Professional Documents
Culture Documents
المقاربة بالكفايات وتدريس اللغة العربية في المنهاج المغربي
المقاربة بالكفايات وتدريس اللغة العربية في المنهاج المغربي
مقدمة
تتطلب الممارسة التربوية إدراك التمفصالت بين الفعل التربوي والمتغيرات الثقافية واالجتماعية ،وهو ما يعني أن تتبع
هذا الوضع تربويا ً يحتاج لمجهود معرفي ،يتعلق باستيعاب غايات المنظومة التربوية ،وكذا تحديد المتطلبات اآلنية
واالستراتيجية للرهان البيداغوجي المنشود .هنا تتأكد وظيفة المقاربات البيداغوجية وأبعادها األساسية معرفيا ومؤسساتياً.
وفي هذا اإلطار فقد أولت البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بالتعليم االبتدائي مكانة خاصة للغة العربية في ظل
المقاربات الحديثة المعتمدة ،وذلك وفق مقتضيات ومتطلبات المقاربة بالكفايات ،فقد عملت البرامج والتوجيهات الخاصة
باللغة العربية على تطوير وتحسين آليات وتدابير تعليم هذه اللغة وتعلمها ،اعتمادا على مجموعة من المبادئ العامة التي
تفرضها خصوصيات المتعلم وطبيعة المادة ،والعمل على تحقيق الكفايات المستهدفة في هذه المرحلة.
1-الطريقة المعتمدة لتدريس اللغة العربية
أوصت البرامج والتوجيهات بمجموعة من المبادئ واالعتبارات العامة في طرائق تدريس اللغة العربية اعتمادا على
المداخل البيداغوجية الثالثة :مدخل القيم؛ الذي يهتم بقيم العقيدة اإلسالمية ،وقيم الهوية الحضارية ،وثاني مدخل هو مدخل
الكفايات إذ يتم التركيز فيه على إعطاء معنى للتعلمات ،وإضفاء النجاعة والفاعلية على الممارسة التعليمية التعلمية،
واالهتمام بحاجات المتعلم .باإلضافة إلى مدخل التربية على االختيار ،الذي يهدف إلى تأهيل المتعلم الكتساب القدرة على
التمييز واتخاذ القرار المتسم بالوعي ،والتصرف السليم بناء على تفكيره الشخصي وتحليله الخاص.
سمي بمبدأ التوظيف اللغوي ،فقد عالوة على توظيف اللغة العربية الفصيحة ،في التواصل المدرسي اليومي ،وهو ما ُ
اعتمد أيضا مبدأ الوحدات ومبدأ التكامل الداخلي بين مكونات مادة اللغة العربية .ومن المبادئ األساسية اعتماد مبدأ
اإلضمار في تمرير الظواهر األسلوبية والتركيبية ،كما تم االعتماد أكثر على مبدأ الكيف ومبدأ التدرج واالستمرارية .وقد
تم تنويع الوضعيات التعليمية خالل إرساء الموارد وإدماجها أو تقويمها ودعمها ،وهو ما سمي بمبدأ التنويع البيداغوجي
والديداكتيكي ،وبتبني المقاربة بالكفايات فقد تم التركيز على المتعلم باعتباره محورا وفاعال أساسيا في
النسق التعليمي التعلمي ،من خالل مساهمته المتوازنة والبناءة في بناء تعلماته ومكتسباته وإنماء قدراته ومهاراته…،
وعلى مدرس اللغة العربية أن يجدد نظرته للغة باعتبارها نسقا تاما ومنسجما وليست كمكونات لغوية مجزأة ومستقلة ،و
بعبارة أخرى اعتماد مبدأ نسقية اللغة.
2-طرائق التدريس العامة
لم يعد المدرس هو الفاعل المحوري في العملية التعليمية التعلمية ،فباعتماد المقاربة بالكفايات أصبح المتعلم القطب
الرئيس في العملية التعليمية التعليمة ،وأصبح المدرس الموجه والمرشد وليس المالك للمعلومة ،فالدور التقليدي الذي حظي
به المدرس في السابق لم يعد يساير الحاجات والمتطلبات الجديدة للمجتمع والمتعلمين ،فكانت الضرورة تستدعي االهتمام
بالمتعلم والعمل على تنمية كفاياته المعرفية والمنهجية واالستراتيجية والثقافية والتكنولوجية ،والمساهمة في
تعزيز الذكاءات المتعددة لدى المتعلم ومساعدته على حل المشكالت آخذين بعين االعتبار سن المتعلم وخصوصياته الفردية
الشيء الذي يستدعي مالءمة األنشطة التعليمية التعلمية مع مراحل نمو المتعلم وخصائصه اإلدراكية والحسية.
وقد اعتمدت البرامج والتوجيهات التربوية بالنسبة لطرائق التدريس العامة على ما يلي:
أوال :تنويع األنشطة
ال تخفى الفائدة التربوية من تنويع األنشطة ،حيث يساعد هذا التنويع على تلبية الحاجات المتباينة لدى المتعلمات
والمتعلمين ،مراعيا الفروق الفردية ،كما يعمل هذا التنويع على إبعاد الملل وبث الحيوية في األنشطة المتعلمة من خالل
االنتقال من نشاط تعليمي إلى آخر ،كما يرفع من االنتباه ويثير اهتمام المتعلم وفضوله المعرفي.
ثانيا :التعلم الجماعي
يحظى بأهمية كبيرة لما له من فوائد سواء على مستوى المواد الدراسية وتعلمها ،أو على مستوى ترسيخ مبادئ التواصل
والحوار واحترام اآلخر ،وإثبات الذات واإليمان باالختالف .والمتعلم يقوم بأنشطة تمليها طبيعة االستعمال الوظيفي
للمكتسبات التعليمية في امتداداتها إلى خارج محيط المؤسسة التعليمية وارتباطها بمحيط المتعلم وواقعه المعيش .فكل
األنشطة هي أنشطة تفاعلية تدفع المتعلمين إلى تنمية العمل الجماعي.
ثالثا :توفير الفضاء التربوي المالئم
ينبغي على المدرس أن يوفر الفضاء التربوي المالئم للتنشيط والفاعلية والتفاعل ،عن طريق التوجيه واإلرشاد والتنظيم.
3-أنواع التقويم
التقويم من منظور المقاربة بالكفايات عملية مندمجة في سيرورة العملية التعليمية التعلمية ،تواكب مختلف مراحلها ،وتقدم
معطيات لتعديل مسارها وتصحيح ثغراتها.
وفي المقاربة بالكفايات ،تتغير وظيفة التقويم من تقويم يقارن مستوى المتعلم مع مستوى باقي أفراد مجموعة القسم إلى
تقويم يحدد مستوى المتعلم بالنظر إلى القدرات والكفايات المستهدفة انطالقا من إمكانيات وخصوصياته[1].
التقويم التشخيصي
التقويم التكويني
التقويم اإلجمالي
والمالحظ في التقويم المعتمد في البرامج والتوجيهات التربوية أنه معمم على جميع المواد الدراسية وال يهم مادة دون
أخ رى ،وقد عملت هذه التوجيهات على تقسيمه تقسيما ثالثيا يراعى فيه برنامج المواد الدراسية .ووضعت تقويما في بداية
السنة الدراسية أو بداية كل حصة ،وهو التقويم التشخيصي الذي يهدف إلى تشخيص موطن القوة والضعف في أداء
المتعلمين وتحديد الصعوبات التي يواجهها كل منهم في خضم العملية التعليمية-التعلمية واتخاذ ما يلزم من أساليب العالج.
ومساعدة المتعلم في التعرف على قدراته وإمكاناته ،واقتراح سبل ووسائل تحسينها وتنميتها إلى أقصى حد ممكن.
ولكن هناك فارق هام بين التقويم التشخيصي والتقويم البنائي أو التكويني يكمن في خواص األدوات المستعملة في كل
منهما .فاالختبارات التشخيصية تصمم عادة لقياس مهارات وصفات أكثر عمومية مما تقيسه األدوات التكوينية ،فهي تشبه
اختبارات االستعداد في كثير من النواحي خصوصا ً في إعطائها درجات فرعية للمهارات والقدرات الهامة التي تتعلق
باألداء المراد تشخيصه.
أما فيما يخص التقويم اإلجمالي فهو الحكم على مستوى المتعلمات والمتعلمين ،وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة بشأن
تحصيلهم أو تفييئهم أو انتقالهم إلى مستوى أرقى.
4-المقاربة بالكفايات
أ -تعريف
تكمن الكفاية في قدرة الذات على تعبئة موارد مالئمة (معرفية ووجدانية وسياقية) لمعالجة وضعية ما بنجاح .إنها إذاً،
نظام من المعارف الذهنية والمهاراتية (العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية ،تمكن من التعرف على الوضعية
المشكلة وحلها بنشاط وفعالية.
فال يخفى علينا األهمية القصوى التي أصبحت تحظى بها المقاربة بالكفايات وذلك وفق االختيارات والتوجيهات الوطنية،
فهي تستند:
أوال :على مرجعيات نظرية متعددة من أهمها علم النفس الفارقي،
ونظرية الذكاءات المتعددة و النظرية البنائية والنظرية المعرفية ،والنظرية السوسيو بنائية.
ثانيا :على مرجعيات بيداغوجية تركز على المتعلم وتحول دور المدرس من ملقن إلى منشط وموجه وقائد ،وهذا
يستوجب االنفتاح على طرق وتقنيات التنشيط و دينامية الجماعة.
ومعنى هذا أن الكفاية تتضمن معارف عدة مترابطة فيما بينها وهي تنطبق على فئة من الوضعيات ،كما أنها تقصد غاية
محددة .فالكفايات ال تعارض المعارف التي يملكها المتعلم وال تعوضها ،بل تشير إلى تنظيم هذه المعارف داخل نسق
وظيفي[2].
ولقد عرفت المقاربة بالكفايات ،كمدخل للمناهج والبرامج ،تطورا من حيث المفهوم أو من حيث أجرأته عبر الممارسات
التربوية المختلفة .وخالل كل مرحلة من مراحل هذا التطور ،تم تدقيق مفهوم الكفاية بهدف صياغتها صياغة وظيفية
تساعد على بناء أسس نظرية لهذه المقاربة من جهة ،ومن جهة أخرى تجاوز النماذج البيداغوجية التي برزت حدودها.
وسب ب انتشار استعمال مفهوم الكفاية ،راجع إلى مجموع اإليجابيات التي ينطوي عليها في نظر المسؤولين عن األنظمة
التربوية .و لعل ما يثير االنتباه ،هو أن هذه اإليجابيات مرتبطة بتعريف للكفاية يراها عبارة عن قدرة على القيام بمهمة أو
بمجموعة من المهام .وربما كان هذا هو القاسم المشترك بين التصورات المختلفة للكفاية[3].
وقد قامت المقاربة بالكفايات على أنقاض بيداغوجيا األهداف وتم اعتمادها في المنظومة التربوية لبالدنا على اعتبارات
أساسية:
1-الرغبة في االرتقاء بالمتعلم إلى أسمى درجات التربية والتكوين ألنها نظام متكامل من المعارف
واألداءات والمهارات.
2-تركيز األنشطة على المتعلم كفاعل أساسي من خالل اعتباره محورا فاعال ألنه يبني المعرفة ذاتيا.
3-توفير شروط التعلم الذاتي.
4-اعتبار المدرس مسهال لعمليات التعلم الذاتي ،بخالف بيداغوجيا األهداف حيث المدرس هو الفاعل األساسي
والمحوري ،في مقابل تغييب المتعلم عند تخطيط األهداف التعليمية والتعلمية وإغفال نمو شخصية المتعلم ،وعدم اختيار
عدة بيداغوجية مفتوحة وغير مسبقة ،وحيث يتم اعتماد مقاييس تقويمية وداعمة مسبقة .ونتيجة لما سبق جعلت بيداغوجيا
األهداف المتعلم عنصرا سلبيا ومنفعال ،من خالل تعلم محدود ومشروط.
ب -الكفايات التي يجب على المتعلم اكتسابها
الكفايات االستراتيجية :و تستوجب معرفة الذات ،و التموقع في الزمان والمكان ،والتموقع بالنسبة لآلخر وبالنسبة
للمؤسسات االجتماعية والتكيف معها ومع البيئة بصفة عامة ،وتعديل المنتظرات واالتجاهات والسلوكات الفردية وفق ما
يفرضه تطور المعرفة والعقليات والمجتمع.
الكفايات التواصلية :التي يجب أن تؤدي إلى إتقان اللغة العربية و تخصيص الحيز المناسب للغة األمازيغية و التمكن من
اللغات األجنبية ،و التمكن من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية و خارجها و التمكن من مختلف أنواع
الخطاب ( األدبي ،العلمي ،الفني…)
الكفايات المنهجية :و تستهدف إكساب المتعلم منهجية للتفكير و تطوير مدارجه العقلية ،و منهجية للعمل في الفصل و
خارجه ،و منهجية لتنظيم ذاته و شؤونه و وقته و تدبير تكوينه الذاتي و مشاريعه ،الشخصية.
الكفايات الثقافية :و تشتمل على شق رمزي يرتبط بتنمية الرصيد الثقافي للمتعلم ،و شق موسوعي مرتبط بالمعرفة بصفة
عامة.
الكفايات التكنولوجية :القدرة على إبداع و إنتاج المنتجات التقنية ،والتعامل معها و تحليلها ،و استدماج أخالقيات المهن و
الحرف و األخالقيات المرتبطة بالتطور العلمي و التكنولوجي بارتباط مع منظومة القيم الدينية و الحضارية و قيم
المواطنة و قيم حقوق اإلنسان و مبادئها الكونية[4].
وهذه ا لكفايات تعمل على ترسيخ التعلمات وتثبيتها ،فقد بات من المؤكد أن حل المشكالت إجراء أساسي لتعلم يتم بالترسيخ
والعمل ،وبما أن المقاربة بالكفايات ترتكز على حل المشكالت بامتياز فإنها سبيل بيداغوجي لترسيخ التعلمات وتنميتها.
كما تعمل على االهتمام بما هو جوهري وأساسي فالتعلمات ليست كلها جوهرية ،ولكن المقاربة بالكفايات تتمركز حول
التعلمات التي لها طابع جوهري وفعال.
خاتمة
تبقى المقاربة بالكفايات إحدى المقاربات البيداغوجية الحديثة التي تم اعتمادها في العملية التعليمية التعلمية ،خاصة أنها
تكسب ا لتعلمات معنى لدى المتعلم ،وال تبقيها مجردة ،وذلك بالعمل على ربطها باهتماماته وحاجاته بشكل عملي ووظيفي.
كما أنها تهتم ببناء وتأسيس التعلمات الالحقة ،ويتجلى ذلك في الربط بين مختلف التعلمات التي يكتسبها المتعلم من جهة،
وفي توظيف هذه المكتسبات ضمن وضعيات تعلمية ذات معنى ،تتجاوز الحيز المخصص لمستوى دراسي معين من جهة
أخرى .وبهذا المعنى فإن الربط التدريجي بين التعلمات يمكن والحالة هذه ،من بناء نسقي تعلمي أكثر شمولية ،توظف فيه
المكتسبات والتعلمات من سنة ألخرى ،ومن طور تعليمي إلى آخر ،بقصد بناء كفايات أكثر تعقيدا .ومن هذا المنظور
يمكن القول بأن المقاربة بالكفايات تتيح بناء تعلمات الحقة ،تأخذ بعين االعتبار التعلمات السابقة ،واالمتدادات المرتقبة.
المراجع المعتمدة:
ترجمة محمد حمود :2004بيداغوجيا الكفايات ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
دليل المقاربة بالكفايات ،2009المملكة المغربية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر والبحث العلمي
الطبعة األولى.
مديرية المناهج شتنبر ،2011البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بسلك التعليم االبتدائي.
المقاربات البيداغوجية ،دفاتر التربية والتكوين ،منشورات المجلس األعلى للتعليم ،عدد 2ماي .2010
اإلحاالت:
][1عبد الرحمان التومي :2008منهجية التدريس وفق المقاربة بالكفايات ،ص 136
][2المقاربات البيداغوجية ،دفاتر التربية والتكوين ،منشورات المجلس األعلى للتعليم ،عدد 2ماي ،2010ص58-57 ،
][3ترجمة محمد حمود :2004بيداغوجيا الكفايات ،ط ،1مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،ص15 :
][4مديرية المناهج شتنبر ،2011البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بسلك التعليم االبتدائي ،ص10 ،