
‫را ع ــى الس ــت‬ ‫ع ــى تل ــك األف ــكار بنف ــس طريق ــة اب ــن تيمي ــة‪ ،‬وه ــل كان ه ــذا األم ــر مقتــ ً‬
‫عق ــود الت ــي عاش ــها اب ــن تيمي ــة‪ ،‬بالطب ــع ال؟‪ ،‬ب ــل اس ــتم ّر تأث ــر الرج ــل س ــلبًا وإيجابً ــا فيم ــن‬
‫جـــاء بعـــده قرونًـــا وقرونًـــا إىل يومنـــا هـــذا‪ ،‬وهـــذا التأثـــر ال يســـتطيع أن ينكـــره أحـــد مـــن‬
‫الباحث ــن يف الدراس ــات العربي ــة‪.‬‬
‫تكم ــن أهمي ــة الورق ــة الت ــي ب ــن أيدين ــا يف ع ــدة نق ــاط‪ ،‬أوله ــا أنه ــا متثّ ــل إح ــدى حلق ــات‬
‫ه ــذا التأث ــر الت ــي أت ــت بع ــد اب ــن تيمي ــة بق ــرون‪ ،‬وكان ذل ــك قب ــل قي ــام الحرك ــة الوهابي ــة‬
‫أيضـــا‪ ،‬مـــا يثـــر تســـاؤالت عـــن التأثـــر والتأث ّـــر بـــن حركـــة قـــايض زاده عـــى ســـبيل‬ ‫بقليـــل ً‬
‫املث ــال والحرك ــة الو ّهابي ــة الت ــي أت ــت بعده ــا‪ ،‬ث ــاين ه ــذه النق ــاط ه ــي أن املقال ــة الت ــي ب ــن‬
‫أيدين ــا تتن ــاول مس ــاحة م ــن التاري ــخ ت ــكاد أن تك ــون مجهول ــة بالنس ــبة لن ــا نح ــن الع ــرب‪ ،‬وه ــذا‬
‫حـــال الفـــرة العثامنيـــة بالنســـبة ألكرثنـــا‪ ،‬وكان أحـــد أســـباب هـــذا البعـــد هـــو حاجـــز اللغـــة‪،‬‬
‫إضاف ــة إىل جهلن ــا بالف ــرة العثامني ــة ف ــإن هن ــاك ع ــدة مفاهي ــم وتص ــورات مس ــيطرة ع ــى عق ــول‬
‫الباحث ــن ع ــن هـــذه الف ــرة‪ ،‬مـــن بينه ــا مث ــا ه ــو س ــيطرة العقـــل املاتري ــدي الص ــويف ط ــول‬
‫العه ــد العث ــاين‪ ،‬والورق ــة الت ــي ب ــن أيدين ــا ‪-‬والت ــي كان ــت بالنس ــبة يل صيــ ًدا مثي ًن ــا‪ -‬تق ــول ب ــأن‬
‫األمـــر ليـــس كـــا يب ــدو لنـــا‪ ،‬فق ــد طـــال االتج ــاه الس ــلفي ه ــذا العهـــد العث ــاين‪ ،‬بـــل متـــدد‬
‫وتو ّغ ــل إىل أن س ــيطر ع ــى الــراي العث ــاين وظل ــت بي ــده مقالي ــد األم ــور رد ًح ــا م ــن الزم ــن‪،‬‬
‫فق ــد أصب ــح ق ــوة ال يس ــتهان به ــا‪ ،‬ال يقط ــع الس ــلطان العث ــاين رأيً ــا دون أخ ــذ رأيه ــم‪ ،‬يعيّن ــون‬
‫م ــن ش ــاءوا م ــن الوظائ ــف ويخلع ــون م ــن ش ــاءوا‪ ،‬م ــن األش ــياء الت ــي تقول ــه لن ــا ه ــذه الورق ــة‬
‫بطري ــق غ ــر مب ــارش ه ــو أن الدي ــن والس ــلطة صن ــوان يجتمع ــان ويس ــتعمل كل منه ــا اآلخ ــر‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫وأن التاري ــخ يف كث ــر م ــن األح ــوال ال يختل ــف ع ــن الواق ــع املع ــارص‪ ،‬فه ــو يف كث ــر م ــن مش ــاهده‬
‫رصاعــات طائفيــة ودينيــة وسياســية ونزاعــات تخفــو وتخبــت أحيانًــا وتظهــر وتقــوى أحيانًــا وقــد‬
‫رأس ــا ع ــى ع ِق ــب‪ ،‬تق ــول الورق ــة ب ــأن مث ــل ه ــذه النزاع ــات ق ــد يك ــون ال‬‫تقل ــب ح ــال الن ــاس ً‬
‫طائ ــل م ــن ورائه ــا‪ ،‬وأن أم ــو ًرا صغ ــرة ق ــد ال تك ــون م ــن أص ــول الدي ــن الت ــي ين ــاز به ــا املؤم ــن‬
‫م ــن غ ــره‪ ،‬تك ــر ه ــذه األم ــور وتصب ــح ح ــدو ًدا فاصل ــة وثواب ــت ال غن ــى عنه ــا‪ ،‬وكل ه ــذا ق ــد‬
‫يك ــون بفع ــل السياس ــة والس ــلطان‪ ،‬س ــواء أكان ه ــذا الس ــلطان متمث ــا يف الطوائ ــف الديني ــة الت ــي‬
‫أظه ــرت لن ــا الورق ــة أنه ــم ال يقل ــون كثــرا ع ــن الس ــلطان الس ــيايس‪ ،‬أو كان الس ــلطان الس ــيايس‬
‫الع ــادي ال ــذي ال يخل ــو من ــه زم ــان وال م ــكان‪.‬‬
‫ال يقت ــر هن ــا الباح ــث ع ــى رسد األح ــداث ب ــل أث ــار ع ــدة تس ــاؤالت م ــن وراء ه ــذا البح ــث‪،‬‬
‫عــن الدولــة العثامنيــة والضعــف والوهــن الــذي نشــأ يف مراحــل مبكــرة منهــا وليــس يف الســنوات‬
‫األخ ــرة ك ــا ه ــو مش ــهور‪ ،‬ع ــن العل ــاء الس ــاكتني ع ــن الفتن ــة الت ــي أث ــرت ب ــن حرك ــة ق ــايض‬
‫زاده وب ــن تي ــارات التص ــوف‪ ،‬مل ــاذا س ــكتوا ع ــن ه ــذه الفتن ــة؟ وم ــا التفســرات لذل ــك؟ ع ــن‬
‫الس ــلطان مل ــاذا ت ــرك ه ــذه الحرك ــة تتح ّك ــم يف أم ــور ال ّدول ــة كيف ــا ش ــاءت؟‬
‫لقـــد كان هـــديف كمرتجـــم لهـــذا البحـــث أن أحمـــل أفـــكار الباحـــث كـــا هـــي إىل القـــارئ‪،‬‬
‫ومهم ــة املرت ِج ــم ليس ــت مهم ــة س ــهلة؛ إذ يق ــع ع ــى عاتق ــه نق ــل أف ــكار الباح ــث بأمان ــة إىل‬
‫لغ ــة الق ــارئ دون أن يشْ ـ ُعر الق ــارئ أن لغ ــة البح ــث األص ــي لغ ــة بعي ــدة وغريب ــة عن ــه‪ ،‬إضاف ــة‬
‫إىل ه ــذا ف ــإن تس ــليط الض ــوء ع ــى نق ــاط االلتق ــاء واالفــراق ب ــن السياس ــة والدي ــن يف التاري ــخ‬
‫إح ــدى هموم ــي وهم ــوم الباحث ــن يف واقعن ــا املع ــارص؛ ل ــذا وق ــع اختي ــاري ع ــى ه ــذا البح ــث‬
‫أيض ــا ه ــو محاول ــة جم ــع م ــا تف ـ ّرق م ــن الخريط ــة‬
‫للرتجم ــة‪ ،‬وق ــد يك ــون م ــن أه ــدايف كمرتج ــم ً‬
‫اإلس ــامية وإرجاع ــه إىل حال ــه قدميً ــا‪ ،‬وتوضيـــح ‪-‬للق ــارئ العزي ــز‪ -‬أن األم ــر قدميً ــا لي ــس ك ــا‬
‫نتص ــور‪ ،‬ف ــا كان يح ــدث يف الش ــام كان يص ــل إىل إس ــتانبول‪ ،‬وم ــا كان ي ــذاع يف م ــر يحمل ــه‬
‫الس ــلطان إىل نج ــد وهك ــذا‪.‬‬
‫أخ ـ ًرا ال أن ــى أن أش ــكر العالم ــة الربوفيس ــور الدكت ــور أحم ــد يش ــار أوج ــاق ال ــذي مل ي ــردد يف‬
‫زالت وأخط ــا ٍء‬
‫ج ــوايب‪ ،‬وإعط ــايئ إذنً ــا برتجم ــة مقال ــه الرص ــن‪ ،‬ك ــا أمت ّن ــى للق ــارئ أن يعف ــو ع ــن ٍ‬
‫مالزمــ ٍة لبن ــي الب ــر‪ ،‬ويُ ــر ِد َف ذل ــك بالنص ــح والتعقي ــب والتصحي ــح‪ ،‬والل ــه م ــن وراء القص ــد‪،‬‬
‫وه ــو حس ــبنا ونع ــم الوكي ــل‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫املقال‬

‫‪ -1‬حقيقة حركة قاضي زاده والبيئة التي خرجت منها‪:‬‬


‫أثنــاء اإلمرباطوريــة العثامنيــة يف القــرن الســابع عــر امليــادي‪ ،‬وابتــداء مــن عهــد الســلطان مـراد‬
‫الرابــع ‪1640-1623‬م وكذلــك يف ســلطنة محمــد الرابــع ‪1687-1648‬م‪ ،‬حتــى الســنة الثامنــة من هذه‬
‫رأس هذه الحركــة واعظًا‬
‫الفــرة‪ ،‬نشــأت حركــة تدعــو إىل تصفيــة الديــن مــن البــدع واملح َدثــات‪ ،‬وكان ُ‬
‫بإســتانبول اســمه محمــد أفنــدي قــايض زاده‪ ،‬واكتســبت الحركــة هــذا فأصبحــت حركــة قــايض زاده‪.‬‬
‫إذن فبالنظــر ألول وهلــة يتبــن لنــا أن حركــة قــايض زاده هــي الدعــوة إىل العــودة إىل املرجــع‬
‫األصــي إىل عــر النبــي عليــه الصــاة والســام‪ ،‬وهــذا يعنــي أن هدفهــا كان تصفيــة وتنقيــة الديــن‬
‫مــن كل مــا كان خار ًجــا عــن الكتــاب والســنة مــن بــدع ومحدثــات‪ ،‬وليــس مــن العســر علينــا‬
‫العثــو ُر عــى حــركات مشــابهة لهــذه الحركــة‪ ،‬فــإذا أمع َّنــا النظــر وجدنــا مثــل هــذه الحــركات تكــون‬
‫حينــا تكــون املجتمعــات اإلســامية يف حالــة مــن االنحــدار االجتامعــي والســيايس‪ ،‬وهــذا ليــس مــن‬
‫قبيــل الصدفــة؛ ألن املجتمعــات اإلســامية حينــا تقــع يف هــذا االنحــدار االجتامعــي والســيايس فــإن‬
‫ـباب للنجــاة مــن هــذا الهبــوط واالنحــدار‪،‬‬
‫هــذا يكــون ســب ًبا يف نشــوء مجموعــات للبحــث عــن أسـ ٍ‬
‫وهــذه النجــاة تتمثــل يف الرجــوع إىل املصــدر األصــي والشــكل األول للديــن‪.‬‬
‫ومــن الجديــر بالذكــر القــول بــأن حركــة ابــن تيميــة ت‪1328 .‬م مبذهبــه الحنبــي((( مــع مــا لهــا‬
‫مــن امتــدادات يف يومنــا الحــارض‪ -‬ت ُعتــر أهـ َّم وأقــدم حركــة تنقيــة للديــن اإلســامي‪.‬‬
‫ـت اســتيالء املغــول‪ ،‬وقــد كان هــذا‬ ‫ويف القــرن الثالــث العــارش امليــادي‪ ،‬كان العــامل اإلســامي تحـ َ‬
‫ســببًا يف دخــول املجتمعــات اإلســامية يف انحــدا ٍر ســيايس واجتامعــي مل ُيــح أث ـ ُره حتــى اآلن‪ ،‬وقــد‬
‫تجــى ردود فعــل هــذا يف الحــركات الســلفية التــي ابتدأهــا ابــن تيميــة‪ ،‬ويف القــرن الســادس عــر‬
‫امليــادي كانــت توجــد حركــة الربكــوي يف اإلمرباطوريــة العثامنيــة‪ ،‬ويف القــرن الســابع عــر نشــأت‬
‫مــن عباءتهــا حركــة قــايض زاده والتــي ســنتناولها يف بحثنــا‪ ،‬كــا تلتهــا الحرك ـ ُة الوهابيــة يف القــرن‬

‫((( انظر‪:‬‬
‫‪W. Montogomry Watt, Islamic Philosophy and Theology, Edinbourg 1962. P. 159-167; Henri Laoust,‬‬
‫‪Les Schismesdansl’Islam, Paris 1956, p.266-276; Henri Laoust, “ibn Tayimyya”, EI2, Harun Han Şirvanî,‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪Islâm’daSiyâsiDüşnceveİdare, Çev: Kemal Kuşçu, İstanbul 1956, s. 115-125.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫الثامــن عــر‪ ،‬ثــم اســتمر هــذا الخــط حتــى جــال الديــن األفغــاين ت‪ 1897 .‬ومحمــد عبــده ت‬
‫را أساسـ ًّيا ومكونًــا ها ًّمــا يف التاريــخ الفكــري‬
‫‪ ،1905‬وهــؤالء تأثريهــم ال يـزال ظاهـ ًرا وأصبحــوا عنـ ً‬
‫والســيايس الحــارض‪.‬‬
‫إن حركــة قــايض زاده نشــأت يف مرحلــة تدهــور شــديد لإلمرباطوريــة العثامنية‪ ،‬هــذا التدهور الذي‬
‫بــدأ يف القــرن الســادس عــر‪ ،‬ثــم ظهــر جل ًّيــا يف القــرن الســابع عــر؛ حيــث وقعــت اإلمرباطوريــة‬
‫يف اضطرابــات شــديدة عــى كافــة املســتويات؛ املســتوى الســيايس واإلداري واالجتامعــي واالقتصــادي‪،‬‬
‫أيضــا؛ مــن زيــادة عــدد الســكان‪ ،‬والتخ ُّبــط والفســاد اإلداري والســيايس‪.‬‬
‫وكان لهــذا الــر ِّدي أســبابُه ً‬
‫رأســا عــى عقب‪،‬‬ ‫هــذا أدى إىل وجــود حــركات عصيــان داخليــة عنيفــة كثــرة كادت تقلــب النظــام ً‬
‫وكان هــذا متمثـ ًـا يف عرص الســلطان عثامن الثاين ‪ ،1622-1618‬ومصطفــى األول ‪ ،1623-1622‬وحينام‬
‫تــوىل مـراد الرابــع ســنة ‪ 1623‬وقــد كان شــابًّا فت ًّيــا واجــه هــذه املشــكالت الداخليــة والخارجيــة يف‬
‫آنٍ ‪ ،‬وقــد اســتغرق منــه هــذا تسـ َع ســنوات‪ ،‬فوثَّــق ملكــه وإدارتــه ووضــع يــده عــى مفاصــل الدولــة‪،‬‬
‫ورغــم هــذا االســتقرار النســبي الــذي حظــي بــه مـراد الرابــع إال إن هــذا ال مينــع وجــود املشــكالت‬
‫نفســها التــي مل ت ُحــل بعــد‪ ،‬لكــن األمــر هنــا أن هــذه املشــكالت قــد تــم تأخ ُريهــا بشــكل مــا‪ ،‬ولــذا‬
‫ظهــرت مــرة أخــرى جليًّــا يف العهــود التاليــة مثــل عهــد الســلطان إبراهيــم ‪ 1648-1640‬ومحمــد‬
‫(((‬
‫ـأي حــال مــن األحــوال‪.‬‬‫الرابــع ‪ ،1687-1648‬وهــؤالء مل يســتطيعوا أن يتخطَّــوا هــذه املشــكالت بـ ِّ‬
‫إن هــذا االنحــدار الظاهــر يف مختلــف املشــاهد ســوا ٌء الفســاد أو الفــوىض التــي كانــت تحــدث يف‬
‫ـكل قــوي‪ ،‬فقــد كان هــذا االنحــدا ُر‬
‫اإلدارة كان يتبعــه حــركاتٌ إصالحيــة تنويريــة أثــرت يف النــاس بشـ ٍّ‬
‫باعثًــا قويًّــا لرجــال الدولــة وعلامئهــا ‪-‬حتــى جامعــات التصــوف‪ -‬ملحاولــة فهــم أســباب هــذا االنحدار‬
‫والســعي يف إيجــاد حلــو ٍل لــه‪ ،‬وقــد كان مــن هــؤالء عــى ســبيل املثــال كوتشــو بــك‪ ،‬وقــد كان يعــد‬
‫أحـ َد رجــال اإلدارة املهمــن‪ ،‬فقــد كان يــرى أن املشــكل َة تكمــن يف النظــام العســكري واإلداري للدولة‪،‬‬
‫(((‬
‫فســعى يف القضــاء عــى الفســاد املوجــود بهــا‪ ،‬وقــد ذكــرت لنــا املصــادر أمثلـ ًة كثــرة عــى هــذا‪.‬‬

‫((( لالطالع عىل هذه األحداث وأخذ معلومات عنها ينظر‪:‬‬


‫‪HakkıUzunçarşılı, OsmanliTarihi, Ankara 1951 3/228-349, 375-470; Mustafa Akdağı, Anadulu-‬‬
‫‪HalkinDirlikveDüzenlikkavgası: Celâliİsyanları, Istanbul 1975, 2 bs; HalilInanlcılık, The Ottoman Em-‬‬
‫‪pire Classical Age, Londra, 1973, s.41-52; Stanford J. Shaw, History of The Ottoman Empire and Mod-‬‬
‫‪ern Turkey, Cambridge 1977, I, 169-200‬‬
‫((( انظر عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫‪KoçiBeyRisalesi, Istanbul 1303, Matbaa-iEbuzziya‬‬ ‫‪8‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫ومــا يذكــر يف هــذا الســياق أيًضــا كاتــب شــلبي الــذي كان رجــل فكــر مــن الطـراز الرفيــع يف هــذا‬
‫أيضــا إليجــاد حـ ٍّـل لهــذا املــرض الــذي حــل باإلمرباطوريــة‪ ،‬فإنــه رأى أن هــذا‬
‫العــر‪ ،‬وقــد ســعى ً‬
‫(((‬
‫ـرض كامـ ٌن يف العنــر االجتامعــي‪ ،‬وجــاءت مؤلفاتــه ناطقــة بهــذا‪.‬‬ ‫املـ َ‬
‫ومل يقتــر الســعي يف إيجــاد حــل لهــذا املــرض عــى رجــال الدولــة والفكــر‪ ،‬وإمنــا تخطــى هــذا إىل‬
‫جامعــات دينيــة ســعت وف ًقــا ملــا تــرى يف الخــروج مــن هــذه األزمــة‪ ،‬فالقــوة والحيويــة التــي فقدتهــا‬
‫األمــة مــن زمــن بعيــد‪ ،‬كان ســببها –كــا رأى ســبعون واعظًــا تخرجــوا مــن املــدارس الدينيــة(((‪-‬‬
‫الرئيــس هــو البعــد عــن القــرآن والســنة والوقــوع يف ضــال البــدع واملحدثــات‪ ،‬والســبيل الوحيــد‬
‫للخــروج مــن هــذه األزمــة هــو تصفيــة وتنقيــة فكــر هــذه األمــة مــا وقعــت فيــه مــن أنــواع البــدع‬
‫والضــاالت‪ ،‬وهــذا ســبيله الوحيــد يكــون بطريــق الدولــة‪ ،‬وقــد خــرج مــن هــؤالء محمــد أفنــدي‬
‫قــايض زاده وجامعتــه‪.‬‬
‫ومل يكــن فكــر قــايض زاده وجامعتــه جديـ ًدا آنــذاك‪ ،‬وإمنــا كان قبلــه محمــد أفنــدي الربكــوي الــذي‬
‫عــاش يف عــر الســلطان ســليامن القانــوين يعتنــق نفــس الفكــر‪ ،‬ولهــذا فإننــا يك نفهــم حركــة قــايض‬
‫زاده ال بــد علينــا أوال أن نعـ ِّرج بشــكل مختــر عــى محمــد أفنــدي الربكــوي‪.‬‬

‫‪ -2‬محمــد أفنــدي البركــوي وأول محاولــة لحركــة تدعــو لتنقيــة‬


‫وتصفيــة الديــن يف اإلمبراطوريــة العثمانيــة‪:‬‬
‫يف مرحلــة تعتــر أقــوى مراحــل الدولــة العثامنيــة مــن الناحيــة السياســية والعســكرية‪ ،‬وكذلــك‬
‫أول محاول ــة لوض ــع حل ــول ع ــى املس ــتوى االجتامع ــي واالقتص ــادي‪ ،‬يف عه ــد الس ــلطان س ــليامن‬

‫((( انظــر‪( KâtipÇelebi, Düstûru’l-Amel li-Islâhi’lHalel, Istanbul 1280 :‬مــع رســالة عــي أفنــدي)؛ وقــد تتلخــص‬
‫نظرتهــم يف الخــاص مــن هــذا االنحــدار الــذي كان آنــذاك‪ ،‬فيــا يقــال يف زمننــا اليــوم‪ ،‬وهــي وجــوب النظــرة األصوليــة لألمــور‪،‬‬
‫هــؤالء ‪ -‬وبفضــل تقــدم الدراســات التاريخيــة الحديثــة ومــا وصلــت إليهــا مــن نتائــج ‪ -‬بســبب مــا كان لديهــم مــن الفكــرة‬
‫الشــمولية للمجتمــع‪ ،‬نُظــر إىل هــذا االنحــدار الــذي أصــاب املجتمــع بنظــرة ضيقــة ومــن وجهــة واحــدة يف نفــس الوقــت‪ ،‬حتــى‬
‫أوروبــا يف هــذا الوقــت مل تســتطع أن تش ـخِّص املــرض الــذي حــل باإلمرباطوريــة العثامنيــة آنــذاك‪ ،‬ولهــذا فــإن الحلــول التــي‬
‫ـام قديــم‪ ،‬وأنهــا بُع ِثــت مــن جديــد يف عرصنــا الحــارض‪،‬‬
‫وردت يف الكتــب القدميــة ســالفة الذكــر‪ ،‬تبقــى أنهــا حلــول نشــأت يف نظـ ٍ‬
‫وهــذا لــن يــأيت بنتيجــة مرجـ ّوة‪.‬‬
‫((( وقــد أومــأ كاتــب شــلبي يف رســالته املس ـاَّة مبي ـزان الحــق‪ ،‬كــا ســيأيت أســفله‪ ،‬أن هــذه املــدارس يف القــرن الســابع عــر‬
‫‪9‬‬ ‫امليــادي‪ -‬إىل فســادها وعــدم كفاءتهــا‪ ،‬انظــر ص ‪.10 ،9‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫القان ــوين ‪ 1566-1520‬نش ــأ محم ــد أفن ــدي الربك ــوي(((‪ ،‬وه ــو يعت ــر أول رج ــل دعـــا إىل تنقي ــة‬
‫الدي ــن وتصفيت ــه م ــن الب ــدع واملحدث ــات واالقتص ــار ع ــى الكت ــاب والس ــنة‪ ،‬ورد كل م ــا س ــواهام‬
‫يف اإلمرباطوري ــة العثامني ــة‪.‬‬
‫وقــد كان مفهــوم تنقيــة الديــن عنــد الربكــوي كــا ســيأيت بيانــه‪ ،‬بــا شــك جــاء متأث ـ ًرا بفكــر‬
‫ابــن تيميــة‪ ،‬وكــا أســلفنا الذكــر فــإن هــذا العــر شــهد كثـ ًرا مــن التخبطــات السياســية واإلداريــة‬
‫يف نظــام الحكــم العثــاين‪ ،‬كــا ال ننــى ال ـراع الــذي حــدث آنــذاك بــن األم ـراء أبنــاء الســلطان‬
‫ســليامن القانــوين‪ ،‬ومــا صحــب ذلــك مــن اســتغالل للســلطة مــن ِقبــل رجــال الدولــة‪ ،‬إضافــة إىل‬
‫حــركات العصيــان الداخليــة(((‪ ،‬فــا شــك أن كل هــذا أثــر يف فكــر الربكــوي تأثـ ًـرا كبـ ًـرا‪ ،‬وكــا نــرى‬
‫فــإن الربكــوي قــد ســعى أن يحــل هــذه املشــكالت‪ ،‬والتمــس هــذا اإلصــاح يف فكــر رجــا ٍل ســابقني‬
‫عليــه وعــى رأســهم ابــن تيميــة‪.‬‬
‫وبالرجــوع إىل املصــادر التــي بــن أيدينــا‪ ،‬فإننــا ســنجد رجـ ًـا عالــ ًـا مؤم ًنــا بنفســه قبــل أفــكارِه‪،‬‬
‫ـرص عــى‬ ‫لديــه الجــرأة يف عــرض مــا لديــه مــن أفــكار دون خجــل أو مواربــة‪ ،‬بنيــة حســنة وحـ ٍ‬

‫((( محمــد أفنــدي الربكــوي‪ ،‬ولــد يف مدينــة باليــك آســر ســنة ‪1520‬م وأخــذ العلــم عــن أبيــه أولً‪ ،‬وملــا رأى أبــوه محمــد أفنــدي‬
‫ذكاءه وموهبتــه أرســله إىل إســتانبول يك يكمــل تعليمــه هنــاك‪ ،‬ودخــل فــرة يف التصــوف وذاق التجرب ـةَ‪ ،‬وانتســب إىل الشــيخ‬
‫عبــد الرحمــن أفنــدي الكرمنــي مــن الطريقــة البرياميــة املالميــة‪ ،‬ولكــن ‪ -‬كــا تذكــر الروايــات ‪ -‬فإنــه رجــع عــن التصـ ُّوف ألنــه مل‬
‫يتحمــل رياضتهــم ومل يقبــل مســأل َة وحــدة الوجــود‪ ،‬ثــم إنــه بعــد ذلــك يبــدأ يف تدريــس العلــم يف إســتانبول‪ ،‬وبســبب مواجهتــه‬
‫يتع ـ َّرض للنفــي‪ ،‬ويف املحتمــل أنــه يف عهــد الســلطان ســليم الثــاين يطلــب عودتــه إىل إســتانبول‪ ،‬ليصلــح مــا رآه يف القــر ويف‬
‫إســتانبول مــن اعوجــاج‪ ،‬ثــم إن شــيخه عبــد اللطيــف أفنــدي ‪ -‬وهــو مــن نفــس بلدتــه ويف الوقــت نفســه كان أســتاذًا للســلطان‬
‫مدرســا‪ ،‬ويف ســنة ‪ 1573‬م وحتــى موتــه الــذي ســببه الوبــاء الــذي حــل يف البــاد آنــذاك‪ ،‬بقــي‬ ‫‪ -‬يعينــه يف املدرســة التــي صنعهــا ً‬
‫حريصــا عــى نــر أفــكاره‪ ،‬ولهــذا يُعــرف بالربكــوي أو اإلمــام الربكــوي‪ .‬وللتوســع يرجــى االطــاع‪:‬‬‫ً‬ ‫مدرســا يف هــذه املدرســة‪،‬‬
‫ً‬
‫‪Nev’izadeAtayı, Zyl-I Şakayık, Istanbul 1269.I 179. KâtipÇelebi, Mizanu’l-Hakkı fi İhtiyârîl-Ehakk, Is-‬‬
‫‪tanbul 1306.s. 120-125; BursalıM.Tahir, OsmanlıMüellifleri, İstanbul 1333, I, 253-255; Uzunçarşılı, III,‬‬
‫‪365; KasımKufralı,‬‬
‫وقد تناول حياة محمد أفندي الربكوي‪:‬‬
‫‪EmrullahYüksel, Les IdêsReligieuses et Controversessur la Bid’a en Turquie‬‬
‫وهي رسالة دكتوراه غري مطبوعة‪ ،‬باريس ‪1972‬م‪ ،‬وانظر أيضً ا‪:‬‬
‫‪Mehmet Şimşek, Les Controversessur La en Turquie‬‬
‫وهي رسالة دكتوراه غري مطبوعة أيضً ا باريس ‪1977‬م‪ ،‬ص ‪ ،54-51‬ومراجع أخرى‪.‬‬
‫((( لالطالع عىل هذه األحداث؛ يرجى االطالع عىل‪:‬‬
‫‪Uzunçarşılı, OsmanlıTarihi, Ankara 1964. 2 bs, II,345-361; HamiDanışmend, İzahlıOsmanlıTari-‬‬
‫‪hiKronolojisi, İstanbul, 1971, 2, H,121-328; İnanlcık, s.35-41; Shaw, I,81-111.‬‬ ‫‪10‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫منفعــة الخلــق(((‪ ،‬وقــد ُوفــرت لــه كثــر مــن اإلمكانــات حتــى يرقــى إىل أعــى املراتــب واملناصــب؛‬
‫أيضــا حيــث كان‬
‫مدرســا وشــي ًخا يف إســتانبول‪ ،‬وكان يف الوقــت نفســه قري ًبــا مــن الســلطان ً‬
‫فقــد كان ً‬
‫قري ًبــا مــن شــيخه‪.‬‬
‫وإذا نظرن ــا إىل حيات ــه فإن ــه ميكنن ــا الق ــول ب ــأن حيات ــه كله ــا ق ــد قضاه ــا يف العم ــل والتع ــب‬
‫دون ه ــوادة‪ ،‬وله ــذا أمثل ــة كث ــرة نراه ــا‪ ،‬فإن ــه مل يت ــوان يف النص ــح واإلرش ــاد حت ــى إىل الوزي ــر‬
‫األعظ ــم آن ــذاك س ــوكلو محم ــد باش ــا‪ ،‬فق ــد ق ــدم ل ــه النصيح ــة ع ــى عظ ــم مكانت ــه‪ ،‬مل ــا كان ي ـراه‬
‫م ــن تخب ــط يف اإلدارة‪.‬‬
‫باإلضافــة إىل هــذا ‪ -‬وقــد كان يحمــل هــم الديــن والنصــح لــه ‪ -‬فإنــه انتقــد علــاء عــره‬
‫أصحــاب املناصــب يف الدولــة(((‪ ،‬لقــد كان يؤمــن إميانًــا عمي ًقــا بــأن وظيفتــه هــي حاميــة الرشيعــة‪،‬‬
‫وبعبــارة كاتــب شــلبي‪:‬‬
‫"ولقــد دخــل يف عــب ٍء ثقيــل؛ حينــا تجــرأ عــى انتقــاد ومواجهــة أيب الســعود أفنــدي‪ ،‬رغــم مــا‬
‫كان يأتيــه مــن تحذيـرات بالرجــوع عــن ذلــك"(‪.((1‬‬
‫ومــا يُذكــر هنــا أنــه ألــف رســال ًة يف عــدم جــواز أخــذ أمئــة املســاجد األجــرة عــى النوافــل مــن‬
‫ـال أو مل ـكًا ونحــوه(‪ .((1‬ولــي ال تؤثــر‬
‫العبــادات‪ ،‬وأن مــا يــأيت مــن هــذا فهــو ح ـرام‪ ،‬ســواء أكان مـ ً‬
‫رســالة الربكــوي عــى النظــام املســتقر آنــذاك يف الدولــة‪ ،‬وتكــون ســب ًبا يف انقــاب مؤسســات الوقــف‬
‫رأســا عــى عقــب‪ ،‬رد أبــو الســعود أفنــدي عــى الربكــوي برســالة أخــرى بنفــس الطريقــة وبنفــس‬ ‫ً‬
‫(‪((1‬‬
‫الشــدة‪ ،‬وكســب املناظــرة‪.‬‬

‫((( انظر‪ .Kufralı, ‘Birgivi’, ÎA :‬ولالطالع عىل أفكار الربكوي يف شتى نواحي الفكر يرجى النظر؛‬
‫‪Yüksel, s. 90-207; Şimşek, s.51-54.‬‬
‫((( انظــر‪Inanlcık, s. 184 :‬؛ وفيــه يــرى أن الربكــوي ملــا كان يــرى مــا يقــع عليــه مــن مســؤولية اإلصــاح؛ تو َّجــب عليــه أن‬
‫يتعــرض لعلــاء الدولــة بالنقــد‪.‬‬
‫‪(10) KâtipÇelebi, Mîzan, s.125.‬‬
‫‪(11) Bkz:Birigivi,es-seyfü's-Sarim fi AdemiCevâzVakfi'n-Nükûdve’d-Derâhim, SüleymaniyeEsadEfendiKtp,‬‬
‫‪nr. 1581.‬‬
‫مخطوط الربكوي‪ :‬السيف الصارم يف عدم جواز وقف النقود والدراهم‪ ،‬املكتبة السليامنية مجموعة أسد أفندي‪.‬‬
‫‪(12) Kufralı, a.g.m.; CavidBaysun, ‘EbussuudEfendi’, IA.; İnalcık, a.ye.‬‬
‫‪11‬‬ ‫وللتوسع أيضً ا انظر إىل التعليق رقم ‪.6‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫ـرق ســواء أكانــت عرفًــا‬


‫هكــذا كان الربكــوي ضـ َّد هــذا األمــر ألنهــا بدعــة تخالــف الرشيعــة‪ ،‬ال فـ َ‬
‫أو مــن العــادة‪ ،‬بينــا كان أبــو الســعود أفنــدي يجـ ِّوز ذلــك‪ ،‬وبنفــس الطريقــة يــرى الربكــوي حرمــة‬
‫الرقــص املنتــرة أثنــاء حلقــات الذكــر للطــرق الصوفيــة(‪.((1‬‬
‫إن الربكـوي كان ضـد الطـرق الصوفية وله شـدة بالغة عليها‪ ،‬وكان يـرى أن معظم البدع التي زيدت‬
‫يف اإلسلام كان مـن طـرف هـذه الطرق‪ ،‬ولهذا فإن مسـئولية البعـد عن جوهر اإلسلام والرشيعة التي‬
‫بهتـت يف هـذا املجتمـع تتحملهـا كاملـة هـذه الطـرق‪ ،‬وال شـك أن هـذا يبين لنا اسـتقاللي َة شـخصية‬
‫قائل‪:‬‬
‫الربكـوي التـي مل تقـع تحـت التأثير الصويف املنترش آنـذاك‪ ،‬ولهذا يصف كاتب شـلبي الربكـوي ً‬
‫"بالرغــم مــن أن الربكــوي رجـ ٌـل عــامل مدقــق يف علــوم الرشيعــة‪ ،‬فإنــه قــد وقــف ضــد العلــوم‬
‫العقليــة وأنكرهــا وانتقدهــا يف آثــاره وكتبــه‪ ،‬وألنــه مل يقــرأ التاريــخ فإنــه مل يعــرف جي ـ ًدا العــادات‬
‫أيضــا‬
‫واألع ـراف ووقــف ضدهــا أيًضــا‪ ،‬مــا جعــل هــذه املواقــف ال طائــل تحتهــا‪ ،‬وهــذا يبــن لنــا ً‬
‫مــن أيــن أخــذ منهــج تصفيــة الديــن وتنقيتــه هــذا بالضبــط"(‪.((1‬‬
‫لقــد كــرس الربكــوي حياتــه كلهــا يف محاربــة البــدع ‪ -‬كــا يــرى ‪ -‬التــي عاشــت يف املجتمــع‬
‫ملئــات الســنني‪ ،‬وآمــن أنــه ســيمحوها بقلمــه‪ ،‬ومل يســتطع أن يأخــذ يف حســابه العوامـ َـل االجتامعيــة‬
‫والتخبطــات التــي كانــت تحصــل يف املجتمــع آنــذاك‪.‬‬
‫ومــع كونــه حنف ًّيــا إال إنــه اعتمــد عــى مدرســة ابن تيميــة الحنبليــة وأخذ عنهــا‪ ،‬وبالرجــوع والنظر‬
‫إىل مؤلفــات الربكــوي وكتبــه فإننــا ســنجد بصــور ٍة واضحة تأثـ َر هذه املدرســة عليه‪ ،‬ابتــداء بابن تيمية‬
‫نفســه وتلميــذه ابــن قيــم الجوزيــة ت ‪ ((1( 1350‬وقبلهــا وبعدهــا علــاء حنابلــة(‪ ،((1‬وآثــار الربكوي‬

‫(‪ ((1‬أليب الســعود أفنــدي فتــاوى يف حرمــة الرقــص والســا املنتــرة عنــد الطــرق الصوفيــة وبالخاصــة عنــد الطريقــة املولويــة‪،‬‬
‫ولــه ردود علميــة قويــة عــى تربيـرات هــذه الطريقــة املولويــة ملرشوعيتهــا يف الديــن‪ ،‬انظــر‪:‬‬
‫‪H. GaziYurdaydın, ‘Türkiye’nindinitarihineumumibirbakış’ IFD, IX s.117.‬‬
‫‪(14) KâtipÇelebi, Mizan, s.123.‬‬
‫(‪ ((1‬لكسب معرفة عن هذه الشخصيات املهمة راجع التعليق رقم ‪.1،2‬‬
‫(‪ ((1‬ظــل الربكــوي طيلــة عمــره ضــد البــدع محاربًــا لهــا‪ ،‬تنطــق بذلــك كتبــه ورســائله‪ ،‬والكتــاب الــذي ســاعد يف شــهرته "الطريقة‬
‫املحمديــة يف الســرة األحمديــة" واملســمى اختصــا ًرا رســائل بوصيــة نامــه‪ ،‬والجــزء األول منــه باللغــة الرتكيــة‪ ،‬واآلخــر يحتــوي عــى‬
‫وعظــه ودروســه باللغــة العربيــة‪( .‬انظــر‪ .)İstanbul,1309 :‬ولــه رشوح كثــرة (انظــر‪ )Yüksel, s.90, vb :‬وهــذا الكتــاب لــه‬
‫مكانــة مهمــة يف التاريــخ الدينــي للدولــة العثامنيــة؛ ألن هــذا الكتــاب أصبــح مرج ًعــا لكثــر مــن رجــال الديــن يف الدولــة العثامنية‬
‫فيــا بعــد‪ ،‬إضافــة إىل أن الكتــاب لعــب دو ًرا مهــا يف تشــكل الوعــي الدينــي عنــد النــاس آنــذاك ويف الف ـرات الالحقــة عليــه‪،‬‬
‫ويف نقطــة بحثنــا هنــا يعتــر مرج ًعــا أساســا ألن حركــة قــايض زاده اتخــذت مــن هــذا الكتــاب دســتو ًرا لهــا عــى مــدى نشــاطها‪.‬‬ ‫‪12‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫مليئــة بنصــح قرائــه بقـراءة كتبهــم واألخــذ عنهــا واالهتــداء بهداهــا(‪ ،((1‬ولهــذا فإنــه ميكــن القـ ُ‬
‫ـول أن‬
‫فهــم اإلســام وكثــر مــن املســائل خاصــة مســألة البــدع قــد انعكــس متا ًمــا عــى فكــره مــن هــؤالء‪.‬‬
‫عــى أي حــال فــإن محمــد أفنــدي الربكــوي وآثــاره يف القــرن الســابع عــر امليــادي قــد كانــت‬
‫ومخاضــا لحركــة قــايض زاده‪ ،‬وفت ًحــا لعــر جديــد لهــم‪ ،‬وقــد حمــل تالميــذه هــذه الكتــب‬
‫ً‬ ‫مقدمـ ًة‬
‫واتخذوهــا دســتو ًرا لهــم‪ ،‬والذيــن كان مــن بينهــم محمــد أفنــدي قــايض زاده‪.‬‬

‫‪ -3‬محمد أفندي زاده وبداية حركة قاضي زاده‪:‬‬


‫تــرىب محمــد أفنــدي قــايض زاده األب الروحــي للحركــة التــي حملــت اســمه فيــا بعــد(‪ ،((1‬يف‬
‫مدرســة الربكــوي‪ ،‬وكان مــن ُوعــاظ إســتانبول‪ ،‬وف ًقــا لكاتــب شــلبي الــذي كان شــاه َد عيــان عــى‬
‫هــذه األحــداث؛ فقــد فعــل قــايض زاده كــا فعــل أســتاذه متا ًمــا‪ ،‬مل يتعلــم شــيئًا خــارج العلــوم‬
‫الرشعيــة‪ ،‬ولهــذا ســبب‪ ،‬فإنــه مــع عــدم إحاطتــه بالعلــوم العقليــة فإنــه أبــرز لهــا العــداء وواجههــا‬
‫مواجهــة شــديدة‪ ،‬وبالرغــم مــن الــدروس والوعــظ الســطحي البســيط الــذي كان يعــظ بــه النــاس‪،‬‬
‫(‪((1‬‬
‫فــإن كلمتــه املؤثــرة وكالمــه املرتــب كانــا ســب ًبا يف اجتــاع كثــر مــن النــاس حولــه‪.‬‬

‫(‪ ((1‬ويحتمــل أن كتــب ابــن تيميــة وابــن القيــم‪ ،‬وهــذه املدرســة عرفهــا العلــاء العثامنيــون مــن العــرب الــذي أتــوا يف هــذه‬
‫الفــرة مــن مــر وســوريا‪ ،‬أو مــن العلــاء العثامنيــن الذيــن ذهبــوا هنــاك أيضً ــا‪ ،‬وخاصــة بعــد وضــع الدولــة العثامنيــة يدهــا‬
‫عــى مــر ســنة ‪1517‬م‪ ،‬فــإن العلــاء العــرب الذيــن دخلــوا يف خدمــة الدولــة العثامنيــة دخلــت عــى أيديهــم هــذه الكتــب‪،‬‬
‫ومــن هنــا عــرف الربكــوي طريــق هــذه الكتــب‪ ،‬وللنظــر إىل عالقــة كتــب الربكــوي ومــدى تأثرهــا بكتــب مدرســة ابــن تيميــة‬
‫وتلميــذه انظــر املراجــع ســالفة الذكــر‪ ،‬أطروحــات ‪ Yüksel‬و ‪ ،Şimşek‬وللنظــر إىل قامئــة مؤلفــات الربكــوي ومظــان وجودهــا‬
‫مخطوطــة انظــر‪.Atsız, Birgili Mehmet EfendiBibliyografyası, İstanbul 1966 :‬‬
‫(‪ ((1‬ولهــذا اشــتهرت الحركــة بحركــة قــايض زاده‪ ،‬ولهــذا فــإن شــيخ تكية محمد باشــا ســوكولو الواقعــة يف قديرتشــا ‪ Kadırga‬كان‬
‫يســمى صوفيــايل قــايض زاده الصغــر؛ متييـ ًزا لــه عــن محمــد أفنــدي قــايض زاده الكبــر‪ ،‬بعد مــا انتهى مــن التحصيل عىل يــد طلبة‬
‫الربكــوي يف بلدتــه‪ ،‬اتجــه إىل إســتانبول وأصبــح مريـ ًدا للشــيخ عبــد اللــه أفنــدي دورســون زاده‪ ،‬وبعــد ذلــك دخل يف خدمة الشــيخ‬
‫عمــر أفنــدي شــيخ تكيــة يونــس الرتجــان‪ ،‬وكــا حــدث للربكــوي متا ًما مل يجــد لنفســه طو ًعا للتصــوف‪ ،‬وبعــد تحصيله يبــدأ يدرس‬
‫يف جامــع مـراد باشــا بأقـراي‪ ،‬ثــم واعظًــا يف جامع الســلطان ســليم‪ ،‬إضافة إىل أنــه يف الوقت نفســه كان يدرس يف املســجد املجاور‬
‫لبيتــه‪( .‬انظــر‪.)Kâtip Çelebi, Mizân, s. 126-127; Fezleke, II,182; krş. Naima, VI,219; Uzunçarşılı, III,364 :‬‬
‫‪(19) Kâtip Çelebi, Mizân, s.130-132; Fezleke.a.ye.‬‬
‫وكان يردد يف وعظه ودروسه هذه األبيات التي هي جديرة بالذكر؛ للداللة عىل ما كان عنده من التعصب‪:‬‬
‫الكالم والفلسفة هل يساوي قرشً ا؟!‬
‫هل يعرف لهام قيم ًة رصاف كيِّس؟!‬
‫‪13‬‬ ‫لو مات املناطقة فليست مشكلة؛ ألنهم ليسوا من أهل اإلميان‪.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫ومــن ثــم فإنــه جعــل ه َّمه العــداوة الرصيحــة للعلــوم العقليــة وتحذيــر الناس منهــا ومنعهم‬
‫ـب يف هــذه الفكــرة(‪ ،((2‬وكــا تشــر املصــادر فــإن‬ ‫منهــا‪ ،‬وكل مــا يتناولــه يف وعظــه ودروســه كان يصـ ُّ‬
‫هــذه الجبهــة العلميــة والفكريــة التــي فتحهــا قــايض زاده‪ ،‬مل يصاحبهــا إصال ًحــا ومظهـ ًرا حقيق ًّيــا مــن‬
‫حريصــا عــى موقعــه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الناحيــة األخالقيــة‪ ،‬فكــا تشــر الروايــات كان قــايض زاده رجـ ًـا يعــرف الحيلــة‬
‫فبينــا كانــت الدولــة متــر بتدهــور شــديد كان يســتثمر هــذا التدهــور يف إظهــار نفســه حام ًيــا‬
‫وخصوصــا املتعصبــن‬
‫ً‬ ‫للرشيعــة(‪ ،((2‬وإذا كان الحــال كذلــك مــن عجــز الدولــة وتخبطهــا فــإن النــاس‬
‫منهــم قــد وجــدوا يف كالم قــايض زاده نقطـ َة خــاص‪ ،‬ومــن هنــا بــدأت شــهرة قــايض زاده تأخــذ يف‬
‫االنتشــار رويـ ًدا رويـ ًدا‪ ،‬واعتبــا ًرا مــن ســنة ‪1630‬م‪ ،‬فــإن هــذه الشــهرة أخــذت تأخــذ بزمــام الدولــة‬
‫ووصلــت حتــى الســلطان مـراد الرابــع‪.‬‬
‫ويف حقيقــة األمــر فإنــه بالنظــر إىل املصــادر فإنــه ســيتأكد لنــا أن طبيعــة هــذه الحركــة ومــا‬
‫ـب وقــت يك تحقــق‬ ‫شــهدته مــن أحــداث كانــت تســعى للشــهرة والــروة واملوقــع‪ ،‬واختــارت أنسـ َ‬
‫هــذا‪ ،‬وتلفــت انتابــه الســلطان‪ ،‬فإنــه طب ًقــا للدســتور آنــذاك‪:‬‬
‫"إن حــرة الســلطان م ـراد مــن أجــل ضبــط الرعيــة وتأديبهــا قــد أصــدر قانونًــا بهــدم املقاهــي‬
‫ومنــع اســتعامل الدخــان‪ ،‬ومــن مل يتنبــه لهــذا املنــع فإنــه ســيتعرض للزجــر والتخويــف عــى يــد‬
‫أشــهر وعــاظ املدينــة قــايض زاده أفنــدي املكلَّــف مــن جنــاب الســلطان‪ ،‬وكــا يــرى فــإن الدخــان‬
‫محــرم باالجتهــاد وبالدالئــل العقليــة والنقليــة التــي متنــع املغالطــة‪ .‬ينــادى بهــذا القـرار مــن أعــى‬
‫(‪((2‬‬
‫القبــاب بصــوت عــا ٍل"‪.‬‬
‫وكذلــك الــذي يخــرج ضــد فتــوى قــايض زاده فــإن "مــن خالــف الحرمــة القطعيــة ومل يعمــل‬
‫بالعمــل الواجــب الــذي أوىص بــه أولــو األمــر‪ ،‬وعــدم إطاعــة إمــام الزمــان‪ ،‬حدهــا وجزاؤهــا القتــل‬
‫الواجــب"(‪ ،((2‬وبهــذا فإنــه قــد حقــق االســتفاد َة مــن الســلطان بشــكل غريــب يــدل عــى عــدم‬
‫املســؤولية‪.‬‬

‫‪(20) KâtipÇelebi, Mizân, s.ıSı; Fezleke. II.183.‬‬


‫‪(21) Uzunçarşılı, III, 364.‬‬
‫‪(22) Naima, VI, 220, Fındıklı Mehmet Ağa, Silâhdar Tarihi, İstanbul, 1928, I,27.‬‬
‫(‪ ((2‬وف ًقــا لناميــا فــإن هــذه الفتــوى الجريئــة مــن قبــل قــايض زاده ســببت يف قتــل الكثــر مــن قبــل الســلطان م ـراد الرابــع‬
‫بســبب رشب القهــوة والدخــان‪ ،‬والتــي يتحمــل مســؤوليتها‪ ،‬ومل يُســجل لــه أي ردة فعــل عــى مــا حــدث مــن إراقــة دمــاء كثــر‬
‫مــن معصومــي الــدم آنــذاك‪ ،‬انظــر‪.Silâhdar Tarihi :‬‬ ‫‪14‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫وأيــا كان األمــر فــإن قــايض زاده قــد وصــل إىل هدفــه‪ ،‬وبلــغ أعــى مرتبــة يف الدولــة‪ ،‬وكانــت‬
‫قــواه وجامعتــه يف حاميــة الســلطان مـراد الرابــع نفســه(‪ ،((2‬وكان نتيجــة لهــذا أن تــم ترقيــة وعــاظ‬
‫آياصوفيــا ســنة ‪1631‬م(‪ ،((2‬وأخــذت أفــكاره يف االنتشــار بقــوة وجــرأة‪ ،‬وبــدأ معارضــوه ً‬
‫أيضــا يخرجون‬
‫ضــده بقــوة‪.‬‬
‫ويدلنــا أحــد مؤلفــي القــرن الثامــن عــر مــن الطريقــة املولويــة صاقــب داده ‪ Sâkıb Dede‬عــى‬
‫مــدى اقـراب قــايض زاده مــن الســلطان مـراد الرابــع‪ ،‬فوف ًقــا لــه أن قــايض زاده كان واعظًــا يف أول‬
‫أمــره يف جامــع مــوال غــوراين "فــكان اســمه معروفًــا ومشــهو ًرا‪ ،‬واعظًــا غــر معهــود"‪ ،‬وهكــذا رآه‬
‫الســلطان‪ ،‬إضافــة إىل أن مــا يلفــت االنتبــاه أنــه كان يســتطيع أن يفــر الــرؤى التــي ال يســتطيع أن‬
‫يفسهــا أحــد‪ ،‬ووفقــا لصاقــب زاده فإنــه قــد ينقــل تعبـ ًرا لرؤيــا عــن أحــد دراويــش املولويــة ثــم‬
‫ِّ‬
‫فسهــا‪ ،‬ومــن هــذا التاريــخ ابتــدأت شــهرة قــايض زاده –كــا يقــول‪ -‬ويف‬ ‫يرويهــا كأمنــا هــو الــذي ّ‬
‫(‪((2‬‬
‫الوقــت نفســه يقــول بــأن الفتنــة والتعصــب أُيقظــت بــن املســلمني‪.‬‬
‫ومــن ثــم فــإن قــايض زاده القريــب مــن الســلطان مـراد الرابــع البــد أن يكتــب رؤيتــه اإلصالحيــة‬
‫ومــا ينبغــي مــن إصالحــات يف الدولــة‪ ،‬ويقدمهــا كبقيــة العلــاء للســلطان‪ ،‬ولهــذا ألــف رســالته‬
‫"تــاج الرســائل يف منهــاج الوســائل" وهــي ال تتعــدى كونهــا ترجمــة لرســالة ابــن تيميــة التــي ألــف‬
‫يف السياســة الرشعيــة املســاة "السياســة الرشعيــة"(‪ ،((2‬وبهــذا الشــكل فــإن قــايض زاده رأى أن‬
‫(‪((2‬‬
‫يســتحرض أفــكا َر ابــن تيميــة إلصــاح مــا يـراه يف اإلمرباطوريــة العثامنيــة ويف الواقــع املعــارص لــه‪.‬‬
‫ـال كثــرة كفتــح جبهــة‬
‫إن هــذه الذهنيــة لــدى قــايض زاده ومــن قبلــه لــدى الربكــوي‪ ،‬ســببت أفعـ ً‬
‫ضــد الطــرق املولويــة والخلوتيــة‪ ،‬فقــد كانــا ضــد أفعالهــا وخاصــة مجالــس الذكــر التــي كانــت تعقد‬
‫مــن قبلهــم‪ ،‬لكــن املصــادر تشــر إىل أن قــايض زاده مل تكن عنــده القــدرة العلمية والصــدق واإلخالص‬

‫‪(24) Naima, VI, 221.‬‬


‫‪(25) Uzunçarşılı, a.ye.‬‬
‫‪(26) Bk, Sefine-iNefise-I Mevleviyân, Bulak, 1283, I, 165.‬‬
‫‪(27) Bkz;Sülemymaniye (Hacı Mahmud)Kt.,nr. 1926.‬‬
‫وللنظر يف آثار قايض زاده انظر‪.Şimşsek, s. 81 vd :‬‬
‫(‪ ((2‬وهــذا ال يقتــر عــى مؤلــف قــايض زاده املســمى بتــاج الرســائل‪ ،‬بــل إن بقيــة مؤلفاتــه تنعكــس فيهــا أفــكار ابــن تيميــة‬
‫وتالمذتــه بصــورة واضحــة‪ ،‬قــارن‪ :‬خــه‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪Şimşek, s. 95‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫الــذي كان يتمتــع بــه الربكــوي‪ ،‬فــا لديــه مــن علــم كان يــدور حــول مــا ينتقــد بــه الطــرق الصوفيــة‬
‫كالضاربــن بالــدف وأصحــاب الصفــر‪ ،‬فقــد كان يتناولهــم بالســخرية واألســلوب الشــديد واالنتقــاص‬
‫بكلامتــه(‪ ،((2‬وكان األمــر يبلــغ أحيانًــا إىل قــدر الســب والشــتيمة‪ ،‬وهكــذا فــإن التوفيــق الــذي صنعــه‬
‫الغــزايل ت ‪1111‬م يف القــرن الثــاين عــر امليــادي يف متييــزه بــن مفهومــي الحقيقــة والرشيعــة‪،‬‬
‫قــد ســقط مــرة أخــرى ووقــع االختــاط بينهــا وال ـراع يف فــرة حرجــة وخطــرة مــن التاريــخ‪.‬‬
‫أيضــا‬
‫إن هــذا الـراع الــذي بــدأه قــايض زاده وخاصــة مــع أصحــاب الطريقــة الخلوتيــة والهجــوم ً‬
‫عــى الطــرق األخــرى‪ ،‬كان ســب ًبا طبيع ًّيــا يف نشــأة ردة فعــل وجبهــة مقامــة مــن الخلوتيــن‪.‬‬

‫‪-4‬الصوفيون الذين خرجوا ملواجهة قاضي زاده‪ ،‬والشيخ عبد‬


‫املجيد السيواسي‪:‬‬
‫بينــا كان قــايض زاده يف محاربتــه للبــدع‪ ،‬خــرج أحــد أعيــان الطــرق الصوفيــة والــذي كان مناف ًحــا‬
‫عــن مســائل التصــوف ومداف ًعــا عنهــا بشــكل مســتمر‪ ،‬أحد مشــايخ الطــرق الخلوتيــة الكبــار الوارثني؛‬
‫نصــب نفســه للدفــاع والجــواب عــن كل املســائل‬ ‫الشــيخ عبــد املجيــد أفنــدي الســيوايس(‪ ،((3‬وكان قــد ّ‬
‫التــي تتعلــق بالتصــوف املثــارة يف الواقــع آنــذاك‪ ،‬يهجــم عــى األفــكار التــي كانــت تخــرج مــن قــايض‬
‫زاده يف وعظــه ودروســه(‪ ،((3‬وكــا يشــر املــؤرخ ناميــا فــإن املســائل التــي وقعــت بــن الشــخصيتني‬
‫(قــايض زاده والســيوايس) مــن املمكــن أن تحــر يف النقــاط التاليــة‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز ومرشوعية العلوم العقلية من عدمه‪.‬‬
‫‪ -2‬مسألة حياة الخرض وموته عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز قراءة األذان وأناشيد املواليد والقرآن باملقامات من عدمه‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز مسألة الرقص والدوران من عدمه‪.‬‬

‫‪(29) KâtipÇelebi, Mizan, s.132; Fezleke, II,183.‬‬


‫(‪‌‌‌‌‌‌‌‌‌((3‬عبــد املجيــد أفنــدي الســيوايس؛ هــو ابــن الشــيخ محــرم بــن محمــد زيــي‪ ،‬وخليفــة الشــيخ الخلــويت شــمس الديــن أحمــد‬
‫أفنــدي وابــن أختــه يف الوقــت نفســه‪ ،‬وكــا هــو ظاهــر فهــو منحــدر مــن عائلــة مشــيخة‪ ،‬بعــد اســتقراره يف إســتانبول‪ ،‬وإعطائــه‬
‫مــن ســنة ‪1591‬م مشــيخة تكيــة صوفيــة‪ ،‬وبعــد بنــاء جامــع الســلطان أحمــد األول عــن واعظًــا فيــه‪ ،‬ولــه رســائل وأشــعار‬
‫صوفيــة‪ ،‬وشــاعت لــه كرامــات بــن النــاس‪( .‬انظــر‪.)Kâtip Çelebi, Mizan, s. 126 krş. Naima,218; Bursalı, I,120 :‬‬
‫رجل ملحد وزنديق‪.Kâtip Çelebi, Mizan, s.132; Fezleke, n, 183 ،‬‬ ‫(‪ ((3‬كان جوابــه عــى اعرتاضــات قــايض زاده بإعالنه أنه ٌ‬ ‫‪16‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫‪ -5‬وجوب الصالة والسالم عىل الرسول ووجوب الرتضية عىل الصحابة من عدمه‪.‬‬
‫‪ -6‬حرمة الدخان والقهوة واملكيفات من عدمها‪.‬‬
‫‪ -7‬االعتقاد بإميان والدي الرسول عليه الصالة والسالم من عدمه‪.‬‬
‫‪ -8‬االعتقاد بإميان فرعون من عدمه‪.‬‬
‫‪ -9‬تكفري محيي الدين ابن عريب من عدمه‪.‬‬
‫‪ -10‬جواز لعن يزيد من عدمه‪.‬‬
‫‪ -11‬رشط ترك العادات واألعراف والتقاليد التي حدثت بعد النبي أم ال‪.‬‬
‫‪ -12‬جــواز صــاة النافلــة يف جامعــة يف الليــايل املباركــة مثــل ليلــة القــدر والنصــف مــن شــعبان‬
‫وليلــة اإلرساء مــن عدمــه‪.‬‬
‫‪ -13‬جواز االنحناء للكبار وتقبيل أيديهم من عدمه‪.‬‬
‫‪ -14‬مسألة األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫(‪((3‬‬
‫‪ -15‬جواز أخذ الرشوة من عدمه‪.‬‬
‫ويف الوهلــة األوىل كانــت ردود قــايض زاده محمــد أفنــدي كالتــايل؛ تحصيــل العلــوم العقليــة غــر‬
‫جائــز‪ ،‬الخــر ليــس عــى قيــد الحيــاة‪ ،‬حرمــة إقامــة األذان واألناشــيد وتــاوة القــرآن باملقامــات‪،‬‬
‫ـول‪،‬‬
‫رقــص الطــرق الصوفيــة ودورانهــم حـرام‪ ،‬والــدا الرســول كانــا كافريــن‪ ،‬إميــان فرعــون مل يكــن مقبـ ً‬
‫محيــي الديــن ابــن عــريب كافــر‪ ،‬لعــن يزيــد واجــب‪ ،‬كل البــدع بغــر اســتثناء ح ـرام‪ ،‬زيــارة القبــور‬
‫واألرضحــة واملقامــات غــر جائــز‪ ،‬العبــادات ســالفة الذكــر ال يجــوز فيهــا جامعــة‪ ،‬وهكــذا كانــت‬
‫جوابــات قــايض زاده ضــد اتجــاه الشــيخ عبــد املجيــد الســيوايس كل ًّيــا‪.‬‬
‫ومل تكــن هــذه املوضوعــات املذكــورة والتحــزب الــذي نشــأ حولهــا مســألة شــخصية بــن الشــيخني‪،‬‬
‫وإمنــا هــذان الشــيخان يف مذهبهــا ومرشبهــا كان لــكل منهــا دو ٌر كبـ ٌر يلعبــه وتيــار لــه أتبــاع‪.‬‬

‫حكم ومناقشة انظر‪:‬‬


‫(‪ ((3‬وألجل االطالع عىل هذه املسائل الرشعية ً‬
‫‪17‬‬ ‫‪Naima, VI, 219-220; Uzunçarşılı, III, 365-366; İnanlcık, s.184. Şimşek, s.110-225.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫ـوص الرشعيــة‬
‫وطبيعــة قــايض زاده كانــت كطبيعــة الربكــوي ال تتناســب مــع التصــوف‪ ،‬تعطــي النصـ َ‬
‫أهمي ـ ًة كبــرة‪ ،‬وتنظــر بضيــق أثنــاء تفســر النصــوص‪ ،‬وباختصــار فإنــه كان ينظــر بطريــق النظــر‬
‫والعقــل بينــا كان الشــيخ عبــد املجيــد الســيوايس رجـ ًـا متص ًوفــا ينظــر بطريق الكشــف واملشــاهدة‪،‬‬
‫ومل يقبــل أي يشء خــارج هــذا‪ ،‬وبســبب هــذا فقــد احتــد ال ـراع بينهــا وتكونــت حــول هــذه‬
‫املســائل أتبــاع كــر‪.‬‬
‫ويف قناعتنــا أن مثــة نقطــة هنــا يجــب الوقــوف عندهــا‪ ،‬فاملســألة ليســت هنــا أجوبــة قــايض زاده‬
‫أو الشــيخ الســيوايس عــى هــذه املســائل‪ ،‬وإمنــا يجــب أن نفهــم ماهيــة الواقــع آنــذاك‪ ،‬ففــي الوقــت‬
‫التــي كانــت فيــه املشــكالت تعصــف باإلمرباطوريــة العثامنيــة‪ ،‬يســتدعي قــايض زاده مســائل ليســت‬
‫لهــا أهميــة مثــل والــدي الرســول وإميــان فرعــون مــن عدمــه ونحوهــا‪ ،‬ويحييهــا ويتزعمهــا بــن‬
‫النــاس‪ ،‬فالســؤال هنــا ملــاذا تحــرك قــايض زاده هكــذا؟‬
‫وجــواب هــذا ‪-‬يف رأينــا‪ -‬يكمــن يف شــكنا يف إخــاص قــايض زاده نفســه‪ ،‬فنيتــه ليســت محــو البــدع‬
‫وســامة املجتمــع منهــا‪ ،‬وإمنــا تقويــة موقعــه ومكانــه وســيطرته آنــذاك‪ ،‬تجـ ّـى هــذا جيـ ًدا يف مســألة‬
‫األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر؛ فقــد اســتغل ذلــك وســيلة لتحقيــق هــذا‪ ،‬يوصــل مثــل هــذه‬
‫املناقشــات لعامــة النــاس ويغــذي بهــا مشــاعر التعصــب(‪ ،((3‬ومــا جلبــه للمجتمــع مــن نتائــج لهــذا‬
‫التعصــب مــع غــض الطــرف عــن هــذه النتائــج‪ ،‬مــا يُظهــر عــدم مســؤولية بشــكل كبــر‪ ،‬ولهــذا فــإن‬
‫(‪((3‬‬
‫كاتــب شــلبي وناميــا قــد المــا كال مــن قــايض زاده والســيوايس واتهامهــا بأشــد االتهامــات‪.‬‬
‫وعــى أي حــال فــإن كال مــن أتبــاع قــايض زاده والســيوايس ظــل يف نــر أفكارهــا مــن خــال‬
‫الــدروس والوعــظ‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى فإن قــايض زاده برســائله كالرســالة النافعــة القامعــة للبدعة(‪،((3‬‬

‫(‪ ((3‬ويشــر كل مــن كاتــب شــلبي وناميــا بأســف إىل هــذا؛ ولهــذا فــإن كاتــب شــلبي يك يــدل عامــة النــاس ويبــن لهــم طريــق‬
‫االعتــدال وأال يقــع بعضهــم يف العــداوة والبغضــاء ألَّــف كتابــه "ميـزان الحــق"‪ ،‬ويف هــذا الكتــاب تنــاول كل املســائل املشــار إليهــا‬
‫أعــاه واحــد ًة تلــو األخــرى‪ ،‬وفيــه أيضً ــا حــاول أن يجيــب عــى هــذه املســائل مــن أجوبــة العلــاء الســابقني عليــه‪ ،‬وفيــه أيضً ــا‬
‫يبــن أن النــاس باعتبــار خلقتهــم لهــم أمزجــة ومشــارب مختلفــة‪ ،‬ولهــذا فــإن هــذا يقتــي أن هنــاك مجموع ـ ًة مــن العــادات‬
‫والتقاليــد واألعـراف ال يصــح تغي ُريهــا عنــد النــاس‪ ،‬وإن جــيء عــى هــذه األعـراف والتقاليــد يف يشء تعــرض النظــام االجتامعــي‬
‫هنــا لعــدم االســتقرار‪ ،‬ولهــذا أيضً ــا كــا يــرى كاتــب شــلبي فــإن كال مــن الســيوايس وقــايض زاده قــد ســلك الطريــق الخطــأ‪،‬‬
‫‪.Kâtip Çelebi, Mizân, s.1327; Naima, VI, 221‬‬
‫(‪ ((3‬وكل من ناميا وكاتب شلبي يرى أن كال الشخصيتني كان يسعى للشهرة وجلب انتباه السلطان‪،‬‬
‫‪Kâtip Çelebi, Mizân, s. 132; Naima, VI, 219, 221..‬‬
‫(‪ ((3‬لالطــاع عــى هــذا املؤلَّــف لقــايض زاده فهو موجــود يف املكتبــة الســليامنية ‪.Süleymaniye, (Serez) Ktp., nr. 3367/12‬‬ ‫‪18‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫وبــدع الواعظــن(‪ ،((3‬كان يســعى مــن خاللهــا إىل التأثــر يف رجــال الدولــة والفكــر‪ ،‬ويف حقيقــة األمــر‬
‫فــإن كال الشــخصيتني أفنــى عمــره يف هــذا الـراع الــذي ال ينتهــي‪.‬‬

‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫‪ -5‬إنهاء الدولة‪ ،‬الصراع بين قاضي زاده والسيواسي‬
‫مؤقت‪:‬‬
‫لقـــد لفـــت الـــرا ُع واملناقشـــاتُ الحـــادة التـــي كانـــت تحـــدث بـــن الســـيوايس وقـــايض‬
‫زاده انتب ــا َه الس ــلطان م ــراد الراب ــع بش ــدة‪ ،‬وق ــد كان يتاب ــع ب ــا ش ــك كل ه ــذه املناقش ــات‬
‫واملناظـــرات عـــن قـــرب بـــكل تفرعاتهـــا‪ ،‬وكان الســـلطان ‪-‬كـــا ســـبقت اإلشـــارة‪ -‬مـــع مـــا‬
‫يناس ــبه م ــن وع ــظ وفت ــاوى يؤي ــد ق ــايض زاده ضمن ًّي ــا‪ ،‬وم ــع ه ــذا فق ــد كان يظه ــر للش ــيخ‬
‫الس ــيوايس معامل ــة حس ــنة ب ــن الح ــن واآلخ ــر(‪ ،((3‬ون ــرى أن ه ــذا ل ــه س ــبب واض ــح‪ ،‬ذل ــك‬
‫أن الس ــلطان يحتم ــل باق ــراح بع ــض رج ــال الدول ــة القريب ــن من ــه‪ ،‬أن ــه الب ــد م ــن املحافظ ــة‬
‫ع ــى الت ــوازن ب ــن هات ــن الش ــخصيتني وأن ه ــذا ك ــا ي ــرى س ــيأيت بنتائ ــج جي ــدة للدول ــة‬
‫أيضـــا‪ ،‬فالدعـــم الكامـــل الـــذي كان يُعطـــى لقـــايض زاده ســـيؤدي إىل‬ ‫وللنظـــام االجتامعـــي ً‬
‫احتقـــان الطـــرف اآلخـــر‪ ،‬لـــذا كان يخـــاف مـــن وقـــوع انفجـــار يف بيئـــة التصـــوف يتبعـــه‬
‫أخطـــار جســـيمة‪ .‬بينـــا كان هـــذا التـــوازن الـــذي كان يوجـــد يف الـــراع بـــن قـــايض زاده‬
‫والســـيوايس والـــذي كان ظاهـــ ًرا كال ًمـــا وكتابـــة‪.‬‬
‫أيضــا‬
‫تــويف قــايض زاده ســنة ‪1635‬م وكان عمــره آنــذاك ‪ 53‬عا ًمــا‪ ،‬وبعــده بأربــع ســنوات تــويف ً‬
‫الســيوايس عــن عمــر ‪ 70‬عا ًمــا(‪ ،((3‬وبهــذا ينتهــي هــذا الـراع بشــكل مؤقــت‪ ،‬لكــن كل فــرد منهــا‬
‫قــد تــرك وراءه تيــا ًرا كامـ ًـا يحمــل هــذه األفــكار ويتعصــب لهــا‪ ،‬وخاصــة تيــار قــايض زاده‪ ،‬فإنــه قــد‬
‫قــوي بشــكل يفــوق الخيــال أثنــاء حياتــه‪.‬‬

‫(‪ ((3‬لالطالع عىل مؤلف السيوايس موجود يف املكتبة السليامنية ‪.Süleymaniye (Kılıç Ali Paşa) Ktp., nr. 1032/2‬‬
‫‪(37) Naima, VI, 221; krş. Uzunçarşılı, III, 366.‬‬
‫‪(38) Kâtip Çelebi, Mizân, s.126; Naima, VI, 218.‬‬
‫بعــد وفــاة قــايض زاده بســنتني ســنة ‪1637‬م خــرج مــن ســقاريا رجـ ًـا يدعــى شــيخ ســقاريا ا ّدعــى املهــدي وحــدث بســببه‬
‫واقعــات تدعــو لالنتبــاه‪ ،‬انظــر‪:‬‬
‫‪(Kâtip Çelebi, Fezleke, s.195-196; Naima. III. 317-319; Uzunçarşılı, III, 206; Danışmend III, 372-373).‬‬
‫‪19‬‬ ‫وهذه الحادثة حينام تدرس مع حركة قايض زاده فإنها توضح بال شك االنحدا َر االجتامعي الذي كان يف هذه الفرتة‪.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫‪ -6‬توسع حركة قاضي زاده وانتقالها إلى ساحة الفعل‪:‬‬


‫مــع مــوت الســلطان مــراد الرابــع ســنة ‪1640‬م واعتــاء الســلطان إبراهيــم العــرش‪ ،‬بــدأت‬
‫اإلمرباطوريــة التــي كانــت قــد قويــت واســتقرت بتدابــر الــردع‪ ،‬بــدأت يف التقهقــر مــرة أخــرى(‪،((3‬‬
‫ظهــر عــى الســاحة طوائــف مختلفــة ممــن يحرصــون عــى منفعتهــم الخاصــة‪ ،‬ووقــع الـراع بينهــم‬
‫عــى النفــوذ يف إدارة الدولــة‪ ،‬فبينــا كان ال ـراع يف عهــد الســلطان م ـراد الرابــع بــن الســيوايس‬
‫وقــايض زاده‪ ،‬فإنــه اشــتعل هــذه املــرة بــن أتباعــه‪ ،‬وكــا تشــر املصــادر فإنــه قــد خــرج مــن قــايض‬
‫أيضــا‬
‫زاده بعــد مامتــه حركــة مســتقلة ســميت حركــة "قضــاة زاده"‪ Kadızadeliler‬أو كــا عرفــت ً‬
‫بكلمــة "الفقــي" املحرفــة مــن كلمــة "الفقيــه"‪ ،‬وكان معظمهــم مــن الوعــاظ وقــد دخلــوا يف مرحلــة‬
‫عنــف وانتقلــوا مــن املواجهــة بالفكــر إىل املواجهــة باليــد والقــوة‪ ،‬يعلنــون بــأن مــن ال يفكــر مثلهــم‬
‫ويســلك طريقهــم فهــو كافــر‪ ،‬كأصحــاب الطــرق الصوفيــة وخاصــة الطريقــة املولويــة والخلوتيــة‪،‬‬
‫وبــدأ انتشــار هــذا بــن النــاس‪ ،‬وهــذا الحكــم ال ينســحب فقــط عــى أصحــاب الطــرق ال ُخلَّــص‪ ،‬بــل‬
‫تعــداه إىل أصحــاب التكايــا‪ ،‬فقــد كانــوا يذهبــون إىل التكايــا ويعلنــون للخارجــن منهــا بكفرهــم(‪،((4‬‬
‫فإنهــم يــرون أن مــن مقتضيــات األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر منــع هــؤالء أصحــاب الطــرق‬
‫الصوفيــة(‪.((4‬‬
‫اســتمرت حركــة قــايض زاده يف كســب مســاحات النفــوذ والتأثــر حتــى وصلــت إىل نجــا ٍح ثــان‪،‬‬
‫وهــو االنتســاب إىل الـراي العثــاين القــر مبــارشة‪ ،‬وتوغــل هــذا التأثــر حتــى البلطجيــة والحجاب‬
‫أصحاب املنفعــة والتعصب أســوأَ اســتثامر(‪ ،((4‬وكام‬
‫ُ‬ ‫والرشطــة‪ ،‬ونفــذ إىل نظــام الدولــة‪ ،‬واســتثمر هــذا‬
‫خالصــا‪ ،‬بــل كان يدعمــه املنفعــة واملصلحــة الشــخصية‪.‬‬
‫ســيأيت أســفله فــإن هــذا التأثــر مل يكــن دي ًنــا ً‬

‫(‪ ((3‬لالطالع عىل األحداث الداخلية والخارجية لهذه الفرتة يُرجى النظر‪:‬‬
‫‪Uzunçarşılı, III, 228-224, Danışmend. III, 387-411; Shaw, I, 200-206.‬‬
‫‪(40) Naima, VI, 222; krş. Uzunçarşılı, III, 367.‬‬
‫يقــول ناميــا‪" :‬وقــد افرتقــت جامعــات املؤمنــن واملوحديــن يف كل ناحيــة ويف املجالــس واملحافــل وانتــرت بينهــم املناقشــات‬
‫الحــادة‪ ،‬ومل يخــل األمــر مــن تحقــر بعضهــم بعضً ــا والنيــل مــن بعضهــم البعــض‪" .‬وهكــذا بإفــادة ناميــا هــذه فــإن األمــر قــد‬
‫وصــل إىل حــد مفجــع‪ ،‬وقــد أشــار كاتــب شــلبي أيضً ــا إىل حالــة التعصــب التــي انتــرت بشــدة‪ ،‬ومعــاداة العلــوم العقليــة وأي‬
‫علــم خــارج العلــوم الدينيــة والعمليــة‪ ،‬والعلــوم العقليــة مــا دامــت ال تــدرس فــإن هــذا يســاعد عــى روح التعصــب كــا يبــن‪.‬‬
‫انظــر‪.Mizan, s,15-17; Inalcık, s, 185 :‬‬
‫‪(41) Naima, VI, 222; krş. Uzunçarşılı, III, 367.‬‬
‫‪(42) Naima,VI, 223; krş. Mufassal Osmanlı Tarihi, İstanbul 1960, IV, 2047; Shaw. I, 207.‬‬ ‫‪20‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫طفــا آنــذاك‪ ،‬وقــد كان القــر‬ ‫ويف ســنة ‪1648‬م صعــد محمــد الرابــع إىل العــرش‪ ،‬وكان ً‬
‫مشــتعل بســب أن حركــة قــايض زاده كانــت تريــد أن تقــوي نفوذهــا وســلطتها مــن الناحيــة‬ ‫ً‬
‫االقتصاديــة‪ ،‬فقــد وضــع أتبــاع الحركــة أيديهــم عــى األوقــاف واألمــاك روي ـ ًدا روي ـ ًدا‪ ،‬إضافــة إىل‬
‫أنهــم قــد بــدأوا يف أعــال غــر مرشوعــة عــن طريــق أصحــاب الحيلــة وتجــار االحتــكار‪ ،‬وبفضــل‬
‫حصلــوا أمــوالً كثــرة‪ ،‬ومــن ثــم أصبحــوا يتدخلــون‬‫رجــال القــر ومــا كان يُعطــى لألتبــاع مــن رشً ــا ّ‬
‫يف كل صغــرة وكبــرة مــن أمــور الدولــة‪ ،‬ي ِّعينــون مــن شــاءوا يف الوظائــف ويعزلــون مــن شــاءوا(‪،((4‬‬
‫وبقــدر مــا إن هــذا يظهــر قوتهــم ونفوذهــم يف مفاصــل الدولــة فــإن هــذا يظهــر بالطبــع العجـ َز يف‬
‫جهــاز إدارة الدولــة آنــذاك‪ ،‬ويك يثبــت تســلطهم ونفوذهــم كانــوا يضعــون العراقيــل والعقبــات أمــام‬
‫أيضــا أن حركــة الشــيخ الســيوايس قــد وقعــت يف‬ ‫أي خطــوة أو محاولــة نحــو إصــاح هــذا‪ .‬ال ننــى ً‬
‫تخبطــات كبــرة كــا يذكــر املــؤرخ ناميــا(‪.((4‬‬

‫‪ -7‬محمد أفندي األسطواني وحركة قاضي زاده‪:‬‬


‫نقطة الذروة‪:‬‬
‫بين ــا تس ــجل حرك ــة ق ــايض زاده يف أوائ ــل س ــلطنة محم ــد الراب ــع ه ــذا الق ــدر م ــن التوس ــع‬
‫وبســط النفــوذ‪ ،‬يظهــر مــن بــن هــذه الحركــة وج ـ ٌه جديــد‪ ،‬وقعــت حادثــة قتــل بالشــام فهــرب‬
‫منهــا خائ ًفــا مــن ال ِق َصــاص إىل إســتانبول‪ ،‬فانتســب إىل محمــد أفنــدي قــايض زاده وأصبــح محمــد‬
‫أفن ــدي آخ ــر لك ــن ه ــذه امل ــرة رج ــل ع ــريب‪ ،‬ترقَّ ــى وتف ــوق بجان ــب ق ــايض زاده حت ــى وص ــل‬
‫إىل وع ــظ جام ــع آياصوفي ــا‪ ،‬ول ِّق ــب باألس ــطواين ألن ــه كان دامئً ــا يس ــتند إىل إح ــدى أس ــطوانات‬
‫الجام ــع‪ ،‬فاش ــتهر به ــذا اللق ــب(‪.((4‬‬

‫(‪ ((4‬ووفقـا لناميـا فإنـه بفضـل قـايض زاده مثـة كثيرون أصبحوا منسـوبني للرساي وجمعـوا أمـوالً طائلة‪ ،‬إضافـة إىل تعصب قايض‬
‫زاده لظاهـر الرشيعـة والتمسـك بـه وتهييـج النـاس بذلـك‪ ،‬يدل على قلـة يف األخلاق (انظـر‪ )Naima, VI, 222-224,230 :‬وقد‬
‫وافـق أوليـا شـلبي ‪ Evliya Çelebi‬ناميـا نفـس الـرأي‪ ،‬أثنـاء روايتـه ألحـداث قايض زاده‪ ،‬وأشـار بأن قـايض زاده مل يكـن يتح ّرج يف‬
‫نفـي وإنـكار أي يشء أمامـه‪( .‬انظـر‪ ،)Evliya Çelebi Seyahatnamesi, İstanbul, 1314, IV, 247-249 :‬لكـن مثـة نقطة هنا‬
‫حريصا‬
‫ً‬ ‫وهـي أن النظـر إىل أفـراد حركـة قـايض زاده بهـذه النظـرة ليـس صحي ًحـا‪ ،‬ألنـه كان يوجـد يف أفـراد هـذه الحركـة مـن كان‬
‫مخلصا له‪.‬‬
‫ً‬ ‫على الديـن‬
‫‪(44) Naima, VI, 222.‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪(45) A.g.e., V.53-54.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫وكــا يقولــه ناميــا‪ :‬فــإن األســطواين كان يلتــزم بــكل األوامــر الرشعيــة الظاهــرة وفروعهــا‪ ،‬وقد‬
‫جــذب حولــه كث ـ ٌر مــن الطوائــف مــن ال ُح َّجــاب والرشطــة وحــاريس الخزائــن والحلوانيــن‪ ،‬وهكــذا‬
‫نفســه‪ ،‬وبشــكل مخالــف للتقاليــد أصبــح واعظًــا يف الحجــرة الخاصــة‬ ‫حتــى وصــل إىل ســمع القــر ِ‬
‫بالقــر العثــاين‪ ،‬ومــن ثــم اشــتهر بــن النــاس بشــيخ الســلطان(‪ ،((4‬وقــد كان األســطواين ‪ -‬ســواء أكان‬
‫يف القــر أو بــن عامــة النــاس ‪ -‬يــرح دامئًــا أفــكار قــايض زاده(‪.((4‬‬
‫وقــد أصبــح الرئيــس الجديــد لحركــة قــايض زاده محمــد أفنــدي األســطواين‪ ،‬وأصبحــت لــه حاشــية‬
‫جديــدة‪ ،‬وانتقلــت إليــه الكلمــة العليــا يف حــركات التعيني والعزل‪ ،‬لــذا كان يختار لوظائــف الدولة من‬
‫كان مناسـبًا لفكره‪ ،‬ويســتخدم ما كان يأتيه من أموال الرشــا يف تســهيل تعيني من كان يريد تعيي َنه(‪.((4‬‬
‫كان يقابــل هــذا النفــو َذ الــذي تتمتــع بــه الحركــة عــد ُم ارتيــاح وانزعــاج شــديد مــن قبــل التيــار‬
‫ـاس ضـ َّد هــذا التيــار(‪ .((4‬وقــد كان مثــرة هــذا التقليب‬
‫الصــويف‪ ،‬ال ســيام وقــد كانــت الحركــة تحـ ِّرك النـ َ‬
‫املســتمر بالضغــط عــى إزالــة التكايــا الصوفيــة‪ ،‬أن أخــذوا إذنًــا بذلــك مــن الوزيــر األعظــم ملــك‬
‫أيضــا مــن شــيخ اإلســام بهــايئ أفنــدي‪ ،‬وذهبــوا عــى الفــور إىل التكيــة‬ ‫أحمــد باشــا‪ ،‬وفتــوى بهــذا ً‬
‫الخلوتيــة‪ ،‬التــي هــي قريبــة مــن دمــر قابــو ‪ Demirkapı‬وهمــوا بإزالتهــا‪ ،‬لــوال تدخــل الشــيخ عمــر‬
‫أغــا الســامونجو(‪ .((5‬ولــو كان تــم مرادهــم لخربــت التكيــة متا ًمــا وقتــل مــن فيهــا‪.‬‬
‫وقــد نــدم شــيخ اإلســام عىل فتــواه هذه بعدمــا رأى آثارهــا‪ ،‬وأصدر فتــوى أخرى يبطل بهــا الفتوى‬
‫الســابقة‪ ،‬وينــوي جـزاء األســطواين‪ ،‬لكــن محمــد أفنــدي األســطواين يهــرب قبــل ذلــك ويختفــي متا ًمــا‪.‬‬
‫كل مــن فريــق قــايض زاده والســيوايس ومــن معــه مــن أتبــاع طــرق‬
‫إن هــذا يوضــح لنــا أن ًّ‬
‫التعصــب يلعــب دو ًرا‬
‫التصــوف‪ ،‬كان قــد امتــأ بالتعصــب والنيــة الســيئة والجهــل‪ ،‬وقــد كان هــذا ُّ‬

‫‪(46) A.g.e., V, 54.Krş. J. De Hammer, Histoire de l’EmpireOttoman, Paris, 264; Uzunçarşılı, III, 368.‬‬
‫(‪ ((4‬نجد بعض وعظ محمد أفندي األسطواين يف رسالة مسامة برسالة األسطواين‪ ،‬وهذه الرسالة ُجمعت من وعظ األسطواين من قبل‬
‫بعض تالميذه‪ ،‬وأول من تع َّرض لهذه الرسالة بالتحليل والتعريف لها ‪،H.G(Bkz.’Üstüvani Risalesi’, İFD) (1962), s. 71-78‬‬
‫وهذه الرسالة مؤلفة من ‪ 50‬بابًا؛ يوصف فيها األسطواين بسلطان الواعظني‪ ،‬ومنها أيضً ا بعض املسائل التي كانت بني السيوايس‬
‫وقايض زاده‪ ،‬وهي تسري عىل نفس النهج من ابن تيمية والربكوي وهكذا‪.‬‬
‫‪(48) Naima, V, 53, 264: Uzunçarşılı, III, 371.‬‬
‫‪(49) Naima, V, krş. Shaw, I, 206.‬‬
‫(‪ ((5‬لالطالع عىل تفاصيل هذه الحادثة‪ ،‬يرجى النظر؛‬
‫‪Naima, V, 56-58; krş. Hammer XI, 264-266; Uzunçarşılı, III, 368-369.‬‬ ‫‪22‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫كبـ ًرا يف اشــتعال األحــداث بــن الطرفــن‪ ،‬فأتبــاع كل طــرف يســمع أشــياء عــن الطــرف اآلخــر‪ ،‬فيقــوم‬
‫بالزيــادة عليهــا وينقلهــا لفريقــه‪ ،‬وقــد تكــون غــر صحيحــة أو منقولــة بصــورة ناقصــة‪ ،‬وهكــذا‬
‫(‪((5‬‬
‫كانــت العــداوة والكــره منتــر ًة بــن الفريقــن‪.‬‬
‫إن هــذا بالطبــع يدعونــا للتف ُّكــر يف علــاء هــذه الفــرة وكيــف قابلــوا هــذا الـراع‪ ،‬فالنظــام‬
‫الــذي أُســس مــن وقــت إنشــاء اإلمرباطوريــة العثامنيــة مــن مــدارس دينيــة وطــرق صوفيــة قــد‬
‫أخــذت مكانهــا مــن الدولــة وبــن النــاس‪ ،‬ألول مــرة يقــع يف هــذه الحــرب‪ ،‬التــي كانــت بســبب‬
‫كل مــن الفريقــن يف خطــورة مــا‬ ‫اختــاف املنهجــن وطريقــة التفكــر بــن الفريقــن‪ ،‬ومل يفكــر ٌّ‬
‫انج ـ ّروا إليــه يف هــذه الفــرة الحرجــة وقتــذاك‪.‬‬
‫أي عــامل عــاش يف هــذه الفــرة بهــذا الـراع الدائر بــن حركة‬
‫وقــد بــدا واض ًحــا أنــه مل يلتحــق ُّ‬
‫قــايض زاده والســيوايس‪ ،‬فلــم يُعلــم ذلــك‪ ،‬إضافــة إىل أن بقيــة منســويب التصــوف مــن خــارج حركــة‬
‫ـت ضد حركة قايض زاده‪ ،‬وهــذا الصمت قد يُفرس بأنهم إمــا أنهم مل يفهموا‬ ‫الســيوايس قــد آثــروا الصمـ َ‬
‫خطــور َة الوضــع جيـ ًدا‪ ،‬أو انســحبوا خوفًــا مــن نفــوذ حركة قــايض زاده والقــوة التي تتمتع بهــا‪ .‬وهذا‬
‫االحتــال األخــر هــو مــا نر ِّجحــه‪ ،‬وإال فال ميكن القول بــأن كل العلامء كانوا يف خــط حركة قايض زاده‪.‬‬
‫وحينــا نــأيت إىل شــخصيتني قــد خرجتــا ض ـ َّد قــايض زاده‪ ،‬فإنــه ميكــن القــول بأنهــا قــد فعــا‬
‫شــيئًا واح ـ ًدا‪ ،‬بــأن اكتفــوا بنقــد كتــاب الربكــوي املســمى بالطريقــة املحمديــة‪:‬‬
‫الشــخصية األوىل‪ :‬محمــد أفنــدي املعروف باملــا الكردي‪ ،‬فقد كان يرد عىل أتباع الحركة بشــدة‪ ،‬لذا‬
‫فقــد لجأت الحركة إىل شــيخ اإلســام الســتصدا ِر فتــوى منه بقتل الرجــل‪ ،‬لكنهم مل ينجحــوا يف ذلك(‪.((5‬‬
‫أمــا الشــخصية الثانيــة‪ :‬حســن أفنــدي الكفــي وقــد كان معروفًــا باإلمــام الترتي‪ ،‬شــخصية شــجاعة‪.‬‬
‫ـاب الطريقــة املحمديــة‪ ،‬وقــال بــأن جــز ًءا مــن هــذا الكتــاب بــه أفــكار باطلــة ال‬
‫وقــد تنــاول كتـ َ‬

‫(‪ ((5‬وقــد كان يوجــد يف حركــة قــايض زاده رؤوس تعصــب أمثــال أحمــد الــريك ومصطفــى الديــواين‪ ،‬كانــوا يشــعلون الفتنــة‬
‫ويحركونهــا ويأتــون بفهــم غريــب للديــن‪ ،‬كــا يقــول املــؤرخ ناميــا‪.Naima, V, 55, 266-227 ،‬‬
‫(‪ ((5‬ومــن بــن الذيــن انتقــدوا الطريقــة املحمديــة عبــد األحــد أفنــدي نــوري‪ ،‬وهــو أحــد خلفــاء الشــيخ الســيوايس ومــن‬
‫آحــاد الجامعــة الخلوتيــة املتقدمــن يف زمانــه‪ ،‬ونعلــم أنــه قــد عومــل أيضً ــا بنفــس الطريقــة التــي عومــل بهــا اآلخــرون‪،‬‬
‫(‪ )383,Fezleke,n‬ويف قناعــة كاتــب شــلبي الشــخصية كل هــذه الــردود التــي كتبــت مل يكــن يحتــل أصحابهــا مكان ـ ًة علميــة‪،‬‬
‫وقــد ألــف عبــد األحــد أفنــدي نــوري يف مســألة مرشوعيــة الــدوران والرقــص‪ ،‬رســالة دوران الصوفيــة وهــي موجــودة يف املكتبــة‬
‫‪23‬‬ ‫الســليامنية (‪.)Süleymeaniye Hacı Raşid Paşa. Nr. &7/5‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫ـح؛ ين ُقـ ُـل يف ذلــك آرا َء العلــاء الســابقني عليــه‪ ،‬إضافـ ًة إىل أنــه أثبــت أن معظــم األحاديــث التــي‬
‫تصـ ُّ‬
‫وردت بــه أحاديــثُ موضوعـ ٌة ال ص َّحـ َة لهــا‪.‬‬
‫وقــد تضايقــت منــه حركــة قــايض زاده‪ ،‬وفعلــوا كــا فعلــوا مــع ســاب ِقه فســارعوا إىل شــيخ اإلســام‬
‫الســتصدار فتــوى بقتلــه‪ ،‬لكــن شــجاعة الكفــي وقفــت أمامهــم؛ فدعاهــم إىل مناظــرة مشــهودة‬
‫ابتــدا ًء مبحمــد أفنــدي األســطواين نفســه إىل بقيــة أفــراد الحركــة‪ ،‬لكنهــم رفضــوا هــذه الدعــوة‬
‫ـي بــه‪.‬‬
‫بشــدة‪ .‬وذهبــوا مــر ًة أخــرى يك يضغطــوا عــى شــيخ اإلســام بهــي أفنــدي‪ ،‬لكنــه أىب أن يُض ِّحـ َ‬
‫لكــن يف ينايــر ســنة ‪1633‬م اضطــر أن يعقــد مجلســا للعلــاء ويأمــر فيــه مبحــو كتبــه وأخــذ التوبــة‬
‫منــه بــأال يعــود إىل فعلــه مــرة أخــرى(‪.((5‬‬
‫وهــذه الحادثــة ســالفة الذكــر بقــدر مــا ت ُثبــت نفــو َذ وقــوة الحركــة‪ ،‬فإنهــا تثبــت ً‬
‫أيضــا الضعــف‬
‫العلمــي لديهــم‪ ،‬هــذا الضعــف الــذي مل يكــن ليتحمــل أدىن محــاوالت النقــد الجــادة‪ .‬كــا أنــه‬
‫بســبب فشــلِ علــاء هــذه الفــرة يف أن يصنعــوا جبهـ ًة موحــدة تضخــم خطــور َة هــؤالء أصبــح لهــم‬
‫كل مــن مــا الكــردي واإلمــام التــري وح َدهــا‪،‬‬‫آثــا ٌر مــن الصعــب مح ُوهــا أو إزالتهــا‪ .‬ولــو مل يــرك ّ‬
‫الســتطاعوا أن ميحــوا هــذه الحركــة وآثارهــا وقتــذاك‪.‬‬
‫ومــن ثــم فــإن هــذا العجــز الــذي أصــاب العلــاء آنــذاك اســتغلته حركــة قــايض زاده ال ســيام يف‬
‫الســنوات التاليــة عــى ســنة ‪1640‬م‪ ،‬فبلغــت أوج قوتهــا وســيطرتها ونفوذهــا يف املجتمــع‪.‬‬

‫‪ -8‬تدخل محمد باشا الكوبرليو نهاية حركة قاضي زاده‪:‬‬


‫اس ــتمرت ق ــوة حرك ــة ق ــايض زاده برئاس ــة محم ــد أفن ــدي األس ــطواين حت ــى وقع ــت حادث ــة‬
‫تش ــينار ‪( Çinar‬وق ــواق ‪ )Vakvak‬املش ــهورة يف ‪ 4‬م ــارس س ــنة ‪1656‬م(‪ ،((5‬وق ــد اس ــتح ّر القت ــل يف‬
‫كث ـرٍ م ــن داعميه ــم ومؤيديه ــم وحامته ــم يف ه ــذه الوقع ــة‪ .‬وحين ــا أىت الوزي ــر األعظ ــم الجدي ــد‬
‫بوين ــو آغ ــري وض ــع ي ــده ع ــى ح ــركات الع ــزل والتعي ــن‪ ،‬وبذل ــك ُح ِر َم ــت الحرك ــة م ــن قوته ــا‬
‫اإلداري ــة واالقتصادي ــة(‪ ،((5‬وم ــن ث ــم ب ــدأوا حمل ــة ض ــد الوزي ــر األعظ ــم‪ ،‬وص ــادف ه ــذا س ــيطرة‬

‫(‪ ((5‬انظر إىل املراجع سالفة الذكر‪.‬‬


‫(‪ ((5‬لالطالع عىل معلومات تخص هذه الحادثة ينظر‪:‬‬
‫‪Uzunçarşılı, III, 258-299; Dainşmend, IÜ, 420-421.‬‬
‫‪(55) A.ge, III, 421-422; Uzunçarşılı, III, 303-305.‬‬ ‫‪24‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫البنادق ــة ع ــى بع ــض ج ــزر بح ــر إيج ــة‪ ،‬فواف ــق ه ــذا هواه ــم ووج ــدوا فرصــ ًة يف ع ــزل الوزي ــر‬
‫األعظ ــم‪ ،‬وت ــم له ــم مراده ــم(‪.((5‬‬
‫وحينــا أىت الوزيــر األعظــم الجديــد محمد باشــا الكوبِريل اعتقــدت الحركة أنهم ســيعودون لقوتهم‬
‫عرضا‬
‫القدميــة‪ ،‬فحرصــوا عــى إظهــار قوتهــم لهــذا الوزيــر الجديــد‪ ،‬ونظمــوا يف ثامــن يوم مــن توليتــه ً‬
‫خارج‬
‫عســكريًّا‪ ،‬وناســب هــذا يــوم الجمعــة‪ ،‬وقــد أراد مؤذنــو جامــع الفاتــح قـراء َة األذان باملقامــات َ‬
‫الجامــع‪ ،‬لكنهــم وجــدوا ردة فعــل عنيفــة مــن قبــل الحركــة‪ ،‬مــا ســبب بعــض األحــداث املؤســفة‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن ذلــك اســتمرت الحركــة يف تهورهــا‪ ،‬وعزمــوا عــى هــدم كل التكايــا الصوفيــة يف‬
‫إســتانبول أو يف خارجهــا باســم األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر‪ ،‬ودعــوا النــاس ملســاعدتهم يف‬
‫أيضــا أن بعــد انتهائهــم مــن هــدم هــذه التكايــا أن يذهبــوا إىل املشــايخ‬ ‫ذلــك‪ ،‬وكان مــن نيتهــم ً‬
‫والدراويــش ويدعوهــم إىل تجديــد إميانهــم‪ ،‬وإن مل يفعلــوا ذلــك فســيكون جزاؤهــم القتـ َـل‪ ،‬وكذلــك‬
‫ســيذهبون إىل الســلطان ليأخــذوا منــه إذنًــا مبحــو كل البــدع بأنفســهم‪ ،‬ابتــداء مــن هــدم كل املنارات‬
‫الزائــدة يف الجوامــع آنــذاك‪ ،‬فــكل جامــع البــد أن تكــون بــه منــارة واحــدة(‪.((5‬‬
‫لقــد خــاف محمــد باشــا الكو ِبــريل مــن النتائــج الســيئة التــي ســترتتب عــى هــذه األفــكار إذا‬
‫تحققــت يف هــذه الفــرة الحساســة‪ ،‬لــذا رأى أن يتدخــل بإرســال رجالِــه إىل أتبــاع الحركــة ملحاولــة‬
‫مجلســا للعلــاء‬
‫ً‬ ‫أول‪ ،‬فلــا مل يجــد فائــدة ذلــك‪ ،‬عقــد‬ ‫إقناعهــم أن يرجعــوا عــا ينــوون فعلَــه ً‬
‫ـب‬
‫وبحضــور الســلطان محمــد الرابــع أخــذ فتــوى منهــم بــأن هــؤالء "يوقظــون الفتنــة وأن الواجـ َ‬
‫جزاؤهــم عــى أفعالهــم"‪.‬‬
‫وعــى هــذا أصــدر الســلطان أم ـ ًرا بالقبــض عــى املتهمــن وإعدامهــم(‪((5‬؛ ابتــداء مبحمــد أفنــدي‬
‫األســطواين إىل أحمــد الــريك ومصطفــى الديــواين‪ ،‬وقــد كانــوا مــن الوعــاظ‪ ،‬قبــض عليهــم جمي ًعــا‪،‬‬
‫وبهــذا تجنــب الوزيـ ُر األعظــم أحداثًــا خطــرة قبــل وقوعهــا‪ ،‬لكنــه اكتفــى بنفيهــم إىل قــرص خوفًــا‬
‫مــن إعدامهــم(‪ ،((5‬وقــد كانــت هــذه نهايــة حركــة قــايض زاده فعل ًّيــا‪.‬‬

‫‪(56) Naima VI, 224.‬‬


‫‪(57) A.ge., VI, 244-226; SilahdarTarihi. I. 59; krş. Uzunçarşılı, III, 372-373.‬‬
‫(‪ ((5‬انظر إىل املراجع سالفة الذكر‪.‬‬
‫(‪ ((5‬وقــد يفــر هــذا بــأن محمــد باشــا الكو ِبــريل فعــل ذلــك ألنــه قــد أىت إىل الســلطة جديـ ًدا وخــاف مــن ردة فعــل قويــة مــن‬
‫‪25‬‬ ‫قبــل حركــة قــايض زاده‪.‬‬
‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين ‪ -‬حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬

‫‪ -9‬نتيجة البحث‪:‬‬
‫خرجـــت حركـــة قـــايض زاده ألول مـــرة يف القـــرن الســـابع عـــر امليـــادي يف وقـــت قـــد‬
‫أص ــاب اإلمرباطوريــ َة العثامني ــة تده ــو ٌر كبــ ٌر‪ ،‬وكان ــت األس ــباب الديني ــة ه ــي س ــبب ظهوره ــا‪،‬‬
‫فمقصده ــا ه ــو تنقي ــة وتصفي ــة الدي ــن م ــا عل ــق ب ــه م ــن محدث ــات‪ ،‬ورأت أن ه ــذا الطري ــق‬
‫لنج ــاة األم ــة وانتش ــالها م ــن التده ــور ال ــذي وقع ــت في ــه‪ .‬ورغ ــم ذل ــك ف ــإن مبش ــاهدة تسلس ــل‬
‫األح ــداث س ــالفة الذك ــر‪ ،‬فإن ــه يتب ــن لن ــا حقيق ــة أن املقص ــد لي ــس ه ــو تصفي ــة الدي ــن‪ ،‬وله ــذا‬
‫‪ -‬ك ــا ن ــرى ‪ -‬حرك ــة ق ــايض زاده اس ــتفادت بش ــكل كب ــر م ــن البيئ ــة املحيط ــة به ــا آن ــذاك‪،‬‬
‫واس ــتعملت لوحــ َة تصفي ــة الدي ــن لدخ ــول مس ــاحة الــراع ع ــى النف ــوذ والس ــلطة واس ــتخدام‬
‫ذل ــك للمنفع ــة الش ــخصية‪.‬‬
‫ويف عــر الســلطان مـراد الرابــع اسـتُخدمت هــذه الحركــة لفــرة معينــة لدعــم السياســة الداخلية‬
‫للدولــة‪ ،‬لكنــه بعــد وفــاة م ـراد الرابــع وقــد كان رجـ ًـا قويًّــا حك ًيــا‪ ،‬ومجــيء محمــد الرابــع وهــو‬
‫طفــل صغــر اشــتد ال ـراع بــن الســيوايس وقــايض زاده؛ مــا أدى دخــول املجتمــع مرحل ـ َة تدهــور‬
‫دينــي نســب ًّيا‪ ،‬لكــن الوزيــر األعظــم محمــد باشــا الكو ِبــريل قــد تدخــل يف الوقــت املناســب يك ينهــي‬
‫األزمــة‪ ،‬وبالفعــل قــد انتهــت‪ ،‬لكــن أتبــاع الحركــة كانــوا مســتمرين يف اإلمرباطوريــة العثامنيــة‪ ،‬كــا‬
‫نــرى امتــدا ًدا لهــم يف يومنــا الحــارض يف تركيــا(‪.((6‬‬

‫(‪ ((6‬بعــد االنتهــاء مــن كتابــة هــذه املقالــة‪ُ ،‬علــم بــأن نجــايت أوزتــرك ‪ Necati Öztürk‬قــد عمــل عــى حركــة قــايض زاده رســالة‬
‫دكتــوراه بإنجلـرا‪ ،‬لكــن لليــوم الــذي ُدفعــت هــذه املقالــة إىل الطبــع‪ ،‬مل يتيــر االطــاع عــى هــذه الرســالة‪.‬‬ ‫‪26‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

:‫املراجع‬

Bkz:Birigivi, es-seyfü's-Sarim fi Ademi Cevâz Vakfi'n-Nükûd ve’d-Derâhim,


Süleymaniye Esad Efendi Ktp, nr. 1581.

H. GaziYurdaydın, ‘Türkiye’nindinitarihineumumibirbakış’ IFD, IX s.117.

Hakkı Uzunçarşılı, Osmanli Tarihi, Ankara 1951 3/228-349, 375-470;


Mustafa Akdağı, Anadulu Halkin Dirlik ve Düzenlik kavgası: Celâli İsyanları, Is-
tanbul 1975, 2 bs; Halil Inanlcılık, The Ottoman Empire Classical Age, Londra,
1973, s.41-52; Stanford J. Shaw, History of The Ottoman Empire and Modern
Turkey, Cambridge 1977, I, 169-200

HakkıUzunçarşılı, OsmanliTarihi, Ankara 1951 3/228-349, 375-470;


Mustafa Akdağı, AnaduluHalkinDirlikveDüzenlikkavgası: Celâliİsyanları, Istan-
bul 1975, 2 bs; HalilInanlcılık, The Ottoman Empire Classical Age, Londra, 1973,
s.41-52; Stanford J. Shaw, History of The Ottoman Empire and Modern Turkey,
Cambridge 1977, I, 169-200

Naima, VI, 220, Fındıklı Mehmet Ağa, Silâhdar Tarihi, İstanbul, 1928, I,27.

Naima, VI, 220, Fındıklı Mehmet Ağa, Silâhdar Tarihi, İstanbul, 1928, I,27.

Naima,VI, 223; krş. Mufassal Osmanlı Tarihi, İstanbul 1960, IV, 2047;
Shaw. I, 207.

Uzunçarşılı, OsmanlıTarihi, Ankara 1964. 2 bs, II,345-361; Hami-


Danışmend, İzahlıOsmanlıTarihiKronolojisi, İstanbul, 1971, 2, H,121-328; İnan-
lcık, s.35-41; Shaw, I,81-111.

W. Montogomry Watt, Islamic Philosophy and Theology, Edinbourg 1962.


P. 159-167; Henri Laoust, Les Schismes dans l’Islam, Paris 1956, p.266-276; Henri
Laoust, “ibn Tayimyya”, EI2, Harun Han Şirvanî, Islâm’da Siyâsi Düşnce ve İdare,
Çev: Kemal Kuşçu, İstanbul 1956.
27
‫ حركة قاضي زاده يف اإلمرباطورية العثمانية‬- ‫ترجمات | الدعوة إىل تصفية الدين‬

W. Montogomry Watt, Islamic Philosophy and Theology, Edinbourg 1962.


P. 159-167; Henri Laoust, Les Schismesdansl’Islam, Paris 1956, p.266-276; Henri
Laoust, “ibn Tayimyya”, EI2, Harun Han Şirvanî, Islâm’daSiyâsiDüşnceveİdare,
Çev: Kemal Kuşçu, İstanbul 1956, s. 115-125.

28
All rights reserved © 2018 2018 © ‫جميع الحقوق محفوظة‬

You might also like