Professional Documents
Culture Documents
التحكيم في العقود الإدارية
التحكيم في العقود الإدارية
GC±d:94±c79ê±
Ô»±¹±«C179dR4±¹C$±
2018^R¯30c¯29`
امللتقى العلمي الثالث
االحتاد العربي للق�ضاء الإداري
حتت عنوان
التحگيم في العقود اإلدارية
دولة الگويت
30 - 29إبريل 2018
العلمي الثالث
الملتقـى
5
التحگيم في العقود اإلداريـة
تقديم
احلمد & وحده ،والصالة والسالم على من ال نبي بعده ،أما بعد:
فق� � ��د عرفت املجتمعات اإلنس� � ��انية التحكيم منذ القدم كوس� � ��يلة حلل كثير من
املنازعات التي تنش� � ��أ بني األفراد واجلماعات ،ولقد س� � ��اهم هذا العصر -عصر
العوملة -في انتشار التحكيم ملا حمله هذا العصر من حترير للعالقات اإلقتصادية
الت� � ��ي لم تعد تع� � ��رف احلدود اجلغرافية ،وأضحى اللجوء إلى مؤسس� � ��ة التحكيم،
لتسوية املنازعات املدنية ،والتجارية ،واإلدارية ،الداخلية منها والدولية ،هو البديل
عن اللجوء إلى القضاء العادي ،ملا تتمتع به هذه املؤسس� � ��ة من مزايا قد ال تتوفر
في احملاكم أو القضاء العادي.
وم� � ��ع تطور تدخل الدولة املباش� � ��ر في احلياة االقتصادي� � ��ة ،ودخولها طوفاً في
عملي� � ��ات التبادل الدول� � ��ي بصفة خاصة ،صارت احلاج� � ��ة للتحكيم في املنازعات
اإلداري� � ��ة وباألخص العقود اإلدارية منها ملحة؛ ملا ف� � ��ي ذلك من اختصار للوقت،
وطمأنينة ينشدها بعض األطراف املتعاقدين مع الدولة.
ونظراً ألهمي� � ��ة املوضوع وحيويته فقد عقد االحت� � ��اد العربي للقضاء اإلداري،
امللتقى العلم� � ��ي الثالث حتت عنوان «التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية» ،يومي األحد
واإلثنني املوافقني 29و 30أبريل س� � ��نة ،2018بدول� � ��ة الكويت ،وذلك بالتعاون مع
املجل� � ��س األعلى للقضاء ومعهد الكويت للدراس� � ��ات القضائي� � ��ة والقانونية وحتت
رعاية كرمية من معالي املستش� � ��ار الدكتور/فهد محمد محس� � ��ن العفاسي -وزير
العدل ووزير األوقاف والشئون اإلسالمية بدولة الكويت.
وعق� � ��د امللتقى جلس� � ��اته الثمان بحضور الس� � ��ادة رؤس� � ��اء املجال� � ��س القضائية
العليا العربية ولفيف من الس� � ��ادة قضاة الدول العربية وقضاة الس� � ��لطة القضائية
بالكويت.
ونورد في هذا اإلصدار ما تناوله امللتقى خالل جلس� � ��اته من أوراق علمية حول
التعري� � ��ف بالتحكيم في العقود اإلدارية ،واملوقف الفقهي والتش� � ��ريعي والقضائي
م� � ��ن جواز اللجوء للتحكيم ،والتطور الذي حلق بتلك املس� � ��ألة ،ومدى مش� � ��روعية
االتفاق عليه وأش� � ��كال اتفاق التحكي� � ��م وإجراءاته والتحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية
الدولي� � ��ة والقانون الواجب التطبيق ,وحجية أح� � ��كام هيئات التحكيم أمام احملاكم
الوطنية ،وتنفيذها ,وأخيراً طرق الطعن في أحكام هيئة التحكيم .حتى تكون معني
للمختص واستزادة للمهتم وكفاية للمقتصد.
7
التحگيم في العقود اإلداريـة
9
التحگيم في العقود اإلداريـة
وأجازت املادة 12استئناف األحكام الصادرة من محكمة أول درجة إذا كان النزاع
غير مقدر القيمة أو كانت قيمته تتجاوز ألف دينار وعدا ذلك يكون احلكم نهائياً،
كما نصت املادة 15من ذات القانون على أن يسري على الدعاوى املنصوص عليها
فيه واألحكام الص� � ��ادرة فيها وطرق الطعن في هذه األحكام القواعد واإلجراءات
املنص� � ��وص عليها في قانون املرافعات املدنية والتجاري� � ��ة ،مبا مؤداه جواز الطعن
في األحكام الصادرة من محكمة االستئناف الدائرة اإلدارية أمام محكمة التمييز
بذات إجراءات الطعن في سائر األحكام االستئنافية.
11
13
اجللس ــة الرابعة
التحكيم في العقود اإلدارية الدولية. 1:30إلى 2 :00
رئيس اجللسة :املستشار الدكتور /فهد أبو صليب
نائ� � ��ب مدير معه� � ��د الكويت للدراس� � ��ات القضائي� � ��ة والقانونية
لالتصاالت والعالقات والبحوث.
األستاذ الدكتور /أحمد صادق القشيرى
أس� � ��تاذ القانون الدولي ،احملكم الدولي ،عضو احملكمة اإلدارية
للبنك الدولي.
عرض منوذج تطبيقي
«القضية التحكيمية اخلاص� � ��ة بدولة الكويت في القضية التاريخية
املتعلقة بتأميم عقد إمتياز شركة أمينويل العاملة في املنطقة احملايدة،
والذي صدر في شأنه احلكم اإلجماعي في مارس »1982
15
اجللس ــة السابعة
القان���ون الواج���ب التطبيق ،حجي���ة حكم هيئ���ة التحكيم أمام 11:30إلى 12 :30
احملاكم الوطنية ،التنفيذ العابر للحدود.
رئيس اجللسة :السيدة /سمية عبد الصدوق
رئيسة مجلس الدولة اجلزائري
االستاذ الدكتور /أحمد صادق القشيري
أس� � ��تاذ القانون الدولي ،احملكم الدولي ،عضو احملكمة اإلدارية
للبنك الدولي.
جتارب من املنطقة العربية
«تنفيذ القرار التحكيمي في القانون العراقي»
املستشار الدكتور /علي فوزي املوسوي
املستشار مبجلس الدولة بالعراق
اجللس ــة الثامنة
«طرق الطعن على أحكام هيئة التحكيم في العقود اإلدارية (تفسير 12:30إلى 1 :30
حكم التحكيم -تصحيح حكم التحكيم »...)............ -
رئيس اجللسة :املستشار الدكتور /برهان أمر ا&
رئيس محكمة اس� � ��تئناف القاهرة األسبق ،األمني العام لالحتاد
العربي للتحكيم.
جتارب من املنطقة العربية -املشاركون من القضاة
«أساس الرقابة القضائية وحجية أحكام التحكيم»
املستشار الدكتور /عبد اللطيف نايف
نائب رئيس مجلس الدولة بالعراق
املستشار /سعيد التوبى
نائب رئيس محكمة القضاء اإلداري بسلطنة ُعصمان.
املستشار /عقيل الشريف
رئيس الدائرة االبتدائية الثانية مبحكمة القضاء اإلداري بس� � ��لطنة
ُعمان.
«طرق الطعن في أحكام هيئة التحكيم في العقود اإلدارية باجلزائر».
املستشار /ميسوري اعمارة
مستشار الدولة ،مبجلس الدولة اجلزائري
العلمي الثالث
الملتقـى
16
التحكيم
وتطور اخلالف الفقهي والق�ضائي
حول جوازه يف العقود الإدارية
دگتور
جابـ ــر جــاد نصــار
أستاذ ورئيس قسم القانون العام
والرئيس السابق جلامعة القاهرة
العلمي الثالث
الملتقـى
19
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم أس� � ��لوب لفض املنازعات ُملزم ألطرافها .ويَنبني على اختيار اخلصوم
بإرادتهم أفراداً عاديني للفصل فيما يثور بينهم من نزاع.
والتحكيم بهذا املعنى يُقدم على اعتبار أنه بديل لنظام التقاضي ،أمام احملاكم
الت� � ��ي تنظمه� � ��ا الدولة .فهو يتميز ببس� � ��اطة إجراءاته وس� � ��رعته ف� � ��ي الفصل في
املنازعات .وذلك راجع إلى أن التحكيم يخفف كثيراً من اإلجراءات الصارمة التي
يخضع لها نظام التقاضي.
وذلك ألن القضاء ش� � ��ديد التحوط حلقوق األفراد .وهو ينظر في األنزعة التي
تع� � ��رض عليه ،ويقض� � ��ي فيها بحكم عبر إجراءات حددها القانون ال يس� � ��تطيع أن
يغيرها أو يبدلها.
هذا كله بخالف التحكيم ،فأطراف املنازعة يختارون من يقضي في خصوماتهم،
ويختارون اإلجراءات التي يجب أن يسيروا عليها حني الفصل في هذه اخلصومات.
ال عن حتديد املدة التي يجب صدور حكم التحكيم خاللها .وهذه أمور غير هذا فض ً
واردة عند التقاضي أمام احملاكم ،فقد تستمر املنازعة أمام القضاء سنني عدداً.
والتحكيم بهذا املعنى وجد نطاقه الطبيعي منذ أمد بعيد في منازعات التجار.
فاملعامالت التجارية بصفة عامة شديدة احلساسية ملشكلة الوقت الذي تستغرقه
املنازعات أمام القضاء.
عل� � ��ى أنه في اآلونة األخيرة ب� � ��دأ التحكيم يُقدم على أنه نظام عاملي وبدأ نطاق
تطبيقه يتس� � ��ع ليش� � ��مل منازعات جديدة .وبدأت األمم املتحدة واألجهزة القانونية
التابعة لها تنش� � ��ط في إصدار مشروعات القوانني التي توحد نظم التحكيم وتعمم
أنظمته وتدعو الدول األعضاء لألخذ بها .عالوة على إبرام املعاهدات الدولية التي
تضمن ألحكام التحكيم ذات الفاعلية واالحترام الواجب ألحكام القضاء الوطني.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
20
التحگيم في العقود اإلداريـة
عل� � ��ى أنه مهما قيل ف� � ��ي التحكيم من مميزات ،فإنه عل� � ��ى خالف القضاء فيه
ترخ� � ��ص في الضمانات اإلجرائية واملوضوعية ،ث� � ��م إنه يضع اخلصومة بني يدي
هيئ� � ��ة حتكيم هي في الغال� � ��ب أجنبية ،وتطبق قانوناً أجنبي � � �اً ،واحلكم فيه نهائي
وغالباً ال يقبل الطعن بأي طريق.
كل هذه األمور -وغيرها مما سوف نعرضها في دراستنا -جعلت حتديد نطاق
التحكي� � ��م أمراً في غاية األهمي� � ��ة حتى ال تُهدر من خالل� � ��ه مصالح تفوق أهميته
ومميزاته.
ومن املشكالت التي أثارت جدالً في الفقه وأحكام القضاء «التحكيم في العقود
اإلدارية» .وذلك لتمايز هذه العقود من غيرها من العقود املدنية س� � ��واء من حيث
خضوعها لنظام قانوني وقضائي مختلف أم من حيث اس� � ��تهدافها املصلحة العامة
وذلك التصالها بتس� � ��يير وتنظيم املرافق العامة في الدولة .باإلضافة إلى أن كثيراً
من هذه العقود يتعلق باستغالل الثروات الطبيعية للدولة.
تتعدد التعريفات لنظام التحكيم إال أنها جُتمع على أنه أسلوب لفض املنازعات
ُملزم ألطرافها .وينبني على اختيار اخلصوم بإرادتهم أفراداً عاديني للفصل فيما
يثور بينهم أو يُحتمل أن يثور بينهم من نزاع(.)1
( )1في تعريف التحكيم راجع:
محس� � ��ن ش� � ��فيق :التحكيم التجاري الدولي -دراس� � ��ة في قانون التجارة الدولية -دار النهضة العربية-
ص -13مخت� � ��ار بري� � ��دي :التحكي� � ��م التجاري الدول� � ��ي -دار النهضة العربي� � ��ة ،1995 -ص - 5أبو زيد
رضوان -األس� � ��س العامة في التحكيم التجاري الدولي ،1981 -دار الفكر العربي -ص - 19نارميان
عبدالق� � ��ادر -إتفاق التحكي� � ��م - 1996 -دار النهضة العربية ،ص ،24عزمي عبدالفتاح :قانون التحكيم
الكويتي ،مطبوعات جامعة الكويت ،الطبعة األولى ،1990 ،ص.11
Robert (J) : L Arbitrage, droit interne droit international privé 6e éd. Dalloz
1993 avec la collaboration de Me Bertrand Moreau, p. 3 et s.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
21
التحگيم في العقود اإلداريـة
وعلى ذلك فإن نظام التحكيم أساسه إرادة األطراف؛ فهم الذين يفضلونه على
قضاء الدولة .وهم الذين يحددون عدد احملكمني ،ويس� � ��مونهم إن شاءوا ،ويعينون
مكان التحكيم وإجراءاته والقواعد التي يخضع لها.
على أنه إذا كانت إرادة األطراف هي التي تنشىء اتفاق التحكيم وحتدد القواعد
التي حتكمه فإن األمر يتطلب تدخل املشرع للنص بداءة على جواز التحكيم ذلك أن
إرادة اخلصوم وحدها ليست كافية خللقه( .)1كما يحدد نطاق التحكيم أي حتديد
املسائل التي يجوز فيها التحكيم وتلك التي تعتبر مناطق محرمة ال يرتادها( .)2كما
يبني كيفية تنفيذ أحكام احملكمني والطعن عليها.
وعرفت احملكمة الدستورية العليا التحكيم في قضائها فذهبت إلى أن« :وحيث
إن قض� � ��اء هذه احملكمة مطرد على أن األص� � ��ل في التحكيم هو عرض نزاع معني
بني طرف� �ي��ن على ُمحكم من األغيار يعني باختيارهم� � ��ا أو بتفويض منهما أو على
ضوء ش� � ��روط يحددانها ليفصل هذا احملكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن
شبهة املماألة مجرداً من التحامل وقاطعاً لدابر اخلصومة في جوانبها التي أحالها
ال من خالل ضمانات الطرف� � ��ان إلي� � ��ه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظ� � ��ره تفصي ً
التقاضىالرئيس� � ��ية ....ويلتزم احملكمون بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه
ال وفقاً لفحواه ليؤول التحكيم إلى وس� � ��يلة فني� � ��ة لها طبيعة قضائية
تنفي� � ��ذاً كام ً
غايتها العقل في نزاع مبناه عالقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص
يستمد احملكمون منه سلطاتهم»(.)3
( )1أحمد أبو الوفا :التحكيم اإلختياري واإلجباري ،ط ،1978 ،3منشأة دار املعارف -اإلسكندرية ،ص.16
( )2تنص املادة 11من القانون رقم 27لس� � ��نة 1994بش� � ��أن التحكيم في امل� � ��واد املدنية والتجارية في مصر
على ما يلي «ال يجوز االتفاق على التحكيم إال للش� � ��خص الطبيعي أو اإلعتباري الذي ميلك التصرف في
حقوقه ،وال يجوز التحكيم في املسائل التي ال يجوز فيها الصلح».
( )3حكم احملكمة الدستورية العليا في القضية رقم 65لسنة 18قضائية دستورية بجلسة 6يناير .2001
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
22
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي متييزها للتحكيم عن غيره من األنظمة املشابهة ذهبت احملكمة الدستورية
العليا في حكمها بجلس� � ��ة 17ديس� � ��مبر 1994إلى أن «وحي� � ��ث إن التحكيم بذلك
يختل� � ��ف عن أعمال اخلبرة ذلك أن قوامها ليس قراراً ملزماً بل مناطها آراء يجوز
إطراحها أو جتزئتها والتعدي� � ��ل فيها .كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق
ب� �ي��ن وجهات نظر يعارض بعضها البعض ،إذ هو تس� � ��وية ودي� � ��ة ال حتوز التوصية
الصادرة في ش� � ��أنها قوة األمر املقضي بل يكون معلقاً إنفاذها على قبول أطرافها
في أن تتقيد بها إال بش� � ��رط انضمامه� � ��ا طواعية إليها .ومن ثم يؤول التحكيم إلى
وس� � ��يلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه عالقة محل
اهتم� � ��ام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يس� � ��تمد احملكمون منه س� � ��لطاتهم وال
يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة(.)1
والتحكيم بهذا املعنى يقدم على أنه بديل لنظام التقاضي أمام احملاكم .فاتفاق
أطراف عالقة ما على اللجوء إلى التحكيم لفض نزاع معني إمنا يعني في حقيقته
سلب الختصاص قضاء الدولة( .)2الذي كان يجب عرض النزاع عليه للفصل فيه لو
ل� � ��م يوجد اتفاق التحكيم .وهو أمر يترتب عليه بالضرورة انتهاء اخلصومة مبجرد
صدور قرار من احملكمني .فهذا القرار يعتبر منهياً للخصومة محل النزاع.
وإذا كان التحكيم كوس� � ��يلة لفض املنازعات ليس باألس� � ��لوب اجلديد فقد عرفته
احلضارات القدمية( .)3إال أن النصف الثاني من القرن العشرين قد شهد نهضة غير
مسبوقة لألخذ بنظام التحكيم كوسيلة لفض املنازعات في مجال التجارة الدولية.
( )1حكم احملكمة الدستورية العليا في القضية رقم 13لسنة 15ق دستورية -جلسة 17ديسمبر .1994
( )2مختار بريري :املرجع السابق ،ص.6
( )3فخري أبو س� � ��يف مبروك :مظاهر القضاء الش� � ��عبي لدى احلضارات القدمي� � ��ة -مجلة العلوم القانونية
واإلقتصادية -ص 3 ،1وما بعدها ،السنة السادسة -العدد األول -يناير ،1974محمد محسوب عبد
املجيد درويش :نش� � ��أة وتطور قانون التجارة الدولي -دراسة تاريخية -رسالة دكتوراه -جامعة القاهرة
-ص .635
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
23
التحگيم في العقود اإلداريـة
فعل� � ��ى الرغم م� � ��ن أن مصطل� � ��ح التحكي� � ��م التج� � ��اري الدول� � ��ي L arbitrage
Commercial Internationalإستخدم ألول مرة في مؤمتر األمم املتحدة للتحكيم
التجاري الدولي الذي انعقد بنيويورك سنة 1958بشأن االعتراف وتنفيذ قرارات
التحكيم األجنبي( .)1فإن نظام التحكيم قد أجته ليصبح نظاماً قضائياً عاملياً يعلو
ف� � ��وق النظم القضائية الوطنية ،وتعددت الهيئ� � ��ات واملنظمات التي متارس عملية
التحكيم .وتعددت االتفاقيات الدولية التي تضمن للتحكيم وقراراته ذات االحترام
الواجب ألحكام القضاء الوطني.
وارتبط نظام التحكيم في السنوات األخيرة بفكرة التنمية االقتصادية ،وجذب
االس� � ��تثمارات األجنبية ،ونادى كثير من الفقه بضرورة استقالله عن فروع القانون
التقليدية وإدخاله حتت مسمى القانون االقتصادي(.)2
وتأثراً باالعتبارات السياسية والتغييرات االقتصادية اتسع نطاق األخذ بنظام
التحكيم وتعدى العقود التجارية إلى عقود التنمية االقتصادية سواء أكانت عقوداً
مدنية أم عقوداً إدارية.
ولع� � ��ل حكم احملكمة الدس� � ��تورية العليا في القضية رقم 13لس� � ��نة 15بتاريخ
1994/12/17يلخ� � ��ص هذا التط� � ��ور بقولها «تبلور الطبيع� � ��ة الرضائية للتحكيم
ال إدارياً فقد كان األصل في التحكيم تطوراً تاريخياً ظل التحكيم على امتداده عم ً
أن يك� � ��ون تالياً لن� � ��زاع بني طرفني يلجآن إليه إما ألن احملك� � ��م محل ثقتهما أو ألن
ال مالئم � � �اً وكان ينظر إلى
الس� � ��لطة التي ميلكها قبلهما كان� � ��ت توفر لنزاعهما ح ً
ال حكيماً أو مهيباً بيد أن هذه احملك� � ��م بالتالي باعتباره صديقاً موثوقاً فيه أو رج ً
الصورة التقليدية ومع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا جاوزها التطور الراهن
( )1أبو زيد رضوان :املرجع السابق ،ص .3
( )2هدى محمد مجدي عبد الرحمن :دور احملكم في خصومة التحكيم وحدود س� � ��لطاته -رسالة دكتوراه -
حقوق القاهرة ،ص .5
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
24
التحگيم في العقود اإلداريـة
في العالئ� � ��ق التجارية والصناعية لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تس� � ��تقل
بذاتيته� � ��ا ذل� � ��ك أن التحكيم اليوم في صوره األكثر ش� � ��يوعاً ال يعود إلى اتفاق بني
طرف� �ي��ن قام بينهما ن� � ��زاع حول موضوع محدد ولكنها تتمثل في ش� � ��رط بالتحكيم
يقب� � ��ل الطرفان ميقتض� � ��اه الركون إليه ملواجهة نزاع محتمل ق� � ��د يثور بينهما .ولم
يعد احملكم في إطار هذا التطور مجرد ش� � ��خص مت اختياره لعالئق يربط بها مع
الطرف� �ي��ن املتنازعني وإمناغا التحكيم تنظيماً مهنياً تقوم عليه أحياناً جهة حتكيم
دائم� � ��ة تكون أقدر على تق� � ��دمي خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة بل إن نطاق
املسائل التي يشملها التحكيم متبايناً ومعقداً ولم يعد مقصوراً على تفسير العقود
أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخياً .ومش� � ��وباً بس� � ��وء النية أو مخالفة -من
أوجه أخرى -للقانون .وغير ذلك من املس� � ��ائل اخلالفي� � ��ة ذات الطبيعة القانونية
البحتة ب� � ��ل توخى التحكيم إلى جانبها -وعلى نحو متزايد -إمناء التجارة الدولية
ع� � ��ن طريق مواجهة نوع من املس� � ��ائل التي ال ميكن عرضه� � ��ا على القضاء أو التي
يكون طرحها عليه غير مالئم كتلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ في عقد
ال لتطويعها على ضوء الظروف غي� � ��ر مكتمل أو تعديل أحكام تضمنها العق� � ��د أص ً
اجلديدة التي البس� � ��تها -وإن ظل االتفاق دائماً -وباعتب� � ��اره تصرفاً قانونياً وليد
اإلرادة ناش� � ��ئاً عنها منبس� � ��طاً على أعمال التحكيم سواء في صورتها التقليدية أو
ال إليها وطريقاً وحيداً لها». من أبعادها اجلديدة ليكون مدخ ً
وذيوع التحكيم كوس� � ��يلة لفض املنازعات في إط� � ��ار التجارة الدولية يبرره عدة
عوامل منها(:)1
أو ًال :التحكيم يتميز ببساطة إجراءاته وسرعتها ،وذلك في مواجهة البطء الشديد
إلج� � ��راءات التقاضي أمام احملاكم .فالقضاء يحاط دائماً بإجراءات معقدة وطويلة
( )1راجع في ذلك ،محسن شفيق :التحكيم التجاري الدولي -املرجع السابق -ص 28وما بعدها.
Fouchard (PH.) :Larbitrage Commercial International thése, 1968-pp.11 et s .
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
25
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومتعددة الدرجات .وذلك ألن القضاء شديد التحوط حلقوق األفراد .هذا بخالف
التحكيم فأطراف العالقة هم الذين يحددون إجراءاته وميعاد صدور القرار فيه.
ثاني ًا :يتميز التحكيم بس� � ��رية إجراءاته إن أراد أطراف العالقة ذلك ،فهو أمر
يقررون� � ��ه .وف� � ��ي نطاق التجارية الدولية تعتبر الس� � ��رية أمراً مهم � � �اً ألن األمر قد
يتعلق بأسرار مهنية أو اقتصادية قد يترتب على عالنيتها اإلضرار مبركز أطراف
العالق� � ��ة .كما أن هذه الس� � ��رية حتد م� � ��ن تضخيم النزاع وقد تؤدي إلى التس� � ��وية
الودية ،ومن ثم اس� � ��تمرار العالقة بينهما .هذا كله بخالف التقاضي أمام احملاكم
والذي يسود مبدأ العالنية كل إجراءاته.
ثالث ًا :يتميز التحكيم أيضاً بأنه يعطي ألطراف العالقة قدراً كبيراً من احلرية
ف� � ��ي حتديد احملكمني الذين س� � ��وف ينظرون في النزاع وهو ال يش� � ��ترط فيهم أن
يكونوا قضاة .وهو أمر يؤدي إلى اختيارهم أش� � ��خاصاً ذوي خبرة مبوضوع النزاع،
هذا بخالف القاضي والذي يعني سلفاً من سلطات الدولة.
ويواجه التحكيم باعتراضات ترتد في أساس� � ��ها إلى أنه آلية من آليات النظام
الرأسمالي العاملي.
فالدور الذي يلعبه التحكيم التجاري الدولي في النظام القانوني اجلديد لرأس
املال هو الذي يفس� � ��ر ما تضمنته املادة الثامنة من القانون رقم 3لسنة 1974من
ج� � ��واز االتفاق على أن تتم تس� � ��وية املنازعات املتعلقة بتنفي� � ��ذ أحكام هذا القانون
بطريق التحكيم.)1(»..
( )1حس� � ��ام محمد عيسى :دراس� � ��ات في اآلليات القانونية للتبعية الدولية «التحكيم التجاري الدولي .نظرية
نقدية .بدون تاريخ وبدون دار نشر ،ص .6
ً
شبه البعض التحكيم كطريق لفض املنازعات بعيدا عن القضاء باإلعفاء الضريبي في املجال اإلقتصادي،
فكالهما يفلت من سيادة ونظام الدولة.
Ben Chikh (M) : les instruments juridiques de la politique de hydracarbures
«L.G.D.J, paris» , 1972 p 129.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
26
التحگيم في العقود اإلداريـة
فالتحكيم وسيلة لكي تتمكن وحدات هذا النظام وهي الشركات العابرة للقارات
من اإلفالت من التقاضي أمام القضاء الوطني.
وم���ن ناحي���ة ثانية ،فإنه م� � ��ن الناحية العملية توجد اعتب� � ��ارات كثيرة تؤثر في
اختي� � ��ار احملكمني ،وفي حتدي� � ��د القانون املطبق على الن� � ��زاع وذلك لوجود الدول
الرأس� � ��مالية والش� � ��ركات القوية كأطراف في عالقة التحكي� � ��م( .)1ومن ثم يضحى
األم� � ��ر في حقيقته فرض إرادة من جانب على جانب آخر .وإن مت األمر في نهاية
املطاف في صورة عقد رضائي.
فالس� � ��مة األساس� � ��ية التي متيز عالقات التجارة الدولية بني الشمال واجلنوب
هو عدم التكافؤ بني أطراف هذه العالقة من ناحية والتناقض الهائل بني مصالح
نفس هذه األطراف من ناحية أخرى.
ويتيح عدم التكافؤ هذا للطرف األقوى في عقود التجارة الدولية وهو الشركات
املتعددة اجلنس� � ��يات أن تفرض على الطرف األضعف وهو املشروعات العاملة في
الدول النامية ما يش� � ��اء من الش� � ��روط الكفيلة بتغليب مصاحله ومن بينها شروط
التحكيم(.)2
( )1أحمد القشيري :التحكيم في عقود الدولة ذات العنصر األجنبي -مجموعة محاضرات املوسم الثقافي
لنادي مجلس الدولة ،1981املجلد األول ،ص .99
Delvove (jean lauis): Arbitrage et ordre public dans les pays en développement,
Rev arbitrage 1979 p.95.
( )2حسام عيسى :املرجع السابق ،ص.21
وفي مناقشة مخاوف الدول النامية راجع:
Paulsson (J) : le tiérs monde dans larbitrage international, Rev. arbitrage,
1983 p.3. Audit Bernard: jurisprudence arbitrale et droit du développement:
collection «perspectives économiques et juridiques «sous la direction de Hervé
CASSAN, Economica, 1989, pp. 115 et s.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
27
التحگيم في العقود اإلداريـة
وم���ن ناحي���ة ثالث���ة :فإن التحكي� � ��م على خالف ما يقال يعتب� � ��ر مكلفاً جداً من
الناحي� � ��ة االقتصادي� � ��ة .فأتعاب احملكم� �ي��ن مرتفعة جداً والتي قد تصل بالنس� � ��بة
للمحك� � ��م الواحد في قضية واحدة إلى مبالغ ال يتحص� � ��ل عليها القاضي الوطني
طيلة عمله بالقضاء(.)1
عل� � ��ى أنه أياً كان الرأي من نظ� � ��ام التحكيم فإنه أصبح نظام � � �اً قضائياً عاملياً
وأصبح النص عليه في العقود التجارية سواء أكانت دولية أم محلية وسواء أكانت
مدنية أم إدارية يكاد يكون أمراً مس� � ��لماً .ومن ثم فإن معارضة نظام التحكيم على
أسس أيديولوجية لم تعد جتدي كثيراً في هذا األمر.
فنحن ندرك أن األخذ بالتحكيم مع التس� � ��ليم مبظاهر االختالل الواضحة بني
دول الش� � ��مال ودول اجلنوب ق� � ��د تنتج عنه مخاطر ومفاس� � ��د تضر مبصالح هذه
الدول .إال أن ترك ه� � ��ذا النظام والعدول عنه قد يترتب عليه فوات منافع عديدة
تصب في النهاية لصالح التنمية االقتصادية لهذه الدول ،والتي ال ميكن أن تتم إال
مبشاركة الدول املتقدمة أو املشروعات الكبيرة العاملة بها.
ومبعن� � ��ى آخر فإننا نرى أن األخذ بنظ� � ��ام التحكيم أو عدم األخذ به أصبح في
اعتقادنا خارج نطاق وقدرة األنظمة السياس� � ��ية والقانونية في دول العالم الثالث.
فل� � ��م يعد في مقدور هذه األنظمة أن ترفض تنظيم التحكيم التجاري الدولي ،وإال
أصبحت في معزل عن التطورات االقتصادية العاملية.
( )1جاء في جريدة الوطن الكويتية أن وزارة األشغال الكويتية حترص على عدم تضمني عقود الوزارة شرط
حتكي� � ��م ،وذل� � ��ك ألن التحكيم يكبد ال� � ��وزارة مصاريف باهظة( .الوطن الكويتي� � ��ة ،1997/1/25الصفحة
الرابعة).
وفي تكلفة التحكيم وإرتفاع أس� � ��عاره ،راجع :القش� � ��يري -التحكيم في عقود الدولة -املرجع السابق ،ص
.114
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
28
التحگيم في العقود اإلداريـة
وهنا تكمن املشكلة والتي يجب أن يواجهها الفقه والتشريع معاً .وهي ضرورة
احلد من اآلثار السيئة لنظام التحكيم وحتديد نطاقه ،وإعداد األشخاص والهيئات
التي تساعد على ذلك.
وإذا كن� � ��ا قد أبدينا هذا الرأي في الطبعة األولى من هذا املؤلف في أواس� � ��ط
تس� � ��عينات القرن املاضي فإن التطورات الت� � ��ي حدثت في الواقع العملي قد أثبتت
صحته إلى حد كبير .فالتحكيم العربي اآلن إن جاز لنا إطالق هذه التس� � ��مية قد
ال س� � ��حرياً
متي� � ��ز بأنه أصبح أكثر نضجاً وماهمة في واقع املال واألعمال ومثل ح ً
ف� � ��ي كثير من األحوال لظاه� � ��رة بطء التقاضي ذلك املرض العضال الذي تش� � ��كو
من� � ��ه األجه� � ��زة القضائية في كثير من دول العالم الثال� � ��ث ومنها بكل تأكيد النظام
القضائي املصري .وهو بطء بكل تأكي� � ��د يصعب للعالقات االقتصادية والتجارية
سواء أكانت محلية أو دولية التعايش معه .هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فقد أنشئت مراكز للتحكيم في كثير من الدول العربية وهي
مراكز لها طابع إقليمي ودولي أسهمت بعمل جليل في نشر ثقافة التحكيم كبديل
نظام التقاضي وضبط آلياته وتش� � ��ييد ضماناته حت� � ��ى أصبح نظام التحكيم أكثر
نضجاً وانضباطاً ولعل مراكز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري الدولي يأتي في
مقدمة هذه املراكز وأكثرها تأثيراً في واقع التحكيم العربي .وس� � ��اهم بجهد وافر
في نشأة جيل ذو خبرة واسعة في أعمال التحكيم في مصر والعالم العربي (.)1
( )1وهي أمور حترص دساتير الدول على اختالف مناهجها السياسية أو حتى مصداقيتها على النص عليها.
ومن ذلك الدس� � ��تور املصري الصادر في 11س� � ��بتمبر 1971في الفصل الرابع واخلامس بعنوان السلطة
القضائية ،املواد من 165حتى .178
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
29
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2العالقة بني التحكيم والقضاء:
ميثل القضاء سلطة من سلطات الدولة .ويعتبر القضاء مسئولية الدولة فعليها
أن تكفله للمواطنني وتيس� � ��ره لهم ،وتضمن اس� � ��تقالله ونفاذ أحكامه( .)1وهو أيضاً
مظهر أساسي من مظاهر سيادتها ألنه من أخص واجبات الدولة إقامة العدل بني
األشخاص والفصل في املنازعات التي تنشأ بينهم.
وعلى ذلك فإن القضاء هو الطريق الطبيعي لفض املنازعات بني األفراد .وهو
وسيلة الدولة إلقرار العدالة وحماية حقوق األفراد في املجتمع .ويترتب على ذلك
أنه ال يسوغ ألحد أن يرفض تنظيم الدولة للقضاء كوسيلة لفض املنازعات الناشبة
بني األفراد .كم� � ��ا أن الدولة لها أن جتيز لألفراد أن يفضوا منازعاتهم عبر طرق
أخرى غير القضاء ومن ذلك التحكيم(.)2
وعلى ذلك فإن التحكيم يعتبر استثناء من األصل العام .ومن ثم فإنه «ال يجوز
بح� � ��ال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أح� � ��د الطرفني إنفاذاً لقاعدة قانونية
آمرة ال يجوز االتفاق على خالفها .وذلك س� � ��واء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً
ال ،ذلك أن التحكيم مصدره االتفاق.)3(»... أو محتم ً
( )1أحمد أبو الوفا :التحكيم اإلختياري واإلجباري ،املرجع السابق ،ص .16
( )2حكم احملكمة الدس� � ��تورية العليا في الدعوى رقم 13لس� � ��نة 15قضائية دس� � ��تورية بجلس� � ��ة 17ديسمبر
-1994اجلريدة الرسمية -العدد الثاني في .1995/1/12
( )3ف� � ��ي تفصيل هذا اخل� �ل��اف الفقهي راجع :وجدي راغ� � ��ب فهمي ،هل التحكيم نوع من القضاء؟ دراس� � ��ة
انتقادية لنظرية الطبيعة القضائية للتحكيم -مجلة احلقوق -الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة
الكويت ،السنة 17العدد األول والثاني ،مارس -يونيو ،1993ص 131وما بعدها.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
30
التحگيم في العقود اإلداريـة
والعالقة بني القضاء والتحكيم ليس� � ��ت منقطعة .وال ميكن لها أن تكون كذلك.
وأي � � �اً كان الرأي في تكييف طبيعة التحكيم وهل هو عمل قضائي أم عمل تعاقدي
أم من طبيعة مختلطة (.)1
فعلى الرغم من أن سلطة احملكم تستمد أساساً من اتفاق األطراف على اللجوء
إلي� � ��ه وحتديد القواعد اإلجرائية واملوضوعية التي يلتزم بها حال قيامه بعمله .إال
أن األنظمة القانونية املختلفة حترص على أن يكون للقضاء الوطني رقابة وسلطة
عل� � ��ى أعمال احملكم� �ي��ن .وهذه الرقابة يختلف مداها من نظ� � ��ام إلى آخر .وتتخذ
صوراً متعددة ومنها(:)2
-1تخويل القاضي إصدار األمر بتنفيذ حكم احملكمني.
-2خضوع حكم احملكمني للطعن القضائي.
-3تنظيم دعوى قضائية يتقرر فيها بطالن حكم التحكيم ألسباب معينة.
وإذا كان� � ��ت هذه املظاهر متثل رقاب� � ��ة الحقة على حكم احملكمني .فإن القوانني
تعطي للقضاء سلطة تعيني احملكم إذا نكص أحد األطراف عن ذلك ،أو في حالة
االختالف على ذلك.
ورقابة القضاء على التحكيم أمر يبرره أن التحكيم في حقيقته سلب الختصاص
قضائي أجازه املشرع واتفق على اللجوء إليه اخلصوم وهو استثناء من أصل عام.
عل� � ��ى أنه من املالحظ أن القوان� �ي��ن احلديثة التي نظمت التحكيم قد ترخصت
كثيراً في الرقابة على حكم احملكمني ،وعلى سبيل املثال فإن قانون املرافعات في
( )1أم� � ��ال أحمد الفزايري :دور قضاء الدولة في حتقيق فاعلية التحكيم ،دراس� � ��ة تأصيلية مقارنة -املكتب
العربي احلديث .199 -ص .74
( )2حكم احملكمة الدستورية العليا في القضية رقم 84لسنة 19ق دستورية بجلسة 6نوفمبر .1999
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
31
التحگيم في العقود اإلداريـة
مص� � ��ر كان ينص في املادة 513الفقرة الثالثة على « ...ويترتب على رفع الدعوى
ببطالن حكم احملكمني وقف تنفيذه مالم تقض احملكمة باستمرار هذا التنفيذ»..
وقد خالف القانون رقم 27لسنة 1994بشأن التحكيم في املواد املدنية والتجارية
ه� � ��ذا احلكم ونص في املادة 57منه على أن� � ��ه «ال يترتب على رفع دعوى البطالن
وقف تنفيذ حكم التحكيم ،ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب
املدع� � ��ي ذلك في صحيفة الدعوى وكان الطلب مبنياً على أس� � ��باب جدية.»...وهو
ترخيص في محله يبرره ضرورة ضمان جدية االلتزام بحكم التحكيم .إذا لو أبيح
ملن خس� � ��ر دعواه في منازع� � ��ة أن يوقف تنفيذ حكم التحكي� � ��م مبجرد الطعن فيه
فس� � ��وف يؤدى ذلك إلى العودة بهم إلى نقطة الصفر وهو ما ينس� � ��ف كل املميزات
التي تنس� � ��ب إلى نظ� � ��ام التحكيم وهو األمر الذي يتفق م� � ��ع اعتبار نظام التحكيم
ا عن القضاء فال يجتمعان وهو األم� � ��ر الذي أقرته احملكمة نظام � � �اً قانونياً بدي� �ل � ً
الدستورية العليا في قضائها إذ ذهبت إلى أن «...ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية
لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه عالقة محل اهتمام من أطرافها
وركيزته اتفاق خاص يس� � ��تمد احملكمون منه س� � ��لطاتهم وال يتولون مهامهم بالتالي
ال عن القضاء فال بإس� � ��ناد من الدولة وبهذه املثابة ف� � ��إن التحكيم يعتبر نظاماً بدي ً
يجتمع� � ��ان ،ذل� � ��ك أن مقتضاه عزل احملاكم جميعها عن نظر املس� � ��ائل التي أنصب
عليها استثناء من أصل خضوعها لواليتها.)1(»...
وهو األمر الذي يترتب بالضرورة أن يحجم تدخل القضاء في وقف تنفيذ حكم
التحكيم وأن يكون ذلك للضرورة القصوى.
( )1محسن شفيق :التحكيم التجاري الدولي -املرجع السابق ،ص 78وما بعدها.
وراجع أيضاً :ش� � ��مس مرغني علي :التحكيم في منازعات املش� � ��روع العام ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه،
حقوق القاهرة.1973 ،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
32
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي حاالت محددة على س� � ��بيل احلصر وهو األمر الذي نصت عليه املادة 57
من قانون التحكيم.
ونحن نرى أن األس� � ��باب اجلدية التي تب� � ��رر للقاضي وقف تنفيذ حكم التحكيم
يجب أال تخرج عن األسباب التي عددتها املادة 57وهي أسباب وردت على سبيل
احلصر وال يجوز التوسع فيها أو القياس عليها.
وكان� � ��ت املادة 57من قانون التحكيم املصري رقم 24لس� � ��نة 1996نصت على
أن� � ��ه «-3ال يجوز التظلم من األمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم ،أما األمر الصادر
برف� � ��ض التنفيذ فيجوز التظلم منه إل� � ��ى احملكمة املختصة وفقاً حلكم املادة 9من
هذا القانون خالل ثالثني يوماً من تاريخ صدوره وهي مفارقة كانت محل نظر إذ
أنها تفارق بني وضعني قانونيني متماثلني وهو ما يصطدم مببدأ املساواة الواجب
احترام� � ��ه حني تتماثل املراكز القانونية .وهو ما أكدته احملكمة الدس� � ��تورية العليا
بقضائها في القضية رقم 92لسنة 21ق دستورية بتاريخ 6يناير 2001إذ حكمت
بعدم دستورية البند 3من املادة 58من قانون التحكيم في املواد املدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 27لس� � ��نة 1994فيما ن� � ��ص عليه من عدم جواز التظلم من
األمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم.
-3هل يجوز فرض التحكيم كأسلوب لفض املنازعات ? :
يكون التحكي� � ��م اختيارياً حيث يكون اللجوء إليه طوع � � �اً وبإرادة األطراف وهو
األصل في التحكيم باعتباره طريقاً إس� � ��تثنائياً لف� � ��ض املنازعات .ولكن هل يجوز
فرض التحكيم كأسلوب وحيد لفض منازعات معينة بني األفراد؟.
وتثير اإلجابة عن هذا الس� � ��ؤال نط� � ��اق التحكيم اإلجب� � ��اري والذي فيه يوجب
املشرع على أطراف نزاع معني اللجوء إلى التحكيم كأسلوب وحيد حلسمه.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
33
التحگيم في العقود اإلداريـة
والتحكيم اإلجباري كان يطبق على نطاق واس� � ��ع ف� � ��ي األنظمة القانونية للدول
االشتراكية (.)1
وكان يستخدم حلسم املنازعات التي تنشأ بني وحدات القطاع العام التي كانت
تسيطر على أوجه النشاط االقتصادي في الدولة .وفي هذه الدول لم يكن يستخدم
التحكيم اإلجباري في نطاق منازعات األفراد .بل إن التحكيم بصفة عامة لم يكن
معروفاً في نطاق هذه املنازعات في هذه الدول.
وعرف النظام القانوني املصري التحكيم اإلجباري في منازعات القطاع العام.
فف� � ��ي 10يناير 1966صدر قرار مجلس الوزراء في ش� � ��أن إنه� � ��اء املنازعات التي
تقع بني الهيئات العامة واملؤسسات العامة وشركات القطاع العام بطريق التحكيم
اإلجب� � ��اري وبررت مذكرة وزي� � ��ر العدل الق� � ��رار آنذاك بأن املنازع� � ��ات اخلاضعة
للتحكيم ليس� � ��ت خصومات حقيقية تتعارض فيها املصالح لألطراف املتنازعة ألن
نتيجة هذه اخلصومات تؤول في النهاية إلى شخص واحد ،هو الدولة ( .)2وأصبح
التحكيم اإلجباري في القوانني املتعاقبة لتنظيم القطاع العام وغيره من املؤسسات
والهيئات العامة هو وسيلة فض املنازعات التي تنشب بينهما(.)3
( )1في تفصيل ذلك راجع عزيزة الشريف :التحكيم اإلداري في القانون املصري ،1993-1992 ،دار النهضة
العربية ،ص .56
وأيض � � �اً :محمد فتوح محمد عثمان :التحكيم اإلجب� � ��اري ملنازعات احلكومة والقطاع العام -مجلة العلوم
اإلدارية -س ،29العدد األول يونية .1987
( )2من ذلك القانون رقم 32لسنة 1966والصادر في 1966/8/15بشأن املؤسسات العامة وشركات القطاع
العام .والقانون رقم 6لسنة ،1971والقانون رقم 97لسنة .1983
( )3تنص املادة 4من القانون رقم 3 ،2لس� � ��نة 1991على ما يلي «يجوز االتفاق على التحكيم في املنازعات
التي تقع فيما بني الش� � ��ركات اخلاضعة ألحكام هذا القانون أو بينها وبني األش� � ��خاص االعتبارية العامة
أو األش� � ��خاص االعتبارية من القطاع اخلاص أو األفراد وطنيني كانوا أو أجانب ،وتطبق في هذا الش� � ��أن
أحكام الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون املرافعات املدنية والتجارية».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
34
التحگيم في العقود اإلداريـة
ول� � ��م يتغي� � ��ر األمر إال في ظل القانون رقم 32لس� � ��نة 1991بش� � ��أن ش� � ��ركات
قط� � ��اع األعمال العام( )1حيث بدأت احلكومة تتجه إلى بيع ش� � ��ركات القطاع العام
والذي س� � ��ميت ش� � ��ركات قطاع أعمال مبقتضى هذا القانون .وذلك ضمن سياسة
اخلصخصة التي تنتهجها الدولة منذ بداية التس� � ��عينات والتي فرضت العدول عن
التحكيم اإلجباري إلى التحكيم االختياري.
عل� � ��ى أن األم� � ��ر لم يقتصر على ذلك ب� � ��ل تعداه إلى تقري� � ��ر التحكيم اإلجباري
لفض املنازعات التي تنش� � ��ب بني األفراد ف� � ��ي منازعات معينة وخاصة في املجال
االقتصادي في نطاق سوق املال واجلمارك ،وتشريعات االستثمار بصفة عامة(.)1
ونحن ن� � ��رى أنه ال يجوز فرض التحكيم كأس� � ��لوب حلل املنازع� � ��ات التي يكون
األف� � ��راد طرفاً فيها .ألن ذلك يعتبر مصادرة حلق األفراد في التقاضي .وهو حق
كفله الدستور حيث نصت املادة 68على أن «التقاضي حق مصون ومكفول للناس
كافة ،ولكل مواطن حق االلتجاء إلى قاضيه الطبيعي .وتكفل الدولة تقريب جهات
القضاء من املتقاضني وسرعة الفصل في القضايا.»....
وما من ش� � ��ك في أن التقاضي املقصود في هذا النص الدستوري مقصور على
التقاض� � ��ي أم� � ��ام احملاكم التي تنظمها الدولة وال ميكن بحال أن يش� � ��مل التحكيم.
وذلك ما قررته احملكمة الدستورية العليا في حكم لها بتاريخ 17ديسمبر .1994
( )1تنص املادة 52من قانون رأس املال رقم 96لس� � ��نة 1992على أن «يتم الفصل في املنازعات الناشئة عن
تطبيق أحكام هذا القانون فيما بني املتعاملني في مجال األوراق املالية عن طريق التحكيم دون غيره».
وفي قانون اجلمارك رقم 66لس� � ��نة 1963املعدل بالقانون رقم 88لس� � ��نة 1976والقانون رقم 75لسنة
.1998حي� � ��ث نص� � ��ت املادة 57منه على أنه «إذا قام نزاع بني اجلمارك وصاحب البضاعة حول نوعها أو
منش� � ��أها أو قيمتها أثبت هذا النزاع في محضر يحال إل� � ��ى حكمني يعني اجلمرك أحدهما ويعني اآلخر
صاحب البضاعة أو ممثله ،وإذا أمتنع ذو الش� � ��أن عن حتكي� � ��م احملكم الذي يختاره خالل ثمانية أيام من
تاريخ احملضر اعتبر رأي اجلمارك نهائياً».
35
التحگيم في العقود اإلداريـة
وكان� � ��ت تتحصل املنازع� � ��ة في أن املدعي قد نعى على الن� � ��ص املطعون فيه (املادة
18من القانون رقم 48لس� � ��نة 1977بإنش� � ��اء بنك فيصل اإلسالمي ،املعدل بقرار
رئي� � ��س اجلمهوري� � ��ة بالقانون رقم 142لس� � ��نة )1( )1981مخالفت� � ��ه للمادة 68من
الدس� � ��تور ...وكان النص محل الطعن إذ حجب ع� � ��ن القاضي الطبيعي والية نظر
املس� � ��ائل محل التحكيم ،وعهد بها قسراً إلى محكمني يتولون الفصل فيها بعد أن
أقصاه عنها ،فإنه بذلك يناقض حكم املادة 68من الدس� � ��تور .وكاشفاً بالتالي عن
وجه املخالفة الدس� � ��تورية ،ونصت احملكمة ف� � ��ي حكمها على أن « ....التحكيم هو
( )1وتن� � ��ص املادة 18املطعون عليها «يفصل مجلس اإلدارة بأغلبية أعضائه بصفته محكماً ارتضاه الطرفان
في كل نزاع ينش� � ��أ بني أي مس� � ��اهم في البنك وبني مس� � ��اه مآخر سواء كان ش� � ��خصاً طبيعياً أو إعتبارياً.
وذلك بش� � ��رط أن يكون النزاع ناش� � ��ئاً عن صفته كمس� � ��اهم في البنك ،وال يتقيد مجلس اإلدارة في هذا
الش� � ��أن بقواعد قانون املرافعات املدني� � ��ة والتجارية عدا ما يتعلق منها بالضمانات واملبادىء األساس� � ��ية
للتقاضي .أما إذا كان النزاع بني البنك وبني أحد املس� � ��تثمرين أو املس� � ��اهمني أو بني البنك واحلكومة أو
أحد األش� � ��خاص االعتبارية العامة أو إحدى ش� � ��ركات القطاع العام أو اخل� � ��اص أو األفراد ،فتفصل فيه
نهائياً هيئة من احملكمني معفاة من قواعد اإلجراءات ،عدا ما يتعلق منها بالضمانات واملبادي األساسية
للتقاضي.
وفي هذه احلالة تش� � ��كل هيئة التحكيم من محكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع وذلك خالل ثالثني
يوماً من تاريخ اس� � ��تالم أحد طرفي النزاع طلب إحالة املنازعة إلى التحكيم من الطرف اآلخر .ثم يختار
احلكمان حكماً مرجحاً خالل اخلمسة عشر يوماً التالية لتعيني آخرهما .ويختار الثالثة أحدهم لرئاسة
هيئة التحكيم خالل األسبوع التالي الختيار احلكم املرجح .ويعتبر اختيار كل طرف حملكمه ،قبوالً حلكم
احملكمني واعتباره نهائياً.
وف� � ��ي حالة نكول أحد الطرفني عن اختيار محكم� � ��ه ،أو في حالة عدم االتفاق على اختيار احلكم املرجح
أو رئيس هيئة التحكيم في املدد احملددة في الفقرة الس� � ��ابقة ،يعرض األمر على هيئة الرقابة الش� � ��رعية
لتختار احلكم أو احلكم املرجح أو الرئيس حسب األحوال.
وجتتم� � ��ع هيئة التحكيم في مقر البنك الرئيس� � ��ي ،وتضع نظام اإلجراءات الت� � ��ي تتبعها لنظر النزاع وفي
إصدار قرارها .ويجب أن يتضمن هذا القرار بيان طريقة تنفيذه وحتديد الطرف الذي يتحمل مبصاريف
التحكيم ،ويودع قرار هيئة التحكيم األمانة العامة ملجلس إدارة البنك.
ويك� � ��ون حكم التحكيم ف� � ��ي جميع األحوال نهائياً وملزماً للطرفني وقاب ً
ال للتنفيذ ،ش� � ��أنه ش� � ��أن األحكام
النهائي� � ��ة ،وتوضع عليه الصيغة التنفيذية وفقاً لإلجراءات املنص� � ��وص عليها في باب التحكيم في قانون
املرافعات.وفي جميع األحوال تخضع قرارات مجلس اإلدارة ،وأحكام هيئة التحكيم ،الصادرة طبقاً لهذه
املادة ،ألحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون املرافعات املدنية والتجارية».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
36
التحگيم في العقود اإلداريـة
عرض نزاع معني بني طرفني على محكم من األغيار يعني باختيارهما أو بتفويض
منهما أو على ضوء ش� � ��روط يحددانها ،ليفصل هذا احملكم في ذلك النزاع بقرار
يكون نائياً عن ش� � ��بهة املماألة ،مجرداً من التحام� � ��ل ،وقاطعاً لدابر اخلصومة في
جوانبها التي أحاله� � ��ا الطرفان إليه ،بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصي ً
ال
من خالل ضمانات التقاضي الرئيس� � ��ية .وال يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً
يذعن إليه أحد الطرفني إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة ال يجوز االتفاق على خالفها،
ال ،ذلك أن التحكيم مصدره وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتم ً
االتفاق»( .)1ورفضت احملكمة ما ذهب إليه املدعى عليه من أن النص املطعون فيه
ليس حتكيماً إجبارياً ،بل هو حتكيم من طبيعة قضائية ،تولى املشرع تنظيمه عم ً
ال
بالسلطة التي يباشرها مبقتضى املادة 168من الدستور ،التي عهدت إليه بتوزيع
الوالية القضائية بني الهيئات التي أختصها مبباشرتها ،دون عزل بعض املنازعات
عنه� � ��ا ،وبغير إخ� �ل��ال بالقواعد التي أتى بها الباب الثالث م� � ��ن الكتاب الثالث من
قانون املرافعات املدنية والتجارية ،والتي حلت محلها األحكام التي تضمنها قانون
التحكيم في املواد املدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27لسنة .1994
وحي� � ��ث أن هذا الزعم مردود بأن ما قصد إليه الدس� � ��تور بنص املادة 167منه
التي فوض بها املشرع في حتديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها ،هو أن
يعهد إليه دون غيره ،بأمر تنظيم ش� � ��ئون العدالة من خالل توزيع الوالية القضائية
بني الهيئات التي يعينها ،حتديداً لقس� � ��ط كل منها أو لنصيبها فيه ،مبا يحول دون
تنازعها فيما بينها أو إقحام إحداها فيما تتواله غيرها من املهام ،ومبا يكفل دوماً
ع� � ��دم عزلها جميعاً عن نظ� � ��ر خصومة بعينها ،وال كذلك التحكي� � ��م إذا مت باتفاق
ب� �ي��ن طرفني ،ذلك أن مؤداه عزل احملاكم جميعها عن نظر املس� � ��ائل التي يتناولها
( )1حكم احملكمة الدستورية العليا في 17ديسمبر 1994في الدعوى رقم 13لسنة 15قضائية دستورية -
اجلريدة الرسمية -العدد الثاني في 12يناير .1995
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
37
التحگيم في العقود اإلداريـة
ال لها ،وعلى أساس أن احملكمني يستمدون عند الفصل استثناء من خضوعها أص ً
فيها واليتهم من ه� � ��ذا االتفاق باعتباره مصدراً لها ،كذلك ليس في القواعد التي
تضمنها الباب الثالث م� � ��ن الكتاب الثالث من قانون املرافعات قبل إبدالها بقانون
التحكي� � ��م الصادر بالقانون رقم 27لس� � ��نة ،1994وال فيما قرره هذا القانون من
قواعد ،ما يدل على أن التحكيم ميكن أن يكون إجبارياً ،بل تفصح جميعها عن أن
قبول احملتكمني للتحكيم شرط جلوازه باعتباره طريقاً استثنائياً لفض النزاع بني
طرفني بغير إتباع طرق التقاضي املعتادة ،ودون تقيد بكامل ضماناتها(.)1
وه� � ��و أيضاً ما ذهبت إليه احملكمة الدس� � ��تورية العليا ف� � ��ي حكمها في القضية
رقم 104لس� � ��نة 20ق دستورية بجلسة 3يوليو 1999وقضت فيه بعدم دستورية
التحكيم الوارد في قانون اجلمارك بالقانون رقم 66لسنة 1963وجاء فيه «وحيث
أن النصوص الطعينة وقد فرضت التحكيم قس� � ��راً على أصحاب البضاعة وخلعت
ق� � ��وة تنفيذية على الق� � ��رارات التي تصدرها جلان التحكيم ف� � ��ي حقهم عند وقوع
اخل� �ل��اف بينهم وبني مصلحة اجلمارك حول نوع البضاعة أو منش� � ��ئها أو قيمتها
وكان هذا النوع من التحكيم ...منافياً لألصل فيه باعتبار أن التحكيم ال يتولد إال
عن اإلرادة احلرة وال يجوز إجراؤه تس� � ��لطاً وكرهاً مبا مؤداه أن اختصاص جهات
التحكيم التي أنش� � ��أتها النصوص الطعينة بنظر املنازعات التي أدخلتها جيدة في
ال ومنعدماً وجوداً من زاوية دس� � ��تورية ومنطوياً بالضرورة على واليتها يكون منتح ً
إخ� �ل��ال بحق التقاضي بحرمان املتداعني م� � ��ن اللجوء في واقعة النزاع املوضوعي
املاثل إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي باملخالفة للمادة 68من
الدستور.»...
( )1حكم احملكمة الدستورية العليا في 17ديسمبر سنة ،1994سابق اإلشارة إليه.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
38
التحگيم في العقود اإلداريـة
وترتيباً على ما سبق حكمت احملكمة بعدم دستورية املادة 57من قانون اجلمارك
الصادر بقرار رئيس اجلمهورية بالقانون رقم 66لس� � ��نة 1963وبسقوط املادة 58
من هذا القانون وكذلك بسقوط قرار وزير املالية رقم 228لسنة .198بشأن نظام
التحكيم في املنازعات بني أصحاب البضائع ومصلحة اجلمارك.»..
-4شرط التحكيم ومشارطة التحكيم:
39
التحگيم في العقود اإلداريـة
حتديد اجلهة التي س� � ��وف تتولى التحكيم أو القانون الواجب التطبيق س� � ��واء من
الناحية اإلجرائية أو املوضوعية فض ً
ال عن مكان التحكيم واملدة التي يس� � ��تغرقها.
على أن حتديد هذه األمور ليس� � ��ت بشرط ،فقد يرجأ االتفاق عليها فيما بعد .بل
قد يك� � ��ون األمر األخير هو األقرب للمنطق إذ ال مح� � ��ل لتعيني محكمني لنزاع لم
ينشأ بعد ولم تعرف طبيعته وحدوده.
واحتواء العقد األصلي لشرط التحكيم يثير تساؤالً حول أثر بطالن هذا العقد
على شرط التحكيم؟.
عل� � ��ى الرغـم من أن املنطق القانوني يقضي بأن� � ��ه إذا بطل العقـد الذي تضمن
ش� � ��رط التحكيم ألي سبب ،فإن هذا البطالن يشمل شرط التحكيم باعتباره جزءاً
منه .إال أن الرأي الراجح في الفقه ينادي باس� � ��تقالل ش� � ��رط التحكيم عن العقد
األصلي فال يبطل ببطالنه( .)1وال ش� � ��ك أن هذا الرأي يترتب عليه تخويل احملكم
س� � ��لطة النظر في املنازعات املتعلقة ببطالن العقد األصلي ألنه ال يس� � ��تمد واليته
منه وإمنا من شرط التحكيم املستقل عنه(.)2
وقضاء محكمة النقض الفرنس� � ��ية مس� � ��تقر على تبعية اتف� � ��اق التحكيم للعقد
األصل� � ��ي ،ومن ثم ال يجوز للمحكم أن ينظر في املنازع� � ��ات التي تترتب على هذا
البط� �ل��ان ( .)3عل� � ��ى أن ذات احملكم� � ��ة قد فرقت في قضاء آخ� � ��ر لها بني التحكيم
()4
الدولي والتحكيم الداخلي وقضت باستقالل شرط التحكيم عن العقد األصلي
عندما يتعلق األمر بعقد دولي.
( )1في هذا االجتاه راجع :مختار بريدي ،التحكيم التجاري الدولي ،املرجع الس� � ��ابق ،ص ،49واملراجع التي
أشار إليها.
( )2محسن شفيق :التحكيم التجاري ،املرجع السابق ،ص .195
( )3حكم محكمة النقض الفرنسية في 28يناير - 1958مجلة التحكيم ،1958ص .17
( )4حكمهها في 7مايو ،1963دالوز ،ص .565
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
40
التحگيم في العقود اإلداريـة
والواقع أن مثل هذه التفرقة بني ش� � ��رط التحكي� � ��م الوارد في عقد دولي وذلك
الذي يرد في عقد محلي تفرقة تفتقر إلى األساس القانوني.
وقد أخذ املش� � ��رع املصري بفكرة استقالل ش� � ��رط التحكيم عن العقد األصلي
حيث نصت املادة 23من القانون رقم 27لس� � ��نة 1994بش� � ��أن التحكيم في املواد
ال عن شروط العقد املدنية والتجارية على أنه «يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستق ً
األخ� � ��رى ،وال يترت� � ��ب على بطالن العقد أو فس� � ��خه أو إنهائه أي أثر على ش� � ��رط
التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته».
ورأينا أن شرط التحكيم يرتبط بالعقد األصلي وجوداً وعدماً ،وهو أمر منطقي
تسنده االعتبارات القانونية .فشرط التحكيم يقصد من ورائه حسم نزاعات تنشأ
مس� � ��تقب ً
ال بعد دخول العقد في حيز التنفيذ س� � ��واء كانت ه� � ��ذه النزاعات متعلقة
بتنفيذ أو تفسير نصوص العقد.
أما إذا كان العقد األصلي قد نشأ معيباً بعيب يؤدي به إلى البطالن وما يترتب
عليه آنذاك من حتلل الرابطة العقدية التي احتوت شرط التحكيم .فإن القول بعد
ذلك باستقالل شرط التحكيم وصحة إعماله يفتقر إلى األساس القانوني السليم.
ويضاف إلى ذلك أن التحكيم طريق اس� � ��تثنائي لفض املنازعات ومن ثم فإن نطاق
إعمال ش� � ��رط التحكيم إمنا يتقيد مبا يتقيد به إعمال كل استثناء من أنه ال يجوز
التوسع في تفسيره وتلك قاعدة أصولية في التفسير ال يجوز جتاهلها.
أما مشارطة التحكيم Compromisفهي اتفاقيات الحقة على قيام النزاع.
وعل� � ��ى ذلك فإن ش� � ��رط التحكيم يتعل� � ��ق بنزاع محتمل لم تتح� � ��دد مالمحه .بينما
ال يحيط أطرافه بكل جوانبه. املشارطة تتعلق بنزاع قائم فع ً
41
التحگيم في العقود اإلداريـة
وش� � ��رط التحكيم هو األكثر ش� � ��يوعاً في العمل حيث تبني أن ما يقرب من ٪ 8
من عقود التجارة الدولية تتضمن شرط التحكيم( .)1ويفسر ذلك بأن االتفاق على
ش� � ��رط التحكيم قبل وقوع النزاع يكون أكثر سهولة من االتفاق على املشارطة بعد
وقوع النزاع.
وق� � ��د أخذ قان� � ��ون التحكيم املصري رق� � ��م 27لس� � ��نة 1994بصورتي التحكيم
(الش� � ��رط واملش� � ��ارطة) ،ونص في املادة العاش� � ��رة منه على أن «اتفاق التحكيم هو
إتف� � ��اق الطرفني على االلتج� � ��اء إلى التحكيم لتس� � ��وية كل أو بعض املنازعات التي
نشأت أو ميكن أن تنشأ بينهما مبناسبة عالقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير
عقدية».
-5الغرض من التحكيم:
يب� � ��رر التحكيم باحلاجة إلى جذب االس� � ��تثمارات األجنبي� � ��ة وتهيئة مناخ صالح
لالس� � ��تثمار .وقد أوضح تقرير اللجنة املشتركة مبجلس الشعب هذا الهدف عند
تقدمي مش� � ��روع قانون التحكيم حيث قالت « ....وقد جاء مش� � ��روع قانون التحكيم
التجاري الدولي مواكباً للجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح
لالستثمار متمشياً مع سياسة اإلصالح اإلقتصادي التي قطعت فيه الدولة شوطاً
كبيراً جلذب رؤوس األموال املستثمرة بعد أن تبني لها أن القوانني التي وضعت في
مجال االستثمار ال تكفي وحدها لتحقيق هدف زيادة االستثمارات.)2(»...
وارتباط التحكيم باالس� � ��تثمارات األجنبية يثي� � ��ر جوانب متعددة ومتعارضة في
أغلب األحيان.
( )1نارميان عبدالقادر :اتفاق التحكيم -1996 ،دار النهضة العربية ،ص .46
( )2مضبطة اجللس� � ��ة احلادية واخلمس� �ي��ن -الفصل التشريعي السادس -دور االنعقاد العادي الرابع -األحد
20فبراير 1994ملحق رقم 1ص .26-25
43
التحگيم في العقود اإلداريـة
ترخص في الضمانات اإلجرائية واملوضوعية ،ثم إنه يضع اخلصومة في يد هيئة
حتكي� � ��م هي في الغالب أجنبية ،وتطبق قانون � � �اً أجنبياً ،واحلكم فيه نهائي ال يقبل
الطعن بأي طريق .ودعوى البطالن فيه إن نظمت فإن أسبابها محددة على سبيل
احلصر(.)1
-6التطور التشريعي لنظام التحكيم في مصر:
نظم املشرع املصري التحكيم منذ فترة طويلة ،وجاء هذا التنظيم في إطار قانون
املرافع� � ��ات املدنية والتجارية .ففي قانون املرافع� � ��ات الصادر في 13نوفمبر عام
1883أفرد املش� � ��رع الفصل السادس من الباب العاشر بعنوان «حتكيم احملكمني»
وتضم� � ��ن 26مادة من امل� � ��واد 7 ،2إلى 727وكانت تنظم جميع املس� � ��ائل املتعلقة
( )1تنص املادة ( )52من قانون التحكيم املصري 27لسنة 1994على:
-1ال تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً ألحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن
املنصوص عليها في قانون املرافعات املدنية والتجارية.
-2يجوز رفع دعوى بطالن حكم التحكيم وفقاً لألحكام املبينة في املادتني التاليتني.
وتنص املادة ( )53من ذات القانون على ما يلي:
-1ال تقبل دعوى بطالن حكم التحكيم إال في األحوال اآلتية:
ال لإلبطال أو سقط بانتهاء مدته. ال أو قاب ً
أ -إذا لم يوجد اتفاق حتكيم أو كان هذا االتفاق باط ً
ب -إذا كان أح� � ��د طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد األهلي� � ��ة أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم
أهليته.
ً ً
ج -إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقدمي دفاعه بسبب عدم إعالنه إعالنا صحيحا بتعيني محكم أو
بإجراءات التحكيم أو ألي سبب آخر خارج عن إرادته.
د -إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق األطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.
هـ -إذا مت تشكيل هيئة التحكيم أو تعيني احملكمني على وجه مخالف للقانون أو التفاق الطرفني.
و -إذا فصل حكم التحكيم في مسائل ال يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا االتفاق .ومع ذلك إذا
أمكن فصل أجزاء احلكم اخلاصة باملس� � ��ائل غير اخلاضعة له فال يقع البطالن إال على األجزاء األخيرة
وحدها.
ً
ز -إذا وقع بطالن في حكم التحكيم ،أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطالنا أثر في احلكم.»....
راجع في ذلك ،أحمد شرف الدين :دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية ،1993 ،ص ،79رأفت
محمد رشيد امليقاتي :تنفيذ حكم احملكمني الوطنية ،رسالة دكتوراه ،حقوق القاهرة ،1996 ،ص .212
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
44
التحگيم في العقود اإلداريـة
بالتحكيم .باعتباره اتفاقاً ،كما استلزمت ثبوت مشارطة التحكيم بالكتابة ،وحددت
ميعاداً لصدور حك� � ��م التحكيم .وبينت إجراءات تعيني احملكم وبينت كيفية الطعن
في أحكام احملكمني.
وعندما صدر قانون املرافعات رقم 77لس� � ��نة 1949عالج مسائل التحكيم في
الباب الثالث من الكتاب الثالث في املواد من 818إلى .850
ورغم هذا التنظيم سواء في قانون املرافعات 13نوفمبر لسنة 1883أم قانون
رقم 77لس� � ��نة 1949إال أنه من الناحية العملية لم تظهر أهمية التحكيم ولم ينل
قسطاً وافراً من التطبيق.
وفي بداية الس� � ��تينات صدرت القوانني االشتراكية ونظمت التحكيم اإلجباري
حلسم املنازعات التي تنشب بني شركات القطاع العام(.)1
وبصدور قانون املرافعات رقم 13لسنة 1968أُعيد تنظيم التحكيم االختياري
في املواد 501إلى .513وكان في حقيقته تنظيماً تشريعياً متواضعاً جداً بالقياس
للتنظيم التشريعي السابق سواء في سنة 1883أم في سنة .1949
وفي مطلع الثمانينات واجتاه الدولة إلى األخذ بنظام االقتصاد احلر وتخصيص
شركات القطاع العام والعمل في جذب االستثمارات األجنبية إلى مصر وما ترتب
على ذل� � ��ك من تعديل لقوانني عديدة ،وإصدار قوان� �ي��ن جديدة .وفي هذا النطاق
صدر القانون رقم 27لس� � ��نة 1994بشأن التحكيم في املواد املدنية والتجارية (.)2
( )1أنظر ما سبق ص .18
( )2وفي هذا اإلطار أنش� � ��ىء مرك� � ��ز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري الدول� � ��ي مبوجب اتفاقية دولية بني
جمهوري� � ��ة مصر العربية وبني اللجنة القانونية االستش� � ��ارية لدول آس� � ��يا وأفريقي� � ��ا والتي تتكون من أربع
وأربعني دولة ،وقد صدر قرار رئيس اجلمهورية رقم 515لسنة 1979باملوافقة على هذه االتفاقية .كما
مت عقد اتفاقية املركز سنة 1987ومبقتضاها فإن املركز يتمتع بشخصية معنوية مستقلة كما يتمتع مقره
باحلصان� � ��ات واالمتيازات املقررة ملقر املنظمات الدولية املس� � ��تقلة العاملة ف� � ��ي مصر .ومت افتتاح فرع له
يختص بالتحكيم البحري في اإلسكندرية سنة .1992
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
45
التحگيم في العقود اإلداريـة
ال للتحكيم التجاري الدولي ،فض ً
ال عن أنه وس� � ��ع نطاق الذي أق� � ��ام نظاماً متكام ً
تطبيقه حيث نص في املادة األولى منه على «مع عدم اإلخالل بأحكام االتفاقيات
الدولية املعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل
حتكيم بني أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون اخلاص أياً كانت طبيعة
العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر ،أو
كان حتكيم � � �اً جتارياً دولياً يجري في اخلارج واتفق أطرافه على إخضاعه ألحكام
هذا القانون».
واختلف الرأي في شمول هذا النص للتحكيم في العقود اإلدارية .وذهب الرأي
الراجح إلى ذلك ،وخالف آخرون هذا النظر وأوش� � ��ك هذا اخلالف أن يؤدي إلى
اختالف في أحكام القضاء ،فحس� � ��م املش� � ��رع األمر بالقانون رقم 9لس� � ��نة 1997
والذي جاء معدالً للمادة األولى بإضافة فقرة جديدة لها تنص على ما يلي «تضاف
إلى املادة 2من قان� � ��ون التحكيم في املواد املدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم
27لسنة 1994فقرة ثانية ،نصها كاآلتي:
«وبالنس� � ��بة إلى منازعات العقود اإلدارية يك� � ��ون االتفاق على التحكيم مبوافقة
الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة لألشخاص االعتبارية العامة ،وال
يجوز التفويض في ذلك».
وبهذا النص حس� � ��م املش� � ��رع خضوع العقود اإلدارية للتحكيم ،وإن لم يحس� � ��م
بطبيعة احلال املشاكل الناجمة عن ذلك.
-7التحكيم والعقود اإلدارية
العقد سواء أكان مدنياً أم إدارياً يتكون بتوافق إرادتني بقصد إحداث أثر قانوني.
عل� � ��ى أنه من الثاب� � ��ت أن العقد اإلداري يختلف عن العقد املدني س� � ��واء في كيفية
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
46
التحگيم في العقود اإلداريـة
ال عن اختالفإبرام� � ��ه أم مضمونه أم فحوى االلتزامات التي يولده� � ��ا -هذا فض ً
النظ� � ��ام القانوني الذي يحكم كل منهما .فالعق� � ��ود اإلدارية حتكمها قواعد القانون
اإلداري والتي تختلف عن تلك التي حتكم العقود املدنية في القانون املدني.
وإذا كان م� � ��ن املتفق علي� � ��ه أن القانون اإلداري قان� � ��ون قضائي أي هو من خلق
وابتداع أحكام القضاء .وتعتبر هذه األخيرة مصدراً أساس� � ��ياً ألغلب أحكامه حتى
في ال� � ��دول التي ال تعتبر القضاء مصدراً رس� � ��مياً للقانون .ف� � ��إن العقود اإلدارية
باعتبارها إحدى نظريات هذا القانون هي نظرية قضائية ،قد ساهم القضاء في
بنائها وإنشاء الكثير من أحكامها.
من الثابت أنه ليست كل العقود التي تبرمها جهة اإلدارة عقوداً إدارية .فاإلدارة
وهي متارس نش� � ��اطها قد ترى أنه من األوفق لها أن تبرم عقوداً مدنية تنزل فيها
منزلة األفراد ،وتبرمها وهي متجردة من كل مظاهر وأساليب السلطة العامة.
ومن ثم فإنها تخض� � ��ع لذات القواعد التي تخضع لها عقود األفراد أي تخضع
لقواع� � ��د القانون املدني .وذل� � ��ك على العكس متاما حني تك� � ��ون اإلدارة طرفاً في
عقد إداري فإنها تكون في مركز متميز عن مركز األفراد وليس في مركز متس� � � ٍ�او
كما األمر بالنس� � ��بة للعقود املدنية .وه� � ��و ما تعبر عنه محكمة القضاء اإلداري في
حكمها بتاريخ 9ديس� � ��مبر 1956بقولها « ............تتمي� � ��ز العقود اإلدارية عن
العق� � ��ود املدنية بطابع معني مناطه احتياجات املرفق العام الذي يس� � ��تهدف العقد
اإلداري تس� � ��ييره ،وتغليب وج� � ��ه املصلحة العامة على مصلح� � ��ة األفراد اخلاصة.
فبينم� � ��ا تكون مصالح الطرفني ف� � ��ي العقود املدنية متوازية ومتس� � ��اوية إذ بها في
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
47
التحگيم في العقود اإلداريـة
العق� � ��ود اإلدارية غير متكافئة ،ويجب أن يعلو الصالح العام على املصلحة الفردية
اخلاصة.)1(».....
واس� � ��تقر الفقه والقضاء عل� � ��ى أن الضوابط التي متيز العقد اإلداري عن غيره
من العقود ثالثة وهي كالتالي:
-1أن يكون أحد طرفي العقد جهة إدارية.
-2أن يتصل العقد بنشاط مرفق عام من حيث سيره أو تنظيمه.
-3إتباع وس� � ��ائل القانون العام وذلك بتضمني العقد ش� � ��روطاً اس� � ��تثنائية غير
مألوفة في عقود القانون اخلاص.
والعقود اإلدارية بهذا املعنى تخضع لنظام صارم في إبرامها .ويحرص املش� � ��رع
()2
ف� � ��ي أغلب الدول إلى إص� � ��دار القوانني التي تنظم عملية إبرام العقود اإلدارية
وحتدي� � ��د كيفية التعبير عن إرادة جهة اإلدارة ،بل إنه في كثير من األحيان يتدخل
املشرع الدستوري لكي يضع ضوابط معينة يجب احترامها عند إبرام بعض العقود
اإلدارية (.)3
وإذا كان التحكي� � ��م بصفة عامة قد واجه اعتراضات كثيرة كما س� � ��بق وبينا(.)4
فإن� � ��ه في نطاق العقود اإلدارية قد واجه تصلب القضاء اإلداري وعدم تس� � ��امحه
جتاه نزع اختصاصه بالنظر في منازعات العقود اإلدارية .ففي فرنس� � ��ا لم يس� � ��لم
( )1محكمة القضاء اإلداري 9 -ديسمبر 1956دعوى رقم 87لسنة 5ق ،مجموعة املبادىء ،س ،11ص .76
( )2راجع :جابر جاد نصار :املناقصات العامة ،املرجع السابق ،ص .11
( )3على سبيل املثال :ينص الدستور املصري الصادر في 11سبتمبر 1971في املادة 121على أنه «ال يجوز
للس� � ��لطة التنفيذية عقد قروض أو االرتباط مبش� � ��روع يترتب عليه إنفاق مبالغ من خزانة الدولة في فترة
مقبلة إال مبوافقة مجلس الشعب» .كما ينص في املادة 123على أن «يحدد القانون القواعد واإلجراءات
اخلاص� � ��ة مبنح االلتزامات املتعلقة باس� � ��تغالل م� � ��وارد الثروة الطبيعية واملرافق العام� � ��ة ،كما يبني أحوال
التصرف باملجان في العقارات اململوكة للدولة والنزول عن أموالها املنقولة واإلجراءات املنظمة لذلك».
( )4أنظر ما سبق ص .12
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
48
التحگيم في العقود اإلداريـة
مجلس الدولة الفرنس� � ��ي بذلك أبداً إال في حالة وجود نص تشريعي يجيز اللجوء
إلى التحكيم وأن يكون ذلك في حدود النص ونطاقه دون توسع في نطاق تطبيقه
سواء بالقياس عليه أو تفسيره باعتباره استثناء ال يجوز معه ذلك(.)1
وإذا كانت اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع في مصر قد سلمت
أكثر من مرة بج� � ��واز التحكيم في العقود اإلدارية .فإن احملكمة اإلدارية العليا قد
وقفت في االجتاه اآلخر رافضة في أحكامها جواز التحكيم في العقود اإلدارية (.)2
وهو األمر الذي يترجم حقيقة صعوبة التحكيم في العقود اإلدارية.
فمن ناحية أولى ،فإن التحكيم كوسيلة لفض املنازعات ال يضمن خضوع العقود
اإلدارية لنظام مغاير للنظام الذي تخضع له العقود املدنية .ذلك أن التحكيم على
خ� �ل��اف القضاء اإلداري ال يعت� � ��د بالتمايز اجلوهري بني العق� � ��ود املدنية والعقود
ال عن أنه ليست كل األنظمة القانونية تسلم بهذا التمايز. اإلدارية .هذا فض ً
فالعقود اإلدارية قد ارتبطت في نشأتها وتطورها بنشأة وتطور القانون اإلداري
وتخصيص قضا ًء خاصاً للمنازعات اإلدارية على النس� � ��ق الذي مت في فرنسا وفي
البالد التي أخذت عنها هذا النظام ومنها مصر.
فاألنظم� � ��ة األخرى الت� � ��ي ال تفرد نظاماً قضائياً للمنازع� � ��ات اإلدارية ال تعرف
العق� � ��ود اإلدارية .ففي القانون اإلجنلي� � ��زي أو األمريكي يخضع العقد -أي عقد-
لنظام قانوني واحد ولنظام قضائي واحد.
وم� � ��ن ناحية ثانية ،فإن م� � ��ن العقود اإلدارية ما يرتبط بس� � ��يادة الدولة ،ويتعلق
بثروات الدول� � ��ة الطبيعية مثل عقود االلتزام والتي في كثير من األحيان متتد إلى
سنني طويلة ترتب التزامات على كاهل األجيال القادمة.
( )1وهو ما سوف نتناوله في هذا البحث.
( )2وهو ما سوف نتناوله في هذا البحث.
49
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومن ناحية ثالثة ،فإن التحكيم يؤس� � ��س دائم � � �اً على حرية األطراف في اللجوء
إليه ،تطبيقاً ملبدأ سلطان اإلرادة .وإذا كان هذا املبدأ يجد نطاق تطبيقه في عقود
األف� � ��راد ،فإن التعبير عن اإلرادة عند إب� � ��رام العقود اإلدارية حتكمه قواعد أخرى
يحدده� � ��ا القانون .ذلك أن املوظف املخت� � ��ص بإبرام العقد اإلداري ال يتصرف في
م� � ��ال مملوك له .ومن ثم فإن قرار اللجوء إل� � ��ى التحكيم في العقود اإلدارية ليس
باألمر السهل كما هو احلال بالنسبة لعقود األفراد.
-8اختالف الفقه والقضاء حول جواز التحكيم في العقود اإلدارية
لم يتضمن قانون املرافعات املدنية الصادر برقم 13لس� � ��نة 1968بني نصوصه
التي نظمت التحكيم في الباب الثالث منه ما يحمل بني طياته انتصاراً لرأي دون
آخر في مسألة التحكيم في العقود اإلدارية.
فاملادة 501من هذا القانون نصت على أنه «يجوز االتفاق على التحكيم في نزاع
معني بوثيقة حتكي� � ��م خاصة ،كما يجوز االتفاق على التحكيم في جميع املنازعات
التي تنشأ من تنفيذ عقد معني.)1( »..
( )1حذت أغلب التش� � ��ريعات العربية حذو املش� � ��رع املصري في ذلك ،فعلى س� � ��بيل املثال في نظام التحكيم
الس� � ��عودي الصادر باملرس� � ��وم امللكي رقم م 46بتاريخ 1403/7/12هـ نصت املادة األولى على أنه «يجوز
االتفاق على التحكيم في نزاع معني قائم ،كما يجوز االتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة
لتنفيذ عقد معني».
كم� � ��ا نصت املادة 173من قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم 38لس� � ��نة 1980في دولة الكويت على
أنه «يجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معني ،كما يجوز االتفاق على التحكيم في جميع املنازعات التي
تنشأ عن تنفيذ عقد معني».
كما تنص املادة 233من قانون املرافعات املدنية والتجارية في البحرين رقم 12لس� � ��نة 1971على أنه «يجوز
للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معني على محكمني،
ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معني بوثيقة حتكيم خاصة».
كما ينص قانون املرافعات املدنية العراقي رقم 83لس� � ��نة 1969ف� � ��ي املادة 251على أنه «يجوز االتفاق على
التحكيم في نزاع معني ،كما يجوز االتفاق على التحكيم في جميع املنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معني».
51
التحگيم في العقود اإلداريـة
وكان ذلك على خالف الوضع في فرنسا .فقد كانت نصوص قانون اإلجراءات
املدني� � ��ة (املادت� �ي��ن )1004 ،83ومن بعدهما نص املادة .206م� � ��ن القانون املدني
احلديث متنع إدراج ش� � ��رط التحكيم في العقود اإلدارية .وعندما اضطرت الدولة
إلبرام عقد «والدت ديزني األوروبي» مع ش� � ��ركة أمريكية أصرت على إدراج شرط
التحكيم في العقد .عدلت فرنس� � ��ا قانونها .وذلك هو األمر الطبيعي .ألن احترام
الدولة لنظامها القانوني ،يؤدي باآلخرين إلى احترامه.
على أنه إذا كان موقف املشرع املصري من التحكيم في العقود اإلدارية غير مبرر.
فإن اختالف الرأي سواء لدى الفقه أم القضاء حول جواز أو عدم جواز التحكيم في
العقود اإلدارية كان يستند إلى مبررات قانونية ،وذلك على الوجه التالي:
الرأي األول :عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية
ذه� � ��ب ال� � ��رأي األول إلى عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية ،واس� � ��تنذ هذا
الرأي إلى عدة حجج أهمها:
أو ًال :التحكيم يتعارض مع سيادة الدولة:
تنهض هذه احلجة على أساسني:
يتمثل األساس األول في أن التحكيم يعتبر في حقيقته سلب الختصاص القضاء
الوطني الذي هو مظهر أساسي من مظاهر سيادتها .وإذا كان ذلك مقبوالً بالنسبة
ملنازعات األفراد بعضهم البعض ،فإن قبولها بالنسبة للدولة يعتبر ماساً بسيادته.
أما األس� � ��اس الثاني فيتمثل في أن التحكيم يس� � ��تبعد تطبي� � ��ق القانون الوطني
ويؤدي إلى تطبيق قانون أجنبي(.)1
( )1في مناقش� � ��ة هذه احلجج راجع :محسن شفيق :التحكيم التجاري الدولي ،املرجع السابق ،ص ،40وانظر
أيضاً أحمد الشلقاني :الدولة والتحكيم في عقود التجارة الدولية ،املرجع السابق ،ص .83
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
52
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي احلقيقة نرى أن االحتجاج بس� � ��يادة الدولة في ه� � ��ذا املجال أمر في غير
محله ،ذلك أنه مع التسليم بأن التحكيم يعتبر في حقيقته سلب الختصاص قضاء
الدولة ،إال أن ذلك ال يكون إال مبقتضى قانون يسمح به .فاملشرع الوطني هو الذي
يس� � ��مح بالتحكيم حتى ولو كان اختيارياً فإن إرادة األطراف ليس� � ��ت كافية بذاتها
خللقه ،وإمنا يتطلب األمر تدخل املشرع إلقرار اللجوء إليه ،هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى ،فإن التحكيم ال تنقطع صلته بالقضاء .فاملشرع الوطني في
النص� � ��وص التي تنظم التحكيم يحرص على أن يعطي للقضاء س� � ��لطة التدخل في
أعمال احملكمني سواء باملساعدة واملؤازرة أو الرقابة واإلشراف وهي أمور يختلف
مداها من نظام إلى آخر (.)1
ومن ناحية ثالثة :فإنه إذا جاز للقاضي أن يحسم اخلصومة بحكم فيها استناداً
إلى رأي خبير أفال يجوز أن يلجأ أطراف اخلصومة إلى اخلبير مباش� � ��رة حلس� � ��م
منازعاتهم عن طريق التحكيم (.)3
وم���ن ناحي���ة رابعة ،فإن األش� � ��خاص العامة وهي بصدد إب� � ��رام العقد اإلداري
وإدراج شرط التحكيم فيه تستطيع أن تشترط تطبيق القانون الوطني .وإذا قبلت
تطبيق قانوناً أجنبياً فإن ذلك قد مت بإرادتها ومن ثم ال ينال من سيادتها.
حقيقة األمر أن استخدام مبدأ السيادة في هذا النطاق نراه أمراً في غير محله
وإن كان مرده فيما يبدو لنا خش� � ��ية الدول النامي� � ��ة ومخاوفها من نظام التحكيم.
والتي مردها االختالل الواضح وعدم التوازن البينّ الذي مييز عالقات هذه الدول
بالدول الكبرى والش� � ��ركات الكبرى فيها والتي حت� � ��رص على تضمني العقود التي
تبرمها مع الدول النامية ش� � ��رط التحكيم وذلك لكي تستبعد من خالله املثول أمام
( )1راجع ما سباق ص .
( )2في هذا املعنى راجع :محسن شفيق :املرجع السابق ،ص .
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
53
التحگيم في العقود اإلداريـة
القض� � ��اء الوطني والقانون املعمول به في هذه ال� � ��دول ( .)1والدول النامية ال تقدر
عن رفض التحكيم جملة وذلك ألنه أصبح مطلباً أساسياً للشركات األجنبية عند
إبرامها للعقود الدولية مع هذه الدول.
ثاني ًا :جواز التحكيم في العقود اإلدارية يعتبر عدوان ًا على اختصاص القضاء
اإلداري بنظر هذه املنازعات:
ذلك أن اختصاص مجلس الدولة بنظر املنازعات اإلدارية مقرر بنص الدستور،
فاملادة 172من الدستور املصري تقضي بأن «مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة،
ويختص بالفصل في املنازعات اإلداري� � ��ة وفي الدعاوى التأديبية ،ويحدد القانون
اختصاصاته األخرى».
كما أن القرار بقانون بشأن مجلس الدولة رقم 47لسنة 1972ينص في املادة
العاش� � ��رة منه على أنه «تخت� � ��ص محاكم مجلس الدول� � ��ة دون غيرها بالفصل في
املسائل اآلتية:
(حادي عش� � ��ر) ...املنازعات اخلاص� � ��ة بعقود اإللتزام أو األش� � ��غال العامة أو
التوريد أو بأي عقد إداري آخر.»...
وتطبيقاً لذلك فإن التحكيم الذي يعتبر س� � ��لباً الختصاص القضاء ال يجوز في
العقود اإلدارية .وذلك ألن اختص� � ��اص مجلس الدولة بنظر منازعات هذه العقود
قد قرره الدس� � ��تور ونص عليه قانون مجلس الدول� � ��ة بأنها من اختصاص محاكم
مجلس الدولة دون غيرها(.)2
(Audit (Bernard) : Jurisprudence arbitrale et droit du développement, sous la )1
direction de Hervé CASSAN, contrats internationaux et pays in développ -
.ment, 1989, economica p. 115 et s
( )2محمد كمال منير :املرجع السابق ،ص .33
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
54
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي احلقيقة أن نص املادة 172من الدستور ال جتدي في هذا املقام ،فالنص
على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة يختص بالفصل في املنازعات اإلدارية
يهدف إلى تقرير ضمان اس� � ��تقالل مجلس الدولة بنص دس� � ��توري يغل يد املشرع
العادي عن النيل من هذا االستقالل.
أما نص املادة العاش� � ��رة في فقرتها حادي عشر على اختصاص محاكم مجلس
الدول� � ��ة دون غيرها بنظر املنازعات املتعلقة بالعقود اإلدارية .إمنا يفس� � ��ره تطور
اختصاص مجلس الدولة بنظر هذه املنازعات .فالقانون رقم 9لس� � ��نة 1949كان
ينص في املادة اخلامسة منه على أن «تفصل محكمة القضاء اإلداري في املنازعات
اخلاصة بعقود االلتزام واألش� � ��غال العامة وعقود التوريد اإلدارية التي تنش� � ��أ بني
احلكومة والطرف اآلخر في العقد.
ويترت� � ��ب على رف� � ��ع الدعوى في هذه احلالة أمام احملكم� � ��ة املذكورة عدم جواز
رفعها إل� � ��ى احملاكم العادية .كما يترتب على رفعها إلى احملاكم العادية عدم جواز
رفعها أمام محكمة القضاء اإلداري».
وكان هذا االختصاص املش� � ��ترك والذي أقره القانون رقم 9لس� � ��نة 1949ميثل
ش� � ��ذوذاً في التنظيم القانوني ملسألة االختصاص بنظر منازعات العقود اإلدارية.
وهو األمر الذي صححه القانون التالي رقم 165لس� � ��نة 1955بشأن إعادة تنظيم
مجلس الدولة إذ نص في املادة العاشرة منه على أن «يفصل مجلس الدولة بهيئة
قض� � ��اء إداري دون غي� � ��ره في املنازعات اخلاصة بعقود االلتزام واألش� � ��غال العامة
والتوري� � ��د أو أي عقد إداري آخ� � ��ر» .وهو ما حرص على تأكيده القرار بقانون رقم
47لس� � ��نة 1972في املادة العاشرة سالفة الذكر .ومن ثم يتضح أن عبارة تختص
محاك� � ��م مجلس الدولة دون غيرها ...ال يقصد منها اس� � ��تبعاد العقود اإلدارية من
نطاق التحكيم كوسيلة لفض املنازعات.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
55
التحگيم في العقود اإلداريـة
ال عن أن التحكيم كنظام لفض املنازعات املتعلقة بالعقود اإلدارية لم ه� � ��ذا فض ً
يكن له صدى في وعي املش� � ��رع حني إصدار قوانني مجل� � ��س الدولة ومنها القرار
بالقانون رقم 47لسنة .1972
القضاء اإلداري وعدم جواز التحكيم في منازعات العقود اإلدارية:
عرض موضوع التحكيم في العقود اإلدارية ابتداء أمام محكمة القضاء اإلداري
ف� � ��ي الدعوى رقم 486لس� � ��نة 39ق .وكانت الش� � ��ركة املدعية (الش� � ��ركة املصرية
املس� � ��اهمة للتعمير واإلنشاءات الس� � ��ياحية) ضد وزير اإلسكان واملرافق وآخرين،
اس� � ��تناداً إلى العقد املبرم بني الش� � ��ركة املدعية ووزارة اإلس� � ��كان والتعمير (عقد
امتياز هضبة املقطم)( .)1والذي كان يقضي في البند خامس � � �اً على أن «كل خالف
بني الطرفني على تفس� � ��ير أو تنفيذ األحكام التي تضمنها االتفاق وعقد 9نوفمبر
س� � ��نة 1954وش� � ��روط قبول التنازل يفصل فيه عن طريق التحكيم .وتؤلف هيئة
التحكي� � ��م من ثالث� � ��ة أعضاء يختار كل م� � ��ن الطرفني عضواً عنه� � ��م ويتولى هذان
العضوان اختيار العضو الثالث ،وتكون أحكام هيئة التحكيم قابلة للطعن فيها أمام
احملاكم املصرية بالطرق التي رسمها القانون».
وطلبت الش� � ��ركة املدعية وقف تنفيذ قرار املدعى عليهم الس� � ��لبي باالمتناع عن
إحالة النزاع بينهم وبني الشركة املدعية إلى هيئة التحكيم طبقاً للبند اخلامس من
االتفاق املبرم في 14من أبريل س� � ��نة 1955وتعيني محكم ممثل للحكومة املصرية
في هيئة التحكيم.
( )1آل هذا االمتياز إلى الش� � ��ركة املصرية املس� � ��اهمة للتعمير واإلنش� � ��اءات مبوجب القانون رقم 187لس� � ��نة
1955وأبرم على أثره إتفاق 14أبريل 1955بني الش� � ��ركة املصرية ووزارة الشئون البلدية والقروية نيابة
عن احلكومة والتي حلت محلها وزارة اإلس� � ��كان ،وكان هذا االتفاق قد عقد بني هذه الوزارة وبني إحدى
الشركات األجنبية مبقتضى القانون رقم 565لسنة .1954
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
56
التحگيم في العقود اإلداريـة
وأجابت محكمة القضاء اإلداري في حكمها بجلسة 1986/5/18الشركة املدعية
إلى طلبها( .)1وعندما طعنت إدارة قضايا الدولة في احلكم أمام احملكمة اإلدارية
العلي� � ��ا ،قضت احملكم� � ��ة بإلغاء احلكم املطعون فيه وبرف� � ��ض الدعوى مقررة عدم
جواز التحكيم في العقود اإلدارية وذلك في حكمها بتاريخ 2فبراير .)2(1990
وذهب� � ��ت احملكمة ف� � ��ي حكمها إلى أنه « ....ومن حي� � ��ث أن اتفاق 14من أبريل
س� � ��نة 1955امللحق يعتبر استغالل منطقة قصر املنتزه واستصالح وتعمير منطقة
جبل املقطم املبرم في 9من نوفمبر سنة 1954صدر في ظل أحكام القانون رقم
165لسنة 1955في شأن مجلس الدولة والساري اعتباراً من »1955/6/26وقد
نصت املادة العاش� � ��رة فيه على أن «يفصل مجل� � ��س الدولة بهيئة قضاء إداري دون
غيره في املنازعات اخلاصة بعقود االلتزام واألشغال العامة والتوريد أو بأي عقد
إداري آخر» .ومن ثم يتعني تفس� � ��ير نص البند اخلامس من االتفاق املشار إليه مبا
ال يتعارض مع أحكام املادة -1سالفة الذكر.»....
وتستطرد احملكمة حملاولة تبرير التناقض بني املادة .1من قانون مجلس الدولة
رقم 165لسنة 1955والقانون الذي منح مبقتضاه االمتياز للشركة املدعية فتقول
« ....ومن حيث أن القاعدة أن املشرع منزه عن السهو واخلطأ فإنه ينبغي تفسير
البند اخلامس من االتفاق املش� � ��ار إليه مبا ال يه� � ��دم خصائص العقد اإلداري وال
مبا يزي� � ��ل اختصاص مجلس الدولة بنظر املنازعات املتعلق� � ��ة بذلك العقد .إذ أن
اختصاص املجلس ورد في قانون موضوعي أي كقاعدة عامة ،بينما أن منح التزام
املرافق العامة فهو من األعمال اإلدارية التي تقوم بها السلطة التشريعية كنوع من
( )1محكمة القضاء اإلداري جلسة 1986/5/18في الدعوى رقم 486لسنة 39ق (غير منشور).
( )2احملكمة اإلدارية العليا -جلس� � ��ة 2فبراير 1990في الطعن رقم 3٫49لس� � ��نة 32ق .انظر تعليقاً على
هذا احلكم ،محمد كمال منير ،مجلة العلوم اإلدارية ،السنة ،33العدد األول ،يونيو ،1991ص 329وما
بعدها.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
57
التحگيم في العقود اإلداريـة
الوصاية على الس� � ��لطة التنفيذية ،وهذه األعمال ليست قوانني من حيث املوضوع
وإن كانت تأخذ ش� � ��كل القانون ألن العرف جرى على أن السلطة التشريعية تفصح
عن إرادتها في شكل قانون.)1( »...
والتزم� � ��ت محكمة القض� � ��اء اإلداري مبا ذهبت إليه احملكم� � ��ة اإلدارية العليا في
قضائه� � ��ا .فقد ذهبت محكمة القضاء اإلداري ف� � ��ي حكمها في الدعوى رقم 5429
لسنة 43ق (اخلاصة بنفق الشهيد أحمد حمدي) حني دفعت الشركة املدعى عليها
بعدم اختصاص القضاء املصري وذلك لوجود شرط التحكيم بالعقد .فقد رفضت
احملكم� � ��ة الدفع ألنه ال يجوز التحكيم في العقود اإلدارية لكونه يس� � ��لب اختصاص
محاكم مجلس الدولة املقرر باملادة العاشرة من القانون رقم 47لسنة .)2(1972
الرأي الثاني :جواز التحكيم في العقود اإلدارية
ذه� � ��ب الرأي الثاني إلى جواز التحكيم في العقود اإلدارية وذلك اس� � ��تناداً إلى
عدم وجود نصوص تش� � ��ريعية متنع التحكي� � ��م في العقود اإلدارية .فاملادة 501من
قان� � ��ون املرافعات تنص على أنه «يجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معني بوثيقة
حتكيم خاصة ،كما يجوز االتفاق على التحكيم في جميع املنازعات التي تنشأ من
تنفيذ عقد معني ....وال يثبت التحكيم إال بالكتابة.
ويج� � ��ب أن يحدد موض� � ��وع النزاع في وثيقة التحكيم أو أثن� � ��اء املرافعة ولو كان
احملكمون مفوضني بالصلح ،وإال كان التحكيم باط ً
ال.
( )1مما هو جدير بالذكر أنه قبل صدور دستور 1956كان يتم منح اإللتزام مبوجب قانون يصدر من السلطة
التش� � ��ريعية ل� � ��كل حالة على حدة .ولقد تغير األمرفي ظل دس� � ��تور 1971وأصبح من� � ��ح اإللتزام بناء على
قانون.
( )2حكم محكمة القضاء اإلداري بتاريخ 1991/1/30في الدعوى رقم 5439لس� � ��نة 43ق مش� � ��ار إليه عند
إبراهيم على حس� � ��ن :تأمالت في اختصاص التحكيم مبنازعات عقود الدولة ،مجلة هيئة قضايا الدولة،
املرجع السابق ،ص.16
59
التحگيم في العقود اإلداريـة
وحقيقة األمر أن اس� � ��تخدام نص امل� � ��ادة 501من قانون املرافعات للقول بجواز
التحكي� � ��م في العق� � ��ود اإلدارية أمر يتجاوز ح� � ��دود هذا الن� � ��ص ،فالتحكيم يعتبر
طريقاً إس� � ��تثنائياً لفض املنازعات بصفة عامة وهو في حقيقته يعتبر عدواناً على
اختصاص القضاء يس� � ��لبه بعضاً من املنازع� � ��ات التي يجب أن تخضع له .ومن ثم
فإن إقراره ال بد وأن يكون بنص تشريعي صريح( .)1وهو ما استقر عليه األمر في
فرنس� � ��ا ،حيث أنه ال يس� � ��مح بالتحكيم في املنازعات اإلدارية إال حيث يوجد نص
تشريعي يجيز ذلك.
وثمة حجة أخرى تس� � ��اق للقول بجواز التحكيم في العقود اإلدارية مستمدة من
القرار بقانون بش� � ��أن مجلس الدولة رقم 47لس� � ��نة 1972املادة 58إذ تنص على
« ....وال يج� � ��وز ألية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو
جتيز أي عقد أو صلح أو حتكيم أو تنفيذ قرار محكمني في مادة تزيد قيمتها على
خمسة آالف جنية بغير إستفتاء إدارة الفتوى املختصة.».....
فهذه املادة تفيد بجواز التحكيم في العقود اإلدارية ،وتضع قيداً على ذلك وهو
إستفتاء إدارة الفتوى املختصة.
على أن الرأي اآلخر ،والذي يرى عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية يذهب
إل� � ��ى أن ه� � ��ذا النص لم يرد به م� � ��ا يقطع صراحة بجواز التج� � ��اء جهة اإلدارة إلى
التحكيم لفض منازعات العقود اإلدارية .وذلك على اعتبار أن مش� � ��روعية االتفاق
عل� � ��ى التحكيم مس� � ��ألة منفصلة عن ما يقتضيه نص امل� � ��ادة 58من قانون مجلس
الدولة من إلزام املشرع للجهات اإلدارية بعدم االتفاق على التحكيم إال إذا استفتت
إدارة الفتوى املختصة (.)2
( )1محمد كمال منير :املرجع السابق ،ص .34
( )2محمد كمال منير :املقال السابق اإلشارة إليه ،ص .341
عل� � ��ى خالف ما ذهبت إلي� � ��ه احملكمة اإلدارية العليا من عدم جواز التحكيم في
العقود اإلدارية ذهبت اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع مبجلس الدولة
إلى جواز ذلك.
فق� � ��د أص� � ��درت فتواه� � ��ا األول� � ��ى بجلس� � ��تها بتاري� � ��خ ( 1989/5/17ملف رقم
()1
)265/1/54وبعد أن استعرضت اجلمعية نص املادتني 172 ،167من الدستور
والفقرة احلادية عش� � ��رة من املادة العاش� � ��رة من القرار بقانون في ش� � ��أن مجلس
الدولة رقم 47لسنة 1972والتي تنص على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون
غيرها بالفصل في املنازعات اخلاصة بعقود االلتزام أو األشغال العامة أو التوريد
أو بأي عقد إداري آخر.»......
واس� � ��تعرضت أيضاً نص املادة 58منه والت� � ��ي تنص في فقرتها الثالثة على أنه
« .........وال يجوز ألي وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم
أو تقبل أو جتيز أي عقد أو صلح أو حتكيم أو تنفيذ قرار محكمني في مادة تزيد
قيمتها على خمسة آالف جنية بغير إستفتاء اإلدارة املختصة».
وخلصت اجلمعية إلى أن املادة 58من القرار بقانون في ش� � ��أن مجلس الدولة
ورد بها ما يقطع صراحة بجواز التجاء اإلدارة إلى التحكيم في منازعاتها العقدية
(إداري� � ��ة أو مدني� � ��ة) .......فلو كان التحكيم أمراً محظوراً ما كان املش� � ��رع إلزمها
( )1تنص املادة 167من الدس� � ��تور «يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها ،وينظم طريقة تش� � ��كيلها
ويبني شروط وإجراءات تعيني أعضائها ونقلهم».
كم� � ��ا تن� � ��ص املادة 172على أنه «مجلس الدولة هيئة قضائية مس� � ��تقلة .ويخت� � ��ص بالفصل في املنازعات
اإلدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون إختصاصاته األخرى».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
61
التحگيم في العقود اإلداريـة
بإس� � ��تفتاء مجلس الدولة .وقررت اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أنه
إزاء عدم وجود تش� � ��ريع خاص ينظم التحكيم في منازع� � ��ات العقود اإلدارية فإنه
يتع� �ي��ن في ذلك الرجوع إلى الش� � ��روط العامة للتحكيم وإجراءات� � ��ه الواردة بقانون
املرافعات والتي ال تتعارض مع الروابط اإلدارية.
ويتضح في هذه الفتوى أن اجلمعية العمومية قد أقرت جواز التحكيم في العقود
اإلداري� � ��ة دون حتفظ .وس� � ��وت بني العقود املدنية والعق� � ��ود اإلدارية في خضوعها
للتحكي� � ��م وفقاً للقواعد واإلجراءات الواردة ف� � ��ي قانون املرافعات .وهو مذهب ال
ش� � ��ك أنه يغفل خصوصية العقود اإلداري� � ��ة والتي حتكمها قواعد مختلفة عن تلك
التي حتكم العقود املدنية حتى ولو كانت اإلدارة طرفاً فيها.
ه� � ��ذا اإلجتاه ما لبثت اجلمعي� � ��ة العمومية أن قيدت نطاقه وحدت من إطالقه،
وذلك في فتواها بجلس� � ��تها املنعقدة ف� � ��ي 7فبراير .1993وكان األمر يتعلق بعقد
مبرم بني وزارة األوقاف ومركز األهرام للتنظيم وامليكروفيلم ،وتضمن العقد نصاً
م� � ��ؤداه «اتفق الطرفان على أن أي خالف ينش� � ��أ أثناء تنفي� � ��ذ هذا العقد -ال قدر
الله -يبت فيه بالطرق الودية ،فإن تعذر جلأ الطرفان إلى التحكيم.»....
واستظهرت اجلمعية العمومية افتائها السابق بجلسة 1989/5/17والتي انتهت
فيه إلى جواز التحكيم في العقود اإلدارية تأسيساً على أن التحكيم هو اتفاق على
عرض النزاع أمام محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بدالً من احملكمة املختصة به وذلك
بحكم ملزم للخصوم.
واستندت اجلمعية في إفتائها الالحق بجلسة 7فبراير 1993على ذات األسباب
التي سبق وإن إستندت إليها في إفتائها بجلسة .1989/5/17
( )1فتوى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع مبجلس الدولة -جلسة 7فبراير ،1993ملف رقم
.2007/1/45
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
63
التحگيم في العقود اإلداريـة
العمومية لقسمي الفتوى والتش� � ��ريع لكي جتيز التحكيم في العقود اإلدارية .هذا
التعارض ناجت عن نظرنا من ناحيتني:
فمن ناحية أولى ،كان األمر يعرض على القضاء اإلداري بصدد خصومة قائمة
مح� � ��ددة املعالم .ويقتضي الفصل فيها إصدار حكم ينهي النزاع فيها .واألمر على
خالف ذلك في اجلمعية العمومية إذ أنها تس� � ��تفتي ف� � ��ي األمر حني إبرام العقد.
وف� � ��ي احلالة األولى ال يكفي اس� � ��تخالص املبادىء العامة الت� � ��ي جتيز التحكيم بل
يج� � ��ب أن ميتد األمر إلى وجود نصوص قانونية تنظم التحكيم في العقود اإلدارية
وه� � ��و األمر ال� � ��ذي يفتقره النظام القانوني املصري .وذل� � ��ك على خالف األمر في
القانون الفرنسي على الوجه الذي سبق وبيناه.
وم���ن ناحي���ة ثاني���ة ،إن التحكيم في كل حال يس� � ��تبعد والية القضاء في الدولة
وفي بعض األحيان يس� � ��تبعد القانون الوطن� � ��ي إذا أراد اخلصوم ذلك .وهو أمر ال
ال -إال جبراً أي مبقتضى نص يسلم به القضاء الوطني -املختص بنظر النزاع أص ً
تشريعي صريح وفي حدوده (.)1
( )1راجع ما س� � ��بق عن موقف مجلس الدولة الفرنس� � ��ي عن تفسير وتطبيق النصوص التي جتيز التحكيم في
املنازعات اإلدارية ص .39
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
64
التحگيم في العقود اإلداريـة
صدور القانون 27لسنة 1994
واستمرار اخلالف حول التحكيم في العقود اإلدارية
بتاريخ 18ابريل 1994صدر القانون رقم 27لسنة 1994في شأن التحكيم في
املواد املدنية والتجارية ( .)2ونص في مادته األولى على ما يلي:
«مع عدم اإلخالل بأح� � ��كام االتفاقيات الدولية املعمول بها في جمهورية مصر
العربية تسري أحكام هذا القانون على كل حتكيم بني أطراف من أشخاص القانون
العام أو القانون اخلاص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع
إذا كان ه� � ��ذا التحكي� � ��م يجري في مصر ،أو كان حتكيم � � �اً جتارياً دولياً يجري في
اخلارج واتق أطرافه على إخضاعه ألحكام هذا القانون».
وقد ح� � ��ددت هذه املادة من القانون نطاق تطبيقه «على كل حتكيم بني أطراف
من أش� � ��خاص القانون العام أو القانون اخلاص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية
التي يدور حولها النزاع.»...
فهل حسمت هذه العبارة اجلدل الذي أشتد أواره في الفقه والقضاء في مصر
قبل إصدار القانون حول مشكلة التحكيم في العقود اإلدارية.
ذهب جمهور الفقه املصري إلى أن هذا النص قد شمل بنطاقه العقود اإلدارية
بصريح نصه على امتداد تطبيقه على كل حتكيم بني أطراف من أشخاص القانون
العام أو القانون اخلاص.
كم� � ��ا أن املذكرة اإليضاحية للقانون أكدت خضوع العقود اإلدارية للتحكيم حني
( )1نص� � ��ت امل� � ��ادة األولى من مواد إصدار القانون على أن «يعمل بأحكام القانون املرافق على كل حتكيم قائم
وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق حتكيم سبق إبرامه قبل نفاذ هذا القانون »...وحددت
امل� � ��ادة الرابعة من مواد اإلصدار زمان تطبيقه بنصها على «ينش� � ��ر هذا القانون في اجلريدة الرس� � ��مية،
ويعمل به بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره» .وقد نشر في اجلريدة الرسمية في ،1994/8/21ومن
ثم فإن بداية سريان العمل بأحكامه هو .1994/5/22
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
65
التحگيم في العقود اإلداريـة
نصت على « ...ويش� � ��تمل املش� � ��روع على س� � ��بعة أبواب تضم ثماني وخمسني مادة،
ويتعل� � ��ق الب� � ��اب األول بقواعد عامة تتناول موضوعات متفرق� � ��ة يأتي في مقدمتها
حتديد نطاق تطبي أحكام املشروع ،الذي عينته املادة األولى بعد أن رجحت أحكام
االتفاقيات املعمول بها في مصر -بس� � ��ريان تلك األح� � ��كام على كل حتكيم جتاري
دولي يجري في مصر سواء كان أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أو أشخاص
القانون اخلاص .فحسم املشروع بذلك الشكوك التي دارت حول مدى خضوع بعض
أن� � ��واع العقود التي يكون أحد أطرافها من أش� � ��خاص القانون العام للتحكيم فنص
على خضوع جميع املنازعات الناشئة عن هذه العقود ألحكام هذا املشروع أياً كانت
طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع »....هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية ،فإنه عند مناقشة املادة األولى من مشروع القانون في مجلس
الش� � ��عب ( )1طلب أحد األعضاء تعديله� � ��ا والنص صراحة عل� � ��ى العقود اإلدارية.
ذلك أن النص على كل حتكيم بني أطراف من أش� � ��خاص القانون العام أو القانون
اخلاص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع ال يفيد بخضوع
العقود اإلدارية للتحكيم .ألن النص بحالته هذه يخالف نص املادة 66في فقرتها
الرابع� � ��ة من القرار بقانون 47لس� � ��نة 1972التي تن� � ��ص على اختصاص اجلمعية
العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي املسبب وامللزم في املنازعات التي
تنشأ بني األشخاص العامة (.)2
( )1على الرغم من أهمية هذه املادة بحسبانها حتدد نطاق تطبيق القانون إال أن املناقشات التي دارت حولها
في مجلس الشعب كانت قليلة جداً وال تتناسب مع أهميتها.
( )2تنص املادة 66في فقرتها الرابعة من القرار بقانون رقم 47لس� � ��نة 1972بش� � ��أن مجلس الدولة على ما
يلي« :تختص اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي مسبباً في املسائل واملوضوعات
اآلتية:
د -املنازعات التي تنشأ بني الوزارات أو بني املصالح العامة أو بني الهيئات العامة أو بني املؤسسات العامة
أو بني الهيئات احمللية أو بني هذه اجلهات وبعضها البعض ويكون رأي اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع في هذه املنازعات ملزماً للجانبني».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
66
التحگيم في العقود اإلداريـة
ورفض املجلس االقتراح ،وفي معرض رد وزير العدل على اقتراح العضو بتعديل
املادة األولى على الوجه الس� � ��ابق قال «الس� � ��يد العضو ....يتحدث عن أش� � ��خاص
اجلمعي� � ��ة العمومي� � ��ة ملجلس الدولة في فض املنازعات ونحن نتكلم هنا في ش� � ��أن
اتف� � ��اق على حتكيم وهذا أمر يتم باالتفاق واألمر الذي يتم باالتفاق جائز أن يكون
بني ش� � ��خصني من أش� � ��خاص القانون العام يتفقان على حتكيم معني ،هذا ال ينزع
أية س� � ��لطة من س� � ��لطات مجلس الدولة وال يتعرض لها وأظن أننا كنا قلنا وقالت
املذكرة اإليضاحية في ذل� � ��ك عن جواز االتفاق على التحكيم في منازعات العقود
اإلدارية .....إن العقود اإلدارية يجوز التحكيم فيها ،هذا أمر انتهى بإفتاء مجلس
الدولة وأفتت جمعيته العمومية بهذا أكثر من مرة وأصبحت مس� � ��ألة ليست محل
خالف.)1(»..
على أن الرأي اآلخر ذهب إلى أن القانون اجلديد لم يحس� � ��م مش� � ��كلة التحكيم
في العقود اإلدارية وذلك راجع إلى خطورة املشكلة وتشعبها وتعدد جوانبها .ومن
ثم يصعب التس� � ��ليم بحس� � ��مها عن طريق اجلملة التي وردت في املادة األولى من
ه� � ��ذا القانون .فالعق� � ��ود اإلدارية حتكمها قواعد خاصة وخارقة للش� � ��ريعة العامة
ال « ...األمر اآلخر سيادتك تذكر عندما يكون شخص عام مع شخص عام يختلفان ( )1واستطرد الوزير قائ ً
ال بد أن يذهبا إلى اجلمعية العمومية ملجلس الدولة هل هناك ما مينع أن يتفقا على أن يحكما ،هل هذا
ال� � ��ذي ين� � ��ص عليه مجلس الدولة إلزامي بحيث أنه يلزمها وم� � ��ا عداها ال يجوز لها أن تختص بالتحكيم؟
ليست هناك نصوص بهذا املعنى الذي تفسر به سيادتك ..التحكيم جائز في املنازعات والعقود اإلدارية
ألن هذا اتفاق ،والتحكيم جائز بني أشخاص القانون العام باالتفاق بينهم .»...وحقيقة األمر هذا الكالم
ال ميك� � ��ن قبوله بحال .فنصوص قان� � ��ون التحكيم ال تنزع اختصاص اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى
والتش� � ��ريع الذي ورد في قانون مجلس الدولة في املادة 66في فقرتها (د) .وقرارها في حسم املنازعات
بني أش� � ��خاص القانون العام فيما بينهم ملزم للجانبني بصريح نص القانون على خالف ما يذكر الوزير.
ال عن أن القول بجواز التحكيم بني أش� � ��خاص القانون العام باالتفاق بينهم .فال نراه صواباً وال هذا فض ً
ً
حتتمله نصوص القانون فضال عن عدم مالءمته من الناحية القانونية .فالعالقة بني أش� � ��خاص القانون
الع� � ��ام وبعضها البعض يترتب عليها أن املنازعات التي تنش� � ��أ بينهم ال تعتبر خصومات باملعنى احلقيقي،
واألم� � ��ر الذي دعى املش� � ��رع لتنظيم التحكيم اإلجباري في منازعات األش� � ��خاص العام� � ��ة أو إحالتها إلى
اجلمعية العمومية للفصل فيها بقرار ملزم جلانبيها .وهو قرار في كل األحوال يصب في وعاء واحد.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
67
التحگيم في العقود اإلداريـة
وه� � ��ي قواعد القانون اإلداري وهي في معظمها قضائية من خلق القضاء اإلداري
يصعب التسليم بخضوعها للتحكيم وفق هذا القانون الذي لم ينص صراحة على
خضوعها ألحكامه(.)1
في حقيقة األمر أن نص املادة األولى من قانون التحكيم واملناقشات التي دارت
حولها في مجلس الش� � ��عب أو ما أوردته املذك� � ��رة اإليضاحية ال تقطع برأي نهائي
في مس� � ��ألة التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية .كما أن املناقش� � ��ة البرملانية لهذه املادة
كانت بالغة الضع� � ��ف ،ولم ترق أبداً إلى أهمية النص باعتباره يحدد نطاق تطبيق
القانون.
فمن ناحية أولى ،اس� � ��تندت إلى معلومات خاطئة .فالقول بأن موضوع التحكيم
في العقود اإلدارية قد حسم بإفتاء مجلس الدولة غير صحيح .فكما سبق وعرفنا
أنه إذا كان� � ��ت اجلمعية العمومية قد ذهبت إلى جواز التحكيم في العقود اإلدارية
ف� � ��ي فتواها األولى - 1989/5/17فإنها ف� � ��ي فتواها الثانية قد قيدت ذلك بعدم
استبعاد القواعد املوضوعية التي حتكم العقود اإلدارية في القانون املصري.
ال عن أن احملكمة اإلدارية العليا قد رفضت في أحكامها الصادرة بعد هذا فض ً
هات� �ي��ن الفتويني التحكيم في العقود اإلدارية .ومن ثم فإنه يبقى من غير املنطقي
الزعم بأن مجلس الدولة قد اتخذ موقفاً من التحكيم في العقود اإلدارية .بل إننا
س� � ��وف نرى أن اجلمعية العمومية قد عدلت ع� � ��ن موقفها من التحكيم في العقود
اإلدارية ،وذهبت في فتوى لها بتاريخ 18ديس� � ��مبر 1996إلى عدم جواز التحكيم
في العقود اإلدارية.
( )1أكث� � ��م اخلولي :اإلجتاه� � ��ات العامة في قانون التحكيم اجلديد ،بحث مق� � ��دم إلى مؤمتر القانون املصري
اجلديد للتحكيم التجاري الدولي وجتارب الدول املختلفة ،التي إعتمدت القانون النموذجي ،مركز القاهرة
اإلقليم� � ��ي للتحكيم التجاري الدولي باإلش� � ��تراك مع جلنة األمم املتح� � ��دة لقانون التجارة الدولي13-12 ،
سبتمبر .1994
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
68
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومن ناحية ثانية ،فإن املناقش� � ��ات البرملانية بخصوص املادة األولى من القانون
على الوجه الذي بيناه لم تنه املشكلة حتى داخل مجلس الشعب .فبعد إقرار املادة
بحالتها كما جاءت باملش� � ��روع جتدد النقاش حول التحكيم في العقود اإلدارية عند
مناقشة املادة الثانية (.)1
فعندما اعترض أحد األعضاء على أمثلة العقود التي تعددها املادة على اعتبار
أن « ...ضرب األمثلة ليس من عمل املش� � ��رع بل هو من عمل الفقه والقضاء ،وفي
التطبيق فهذه املادة تضرب أمثلة عديدة وعندما تس� � ��اءلت ملاذا هذه األمثلة فقيل
ل� � ��ي أنها من أج� � ��ل أن نتفادى النص صراحة على العقود اإلدارية »...ورد الس� � ��يد
الوزير بذات الرد الذي سبق وأن أبداه عند مناقشة املادة األولى .ولم يقتنع العضو
ب� � ��رد الوزير وذهب إل� � ��ى أن نص املادة األولى بقوله� � ��ا «كل حتكيم بني أطراف من
أش� � ��خاص القانون العام أو القانون اخلاص ،هذا الكالم ال يعني أبداً -ال صراحة
وال ضمناً -العقود اإلدارية ألن أش� � ��خاص القانون العام تدخل في منازعات كثيرة،
وكثير منها ينطبق عليه القانون املدني وليس� � ��ت عقوداً إدارية أي ال يكفي أن يكون
أحد أطراف العقد ش� � ��خصاً عاماً أو الدولة لكي يكون العقد عقداً إدارياً ،هذا له
شروط أخرى.)2( »...
وم���ن ناحي���ة ثالث���ة ،فإن إعداد هذا القانون منذ لبناته األولى لم يش� � ��ترك فيه
على طول مراحله املختلفة والتي بلغت س� � ��نني عدداً أحد من فقه القانون اإلداري
( )1تن� � ��ص املادة الثانية م� � ��ن القانون على «يكون التحكيم جتارياً في حكم هذا القانون إذا نش� � ��أ النزاع حول
عالقة قانونية ذات طابع اقتصادي ،عقدية كانت أو غير عقدية ،ويش� � ��مل ذلك على س� � ��بيل املثال توريد
الس� � ��لع أو اخلدمات والوكاالت التجارية وعقود التش� � ��ييد واخلبرة الهندس� � ��ية أو الفنية ومنح التراخيص
الصناعية والس� � ��ياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا واالس� � ��تثمار وعقود التنمي� � ��ة وعمليات البنوك والتأمني
والنقل وعمليات تنقيب واس� � ��تخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أو النفط ،وش� � ��ق
الطرق واألنفاق واستصالح األراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة املفاعالت النووية.
( )2نص املضبطة جلسة 1994/3/6سالفة الذكر.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
69
التحگيم في العقود اإلداريـة
أو مجلس الدولة حس� � ��ب علمنا ( .)1على الرغم من أن مشكلة التحكيم في العقود
اإلدارية كانت مثارة في هذه األحيان سواء بني الفقه أم في أحكام القضاء اإلداري
أم في فتاوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع.
فتوى اجلمعية العمومية بتاريخ 1996/12/18وعدم جواز التحكيم في العقود
اإلدارية:
مرة أخرى؛ عرض موضوع التحكيم في العقود اإلدارية على اجلمعية العمومية
لقسمي الفتوى والتشريع وذلك بجلستها بتاريخ 18ديسمبر 1996أي بعد صدور
قانون التحكيم رقم 27لس� � ��نة .1994وكان ذلك مبناس� � ��بة أن عرض على اللجنة
الثاني� � ��ة من جلان الفتوى مبجلس الدولة بجلس� � ��تها املنعقدة بتاريخ 30من أكتوبر
سنة 1996مراجعة مشروع العقد املزمع إبرامه بني كل من املجلس األعلى لآلثار
وشركة جلتسير سلفر نايت اإلجنليزية بخصوص األعمال التكميلية ألعمال تنسيق
املوقع اخلارجي ملتحف آثار النوبة بأس� � ��وان ،وكذلك العق� � ��د املزمع إبرامه بينهما
بخصوص إس� � ��تكمال أعمال املتحف املذكور .وق� � ��د بدا للجنة الثانية لدى مراجعة
حذف البند (السادس عشر) من العقد األول والبند (الثاني والعشرون) من العقد
الثان� � ��ي حيث تضمنا نصاً يقضي بفض ما قد ينش� � ��أ ع� � ��ن العقدين من منازعات
بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي .وذلك على سند من
أن اإلختص� � ��اص إمنا ينعقد حملاكم مجلس الدول� � ��ة دون غيره في فض املنازعات
التي تنشأ عن العقود اإلدارية.)2( »...
( )1هذا ال مينع من القول من أن جلان إعداد هذا القانون كانت تضم أساتذة كباراً من فقه القانون التجاري
والدول� � ��ي اخل� � ��اص واملرافعات .ويكفي أن يكون على رأس� � ��ها أس� � ��تاذ فاضل وعالم جلي� � ��ل يدين له الفقه
القانوني العاملي بكثير من املآثر وهو األستاذ الدكتور /محسن شفيق رحمه الله.
( )2فتوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع جلسة 18ديسمبر 1996ملف رقم (.16/339/1/54
في )1997/2/22املختار من فتاوى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع في خمس� � ��ي عاماً...
إصدار املكتب الفني -مجلس الدولة مبناسبة العيد الذهبي للمجلس 1997-1947ص.789
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
70
التحگيم في العقود اإلداريـة
ونظراً ملا تبني للجنة الثانية من أن الرأي الذي اجتهت إليه وإن كان يتفق مع ما
أقرت� � ��ه احملكمة اإلدارية العليا في حكمني لها صادرين في 20فبراير و 13مارس
1990إال أن ه� � ��ذا ال� � ��رأي يخالف ما انتهى إليه رأي اجلمعية العمومية لقس� � ��مي
الفتوى والتش� � ��ريع بجلس� � ��ة 1989/5/17واملؤيدة بفتواها بجلس� � ��ة .1993/2/7
فرأت إحالة األمر إلى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتشريع ( .)1وراجعت
اجلمعية العمومية س� � ��ابق إفتائها والذي ذهبت فيه إلى جواز التحكيم في العقود
اإلداري� � ��ة ،وكذلك أحكام احملكم� � ��ة اإلدارية العليا والتي ذهبت فيها إلى عدم جواز
ذلك .وناقش� � ��ت اجلمعية أيضاً صدور القانون رقم 27لسنة 1994وأثر ذلك على
اخل� �ل��اف حول التحكيم في العقود اإلدارية .ثم اس� � ��تعرضت ف� � ��ي فتواها تعريف
العقد اإلداري وطبيعته ،والشروط املتطلبة فيه وما مييزه عن العقد املدني ،وذلك
من خالل ما استقر عليه الفقه ومبادىء مجلس الدولة قضا ًء وإفتا ًء .ثم بعد ذلك
عرفت التحكيم وناقش� � ��ت أهلية األش� � ��خاص العامة في تقرير اللجوء إليه ...وفي
ذلك تقول:
« ....وإن جلوء جهة عامة للقضاء ذي الوالية العامة في نزاع يتعلق بعقد إداري
هو اإلستعمال الطبيعي حلق التقاضي ،أما جلوءها في ذلك إلى التحكيم فهو يقيد
اإلستعاضة عن القضاء ،بهيئة ذات والية خاصة وهو حتكيم جلهة خاصة في شأن
يتعل� � ��ق بصميم األداء العام الذي تقوم عليه الدولة وما يتفرع عنها من أش� � ��خاص
القانون العام .وهو حتكيم جلهة خاصة في ش� � ��أن يتعلق بتس� � ��يير املرافق العامة
وتنظيمه� � ��ا وإدارتها .وكل ذلك ال متلكه جهة عامة وال متلك تقريره هيئة عامة إال
بإجازة صريحة وتخويل صريح يرد من عمل تشريعي .وإذا كان القضاء مستقراً-
( )1حس� � ��ب ما تقضي به املادة 66فقرة (ب) من القرار بقانون بش� � ��أن مجلس الدولة رقم 47لس� � ��نة ،1972
تختص اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بنظر املسائل التي ترى فيها إحدى جلان قسم الفتوى
رأياً يخالف فتوى صدرت من اجلمعية العمومية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
71
التحگيم في العقود اإلداريـة
ف� � ��ي األنزعة اخلاصة وبني أش� � ��خاص القانون اخلاص -على أن� � ��ه ال يصح اتفاق
التحكي� � ��م من وصي على قاصر إال أن يك� � ��ون مأذوناً له بذلك من محكمة األحوال
الش� � ��خصية ،وال يصح من وكيل إال أن يكون مأذوناً له بإجراء اتفاق التحكيم ،وال
يص� � ��ح إال ممن ميلك التصرف بذاته أو بقوامة عليه إذا كان ذلك كذلك فال يصح
إجازة التحكيم من جهة عامة بش� � ��أن عق� � ��د إداري بغير أن يكون موافقاً على ذلك
بعمل تشريعي.)1( »...
وتخلص اجلمعية في هذه اجلزئية إلى أنه « ...ويظهر مما س� � ��بق جميعه مدى
التباين والتنافي بني العقد اإلداري من حيث طبيعته القانونية املميزة له عن العقود
املدنية وبني اتفاق التحكيم ،وذلك من حيث صالحية أية جهة عامة في عقد اتفاق
التحكيم ومدى ما تتس� � ��ع له واليتها في إبرامه .واحلاصل أن التحكيم كما تش� � ��ير
امل� � ��ادة الرابعة من قانون التحكيم رقم 27لس� � ��نة 1997هو اتفاق بني طرفي نزاع
«بإرادتهما احلرة» واألصل حرية اإلرادة في العقود املدنية ،ولكن األصل هو تقييد
اإلرادة في مسائل القانون العام قرارات كانت أو عقوداً إدارية.
واإلرادة تس� � ��تكمل حريتها بتوفير شرائط كمالها ...وإرادة اجلهات العامة إمنا
جتري كلها تفويضاً وفق مس� � ��وغ تشريعي مجيز وال بد من توافره ألعمال الواليات
العامة.)2( »...
ويتضح مما ذهبت إليه اجلمعية العمومية في فتواها إلى أن املشكلة تتعلق في
األساس بأهلية األش� � ��خاص العامة في االلتجاء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
ورأت أن هذه األهلية ال تتوافر لألشخاص العامة إال بوجود نص تشريعي يجيز لها
اللجوء إلى التحكيم وأن يكون األمر في حدوده بحسبان أن التحكيم طريق استثنائي
( )1املرجع السابق ،ص .802
( )2املرجع السابق ،ص .804
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
72
التحگيم في العقود اإلداريـة
يستعاض به عن قضاء الدولة املختص أص ً
ال بنظر النزاع .وهو نفس االجتاه الذي
يذهب إليه مجلس الدولة في فرنسا على الوجه الذي سبق وبيناه(.)1
ولكن هل توافر هذا النص بصدور القانون رقم 27لس� � ��نة 1994؟ .استعرضت
اجلمعية العمومية في فتواها نص املادة األولى والثانية من القانون وما ثار حولهما
من نقاش في مجلس الشعب وما تناولته املذكرة اإليضاحية للقانون بصددهما(.)2
( )1انظر ما سبق من هذا البحث ص .39
( )2ومما ذهبت إليه الفتوى في ذلك ....« :وبالنسبة لألعمال التحضيرية التي صاحبت إعداد قانون التحكيم
الصادر برقم 27لس� � ��نة ،1994فاحلاصل وفق إفتاء س� � ��ابق للجمعية العمومية صدر منها بجلسة 19من
يوني� � ��ه ،1996أن األعمال التحضيرية للقانون هي مما يلقي الضوء على أحكام القانون عند إعمالها بعد
صدوره ،مبراعاة ما يس� � ��تخلص منها من إدراك للتوجهات العامة التي توضح مقاصد التش� � ��ريع وأسباب
إعداده والتوجهات العامة والسياسات العامة التي أريد به حتقيقها ،واملسائل التي أريد به عالجها.
ولك� � ��ن كل ذلك ال يصل به احلال إلى اعتبار ما ورد باملذكرت اإليضاحية وال بأقوال املناقش� �ي��ن ملش� � ��روع
القانون ،اعتبارهما مبثابة تفسير لنصوصه لها وجه إلزام أو لها حجية ترجيح وتغليب لوجه تفسير على
وجه تفسير آخر مما تتسع له نصوص القانون ،ذلك أن النص الذي يولد بالقانون إمنا يكون تطور وتبلور
وتعدل� � ��ت مفاهيمه وأحكامه م� � ��ن مراحل إعداده األولى وفي مرحلة مناقش� � ��ة نصوصه ،بحيث أن النص
املولود إمنا يكون جتاوز العديد من اآلراء التي أحاطت به من مناقش� � ��يه عند إعداده ،كذلك فإن آراء من
س� � ��اهموا في إعداده إمنا هي محض آراء فردية واجتهادات ش� � ��خصية ال تفيد أن ألحدهم أو جلماعتهم
وجه والية في حصر معاني القانون بعد صدوره في تفاسيرهم ورؤاهم الذاتية.
....ومع تقدير كل ذلك ،رأت اجلمعية العمومية استعراض ما ورد باألعمال التحضيرية لقانون التحكيم
الستخالص الدالالت العامة في شأن صلة التحكيم بالعقود اإلدارية.
كان أحيل مشروع قانون التحكيم التجاري مبجلس الشعب إلى جلنة مشتركة من جلنة الشئون الدستورية
والتشريعية ومكتب جلنة الشئون اإلقتصادية ،وجاء في تقرير هذه اللجنة املرسل إلى رئيس مجلس الشعب
في 31من يناير س� � ��نة ،1996جاء به أن نظام التحكيم يتيح س� � ��رعة الفصل في املنازعات الناش� � ��ئة عن
العالقات التجارية الدولية ويعطي الطمأنينة للمس� � ��تثمرين وأن قواعد التحكيم بقانون املرافعات وضعت
للتحكيم الداخلي فهي ال حتقق الهدف املنش� � ��ود وال تغني بالنس� � ��بة إلى التحكيم الدولي «ملا له من طبيعة
خاص� � ��ة» ،وذكر التقرير أن اللجنة فضلت وضع قان� � ��ون حتكيم عام في املواد املدنية والتجارية يطبق على
نوعي التحكيم الداخلي والدولي» ومن هذا املنطلق عدلت نصوص املشروع وعنوانه وألغت مواد التحكيم
ف� � ��ي قانون املرافعات (م )513-501وحذفت عبارة «جت� � ��اري دولي» من مـادة اإلصدار األولى وعدلتها مبا
ال «سواء أكان جتـارياً أو غير جتـاري ،داخلياً أو دولياً ،وذكر أنه صار الشريعـة العامـة يجعل التحكيـم شامـ ً
للتحكيـم أياً كانــت طبيـعة املنازعة التي يدور بشأنها التحكـيم وأيا كــان وضــعه» وصـار عنـوان القانون أنه=
ً
73
التحگيم في العقود اإلداريـة
وخلصت إلى أنه فيما يتعلق باملسألة املثارة أن مشروع أعد أص ً
ال لينظم التحكيم
ف� � ��ي املنازعات الدولية ثم ورد استحس� � ��ان أن يتضمن تنظيم � � �اً عاماً للتحكيم في
75
التحگيم في العقود اإلداريـة
هذا القانون في أي من مراحل إعداده وحتى صدر لم يشمل قط على حكم صريح
بخضوع العقود اإلدارية لهذا القانون ...وانتهت اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع إلى عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود اإلدارية».
بعد صدور فتوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بعدم صحة شرط
التحكي� � ��م في منازعات العقود اإلدارية على الوجه الذي بيناه .س� � ��ارعت احلكومة
إلى تقدمي مش� � ��روع قانون بتعديل املادة األولى من القانون 27لس� � ��نة 1994بشأن
التحكي� � ��م في املواد املدنية والتجارية .وذلك لتش� � ��مل بنطاقها التحكيم في العقود
اإلداري� � ��ة .وص� � ��در به القانون رقم 9لس� � ��نة 1997وجاءت امل� � ��ادة األولى منه على
الوجه التالي «تضاف إلى املادة ( )1من قانون التحكيم في املواد املدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 27لسنة 1994فقرة ثانية ،نصها كاآلتي:
=العمومية وقتها ولم يكن محض اس� � ��تخالص حتمى من العبارة العامة الواردة بالنص «أياً كانت طبيعته».
مبا يعني أن األمر متروك ملا يسفر عنه الترجيح في التفسير مع نظر وملا يستقر عليه األمر من بعد.
واحلاصل أن املادة ( )1تضمنت النص على كل حتكيم «بني أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون
اخل� � ��اص أياً كان� � ��ت طبيعته »..وقد أنكر صاحب االقتراح املرض� � ��وع أن القانون يتضمن نصاً صريحاً عن
العقـود اإلدارية ذكر أن ورود األش � � �خـاص العامة ال يفيـد ذكـراً صـريحـاً للعقـود اإلدارية ألن األش � � �خــاص
العامة تبرم عقوداً مدنية في العديد من معامالتها ،ولم يستفد سيادته من العبارة العامة في هذا النص=
= حتمية اش� � ��تمالها على العقود اإلدارية .ومن ثم فإن اثنني من املتحدثني عن النص اختلفا في تفس� � ��يره
أثناء جلسة املوافقة على القانون ،مبا يستبعد معه أن املوافقني على القانون كانوا جميعاً يقصدون من هذه
العبارة شمولها للعقود اإلدارية ،والعبرة هنا باإلرادة اجلماعية وليس باالجتهادات الفردية ما دام (=) (=)
األمر يتعلق بالنص ومبدى حس� � ��مه في اإلشارة إلى حكم محدد .وملا أريد احلسم بنص صريح رفض هذا
االقتراح.
وبالنس� � ��بة لفتاوي اجلمعية العمومية الس� � ��ابقة التي أجازت التحكيم في العقود اإلدارية ،فقد كان يقابلها
أحكام للمحكمة اإلدارية العليا في ذات الفترة رفضت خضوع العقود اإلدارية لنظام التحكيم ،وأحد هذه
األحكام لم يعتد بهذا الشرط في قانون صادر بعقد امتياز ،ألن القانون اشتمل على موافقة فردية تخالف
نصاً عاماً مجرداً .واحلاصل أن ش� � ��مول نظام التحكيم أو عدم ش� � ��موله ملنازعات العقود اإلدارية ،ال يتعلق
فقط مبا إذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود أو ال يسعها ،إمنا يتعلق أيضاً بصحة شرط التحكيم من
حيث توافر كمال أهلية إبرامه ملن يبرمه في شأن نفسه ،وماله ،وتوافر كمال والية إبرامه ملن يبرمه في=
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
76
التحگيم في العقود اإلداريـة
«وبالنس� � ��بة إلى منازعات العقود اإلدارية يك� � ��ون االتفاق على التحكيم مبوافقة
الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة لألشخاص االعتبارية العامة ،وال
يجوز التفويض في ذلك».
=شأن غيره أو مال غيره ،واألصل عند عدم النص صحة ما يجريه الشخص في شأن نفسه وماله ،واألصل
عند عدم النص عدم صحة ما يجريه الشخص في شأن غيره وماله .وإذا كان شرط التحكيم في منازعات
العق� � ��ود اخلاصة ال يصح لناقص األهلي� � ��ة إال باكتمال أهليته وصياً ومحكمة ،فإن� � ��ه في منازعات العقود
اإلداري� � ��ة ال يصح هذا الش� � ��رط إال بإكمال اإلرادة املعبرة عن كمال الوالي� � ��ة العامة في أجزائه ،وال تكتمل
الوالية هنا إال بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد اإلداري بضوابط محددة وقواعد منظمة ،أو
بتفويض جهة عامة ذات شأن لإلذن به في أية حالة مخصوصة وذلك مبراعاة خطر هذا الشرط فال تقوم
مطلق اإلباحة ألي هيئة عامة أو وحدة إدارية أو غير ذلك من أشخاص القانون العام».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
مدى م�شروعية اتفاق التحكيم
يف العقود الإدارية
اعداد
املستشار دكتور
بره ـ ــان أمـ ــر ا&
الرئيس األسبق حملكمة استئناف القاهرة
واألمني العام لالحتاد العربي للتحكيم الدولي
العلمي الثالث
الملتقـى
79
التحگيم في العقود اإلداريـة
مدى مشروعية اتفاق التحكيم في العقود اإلدارية
-1التحكيم نظام قانوني لف� � ��ض املنازعات مبقتضاه يتفق أطراف عالقة قانونية
معينة ،عقدية أو غير عقدية ،على أن يتم الفصل في املنازعة التي ثارت بينهم
بالفعل ،أو التي يحتمل أن تثور عن طريق ش� � ��خص أو أشخاص من اختيارهم،
يصدرون قرارهم امللزم لألطراف بعد سماع وجهة نظر كل منهم تفصي ً
ال من
خالل ضمانات التقاضي الرئيسية.
-2واتف� � ��اق األط� � ��راف على اللجوء إلى التحكيم -س� � ��واء في العق� � ��د أو في اتفاق
مستقل -مينع القاضي من نظر الدعوى إذا متسك به أحد الطرفني -كما أن
القرار الذي يصدره احملكم تكون له حجية الشيء املقضى بحيث مينع الطرف
اخلاسر من إقامة دعوى مبتدأة أمام القضاء إلعادة النظر في النزاع ،كما أن
أغلب التشريعات تتجه إلى منع الطعن في حكم التحكيم أو السماح بذلك على
سبيل االستثناء في حاالت معينة للبطالن محددة على سبيل احلصر (املادتان
53 ،52من قانون التحكيم في املواد املدنية والتجارية املصري).
-3وإذا كان التحكيم بضمن ألطراف العالقة القانونية جتنب طرح منازعاتهم على
القضاء مع ما تتسم به إجراءات التقاضي من بطء وتعقيد وزيادة نفقات ،فإنه
الطريقة األنس� � ��ب لتس� � ��وية منازعات عقود التنمية االقتصادية الشاملة ،كما
أنه أصبح الوس� � ��يلة العادية حلسم منازعات التجارة الدولية -ذلك أنه يسمح
ألطراف العالقة القانونية باختيار احملكم الذي يطمئنون إليه ،ومكان التحكيم
وإجراءات� � ��ه ،والقانون الواجب التطبيق ....الخ فالدولة أو أش� � ��خاص القانون
الع� � ��ام يصعب عليهم تقبل اخلض� � ��وع لقضاء دولة أجنبية ،كما أن الش� � ��ركات
األجنبي� � ��ة املتعاقدة يصعب عليها االطمئنان إلى تطبيق قانون معني غير ملمة
بأحكام� � ��ه ،أو اخلضوع إلى قض� � ��اء دولة ما مع ما قد يثور بش� � ��أنه من مظنة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
80
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحي� � ��ز ملواطنيه أو تدن� � ��ي الكفاءة املهنية لقضاته كما هو الش� � ��أن في بعض
دول العال� � ��م الثالث ،ولذا فإنه ليس يخفى أن املس� � ��تثمر األجنبي يتردد كثيراً
للمجازفة باس� � ��تثماراته إذا لم يكن في إمكانه وضع ش� � ��رط التحكيم أو إبرام
اتفاقية حتكيم ملواجهة ما قد يثور من خالفات مع الدولة املضيفة ،وهكذا فإن
غالبي� � ��ة عقود التنمية االقتصادية وعقود التجارة الدولية -خاصة عقود نقل
التكنولوجيا أو تراخيص استغالل براءات االختراع -تتضمن شرط التحكيم.
-4ومواكب� � ��ة للجهود التي تبذله� � ��ا الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح لالس� � ��تثمار
وجذب رؤوس األموال املستثمرة وإعادة الثقة إلى رجال األعمال واملستثمرين
-عرباً كانو أو أجانب -أصدر املش� � ��رع املصري القانون رقم 1994/27بشأن
التحكيم ف� � ��ي املواد املدنية والتجارية ،حيث تضم� � ��ن تنظيماً ألحكام التحكيم
فضها -وهكذا على نحو يتالءم مع طبيعة منازعات التجارة الدولية ومتطلبات َّ
فقد جرت املادة األولى من القانون على أنه:
«مع عدم اإلخالل بأح� � ��كام االتفاقيات الدولية املعمول بها في جمهورية مصر
العربية تس� � ��ري أحكام هذا القانون على كل حتكيم بني أطراف من أش� � ��خاص
القانون العام أو القان� � ��ون اخلاص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور
حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى في مصر ،أو كان حتكيماً جتارياً دولياً
يجرى في اخلارج واتفق أطرافه على إخضاعه ألحكام هذا القانون.
-5وعلى الرغم من وضوع عبارة نص املادة األولى من قانون التحكيم فقد اختلف
ال� � ��رأي حول مدى انطباق حكمها عل� � ��ى املنازعات اخلاصة بالعقود اإلدارية -
فقد ذهبت فتوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع مبجلس الدولة
املؤرخ� � ��ة 1997/2/19إلى عدم صحة ش� � ��روط التحكيم في منازعات العقود
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
81
التحگيم في العقود اإلداريـة
اإلدارية ( ،)1بينما قضت الدائرة ( )63جتاري مبحكمة استئناف القاهرة بعكس
ذلك في حكمها الصادر بجلسة 1997/3/19في الدعوى رقم 113/64ق(.)2
-6ويالح� � ��ظ أن اخلالف حول قابلي� � ��ة العقود اإلدارية للتحكي� � ��م ليس جديداً أو
طارئاً -ذلك أنه قبل صدور قانون التحكيم احلالي ذهب جانب من الفقه إلى
بطالن ش� � ��رط التحكيم املتضمن إجراؤه ف� � ��ي اخلارج إذا ورد في عقد إداري،
وذلك خلضوع مثل هذا العقد لالختصاص املانع exclusiveملجلس الدولة
دون غيره .وقد أخذ بهذا الرأي قضاء احملكمة اإلدارية العليا في حكمني لها
صادرين في 20فبراير و 13مارس .1990
()3
وعلى العكس من ذلك رأى بعض الفقهاء جواز التحكيم في العقود اإلدارية
واس� � ��تندوا في ذلك إلى أن عبارة يختص مجلس الدولة دون غيره مبنازعات
العق� � ��ود اإلدارية -الواردة في قانون مجلس الدولة رقم -1972/47قد قصد
بها وض� � ��ع احلد الفاصل لالختصاص بني مجل� � ��س الدولة وبني جهة القضاء
الع� � ��ادي صاحبة الوالية العامة ،والغاء ما كان لذوي الش� � ��أن من حق االختيار
بني االلتجاء إلى أي من تلك اجلهتني في حاالت معينة -والذي كان سائداً قبل
صدور ذلك القانون -كما أن إدراج شرط التحكيم في العقد الذي تبرمه جهة
( )1النص الكامل لفتوى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع مبجلس الدولة ،ملف رقم 339/54
بتاريخ ،1997/2/19مؤلف األس� � ��تاذ الدكتور محمود مختار بريرى ،وكان التحكيم التجاري الدولي ،دار
النهضة العربية ،الطبعة الرابعة ،2010ص .315-292
( )2وكان للكاتب ش� � ��رف رئاسة الدائرة ( )63جتاري استئناف القاهرة حينذاك ،وينظر النص الكامل للحكم
رقم 113/64ق ،مؤلف أ.د .محمود مختار بريرى ،املرجع السابق ص .396-388
( )3أنظر في خضوع العقود اإلدارية للتحكيم طبقاً لنص املادة األولى من قانون التحكيم قبل تعديلها بالقانون
رق� � ��م :1997/9أ.د .فتح� � ��ي والى ،التحكيم في املنازعات الوطنية والتجارية الدولية علماً وعم ً
ال منش� � ��أة
املعارف باالس� � ��كندرية ،طبعة أولى ،2014رقم 66ص136-134؛ أ.د .محمود سمير الشرقاوي ،التحكيم
التج� � ��اري الدولي ،دار النهضة العربية 2011رقم 54ص 79؛ أ.د .أحمد عبد الكرمي س� �ل��امة ،التحكيم
التج� � ��اري الدولي والداخل� � ��ي ،دار النهضة العربية ،الطبعة األولى 2004رق� � ��م 67ص 2007-198؛ أ.د.
محمود مختار بريري ،املرجع السابق ،أرقام 29-24ص .54-46
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
82
التحگيم في العقود اإلداريـة
اإلدارة ميكن أن يكون مؤش� � ��راً لعدم وجود الش� � ��روط االستثنائية غير املألوفة
ال عن ذلك فقد الت� � ��ي متيز العقد اإلداري عن عقود القانون اخل� � ��اص .وفض ً
س� � ��بق للدولة وغيرها من أشخاص القانون العام إن أبرمت في املاضي عقوداً
كثيرة مع أطراف أجانب وتضمنت ش� � ��رط التحكيم في اخلارج دون أن يترتب
على ذلك أية أضرار للجانب املصري -ومن ناحيتها ،فإن محكمة النقض منذ
سنة 1956تقضي بصحة شرط التحكيم املنصوص على إجرائه في اخلارج-
وأخيراً ف� � ��إن اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع مبجلس الدولة
قد أصدرت فتواها بجلس� � ��ة ( 1989/5/17املؤيدة بالفتوى الصادرة بجلس� � ��ة
)1993/2/7حيث خلصت إلى ج� � ��واز االتفاق على االلتجاء إلى التحكيم في
العقود اإلدارية.
-7ولي� � ��س بخفي م� � ��ا للخالف حول قابلية العقود اإلداري� � ��ة للتحكيم من تأثير بالغ
اخلطورة على فرص االس� � ��تثمار األجنبي وخطط التنمية الشاملة ،وذلك لعدم
اطمئنان الطرف األجنبي الذي يفكر في التعامل مع الدولة أو أحد أش� � ��خاص
القانون العام على مصير شرط التحكيم في حالة إبرام العقد ،فهو دائماً مهدد
باحتمال القضاء ببطالن ذلك الشرط في حالة قيام نزاع مع اجلانب املصري.
ومن أجل تشجيع االس� � ��تثمارات األجنبية وإعادة الثقة واالطمئنان إلى رجال
األعمال واملستثمرين -عرباً وأجانباً -رأى املشرع حسم هذا اخلالف بإصدار
قانون التحكي� � ��م رقم 1994/27متضمناً النص ف� � ��ي مادته األولى على جواز
االتفاق على االلتجاء إلى التحكيم س� � ��واء كان ذلك بني أطراف من أش� � ��خاص
القانون العام أو القانون اخلاص وأياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور
حولها النزاع .ولس� � ��نا في حاجة إلى إيضاح ما تنط� � ��ق به عبارات هذا النص
ا بقاعدة ال اجتهاد م� � ��ع وضوح النص ،فض ً
ال عن قاع� � ��دة األخذ بالعام عم� �ل � ً
83
التحگيم في العقود اإلداريـة
عل� � ��ى عمومه ما لم يرد مخصص -فن� � ��ص املادة األولى املذكورة يقضى بجواز
التحكيم الذي يتفق عليه األطراف س� � ��واء كانوا من أشخاص القانون العام أو
القانون اخلاص وأيا كانت الطبيعة القانونية للعالقة التي يدور حولها النزاع،
وقصد املشرع من هذه العبارات قطع دابر اخلالف الذي ثار في املاضي حول
قابلية العقود اإلدارية للتحكيم.
وق� � ��د تضمنت املذكرة اإليضاحي� � ��ة للقانون هذا املعنى صراحة إذ جاء بها «إن
حتديد نطاق تطبيق أحكام املشروع الذي عينته في املادة األولى ..بسريان تلك
األحكام على كل حتكيم جتاري دولي يجرى في مصر س� � ��واء كان أحد طرفيه
من أش� � ��خاص القانون العام أو أش� � ��خاص القانون اخلاص ،فحس� � ��م املشروع
بذلك الش� � ��كوك التي دارت حول مدى خضوع بع� � ��ض أنواع العقود التي يكون
أحد أطرفها من أش� � ��خاص القانون الع� � ��ام للتحكيم ،فنص على خضوع جميع
املنازعات الناش� � ��ئة عن هذه العقود ألحكام املش� � ��روع أياً كانت طبيعة العالقة
القانونية التي يدور حولها النزاع ،»...ويالحظ أن عبارات املذكرة اإليضاحية
جتنبت استعمال عبارة العقود اإلدارية صراحة واستعاضت عنها بعبارة «بعض
أنواع العقود التي يكون أحد أطرافها....الخ» بيد أن تقرير اللجنة املشتركة من
جلنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب جلنة الشئون االقتصادية مبجلس
الش� � ��عب أوضحت صراحة« :إن املقصود بالعبارة األخيرة سريان هذا القانون
(أي قانون التحكيم) على العقود اإلدارية كي يصبح حكم املادة األولى من ذلك
القانون تقنين � � �اً ملا انتهى إليه افتاء مجلس الدولة في هذا الش� � ��أن» ،ويقصد
فتوى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع مبجلس الدولة بجلس� � ��ة
1989/5/17املؤيدة بالفتوى الصادرة من نفس اجلمعية بجلسة 1993/2/7
بجواز االتفاق على االلتجاء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
85
التحگيم في العقود اإلداريـة
عليه الدولة واألش� � ��خاص العامة ( ،)1واختتمت أسانيد فتواها بالقول أن وزير
العدل -حينذاك -كان يبرر ش� � ��مول قان� � ��ون التحكيم ملنازعات العقود اإلدارية
بأن ذلك تقنني ملا كان عليه إفتاء اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع،
وأنه ما دام أن مجلس الدولة قد عدل عن فتاويه الس� � ��ابقة فعلى املش� � ��رع أن
يتبع هذا العدول.
-9وبعد مضي ش� � ��هر واحد من صدور فتوى مجلس الدولة سالفة البيان أصدرت
محكمة اس� � ��تئناف القاه� � ��رة بتاري� � ��خ 1997/3/19حكماً في دع� � ��وى أقامها
املجل� � ��س األعلى لآلثار ضد ش� � ��ركة بريطانية برق� � ��م 113/64ق ،وذلك طلباً
للحكم ببطالن حكم التحكيم الصادر لصالح الش� � ��ركة األخيرة تأسيس � � �اً على
عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية.
وقد انتهت محكمة االس� � ��تئناف في حكمه� � ��ا إلى رفض دعوى البطالن وجواز
االتفاق على التحكيم في العقود اإلدارية (.)2
( )1فتوى اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتشريع رقم 160بتاريخ 1997/2/19ملق رقم ،339/1/54
املبادىء القانونية التي أقرتها اجلمعية العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتش� � ��ريع من أكتوبر 1996إلى يونيو
،2000املكت� � ��ب الفني مبجلس الدولة ،ج 1ص - 131وانظر عكس ه� � ��ذه الفتوى وخضوع العقود اإلدارية
للتحكي� � ��م طبق � � �اً لنص املادة األولى من قان� � ��ون التحكيم قبل تعديلها بالقانون رق� � ��م :1997/9أ.د .فتحي
والى؛ املرجع الس� � ��ابق ،رقم 66ص ،136-134أ.د .محمود سمير الشرقاوي ،التحكيم التجاري الدولي،
دار النهض� � ��ة العربية 2011رق� � ��م 54ص 79؛ أ.د .أحمد عبد الكرمي س� �ل��امة التحكيم التجاري الدولي
والداخلي ،دار النهضة العربية ،الطبعة األولى 2004رقم 67ص ،207-198أ .د .محمود مختار بربرى،
التحكيم التجاري الدولي ،املرجع السابق ،أرقام 29-24ص .54-46
( )2بنظر تعليق البروفيسور فيليب لوبو الجنيه على هذا احلكم ،حيث أورد ترجمة حرفية كاملة للحكم باللغة
الفرنسية وأشاد بقضائه بصحة اتفاق التحكيم في العقود اإلدارية ،ودعا كل من مجلس الدولة والبرملان
الفرنسيني إلى األخذ مبا استناد إليه من قضاء,
Philippe Leboulanger, Revue de l arbitage, 1997, no.2,pp. 283-296
وأنظر كذلك تعليق األستاذ الدكتور أحمد الشقيري في= :
87
التحگيم في العقود اإلداريـة
حتكيم أو تنفيذ قرار محكمني في مادة تزيد قيمتها على خمس� � ��ة آالف جنيه
بغير إستفتاء إدارة الفتوى املختصة».
ومفاد هذا النص جواز االلتجاء إلى التحكيم في العقود اإلدارية وإال ملا أوجب
القان� � ��ون عرض ش� � ��رط التحكيم -قبل إدراجه في العق� � ��د -على إدارة الفتوى
املختصة -وأخيراً فقد جرت املادة الثالثة من مواد إصدار قانون التحكيم على
إلغاء أي حكم يخالف أحكام هذا القانون.
-10وال ش� � ��ك أن إدراج ش� � ��رط التحكيم في أحد العقود اإلدارية ،ثم اللجوء إلى
التحكيم فع ً
ال ،وعدم إثارة مس� � ��ألة عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية إال
بع� � ��د صدور حكم هيئة التحكيم ضد اجله� � ��ة العامة يتعارض مع مبدأ وجوب
تنفيذ االلتزامات بحسن نية ،كما أن من شأنه هز ثقة املتعاملني مع تلك اجلهة
في مصداقيتها ويضر بفُرص االستثمارات األجنبية ومشروعات التنمية.
-11ومن أجل محاصرة األضرار املؤكدة التي ميكن أن تصيب مشروعات التنمية
وتدفق االستثمارات األجنبية وباجلملة العالقات االقتصادية اخلارجية وذلك
نتيج� � ��ة الفتوى التي أصدرها مجلس الدولة بعدم صحة ش� � ��رط التحكيم في
العقود اإلدارية ،فقد بادر املشرع إلى التدخل بالقانون رقم 1997/9بإضافة
فقرة جديدة إلى املادة األولى من قانون التحكيم تقضى بأنه:
«وبالنس� � ��بة إلى منازعات العقود اإلدارية يكون االتفاق على التحكيم مبوافقة
الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة لألشخاص اإلعتبارية العامة،
وال يجوز التفويض في ذلك» .وقد عمل بهذا التعديل إعتباراً من .1997/5/13
وهكذا فإن املش� � ��رع وإن قطع بذلك دابر أي ش� � ��ك فيما يتعلق بصحة ش� � ��رط
التحكيم في العقود اإلدارية -دون أن يُهمل متاماً رأى مجلس الدولة في فتواه
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
88
التحگيم في العقود اإلداريـة
سالفة اإلش� � ��ارة -إال أنه لم يحسم أوجه اخلالف بشأن شرط موافقة الوزير
املختص على اتفاق التحكيم (.)1
-12إن التعدي� � ��ل اجلدي� � ��د قد فتح الب� � ��اب على مصراعيه ،أم� � ��ام االختالف في
الرأي حول مس� � ��ائل جدي� � ��دة ،منها إنه إذا كانت موافق� � ��ة الوزير أو من يتولى
اختصاصه على ش� � ��رط التحكيم ضرورية فما هو الشكل الذي يجب أن تصاغ
في� � ��ه تلك املوافقة؟ هل يج� � ��ب أن تفرغ تلك املوافقة في عمل مس� � ��تقل أم أنه
يكفي توقيع الوزير أو من يتولى اختصاصه على شرط التحكيم أو مشارطته؟
وهل يش� � ��ترط أن تكون املوافقة على التحكيم صريحة أم ضمنية ،وهل يكفي
توقيع الوزير املختص على العقد املتضمن ش� � ��رط التحكيم أو على مش� � ��ارطة
التحكيم ،وهل يش� � ��ترط أن تكون املوافقة كتابية أو تكفي الش� � ��فهية منها ،ومن
هو املكلّف باس� � ��تيفاء شرط موافقة الوزير؟ اجلهة اإلدارية أم الطرف املتعاقد
معه� � ��ا؟ أم كلى طرفي العقد؟ كذلك فإن التعديل اجلديد لم يبني اجلزاء الذي
يترتب على تخلف ش� � ��رط موافقة الوزير أو من يتولى إختصاصه على اللجوء
إل� � ��ى التحكيم؟ وهل يكون جزاء ذلك بطالن ش� � ��رط التحكيم؟ أم مجرد توقيع
جزاء إداري على رئيس الش� � ��خص االعتباري العام الذي أدرج شرط التحكيم
ف� � ��ي العقد دون احلصول على موافقة الس� � ��لطة املختص� � ��ة؟ ثم ما هو املوقف
بالنسبة للعقد الدولي إذا تخلفت عنه موافقة السلطة املختصة؟ هل تستطيع
الدولة أو اجلهة العامة الطعن ببطالن ش� � ��رط التحكيم لعدم موافقة السلطة
املختصة عليه طبقاً ملا اش� � ��ترطته املادة األولى املعدلة من قانون التحكيم؟ أم
( )1املستش� � ��ار محمد أمني املهدي واملستش� � ��ار محمد فوزي عبد الباري ،الدعوى ببطالن شرط التحكيم في
العق� � ��ود اإلدارية ،عرض وحتليل لألحدث من أحكام القضاء اإلداري ،مجلة التحكيم العربي ،العدد ()14
يونيو 116-99 ،2010؛ املستشار الدكتور /برهان أمر الله ،شرط موافقة الوزير املختص في التحكيم في
منازعات العقود اإلدارية ،مجلة التحكيم العاملية (بيروت) العدد ( ،2015 )27ص .66-37
89
التحگيم في العقود اإلداريـة
ال بالقاعدة العامة املستقرة في قضاء التحكيم التجاري أنه ال ميكنها ذلك عم ً
الدول� � ��ي الت� � ��ي تقضى بأن لي� � ��س للدولة أن تتنصل من ش� � ��رط التحكيم الذي
التزم� � ��ت به في أح� � ��د العقود الدولية وذلك عن طريق االس� � ��تناد إلى نصوص
قوانينها املقيدة لس� � ��لطتها في التعاقد؟ وبعبارة أخرى ،ما هو احلكم في حالة
تخلف موافقة الس� � ��لطة املختصة على شرط التحكيم املدرجة في أحد العقود
الدولي� � ��ة إذا طبقنا القاعدة القانوني� � ��ة العامة في قضاء التحكيم الدولي التي
تنكر على الدولة التمس� � ��ك بنصوص قانونها الداخلي للطعن في صحة شرط
التحكيم الوارد في أحد العقود الدولية؟ وأخيراً ،ما هو حكم ش� � ��رط التحكيم
في العقود اإلدارية التي أُبرمت قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 1997/9؟ وهل
أت� � ��ى القانون األخي� � ��ر بحكم جديد لم يكن موجوداً ف� � ��ي نص املادة األولى من
قانون التحكيم رقم 1984/27؟
وإذا كان املقام ال يتس� � ��ع ملناقش� � ��ة كل ذلك بالتفصيل الواجب ،فإن حس� � ��بنا هو
إلقاء الضوء على بعض جوانب موضوع التحكيم في منازعات العقود اإلدارية لعلها
تكون جديرة باملناقشة.
وا& من وراء القصد
التحكيم
يف منازعات العقود الإدارية
املستشار
الدكتور عبد اللطيف نايف
نائب رئيس مجلس الدولة
العلمي الثالث
الملتقـى
93
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم
في منازعات العقود اإلدارية
ل� � ��م يع� � ��د التحكيم مجرد وس� � ��يلة فاعلة وناجحة يس� � ��تعني بها أط� � ��راف العقد
لفض املنازعات التي تنش� � ��أ بينهم بعي� � ��داً عن طرق التقاضي العادية ،وإمنا أصبح
ال مهماً من عوامل جذب االس� � ��تثمارات للدول ،ملا يوفره من اطمئنان وضمان عام ً
للمستثمرين الذين ينظرون بعني الش� � ��ك والريبة إلى القضاء الوطني لتلك الدول
من جهة ،وباحملافظة على أس� � ��رارهم وجتنب املس� � ��اس مبراكزهم وس� � ��معتهم في
ال عن السرعة التي ميتاز بها من القضاء في الفصل مجال النشاط التجاري ،فض ً
والبت في النزاع من جهة أخرى.
ولألهمي� � ��ة املذكورة فرض التحكي� � ��م التجاري الدولي اليوم نفس� � ��ه بقوة على
معظم التشريعات الوطنية ،األمر الذي يتطلب تشجيعه ودعمه لتعزيز فعاليته على
الصعيد الدولي وإزالة املعوقات التي تعترضه وبخاصة في مجال تنفيذ األحكام.
ونظراً إلى التحوالت التي شهدها العراق في أصعدة متنوعة ،منها في اجلانب
االقتصادي بانتقاله من اقتصاد السوق املوجه إلى اقتصاد السوق احلر وارتباطه
بالكثير من عقود توفير الس� � ��لع واخلدمات وما قد ينشأ عنها من منازعات يتعني
حسمها بقواعد أكثر مرونة جلذب االستثمارات األجنبية وتشجيعها ،لذا كان لزاماً
وجود قواع� � ��د تنظم التحكيم التجاري الدولي في العراق ،وال س� � ��يما إن القوانني
الناف� � ��ذة ال توج� � ��د فيها معاجلة لهذا املوضوع ،منها قان� � ��ون املرافعات املدنية رقم
83لس� � ��نة 1969الذي اقتصرت بعض أحكامه على معاجلة التحكيم احمللي الذي
يجري في داخل العراق ،وأن ما ورد من نصوص في قانون االس� � ��تثمار رقم ()13
لس� � ��نة 2006من جواز اللج� � ��وء إلى التحكيم يصطدم بامل� � ��ادة (األولى) من قانون
تنفيذ األحكام األجنبية في العراق رقم ( )30لسنة 1928التي اشترطت في تنفيذ
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
94
التحگيم في العقود اإلداريـة
احلك� � ��م األجنبي في العراق أن يكون صادراً من محكمة مختصة ومكتس� � ��باً درجة
البتات.
وبن� � ��ا ًء على ذلك اجتهت اجلهود بخطى حثيثة إلعداد مش� � ��روع قانون للتحكيم
التج� � ��اري العراقي ليكون من بني أهدافه إيجاد قواعد حتكيم تنس� � ��جم مع قواعد
التحكيم التجارية الدولية ويواكب التطور القانوني في مجال التحكيم الدولي ،وقد
استقى أحكامه َُجلَها من التشريع املقارن ،وقانون األونسيترال النموذجي للتحكيم
التجاري الدولي الصادر في سنة 1985واملعدل في 7متوز سنة .2006
ويؤدي التحكيم دوراً مهماً في حسم املنازعات الناجتة عن عقود التجارة الدولية
واحمللية بشكل عام ،وفي منازعات العقود اإلدارية بشكل خاص نظراً ملا يتميز به
من مميزات عديدة مثل سرعة الفصل في القضايا املعروضة ،والسرية ...الخ كما
يعد أحد الوس� � ��ائل التي تساعد على تش� � ��جيع أصحاب رؤوس األموال لالستثمار
داخل الدول.
أما بخص� � ��وص التحكيم في العقود اإلدارية في الع� � ��راق فإنه ورد في نصوص
متفرقة في بعض التشريعات ويخضع لسلطة القضاء العادي بالرغم من استقالل
القض� � ��اء اإلداري في العراق عن القضاء العادي منذ عام 1990ودخوله ما يعرف
مبرحلة القضاء املزدوج ،ويعود س� � ��بب ذلك خروج منازع� � ��ات العقود اإلدارية عن
اختص� � ��اص القض� � ��اء اإلداري كون اختصاصه ورد على س� � ��بيل احلصر للنظر في
صحة األوامر والقرارات اإلداري� � ��ة الصادرة من دوائر الدولة والقطاع العام ،ومن
أهم التش� � ��ريعات التي أجازت اللجوء إلى التحكيم لتس� � ��وية املنازعات الناشئة عن
العقود اإلدارية ،الش� � ��روط العامة ملقاوالت أعمال الهندس� � ��ة املدنية لس� � ��نة 1988
والش� � ��روط العامة ألعمال الهندس� � ��ة الكهربائية وامليكانيكي� � ��ة املأخوذة من عقود
الفدك ،كذلك األمر التشريعي بالرقم ( )87لسنة 2004الذي نظم العقود العامة،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
95
التحگيم في العقود اإلداريـة
وتعليمات تنفيذ العقود احلكومية رقم ( )1لس� � ��نة 2014الصادرة باالس� � ��تناد إليه،
وجتدر اإلشارة إلى أن مشروع قانون التحكيم التجاري الذي لم يرى النور إلى اآلن
قد تضمن في البند (أوالً) من املادة ( )3منه معاجلة للتحكيم في العقود اإلدارية
وعلق صحة انعقاده ووجوده على موافقه مجلس الوزراء.
وطنا أنفس� � ��نا على أن نلج في هذا املوضوع ،فشرعنا بالعمل فيه على ومن هنا َ
منهج اقتضى أن يس� � ��تقيم في مباحث أربعة ،األول تناولنا فيه التعريف بالتحكيم
في العقود اإلدارية ،والثاني التش� � ��ريعات واالتفاقيات املنظمة للتحكيم في العراق،
أما الثالث فخصص ألس� � ��اس الرقابة القضائية وحجية األحكام ،والرابع واألخير
للحديث عن اآلثار القانونية حلكم التحكيم.
يعد العقد إدارياً إذا كان أحد طرفيه ش� � ��خصاً اعتباري � � �اً عاماً وكان موضوعه
ال بنشاط مرفق عام وإش� � ��راف اإلدارة على تنفيذه ومراقبة كيفية سيره مبا متص ً
لها من سلطة عامة ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق العقود اخلاصة.
وه� � ��و م� � ��ا يعبر عنه فقهاء القان� � ��ون اإلداري بلجوء اإلدارة إلى وس� � ��ائل القانون
العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق والتزامات ال يتمتع مبثلها املتعاقد معها.
ومصطلح (العقد اإلداري) هو املصطلح الس� � ��ائد في ال� � ��دول التي تأخذ مبفاهيم
النظام القانوني الالتيني مثل القانون الفرنس� � ��ي ،أما دول النظام القانوني األجنلو
أمريكي فتأخذ مبصطلح (العقد احلكومي) ،وتختلف فلس� � ��فة النظامني حول هذه
العقود ،ففي النظام القانوني الالتيني تسمو إرادة الطرف اإلداري (أي احلكومي)،
بينما في النظام األجنلو أمريكي ليس للطرف احلكومي هذه امليزة.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
96
التحگيم في العقود اإلداريـة
وتتش� � ��ابه العقود اإلدارية مع العقود املدنية في أحكام كثيرة وأهمها أن تنش� � ��أ
ع� � ��ن توافق إرادتني ،ولكن في املقابل هن� � ��اك فروق بينهما وهي أن العقود اإلدارية
تخض� � ��ع ألحكام القانون العام والقضاء اإلداري أما العقود املدنية فتخضع ألحكام
القانون اخلاص والقضاء العادي ،وفي العقود اإلدارية التعاقد يتم بني طرفني غير
متساويني فاإلدارة تسعى إلى حتقيق املصلحة العامة أما املتعاقد معه من األفراد
أو الش� � ��ركات فيسعى إلى حتقيق مصلحة خاصة .وفي العقود املدنية فاألصل هو
املساواة بني طرفي العقد ألن كل منهما يهدف إلى حتقيق مصلحة خاصة.
وفي العقود اإلدارية تتمتع اإلدارة بامتيازات وحقوق في تعديل ش� � ��روط العقد
واإلش� � ��راف على تنفيذه وتوقيع اجلزاءات في إنهاء العقد بإرادتها املنفردة خروجاً
على مبدأ العقد ش� � ��ريعة املتعاقدين الذي يسري على العقود املدنية .ومن الفروق
أيض � � �اً أن اإلدارة تخضع لقيود في إختيار املتعاق� � ��د معها في إبرام العقد اإلداري
وه� � ��ي قيود ال يخضع لها األف� � ��راد في عقودهم اخلاصة فاألصل أن للفرد احلرية
في التعاقد مع من يشاء.
ويع� � ��رف التحكيم بأنه نظام قانوني خاص حل� � ��ل املنازعات التجارية بعيداً عن
القضاء ،يتعهد مبقتضاه األطراف بإخضاع املنازعات التي ميكن أن تنشأ بينهم أو
التي نشأت إلى التحكيم .وهو قضاء خاص ميارس اختصاصه خارج والية قضاء
الدولة.
وقد عرفت امل� � ��ادة ( )7من القانون النموذجي ( 1985اليونيس� � ��ترال) املعد من
جلنة التحكيم التج� � ��اري الدولي اتفاق التحكيم على أنه (اتفاق بني الطرفني على
أن يحيال إلى التحكيم جميع أو بعض املنازعات احملدودة التي نشأت أو قد تنشأ
بينهما ،بش� � ��أن عالقة قانونية محددة ،تعاقدية كان� � ��ت أو غير تعاقدية ،ويجوز أن
يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط حتكيم وارد في عقد ،أو اتفاق منفصل).
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
97
التحگيم في العقود اإلداريـة
ويعرف التحكيم في العقود اإلدارية بأنه نظام استثنائي للتقاضي مبوجبه يجوز
للدولة وس� � ��ائر أش� � ��خاص القانون العام األخرى إخراج بع� � ��ض املنازعات اإلدارية
الناش� � ��ئة عن عالق� � ��ة قانونية عقدي� � ��ة أو غير عقدية وطني� � ��ة أو أجنبية من والية
القض� � ��اء اإلداري لك� � ��ي حتل بطري� � ��ق التحكيم بناء على نص قانون� � ��ي يجيز ذلك،
وخروجاً من مبدأ احلظر العام الوارد على أهلية الدولة وس� � ��ائر أشخاص القانون
األخرى في اللجوء إلى التحكيم.
> املبحث الثاني :التشريعات واالتفاقيات املنظمة للتحكيم في العقود اإلدارية
في العراق.
أن قواعد التحكيم وردت في قانون املرافعات املدنية رقم ( )83لس� � ��نة ،1969
فخصص لها املواد ( )276-251منه ،وهي قواعد عامة لتنظيم التحكيم وال تشير
صراح � � � ًة إلى جواز أو عدم جواز اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقد اإلداري،
إال أنه ميكن القول بإجازة التحكيم كما فعلت بعض التشريعات األخرى.
إذ أجاز املش� � ��رع العراقي ضمناً اللجوء إلى التحكي� � ��م في العقود اإلدارية ،بعد
صدور األمر التشريعي بالرقم ( )87لسنة 2004الذي نظم العقود العامة.
وكذلك أجازت الشروط العامة ملقاوالت أعمال الهندسة املدنية لسنة 1988م،
اللجوء إلى التحكيم لتس� � ��وية املنازعات الناش� � ��ئة عن تفسير أو تنفيذ املقاولة التي
ثان عراقياً كان أو
تك� � ��ون الدولة طرفاً فيها ،بوصفها (رب العمل) واملقاول كطرف ٍ
أجنبياً.
كم� � ��ا أن تعليم� � ��ات تنفيذ العق� � ��ود احلكومية رقم ( )1لس� � ��نة 2014م نصت في
امل� � ��ادة ( )8حتت عنوان (آلية قض املنازعات بع� � ��د توقيع العقد) ،التحكيم كطريق
لفش هذه املنازعات ،إذ ميزت بني التحكيم الوطني والتحكيم األجنبي ،فالتحكيم
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
98
التحگيم في العقود اإلداريـة
الوطني يكون وفق اجراءات قان� � ��ون املرافعات املدنية ،أما التحكيم الدولي (يكون
في حاالت الضرورة ،واملشاريع االس� � ��تراتيجية الكبرى واملهمة ،عندما يكون أحد
األط� � ��راف أجنبياً) م� � ��ع مراعاة :اختيار أحد الهيئ� � ��ات التحكيمية الدولية ،حتديد
مكان ولغة التحكيم ،اعتماد القانون العراقي الواجب التطبيق ،توفر املؤهالت لدى
العاملني لتسوية املنازعات بهذا األسلوب.
وكذلك احلال بالنس� � ��بة لقانون االستثمار رقم ( )13لسنة 2006م املعدل ،فقد
أج� � ��از البن� � ��د (أوالً) من املادة ( )27منه اللجوء إلى التحكيم باعتباره وس� � ��يلة حلل
املنازعات في نوع من أنواع العقود الدولية وهي عقود االس� � ��تثمار حيث نص على
(تخضع املنازعات الناش� � ��ئة عن تطبيق هذا القانون إل� � ��ى القانون العراقي ووالية
القضاء العراقي ويجوز االتفاق مع املس� � ��تثمر على اللج� � ��وء إلى التحكيم التجاري
(الوطن� � ��ي أو الدولي) وفق اتف� � ��اق يبرم يحدد مبوجبه اج� � ��راءات التحكيم وجهته
والقانون الواجب التطبيق).
ال عن ذلك ،أن االتفاقيات الدولية تؤدي دوراً مهماً في السماح بالتحكيم في فض ً
العقود اإلدارية ذات الطابع الدولي في العراق ،ومن أبرزها عقود امتيازات النفط،
من ذلك االتفاقية املعقودة في /3ش� � ��باط1952/م بني حكومة العراق وش� � ��ركات
النف� � ��ط العراقي� � ��ة احملدودة ،ونفط البص� � ��رة احملدودة ،ونف� � ��ط املوصل احملدودة،
وأه� � ��م االتفاقيات التي وقع عليها العراق وتضمن� � ��ت أحكاماً في التحكيم ،اتفاقية
املؤسس� � ��ة العربية لضمان االستثمار وائتمان الصادرات س� � ��نة ،1974واالتفاقية
املوحدة الس� � ��تثمار رؤوس األموال العربية في الدول العربية لسنة ،1980اتفاقية
الري� � ��اض للتعاون القضائي لس� � ��نة 1983اتفاقية عمان للتحكيم التجاري لس� � ��نة
،1987اتفاقية تش� � ��جيع وحماية وضمان االس� � ��تثمارات بني ال� � ��دول األعضاء في
منظمة املؤمتر اإلس� �ل��امي .1988اتفاقية القاهرة لتس� � ��وية نزعات االستثمار في
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
99
التحگيم في العقود اإلداريـة
الدول العربية لسنة .2000بروتوكول جنيف املتعلق بشروط التحكيم لعام .1923
إتفاقية واشنطن لتسوية املنازعات املتعلقة باإلستثمارات بني الدول ومواطني دول
أخرى لس� � ��نة ( 1965الكس� � ��د) .أما بخصوص اتفاقية نيويورك اخلاصة باعتراف
وتنفيذ أحكام التحكيم األجنبية لسنة 1958حصلت موافقة مجلس الوزراء بقراره
املرقم ( )54لس� � ��نة 2018بإكمال إج� � ��راءات االنضمام إلى االتفاقية املذكورة ،كما
انضم العراق إلى اتفاقية األمم املتحدة بش� � ��أن الش� � ��فافية في التحكيم التعاهدي
بني املستثمرين والدول ،كما وقع العديد من االتفاقيات الثنائية في مجال تشجيع
وحماية االستثمار مع العديد من الدول وقد دخلت حيز النفاذ مع فرسنا ،اليابان،
أرمينيا ،الكويت األردن ...الخ.
وي� � ��رى البعض أن أحكام املادة ( )251ال تصلح أساس � � �اً إلج� � ��ازة التحكيم ،ألن
اختص� � ��اص القضاء ه� � ��و األصل وخالفه يتطلب نصاً خاصاً ك� � ��ون املادة ( )29من
القانون هي من حتدد والية احملاكم املدنية ،والبعض اآلخر يطالب بوضع قيود على
أحكام قانون العقود احلكومية تتمثل بضوابط حتد من جلوء اإلدارة للتحكيم.
ملا تقدم فإن اللجوء إلى التحكيم اإلداري في العراق ،وإن كان جائزاً إال أنه ليس
�كل دقيق بحيث يشمل جميع منازعات العقود اإلدارية ،إذ نراه موجوداً منظماً بش� � � ٍ
ب� �ي��ن طيات نصوص ومواد القوانني متفرقة مث� � ��ل (قانون املرافعات املدنية ،قانون
العقود احلكومية وتعليماتها ،الش� � ��روط العامة ملقاوالت أعمال الهندس� � ��ة املدنية
وغيرها.)...
لذلك كان لزاماً تدخل املشرع وإصداره تشريعاً خاصاً بالتحكيم اإلداري يجيز
اللجوء إليه وينظم أحكامه ،ويعده طريقاً حلل املنازعات املتعلقة بالعقود مبا فيها
العق� � ��ود اإلدارية لذا مت إعداد مش� � ��روع قانون التحكيم التجاري العراقي اس� � ��تقى
ج� � ��ل أحكامه من قانون االونس� � ��يترال النموذجي وتضمن أح� � ��كام ومبادىء أهمها
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
100
التحگيم في العقود اإلداريـة
(ش� � ��رط التحكيم ومش� � ��ارطة التحكيم ،استقالل ش� � ��رط التحكيم :شرط التحكيم
يبقى صحيحاً حتى ولو أبطل العقد األصلي أو جرى فس� � ��خه أو إنهاؤه إال إذا كان
س� � ��بب البطالن يشمل شرط التحكيم أيضاً كما لو أن موقع العقد ناقص األهلية،
ن� � ��زع تخصص احملاكم القضائية :في حالة قيام املدعى عليه بالتمس� � ��ك بش� � ��رط
التحكيم قبل إبدائه أي طلب .عدم جواز التحكيم إال في املسائل التي يجوز الصلح
فيه� � ��ا ،مبدأ االختصاص باالختصاص ويقص� � ��د به أن هيئة التحكيم هي املختصة
بالفص� � ��ل في كل ما يتعلق بالدفوع املتعلق� � ��ة بعدم اختصاصها ،التنفيذ واالعتراف
بقرارات التحكيم ،إنشاء مراكز للتحكيم التجاري).
أما بخصوص التحكيم في العقود اإلدارية في مشروع القانون فقد نصت املادة
( )3من� � ��ه على (أوالً -مع مراعاة عدم اإلخ� �ل��ال باالتفاقيات الدولية ذات العالقة
الت� � ��ي تك� � ��ون جمهورية العراق طرفاً فيها ،تس� � ��ري أحكام ه� � ��ذا القانون على ....
ج -التحكيم في منازعات العقود احلكومية ،ويش� � ��ترط أن يكون التحكيم في هذه
العقود مبوافقة مجلس الوزراء).
وجتدر اإلش� � ��ارة إلى أن العقود اإلدارية في العراق ال تخضع لتخصص القضاء
اإلداري ،فبالرغم من أن العراق يعد من البلدان التي تأخذ بنظام القضاء املزدوج
بوجود قضاء إداري مستقل يتخصص باملنازعات اإلدارية إلى جانب القضاء العادي
الذي يتخصص باملنازعات املدنية والتجارية ،إال أ َّن املشرع ح ّدد تخصص محكمة
القض� � ��اء اإلداري ف� � ��ي العراق بالنظر إلى صحة األوامر والق� � ��رارات اإلدارية التي
تصدر من املوظفني والهيئات اإلدارية في دوائر الدولة والقطاع العام ،مس� � ��تبعداً
ف� � ��ي ذلك منازعات العق� � ��ود اإلدارية من تخصصه ،يضاف إل� � ��ى ذلك أن القضاء
الع� � ��ادي في العراق في كثير م� � ��ن أحكامه لم ميز عند نظر دعاوى العقود اإلدارية
من العقود املدنية وما يترتب عليها من نتائج.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
101
التحگيم في العقود اإلداريـة
> املبحث الثالث :أساس الرقابة القضائية وحجية األحكام
تعد الرقابة في مرحلة تنفي� � ��ذ احلكم التحكيمي ،أخف وأكثر حيادية وأضعف
أثراً على التحكيم ،فهي ال تعدو أن تكون رقابة ش� � ��كلية ،انحس� � ��رت فيها أس� � ��باب
وضوابط التدخل اخلارجي في معيار واحد ،هو معيار النظام العام مبدلول ضيق
وحي� � ��ادي جتاه احلكم التحكيمي ونظراً ألهمية الرقابة القضائية على تنفيذ حكم
التحكي� � ��م الصادر ف� � ��ي العقد اإلداري من حيث أساس� � ��ها وصورها ،باإلضافة إلى
اآللية املتبعة في تنفيذ هذه األحكام ،فإننا نقسم هذا املطلب إلى ثالثة فروع على
النحو اآلتي:
أو ًال :حجية حكم التحكيم
يتمتع حكم التحكيم بحجية األمر املقضي به مبجرد صدوره وقبل صدور األمر
بتنفي� � ��ذه حتى لو كان قاب� �ل � ً
ا للطعن فيه وتبقى هذه احلجي� � ��ة ببقاء احلكم وتزول
بزوال� � ��ه ،ويترتب على ه� � ��ذه احلجية منع اخلصوم من عرض النزاع نفس� � ��ه الذي
فصلت فيه هيئة التحكيم على القضاء أو التحكيم ،ومنعهم من مناقشة ما قضت
به هذه الهيئة إال بالطرق التي حددها القانون.
ويش� � ��ترط للقول بوجود حجية األمر املقضي به ،هو احتاد اخلصوم واملوضوع
والس� � ��بب مما يعد معه احلكم حائزاً لق� � ��وة األمر املقضي به ،وميتنع على احملكمة
معاودة نظر الدعوى ،ومعنى ذلك أن تكون املسألة واحدة في الدعويني وثانياً :أن
تكون احملكمة فصلت في موضوعها بحيث تستقر حقيقياً باحلكم األول استقراراً
جامعاً وثالثاً :أن تكون املسألة نفسها هي موضوع الدعوى الثانية من أي الطرفني
قبل اآلخر.
وم� � ��ن أه� � ��م االعتبارات التي تق� � ��وم عليها هذه احلجية ،وضع ح� � ��د للمنازعات
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
102
التحگيم في العقود اإلداريـة
مبنع جتددها ،وهذه االعتبارات تتطلبها املصلحة العامة واخلاصة ،ألن اس� � ��تمرار
املنازعات يؤدي إلى عدم اس� � ��تقرار احلقوق وتعطي� � ��ل املعامالت وتناقض األحكام
في اخلصومة الواحدة.
ولقد وضعت تش� � ��ريعات التحكيم املختلفة هذا األمر في حسبانها لالعتبارات
الس� � ��ابقة وغيرها ،وهذا ما قننه املش� � ��رع الفرنس� � ��ي فامل� � ��ادة ( )1476من قانون
اإلج� � ��راءآت املدنية اجلديد تقول« :يتمتع حكم التحكيم منذ صدوره بحجية األمر
املقضي بالنسبة للنزاع الذي فصل فيه.
بينما لم يش� � ��ر املشرع العراقي إلى مثل هذا النص ،واكتفى بتحديد نطاق هذه
احلجي� � ��ة في املادة ( )2/272من قان� � ��ون املرافعات املدنية النافذ بالقول« :ال ينفذ
ق� � ��رار احملكمني إال في حق اخلصوم الذين حكموه� � ��م في اخلصوص الذي جرى
التحكيم من أجله» .وهي حجية نس� � ��بية مقتصرة على أطراف املنازعة التحكيمية
فقط.
أما مشروع قانون التحكيم العراقي فقد نصت املادة -44-منه على (أوالً -يعد
قرار التحكيم ملزماً بغض النظر عن الدولة التي صدر فيها).
ثاني ًا :كيفية تنفيذ حكم التحكيم
ال ميلك احملكم س� � ��لطة األمر أو اجلبر التي متكنه من تنفيذ ما يصدر عنه من
أحكام تنفيذ جبرياً ،باعتبار أن هذه الس� � ��لطة تبقى حكراً على الدولة ،وتعد الزمة
من لوازم الس� � ��لطة والس� � ��يادة فيها وحدها ،وأن املنازع� � ��ات املتعلقة بتنفيذ أحكام
القض� � ��اء واحملكمني هي م� � ��ن اختصاص القضاء وحده ،وه� � ��و الذي يضفي عليها
القوة التنفيذية ،واملبدأ العام هو االمتثال حلكم التحكيم ،من قبل أطراف املنازعة
اإلداري� � ��ة ،وتنفيذه طواعية ،من قبل من ص� � ��در ضده حكم التحكيم اإلداري ،وهي
الطريق الودية املنسجمة مع الطبيعة االتفاقية لنظام التحكيم.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
103
التحگيم في العقود اإلداريـة
أم� � ��ا في حالة االمتناع عن التنفيذ االختياري حلكم التحكيم الصادر في العقد
اإلداري ،فإن� � ��ه ال بد م� � ��ن اللجوء إلى القضاء في ه� � ��ذه الدولة للحصول على أمر
بتنفيذ هذا احلكم لكي ينفذ جبرياً.
غير أن هذا التنفيذ اجلبري يستوجب إسباغ الصفة التنفيذية عليه ،من خالل
املصادقة عليه من قب� � ��ل احملكمة املختصة ،لكي يكون مبثابة احلكم القضائي من
حيث قوة التنفيذ ،وعندها ال يكون في وس� � ��ع املمتنع عن التنفيذ االس� � ��تمرار في
االمتناع ،ألنه سيكون في مواجهة سلطة الدولة في إنفاذ األحكام ،كما ويعد احلكم
التحكيم� � ��ي في ه� � ��ذه احلالة -بعد املصادقة عليه من احملكم� � ��ة املختصة -قطعياً
وفاص ً
ال ف� � ��ي اخلصومة بني أطرافه� � ��ا بصورة نهائية ومانع� � ��ة ،بحيث ميتنع على
احملكم معها ،العدول أو التراجع عن هذا احلكم ،أو محاولة تعديله بعد إصداره.
وتتفق التش� � ��ريعات املقارنة في مس� � ��ألة وجوب املصادقة على قرار احملكمني،
إال أنه� � ��ا تختلف في كيفية ه� � ��ذه املصادقة أو إصدار أمر التنفيذ ،وفي اإلجراءات
الواجبة االتباع بهذا الصدد.
فإذا كانت مس� � ��ألة إصدار أمر التنفيذ لقرار احملكمني في القانون الفرنس� � ��ي
س� � ��ابقاً ،تتطلب حضور اخلص� � ��وم أمام القضاء ،والقضاء ب� � ��دوره يضفي الصيغة
التنفيذي� � ��ة على ه� � ��ذا القرار ،فإنه وبصدور قان� � ��ون /16آب 1970/أصبح لرئيس
احملكمة س� � ��لطة إصدار األمر بالتنفيذ من دون إحضار اخلصوم أمامه ،وسرعان
ما تغير هذا الوضع بعد صدور قانون 5متوز عام 1972والذي مبوجبه أصبح أمر
التنفيذ من اختصاص قاضي التنفيذ ،كما نص على ذلك أيضاً قانون رقم ()650
لسنة 1991واملتعلق بإجراءات التنفيذ.
يض� � ��اف إلى ذلك أن أمر تنفيذ حك� � ��م التحكيم الداخلي غي� � ��ر قابل للطعن أو
ال للطعن به اس� � ��تئنافاً
التظل� � ��م منه ،أما القرار الص� � ��ادر برفض التنفيذ يكون قاب ً
105
التحگيم في العقود اإلداريـة
أ -قدم الطرف املطلوب تنفيذ القرار ضده للمحكمة املختصة ما يثبت:
-1أن حك� � ��م التحكيم لم يعد ملزم � � �اً لألطراف ،أو قد مت ابطاله أو ايقاف
تنفي� � ��ذه من قبل إحدى محاكم الدول� � ��ة التي صدر فيها احلكم أو وفقاً
لقانونها.
-2توفر أحد األس� � ��باب املنصوص عليه� � ��ا في الفقرات (ج) و (د) و (هـ) و
(و) من البند (أوالً) من املادة ( )42من هذا القانون.
ب -رفض� � ��ت احملكمة املختصة من تلقاء نفس� � ��ها االعت� � ��راف بقرار التحكيم أو
تنفيذه في إحدى احلالتني التاليتني:
-1إذا كان موض� � ��وع الن� � ��زاع ال يقب� � ��ل التس� � ��وية بالتحكيم وفق � � �اً للقانون
العراقي.
-2أن االعت� � ��راف بقرار التحكيم أو تنفيذه يتع� � ��ارض مع النظام العام في
جمهورية العراق).
ثالث ًا :صور الرقابة القضائية في مرحلة تنفيذ حكم التحكيم
أ -الرقابة الشكلية
أن رقابة القاضي في مرحلة تنفيذ حكم التحكيم ،تكون ذات طبيعة شكلية لهذا
احلكم من دون أن متتد لفحص هذا احلكم من الناحية املوضوعية.
ففي فرنس� � ��ا يقتصر دوره على التحقق من وج� � ��ود حكم التحكيم الصادر ،وأنه
غير مخالف للنظام الع� � ��ام ،ويكون ذلك عن طريق الفحص الظاهري لهذا احلكم
من دون اخلوض في بياناته.
107
التحگيم في العقود اإلداريـة
للنظ� � ��ام العام ،فقاض� � ��ي التنفيذ باعتباره احلامي له� � ��ذا األخير ،فيكون له فحص
مضمون حكم التحكيم للتأكد من عدم مخالفته للنظام العام.
وبذلك فإن رقابة القاضي في مرحلة التنفيذ يصعب تصورها ،على أنها مجرد
رقابة ش� � ��كلية بحتة ،بل تتعدى ذلك ومتتد في بعض األحيان إلى رقابة احلكم من
الناحية املوضوعية ،وإن كانت رقابة موضوعية محددة متكنه من التحقق من عدم
وج� � ��ود ما مينع من تنفيذ حكم التحكيم ،ال س� � ��يما فيما يتعل� � ��ق بعدم انطواء هذا
األخير على ما يخالف النظام العام.
وقد حدد املش� � ��رع العراقي حدود سلطة احملكمة املختصة بالتصديق على قرار
احلكم مبوجب نص املادة ( )274من قانون املرافعات املدنية النافذ ،إذ نصت على
ال أو بعضاً ،ويجوز لها في «يج� � ��وز للمحكمة أن تصدق ق� � ��رار التحكيم ،أو تبطله ك ً
حالة اإلبطال أن تعيد القضية إلى احملكمني إلصالح ما ش� � ��اب قرار التحكيم ،أو
تفصل في النزاع نفسها إذا كانت القضية صاحلة للفصل فيها».
ويتب� �ي��ن م� � ��ن النص املذكور ،ما للمحكمة من س� � ��لطة على حك� � ��م التحكيم ،وما
متارس� � ��ه من رقابة عليه ،حتى أنه بوسعها ترك قرار التحكيم ،وتقوم هي بالفصل
ف� � ��ي النزاع ،مما يعني أنها متارس رقابة ش� � ��كلية وموضوعي� � ��ة على القرار في آن
واحد.
رابع ًا /حدود الرقابة القضائية في مرحلة تنفيذ حكم التحكيم
األصل أن حكم احملكمني يحوز حجية األمر املقضي به ،ويجوز تنفيذه اختياراً
ب� � ��إرادة احملكوم ضده الصريح� � ��ة أو الضمنية في األحوال التي يصدر فيها احلكم
خالي � � �اً من العيوب ،أما إذا رفض احملكوم ضده التنفيذ اختياراً ،فإن األمر يتطلب
ضرورة صدور أمر بتنفيذه من القضاء املختص ،كشرط أساسي للتنفيذ.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
108
التحگيم في العقود اإلداريـة
فاحلك� � ��م ال يك� � ��ون نافذاً إال بع� � ��د صدور أم� � ��ر التنفيذ ،وذل� � ��ك لتحقيق رقابة
القاضي اإلداري على حكم التحكيم في الدولة املراد تنفيذه فيها عن طريق األمر
بالتنفيذ.
أ -اجلهة املختصة بإصدار أمر تنفيذ احلكم يتجه غالبيه الفقه بأن االختصاص
بإص� � ��دار أمر تنفيذ أح� � ��كام التحكيم الصادرة في العق� � ��ود اإلدارية ،يخول
للقاضي اإلداري وليس العادي مستنداً إلى احلجج اآلتية:
-1أن حتدي� � ��د القاضي املختص بإصدار أم� � ��ر تنفيذ حكم التحكيم يتوقف
عل� � ��ى طبيعة النزاع الذي فصل فيه هذا احلكم ،فإذا كان هذا النزاع ذا
طبيع� � ��ة إدارية فيكون االختصاص للقاض� � ��ي اإلداري ،وحتديداً لرئيس
احملكمة اإلدارية الصادر في نطاقها حكم التحكيم.
-2إذا كان� � ��ت مهمة احملكم ذات طبيعة خاصة نش� � ��أت حتت مظلة القانون
اخلاص ،فإن هذه املهمة تنته� � ��ي بصدور حكم التحكيم ،وبالتالي يعامل
هذا احلكم حسب طبيعة املنازعة التي فصل فيها ،فإذا كانت صادرة في
نزاع إداري فإنه يدخل حتت مظلة القانون العام ويخضع ألحكامه.
-3إن أم� � ��ر التنفيذ ال يكون -كما قال االجتاه األول -مجرد إجراء بس� � ��يط
وش� � ��كلي ،إذ إن حك� � ��م التحكيم وصدوره من هي� � ��أة التحكيم ،فض ً
ال عن
عدم مخالفته للنظام العام ،فيكون من األفضل إسناده للقاضي اإلداري
باعتباره األجدر على ذلك.
-4أض� � ��اف ه� � ��ذا االجتاه حجة عملية ف� � ��ي غاية األهمية ،وهي أن إس� � ��ناد
أح� � ��كام التحكيم الصادرة في نطاق القانون العام للقضاء اإلداري ،يتيح
إمكاني� � ��ة اللجوء لهذا القاضي في حالة امتناع الش� � ��خص املعنوي العام
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
109
التحگيم في العقود اإلداريـة
(جه� � ��ة اإلدارة) عن تنفيذ حكم التحكيم ،فه� � ��ذا القاضي مبا ميلكه من
سلطات يساعد على تنفيذ هذا احلكم كفرض الغرامة التهديدية ،وهو
ما طبقته احملكمة اإلدارية االس� � ��تئنافية في فرنس� � ��ا /ليون في حكمها
الصادر 27ديس� � ��مبر عام ،2007واس� � ��تقر عليه مجموعة العمل املكلفة
بوضع مش� � ��روع قانون التحكيم اإلداري الفرنسي بقولها« :إن أمر تنفيذ
حكم التحكيم الصادر في عقود األشخاص املعنوية العامة يسند لرئيس
احملكم� � ��ة اإلدارية الصادر ف� � ��ي نطاقها هذا احلك� � ��م أو القاضي الذي
يفوضه في ذلك.
أما في القانون العراقي فقد أعطى االختصاص باملصادقة على قرار احملكمني
وإس� � ��باغ الصيغة التنفيذي� � ��ة عليه حملكمة الب� � ��داءة التي يقع الن� � ��زاع ضمن دائرة
تخصصه� � ��ا في حالة كون طرفي النزاع من العراقيني ،كما رس� � ��متها املادة ()274
م� � ��ن قان� � ��ون املرافعات املدنية النافذ ،وذلك بعد تس� � ��ليم احملكمني صورة من قرار
التحكيم للطرفني ،وتس� � ��ليم القرار مع أصل اتفاق التحكيم ،إلى احملكمة املختصة
بالنزاع خالل الثالثة أيام التالية مع تقدمي أحد أطراف النزاع طلباً بذلك ،أما في
مشروع القانون فقد أناط املهمة باحملكمة املختصة مبوجب البند (ثانياً) من املادة
( )44منه كما أسلفنا وقد عرفت احملكمة املختصة مبوجب البند (رابعاً) من املادة
( )1منه بأنها (محكمة استئناف بغداد الكرخ بصفتها األصلية ما لم يتفق أطراف
النزاع على اختصاص محكمة استئناف أخرى).
ب -شروط استصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم
اقتصر املش� � ��رع الفرنسي على حتديد ش� � ��روط تنفيذ حكم التحكيم الدولي أو
الصادر في اخلارج وهما شرطان ،األول :التحقق من وجود حكم التحكيم؛ والثاني:
أال يك� � ��ون االعتراف أو تنفيذ هذا احلكم مخالفاً للنظ� � ��ام العام الدولي (م)1498
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
110
التحگيم في العقود اإلداريـة
إجراءات مدنية فرنس� � ��ي ،أما فيما يتعلق بحكم التحكيم الداخلي فقد جاء قانون
اإلجراءات املدنية الفرنس� � ��ي اجلديد ،خالياً من حتديد شروط دخول هذا احلكم
حيز التنفيذ ،وهذا ما أحدث خالفاً على الساحة القانونية الفرنسية حول حتديد
تلك الشروط.
ومفادها هذا النص أن القاضي اإلداري املختص بنظر طلب تنفيذ حكم التحكيم
الصادر في العقد اإلداري ،عليه التحقق من أن احلكم مس� � ��توف لهذه الش� � ��روط،
ال عن شرط مهم آخر وهو انقضاء ميعاد رفع دعوى بطالن حكم التحكيم من فض ً
دون صدور حكم بالبطالن.
واحلكم� � ��ة من ذلك أن ص� � ��دور أمر التنفيذ يصبح س� � ��نداً تنفيذياً يقبل التنفيذ
اجلبري في الوقت ال� � ��ذي تنظر فيه احملكمة املختصة دعوى البطالن مع احتمال
أن يصدر حكم احملكمة مؤكداً بطالن حكم التحكيم.
إذ إن مجرد رفع دعوى البطالن نفسها ال يوقف أمر تنفيذ حكم التحكيم إال إذا
طلب رافعها في عريضة دعواه وقف التنفيذ ،واستجابت محكمة القضاء اإلداري
املختصة لذلك ،لوجود أس� � ��باب جدية ،وعليه� � ��ا الفصل في دعوى البطالن خالل
امليعاد احملدد بالقانون من تاريخ أمر التنفيذ.
أما في القانون العراقي وبالرغم من عدم وجود دعوى البطالن ضمن نصوص
قانون املرافعات ،إال أن املشرع العراقي أشار إلى اإلجراءات والشروط التي تسبق
أم� � ��ر املصادقة من احملكمة املختصة حصراً -بس� � ��بب عدم وج� � ��ود قاضي تنفيذ،
وإمنا منفذ عدل كما مر سابقاً -ومنها وجوب أن يقوم احملكمون بأنفسهم بإعطاء
صورة من قرار التحكيم للطرفني ،وتسليم القرار مع أصل اتفاق التحكيم إلى هذه
احملكمة املختصة خالل الثالثة أيام التالية بوصل يوقع عليه كاتب احملكمة ()271
مرافعات.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
111
التحگيم في العقود اإلداريـة
كما أعطى القانون العراقي سلطة تقديرية واسعة للمحكمة في املصادقة على
أمر التنفيذ من عدمه ألس� � ��باب عدة ( )273مرافعات ،ومن هذه األسباب مخالفة
القرار لقاعدة من قواعد النظام.
أما املادة -42-من مش� � ��روع القانون فإنها نص� � ��ت علي (أوالً -ال يجوز الطعن
بق� � ��رار التحكيم أمام احملكم� � ��ة املختصة إال بطلب إبطال يق� � ��دم من أحد أطراف
التحكيم في إحدى احلاالت اآلتية:
أ -إذا جرى التحكيم في ظل غياب اتفاق احملكم.
ال أو مفسوخاً أو عدمي األثر وفقاً للقانون الذي
ب -إذا كان اتفاق التحكيم باط ً
يخضع له اتفاق التحكيم أو سقط بانتهاء مدته.
ج -إذا كان أحد اطراف اتفاق التحكيم وقت إبرام اتفاق التحكيم فاقد األهلية
أو ناقصه� � ��ا وفقاً للقانون الذي يحكم أهليت� � ��ه أو فاقداً للصفة التي تؤهله
التعاقد.
د -إذا ل� � ��م يبل� � ��غ طالب اإلبطال على وج� � ��ه صحيح بتعيني أح� � ��د احملكمني أو
بإجراءات التحكيم أو لم ميكن من تقدمي دفوعه أمام هيئة التحكيم أو وقع
خرق ملبدأ املساواة بني اخلصوم.
هـ -إذا تناول قرار التحكيم مس� � ��ائل لم يتضمنها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود
ه� � ��ذا االتفاق وكان باإلم� � ��كان فصل أجزاء الق� � ��رار اخلاضعة للتحكيم عن
أجزائه غير اخلاضعة له ،فال يقع االبطال إال على األجزاء غير اخلاضعة
للتحكيم.
و -إذا كان تش� � ��كيل هيئ� � ��ة التحكيم أو تعيني احملكم مخالف � � �اً للقانون أو التفاق
األطراف.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
112
التحگيم في العقود اإلداريـة
ثاني � � �اً -تقضي احملكمة املختصة من تلقاء نفس� � ��ها ببط� �ل��ان حكم التحكيم في
إحدى احلاالت اآلتية:
أ -إذا كان موضوع النزاع ال يقبل التسوية بالتحكيم وفقاً للقانون العراقي.
ب -إذا كان قرار التحكيم يتعارض مع النظام العام في جمهورية العراق.
ثالثاً -تنظر احملكمة املختصة في دعوى البطالن في احلاالت املنصوص عليها
ف� � ��ي البندين (أوالً) و (ثانياً) من هذه املادة ،من دون أن يكون لها فحص
الوقائع أو الدخول في موضوع النزاع.
ج -التظلم من األمر الصادر بتنفيذ احلكم
أن األص� � ��ل هو تنفيذ حكم التحكيم وليس إعاق� � ��ة تنفيذه ،وبنا ًء على ذلك فقد
أجاز املشرع الفرنسي ،التظلم من القرار الصادر برفض تنفيذ هذا احلكم.
فيما يتعلق بحكم التحكي� � ��م الداخلي تنص املادة ( )1489من قانون اإلجراءات
املدني� � ��ة الفرنس� � ��ي اجلديد على أن «القرار الذي يرفض أم� � ��ر التنفيذ يكون قاب ً
ال
لالس� � ��تئناف في خالل ش� � ��هر اعتباراً م� � ��ن تاريخ إعالنه ،وفي ه� � ��ذه احلالة يكون
حملكمة االس� � ��تئناف أن تنظر بناء على طلب أحد األطراف في األسباب التي كان
ميك� � ��ن التذرع بها ضد احلكم التحكيمي عن طريق االس� � ��تئناف أو دعوى البطالن
حسب احلالة».
وقد أراد املش� � ��رع الفرنس� � ��ي من ذلك جتنب تكرار ممارسة طرق الطعن نفسها
ف� � ��ي حكم التحكيم والقرار الص� � ��ادر برفض التنفيذ ،على اعتب� � ��ار أن الهدف من
الطعن ف� � ��ي هذا األخير ،ميكن حتقيقه أثناء ممارس� � ��ة الطعن في حكم التحكيم،
كما أن مجلس الدولة الفرنسي في تقريره الصادر عام 1993م ،أجاز تطبيق نص
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
113
التحگيم في العقود اإلداريـة
املادة املذكورة أعاله ،على هذه الطائفة من العقود ش� � ��ريطة أن يكون االختصاص
للقاضي اإلداري.
أما في القانون العراق� � ��ي ،فقد نصت املادة ( )275من قانون املرافعات املدنية
عل� � ��ى أن «احلكم الذي تصدره احملكمة املختصة وفقاً للمادة الس� � ��ابقة غير قابل
لالعتراض وإمنا يقبل الطعن بالطرق األخرى املقررة في القانون».
ويتضح من النص أعاله أن احلكم الذي تصدره احملكمة املختصة س� � ��واء أكان
ا للطعن فيه بجميع طرق الطعن املقررة في املادة بالقب� � ��ول أو الرفض ،يكون قاب� �ل � ً
( )168مرافعات ،باس� � ��تثناء االعت� � ��راض على احلكم الغياب� � ��ي لتعارضه مع اتفاق
التحكيم ،ألن لفظة (احلكم) جاءت عامة أو مطلقة ،والقاعدة تقضي بأن «املطلق
يجري على اطالقه».
من جانبه أش� � ��ار املش� � ��رع العراقي في البند (ثانياً) من املادة ( )45من مشروع
قان� � ��ون التحكيم ،إلى إمكانية الطعن بقرار رفض االعتراف بقرار التحكيم ورفض
تنفي� � ��ذه ،وذلك من خالل التظلم أمام محكمة التمييز باعتبارها -محكمة الدرجة
ال بنظر النزاع ما لم يتفق األطراف على الثانية حملكمة االس� � ��تئناف املختصة أص ً
محكم� � ��ة أخرى -خ� �ل��ال ( )30ثالثني يوم من تاريخ التبل� � ��غ باحلكم وعلى احملكمة
نقض القرار أو تعديله.
> املبحث الرابع :اآلثار القانونية حلكم التحكيم
115
التحگيم في العقود اإلداريـة
كم� � ��ا يتبني من نص املادة ( )271آنفة الذكر ،أنه على احملكمني واجب تس� � ��ليم
حكم التحكيم إلى احملكمة املختصة بالنزاع خالل الثالثة أيام التالية لصدوره مع
أصل اتف� � ��اق التحكيم ،وحتديده ملدة اإليداع ،مع ضرورة إيداع أصل احلكم وليس
ال عن إيداع أصل اتفاق التحكيم وأن هذا االلتزام يقع على عاتق صورة منه ،فض ً
احملكمني.
أن ص� � ��دور احلك� � ��م التحكيمي في املنازعة اإلدارية ميث� � ��ل نهاية املهمة املعهودة
للمحكمني في اتفاق التحكيم ،وبانتهاء هذه املهمة تنتهي سلطات احملكم وواجباته،
وه� � ��و ما يعني انتهاء والية احملكم ،وانتهاء الوالية تعني عدم إمكانية الرجوع ثانية
لبح� � ��ث موضوع النزاع ،أو إعادة النظر ف� � ��ي احلكم الذي اتخذه احملكمون وفضوا
به املنازعة.
وانته� � ��اء والية احملكمني بص� � ��دور احلكم ،ه� � ��و نتيجة مكملة النته� � ��اء مهمتهم
التحكيمية ،ومن ثم زوال صفة احملكم عنهم ،ألنه ال يوجد نزاع يس� � ��تلزم بقاء هذه
ال عاماً من أصول التنظيم القضائي يجب أعماله، الصفة ،وهذا املبدأ أصبح أص ً
حت� � ��ى مع عدم الن� � ��ص عليه صراح ًة ،ف� � ��إن ذلك ال مينع من األخ� � ��ذ به لكونه من
متطلبات نظام التحكيم ،ويعد ضماناً الستقرار احلقوق واملراكز القانونية ،وهو ما
يتفق مع الهدف من التحكيم ،غير أن هذا املبدأ ترد عليه االستثناءات اآلتية-:
أ -إذا م� � ��ا طل� � ��ب أحد أط� � ��راف النزاع أو كليهما ،تفس� � ��ير ما أش� � ��كل من حكم
التحكيم ،مما يتطلب توضيح املقصود منه ،وقد نص املش� � ��رع املصري على
ذل� � ��ك في املادة ( )49من قانون التحكي� � ��م املصري النافذ ،إذ أجاز لكل من
طرف� � ��ي النزاع أن يطلب من هيأة التحكيم تفس� � ��ير ما وقع في منطوقه من
غموض ،خالل الثالثني يوم التالية لتسلمه حكم التحكيم.
117
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومن جانب آخر تناول املش� � ��رع العراق� � ��ي بيان حكم األخطاء اجلوهرية في
ق� � ��رار التحكيم أو في اإلجراءات التي تؤثر في صح� � ��ة القرار ،إذ في مثل
ه� � ��ذه احلالة يتعني على احملكمة املختصة من تلقاء نفس� � ��ها أن تبطل قرار
احملكمني ،كما يجوز للخصوم التمسك ببطالن قرار التحكيم أمام احملكمة
املختصة إذا ما شابه خطأ جوهرياً.
ج -إذا ما أغفل حكم التحكيم اإلداري الفصل في بعض املسائل املعروضة على
التحكيم :فيك� � ��ون لهـيئة التحكيم ،بناء على طلب من اخلصوم أو أحدهما،
ولي� � ��س من تلقاء نفس� � ��ها ،الفصل في ما أغفلت الفص� � ��ل فيه من الطلبات
املقدمة إليها من دون أن تتعداها إلى طلبات جديدة.
ثاني ًا -آثار حكم التحكيم على طرفي النزاع-:
إن الهدف الرئيس� � ��ي من إحالة املنازعة اإلدارية إلى التحكيم اإلداري ،القصد
منه التوصل إلى تسوية لهذه املنازعة من خالل حكم التحكيم ،وإنهاء هذه املنازعة
يكون من خالل تنفيذ احلكم الصادر ،لذا فإن األثر املهم بالنس� � ��بة حلكم التحكيم
عل� � ��ى طرف� � ��ي املنازعة اإلدارية ،ه� � ��و تنفيذ هذا احلكم ،فكل إحال� � ��ة إلى التحكيم
تتضمن التزاماً ضمنياً ،من كل األطراف لاللتزام بحكم التحكيم الذي يصدر عن
احملكمني وتنفيذه.
ويترتب على صدور حكم التحكيم باإلضافة إلى اآلثار القانونية السالفة الذكر،
اكتس� � ��ابه حجية األمر املقضي به ،فحكم التحكيم يحوز احلجية القضائية املانعة
من إعادة املناقش� � ��ة حول ما قضى به احملك� � ��م ،إال بالطرق التي حتددها األنظمة
القانونية الوضعية في هذا الصدد ،مشابهاً بذلك األحكام القضائية الصادرة من
محاكم الدولة العادية منها واإلدارية.
119
التحگيم في العقود اإلداريـة
أما من حيث األشخاص فقد حددت املادة ( )2/272من قانون املرافعات املدنية
العراقي النافذ ،من هم املعنيون باحلكم بقولها:
(ال ينف� � ��ذ قرار احملكمني إال ف� � ��ي حق اخلصوم الذين حكموهم في اخلصوص
الذي جرى التحكيم من أجله).
ونالح� � ��ظ مما تقدم أن حك� � ��م التحكيم اإلداري له حجية نس� � ��بية تقتصر على
أطرافه فقط ،وال ميتد أثرها إلى الغير ،الذي لم يكن طرفاً فيه.
�إجراءات التحكيم
يف العقود الإدارية
(اتفاق التحكيم ،ت�شكيل هيئة التحكيم)...
إعداد
املسشارة :سمية عبد الصدوق
رئيسة مجلس الدولة اجلزائري
العلمي الثالث
الملتقـى
123
التحگيم في العقود اإلداريـة
م� � ��ن أهم الظواه� � ��ر القانونية احلديثة هي انتش� � ��ار التّحكيم كطريق بديل حلل
النزاعات ،إلى جانب طرق أخرى وهي الصلح والوساطة.
إن اجلزائر كرست التحكيم كوسيلة أخرى للفصل في النزاعات وجاء ذلك في
الباب اخلامس الفصل الثاني من قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية من املادة 975
إلى املادة ،989ثم في الباب الثاني املادة 1006إلى املادة .1061
وسنّت القوانني التي تكفل سالمة إجراءات التّحكيم ،والتّحكيم هو نظام قانوني
ناشىء عن فعل املتنازعني الذين يختارونه كأداة حلسم نزاعاتهم .ويتّسم التحكيم
بعدة مزايا جعلته محط أنظار األطراف املتنازعة مبا في ذلك س� � ��رعة اإلجراءات
وسرعة الفصل والتّخصص الفني.
ونظراً للتط ّور الكبير الذي يشهده النشاط اإلداري وامتداده ليشمل كل مظاهر
النش� � ��اط اإلنس� � ��اني فإن ذلك أدى إلى ظهور نظام حتكيم� � ��ي خاص يعرف بنظام
التحكي� � ��م في العق� � ��ود اإلدارية ،ويعتب� � ��ر التّحكيم في مجال العق� � ��ود اإلدارية آخر
مجال شمله التّحكيم ،وقد ساير املش� � ��رع اجلزائري التشريعات املُقارنة بتكريسه
لقواعد تضبط إجراءات التّحكيم في العقود اإلدارية (اتفاق التحكيم ،تشكيل هيئة
التّحكيم )...وهو ما سوف نتطرق إليه في هذا البحث الوجيز.
-1التّ طور التّ اريخي للتّ حكيم في التّ شريع اجلزائري:
قبل اس� � ��تقالل اجلزائر س� � ��نة 1962كان يُط ّبق على اجلزائر قانون اإلجراءات
الفرنسية الذي يتض ّمن قواعد عن التّحكيم في مجال العقود اإلدارية.
إال أنه بعد االس� � ��تقالل وعند صدور قان� � ��ون اإلجراءات املدنية القدمي مبوجب
األمر رقم 154/66الصادر بتاريخ 1966/06/08جند أن املش � � � ّرع اجلزائري قد
نظمة للتّحكيم بني أش� � ��خاص القانون اخلاص فقط في املادة 442 وضع تدابير ُم ّ
125
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2تعريف التّ حكيم:
ممن يت ّم االحتكام التّحكي� � ��م لُغة كلمة ُمش� � ��تقة من «ح ّكم» وتعني طلب ا ُ
حلك� � ��م ّ
إلي� � ��ه( .)1أما إصطالحاً فيُقص� � ��د بالتّحكيم إتفاق أطراف عالق� � ��ة قانونية مع ّينة،
عقدية أو غير عقدية ،على أن يتم الفصل في املنازعات التي ثارت بينهم بالفعل،
أو التي يُحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يت ّم إختيارهم كمح ّكمني(.)2
ول� � ��م يخرج الفقهاء عن التّعري� � ��ف اللّغوي للتّحكيم .فبعضه� � ��م يع ّرفه على أنه:
«االتفاق على طرح النزاع على ش� � ��خص أو أش� � ��خاص معين� �ي��ن ليفصلوا فيه دون
املختصة»(.)3
ّ احملكمة
والبعض اآلخر يُع ّرفه على أ ّنه «نظام لتسوية املنازعات عن طريق أفراد عاديني
يختارهم اخلصوم إ ّما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يَ ْرتض ْونها» ( .)4في حني
يُقصد بالتّحكيم في القانون اجلزائري باتفاق األطراف على عرض نزاع ناش� � ��ىء
ال عن أو سينش� � ��أ عند تنفيذ عقد سابق بينهما إلى هيئة حتكيمية للفصل فيه بدي ً
القضاء العمومي .والدافع لذلك هو ممارسة حر ّية منحها املش ّرع لألشخاص في
اختي� � ��ار ُمح ّكم يفترضون فيه األمانة واحلياد والكفاءة القانونية للحكم بالعدل في
الن� � ��زاع هذا من جهة ومن جهة أخرى تفادياً لإلجراءات ّ
والش� � ��كليات املتّبعة أمام
القضاء العمومي والتي قد تتم ّيز بالضغوط وإطالة أمد التّقاضي ناهيك عن مت ّيز
التّحكيم عن القضاء العمومي بسرية اجللسات.
( )1محمود مختار أحمد بربري ،التحكيم التجاري الدولي ،دار النهضة العربية ،2007 ،ص.50
( )2أبو زيد ُرضوان ،األسس العامة في التّحكيم التّجاري الدولي ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ص .70
( )3أحمد أبو الوفاء ،عقد التحكيم وإجراءاته ،مصر ،1996 ،ص .34
( )4مصطف� � ��ى محمد اجلمال ،عكاش� � ��ة عبدالعال ،التحكيم في العالقات اخلاص� � ��ة الدولية والداخلية ،ط،1
لبنان بيروت منشورات احللبي احلقوقية 1998ص.28
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
126
التحگيم في العقود اإلداريـة
-3تعريف العقد اإلداري:
يُع� � ��رف العق� � ��د اإلداري طبقاً للقانون اجلزائري على أن� � ��ه هو ذلك العقد الذي
يُبرمه ش� � ��خص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه أو توفير حاجيات
املصلحة املتعاقدة في مجال األش� � ��غال واللوازم واخلدمات والدراسات ،تظهر فيه
ن ّية اإلدارة لألخذ بأحكام القانون العام ،ويتضمن العقد ش� � ��روطاً إستثنائية وغير
مألوفة في القانون اخلاص.
-4العقود اإلدارية اجلائز التحكيم فيها:
أجاز املش � � � ّرع اجلزائري لكل ش� � ��خص طبيعي اللّجوء إلى التّحكيم في احلقوق
الت� � ��ي له ُمطل� � ��ق احلرية للتص ّرف فيها ما عدى املس� � ��ائل املتعلقة بالنظام العام أو
حالة األش� � ��خاص وأهليتهم وذلك حسب الفقرة األوى والثانية من املادة 1006من
قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،أما بالنسبة لألشخاص املعنوية العامة فليست
له� � ��ا ُمطلق احلرية ف� � ��ي اللّجوء إلى التّحكيم بل هيمقيدة في ذلك ،بحيث أجاز لها
املش ّرع أن تطلب التّحكيم في عالقاتها االقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات
العمومية فقط ،أما بالنس� � ��بة للمجاالت األخرى فال يجوز لها ذلك ،وهذا ما ورد
ف� � ��ي الفقرة الثالثة من امل� � ��ادة 1006من قانون اإلج� � ��راءات املدنية واإلدارية التي
تنص على أنه «وال يجوز لألشخاص املعنوية العامة أن تطلب التّحكيم ،ما عدا في
عالقاتها اإلقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية».
-5كيفية إبرام اتفاق التّ حكيم:
نص قانون اإلجراءات املدني� � ��ة واإلدارية اجلزائري على طريقتني إلبرام إتفاق
ّ
التّحكيم وهما :شرط التّحكيم و ُمشارطة التّحكيم.
127
التحگيم في العقود اإلداريـة
أ -شرط التّحكيم (:)la clause compromissoire
يُقصد به اتفاق أطراف عقد معينّ صراحة على عرض أي نزاع ُمستقبلي ينشأ
بينهما أثناء تنفيذ هذا العقد على التّحكيم من خالل اإلش� � ��ارة إلى ذلك في العقد
األصلي أو في وثيقة ُمنفصلة ُملحقة بالعقد األصلي.
وق� � ��د وردت هذه الطريقة في كيفي� � ��ة إعداد اتفاق التّحكيم في املادة 1007من
قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «شرط التّحكيم هو اإلتفاق
ال� � ��ذي يلتزم مبوجبه األطراف في عقد ُمتصل بحقوق متاحة مبفهوم املادة 1006
أعاله ،لعرض النزاعات التي قد تُثار بشأن هذا العقد على التّحكيم».
ويجب أن يُثبت ش� � ��رط التّحكيم كتاب ًة وأن يتض ّمن تعيني املحُ ّكم أو احمل ّكمني أو
حتدي� � ��د طريقة تعيينهم وهو ماورد في امل� � ��ادة 1008من قانون اإلجراءات املدنية
واإلدارية التي تنص على أنه «يُثبت شرط التحكيم ،حتت طائلة البطالن ،بالكتابة
في االتفاقية األصلية أو في الوثيقة التي تَس � � �تَند إليها .يجب أن يتض ّمن ش� � ��رط
التّحكي� � ��م ،حتت طائلة البط� �ل��ان ،تعيني احمل ّكم أو احمل ّكم� �ي��ن ،أو حتديد كيفيات
تعيينهم».
ب ُ -مشارطة التّحكيم (:)un compromis d'arbitrage
يُقصد به اتفاق أطراف عقد معينّ على عرض نزاع ناشىء بينهما على التّحكيم.
مبعنى أن ُمشارطة التّحكيم تكون بعد نشوء ال ِنّزاع.
وق� � ��د وردت هذه ّ
الطريقة في كيفي� � ��ة إعداد إتفاق التّحكيم في املادة 1011من
قان� � ��ون اإلجراءات املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «اتفاق التّحكيم هو االتفاق
الذي يقبل األطراف مبوجبه عرض نزاع سب َق نُ ُشووه على التّحكيم».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
128
التحگيم في العقود اإلداريـة
ويج� � ��ب أن تُثبت ُمش� � ��ارطة التحكيم كتاب ًة وأن تتض ّمن موضوع النّزاع وأس� � ��ماء
احمل ّكمني أو حتديد طريقة تعيينهم وهو ما ورد في املادة 1012من قانون اإلجراءات
املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «يحصل اإلتفاق على التّحكيم كتابياً .يجب أم
يتض ّمن اتفاق التّحكيم ،حتت طائلة البطالن ،موضوع النزاع وأسماء املحُ ك ّمني ،أو
كيفية تعيينهم».
واجلدير بالذكر أن املش � � � ّرع اجلزائري س� � ��مح بإبرام اتفاق التحكيم حتى أثناء
س� � ��ير الدعوى أمام القضاء العادي وقبل صدور حكم نهائي وهو ما ورد في املادة
1013م� � ��ن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «يجوز لألطراف
االتفاق على التّحكيم ،حتى أثناء سير اخلصومة أمام اجلهة القضائية».
-6كيفية تشكيل هيئة التحكيم:
أجاز املش � � � ّرع اجلزائري أن تتش � � � ّكل محكمة التّحكيم من مح ّكم واحد أو عدة
مح ّكمني بعدد فردي حس� � ��ب ما ورد في املادة 1017من قانون اإلجراءات املدنية
واإلداري� � ��ة .ويُش� � ��ترط أن يقبل املحُ ّكم امله ّمة املُس� � ��ندة إليه وهو م� � ��ا ورد في املادة
1015م� � ��ن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «ال يُعد تش� � ��كيل
محكمة التّحكيم صحيحاً ،إال إذا قبل احمل ّكم أو احمل ّكمون بامله ّمة املسندة إليهم»...
واحلكمة من ذلك أنه ال يجوز إجبار شخص على ممارسة التّحكيم.
وقد يتولى مه ّمة التّحكيم إ ّما ش� � ��خص طبيعي أو ش� � ��خص معنوي .فبالنس� � ��بة
للش� � ��خص الطبيعي فإن املش� � ��روع اجلزائري قد إش� � ��ترط أن يكون هذا الشخص
ُمتمتعاً بحقوقه املدنية حس� � ��ب ما نصت عليه الفق� � ��رة األولى من املادة 1014من
قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية.
129
التحگيم في العقود اإلداريـة
أما بالنسبة للشخص املعنوي فإنه يتولى تعيني عضو أو أكثر من أعضائه بصفة
ِّ
محكم حس� � ��ب ما نصت عليه الفقرة الثانية من املادة 1014من قانون اإلجراءات
املدنية واإلدارية.
-7تدخل القضاء في تشكيل هيئة التحكيم:
أن إرادة اخلصوم تشكيل محكمة التّحكيم يحكمها مبدأ أساسي يتم ّثل في كون ّ
هي املرجع األ ّول في تشكيل هاته الهيئة .غير أنه إذا اعترضت صعوبة في تشكيل
محكمة التّحكيم بفعل أحد األطراف أو مبناس� � ��بة تنفيذ إجراءات تعيني املحُ ِ ّكم أو
املحُ ّكمني ،يتم تعيني املحُ ّكم أو املحُ ّكمون من قبل رئيس احملكمة التي يقع في دائرة
اختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه.
ال أو غير ٍ
كاف لتش� � ��كيل محكمة التّحكيم ،يُعاين وإذا كان ش� � ��رط التّحكيم باط ً
رئي� � ��س احملكمة ذلك ويص ّرح بأ ّال وجه لتعيني املحُ ّكم أو املحُ ّكمني وهو ما ورد في
املادة 1009من قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية.
وكما سبق ذكره ،فإنه يتعينّ على احمل ّكم قبول مهمة التحكيم املُسندة إليه ،وفي
حال� � ��ة رفضه القيام مبه ّمة التحكيم يُس� � ��تبدل هذا احمل ّك� � ��م بغيره بأمر من طرف
رئيس احملكمة املُختصة حس� � ��ب ما تنص عليه امل� � ��ادة 1012من قانون اإلجراءات
تدخل القضاء في تش� � ��كيل هيئةاملدني� � ��ة واإلدارية وهو ما يش� � ��كل وجه من أوجه ّ
التّحكيم.
-8حاالت رد حُ
امل ِ ّكم:
يُقصد برد املحُ َ ِ ّكم تعبير أحد أطراف اخلصومة التّحكيمية عن إرادته في عدم
نص عليهااملث� � ��ول أم� � ��ام ُمح ّكم معينّ في قضية مع ّينة لتوافر أحد األس� � ��باب التي ّ
القانون .ولقد منح املش ّرع اجلزائري لل ُمحتكمني صالحية رد احمل ّكم أو احمل ّكمني
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
130
التحگيم في العقود اإلداريـة
في حاالت محددة حصرته� � ��ا الفقرة األولى من املادة 1016من قانون اإلجراءات
املدنية واإلدارية التي تنص على أنه «يجوز رد احملكم في احلاالت اآلتية:
-1عندما ال تتوفر فيه املُؤهالت املُتّفق عليها بني األطراف.
-2عندما يوجد س� � ��بب رد منصوص عليه ف� � ��ي نظام التّحكيم املوافق عليه من
قبل األطراف.
-3عندما تتبينّ من الظروف ش� � ��بهة مشروعة في استقالليته ،ال سيما بسبب
وجود مصلحة أو عالقة اقتصادية أو عائلية مع أحد األطراف مباش� � ��رة أو
عن طريق وسيط.»...
كاف في بعض األحيان بحيث أن تو ّفر سبب من هذه األسباب قد يكون غير ٍ غير ّ
ال يُسمح لل ُمحتكِ م برد املحُ ّكم الذي ساهم في تعيينه إذا كان عاملاً بسبب ال ّرد قبل
تعيني املحُ َ ّكم وهو ما جاء في الفقرة الثانية من املادة 1016من قانون اإلجراءات
املدني� � ��ة واإلدارية التي تنص على أنه « .......ال يجوز طلب رد احمل ّكم من ّ
الطرف
الذي كان قد ع ّينه ،أو شارك في تعيينه ،إال لسبب َع ِل َم به بعد التعيني».
وجتدر اإلش� � ��ارة إلى أن املش � � � ّرع اجلزائري ألزم احمل ّك� � ��م بإخبار احملتكمني في
حالة ما إذا توفر فيه سبب من أسباب الرد الواردة في املادة 1016السالفة الذكر
وال يجوز له القيام بالتحكيم إال مبوافقة احملتكمني وهو ما ورد في الفقرة الثانية
م� � ��ن املادة 1015من قانون اإلج� � ��راءات املدنية اإلدارية التي تنص على أنه «...إذا
عل� � ��م املحُ ّكم بأنه قابل لل ّرد ،يُخبر األطراف بذل� � ��ك وال يجوز له القيام باملهمة إال
بعد موافقتهم».
131
التحگيم في العقود اإلداريـة
-9إجراءات رد حُ
املكّ م:
حدد املش � � � ّرع اجلزائري في الفق� � ��رة الرابعة من امل� � ��ادة 1016من قانون
ل� � ��م يُ ّ
اإلجراءات املدنية واإلدارية بوضوح إجراءات رد احملكمني مكتفياً بالقول أنه «....
في حالة النزاع ،إذا لم يتضمن نظام التّحكيم كيفيات تسويته أو لم يسع األطراف
لتس� � ��وية إجراءات ال� � ��رد ،يفصل القاضي في ذلك بأمر بن� � ��ا ًء على طلب من يهمه
التّعجيل».
وعلي� � ��ه ميكن القول أن املش � � � ّرع اجلزائري قد ك ّرس مب� � ��دأ حرية األطراف في
االتف� � ��اق على إجراءات رد املحُ ّكم ،وفي حالة غي� � ��اب هذا اإلتفاق فإنه يتعينّ على
الطرف الذي يعتزم رد احمل ّكم أن يقدم طلبه كتاب ًة إلى املحُ ّكم الذي يعتزم رده كما
يقوم بتبليغ محكمة التّحكيم والطرف اآلخر بسبب ال ّرد.
مت قبول طلب ال ّرد الذي تقدم به أحد األطراف أو احمل ّكم ذاته فال إشكالوإذا ّ
في ذلك ،وفي حالة عدم قبول طلب ال ّرد ،تتم إحالة النزاع سواء من طرف مقدم
الطل� � ��ب أو من هيئة التّحكيم إلى اجله� � ��ة القضائية املختصة التي تصدر أمراً في
ّ
ذلك ويكون هذا األمر غير قابل ألي طعن حسب ما تنص عليه الفقرة الرابعة من
املادة 1016من قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية.
-10سير اخلصومة التّ حكيمية:
األص� � ��ل أن تُطبق على اخلصوم� � ��ة التّحكيمية اآلجال واألوض� � ��اع املقررة أمام
اجله� � ��ات القضائية غير أنه يمُ ك� � ��ن لل ُمحتكمني تكريس قواعد مختلفة لس� � ��ريان
اخلصومة التّحكيمية وهو ما تنص عليه املادة 1019من قانون اإلجراءات املدنية
واإلدارية.
133
التحگيم في العقود اإلداريـة
املدة املقررة للتّحكيم ،فإذا لم تُشترط املدة ،فبانتهاء مدة أربعة ()4
-2بانتهاء ّ
أشهر.
-3بفقد الشيء موضوع النزاع أو انقضاء ال ّدين املُتنازع فيه.
-4بوفاة أحد أطراف العقد».
-12صدور حكم التّ حكيم:
على غرار أغلب ال ّتش� � ��ريعات املُقارنة لم يُعرف املش ّرع اجلزائري حكم التّحكيم
وإمنا ترك مس� � ��ألة تعريفه إلى الفقه والقضاء ،وبالرجوع إلى القانون رقم 09/08
املتعلق باإلج� � ��راءات املدنية واإلدارية جند أن املش � � � ّرع اجلزائري تطرق في املواد
1025إل� � ��ى 1031منه إلى كيفية صدور حكم التّحكيم والبيانات الواجب توافرها
فيه إلى جانب حجيته.
أما بالنسبة إلى الفقه فقد ع ّرف حكم التّحكيم بأنه:
«احلكم النهائي الذي تصدره هيئة التّحكيم في موضوع النزاع املعروض عليها،
س� � ��واء تعلّق هذا احلكم مبوضوع املنازعة في حد ذاتها وكان شام ً
ال لكل النّزاع أو
جلزء منه ،وكانت هيئة التّحكيم قد قبلت طلبات أي من الطرفني ُكلّها أو رفضتها
ُكلّه� � ��ا أو قبلت ج� � ��زءاً منها ورفضت اجل� � ��زء اآلخر ،أو تعلّق هذا احلكم مبس� � ��ألة
حلحكم بإنهاء اإلختص� � ��اص أو اإلجراءات وأ ّدت باملحُ ّكم أو الهيئة التّحكيمية إلى ا ُ
اخلصومة».
وعليه فإن ما يصدر من هيئة التّحكيم في غير اخلصومة ال يعد حكم حتكيمي،
ومثال ذلك القرارات املتعلّقة بتحديد زمان ومكان جلسات التّحكيم ،وكذلك قرارات
التّأجيل أو ندب خبير أو القرار املُتض ّمن معاينة بضائع أو سماع شاهد.
135
التحگيم في العقود اإلداريـة
-1إسم ولقب احمل ّكم أو احمل ّكمني.
-2تاريخ صدور حكم التّحكيم.
-3مكان إصدار حكم التّحكيم.
-4أس� � ��ماء وألق� � ��اب األطراف وموطن كل منهم وتس� � ��مية األش� � ��خاص املعنوية
ومقرها اإلجتماعي.
-5أسماء وألقاب احملامني أو من م ّثل أو ساعد األطراف عند اإلقتضاء.
ويت � � � ّم توقيع حكم التّحكيم م� � ��ن طرف املحُ ّكمني وفي ح� � ��ال امتناع األقلية عن
التّوقيع يُش� � ��ير بقية احمل ّكمني إلى ذلك وير ّت� � ��ب حكم التّحكيم أثره باعتباره موقعاً
م� � ��ن جميع احمل ّكمني طبقاً ملا تنص عليه املادة 1029من قانون اإلجراءات املدنية
واإلدارية.
ومبج� � ��رد الفص� � ��ل في اخلصوم� � ��ة التّحكيمية يتخلّى احمل ّك� � ��م أو احمل ّكمني عن
الن� � ��زاع .غير أنه يمُ كن ال ّرجوع إلى احمل ّكم أو احمل ّكمني لتفس� � ��ير حكم التّحكيم أو
تصحي� � ��ح األخطاء املادية واإلغفاالت التي تش� � ��وبه وذلك طبق � � �اً للمادة 1030من
قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية.
حجية الش� � ��يء املقضي في� � ��ه مبجرد صدوره فيما يخص ويحوز حكم التّحكيم ّ
النزاع املفصول فيه ويُعتبر س� � ��ند تنفيذي حس� � ��ب ما تن� � ��ص عليه املادة 1031من
قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية.
137
التحگيم في العقود اإلداريـة
قائمة املراجع:
الكتب:
-1محمود مختار أحمد بربري ،التحكيم التجاري الدولي ،دار النهضة العربية.2007 ،
-2أبو زيد ُرضوان ،األسس العامة في التّحكم التّجاري الدولي ،دار الفكر العربي ،القاهرة.
-3أحمد أبو الوفاء ،عقد التحكيم واجراءاته ،مصر.1996 ،
-4مصطف� � ��ى محمد اجلمال ،عكاش� � ��ة عبد العال ،التحكيم في العالق� � ��ات اخلاصة الدولية
والداخلية ،ط ،1لبنان بيروت منشورات احللبي احلقوقية .1998
النصوص القانونية:
-1دستور 23فبراير ،1989اجلريدة الرسمية عدد ،9صادرة بتاريخ 1مارس .1989
-2األمر رقم 1966/154الصادر بتاري� � ��خ 1966/06/08املتضمن قانون اإلجراءات املدنية
املعدل واملتمم.
-3املرس� � ��وم ال ّتش� � ��ريعي رقم 1993/9املؤرخ في 1993/04/25املتضم� � ��ن تعديل األمر رقم
154/66املتضمن قانون اإلجراءات املدنية.
-4القان� � ��ون رق� � ��م 2008/9املؤرخ ف� � ��ي 25فبراير 2008املتضمن قان� � ��ون اإلجراءات املدنية
واإلدارية.
بقلم
أ .د .أحمد صادق القشيري
العلمي الثالث
الملتقـى
141
التحگيم في العقود اإلداريـة
تطور قضاء التحكيم
في مجال العقود اإلدارية الدولية
(التوافق والتناغم في احللول مع استبعاد سلبيات املاضي)
-1كان صدور قرار الهيئة التحكيمية التي نظرت قضية اململكة العربية السعودية/
أرامكو في عام 1958إيذاناً بنهاية مرحلة تاريخية اتس� � ��مت بإعطاء قدس� � ��ية
مطلقة لإلمتيازات البترولية املمنوحة في الثلث األول من القرن العشرين من
جانب دول الش� � ��رق األوس� � ��ط للشركات العاملية الناش� � ��طة بدءاً من D'Arcy
ف� � ��ي بالد فارس ع� � ��ام 1901إلى أرامكو في الس� � ��عودية وزميالتها في العراق
والكويت وأب� � ��و ظبي وقطر ،حيث امتدت جميعها لتش� � ��مل كامل إقليم الدولة
مانحة اإلمتياز البترولي ومقابل إتاوة مقدارها عدة ش� � ��لنات لكل برميل بترول
مستخرج وطوال عشرات السنني املمتدة والتي تشمل عمليات اإلستخراج من
باطن األرض أو املياه املجاورة ومتدي� � ��د األنابيب والتصنيع والنقل والتصدير
خارج البالد دون ضرائب على أرباح تلك الشركات وذلك الوضع استمر طوال
الفترة السابقة على إكتشاف الدول األعضاء بجامعة الدول العربية من خالل
املؤمتر األول للبترول في أوائل اخلمسينات بالقاهرة أن دول أمريكا الالتينية
مث� � ��ل فينزويال حتصل في املقاب� � ��ل على عائد يعرف ب� � ��ال 50/50-كضرائب
تساوي نصف قيمة البترول املستخرج.
-2وعندما علم جاللة امللك /عبدالعزيز الس� � ��عود مؤس� � ��س اململكة بهذا التفاوت،
قام فوراً باس� � ��تدعاء مالك أرامكو وإلزامهم بتغيير الش� � ��روط املجحفة للدول
العربية إلدخال نظام أقس� � ��ام العوائد عن طريق فرض ضرائب يتم س� � ��دادها
باإلضافة إلى اإلتاوة املمنوحة سابقاً.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
142
التحگيم في العقود اإلداريـة
وكان هذا إيذاناً بأفول مرحلة اإلس� � ��تغالل اإلستعماري الذي ظل قائماً طوال
النصف األول من القرن العش� � ��رين ،والذي متثل على وجه اخلصوص في أول
قضيتني حتكيميني قد مت الفصل فيها عامي 1951و 1953بواس� � ��طة محكم
منفرد( ،اللورد Asquith /في حتكيم إمارة أبو ظبي ،والسيد Dunhill /في
حتكي� � ��م قطر) واللذين انتهيا إلى القضاء بإس� � ��تبعاد تطبي� � ��ق القانون الواجب
التطبيق في كل من اإلمارتني بزعم أن الشرعية اإلسالمية في مفهومها األول
نظام بدائي متخلف ليس به قواعد حتكم املعامالت البترولية املعاصرة ،بينما
الثاني حاول التعرف على القواعد الواجبة التطبيق بواسطة استاذين فرنسي
وبريطاني متخصصني.
ولكن إزاء عجزهما عن الوصول إلى التعريف مبفهوم هذه القواعد في املذهب
الواجب اإلتباع شرعاً ،انتهى إلى ضرورة استبدال هذا النظام الواجب التطبيق
بقواعد القانون اإلجنليزي الذي يعد رمزاً للعدالة وتقنيناً للقانون الطبيعي.
وجاء هذان احلكمان بأس� � ��وأ ما تكش� � ��ف عنه العقلية االستعمارية التي كانت
حتكم العالقات البترولية في منتصف القرن العشرين ،حيث يتم تعيني احملكم
الفرد بواس� � ��طة املمثل السياس� � ��ي البريطاني في منطقة اخلليج العربي على
نحو مثير لالش� � ��مئزاز وين� � ��م عن غياب القدر األدنى م� � ��ن اإلحترام للحضارة
اإلسالمية عريقة األصول.
-3وكان املأمول بعد الدرس الذي تلقته الش� � ��ركات البترولية االستعمارية على يد
جاللة امللك /عبدالعزيز ومحاوالت اململكة الس� � ��عودية إلدخال قدر أدنى من
التعديالت في نظام االمتيازات كما رس� � ��مته العقود االستعمارية القدمية تبدأ
بها صفحة جديدة عن طري� � ��ق التطوير عن طريق اإلتفاق على حتكيم حديث
يكون لكل ط� � ��رف فيه محكماً على عل� � ��م بتراثه القانون� � ��ي والقواعد الواجبة
اإلتباع في تفسير وتطبيق القواعد املتفق عليها على نحو منصف وعادل.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
143
التحگيم في العقود اإلداريـة
وجاءت املناسبة في مجال تنفيذ عقد شحن أبرمته اململكة السعودية لتصدير
قدر من إنتاجها النفطي على س� � ��فن االس� � ��طول البح� � ��ري اململوك حني ذاك
الوناس� � ��يس اليوناني ،ولكن أرامكو اعترضت على أساس أن حقوقها املطلقة
واملكتسبة ال تسمح للحكومة السعودية بالتدخل في تصدير البترول املستخرج
الذي تتمتع أرامكو بإحتكار عمليات تصنيعه ونقله خارج البالد.
ورغم وجود أسماء عربية فاضلة ضمن املشاركني في تلك القضية التحكيمية،
س� � ��واء كمحكم يعني عن اجلانب السعودي ومستش� � ��ارين مدافعني عن حقوق
الدولة.
فقد جاءت النتيجة مخيبة لآلمال ،وصدر حكم حتكيمي لصالح شركة أرامكو
وقدس� � ��ية عقد إمتيازها الذي ال متلك س� � ��لطات الدول� � ��ة أن تغير في ظله أي
قواع� � ��د ال يقبلها الطرف اآلخ� � ��ر طوال فترة اإلمتي� � ��از البترولي مهما تغيرت
الظروف وجدت إعتبارات توجب إعادة التوازن إلى عقد فقد مقومات وجوده
واستمراره.
-4وإذا كانت اململكة قد عبرت عن إس� � ��تيائها حني ذاك بإصدار قرار من مجلس
الوزراء يحذر وضع ش� � ��رط حتكي� � ��م في عقود الدولة مس� � ��تقب ً
ال إال بعد أخذ
موافق� � ��ة من مجلس ال� � ��وزراء في كل حالة على حدة ،ف� � ��إن القوي الفاعلة في
العال� � ��م العربي قد بدأت حينذاك في إتخ� � ��اذ اخلطوات الالزمة ملعاجلة ذلك
احلوار الذي لم يعد مقبوالً إس� � ��تمراره .وس� � ��اعد على ذل� � ��ك حدوث تطورات
عميقة تتمثل في ثالث إجتاهات:
(أو ًال) :ب� � ��دء افول عصر للس� � ��يطرة للدوالر األمريكي عل� � ��ى املجال البترولي،
خاص � � � ًة في نهاية س� � ��تينات القرن املاضي عندما اضط� � ��رت الواليات املتحدة
145
التحگيم في العقود اإلداريـة
مشتركة على نحو يحكمه مزيج من القواعد القانونية تتمثل في نظام قانوني
متسق ،أساسه التنظيم القانوني التش� � ��ريعي في الدولة ذاتها وتلعب القواعد
عبر الدولية دوراً تكميلياً لتوضيح ما يعد من قبيل «حس� � ��ن إستغالل الثروات
الطبيعي� � ��ة» وما ال يع� � ��د كذلك ،والضوابط البيئية الواجب� � ��ة اإلتباع تكنولوجياً
وفنياً وإقتصادياً.
وقد لعب النزاع الذي قام خالل تلك الفترة بني دولة الكويت وش� � ��ركة أمينول
العاملة في املنطقة احملايدة دوراً هاماً في رسم معالم احللول اجلديدة الواجبة
اإلتباع في احلال وفي املستقبل.
ذلك أن الش� � ��ركة املذكورة كانت ق� � ��د رفضت اخلضوع طواعية للنظام اجلديد
املمثل في املشاركة وحتويل التعامل من قبيل التملك إلى تأدية خدمات مقابل
عائداً عادل ،مع تصفيات كافة املش� � ��كالت العالقة في شأن أسعار املوجودات
الت� � ��ي تؤول إلى الدولة وقيمة اإلمتياز الذي يتم إنهائه على نحو مبتس� � ��ر ،مع
ال في إطار توازن تعاقدي قابل للتعديل بالتوافق أو إستمرار التعامل مس� � ��تقب ً
عن طريق التحكيم مهما لزم األمر.
ذل� � ��ك أن احلكومة الكويتي� � ��ة كانت قد تفاوضت في حينه مع ش� � ��ركة إمانويل
وصوالً إلى حل على غرار ما مت مع ش� � ��ركة الـ KOCاملنتج األساسي للغالبية
العظمى من بترول الكويت ،ونظراً لتعذر املفاوضات الودية ،مت جتميد املوقف
إلى أن انتهت تصفيات كافة املسائل املعلقة مع الــ.KOC
-6وص� � ��ار التأميم هو الس� �ل��اح الوحيد الذي ميكن أن تلج� � ��أ إليه احلكومة ،وهو
ما مت في عام 1977باإلس� � ��تيالء على كاف� � ��ة املوجودات املادية وإنهاء اإللتزام
التعاقدي الذي كانت مدته ممتدة حتى عام .2008
147
التحگيم في العقود اإلداريـة
البريطانيني الذين ميثلون احلكومة الكويتية عاد ًة في قضاياها اخلارجية وهو
املكتب الشهير Freshfieldsس� � ��يتولى املهمة في مجال متثيل احلكومة ،على
أن يضاف إلى فريق دفاع قانوني عربي يتولى مهمة معاجلة مسألة مشروعية
التأميم وآثاره كعمل مش� � ��روع مما يؤثر على حج� � ��م التعويض الواجب كمقابل
عادل ومناسب.
وإذ كان لي هذا الش� � ��رف ،فإنني أجد من واجبي أن أعبر عن عميق ش� � ��كري
له� � ��ذه الثقة الكبيرة التي أولتني إياها دولة الكويت الكرمية ،والذي أحمد الله
انن� � ��ي قمت مبهمت� � ��ي على أفضل وجه ،بل إن جناحي في ه� � ��ذه املهمة الغالية
كان مفتاحاً لنجاحات الحقة جاء على رأس� � ��ها تشريف مصر احلبيبة لي بأن
أكون عضو فريق الدفاع عن طابا من ما مكنني من الترافع أمام محكمة طابا
الدولي� � ��ة ع� � ��ن 13عالقة حدود من الــ 14عالقة املتن� � ��ازع عليها ،وكان الزميل
الفاضل Sir Derek Bowetهو الذي ترافع عن العالقة ( 91الرابعة عش� � ��ر)
املطلة على مياه خليج العقبة.
-8ويسعدني أن أخلص فيما يلي أهم النجاحات التي أسفر عنها حتكيم امانيويل
الذي دخل التاريخ ومت نشر مقال عنه في الكتاب الذي صدر في العام املاضي
عن مركز Stockolmللتحكيم الدولي حتت عنوان «التحكيم من أجل السالم»
(.)Arbitration for Peace
وتضم� � ��ن الكت� � ��اب حتت الرقم ( )7حك� � ��م الكويت /أمينويل م� � ��ع إضافةits« :
،»legacyبالنظ� � ��ر إلى ما كان له من صدى خالل العقود األربعة التالية :حيث
جاء نبراساً اهتدت به احملكمة اإليرانية /األمريكية في القضايا التي عاجلتها
مبثابة «أحكام حتكيمية صدرت باتفاق األطراف».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
148
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي القضايا التحكيمية التي اتبعت ذات املنهج مبعاجلات اآلثار املالية املترتبة
ال غير مشروع وإمنا إصالحاً لظروف اختلت على التأميم الذي ال يتضمن عم ً
ولم يعد من املمكن استمرارها دون تعديالت مقبولة.
النجاح األول:
قب� � ��ول فكرة أن العقود التي تبرمها الدولة في مباش� � ��رة س� � ��يادتها على مصادر
ثرواتها الطبيعية ليس� � ��ت لها قدسية حتول دون إمكانية إعادة النظر فيها .باعتبار
أن قدس� � ��ية العقد ( )Pacta Sunt Servandaليس� � ��ت قاع� � ��دة مطلقة وإمنا تعمل
ف� � ��ي احلدود التي تقتضيها الظروف ،فإذا ما ح� � ��دث تغيير جوهري في الظروف
احمليط� � ��ة وحتقق إختالل في التوازن العقدي بني حقوق وإلتزامات الطرفني ،تعني
إعادة النظر ملعاجلة ذلك باعتبار أن الـ( )Pactaيقتضي الس� � ��تمراره كما هو عدم
حدوث ما مؤداه ضرورة إع� � ��ادة التوازن املفتقد اعماالً لهذا املبرر الذي يعبر عنه
( )rebus sic stantibusأي أن بناء العقد ملزم شريطة بقاء التوازن األصلي قائماً
دون تغيير.
فاملبدآن وجهان لعملة واحدة ،فإذا حدث ما يوجب تعديل اإللتزامات القانونية
تع� �ي��ن إعادة التفاوض أو اللجوء إلى القاض� � ��ي أو احملكم لتحقيق التوازن املطلوب
في صورته اجلديدة.
النجاح الثاني:
التطور س� � ��نة احلياة ،وهذه الظاهرة هامة للغاية في العالقات املس� � ��تمرة ملدة
زمنية ممت� � ��دة ،وديناميكية العالق� � ��ات التعاقدية التي تغطي عدداً من الس� � ��نوات
تقتض� � ��ي النظر لهذه العالقات بأنه� � ��ا مبثابة نظم متطورة متر مبراحل يتعني على
األطراف وعلي كل من القاضي واحملكم أن ميارس دوراً في تعميمها وجعلها قابلة
للحياة بأقل أضرار ممكنة.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
149
التحگيم في العقود اإلداريـة
وبناء على ذلك ،يجب فهم ش� � ��روط تثبيت العالق� � ��ة التعاقدية (stabilization
)clausesعل� � ��ى أن لها دوراً هاماً في مرحلة بداية امل� � ��دة ،ويبدأ التثبيت في فقد
أهميته كلما إس� � ��تطاع الطرف الذي حتمل استثمارات بالغة في جاني حصاد هذه
االستثمارات.
ولعل ما انتهى إليه البرفسور ( )Virallyفي رأيه القانوني الذي صدر بنا َء على
طلب من ش� � ��ركة إمينويل ذاتها خير دليل على صحة ما انتهت عليه هيئة التحكيم
من أن وجود ش� � ��رط تثبيت طوال مدة العقد (أي ستون عاماً) أمر غير مقصور أو
مقبول ،فالدولة ميكنها أن تغير ما دام املس� � ��تثمر األجنبي قد متكن من إس� � ��ترداد
اس� � ��تثماره وبالتالي ،تفسير الشرط على أنه واجب اإلتباع في نطاق املدة املعقولة
وليس طوال مدة الس� � ��نوات الستني ،فإذا جاء تأميم الدولة بعد أربعني عاماً متت
خاللها اإلفاءة الكاملة من االس� � ��تثمار يتعذر وصف ذلك التأميم املتأخر بأنه عمل
غير مشروع ويكون وصفه بالتعسف أمراً متعذر قبوله مبراعاة أن اإللتزام بالتثبيت
مت احترامه في حدوده املقبولة.
النجاح الثالث:
ال تكون الدول� � ��ة محرومة خاللها من فرض بقاء االمتياز ملدة س� � ��تني عاماً كام ً
ضرائب على ش� � ��ركة إمانويل أمر يتعارض مع مقتضيات السيادة للدولة الوطنية،
ومن ثم ف� � ��إن مقررات منظمة األوبيك اخلاصة بف� � ��رض ضرائب دخل مرتفعة أو
زي� � ��ادة اإلتاوة أو إنهاء اإلمتياز قبل عش� � ��رين عاماً من مدت� � ��ه األصلية ،كلها أمور
ال مشروعاً دولياً وال
مشروعة دولياً ،وال تخل بضرورة إعتبار ما مت من تأميم عم ً
يترتب عليه مسؤولية دولية كاملة تتمثل في تعويض الشركة عن ما فاتها من كسب
خالل فترة اإلنهاء املبكر.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
150
التحگيم في العقود اإلداريـة
وال يك� � ��ون لش� � ��ركة إميينويل حقوق � � �اً تتجاوز ما حلقها من خس� � ��ارة نتيجة نقل
أصوله� � ��ا املادية إلى احلكوم� � ��ة الكويتية .وهذه األصول املادية أجمع احملاس� � ��بون
املعترف بهم دولياً أنها ال تزيد عن مبلغ مائة وس� � ��تون مليون دوالر أمريكي بحسب
قيمته� � ��ا النقدية عند التأميم ،وهو ما يقتضي رفض م� � ��ا اقترحه خبراء جامعات
هارفارد والــ MITم� � ��ن تطبيق مفهوم ال � � �ـ(،)Discounted Cashflow Method
ال� � ��ذي وصلوا إال احتس� � ��ابه مببلغ يتجاوز اإلثنان ملي� � ��ار دوالر أمريكي حني ذاك،
ويتمث� � ��ل فيما كان متوقعاً أن تدره عملي� � ��ات إمانويل من دخل حتى عام 2008في
نهاية مدة اإللتزام البترولي بعد إجراء عملية تخصيمه إلحتس� � ��اب املبالغ الواجبة
الدفع في عام 1982في تاريخ تنفيذ حكم هيئة التحكيم.
فالثابت أن هيئ� � ��ة التحكيم في حكمها اإلجماعي الصادر في مارس 1982قد
رفضت متاماً عنصر ما فات من كس� � ��ب بنا ًء على قضائها مبش� � ��روعية التأميم مع
فرض ضرائب وإتاوات على الشركة كانت قد رفضت هذه األخيرة سدادها.
وم� � ��ن ثم ،فإن قيمة العقد الذي تقرر إنهائه املبتس� � ��ر في عام 1977ال يتجاوز
ال بضعة عش� � ��رات من ماليني الدوالرات التي تضاف إلى قيمة األصول املادية عم ً
لتمث� � ��ل مبلغ التعويض اإلجمالي الذي تلقته ش� � ��ركة إمينويل في املوعد احملدد من
هيئ� � ��ة التحكيم لتنفيذ حكمها ف� � ��ي أول يوليو 1982وجملته تقع في حدود املائتني
وستون مليون دوالر أمريكي.
وج� � ��اءت أح� � ��كام التحكيم الدولي الالحق� � ��ة الصادرة عن احملكم� � ��ة اإليرانية/
األمريكية أو في حتكيمات بترولية أخرى صدرت في دول أمريكا الالتينية مؤكدة
أن حك� � ��م حتكيم إمنويل قد فتح الباب إلعادة التوازن املنش� � ��ود بني الدول املنتجة
للبترول والشركات غير الدولية العاملة فيها.
151
التحگيم في العقود اإلداريـة
وق� � ��د حرصنا على إبراز هذه احلقيقة بياناً لل� � ��دور الرائد الذي قامت به دولة
الكويت في معاجلتها للقضية التحكيمية محل البحث والتي ميثل احلكم اإلجماعي
الصادر بش� � ��أنها معلماً هاماً من معالم تطور التحكيمات الدولية في شأن العقود
الدولية املتعلقة بالبترول ،والت� � ��ي امتدت في العقود األخيرة لتغطي فروعاً أخرى
من األنشطة اإلقتصادية في مختلف دول العالم.
بقلم
أ .د .أحمد صادق القشيري
العلمي الثالث
الملتقـى
155
التحگيم في العقود اإلداريـة
تنفيذ أحكام هيئات التحكيم
وفق ًا إلتفاقية نيويورك عام 1958
املطبقة في أكثر من 180دولة أعضاء في األمم املتحدة
-1إذا أخذنا في االعتبار أن التحكيم يعتبر في بدايته مجرد إتفاق بني األطراف
املتعاق� � ��دة حلل املنازعات التي تنش� � ��أ بصدد العقود التي يبرمونها بواس� � ��طة
محكمني يقومون بإختيارهم مباشرة أو عن طريق جهات تقوم بذلك وفق نظم
إتفقوا على اللجوء اليها في هذا الش� � ��أن ،فإن التحكيم في وسطه يعد إجراء
يت� � ��م على ه� � ��دى قواعد إتفاقية أو تنظيمية من املق� � ��رر ضرورة إتباعها خالل
مختلف املراح� � ��ل منذ إقامة دعوى التحكيم إلى حني أن تصدر هيئة التحكيم
قراره� � ��ا املنهى للنزاع ،واحملصلة النهائية لذلك كله الوصول إلى قضاء يتمثل
في حكم حتكيمي صادر عن محكمني مفروض أنهم ميسكون مبيزان العدالة،
ولكنهم يفترقون عن قضاة احملاكم املعينني من الدولة في أنه ينقصهم س� � ��يف
التنفيذ بواسطة السلطات العامة ،مبعنى أن احلكم الصادر من هيئة التحكيم
يحتاج في تنفيذه جبراً على الطرف اخلاس� � ��ر يتطل� � ��ب اللجوء حملاكم الدولة
املطل� � ��وب التنفيذ على إقليمه� � ��ا للحصول على أم� � ��ر بالتنفيذ ميكن مبقتضاه
أن يباش� � ��ر الطرف احملكوم لصاحله إج� � ��راءات التنفيذ اجلبري ضد احملكوم
عليه.
وفي ذات الوقت ،فإن هذا األخير يجوز الطعن بطلب إبطاله ألحد األس� � ��باب
املق� � ��ررة وفق � � �اً للنظام املعمول به ف� � ��ي الدولة التي صدر حك� � ��م التحكيم على
إقليمها أو وفقً للقواعد املعمول بها في مجال صحة إتفاق التحكيم وس� �ل��امة
إجراءاته وخلو محصلته من عيب مخالفة النظام العام.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
156
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2وتشجيعاً للتحكيم كأسلوب عصري حلل املنازعات في املعامالت الدولية التي
صارت تتطلب إملاماً واس� � ��عاً باألوضاع القانونية واإلقتصادية الس� � ��ائدة عاملياً،
ال عن اإلجادة للغات املس� � ��تخدمة في مجاالت التجارة واملال واإلس� � ��تثمار، فض ً
وبخاصة اللغة اإلجنليزية الش� � ��ائعة في إبرام العقود واملراسالت بني املتعاقدين
وسائر املتعاملني في األس� � ��واق العاملية ،فقد سعت الدول األعضاء في منظمة
األمم املتح� � ��دة إلى الدعوة ملؤمتر دولي انعقد في مدينة نيويورك عام 1958أو
إنضم� � ��ت إليها الحقاً وصادقت عليها بحيث صارت حالياً مبثابة جزء ال يتجزأ
من نظامها القانوني .وهذه الدول تشمل مختلف الدول العربية بإستثناء ليبيا.
-3وم� � ��ن املس� � ��لم في ظل إتفاقي� � ��ة نيويورك أن مجال تطبي� � ��ق قواعدها ال يتناول
س� � ��وى األحكام التحكيمية الصادرة خارج البالد ،بإعتبار أن هذه وحدها التي
تعد أجنبية وفق � � �اً ملعياري الدولية واألجنبية اللذين أخذت بهما اإلتفاقية في
الفق� � ��رة الثالثة من مادتها األولى عندما نصت على أن تطبيق أحكام اإلتفاقية
تقتص� � ��ر «على اإلعت� � ��راف وتنفيذ أحكام احملكمني الص� � ��ادرة على إقليم دولة
أخرى متعاقدة».
ورغ� � ��م أن إتفاقية نيويورك تنص على خض� � ��وع التنفيذ لقواعد املرافعات في
الدول� � ��ة التي يجري فيها التنفيذ ،فإن املعاهدة في مادتها الرابعة قد فرضت
ش� � ��روطاً جتب مراعاتها من جانب كل ش� � ��خص يطلب اإلعت� � ��راف باحلكم أو
صدور أمر بتنفيذه ،كما أوردت املادة اخلامس� � ��ة بياناً حصرياً باحلاالت التي
جتيز رفض اإلعتراف باحلكم أو حتول دون إصدار أمر بتنفيذه.
-4وجتدر اإلش� � ��ارة إبتداء إلى أنه وفقاً للمادتني الرابعة واخلامس� � ��ة ال يقع عبء
إثبات ما ورد بهاتني املادتني من شروط على طالب األمر بالتنفيذ ،وإمنا ألقت
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
157
التحگيم في العقود اإلداريـة
االتفاقية كأصل عام على الطرف اآلخر عبء إثبات توافر س� � ��بب يبرر رفض
اإلعتراف أو التنفيذ.
فوفقاً للمادة 1/5من اإلتفاقية« ،ال يجوز رفض اإلعتراف وتنفيذ احلكم بناء
على طلب اخلصم الذي يحتج عليه باحلكم إال إذا قدم هذا اخلصم للس� � ��لطة
املختصة ف� � ��ي الدولة املطلوب اإلعتراف أو التنفيذ الدليل على أي من األمور
التالية:
أ -بطالن االتفاق على التحكيم لس� � ��بب من األس� � ��باب التي أوردتها املادة
الثانية من اإلتفاقية (املادة/1/5أ).
ب -وج� � ��ود عيب إجرائي مؤثر ،مثل ع� � ��دم توافر املواجهة بني الطرفني أو
ع� � ��دم اإلعالن إعالناً صحيحاً مما أدى إلى إس� � ��تحالة تقدمي الطرف
املضرور دفاعه (املادة /1/5ب).
ت -أن يكون احلكم قد فصل في نزاع ال يدخل في نطاق ما ورد في إتفاق
التحكيم من أش� � ��خاص أو موضوعات ،مبعنى أن هناك جتاوزاً حلدود
اإلختصاص الشخصي أو املوضوعي لهيئة التحكيم (املادة/1/5ج).
ث -أن يتسم تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءاته بعيب مخالفة إتفاق التحكيم
أو القواعد القانونية الواجبة اإلتباع (املادة/1/5د).
ج -أن يكون حكم التحكيم لم يصبح ملزماً للخصوم في الدولة التي صدر
فيها أو مبوجب قانونها ،أو كان قد ألغى أو أوقف تنفيذه من السلطة
القضائية املختصة في تلك الدولة التي صدر على إقليمها أو مبوجب
قانونها (املادة /5هـ).
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
158
التحگيم في العقود اإلداريـة
-5وإل� � ��ى جانب الدفوع املذك� � ��ورة التي نصت عليها املادة اخلامس� � ��ة والتي يجوز
التمس� � ��ك بها من جانب الطرف صاحب الش� � ��أن ،ف� � ��إن اإلتفاقية قد تضمنت
أحواالً أخرى يكون فيها للمحكمة املرفوع أمامها اإلعتراض على األمر بالتنفيذ
أن ترفض من تلقاء نفسها األمر باإلعتراف أو التنفيذ ،وبيانها كاآلتي:
-إذا كان حكم التحكيم صادراً في مس� � ��ألة تعد من املسائل التي ال يجوز
التحكيم في شأنها وفقاً للنظام القانوني في الدولة املطلوب اإلعتراف
أو األمر بالتنفيذ بواسطة محاكمها (املادة/2/5أ).
-إذا كان حكم التحكيم يتضمن ما يخالف النظام العام أو اآلداب بحسب
املفهوم الس� � ��ائد في النظ� � ��ام القانوني للدولة املطل� � ��وب اإلعتراف أو
التنفيذ بواسطة محاكمها (املادة/2/5ب).
-6وميك� � ��ن أن نوجز أهم املش� � ��كالت التي تثور من الناحي� � ��ة العملية بصدد تنفيذ
أحكام حتكيم صادرة في اخلارج بالتطبيق لقواعد إجرائية مغايرة ملا يس� � ��ود
في النظام القانوني الوطني على النحو التالي:
أوالً :إذا كان حكم التحكيم صادراً بلغة أجنبية واملطلوب األمر بتنفيذه داخل
الدولة ،فإنه يتعني ،ليس فقط إيداع أصل احلكم أو صورة معتمدة منه
ل� � ��دى اجلهة القضائية املختصة بإصدار األمر بالتنفيذ ووضع الصيغة
التنفيذية عليه ( ،)Exequaturوإمنا يجب كذلك أن تودع ترجمة باللغة
العربي� � ��ة يتم التصديق عليها من جهة رس� � ��مية أو من محلفني مرخص
لهم بترجمة الوثائق الرسمية.
ثاني��� ًا :األصل أن األحكام التحكيمية الص� � ��ادرة في اخلارج ال يجوز أن ترفع
في شأنها دعوى بطالن في احلاالت التي جتيز فيها اتفاقية نيويورك
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
159
التحگيم في العقود اإلداريـة
ذلك وباألوضاع املقررة لذلك ،ألن هذا اإلجراء ال يصح اللجوء إليه إال
بالنس� � ��بة لألحكام التحكيمية الصادرة عل� � ��ى إقليم دولة مقر التحكيم،
أي ف� � ��ي البلد الذي أقيمت فيه الدعوى التحكيمية ومت نظرها لنظمها
اإلجرائي� � ��ة الى حني صدور احلكم املراد الطعن فيه توطنه ملنع صدور
امر بتنفيذه.
وقد حدثت في بعض األحي� � ��ان جتاوزات بحيث أقيمت دعاوى بطالن
في صدد أحكام صادرة خارج البالد ،ولكن االجتاه الس� � ��ائد قد إنتهى
إلى عدم جواز ذلك ،إال في حاالت نادرة كما لو كان التحكيم قد تخلف
ركن من أركانه األساس� � ��ية مثل إنعدام األهلية لدى الشخص الطبيعي
احملتكم ض� � ��ده أو أقيمت الدعوى التحكيمية على غير املمثل القانوني
للش� � ��خص اإلعتباري ،أو تعلقت املنازع� � ��ة بأمر ال يصح أن يكون مح ً
ال
للتحكي� � ��م ،أو إنقضت املدة الزمنية التي كان يجب اللجوء إلى التحكيم
خاللها ،أو كان موضوع التحكيم متعلقاً مبس� � ��ائل مخالفة للنظام العام
أو حسن اآلداب.
ثالث ًا :وجتدر اإلشارة إلى أن اجلهة القضائية التي تختص بإصدار األمر أو
رفضه ،تقتصر س� � ��لطتها على مراعاة توافر حالة أو أكثر من احلاالت
التي تبرر عدم األمر بإصدار وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم
الصادر في اخلارج ،أي أنها في وضع مماثل متاماً للوضع الذي تواجه
فيه دعوى بطالن حكم حتكيمي صدر داخل الدولة وبالتطبيق لنظامها
اإلجرائي.
ففي احلالتني ليس جلهة القضاء الوطني أن متد سلطتها لتراجع ما إذا
كانت هيئة التحكيم قد أصابت أو اخطأت في تفسير أو إعمال القانون
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
160
التحگيم في العقود اإلداريـة
الواجب التطبيق من حيث املوضوع أو في استخالص الوقائع حيث أن
قاضي األمر بالتنفيذ مثله مثل قاضي البطالن ليس جهة اس� � ��تئنافية
تنظر حجج وطلبات األطراف وتعيد نظر الدعوى التحكيمية.
وبعب� � ��ارة أخرى ،فاألمر في احلالتني إما أم� � ��ر بتنفيذ احلكم أو رفض
ذلك ،كما في حاالت الطعن بالبطالن ألحد األس� � ��باب التي جاءت بها
إتفاقية نيويورك حيث ال يكون امام القاضي الذي ينظر دعوى البطالن
سوى اخليار بني أحد أمرين:
إما إلغاء أو رفض ذلك ،دون أن يكون له إعادة نظر النزاع لتقييم مدى
سالمة النتائج التي توصل إليها احملكمون.
والف� � ��ارق الوحيد بني األمرين ،أنه في مجال طلب األمر بالتنفيذ ،يقوم
القاض� � ��ي املنظور أمامه هذا الطلب إما بإصدار األمر أو رفضه ،بينما
في حال� � ��ة الطعن بالبطالن ف� � ��إن القاضي يس� � ��تطيع أن يبطل احلكم
التحكيمي بأكمل� � ��ه أو االكتفاء ببطالن جزء منه ،كما يحدث في مصر
بصدد صدور حكم حتكيمي يقرر إس� � ��تحقاق فوائ� � ��د مركبة أو فوائد
تزيد عن احلدود القصوى التي يسمح بها القانون املصري.
رابع��� ًا :وأخي� � ��راً ،فإنه م� � ��ن املالحظ أن إتفاقية نيوي� � ��ورك قد تضمنت قاعدة
مقتضاها أنه إذا ما كان احلكم التحكيمي قد أوقف تنفيذه في الدولة
الت� � ��ي صدر على إقليمها وبالتطبي� � ��ق لقانونها أو قضى بإلغائه في بلد
ص� � ��دوره ،فإن قاضي األمر بالتنفيذ الذي يلجأ إليه الطرف الكاس� � ��ب
للتحكيم في دولة أخرى طاباً األمر بتنفيذه على أموال للطرف اخلاسر
في ذلك البلد يكون له أن يرفض األمر بالتنفيذ.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
161
التحگيم في العقود اإلداريـة
وقد اس� � ��تعمل النص االجنليزي التفاقية نيويورك لفظ ( )Mayوليس
( ،)Shallمما أدى في دولة مثل فرنسا إلى أن يتجه قضاؤها في بعض
القضايا إلى األمر بتنفيذ أحكام حتكيمية كان قد قضى ببطالنها في
الدولة التي صدر على إقليمها احلكم التحكيمي.
ويلقى هذا االجتاه معارضة فقهية وقضائية في غالبية النظم القانونية
األخرى بإعتبار أن� � ��ه إذا ما صدر حكم قضائي في دولة مقر التحكيم
ببط� �ل��ان حكم التحكيم صار مبثابة حكم حتكيمي منعدم ،فكيف ميكن
بعث� � ��ه من جديد في دولة أخ� � ��رى متنحه قوة النفاذ كس� � ��ند ميكن عن
طريق� � ��ه احلجز على أموال الش� � ��خص املعنى املوج� � ��ودة في ذلك البلد
األجنبي.
ويأخذ الفقه والقضاء الفرنس� � ��ي مبنط� � ��ق مغاير ينهض على مقولة أن
ال هائماً في الفضاء
حكم التحكيم متى صدر صار كياناً قانونياً مستق ً
القانوني ال يرتبط بأقليم معني ،مبا في ذلك دولة مقر التحكيم ،وإمنا
ينطلق بنوع من احلياة اخلاصة التي تس� � ��مح بإستقطابه إلعمال أثاره
في أي دولة أخرى يكون للطرف اخلاس� � ��ر على إقليمها من األموال ما
ال للحجز لصالح الطرف الذي كسب التحكيم. يصح أن تكون مح ً
وفي تقديرنا أن هذا املوقف الفرنسي الذي استخدم في قضايا حتكيمية متس
دوالً عربية مثل اجلزائر ومصر معيب وينبو عن جادة الطريق في تفسير وإعمال
القواعد التي أوردتها إتفاقية نيويورك في مفهومها الصحيح.
وعلى خالف املفهوم الذي سمح للقضاء الفرنسي بأن يعيد إلى احلياة أحكاماً
حتكيمي� � ��ة كان قد قرر القضاء الوطني في الدول� � ��ة التي مت التحكيم على إقليمها
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
162
التحگيم في العقود اإلداريـة
وف� � ��ي ظل النظام القانوني املعمول بها كنوع من النظام العام الواجب اإلتباع س� � ��اد
القض� � ��اء التحكيمي في جمهورية مصر العربية وخاصة في قضية تتصل بالتأهيل
الفني لطائرات مروحية للقوات اجلوية.
ولكن للقضية املذكورة ظروفاً خاصة ،حيث أن هيئة التحكيم املشكلة في إطار
غرفة التجارة الدولية إستمرت في نظر القضية التحكيمية على أساس أن التحكيم
في عقود صيانة طائرات مروحية تخضع لقواعد القانون املدني.
وأودع احلك� � ��م املصري رأيه بعدم جواز التحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية وخضوع
عق� � ��ود الدولة لقواعد مغايرة في رأي معارض ( )dissenting opinionأودع ملف
القضية بعد صدور حكم هيئة التحكيم مباالً يشكك في صحة حكم التحكيم وأن
قد ش� � ��ابه عيب يؤدي إلى عدم صحته على عكس ما إنتهت إليه محكمة إستئناف
القاه� � ��رة التي قضت ببطالن حكم التحكيم ملخالفته قاعدة آمرة من النظام العام
جتعل القانون اإلداري وحدة دون غيره هوالقانون الواجب التطبيق إبتداء.
وال يفوتن� � ��ا أن ننوه إل� � ��ى أن إتفاقية نيويورك عندم� � ��ا مت إبرامها عام 1985لم
تكن حينذاك اللغة العربية قد صارت بعد إحدى اللغات الرس� � ��مية لألمم املتحدة،
حيث كللت جهود دولة الكويت بالنجاح عقد ذلك بعدة سنوات ،وبالتالي ،فإن اللغة
العربية ليست إحدى اللغات الرسمية في خصوص معاهدة تنفيذ أحكام التحكيم
األجنبية لعام ،1958مبعنى أن الترجمة املنش� � ��ورة في مكان أو آخر بهذه اللغة ال
يعد نصاً رسمياً ميكن االستناد إليه لترجيح تفسيرها.
هناك دول كثيرة نشرت نص إتفاقية نيويورك في جريدتها الرسمية بواحدة أو
أخرى من اللغات األصلية ،كما فعلت هولندا عندما نشرت النص األصلي باللغتني
اإلجنليزية والفرنسية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
163
التحگيم في العقود اإلداريـة
وملواجه� � ��ة املثال� � ��ب املترتبة على مثل هذا الوضع على فقه� � ��اء العالم العربي أن
يضاعفوا اجلهد وصوالً إلى إعالء فقه قد يعالج مشكالت العالم العربي املعاصر
ويضع حدا ملثل هذه املشكالت.
167
التحگيم في العقود اإلداريـة
مقدمة
«نب���ذة تاريخي���ة ع���ن تطور القض���اء اإلداري ف���ي األردن واختصاص���ات محكمة
العدل العليا سابق ًا ومن بعدها احملكمة اإلدارية».
ال بُد من إضاءة س� � ��ريعة على تطور القضاء اإلداري في األردن حيث أنه وقبل
إنش� � ��اء الدولة األردنية كانت املنطقة خاضعة للحكم العثماني الذي كان في عهده
القض� � ��اء موحداً تتولى في� � ��ه احملاكم العادية الفصل في كاف� � ��ة النزاعات مبا فيها
الدعاوى التي تقيمها احلكومة أو التي تقام عليها ،وفي عهد االنتداب البريطاني
عل� � ��ى األردن أبقى االنتداب على األنظمة التي كانت س� � ��ائدة إبان احلكم العثماني
إلى أن صدر القانون األساسي إلمارة شرق األردن لعام 1928الذي نظم السلطة
القضائي� � ��ة في األردن وح� � ��دد أنواع احملاك� � ��م باملدنية والديني� � ��ة واخلاصة وحدد
اختصاصاتها لتش� � ��مل املنازعات اخلاصة بجميع األش� � ��خاص في اإلمارة مبا في
ذلك الدعاوى التي تقيمها احلكومة أو تقام عليها.
وبقي هذا الوضع س� � ��ائداً حتى اندماج الضفتني الغربية والشرقية لنهر األردن
في دولة واحدة عام ( 1950اململكة األردنية الهاشمية) وبدأت مرحلة جديدة كان
م� � ��ن نتائجها وجود نظام قضائي جديد ف� � ��ي اململكة كان من أبرز مظاهره إصدار
الدس� � ��تور األردني لعام 1952والذي جاء فيه إعطاء الصالحية للمش� � ��رع إصدار
قانون خاص بإنشاء محكمة عدل عليا وبناء على ذلك صدر قانون تشكيل احملاكم
النظامية رقم 26لس� � ��نة 1952املنش� � ��ور على الصفحة رق� � ��م 159من ملحق عدد
اجلريدة الرس� � ��مية رقم 1104الص� � ��ادر بتاريخ 1952/4/8ال� � ��ذي أكد في املادة
3/10منه على اختصاص محكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا وتختص في
الطعون اخلاصة بانتخاب املجالس البلدية واحمللية واإلدارية واملنازعات اخلاصة
مبرتبات التقاعد املستحقة للموظفني العموميني ورثتهم والطلبات التي يقدمها ذوو
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
168
التحگيم في العقود اإلداريـة
الش� � ��أن بالطعن بالقرارات اإلدارية النهائية الصادرة بالتعيني بالوظائف العامة أو
مبنح الزيادات السنوية والطلبات التي يقدمها املوظفني العموميني بإلغاء القرارات
النهائية للس� � ��لطات التأديبية والطلبات بإلغاء قرارات فصل املوظفني بصورة غير
قانونية على أن يكون سبب الطعن عدم االختصاص أو مخالفة القوانني واألنظمة
أو اخلطأ في تطبيقها أو إس� � ��اءة استعمال السلطة ويكون في حكم القرار اإلداري
امتناع السلطة أو رفضها اتخاذ أي قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وقد طبقت
محكم� � ��ة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا قواعد القانون اإلداري على املنازعات
اإلدارية التي كانت تعرض عليها.
إال أن هذا القانون لم يستجب للنص الدستوري املشار إليها سابقاً الذي قضى
بإنشاء محكمة عدل عليا وفي عام 1989صدر قانون محكمة العدل العليا املؤقت
رقم 11لس� � ��نة 1989والذي نص على إنشاء محكمة العدل العليا كمحكمة قضاء
إداري مس� � ��تقلة عن احملاكم النظامية وجعل لها تش� � ��كيلها اخلاص واختصاصتها
احمل� � ��ددة في مجال املنازع� � ��ات اإلدارية ونصت املادة 9م� � ��ن قانون محكمة العدل
العليا املشار إليه على اختصاصات احملكمة على سبيل احلصر وهي:
أ -م���ع مراع���اة أحكام الفقرة (ب) من هذه امل���ادة وأحكام املادتني ( 10و )11من
هذا القانون:
تخت� � ��ص محكمة الع� � ��دل العليا دون غيرها بالنظ� � ��ر والقضاء في الدعاوى
املتعلقة باألمور التالية:
-1الطع� � ��ون اخلاصة بانتخاب املجالس البلدية واإلدارية وغرف الصناعة
والتجارة واجلمعيات وال تش� � ��مل هذه الصالحية اإلجراءات الس� � ��ابقة
لعملية االقتراع أو املمهدة لها.
169
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2الطعون التي يقدمها ذو الش� � ��أن في القرارات اإلدارية النهائية املتعلقة
بالتعيني ف� � ��ي الوظائف العامة أو مبنح الزيادات الس� � ��نوية للموظفني
العامني.
-3طلب� � ��ات املوظفني العامني بإلغاء الق� � ��رارات اإلدارية النهائية الصادرة
بفصلهم من وظائفهم بغير الطريق القانوني.
-4طلب� � ��ات املوظفني العامني بإلغاء الق� � ��رارات اإلدارية النهائية الصادرة
بفصلهم من وظائفهم بغير الطريق القانوني.
-5املنازعات املتعلقة برواتب التقاعد املستحقة للمتقاعدين من املوظفني
العامني أو لورثتهم.
-6الدع� � ��اوى الت� � ��ي يقدمها األف� � ��راد والهيئات بإلغاء الق� � ��رارات اإلدارية
النهائية.
-7الدع� � ��وى بإبطال أي ق� � ��رار صادر مبوجب نظام يخالف الدس� � ��تور أو
القانون بناء على طلب املتضرر.
-8املنازع� � ��ات واملس� � ��ائل التي تعتبر من اختصاص محكم� � ��ة العدل العليا
مبوجب أي قانون آخر.
ب -ال يقب���ل الطع���ن ل���دى محكمة الع���دل العليا في أي ق���رار يتعلق بعمل من
أعمال السيادة.
وبإنشاء محكمة العدل العليا مت فتح أفاق رحمه أمام القضاء اإلداري األردني
إلرسال قواعد إدارية وتكريس مبادىء حماية حقوق وحريات األفراد في مواجهة
السلطة اإلدارية.
171
التحگيم في العقود اإلداريـة
-5املنازعات اخلاصة بالرواتب والعالوات واحلقوق التقاعدية املستحقة
للموظفني العموميني أو املتقاعدين منهم أو لورثتهم.
-6الطعون التي يقدمها أي متضرر بطلب إلغاء أي قرار أو إجراء مبوجب
أي قانون يخالف الدستور أو أي نظام يخالف الدستور أو القانون.
-7الطع� � ��ون التي يقدمها أي متضرر بطلب وقف العمل بإحكام أي قانون
مؤقت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدستور.
-8الطعون واملنازعات واملسائل التي تعتبر من اختصاص احملكمة مبوجب
أي قانون آخر.
-9الدع� � ��اوى الت� � ��ي يقدمها األف� � ��راد والهيئات بإلغاء الق� � ��رارات اإلدارية
النهائية.
-10الطعن في أي قرار إداري نهائي حتى لو كان محصناً بالقانون الصادر
مبقتضاه.
-11الطعن في أي قرارات نهائية صادرة عن جهات إدارية ذات اختصاص
قضائي فيما عدا القرارات الصادرة عن هيئات التوفيق والتحكيم في
منازعات العمل.
ب -تخت���ص احملكمة في طلب���ات التعويض عن القرارات واالجراءات املنصوص
عليها الفقرة (أ) السابقة من املادة رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية.
ج :1 -ال تخت� � ��ص محكمة العدل العليا بالنظ� � ��ر في الطلبات أو الطعون املتعلقة
بإعمال السيادة.
:2ال تقبل الدعوى املقدمة من أشخاص ليست لهم مصلحة شخصية.
173
التحگيم في العقود اإلداريـة
-4طعون املوظفني العموميني املتعلقة بإلغاء القرارات النهائية الصادرة بحقهم
من السلطات التأديبية.
-5الطعون اخلاصة بالرواتب والعالوات واملكافآت والزيادات السنوية واحلقوق
التقاعدية املس� � ��تحقة للموظفني العموميني أو للمتقاعدين منهم أو لورثتهم
مبوجب التشريعات النافذة.
-6الطع� � ��ون التي يقدمها أي متضرر لطلب إلغاء أي نظام أو تعليمات أو قرار
واملستندة إلى مخالفة النظام للقانون الصادر مبقتضاه أو مخالفة التعليمات
للقانون أو للنظام الصادرة مبقتضاه أو مخالفة القرار للقانون أو النظام أو
التعليمات التي صدر باالستناد إليها.
-7الطعون التي يقدمها أي متضرر بإلغاء القرارات اإلدارية النهائية ولو كانت
محصنة بالقانون الصادر مبقتضاه.
-8الطعون ف� � ��ي أي قرارات نهائية صادرة عن جه� � ��ات إدارية ذات اختصاص
قضائ� � ��ي فيما عدا الق� � ��رارات الصادرة عن هيئ� � ��ات التوفيق والتحكيم في
منازعات العمل.
-9الطع� � ��ون الت� � ��ي تعتبر من اختص� � ��اص احملكمة اإلدارية مبوج� � ��ب أي قانون
آخر.
وتخت� � ��ص بالنظر في طلبات التعويض عن األض� � ��رار الالحقة نتيجة القرارات
واإلج� � ��راءات إذا رفعت إليها تبعاً لدع� � ��وى إللغاء ،كما تختص بالنظر في الطلبات
املتعلقة باألمور املس� � ��تعجلة التي تقدم إليها بشأن الطعون والدعاوى الداخلة في
اختصاصه� � ��ا مبا في ذلك وقف تنفيذ القرار املطعون فيه مؤقتاً إذا رأت أن نتائج
إعداد
عبداإلله حنني
مستشار مبحكمة النقض
العلمي الثالث
الملتقـى
177
التحگيم في العقود اإلداريـة
أشكال اتفاق التحكيم
(شرط التحكيم ومشارطة التحكيم)
يعتبر التحكيم أداة هامة لفض النزاعات وتس� � ��ويتها من قبل محكم أو محكمني
يتفق األطراف على توليتهم مهمة الفصل في خالفاتهم القائمة أو املستقبلية ،وهو
بذلك له صبغة اتفاقية من جهة ووظيفة قضائية من جهة أخرى ،مما يجعله يتميز
بالتراضي ف� � ��ي مرحلة االنعقاد واإللزام في مرحل� � ��ة التنفيذ ،ويتخذ هذا االتفاق
التحكيمي أحد شكلني ،فهو إما عقد للتحكيم Le compromisوهو الوثيقة التي
يتف� � ��ق األطراف مبوجبها على عرض النزاعات الت� � ��ي حدثت بينهم على محكم أو
محكمني.
كما ميكن أن يتخذ شكل شرط للتحكيم la clause compromissionإذ يتفق
أطراف العقد األصلي على عرض ما قد ينش� � ��أ بينهم من نزاع حول تفس� � ��ير هذا
العقد أو تنفيذه على محكمني للفصل فيه.
فعقد التحكيم يأتي إذن الحقاً حلدوث النزاع بني املتعاقدين ،يتفقان مبقتضاه
على حل نزاعهما القائم بواس� � ��طة التحكيم ،وهو ما يطلق عليه الفقه مبش� � ��ارطة
التحكيم ،خالف شرط التحكيم الذي يشكل شرط أو بند في العقد األصلي.
هذا ولقد تأثر املش� � ��رع بهذا التمييز الفقهي فنص مبقتضى الفقرة الثانية من
الفصل 307من قانون املس� � ��طرة املدنية كما وقع تعديله وتتميمه مبوجب القانون
رق� � ��م 08-05صراحة عل� � ��ى أن «اتفاق التحكيم هو الت� � ��زام األطراف باللجوء إلى
التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن عالقة قانونية معينة تعاقدية أو غير
تعاقدية .يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد حتكيم أو شرط حتكيم».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
178
التحگيم في العقود اإلداريـة
ولدراس� � ��ة موضوع ش� � ��رط التحكيم ومش� � ��ارطة التحكيم ارتأين� � ��ا التعرض أوال
لألركان ال� �ل��ازم توافرها إلبرامهم� � ��ا ،ثم نقارن بينهما من خ� �ل��ال التطرق ألوجه
اتفاقهما وأوجه اختالفهما.
ً
أوال :األركان الالزمة النعقاد االتفاق على التحكيم:
لقيام االتفاق على التحكيم التجاري صحيحاً سواء ورد في شكل شرط حتكيمي
أم في شكل مشارطة للتحكيم يلزم توفر األركان التالية:
-1األهلية:
نص الفصل 308من قانون املسطرة املدنية على أنه:
«يج� � ��وز جلميع األش� � ��خاص من ذوي األهلية الكاملة س� � ��واء كان� � ��وا طبيعيني أو
معنوي� �ي��ن أن يبرموا اتفاق التحكي� � ��م في احلقوق التي ميلكون حرية التصرف فيها
ضمن احلدود ووفق اإلجراءات واملساطر املنصوص في هذا الباب ،»...وعلى هذا
األساس ،فاألشخاص الذين ال تتوفر لديهم هذه األهلية كالقصر واحملجور عليهم
ليسوا أهال إلبرام اتفاقات التحكيم.
ف� � ��إذا ما أب� � ��رم أحدهم اتفاقا من هذا القبيل كان االتف� � ��اق باط ً
ال ،كما ال يجوز
للوكيل بغير إذن خاص إبرام هذا العقد.
-2الكتابة:
استوجب املشرع مبقتضى الفصلني 313و 317من قانون املسطرة املدنية لصحة
االتفاق على اللجوء للتحكيم -س� � ��واء تتعلق األمر بش� � ��رط حتكيمي أم مبش� � ��ارطة
التحكيم -أن يصاغ في شكل محرر مكتوب ،غير أن املشرع لم يلزم الطرفني بشكل
محدد للكتابة ،وإمنا أجاز لهما إبرام اتفاقهما إما في شكل عقد رسمي أو عرفي
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
179
التحگيم في العقود اإلداريـة
أو مبحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية املختارة نفسها أو في أي وثيقة موقعة من
الطرفني أو في رس� � ��ائلهما املتبادلة أو أي وسيلة اتصال أخرى من شأنها أن تفيد
اتفاقهم� � ��ا كتابة على اللج� � ��وء للتحكيم ،وبذلك ال يقع صحيحاً االتفاق على اللجوء
للتحكيم دون ورود ذلك كتابة ،فالكتابة تعتبر ركناً النعقاد االتفاق وليس� � ��ت مجرد
شرط لإلثبات.
-3الرضا:
إن اتفاق التحكيم ش� � ��أنه شأن كافة العقود البد إلبرامه من اجتاه إرادة طرفيه
إل� � ��ى ع� � ��رض نزاعهما القائم أو املس� � ��تقبلي على التحكيم ،وأن تك� � ��ون تلك اإلرادة
سليمة وخالية من عيوب الرضا.
-4أن يكون موضوع النزاع مما يجوز الفصل فيه بالتحكيم.
ليقع االتفاق على اللج� � ��وء للتحكيم صحيحاً يجب أن ينصب اتفاق التحكيم أو
مشارطة التحكيم على موضوع ال يحظر القانون إجراء التحكيم بشأنه.
فبالرجوع إلى مقتضيات قانون املس� � ��طرة املدني� � ��ة ذات الصلة كما وقع تعديله
وتتميم� � ��ه مبقتضى القانون رقم ،08-05جند أن املش� � ��رع منع مبقتضى الفصلني
309و 310منه االتفاق على إجراء التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة
األشخاص وأهليتهم أو احلقوق الشخصية التي تكون موضوع جتارة وكذا النزاعات
املتعلقة بالتصرف� � ��ات األحادية للدولة أو اجلماعات احمللية أو غيرها من الهيئات
املتمتعة باختصاصات الس� � ��لطة العمومية ،علماً أنه بالنسبة لهذا النوع األخير من
التصرفات أجاز (املش� � ��رع) االتفاق على إجراء التحكيم لتس� � ��وية النزاعات املالية
الناجتة عنها ما عدا ما يتعلق منها بتطبيق القانون اجلنائي.
181
التحگيم في العقود اإلداريـة
بل إن ملش� � ��رع املغربي شأنه في ذلك شأن بعض التشريعات العربية األخرى
(املصري والعماني) نص على ذلك صراحة ،إذ اس� � ��توجب مبقتضى الفصل
315من قانون املس� � ��طرة املدنية تضمني عقد التحكيم (مشارطة التحكيم)
حت� � ��ت طائلة البطالن موضوع النزاع وتعيني الهيئة التحكيمية أو التنصيص
على طريقة تعيينها.
خالف شرط التحكيم الذي لم يستلزم سوى تضمينه تعيني الهيئة التحكيمية
أو بينان كيفية تعيينها (الفصل 317من قانون املسطرة املدنية).
علماً أن ما فرضه املش� � ��رع من بيان للنزاع موض� � ��وع اتفاق التحكيم ال يعني
بالضرورة اإلش� � ��ارة بدقة إلى كاف� � ��ة تفاصيله ،وإمنا يكفي لتحقق ذلك فقط
اإلشارة للنقط موضوع خالف الطرفني بكيفية مجملة.
هذا وجتب اإلشارة هنا إلى أنه يعتبر من قبيل شرط التحكيم كذلك االتفاق
الالحق على إبرام العقد بإحالة النزاعات التي ستنجم عن تنفيذ ذلك العقد
إلى التحكيم ،والذي يتم إبرامه قبل وقوع أي من تلك النزاعات ،لكونه يتعلق
دائماً بنزاع مستقبلي.
وقد يحث كذلك أن يكون هناك ش� � ��رط حتكيمي منصوصاً عليه بصلب العقد
األصل� � ��ي أو بعقد الحق مبرم قبل حدوث نش� � ��وب الن� � ��زاع ،غير أن الطرفني يبرما
بع� � ��د وقوع النزاع ،اس� � ��تناداً لذلك الش� � ��رط التحكيمي اتفاقاً آخر يتعلق بتس� � ��وية
النزاع حتكيمياً ،يحددا مبقتضاه طبيعة النزاع ،أو مدة التحكيم أو يعينا فيه هيئة
التحكيم ،ففي هذه احلالة ال نكون أمام مش� � ��ارطة التحكيم ،وإمنا أمام اتفاق آخر
ال مجبران على إبرامه لتفعيل الشرط التحكيمي األول. للتحكيم لم يكونا أص ً
183
التحگيم في العقود اإلداريـة
-ثم إنه س� � ��واء أكنا أمام ش� � ��رط حتكيمي أم مش� � ��ارطة للتحكيم ،فإنه بصرف
النظ� � ��ر عما إن تعل� � ��ق األمر بتحكيم داخلي أم دول� � ��ي ،فإن األمر يفضي في
كل األحوال في النهاية إل� � ��ى عرض النزاع على التحكيم ،فيصدر احملكم أو
ال في موضوع احملكمني ،بعد دراس� � ��ة النزاع ومناقشته حكماً حتكيمياً فاص ً
النزاع ،ليس مس� � ��تمداً فقط من عق� � ��د التحكيم وحده ،وإمنا أيضاً من إرادة
املشرع التي تعترف به وجتعل له حجية األمر املقضي ،إذ أنه يكون في شكل
حكم قضائي ،ينط� � ��وي على احليثيات واملنطوق ويص� � ��در باألغلبية ،فيكون
اعتباراً لذلك ملزماً ألطراف اخلصومة التحكيمية ،ما دام أنه لم يتجاوز أو
يخالف نصوص االتفاق الذي أعطى للمحكمني والية الفصل ،كما أنه يتمتع
ا للطعن فيه إال للبطالن بالصف� � ��ة النهائية لكونه منه للنزاع وال يكون قاب� �ل � ً
وألس� � ��باب محددة ،وبذلك فتنفيذه من قبل األطراف قد يتم طواعية إن هم
رضوا به ،وإال فيلجأ احملكوم له ملسطرة تذيله بالصيغة التنفيذية ،ليكتسب
بذل� � ��ك القوة التنفيذية من لذن اجلهة القضائية املختصة وفق ما تقضي به
اتفاقية نيويورك لس� � ��نة 1958املعلقة باالعتراف بقرارات التحكيم األجنبية
وتنفيذها وكذا الفصلني 26-327و 46-327من قانون املسطرة املدنية.
-وأخيراً فإن تصريح احملكمة ببطالن إجراءات التحكيم مبناسبة نظرها الطعن
السالف الذكر ال يترتب عنه بطالن سند التحكيم سواء أكان شرطاً حتكيمياً
أو مشارطة للتحكيم الستقالل االتفاق املذكور عن إجراءات التحكيم.
صفوة القول يترتب عن االتفاق على إحالة النزاع إلى التحكيم سواء أمت مبقتضى
ش� � ��رط حتكيمي أم مبشارطة للتحكيم نزع صالحية الفصل في النزاع من القضاء
الرس� � ��مي للدولة لفائ� � ��دة الهيئة التحكيمية ،التي مع ذلك تظل خاضعة ملس� � ��اعدة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
184
التحگيم في العقود اإلداريـة
القضاء أحياناً ومراقبته أحياناً أخرى ،وذلك من خالل تدخله إما لتعيني احملكمني
كلما اقتضى األمر ذلك أو إلكساء احلكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية أو ملراقبة
عمل احملكمني ولو في حدود ضيقة من خالل الفصل في دعوى بطالن إجراءات
التحكيم التي ميارس� � ��ها الطرف املتضرر استناداً إلى األسباب التي أوردها املشرع
على سبيل احلصر مبقتضى الفصل 36-327من القانون املسطرة املدنية.
187
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم في املنازعات اإلدارية
في دولة الگويت
املقدمة
التحكيم أحد الوسائل البديلة حلل املنازعات وهو آلية خاصة تهدف إلى تسوية
منازع� � ��ات األفراد ،وحتقيق نوع من العدالة اخلاصة املتحررة من أغالل إجراءات
وقواعد قوانني املرافعات يسمو فيه مبدأ سلطان اإلرادة ،قد تنوعت أمناطه فإما
أن يك� � ��ون عن طري� � ��ق اللجوء إلى التحكيم احلر الذي يخت� � ��ار فيه اخلصوم محكم
أو أكثر ،وإما أن يلجأ ذوو الش� � ��أن إلى التحكيم املؤسس� � ��ي عن طريق مؤسس� � ��ات
ومنظم� � ��ات دائمة للتحكيم ،وقد توس� � ��عت عملية التحكيم بتوس� � ��ع التجارة العاملية
وزيادة نشاطها توسعها.
وفي دولة الكويت ،وبسبب ازدهار احلياة االقتصادية وتزايد معدالت املعامالت
التجاري� � ��ة برزت قوانني عدة لتنظيم التحكيم جلها في املجال التجاري أما بش� � ��أن
ميدان املنازعات اإلدارية فاملشهد يظهر لنا أن التحكيم غير مرغوب فيه وال مرب
به وسنبني ذلك الحقاً ونشير في هذا اخلصوص أن:
في ع� � ��ام 1971صدر القانون رق� � ��م ( )3الذي ينظم التحكيم بني املؤسس� � ��ات
والهيئ� � ��ات في دول� � ��ة الكويت وهذا القانون عبارة عن تعدي� � ��ل طرأ على أول قانون
للمرافعات في دولة الكويت وكان برقم 6لسنة ،1960وأجاز في املادة 264مكرر
اشتراك قضاه في هيئات التحكيم.
وأف� � ��رد قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم 38لس� � ��نة 1981للتحكيم الباب
الثاني عشر منه املواد من 173حتى .188
ونصت املادة ( )1/15من قانون إنش� � ��اء الدائرة اإلدارية رقم 1981/20املعدل
بالقانون رقم 61لس� � ��نة 1982على أن «فيما عدا ما نص عليه .في هذا القانون،
يس� � ��ري على الدعاوى املنصوص عليها فيه ،واألحكام الصادرة فيها ،وطرق الطعن
في هذه األحكام القواعد واإلجراءات املنصوص عليها في قانون املرافعات املدنية
والتجارية».
وبتاري� � ��خ 1995/12/19صدر القانون رقم 11لس� � ��نة 1995بش� � ��أن التحكيم
القضائي.
وقد انضمت دولة الكويت إلى العديد من االتفاقيات الدولية املتعلقة بالتحكيم،
وصدرت بش� � ��أنها قوانني ومراس� � ��يم أميري� � ��ه أضحت مبوجبها لبن� � ��ات في البناء
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
189
التحگيم في العقود اإلداريـة
القانون� � ��ي للدولة ،ولعل أهمها اتفاقية نيويورك لس� � ��نة 1958اخلاصة باالعتراف
وتنفيذ أح� � ��كام التحكيم األجنبية وفق � � �اً للقانون رقم 10لس� � ��نة 1978باإلضافة
إلى اتفاقية جامعة ال� � ��دول العربية واتفاقية مركز التحكيم التجاري لدول مجلس
التعاون اخلليجي وأنش� � ��أت بعض مراكز التحكيم املؤسس� � ��ي منها في غرفة جتارة
وصناعة الكويت ،وجمعية املهندسني الكويتية ،وجمعية احملاميني الكويتية.
موقف الفقه من مدى جواز التحكيم في العقود اإلدارية.
تباين� � ��ت توجهات الفقه حول هذه املس� � ��ألة وذهب البع� � ��ض إلى عدم جواز ذلك
باس� � ��تثناء احلقوق املالية الناشئة عن العقود اإلدارية ( )1في حني ذهب جانب آخر
إلى التشكيك في دس� � ��تورية التحكيم في العقود اإلدارية ،ومرد ذلك يجد أساسه
في املادة ( )169من الدستور الكويتي التي نصت على أن:
«ينظم القانون الفصل في اخلصومات اإلدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة
يبني القانون نظامها وكيفية ممارستها للقضاء اإلداري شام ً
ال والية اإللغاء ووالية
التعويض بالنسبة للقرارات اإلدارية املخالفة للقانون» وبالتالي لم يفوض الدستور
املش� � ��رع العادي في وضع نصوص حتد أو تنتقص شيئاً من الوالية الكاملة للدائرة
اإلدارية بالنظر في املنازعات اإلدارية على إطالقها دون تقييد أو استثناء ،وإمنا
جعل مهمة املش� � ��رع قاصرة على إنش� � ��اء هذه الدائرة ،ومن ثم ال يجوز للمشرع أن
يتعدى حدوده التي رس� � ��مها له الدستور ،ويذهب إلى حد تقييد اختصاص الدائرة
اإلدارية الذي أطلقه الدس� � ��تور أو إخراج بعض املنازعات الداخلة في اختصاصها
إلى جهة أخرى قضائية أو غير قضائية ( )2أما بشأن ما نص عليه القانون رقم 11
( )1د .عزمي عبدالفتاح ،قانون التحكيم الكويتي ،مطبوعات جامعة الكويت « »1990ص.8
( )2د .عثمان عبدامللك والية الدائرة اإلدارة في نظر طعون املوظفني ،بحث منشور في كلية احلقوق ،جامعة
الكويت ،السنة العاشرة ،العدد الرابع ص.7
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
190
التحگيم في العقود اإلداريـة
لس� � ��نة 1995في شأن التحكيم القضائي فهناك رأي يرى أن املشرع الكويتي أجاز
صراحة للجهات اإلدارية اللجوء إلى التحكيم في املنازعات التي تكون طرفاً فيها
بل أوجب عليها ذلك في األحوال التي يقدم فيها األفراد أو األشخاص االعتبارية
اخلاصة طلب لهيئة التحكيم القضائي ألجل حسم النزاع الذي نشب بينهم.
وترتيباً على ذلك ال يصح قياس القانون الكويتي على القانون الفرنس� � ��ي الذي
ال يجيز جلوء الدولة أو أشخاص القانون العام إلى التحكيم في غير احلاالت التي
يوجد فيها نص تش� � ��ريعي خاص يجيز اللجوء للتحكيم بصدد نوع معني من أنواع
املنازعات(.)1
موقف القضاء الكويتي من مدى جواز التحكيم في العقود اإلدارية.
متي� � ��ل محكمة التميي� � ��ز الكويتية إلى رفض ومنع التحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية
وأشارت في حكمها الصادر بتاريخ 1989/11/26إلى أن من املقرر أن «اختصاص
القض� � ��اء اإلداري بالعق� � ��ود اإلدارية مرجعه ما تتضمنه م� � ��ن روابط «هي مجاالت
القان� � ��ون العام ،وليس كل عقد تبرمه اإلدارة هو عقد إداري يخضع لذلك القانون
مبا مقتضاه أن يقتصر اختصاص القضاء اإلداري على املنازعات املتعلقة بالعقود
اإلداري� � ��ة باملعنى الفني ،وإذ عقدت املادة الثانية من القانون رقم 20لس� � ��نة 1981
للدائرة اإلدارية وحدها االختصاص بنظر املنازعات التي تنشأ بني اجلهات اإلدارية
واملتعاقد اآلخر في «عقود االلتزام واالش� � ��غال العامة والتوريد ،أو أي عقد إداري
آخ� � ��ر» فيكون البني من أن تعداد تلك العقود بالنص س� � ��الف الذكر إمنا جاء على
سبيل املثال ال احلصر باعتبارها من أهم العقود اإلدارية املسماة ،ومن ثم ال يكون
( )1د .يس� � ��ري العصار ،التحكيم في املنازعات اإلدارية العقدي� � ��ة وغير العقدية دار النهضة العربية22010 ،
ص.145
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
191
التحگيم في العقود اإلداريـة
اختص� � ��اص الدائرة اإلدارية مقصوراً على تل� � ��ك العقود بل ميتد إلى جميع العقود
اإلدارية بطبيعتها ووفق � � �اً خلصائصها الطبيعية ال بتحديد القانون أو وفقاً إلدارة
الطرف� �ي��ن( )1وقضت محكمة التمييز الكويتية في حكم آخر لها أن «املنازعات التي
تختص هيئة التحكيم بالفصل فيها طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 11لس� � ��نة
1995بشأن التحكيم القضائي في املواد املدنية والتجارية وعلى ما هو مقرر هي
املنازعات املدنية والتجارية التي صدر بشأن التحكيم فيها ،ومن ثم فال اختصاص
له� � ��ا بالفصل في املنازعات اإلدارية مما تخت� � ��ص الدائرة اإلدارية باحملكمة الكلية
بوالي� � ��ة الفصل فيها وحده� � ��ا دون غيرها إلغاء وتعويضاً عم� �ل � ً
ا باملادة الثانية من
القانون رقم 20لسنة 1981املعدل بالقانون 61لسنة .)2(1982
ونشير في هذا الصدد إلى احلكم الذي قررت فيه محكمة التمييز الكويتية أن
«م� � ��ن مقومات العقود اإلدارية أن لها طبيعة خاص� � ��ة بالنظر ملا ميثله طرفاها من
مصال� � ��ح غير متعادلة ،حيث تنوب اإلدارة فيها ع� � ��ن املصلحة العامة ويحق لها أن
تضمنها من اجلزاءات اإلدارية غير املألوفة في عقود القانون اخلاص ما تستهدف
به تأمني س� � ��ير املرافق العامة وتأمني حسن س� � ��يرها بانتظام واضطراد ،ويقصر
حمل املتعاقد اآلخر على احترام ش� � ��روط العقد ،وب� � ��ذل العناية وتوخي الدقة في
تنفيذها فإنه سواء بالنظر إلى أطراف العقد أو غايته أو شروطه تكون قد توافرت
ل� � ��ه مقومات العقد اإلداري ،ومن ثم ال تختص هيئة التحكيم التي أصدرت احلكم
املطعون فيه بالفصل فيما نش� � ��أ عن تنفيذه يب� �ي��ن املتعاقدين فيه من خالفات من
( )1الطعن رقم 122لس� � ��نة 1988جتاري إداري ،جلس� � ��ة 1989/11/23مجلة القضاء والقانون الس� � ��نة ،17
العدد األول ص.71
( )2الطعن رقم 51لس� � ��نة 1997جتاري إداري 2/جلس� � ��ة 1998/3/15منشور في موسوعة القضاء اإلداري
الكويتي الكتاب األول اجلزء األول املستشاران (ناصر معالوي ،جمال اجلالوي) طبعة ،2015ص.445
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
192
التحگيم في العقود اإلداريـة
مثل النزاع املثار بينهما حول خطاب الضمان وإمنا -وعلى ما جرى به قضاء هذه
احملكمة -تكون والية الفصل فيه للدائرة اإلدارية باحملكمة الكلية املنشأة بالقانون
رقم 21لسنة 1981املعدل وحدها دون غيرها(.)1
واملس� � ��تفاد مما تق� � ��دم أن توجه محكم� � ��ة التمييز الكويتية مس� � ��تقر على عدم
اختصاص هيئ� � ��ات التحكيم والئياً بنظر املنازعات الناش� � ��ئة عن العقود اإلدارية،
واختص� � ��اص الدوائر اإلدارية وحدها ودون غيرها عم ً
ال بقانون إنش� � ��ائها رقم 20
لسنة 1981املعدل.
تقدير مدى جواز التحكيم في العقود اإلدارية في دولة الكويت.
وق� � ��د نصت املادة ( )554من القانون املدني الكويتي رقم 67لس� � ��نة 1980في
فصل� � ��ه اخلامس املخصص لباب الصلح أنه «ال يجوز الصلح في املس� � ��ائل املتعلقة
بالنظام العام ،ولكن يجوز على احلقوق املالية املترتبة عليها».
( )1الطعن رقم 431لس� � ��نة 1999جتاري إداري جلس� � ��ة ،2000/3/5منش� � ��ور في موسوعة القضاء اإلداري
الكويتي املرجع السابق ،ص.455
193
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومن جانب آخر :نص املرس� � ��وم األميري بقانون تنظيم القضاء رقم 19لس� � ��نة
1959عل� � ��ى عدم ج� � ��واز الغاء األمر اإلداري وأجاز التعوي� � ��ض عنه وكانت الدوائر
التجارية تتصدى للعقود اإلدارية وبصدور الدس� � ��تور الكويتي عام 1963أفرد بابه
اخلامس للس� � ��لطة القضائية ،ونقل املشرع الدستوري للمشرع العادي االختصاص
ف� � ��ي تنظيم الفصل في املنازعات اإلدارية وخيرة بني ثالثة س� � ��بل ،ال يجوز اللجوء
لغيرها في أي نزاع إداري وهذه الطرق الثالثة هي:
غرفة أو دائرة في كنف النظام القضائي املوحد وهذا ما اختاره املشرع العادي
مبقتضى القانون رقم 20لس� � ��نة 1981بإنش� � ��اء دائرة إداري� � ��ة في احملكمة الكلية
املعدل بالقانون رقم 61لس� � ��نة 1982أو محكم� � ��ة قضاء إداري كما هو احلال في
مصر قبل إنشاء مجلس الدولة.
واخلياران الس� � ��ابقني كانا مبقتضى املادة ( )169من الدستور أما املادة ()171
فقد أجازت إنشاء مجلس دولة كجهة مستقلة عن القضاء العادي.
واملستفاد مما تقدم أن املشرع الدستوري احتكر الفصل في املنازعات اإلدارية
عن طريق الوس� � ��ائل الثالثة السابقة ،ولم يفوض املشرع العادي بابتداع أي أسلوب
آخر مبا في ذلك التحكيم بأنواعه وهذا ما تبناه أستاذنا الدكتور عثمان عبد امللك
وفقاً ملا سلف ذكره ونورد دعماً ملا تقدم أن القانون رقم 116لسنة 1992في شأن
التنظي� � ��م اإلداري وحتديد االختصاصات والتفوي� � ��ض فيها وضع في مجمل مواده
شروطاً للتفويض أخصها ما نستخلصه من املادة األولى أنه يلزم توافر نص يأذن
أو يس� � ��مح بالتفويض والتش� � ��ريعات في دولة الكويت خاويه على عروشها من نص
ي� � ��أذن ألي وزير بالتصالح في أي نزاع محله أم� � ��وال اخلزينة العامة وانطالقاً من
هذه احلجه نؤكد على انطباق املادة ( )554من القانون املدني التي حتظر الصلح
في املسائل املاسة بالنظام العام.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
194
التحگيم في العقود اإلداريـة
وال ينال من ذلك ما ورد في قانون التحكيم القضائي رقم 11لسنة 1995الفقرة
الثاني� � ��ة من مادته الثانية التي نصت على أن «تخت� � ��ص هيئة التحكيم دون غيرها
بالفصل في املنازعات التي تقوم بني الوزارات أو اجلهات احلكومية أو األشخاص
االعتبارية العامة ،وبني الش� � ��ركات التي متلك الدولة رأس مالها بالكامل ،أو فيما
بني هذه الشركات فقد جاء في املذكرة اإليضاحية للقانون أن املشرع استهدف من
هذا النص تخفيف العبء على جهات القضاء ،وباعتبار أن تلك املنازعات يجمعها
قاسم مشترك هو أن محلها املال العام وقد استخلص الفقه أن الهدف والقصد من
وراء ذلك التحكيم اإلجباري هو هيمنة الس� � ��لطة القضائية على منازعات التحكيم
في الب� �ل��اد وتفادي عيوب تطبيق امل� � ��ادة ( )177من قانون املرافع� � ��ات بإعتبار أن
هيئات التحكيم القضائي الغلبه في تش� � ��كيلها لرجال القضاء ،وهي أقرب حملكمه
خاصة متثل ج� � ��زءاً من النظام القضائي الكويتي ،وأن احلكم الصادر عنها مماثل
ألي حكم صادر عن محكمة االستئناف(.)1
ولع� � ��ل التطور احلديث ف� � ��ي قضاء منازعات العقود اإلدارية يش� � ��جع على تبني
وجهة النظر املن� � ��اوءه الختصاص هيئات التحكيم في منازع� � ��ات العقود اإلدارية،
فقد تصدت احملكمة اإلدارية العليا في مصر لطلبات وقف تنفيذ القرار العقدي،
وأقرت اختصاصها بنظره وهذا التوجه احملمود بال شك إضافة مؤثرة يشجع على
حجب هيئات التحكيم من االختصاص في نظر منازعات العقود اإلدارية.
( )1د .أحمد مليجي ،قواعد التحكيم في القانوني الكويتي ،مؤسسة دار الكتب ،1996 ،ص.294
195
التحگيم في العقود اإلداريـة
اخلـامتة
ينتهي بنا املطاف في هذه الورقة املوجزة إلى نتيجة مفادها ،اختصاص القاضي
اإلداري وحده دون س� � ��واه في التصدي لكافة املنازعات اإلدارية أيا كان منطها في
النظام القانوني الكويتي.
ويتأكد عدم االختصاص الوالئي لهيئات التحكيم س� � ��واء فردي أو مؤسس� � ��ي أو
قضائي في نظر جميع املنازعات اإلدارية ،ومنها بال شك منازعات العقود اإلدارية،
والواقع العملي يبارك هذا االس� � ��تخالص ويعضده فاالحصائيات تثبت ندرة جلوء
أصحاب الش� � ��أن للتحكيم في دولة الكويت لي� � ��س فقط في العقود اإلدارية بل في
س� � ��ائر املنازعات واخلصومات ،فضمانات احملاكمة العادلة ،والفصل في القضايا
في املدد املعقولة ،وتوافر الرادع الذاتي لدى القاضي ،وقيم وتقاليد القضاء ،كلها
عوامل تدفع أصحاب الش� � ��أن للعزوف عن الوسائل البديلة لفض املنازعات ،ومن
ناحي� � ��ة أخرى ،فإن اس� � ��تلزام تذييل حكم التحكيم احملل� � ��ي بالصيغة التنفيذية من
ال باملادة 185من قانون املرافعات املدنية والتجارية ،والرقابة رئي� � ��س احملكمة عم ً
الدقيقة على الشأن اإلجرائي ،أثارت اخلشية والتوجس من عودة النزاع إلى نقطة
البداية بعد صدور حكم التحكيم جزاء أية أخطاء قد تشوبها.
ونختم هذه الورقة بالقول بأن القضاء اإلداري هو املختص دون غيره في فض
املنازعات اإلدارية بأنواعها.
199
التحگيم في العقود اإلداريـة
أشگال اتفاق التحگيم
(شرط التحكيم -مشارطة التحكيم)
تعريف التحكيم
التحكيم لغة جعل احلكم فيما لك لغيرك ،وشرعاً وردت اإلشارة إليه في سورة
النس� � ��اء { َو ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َق بَيْنِهِ َما َفابْ َعثُوا َح َك ًما ِ ّم ْن أَ ْهلِهِ َو َح َك ًما ِ ّم ْن أَ ْه ِل َها} ،وقد
أقره الرس� � ��ول صلى الله عليه وس� � ��لم ،وعمل به اخللفاء الراش� � ��دون ،وقد أجمعت
املذاهب اإلسالمية على األخذ به.
والتحكيم هو نظام قانوني يتفق مبوجبه طرفان على عدم عرض النزاع بينهما
على محاكم الدولة ،وإمنا يختاران شخصاً أو أشخاصاً من الغير ،للفصل في النزاع
القانون� � ��ي بينهما بحكم ملزم لهما ،فهو يرتكز على أساس� �ي��ن هما إرادة اخلصوم
وإقرار املشرع لهذه اإلرادة ،فاحملكم يحل محل القاضي ولكنه ليس قاضياً وليس
موظفاً رسمياً ،وليست له صفة رسمية لكن القانون هو الذي منحه ذلك.
ومؤدى ذلك أيضاً أن التحكيم قضاء خاص يصدر حكماً له حجية األمر املقضي،
وهو نظام استثنائي للتقاضي ،كما يتضمن نزوالً من الطرفني عن حق رفع الدعوى
زمام محاكم الدولة بسبيل آخر حلل النزاع بينهما وهو التحكيم ،وال يجوز للخصم
أن يتأرجح بني قبول السبيل القضائي أو اللجوء للمحاكم ،وبني التمسك بالتحكيم،
كأن ينتظر فترة ملعرفة اجتاه محاكم الدولة في املسألة فإن كان في صاحله سكت،
وإن كانت األخرى جلأ للتحكيم.
فالتحكيم يبدأ بعقد بإرادة طرفني ،وينتهي بحكم ملزم لهما ،وملا كان من أخص
واجبات الدولة إقامة العدل بني األشخاص والفصل في املنازعات التي تنشأ بينهم
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
200
التحگيم في العقود اإلداريـة
ورد اإلعتداء حتى يطمأنوا على أرواحهم وحرياتهم وأموالهم ،فالدولة لها وحدها
ح� � ��ق فرض العدالة ،فال ميلك أح� � ��د أن يرفض تدخلها أو يتحرر من س� � ��لطانها،
ألن القضاء هو مصدر س� � ��يادتها ،ولكن الدولة ال تس� � ��تطيع أن حترم مواطنيها من
اللج� � ��وء للتحكي� � ��م ،ألنها ال تغف� � ��ل أن التحكيم كان هو طري� � ��ق العدالة األول الذي
عرفته البشرية ،وأقرته الش� � ��رائع السماوية ،وهو يرمي للسالم في املجتمع سواء
داخل الدولة بني املواطن� �ي��ن ،أو في املجتمع الدولي والعالقات الدولية بني الدول
وأشخاص القانون الدولي العام األخرى.
إذا أخذ الطرفان بنظام التحكيم فله عدة مزايا ،يختلف فيها عن أي نظام آخر
للمطالبة باحلقوق وتعطيه أفضلية عليها ،ومن هذه املزايا ما يلي:
-1الطرفان يختاران ش� � ��خصاً أو أش� � ��خاصاً محل ثقة لهم� � ��ا ،ومعروفني لديهما،
للفصل في املنازعة بينهما.
-2ال يشترط في احملكم أن يكون قانونياً.
-3الهدف األساسي من اللجوء للتحكيم هو السرعة في الفصل في النزاع وتوفير
الوقت واجلهد وبخاصة في منازعات االستثمار.
-4أح� � ��كام التحكيم ال يطعن فيها إال بالبطالن ،وفي حاالت محددة على س� � ��بيل
احلصر.
-5يختار الطرفان القانون الواجب التطبيق على منازعتهما.
-6جتن� � ��ب مبدأ عالنية التقاض� � ��ي ،والتحلل من غالبية اإلج� � ��راءات املقررة أمام
محاكم الدولة.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
201
التحگيم في العقود اإلداريـة
-7ي� � ��ؤدي األخذ بنظام التحكيم إلى تخفيف العبء عن محاكم الدولة ،مما يؤدي
لسرعة إجناز القضايا ،وبالتالي استقرار املجتمع.
رغم ما س� � ��بق فإن لنظام التحكيم بعض الس� � ��لبيات التي تواجهه أثناء التطبيق
ومنها:
-1يتحمل الطرفان املتنازعات مصروفات التحكيم وأتعابه.
-2قد تط� � ��ول إجراءات التحكيم إذا مت الطعن بالبط� �ل��ان على اتفاق التحكيم أو
حكم التحكيم.
-3قد يتولى التحكيم أشخاص غير أكفاء أو غير أمناء.
-4ع� � ��دم قابلية حكم التحكيم للطعن الع� � ��ادي أو غير العادي .التحكيم جزئي في
نطاقه ،نسبي في أثره ،مقصور على ما اتفق عليه الطرفان من منازعات.
رغم أن التحكيم نظام متفرد وله خصوصية متيزه عن غيره ،إال أنه قد يتشابه
مع بعض األنظمة األخرى منها:
-1التحكيم والوكالة:
م� � ��ن املعروف أن الوكيل يقوم بعمله باس� � ��م املوكل وحلس� � ��ابه ويلت� � ��زم بتعليماته
ولصاحله ،أما احملكم فيصدر حكمه باسمه طبقاً للقانون ،ويتمتع في عمله بوالية
قضائية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
202
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2التحكيم والصلح:
ال بينهما ،بأن يتنازل كل طرف عن الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً محتم ً
ج� � ��زء مما يراه حقاً ل� � ��ه ،فالطرفان يفصالن في النزاع بينهما بإرادتيهما أي بعمل
تعاقدي ،أما في التحكيم فيتم الفصل في النزاع بحكم يصدر عن احملكم له حجية
األم� � ��ر املقضي ،وال يجوز الطعن عليه ،ويج� � ��وز للمحكم أن يقضي ألحد الطرفني
بكام� � ��ل حقه ،ويرفض طلب اآلخر ،فهو حكم نهائ� � ��ي ملزم ،أما في الصلح فيجوز
للطرفني اللجوء لقضاء الدولة بعد هذا الصلح ،بل يجوز لهما اللجوء للتحكيم.
-3التحكيم والوساطة:
في الوس� � ��اطة يلجأ الطرفان لشخص ثالث للتوس� � ��ط بينهما ولتقريب وجهات
النظ� � ��ر ،ورأيه غير ملزم لهما ،على عكس التحكيم فيلجأ الطرفان فيه لش� � ��خص
ثالث (احملكم) للفصل في النزاع بينهما بحكم ملزم لهما.
-4التحكيم واخلبرة:
مل� � ��ا كان حكم التحكيم عمل قضائي ،له خصائ� � ��ص وحجية األحكام القضائية،
ويلت� � ��زم الطرفان بتنفيذه جب� � ��راً عنهما ،رغم أنهما بإرادتيهما س� � ��بق لهما اختيار
احملكم الذي أصدر هذا احلكم.
إال أن اخلبي� � ��ر يكل� � ��ف عادة بإبداء رأيه في مس� � ��ألة فنية بحت� � ��ة ،يندب اخلبير
لبحثها وإعداد تقرير برأيه فيها من الناحية الفنية فقط ،وال يجوز له إبداء الرأي
م� � ��ن الناحية القانونية ،وه� � ��ذا الرأي الفني الذي يودع� � ��ه اخلبير ال يلزم احملكمة
الت� � ��ي طلبته ،على عكس حكم التحكيم ،فهو مل� � ��زم للطرفني ،كما أن اخلبير عادة
يؤدي اليمني قبل مباش� � ��رة مأموريته ،على خالف احملكم الذي اتفق الطرفان على
اختياره في املنازعة بينهما ،فهو محل ثقتهما فال مجال الشتراط حلف اليمني.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
203
التحگيم في العقود اإلداريـة
شرط التحكيم
مشارطة التحكيم
هي االتفاق الذي يتم بني الطرفني ،بعد وقوع نزاع بينهما ،على الفصل في هذا
النزاع بنظام التحكيم ،وعدم عرضه على قضاء الدولة.
فاملش� � ��ارطة اتفاق بني الطرف� �ي��ن بعد وقوع اخلالف فع ً
ال ،على عكس ش� � ��رط
التحكيم فهو يتناول نزاع محتمل وقوعه فيما بعد بني الطرفني في املستقبل.
وقد تس� � ��مى املشارطة وثيقة التحكيم اخلاصة ،أو اتفاق أو عقد التحكيم ،وهي
تص� � ��ح ولو كان النزاع مطروح � � �اً على القضاء ما دام لم يص� � ��در فيه حكم نهائي،
وميكن إبرام مشارطة التحكيم ،سواء كانت مسبوقة بشرط حتكيم أم ال.
شروط صحة املشارطة:
مشارطة التحكيم كأي عقد يتم بتقابل إرادتني متطابقتني ،أي بتراضي الطرفني
على ولوج طريق التحكيم حلل النزاع بينهما ،وعدم اللجوء لقضاء الدولة.
205
التحگيم في العقود اإلداريـة
وتخضع املشارطة في هذا للقواعد العامة في العقود ،ولكن نركز بصفة خاصة
على ما يلي:
-1أن تكون املشارطة مكتوبة ،فالكتابة شرط النعقادها:
وليس� � ��ت مجرد شرط لإلثبات كغالبية العقود ،وعلة اشتراط الكتابة لصحة
مش� � ��ارطة التحكيم هو احلرص على عدم فت� � ��ح الباب أمام منازعات فرعية
ح� � ��ول وجود أو محتوى أو مضمون املش� � ��ارطة ،وال يش� � ��ترط في املش� � ��ارطة
الرس� � ��مية أو الش� � ��كلية ،وإمنا يكفي تدوين املش� � ��ارطة في وثيقة ولو عرفية
يوقعها الطرفان ،أو ترد في مراس� �ل��ات مكتوبة متبادلة بينهما مباش� � ��رة أو
عن طريق ش� � ��خص ثالث ،ما دامت هذه املراسالت تعبر صراحة عن اتفاق
الطرف� �ي��ن على اللجوء للتحكيم للفصل في النزاع بينهما ،وعدم عرضه على
قضاء الدولة.
-2أن تتضمن املشارطة تعيني محل النزاع الذي يخضع للتحكيم.
فالتحكيم باعتباره طريق استثنائي للتقاضي ،يجب أن يكون مقصوراً على ما
تنصرف إليه إرادة الطرفني ،واتفقا على عرضه على التحكيم وعدم اللجوء
لقض� � ��اء الدولة ،فإذا خرج احملكم عن ح� � ��دود ما اجته إليه الطرفان وفصل
ال ،ويتعني أن يتم حتديد املنازعة موضوع في مسألة أخرى فحكمه يقع باط ً
التحكي� � ��م بعبارة نافي� � ��ة للجهالة ،ولكن الطلبات اخلتامي� � ��ة لطرفي التحكيم
يحددانها أمام احملكم نفسه أثناء تداول القضية التحكيمية.
-3صالحية احلق املتنازع عليه كمحل للتحكيم:
يش� � ��ترط أن يكون احلق املتنازع عليه ناش� � ��ئاً عن عالق� � ��ة قانونية ذات طابع
اقتصادي ،س� � ��واء تعلق بحق ش� � ��خصي ،أو عيني ،أو بعقار أو منقول ،وسواء
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
206
التحگيم في العقود اإلداريـة
كان مص� � ��دره عقداً أو عم ً
ال غير مش� � ��روع أو غير ذلك من مصادر االلتزام،
وسواء كان احلق له طابع مدني أو جتاري أو إداري.
كم� � ��ا أنه ال يجوز التحكيم فيما ال يجوز الصلح في� � ��ه ،فكما ال يجوز الصلح
ال ،أيضاً ال يجوز
في املس� � ��ائل املتعلقة بالنظام الع� � ��ام واآلداب ،كاجلرائم مث ً
التحكيم بخصوص حالة شخص معني وأهليته أو صاحب الوالية أو الوصاية
أو حتديد نسب شخص معني أو صاحب احلق في احلضانة.
فمش� � ��ارطة التحكيم شأنها أي عقد آخر يجب أن يكون محله قاب ً
ال للتعامل
فيه وال يخالف النظام العام أو اآلداب.
ومثال ذلك عدم جواز االتفاق على التحكيم بخصوص احلد األدنى لألجور،
أو دستورية القوانني ،أو عدم استحقاق ضريبة.
-4أهلية التصرف في احلق املتنازع عليه:
فال يج� � ��وز االتفاق على التحكيم إال للش� � ��خص الطبيعي كام� � ��ل األهلية ،أو
الش� � ��خص االعتباري الذي ميلك التصرف في حقوقه ،فال يجوز للقاصر أو
عدمي األهلية االتفاق على اللجوء للتحكيم ،وبالنس� � ��بة للش� � ��خص االعتباري
يتع� �ي��ن التثبت أوالً من أن الذي يوقع املش� � ��ارطة ميثل الش� � ��خص االعتباري
ال صحيحاً طبقاً للقانون ،والش� � ��خص االعتباري العام يجوز له االتفاق متثي ً
عل� � ��ى التحكي� � ��م بضوابط وردت ف� � ��ي القانون املصري منه� � ��ا موافقة الوزير
املختص أو م� � ��ن يتولى اختصاصه ،وأن يؤخ� � ��ذ رأي مجلس الدولة املصري
دون اشتراط االلتزام بهذا الرأي.
207
التحگيم في العقود اإلداريـة
آثار اتفاق التحكيم
إعداد
السيد ميسوري اعمارة
مستشار الدولة ،مبجلس الدولة اجلزائري
العلمي الثالث
الملتقـى
211
التحگيم في العقود اإلداريـة
طرق الطعن في أحكام هيئة التحكيم
في العقود اإلدارية
إن املعام� �ل��ات ب� �ي��ن األفراد أو بني األفراد واألش� � ��خاص االعتبارية ال تخلو من
حدوث منازعات ،وأن هذه املنازعات أسبابها مختلفة ،قد تكون بإرادة أحد طرفي
املعامل� � ��ة أو ب� � ��دون إرادة ،بل قد تكون حتى بقوة قاهرة ،وملا كان من الضروري حل
هذه املنازع� � ��ات ،ألن عدم حلها يؤدي إلى عرقلة س� � ��ير احلياة االجتماعية ،ومنذ
القدم وجد ما يس� � ��مى بالصل� � ��ح كطريقة لفض املنازعات ،وم� � ��ع تطور املجتمعات
وجد ما يس� � ��مى بــ«القضاء» والذي مبوجب� � ��ه أصبحت الدولة هي التي تقوم بفض
النزاعات بني مواطنيها مهما كان نوعها ،بأحكام تصدر باس� � ��م الش� � ��عب ،ولكن ملا
كانت إجراءات التقاضي تتميز بالبطء وطول مدة الفصل فيها ،فإن األفراد كانوا
ف� � ��ي كثير من األحيان يلجؤون إلى الصلح بعيداً عن أروقة احملاكم حلل املنازعات
فيم� � ��ا بينهم ،ولكن وبالرغم مما للصلح من آث� � ��ار ايجابية في حل املنازعات بعيداً
عن تدخل الدولة ،فإن بعض اإلشكاالت تبقى دائماً قائمة ولو في كيفية تنفيذ ما
يتوصل إليه املتصاحلون ،لذلك تدخل املش� � ��رع وأوجد ما يس� � ��مى بالطرق البديلة
لفض املنازعات بني األطراف ،ومن هذه الطرق ما يسمى بــ«التحكيم» ،وهو طريقة
سريعة لفض املنازعات سواء على املستوى احمللي أو الدولي ،يلجأ إليها األطراف
لفض أي نزاع قد ينش� � ��أ مبناسبة تنفيذ أي عقد سواء أكان بني أشخاص طبيعية
أو اعتبارية ،وتدخل املش� � ��رع كذلك في حتديد طريقة سيره ،والهيئات املكلفة به،
وطريقة تنفيذ األحكام الصادرة عن هيئاته ،بل أكثر من ذلك فقد أجاز لألطراف
الطعن في األحكام الصادرة عن هيئات التحكيم سواء أكانت دولية أو محلية وهذا
الشق اآلخر وهو الطعن في أحكام هيئات التحكيم هو الذي سيكون موضوع هذه
املداخلة وذلك حسب متطلبات ورقة عمل امللتقى.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
212
التحگيم في العقود اإلداريـة
إن التحكي� � ��م هو طريقة بديل� � ��ة حلل النزاعات بعيداً ع� � ��ن مرفق القضاء يلجأ
إلي� � ��ه األطراف طواعية حلل أي نزاع قد يطرأ أثناء تنفيذ العقد املبرم بينهم ،لكن
وبالرغم من ذلك فإن املش� � ��روع وباعتباره ينظم جميع شؤون املتعاملني فإنه أوجد
آلي� � ��ات للجوء إليه ،وطريقة اختيارهم احملكمني ،وأن� � ��واع العقود التي تكون مح ً
ال
للتحكيم ،واألشخاص املعنوية التي لها احلق في اختيار هذه العملية ،كما أنه نظم
أحكام التحكيم نفس� � ��ها ،وأوكل للقضاء مهم� � ��ة مراقبة كل ذلك عن طريق الطعن،
من أجل مراقبة كل هذه اآلليات عن طريق ما يسمى بالطعن في أحكــــام التحكيم
بكل أنواعها ،س� � ��واء كانت محلية أو دولية ،وأن املشرع اجلزائري شأنه كمشرعي
باق� � ��ي الدول حذا هذا احل� � ��ذو ،وبالتالي نص قانون اإلج� � ��راءات املدنية واإلدارية
ف� � ��ي الفصل الرابع من الباب الثاني م� � ��ن الكتاب الرابع منه على أحكـــام التحكيمــ
وأوامر رفض تنفيذ ،وعليه سنقس � � �ـم هذه املداخل إلى فرعني ،األول حول أحكام
الطعن في التحكيم احمللي ،فيما يخصص الفرع الثاني ألحكام الطعن في التحكيم
الدولي.
أجاز املش� � ��رع اجلزائري كما ذكرنا أعاله كجميع مش� � ��رعي الدول األخرى ألي
ط� � ��رف الطعن في حكم التحكيم الصادر ع� � ��ن هيئة حتكيمية محلية ،وذلك باملادة
1032م� � ��ن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية بقول� � ��ه« :أحكام التحكيم غير قابلة
للمعارضة.
يجوز الطعن فيها عن طريق اعتراض الغير اخلارج عن اخلصومة أمام احملكمة
املختصة قبل عرض النزاع على التحكيم».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
213
التحگيم في العقود اإلداريـة
ثم نصت املادة 1033من« :يرفع االس� � ��تئناف في أحكام التحكيم في أجل شهر
واح� � ��د ( )1م� � ��ن تاريخ النطق بها ،أم� � ��ام املجلس القضائي ال� � ��ذي صدر في دائرة
اختصاصه حكم التحكيم ،ما لم يتنازل األطراف عن حق االس� � ��تئناف في اتفاقية
التحكيم».
كما نصت املادة « :1034تكون القرارات الفاصلة في االس� � ��تئناف وحدها قابلة
للطعن بالنقض طبقاً لألحكام املنصوص عليها في هذا القانون».
إذن ،ومبراجع� � ��ة هذه املواد يتضح أوالً :أح� � ��كام التحكيم غير قابلة للمعارضة،
وبالتالي فإن املش� � ��رع استبعد هذا النوع من الطعون ،أي أن حكم التحكيم ولوكان
غيابي � � �اً ،كما أنه أجاز طريقة غير عادية للطعن في أحكام التحكيم وهي اعتراض
الغير اخلارج عن اخلصومة ،وبالتالي فإنه يجوز لكل من له مصلحة أن يطعن في
حك� � ��م التحكي� � ��م عن هذا الطريق وذلك في إطار القواع� � ��د املنظمة لهذا النوع من
الطعن ،ذلك أن املادة 977من ق.ا.م.ا ،تنص على ما يلي:
«تطبق املقتضيات الواردة في هذا القانون املتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم وطرق
الطعن فيها على أحكام التحكيم الصادرة في املادة اإلدارية».
وبالتال� � ��ي فإن من يرغب في اللجوء له� � ��ذا الطريق للطعن في حكم التحكيم أن
يتقيد مبا ورد في هذا القانون فيما يخص الش� � ��روط الشكلية واإلجرائية الواجب
توافرها ،واملبينة في امل� � ��واد 961 ،960و 962من ق.ا.م.ا ،والهدف من هذا النوع
من الطعون هو مراجعة حكم التحكيم كلياً أو جزئياً.
كما أن املش� � ��رع أجاز الطع� � ��ن في أحكام التحكيم عن طريق االس� � ��تئناف ،وهو
الطري� � ��ق الوحي� � ��د من طرق الطعن العادية التي س� � ��مح بها املش� � ��رع وهذا مبوجب
املادة 1033املذكورة أعاله ،ولكن بش� � ��رط أن ال يتنازل عن هذا احلق في اتفاقية
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
214
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكي� � ��م ،وبالتالي يظهر أوالً أن االس� � ��تئناف ميكن قبوله بش� � ��رط أن تكون إرادة
أطراف اتفاقية التحكيم مطابقة على اس� � ��تعمال هذا النوع من الطعون ،كما يجب
أن يك� � ��ون األطراف قد اتفقوا مبوجب بند في اتفاقية التحكيم على أنه غير قابل
لالستئناف ،أي أنه مبفهوم القانون يصدر نهائياً ،وال يكون االستئناف حينئذ جائزاً
حت� � ��ى ولو عرض على القضاء ،أما إذا لم يرد هذا الش� � ��رط في اتفاقية التحكيم،
ورغم أن املشرع قد أكد ،كما ذكر أعاله ،في املادة 977من ق.ا.م.ا على أنه تطبق
املقتضيات املتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم وطرق الطعن فيها على أحكام التحكيم
الصادرة في املادة اإلدارية ،إال أن املشرع أورد شرطاً خاصاً فيما يخص قبول هذا
االستئناف من حيث امليعاد ،وهو شهر واحد من يوم النطق بحكم التحكيم ،وكذلك
من حيث االختصاص اإلقليمي اش� � ��ترط أن يتم ذلك في دائرة اختصاص املجلس
القضائي الذي صدر في نطاق اختصاصه حكم التحكيم ،ويتضح من هذا كله أن
الشروط الشكلية لقبول االستئناف هي:
< أوالً :أال يكون حكم التحكيم غير قابل لالستئناف ،أي أال يرد في اتفاقية
التحكيم شرط بعدم خضوع حكم التحكيمي ألي طعن.
< ثاني � � �اً :أن يت� � ��م هذا االس� � ��تئناف في خالل ش� � ��هر من يوم ص� � ��دور حكم
التحكيم.
< ثالثاً :أن يتم هذا االستئناف أمام املجلس القضائي الذي صدر في دائرة
اختصاصه حكم التحكيم.
لك� � ��ن حصل هنا جدل حول االختصاص النوعي للجهة املختصة نوعياً في هذا
النوع من االس� � ��تئناف ،هل يرفع االختصاص للقض� � ��اء العادي أو القضاء اإلداري،
وذل� � ��ك أن املش� � ��رع اجلزائري أخذ مبب� � ��دأ الفصل بني القضاء الع� � ��ادي ،والقضاء
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
215
التحگيم في العقود اإلداريـة
اإلداري ،وأرجع االختصاص في هذا النوع األخير على أساس املعيار العضوي ،إذ
نصت املادة 800من ق.ا.م.ا على أنه:
«احملاك� � ��م اإلدارية هي جهات الوالي� � ��ة العامة في املنازع� � ��ات اإلدارية .تختص
بالفص� � ��ل في أول درجة ،بحكم قابل لالس� � ��تئناف في جمي� � ��ع القضايا ،التي تكون
الدول� � ��ة أو الوالية أو البلدية أو إحدى املؤسس� � ��ات العمومية ذات الصبغة اإلدارية
طرفاً فيها».
وبالتالي ذهب البعض للقول بأن االستئناف في حكم التحكيم يكون أمام مجلس
الدولة ملا يكون أحد أطرافه األش� � ��خاص االعتباري� � ��ة املذكورون أعاله ،وقد صدر
في هذا الش� � ��أن قرار عن مجل� � ��س الدولة اجلزائري في 2017-12-07متس� � ��ك
باختصاص� � ��ه النوعي في اس� � ��تئناف حكم حتكيم كانت أحد أطرافه والية س� � ��وق
أهراس ،استناد للمادة 976من ق.ا.م.ا التي تنص على أنه:
«تطبق األحكام املتعلقة بالتحكيم املنصوص عليها في هذا القانون ،أمام اجلهات
القضائي� � ��ة اإلدارية» ،ومل� � ��ا كان مجلس الدولة هو اجلهة الفاصلة في االس� � ��تئناف
لألحكام الص� � ��ادرة عن احملاكم اإلدارية ،فإنه يكون كذلك مختصاً في اس� � ��تئناف
أح� � ��كام التحكيم ،بينما ذهب البعض اآلخر للق� � ��ول بأن هذا نص خاص واخلاص
يقيد العام ،وما دام املشرع ذكر حرفياً أن االستئناف يكون أمام املجالس القضائية
املختص� � ��ة محلياً ،فإن حك� � ��م التحكيم يكون أمام هذه اجله� � ��ة ،حتى ولو كان أحد
أطرافها لألشخاص املذكورين في املادة 800أعاله ،وأخيراً فإن هذه هي الشروط
الشكلية لقبول االس� � ��تئناف ،وزيادة على ذلك فإن شرطي الصفة واملصلحة يجب
كذلك توافرهما في االس� � ��تئناف ،إذ ال ميك� � ��ن قبول أي دعوى قضائية من دونهما
طبقاً ملقتضيات املادة 13من ق.ا.م.ا ،هذا عن الشروط الشكلية لقبول االستئناف،
أما عن االس� � ��تئناف بحد ذاته ،فإذا كانت القاع� � ��دة العامة ،فيه أن له األثر الناقل
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
216
التحگيم في العقود اإلداريـة
للنزاع أمام جهة االستئناف ،فهذا يعني أن النزاع يتم نقله برمته أمام هذه اجلهة،
وبالتال� � ��ي فلهذه األخيرة احلق في مراجعة حك� � ��م التحكيم بناء على طلب الطرف
املستأنف ،وتكون هذه املراجعة من حيث مدى احترام محكمة التحكيم لقانون في
إص� � ��دار حكمها ،وهذا كله بناء على ما جاء في املادة 1000وما يليها من ق.ا.م.ا،
ف� � ��إذا خالف حكم التحكيم اإلجراءات املنصوص عليها في هذا القانون ،فإن جهة
االس� � ��تئناف تلغي احلكم ،على أساس أنه مخالف للقانون ،وجتدر اإلشارة هنا أن
جهة االس� � ��تئناف ملا تلغ� � ��ي أو تبطل حكم التحكيم ،ال تتص� � ��دى للنزاع وحتكم فيه
من جديد ،ألن االس� � ��تئناف حلكم التحكيم يبنى عل� � ��ى مدى احترام حكم التحكيم
لإلجراءات املنصوص عليها قانوناً في كيفية إصدار حكم التحكيم ،وال يبنى على
الرضا بالنتيجة التي توصل إليها حكم التحكيم في حالة احترامه لكل اإلجراءات
املنص� � ��وص عليها قانوناً في إصدار هذا احلكم ،كما يجب اإلش� � ��ارة كذلك إلى أن
حك� � ��م التحكي� � ��م ملا يكون نهائياً ه� � ��و قابل للتنفيذ بأمر صادرع� � ��ن رئيس احملكمة
املختصة ،وأن هذا األمر هو اآلخر قابل لالستئناف ،وهو ما جاء في املادة 1035
من ق.ا.م.ا.
وفي األخير يجب كذلك اإلشارة إلى أن املشرع أجاز الطعن بالنقض في احلكم
القضائي الصادر أثر االس� � ��تئناف في حكم التحكيم أمام اجلهة املختصة ،وهو ما
نصت عليه املادة 1034من ق.ا.م بقولها« :تكون القرارات الفاصلة في االستئناف
وحده� � ��ا قابلة للطعن بالنقض طبقاً لألح� � ��كام املنصوص عليها في هذا القانون»،
وبالتالي تكون األحكام هي القابلة للطعن بالنقض بناء على األس� � ��باب الواردة في
املادة 358من ق.م.ا وهي:
-1مخالفة قاعدة جوهرية في اإلجراءات.
-2إغفال األشكال اجلوهرية لإلجراءات.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
217
التحگيم في العقود اإلداريـة
-3عدم االختصاص.
-4جتاوز السلطة.
-5مخالفة القانون الداخلي.
-6مخالفة القانون األجنبي املتعلق بقانون األسرة.
-7مخالفة االتفاقيات الدولية.
-8انعدام األساس القانوني.
-9انعدام التسبيب.
-10قصور التسبيب.
-11تناقض التسبيب مع املنطوق.
-12حتريف املضمون الواضح والدقيق لوثيقة معتمدة في احلكم أو القرار.
-13تناق� � ��ض أحكام أو قرارات ص� � ��ادرة في آخر درج� � ��ة ،عندما تكون حجية
الش� � ��يء املقضي فيه قد أثيرت بدون جدوى ،وفي هذه احلالة يوجه الطعن
بالنقض ضد آخر حكم أو قرار من حيث التاريخ ،وإذا تأكد هذا التناقض،
يفصل بتأكيد احلكم أو القرار األول.
-14تناق� � ��ض أحكام غير قابل� � ��ة للطعن العادي في ه� � ��ذه احلالة يكون الطعن
بالنقض مقبوالً ،ولو كان أحد األحكام موضوع طعن بالنقض س� � ��ابق انتهى
بالرفض.
-15وفي هذه احلالة يرفع الطعن بالنقض حتى بعد فوات األجل املنصوص عليه
ف� � ��ي املادة 354أعاله ،ويجب توجيهه ض� � ��د احلكمني ،وإذا تأكد التناقض،
تقضي احملكمة العليا بإلغاء أحد احلكمني أو احلكمني معاً.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
218
التحگيم في العقود اإلداريـة
-16وجود مقتضيات متناقضة ضمن منطوق احلكم أو القرار.
-17احلكم مبا لم يطلب أو بأكثر مما طلب.
-18السهو عن الفصل في أحد الطلبات األصلية.
-19إذا لم يدافع عن ناقصي األهلية.
يقص� � ��د بالتحكيم الدول� � ��ي ،التحكيم الذي يخص النزاع� � ��ات املتعلقة باملصالح
االقتصادي� � ��ة لدولتني على األقل ،وهو ما نصت عليه املادة 1039من ق.ا.م.ا ،وأن
ال حلل النزاعات بعيداً عن مرفق القضاء ه� � ��ذا النوع من التحكيم يعتبر كذلك بدي ً
الذي يتس� � ��م بطول اإلجراءات في حني أن النزاعات االقتصادية تتطلب الس� � ��رعة
في الفصل ،وبالتالي فإن املش� � ��رع اجلزائري أجاز لألشخاص املعنوية اللجوء إلى
التحكيم في عالقاتها االقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية ،وحكم
التحكي� � ��م هذا قد يص� � ��در من اجلزائر أو خارجها ،والقاع� � ��دة العامة أنه ال ميكن
الطع� � ��ن في أحكام التحكي� � ��م إال إذا كانت صادرة باجلزائ� � ��ر ألن املادة 1058من
ق.ا.م.ا ،تنص على أنه« :ميكن أن يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في اجلزائر
موض� � ��وع طعن بالبطالن في احلاالت املنص� � ��وص عليها في املادة 1056أعاله،»..
ومبفه� � ��وم املخالفة ،ف� � ��إن حكم التحكيم الدولي الصادر خ� � ��ارج اجلزائر غير قابل
للطعن أمام اجلهات القضائية اجلزائرية ،ألن القاضي اجلزائري في هذه احلالة
ال ميكن له مراجعة حكم صادر عن هيئة أجنبية ،وأن دوره يكمن فقط في مراقبة
مدى صحة تنفيذ هذا احلكم ،هذا أوالً ،وثانياً ،فإن املشرع حدد األوجه التي يبنا
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
219
التحگيم في العقود اإلداريـة
عليها هذا الطعن ،ملا يكون احلكم صادراً باجلزائر في املادة 1056وهي:
-1إذا فصل� � ��ت محكمة التحكيم ب� � ��دون اتفاقية حتكيم ،أو بن� � ��اء على اتفاقية
باطلة.
-2إذا كانت تشكيلة التحكيم أو تعيني احملكم الوحيد مخالفاً للقانون.
-3إذا فصلت احملكمة مبا يخالف املهمة املسندة إليها.
-4إذا لم يراع مبدأ الوجاهية.
-5إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها.
-6إذا كان حكم التحكيم مخالفاً للنظام العام الدولي.
ومن هنا يظهر أن املشرع أجاز للقاضي أن يبطل حكم التحكيم الدولي لألسباب
املذك� � ��ورة أعاله على س� � ��بيل احلصر ،وبالتالي فإن مراقب� � ��ة القاضي محصورة في
هذه األس� � ��باب ،وال يجوز له أن يتعداها ،أي أن دور القاضي هنا يشبه دور قاضي
النقض ،كما أن املشرع سمى هذا الطعن بطعن البطالن ،وبالتالي استبعد كل أنواع
الطع� � ��ون األخرى ،س� � ��واء العادية أو غير العادية ،وبالتال� � ��ي تكون هذه الدعوى هي
طريق خاص ملراجعة قرارات صادرة في التحكيم الدولي باجلزائر ،أما عن اجلهة
التي يرفع أمامها هذا الطعن ،فقد نصت املادة 1059من ق.ا.م.ا ،على أنه:
«يرف� � ��ع الطعن بالبطالن في حك� � ��م التحكيم املنصوص عليه ف� � ��ي املادة 1058
أعاله ،أم� � ��ام املجلس القضائي الذي صدر حكم التحكي� � ��م في دائرة اختصاصه.
ويقب� � ��ل الطعن ابتداء من تاري� � ��خ النطق بحكم التحكيم» وأضاف� � ��ت الفقرة الثانية
م� � ��ن نفس املادة« :ال يقبل هذا الطعن بعد أجل ش� � ��هر واحد ( )1من تاريخ التبليغ
الرس� � ��مي لألمر القاضي بالتنفيذ» ،وبالتالي فإن� � ��ه يظهر من هذه املادة أن اجلهة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
220
التحگيم في العقود اإلداريـة
املختصة بالفصل في دعوى البطالن حلكم التحكيم الدولي هي املجلس القضائي
رغم أن اجلدل يبقى قائماً كما ذكرنا أثناء تعرضنا للطعن باالس� � ��تئناف في حكم
التحكيم الداخلي مل� � ��ن يرجع هذا االختصاص إذا كان أحد أطراف حكم التحكيم
من األش� � ��خاص االعتبارية املذكورين في املادة 800من ق.ا.م.ا ،والتي يسند على
أساس� � ��ها االختصاص للقضاء اإلداري ،والش� � ��رط الثاني لقبول هذا الطعن هو أن
يتم في خالل شهر من يوم التبليغ الرسمي لألمر القاضي بالتنفيذ.
ه� � ��ذا فيما يخص الطعن بالبطالن في حكم التحكي� � ��م الدولي بذاته ،أما األوامر
القضائية الصادرة في شأن االعتراف بأحكام التحكيم الدولي سواء كانت صادرة في
اجلزائر أو خارجها ،فإن تنفيذها يخضع ملا سمي باالعتراف بأحكام التحكيم الدولي
وتعتبر قابلة للتنفي� � ��ذ بأمر صادر عن رئيس احملكمة التالي صدرت أحكام التحكيم
في دائرة اختصاها ،أو محكمة محل التنفيذ إذا كان مقر احملكمة التي أصدرت حكم
التحكيم موجوداً باخلارج ،وأن املادة 1055من ق.ا.م.ا نصت على أن:
«يكون األمر القاضي برفض االعتراف أو برفض التنفيذ قاب ً
ال لالس� � ��تئناف»،
ث� � ��م نصت املادة 1056على أنه ال يجوز اس� � ��تئناف األم� � ��ر القاضي بالتنفيذ ال في
احلاالت الس� � ��ت املذكورة أعاله فيما يتعلق بأسباب الطعن في حكم التحكيم ،وأن
القرار الصادر في ش� � ��أن هذا االستئناف ميكن أن يكون محل طعن بالنقض ،وهو
ما نصت عليه املادة 1061من نفس القانون.
وأخيراً يظهر من هذا كله أن املش� � ��رع في اجلزائر قد أخذ مبا أخذت به باقي
الدول في شأن مسألة الطعون في أحكام التحكيم سواء أكانت داخلية أو خارجية،
وذلك ألن تنفيذ أحكام التحكيم مرتبطة باالتفاقيات الدولية والتي تسعى لالعتراف
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
221
التحگيم في العقود اإلداريـة
وتنفيذ األحكام التحكيمية وتوحيد اجلهود والتعاون الدولي إليجاد قواعد خاصة
لتنفيذ هذه األحكام.
كم� � ��ا يجب التنوية كذلك إلى أن املش� � ��رع اجلزائري ول� � ��م كان قد ذكر في املادة
977م� � ��ن ق.ا.م.ا عل� � ��ى أن تطبق املقتضي� � ��ات الواردة في ه� � ��ذا القانون واملتعلقة
بتنفيذ أح� � ��كام التحكيم الصادرة ف� � ��ي املادة اإلدارية ،وبالتالي فإن تفس� � ��ير حكم
التحكيم أو تصحيحه يكون بناء على ما جاء في القانون في باب تفس� � ��ير األحكام
وتصحيحها.
225
التحگيم في العقود اإلداريـة
رقابة القضاء اإلداري على أعمال احملكمني
مقدمة
يحظ� � ��ى التحكيم بأهمية فائقة كوس� � ��يلة فاعلة لس� � ��رعة الفصل في املنازعات
بصفة عامة ،ومن بينها منازعات العقود اإلدارية التي تبرمها الدولة ،لذلك نصت
التش� � ��ريعات املختلفة في أغلب الدول ومنها س� � ��لطنة عمان على األخذ به وضمان
تطبيقه التطبيق األمثل ،وأقرت مبدأ استقالل التحكيم الذي يُعد من أهم املبادىء
التي حترص عليها التشريعات احلديثة والتي اعتنقت التحكيم كنظام بديل لتسوية
املنازعات املدني� � ��ة والتجارية ،بحيث ال يجوز للقضاء إعادة فحص وتقييم الوقائع
الت� � ��ي نظرها احملكم -أو هيئة التحكيم -وإعادة النظر في حكمه لكون احملاكم ال
تُعد جهة اس� � ��تئنافية بالنس� � ��بة ألحكام احملكمني ،كما يجب على احملكمة أن حتكم
بعدم قبول الدعوى املرفوعة إليها إذا ُدفع أمامها بوجود شرط التحكيم في العقد
املب� � ��رم بني طرفيها ،إال أن ذلك ال يعني االنفصال الت� � ��ام بينهما ،وإمنا يعني عدم
طرح النزاع مرة أخرى على القضاء اختصاراً للوقت واجلهد والنفقات.
ويخض� � ��ع التحكيم ملجموعة من القواع� � ��د العامة التي تتعل� � ��ق بتحديد ماهيته
وطبيعت� � ��ه القانونية ،وأمناط� � ��ه املختلفة ،وهو ما ينطبق ب� � ��دوره على التحكيم في
العقود اإلدارية.
فيمكن تعريف التحكيم بش� � ��كل عام بأنه« :اتفاق على طرح النزاع على شخص
معني أو أشخاص معينني ليفصلوا فيه دون احملكمة املختصة».
وبالنسبة للتحكيم في منازعات العقود اإلدارية فهو:
تبرز أهمية الرقابة القضائية على أعمال احملكمني في أنه ال غنى للتحكيم عن
ال� � ��دور الذي يقوم به القضاء لكفالة فعالي� � ��ة التحكيم وحتقيقه ألهدافه ،إذ توجد
جملة من األمور تقتضي مؤازرة ومعاونة القضاء لهيئة التحكيم لضمان حسن سير
وصحة إجراءات التحكيم من ناحية ،وكفالة تنفيذ أحكام التحكيم وتالفي الس� � ��ير
في إجراءات مصيرها البطالن من ناحية أخرى.
ف� � ��إذا كان الهدف من التحكيم هو اس� � ��تبعاد األط� � ��راف اختصاص احملاكم من
الفصل في املنازعات التي قد تثور بينهم ،وتكليفهم لش� � ��خص أو أشخاص خاصة
بنظرها والبت فيها وفقاً إلرادتهم في هذا الش� � ��أن ،إال أن الرقابة القضائية تبقى
ض� � ��رورة حتمية في هذا املجال ،وذلك حماية إلرادة األطراف أنفس� � ��هم من جهة،
والدول� � ��ة من جهة أخرى ،ويبرز ذلك م� � ��ن خالل تدخل القاضي إلزالة كل ما يعيق
تشكيل هيئة التحكيم في حالة عدم اتفاق أو االمتناع عن اختيار محكم ،وتصحيح
التش� � ��كيل غير الس� � ��ليم لهيئة التحكيم من خالل رد احملكم� �ي��ن ،أو عزلهم وبعدم
إمكاني� � ��ة االعتراف بقرار التحكيم وتنفي� � ��ذه دون التحقق من عدم مخالفته للنظام
العام ،أو القضاء ببطالن حكم التحكيم في احلاالت التي تقتضي ذلك ،وذلك كله
وفقاً للقواعد واإلجراءات التي نص عليها قانون التحكيم املنظم لهذه املسائل في
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
227
التحگيم في العقود اإلداريـة
كل دولة ،على أنه يجب أن تكون هذه الرقابة القضائية لهيئة التحكيم رقابة مرنة
حتفظ لهيئة التحكيم استقالليتها ،وفي الوقت ذاته حتافظ على اعتبارات النظام
العام في الدولة.
التحكيم في النظام القانوني العماني
عنى املشرع العماني عناية خاصة بأهمية التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية
في سلطنة ُعمان ،فصدر في شأن ذلك املرسوم السلطاني رقم ( )97/47بإصدار
قان� � ��ون التحكيم في املنازع� � ��ات املدنية والتجارية ،وال� � ��ذي مت تعديل بعض أحكام
باملرس� � ��وم الس� � ��لطاني رقم ( ،)2007/3فنظم طريقة اختيار احملكم وتنظيم عمله
وتش� � ��كيل هيئة التحكيم وكيفية مراقبة أعمال احملكمني ،حماية ملصالح األطراف
وحفاظ � � �اً على النظام العام ،كما أبرز املش� � ��رع دور الرقاب� � ��ة القضائية على أعمال
احملكمني مع ضمان اس� � ��تقالليتهم في ممارس� � ��تها ،فأخضع حك� � ��م هيئة التحكيم
للرقاب� � ��ة القضائية في احل� � ��االت التي تقتضي ذلك ،وح� � ��دد احملاكم التي تختص
بها ،للتحقق من مراعاة حكم التحكيم للشروط التي يتطلبها القانون ،والتثبت من
وظيفة احملكم واملهام املنوطة به للقيام بها ،ومدى احترامه للقواعد القانونية سواء
تل� � ��ك املتصلة باتفاق التحكيم ذاته أو بإج� � ��راءات التحكيم ،وذلك في حالة الطعن
عل� � ��ى حكم التحكيم بدع� � ��وى البطالن ،وصوالً إلى االعت� � ��راف بحكم التحكيم من
خالل شموله بالصيغة التنفيذية الالزمة لتنفيذه.
فقد أكد قانون التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية املش� � ��ار إليه في املادة
( )1منه على أ ّنه:
«مع عدم اإلخالل بأحكام االتفاقيات الدولية املعمول بها في الس� � ��لطنة تسري
أح� � ��كام هذا القانون عل� � ��ى كل حتكيم بني أطراف من أش� � ��خاص القانون العام أو
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
228
التحگيم في العقود اإلداريـة
القانون اخلاص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع ،إذا كان
هذا التحكيم يجري في الس� � ��لطنة أو كان حتكيماً جتارياً دولياً يجري في اخلارج
اتفق أطرافه على إخضاعه ألحكام هذا القانون».
وتنص املادة ( )6بند ( )2على أ ّنه:
«إذا اتف� � ��ق طرفا التحكيم على إخضاع العالق� � ��ة القانونية بينهما ألحكام عقد
منوذجي أو اتفاقية دولية أو أية وثيقة أخرى وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة مبا
تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم».
كما أكد املش� � ��رع العماني على أهمية التحكيم في العقود اإلدارية ،واختصاص
محكمة القضاء اإلداري بنظر املس� � ��ائل املتعلقة به ،فأضاف مادة جديدة برقم (6
مكرراً) إلى قانون احملكمة ،مبوجب املرس� � ��وم الس� � ��لطاني رق� � ��م ( )2009/3الذي
أجرى تعديالت على هذا القانون ،ومن بينها املادة ( 6مكرراً) املش� � ��ار إليها والتي
تنص على أنه:
«تسري أحكام قانون التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية على اخلصومات
املتعلق� � ��ة بالعقود اإلدارية ،ويكون االختصاص بنظر مس� � ��ائل التحكيم التي يحيلها
القان� � ��ون املذكور إلى القضاء فيم� � ��ا يتعلق بالعقود اإلدارية للدائ� � ��رة االبتدائية أو
للدائرة االستئنافية أو لرئيس احملكمة بحسب األحوال.
وفي ضوء ه� � ��ذا النص أصبح اختصاص محكمة القض� � ��اء اإلداري اختصاصاً
شام ً
ال لكافة مسائل التحكيم املتعلقة بالعقود اإلدارية ،واملنصوص عليها في قانون
التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية س� � ��الف الذكر ،وهو ما جرى عليه العمل
لدى هذه احملكمة منذ تطبيق املرسوم السلطاني املشار إليه.
229
التحگيم في العقود اإلداريـة
أما بالنسبة إلى جواز التحكيم في العقود اإلدارية التي تبرمها اجلهات اإلدارية
بالس� � ��لطنة ،فيرجع أصل ذلك إلى نص املادة ( )67من وثائق العقد املوحد إلنشاء
املباني واألعمال املدنية (طبعة عام 1982م وما بعدها وطبعة سبتمبر عام 1999م)،
املعمول به قبل صدور قانون التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية سالف الذكر،
والتي تلتزم اجلهات احلكومية بالتعاقد في معظم العقود التي تبرمها مع شركات
القط� � ��اع اخلاص وفقاً لنموذج ه� � ��ذا العقد املوحد ،حيث تنص املادة ( )67من هذا
أن:
العقد على ّ
«تس���وية اخلالف���ات والتحكي���م :إذا حصل خالف أو نزاع ما بني صاحب العمل
أو املهندس من جهة واملقاول من جهة أخرى حول أي أمر سواء فيما يتعلق بالعقد
أو ما ينتج عنه أو فيما يتعلق بتنفيذ األعمال أكان ذلك أثناء التنفيذ أو بعد إمتام
األعمال وس� � ��واء كان ذلك قبل أو بعد إنهاء العقد أو التخلي عنه أو فسخه ،يحال
هذا اخلالف إلى املهندس ليقوم بالفصل فيه.
وعل� � ��ى املهندس وخالل فترة ال تتعدى ( )90يوماً من إحالة اخلالف إليه بطلب
م� � ��ن أي من الطرفني أن يبعث بقراراته بهذا الش� � ��أن إل� � ��ى كل من صاحب العمل
واملقاول.
ويك� � ��ون هذا القرار فيما يتعلق بأي أمر أحيل إلى املهندس بهذا الش� � ��كل نهائياً
وملزماً لصاحب العمل وللمقاول ،وعلى الطرفني العمل بقرار املهندس هذا.
ويتوجب على املقاول أن يتابع التنفيذ بكل جهد مس� � ��تطاع بغض النظر عما إذا
كان ق� � ��د طلب إحالة املوضوع على التحكيم ،أو إذا كان هذا الطلب قد مت من قبل
صاحب العمل أوالً.
231
التحگيم في العقود اإلداريـة
احملكم� � ��ة املعروضة عليها الدعوى أن حتكم بعدم قبولها لوجود ش� � ��رط التحكيم،
وم� � ��ع ذلك يجوز للطرفني التنازل عن التحكيم وح� � ��ل نزاعهما عن طريق احملكمة
املختصة.
وقد قضت محكمة القضاء اإلداري في حكم لها في هذا الشأن بأنه:
أن املشرع مراعا ًة منه إلرادة املتعاقدين وحتقيقاً
تقدم ّ
مما ّ
إن املستفاد ّ
«وحيث ّ
لنيتهما التي ارتضوها لدى تضمني التعاقد ش� � ��رط اللجوء للتحكيم -حال نش� � ��وء
نزاع بينهما -فقد أوجب على احملكمة التي تنظر نزاعاً يوجد بشأنه اتفاق حتكيم
أن حتك� � ��م بعدم قبول الدع� � ��وى إذا دفع املدعى عليه بذلك قب� � ��ل إبدائه أي طلب
أو دف� � ��اع في الدعوى ،واملش� � ��رع في ه� � ��ذه املادة راعى باإلضاف� � ��ة إلى االعتبارات
املتقدمة مس� � ��ألة االختصاص القضائي للمحكمة باملنازعات املتعلقة بالعقود وما
متثله مس� � ��ألة اللجوء إلى التحكيم من ش� � ��رط اس� � ��تثنائي لوالية القضاء على هذا
الصنف من املنازعات ،وبالتالي اش� � ��ترط أن يك� � ��ون الدفع املبدى من املدعي عليه
أي طلب موضوع أو دفاع في الدعوى وإ ّال سقط احلق للجوء للتحكيم سابقاً على ّ
في التمسك بعد ذلك بهذا الشرط ،واملغزى الذي ابتغاه املشرع من ذلك يتم ّثل في
أن إبداء دفوع موضوعية أو طلبات أخرى في الدعوى يع ّد تنازالً من املدعي عليه ّ
عن شرط التحكيم وقبوله االحتكام إلى القضاء بحكم واليته املقررة قانوناً».
وف� � ��ي هذا الش� � ��أن تنص املادة ( )8م� � ��ن قانون التحكيم ف� � ��ي املنازعات املدنية
والتجارية العماني على أ ّنه:
«إذا اس� � ��تمر أحد طرفي النزاع في إج� � ��راءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة
مما يجوز االتفاق على
لشرط في اتفاق التحكيم أو حلكم من أحكام هذا القانون ّ
يقدم اعتراضاً على هذه املخالفة ف� � ��ي امليعاد املتفق عليه أو خالل
مخالفت� � ��ه ولم ّ
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
232
التحگيم في العقود اإلداريـة
س� � ��تني يوماً من تاريخ العلم عند عدم االتفاق ،اعتبر ذلك نزوالً منه عن ح ّقه في
االعتراض».
< نطاق الرقابة القضائية على مسائل التحكيم في منازعات العقود اإلدارية:
باس� � ��تقراء أحكام املرسوم السلطاني رقم ( )97/47بإصدار قانون التحكيم في
املنازعات املدنية والتجارية وتعديالته ،يتبني أن الرقابة القضائية بش� � ��أن مسائل
التحكيم الت� � ��ي تختص احملاكم املختلفة بنظرها س� � ��واء محاكم القضاء العادي أم
محكمة القضاء اإلداري -حس� � ��ب األح� � ��وال -تتضمن نوعني م� � ��ن الرقابة :رقابة
س� � ��ابقة ،ورقابة الحقة ،والذي يهمنا في هذا الش� � ��أن ه� � ��و رقابة محكمة القضاء
اإلداري فيما يتعلق مبس� � ��ائل التحكيم في العقود اإلدارية ،وهو ما سيتم توضيحه
على النحو اآلتي:
أو ًال :نطاق الرقابة السابقة على صدور حكم التحكيم في منازعات العقود اإلدارية:
تتجلى أهمية رقابة محكمة القضاء اإلداري على التحكيم في املرحلة الس� � ��ابقة
على صدور حكم التحكيم في الدور املعاون واملس� � ��اعد الذي يلعبه القضاء بصدد
تعي� �ي��ن احملكم عند تقاعس أحد اخلص� � ��وم عن تعيني احملكم الواجب عليه تعيينه،
ودوره ف� � ��ي طلب رد أحد احملكمني أو عزله أو إنهاء إجراءات التحكيم ،وكذلك كل
ما يتعلق بدوره بشأن تشكيل هيئة التحكيم أثناء سير إجراءات خصومة التحكيم،
حي� � ��ث غاية املش� � ��رع من إقرار رقابة قضائية س� � ��ابقة على ص� � ��دور حكم التحكيم
التأك� � ��د من صحة التحكيم في تلك املرحلة حتى يتس� � ��نى إص� � ��دار حكم حتكيمي
ل� � ��ه من الفاعلية وعناصر الصحة ما يكفل تنفي� � ��ذه دون النعي عليه بالبطالن من
ال عن احلد من رفع القضاي� � ��ا وتخفيف العبء عن كاهل القضاء من ناحي� � ��ة ،فض ً
ناحية أخرى ،وذلك عبر تسليط القضاء لرقابته على صحة اتفاق التحكيم ،وعلى
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
233
التحگيم في العقود اإلداريـة
صحة تشكيل هيئة التحكيم باعتبارهما حجرا الزاوية لصدور حكم حتكيمي قابل
للتنفيذ.
-الشروط اخلاصة بصحة اتفاق التحكيم في منازعات العقود اإلدارية:
ف� � ��ي األصل يُعد اتفاق التحكي� � ��م تصرفاً إدارياً ينصب عل� � ��ى محل معني ،بغية
إح� � ��داث أثر قانوني محدد ،األمر الذي يس� � ��توجب لصحته ونف� � ��اذه ضرورة توفر
الش� � ��روط اخلاصة بانعق� � ��اد العقد املتمثلة في ضرورة حتق� � ��ق الرضا اخلالي من
العيوب ،وأن يصدر الرضا من ش� � ��خص مكتمل األهلية ،وأن يكون موضوع االتفاق
هو اللجوء االختيار إلى التحكيم في مس� � ��ألة تدخل ضمن املس� � ��ائل التي يجوز في
ش� � ��أنها التحكيم ،إلى جانب توفر الش� � ��روط املوضوعية لصحة اتفاق التحكيم ،إال
أنه بالنس� � ��بة للعقود اإلدارية في الس� � ��لطنة -فكما ذكرنا سابقاً -فإن االتفاق على
التحكيم منصوص عليه في منوذج العقد املوحد إلنش� � ��اء املباني واألعمال املدنية،
وبالتالي أصبح شرطاً منصوص عليه قانوناً ،توفرت بشأنه كافة الشروط الالزمة
لصحته.
وتتطلب معظم التشريعات التي تنظم عملية التحكيم إفراغ االتفاق على التحكيم
في ش� � ��كل مكتوب ،بحيث يترتب البطالن عل� � ��ى مخالفة ذلك ،وفي بعض األحيان
تتطلب بعض التش� � ��ريعات التزام جهة اإلدارة بأخذ رأي اجلهات املختصة املعنية،
وموافقتها في أحيان أخرى.
-اجلهة املختصة بنظر الطعن ببطالن اتفاق التحكيم في منازعات العقود اإلدارية:
يُعد اتفاق التحكيم أس� � ��اس س� � ��لطة احملكمني ،بل هو حجر األساس في نظام
التحكيم بأس� � ��ره ،مم� � ��ا يتعني معه التأكد من صحة األس� � ��اس الذي يس� � ��تمد منه
احملكمون اختصاصهم من حيث نطاقه ومداه ،وعدم بطالنه أو قابليته لإلبطال.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
234
التحگيم في العقود اإلداريـة
وقد أس� � ��ند املش� � ��رع ال ُعماني للقضاء والية الفصل ف� � ��ي صحة أو بطالن اتفاق
التحكيم قبل بدء خصومة التحكيم ،بحيث يتعني على القاضي -احملكمة املختصة-
التحق� � ��ق من صحة اتف� � ��اق التحكيم وفقاً ملا يثيره األط� � ��راف قبل أن يقضي بعدم
اختصاصه بنظر النزاع ،ش� � ��ريطة أن يكون االتف� � ��اق ظاهره البطالن ،وذلك جتنباً
للسير في إجراءات مصيرها احلتمي إلى البطالن ،أو رفض االستمرار في نظره
إذا تبني له صحة ذلك االتفاق.
وال ريب أن إس� � ��ناد والية الفصل في مدى صحة أو بطالن اتفاق التحكيم قبل
ب� � ��دء خصومة التحكيم يكفل نوع � � �اً من الرقابة القضائية عل� � ��ى التحكيم في تلك
املرحل� � ��ة ،األمر ال� � ��ذي يحد من حاالت بطالن التحكيم وجتنيب األطراف مش� � ��قة
العودة إل� � ��ى القضاء من جديد ،مع ما ينطوي عليه ذلك من إهدار للوقت واجلهد
والنفقات.
-اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في مدى صحة أو بطالن اتفاق التحكيم:
أقر القانون بس� � ��لطة احملكم في الفصل في كافة الدفوع املتعلقة بحدود ونطاق
واليت� � ��ه واختصاصه متى ب� � ��دأت خصومة التحكيم (الدفع بع� � ��دم القبول) ،وميكن
القول هنا بأن الفصل في مدى صحة أو بطالن اتفاق التحكيم بعد بدء إجراءات
التحكيم يُعد اختصاصاً مش� � ��تركاً بني هيئ� � ��ة التحكيم واحملكمة املختصة ملختصة
ا بنظر الن� � ��زاع ،وأن اختصاص هيئة التحكيم بالفصل ف� � ��ي الدفوع املتعلقةأص� �ل � ً
باختصاصها ،ومنها تلك املتعلقة مبدى صحة ومشروعية اتفاق التحكيم ال يسلب
اختصاص القضاء اإلداري بنظر تلك الدفوع متى رفعت أمامه.
235
التحگيم في العقود اإلداريـة
-نط���اق الرقاب���ة القضائي���ة على صحة تش���كيل هيئ���ة التحكيم ف���ي منازعات
العقود اإلدارية:
يرتكز التحكيم في املقام األول على إرادة اخلصوم وتعاونهم وحس� � ��ن نواياهم،
بي� � ��د أن تعارض مصالح األطراف ف� � ��ي خصومة التحكيم قد تفضي لتضاؤل فكرة
تعاونهم مع هيئة التحكيم ،مما تستوجب حملهم على هذا التعاون لوصول خصومة
التحكيم إلى منتهاها.
وبالرغ� � ��م من أن احملكم ه� � ��و قاضي خصومة التحكيم إال أنه كش� � ��خص عادي
ال يتمتع بس� � ��لطة اإلجبار التي يتمتع بها القاض� � ��ي ،مما يظهر عجزه عن احلماية
القضائية امليسرة للمحتكمني ،ولضمان فعالية التحكيم ،فإن األمر يقتضي تعاوناً
وثيقاً بني القضاء وهيئات التحكيم ،يلعب القضاء من خالله دوراً مساعداً ورقابياً
على إجراءات خصومة التحكيم ،فضال عن إكماله لسلطة احملكم املنقوصة ،ومن
ثم يلجأ احملكم إلى القضاء يلتمس املس� � ��اعدة إلجبار اخلصوم على إمتام اإلجراء
املطل� � ��وب ،واالنصياع لق� � ��رارات هيئة التحكيم أو يلتمس األطراف املس� � ��اعدة في
ال عن التحقق من صحة تش� � ��كيل هيئة التحكيم تعيني احملكم أو رده أو عزله ،فض ً
طبقاً للضوابط التي يتطلبها القانون ،مما يتيح للقضاء تس� � ��ليط رقابته على تلك
األمور ملساعدة احملكمني في إجناز مهمتهم.
إن األصل املس� � ��تقر علي� � ��ه أن لطرفي التحكيم االتفاق عل� � ��ى اختيار احملكم أو
احملكم� �ي��ن ،وعل� � ��ى كيفية ووقت اختياره� � ��م ،بحيث إذا لم يتم ذل� � ��ك أو امتنع أحد
األط� � ��راف عن املش� � ��اركة في تعيني احملكم فال مندوحة م� � ��ن االلتجاء إلى القضاء
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
236
التحگيم في العقود اإلداريـة
ملعاونة األطراف في تش� � ��كيل هيئة التحكيم حتاش� � ��ياً إلنكار العدالة ،وهو ما تبناه
املشرع ال ُعماني ،حيث تنص املادة ( )17من قانون التحكيم على أنه:
«لطرفي التحكيم االتفاق على اختيار احملكم ،وعلى كيفية ووقت اختيارهم فإذا
لم يتفقا اتبع ما يأتي:
أ -إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولى رئيس احملكمة التجارية
(أو محكمة القضاء اإلداري بالنس� � ��بة للعقود اإلداري� � ��ة) اختياره بناء على
طلب أحد الطرفني.
ب -إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثالثة محكمني اختار كل طرف محكماً،
ثم يتفق احملكم� � ��ان على اختيار احملكم الثالث ،فإذا لم يعني أحد الطرفني
محكمه خالل الثالثني يوماً التالية لتس� � ��لمه طلباً بذلك من الطرف اآلخر،
أو إذا ل� � ��م يتفق احملكمان املعينان على اختيار احملكم الثالث خالل الثالثني
يوماً التالية لتاريخ تعيني ثانيهما تولى رئيس احملكمة التجارية اختياره بنا ًء
على طلب أحد الطرفني.
ويكون للمحكم الذي اخت� � ��اره احملكمان املعينان أو الذي اختاره رئيس احملكمة
رئاسة هيئة التحكيم ،وتسري هذه األحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر
من ثالثة محكمني. ........
ويتب� �ي��ن من النص املذك� � ��ور أن القانون فرق بني حالتني بش� � ��أن تدخل القضاء
باملساعدة لتعيني هيئة التحكيم ،احلالة األولى :تتحقق عندما تكون هيئة التحكيم
ُمش� � ��كلة من محكم واحد ،وال يتفقا على تسمية هذا احملكم أو على طريقة معينة
ومحددة لتعيينه ،فيتقدم أحد األطراف إلى احملكمة بطلب تعيني احملكم الفرد ،أو
عندما تكون الهيئة ُمش� � ��كلة من ثالثة محكمني أو أكثر ،ويتمثل ذلك في عدم قيام
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
237
التحگيم في العقود اإلداريـة
أح� � ��د األطراف بتعيني ُمحكمه ،بينما يقوم الط� � ��رف اآلخر بتعيني ُمحكمه ،فتقوم
احملكم� � ��ة بناء على طلب من الطرف اآلخر لتعي� �ي��ن احملكم اآلخر ،واحلالة الثانية
عندما يقوم الطرفان بتعيني محكميهما دون أن يتفقان على اختيار احملكم الثالث،
حي� � ��ث تتولى احملكمة تعيني احملكم الثالث ،مع مالحظ� � ��ة أن يتولى احملكم الثالث
رئاسة هيئة التحكيم سواء مت تعيينه من قبل احملكمني أم بواسطة القضاء.
واحملكم� � ��ة املختص� � ��ة بتعيني احملكم الواح� � ��د أو احملكم األرج� � ��ح هي احملكمة
ال بنظر الن� � ��زاع ،واحلكم الصادر بتعيني محك� � ��م أو أكثر يُعد حكماًاملختص� � ��ة أص ً
نهائياً ال يقبل الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية؛ بغية
وضع حد للخالف حول تشكيل هيئة التحكيم ،ودعماً لها في سرعة تفرغها لنظر
الدعوى التحكيمية والفصل فيها.
-دور القضاء في رد احملكم:
من املس� � ��لم به أن من يجلس مجلس القضاء واحلكم بني الناس قاضياً كان أو
محكماً يتمتع بجملة من الس� � ��مات يأتي في مقدمتها احلياد واالستقالل ،وبالتالي
يتطلب في احملكم الش� � ��روط والضوابط التي تكفل حياده واس� � ��تقالله ،فإذا قامت
أي من الظروف التي تثير شكوكاً جدية حول حيدة احملكم أو استقالله ،فإنه وفقاً
ألحكام املادة ( )18من قانون التحكيم العماني يجوز ألي من طرفي التحكيم طلب
رد احملكم ،إ ّال أنه ال يجوز ألي من الطرفني رد احملكم الذي عينه أو اش� � ��ترك في
تعيينه إال لسبب تب ّينه بعد أن ّ
مت هذا التعيني».
ووفقاً ألحكام املادة ( )19من القانون املشار إليه فإن طلب الرد يقدم كتابة إلى
هيئة التحكيم ،مبيناً فيه أسباب الرد خالل خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب
الرد بتش� � ��كيل هذه الهيئة أو بالظروف املب� � ��ررة للرد ،فإذا لم يتنح احملكم املطلوب
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
238
التحگيم في العقود اإلداريـة
رده ،فصل� � ��ت هيئة التحكيم في الطلب ،على أنه ال يقبل طلب الرد ممن س� � ��بق له
تقدمي طلب برد احملكم نفسه في ذات التحكيم.
ولطال� � ��ب ال� � ��رد أن يطعن في احلكم برفض طلبه خ� �ل��ال ثالثني يوماً من تاريخ
إعالن� � ��ه به أمام احملكم� � ��ة املنصوص عليها في املادة ( )9من ه� � ��ذا القانون ،وهي
محكمة القضاء اإلداري بالنس� � ��بة إلى املنازعات املتعلقة بالعقود اإلدارية ،وتختص
الدائ� � ��رة اإلبتدائية بهذه احملكمة في نظر الطعن في حكم هيئة التحكيم القاضي
برفض طلب رد احمل ّكم ،وتصدر حكماً نهائياً فيه ،غير قابل للطعن بأي طريق من
طرق الطعن ،وهذا ما قضت به الدائرة االس� � ��تئنافية مبحكمة القضاء اإلداري في
أحد أحكامها.
-دور القضاء في عزل احملكم:
م� � ��ن األصول املتع� � ��ارف عليها أن خصومة التحكيم ،ش� � ��أنها ش� � ��أن اخلصومة
القضائية ،تبدأ لتنتهي بحكم في موضوعها ،بيد إنه قد تطرأ أس� � ��باب تقضي إلى
عدم مباشرة احملكم ملهمته بالفصل في املنازعة التحكيمية أو انقطاعه عن أدائها،
س� � ��واء أكان ذلك بإرادته احلرة أم رغماً عن� � ��ه ،كوفاته أو لعذر ألم به ،كما لو فقد
أهليته أو أعجزه املرض أو كان ذلك بإيعاز من اخلصم س� � ��يء النية للمحكم الذي
اختاره باالمتناع عن إكمال مهمته ،األمر الذي يؤدي إلى إفراغ شرط التحكيم من
مضمونه ،وهنا ال يكون أمام طرفي التحكيم أو أحدهما سوى اللجوء إلى القضاء
املخت� � ��ص لوضع األمور في نصابه� � ��ا الصحيح ،عبر منحه احلق ف� � ��ي إنهاء مهمة
احملكم متى طلب منه ذلك أي من الطرفني ،بحيث ينفتح الباب أمامهما في سلوك
الطريق الذي اتفقا عليه الستبدال هذا احملكم بآخر سواء باتفاقهما أم عن طريق
القضاء عند تعذر اتفاقهما عليه.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
239
التحگيم في العقود اإلداريـة
ففي هذا الشأن تنص املادة ( )20من قانون التحكيم العماني على أنه:
«إذا تعذر على احملكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها مبا يؤدي
إلى تأخير ال مبرر له في إجراءات التحكيم ولم يتنح ولم يتفق الطرفان على عزله
جاز لرئيس احملكمة التجارية األمر بإنهاء مهمته بنا ًء على طلب أي من الطرفني»،
كم� � ��ا تنص املادة ( )21من هذا القانون على أنه« :إذا انتهت مهمة احملكم بعزله أو
تنحيه أو باحلكم برده أو بأي س� � ��بب آخر وجب تعيني بديل طبقاً لإلجراءات التي
اتبعت في اختيار احملكم الذي انتهت مهمته.
-دور القضاء في تكملة سلطة احملكم:
احملكم هو قاضي اخلصومة التحكيمية ،وأنه كش� � ��خص عادي ال يتمتع بسلطة
اإلجب� � ��ار الت� � ��ي يتمتع بها قاضي الدولة ،مما يس� � ��توجب اس� � ��تعانته بقضاء الدولة
ملس� � ��اعدته في اتخاذ م� � ��ا يراه من إج� � ��راءات الزمة لنظر اخلصوم� � ��ة التحكيمية
والفص� � ��ل فيها لضمان فاعلية التحكيم ،ومن ذلك ما يتعلق باس� � ��تدعاء الش� � ��هود
واتخاذ الوس� � ��ائل الكفيلة بإجبارهم على احلضور ،وإلزام الغير بتقدمي مستندات
حت� � ��ت يده منتج� � ��ه في الدعوى التحكيمية ،إلى جانب م� � ��ا تطلبه األمر من اللجوء
إلى اإلنابة القضائية في بعض املس� � ��ائل التي يتعذر على هيئة التحكيم مباشرتها
مبعرفتها ،كندب خبير أو إجراء معاينة أو االطالع على أوراق أو مستندات محرزة
أو سماع شهادة شخص مقيد احلرية أو مقيم باخلارج.
-مدى رقابة القضاء بشأن صحة تشكيل هيئة التحكيم:
تتطلب النظم التحكيمية ،ومن بينها قانون التحكيم ال ُعماني جملة من الشروط
لضمان صحة تش� � ��كيل هيئة التحكيم مبا يكفل صحة ما تتخذه من إجراءات ،وما
تصدره من أحكام من ناحية ،وتوفير الضمانات الالزمة ألطراف خصومة التحكيم
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
240
التحگيم في العقود اإلداريـة
م� � ��ن ناحي� � ��ة أخرى ،وهو ما يجب توف� � ��ره فيمن يقوم بعملي� � ��ة التحكيم ،من أهلية،
وقبوله للمهمة املسندة إليه ،واحلِ يادة واالستقالل ،كما أورد القانون شرطاً يوجب
بوترية عدد احملكمني ،ورتب البطالن في حالة مخالفة ذلك.
وميك� � ��ن القول ب� � ��أن تخلف ش� � ��رط أو أكثر في احملكم أو أح� � ��د احملكمني حال
تعددهم يقضي بالضرورة إلى بطالن تش� � ��كيل هيئة التحكيم ،وبالتالي بطالن حكم
التحكيم الصادر عنها ،ويرى بعض الفقه ضرورة توفر شرط اخلبرة في احملكم.
ثاني��� ًا :نطـ���اق الرقابـ���ة القضائيـ���ة الالحقـ���ة عل���ى حكـ���م التحكيـم ف���ي منازعات
العقود اإلدارية :
ال يقتصر دور التحكيم على مرحلة ما قبل صدور حكم التحكيم على ما أسلفنا،
وإمنا ميتد ليس� � ��تغرق مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم ،بل تتعاظم أهمية تلك
ال بش� � ��رياً عرضة
الرقاب� � ��ة في مرحلة ما بعد ص� � ��دور حكم التحكيم باعتباره عم ً
للغش أو التدليس أو الغلط أو النس� � ��يان ،األمر ال� � ��ذي يقتضي إخضاعه لنوع من
الرقاب� � ��ة القضائية بقصد مراجعته حفاظ � � �اً على حقوق أطراف خصومة التحكيم
الذين يضارون من س� � ��هو احملكمني وأخطائهم ،ولضمان احلد األدنى من ضمانات
التقاضي ،وإال انقلب التحكيم وباال على النظام القضائي بعد أن كان يتغيا تخفيف
العبء عن كاهل القضاء ،وتوفير عدالة سريعة وناجزة للمتقاضني.
وعلي� � ��ه اهتمت قوانني التحكيم املختلفة -ومن بينه� � ��ا قانون التحكيم العماني-
بتنظي� � ��م طرق الرقاب� � ��ة القضائي على أحكام احملكمني س� � ��واء متثل� � ��ت في رقابة
البطالن ،عبر دعوى البطالن التي يتم رفعها بعد صدور حكم التحكيم بغية إلغائه
ومنع تنفيذه ،أم متثلت في رقابة التنفيذ التي يتم ممارستها مبناسبة إصدار األمر
من احملكمة املختصة بتنفيذ احلكم أو عند تنفيذه.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
241
التحگيم في العقود اإلداريـة
بيد إن تلك الرقابة ليس� � ��ت مطلقة تعيد النظر والترجيح فيما فصل فيه حكم
التحكي� � ��م ،وإمنا هي رقابة مقيدة متارس في إط� � ��ار مجموعة من الضوابط التي
يضعه� � ��ا املش� � ��رع تنظيماً لها ،بحي� � ��ث يقتصر دورها على التثب� � ��ت من صحة حكم
التحكيم ،وتوفر املقومات األساس� � ��ية لألحكام بش� � ��أنها ،فض ً
ال ع� � ��ن التزام هيئة
التحكيم بالقواعد املنصوص عليها في القانون أو اتفاق التحكيم ،وس� � ��نوضح فيما
يل� � ��ي ش� � ��رحاً موجزاً عن دعوى بطالن حك� � ��م التحكيم كطري� � ��ق للرقابة القضائية
الالحقة على حكم احملكم.
-رقابة القضاء اإلداري بشأن دعوى بطالن حكم التحكيم في منازعات العقود
اإلدارية:
إن املس� � ��تقر عليه أن دعوى بطالن حكم التحكيم ليست طريقاً من طرق الطعن
ف� � ��ي أحكام احملكمني ،وإمن� � ��ا هي دعوى خاصة بنظام التحكي� � ��م ،هدفها محاكمة
احلكم دون أن متتد ألبعد من ذلك ،باعتبارها متثل الس� � ��بيل املشترك بني مختلف
النظم القانونية ملراقبة حكم التحكيم لالس� � ��تيثاق م� � ��ن صحته أو بطالنه ،مبعنى
أن القضاء املختص بنظرها ال ميلك س� � ��وى تقرير صحة حكم التحكيم أو القضاء
ببطالنه ،دون أن يتجاوز ذلك إلى معاودة النظر فيما فصل فيه حكم التحكيم ألن
دعوى البطالن ليست طريقاً للطعن على األحكام التحكيمية؛ ألنها ال تعد جزءاً من
هي� � ��كل خصومة التحكيم ،وال مرحلة من مراحلها ،ولكنها دعوى ترفع باإلجراءات
املعت� � ��ادة لرفع الدعاوى ،وينطبق عليها قانون اإلجراءات املدنية والتجارية فيما لم
يرد بشأنه نص خاص في قانون التحكيم.
وفي هذا الش� � ��أن قضت محكمة القضاء اإلداري بالس� � ��لطنة في أحد أحكامها
على أن:
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
242
التحگيم في العقود اإلداريـة
«حك� � ��م التحكي� � ��م الصادر في منازع� � ��ات العقود اإلدارية ال يقب� � ��ل الطعن عليه
أن اللجوء إلى التحكيم
ب� � ��أي طريق من ط� � ��رق الطعن العادية وغير العادية ،ذل� � ��ك ّ
االختياري يقوم في نش� � ��أته وإجراءاته وما يتولد عنه من قضاء على إرادة أطرافه
التي تتراضى بحرياتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم بدي ً
ال عن اللجوء
إل� � ��ى القضاء ،وبالتالي فإ ّنه احتراماً له� � ��ذه اإلرادة واعترافاً بحجية حكم التحكيم
ووج� � ��وب نفاذه من جهة ،ومواجهة احلاالت الت� � ��ي يعتري فيها حكم التحكيم عوار
ينال من مقوماته األساسية كحكم ويدفعه إلى دائرة البطالن مبدارجه املختلفة من
جهة أخرى ،أقام املشرع توازناً دقيقاً بني هذين البعدين من خالل السماح لطرفي
التحكيم بإقامة دعوى البطالن األصلية على حكم التحكيم بعد صدوره ،مستصحباً
الطبيعة القضائية لهذا احلكم ليس� � ��اوي بينه وبني أحكام احملاكم القضائية بصفة
عامة من حيث جواز إقامة دعوى بطالن أصلية عليها إذا توفر موجبها ،وذلك كله
احتراماً للضمانات األساس� � ��ية في التقاضي ،ومبا يؤدي في النهاية إلى إهدار أي
حكم يفتقر إلى املقومات األساس� � ��ية لألحكام القضائية ،إ ّال أنه وملّا كانت القاعدة
الفقهية تقرر أن «احلاجة تقدر بقدرها» ومن ثم ال غرو أن يأتي املشرع في املادة
أن
( )53م� � ��ن قانون التحكيم ف� � ��ي املنازعات املدنية والتجارية املش� � ��ار إليه ويقرر ّ
حاالت بطالن حكم التحكيم محددة على س� � ��بيل احلص� � ��ر ال يجوز القياس عليها
أو التوس� � ��ع في تفسيرها ،وهذه احلاالت تنقس� � ��م إلى قسمني األول :حاالت يكون
البطالن فيها نس� � ��بياً ،وهي احلاالت التي يتع� �ّي��نّ أن يثيرها الطاعن أمام احملكمة
حتى يتسنّى لها التصدي بالفصل فيها وتشمل كافة احلاالت الواردة في البند ()1
من املادة املش� � ��ار إليها ،والثاني ح� � ��االت يكون البطالن فيها مطلقاً :وهي احلاالت
التي يجوز للمحكمة أن تثير البطالن من تلقاء ذاتها دون دفع به من الطاعن ،وهي
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
243
التحگيم في العقود اإلداريـة
احلالة الواردة في البند ( )2من ذات املادة املذكورة واملتعلقة ببطالن حكم التحكيم
ملخالفته النظام العام في السلطنة.
وحي� � ��ث إن قضاء ه� � ��ذه احملكمة قد جرى على أ ّنها تخت� � ��ص بالفصل في طلب
بطالن احلكم الصادر في التحكيم إذا ش� � ��ابه عيب جس� � ��يم يس� � ��مح بإقامة دعوى
البط� �ل��ان ،وأ ّنه إذا اعتبر اس� � ��تثناء الطعن بدعوى البط� �ل��ان في األحكام الصادرة
فإن هذا االستثناء يجب أن يقف عند احلاالت املق ّررة والتي عن هيئات التحكيمّ ،
تنطوي علي عيب جسيم ،ومت ّثل إهداراً للعدالة ويفقد فيها احلكم وظيفته وتنتفي
عنه صفة األحكام ،ومن ذلك أن يصدر احلكم عن تش� � ��كيل غير مكتمل أو تنظره
هيئ� � ��ة التحكيم مبعزل وفي غيبة اخلصوم أو اإلخالل بحق الدفاع ،أ ّما إذا اقتصر
الطع� � ��ن في أحكام التحكيم على مناقش� � ��ة األدلة التي اس� � ��تند إليها احلكم وعلى
موضوع الدعوى من حيث تأويل القانون وتطبيقه ،وليس مما يعتبر عيباً جسيماً،
أو قام الطعن على مس� � ��ائل موضوعية تندرج كلّها حتت اخلطأ في تفسير القانون
وتأويل� � ��ه أو حتى صدور احلكم على خالف حكم آخر حائز لقوة األمر املقضي به،
فإن هذه األس� � ��باب ال متثل إهداراً للعدالة يفقد معها احلكم وظيفته ،وبالتالي ال ّ
مما يجعل الطعن عليه بعد ذلك تصم� � ��ه بأي عيب ينحدر به إلى وجوب االنعدامّ ،
غير قائم على أساس ويتعني االلتفات عنه».
< حاالت دعوى بطالن أحكام التحكيم في النظام القانوني العماني:
أورد قانون التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية في املادة ( )53منه احلاالت
التي يجوز بسببها رفع دعوى بطالن حكم التحكيم ،تضمنت اآلتي:
ال أو قاب ً
ال لإلبطال أو -1إذا ل� � ��م يوجد اتفاق حتكيم أو كان ه� � ��ذا االتفاق باط ً
سقط بانتهاء مدته.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
244
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم -وقت إبرامه -فاقد األهلية أو ناقصها
وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته.
-3إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقدمي دفاعه بسبب عدم إعالنه إعالناً
صحيحاً بتعيني محكم أو بإجراءات التحكيم ،أو ألي س� � ��بب آخر خارج عن
إرادته.
-4إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق األطراف على تطبيقه
على موضوع الدعوى.
-5إذا مت تش� � ��كيل هيئة التحكيم أو تعيني احملكمني على وجه مخالف للقانون
أو التفاق الطرفني.
-6إذا فصل حكم التحكيم في مسائل ال يشملها اتفاق التحكيم ،أو جاوز حدود
ه� � ��ذا االتفاق ،ومع ذل� � ��ك إذا أمكن فصل أجزاء احلكم اخلاصة باملس� � ��ائل
اخلاضعة للتحكيم عن أجزائه اخلاصة باملسائل غير اخلاضعة له ،فال يقع
البطالن إال على األجزاء األخيرة وحدها.
-7إذا وقع بطالن في حكم التحكيم ،أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطالناً
أثر في احلكم.
كم� � ��ا تقضي احملكمة التي تنظر دعوى البطالن من تلقاء نفس� � ��ها ببطالن حكم
التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في السلطنة.
وف� � ��ي ضوء ما تق� � ��دم ميكن إرجاع حاالت الطعن بالبط� �ل��ان إما لتعلقها باتفاق
التحكيم أو بإجراءات خصومة التحكيم أو بحكم التحكيم.
245
التحگيم في العقود اإلداريـة
-إجراءات دعوى البطالن واحملكمة املختصة بنظرها:
حدد قانون التحكيم في املنازعات املدنية والتجارية ال ُعماني إجراءات ومواعيد
معينة لرفع دعوى البطالن أمام احملكمة املختصة بنظر العقد محل النزاع ،سواء
محكم� � ��ة القض� � ��اء العادي أو محكمة القضاء اإلداري -حس� � ��ب األحوال ،إذ تنص
املادة ( )54من هذا القانون على أنه:
-1ترفع دعوى بطالن حكم التحكيم خالل التسعني يوماً التالية لتاريخ إعالن
حك� � ��م التحكيم للمحكوم عليه ،وال يحول دون قب� � ��ول دعوى البطالن نزول
مدعي البطالن عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم.
-2تختص بدعوى البطالن محكمة االس� � ��تئناف املختصة املشار إليها في املادة
( )9من هذا القانون».
-إجراءات رفع الدعوى:
تُرف� � ��ع دعوى بط� �ل��ان حكم التحكيم باإلج� � ��راءات املعتادة لرف� � ��ع الدعاوى ،أي
بصحيفة تودع أمانة س� � ��ر احملكمة املختصة س� � ��واء قدمت م� � ��ن صاحب املصلحة
أو من يوكله في ذلك ،ويش� � ��ترط في الدعوى -إذا رفعت أمام الدائرة االستئنافية
مبحكمة القضاء اإلداري بالنس� � ��بة إلى العقود اإلدارية -أن تكون موقعة من محام
مقبول للمرافعة أمامها ،على أن تعلن للطرف اآلخر بشخصه أو في موطنه طبقاً
للقواع� � ��د العامة في اإلعالن القضائي ،وال تقبل إال ممن كان طرفاً في اخلصومة
الت� � ��ي صدر فيها حكم التحكيم ،ويجب أن تش� � ��تمل الصحيفة على أس� � ��باب النعي
على احلكم بالبطالن ،طبقاً لألس� � ��باب التي أوردها القانون على س� � ��بيل احلصر،
وإال كانت باطلة ،وال يفهم من ذلك أن حتوي الصحيفة كل أس� � ��باب الطعن الواردة
بالقانون ،وإمنا يجوز االس� � ��تناد إلى س� � ��بب واحد أو أكثر فقط ،كما يجوز العدول
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
246
التحگيم في العقود اإلداريـة
عن بعض األس� � ��باب وإبداء غيرها ما دامت من بني األس� � ��باب التي ذكرها القانون
على سبيل احلصر.
-ميعاد رفع دعوى البطالن:
يقصد بهذا امليعاد األجل الذي حدده املشرع لرفع الدعوى خالله ،وتعد املواعيد
من الش� � ��روط الشكلية التي تتغيا حسن سير اخلصومة القضائية ،وضمان حقوق
الدف� � ��اع في آن واحد ،بحي� � ��ث يتعني على اخلصوم التقيد بتل� � ��ك املواعيد حتى ال
تتراخى إجراءات اخلصومة ،ويتأخر الفصل فيها إلى ما ال نهاية.
ال يتع� �ي��ن رفع دعوى البطالن خالله ،وهو تس� � ��عون يوماوقد حدد املش� � ��رع أج ً
من تاريخ إعالن حكم التحكيم للمحكوم عليه ،بحيث إذا لم يتم التقيد به س� � ��قط
احلق في رفعها ،وهذا الس� � ��قوط يتعلق بالنظام العام ،ومن ثم فال يجوز لألطراف
االتفاق على ما يخالفه ،كما تقضي به احملكمة من تلقاء نفس� � ��ها -أي بعدم قبول
الدعوى -متى رفعت بعد امليعاد املقرر قانوناً.
احملكمة املختصة بنظر دعوى البطالن
تختص بنظر هذه الدعوى محكمة االستئناف في القضاء العادي إذا كان النزاع
متعلقاً بعقد جتاري أو مدني ،أما إذا كان النزاع متعلقاً بعقد إداري فتختص بنظره
الدائرة االستئنافية مبحكمة القضاء اإلداري.
وقد فرق القانون بني التحكيم التجاري الدولي وغيره من أنواع التحكيم ،بحيث
يكون االختصاص بنظر مس� � ��ائل التحكيم التي يحيلها القانون للمحكمة املختصة
ال بنظر النزاع ،أما إذا كان التحكيم جتارياً دولياً س� � ��واء جرى داخل عمان أو
أص ً
في اخلارج ،فيكون االختصاص حملكمة استئناف مسقط ما لم يتفق الطرفان على
اختصاص محكمة استئناف أخرى في عمان.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
247
التحگيم في العقود اإلداريـة
حدود سلطة احملكمة املختصة بنظر دعوى البطالن:
يثور التس� � ��اؤل حول سلطة احملكمة املختصة بنظر دعوى البطالن ،هل يقتصر
دورها على مجرد القضاء ببطالن حكم التحكيم أو صحته ،ومن ثم رفض الدعوى،
أو يتعدى ذلك أو معاودة النظر والترجيح في هذا احلكم من كافة جوانبه الواقعية
والقانوني� � ��ة ،وفي حالة ما إذا قضت ببطالن حك� � ��م التحكيم هل ميكنها التصدي
للفصل في موضوع النزاع أم ال؟
انقس� � ��م الفقه بصدد اإلجابة على هذا التس� � ��اؤل بني مؤي� � ��د لتصدي احملكمة
الت� � ��ي تنظر دعوى البطالن للفصل في موضوع النزاع محل التحكيم حال قضائها
بإبطال حكم التحكيم ،وذلك اختصاراً للوقت واجلهد ،وحسما للنزاع بشكل سريع،
ال عن تالفي دعاوى البطالن الكيدية والتي غايتها تعطيل الفصل في النزاع، فض ً
وبني معارض لهذا الرأي ،بحجة أن دور احملكمة يقتصر على احلكم ببطالن حكم
التحكيم وبيان السبب في ذلك ،دون املساس بالفصل في أصل النزاع الذي يختص
بالبت فيه احملكم بناء على إرادة طرفي العقد الس� � ��ابق ،أو احلكم برفض الدعوى
إذا لم تتحقق في الدعوى أي حالة من حاالت البطالن املقررة قانوناً.
وبالنسبة لقضاء محكمة القضاء اإلداري في سلطنة ُعمان فقد استقر على أن
احملكمة حتكم إما ببطالن حكم التحكيم ،أو برفض الدعوى حس� � ��ب األحوال ،وال
ميتد قضاؤها ليش� � ��مل الفصل في النزاع محل حكم التحكيم ،وإمنا على الطرفني
معاودة طرح نزاعهما على احملكم ذاته أو غيره من احملكمني.
-رقابة القضاء اإلداري على أحكام التحكيم لدى طلب األمر بتنفيذها:
يتعني الكتس� � ��اب حكم التحكيم القوة التنفيذية اللجوء لقضاء الدولة للحصول
على أمر بتنفيذه ،وأمر التنفيذ ال يعدو كونه إجراءاً يصدر عن القاضي املختص،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
248
التحگيم في العقود اإلداريـة
فيضفي على حكم التحكيم القوة التنفيذية ،وهو بهذه املثابة يش� � ��كل نقطة التقاء
ب� �ي��ن قضاء الدولة وقضاء التحكيم ،بحيث يتدخ� � ��ل مبقتضاه القضاء ليكمل عمل
احملك� � ��م ،ويتيح إص� � ��دار أمر التنفيذ لقض� � ��اء الدولة نوعاً م� � ��ن الرقابة على حكم
التحكيم املأمور بتنفيذه؛ ضماناً حلماية تنفيذية عادله لهذا احلكم.
-اجلهة املختصة بإصدار األمر بتنفيذ حكم التحكيم:
وفق � � �اً ألحكام امل� � ��ادة ( )56من قانون التحكيم ال ُعمان� � ��ي يختص رئيس احملكمة
االبتدائية املختصة أو من يندبه من قضاتها بإصدار األمر بتنفيذ حكم احملكمني،
إال إذا كان التحكيم دولياً فإن االختصاص يكون معقوداً لرئيس محكمة االستئناف،
أو ما يعادلهما في محكمة القضاء اإلداري.
ويك� � ��ون تقدمي طلب تنفيذ حكم التحكيم من طالب التنفيذ في ش� � ��كل أمر على
عريضة من نس� � ��ختني متتطابقتني ومش� � ��تملة على وقائع الطلب وأسانيده وتعيني
موط� � ��ن مخت� � ��ار للطالب في املدين� � ��ة التي بها مقر احملكمة ،ويرف� � ��ق بالعريضة ما
يأتي:
-1أصل احلكم أو صورة موقعة منه.
-2صورة من اتفاق التحكيم.
-3ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية حلكم التحكيم إذا
لم يكن صادراً بها.
-4ص� � ��ورة من احملضر الدال على إيداع حكم التحكي� � ��م وفقاً للمادة ( )47من
قانون التحكيم.
249
التحگيم في العقود اإلداريـة
-شروط إصدار األمر بتنفيذ حكم التحكيم:
أورد قان� � ��ون التحكيم في امل� � ��ادة ( )58جملة من الش� � ��روط التي ال يجوز األمر
بتنفيذ حكم التحكيم إال بعد التحقق منها ،وهي:
-1ال يقب� � ��ل تنفي� � ��ذ حكم التحكي� � ��م إذا لم يكن ميعاد رفع دع� � ��وى البطالن قد
انقضى.
-2أنه ال يتعارض مع حكم سبق صدوره من احملاكم ال ُعمانية في موضوع النزاع.
-3أنه ال يتضمن ما يخالف النظام العام في سلطنة عمان.
-4أنه قد مت إعالنه للمحكوم عليه إعالناً صحيحاً.
وعلى القاضي املختص التحقق من تلك الش� � ��روط ،وإال امتنع عن إصدار هذا
األمر.
-النظام من األمر الصادر برفض التنفيذ:
وفقاً ألحكام املادة ( )58بند ( )3من قانون التحكيم ال ُعماني ،ال يجوز التظلم من
األمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم ،أما األمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم
منه إلى محكمة االستئناف املختصة خالل ثالثني يوماً من تاريخ صدوره.
-أثر الطعن بالبطالن على تنفيذ حكم التحكيم:
منح املش� � ��رع ال ُعماني الفاعلية الكاملة حلكم التحكيم مبجرد صدوره ،بحيث ال
يترتب على رفع دعوى البطالن وقف تنفيذه إال اس� � ��تثناء وبش� � ��روط خاصة ،وهي
االقتران واجلدية ،ويقصد باالقت� � ��ران أن يطلب رافع دعوى بطالن حكم التحكيم
وق� � ��ف تنفيذ احلكم في صحيفة دعوى البطالن ،بحيث ال يجوز له تقدميه كطلب
عارض أو بدعوى مستقلة ،واجلدية تعني احتمالية أحقية املدعي فيما يطلبه بحسب
الفحص الظاهر ألسباب وقف التنفيذ التي يستند إليها املدعي في صحيفة دعوى
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
250
التحگيم في العقود اإلداريـة
البطالن ،وتقدير ذلك متروك لسلطة احملكمة التي تنظر دعوى البطالن.
وفي هذا الشأن تنص املادة ( )57من قانون التحكيم على أنه:
«ال يترت� � ��ب على رفع دع� � ��وى البطالن وقف تنفيذ حكم التحكيم ومع ذلك يجوز
للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب املدعي ذلك في صحيفة الدعوى ،وكان
الطلب مبنياً على أسباب جدية وعلى احملكة الفصل في طلب وقف التنفيذ خالل
س� � ��تني يوماً من تاريخ أول جلسة محددة لنظره ،وإذا أمرت بوقف التفنيذ جاز لها
أن تأم� � ��ر بتقدمي كفالة أو ضمان مالي وعليها إذا أمرت بوقف التنفيذ الفصل في
دعوى البالن خالل ستة أشهر من تاريخ صدور هذا األمر.
-مدى رقابة القضاء اإلداري على حكم التحكيم لدى طلب األمر بتنفيذه:
تص� � ��در أح� � ��كام التحكيم حائزة حلجية األمر املقضي ،بي� � ��د أنه ال تكون واجبة
التنفي� � ��ذ إال بعد صدور األمر بتنفيذها من القاض� � ��ي املختص ،ويتيح إصدار أمر
التنفي� � ��ذ لقضاء الدول� � ��ة رقابة حكم التحكيم املأمور بتنفي� � ��ذه ،وهي رقابة يختلف
مداها ومضمونها من تش� � ��ريع آلخر ،حي� � ��ث يرى البعض التضييق من تلك الرقابة
ألضيق احلدود ،وبالتالي رقابته ليس� � ��ت رقابة موضوع ،ذلك أن القاضي ال يبحث
واقعات النزاع أو س� �ل��امة تطبيق القانون عليها أو صحة تفس� � ��ير احملكم للقانون
أو لواقعات النزاع ألن التوس� � ��ع في تلك الرقابة من ش� � ��أنه أن يفضي للخلط بني
ال عن منافاته لألس� � ��س التيإج� � ��راءات التنفيذ وإجراءات الطعن بالبطالن ،فض ً
يرتك� � ��ز عليها التحكيم ،بينما يرى البعض اآلخر منح القاضي اآلمر بالتنفيذ دوراً
رقابي � � �اً أكبر ميكن� � ��ه من مراقبة صحة حكم التحكيم وش� � ��رعيته قبل إعطاء األمر
بتنفيذه.
والله ولي التوفيق..
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
ورقة عمل بعنوان
التحكيم يف منازعات
العقود الإدارية
إعداد األستاذ
سالم األمني بالقاسم
املستشار باحملكمة العليا الليبية
العلمي الثالث
الملتقـى
253
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم في منازعات العقود اإلدارية
متهيـد
نظراً ملا تتس� � ��م ب� � ��ه اخلصومة أمام محاكم الدولة من بطء الس� � ��ير وتعقيد في
اإلج� � ��راءات وإف� � ��راط في النفقات إلى غير ذلك من أش� � ��باه هذه األمور فقد صار
اللج� � ��وء إلى التحكيم باعتباره نوعاً من العدال� � ��ة اخلاصة( )1هو احلل األمثل لتلك
املسائل واملش� � ��اكل ،وذلك بإخراج بعض املنازعات من والية القضاء العادي ليعهد
بها إلى أشخاص عاديني يتم اختيارهم من قبل أطراف النزاع للفصل فيه.
ومل� � ��ا كانت اتفاقية نيويورك 1958م ،بش� � ��أن االعتراف وتنفيذ أحكام احملكمني
األجنبية لم تضع قاعدة موضوعية موحدة حتدد املسائل التي يجوز فيها التحكيم
وتل� � ��ك التي ال يجوز فيها ذلك ،وتركت املج� � ��ال مفتوحاً لالجتهاد في املراحل التي
تس� � ��بق صدور حكم هيئة التحكيم بدليل أنها طبقاً للفق� � ��رة الثانية ببند رابعاً من
املادة اخلامسة منها حصرت أسباب رفض االعتراف بحكم احملكمني وتنفيذه في
حالة ك� � ��ون البلد املطلوب االعتراف أو التنفيذ بواس� � ��طة قضائه الوطني ال يجيز
تسوية النزاع عن طريق التحكيم.
ومع ذلك فقد أصبح التحكيم اليوم هو الطريق األصيل حلس� � ��م املنازعات التي
تنش� � ��أ بشأن العقود اإلدارية ،وما تعلق منها بالتجارة الدولية خاصة ،وصار الفقه
القانوني يرى أن التحكيم هو األصل وأن عدم التحكيم هو االس� � ��تثناء( ،)2وصارت
( )1د .أحمد أبو الوفا -التحكيم اإلختياري واإلجباري ،ط ،4منش� � ��أة املعارف باإلسكندرية 1983م ،بند ()1
ص ،15أشار إليه د .عاشور مبروك -التحكيم لسنة 2010م ،ص.1
( )2د .أحمد قس� � ��مت اجلداوي -التحكيم في مواجهة االختصاص القضائي الدولي -دار النهضة العربية
-القاهرة 1982م ،ص .9
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
254
التحگيم في العقود اإلداريـة
التش� � ��ريعات الداخلية للدول حتدد بشكل حصري املنازعات التي ال ميكن تسويتها
بالتحكيم ،بينما املنازعات القابلة للتسوية عن طريق التحكيم أصبح املجال أمامها
مفتوحاً( )1ولنبني هذا التطور من الناحية القانونية والفقهية والقضائية يحسن بنا
أن نبدأ بتعري� � ��ف العقد اإلداري محلياً ودولياً (باب أول) لنلج إلى مفهوم التحكيم
اإلداري لتس� � ��وية منازعات العق� � ��ود اإلدارية (باب ثاني) ث� � ��م لنعرض من خاللهما
لتط� � ��ور مبدأ اللجوء إلى التحكيم ف� � ��ي منازعات العقود اإلدارية (باب ثالث) وذلك
مبشيئة الله وعونه.
( )1د .حس� � ��ام الدي� � ��ن فتحي ناصف -قابلية محل النزاع للتحكيم في عق� � ��ود التجارة الدولية -دار النهضة
العربية 1999م ،ص.25
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
255
التحگيم في العقود اإلداريـة
الباب األول
العقد اإلداري
س� � ��وف أقوم إن ش� � ��اء الله في هذا الباب بتعريف العقد اإلداري فقهاء وقضاء
بالق� � ��در الالزم للوقوف على فحواه ،وكذلك نفعل مع العقد اإلداري الدولي كل في
مبحث مستقل.
257
التحگيم في العقود اإلداريـة
-عقود تنفيذ املشروعات غير احملمولة من امليزانية العامة (.)1
ومن هذه التعاريف للعقد اإلداري والنصوص التش� � ��ريعية السالفة الذكر يتضح
أن العقد اإلداري يقوم على أسس ثالث هي:
-1أن تكون اإلدارة أو أي شخص معنوي عام أحد أطرافه.
-2أن يتصل العقد مبرفق عام تسييراً أو تنظيماً.
-3أن يتبع بشأنه أسلوب القانون العام.
ويالحظ أن اجتماع هذه األس� � ��س ش� � ��رط لقيام العقد اإلداري ،إذ يترتب على
تخل� � ��ف أحدها فق� � ��د العقد لصفته اإلدارية ،ويصبح عق� � ��داً مدنياً يخضع ألحكام
القانون املدني(.)2
259
التحگيم في العقود اإلداريـة
مبقتضاه دولياً إذا اتصل� � ��ت عناصره أو بعضها بأكثر من نظام قانوني واحد ،ألن
الرابط� � ��ة التي يترتب عليها انتقال األموال أو اخلدمات من دولة إلى أخرى والتي
تتعل� � ��ق مبصالح التجارة الدولية ويتحقق به� � ��ا املعيار االقتصادي هي رابطة تتصل
بالضرورة بأكثر من نظام قانوني واحد الذي يفيد توافر املعيار القانوني في نفس
الوقت (.)1
( )1د .هش� � ��ام علي صادق ،املرجع السابق ،ص ،93وكذلك د .عمران علي السائح ،القانون الواجب التطبيق
على منازعات عقود التجارة الدولية ،دار الكتب الوطنية ،ط ،1سنة 2012م ،ص ،14وما بعدها.
( )1التش� � ��ريع الفرنس� � ��ي عرف التحكيم الدولي في الباب اخلامس من القانون الصادر واملرس� � ��وم رقم (-81
)500لسنة 1981م ،كما وضع التشريع املصري تعريفاً للتحكيم التجاري والتحكيم الدولي في الباب األول
من القانون رقم 1994/27م ،بشأن التحكيم في املواد املدنية والتجارية.
( )2د .عزيزة الش� � ��ريف ،التحكيم اإلداري في القانون املصري ،دار النهضة ،س� � ��نة ،1993ص ،21أشار إليه
د.عبدالعزيز عبداملنعم خليفة ،مرجع س� � ��ابق ،ص ،14وأيضاً د .محمود الس� � ��يد عمر التحيوي -التحكيم
بالقضاء والتحكيم مع التفويض بالصلح منشأة املعارف باإلسكندرية 2002م ،ص .36
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
261
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومن هذا التعريف نستخلص اآلتي:
-1إن طبيع� � ��ة التحكيم ف� � ��ي املنازعات اإلداري� � ��ة تتعلق مبنازع� � ��ات اإلدارة أو
األشخاص املعنوية العامة فيما بينها أو مع غيرها.
-2إنه يش� � ��مل جميع أعمال اإلدارة س� � ��واء العقدية أو غير عقدية وسواء كانت
هذه املنازعات داخلية أو خارجية.
-3إن من ش� � ��أن التحكيم في املنازعات اإلدارية أن يخرج موضوع املنازعة من
اختصاص القضاء العادي بشكل عام والقضاء اإلداري بشكل خاص وسواء
كان ذلك أثناء نظر املنازعة أو قبلها.
-4إن التحكيم في املنازعات اإلدارية قد يكون اختيارياً أو إجبارياً.
-5إن اللج� � ��وء إلى التحكيم ف� � ��ي املنازعات اإلدارية لي� � ��س مطلقاً ،بل مرهون
بوج� � ��ود نص في القانون يجي� � ��زه ،إذا األصل فيه املنع ،ألن القضاء اإلداري
ه� � ��و املختص بالنظر والفص� � ��ل في املنازعات اإلداري� � ��ة ،واخلروج عنه إلى
التحكيم استثناء.
263
التحگيم في العقود اإلداريـة
-2االختالف الفقهي في مصر في حكم اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية:
رأى جان� � ��ب من ه� � ��ذا الفقه عدم ج� � ��واز اللجوء إلى التحكيم ف� � ��ي هذه العقود
ألن القان� � ��ون رق� � ��م 1994/27م ،ال يتضمن نصاً صريحاً يجيز ذلك ،وال خروج عن
األصل إال بنص في القانون وهو ما يوافق فتوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع سالف الذكر.
وذهب جانب آخر إلى اجلواز ،ألن القانون املذكور لم مينع ذلك صراحة بل إنه
أجاز لألش� � ��خاص العامة اللجوء إلى التحكيم في العالقات القانونية ذات الطابع
التجاري أو االقتصادي التي تقبل الصلح والتصرف ،وأن هذه العالقات قد تشمل
املنازعات التي تدخل في دائرة العقود اإلدارية اتي تتسم بالطابع االقتصادي(.)1
ومن أس� � ��باب اخلالف أيضاً م� � ��ا يرجع إلى طبيعة العق� � ��د اإلداري الذي يتميز
ع� � ��ن غيره من العقود كالعقود التجارية والعمالية ،إذ تتمتع اإلدارة في مجال إبرام
العقد اإلداري وتنفيذه وإنهائه بس� � ��لطة واس� � ��عة ملا في ذل� � ��ك من تغليب للمصلحة
العامة على املصلحة اخلاصة دون أن يتحدى املتعاقد معها بحجة العقد ش� � ��ريعة
املتعاقدين أو يطالب بالتعويض ،على خالف العقود املدنية التي ال يجوز أن يستقل
أحد الطرفني بفس� � ��خها دون إرادة الطرف اآلخر( ،)2ومنها أيضاً مساس التحكيم
بالدس� � ��تور وتعارضه مع فكرة النظام العام( ،)3ذل� � ��ك أن القضاء الوطني والقانون
الوطني من أهم مظاهر السيادة الوطنية ورد على ذلك بأن اللجوء إلى التحكيم ال
يكون إال بناء على نص في القانون الوطني(.)4
( )1د .محمود سمير الشرقاوي -مفهوم التجارة الدولية وفقاً لقانون التحكيم املصري اجلديد -بحث سنة
1999م ،أشار إليه د .يسري محمد العصار ،املرجع السابق ،ص.138
( )2طعن إداري رقم 4/1سنة 1961م ،أشار إليه د .مازن ليلو راضي ،السابق ،ص .17
( )3د .سليمان الطماوي -األسس العامة للعقود اإلدارية -دار الفكر العربي -ط ،5س ،1991ص .192
( )4د .جابر جاد نصار -التحكيم في العقود اإلدارية -دراس� � ��ة مقارنة -دار النهضة العربية ،ص ،6أش� � ��ار
إلى املرجعني األخيرين د .عبدالعزيز عبداملنعم ،املرجع السابق ،ص.76 ،72
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
264
التحگيم في العقود اإلداريـة
-3مبررات اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية:
ملا كانت إرادة طرفي العقد هي الفيصل في اللجوء إلى التحكيم لتسوية أي نزاع
قائم أو محتمل في موضوع معني من موضوعات العقد اإلداري ،فإننا نود أن نقف
على املميزات واملبررات الت� � ��ي جتد بهما إلى التحكيم ،دون االلتجاء إلى القضاء،
وقد وجدنا أن الفقه القانوني قد اس� � ��تنبط بع� � ��ض املميزات الدافعة إلى التحكيم
في العقود اإلدارية اس� � ��تناداً إلى طبيعة التحكيم ذاته والقضاء على السواء ،فكان
منها:
-بساطة إجراءات التحكيم ،وسرعة اتخاذ القرار في موضوعه:
ذلك أن إجراءات التحكيم س� � ��هلة وبس� � ��يطة حيث يحدده� � ��ا أطراف النزاع
بأنفس� � ��هم مما يؤدي إلى س� � ��رعة إصدار القرار ،ألن التحكيم فيه اختصار
ش� � ��ديد لدرج� � ��ات التقاضي لكون حكم هيئة التحكيم يك� � ��ون باتاً وغير قابل
للطعن فيه من حيث املوضوع ،وقابل للتنفيذ الفوري(.)1
-السرية:
إن إج� � ��راءات القض� � ��اء العادي تتصف بالعالنية ،وه� � ��و أمر ال يرغبه طرفي
العقد اإلداري ملا في العالنية من كشف ألسرار املهنة وإذاعتها ونشرها مبا
قد يؤدي إلى املساس باملراكز االقتصادية التي يترتب عليها غالباً إساءة إلى
السمعة التجارية ،وأضراراً مالية مفجعة ،لذلك فإنهم يلجأون إلى اشتراط
الس� � ��رية في إجراءات التحكيم بينما ال يس� � ��تطيعون اشتراطها أمام القضاء
لكون األصل في إجراءاته العالنية.
( )1د .محمد أبو الوفاء ،التحكيم االختياري واإلجباري ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،سنة 1978م ،ص ،68
أشار إليه د .عبدالعزيز عبداملنعم خليفة ،املرجع السابق ،ص ،21وأيضاً د .علي عوض حسن -التحكيم
االختياري واإلجباري في املنازعات املدنية والتجارية -دار الفكر اجلامعي 2001م ،ص .64
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
265
التحگيم في العقود اإلداريـة
الباب الثالث
تطور مبدأ التحكيم في منازعات العقود اإلدارية
يكاد يجمع الفقه الفرنس� � ��ي على أن اللجوء إل� � ��ى التحكيم في منازعات العقود
اإلدارية بالنس� � ��بة ألش� � ��خاص القانون الع� � ��ام غير جائ� � ��ز إال إذا وجد نص قانوني
بإجازت� � ��ه ،وذل� � ��ك تطبيقاً لقاعدة حظر التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية التي وضعها
املشرع الفرنسي بقانون اإلجراءات املدنية القدمي والتي حتظر االتفاق على التحكيم
ف� � ��ي القضايا التي تخضع إلبالغ النيابة العامة ،وهي التي تخص الدولة واألمالك
العامة واملؤسس� � ��ات والهيئات العامة ( ،)1وأن احلظر يش� � ��مل كافة املنازعات التي
تكون األشخاص العامة طرفاً فيها حتى ولو تعلق األمر بعقد من عقود اإلدارة (،)2
وقد اس� � ��تقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على بطالن أي اتفاق تلتزم به الدولة
أو أي شخص من أشخاص القانون العام باللجوء إلى التحكيم بطالناً مطلقاً ( )3إال
أن هذا املنع لم يبق على إطالقه ،إذ دفعت الضرورات العملية والرغبة في إيجاد
حل س� � ��ريع لبعض املنازعات املشرع الفرنسي إلى اس� � ��تثناء بعض العقود اإلدارية
التي تكون فيها الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام طرفاً فيها ومنها عقود
الصناع� � ��ة والتج� � ��ارة فأصدر القانون رقم ( )9لس� � ��نة 1975م ،على أن يتم حتديد
طوائف املؤسسات التي تستفيد من هذا االستثناء مبوجب مرسوم يصدره مجلس
الوزراء ،ولوحظ أن مجلس الوزراء لم يصدر املرسوم التنفيذي لهذا القانون ( ،)4ثم
( )1د .عاطف سعد محمد ،عقد التوريد بني النظرية والتطبيق -دراسة مقارنة2006 -م ،مؤسسة الطوبجي
للتجارة وللطباعة والنشر ،ص.516
( )2بحث بعنوان (التحكيم في العقود اإلدارية في القانون) ،شبكة التواصل االجتماعي فيس بوك
HTTP://WWW.startimes/2T=3486166
( )3د .يسري محمد العصار ،املرجع السابق ،ص.96
ً
( )4د .يسري محمد العصار ،املرجع السابق ،ص ،103وأنظر أيضا جورج ڤودال ،وبيار دل ڤول ڤية ،القانون
اإلداري ط2001-1م ،ص ،32ترجمة منصور القاضي.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
266
التحگيم في العقود اإلداريـة
توالت التشريعات التي جتيز اللجوء إلى التحكيم في بعض العقود اإلدارية ،إلى أن
صدر قانون بتاريخ ( )19أغس� � ��طس 1986م ،فوسع من نطاق اللجوء إلى التحكيم
بحيث شمل جميع صور العقود التي تبرمها الدولة أو أحد وحدات اإلدارة احمللية
أو املؤسس� � ��ات العامة مع الش� � ��ركات األجنبية( ،)1ثم القان� � ��ون الصادر بتاريخ ()2
يونيو 1990م ،الذي أجاز ملصلحة البريد واالتصاالت اللجوء إلى التحكيم حلس� � ��م
املنازع� � ��ات التي قد تكون طرفاً فيها ،والقانون الصادر بتاريخ ( )12يوليو 1999م،
الذي س� � ��مح للمؤسسات العلمية والثقافية التي تس� � ��اهم في مرفق التعليم العالي
اللجوء إلى التحكيم لتسوية املنازعات التي قد تثور مع نظيراتها األجنبية مبناسبة
تنفيذ عقد من عقودها( ،)2كما سمح املشرع الفرنسي مبوجب القانون رقم ()972
لسنة 1986م ،للدولة وأجهزتها واملؤسسات العامة أن تضمن عقودها التي تبرمها
مع ش� � ��ركات أجنبية في املجاالت االقتصادية الوطنية ش� � ��رط التحكيم لتسوية أي
نزاع عند تفسير أو تنفيذ تلك العقود(.)3
ومن هذه التش� � ��ريعات يتضح أن إج� � ��ازة التحكيم في القانون الفرنس� � ��ي تكون
فقط في العقود اإلدارية الدولية ،وأن احلظر في العقود اإلدارية الداخلية ال زال
قائماً.
وق� � ��د رفض مجلس الدولة الفرنس� � ��ي إدراج ش� � ��رط حتكيم ف� � ��ي عقد رغم أنه
مس� � ��تند إلى اتفاقيات دولية جتيز التحكيم ،ألنه يعتبر مبدأ خطر جلوء أشخاص
القانون العام للتحكيم من املبادىء العامة التي تسمو على االتفاقيات الدولية ،التي
كان يسبغ عليها حتى 1989م ،قيمة قانونية مساوية للتشريع.
267
التحگيم في العقود اإلداريـة
< املبحث الثاني :مدى جواز اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود اإلدارية مبصر.
إن االلتج� � ��اء إلى التحكيم ف� � ��ي منازعات العقود اإلدارية أث� � ��ار جدالً في الفقه
والقضاء كما سبق أن رأينا في املبحث الثاني من الباب الثاني لهذا البحث ،إال أن
املش� � ��رع املصري أراد حس� � ��م هذا اخلالف حينما أصدر القانون رقم 1994/27م،
بشأن التحكيم في املواد املدنية والتجارية فأجاز اللجوء إلى التحكيم بني أشخاص
القان� � ��ون العام أو اخلاص أياً كانت طبيعي� � ��ة العالقة القانونية محل النزاع إذا كان
التحكي� � ��م يجري ف� � ��ي مصر أو كان حتكيم � � �اً جتارياً دولياً يتم ف� � ��ي اخلارج واتفق
األط� � ��راف عل� � ��ى إخضاعه ألحكام القانون اخلارجي ،وم� � ��ع ذلك لم يرفع اخلالف
فأصدر القانون رقم ( )9لسنة 1997م ،بتعديل القانون السابق فأجاز اللجوء إلى
التحكيم باتفاق األطراف بش� � ��رط موافقة الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه
بالنسبة لألشخاص االعتبارية العامة ،وأنه ال يجوز التفويض في ذلك ،وقد اعتبر
القض� � ��اء في مصر أنه إذا ص� � ��درت املوافقة على االلتجاء إل� � ��ى التحكيم من غير
الوزي� � ��ر املختص أو بتفويض منه للغير فإن من يوق� � ��ع املوافقة يكون غير مختص،
ألن االختص� � ��اص هنا يقوم مقام األهلية في مجال القانون اخلاص ،فينعقد العقد
ال غير منتج ألثره ،وتنحسر عنه والية هيئة التحكيم إذا ويقع ش� � ��رط التحكيم باط ً
رفع النزاع إليها( ،)1ومع ذلك فقد صدرت بعد ذلك أحكام قضائية متناقضة بشأن
االلتزام بهذا الشرط بعضها يقضي بعدم البطالن استناداً إلى أن املوافقة أو عدمها
يرج� � ��ع إلى اجلهة اإلدارية املتعاقدة فال يضار املتعاقد معها من عدم اس� � ��تيفائها،
وأن القانون رقم 1994/27م ،املع� � ��دل بالقانون رقم 1997/9م ،لم يرتب البطالن
على عدم احلصول على موافقة الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه(.)2
( )1حك� � ��م مرك� � ��ز القاهرة اإلقليمي للتحكي� � ��م التجاري الدولي ،القضية 2002/292م ،أش� � ��ار إليه د .عاطف
سعدي محمد ،املرجع السابق ،ص.621
( )2حكم مركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري الدولي ،القضية 2006/464م.
( )1حك� � ��م محكمة اس� � ��تئناف القاهرة ،القضي� � ��ة رقم 126/111ق ،بتاريخ 2010/3/30م ،مش� � ��ار إلى هذين
احلكمني في بحث املستشار /محمد أمني مهدي ،بعنوان (عود إلى إشكالية التحكيم في منازعات العقود
اإلدارية) مجلة التحكيم العاملية 2013م ،ص.34
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
269
التحگيم في العقود اإلداريـة
< املبحث الثالث :مدى جواز التحكيم في منازعات العقود اإلدارية في ليبيا.
لبيان هذا األمر س� � ��نبدأ بالقواعد واألحكام العامة للتحكيم في القانون الليبي
(أوالً) ثم نوضح تطور التش� � ��ريع الليبي بش� � ��أن اللجوء إلى التحكيم في منازعات
العقود اإلدارية (ثانياً).
أو ًال :األسس والقواعد العامة للتحكيم في القانون الليبي.
وضع املش� � ��رع الليبي األس� � ��س والقواعد العامة للتحكيم ف� � ��ي الباب الرابع من
الكت� � ��اب الثالث املعن� � ��ون (في إجراءآت وخصومات متنوعة) م� � ��ن قانون املرافعات
املدنية والتجارية الصادر في ( )28نوفمبر 1952م ،في املواد من ( 739إلى )777
فتضمن� � ��ت امل� � ��ادة ( )739مبدأ إجازة اللجوء إلى التحكي� � ��م لفض املنازعات بصفة
عامة حيث نصت على أنه:
(يجوز للمتعاقدين أن يش� � ��ترطوا عرض ما قد ينش� � ��أ من النزاع في تنفيذ عقد
معني على محكمني ،ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معني مبش� � ��ارطة حتكيم
خاصة).
ومفاد هذا النص أن املش� � ��رع الليبي أجاز اللجوء إلى التحكيم لفض نزاع معني
في تنفيذ عقد معني بإحدى طريقتني األولى أن يتم اش� � ��تراط عرض أي نزاع قد
ينش� � ��أ بشأن تنفيذ عقد على التحكيم الثانية أن يشترط التحكيم في اتفاق خاص
ينشأ بعد قيام نزاع معني بشأن تنفيذ عقد.
ولكن املشرع أخرج من هذه اإلجازة مبا نص عليه في املادة ( )740وهي األمور
املتعلقة بالنظام العام ،أو املنازعات بني العمال وأرباب العمل فيما يتعلق باألحكام
اخلاص� � ��ة بالتأمني االجتماعي وإصابة العمل أو أمراض املهنة واملنازعات املتعلقة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
270
التحگيم في العقود اإلداريـة
باجلنس� � ��ية أو باحلالة الش� � ��خصية ،واعتبر أن التحكيم ال يصلح إال ممن له أهلية
التصرف في احلقوق ،وال يصح في املسائل التي ال يجوز فيها الصلح أيضاً.
كما اش� � ��ترط مبوجب املادة ( )742أن مش� � ��ارطة التحكي� � ��م ال تثبت إال بالكتابة
وأوجب باملادة ( )743أن يحدد فيها موضوع النزاع أو أن يتم حتديده أثناء املرافعة
ولو كان احملكمون منوطني بالصلح ورتب على تخلف ذلك بطالن التحكيم.
وقد عرفت احملكمة العليا الليبية النظام العام بأنه كل ما يرتبط مبصلحة عامة
متس النظام األعلى للمجتمع س� � ��واء كانت سياس� � ��ية أو اجتماعية أو اقتصادية أو
خلقية ( ،)1وقالت بشأن أحكام قانون العمل ،إن نص املادة ( )740مرافعات ،صريح
ف� � ��ي عدم جواز التحكيم في األمور املتعلقة بالنظام العام ،وأن أحكام قانون العمل
كلها تعتبر من النظام العام (.)2
ثاني ًا :تطور مبدأ اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود اإلدارية.
كما رأينا في البند السابق إن قانون املرافعات املدنية والتجارية ال مينع أطراف
العقد اإلداري من إدراج ش� � ��رط التحكيم ضمن بن� � ��ود العقد ،وقد ذهبت احملكمة
العليا إلى ذلك في أحد أحكامها حيث قالت( :إن القانون الليبي خال من أي نص
مانع يحول دون اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية) ( ،)3ورغم أن هذا الشرط
ال� � ��ذي صار مألوفاً ومعروفاً في الداخل واخلارج ،إال أن أمر الوصول إليه لم يكن
ال حيث حصل بعد تطورات تشريعية بني اإلجازة واملنع على النحو التالي. سه ً
-في س� � ��نة 1970م ،منع املش� � ��رع الليبي اللجوء إل� � ��ى التحكيم لفض منازعات
( )1طعن مدني رقم 8/44ق ،بتاريخ 1964/2/19م ،مجلة احملكمة العليا الليبية س ،1ع ،3ص.28
( )2طعن مدني رقم 84/23ق ،بتاريخ ،1977/12/25مجلة احملكمة العليا س ،14ع ،3ص.178
( )3طعن إداري رقم 17/1ق ،بتاريخ 1970/4/5م ،مجلة احملكمة العليا ع ،4س ،6ص.19
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
271
التحگيم في العقود اإلداريـة
العقود اإلدارية بنص صريح حيث أصدر القانون رقم ( )76لس� � ��نة 1970م ،بشأن
املنازعات الناش� � ��ئة ع� � ��ن العقود اإلدارية العامة ،ونص في امل� � ��ادة األولى منه على
أنه:
(يقع باط ً
ال كل ش� � ��رط في العقود التي تبرمها الوزارات واملصالح واملؤسس� � ��ات
والهيئ� � ��ات العامة يتضمن فض املنازعات الناش� � ��ئة عن العق� � ��د بطريق التحكيم أو
باختصاص جهة قضائية أخرى غير القضاء الليبي).
ثم حد من هذا املنع قلي ً
ال حيث نص في املادة األولى من القانون رقم ( )1لسنة
1971م ،بتعديل القانون رقم ( )76لسنة 1970م ،املشار إليه ،على أنه:
(تضاف إلى املادة األولى من القانون رقم ( )76لسنة 1970م ،املشار إليه فقرة
جديدة بالنص اآلتي:
وم� � ��ع ذلك يجوز ملجلس الوزراء بناء على اعتبارات الضرورة التي يقدمها الوزير
املختص املوافقة على اإلعفاء من هذا القيد بالنسبة لبعض اجلهات أو العقود) (.)1
إال أن املش� � ��رع الليبي في ذلك الوقت نكس على عقبيه وعاد مجدداً إلى حظر
اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود اإلدارية ،فألغى القانون الس� � ��ابق مبوجب القانون
رقم ( )49لسنة 1972م (.)1
-وفي سنة 1980م ،في ظل التحفظ واحلذر الشديد من املشرع الليبي صدرت
الئح� � ��ة العقود اإلدارية بقرار من اللجنة الش� � ��عبية العامة ف� � ��ي ( )6مايو 1980م،
ال للقواعد واملبادىء التي حتكم العقود ال متكام ً
وتضمنت ألول مرة تنظيماً ش� � ��ام ً
اإلدارية ،ونصت في املادة ( )99منها على ما يلي:
( )1املوسوعة التشريعية الليبية -القوانني الصادرة سنة 1971م ،املجلد الثالث ،ص .1
273
التحگيم في العقود اإلداريـة
االتف� � ��اق على التحكيم مبحكم فرد ،وهو ما ينس� � ��جم م� � ��ع نص املادة ()754
م� � ��ن قانون املرافعات التي تترك ألطراف العق� � ��د حرية االتفاق على قواعد
وإجراءات معينة للتحكيم يرتضونها.
-إن اس� � ��تبعاد أن يكون التحكيم مبحك� � ��م فرد يوفر هيئة حتكيم جماعية تكون
أكثر قدرة وكفاءة في فض املنازعات املتعلقة بالعقود اإلدارية خاصة ما تعلق
منها بحاالت التحكيم الدولي(.)1
-كما عرف املشرع الليبي في فترة مبكرة جداً مبدأ اللجوء إلى التحكيم الدولي
حلس� � ��م منازعات العقود اإلدارية الدولية ومن ذلك ما ورد من قانون البترول
رقم ( )25لسنة 1955م( ،)2حيث نصت املادة ( )20منه بند ( )1على أنه:
جتري تسوية كل نزاع ينشأ بني اللجنة وبني صاحب العقد املمنوح وفقاً ألحكام
ه� � ��ذا القانون عن طري� � ��ق التحكيم ،وذلك على الوجه املب� �ي��ن في امللحق الثاني
لهذا القانون) ،وقد بني البند الثامن والعش� � ��رون من هذا امللحق طريقة تسوية
أي نزاع ينش� � ��أ بني طرفي العقد ،ونصت الفقرة السابعة من هذا البند على أن
يخضع العقد للقوانني الليبية وللمبادىء والقواعد املناسبة من القانون الدولي
ويفس� � ��ر مبقتضاها جميعاً ،وبينت الفقرة الثامنة منه على أن قرارات التحكيم
غير قابلة لالستئناف وأنه على طرفي العقد االمتثال له بإخالص.
ومفاد هذه النصوص أن املشرع الليبي جعل التحكيم هو السبيل الوحيد لتسوية
املنازعات الناشئة عن عقود البترول ،وأن العقد خاضع للقوانني الليبية والقواعد
واملبادىء املناسبة في القانون الدولي على السواء وأنه يفسر مبقتضاها جميعاً،
وأن قرارات التحكيم بشأنها نهائية وغير قابلة لالستئناف.
( )1أ .مصطف� � ��ى العال� � ��م ،التحكيم في منازعات العقود اإلدارية -بحث منش� � ��ور مبحلة احملامي -أكتوبر -
ديسمبر 1985م ،ص .29
( )2اجلريدة الرسمية العدد الرابع السنة اخلامسة ،ص .3
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
274
التحگيم في العقود اإلداريـة
-وبتاري� � ��خ 1996/6/17م ،أبرمت املؤسس� � ��ة الوطنية للنفط مع ش� � ��ركة أجيب
ش� � ��مال أفريقيا والش� � ��رق األوس� � ��ط احملدودة اتفاق االستكشاف ومقاسمة
األرباح فنص فيه على اللجوء إلى التحكيم وفقاً لقواعد املصلحة والتحكيم
لغرفة التجارة الدولية في باريس في حالة عدم التوصل ودياً إلى تسوية أي
خالف ينش� � ��أ بينهما يتعلق باالتفاقية املذكورة خالل س� � ��تة أشهر من حلظة
إثارة موضوع النزاع رسمياً(.)1
-أجاز املش� � ��رع أيضاً مبوجب القانون رقم ( )3لس� � ��نة 2006م ،بشأن شركات
القطاع العام االتف� � ��اق على التحكيم في املنازعات التي تقع فيما بينها وبني
األشخاص االعتبارية اخلاصة أو األفراد ،واشترط أن تطبق في هذا الشأن
التش� � ��ريعات الوطنية ذات العالقة ،ومؤدي هذا القانون أنه س� � ��مح لشركات
القطاع العام أن تلجأ إلى التحكيم الداخلي فقط وأن تطبق في سبيل حسم
النزاع عن طريق التحكيم التشريعات الليبية دون سواها(.)2
-كما أنه فيما يتعلق باالس� � ��تثمار فقد أصدر املش� � ��رع الليبي القانون رقم ()5
لس� � ��نة 1997م ،بشأن تش� � ��جيع اس� � ��تثمار رؤوس األموال األجنبية ونص في
امل� � ��ادة ( )41من� � ��ه على أن االختصاص بنظر أي نزاع ينش� � ��أ بني املس� � ��تثمر
األجنبي والهيئة يكون للمحاكم الليبية ما لم يوجد اتفاقيات ثنائية أو متعددة
األط� � ��راف تتضمن نصوصاً صريحة تقضي بالصل� � ��ح أو التحكيم ،أو اتفاق
خاص بني املستثمر والدولة ينص على شرط التحكيم ،ثم ألغي هذا القانون
بالقانون رقم ( )9لسنة 2010م ،الذي ينص في املادة ( )24منه على أن:
( )1أش� � ��ار إليه أ .د /الكوني أعبودة ،الدور الفعال للقضاء في مجال التحكيم التجاري الدولي ،مؤمتر ش� � ��رم
الشيخ 28-27نوفمبر 2012م ،ص.3
( )1مدونة الشريعات السنة السابعة العدد ( )3ص .77
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
275
التحگيم في العقود اإلداريـة
(يعرض أي نزاع ينشأ بني املستثمر األجنبي والدولة بفعل املستثمر أو نتيجة
إلج� � ��راءات اتخذتها ضده الدولة على احملاك� � ��م املختصة في الدولة ،إال إذا
كان� � ��ت هناك اتفاقية ثنائية بني الدولة والدولة التي ينتمي إليها املس� � ��تثمر،
أو اتفاقيات متعددة األطراف تكون الدولة والدولة التي ينتمي إليها طرفني
فيه� � ��ا ،تتضم� � ��ن نصوصاً متعلقة بالصل� � ��ح أو التحكي� � ��م أو اتفاق خاص بني
املستثمر والدولة ينص على شرط التحكيم)(.)1
وبالتال� � ��ي فإن التحكيم وفق ألحكام هذا القان� � ��ون ال يلجأ إليه إال في حالة
وجود ن� � ��ص يقضي به في اتفاقية ثنائية أو متع� � ��ددة األطراف تكون الدولة
الليبية والدولة التي ينتمي إليها املس� � ��تثمر طرف� �ي��ن فيها ،وأن التحكيم هنا
مقصور على وج� � ��ود الطرف األجنبي فقط ،أما منازعات االس� � ��تثمار التي
يكون املستثمر فيها وطنياً فإنها تخضع الختصاص القضاء الليبي ،وال محل
فيها لالتفاق على التحكيم لوجود النص اخلامس س� � ��الف الذكر( ،)2وهو ما
يتعارض مع املبادىء العامة للتحكيم ومبدأ املساواة.
277
التحگيم في العقود اإلداريـة
وأخي� � ��راً بين� � ��ا القواعد العامة للتحكيم في القانون الليب� � ��ي التي جتيز التحكيم
بص� � ��ورة عامة ما لم يكن األمر متعلقاً بالنظام العام ،أم التحكيم في مجال العقود
اإلدارية ،فإن املش� � ��رع الليبي لم مينع أطراف العقد من إدراج شرط التحكيم فيه،
وقضاء احملكمة العليا الليبية أخذ بذلك.
ثم تعرضن� � ��ا لتطور مبدأ اللجوء إلى التحكيم في التش� � ��ريعات الليبية املختلفة
الذي بدأ باملنع الصريح مبوجب القانون رقم ( )76لس� � ��نة 1970م ،ثم استثنى من
ه� � ��ذا املنع بعض اجلهات العامة في بعض العقود مبوافقة مجلس الوزراء ،ثم نص
صراح� � ��ة على اللج� � ��وء إلى التحكيم في مجال منازعات العق� � ��ود اإلدارية بإصدار
الئحة العقود اإلدارية بقرار اللجنة الشعبية العامة رقم ( )6لسنة 1980م ،بشرط
أن يكون القضاء الليبي هو املختص بنظر املنازعات الناش� � ��ئة عن العقد اإلداري،
ويج� � ��وز عند الضرورة في حالة التعاقد مع ش� � ��ركات أجنبية أن يلجأ إلى التحكيم
مب� � ��ا يضمن للجانب الليبي فرضه متكافئة فيه مع حظر االتفاق على محكم فرد،
وتأكد ذلك بالئح� � ��ة العقود اإلدارية الصادرة بالقرار رقم ( )563لس� � ��نة 2007م،
وهي الالئحة النافذة وقد جعل املش� � ��رع الليب� � ��ي مبدأ اللجوء إلى التحكيم الدولي
في مجال العقود اإلدارية الدولية املتعلقة بالبترول هي الس� � ��بيل الوحيد لتس� � ��وية
املنازعات التي قد تنش� � ��أ عنها وذلك بإصداره القانون رقم ( )25لس� � ��نة 1955م،
واش� � ��ترط فيه أن تطبق بش� � ��أن املنازعة أحكام القانون الليبي واملبادىء والقواعد
املناسبة في القانون الدولي وأن تفسير العقد يكون مبقتضاهما معاً.
ومبوجب القانون رقم ( )9لسنة 2010م ،بشأن تشجيع االستثمار األجنبي أجاز
املش� � ��رع الليبي اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود اإلدارية التي تنش� � ��أ بني
الدولة الليبية واملس� � ��تثمر األجنبي ،واش� � ��ترط أن يكون القضاء الليبي هو املختص
بنظره� � ��ا ما لم يوجد ن� � ��ص في اتفاقية ثنائي� � ��ة أو متعددة األط� � ��راف تكون ليبيا
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
278
التحگيم في العقود اإلداريـة
واملس� � ��تثمر طرفاً فيها تتضمن نصوصاً متعلقة بالصلح أو التحكيم أو وجود اتفاق
خاص بني ليبيا واملستثمر ينص على شرط التحكيم.
وبذلك نكون ق� � ��د أوضحنا التحكيم في مجال العقود اإلدارية -داخلياً ودولياً-
حس� � ��ب ما ظهر لنا من الفقه والقضاء املقارن وأساسهما من النصوص التشريعية
ونأمل أن نكون قد وفقنا إلى ذلك.
والسالم عليكم..
279
التحگيم في العقود اإلداريـة
(قائمة املراجع)
أو ًال :الكتب:
-1د .أحم���د أب���و الوفاء -التحكيم االختياري واإلجباري ،ط ،4منش���أة املعارف باإلس���كندرية
1983م.
-2د .أحمد قس� � ��مت اجلداوي -التحكيم في مواجهة االختص� � ��اص القضائي الدولي -دار
النهضة العربية -القاهرة 1982م.
-3د .حس� � ��ام الدين فتحي ناصف -قابلية محل النزاع للتحكيم في عقود التجارة الدولية -
دار النهضة العربية 1999م.
-4د .س� � ��ليمان محمد الطماوي -األس� � ��س العامة للعقود اإلدارية -ط ،2دار الفكر العربي
1965م.
-5د .م� � ��ازن ليلو راضي ،العق� � ��ود اإلدارية في القانون الليبي واملقارن 2002م ،دار املطبوعات
اجلامعية.
-6د .عبدالعزيز عبداملنعم خليفة -التحكيم في منازعات العقود اإلدارية الداخلية والدولية
-دار الفكر اجلامعي 2007م.
-7د .هش� � ��ام علي ص� � ��ادق ،القانون الواجب التطبيق على عقود التج� � ��ارة الدولية ،دار الفكر
اجلامعي ،ط ،1س2014م.
-8د .عمران علي الس� � ��ائح -القانون الواجب التطبيق على منازعات عقود التجارة الدولية،
دراسة في التحكيم التجاري الدولي ،دار الكتب الوطنية ،ط ،1سنة 2012م.
-9د .يسري محمد العصار -التحكيم في املنازعات اإلدارية العقدية وغير العقدية -دراسة
مقارنة 2009 -م.
-10د .عاطف سعد محمد ،عقد التوريد بني النظرية والتطبيق -دراسة مقارنة 2006 -م،
مؤسسة الطوبجي للتجارة وللطباعة والنشر.
اعداد املستشار
أ .د .علي فوزي املوسوي
املستشار في مجلس الدولة
العلمي الثالث
الملتقـى
283
التحگيم في العقود اإلداريـة
تنفيذ القرار التحگيمي
في القانون العراقي
مقدمة
يعد تنفيذ القرار الصادر من احملكمني من املسائل املعقدة التي تثير اشكاليات
قانونية داخل الدولة وخارجها قد حظى هذا املوضوع باهتمام على صعيد القوانني
الداخلية واالتفاقيات الدولية على حد سواء.
إن التنفيذ مبعناه اللغوي ينصرف إلى إخراج الشيء من نطاق الفكر إلى مجال
العم� � ��ل والواقع املادي ،أما من الناحية االصطالحي� � ��ة فيقصد به الوفاء بااللتزام
بحيث تبرأ ذمة املدين منه وهو على نوعني رضائي (اختياري) وجبري (قهري).
ال توجد قواعد منفردة في القانون العراقي لتنفيذ أحكام احملكمني س� � ��وى ما
ذكره قانون مرافعات املدنية رقم 83لس� � ��نة 1969ضمن الباب املخصص للتحكيم
واملكون من 26مادة قانونية تبدأ باملادة 251وتنتهي باملادة 276وفي هذا الصدد
نص قرار محكمة التمييز املرقم /286اس� � ��تئنافية ف� � ��ي منقول( 2011/إن أحكام
التحكيم التي نص عليها قانون املرافعات املدنية لم تفرق بني التحكيم الذي يجرى
داخل العراق أو خارجه وأن نص املادة 253من هذا القانون وردت مطلقة واملطلق
يجري على اطالقه) سنتناول بحث املوضوع من خالل محورين احملور األول يتعلق
بتنفي� � ��ذ القرار التحكيمي وفقاً للقواعد القانوني� � ��ة النافذة واحملور الثاني التنفيذ
من خالل االتفاقيات الدولية واإلقليمية التي صادق عليها العراق يس� � ��بقهما فكرة
عامة عن التنفيذ.
إن التنفيذ س� � ��واء كان لقرارات احملاكم أو لقرارات احملكمني له قواعد خاصة
وأشخاص يتولون القيام به.
أشخاص التنفيذ:
هما ثالثة أشخاص:
-1السلطة العامة والتي يكون لها دوران.
أ -دور املصادقة على القرار.
ب -دور الفصل في النزاعات املتعلقة بالتنفيذ.
-2طالب التنفيذ.
والذي يشترط فيه شروط إقامة الدعوى من األهلية واملصلحة والصفة.
-3املطلوب تنفيذ ضده.
والذي يشترط فيه شرطان هما الصفة واألهلية.
أنظمة التنفيذ
285
التحگيم في العقود اإلداريـة
-1نظ� � ��ام املراقب� � ��ة ومبوجبه يخضع القرار التحكيم� � ��ي أو القرار األجنبي إلى
رقابة القاضي الذي يتولى تنفيذه وهذه الرقابة أيضاً تكون على نوعني.
أ -نظام الرقابة احملدودة الذي يتولى فحص الشروط الشكلية في القرار.
ب -نظام الرقابة غير احملدودة يكون مبوجبه دور القاضي واس� � ��عاً ويفحص
القرار من حيث الشكل واملوضوع وفي كل األحوال ال يتعدى دور القاضي
الرقابة الشبيهة برقابة قاضي محكمة التمييز.
-2نظ� � ��ام املراجعة ومبوجب� � ��ه يراجع احلكم بكل أوليات� � ��ه ويكون للمحكمة دور
واس� � ��ع في قبول التنفيذ من عدمه أو أنها حتل محل مصدر القرار وهذا ال
يؤدي إلى احترام احلقوق املكتسبة.
تق� � ��وم احملاكم في العراق بتبني االجتاه األول باتخاذ نظام املراقبة ولكنها تكون
مح� � ��دودة إذا تعلق األمر بتنفيذ احلكم األجنبي بالعراق اس� � ��تناداً إلى قانون تنفيذ
األحكام األجنبية رقم 30لسنة 1928والذي حدد شروطاً لتنفيذ مثل هذا احلكم
بعد صدوره نهائياً من محكمة أجنبية.
-1إقامة الدعوى أمام محكمة البراءة إلصدار قرار التنفيذ.
-2تقدمي نسخة مصدقة من احلكم األجنبي حسب األصول.
-3أن يقتصر على املسائل املالية.
-4أن ال يتعارض مع النظام العام واآلداب في العراق.
-5استيفاء الرسوم املقررة.
بعد توافر هذه الش� � ��روط يقرر القاضي تنفيذ احلك� � ��م األجنبي واملالحظ من
النصوص الواردة في قانون تنفيذ األحكام األجنبية أن رقابة احملكمة محدودة ولكن
األمر يكون مختلفاً بالنس� � ��بة لتنفيذ ق� � ��رارات احملكمني فقد أجمع الفقه والقضاء
عل� � ��ى أن دور احملكمة في مراقب� � ��ة وتصديق قرار التحكيم وه� � ��ل أنه ينصب على
اإلج� � ��راءات التي تتبعها أم على اإلجراءات وموضوع النزاع فاملش� � ��رع عندما يقرر
للقضاء س� � ��لطة التحقيق في مطابقة أحكام احملكمني من حيث الش� � ��كل واملوضوع
إمن� � ��ا يجعل للقض� � ��اء على حكم احملكمني رقابة متاثل رقاب� � ��ة محكمة التمييز وأن
تكون هذه الرقابة مقيدة باآلتي:
-1التحقق من سالمة اإلجراءات التي تبعت في التحكيم وعلى األخص مراعاة
مبدأ املواجهة واملجابهة في التقاضي.
-2التحقق من س� �ل��امة النتائج التي توصلت إليها هيئ� � ��ة التحكيم في قرارها
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
287
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومطابقتها ملبادىء القانون األساس� � ��ية وع� � ��دم خروجها على قواعد النظام
العام واآلداب.
-3ال يجوز للمحكمة أن تتطرق ملناقشة املسائل التي يكون فيها للمحكم سلطة
الترجي� � ��ح والتقرير مثل اس� � ��تخالص الوقائع وترجيح البينات واس� � ��تعمال
الرخص التي يخولها املشرع للقاضي.
أم� � ��ا التحكيم الذي يجرى داخل العراق تكون رقابة احملكمة منبس� � ��طة وممتدة
بش� � ��كل غير محدود فقد نصت املادة 274من قانون املرافعات املدنية على (يجوز
احملكمة أن تصدق قرار التحكيم أو تبطله كال أو بعضاً ويجوز لها في حالة االبطال
كال أو بعض � � �اً أن تعيد القضية إلى احملكمني إلصالح ما ش� � ��اب قرار التحكيم أو
تفصل في النزاع بنفسها إذا كانت القضية صاحلة للفصل فيها).
تأكي� � ��داً لهذا النص صدرت العديد من قرارات محكمة التمييز االحتادية منها
القرار (/1131الهيئة االستئنافية منقول )2008/في 2008/12/21وكذلك القرار
(/103هيئة املوسعة املدنية )2007/في )2007/7/26
يتض� � ��ح من النص املتقدم وق� � ��رارات محكمة التمييز االحتادي� � ��ة آنفة الذكر أن
الرقابة غير محدودة في مجال القرار التحكيمي وتخالف أهداف الرقابة القضائية
املتمثلة باآلتي:
-1حتقق احملكمة من سالمة اجراءات احملكمني.
-2عدم مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام.
-3الرقابة القضائية على التحكيم احلر واملؤسس.
إن رقابة احملكمة تظهر أيضاً عند الطعن ببطالن القرار التحكيمي وباحلاالت
289
التحگيم في العقود اإلداريـة
احملور الثالث :تنفيذ القرار التحكيمي مبوجب االتفاقيات التي صادق عليها العراق:
صادق العراق على بروتوكول جنيف عام 1923والذي تضمن في مادته األولى
بصحة أي اتفاق في مجال التجارة الدولية س� � ��واء كان بصيغة ش� � ��رط أو مشارطة
التحكي� � ��م ولكنه قصر الت� � ��زام الدولة باالعتراف بق� � ��رارات التحكيم الداخلية ولم
يصادق العراق على اتفاقية جنيف لس� � ��نة 1927والتي ألزمت الدول املوقعة على
البروتوكول والتي صادقت عليها أن تنفيذ أحكام احملكمني األجنبية على أراضيها
ول� � ��م يص� � ��ادق العراق أيضاً حل� � ��د اآلن على اتفاقية نيويورك لس� � ��نة 1958إال أنه
صادق على اتفاقية واش� � ��نطن لس� � ��نة 1965املتعلقة باملنازعات االس� � ��تثمارية بني
رعاية الدول املس� � ��تثمرة والدول املضيفة لالستثمار بالقانون رقم 64لسنة 2012
واجلهود ماضية لتش� � ��جيع العراق النضمامه إلى اتفاقية نيويورك ألن عدد الدول
املوقع� � ��ة عليها جتاوز 157دولة في املجتمع الدولي وهذه االتفاقيات مبجملها لها
دور كبير في تنفيذ القرار التحكيمي على إقليم الدولة مباش� � ��رة وإلغاء مبا يسمى
باإلكس� � ��اء املزدوج (نهائية وتصديق القضاء للقرار التحكيمي في البلد الذي صدر
به ونهائية وتصديق القضاء للقرار التحكيمي في البلد املطلوب التنفيذ فيه).
س� � ��نتناول اتفاقيتني إقليميتني صادق عليهم� � ��ا العراق من خاللهما ميكن تنفيذ
قرارات احملكمني بش� � ��كل مباش� � ��ر أو غير مباش� � ��ر وهما اتفاقية الرياض للتعاون
القضائي وتس� � ��ليم املجرمني لعام 1983واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري
كما يأتي:
اتفاقية الرياض لعام :1983
ه� � ��ذه االتفاقية حتتوي على 72مادة قانونية صادق العراق عليها بالقانون 110
لسنة 1983وانضمت إليها 21دولة عربية باستثناء مصر.
291
التحگيم في العقود اإلداريـة
اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لعام :1987
احت� � ��وت هذه االتفاقي� � ��ة على 42مادة صادق العراق عليها بالقانون 86لس� � ��نة
1988وانضم� � ��ت إليها 14دولة عربية ،وتعد هذه االتفاقية اتفاقية متخصصة في
مس� � ��ائل التحكيم التجاري فقد نصت املادة 2منها على (تطبق هذه االتفاقية على
النزاعات التجارية بني أشخاص طبيعيني أو معنويني أي كانت جنسياتهم يربطهم
تعام� � ��ل جتاري مع إحدى ال� � ��دول املتعاقدة أو أحد أش� � ��خاصها أو تكون لهم مقار
رئيس� � ��ية فيها) كما نصت املادة 35على سلطة القضاء بإضفاء الصبغة التنفيذية
على قرارات هيئة التحكيم من قبل احملكمة العليا والتي يقصد بها محكمة التمييز
ويجوز رفض األمر بالتنفذ إذا كان القرار التحكيمي مخالفاً للنظام العام وحددت
امل� � ��ادة 44احلاالت التي يجوز فيها ألي من الطرفني بناءاً على طلب كتابي يوجهة
إلى رئيس املركز إلبطال القرار التحكيمي إذا توفرت سبب من األسباب اآلتية:
-1إن الهيئة التحكيمية قد جتاوزت اختصاصها بشكل ظاهر.
-2إذا ثب� � ��ت بحك� � ��م قضائي وجود واقعة جديدة كان م� � ��ن طبيعتها أن تؤثر في
القرار التحكيمي تأثيراً جوهرياً.
-3وقوع تأثير غير مشروع على أحد احملكمني كان له أثراً في القرار.
يتضح من العرض املتقدم أن كلتا االتفاقيتني تش� � ��ير إلى إمكانية تنفيذ القرار
التحكيمي تنفيذاً مباش� � ��راً بني الدول املوقعة عليهم� � ��ا دون احلاجج إلى إجراءات
معقدة وميكن أيضاً اللجوء إلى أس� � ��لوب التنفيذ غير املباشر باختيار اجلهة طالبة
التحكيم مكاناً ملركز حتكيمي في إحدى الدول املوقعة على هاتني االتفاقيتني فيما
إذا ص� � ��در القرار التحكيمي من هذا املرك� � ��ز فإنه ميكن تنفيذه في الدولة األخرى
املطل� � ��وب تنفيذه القرار التحكيمي على أراضيها تنفيذاً غير مباش� � ��ر ،وقد قضت
اعداد وتقدمي
عبداملنعم القنديل احلسن
قاضي محكمة االستئناف -اخلرطوم -السودان
العلمي الثالث
الملتقـى
295
التحگيم في العقود اإلداريـة
التعريف بالتحكيم في العقود اإلدارية
التحكيم عموماً نظام بديل لتسوية املنازعات املدنية والتجارية احمللية والدولية
كما بعرف بأنه إحدى الطرق البديلة لتس� � ��وية املنازعات حيث أن الطريق األصيل
هو طريق القضاء ،وهذه الطرق البديلة عن القضاء كثيرة منها (التحكيم والصلح
والتوفيق والوساطة واخلبرة واملساعي احلميدة واإلستشارة واملفاوضة) وكل هذه
الوسائل تعتبر وس� � ��ائل ودية مخرجاتها غير ملزمة لألطراف بينما يعتبر القضاء
والتحكيم وس� � ��ائل قضائية تنتهي بصدور أحكام حت� � ��وز حجية األمر املقضي فيه
وتنفذ بواسطة احملاكم.
التحكيم بشكل عام نظام إجرائي مياثل قوانني اإلجراءات أو املرافعات املدنية
التي تنظم التقاضي أمام احملاكم املدنية والتجارية ،كما أن التحكيم كنظام إجرائي
ال يختلف من دولة ألخرى أو من قواعد دولية إال بالقدر اليسير ،االمر الذي جند
كثي� � ��راً أن األطراف يتفقون على قواعد غير القان� � ��ون الوطني ولم يحظر القانون
ذلك.
ومع تزايد االهتمام مؤخراً بالتحكيم فإنني أود أن أسلط بعض الضوء في هذه
الورقة على التحكيم كوس� � ��يلة من وس� � ��ائل الفصل في املنازع� � ��ات املتعلقة بالعقود
اإلدارية نظراً ألن هذه العقود تعتبر إحدى وس� � ��ائل الدولة في تنفيذ مش� � ��روعاتها
وبرامجها اإلمنائية.
ولذل� � ��ك ال بد من أن نبدأ بتحديد مفه� � ��وم العقد اإلداري Administrative
Contractفالعق� � ��د يعتب� � ��ر إدارياً إذا كان أح� � ��د طرفيه ش� � ��خصاً اعتبارياً عاماً
ال بنش� � ��اط مرفق عام وملحوظ فيه سلطة اإلدارة العامة أي وكان موضوعه متص ً
احلكومية في اإلش� � ��راف على تنفيذه ومراقبة كيفية سيره مبا لها من سلطة عامة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
296
التحگيم في العقود اإلداريـة
ومتضمناً ش� � ��روطاً غير مألوفه في نطاق العقود اخلاصة وهو ما يعبر عنه فقهاء
القانون اإلداري بلجوء اإلدارة إلى وسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع
بحقوق والتزامات ال يتمتع املتعاقد معها.
ومصطلح (العقد اإلداري) هو املصطلح السائد في الدول التي تأخذ مبفاهيم
النظام القانوني الالتيني مثل القانون الفرنس� � ��ي ،أما دول النظام القانوني االجنلو
سكس� � ��وني فتأخذ مبصطل� � ��ح العق� � ��د احلكوم� � ��ي Government Contract
(وتختلف فلسفة النظامني حول هذه العقود ،ففي النظام القانوني الالتيني تسمو
إرادة الط� � ��رف اإلداري (أي احلكومي) ،بينما في النظام االجنلو سكس� � ��وني ليس
للط� � ��رف احلكومي هذه املي� � ��زة ،وهناك فوارق أخرى عديدة بني النظامني لس� � ��نا
بصدد احلديث عنها.
وتتن� � ��وع العقود اإلداري إلى أنواع عديدة منها عق� � ��د التوريد ،وعقد التوظيف،
وعقد االشغال العامة والتي يكون موضوعها إنشاء اجلسور أو االنفاق أو املطارات
أو املوان� � ��ىء وغير ذلك من األعمال اإلنش� � ��ائية ،وعقد التش� � ��غيل والصيانة وعقد
استثمار ثروة طبيعية مثل املياه أو النفط أو الغاز أو املعادن ،وعقد نقل التكنولوجيا،
وغير ذلك من العقود الالزمة لتس� � ��يير املرافق العامة وتنفيذ املشروعات والبرامج
اإلمنائية.
واألصل في العقود اإلدارية أن اخلالفات الناش� � ��ئة عن تنفيذها أو تفس� � ��يرها
تدخل ضمن اختصاص هيئات القضاء اإلداري ،ففي مصر وفرنسا يختص مجلس
الدولة (وهو هيئة قضائية إدارية) بالفصل في املنازعات املتعلقة بالعقود اإلدارية.
وفي اململكة العربية الس� � ��عودية يختص ديوان املظالم كهيئة قضاء إداري بالفصل
ف� � ��ي العقود التي تكون احلكومة أو أحد الش� � ��خصيات املعنوي� � ��ة العامة طرفاً فيها
سواء أكانت هذه العقود إدارية أم غير إدارية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
297
التحگيم في العقود اإلداريـة
واختلف� � ��ت اجتاهات األنظمة القانونية حيال مش� � ��روعية اللج� � ��وء إلى التحكيم
ف� � ��ي الفصل في منازعات العقود اإلدارية ،ففي مص� � ��ر ثار خالف كبير في الفقه
والقضاء حول مشروعية التحكيم في منازعات هذه العقود إلى أن تدخل املشروع
للقان� � ��ون رقم 1997/9م الذي أج� � ��از االتفاق على التحكيم ف� � ��ي منازعات العقود
اإلدارية شريطة أن يكون هذا االتفاق قد مت مبوافقة الوزير املختص أو من يتولى
اختصاصه بالنسبة للشخصيات االعتبارية وال يجوز التفويض في ذلك.
أما في فرنسا فقد كان محظوراً اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية إال أن
هذا الوضع قد تعدل مبوجب قانون صدر في 1986م حيث اقتصر حظر التحكيم
ف� � ��ي العقود الداخلية مع بعض االس� � ��تثناءات وأجاز التحكيم بش� � ��روط معينة في
العقود اإلدارية الدولية أي العقود التي تبرم مع مؤسسات وشركات أجنبية.
ومن نافلة القول أن التحكيم هو إحدى الوسائل التي تساعد على تشجيع أصحاب
رؤوس األموال األجنبية لالستثمار في الدول التي تسعى جلذب األموال األجنبية
لالستثمار على أرضها .ألن املستثمر األجنبي يفضل عادة أسلوب التحكيم كوسيلة
لتس� � ��وية املنازعات ألنه يتوجس خيفة من انحياز القضاء الوطني لدولته ويرى في
التحكيم وس� � ��يلة محاي� � ��دة تدعو إلى الطمأنينة .ولعل أكث� � ��ر عقود الدولة في دول
العالم الثالث أخذاً بأس� � ��لوب التحكيم كوسيلة لفض املنازعات هي عقود استثمار
الثروات الطبيعية كالنفط والغاز واملعادن ،وعقود اإلنش� � ��اء واإلدارة وحتويل امللكية
املعروفة اختصاراً باس� � ��م B.O.Tوقد استقر أحكام هيئات التحكيم الدولية على
أن الدولة التي تقبل بشرط التحكيم في العقود التي تبرمها مع أطراف أجنبية ال
ميكنها التمسك بحصانتها القضائية أمام هيئة التحكيم ألن الدولة بقبولها شرط
التحكيم تكون قد تنازلت عن حصانتها ومن ثم ال ميكن بعد قبول شرط التحكيم
وعن� � ��د بدء إجراءاته أن تدف� � ��ع الدولة برد دعوى التحكيم اس� � ��تناداً إلى حصانتها
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
298
التحگيم في العقود اإلداريـة
القضائية ألن هذا يتنافى مع مبدأ حسن النية في تنفيذ االلتزامات الدولية ،وهو
من املبادىء املس� � ��تقرة في املعامالت الدولية ،يضاف إلى ذلك أن محاولة التحلل
من ش� � ��رط التحكيم بع� � ��د االتفاق عليه في العقد املبرم م� � ��ع طرف أجنبي بذريعة
احلصانه القضائية من ش� � ��أنه أن يهز ثقة املتعاملني مع اجلهات احلكومية ويجعل
املستثمرين األجانب ميتنعون عن االستثمار في الدولة التي ال حتترم تعهداتها.
ومن ناحية أخرى فقد اس� � ��تقرت قاعدة في الفق� � ��ه والقضاء الدوليني مفادها
أن ش� � ��رط التحكيم يبقى س� � ��ارياً ونافذاً بعد إنهاء الدولة للعقد بإرادتها املنفردة،
وقد أكدت هذه القاعدة اتفاقية واش� � ��نطن املبرمة سنة 1965م واخلاصة بتسوية
منازعات االس� � ��تثمار ب� �ي��ن الدولة ورعايات الدول األخ� � ��رى ،حيث نصت املادة 25
م� � ��ن هذه االتفاقية عل� � ��ى أنه إذا اتفق األطراف على التحكيم فال يجوز ألي طرف
أن يس� � ��حب موافقت� � ��ه منفرداً ،يضاف إل� � ��ى ذلك أن قرار اجلمعي� � ��ة العامة لألمم
املتح� � ��دة رقم 1803بتاريخ 1962/12/21م نص على أنه مع التس� � ��ليم بالس� � ��يادة
الدائم� � ��ة للش� � ��عوب واألمم على مواردها الطبيعية فإنه يج� � ��ب التأكيد على التزام
الدول باحترام اتفاقيات التحكيم.
وملا كان شرط التحكيم املنصوص عليه في العقد ملزماً لطرفيه ،فإن من األفضل
للجهة احلكومية أال تلتزم مس� � ��بقاً بهذا االلتزام وإمنا تترك موضوع االتفاق على
التحكيم في املستقبل أي بعد نشوب النزاع ،فإن قدرت حينئذ أن املصلحة العامة
تس� � ��توجب اللجوء إلى التحكيم لتس� � ��وية النزاع أبرمت مع الطرف املتعاقد اتفاقاً
ال بش� � ��أن التحكيم يسمى في املصطلح القانون باس� � ��م (مشارطة التحكيم)مستق ً
متييزاً له عن (شرط التحكيم) الذي يرد في صلب العقد.
كم� � ��ا أن التحكيم كنظام إجرائي يصلح لكافة املنازع� � ��ات املدنية والتجارية من
جتارة ،إس� � ��تثمار ،بترول ،تصنيع ،إداري ،خدمة وغيرها ،غير أن املش� � ��رع الوطني
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
299
التحگيم في العقود اإلداريـة
أو الدولي قد يرى أنه من املناس� � ��ب إفراد إج� � ��راءات حتكيم معينة لنزاع ذو طابع
مع� �ي��ن تقديراً لظروف معينة وتلك اإلجراءات أيضاً ال تختلف كثيراً عن إجراءآت
التحكيم العادية بل قد تكون موجزة أو مفصلة وعلى س� � ��بيل املثال في الس� � ��ودان
هنالك قوانني نصت على حل نزاعات بعينها عن طريق التحكيم وحددت إجراءات
معينة له� � ��ا منها :قانون بيع األموال املرهونة للمصارف لس� � ��نة 1990وقانون نزع
ملكي� � ��ة األرضي لس� � ��نة 1930وقانون العمل لس� � ��نة 1997وهذه القواعد اخلاصة
بالتحكيم متثل التحكيم اإلجباري.
أما في الس� � ��ودان ال يوجد مصطلح للعقود اإلدارية بل يوجد ما يسمى بالعقود
احلكومية ولربط تسوية املنازعات املتعلقة بها بالتحكيم فلم يصدر في السودان أي
تشريع ينظم تسوية النزاعات املتعلقة بها عن طريق التحكيم بل ترك ذلك إلتفاق
الطرفني س� � ��واء جهات حكومية أو حكوم� � ��ة وأفراد ،لكن هناك الئحة النائب العام
(وزير العدل حالياً) للتحكيم بني أجهزة الدولة لسنة 1981وهذه الالئحة صادرة
مبوجب املاد 20من قانون النائب العام لسنة 1981م التي نصت على سلطة النائب
العام في التحكيم بني أجهزة الدولة ،من عدد تسع مواد شملت نطاق التطبيق وهو
أن يطبق على كل نزاع مدني ينشأ بني أجهزة الدولة بعد إحالته للتحكيم بواسطة
النائب العام من تلقاء نفسه أو بناءاً على طلب أحد طرفي النزاع ،كما نصت املادة
اخلامس� � ��ة في حل النزاع على وجه السرعة دون التقيد بقواعد اإلجراءات املدنية
إال فيما يتعلق بالضمانات واملبادىء األساسية في التقاضي.
أيض � � �اً نصت على مس� � ��ألة الفصل غيابياً في حالة تخل� � ��ف أحد األطراف عن
حضور اجللس� � ��ة بالرغم من علمه بذلك ،في املادة ( )9نصت على جواز استئناف
قرار الهيئة للنائب العام خالل شهر من تاريخ صدوره وأن يكون قراره نهائياً واجب
التنفيذ.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
300
التحگيم في العقود اإلداريـة
نسبة لصدور هذه الالئحة في ظل قانون النائب العام لسنة 1981م وإلغاء ذلك
بقانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م القانون احلالي وبقاء الالئحة على حالها
دون تعديل إلى اليوم ،ونس� � ��بة للقصور الوارد في الالئحة فقد أصدر وزير العدل
قراراً في العام 2014بتش� � ��كيل جلنة ملراجع� � ��ة وتعديل الالئحة وقد رفعت اللجنة
تقريرها للسيد الوزير إال أنه لم يصدر قرار باعتماده حتى اآلن.
والله ولي التوفيق،،،،
إعداد القاضي:
ختار سيد إبراهيم
303
التحگيم في العقود اإلداريـة
مقدمة
عرف التحكيم والتجأ إليه الناس حلل النزاعات التي تنش� � ��أ بينهم في العصور
القدمية ،فقد عرفه الس� � ��ومريون والرومان واليونان من� � ��ذ قرون قبل امليالد ،كما
عرفه العرب في اجلاهلية ،وعرفوه بفضل مجيء اإلس� �ل��ام كما عرفته التشريعات
احلديثة املختلفة أيضاً ،مع اختالف في درجات األخذ به ،الرتباط ذلك باختالف
نظام احلكم الس� � ��ائد في الدولة والنظام القانوني املتب� � ��ع فيها .وتزايد في اآلونة
األخيرة اإلقبال على التحكيم كأسلوب حلسم املنازعات اخلاصة الدولية ،ال سيما
م� � ��ن قبل األطراف في العقود املدني� � ��ة والتجارية واإلداري� � ��ة ذات الطابع الدولي،
وتعاظم االهتمام به وتنظيمه سواء على صعيد التشريعات الوطنية أو على صعيد
االتفاقي� � ��ات واملجه� � ��ودات الدولية؛ ويع� � ��زى هذا االجتاه في اختي� � ��ار التحكيم إلى
م� � ��ا يعرفه عاملنا املعاصر الي� � ��وم من حتوالت اجتماعية واقتصادية تدعو بش� � ��كل
اس� � ��تعجالي إلى التفكير والبحث في عدة قضايا ذات صلة بهذه التحوالت ومنها
التفكير في مستقبل العدالة ،وتوسيع املنظور إليها ،لكي تأخذ بعدا جديداً يتجاوب
مع االضطرار املتواتر في ارتفاع عدد القضايا والوس� � ��ائل املتاحة لديها ،والتفكير
في إيجاد وس� � ��ائل بديلة لفض املنازعات ،رغم ما يكلفه القضاء من سيادة القانون
وإشاعة الثقة واألمن وحتفيز التنمية واالستثمار.
وإذا كان� � ��ت النظري� � ��ة العامة للعقود اإلدارية تعطي لإلدارة عدة س� � ��لطات متثل
امتيازات لها في مواجهة املتعاقد معها ،فقد طرح إشكال بخصوص جواز التحكيم
في منازعات هذه العقود .ومن ثم ظهر تباين في اآلراء الفقهية والقضائية ما بني
معارض ومؤيد إلى أن تدخل املش� � ��رع في عدة دول وحس� � ��م اخلالف سواء بإجازة
التحكيم في العقود اإلدارية أو بعدم إجازته؛ وفي الدول التي أجازت تش� � ��ريعاتها
الوطني� � ��ة اللجوء إلى التحكيم في هذا النوع من العقود ،لم تس� � ��تبعد تدخل قضاء
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
304
التحگيم في العقود اإلداريـة
الدولة بصفة نهائية بل يظل رهن إش� � ��ارة أطراف التحكيم وهيئة التحكيم لتذليل
الصعاب التي قد تعجز هذه األخيرة عن مواجهتها في كل مراحل التحكيم ،فكيف
وق� � ��ف فقهاء القانون من هذه اإلش� � ��كالية؟ وكيف تعامل� � ��ت القوانني معها؟ ذلك ما
سندرسه من خالل املبحثني التاليني.
305
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث األول
القائلون بعدم جواز اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية
إن األصل في التحكيم في العقود اإلدارية في القانون الفرنسي احلظر إال إذا
نص القانون على إجازته.
َف َوفقاً لنص املادة 2060من تقنني املرافعات املدنية الفرنسي املعدلة بقانون رقم
626ف� � ��ي 5يوليو 1972م واملع� � ��دل بالقانون الصادر في 1975/7/9فإن التحكيم
في املنازعات املتعلقة بالوحدات واملؤسس� � ��ات العامة ،والتي منها عقودها اإلدارية
هو احلظر.
وهذا األصل باحلظر يس� � ��ري ويش� � ��مل كافة املنازعات التي تكون األش� � ��خاص
العامة طرفاً فيها حتي ولو تعلق األمر بعقد من عقود اإلدارة.
إال أن هذا املنع ليس على إطالقه بل له اس� � ��تثناءات في بعض العقود اإلدارية،
ومنها عقود بعض املؤسس� � ��ات الصناعية والتجارية كما في قانون 9لعام 1975م،
وكذل� � ��ك العق� � ��ود اإلدارية املبرمة مع ش� � ��ركات أجنبية .فقد نص� � ��ت املادة 19لعام
1986م على أنه:
«يجوز للدولة والوحدات احمللية واملؤسس� � ��ات العامة ف� � ��ي العقود التي تبرمها
مع ش� � ��ركات أجنبية إلجناز عمليات تتصل باملصلح� � ��ة العامة إن تضمنت عقودها
شروط حتكيم لتسوية املنازعات املتصلة بتطبيق وتفسير هذه العقود».
وكذلك العقود املتعلقة بالنقل الداخلي من قبل الشركة الوطنية لسكك احلديد،
والذي ينص في مادته اخلامسة والعشرين على أن املؤسسة العامة:
«متل� � ��ك أهلية املصاحلة وإب� � ��رام اتفاقيات حتكيم »....وكذل� � ��ك قانون 1990م
اخلاص بتنظيم مصلحة البريد.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
306
التحگيم في العقود اإلداريـة
وف� � ��ي موريتانيا نصت املادة 8من مدونة التحكيم على أنه ال يجوز في احلاالت
التالية:
-في املسائل املتعلقة بالنظام العام.
-في النزاعات املتعلقة بالدولة واملؤسس� � ��ات العمومية واجلماعات احمللية إال
إذا كان� � ��ت هذه النزاعات ناجتة عن عالق� � ��ات دولية ذات طابع اقتصادي أو
جتاري أو مالي املنظمة بالفصل الثالث من هذه املدونة.
أما في مصر فقبل صدور قانون التحكيم رقم 27لسنة 1994م وتعديله بالقانون
رقم 9لس� � ��نة 1997م املنش� � ��ور باجلريدة الرس� � ��مية العدد 20في 1997/5/15م،
والذي حس� � ��م مس� � ��ألة جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية،
ف� � ��إن النصوص القانونية املتعلقة بالقانون اإلداري لم تتعرض ملوضوع التحكيم في
العقود اإلدارية منعاً أو حظراً.
كم� � ��ا أن نصوص القانون املدني لم تبني حكم اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود
اإلدارية باعتباره الش� � ��ريعة العامة لفروع القان� � ��ون األخرى .ففي قانون املرافعات
املدنية والتجارية رقم 13لس� � ��نة 1968م الذي نظم موضوع التحكيم ،وكذلك في
قان� � ��ون التحكيم رقم 27لس� � ��نة 1994م ،والذي ألغى املواد م� � ��ن 501وحتى 513
اخلاصة بالتحكيم في قانون املرافعات املدنية والتجارية ،لم توضح موقف القانون
املصري في موضوع التحكيم في العقود اإلدارية.
فالقانون املصري قد خال قبل قانون 1997م من أي نصوص صريحة في مجال
املنازعات اإلدارية.
ل� � ��ذا صار االختالف في أح� � ��كام القضاء املصري الع� � ��ام والقضاء اإلداري في
مسألة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
307
التحگيم في العقود اإلداريـة
أما ف� � ��ي لبنان فإن األصل هو حظر اللجوء إل� � ��ى التحكيم في العقود اإلدارية،
إال أن هناك اس� � ��تثناءات من هذا احلظر ،كما هو الش� � ��أن في القانون الفرنس� � ��ي،
فالقان� � ��ون اللبنان� � ��ي يجيز اللجوء إل� � ��ى التحكيم في العقود اإلداري� � ��ة التي تبرمها
املؤسسات العامة الصناعية والتجارية.
أم� � ��ا القانون التونس� � ��ي واجلزائري فقد حظ� � ��راً اللجوء للتحكي� � ��م في العقود
اإلدارية.
وكذل� � ��ك احلال في املغرب حيث نص الفصل 306من قانون املس� � ��طرة الصادر
بتاريخ 1994/9/18م على:
«غير أنه ال ميكن االتفاق عليه في املس� � ��ائل الت� � ��ي متس النظام العام ،وخاصة
النزاعات املتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام».
أما في بلجيكا ،فقد منع القانون البلجيكي جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم
في العقود اإلدارية ،فاملادة 1676من القانون القضائي البلجيكي الصادر 1972م
نصت على:
«منع الدولة وس� � ��ائر األش� � ��خاص املعنوية العموميني اللجوء إلى التحكيم ما لم
يكن يوجد نص قانوني خاص يسمح بذلك أو معاهدة دولية جتيز ذلك».
وق� � ��د أخذ برأي عدم صحة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية بعض دول
أمريكا الالتينية وأوروبا الشرقية كاألرجنتني ويوغوسالفيا وبلغاريا.
هذا من جانب التشريع أما اجلانب القضائي فقد استقر القضاء الفرنسي على
ا بطالناً مطلقاً لتعلقه بالنظام
اعتبار ش� � ��رط التحكيم في العقود الداخلية باط� �ل � ً
العام وميتد البطالن كذلك إلى مشارطة التحكيم.
309
التحگيم في العقود اإلداريـة
ضبة املقطم
املصرية للمساهمة للتعمير واإلنشاءات السياحية بشأن عقد امتياز َه ْ
ونص العقد في البند اخلامس منه على:
«إن أي خ� �ل��اف بني الطرفني على تفس� � ��ير العقد أو تنفي� � ��ذه ...يفصل فيه عن
طري� � ��ق التحكيم ،»...وعندما طلبت الش� � ��ركة إحالة النزاع إل� � ��ى التحكيم امتنعت
وزارة اإلسكان.
وقد أقامت الش� � ��ركة دعوى أمام محكمة القض� � ��اء اإلداري تطلب وقف القرار
الس� � ��لبي باالمتناع عن إحالة النزاع إلى التحكيم فأجابت محكمة القضاء اإلداري
طلب الش� � ��ركة بتاريخ 1986/5/18م ،إال أن إدارة قضايا الدولة طعنت في احلكم
أمام احملكمة اإلدارية العليا التي قررت في حكمها الصادر في جلسة 1990/2/20م
عدم جواز التجاء اجلهات اإلدارية في العقود اإلدارية إلى التحكيم ،وس � � � َّببت املنع
أن االتفاق على التحكيم ال يجوز أن يسلب اختصاص محاكم مجلس الدولة املقرر
باملادة العاش� � ��رة من القانون رقم 47لس� � ��نة 1972م ،وإن اتفاق التحكيم يجب أ ّالَ
يه� � ��دم خصائص العقد اإلداري وال يزيل اختصاص مجلس الدولة بنظر املنازعات
املتعلقة بذلك العقد.
وفي لبنان قضى مجلس شورى الدولة اللبناني بعدم صحة التحكيم في قضايا
اإلدارات العامة؛ ألن التحكيم يفترض بحد ذاته تنازال مسبقاً من اإلدارة عن بعض
حقوقها ،أو التس� � ��ليم مقدماً للخصم بحقوق ق� � ��د ال يكون لها نصيب من الصحة،
وهذا يحظره القانون على الدوائر العامة.
ويتفق قاضي القضايا اإلدارية في لبنان مع اآلراء التي تصدرها هيئة التشريع
واالستش� � ��ارات في وزارة العدل اللبنانية على عدم صحة اللجوء إلى التحكيم في
العقود اإلدارية.
وفي تونس فإن القضاء انتهى كذلك إلى حظر التحكيم في العقود اإلدارية.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
310
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث الثاني
القائلون بجواز التحكيم في العقود اإلدارية
ذهب عدد من فقهاء القانون في فرنس� � ��ا إلى القول بجواز التحكيم في العقود
اإلداري� � ��ة وانتقدوا ال� � ��رأي القائل بعدم ج� � ��واز االلتجاء إلى التحكي� � ��م في العقود
اإلدارية.
ومن أولئك املؤيدين جلواز التحكيم في العقود اإلدارية األستاذ «شارل جارسو»
الذي انتقد حجج منع التحكيم وس� � ��بب ذلك وجود غموض وعدم وضوح يدعو إلى
األسس لتعارضها مع بعضها وضعفها وكونها ليست قانونية؟ وذهب رأي آخر إلى
أن مجلس الدولة الفرنسي يطبق احلظر دون نص.
وإزاء وجود انتقادات موجهة إلى ما هو مس� � ��تقر في القضاء الفرنسي من منع
اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود اإلدارية ،فإن عدداً من فقهاء القانون الفرنس� � ��ي
يأملون تطور موقف مجلس الدولة الفرنسي في هذا املوضوع .أما في مصر فقد
ذهب بعض فقهاء القانون قبل صدور قانون رقم 9سنة 1997إلى جواز التحكيم
في العقود اإلدارية ،وأن أصل اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية هو اجلواز»
وأن االس� � ��تثناء هو احلظر بنص خاص أو اتفاق األطراف؛ بناء على املادة 58من
قان� � ��ون اإلجراءات املدنية التي تنص على أنه «ال يجوز ألية وزارة أو هيئة عامة أو
مصلح� � ��ة من مصالح الدول� � ��ة أن تبرم أو تقبل أو جتيز أي عقد أو صلح أو حتكيم
أو تنفيذ قرار محكمني في مادة تزيد قيمتها على خمسة آالف جنيه بغير استيفاء
اإلدارة املختصة وجه االستشهاد».
م� � ��ن هذه املادة يتضح أن القانون قيد التحكيم في العقود اإلدارية إذا كان يزيد
عن خمس� � ��ة آالف جنيه بشرط استيفاء إدارة الفتوى املختصة مبجلس الدولة قبل
311
التحگيم في العقود اإلداريـة
إب� � ��رام التحكيم ولو كان التحكيم غير جائز ملا وضع القانون هذا الش� � ��رط؛ وبهذا
الرأي أخذ قلة من الفقهاء بالقانون.
ويس� � ��تند اجلانب املؤيد جلواز التحكيم في العقود اإلدارية إلى عدة أدلة منها:
أن املنازعات في مج� � ��ال العقد اإلداري بطبيعتها مثلها مثل غيرها من املنازعات؛
ويجي� � ��ز كل من القان� � ��ون املدني والتجاري االتفاق على االلتج� � ��اء إلى التحكيم ولم
يصدر نص صريح يحظر على اجلهات اإلدارية عملية اللجوء إلى التحكيم ومن ثم
ال يجوز تقييد النص أو تخصيصه بغير موجب.
االتفاقي� � ��ات الدولية كجزء من النظام القانوني للدولة جتيز للدولة وأش� � ��خاص
القانون العام االلتجاء إلى التحكيم ،كما أن انضمام العديد من الدول إلى العديد
م� � ��ن االتفاقيات الدولية كاتفاقية نيويورك لس� � ��نة 1958بش� � ��أن االعتراف وتنفيذ
أحكام احملكم� �ي��ن األجنبية؛ وكذا القان� � ��ون النموذجي للتحكي� � ��م التجاري الدولي
(االونس� � ��يترال ) UN Citral -الذي يتناول جميع مراحل عملية التحكيم بدءاً من
اتف� � ��اق التحكيم إلى إصدار قرار التحكي� � ��م واالعتراف به وتنفيذه والذي يعبر عن
توافق اآلراء في العالم بأن ممارسات التحكيم الدولي واملنازعات الهامة املرتبطة
ب� � ��ه ،وغير ذلك من االتفاقيات األخرى التي يصدر بها تش� � ��ريع يقرها فتصبح من
القوانني السارية املفعول الواجبة النفاذ ،وهو األمر الذي يؤكد جواز التجاء اإلدارة
في منازعات العقد اإلداري إلى التحكيم سواء كان محلياً أو دولياً.
ويج� � ��د هذا االجتاه تأييداً كبي� � ��راً من الفقه والقضاء ف� � ��ي مواجهة املعارضني
مستندين في ذلك إلى األسباب التالية:
< أن التحكيم جائز وفقاً لقانون املرافعات املدنية والتجارية ألنه لم يوجد نص
صري� � ��ح يحظر على اجلهات اإلدارية االتفاق على التحكيم ،ومن ثم ال يجوز
313
التحگيم في العقود اإلداريـة
< باإلضاف� � ��ة إلى هذا االجتاه األخير حاول املش� � ��رع أن يدلي بدلوه في اجلدل
الدائر حول جواز اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود اإلدارية ،خاصة
بعد أن تدخل بنصوص وذلك مبوجب القانون رقم 27لس� � ��نة 1994بش� � ��أن
التحكي� � ��م في املواد املدنية والتجاري� � ��ة والذي نص في مادته األولى على أنه
تسري أحكام هذا القانون على كل حتكيم بني أطراف من أشخاص القانون
العام أو القانون اخلاص أيا كانت طبيعة العالقات القانونية التي يدور حولها
الن� � ��زاع ،إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر أو كان التحكيم جتارياً دولياً
يجري في اخلارج أو اتفق األطراف على إخضاع التحكيم لهذا القانون.
وق� � ��د ظ� � ��ن البعض أن هذه املادة قد قفلت الباب أمام اجلدل بإباحتها لش� � ��رط
التحكي� � ��م في العقود اإلدارية ،لكن س� � ��رعان ما جتدد اجل� � ��دل بعد فتوى اجلمعية
العمومية لقس� � ��مي الفتوى والتشريع مبجلس الدولة التي رفضت االعتراف بجواز
االتفاق على التحكيم في العقود اإلدارية في الفتوى الصادرة في ،1994/2/22مما
حدا باملش� � ��رع إلى التصدي مرة أخرى ملسألة التحكيم في العقود اإلدارية وأصدر
القانون رقم 9لس� � ��نة 1997بتعديل بع� � ��ض أحكام قانون التحكيم رقم ،1994/27
وذلك بإضافة الفقرة الثانية من املادة األولى ،والتي جاء نصها كما يلي:
«بالنس� � ��بة إلى منازع� � ��ات العقود اإلدارية يكون االتف� � ��اق على التحكيم مبوافقة
الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة لألشخاص االعتبارية العامة وال
يجوز التفويض في ذلك».
وبهذا أغلق املش� � ��رع املصري الباب أمام أي جدل يثور حول مدى جواز االتفاق
على التحكيم في العقود اإلدارية بالنص على جواز ذلك سواء أكان التحكيم داخلياً
أو خارجياً.
إعداد
جمعه عبدالله املوسى
القاضي مبحكمة االستئناف العليا املدنية
رئيس احملكمة العليا اإلدارية
العلمي الثالث
الملتقـى
317
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث األول
التطور التشريعي للتحكيم
يعد التحكيم نوعاً من القضاء اإلختياري ،وقبل ظهور الدولة احلديثة واستقرار
مؤسس� � ��اتها كان التحكيم بشكله البدائي هو الوسيلة املعتمدة لفض املنازعات بني
اخلصوم( ،)1وكانت اإلجراءات التحكيمية بس� � ��يطة وبدائي� � ��ة ،وكان تنفيذ التحكيم
اختياري � � �اً أيضاً فرضته ظروف احلياة في الصحراء قبل اإلس� �ل��ام ،والتي تركزت
على مبدأ االنتقام الش� � ��خصي ،حيث لم يكن هناك س� � ��لطة مركزية حلفظ النظام
وحماي� � ��ة احلقوق ،وكانت العادات والقواعد القبلية ه� � ��ي املعتمدة كمرجع ،وكانت
السلطة تتمركز في يد شيـوخ القبيلة.
فقد مت اللجوء إلى التحكيم قبل اللجوء للقضاء ألن األفراد واجلماعات ظهرت
قبل تكوي� � ��ن الدولة والتي انبثق عنها بعد تطور الحق لس� � ��لطة القضاء ،ولذا فقد
مت اللجوء إليه س� � ��واء للفصل في املنازعات التي تنش� � ��ب بني األفراد الطبيعيني أو
املعنويني في إطار القانون الداخلي أو للفصل في املنازعات بني أشخاص القانون
الدولي ،وإذا كان التحكيم الدولي لم يتم اللجوء إليه بكثرة لتسوية املنازعات الدولية
إال أنه قد مت اللجوء إليه للفصل في املنازعات التي تتصف بطبيعتها الفنية والتي
يتطلب في تكوين اجلهاز احملكم أش� � ��خاصاً ذوي خبرات معينة فنية أو اقتصادية
أو علمي� � ��ة أو مالي� � ��ة أو جغرافية...إلخ ،وكذلك فيما يتعل� � ��ق باملنازعات اإلقليمية
(خصوص � � �اً احلدود بني الدول س� � ��واء كانت برية أو بحري� � ��ة أو جوية) ،وخصوصاً
فيما يتعلق مبنازعات االستثمار ،أو امتيازات استغالل الثروات الطبيعية لبلد ما،
أو فيم� � ��ا يتعلق مبنازعات التجارة الدولية ،أو تل� � ��ك املنازعات اخلاصة بالبيئة ،أو
( )1يحي� � ��ى اجلمل :اختيار احملكمني ،بحث مقدم إلى مؤمتر الكوي� � ��ت للتحكيم التجاري ،الكويت ،مطبوعات
وزارة العدل ،1997 ،ص.14
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
318
التحگيم في العقود اإلداريـة
التأميم ،ومن ثم فإن الناحية الهيكلية لتنظيم التحكيم ما زالت في مراحلها األولى
على الصعيد الدولي.
وإذا كان مؤمت� � ��ر الهاي العام 1899م قد قرر إنش� � ��اء احملكمة الدائمة للتحكيم
فإن ذلك ال يعد س� � ��وى قائمة تضم األشخاص والذين تعينهم حكوماتهم مستعدون
للقيام بوظيفة التحكيم متى متت املوافقة من أطراف النزاع على ذلك(.)1
وملا كانت الدول اآلخذة في النمو تقوم بطلب االحتياجات الرأس� � ��مالية ،والفنية
نظراً للحاجة الكبيرة جداً لذلك ،واملاسة لها من مصادر أجنبية نظراً لعدم قدرتها
في الوقت احلاضر على توفيرها من املوارد احمللية ( )2فقد أحوجها ذلك للتعاقد مع
طرف أجنبي غالباً ما يكون مستثمراً طبيعياً أودولة مع طول إجراءات القضاء وعند
ح� � ��دوث خالف أونزاع حاولت اللجوء إلى قضائه� � ��ا الوطني لفض النزاعات ،األمر
الذي أدى إلى ضعف ثقة املستثمرين األجانب في الوسائل الداخلية لفض املنازعات
في الدول املضيفة ،ونظراً الس� � ��تحالة مثول الفرد وبصفته الشخصية أمام احملاكم
القضائي� � ��ة الدولية ،أدى ذلك إلى قناعة كثير من ال� � ��دول بضرورة وفائدة التحكيم
كوس� � ��يلة بديلة للفصل في املنازعات االس� � ��تثمارية ،ولقد اتبعت هذا اإلجراء بقبول
منها ،ومن ثم فإن األخذ بنظام التحكيم كوسيلة لتسوية املنازعات بني الدول املضيفة
واملس� � ��تثمر األجنبي دون تدخل دولة جنسيته تطوراً حديثاً وهاماً في وسائل فصل
املنازعات أس� � ��هم ذلك -خالل القرن احلالي -في تدفق االستثمار األجنبي وتزايد
اتفاقيات التنمية االقتصادية والتوسع في حجم املبادالت التجارية الدولية (.)3
( )1أحمد أبو الوفا :العالقات الدولية (دراسة لبعض جوانبها القنونية) ،دار النهضة العربية ،القاهرة،1999 ،
ص.400
( )2عصام الدين مصطفى بس� � ��يم :النظام القانون لالس� � ��تثمارات اخلاصة في الدول اآلخذة في النمو ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،1972 ،ص.6
( )3أحمد عبد احلميد عش� � ��وش :التحكيم كوس� � ��يلة لفض املنازعات في مجال االس� � ��تثمار ،مؤسس� � ��ة شباب
اجلامعة ،اإلسكندرية ،1990 ،ص 3وما بعدها.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
319
التحگيم في العقود اإلداريـة
ولقد اهتم املجتم� � ��ع الدولي بتنظيم التحكيم في العالقات االقتصادية الدولية
فظهر ذلك االهتمام منذ نهاية احلرب العاملية األولى ،حيث توصلت جهود عصبة
األمم على وثيقتني أساسيتني:
بروتوك� � ��ول جنيف لعام 1923بش� � ��أن ش� � ��روط التحكيم ،واتفاقي� � ��ة جنيف لعام
1927اخلاصة بتنفيذ أحكام التحكيم ،وكان هدفها إيجاد أس� � ��اس قانوني إلعالء
اتفاقي� � ��ات وأحكام التحكيم عل� � ��ى النصوص القانونية الوطني� � ��ة ،وفي عهد األمم
املتح� � ��دة مت إبرام اتفاقية نيويورك لعام 1985بش� � ��أن (االعت� � ��راف ،وتنفيذ أحكام
التحكيم األجنبية) ،وتعد تلك خطوة أخرى في س� � ��بيل تقنني القواعد الدولية التي
حتكم تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية ،كما مت إبرام معاهدة واشنطن إلنشاء املركز
الدول� � ��ي لفض املنازعات الناش� � ��ئة عن االس� � ��تثمار في 18م� � ��ارس ،1965كما مت
إع� � ��داد قواعد للتحكيم الدولي والتي قامت به جلنة األمم املتحدة لقانون التجارة
الدولي وحتمل اس� � ��مها (يونس� � ��يترال ،)Umcitral-كما مت إقرارها من اجلمعية
العامة لألمم املتحدة مبوج� � ��ب القرار رقم 98للدورة احلادية والثالثني في تاريخ
15ديسمبر عام .1976
كما مت إنش� � ��اء مراكز التحكيم الدائمة سواء كانت على املستوى الوطني أو على
املس� � ��توى الدولي أو على املس� � ��توى اإلقليمي ،وذلك إلى جانب التنظيمات الوطنية
والتنظيمات الدولية كما يتسم كل مركز من هذه املراكز بنظامه اخلاص سواء كان
ذلك في اختيار احملكمني ،أو في اإلجراءات الواجبة االتباع أمام احملاكم(.)1
ث� � ��م أن التط� � ��ورات االقتصادية املعاصرة وما فرضته في االجتاه نحو تش� � ��جيع
االس� � ��تثمارات األجنبية في العالم من الدول املتقدمة ،والدول النامية وما مت حله
( )1مصطفى محمد اجلمال ،عكاش� � ��ة محمد عبد العال :التحكيم في العالقات اخلاصة الدولية والداخلية،
بدون ناشر ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،1998 ،ص 8وما بعدها.
( )1عبدالعزي� � ��ز س� � ��عد يحيى النعماني :املركز القانوني للمس� � ��تثمر األجنبي في اليم� � ��ن ومصر ،دار النهضة
العربية ،الطبعة األولى ،2002 ،ص .77-76
( )2عصام الدين القبيصي :خصوصية التحكيم في مجال منازعات االستثمار ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
،1993ص.3
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
321
التحگيم في العقود اإلداريـة
وللع���ودة لنش���أة التحكيم مرة أخرى في الفقه اإلس�ل�امي جند أن البعض يرى
التحكيم ثابت بنص الكتاب والس� � ��نة واإلجماع في مجال األحوال الشخصية لورود
قوله تعالىَ { :و ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َق بَيْنِهِ َما َفابْ َعثُوا َح َك ًما ِ ّم ْن أَ ْهلِهِ َو َح َك ًما ِ ّم ْن أَ ْه ِل َها إِن
ِصلاَ ًحا يُ َو ِ ّفقِ اللَّ ُه بَيْنَ ُه َما إ َِّن اللَّ َه َكا َن َعلِي ًما َخ ِبي ًرا}(.)1
يُ ِري َدا إ ْ
وكذلك اآلية ( )65من ذات السورة ،والتي تبيح التحكيم { َفلاَ َو َر ِ ّب َك لاَ يُؤْمِ نُو َن
ضيْ َت �ج َر بَيْنَ ُه ْم ثُ� � � َّم لاَ يَ ِج ُدوا فِ ي أَنْف ُِس� � ��هِ ْم َح َر ًجا ممِ َّ ا َق َ َح َّت� � ��ى يُ َح ِ ّك ُم َ
وك فِ ي َما َش� � � َ
َويُ َس ِلّ ُموا ت َْسلِي ًما}.
وق� � ��د ثار خالف ح� � ��ول التحكيم في النزاع على الس� � ��لطة ،وهل هو جائز أم ال،
وكان أول تطبي� � ��ق عملي في هذا املجال هو الن� � ��زاع بني اإلمام علي بن أبي طالب
] ومعاوية بن ُس� � ��فيان ،ويرى البعض أن هذه الواقعه -التحكيم -أسست جواز
اعتماد التحكيم في املسائل املتعلقة على الصراع على السلطة من باب القياس(،)2
وقد اتفقت املذاهب األربعة مبشروعية وإلزامية التحكيم وإن كانت قد تباينت في
مرجعية االستناد إلى هذه املشروعية(.)3
وفي هذا املجال قرر الدكتور الس� � ��نهوري« :أن الفقه اإلس� �ل��امي لم يجمد عند
املرحلة األولى للفكر القانوني ،بل خطى خطوات واس� � ��عة في طريق التطور يوسع
ما ضاق منه س� � ��داً حلاجات التعامل ،إن مفهوم التحكي� � ��م وقواعده تتطور وتتغير
ال بالقاعدة التي وضعها الفقه اإلس� �ل��امي وليس التحكيم مقيداً بتغير األزمان عم ً
323
التحگيم في العقود اإلداريـة
وجتدر اإلشارة إلى أن قواعد اإلثبات في التحكيم هي ذاتها نفس القواعد في
الشريعة اإلسالمية بوجه عام ،ويرى الدكتور السنهوري أنه قد مت إهمال القاعدة
الت� � ��ي وردت ف� � ��ي اآلية الكرمية {يَا أَ ُّي َه� � ��ا ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ِإ َذا تَ َدايَنتُ� � ��م ِب َديْ ٍن ِإلَى أَ َج ٍل
ِب أَن يَ ْكت َُب َك َما َعلَّ َم ُه اللَّ ُهِب بِالْ َع ْدلِ َولاَ يَ ْأ َب َكات ٌ ُّم َس َّمى َفا ْكتُبُوهُ َولْ َي ْكتُب َّبيْنَ ُك ْم َكات ٌ
س مِ نْ ُه َشيْ ًئا }(.)1 َفل ْ َي ْكت ُْب َولْيُ ْم ِللِ ا ّلَذِ ي َعلَيْهِ الحْ َ قُّ َولْ َيتَّقِ اللَّ َه َر َّب ُه َولاَ يَبْ َخ ْ
ويرى الدكتور السنهوري« :أن األولوية لإلثبات في الكتابة ،ولكن ملا كانت حضارة
العصر تقصر دون ذلك وتقف عن مجاراة هذا التقدم لم يس� � ��تطع الفقهاء إال أن
يس� � ��ايروا حضارة عصرهم فارتفع الفقه اإلس� �ل��امي حني ذلك بالشهادة إلى مقام
تنزل عنه الكتابة نزوالً بيناً ،ومن العجيب أن عصر التقليد في الفقه اإلس� �ل��امي
ل� � ��م يدرك العوامل الت� � ��ي كانت وراء تقدمي الش� � ��هادة على الكتاب� � ��ة فظل يردد ما
قاله الفقهاء األولون في تقدمي الش� � ��هادة على الكتابة ،يؤازرهم في انتشار الكتابة
وتظاهرهم آيات القرآن العظيم(.)2
وجتدر اإلشارة أيضاً على أنه قد اشترط لصحة اتفاق التحكيم الرضا واألهلية
كغيره من العقود ،وقد ترك للخصوم حرية تعيني احملكمني وحرية عددهم واشترط
الش� � ��رع توافر صفات القاضي في احملكم ،وأن كان يرى البعض إضافة شرط أن
يكون مس� � ��لماً اس� � ��تناداً إلى قوله تعالى { َولَن يَ ْج َع َل اللَّ ُه ِلل ْ َكافِ ِري � � � َن َعلَى المْ ُؤْمِ ِن َ
ني
َس ِبي ًل}(.)3
325
التحگيم في العقود اإلداريـة
واألكثر س� � ��رعة حلل منازع� � ��ات التجارة الدولية ،ولذا أصبح ش� � ��رط التحكيم من
مس� � ��لمات عقود التجارة الدولية ،ومت إبرام العديد من االتفاقات الدولية للتأكيد
على ذلك(.)1
( )1كان أخرها اتفاقيات اجلات التي وقعت في مراكش في 1994/4/15بعد سلس� � ��ة طويلة من املفاوضات
التجارية كان أخرها جوة أورجواي التي أنش� � ��ئت مبقتضاه� � ��ا منظمة التجارة العاملية «World Trade
Organization» W.T.Oوالت� � ��ي دخل� � ��ت التنفيذ في أول يناير ،1995للتفصي� � ��ل أكثر من ذلك أنظر،
آم� � ��ال الفزايري :التدريب في املج� � ��االت عالية التخصص ،بحث مقدم في ندوة تأهيل وتدريب احملكمني،
املنامة ،البحرين :نشرة التحكيم التجاري اخلليجي ،مركز التحكيم التجاري الدولي لدول مجلس التعاون
اخلليجي ،العدد ،10ديسمبر ،1998ص.6
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
326
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث الثاني
عالقة التحكيم بالعقود اإلدارية بصفة عامة
إن اللجوء إلى التحكيم لفض املنازعات كافة عدا منازعات العقود اإلدارية أمر
ال جدال فيه فلم يثر خالف حول إمكانية اللجوء إلى التحكيم التجاري أو التحكيم
العمالي أو التحكيم األسري.
إال أن اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود اإلداري� � ��ة قد ثار اجلدل حوله في مدى
إمكانية اللجوء إليه ،وتعود أسباب ذلك إلى األمور التالية:
أو ًال -طبيعة العقود اإلدارية:
تتمي� � ��ز العقود اإلدارية بطبيعة خاصة ومغاي� � ��رة لكافة العقود األخرى ،كالعقود
التجارية أو العقود العمالية وغيرهما ،والقضاء اإلداري عندما ينظر في منازعات
العقود اإلدارية ينظرها بش� � ��يء من التمايز والتغاير الذي يتالءم مع طبيعة العقد
اإلداري وال� � ��ذي ال يطبقه التحكيم في الغالب لدى نظ� � ��ره منازعات العقود والتي
منها العقود اإلدارية.
ثاني ًا -ارتباط العقود اإلدارية بسيادة الدولة:
من العقود اإلدارية ما يرتبط بس� � ��يادة الدولة بصورة مباش� � ��رة ويتعلق بثروات
طبيعي� � ��ة للدولة كم� � ��ا في عقود االلت� � ��زام ،والتي كثيراً ما متتد إلى س� � ��نني طويلة
فمنازعاته� � ��ا يجب أن تكون خاضعة للقضاء ألن ف� � ��ي خضوعها للتحكيم قد يكون
فيه نوع من خرق لسيادة الدولة.
327
التحگيم في العقود اإلداريـة
ثالث ًا -تقييد حرية اإلرادة في العقود اإلدارية:
إن التحكيم يؤس� � ��س على أس� � ��اس حرية األطراف في اللجوء إليه تطبيقاً ملبدأ
س� � ��لطان اإلرادة إال أن ه� � ��ذا األمر ال يوجد عند اللجوء إل� � ��ى التحكيم في العقود
اإلدارية؛ ألن التعبير ع� � ��ن إرادة اإلدارة عند إبرامه حتكمه قواعد أخرى يحددها
القانون ،وما استقر عليه األمر من ضرورة استخدام اإلدارة وسائل القانون العام،
أو تضمني العقد ش� � ��روطاً غير مألوفة في القان� � ��ون اخلاص عند إبرامه حيث أن
املوظف املختص بإبرام العقد اإلداري ال يتصرف في مال مملوك له ،ومن ثم فإن
اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية ليس باألمر السهل كما هو احلال بالنسبة
للعقود األخرى.
رابع ًا -تطبيق قانون أجنبي أمام هيئة أجنبية على العقد اإلداري:
هناك س� � ��بب آخ� � ��ر يضاف إلى األس� � ��باب األخرى هو أن التحكي� � ��م في العقود
اإلداري� � ��ة رمبا يكون أمام هيئة حتكيم أجنبية ،وقد ي� � ��ؤدي ذلك إلى تطبيق قانون
أجنبي على املنازعة بخالف القضاء اإلداري الوطني الذي ينظر في دعوى العقد
اإلداري حيث يطبق القانون الوطني على املنازعة.
خامس ًا -مدى إطالق وتقييد حرية اجلهة اإلدارية في اللجوء إلى التحكيم:
كما أن من أس� � ��باب اخلالف في حكم اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود اإلدارية
يرجع إلى مدى تقييد أو إطالق سلطة اإلدارة عند جلوئها إلى التحكيم في العقود
اإلدارية ،فإذا لم يوجد نص قانوني يجيز أو مينع التحكيم فإن سلطة اإلدارة تكون
دائرة بني احلظر إذا كانت مقيدة ودائرة السماح إذا كانت مطلقة.
329
التحگيم في العقود اإلداريـة
لك� � ��ون األصل في التحكيم أن يك� � ��ون اختيارياً في كل أنواع املنازعات ،والتي
منها منازعات العقود اإلدارية إذا ما رخص املنظم ذلك.
ف� � ��إذا كان هناك نص آذن بالتحكيم في العق� � ��د اإلداري فإن للجهة اإلدارية
واملتعاقد معها اخليار بني االلتجاء إلى القضاء ،أو االتفاق على طرح النزاع
أمام التحكيم ،ويكون االلتجاء إلى أحد الطريقني مسقطاً لآلخر(.)1
-رابع ًا :من املسائل التي تخرج عن بحث مدى جواز التحكيم في العقود اإلدارية
في حالة وجود نص قانوني يبني حكم اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية،
سواء كان هذا احلكم باجلواز أو احلظر حيث أن النص القانوني يرفع اخلالف
في هذه املسألة ،ويحسم املوضوع سواء كان باجلواز ،أو املنع.
كم� � ��ا أن� � ��ه عند النص على حكم مع� �ي��ن في القانون فإن الواجب على الس� � ��لطة
القضائي� � ��ة عند تطبيقها على منازعة ما أن تتقيد بالنص القانوني ،وكذلك احلال
على اجلهة اإلدارية عند تنفيذها له خاصة إذا لم يكن هناك مجال لالجتهاد فال
اجتهاد مع النص فإذا نص القانون على حظر أو جواز التحكيم في العقود اإلدارية
فإن الفقه والقضاء ليس له مجال في البحث عن مدى جوازه أو عدمه.
لذا أرى أن مجال بحث هذه املسألة يكون أمام فروض ثالثة:
-األول :في حالة عدم وجود نص قانوني يبني حكم اللجوء إلى التحكيم
في العقود اإلدارية.
-الثاني :في حالة إعداد مشاريع التحكيم املرتبطة بالتحكيم في العقود
اإلدارية.
( )1مصطف� � ��ى أحمد ف� � ��ؤاد :القانون واجب التطبيق على العقد املبرم بني املنظمة الدولية وش� � ��خص القانون
الداخلي ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،مصر ،بدون تاريخ نشر ،ص.45
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
330
التحگيم في العقود اإلداريـة
-الثالث :عند إعداد الدراس� � ��ات والبحوث حول قوانني التحكيم املتعلقة
بالتحكيم في العقود اإلدارية.
بعد أن ذكرت أن هناك خالفاً في حكم اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية
باملنع واجلواز ،وبعد حصر أسباب هذا اخلالف ،واملسائل التي تخرج عنه.
سيكون احلديث في هذا املبحث -إن شاء الله -مقتصراً على الرأي الذي يرى
أنه ال يجوز اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
وذل���ك ببي���ان موق���ف املنظ���م من عدم ج���واز اللجوء إل���ى التحكيم ف���ي العقود
اإلدارية ،وموقف القضاء وذلك على النحو اآلتي:
-1موقف املنظم من اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية
إن األصل في التحكيم في العقود اإلدارية في القانون الفرنس� � ��ي احلظر( )1إال
إذا نص القانون على إجازته.
فوفق � � �اً لنص املادة 2060من تقنني املرافعات املدنية الفرنس� � ��ي املعدلة بقانون
رق� � ��م 626في 5يولي� � ��و 1972م واملعدل بالقانون الصادر ف� � ��ي 1975/7/9م فإن
التحكيم في املنازعات املتعلقة بالوحدات؛ واملؤسسات العامة ،والتي منها عقودها
اإلدارية هو احلظر.
وهذا األصل باحلظر يسري وميشل كافة املنازعات التي تكون أشخاص العامة
طرفاً فيها حتى ولو تعلق األمر بعقد من عقود اإلدارة (.)2
( )1سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.415
( )2ع� �ل��اء محي الدي� � ��ن مصطفى أبو أحمد :التحكيم في منازعات العقود اإلدارية الدولية في ضوء القوانني
الوضعية واملعاهدات الدولية وأحكام محاكم التحكيم -دراسة مقارنة ،2012 ،ص.456
331
التحگيم في العقود اإلداريـة
إال أن هذا املنع ليس على إطالقه بل له استثناءات( )1في بعض العقود اإلدارية،
ومنها عقود بعض املؤسس� � ��ات الصناعية والتجارية كما في قانون 9لعام 1975م،
وكذلك العقود اإلدارية املبرمة مع شركات أجنبية.
فقد نصت املادة 19لعام 1986م على أنه:
«يجوز للدولة والوحدات احمللية واملؤسس� � ��ات العامة في العقود التي تبرمها مع
شركات أجنبية إلجناز عمليات تتصل باملصلحة العامة أن تضمن عقودها شروط
حتكيم لتسوية املنازعات املتصلة بتطبيق وتفسير هذه العقود».
وكذلك العقود املتعلقة بالنقل الداخلي من قبل الشركة الوطنية لسكك احلديد،
والذي ينص في مادته اخلامس� � ��ة والعش� � ��رين على أن املؤسسة العامة متلك أهلية
املصاحل� � ��ة ،وإبرام اتفاقي� � ��ات حتكيم »....وكذلك قان� � ��ون 1990م اخلاص بتنظيم
مصلحة البريد.
أم� � ��ا في مص� � ��ر( )2فقبل صدور قانون التحكيم رقم 27لس� � ��نة 1994م ،وتعديله
بالقانون رقم 9لسنة 1997م املنشور باجلريدة الرسمية العدد 20في 1997/5/15م،
والذي حس� � ��م مس� � ��ألة جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية؛
ف� � ��إن النصوص القانونية املتعلقة بالقانون اإلداري لم تتعرض ملوضوع التحكيم في
العقود اإلدارية منعاً أو حظراً.
كم� � ��ا أن نصوص القانون املدني لم تبني حكم اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود
اإلدارية باعتباره الشريعة العامة لفروع القانون األخرى.
( )1مصطف� � ��ى أحمد ف� � ��ؤاد :القانون واجب التطبيق على العقد املبرم بني املنظمة الدولية وش� � ��خص القانون
الداخلي ،مرجع سابق ،ص.50
( )2عصمت عبدالله الش� � ��يخ :التحكيم في العقود اإلدارية ذات الطابع الدولي ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
مصر.2008 ،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
332
التحگيم في العقود اإلداريـة
ففي قانون املرافعات املدنية ،والتجارية رقم 13لسنة 1968م الذي نظم موضوع
التحكيم ،وكذلك في قانون التحكيم رقم 27لس� � ��نة 1994م ،والذي ألغى املواد من
،501وحت� � ��ى 513اخلاصة بالتحكيم في قانون املرافع� � ��ات املدنية ،والتجارية لم
توض� � ��ح موقف القانون املصري في موضوع التحكيم في العقود اإلدارية؛ فالقانون
املص� � ��ري قد خال قبل قانون 1997م من أي نصوص صريحة في مجال املنازعات
اإلدارية (.)1
لذا صار االخت� �ل��اف في أحكام القضاء املصري الع� � ��ام ،والقضاء اإلداري في
مسألة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
أما في بلجيكا؛ فقد منع القانون البلجيكي جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم
في العقود اإلدارية؛ فاملادة 1676من القانون القضائي البلجيكي الصادر 1972م
نصت على:
«منع الدولة وس� � ��ائر األش� � ��خاص املعنوية العموميني اللجوء إلى التحكيم ما لم
يكن يوجد نص قانوني خاص يسمح بذلك ،أو معاهدة دولية جتيز ذلك».
وق� � ��د أخذ برأي عدم صحة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية بعض دول
أمريكا الالتينية وأوروبا الشرقية كاألرجنتني ويوغوسالفيا وبلغاريا.
-2موقف القضاء من اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية
لقد اس� � ��تقر القضاء الفرنسي على اعتبار شرط التحكيم في العقود الداخلية
ا بطالناً مطلقاً لتعلق� � ��ه بالنظام العام وميتد البطالن كذلك إلى مش� � ��ارطة باط� �ل � ً
التحكيم(.)2
( )1سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.425
( )2سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.563
333
التحگيم في العقود اإلداريـة
وقد فرقت أحكام القضاء الفرنسي بني التحكيم في العقود اإلدارية الداخلية،
والعقود الدولية فحظرت اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية الداخلية(.)1
أم� � ��ا القضاء اإلداري الفرنس� � ��ي فإن� � ��ه اعتنق الرأي القائل بحظ� � ��ر اللجوء إلى
التحكيم في العقود اإلدارية.
ويعتب� � ��ر القض� � ��اء اإلداري الفرنس� � ��ي رائد االجت� � ��اه املعارض ف� � ��ي اللجوء إلى
التحكيم في العقود اإلدارية ،وهذا احلظر مقرر من قبل مجلس الدولة منذ وقت
طويل(.)2
وقد بني حكم صادر من مجلس الدولة الفرنس� � ��ي س� � ��بب احلظر حيث ذكر أن
الوزراء ال يس� � ��تطيعون اللجوء إلى التحكيم حلل املس� � ��ائل املتنازع عليها؛ ألن هذا
العمل محظور عليهم مبقتض� � ��ى نصوص املادتني ،1004و 83من قانو اإلجراءات
املدني� � ��ة كما ذكر مجلس الدولة س� � ��بباً آخر ،وهو نق� � ��ص أهلية اجلهة اإلدارية إلى
إبرام اتفاق التحكيم(.)3
كما حكم مجلس الدولة الفرنس� � ��ي ببطالن ش� � ��رط التحكيم في عقد أش� � ��غال
عامة أُبْ ِر َم بني شركة خاصة صاحبة امتياز في مجال الطرق السريعة ،ومجموعة
مشروعات(.)4
أم� � ��ا في مصر فقد ع� � ��رض على القضاء املصري مس� � ��ألة التحكيم في العقود
( )1محمد عبداملجيد إسماعيل :عقود األشغال الدولية والتحكيم فيها ،منشورات احللبي احلقوقية ،بيروت،
لبنان ،2003 ،ص.234
( )2محمد حسني منصور :العقود الدولية ،مرجع سابق ،ص.99
( )3علي� � ��وش قربوع كمال :القانون الدولي -تنازع القوانني -اجلزء األول ،الطبعة الثانية ،دار هومه ،اجلزائر،
،2007ص.73
( )4سعد الله عمر :معجم في القانون الدولي املعاصر ،الطبعة األولى ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،
،2005ص.122-121
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
334
التحگيم في العقود اإلداريـة
اإلداري� � ��ة لدى محكمة القضاء اإلداري في القضية رقم 486لس� � ��نة 38ق -قبل
صدور قانون التحكيم رقم 27لسنة 1994م ،وتعديله بالقانون رقم 9لسنة 1997م
الذي حسم مسألة جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم في العقود اإلدارية -فقررت
احملكم� � ��ة في حكمها الصادر بتاريخ 1986/5/18م ج� � ��واز جلوء اجلهات اإلدارية
للتحكيم لفض منازعاتها املتعلقة بالعقود اإلدارية.
وكان� � ��ت دع� � ��وى أقيمت بخص� � ��وص عقد مبرم ب� �ي��ن وزارة اإلس� � ��كان ،والتعمير
والش� � ��ركة املصرية للمساهمة للتعمير ،واإلنشاءات الس� � ��ياحية بشأن عقد امتياز
ضبة املقطم ،ونص العقد في البند اخلامس منه على: َه ْ
«إن أي خالف بني الطرفني على تفس� � ��ير العقد ،أو تنفيذ العقد ....يفصل فيه
عن طريق التحكيم ،».....وعندما طلبت الشركة إحالة النزاع إلى التحكيم امتنعت
وزارة اإلسكان.
وقد أقامت الش� � ��ركة دعوى أمام محكمة القض� � ��اء اإلداري تطلب وقف القرار
الس� � ��لبي باالمتناع عن إحالة النزاع إلى التحكيم؛ فأجابت محكمة القضاء اإلداري
طلب الشركة بتاريخ 1986/5/18م إال أن إدارة قضايا الدولة طعنت في احلكم أمام
احملكمة اإلدارية العليا التي قررت في حكمها الصادر في جلس� � ��ة 1990/2/20م
عدم جواز التجاء اجلهات اإلدارية في العقود اإلدارية إلى التحكيم ،وس � � � َّببت املنع
أن االتفاق على التحكيم ال يجوز أن يسلب اختصاص محاكم مجلس الدولة املقرر
باملادة العاش� � ��رة من القانون رقم 47لس� � ��نة 1972م ،وأن اتفاق التحكيم يجب أ ّالَ
يهدم خصائص العقد اإلداري ،وال يزيل اختصاص مجلس الدولة بنظر املنازعات
املتعلقة بذلك العقد(.)1
ال في هذا احلكم لدى :طه أحمد علي قاس� � ��م :تسوية املنازعات الدولية االقتصادية ،دراسة ( )1أنظر تفصي ً
سياس� � ��ية قانونية لدور املركز الدولي لتس� � ��وية منازعات االس� � ��تثمار ،دار اجلامعة اجلديدة ،االسكندرية،
مصر.2008 ،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
335
التحگيم في العقود اإلداريـة
وعندما عرض أيضاً موضوع التحكيم في العقود اإلدارية في قضية أخرى أمام
محكم� � ��ة القضاء اإلداري في القضية رقم 5439لس� � ��نة 43ق ،بخصوص نفق.....
أحمد حمدي ،التزمت محكمة القضاء اإلداري باملبدأ الصادر من احملكمة اإلدارية
العليا ،وقضت بعدم جواز التحكيم في منازعات العقود اإلدارية تأسيس � � �اً على أنه
يسلب اختصاص محاكم مجلس الدولة املقررة باملادة العاشرة من القانون رقم 47
لسنة 1972م.
وقد أفتت اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع مبجلس الدولة املصري
في 1996/12/18م ,بعدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية بناء على أنه يشترط
ال للتصرف بعوض في احلقوق التي جلواز صحة اتفاق التحكيم أن يكون عاقده أه ً
يشملها اتفاق التحكيم ،وأال يكون التحكيم في مسائل متعلقة باحلالة الشخصية،
وال بالنظام العام.
وألن الوالية سواء كانت خاصة ،أو عامة فاألصل فيها هو املنع ،وعدم النفاذ إال
بعمل تش� � ��ريعي ،وأن جلوء أية جهة عامة للقضاء ذي الوالية العامة في نزاع يتعلق
بعقد إداري هو االستعمال الطبيعي حلق التقاضي ،وأن جلوءها إلى التحكيم يفيد
االس� � ��تعاضة عن القضاء بهيئة ذات والية خاصة ،وهو حتكيم جلمعية خاصة في
شأن من صميم العمل العام الذي تقوم عليه الدولة ،وما يتفرع عنها من أشخاص
القانون العام ،وهو حتكيم من جهة خاصة في ش� � ��أن يتعلق بتسيير املرافق العامة
وتنظيمه� � ��ا وإدارته� � ��ا ،وكل ذلك ال متلكه هيئة العام� � ��ة إال بإجازة صريحة وتخويل
صريح يرد من عمل تشريعي.
كما أن طبيعة العقد اإلداري جعلت املشرع ال يعهد للقضاء املدني نظر منازعات
العق� � ��ود اإلدارية ،وبالتال� � ��ي فإنها تكون من باب أولى أن تكون في منأى عن طبيعة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
336
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم وهيئاته ،ويكون ش� � ��رط التحكيم متنافياً مع إدارية العقد وانتهت اجلمعية
إلى عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية (.)1
( )1ع� �ل��اء محي الدي� � ��ن مصطفى أبو أحمد :التحكيم في منازعات العقود اإلدارية الدولية في ضوء القوانني
الوضعية واملعاهدات الدولية وأحكام محاكم التحكيم -دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص.344
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
337
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث الثالث
الوضع قبل وبعد تعديل قانون التحكيم املصري
بالقانون رقم 9لسنة 1997
في مصر ( )1فقبل صدور قانون التحكيم رقم 27لسنة 1994م ،وتعديله بالقانون
رقم 9لس� � ��نة 1997م املنش� � ��ور باجلريدة الرس� � ��مية العدد 20في 1997/5/15م،
والذي حس� � ��م مس� � ��ألة جلوء اجلهات اإلدارية إلى التحكيم ف� � ��ي العقود اإلدارية؛
ف� � ��إن النصوص القانونية املتعلقة بالقانون اإلداري لم تتعرض ملوضوع التحكيم في
العقود اإلدارية منعاً ،أو حظراً.
كم� � ��ا أن نصوص القانون املدني لم تبني حكم اللج� � ��وء إلى التحكيم في العقود
اإلدارية باعتباره الشريعة العامة لفروع القانون األخرى.
ففي قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم 13لسنة 1968م الذي نظم موضوع
التحكيم ،وكذلك في قانون التحكيم رقم 27لس� � ��نة 1994م ،والذي ألغى املواد من
،501وحت� � ��ى 513اخلاصة بالتحكيم في قان� � ��ون املرافعات املدنية ،والتجارية ،لم
توض� � ��ح موقف القانون املصري في موضوع التحكيم في العقود اإلدارية؛ فالقانون
املص� � ��ري قد خال قبل قانون 1997م من أي نصوص صريحة في مجال املنازعات
اإلدارية(.)2
لذا صار االخت� �ل��اف في أحكام القضاء املصري الع� � ��ام ،والقضاء اإلداري في
مسألة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلدارية.
( )1عصمت عبدالله الشيخ :التحكيم في العقود اإلدارية ذات الطابع الدولي ،مرجع سابق.
( )2سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.425
339
التحگيم في العقود اإلداريـة
وعندم� � ��ا عرض أيض � � �اً موضوع التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية في قضية أخرى
أم� � ��ام محكم� � ��ة القضاء اإلداري ف� � ��ي القضية رقم 5439لس� � ��نة 43ق ،بخصوص
نف� � ��ق أحمد حمدي ،التزمت محكمة القض� � ��اء اإلداري باملبدأ الصادر من احملكمة
اإلدارية العليا ،وقضت بعدم جواز التحكيم في منازعات العقود اإلدارية تأسيس � � �اً
على أنه يسلب اختصاص محاكم مجلس الدولة املقررة باملادة العاشرة من القانون
رقم 47لسنة 1972م.
وقد أفتت اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى ،والتشريع مجلس الدولة املصري
في 1996/12/18م بعدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية بناء على أنه يش� � ��ترط
ال للتصرف بعوض في احلقوق التي جلواز صحة اتفاق التحكيم أن يكون عاقده أه ً
يشملها اتفاق التحكيم ،وأال يكون التحكيم في مسائل متعلقة باحلالة الشخصية،
وال بالنظام العام.
وألن الوالية سواء كانت خاصة ،أو عامة؛ فاألصل فيها هو املنع ،وعدم النفاذ إال
بعمل تش� � ��ريعي ،وأن جلوء أية جهة عامة للقضاء ذي الوالية العامة في نزاع يتعلق
بعقد إداري هو االستعمال الطبيعي حلق التقاضي ،وأن جلوءها إلى التحكيم يفيد
االس� � ��تعاضة عن القضاء بهيئة ذات والية خاصة ،وهو حتكيم جلمعية خاصة في
شأن من صميم العمل العام الذي تقوم عليه الدولة ،وما يتفرع عنها من أشخاص
القانون العام ،وهو حتكيم من جهة خاصة في ش� � ��أن يتعلق بتسيير املرافق العامة،
وتنظيمه� � ��ا وإدارتها ،وكل ذل� � ��ك ال متلكه هيئة عامة إال بإج� � ��ازة صريحة وتخويل
صريح يرد من عمل تشريعي.
كما أن طبيعة العقد اإلداري جعلت املشرع ال يعهد للقضاء املدني نظر منازعات
العق� � ��ود اإلدارية ،وبالتالي؛ فإنها تكون من باب أولى أن تكون في منأى عن طبيعة
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
340
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم وهيئاته ،ويكون شرط التحكيم متنافياً مع إدارية العقد ،وانتهت اجلمعية
إلى عدم جواز التحكيم في العقود اإلدارية(.)1
( )1ع� �ل��اء مح� � ��ي الدين مصطفى أبو أحمد :التحكي� � ��م في منازعات العقود اإلدارية الدولية ،مرجع س� � ��ابق،
ص.344
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
341
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث الرابع
الوضع في قانون التحكيم البحريني
إن كفالة الرقابة القضائية على مشروعية األعمال التي تقوم بها اإلدارة لتحقيق
املصلحة العامة ،وما يصدر عنها من تصرفات يعد من سمات الدولة الدميقراطية،
وفي هذا الشأن جند أن هذه الرقابة إ ّما متارس من خالل أنظمة القضاء املزدوج
حيث يباش� � ��ر مثل هذه الرقابة قضاء مس� � ��تقل يختص بنظ� � ��ر املنازعات اإلدارية
والفص� � ��ل فيها ،أو أن تكون الدولة قد اعتمدت في منظومتها القضائية على نظام
القضاء الواحد إال أنها متد والية هذا القضاء ليشمل االختصاص بنظر املنازعات
الت� � ��ي تكون بني اإلدارة واألفراد ،ونود هنا أن نش� � ��ير إل� � ��ى أن مملكة البحرين قد
اعتم� � ��دت نظام القضاء الواحد (االجنلوسكس� � ��وني) ،وال� � ��ذي يختص بنظر جميع
املنازعات س� � ��واء كانت إدارية مدنية أو جتارية بص� � ��رف النظر عن أطراف النزاع
وطبيعته ،ولم يعرف ازدواجية القضاء رغم شمول واليته للمنازعات اإلدارية.
وقد صدر املرسوم بقانون رقم ( )42لسنة 2002ورتب احملاكم ،وبني اختصاصات
كل منها فقد نصت املادة ( )6منه على «تتكون احملاكم املدنية من:
-1محكمة التمييز.
-2محكمة االستئناف العليا املدنية.
-3احملاكم الكبرى املدنية.
-4احملكمة الصغرى.
وتختص كل منها بالفصل في جميع املس� � ��ائل التي ترفع إليها طبقاً للقانون في
املواد املدنية والتجارية واإلدارية ،وفي املنازعات املتعلقة باألحوال الشخصية لغير
املسلمني ،وفي اجلرائم إال ما استثنى بنص خاص».
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
342
التحگيم في العقود اإلداريـة
كما جاءت املادة ( )7من قانون الس� � ��لطة القضائي� � ��ة مؤكدة على والية احملاكم
املدنية على الفصل في املنازعات اإلدارية إذا نصت على:
«فيم� � ��ا عدا أعمال الس� � ��يادة تختص احملكمة الكبرى املدني� � ��ة -بدائرة إدارية-
بالفصل في املنازعات اإلدارية التي تنشأ بني األفراد وبني احلكومة أو الهيئات أو
املؤسسات العامة عدا احلاالت التي ينص فيها القانون على خالف ذلك».
وملا ذكر فإن الواقع التشريعي يشير إلى تبني املش ّرع البحريني للنظام القضائي
الواحد (االجنلوسكسوني) ،وقد أخذ بفكرة القضاء اإلداري املوضوعي ،وقد جعل
والي� � ��ة الفصل في هذه املنازع� � ��ات من اختصاص احملاكم املدني� � ��ة بدائرة إدارية،
وقص� � ��ر االختصاص الوالئي لنظر املنازعات اإلدارية عليها ،والتي تش� � ��كلت وفقاً
للق� � ��رر رقم ( )3لس� � ��نة ( )2002حي� � ��ث نصت الفقرة الثانية من امل� � ��ادة األولى منه
عل� � ��ى «تختص هذه الدائرة بنظر املنازعات التي تكون اإلدارة طرفاً فيها واملتعلقة
مبمارسة سلطاتها العامة ،وهي على وجه اخلصوص:
-1الدعاوى املتعلقة بإلغاء القرارات اإلدارية ،أو التعويض عنها.
-2الدعاوى املتعلقة بالعقود اإلدارية.
-3دعاوى اجلوازات الناشئة عن قوانني اجلنسية ،أو اجلوازات والهجرة.
ومن هذا نخل� � ��ص بأنه ،وبالرغم من تبني املش � � � ّرع البحريني النظام القضائي
الواح� � ��د إال أنه لم يغفل املنازعات اإلدارية ،وبناء علي� � ��ه مارس القضاء البحريني
موضوعي � � �اً رقابته على أعمال الس� � ��لطة اإلدارية عند نظره للمنازعات الناش� � ��ئة
ب� �ي��ن األفراد واإلدارة وفقاً ملبادىء القانون العام ،واملبادىء التي أرس� � ��اها القضاء
اإلداري املزدوج حيث يتم فحص صحة ومشروعية التصرفات والقرارات اإلدارية،
وهل اس� � ��توفت أركانه املشروعية في مواجهة من صدر بحقه ،وقد فصلت وقضت
343
التحگيم في العقود اإلداريـة
احملاك� � ��م البحرينية في العديد من منازعات األفراد مع الس� � ��لطات اإلدارية ،وفي
مختلف أنواع القضايا اإلدارية الناش� � ��ئة عن تصرفات اإلدارة املادية أو القانونية،
ولك� � ��ن هذا األمر ال يعني أن هذا الوضع كافي إذ أن الواقع الفعلي واحلاجة أثبت
ال وموضوعاً تختص بنظر املنازعات اإلدارية ضرورة أن تنشأ محاكم مستقلة شك ً
مستقلة عن القضاء العادي.
ونخلص م� � ��ن ذلك أنه ال يوجد قانون في البحرين يجي� � ��ز اللجوء إلى التحكيم
في العقود اإلدارية إمنا صدرت فتوى قانونية من هيئة التشريع واإلفتاء القانوني
بجوازي� � ��ه اللجوء إلى التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية ،وقد أصدر مجلس املناقصات
تعميمياً بهذا اخلصوص إلى اجلهات احلكومية (.)1
ويرى البع� � ��ض ( )2بأن تطور التحكيم ،وقوانينه هو القضاء األساس� � ��ي للتجارة
الدولي� � ��ة بينما القضاء الوطن� � ��ي أصبح هو االس� � ��تثناء ألن للتحكيم مميزات عدة
منها السرعة والس� � ��رية إال أن ميزته األساسية ،واألهم هو أنه قضاء دولي يتمثل
فيه الطرفان بقاض يختاره هو بنفس� � ��ه؛ فإرادة األطراف هي الس� � ��مة األساس� � ��ية
لذلك؛ ف� � ��إن التحكيم يلعب دوراً مهماً في الفصل في املنازعات بش� � ��كل عام التي
منه� � ��ا منازعات العقود اإلدارية ،ففي كثير م� � ��ن الدول نصت قوانني التحكيم على
ج� � ��واز اللجوء إلى التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية ،منها على س� � ��بيل املثال القانون
الفرنس� � ��ي في بعض العقود اإلدارية كعقود بعض املؤسسات الصناعية والتجارية،
كما في قانون 9للعام 1975م ،وكذلك العقود اإلدارية املبرمة مع شركات أجنبية،
وكذل� � ��ك في القانون املصري فق� � ��د صدر القانون رقم 9للعام 1997م ،والتي يكون
( )1جاء ذلك على هامش تنظيم مركز التحكيم التجاري بالتعاون مع غرفة جتارة وصناعة عمان فرع صاللة
امللتقى الس� � ��نوي السادس عشر عن «التحكيم في العقود اإلدارية» خالل الفترة من 11إلى 14سبتمبر/
أيلول 2011صاللة -سلطنة عمان.
( )2د .أحمد جنم :األمني العام ملركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون اخلليجي.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
344
التحگيم في العقود اإلداريـة
االتف� � ��اق على التحكيم مبوافقة الوزير املختص ،أو من يتولى اختصاصه بالنس� � ��بة
إلى األش� � ��خاص االعتبارية العامة ،وال يجوز التفويض في ذلك كما أجاز القانون
الس� � ��وري اللجوء إلى التحكيم في العقود الت� � ��ي تقل قيمتها عن مبلغ معني ،وأجاز
القانون األردني إلى التحكيم.
وعن التحكيم في العقود اإلدارية في دول مجلس التعاون لدول اخلليج العربية؛
ف� � ��إن في دولة اإلمارات العربية املتحدة األص� � ��ل اإلباحة وال يوجد نص مقيد وإن
الشواهد العملية تؤكد إدراج الدولة لشرط التحكيم في كثير من العقود ،وخاصة
املتعلق منها باملقاوالت العمومية ،وفي مش� � ��روع القانون اجلديد يوجد نص صريح
باللجوء إلى التحكيم في عقود الدولة.
أم� � ��ا في مملك� � ��ة البحرين فنجد أنه ال يوجد قانون يجي� � ��ز اللجوء إلى التحكيم
في العقود اإلدارية إمنا صدرت فتوى قانونية من هيئة التشريع واإلفتاء القانوني
بجوازي� � ��ة اللجوء إلى التحكيم في العقود اإلداري� � ��ة وقد أصدر مجلس املناقصات
تعميماً بهذا اخلصوص إلى اجلهات احلكومية.
345
التحگيم في العقود اإلداريـة
املبحث اخلامس
مقارنة موقف قانون التحكيم املصري
مع قانون التحكيم البحريني
ملوض� � ��وع التحكيم في مجال العقود اإلدارية أهمي� � ��ة بالغة مرجعها ما تتضمنه
هذه العقود من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون اخلاص ومتيز األحكام،
وك� � ��ذا القضاء الناظر في منازعاتها ،وبالنظ� � ��ر خلصوصية العقود اإلدارية بصفة
عامة فإن إدراج ش� � ��رط التحكيم في مثل هذه العقود س� � ��يجعلها تكتس� � ��ب طابعاً
خاصاً ،وهو ما أدى الختالف التش� � ��ريعات في إجازة إدراج هذا الش� � ��رط في مثل
هذه العقود بالنظر ملا يترتب على ذلك من آثار.
بالنسبة لقانون التحكيم البحريني:
ا لفض منازعات هذه رفض املش� � ��رع البحريني أن يكون التحكيم طريقاً بدي� �ل � ً
العقود ،ألنه يرى أنه ال يضمن خضوع هذه العقود اإلدارية لنظام متميز عن النظام
ال� � ��ذي تخضع له باقي العق� � ��ود ألن التحكيم ال يعتد بالتميي� � ��ز بني العقود املدنية،
والعق� � ��ود اإلدارية ،وألن اللجوء إل� � ��ى التحكيم في هذه العق� � ��ود يؤدي لالصطدام
مببدأ احلصانة القضائية للدولة ،ومببدأ سيادة الدولة على أراضيها حيث استند
املشرع في اعتراضه لفكرة التحكيم في العقود اإلدارية جلملة من األسانيد لتبرير
موقفه ،وسنقوم ببيان مختلف األسانيد التي استند إليها.
-1التحكيم س� � ��لب الختصاص القضاء الوطني ومس� � ��اس بس� � ��يادة الدولة إلى
جانب إحالل القانون األجنب� � ��ي محل القانون الوطني ،والذي هو مظهر من
مظاهر سيادة الدولة.
347
التحگيم في العقود اإلداريـة
أما بالنسبة قانون التحكيم املصري:
صدر قانون التحكيم املصري اجلديد رقم 27سنة ،1994ونصت مادته األولى
على ما يلي:
«مع عدم اإلخالل باالتفاق� � ��ات الدولية املعمول بها في جمهورية مصر العربية
تسري أحكام هذا القانون على كل حتكيم بني أطراف من أشخاص القانون العام،
أو اخل� � ��اص أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا
التحكي� � ��م يجري في مر ،أو كان حتكيماً جتارياً ،أو دولياً يجري في اخلارج واتفق
أطرافه على إخضاعه ألحكام هذا القانون»(.)1
وقد اعتبر أنصار ه� � ��ذا االجتاه أن هذا النص دليل على عدم جوازية التحكيم
في العقود اإلدارية ،واستندوا في ذلك للحجج التالية:
عدم ورود لفظ العقود اإلدارية صراحة في نص املادة السابقة ،كما أنه بالرجوع
ألح� � ��كام املادة الثاني� � ��ة جندها عددت اخلضوع التي تخض� � ��ع للتحكيم ،وقالوا بأن
الهدف من ذلك هو جتنب النص صراحة على التحكيم في العقود اإلدارية.
واستندوا كذلك لعنوان القانون ذاته حيث إنه يختص بالتحكيم في املواد املدنية
والتجارية (.)2
( )1أسرة التحرير« ،نصوص وقوانني واتفاقيات التحكيم وطنياً وإقليمياً ودولياً» ،املرجع السابق ،ص .138
( )2عالء محي الدين مصطفى أبو أحمد ،املرجع السابق ،ص.211
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
348
التحگيم في العقود اإلداريـة
غي� � ��ر أن احلج� � ��ة الثانية التي قال بها أنصار هذا االجت� � ��اه غير صحيحة ،وقد
نفاه� � ��ا احلكم الصادر عن محكمة اس� � ��تئناف القاهرة ،والذي أك� � ��د على إمكانية
التحكيم في العقود اإلدارية (.)1
ولك� � ��ن يوج� � ��د اجتاه آخر يقر بإمكاني� � ��ة التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية ،باعتبار
أن� � ��ه ليس هناك ما مينع إدراج هذا الش� � ��رط في مثل هذه العقود ،ال س� � ��يما ،وأن
االتفاقيات الدولية جتيز التحكيم ،واستند هذا االجتاه للعديد من األسانيد لتبرير
موقفه ،وق� � ��د مت تأييد هذا االجتاه في التش� � ��ريعات الوطنية ،واالتفاقات الدولية
كما قد صدرت العديد من األحكام القضائية التي تؤكد على إمكانية إدراج شرط
التحكيم في العقود اإلدارية.
فبعد صدور قانون س� � ��نة 1994نصت مادته األولى على التحكيم ،إال أن الفقه
اختلف في تفس� � ��ير النص فقال البعض بأنها ال تشمل العقود اإلدارية ،وهناك من
قال بأنها تشملها لكون أحد أطرافها شخص عام ( ،)3وقد أيدت محكمة استئناف
القاهرة االجتاه القائل بإجازة التحكيم في العقود اإلدارية ،وجتدر اإلشارة في هذا
الصدد أن مجيء القانون رقم 9لس� � ��نة 1994املتضمن تعديل ألحكام القانون رقم
27لسنة 1994نص صراحة على إمكانية التحكيم في العقود اإلدارية؛ فقد أجاز
املشرع املصري اللجوء للتحكيم كوسيلة لتسوية منازعات العقود اإلدارية كافة بغض
النظر عما إذا كانت ذات صفة دولية ،وذلك مبوجب القانون رقم 9لس� � ��نة ،1997
املعدل لقانون التحكيم في املواد املدنية ،والتجارية رقم 27لسنة .1994
( )1لإلطالع على احلكم ميكن الرجوع إلى :حفيظة الس� � ��يد احلداد ،االتفاق على التحكيم في عقود الدولة
ذات الطبيعة اإلدارية وأثره على القانون الواجب التطبيق ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلس� � ��كندرية ،د ط،
.41 ،39 ،2001
( )2عبد العزيز خليفة ،الوجيز في األسس العامة للعقود اإلدارية ،املرجع السابق ،ص.381
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
349
التحگيم في العقود اإلداريـة
إال أن تل� � ��ك اإلجازة تخضع للقيد العام الذي أورده التعديل التش� � ��ريعي املذكور
من أنه «بالنسبة إلى منازعات العقود اإلدارية يكون االتفاق على التحكيم مبوافقة
الوزير املختص ،أو من يتولى اختصاصه بالنس� � ��بة لألش� � ��خاص االعتبارية العامة،
وال يجوز التفويض في ذلك».
فإذا كان املش� � ��رع قد أجاز التحكيم ف� � ��ي منازعات العقود اإلدارية بنص صريح
إال أن حرصه على عدم املس� � ��اس باملصلحة الوطنية من جراء اللجوء إلى التحكيم
لتس� � ��وية منازعة إدارية ما جعله يتحوط بأن حتم إلجرائه موافقة الوزير املختص،
أو من يقوم مقامه مع حرمانهما من التفويض في ممارسة هذا االختصاص.
إضاف� � ��ة إلى تطلب املوافقة األولي� � ��ة إجازة اللجوء للتحكيم لتس� � ��وية منازعات
العقود اإلدارية دولية كانت أم داخلية ،فإنه يتعني أن تكون املسألة التي يتفق على
اللجوء للتحكيم لتسويتها تقبل الصلح ،وبذلك وضع املشرع حداً للخالف الناشىء
بني الفقهاء ،وهذا ما وافقه عليه القضاء املصري الرأي حيث صدرت العديد من
األحكام القضائية التي أكدت إمكاني� � ��ة اللجوء إلى التحكيم لفض املنازعات التي
تنشأ بشأن العقود اإلدارية (.)1
( )1صدر حكم عن محكمة استئناف القاهرة في 19مارس ،1996واملتعلق بدعوى البطالن املقامة من رئيس
املجلس األعلى لآلثار ضد ش� � ��ركة سيلجستر نايت اإلجنليزية بش� � ��أن حكم التحكيم الصادر لصالح هذه
األخيرة ،والذي مبوجبه ألزم املجلس األعلى لآلثار بدفع مبالغ متعددة لصالح هذه الش� � ��ركة ،ومت الطعن
في هذا احلكم من قبل املجلس األعلى لآلثار أمام محكمة اس� � ��تئناف القاهرة ،ومتسك هذا األخير أمام
احملكمة ببطالن ش� � ��رط التحكيم لك� � ��ون العقد محل النزاع عقد إداري ،وج� � ��اء احلكم الصادر عنها على
النحو التالي...« :حيث أنه عن السبب الثاني ،وهو اإلدعاء ببطالن شرط التحكيم؛ ألن العقد محل النزاع
هو عقد إداري مما ال يجوز التحكيم فيه؛ فإنه غير س� � ��ديد؛ فقد نصت املادة األولى من قانون التحكيم
في املواد املدنية ،والتجارية رقم 27لسنة 1994على أن ...« :تسري أحكام هذا القانون على كل حتكيم
بني أطراف من أشخاص القانون العام ،أو القانون اخلاص أياً كانت طبيعة العالقات القانونية التي يدور
حولـه� � ��ا النـزاع إذا كان ه� � ��ذا التحكيم يجري في مصر ،أو كان حتكيماً جتــاري � � �اً دولياً يجري في اخلارج
واتف� � ��ق أطرافه على إخضاعه ألحـكام هذا القانون» ،والقاعدة أن� � ��ه ال اجتهاد مع وضــــوح النص ،وداللــة
عبـــارة هـذا النص واضحـــة ،وقاطـــعة في إجـازة املش� � ��رع لالتفـاق على التحكــيم حتى ،ولـو كــان أحــد =
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
350
التحگيم في العقود اإلداريـة
=أطرافـــه من أش� � ��خاص القانون العام ،وأياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع» ،وقد
ورد ف� � ��ي املذكرة اإليضاحية للقانون نفس املعنى بقولها ،...:وحتديد نطاق تطبيق أحكام املش� � ��روع الذي
عينت� � ��ه املادة األولى بع� � ��د أن رجحت أحكام االتفاقيات املعمول بها في مصر بس� � ��ريان تلك األحكام على
كل حتكيم جتاري دولي يجري في مصر س� � ��واء كان أحد طرفيه من أش� � ��خاص القانون العام ،أو أشخاص
القانون اخلاص؛ فحسم املشرع بذلك الشكوك التي دارت حول مدى خضوع بعض أنواع العقود التي يكون
أحد أطرافها من أش� � ��خاص القانون العام للتحكيم؛ فنص على خضوع جميع املنازعات الناش� � ��ئة عن هذه
العقود ألحكام هذا املشروع أياً كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع.»...
وعند أخذ األصوات مبجلس الشعب على مشروع القانون متت املوافقة على نص املادة ،وكان أحد النواب
ق� � ��د اقترح النص في املادة األولى على عدم ج� � ��واز التحكيم في العقود اإلدارية بيد أن االقتراح لم يحظ
مبوافقة األغلبية ،ومما تقدم يتبني أن املشرع قصد على وجه القطع جوازية التحكيم في العقود اإلدارية،
وهو ما يتفق مع احلكمة التي شرع من أجلها قانون التحكيم ،وهو مواكبة اجلهود التي تبذلها الدولة من
أجل تهيئة مناخ صالح لالستثمار.
وقد أضفت احملكمة« :أن الثابت من عبارات العقد املؤرخ في 1993/11/10محل النزاع ،والذي تضمن
شرط التحكيم ،أنه قد روجع باللجنة الثانية لقسم الفتوى ،والتشريع مبجلس الدولة في ،1993/1/20أو
هذه اللجنة وافقت عليه بالتبايغ رقم 560في 1993/10/25بعد قيام النزاع بني الطرفن أبرماً مشارطة
التحكي� � ��م املؤرخة ف� � ��ي ،1996/3/24وإذا نظر املوض� � ��وع أمام هيئة التحكيم املنص� � ��وص عليها في تلك
املشارطة ترافع الطرفان دون أن يبدى أحدهما دفعاص ميس شرط التحكيم بينما تربص املجلس األعلى
حت� � ��ى أصدرت هيئة التحكي� � ��م قضائها لغير صاحله؛ فبادر إلى إقامة الدع� � ��وى املاثلة على قول ببطالن
شرط التحكيم؛ ألن املنازعة تتعلق بعقد إداري ،وال شك أن مثل هذا اإلدعاء يتنافى مع مبدأ وجوب تنفيذ
االلتزامات مببدأ حس� � ��ن النية وهو مبدأ ع� � ��ام ال مييز بني عقد مدني وعقد إداري ،كما أنه يتناقض مع
املستقر عليه في الفقه وقضاء التحكيم التجاري الدولي من عدم جواز تنصل الدول أو األشخاص العامة
من شرط التحكيم الذي أدرجته في عقودها استناداً إلى أية قيود تشريعية حتى وإن كانت حقيقية ،فإن
فتح الباب أمام األش� � ��خاص العامة للتحلل من ش� � ��رط التحكيم الذي أدرجته في العقد املبرم مع الطرف
األجنب� � ��ي فإن ذلك س� � ��يهز ثقة املتعاملني مع تلك اجلهات ف� � ��ي مصداقيتها ويجلب أوخم األضرار بغرض
االس� � ��تثمارات األجنبية ومشروعات التنمية» .وللتفصيل أكثر أنظر مؤلف حفيظة السيد احلداد ،االتفاق
على التحكيم في عقود الدولة ذات الطبيعة اإلدارية وأثره على القانون الواجب التطبيق ،ص.42-40
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
351
التحگيم في العقود اإلداريـة
اخلامتة
يع� � ��د التحكيم الطريق البديل أو الوس� � ��يلة األكثر مالءمة حلل منازعات العقود
الدولي� � ��ة بصف� � ��ة عامة ،ألن احملاكم ل� � ��م تعد بالقادرة على التص� � ��دي ملختلف هذه
املنازعات بش� � ��كل منفرد إلى جانب ظهور احلاجة املاسة للتخصصية من قبل من
ا حلل منازعات التجارة ينظر ف� � ��ي هذه النازعات ،ولم يعد التحكيم طريقاً بدي� �ل � ً
الدولي� � ��ة واالس� � ��تثمار فقط بل وأصبح ضرورة حتمية بالنس� � ��بة لطائفة أخرى من
العق� � ��ود ،والتي كانت لوقت قري� � ��ب من منأى عنه وهي العقود اإلدارية ،والت يكون
أحد أطرافها الدولة أو أحد أش� � ��خاص القانون العام بوصفه س� � ��لطة عامة ،وعلى
الرغم من معارضة بعض الفقه إلدراج ش� � ��رط التحكيم في العقود اإلدارية بصفة
عامة ،والعقود اإلدارية ذات الطابع الدولي بصفة خاصة إال أن ما طرأ من تغيرات
اقتصادي� � ��ة واجتماعية جعل من اللجوء إلي� � ��ه حتمية ،وهو ما أدى لتزايد االهتمام
بالطرق البديلة حلل املنازعات في مختلف األنظمة القانونية والقضائية.
وقد اقتصرت دراس� � ��تنا على التحكيم كطريق بديل حلل هذه املنازعات ،والذي
بدأت أهميته تبرز فيها بشكل جلي ال سيما مع زيادة التعاقدات في الوقت الراهن
التي تبرمها اإلدارة مع األش� � ��خاص األجانب لتسيير املرافق العامة ال سيما عقود
ال في اقتصاديات الدول.االمتياز مع الشركات األجنبية والتي تؤدي دوراً فاع ً
ودراس� � ��ة التحكيم ال تس� � ��تمد أهميتها من القيمة الكمي� � ��ة والكيفية فقط لهذه
العقود ،بل يتعداها للدور الذي تؤديه في اقتصاديات الدول النامية واملتطورة على
حد سواء ،وترتبط الدول في كثير من األحيان باتفاقيات ثنائية أو جماعية تهدف
حلماية تنظيمها من خالل إبرام العقود بني الدولة وبني أحد رعايا الدولة األخرى،
وتعد هذه العقود ذات أهمية قصوى بالنس� � ��بة للدول اآلخذة في النمو ،ألنها تعد
ف� � ��ي الكثير من األحيان الركي� � ��زة التي من خاللها يتم بن� � ��اء هياكلها االقتصادية،
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
352
التحگيم في العقود اإلداريـة
وتنظيم بنيتها األساس� � ��ية ،وإدارة مرافقها العامة على نحو يجعل من هذه العقود
ال حيوياً ورئيسياً في حتقيق اخلطة االقتصادية للدول اآلخذة في النمو. عام ً
353
التحگيم في العقود اإلداريـة
قائمة بأهم املراجع العربية ،واألجنبية للرسالة.
> املراجع العربية:
أو ًال :املراجع املتخصصة:
-إبراهي� � ��م طه فياض :العقود اإلداري� � ��ة (النظرية العامة ،وتطبيقاتها ف� � ��ي القانون الكويتي،
واملقارن مع ش� � ��رح قانون املناقصات الكويتي رقم ( )37لسنة ،1964مكتبة الفالح،1981 ،
الطبعة األولى.
-أحمد أبو الوفا :العالقات الدولية (دراس� � ��ة لبعض جوانبها القانونية) ،دار النهضة العربية،
القاهرة.1999 ،
-أحمد بن حس� � ��ن أحمد احلسيني ،أوراق ،وآراء في البوت بعنوان :دراسة شرعية اقتصادية
خلصخصة مش� � ��اريع البنية التحتية بأس� � ��لوب البناء ،والتشغيل ثم اإلعادة ،اإلصدار األول
لشركة مجمعات األسواق التجارية الكويتية.2006 ،
-جورجي شفيق ساري -التحكيم ،ومدى جواز اللجوء إليه لفض املنازعات في مجال العقود
اإلدارية -الطبعة الثانية -القاهرة - 2005 -دار النهضة العربية.
ثاني ًا -املراجع العامة:
-أحمد عبد الكرمي س� �ل��امة :قان� � ��ون العقد الدولي .دار النهضة العربي� � ��ة ،القاهرة ،الطبعة
األولى.2001/2000 ،
-أحمد عبدالكرمي س� �ل��امة -قانون التحكيم التج� � ��اري الدولي والداخلي -الطبعة األولى-
- 2004دار النهضة العربية.
-أحمد محمد محرز :النظام القانوني لتحويل القطاع العام إلى القطاع اخلاص «اخلصخصة»،
القاهرة .1995
-أنس جعفر :العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،الطبعة الرابعة .2007
-السيد املراكبي ،التحكيم في دول مجلس التعاون لدول اخلليج العربية ،ومدى تأثيره بسيادة
الدولة ،دار النهضة العربية.2010 ،
-جنالء حسن سيد -التحكيم في املنازعات اإلدارية - 2002 -بدون ناشر.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
354
التحگيم في العقود اإلداريـة
ثالث ًا -املجالت العلمية:
-آمال الفزايري :التدريب في املجاالت عالية التخصص بحث مقدم في ندوة تأهيل ،وتدريب
احملكمني ،املنامة ،البحرين :نش� � ��رة التحكيم التجاري اخلليج� � ��ي ،مركز التحكيم التجاري
الدولي لدول مجلس التعاون اخلليجي ،العدد ،10ديسمبر .1998
-مش� � ��اعل عبدالعزي� � ��ز الهاجري« ،بداي� � ��ة النهاية :أثر ظهور مجالس تس� � ��وية املنازعات على
اضمحالل الدور ش� � ��به التحكيمي للمهندس االستشاري في عقد الفيديك ملقاوالت أعمال
الهندس� � ��ة املدنية (دراسة في آليات املنازعات العقدية وفقاً لتعديالت اإلصدار األخير من
عقد الفيديك)» ،مجلة احلقوق ،العدد ،1السنة ،31مارس .2007
-عادل الطبطائي :الطعن بتجاوز الس� � ��لطة في مجال العقود اإلدارية« ،دراسة خاصة بقضاء
مجلس الدولة الفرنس� � ��ي» بحث منشور في مجلة احلقوق ،جامعة الكويت ،السنة احلادية
عشر ،العدل الثالث ،محرم - 1409سبتمبر .1987
> املراجع األجنبية:
- BrunoDe Cazalet, The Evolution of the Concession and Public
Private Partnership Legal Concepts over the Last 20 years under
Dommon Law Influence, 2014 Int'l Bus. L.J. 271 (2014).
- Bruns et Motulsky -Tendances et perspectives de l'arbitrage inte -
national, Rev. int. dr.comp., 1957
- C.Cass l ch.c, 11 juillit 2006, Banque populaire loris et laynnans
c/ste Sengar, Rev.arb.2006,. P.969.Note CH Larroument..
اتفاق التحكيم
اعداد
املستشار /محمد أبو عجيلة دياب
احملكمة العليا الليبية
العلمي الثالث
الملتقـى
357
التحگيم في العقود اإلداريـة
مقدمة
يعد وجود التحكيم منذ وجود اإلنس� � ��ان وعرفة العرب قبل اإلس� �ل��ام وأش� � ��هر
قضاي� � ��ا التحكيم في تاريخ العرب هي حادثة الن� � ��زاع الذي حصل عند إعادة بناء
الكعبة الش� � ��ريفة حول من يضع احلجر األس� � ��ود مبكانة م� � ��ن القبائل العربية وقد
اتفقوا على أن من يدخل عليهم أوالً من العرب هو من يفصل في هذا النزاع فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من دخل عليهم وحكم بينهم وحدد لهم كيفية
وضعه مبكانة ولقي حكمه قبولهم.
فالتحكيم بشكل عام هو وسيلة من وسائل فض املنازعات وتسويتها بني أطراف
النزاع.
وهو قضاء اتفاقي يكرس س� � ��لطان إرادة املتعاقدين .فالعقد ينعقد بني أطرافه
وفقاً إلرادتهم واختيارهم ويتم حتريره طبقاً لالتفاق الذي وقع بينهم.
وهم من يحدد األش� � ��خاص من املتخصصني الذي ميت� � ��ازون بالكفاءة والنزاهة
واحلياد للفصل في النزاع .وكذلك اختيار القواعد املنظمة لهذا املنازعات س� � ��واء
م� � ��ن حيث املوضوع أو اإلجراءات أو تعيني م� � ��كان التحكيم واللغة .وطبيعة التحكم
ه� � ��و اخلروج على طرق التقاضي العادية ويعتمد أساس � � �اً على أطراف النزاع بدل
االعتماد على التنظيم القضائي.
والتحكي� � ��م في العقود اإلدارية هو وس� � ��يلة فض النزاع بني أطراف وأش� � ��خاص
القان� � ��ون الع� � ��ام كالدول والهيئ� � ��ات العامة وأطراف القانون اخلاص كاألش� � ��خاص
الطبيعي� � ��ة واالعتبارية ونتناول في هذه الورقة احمل� � ��ور الثالث والرابع وذلك وفقاً
ملا يلي:
359
التحگيم في العقود اإلداريـة
إتفاق التحگيم
> تعريفه:
تع� � ��ددت التعريفات التف� � ��اق التحكيم وجميعها ال تخرج ع� � ��ن اعتباره اتفاق بني
ال عن طريق شخص أطراف العقد على حل النزاع القائم أو الذي س� � ��يقوم مستقب ً
أو أش� � ��خاص يخت� � ��اروا ملعارفهم الفني� � ��ة أو لتجربتهم ليفصلوا في� � ��ه دون احملكمة
املختصة.
وبه� � ��ذا املنظ� � ��ور فهو اتفاق أما إن يك� � ��ون قبل النزاع في صورة ش� � ��رط بالعقد
األصلي يس� � ��مى بش� � ��رط التحكيم وأما أن يكون في صورة اتفاق الحق على نشوء
النزاع ويسمى مبشارطة التحكيم أو وثيقة التحكيم أو عقد التحكيم.
واملش� � ��رع الليبي أج� � ��از اتفاق التحكيم مبوجد املادة 739م� � ��ن قانون املرافقات
بصورتيه:
< ش� � ��رط التحكيم إذا كان املتعاقدون اشترطوا بصفة عامة ما قد ينشأ بينهم
من نزاع في تنفيذ عقد على محكمني.
< مش� � ��ارطة التحكيم إذا كان االتفاق على التحكيم بشأن نزاع معني قد حصل
بني أطرافه.
> الفرق بني شرط االتفاق ومشارطة االتفاق:
ش� � ��رط التحكيم هو ما يرد ف� � ��ي العقد املبرم بني طرفيه بإحال� � ��ة النزاع الذي
ال بني الطرفني إلى التحكيم ،أي إن وقوع النزاع مس� � ��ألة محتملة ينش� � ��أ مس� � ��تقب ً
مستقب ً
ال.
361
التحگيم في العقود اإلداريـة
في صورة اتفاق مس� � ��تقل (مشارطة التحكيم) كما يجب أن يرد التحكيم على نزاع
جائز التحكيم فيه وأن يكون س� � ��ببه مش� � ��روعاً وضرورة توافر األهلية الالزمة في
األطراف إلبرام اتف� � ��اق التحكيم ويتضح من خالل نص املادة ( )1/720من قانون
املرافق� � ��ات الليبي أنه تش� � ��دد بنصه على أن األهلي� � ��ة الالزمة لصحة التحكيم هي
أهلية التصرف في احلقوق ومفهوم ذلك أن احملجور عليه ال ميلك صالحية إبرام
أو قب� � ��ول التحكي� � ��م وكذلك القاصر ولو كان مأذوناً له بأعم� � ��ال اإلدارة وال النائب
القانون� � ��ي كالولي أو الوص� � ��ي أو القيم إال إذا حصل عل� � ��ى أذن من احملكمة وكذا
الشأن بالنسبة للوكيل الذي يزود بوكالة خاصة م 1/702من القانون املدني ولعل
خشية املشرع من مخاطر التنازل عن قضاء الدولة الرسمي وما فيه من ضمانات
وهو الذي جعله يتطلب هذه األهلية لصحة التصرف ومس� � ��لك الشرع هذا يختلف
على ما ذهب إليه الش� � ��رع املصري في امل� � ��ادة 11من قانون التحكيم التي وضعت
قاعدة تتعلق بصالحية الش� � ��خص الطبيعي أو اإلعتب� � ��اري للقيام بالتصرفات في
حقوقه.
أما فيما يتعلق بتحديد أهلية الدولة أو أحداً أشخاص القانون العام فإنه يرجع
ف� � ��ي حتديد ذلك إلى قان� � ��ون الدولة التي ينتمي إليها األطراف حيث تس� � ��تقل كل
دولة بتحديد مس� � ��ألة أهلية األشخاص س� � ��واء كانوا من أشخاص القانون اخلاص
أو القان� � ��ون العام وغالبية االتفاقي� � ��ات الدولية ال متنع من أن تكون الدولة أو أحد
أشخاص القانون العام طرف في التحكيم.
فإذا كانت اتفاقية نيويورك لعام 1958م ،بشأن االعتراف وتنفيذاً أحكام التحكيم
األجنبي لم تتضمن أي نص صريح يتعلق بأهلية الدولة أو أحد أش� � ��خاص القانون
الع� � ��ام إلبرام اتفاق التحكي� � ��م إال إن االتفاقية األوربية للتحكي� � ��م التجاري الدولي
العام 1991قد نصت صراحة على أهلية أشخاص القانون العام إلبرام اتفاقيات
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
362
التحگيم في العقود اإلداريـة
التحكيم وكذلك اتفاقية واش� � ��نطن اخلاصة بف� � ��ض املنازعات بني الدول املتعاقدة
وب� �ي��ن مواطني ال� � ��دول املتعاقدة األخرى حيث يجوز طبقاً ألح� � ��كام هذه االتفاقية
أن يك� � ��ون أحد أطراف اتفاق التحكيم أحد الدول أو أحد أش� � ��خاص القانون العام
وس� � ��وف نتناول هذه عند استعراض موقف القانون الليبي وبعض القوانني العربية
من جواز التحكيم في العقود اإلدارية التي تبرمها الدول.
> محل التحكيم:
يقصد مبحل التحكيم املنازعات التي يتفق األطراف على حلها بطريقة التحكيم
ويج� � ��ب أن يكون محل التحكيم محدداً فيها ،ومن املس� � ��تقر عليه في التش� � ��ريعات
الوطني� � ��ة واالتفاقيات الدولية أنه ال يج� � ��وز أن يكون محل التحكيم مخالفاً للنظام
الع� � ��ام فإذا كان األصل في التحكيم أنه يجوز في أي منازعة اتفق عليها األطراف
إال أن املشرع في تلك التشريعات قد رأى أن بعض املنازعات ال جتوز فيها التحكيم
ال لعدم مشروعية محلة. وإذا ورد عليها التحكيم فإنه يكون باط ً
وقد أخذ املشرع املصري بهذا االجتاه في قانون التحكيم اجلديد الصادر سنة
1994م ،وفق ما نصت عليه املادة 11منه وكذلك املش� � ��رع الليبي هو أيضاً أخذ به
ف� � ��ي املادة 470من قان� � ��ون املرافعات حيث نصت بأنه ال يجوز التحكيم في األمور
املتعلقة بالنظام العام أو املنازعات بني العامل وأرباب العمل بشأن تطبيق األحكام
اخلاص� � ��ة بالتأمني االجتماعي وإصابات العمل وأمراض املهنة واملنازعات املتعلقة
باجلنس� � ��ية أو احلالة الش� � ��خصية مبا في ذلك التفريق البدن� � ��ي على أنه يجوز أن
يكون موض� � ��وع التحكيم تقديراً لنفقة واجبة من (النظ� � ��ام الزوجي أو العائلي) أو
ف� � ��ي اخلالف عل� � ��ى مقدار املهر أو دعوى مالية أخرى ناش� � ��ئة عن قضايا األحوال
الشخصية.
363
التحگيم في العقود اإلداريـة
كما يجوز التحكيم بني الزوجني فيما جتيزه أحكام الش� � ��ريعة اإلس� �ل��امية ،وال
يصح التحكيم في املسائل التي ال يجوز فيها الصلح.
ومن خالل النص جند أن املش� � ��رع الليبي أخرج املس� � ��ائل التي تتعلق باملصلحة
العام� � ��ة من نظام التحكيم والصلح إال إذا تعل� � ��ق األمر باملصلحة املالية فقط ذلك
أن عل� � ��ة املنع ال تتوافر إذا كان أساس� � ��ها احلالة الش� � ��خصية كما هو الش� � ��أن في
ح� � ��ق النفقة لتعلق األمر باملصلحة املالية وفي ه� � ��ذه احلالة يجوز الصلح وبالتالي
ال بنص املادة 550من القانون املدني املقابلة للمادة 551من القانون التحكيم عم ً
املدني املصري.
وقضت احملكمة العليا الليبية بهذا اخلصوص في الطعن املدني رقم 23/84ف
بنق� � ��ض احلكم املطعون فيه الذي رفض الدفع ببطالن ش� � ��رط التحكيم في طلب
يتعلق باألجر اإلضافي املس� � ��تحق طبقاً ألحكام قانون العمل واستندت احملكمة في
نقض احلكم لعدم جواز التحكيم في هذه املسألة طبقاً لنص املادة 740من قانون
املرافعات ،ألن األجور اإلضافية املستحقة مقررة مبقتضى قانون العمل وأحكامه
من النظام العام.
> الشروط الشكلية:
األصل أن اتفاق التحكيم ينعقد مبجرد اتفاق الطرفني على إبرامه باعتباره من
العقود الرضائية ،دون احلاجة إلى شكلية خاصة ،ومع ذلك فإن غالبية تشريعات
الدول تشترط الكتابة إلبرامه ،سواء مت في صورة شرط في العقد األصلي أو في
صورة اتفاق مستقل ،كما أن االتفاقيات الدولية تشترط كتابة اتفاق التحكيم.
فقد نصت اتفاقية نيويورك على ذلك صراحة في الفقرة األولى من املادة الثانية
بأن (تعترف كل دولة متعاقدة باالتفاق املكتوب الذي يلتزم مبقتضاه األطراف بأن
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
364
التحگيم في العقود اإلداريـة
يخضعوا للتحكيم كل أو بعض املنازعات الناش� � ��ئة أو التي قد تنش� � ��أ بينهم بش� � ��أن
موض� � ��وع من روابط القان� � ��ون التعاقدية أو غير التعاقدية املتعلقة مبس� � ��ألة يجوز
تس� � ��ويتها عن طريق التحكيم) كما بينت الفق� � ��رة الثانية املقصود باالتفاق املكتوب
بأن� � ��ه (ش� � ��رط التحكيم في عقد أو اتف� � ��اق التحكيم املوقع علي� � ��ه من األطراف أو
االتفاق الذي تضمنته اخلطابات املتبادلة أو البرقيات).
كذل� � ��ك أخذ القان� � ��ون املصري بهذا االجت� � ��اه الغالب في التش� � ��ريعات الوطنية
واإلتفاقي� � ��ات الدولية ،حي� � ��ث نصت املادة 12منه على أن� � ��ه (يجب أن يكون اتفاق
ال ،ويكون اتف� � ��اق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر التحكي� � ��م مكتوباً وإال كان باط ً
وقع� � ��ه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادل الطرفان من رس� � ��ائل أو برقيات أو غيرها
من وسائل االتصاالت املكتوبة).
فاملشرع املصري قد جعل كتابة اتفاق التحكيم شرطاً لصحته ال شرطاً إلثباته
متمشياً في ذلك مع االجتاه احلديث في تشريعات التحكيم.
واملش� � ��رع الليبي اش� � ��ترط في املادة 742من قانون املرافعات على أنه ال تثبت
مش� � ��ارطه التحكيم إال بالكتاب� � ��ة وهذا النص صريح في اش� � ��تراط الكتابة إلثبات
مش� � ��ارطه التحكيم وإن قصد املشرع من هذا الشرط هو استبعاد اإلثبات بشهادة
الشهود والقرائن.
وإذا كان يترت� � ��ب على التحكيم خروج النزاع موضوع عقد التحكيم من س� � ��لطة
القضاء العادي الذي نظمه املش� � ��رع وعليه فإن ش� � ��رط التحكي� � ��م في العقد يجب
أن يك� � ��ون واضح وظاهراً عن البن� � ��ود األخرى املدرجة في العقد وبالتالي فإن هذا
ال ونصت املادة الظهور يأخذ طابع الش� � ��كل يجب التقيد به وأال وقع الش� � ��رط باط ً
ال إذا ورد في وثيقة 4/750من القانون املدني الليبي بأن يقع شرط التحكيم باط ً
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
365
التحگيم في العقود اإلداريـة
التأم� �ي��ن بني ش� � ��روطها العام� � ��ة املطبوعة ال في صورة اتفاق خ� � ��اص منفصل عن
الشروط العامة.
> آثار التحكيم:
ككل عقد يترتب عن اتفاق التحكيم نوعني من اآلثار:
-1األثر السلبي:
يتمثل هذا األثر في حرمان أطراف العقد من االلتجاء إلى القضاء بشأن
اخلصومة التي اتفقوا فيها على التحكيم لنزولهم عن االلتجاء إلى القضاء
وذل� � ��ك ال يخالف املبادىء التي قررتها التش� � ��ريعات ومبادىء احملكمة العليا
بصدد حق التقاضي.
فاألم� � ��ر ال يتعل� � ��ق بغلق باب التقاضي بل بتمك� �ي��ن اإلرادات اخلاصة في
إنش� � ��اء قضاء يحقق لها مزايا ال جتده� � ��ا في قضاء الدولة وهي تدور حول
الثقة في ش� � ��خص احملكم فهو يتمتع باخلب� � ��رة والتخصص واحلصول على
قرار سريع وبأقل جهد وتفادي عالنية اجللسات واختصار الشكليات وقلة
النفقات.
-2األثر اإليجابي:
يترتب على اتفاق التحكيم حق األطراف في عرض النزاع على التحكيم
للوصول إلى فض النزاع القائم وإذا امتنع أحد األطراف عن تنفيذ االتفاق
كان بإم� � ��كان الطرف اآلخر إبجاره عن طريق القض� � ��اء على تنفيذ االلتزام
بعرض النزاع على التحكيم ولو باستعمال التهديد املالي.
367
التحگيم في العقود اإلداريـة
> تشكل هيئة التحكيم:
تعت� � ��رف التش� � ��ريعات بحق األطراف ف� � ��ي اختيار محكميه� � ��م باتفاقهم وكذلك
االتفاقيات الدولية بشأن التحكيم ومن ذلك بروتوكول جنيف لعام 1923واتفاقية
جنيف 1937ومن شروط االعتراف بحكم التحكيم واألمر بتنفيذه أن يكون احلكم
قد صدر من محكمة التحكيم احملددة في مش� � ��ارطه أو شرط التحكيم أو املشكلة
طبقاً التفاق األطراف وإلى قواعد القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم،
وتعتب� � ��ر طريقة اختيار هيئة التحكيم من مي� � ��زات التحكيم فاألطراف أو ممثلوهم
تكون لهم الفرصة األكبر في اختيار احملكمني.
> طريقة اختيار احملكمني:
-1أس� � ��لوب االختيار املباشر ويكون ذلك بتحديد األطراف بأنفسهم أشخاص
احملكمني وتس� � ��ميتهم وذلك دون إش� � ��ارة أو إحالة إلى أي ش� � ��خص أو هيئة
أخرى وعادة يكون بإدراج أسماء هيئة التحكيم في اتفاق التحكيم وقد أخذ
القانون املصري في املادة 1/15من قانون التحكيم بهذا األسلوب.
-2أس� � ��لوب االختيار الغير املباش� � ��ر أو بالتفويض ويكون ذلك باتفاق األطراف
على ش� � ��خص من الغير أو هيئة أو منظم� � ��ة تتولى مهمة تعني أعضاء هيئة
التحكيم وفقاً لقواعد أو الئحة معروفة وفي هذه احلالة يجب احترام تلك
القواعد أو الالئحة خاصة إذا كانت الزامية وأش� � ��ار املش� � ��رع املصري إلى
هذا األس� � ��لوب في نص املادة 17من قانون التحكيم الذي قرر أن لطرفي
التحكيم االتفاق عل� � ��ى اختيار احملكمني وعلى كيفية اختيارهم وواضح من
الن� � ��ص أن االتفاق ال ينصب على اختيار احملكمني بل على كيفية اختيارهم
أي الطريقة التي يتم من خاللها اختيار احملكمني باإلحالة إلى هيئة أو مركز
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
368
التحگيم في العقود اإلداريـة
أو ش� � ��خص أو قانون معني ينظم عملية تعيني احملكمني املشرع الليبي أجاز
في املادة 746في حالة عدم االتفاق على احملكمني أو امتناع احملكمني عن
العمل أو اعتزالهم أو قام مانع من مباشرهم للمهمة ولم يكن بني اخلصوم
شرط خاص.
ألي من اخلصوم أن يعلن اآلخر عن طريق احملضرين باحملكم الذي اختاره
أو احملكمني الذين عينهم مع دعوته أن يعني هو اآلخر من جانبه من يختاره
من احملكمني وإذا تخلف ذلك اخلصم عن تعيني احملكمني من جانبه خالل
عش� � ��رين يوماً من إعالنه فللطرف األول أن يطل� � ��ب من احملكمة املختصة
بأصل احلكم في أصل الدعوى تعيني احملكمني.
> التحكيم في العقود اإلدارية.
-التحكيم في الدول العربية.
اختلف� � ��ت التش� � ��ريعات العربية حول ج� � ��واز التحكيم في العق� � ��ود اإلدارية التي
تبرمها الدولة مع أش� � ��خاص القانون العام وأش� � ��خاص القانون اخلاص ال س� � ��يما
في العالقات الدولية فنص قانون اململكة العربية الس� � ��عودية في املرس� � ��وم امللكي
رق� � ��م 46في املادة 3منه الصادر بتاريخ 1403/7/12هـ على أنه ال يجوز للجهات
احلكومي� � ��ة اللجوء إلى فض منازعاتها م� � ��ع اآلخرين إال بعد موافقة رئيس مجلس
الوزراء وهذا املنع يش� � ��مل التحكيم في العالقات الداخلية واخلارجية وكذلك جاء
قان� � ��ون التحكيم املصري رقم 27لس� � ��نة 1994بالتوجه نحو حترير قبول التحكيم
من أثار فكرة سيادة الدولة فنص في املادة األولى منه على أنه (مع عدم اإلخالل
بإحكام االتفاقيات الدولية املعمول بها في جمهورية مصر العربية تس� � ��ري أحكام
ه� � ��ذا القانون على كل حتكيم بني أطراف من أش� � ��خاص القانون العام أو القانون
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
369
التحگيم في العقود اإلداريـة
اخل� � ��اص أي كانت طبيعة العالقة القانونية التي ي� � ��دور حولها النزاع إذا كان هذا
التحكي� � ��م يجري في مصر أو كان حتكيم � � �اً دولياً يجري في اخلارج واتفق إطرافه
على إخضاعه لنظام هذا القانون).
وأم� � ��ام عمومي� � ��ة هذا النص حصل خ� �ل��اف في الفقه على ج� � ��واز التحكيم في
العقود اإلدارية .فقد رأى املشرع حسم هذا اخلالف بإصدار القانون رقم 9لسنة
1997بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم في املواد املدنية والتجارية مضيفاً فقرة
ثانية إلى املادة األولى منه تقضي بأنه (بالنس� � ��بة للمنازعات اإلدارية يكون االتفاق
على التحكيم مبوافقة الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة لألشخاص
االعتبارية العامة وال يجوز التفويض في ذلك).
ويالحظ من التعديل املذكور أن ج� � ��واز التحكيم في املنازعات اإلدارية مرهون
مبوافقة الوزير املختص أو من يتولى اختصاصه بالنس� � ��بة لألشخاص االعتبارية
العامة وينصرف إلى التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي على حد س� � ��واء ذلك أن
القانون رقم 27لسنة 1994وضع تنظيماً موحداً للتحكيم بكافة صوره دون متيز
بني التحكيم الداخلي أو التحكيم الدولي.
-موق���ف القان���ون الليب���ي م���ن ف���ض املنازع���ات الناش���ئة ع���ن العق���ود اإلدارية
بالتحكيم:
ل� � ��م يتعرض املش� � ��رع الليبي في نصوص القانون رقم 88لس� � ��نة 1971بش� � ��أن
القضاء اإلداري للتحكيم بش� � ��أن املنازعات التي حتصل عن العقود اإلداري إال أن
قان� � ��ون املرافع� � ��ات وهو القانون العام قد اخص في م� � ��واده بالباب الرابع ما يتعلق
باألح� � ��كام التحكيم بصفة عامة وهو بهذا لم يعمل كما ذهبت بعض الدول العربية
في إصدار قانون يخص التحكيم.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
370
التحگيم في العقود اإلداريـة
وفي الوقت احلالي فإن املادة رقم 83من القرار رقم 563لسنة 2007بإصدار
الئحة العقود اإلدارية فهي التي تتعلق بالتحكيم فقد نصت املادة املذكورة على أن
يراع� � ��ى النص في العقود اإلدارية بصفة أساس� � ��ية على اختصاص القضاء الليبي
بالنظر في املنازعات التي تنشأ عن هذه العقود على أنه يجوز إذا اقتضت الضرورة
ف� � ��ي حاالت التعاقد مع جهات غير وطنية ومبوافقة مجلس الوزراء حالياً أن ينص
في العقد على االلتجاء للتحكيم مبشارطه حتكيم خاصة ويجب في هذه احلاالت
أن حتدد مش� � ��ارطه التحكيم أوجه النزاع التي يلج� � ��أ فيها إلى التحكيم وإجراءاته
وقواع� � ��د اختيار احملكمني مبا يكف� � ��ل للجانب الليبي فرص� � ��ة متكافئة في اختيار
وحتديد مدى ما للمحكمني من سلطة واختصاص واجلوانب األخرى املتطلبة لهذا
الغرض ،ويراعى في كل ذلك عدم االتفاق على التحكيم بواسطة محكم فرد ومفاد
ذلك أنها قررت مبدأ وأصدرت عليه استثناء.
املبدأ هو اختصاص القضاء الليبي بفض املنازعات التي قد تنش� � ��أ عن العقود
اإلداري� � ��ة ومن مت بطالن كل ش� � ��رط مانع لالختصاص س� � ��واء للتحكيم أو القضاء
األجنبي االستثناء هو جواز ذلك إذا توافر شرطان:
-1أن يتم اخلروج على املبدأ بقرار من مجلس الوزراء في شكل مكتوب.
-2حتديد أوجه النزاع في مشارطة التحكيم وإجراءاته وقواعد اختيار احملكمني
وحظر االتفاق على التحكيم بواسطة محكم فرد.
> األحگام.
-قضت احملكمة الليبية في الطعن اإلداري رقم 20/1ق جلس� � ��ة 1974/4/18
بع� � ��دم جواز الطعن في تقارير اخلبراء بعد صدور حكم احملكمني في قضية
التحكيم ألن� � ��ه صدر في أصل احلق واعتمد عل� � ��ى تقرير اخلبراء وإن ذلك
ينطوي ضمناً القضاء في النزاع حول التقرير.
االحتاد العربي للقضاء اإلداري
العلمي الثالث
الملتقـى
371
التحگيم في العقود اإلداريـة
-قض� � ��ت احملكم� � ��ة العليا الليبي� � ��ة في الطع� � ��ن اإلداري رقم 20/6ق جلس� � ��ة
1974/4/16بأن� � ��ه متى كانت املنازعة الت� � ��ي فصل فيها حكم احملكمني من
اختصاص القضاء اإلداري فإن محكمة القضاء اإلداري هي املختصة بوقف
ال بنظر النزاع عم ً
ال تنفي� � ��ذ حكم احملكمني بوصفها احملكمة املختص� � ��ة أص ً
باملادتني 765 ،762من قانون املرافعات.
اخلامتة
من خالل دراستنا ملوضوع التحكيم جند أن املشرع الليبي لم يضع قانون خاص
بالتحكي� � ��م كما فعل املش� � ��رع املصري بإصدار قانون التحكي� � ��م وكذلك العديد من
التش� � ��ريعات العربية وترك األمر بش� � ��أنه إلى ما ورد في قانون املرافعات باعتباره
القانون العام وما نصت عليه املادة 83من الئحة العقود اإلدارية الصادرة في سنة
.2007
ومل� � ��ا للتحكيم من خصائص يتميز بها عن القضاء العادي فهو ال يتقيد بقواعد
القانون اإلجرائية واملوضوعية ويطبق احملكمني القواعد التي يتفق عليها األطراف
ويتن� � ��وع التحكيم حس� � ��ب موضوع النزاع فقد يكون جتاري � � �اً أو مدنياً أو إدارياً كما
ميتاز بس� � ��رعة الفصل في النزاع على خالف سير الدعوى أمام القضاء فالتطور
في املعامالت االقتصادية الدولية واتس� � ��اع آف� � ��اق التبادل التجاري بني الدول وهو
ما يتس� � ��م به هذا العصر أدى إلى ظه� � ��ور العديد من املنازعات وهو ما يتطلب من
املشرع الليبي بإصدار قانون خاص بالتحكيم.
والله املوفق
373
التحگيم في العقود اإلداريـة
قائمة املراجع
اسم املرجع:
د .الكوني عبودة -1قانون علم القضاء التنظيم القضائي الليبي
د .محمد حسني منصور -2العقود الدولية
د .عبد الباسط محمد عبد الواسع -3شرط التحكيم
د .أحمد أبو الوفاء -4التحكيم في القوانني العربية
د .منير عبد املجيد -5قضاء التحكيم
د .أحمد عبد احلميد عشوش -6التحكيم كوسيلة لفض املنازعات
د .حفيظة السيد احلداد -7النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي
د .بحوث -8مجلة التحكيم العربي -العدد الثامن عشر
اإلسكندرية بحوث -9مجلة احلقوق للبحوث الثانونية العدد األول 2009
طرابلس بحوث -10مجلة احملامي
بحث -11فض املنازعات بالتحكيم
منشورات احملكمة العليا -12موسوعة أحكام احملكمة العليا الليبية
تشريعات -13قانون املرافعات الليبي
تشريعات -14القانون املدني الليبي
375
التحگيم في العقود اإلداريـة
البيان الـختامي
للملتقى العلمي الثالث لالتحاد العربي
للقضاء اإلداري
عقد اإلحت� � ��اد العربي للقض� � ��اء اإلداري امللتق� � ��ى العلمي الثال� � ��ث حتت عنوان
«التحكيم في العقود اإلدارية» ،يومي األحد واإلثنني املوافقني 29و 30أبريل سنة
،2019بدول� � ��ة الكويت ،وذلك بالتع� � ��اون مع املجلس األعلى للقضاء ومعهد الكويت
للدراسات القضائية والقانونية وحتت رعاية كرمية من معالي املستشار الدكتور/
فهد محمد محس� � ��ن العفاس� � ��ي -وزير العدل ووزير األوقاف والشئون اإلسالمية
بدولة الكويت.
حيث افتتح س� � ��يادته فعاليات امللتقى مع الس� � ��يد املستشار /أحمد عبد العزيز
أب� � ��و العزم رئيس مجلس الدولة املصري ،ورئيس االحتاد العربي للقضاء اإلداري،
وبحضور السيد املستشار/يوسف جاسم املطاوعة -رئيس املجلس األعلى للقضاء
ورئيس محكمة التمييز واحملكمة الدستورية بالكويت ولفيف من املسئولني ورجال
القضاء والقانون بدولة الكويت.
وعق� � ��د امللتقى جلس� � ��اته الثمان بحضور الس� � ��ادة رؤس� � ��اء املجال� � ��س القضائية
العليا العربية ولفيف من الس� � ��ادة قضاة الدول العربية وقضاة الس� � ��لطة القضائية
بالكويت.
وتناول امللتقى خالل جلس� � ��اته التعريف بالتحكيم في العقود اإلدارية ،واملوقف
الفقهي والقضائي من جواز اللجوء للتحكيم فيها ،والتطور الذي حلق بتلك املسألة،
وتناول أيضاً إجراءات التحكيم ،واش� � ��كال اتفاق التحكيم ،وتطرق امللتقى للتحكيم
ف� � ��ي العقود اإلدارية الدولي� � ��ة ،والقانون الواجب التطبي� � ��ق ،وحجية أحكام هيئات
377
التحگيم في العقود اإلداريـة
-7تب� � ��ادل املعلوم� � ��ات واألحكام واخلبرات بني ال� � ��دول األعضاء باالحتاد فيما
يتعلق مبوضوع امللتقى.
-8إنش� � ��اء جلنة مش� � ��تركة ملتابعة تنفيذ التوصيات وع� � ��رض تقرير بذلك على
اجلمعية العامة لالحتاد في أول دور انعقاد لها.
وف� � ��ي اخلتام وجه احلاضرون عميق ش� � ��كرهم ملعالي املستش� � ��ار الدكتور /فهد
محمد العفاس� � ��ي وزير العدل ووزير األوقاف والش� � ��ئون اإلسالمية بدولة الكويت
راعى امللتقى ،وملعالى املستش� � ��ار /يوسف جاس� � ��م املطاوعة رئيس املجلس األعلى
للقضاء ورئيس محكمة التمييز واحملكمة الدستورية بالكويت على حسن االستقبال
وكرم الضيافة ،كما أثنى احلاضرون على التنظيم الرائع واملشرف من جانب معهد
الكويت للدراسات القضائية والقانونية ،واجلهود التي بذلها مسئولو املعهد وعلى
رأسهم سيادة املستش� � ��ار /عويد ساري الثومير مدير املعهد ونوابه ومعاونيه ،وهو
أمر ليس مبس� � ��تغرب على دولة الكويت التي كانت وس� � ��تظل أكبر الداعمني للعمل
العربي املشترك بصفة عامة ،ولالحتاد العربي للقضاء اإلداري بصفة خاصة.
والله املوفق.
أمني عام االحتاد
املستشار /محمد محمود رسالن
نائب رئيس مجلس الدولة املصري
379
التحگيم في العقود اإلداريـة
الفهرس العام
3 تقدمي 1
الفهرس العام
طرق الطعن في أحكام هيئة التحكيم
اجلمهورية اجلزائرية 14في العقود اإلدارية
209 الدميقراطية الشعبية مستشار /السيد ميسوري اعماره
اتفاق التحكيم
355 دولة ليبيا 21املستشار /محمد أبو عجيلة دياب
Fbi±EÒ¹
20192018cÒM±E42±