المطبوعة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 104

irpr.lJl â-b!l*"tJt âroj!

ârl âàJ{*'æll

*frdr i1ri9
.,r"l*tre,:.Jr-r"çlr*lr

2 ,-i}.* O*t+: dr*l i*.b


4ft":"Il j qt*;ïl f:t'ltql5

rflt -l g-.rttltf.i

ArLiJlùt{r.nrJl ô:to e, çtpt ,,o

l-3Ir -rJWË#*tsv)t r
L. Cl ,eÂt,; -U-r!r -.yJl ;**,lrl ar* 4u ar-:, ze1.h'

eJJtJt"..oçÉ : 5rf.dt :lJe! g,o

2016-201 5 at'"41ad,*Jl
‫مطبوعة مقياس ‪ :‬العصبيات القبلية و احلركات املذهبية يف املغرب األوسط‬

‫مقدمة ‪ :‬يعترب مقياس العصبيات القبيلة و احلركات املذهبية يف املغرب األوسط من‬
‫املقاييس اليت تضمن بني جنباهتا احلديث عن اجملتمع من حيث الرتكيبة و كذا من‬
‫حيث اجلانب الديين ‪ ،‬فهو يف احلقيقة مقياس اجتماعي ثقايف ‪ ،‬غري أنه يطغى عنه‬
‫الطابع االجتماعي و ذلك كون احلركات املذهبية اليت دخلت إىل بالد املغرب يف‬
‫العصر الوسيط حاولت االستثمار يف اجلوانب االجتماعية قصد الوصول إىل غاايهتا ‪،‬‬
‫مث إن احلديث عن التقاطع العصيب املذهيب يدفع إىل الرتكيز على اجلوانب االجتماعية‪،‬‬
‫و هو ما نلحظه جليا يف أن العصبية القبيلة كان دفعها الظهور و االنتقال من مرحلة‬
‫القبيلة إىل مرحلة الدولة و هذا حيتم عليها البحث عن سند ديين أو مذهيب و من مث‬
‫كان لدعاة املذاهب وألصحاب العصبيات تقاطعات مصلحية دفعت يف النهاية إىل‬
‫حتالف األول مع الثاين ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫غلب على املغرب األوسط الطابع القبلي و ذلك راجع إىل الطبيعة االجتماعية اليت حاول‬
‫احلفاظ على منسوجها من خالل رفض االنفتاح و االندماج إال ابلسيطرة و االخضاع ‪،‬‬
‫هذه احلالة القبيلة املنغلقة وجدت متنفسا لولوج العامل اخلارجي والسيطرة و التغلب على‬
‫اآلخر و ذلك ابالرتكاز على الدعوة الدينية واحلركة املذهبية ‪.‬‬

‫القبيلة املغربية املاهية و التنظيم ‪:‬‬

‫نظرا لوجود العديد من االختالفات يف أسلوب وطريقة دراسة مفهوم القبيلة من قبل‬
‫املهتمني والدارسني يربز االختالف يف حتديد مفهوم القبيلة وال حيظى ابالتفاق التام على‬
‫دالالته ومعانيه وبرز بشكل الفت اخللط بني مفهومي القبيلة من جهة ومفهوم االثنية من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬لذلك سنحاول مقاربة هذا املفهوم على عدة مستوايت‪.‬‬

‫‪ -1‬املاهية ‪:‬‬

‫مفهوم القبيلة عند العرب ‪:‬‬

‫عرفت القبيلة عدة تعريفات عند العرب حيث يعرفها ابن منظور‪ 1‬نقال عن ابن الكليب على‬
‫" أن الشعب أكرب من القبيلة مث القبيلة مث العمارة مث البطن مث الفخذ ‪ ،‬و اشتق الزجال‬
‫القبائل من قبائل الشجر أي أغصاهنا ‪ ،‬و يقال قبائل من الطري أي أصناف و كل صنف‬
‫منها قبيلة ‪ ...‬و القبيلة هي اجلماعة من الناس يكونون من ثالثة فصاعدا من قوم شىت‬
‫كالزنج و الروم و العرب ‪ ،‬و قد يكونون من حنو واحد و رمبا كان القبيل من أب واحد‬
‫كالقبيلة " و ميكن القول أن هذه التعريف استمد من اآلية الكرمية " َاي أَيُّ َها النَّاس إِ َّّن‬

‫‪ 1‬لسان العرب ‪ ،‬تح عبد هللا علي الكبري و آخرون ‪ ،‬مج ‪ ، 5‬دار املعرف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪3519‬‬

‫‪2‬‬
‫واب َو قَبَائِ َل لِتَ َع َارفوا "‪ ، 1‬و املالحظ على التعريف‬ ‫ِ‬
‫َخلَ ْقنَاك ْم م ْن ذَ َكر َوأنْثَى َو َج َع ْلنَاك ْم شع ً‬
‫انه يقوم على التجمع و التدرج و الذي يقوم على النسب املشرتك للمجموعة و هو ما‬
‫استندت عليه املوسوعة العربية امليسرة يف تعريفها للقبيلة فعرفتها أهنا " جمموعة من الناس‬
‫يتكلمون هلجة واحدة و يسكنون أقليما واحدا مشرتكا يعتربونه ملكا خاصا هبم "‪. 2‬‬

‫و ميكن القول أن التعريف العريب للقبيلة يتميز ابلدقة من خالل االتفاق على أهنا متثل‬
‫جزءا يندرج يف إطار تصنيفات أخرى متدرجة ‪ ،‬فللعرب تقاليد عريقة يف علم األنساب و‬
‫هذه التدرجية هي كاآليت ‪ :‬اجلذم –اجلمهور – الشعب – القبيلة – العمارة – البطن –‬
‫الفخذ – العشرية – الفصيلة – الرهط ‪ .‬و قد جاء هبذا التقسيم النويري ‪3‬و الذي قال‬
‫فيما خيص القبيلة " هي اليت دون الشعب جتمع العمائر ‪ ،‬و مسيت قبيلة لتقابل بعضها‬
‫بعضا و استوائها يف العدد "‪.‬‬

‫و يرى حممد جنيب بوطالب ‪ 4‬أن هذه التعاريف تقوم على مبدأ التصنيف و التدرج و‬
‫التجمع ‪ ،‬حبيث يقوم التجمع على أساس النسب املشرتك و الذي يكون من اجلد الواحد‬
‫‪.‬‬

‫و يقوم التعريف عادة على اعتقاد انتماء اجملموعات القبلية إىل جد أعلى مشرتك مييزها عن‬
‫اجملموعات األخرى و يفصلها عنها ‪ ،‬حبيث تكون العالقة بني الطرفني عالقة تعارض و‬
‫تنافس و صراع‪.‬‬

‫‪ 1‬احلجرات اآلية ‪13‬‬


‫‪ 2‬حممد شفيق غرابل ‪ ،‬املوسوعة العربية امليسرة ‪ ،‬ج‪ ، 4‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ ،‬ص ‪315‬‬
‫‪ 3‬هناية األرب يف فنون األدب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ 1‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ، 2004 ،‬ص ص ‪.303 ، 296‬‬
‫‪ 4‬سوسيولوجيا القبيلة يف املغرب العريب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بريوت ‪ ، 2009 ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪3‬‬
‫القبيلة عند ابن خلدون ‪:‬‬

‫يرى ابن خلدون أن القبيلة ال تكون متفرعة عن جد واحد كما ال تتحدد فقط مبا جيمع‬
‫بني أعضائها من رابطة الدم ‪،‬و يرى أن االطار احلقيقي للقبيلة يكون يف النسب يف معناه‬
‫الواسع و الرمزي وما ميثله من أشكال التحالف و الوالء و االنتماء ‪،‬و أبرز ما يدعوا إىل‬
‫التكتل القبلي بني أعضائها هو توفر أرض مجاعية إىل جانب امللكية العائلية فحمايتها و‬
‫الدفاع عنها ضد املهامجني من مقومات احلياة القبلية ‪ ،‬كل هذا يذكي االحساس‬
‫ابالنصهار ضمن اجملموعة القبيلة و يعزز تالمحها الداخلي ‪ ،‬يضاف له أيضا اخلطر‬
‫اخلارجي الذي قد يهدد استمرار وجود الكيان القبلي ‪ ،‬سواء كان ذلك ّنمجا عن عصبية‬
‫زاحفة أو تدخل السلطة املركزية ‪.1‬‬

‫و حتدث ابن خلدون يف موقع أخر عن هذا الكالم حيث ميكن للفرد اهلارب من القبيلة‬
‫أن ينضوي حتت لواء قبيلة أخرى و يلتحم حتتها ‪ ،‬و حىت و إن كان نسبه معروف فبعد‬
‫مرور زمن طويل يتناسى ذلك النسب ‪. 2‬‬

‫ومن كل ما سبق فإن االطار املكتمل للقبيلة جيب أن يتعزز بعناصر األلفة والتعامل‬
‫الطويل والذي يتبلور لديه وعي بوجود مصلحة عامة و مشرتكة جتذبه إىل أعضاء مجاعته‬
‫اجلديدة " ال معىن لكونه من هؤالء أو هؤالء إال جراين أحكامهم و أحواهلم عليه كأنه‬
‫التحم هبم "‪.3‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬الطبعة البهية املصرية ‪ ،‬ص ‪.128‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪130‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪130 ،‬‬

‫‪4‬‬
‫فالقبيلة يف نظر ابن خلدون تقوم على العصبية و اليت تكون على أساس املصلحة املشرتكة‬
‫أو كما يسميها ابن خلدون " املسامهة و املشاركة " ‪1‬املسامهة يف السلطة السياسية و‬
‫املشاركة يف الثروات النامجة عن الغنائم ‪ ،‬و يعترب هذا العامل أساسيا يف تطور الدورة‬
‫العصبية و وصوهلا إىل امللك ‪.‬‬

‫و تبق وحدة القبيلة اليت تكونت هبذا التنظيم الدقيق معرضة إىل ظهور الالمساواة بني مجوع‬
‫ساكينها ‪ ،‬و ذلك بظهور ما ميكن تسميته ابألرستقراطية احمللية ‪ ،‬ويكون ذلك يف املرحلة‬
‫األوىل و إمنا يكون يف مرحلة احلاجي من الدولة "والسبب يف ذلك أن صاحب اجلاه خمدوم‬
‫ابألعمال يتقرب هبا إليه يف سبيل التزلف واحلاجة إىل جاهه ‪ ،‬فالناس معينون له أبعماهلم‬
‫يف مجيع حاجاته من ضروري أو حاجي أو كمايل ‪ ،‬فتحصل قيم تلك االعمال كلها من‬
‫كسبه ومجيع معاشاته أن تبذل فيه االعواض من العمل يستعمل فيها الناس من غري عوض‬
‫‪ ،‬فتتوفر قيم تلك االعمال عليه فهو بني قيم لألعمال يكتسبها وقيم أخرى تدعوه الضرورة‬
‫إىل إخراجها ‪،‬فتتوفر عليه واالعمال لصاحب اجلاه كثرية فتفيد الغىن ألقرب وقت ويزداد‬
‫مع االايم يسارا وثروة ‪ ،‬وهلذا املعىن كانت االمارة أحد أسباب املعاش كما قدمناه وفاقد‬
‫اجلاه ابلكلية ولو كان صاحب مال فال يكون يساره إال مبقدار ماله وعلى نسبة سعيه‬
‫وهؤالء هم أكثر التجار وهلذا جتد أهل اجلاه منهم يكونون أيسر بكثري‪ ،‬ومما يشهد لذلك‬
‫أّن جند كثريا من الفقهاء وأهل الدين والعبادة إذا اشتهروا حسن الظن هبم واعتقد اجلمهور‬
‫معاملة هللا يف إرفادهم فأخلص الناس يف إعانتهم على أحوال دنياهم واالعتمال يف‬
‫مصاحلهم وأسرعت إليهم الثروة وأصبحوا مياسري من غري مال مقتىن إال ما حيصل هلم من‬
‫قيم االعمال اليت وقعت املعونة هبا من الناس هلم رأينا من ذلك أعدادا يف االمصار واملدن ‪،‬‬
‫ويف البدو يسعى هلم الناس يف الفلح والتجر وكل هو قاعد مبنزله ال يربح من مكانه فينمو‬

‫‪ 1‬نفسه ‪132‬‬

‫‪5‬‬
‫ماله ويعظم كسبه ويتأثل الغين من غري سعي ويعجب من ال يفطن هلذا السر يف حال‬
‫‪1‬‬
‫ثروته وأسباب غناه ويساره وهللا سبحانه وتعاىل يرزق من يشاء بغري حساب"‬

‫ما أشار إليه ابن خلدون حتول إىل انقسام خطري داخل القبيلة حيث حول اجملتمع القبلي‬
‫الذي قام على اسس املساواة والشعور ابلوحدة إىل جمتمع طبقي انقسم إىل حكام و‬
‫مرؤوسني و اتبعني ‪.‬‬

‫و العصبية ال تكون يف كل القبائل حبيث توجد قبائل ال تتوفر على عصبية ‪ ،‬فالعصبية هي‬
‫مقياس و ليست منط حياة ‪ ،‬و هلذا جند صنفني من القبائل قبائل خاضعة و منقادة و‬
‫ضعيفة التالحم فهي ال متلك عصبية ‪ ،‬و قبائل قائدة مسيطرة و ابلتايل فهي ذات عصبية‬
‫فالعصبية هي " رابطة اجتماعية سيكولوجية شعورية وال شعورية معا تربط أفراد مجاعة ما ‪،‬‬
‫قائمة على القرابة ربطا مستمرا يربز و يشتد عندما يكون هناك خطر يهدد أولئك األفراد‬
‫أو كجماعة "‪ ،2‬هذا الصفات وجدها ابن خلدون عند القبائل اليت استطاعت احملافظة‬
‫على استقالهلا إذ أن " املذلة و االنقياد كاسران لصورة العصبية و شدهتا "‪.3‬‬

‫و إذا كان االنطالق من حتديد ابن خلدون و اجلابري ملفهوم العصبية و شروطها فإن‬
‫‪4‬‬
‫القبائل اليت انفردت ابلعصبية قليلة فهي قائدة و متيزت هبا عن غريها من القبائل املغلوبة‬
‫‪ ،‬فهي حتاول الزحف على جرياهنا حملاولة إدراجهم حيث أن " إن القبيل الواحد وإن كانت‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 389‬‬


‫‪ 2‬حممد عابد اجلابري ‪ :‬فكر ابن خلدون العصبية و الدولة ‪ ،‬معامل نظرية خلدونية يف التاريخ االسالمي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار‬
‫النشر املغربية ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬ص ‪. 254‬‬

‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬


‫‪ 4‬علي أمليل ‪ :‬اخلطاب التارخيي دراسة اترخيية ملنهج ابن خلدون ‪ ،‬معهد االمناء العريب ‪ ،‬ص ‪.147‬‬

‫‪6‬‬
‫فيه بيواتت مفرتقة وعصبيات متعددة فال بد من عصبية تكون أقوى من مجيعها تغلبها‬
‫وتستتبعها وتلتحم مجيع العصبيات فيها وتصري كأهنا عصبية واحدة كربى وإال وقع‬
‫ضه ْم بِبَ ْعض لََف َس َد ِت‬
‫َّاس بَ ْع َ‬
‫االفرتاق املفضي إىل االختالف والتنازع « َولَ ْوال َدفْع هللا الن َ‬
‫ْاأل َْرض »‪ 1‬مث إذا حصل التغلب بتلك العصبية على قومها طلبت بطبعها التغلب على‬
‫أهل عصبية أخرى بعيدة عنها فإن كافأهتا أو مانعتها كانوا أقتاال وأنظارا ولكل واحدة‬
‫منهما التغلب على حوزهتا وقومها شأن القبائل واألمم املفرتقة يف العامل وإن غلبتها‬
‫واستتبعتها التحمت هبا أيضا وزادت قوة يف التغلب إىل قوهتا وطلبت غاية من التغلب‬
‫والتحكم أعلى من الغاية األوىل وأبعد وهكذا دائما حىت تكافئ بقوهتا قوة الدولة يف هرمها‬
‫ومل يكن هلا ممانع من أولياء الدولة أهل العصبيات استولت عليها وانتزعت األمر من يدها‬
‫وصار امللك أمجع هلا وإن انتهت قوهتا ومل يقارن ذلك هرم الدولة وإمنا قارن حاجتها إىل‬
‫االستظهار أبهل العصبيات انتظمتها الدولة يف أوليائها تستظهر هبا على ما يعن من‬
‫مقاصدها وذلك ملك آخر دون امللك املستبد وهو كما وقع للرتك يف دولة بين العباس‬
‫ولصنهاجة وزّنتة مع كتامة ولبين محدان مع ملوك الشيعة من العلوية والعباسية فقد ظهر‬
‫أن امللك هو غاية العصبية وأهنا إذا بلغت إىل غايتها حصل للقبيلة امللك إما ابالستبداد أو‬
‫ابملظاهرة على حسب ما يسعه الوقت املقارن لذلك وإن عاقها عن بلوغ الغاية عوائق "‪، 2‬‬
‫فالعصبية تسعى دائم إىل اخضاع القبائل املغلوبة ‪ ،‬وهي و إن استطاعت تكوين قوة تعادل‬
‫أو تفوق قوة الدولة فالظروف تكون مواتية أمامها لالستحواذ عليها و حتولت من طور‬

‫‪ 1‬البقرة اآلية ‪251‬‬


‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 140-139‬‬

‫‪7‬‬
‫القبيلة إىل طور امللك خاصة إذا أدركت الدولة يف طور االحندار ‪ ،‬فالعصبية هي احملركة‬
‫لصريورة الدولة ‪. 1‬‬

‫من خالل ما عرضناه ميكن لنا أن نستشف أن عمر القبيلة مير بثالثة مراحل املرحلة األوىل‬
‫تكون فيها العالقات السائدة بني أهلها قائمة على أساس املشاركة و املسامهة و اليت يعرب‬
‫عنها اجلابري أبن يطغى األّن العصيب على األّن الفردي " فالرئيس معهم و فوقهم يف آن‬
‫واحد ‪ ،‬فهو معهم من حيث أن العصبة ككل تقوم على املساواة يف احلقوق و الواجبات ‪،‬‬
‫وفوقهم ألنه حيظى بتقديرهم و احرتامهم "‪ ،2‬ويؤدي هذا إىل نشأة األرستقراطية و هي‬
‫املرحلة الثانية ‪ ،‬أما املرحلة الثالثة فهي مرحلة اهلرم و االضمحالل و الذي ميتاز ابألزمات‬
‫االقتصادية و احلروب القبيلة و الصراع على السلطة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Yves lacoste: géographie du sous-développement, p.u.f troisième édition , paris ,1976‬‬
‫‪P127‬‬
‫‪ 2‬اجلابري ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.276‬‬

‫‪8‬‬
‫القبيلة عند املؤرخني احملدثني ‪:‬‬

‫يرى عبد هللا العروي ‪ 1‬أهنا تعرب عن مضامني خمتلفة فهي تطلق على تنظيم البدو الرحل‬
‫الذي يالئم وحدة احمليط الصحراوي الصرف ‪ ،‬ويطلق كذلك على سكان اجلبال أي أهنا‬
‫خمصوصة بقواعد ختص املعيشة و كذا عالقتها ابلسلطة ‪ ،‬و يكون هدفها احملافظة على‬
‫التوازن بني األسر ‪ ،‬كما تطلق على قاطين اهلضاب و السهول ‪.‬‬

‫وهناك من يقول أن القبيلة هي يف الواقع تنوع واختالف داخل تركيبة أفرز الشعور ابلقرابة‬
‫وغذاه‪ ،‬وذلك من اجل بناء وحدة بشرية وشعورية منسجمة وقادرة على مواجهة خمتلف‬
‫أنواع التحدايت الداخلية منها واخلارجية‪ ،‬غري أن هذه احلقيقة ال تتناىف مع وجود قرابة‬
‫دموية فعلية تربط أفراد وجمموعات القبيلة أو العرش ‪.2‬‬

‫القبيلة يف نظر األنثروبولوجيا ‪:‬‬

‫يعرف بعض علماء األنثروبولوجيا على أهنا الوحدة االجتماعية اليت جتمع عدة عشائر أو‬
‫جمتمعات ‪ ، 3‬وهي مصطلح يستخدم للداللة على جمتمعات خليط ‪ ،‬له طرقه اخلاصة يف‬
‫احملافظة على النظام االجتماعي دون وجود سلطة سياسية مركزية ‪.4‬‬

‫‪ 1‬جممل اتريخ املغرب ‪ ،‬ط‪ ، 5‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬املغرب ‪ ، 1996‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ 2‬األزهر املاجري ‪ :‬قبائل (ماجر والفراشيش خالل القرنني الثامن عشر والتاسع عشر (يف جدلية العالقة بني احمللي‬
‫واملركزي) ‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والفنون واإلنسانيات منوبة ‪ ، 2005 ،‬ص‪.513‬‬
‫‪ 3‬عاطف وصفي ‪ :‬األنثروبولوجية االجتماعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ 4‬بيار بونت ‪ ،‬ميشال إبراز ‪ :‬معجم األنطولوجيا و األنثروبولوجيا ‪ ،‬تر مصباح الصمد ‪ ،‬ط‪،1‬املؤسسة اجلامعية‬
‫للدراسات ‪ ،‬املعهد العلي العريب للرتمجة ‪ ،‬اجلزائر ‪ ، 2006،‬ص‪. 247‬‬

‫‪9‬‬
‫و قد أتثرت القبيلة و التنظيمات القرابية بعالقة املصاهرة و الزواج بروابط بني العشائر و‬
‫الذي يعززها أكثر االحندار من جد واحد ‪.1‬‬

‫فالقبيلة عند األنثروبولوجيون تقوم على أساس التجمع و التنوع ‪ ،‬وما يعزز تالمحها‬
‫االحندار من جد واحد ‪ ،‬وهي ال ختضع للسلطة املركزية ‪.‬‬

‫القبيلة و علم االجتماع ‪:‬‬

‫ّنلت القبيلة حضا وافر لدى علماء االجتماع ‪ ،‬فعرفها بعضهم على أهنا ‪ :‬وحدة اجتماعية‬
‫متماسكة تتكون من جمموعة من األفراد يقطنون بقعة جغرافية معينة ‪ ،‬تتمتع بدرجة من‬
‫االستقالل السياسي ‪ ،‬ومن املكن أحياّن أن تنشطر القبيلة إىل اقسام خمتلفة ‪ ،‬ويعود ذلك‬
‫إىل اتساع املساحة اجلغرافية مقارنة بتعداد القبيلة الذين ميلكون لغة واحدة و بلهجة معينة‬
‫ختتلف عن هلجات القبائل األخرى اليت تتكلم اللغة نفسها ‪.2‬‬

‫و يعرفها فريدريك معتوق‪ 3‬أهنا عبارة عن جتمع بشري كبري ينحدر من جد واحد ‪ ،‬و تربط‬
‫بني أفراده عالقات قرابة و عصبية ‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد عبدو اجملدوب ‪ :‬االنثروبولوجيا السياسية ‪ ،‬ط‪ ، 3‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 2‬دنيك متيشل ‪ :‬معجم االجتماع ‪ ،‬تر حممد احلسن ‪ ،‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪. 247‬‬
‫‪ 3‬املوسوعة امليسرة يف العلوم االجتماعية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة لبنان ّنشرون ‪ ،‬بريوت لبنان ‪ ،2012 ،‬ص‪.123‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -2‬التنظيم ‪:‬‬

‫شهد التنظيم القبلي يف بالد املغرب تنظيما دقيقا اعترب اللبنة األساسية الستمرار القبيلة‬
‫واحملافظة على متاسكها اجلماعي ‪ ،1‬و يعمل على حتديد األدوار و املراكز اليت يتوالها كل‬
‫عضو يف اجلماعة ‪ ، 2‬و حنن هنا نتساءل عن طبيعة هذه العالقة ‪.‬‬

‫تتكون القبيلة من وحدات بداية ابألسرة واليت عرفت أبهنا " عشرية الرجل و رهطه‬
‫األدنون ألنه يتقوى هبم " ‪" ،‬و األسرة عشرية الرجل و أهل بيته " ‪ ، 3‬و عرفها علماء‬
‫االجتماع بعدة تعاريف منها ‪ :‬تعريف وسرتماك الذي نقله إحسان حممد احلسن فيقول أهنا‬
‫" جتمع طبيعي بني أشخاص انتظمتهم روابط الدم فألفوا وحدة مادية ومعنوية تعترب من‬
‫أصغر الوحدات االجتماعية اليت يعرفها اجملتمع اإلنساين " ‪،4‬يف حني عرفها إحس ان‬
‫حممد احلسن أهن ا عب ارة ع ن م نظمة اجتم اع ية ت تكون من أف راد‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬و عرفت‬ ‫ي رتبط ون ببع ضهم برواب ط اجتماعية و أخالقية ودموية و روحية‬
‫األسرة عدة تسمي ات تش ري إل يه ا على اعت ب ار أن ه ا أصغ ر تش كيلة‬

‫‪ 1‬حممد عبدو حمجوب ‪ :‬االنثروبولوجيا السياسية ‪ ،‬ط‪ ، 3‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2009 ،‬ص ‪. 64‬‬
‫‪ 2‬معن خليل و آخرون ‪ :‬املدخل إىل علم االجتماع ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الشروق ‪ ،‬عمان األردن ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪، 4‬ص‪19‬‬
‫‪ 4‬إحسان حممد احلسن ‪ :‬العائلة والقرابة و الزواج ‪ ،‬دراسة حتليلية يف تغري نظم العائلة و القرابة والزواج يف اجملتمع‬
‫العريب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪ 1981 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 5‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 09‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن ها األه ل ‪،2‬الب يت‪، 3‬اجلماعة ‪ 4‬والدار‪ ، 5‬واألسرة‬ ‫‪1‬‬
‫أو ج ماع ة يف اجملت مع‬
‫‪ ، 6‬والعائلة ‪، 7‬و الواضح أن مجيع املصطلحات السابقة تشري إىل مفاهيم ترتبط ابجملموعة‬
‫البشرية الصغرية اليت تربطها قرابة دموية شديدة ‪ ، 8‬فهي عادة تتكون من أب وزوجة أو‬
‫عدة زوجات و أبناء‪.9‬‬

‫مث تتسع األسر ة لتصبح عشرية مث إىل فخذ مث إىل بطن مث إىل العمارة مث إىل قبيلة ‪.10‬‬

‫‪ 1‬حمماد لطيف ‪ :‬بنية األسرة البدوية وخصائصها يف املغرب األقصى خالل القرنني ‪9-8‬ه ‪15-14/‬م مقال يف‪،‬‬
‫كتاب األسرة البدوية يف اتريخ املغرب‪ ،‬تنسيق الباضوية بلكامل و أخرايت ‪،‬كلية اآلداب و العلوم اإلنسانية جامعة‬
‫ابن طفيل القنيطرة اململكة املغربية ‪ ،‬منشورات جمموعة البحث يف اتريخ البوادي املغربية ‪،‬ط‪ 2006 ، 1‬ص‪. 47‬‬
‫‪ 2‬عبد احلق الباديسي ‪ :‬املقصد الشريف واملنزع اللطيف يف التعريف بصلحاء الريف ‪ ،‬تح سعيد أعراب ‪ ،‬ط‪، 2‬‬
‫املطبعة امللكية ‪ ،‬الرابط ‪ ،1993 ،‬ص‪108‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ص‪.95‬‬
‫‪ 4‬أبو عبد هللا حممد بن عيشون الشراط‪ :‬الروض العطر األنفاس أبخبار الصاحلني من أهل فاس ‪ ،‬دراسة وتح زهراء‬
‫النظام ‪ ،‬ط‪، 1‬منشورات كلية اآلداب ابلرابط ‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة الدار البيضاء ‪ 1997 ،‬ص‪.209‬‬
‫‪ 5‬الونشريسي ‪ :‬املعي ار املعرب واجل امع املغرب عن فت اوى علم اء إفريقية واألندلس واملغرب ‪،‬خرجه مجاعة من الفقهاء‬
‫إبشراف حممد حجي ‪ ،‬نشر وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية للمملكة املغربية ‪،‬الرابط ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪،‬‬
‫بريوت ‪، .1981 ،‬ج‪ 1‬ص‪225‬‬
‫‪ 6‬نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص‪250‬‬
‫‪ 7‬حممد بن مرزوق ‪ :‬املسند الصحيح احلسن يف مآثر و حماسن موالّن أيب احلسن ‪ ،‬دراسة و تعليق ‪ ،‬ماراي خيسوس‬
‫بيغريا ‪،‬تقدمي حممود بوعياد‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع اجلزائر ‪.1981‬ص‪.193‬‬
‫‪ 8‬حممد لطيف ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ 9‬إبراهيم القادري بوتشيش ‪ :‬مباحث يف التاريخ االجتماعي للمغرب و األندلس خالل عصر املرابطني ‪ ،‬دار الطليعة‬
‫‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪.231‬‬
‫‪ 10‬النويري ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.296‬‬

‫‪12‬‬
‫هذا ابلنسبة لكيفية تشكل الرتكيبة االجتماعية للقبيلة ‪ ،‬أما يف خيص طريقة تسري وتنفيذ‬
‫القرارات ‪ ،‬فإن التشكيل أييت يف هرمه شيخ القبيلة أو الزعيم أو كما يسمى األمغار ‪1‬فلكل‬
‫‪3‬‬
‫قبيلة رئيس يكون فيهم ومنهم ‪ ، 2‬و أهل القبيلة خيلصون له الطاعة و ال خيالفون له أمرا‬
‫وسبب يف ذلك الوقار و التجلة اليت يكنوهنا يف نفوسهم للشيخ ‪.4‬‬

‫و هن اك جم موعة من الش روط وج ب توف رها يف الشيخ املسؤول منها أن يتصف‬


‫ابلشجاعة و الكرم ‪ ،‬و يكون عريق النسب يف القبيلة و رجاحة العقل و احللم و اهليبة و‬
‫قوة الشخصية ‪ ،‬ومن ذوي العصبيات القوية ‪ ،5‬و املالحظ على الزعامة أهنا تكون وراثية‬
‫‪6‬‬
‫يف الغالب‬

‫أما مسؤوليات شيخ القبيلة فهي احملافظة على الوحدة و االنسجام داخلها و تنفيذ‬
‫القرارات و العقوابت و النظر يف الشكاوى ‪ ،‬و كذا جتهيز اجليش للحرب يف حالة وقوع‬
‫عدوان على القبيلة ‪.7‬‬

‫و كان لشيخ القبيلة جملس يساعده يف تسري شؤون القبيلة وفقا لألعراف و التقاليد‬
‫املوروثة ‪ ،‬ويكون مقره يف بيت شيخ القبيلة أويف ديواهنا أو يف دار الضيافة ‪ ،‬وإبمكان أفراد‬

‫‪ 1‬بوتشيش ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪234‬‬


‫‪ 2‬مؤلف جمهول ‪ :‬مفاخر الرببر ‪،‬تح عبد القادر بوابية ‪ ،‬دار أيب الرقراق للطباعة ‪ ،‬الرابط ‪ ، 2005 ،‬ص‪.196‬‬
‫‪ 3‬ابن حوقل ‪ :‬صورة األرض ‪ ،‬مكتبة احلياة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ 5‬حممد عابد اجلابري ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪25‬‬
‫‪ 6‬النويري ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪،24‬ص‪.85‬‬
‫‪7‬‬
‫خلفات مفتاح‪ :‬قبيلة زواوة ابملغرب األوسط ما بني القرن ‪ 9-6‬ه‪15-12 /‬م دراسة يف دورها السياسي و‬
‫احلضاري ‪ ،‬األمل للطباعة و النشر ‪ ،‬تيزي وزو ‪، 2011 ،‬ص ‪. 71‬‬

‫‪13‬‬
‫القبيلة حضور جملس القبيلة و إبداء رأيهم ‪ ،‬ومن مهام جملس القبيلة معاجلة املسائل املتعلقة‬
‫ابحلياة االجتماعية كفك النزاعات بني األفراد هذا داخليا ‪ ،‬أما خارجيا فيعاجل املسائل اليت‬
‫تتعلق أبمن القبيلة كالثأر و التحالف و الغزو ‪ ،1‬ويقع اختيارهم من رؤساء القبائل‪ ،‬حسب‬
‫معايري حمددة تقتضي الشجاعة يف القتال والسعة املالية ‪ ،‬كما يشرتط أن يكون املرشح من‬
‫أبناء القبيلة القدامى ويعني العضو مدى احلياة‪.‬‬

‫ان سك ان‬ ‫ا الع امة فتكون املس اواة هي املع يار بين ها ‪ ،‬حيث ك‬ ‫أم‬
‫د على األرض الواط ئ ة و األرض اجل ب لية ‪،‬‬ ‫القبي لة يتوف رون يف آن واح‬
‫اسي و لتض اؤل‬ ‫را العتم اد السك ان على ت ربية امل اشية بشكل أس‬ ‫ونظ‬
‫امل اء يف الش هور اجل افة ‪ ،‬فق د تشك لت القرى و التجمع ات السك انية يف‬
‫‪2‬‬
‫ال ‪ ،‬وذل ك لت وفر املي اه‬ ‫ات و يف منح درات اجلب‬ ‫الغ الب فوق املرتفع‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه ‪،‬ص‪،69‬‬


‫‪2‬‬
‫اعترب املاء ابلنسبة للقبيلة أهم مرتكز اقتصادي وذلك كون جل اخلصومات داخل القبيلة كانت على املاء و هو ما‬
‫أكده صاحب االستبصار بقوله " إذا رأيت قوما يتخاصمون وقد عال الكالم بينهم ‪ ،‬فاعلم أهنم يف أمر ماء " جمهول‬
‫‪ :‬االستبصار يف عجائب األمصار ‪ ،‬تح سعد زغلول عبد احلميد ‪،‬دار الشؤون الثقافية العامة ‪،‬ص‪ . 153‬و هو ما‬
‫جعل املاء يف القبيلة يقوم على ثالثة أسس وهي " التشارك "" نفي الضرر "" العرف " سعيد بن محادة ‪ :‬املاء و‬
‫اإلنسان يف األندلس خالل القرنني ‪8-7‬ه ‪14-13/‬م إسهام يف دراسة اجملال و اجملتمع والذهنيات ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار‬
‫َن املاءَ قِ ْس َمةٌ‬
‫الطليعة بريوت ‪ 2007 ،‬ص‪ 19‬واألساس األول قام على أساس تشريع رابين لقوله تعاىل " َونَبِْئ ٌهم أ َّ‬
‫َ‬
‫ض ْر " (سورة القمر اآلية‪ )28‬فيشرتك الناس " يف املاء لشفائهم و منافعهم من االغتسال وغريه‬ ‫ِ‬
‫بَْي نَ ٌه ْم ٌكلٌّ ش ْرب ٌْحمتَ َ‬
‫مما يرتفق فيه ‪ ،‬ويسقي دواهبم " سعيد بن محادة ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ، 19‬وما يرتتب عن ذلك من إابحة ومساواة‬
‫يف االنتفاع الونشريسي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪،8‬ص‪ 35‬لكن هذا ال يعين أبدا أن احليازة الفردية للمياه منعدمة ‪ ،‬بل‬
‫كان اهلدف هو تقنني وترتيب استغالل املياه على حسب نوعية املاء ‪ ،‬هلذا سعى الفقهاء جاهدين من أجل التميز‬
‫بني حاجة اإلنسان واحليوان إىل الشرب والسقي و الري مث الطحن سعيد بن محادة ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪ 20‬أما دفع‬
‫الضرر فيكمن يف محاية الشركاء ألن أمهيته تربز عند نشوب النزاعات مما جعل منه مقياسا لفض النزاعات‬
‫الونشريسي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪، 8‬ص ‪ 382‬أما العرف فكان يف حاالت قليلة وجرت به عادة السكان يف =‬

‫‪14‬‬
‫لل شرب و س قي احلق ول و امل زارع العائلية ‪ ،‬وكذا توفر املراعي و النبااتت‬
‫العفوية ‪.1‬‬

‫بعض املناطق على خالف ما اشتهر يف املذهب املالكي وكله يدخل حتت العرف الذي يعترب مصدرا من مصادر‬
‫التشريع حممد حجي ‪ :‬نظرات يف النوازل الفقهية ‪،‬ط‪ ، 1‬منشورات اجلمعية املغربية للتأليف و الرتمجة و النشر ‪،‬مطبعة‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني"‬ ‫فو و أَم ْر ابلعرف و أ َْع ِر ْ‬
‫ض َع ِن اجلَاهل َ‬ ‫الع َ‬
‫النجاح اجلديدة ‪ ،‬الدار البيضاء ‪،1999 ،‬ص ‪ 149‬لقوله تعاىل " ٌخذ َ‬
‫(سورة األعراف اآلية ‪)199‬‬
‫‪ 1‬املختار اهلراس ‪:‬القبيلة و السلطة ‪ ،‬تطور البنيات االجتماعية يف مشال املغرب ‪ ،‬املركز الوطين لتنسيق وختطيط‬
‫البحث العلمي و التقين ‪ ،‬مطبعة الرسالة ‪ ،‬الرابط ‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪15‬‬
‫الرببر التعريف األصول و األقسام ‪:‬‬

‫التعريف ‪:‬‬

‫" هذا جيل من اآلدميني سكان املغرب القدمي ملئوا البسائط و اجلبال من تلوله وأرايفه و‬
‫ضواحيه وأمصاره ‪،‬وهم أمم ال حتصى ‪،‬ينسب كل إىل وضع القبيل الذي تنزله "‪.1‬‬

‫أصول الرببر ‪:‬‬

‫تضاربت الرواايت حول أصول الرببر بني املؤرخني ‪ ،‬ورمبا سبب هذا التضارب كون أصول‬
‫الرببر خمتلفة فهم عبارة عن مزيج من األجناس انصهر ع بعضه البعض عرب عصور من‬
‫الزمان ‪ ،2‬وحسب املؤرخني فإن أصوهلم تعود إىل ‪:‬‬

‫األصل األوريب ‪:‬‬

‫يرى بعض املؤرخني األوربيني أأنصل الرببر يرجع إىل األصل اهلندو أوريب أي أن أصلهم‬
‫ايفثي ينتسب إىل ايفث بن نوح ‪ ،‬واستندوا يف ذلك إىل اخلصائص البشرية و كثافة الشعر‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪:‬كتاب العرب وديوان املبتدأ و اخلرب يف أايم العرب و العجم و الرببر ومن عاصرهم من ذوي السلطان‬
‫األكرب ‪ ،‬تقدمي عبادة كحيلة ‪ ،،‬ج‪، 6‬اهليئة العامة لقصور الثقافة ‪، 2007 ،‬ص‪. 176‬‬
‫‪ 2‬الدراجي بوزاين ‪ :‬القبائل األمازيغة أدوارها مواطنها أعياهنا ‪ ،‬ج‪ ، 1‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬اجلزائر ‪، 2007 ،‬‬
‫ص‪.34‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ،1‬و اجلدير ابلذكر هنا أن هذه النظرية ظهرت أثناء احلقبة اإلستعمارية يف اجلزائر تبنتها‬
‫املدرسة االستعمارية وكان اهلدف منها شرعنة االستعمار الفرنسي يف اجلزائر ‪.‬‬

‫األصل السامي ‪:‬‬

‫أي أن أصوهلم ترجع إىل سام بن نوح عليه السالم ‪ ،‬وقد كانت اليمن موطن السامني‬
‫مغطاة ابلثلوج يف العصور القدمية ‪ ،‬وملا احنصرت الثلوج و اشتدت احلرارة ‪ ،‬تفرق اجلنس‬
‫الشامي يف الكثري من املناطق منها مشال إفريقيا ‪.2‬‬

‫األصل احلامي ‪:‬‬

‫أي أهنم من أبناء حام بن نوح عليه السالم ‪ ،‬سبب انتقاهلم إىل بالد املغرب هي كثرت‬
‫نزاعاهتم مع الساميني ‪ ،‬و قد نزل قبط بن حام يف مصر ‪ ،‬ومنها انتقل أبنائه إىل بالد‬
‫املغرب ‪.3‬‬

‫ومن خالل تعدد هذه الروايت ميكن لنا أن نستنتج أن البحث عن أصول الرببر يعترب من‬
‫املشكالت اليت تواجه الباحثني ‪ ،‬و يكون السبب وراء هذا التضليل كون البحث يف أصول‬
‫الرببر بين بناء على إيديولوجيات تسعى إن تبيان حق االستقرار على أرض الرببر ‪.‬‬

‫‪ 1‬شنعة خدجية ‪ :‬اعتناق الرببر لإلسالم ‪ ،‬مذكرة ماجستري يف التاريخ ‪ ،‬جامعة وهران ‪ ،‬السنةاجلامعية ‪-2011‬‬
‫‪، 2012‬ص ‪13‬‬
‫‪ 2‬حممد علي دبوز ‪ :‬اتريخ املغرب الكبري ‪،‬ط‪، 1‬ج‪ ، 1‬مطبعة عيسى احلليب ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1963 ،‬ص‪. 31‬‬
‫‪ 3‬السالوي ‪ :‬االستقصاء يف أخبار املغرب األقصى ‪ ،‬تح و تعليق جعفر الناصري و الناصري ‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الدار البيضاء ‪ ،‬املغرب ‪، 1954 ،‬ص‪60‬‬

‫‪17‬‬
‫أقسام الرببر ‪:‬‬

‫الربانس ‪ :‬و هم من ولد برنس بر بن مازيغ ‪ ،1‬وهناك من رأى أهنم مسيوا ابلربانس ألهنم‬
‫كانوا يلبسون برانس طويلة ‪ ،2‬و كان الربانس أكثر حضارة ألهنم مستقرين ابلقرب من مدن‬
‫‪3‬‬
‫و ميارسون الزراعة والغراسة‬

‫لواتة من الرببر سكن منهم جببل أوراس أمة عظيمة مع قبائل هوارة وكتامة ‪ ،‬كما كانت‬
‫هلم أمة عظيمة بضواحي اتهرت إىل ّنحية القبلة ‪.4‬‬

‫َمغِيلة تواجدوا ابملغرب األوسط عند مصب شلف يف البحر من ضواحي مازونة ‪. 5‬‬

‫مديونة و هم من إخوة َمغِيلة و مواطن مجهورهم بنواحي تلمسان ما بني جبل بين‬
‫راشد هلذا العهد إىل اجلبل املعروف مديونة قبلة وجدة‪ ،‬وكان بنو يلومي وبنو يفرن من قبلهم‬
‫جياوروهنم من ّنحية املشرق‪ ،‬ومكناسة من ّنحية املغرب‪ ،‬وكومية ووهلاصة من جهة‬
‫الساحل‪.6‬‬

‫كومية وهم املعروفون قدمياً بصطفورة ‪ ،‬وهم من ولد فاتن وهلم ثالث بطون وهي‬
‫ندرومة وصفاره وبنو يلول فمن ندرومة نغوطة وحرسة وفردة وهفانة وفراتة ومن صفارة‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪ ،‬ص‪118‬‬


‫‪ 2‬ابن حزم ‪ :‬مجهرة أنساب العرب ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العلمية بريوت ‪ ،1983 ،‬ص‪. 495‬‬
‫‪ 3‬موسى لقبال ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 162‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪،‬ج‪ 6‬ص‪.117‬‬
‫‪ 5‬نفسه ص ‪.125‬‬
‫‪ 6‬نفسه ص ‪.125‬‬

‫‪18‬‬
‫ماتيلة وبنو حياسة ومن بين يلول مسيفة ووتيوة وهبيئة وهيوارة ووالغة‪...‬أما مواطنهم‬
‫ابملغرب األوسط لسيف البحر من ّنحية أرشكول وتلمسان ‪.1‬‬

‫زواوة ‪ ،‬وقد يقال إن زواوة من قبائل كتامة‪ ،‬و هلم بطوّن كثرية وهي بنو َْجمسطة وبنو‬
‫مليكش وبنو كويف ومشدالة وبنو زريقف وبنو كوزيت وكرسفينة ووزجلة وخوجة وزكالوه وبنو‬
‫مرانة‪ ،‬ويقال إن بين مليكش من صنهاجة ومواطن زواوة بنواحي جباية ما بني مواطن قبائل‬
‫كتامة وصنهاجة‪ ،‬سكنوا جباال شاهقة و وعرة بني جباية ودلس ‪.2‬‬

‫و من قبائل الرببر هوارة و الذين سكنوا أرايف املغرب األوسط ومن مواطنهم جبل‬
‫هوارة و هو اجلبل املطل على البطحاء ‪ ،‬و سكن فيه من بطون هوارة مسراتة وغريهم من‬
‫بطوهنم ‪.3‬‬

‫و توجد قبيلة أزداجة ويسمون أيضا وزداجة و هي من الرببر الربانس‪ ،‬ويذكر ابن‬
‫خلدون أن نسابة الرببر يعدوهنم يف بطون زّنتة و يفرقون بني أزداجة و وزداجة فريون أن‬
‫أزداجة من زّنتة ووزداجة من هوارة‪ ،‬أما مناطق سكناهم ابملغرب األوسط فبناحية وهران‪.4‬‬

‫‪ 1‬البكري ‪ :‬املغرب يف ذكر بالد إفريقية و املغرب وهو جزء من املسالك و املمالك ‪ ،‬نشره مع الرتمجة الفرنسية كولني‬
‫دوسالن ‪ ،‬مكتبة أمريكا و الشرق ‪ ،‬ابريس ‪، 1965‬ص ‪ ، 80‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص‪.126‬‬

‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪ ،128‬مارمول كرخبال‪ :‬كتاب إفريقيا ‪ ،‬تر حممد حجي و آخرون ‪،‬ج‪ ، 1‬مطبعة‬
‫املعارف اجلديدة ‪ ،‬الرابط ‪ ، 1984 ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 3‬البكري ‪ :‬املصدر السابق ص ‪ ، 59‬اإلدريسي ‪ :‬القارة اإلفريقية و جزيرة األندلس مقتبس من كتاب نزهة املشتاق‬
‫يف اخرتاق األفاق ‪ ،‬تح و تقدمي إمساعيل العريب ‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر ص ‪ ، 154‬ابن خلدون ‪:‬‬
‫املصدر نفسه ص‪ ، 144‬مارمول كرخبال ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪. 91‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص‪.144‬‬

‫‪19‬‬
‫قبيلة عجيسة وهم بطون الربانس من ولد عجيسة من برنس ‪ ،‬استقروا يف اجلبال‬
‫املطلة على املسيلة‪ ،‬ومنهم من سكن يف جبل القلعة ‪.1‬‬

‫ومن القبائل كتامة و هي من الرببر الربانس أما أماكن استقرار هذه القبيلة فكانت‬
‫من أرايف قسنطينة إىل ختوم جباية غرابً إىل جبل أوراس‪ ،‬وكانت بتلك املواطن بالد أكثرها‬
‫هلم مثل أيكجان وسطيف وابغاية ونقاوس وبلزمة ويتكست وميلة وقسنطينة والسيكرة‬
‫والقل وجيجل‪ ،‬من حدود جبل أوراس إىل سيف البحر ما بني جباية وبونة ‪.2‬‬

‫و من الرببر الربانس قبيلة صنهاجة " هذا القبيل من أوفر قبائل الرببر‪ ،‬وهو أكثر‬
‫أهل املغرب هلذا العهد وما قبله ال يكاد قطر من أقطاره خيلو من بطن من بطوهنم يف جبل‬
‫أو بسيط‪ ،‬حىت لقد زعم كثري من الناس أهنم الثلث من أمم الرببر" ‪.3‬‬

‫و لصنهاجة بطون عديدة سنذكر اليت استقرت يف املغرب األوسط فقط ‪.‬‬
‫بنو ملكان بن كرت و متنان وأنوغة وبنو عثمان وبنو مزغنة وبنو جعد وملكانة‬
‫وبطوية وبنو يفرن وبنو خليل ‪ ،‬و مناطق استقرارهم ابملسيلة إىل محزة إىل اجلزائر واملدية‬
‫‪4‬‬
‫ومليانة من مواطن بين يزيد وحصني والعطاف‪.‬‬

‫الرببر البرت‪ :‬و هم من ولد مادغيس األبرت بن بر بن مازيغ فكان التقسيم على أساس‬
‫ساللتهم ‪ ، 5‬وهناك من املؤرخني من قسم الرببر على أساس اجتماعي فالبرت كانوا يلبسون‬
‫‪6‬‬
‫‪ ،‬وهناك من اعتمد على النمط االقتصادي يف التقسيم‬ ‫ثيااب مبتورة هلذا مسيوا ابلبرت‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص ‪145‬‬


‫‪ 2‬اإلدريسي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 170‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪، 148‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪ ، 152‬مارمول كرخبال ‪ :‬املصدر السابق ص ‪. 91‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪.153‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسه ‪.164 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫ابن حزم المصدر السابق ‪ ،‬ص‬

‫‪20‬‬
‫فاعترب أن البرت كانوا يعيشون وفقط أمناط بدوية سكنوا اجلبال و املناطق البعيدة و اعتمدوا‬
‫الرعي و يضمون القبائل التالية ‪.‬‬

‫زّنتة من قبائل الرببر البرت ومواطنهم يف كل بالد أبفريقية واملغرب ففي جبل أوراس‬
‫بقااي منهم من سكنوا مع العرب اهلالليني ‪ ،‬وأذعنوا حلكمهم واألكثر منهم ابملغرب‬
‫األوسط‪ ،‬حىت أنه ينسب إليهم ويعرف هبم فيقال‪ :‬وطن زّنتة ‪.1‬‬
‫ومن أشهر بطون زّنتة بين يفرن "وبنو يفرن هؤالء من شعوب زّنتة‪ ،‬وأوسع بطوهنم‪،‬‬
‫وهم عند نسابة زّنتة بنو يفرن بن يصلتني بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن‬
‫جاّن‪ ،‬وإخوته مغراوة وبنو يرنيان وبنو واسني‪ ،‬والكل بنو يصلتني " ‪.2‬‬
‫وأما شعوهبم فكثري‪ ،‬ومن أشهرهم بنو واركوا ومرجنيصة و املناطق اليت سكنوها جبل‬
‫أوراس وبنواحي تلمسان إىل جبل بين راشد ‪ ،‬وهم الذين اختطوا مدينة تلمسان ‪. 3‬‬
‫و من بطون زّنتة قبيلة مغراوة اليت قال عنها ابن خلدون " هؤالء القبائل من مغراوة‬
‫كانوا أوسع بطون زّنتة " "ينتسبون إىل مغراو بن يصلتني بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن‬
‫الديرت بن جاّن‪ ،‬وإخوة بين يفرن وبنو يرنيان "‪.4‬‬

‫ومن أشهر قبائل مغراوة بين سنجاس وريغة و لقواط وبين ورا ‪ ،‬فأما بنو سنجاس‬
‫فلهم مواطن يف املغرب األوسط يف جبل راشد وجبل كريكرة وبعمل الزاب وبعمل شلف‬
‫ومن بطوهنم بنو غيار ببالد شلف أيضا‪ ،‬وبنو غيار بعمل قسنطينة وكان بنو سنجاس هؤالء‬
‫من أوسع القبائل وأكثرهم ‪ ،‬ومن سكن من هذه القبائل يف جبل بين راشد من املمتنعني‬
‫عن دفع الضرائب إىل أن تغلب على مناطقهم العمور من اهلالليني‪ ،‬ونزلوا معهم وملكوا‬

‫‪ 1‬اإلدريسي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 157‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 7‬ص ‪ ، 3‬مارمول كرخبال ‪ :‬املصدر‬
‫السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 91 ، 90‬‬
‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬نفسه ص‪.11،12‬‬
‫‪ 4‬نفسه ص ‪ ، 24‬مارمول كرخبال ‪ :‬املصدر السابق ص ‪. 91‬‬

‫‪21‬‬
‫عليهم أمرهم وصاروا هلم فيئا ‪ ،‬ومنهم من نزل ابلزاب‪ ،‬و كانوا خيتلفون عن أهل جبل بين‬
‫راشد يف دفع الضرائب ملن غلب على ثغورهم من مشاخيهم ‪ ،‬وأما من نزل منهم ببالد‬
‫شلف ونواحي قسنطينة‪ ،‬فهم يف عهد الدراسة أهل مغارم للدولة‪ ،‬ومن بين سنجاس هؤالء‬
‫أبرض املشنتل ما بني الزاب وجبل راشد‪ ،‬أوطنوا جباله يف جوار غمرة وصاروا عند تغلب‬
‫اهلالليني يف ملكهم يقبضون األاتوة منهم " ونزل معهم هلذا العهد السحارى من بطون عروة‬
‫من زغبة‪ ،‬وغلبوهم على أمرهم وأصاروهم خوال "‪.1‬‬
‫وأما بنو ريغة فسكنوا من جبل عياض إىل نقاوس‪ ،‬وكان الذين يسكنون جببل عياض‬
‫يدفعون ضرائبهم إىل أمرائهم الذين يدفعوهنا إىل الدولة الغالبة ببجاية‪ ،‬وأما من كان ببسيط‬
‫نقاوس فهم اتبعني إىل العرب ‪ ،‬و هناك من سكن منهم ما بني قصور الزاب وواركال‪"،‬‬
‫فاختطوا قرى كثرية يف عدوة واد ينحدر من الغرب إىل الشرق‪ ،‬ويشتمل على املصر الكبري‬
‫والقرية املتوسطة‪ ،‬واألطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفافيها النخيل‪ ،‬وانساحت‬
‫خالهلا املياه وزهت بنابعها الصحراء‪ ،‬وكثر يف قصورها العمران من ريغة هؤالء "‪.2‬‬

‫وأما لقواط فهم يف نواحي الصحراء ما بني الزاب وجبل راشد‪ ،‬وهلم هنالك قصر‬
‫مشهور هبم‪ ،‬فيه فريق من أعقاهبم على سغب من العيش لتوغله يف القفر‪ ،‬وهم من القبائل‬
‫املمتنعة عن العرب‪.3‬‬

‫ومن قبائل مغراوة بنو ورا ‪ ،‬وهم متشعبون ومفرتقون بنواحي املغرب ‪ ،‬منهم من استقر‬
‫ببالد شلف‪ ،‬ومنهم بناحية قسنطينة ‪،‬وهم من القبائل اليت تقدم ضرائب و جنود للدول‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪47‬‬


‫‪2‬‬
‫اإلدريسي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 155‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر نفسه ص ‪47‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬نفسه ص‪48‬‬

‫‪22‬‬
‫و قد رحل من كان م نهم مبراكش إىل ب الد الشلف يف عهد يوسف بن يعقوب سلطان‬
‫بين مرين يف بداية املائة الثامنة بسب خوفه من أن يقوموا أبعمال ختريبية ‪.1‬‬

‫ومن بطون زّنتة وجدجين وواغمرت وهم من ولد ورتنيص بن جاّن‪ ،‬وكان هلم عدد‬
‫وقوة‪ ،‬ومواطنهم مفرتقة يف بالد زّنتة فأما وجدجين فكان مجهورهم أبرايف املغرب األوسط‪،‬‬
‫ومواطنهم منه منداس ما بني بين يفرن من جانب الغرب‪ ،‬ولواتة من جانب القبلة يف‬
‫السرسو‪ ،‬ومطماطة من جانب الشرق يف وانشريش ‪.2‬‬

‫وأم ا واغم رت‪ ،‬ويس ميهم اب ن خل دون غم رت‪ ،‬فاس تقروا يف اجلب ال إىل قبل ة ب الد‬
‫صنهاجة من املشنتل إىل الدوسن ‪.3‬‬

‫و بين واركال من بطون زّنتة كانوا قليلي العدد و مواطنهم قبلة بالد الزاب‪ ،‬واختطوا‬
‫املصر املعروف هبم على بعد مثاين مراحل من بسكرة‪ ،‬يف القبلة عنها ميامنة إىل املغرب‬
‫بنوها قصورا متقاربة اخلطة مث استبحر عمراهنا‪ ،‬فائتلفت وصارت مصرا وكان معهم هنالك‬
‫مجاعة من بين زنداك من مغراوة ‪. 4‬‬

‫ومن بطون زّنتة دمر و هلم عدة أفخاذ منها بين ورنيد و يستقرون ابجلبل املطل على‬
‫تلمسان‪ ،‬وقد استقروا قبل ذلك يف سفح اجلبل لكن مزامحة بين راشد هلم جعلتهم ينتقلون‬
‫إىل اجلبل ‪ ،5‬وكذا بين برزال وكانت مواطنهم جببل ساالت وما إليه من أعمال املسيلة‪.6‬‬

‫‪ 1‬نفسه ص ‪48‬‬
‫‪ 2‬نفسه ص‪.50‬‬
‫‪ 3‬نفسه ص‪.50‬‬
‫‪ 4‬نفسه ص ‪.51‬‬
‫‪5‬نفسه ص‪.52‬‬
‫‪ 6‬نفسه ص‪53‬‬

‫‪23‬‬
‫و من بطون زّنتة قبيلتا بين ومانوا وبين يلومي ‪ ،‬نسابتهم متفقون على أن يلومي‬
‫ووراتجن الذي هو أبو مرين أخوان‪ ،‬وإن مديون أخومها لألم‪ ،‬وبنو مرين يعرتفون هلم هبذا‬
‫النسب‪ ،‬ويوجبون هلم العصبية له ‪ ،‬وكانت هااتن القبيلتان من أوفر بطون زّنتة وأشدهم‬
‫شوكة ومواطنهم مجيعاً ابملغرب األوسط ‪ ،‬وبنو وم انوا منهم إىل جهة الشرق عن وادي‬
‫ميناس يف منداس ومرات وما إليها من أسافل شلف‪ ،‬وبنو يلومي ابلعدوة الغربية منه‬
‫ابجلعبات والبطحاء وسيك وسريات وجبل هوارة‪ ،‬وبين راشد ‪.1‬‬
‫كم ا أن ب ين واس ني م ن قبائ ل زّنت ة و من اطقهم بقص ور مص اب عل ى ر س مراح ل‬
‫من جبل تيطري يف القبلة ‪.2‬‬

‫أما بين توجني فقد ملكوا القفر ما بني ملوية وأرض الزاب‪.3‬‬

‫م ا ميك ن مالحظت ه أن للربب ر بط ون متع ددة و ه ذه البط ون كان ت تس كن يف من اطق‬


‫متجاورة و ق د يس كن أكث ر م ن بط ن يف منطق ة واح دة وهن ا ميك ن أن ل ص إىل أن القبيل ة‬
‫القوية تس يطر عل ى من اطق جدي دة و ذل ك ي ؤدي إىل احنص ار القبيل ة األخ رى ‪ ،‬وم ن مث ت رد‬
‫ذكر متركز عدة قبائل يف منطقة واحدة‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسه ص ‪54‬‬
‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪،‬ص ‪61‬‬

‫‪24‬‬
‫مفهوم احلركات املذهبية ‪:‬‬

‫الذ ِ‬
‫هاب وامل ْذ َهب امل ْعتَ َقد الذي ي ْذ َهب إِليه وذَ َهب‬ ‫املذهب يف اللغة على وزن َم ْف َعل من َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫َين‬
‫وحكى اللحياين عن الكسائي ما ي ْد َرى له أ َ‬ ‫فال ٌن ل َذ َهبِه أَي ملَْذ َهبِه الذي يَ ْذ َهب فيه َ‬
‫ب فال ٌن َم ْذ َهباً َح َسناً‪.1‬‬
‫ب أَي ال ي ْد َرى أَين أَصله ويقال َذ َه َ‬
‫ب وال ي ْد َرى لَه ما َم ْذ َه ٌ‬
‫َم ْذ َه ٌ‬

‫و فرق‬ ‫أما اصطالحا فيقصد هبا الفرق اإلسالمية و اليت قسمت إىل فرق سياسية‬
‫اعتقادية وليس معىن هذا أن الفرق السياسية ال تتناول مسائل اعتقادية كاخلوارج الذين‬
‫حبثوا مسألة مرتكب الكبرية وحكمه يف الدنيا واآلخرة وعالقة اإلميان ابلعمل وغري ذلك‬
‫من املسائل االعتقادية البحتة ‪ 2‬كما أن الفرق االعتقادية قد تتناول أموراً سياسية ومن‬
‫ذلك ما جاءت به املالكية يف البيعة و اخلالفة ‪ ،3‬إذ ليست هناك حدود فاصلة بني‬
‫العقيدة والسياسة يف اإلسالم‪ .‬ولكن وصف الفرقة أبهنا سياسية أو اعتقادية يعود إىل‬
‫األساس الذى قامت عليه‪ ،‬واملنطلق الذى انبثقت منه‪ -‬عند نشأهتا األوىل‪ -‬سياسيا كان‬
‫أو اعتقادايً‪.‬‬

‫وتروى عدة أحاديث نسبت إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن افرتاق األمة‬
‫اإلسالمية إىل عدة فرق منها ما روي عن أىب هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫"افرتقت اليهود على إحدى وسبعني فرقة‪ ،‬وتفرقت النصارى على اثنتني وسبعني فرقة‪،‬‬
‫وتفرتق أمىت على ثالث وسبعني فرقة"‪.4‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪،1‬ص‪.393‬‬


‫‪ 2‬الشهرستاين ‪ :‬امللل و النحل ‪ ،‬تقدمي صدقي مجيل العطار ‪،‬دار الفكر للطباعة و النشر‪،‬بريوت ‪ ،2005،‬ص‪. 98‬‬
‫‪ 3‬مالك بن أنس ‪ :‬املوطأ ‪ ،‬رواية حيي بن حيي الليثي ‪،‬ط‪ ، 1‬دار اجلوزي القاهرة ‪ ، 2011 ،‬ص ‪.559‬‬
‫‪ 4‬البيهقي ‪ :‬سنن البيهقي الكربى ‪،‬تح حممد عبد القادر عطا ‪،‬ج‪،10‬دار الباز ‪ ،‬مكة املكرمة ‪ ،1994 ،‬ص‪.208‬‬

‫‪25‬‬
‫احلدود اجلغرافية للمغرب األوسط‪:‬‬

‫ليس من السهل على الباحث وضع خريطة دقيقة للحدود اجلغرافية يف العصر‬
‫الوسيط نظرا لتداخل املناطق وعدم وجود حدود اثبتة للسلطات السياسية القائمة‪ ،‬وإذا‬
‫حتدثنا عن املغرب األوسط يف العصر الوسيط فهو مل خيضع لسلطة واحدة بل تقامسته عدد‬
‫من املمالك واإلمارات و انقسمت بذلك انتماءات سكانه السياسية‪ ،‬بل وحىت املذهبية‬
‫جاعلة منه فسيفساء سياسية واجتماعية ودينية‪.‬‬

‫و حاول عدد من اجلغرافيني وضع خريطة تقريبية للمنطقة فقال البعض هي احلد‬
‫الفاصل بني بالد إفريقية " تونس" وبالد املغرب األقصى واعترب احلمريي أنه ميتد " من واد‬
‫‪1‬‬
‫يسمى جممع وهو يف نصف الطريق من مدينة مليانة إىل أول بالد اتزا من بالد املغرب "‬
‫‪ ،‬و انطالقا من هذا وجدّن مناطق من املغرب األوسط الشرقية تدخل يف نطاق إفريقية ‪.‬‬

‫و قد حاول أحد الباحثني ربط املصطلح ابلواقع السياسي ‪ ،‬فقال إن املنطقة هي‬
‫كل ما يدخل حاليا يف نطاق الدولة اجلزائرية اليت رمست حدودها من قبل األتراك‬
‫العثمانيني منذ القرن السادس عشر مث من قبل اإلدارة الفرنسية بعد ذلك حني وسعت‬
‫نطاق هذه الدولة كما هي معروفة ومعرتف هبا حاليا ‪. 2‬‬

‫وحنن أنخذ يف دراستنا هذه ابلرأي األخري على اعتبار شيوع هذا التفسري لدى عدد من‬
‫الدارسني لتاريخ املغرب‪.‬‬

‫‪ 1‬احلمريي ‪ :‬الروض املعطار يف خرب األقطار ‪ ،‬تح احسان عباس ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مكتبة لبنان مطبعة هيدلبارغ ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪، 1984‬ص‪.135‬‬
‫‪ 2‬أمحد عبيد ‪ :‬التاريخ اجلزائري –تقيم و نقد – حالة اجلزائر العثمانية ‪ ،‬مقال يف جملة إنسانيات ‪ ،‬العدد ‪، 48-47‬‬
‫‪ ، 2010‬مركز البحث يف اإلنثربوجلية االجتماعية و الثقافية ‪ ،‬وهران ص ‪. 73‬‬

‫‪26‬‬
‫احلركات املذهبية يف بالد املغرب األوسط أسباب الظهور وطرق االنتشار ‪:‬‬

‫عرف املغرب األوسط ظهور العديد من احلركات املذهبية و اليت ارتكزت على عصبيات‬
‫قبلية لالستمرار ‪ ،‬وبذلك متكنت بعض هذه القبائل من االنتقال من مرحلة القبيلة إىل‬
‫مرحلة امللك ‪ ،‬وقد تنبه ابن خلدون إىل هذه القضية و عنون فصال من مقدمته بقوله "‬
‫أن الدعوة الدينية من غري عصبية ال تتم "‪. 1‬‬

‫أسباب التسرب احلركات املذهبية إىل بالد املغرب ‪:‬‬

‫تعترب السياسة اليت اتبعها الوالة يف بالد املغرب أهم سبب يف تسرب الفكر اخلارجي إىل‬
‫بالد املغرب وسياسة الوالة هي تطبيق لسياسة اخلليفة و من ذلك ما أمر به اخلليفة األموي‬
‫يزيد بن عبد امللك بن مروان يف رسالة إىل والته على األقاليم فحواها " أما بعد فإن عمر‬
‫كان مغرورا غررمتوه أنتم و أصحابكم و قد رأيت كتبكم يف أنكاد اخلراج و الضريبة ‪ ،‬فإذا‬
‫أاتكم كتايب هذا فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده ‪،‬و أعيدوا الناس إىل طبقتهم األوىل‬
‫أخصبوا أم أجدبوا ‪،‬أحبوا أم كرهوا ‪ ،‬حيوا أم ماتوا و السالم "‪ ، 2‬و قد عمد الوالة إىل‬
‫تطبيق سياسة اخللفاء فقام يزيد بن أيب مسلم بتطبيق سياسة احلجاج بن يوسف الثقفي يف‬
‫العراق "عزم أن يسري هبم بسرية احلجاج بن يوسف يف أهل االسالم الذين سكنوا األمصار‬
‫ممن كان أصله من السواد من أهل الذمة فأسلم ابلعراق فردهم إىل قراهم ورستاقهم ووضع‬
‫اجلزية على رقاهبم على حنو ما كانت تؤخذ منهم و هم على كفرهم "‪.3‬‬

‫‪ 1‬املقدمة ‪،‬ص‪. 112‬‬


‫‪ 2‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 5‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪1404 ،‬ه ‪ ،‬ص ‪. 188‬‬
‫‪ 3‬الطربي ‪ :‬اتريخ الرسل و امللوك ‪،‬تح حممد أبو الفضل إبراهيم ‪،‬ط‪، 2‬ج‪ ، 6‬دار املعارف ‪ ،‬القاهرة ‪، 1971‬ص‬
‫‪616‬‬

‫‪27‬‬
‫ومن سوء سرية الوالة و كان له دخل مباشر يف ولوج أفكار اخلوارج إىل بالد املغرب ما‬
‫اقدم عليه يزيد بن أيب مسلم ملا قام على املنرب خطيبا بقوله "أيها الناس إين قد رأيت أن‬
‫أرسم اسم حرسي يف أيديهم كما تفعل ملوك الروم حبرسها فأرسم يف ميني الرجل امسه و يف‬
‫‪1‬‬
‫يساره حرسي ليعرفوا يف الناس بذلك من غريهم فإذا وقفوا على أحد أسرع فيما أمرته به "‬
‫‪2‬‬
‫فلما مسع حرسه بذلك غضبوا و قالوا " جعلنا مبنزلة النصارى "‬

‫و كانت سياسة استنزاف الثروات االقتصادية سببا من اسباب اعتناق الرببر للمذهب‬
‫اخلوارج حيث عمد الوايل األموي عبيدة بن عبد الرمحن السلمي على جتميع ثروات طائلة‬
‫للخليفة هشام بن عبد امللك وكان ذلك على حساب الرببر متكونة من هدااي و طرف‬
‫عظيمة إىل جانب اإلماء و اجلواري بلغت سبعمائة جارية خمتارة ‪ ،‬وخصيان وخيل و‬
‫دواب و ذهب و فضة " مما يذكر أبايم الفتح األوىل ‪ ،‬قبل دخول البالد يف حوزة االسالم‬
‫عندما كان املغرب أرض املغامن الكثرية و السيب اجلميل "‪.3‬‬

‫و قد تواصلت هذه السياسة يف عهد الوايل عبيد هللا بن احلبحاب و الذي ركز حكمه‬
‫لبالد املغرب على االجتهاد جلمع املال لسد مطالب و مطامع دار اخلالفة يف املشرق ‪4‬و‬
‫ألجل ذلك جهز محلة إىل بالد السوس و إن كانت بعض املراجع ذكرت إهنا رد أهل‬

‫‪ 1‬الرقيق القريواين ‪:‬اتريخ إفريقية و املغرب ‪ ،‬تح منجي الكعيب ‪ ،‬مطبعة رقيق السقطي تونس ‪ ،‬ص‪99‬‬
‫‪ 2‬املصدر نفسه ‪،‬ص‪100‬‬
‫‪ 3‬سعد زغلول عبد احلميد ‪ :‬اتريخ املغرب العريب ‪،‬ج‪ ،1‬منشأة املعارف ‪ ،‬االسكندرية ‪،‬ص ‪.278‬‬
‫‪ 4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 279‬‬

‫‪28‬‬
‫السوس لطاعته ‪ ، 1‬إال أن الرغبة يف مجع األموال و سيب الرببرايت كان هو السبب يف تلك‬
‫الغزوة ‪ ،‬خاصة إذا عرفنا أن اخلليفة هشام بن عبد امللك كان مولعا جبمع املال ‪. 2‬‬

‫وقد كانت سياسة الوالة السابقة الذكر سببا مباشرة يف تسرب الفكر اخلارجي لبالد املغرب‬
‫و ذلك كون أفكار اخلوارج تتماشى و طموح الرببر‪.‬‬

‫‪ 1‬السيد عبد العزيز سامل ‪ :‬املغرب الكبري ‪ ،‬العصر اإلسالمي ج‪ ، 2‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪،298‬‬
‫‪ 2‬حممد علي دبوز ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.214‬‬

‫‪29‬‬
‫اخلوارج الظهور و االنتشار يف بالد املغرب ‪:‬‬

‫يعرف اخلوارج على أهنم كل من خرج عن اإلمام احلق الذي اتفقت عليه اجلماعة يسمى‬
‫خارجيا ‪ ،‬سواء كان اخلروج يف أايم الصحابة على األئمة الراشدين ‪ ،‬أو كان بعدهم على‬
‫‪1‬‬
‫التابعني و األئمة يف كل زمان‬

‫ال ميكن حتديد اتريخ دقيق لظهور اخلوارج ‪ ،‬و تعود البوادر األوىل إىل عهد النيب صلى هللا‬
‫عليه و سلم حيث روي عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال بينما حنن عند رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم وهو يقسم قسما أاته ذو اخلويصرة وهو رجل من بين متيم فقال اي‬
‫رسول هللا اعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا مل أعدل قد خبت وخسرت إن مل أكن أعدل‬
‫فقال عمر اي رسول هللا ائذن يل فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحااب حيقر أحدكم‬
‫صالته مع صالهتم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن ال جياوز تراقيهم ميرقون من الدين‬
‫كما ميرق السهم من الرمية ينظر إىل نصله فال يوجد فيه شيء مث ينظر إىل رصافه فما‬
‫يوجد فيه شيء مث ينظر إىل نضيه وهو قدحه فال يوجد فيه شيء مث ينظر إىل قذذه فال‬
‫يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي املرأة أو‬
‫مثل البضعة تدردر وخيرجون على حني فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أين مسعت‬
‫هذا احلديث من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأشهد أن علي بن أيب طالب قاتلهم وأّن‬
‫معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأيت به حىت نظرت إليه على نعت النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم الذي نعته ‪.2‬‬

‫‪ 1‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬


‫‪ 2‬البخاري ‪ :‬اجلامع الصحيح املختصر املعروف بصحيح البخاري ‪ ،‬تح مصطفى ديب البغا ‪ ،‬ط‪، 3‬ج‪ 3‬دار ابن‬
‫كثري اليمامة ‪ ،‬بريوت ‪ ، 1987‬ص‪. 1321‬‬

‫‪30‬‬
‫وبدأت املعامل الرئيسية حلركة اخلوارج تظهر يف خالفة عثمان بن عفان بظهور البوادر األوىل‬
‫للمعارضة و تطورت تدرجييا حىت أفضت إىل قتله ‪ ،‬وتعترب البصرة و الكوفة و مصر نقطة‬
‫انطالق املعارضة لسياسة عثمان و املركز األساسي للثورة ضده ‪.1‬‬

‫و قد مثل دخول الثوار من خمتلف األمصار إىل املدينة سنة ‪35‬ه تتوجيا لتحركات سابقة‬
‫انتهت حبصار عثمان مث قتله ‪ ،‬و رغم وجود تنسيق بني قواد املعارضة إال الدور الرئيس يف‬
‫قتل عثمان لعبه املصريون ‪.2‬‬

‫بعد مقتل عثمان بن عفان رضي هللا عنه مت مبايعة علي بن أيب طالب خليفة و قد لعب‬
‫زعماء املعارضة دورا يف ذلك و خاصة األشرت النخعي و حكيم بن جبلة العبدي ‪ ،3‬ومن‬
‫هذا كان هدف الثوار هو تغري اخلليفة الذي رفضت تلبية مطالبهم ‪.‬‬

‫بعد املبايعة ظهرت فتنة جديدة بني املسلمني تعرف يف التاريخ االسالمي مبوقعة اجلمل بني‬
‫اخلليفة علي بن أيب طالب من جهة و عائشة زوجة الرسول صلى هللا عليه و سلم‬
‫والصحابيان طلحة و الزبري من جهة أخرى حول دم عثمان و قد وقف الثوار إىل جانب‬
‫علي ‪ ،‬وانتهت هذه الفتنة بعد مراجعة طلحة و الزبري و عائشة برجوعهم إىل بيعة علي ‪،‬‬
‫فعمد املعارضون إىل قتل الزبري و طلحة ‪.4‬‬

‫‪1‬لطيفة البكاي ‪:‬حركة اخلوارج نشأهتا وتطورها إىل هناية العهد األموي (‪132-37‬ه) ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت‬
‫‪ ، 2001‬ص ‪12‬‬
‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫ص‪.427‬‬ ‫‪ 3‬الطربي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪، 4‬‬
‫‪ 4‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪20‬‬

‫‪31‬‬
‫بعد موقعة اجلمل جاءت موقعة صفني و اليت كانت بني علي بن أيب طالب و معاوية بن‬
‫أيب سفيان ‪ ،‬و كان جيش علي يضم مقاتلي البصرة و الكوفة ‪ ،‬و قد توقفت احلرب بني‬
‫اجليشني ملا رفع جيش معاوية املصاحف على السيوف أجرب من سيخرج على علي‬
‫التحيكم و قالوا القوم يدعوننا إىل كتاب هللا و أنت تدعوّن إىل السيف ‪ ،‬حىت قال علي أّن‬
‫أعلم مبا يف كتاب هللا انفروا إىل بقية األحزاب انفروا إىل من يقول كذب هللا و رسوله وأنتم‬
‫تقولون صدق هللا و رسوله ‪ ،‬فقالوا لرتجعن عن قتال املسلمني وإال فعلنا بك ما فعلنا‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬‬ ‫بعثمان فأمر علي بوقف القتال و أجربوه على اختيار أبو موسى األشعري حكما‬
‫ومباشرة بعد التحكيم و كتابة وثيقة التحكيم رجعت تلك الفرقة إىل علي طالبة الرجوع إىل‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬متحججني يف ذلك بقوهلم مل‬ ‫القتال فرفض ذلك فكان ذلك سبب اخلروج عليه‬
‫حكمت الرجال ال حكم إال هلل ‪.3‬‬

‫بعد صفني اجتمعوا يف النهروان و قاتلهم علي هناك و اليت انتهت ابنتصار جيش علي و‬
‫هزمية اخلوارج و انقسامهم إىل فرقة عديدة و اليت سيكون هلم اتريخ طويل سنتحدث عن‬
‫ما يتعلق ابملغرب خاصة الصفرية و االابضية ‪.‬‬

‫أهم مبادئ اخلوارج ‪:‬‬

‫اخلروج على احلاكم إذا خالف السنة واجبا ‪.‬‬

‫بدعتهم يف االمامة إذ جوزوا أن تكون اإلمامة يف غري قريش ‪ ،‬و مها ما سريتكزان عليه يف‬
‫نشر مذهبهم يف بالد املغرب‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 92‬‬


‫‪ 2‬لطيفة البكاي ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 23‬‬
‫‪ 3‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪. 92‬‬

‫‪32‬‬
‫اخلوارج يف بالد املغرب ‪:‬‬

‫ال ميكن حتديد اترخيا دقيقا لدخول اخلوارج إىل بالد املغرب غري أن املرجح أنه كان يف هناية‬
‫القرن األول اهلجري و بداية القرن الثاين اهلجري ‪.‬‬

‫و كان ذلك نتيجة لعوامل نذكر منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬التطور السياسي الذي حدث للخوارج يف بالد املشرق يف أواخر القرن األول اهلجري‬
‫بعد فشل ثوراهتم و اضطرارهم إىل تغري سياساهتم و ذلك ابتباع أسلوب الدعوة و التنظيم‬
‫‪1‬‬
‫السياسي و كذا اختيار املناطق البعيدة عن مركز اخلالفة ميداننا لنشاطهم‬

‫‪-2‬األحوال السياسية اليت كانت عليها بالد املغرب جراء سياسة الوالة كالفنت السياسية‬
‫اليت كانت بني القيسية واليمانية ‪ 2‬و كذا تنافسهم على مجع املال من غري وجه من الرببر‬
‫إلرضاء اخلالفة من جهة واشباعا لرغباهتم من جهة أخرى يضاف إىل ذلك اعتبار بالد‬
‫املغرب دار حرب حىت بعد اعتناق أهلها لإلسالم ‪. 3‬‬

‫فقد كانت العوامل السابقة الذكر كفيلة ابعتناق الرببر لفكر اخلوارج الداعي إىل املساواة‬
‫بني العرب و الرببر ‪.‬‬

‫‪ 1‬حممود امساعيل ‪:‬اخلوارج يف بالد املغرب حىت منتصف القرن الرابع اهلجري ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مكتبة الثقافة الدينية ‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء ‪ ، 1985 ،‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ 2‬السيد عبد العزيز سامل ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪300‬‬
‫‪ 3‬املرجع نفسه ‪،‬ص ‪.213‬‬

‫‪33‬‬
‫غري أنه جيب التوضيح أن اعتناق الرببر لفكر اخلوارج مل يكن بعد قتل يزيد بن أيب مسلم‬
‫كما حتدث بعض املؤرخني ‪،1‬حيث ذكر الطربي أن الرببر بعد قتلهم ليزيد راسلوا اخلليفة‬
‫يزيد بن عبد امللك بقوهلم " إّن مل لع أيدينا من الطاعة؛ ولكن يزيد بن أيب مسلم سامنا‬
‫ما ال يرضى هللا واملسلمون فقتلناه وأعدّن عاملك فكتب أليهم يزيد بن عبد امللك إين مل‬
‫أرض مبا صنع يزيد بن أيب مسلم وأقر حممد بن زيد على إفريقية "‪ ، 2‬ولكن كان بعد رسالة‬
‫ميسرة املطغري للخليفة هشام و هو ما صرح به ابن األثري بقوله " مل يزل أهل افريقية‪ ،‬من‬
‫أطوع أهل البلد وامسعهم إىل زمان هشام‪ ،‬حيث دب إليهم أهل العراق‪ ،‬فاستشاروهم‬
‫وشقوا العصا وفرقوا بينهم إىل اليوم‪ ،‬وكانوا يقولون ال الف األئمة مبا جتىن العمال‪ ،‬فقالوا‬
‫هلم إمنا يعمل هؤالء أبمر أولئك‪ ،‬فقالوا حىت ربهم فخرج ميسرة يف بضعة وعشرين رجال‪،‬‬
‫فقدموا على هشام فلم يؤذن هلم فدخلوا على األبرش‪ ،‬فقالوا أبلغ أمري املؤمنني أن أمريّن‬
‫يغزو بنا وجبنده‪ ،‬فإذا غنمنا نفلهم ويقول هذا أخلص جلهادكم‪ ،‬وإذا حاصرّن مدينة قدمنا‬
‫وأحضرهم ويقول هذا ازدايد يف األجر ومثلنا وكفى إخوانه مث أهنم عمدوا إىل ماشيتنا‬
‫فجعلوا يبقرون بطوهنا عن سخاهلا ويطلبون الفراء البيض ألمري املؤمنني‪ ،‬فيقولون ألف شاة‬
‫يف جلد فاحتملنا ذلك‪ ،‬مث أهنم ساموّن أن أيخذوا كل مجيلة من بناتنا‪ ،‬فقلنا مل جند هذا‬
‫يف كتاب وال سنة وحنن مسلمون‪ ،‬فأحببنا أن نعلم عن أمري املؤمنني هذا أم ال؟ "‪.3‬‬

‫‪ 1‬حممد الطاليب ‪ :‬استقالل املغرب ‪ ،‬مقال يف كتاب اتريخ إفريقيا العام ‪ ،‬اجمللد الثالث إفريقيا من القرن السابع إىل‬
‫القرن احلادي إشراف م الفاسي و إ هربك ‪،‬ط‪ ، 2‬منظمة األئمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة ‪ ،‬اليونسكو ‪ ،‬مطبعة‬
‫املكلس ‪ ،‬لبنان ‪،‬ص ‪.281‬‬
‫‪ 2‬الطربي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ ، 6‬ص‪.615‬‬
‫‪ 3‬ابن األثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬تح عمر عبد السالم تدمري ‪ ،‬ط‪، 1‬ج‪ ، 2‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪، 1997‬ص‪. 465‬‬

‫‪34‬‬
‫ومن كل هذا ميكن القول أن الرببر رفضوا الظلم واإلهانة حينما احنرف الوالة وعاملوهم‬
‫بسوء‪ .‬ولني نفضوا أيديهم من اخلالفة األموي‪ ،‬حينما يئسوا منها‪ ،‬فإن مثال الدولة‬
‫اإلسالمية الصاحلة ظل اثبتا يف أذهاهنم وظلوا يتطلعون إىل حتقيقه‪ ،‬بصورة أو أبخرى‪ .‬فلما‬
‫حل أبرضهم دعاة املذهب اخلارجي وخاطبوهم مبنطقهم البسيط والواضح املغايل يف‬
‫الدميقراطية‪ ،‬املتشدد يف حتديد املسؤوليات والواجبات‪ ،‬لبوا الدعوة بصدق وحسن نية ‪.1‬‬

‫بعد أتكد الرببر أن الوالة يطبقون سياسة اخللفاء قاموا بثورات على الوالة محلت حتت‬
‫مضموهنا أفكار اخلوارج ‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد زنيرب ‪ :‬خطوة حامسة يف نشوء الدولة ابملغرب؛ الدولة اإلدريسية ‪ ،‬مقال يف دعوة احلق ‪ ،‬العدد‪ ، 274‬إفريل‬
‫‪، 1989‬منشورات وزارة األوقاف و الشؤون االسالمية ‪ ،‬الرابط ‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪35‬‬
‫التقاطع بني العصبية القبلية واحلركة املذهبية اخلارجية ‪:‬‬

‫يعترب الوضع الذي كان عليه املغرب االسالمي قابال لالنفجار ‪ ،‬وهنا عمل دعاة اخلوارج‬
‫الصفرية على اختيار مكان الثورة يف املغرب األقصى لبعده عن عاصمة الوالية و كذا‬
‫عصبتها فقد عمدوا إىل القبائل البرتية كقبيلة مطغرة و زعيمها ميسرة الذي مثل الوفد‬
‫الرببري إىل اخلليفة هشام كما سبق ‪،‬و الذي توجه هبم إىل طنجة و قتل عاملها عمر بن‬
‫عبد هللا املرادي‪ ،‬مث ابيعوه ابخلالفة و دعوه أبمري املؤمنني فعني على طنجة عبد األعلى بن‬
‫حديج االفريقي و توجه جنواب إىل السوس وقتل هناك امساعيل بن عبيد هللا بن احلبحاب‬
‫مث عاد إىل طنجة وهناك التقى جبيش الوالة ‪ ،‬و افرتق الفريقان فأقدم الرببر على قتل ميسرة‬
‫‪ ،1‬و يرى ابن خلدون ‪ 2‬أن سبب قتله يرجع إىل سوء سريته ‪ ،‬بينما يرى موسى لقبال ‪3‬أن‬
‫السبب هو انسحاب ميسرة من امليدان خالفا ملا كان عليه اخلوارج وهو يعترب احنرافا يدعوا‬
‫إىل القتل ‪.‬‬

‫بعد هذه احلادثة نقل اخلوارج شؤون تسري أفكارهم إىل قبيلة زّنتة ممثلة يف شخص خالد بن‬
‫محيد الزّنيت وهو من هتورة إحدى بطون زّنتة ‪ 4‬الذي سعى إىل تنظيم جيشه يف مواجهة‬
‫جيوش اخلالفة اليت " تكاثرت عليهم الرببر فاهنزم العرب وكره خالد بن أيب حبيب أن‬
‫يهرب فألقى بنفسه هو وأصحابه إىل املوت أنفة من الفرار‪ .‬فقتل ابن أيب حبيب ومن معه‪،‬‬

‫‪ 1‬حممد بن عمرية ‪ :‬دور زّنتة يف احلركة املذهبية ابملغرب االسالمي ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب ‪ ،‬اجلزائر ‪، 1984 ،‬‬
‫ص ‪.70،71‬‬
‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪.145‬‬
‫‪ 3‬موسى لقبال ‪ :‬املغرب االسالمي من بناء معسكر القرن حىت انتهاء ثورات اخلوارج ‪ ،‬سياسة و نظم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطبعة‬
‫البعث ‪ ،‬قسنطينة ‪ ، 1969‬ص ‪. 219‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 145‬‬

‫‪36‬‬
‫حىت مل يبق من أصحابه رجل واحد فقتل يف تلك الوقعة محاة العرب‪ ،‬وفرساهنا‪ ،‬وكماهتا‬
‫وأبطاهلا فسميت الغزوة غزوة األشراف "و كان ذلك سنة ‪123‬ه‪ 1‬على وادي شلف و‬
‫بذلك أصبح املغرب األوسط هو ميدان نشاط اخلوارج ‪ ، 2‬بينما يرى أحد الباحثني أهنا‬
‫وقعت ابلقرب من طنجة ابملغرب األقصى سنة ‪122‬ه ‪.3‬‬

‫و بعد غزوة األشراف التقى الطرفان يف موقعة بقدورة انتهت هبزمية جيش العرب سنة‬
‫‪123‬أو سنة ‪124‬ه ‪.4‬‬

‫بعد معركة بقدورة ظهر زعيم جديد لزّنتة هو أبو قرة اليفرين ‪ ، 5‬و هنا ميكننا أن نقول أن‬
‫املذهب الصفري سيطر على املغرب و على الزّنتيني و بذلك طغت زّنتة على القبائل‬
‫األخرى‪ ،‬وهو ما يفسر انسحاب أتباع ميسرة املطغري ألهنم مل يكونوا يتمتعوا بعصبية‬
‫يفرضون هبا آرائهم على خالد بن محيد و زّنتة فاختاروا االنسحاب ‪ ،‬و هذا ما يؤكده‬
‫أيضا انسحاب خالد طريف أبو صاحل زعيم زواغة ألن عددها كان ضئيال مقارنة بعدد‬
‫زّنتة ‪.6‬‬

‫مث صارت األمور بعد ذلك يف صراع اخلوارج واخلالفة يتبادل الطرفان فيه النصر واهلزمية حىت‬
‫انتهت الدولة األموية وأعقبتها الدولة العباسية ‪ ،‬وتضافرت جهود اإلابضية والصفرية‬

‫‪ 1‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب تح ج‪ .‬س‪ .‬كوالن‪ ،‬إِ‪ .‬ليفي بروفنسال ‪ ،‬ط‪3‬‬
‫‪،‬ج‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت لبنان ‪ 1983 ،‬م ‪،‬ص‪.54‬‬
‫‪ 2‬حممد بن عمرية ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪ 3‬موسى لقبال ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬
‫‪ 4‬حممد بن عمرية ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 5‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪، 7‬ص‪. 12‬‬
‫‪ 6‬حممد بن عمرية ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬

‫‪37‬‬
‫لإلطاحة حبكومة القريوان ‪ ،‬وأصبح هم اخلليفة ابملشرق القضاء على هذه الثورات فكان‬
‫يرسل اجليش تلو االخر ‪ ،‬وقد ذكروا أن هذه احلروب منذ أن استعرت إىل أن مت القضاء‬
‫عليها ‪ ،‬يف عهد يزيد بن حامت سنة ‪156‬ه بلغت ‪ 375‬موقعة‪.1‬‬

‫االابضية و العصبية القبلية ‪:‬‬

‫انتقل مذهب االابضية إىل بالد املغرب بفضل الدعاة و يعترب سلمة بن سعيد هو أول من‬
‫نقل املذهب اإلابضي إىل بالد املغرب ‪ ،‬و قد انتقل إىل بالد املغرب يف أوائل القرن الثاين‬
‫اهلجري ‪ ،‬و قد متكن من اجياد قاعدة حاضنة ملذهبه فجمع بعض الطلبة و أرسلهم إىل‬
‫املشرق مسوا حبملة العلم اخلمسة وهم عبد الرمحن بن رستم و عاصم بن مجيل السدرايت و‬
‫امساعيل بن درار الغدامسي و أبو داود النفزاوي و أبو اخلطاب عبد األعلى املعافري ‪،2‬‬
‫وقد أمجع االابضيون على مبايعة أبو اخلطاب عبد األعلى ابإلمامة و استطاع االستيالء‬
‫على مدينة طرابلس بدعم من قبيلة زّنتة وهوارة ‪ ،3‬وكان ذلك يف نفس الوقت الذي‬
‫‪4‬‬
‫و ربطوا دواهبم ابملسجد‬ ‫استولت فيه قبيلة ورفجومة على القريوان وعاثوا فيها فسادا‬
‫اجلامع فعمد ابو اخلطاب إىل القريوان وحررها من يد ورفجومة و عني عليها أحد محلة‬
‫العلم اخلمس و هو عبد الرمحن بن رستم ‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 113‬‬


‫‪ 2‬موسى لقبال ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ 4‬حممد بن عمرية ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 5‬ابن خلدون ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪115‬‬

‫‪38‬‬
‫و بعد رجوع أبو اخلطاب إىل طرابلس وقعت معركة بينه و بني جيش اخلالفة العباسية‬
‫بقيادة ابن األشعث انتهت هبزمية االابضية و مقتل أبو اخلطاب ‪ ،‬ونتيجة لذلك خرج عبد‬
‫الرمحن بن رستم من القريوان إىل املغرب األوسط و حتصن جببل سوفجج ‪.1‬‬

‫بعد فك احلصار توجه عبد الرمحن بن رستم إىل قبيلة ملاية " و كان مجهورهم ابملغرب‬
‫األوسط موطنني بسحومة مما يلي الصحراء و ملا سرى دين اخلارجية يف الرببر أخذوا برأي‬
‫االابضية و دانوا به و انتحلوه و انتحله جرياهنم من مواطن تلك من لواتة و هوارة و كانوا‬
‫أبرض السرسو قبلة منداس و زواغة الغرب عنهم و كانت مطماطة ومكناسة و زّنتة مجيعا‬
‫يف ّنحية اجلوف و الشرق فكانوا مجيعا على ّنحية اخلارجية و على رأي االابضية "‪ 2‬و‬
‫سبب نزوله على ملاية حللف قدمي بينه و بينهم فبايعوه ابخلالفة ‪ ،3‬و بذلك فعبد الرمحن بن‬
‫رستم استند إىل عصبة ملاية لتأسيس دولته رغم أنه ال ينتمي إىل تلك القبيلة و هو ما عربّن‬
‫عنه سابقا ابلنسب الرمزي و بذلك امتزجت يف هذه الدولة العصبية القبلية ممثلة يف قبيلة‬
‫ملاية و احلركة املذهبية و املتمثلة يف االابضية ‪ ،‬رغم أن هناك من الباحثني من تكلم يف‬
‫نقده للنظرة اخللدونية حول قضية العصبية و أثرها يف قيام الدول بقوله هناك دولة قامت يف‬
‫املغرب و مل تقم على عصبية أصحاهبا و هي الدولة الرستمية االابضية بقيادة عبد الرمحن‬
‫بن رستم الفارسي األصل املنعدم العصبية و الذي اختري ملنصب االمامة تفاداي للنزاع عليها‬
‫لعدم وجود عصبية له ‪ ،4‬و ميكن هنا أن نرى تناقضا حيث أن عبد الرمحن بن رستم ملا‬
‫أدرك أنه يستحيل أن أتسس دولة ابلدعوة الدينية وحدها (احلركة املذهبية )‪ ،‬عمد إىل‬

‫‪ 1‬حممد بن عمرية ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪.115‬‬


‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص‪120‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 4‬الشيخ عدة ‪ :‬العصبية الدينية ودورها يف قيام و أفول الدول االسالمية املرابطية أمنوذجا ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة‬
‫املاجستري يف الفلسفة ‪ ،‬جامعة وهران ‪ ، 2012-2011 ،‬ص ‪. 130‬‬

‫‪39‬‬
‫اصباغ الدعوة الدينية ابلعصبية القبيلة فأقنع قبيلة ملاية املتمذهبة مبذهبه بضرورة التكتل‬
‫العصيب إلقامة الدولة ‪.‬‬

‫و كانت حتالف قبلي مذهيب ضد الدولة الفاطمية متثل يف التحالف بني قبيلة زّنتة وزعيم‬
‫النكارية خملد بن كداد اليفرين الزّنيت املعروف بصاحب احلمار "هذا الرجل من بين واركو‬
‫إخوة مرجنيصة‪ ،‬وكلهم من بطون يفرن وكنيته أبو يزيد‪ ،‬وأمسه خملد بن كي داد‪ ،‬وال يعلم من‬
‫نسبه فيهم غري هذا"‪.1‬‬

‫متثل ثورة أيب يزيد من الناحية االجتماعية حلقة من حلقات الصراع التقليدي بني البرت‬
‫والربانس ‪ ،‬فهي من جهة تعرب عن الرتعة االستقاللية للرببر البرت م ن الناحي ة السياسية‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى متثل الصراع بني سكان البوادي وأهل القرار‪ ،‬كما أهنا من الناحي ة‬
‫اإلقليمية متثل أيضا صراعا بني الدولة الفاطمية والدولة األموية يف األندلس وإن كانت‬
‫جبهة هذا الصراع هي بالد املغرب ‪.2‬‬

‫و قد استنفر أبو يزيد يف ثورته على الفاطميني يف بداية حربه زّنتة ولواتة وهوارة وبين برزال‬
‫ومغراوة وبين كم الن‪ ،‬ومزات ة م ن اإلابضيني النكار والوهبية‪ ،‬كما حاول أبو يزيد استنفار‬
‫أتباع كافة املذاهب والفرق الناقمة على الشيعة‪ ،‬لذلك مل يعلن يف البداية عن ميوالته‬
‫املذهبية تقية منه‪ ،‬بل لقد أعلن أنه خ رج غض با هلل‪.3‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪،‬ج‪، 7‬ص‪.16‬‬


‫‪ 2‬حممود امساعيل عبد الرازق ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪3‬‬
‫موسى رمحاين ‪ :‬األوراس يف العصر الوسيط من الفتح االسالمي إىل انتقال اخلالفة الفاطمية إىل مصر (‪-27‬‬
‫‪362‬ه ‪972-637 /‬م) دراسة إجتماعية ‪ ،‬رسالة ماجستري قسم التاريخ ‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ،‬السنة‬
‫اجلامعية ‪ ، 2007-2006‬ص ‪106‬‬

‫‪40‬‬
‫و كان اهلدف من ثورة صاحب احلمار و النكارية ‪ -‬السعي لقلب النظام الشيعي الفاطمي‬
‫الفاسد اجلائر على املسلمني حبسب نظرهم‪ .‬وذلك ابعتماد العنف املسلح إلسقاط الدولة‬
‫وبذلك إقامة دولة املساواة النكارية املثالية يتساوى فيها مجيع املسلمني‪ ،‬تقوم عل ى الش ورى‬
‫واملساواة‪ ،‬و اليت كانت منشد اخلوارج و مبتغاهم منذ ظهورهم على الساحة اإلسالمية ‪.1‬‬

‫وبعد عرض هذه النماذج للتحالف العصيب املذهيب بني قبائل املغرب األوسط و احلركة‬
‫اخلارجية ميكننا أن نرى بوضوح وجود ما ميكن أن نصطلح عليه بتقاطع املصاحل فمثال عبد‬
‫الرمحن بن رستم اقتنع بضرورة اقامة كيان سياسي ملذهبه اخلارجي و يكون ذلك ابالرتكاز‬
‫على عصبية قبيلة ملاية و اليت كانت هتدف بذلك إىل الظهور إىل مسرح اتريخ بالد‬
‫املغرب‪ ،‬و هو أيضا ما نالحظه أيضا عند خملد بن كداد و الذي ارتكز على قبيلته زّنتة‬
‫للتعبري عن مكنوّنت مذهبه رغم أنه يف البداية حتالف مع املالكية إال أنه و مبجرد أتكده‬
‫من القضاء على الدولة الفاطمية تنكر للمالكية و ّنلوا منه ما ّنلوا من الشيعة ‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬

‫‪41‬‬
‫التشيع الظهور و االنتشار ‪:‬‬

‫اختلف يف اتريخ ظهور التشيع فهناك من الباحثني من يرجعه إىل عهد النيب صلى هللا عليه‬
‫و سلم " فالشيعة هم فرقة علي على زمان الرسول صلى هللا عليه و سلم و ما بعده "‪ ، 1‬و‬
‫هو نفس ما ذهب إليه كاشف الغطاء ‪ 2‬من أول من وضع بذرة التشيع يف حقل اإلسالم‬
‫هو نفسه صاحب الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬وهو ما معاه أن التشيع و اإلسالم على حسبه‬
‫وضعت جنبا إىل جنب ‪ ،‬و مل يزل غارسها يتعهدها ابلعناية حىت منت و ازدهرت يف حياته‬
‫و أتت مثارها بعد و فاته ‪.‬‬

‫فحني يرى مجهور املؤرخني أهنا ظهرت بعد وفاة النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وذلك على‬
‫اعتبار أن أول خالف حدث بني املسلمني كان عقب وفاة النيب صلى هللا عليه و سلم و‬
‫الذي متحور حول من يكون خليفة للرسول صلى هللا عليه وسلم ‪،‬و كان ذلك خالل‬
‫اجتماع سقيفة بين ساعدة بني املهاجرين واألنصار ‪.3‬‬

‫و قد تبلور عن اجتماع السقيفة ثالثة أراء حيث رأى األنصار أهنم أحق خبالفة الرسول‬
‫صلى هللا عليه و سلم و ذلك ألهنم آووه و نصروه ‪ ، 4‬ورأى املهاجرون أهنم أوىل ابخلالفة‬
‫ألهنم عشرية النيب و اخلالفة ال تصلح إال يف قريش ‪ ،‬و مجاعة اثلثة تقول خبالفة علي بن‬
‫أيب طالب رضي هللا عنه و ذلك لعلمه وورعه و سابقته يف اإلسالم ‪ ،5‬حيث قال الفضل‬

‫‪ 1‬حممد إبراهيم الفيومي ‪ :‬اتريخ الفرق اإلسالمية السياسي و الديين – الشيعة العربية و الزيدية – ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر‬
‫العريب ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2002 ،‬ص‪137‬‬
‫‪ 2‬أصل الشيعة ‪ ،‬مكتبة العرفان ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪. 63‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬ص‪. 401‬‬
‫‪ 4‬الطربي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪، 3‬ص‪.220‬‬
‫‪ 5‬ابن كثري ‪ :‬البداية و النهاية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املنابع للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2001 ،‬ص‪.222‬‬

‫‪42‬‬
‫بن العباس " اي معشر قريش ما حقت لكم اخلالفة ابلتمويه و حنن أهلها و صاحبنا أوىل‬
‫هبا منك "‪.1‬‬

‫و بعد التجاذابت اليت كانت يف السقيفة استقر أمر املسلمني على اختيار أبو بكر الصديق‬
‫خليفة للمسلمني لكن هذا ال يعين أن املطالبني خبالفة علي توقفوا عن بعد البيعة و من‬
‫ذلك ما أورده بعض املؤرخني من أتخر بعض املهاجرين و األنصار عن بيعة أبو بكر ومنهم‬
‫الزبري بن العوام و عتبة بن أيب هلب و أبو سفيان ‪ ، 2‬كما غاب أيضا خالد بن سعيد بن‬
‫أيب العاص و الذي غاب عن يوم السقيفة فأتى عليا و قال له " هلم أابيعك فو هللا ما يف‬
‫الناس أوىل بك من حممد " ‪.3‬‬

‫و رغم وجود بعض املعارضة خلالفة أيب بكر إال أهنا استمرت ‪ ،‬مث جاءت بعده خالفة‬
‫عمر بن اخلطاب و مل تورد املصادر التارخيية معارضة علي أو مناصريه أي معارضة خلالفته‬
‫‪ ،‬و بعد وفاته جعل اخلالفة شورى بني ستة من أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم و‬
‫استقر األمر لعثمان ابخلالفة ‪.‬‬

‫تذكر املصادر أنه بعد توليت عثمان رأي رجل يف مسجد رسول هللا و هو يقول " و‬
‫أعجبا لقريش و دفعهم هذا األمر عن أهل بيت نبيه ‪ ،‬و فيه أول املؤمنني و ابن عم رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم وأفقهم ‪...‬وهللا لقد زووها عن اهلادي املهتدي الطاهر النقي "‬
‫فسئل من أنت و من هذا الرجل فأجاب أّن املقداد و هذا الرجل علي بن أيب طالب ‪. 4‬و‬

‫‪ 1‬اليعقويب ‪ :‬اتريخ اليعقويب ‪ ،‬تح خليل منصور ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ج‪ ، 2‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ، 2002 ،‬ص‪. 84‬‬
‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 84‬‬
‫‪ 3‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب و معادن اجلوهر ‪ ،‬ط‪ ، 5‬ج‪ ، 2‬دار األندلس للنشر ‪ ، 1985 ،‬ص ‪. 307‬‬
‫‪ 4‬اليعقويب ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫‪43‬‬
‫إن كاّن نشكل يف هذا النص من حيث صدقه التارخيي كون الرجل الذي قال هذا الكالم‬
‫هو املقداد بن األسود و علم يف املدينة لقرابته من الرسول صلى هللا عليه و سلم فهو زوج‬
‫ابنت عمه ضباعة بنت الزبري بن عبد املطلب و كان من السابقني يف اإلسالم ‪ ،‬وشهد‬
‫عدة غزوات مع النيب صلى هللا عليه سلم فكيف يسئل من أنت ‪ ،‬مث يعرف بعلي بن أيب‬
‫طالب و يقول وهذا علي فإذا كان علي غري معروف عند رواد مسجد النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم فال حيق له ابخلالفة ‪.‬‬

‫يف خالفة عثمان بن عفان رضي هللا عنه حدثت فتنة انتهت بقتله سنة ‪35‬ه ‪ ،‬و بقي‬
‫الناس ثالثة أايم بال خليفة فأقبل الناس إىل علي و تراكمت عليه اجلماعة فقال " ال حاجة‬
‫يل يف أمركم ‪ ،‬فمن اخرتمت رضيت به " غري أهنم أصروا عليه يف ذلك فقال ‪ ":‬أكون وزيرا‬
‫خريا من أكون أمريا " فأحلوا عليه يف ذلك و ألزموه القبول ابخلالفة ‪.1‬‬

‫و هكذا متت البيعة لعلي بن أيب طالب ‪ ،‬وكانت بيعته بغري إمجاع ألن هناك من الصحابة‬
‫من اعتزل البيعة من أمثال املغرية بن أيب شعبة و صهيب بن سنان و أسامة بن زيد ‪ ،‬ومن‬
‫هذا هناك من يرى أن التشيع ظهر بعد مقتل عثمان بن عفان حيث يقول ابن حزم ‪ " 2‬مث‬
‫ويل عثمان و بقي اثين عشر عاما حىت مات ‪ ،‬و مبوته حصل االختالف و بدأ أمر‬
‫الروافض "‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪ ،‬ج‪، 6‬ص‪. 576‬‬


‫‪ 2‬الفصل يف امللل و األهواء و النحل ‪ ،‬تح حممد إبراهيم نصرو و عبد الرمحن عمرية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 2‬مكتبة عكاظ‬
‫للنشر ‪ ، 1982 ،‬ص ‪. 80‬‬

‫‪44‬‬
‫يف حني هناك من يرى أن التشيع لعلي بدأ يف أواخر خالفة عثمان بعد أن كثرت عليه‬
‫املآخذ و ابلضبط إىل ظهور احلركة السبئية على اعتبار أن عبد هللا بن سبأ هو أول من‬
‫ّندى بقداسة علي بن أيب طالب ‪ ،‬و هاجم اخللفاء الثالثة األوائل و اعتربهم مغتصبني ‪.1‬‬

‫يف حني هناك من يرى أن الشيعة تكونت ملا خالف طلحة و الزبري علي و طالبا بدم‬
‫عثمان‪ ،‬فتسمى من اتبع علي يف ذلك اليوم شيعة وكان علي يقول شيعيت فالنواة األوىل‬
‫للتشيع هي موقعة اجلمل ‪.2‬‬

‫و هناك فريق آخر يرى أن لفظ الشيعة يعود إىل موقعة صفني بني علي ومعاوية سنة ‪37‬ه‬
‫ووقوع التحكيم مبا جاء نصه " هذا ما تقاضى عليه علي بن أيب طالب و معاوية بن أيب‬
‫سفيان و شيعتهما من حاضر و غائب فيما تراضيا به من احلكم لكتاب هللا و سنة نبيه ‪،‬‬
‫و قضية علي من أهل العراق و من كان من شيعته ‪ ،‬و قضية معاوية من أهل الشام و من‬
‫كان من شيعته " ‪.3‬‬

‫ومن الباحثني من حياول أن يرجع اتريخ بداية التشيع إىل ما بعد موقعة كربالء أي بعد‬
‫استشهاد احلسني بن علي رضي هللا عنه ‪ ،‬حيث شكل ذلك نقطة حتول هامة يف التاريخ‬
‫الفكري و العقدي للتشيع و ذلك بتوحيد صفوف الشيع بعدما كانوا متفرقني و بذلك‬
‫اجتمع كل املنادين ابلتشيع لعلي ‪.4‬‬

‫‪ 1‬صربي خدمتلي ‪ :‬العقيدة و الفرق اإلسالمية ‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر ‪ ، 1990 ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ 2‬ابن الندمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املعارف ‪ ،‬بريوت ‪ ، 1994 ،‬ص ‪. 117‬‬
‫‪ 3‬جالل الدين السيوطي ‪ :‬اتريخ اخللفاء ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار ابن خرج للطباعة و النشر و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪ ، 2003 ،‬ص‬
‫‪. 145‬‬
‫‪ 4‬صربي خدمتلي ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 67‬‬

‫‪45‬‬
‫ومن كل ما سبق عرضه عن ما يقيل يف بداايت ظهور التشيع فيمكن ضبط مفهوم الشيعة‬
‫على أهنا حسب ابن خلدون ‪1‬الصحب و األتباع ‪ .‬و هي لفظة أصلها املشايعة و هي‬
‫املتابعة و املطاوعة ‪.2‬‬

‫و عرفت على أهنا مشايعة و تقدمي و مفاضلة علي على سائر الصحابة فالشيعة هم أنصار‬
‫علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ‪ ، 3‬و اعتربوا أن اخللفاء الثالثة األوائل مغتصبني حلقه يف‬
‫اخلالفة فهم يف نظرهم غري شرعيني ‪ 4‬مستدلني يف ذلك بقوهلم " ثالثة ال يكلمهم هللا يوم‬
‫القيامة و ال يزكيهم و هلم عذاب أليم ‪ ،‬من ادعى إمامة ليس له ‪ ،‬ومن هجر إماما من عند‬
‫هللا و من وعم أن أاب بكر و عمر و عثمان هلم نصيب يف اإلسالم " ‪.5‬‬

‫ومن خالل ما عرضنها عن تكوين الشيعة رأينا ال يوجد اتفاق بني املؤرخني حول اتريخ‬
‫ظهورها ‪ ،‬غري أن االتفاق الذي كان بينهم أن شخص علي بن أيب طالب رضي هللا عنه‬
‫هو حمور التشيع و القلقة القليلة هي من أرجعت اتريخ الظهور إىل عهد النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فهناك من ربطها بسقيفة بين ساعدة و هناك من ربطها أبواخر خالفة عثمان‬
‫وهناك من ربطها مبوقعة اجلمل و هناك من ربطها بصفني و من قرهنا مبقتل احلسني يف‬
‫موقعة كربالء و املالحظ على هذه احلوادث فهي جلها تتعلق بشخص علي بن أيب طالب‬
‫‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬ص ‪. 347‬‬


‫‪ 2‬ابن منظور ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص‪. 45‬‬
‫‪ 3‬األشعري ‪ :‬مقاالت اإلسالميني و إختالف املصليني ‪ ،‬تح حممد حمي الدين عبد احلميد ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪ ،‬بريوت‬
‫‪ ،‬ص‪. 89‬‬
‫‪ 4‬نبيلة حسن حممد ‪ :‬يف اتريخ الدولة العربية ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ،‬االسكندرية ‪ ، 2004 ،‬ص ‪. 331‬‬
‫‪ 5‬أمحد فريد ‪ :‬الفوائد البدعية يف فضائل الصحابة و ذم الشيعة ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الدار السلفية للنشر و التوزيع ‪ ،‬االسكندرية‬
‫‪ ، 2000 ،‬ص ‪. 107‬‬

‫‪46‬‬
‫أهم فرق الشيعة ‪:‬‬

‫انقسمت الشيعة إىل عدة فرق و افرتاقها احنصر يف املبادئ و التعاليم فمنهم املتطرف‬
‫املعايل يف التشيع و الطاعن يف كل من خالف علي بن أيب طالب رضي هللا عنه و اعتربه‬
‫من الكفار ومنهم املعتدل املتزن ‪.‬‬

‫و للشيعة رس فرق رئيسة ‪ :‬الكيسانية و الزيدية و االمامية و الغالة و االمساعيلية‪.‬‬

‫الكيسانية ‪:‬هم أتباع خمتار بن عبيد الثقفي الذي يدعى كيسان ‪ ،‬كان موىل لعلي بن أيب‬
‫طالب ‪ 1‬و قد انقسمت الكيسانية إىل أربعة فرق املختارية و اهلامشية و البيانية و الرازمية‬
‫‪ ،2‬بينما يرى بعضهم أهنا إحدى عشر فرقة ‪.3‬‬

‫و قد اتفقت فرق الكيسانية على القول إبمامة حممد بن احلنفية ‪.4‬‬

‫الزيدية ‪ :‬ظهرت هذه الفرقة يوم هنض زيد بن علي زين العابدين يف الكوفة على هشام بن‬
‫‪5‬‬
‫عبد امللك ‪ ،‬و اتبعه مجاعة من أهل الكوفة ‪ ،‬و اتضح أتثري هذه احلركة يف سنة ‪122‬ه‬
‫بينما يرى بعض املؤرخني أهنا ظهرت سنة ‪118‬ه‪.6‬‬

‫‪ 1‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 118‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪ 3‬األشعري ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪. 91‬‬
‫‪ 4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ 5‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪،‬ج‪، 3‬ص‪.118‬‬
‫‪ 6‬الدينوري ‪ :‬األخبار الطوال ‪،‬تح فكر فاروق الطباع ‪ ،‬دار األرقم للطباعة و النشر ‪ ،‬ص ‪. 316‬‬

‫‪47‬‬
‫و الزيدية " ساقوا اإلمامة على مذهبهم فيها ‪ ،‬و أهنا ابختيار أهل احلل و العقد ال ابلنص‬
‫‪ ،‬فقالوا إبمامة علي مث ابنه احلسن مث أخيه احلسني مث ابنه علي زين العابدين ‪ ،‬مث ابنه زيد‬
‫بن علي و هو صاحب هذا املذهب "‪.1‬‬

‫وهم يعرتفون خبالفة أبو بكر الصديق و عمر بن اخلطاب رضي هللا و يقولون أن بيعتهما‬
‫صحيحة ألن علي رضي هللا عنه ترك هلما ذلك ‪ ،‬و بذلك جوزوا إمامة املفضول يف وجود‬
‫األفضل ‪ ،‬و ال يطعنون يف الصحابة ‪ ، 2‬كما أهنم حيرمون زواج املتعة وينكرون حلول روح‬
‫هللا يف اإلمام و ال ينتظرون عودة اإلمام الغائب ‪ ،‬و يرون أنه بعد موت اإلمام زيد جيب أن‬
‫تكون اإلمامة انتخابية و ليست وراثية ‪.3‬‬

‫اإلمامية ‪:‬و يسمون ابلروافض أو الرافضة لرفضهم إمامة خالفة أبو بكر و عمر رضي هللا‬
‫عنهما بل وصل هبم احلد إىل التجريح فيهما و يف كل من سار معهما من الصحابة ‪ ،‬و‬
‫ذلك ألهنم مل ينفذوا وصية الرسول صلى هللا عليه و سلم يف خالفته بعد وفاته ‪. 4‬‬

‫و مسوا ابالمامة لقوهلم إبمامة علي بن أيب طالب بعد النيب صلى هللا عليه و سلم نصا‬
‫ظاهرا و تعيننا صادقا من غري تعريض ابلوصف بل ابإلشارة إليه ابلعني ‪ ،‬و قالوا ما كان يف‬
‫دين اإلسالم أهم من تعني اإلمام ‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬ص ‪. 187‬‬


‫‪ 2‬األشعري ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 144‬‬
‫‪ 3‬نبيلة حسن حممد ‪:‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 334‬‬
‫‪ 4‬نصر سليمان ‪ :‬املوجز يف علم احلدث ‪ ،‬دار البعث ‪ ،‬قسنطينة ‪ ، 1997 ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 5‬الشهرسااتين ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬

‫‪48‬‬
‫و تعترب اإلمامية علي بن أيب طالب رضي هللا عنه و ساللته من اخللفاء حاقا إذ أن اإلمام‬
‫عندهم وريث الرسول صلى هللا عليه و سلم ‪ ،‬و يتم تعينه بطريق إالهي عن طريق وصية‬
‫سرية تنتقل من إمام إىل آخر ‪ ،1‬و هو ما يفسر قوهلم أن النور اإلهلي حل يف آدم و‬
‫األنبياء من بعده واحدا و احد إىل حل يف علي و انتقل يف ذريته من بعده ‪ ،‬وذلك أن‬
‫األئمة هم الذين استودعهم هللا أسرار الشريعة من أجل تبليغها للناس عرب خمتلف األزمنة و‬
‫العصور ‪. 2‬‬

‫و قد انقسمت اإلمامية بفعل اختالف الرأي يف حتديد احلق الوراثي بعد وفاة جعفر‬
‫الصادق إىل فرقتني االثنا عشرية و االمساعيلية ‪.3‬‬

‫و االثنا عش رية هي الف رقة اليت تقول أبن اإلم ام جعفر الصادق نص على اإلمامة‬
‫لولده الثاين موسى الكاظم بعد وفاة ابنه (ابن جعفر الصادق) البكر امساعيل يف حياة أبيه‪،‬‬
‫ومن موسى الكاظم إىل علي الرضا إىل حممد اجلواد إىل علي اهلادي إىل احلسن العسكري‬
‫فابنه حممد اإلمام الثاين عشر و الذي يعتقدون أنه حي ومل ميت و إمنا غاب وهم ينتظرون‬
‫عودته ‪.4‬‬

‫أما االمساعيلية فهي الفرقة اليت تقول إبمامة امساعيل بن جعفر الصادق فابنه حممد املكتوم‬
‫و سنتعرض هلذه الفرقة ابلتفصيل ‪.‬‬

‫‪ 1‬نبيلة حسن حممد ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪.333‬‬


‫‪ 2‬حممد أبو زهرة ‪ :‬اتريخ املذاهب إلسالمية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر العريب ‪ ،‬بريوت ‪، 1984،‬ص‪. 51‬‬
‫‪ 3‬حسن إبراهيم حسن ‪ :‬اتريخ اإلسالم الديين و السياسي و الثقايف و االجتماعي ‪،‬ط‪ ، 5‬ج‪ ، 1‬دار اجليل ‪ ،‬بريوت‬
‫‪، 2001،‬ص ‪. 200‬‬
‫‪ 4‬أمحد حسن صبحي ‪ :‬الدعوة الفاطمية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة مدبويل القاهرة ‪ ، 2005 ،‬ص ‪. 124‬‬

‫‪49‬‬
‫الغالة ‪:‬مسوا ابلغالة ألهنم غالوا يف علي بن أيب طالب و قالوا فيه قوال عظيما ‪ ،1‬و انتقلت‬
‫املغالة إىل األئمة بعده " حىت أخرجوهم من حدود اخلليقية و حكموا فيهم أبحكام اإلهلية‬
‫فرمبا شبهوا واحدا من األئمة ابإلله و رمبا شبهوا اإلله ابخللق و هم على طريف الغلو و‬
‫التقصري "‪ ، 2‬ومن هذا جاءت العصمة لعلي رضي هللا عنه ذلك أن نور هللا حل فيه من‬
‫بعد نبيه صلى هللا عليه و سلم ‪.3‬‬

‫و بدع الغالة حمصورة يف أربع أمور التشبيه ‪ ،‬البداء ‪ ،‬الرجعة ‪ ،‬التناسخ و قد انقسمت إىل‬
‫احدى عشر فرقة ‪.4‬‬

‫‪ 1‬األشعري ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 66‬‬


‫‪ 2‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪. 139‬‬
‫‪ 3‬حسن إبراهيم حسن ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 210‬‬
‫‪ 4‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 139‬‬

‫‪50‬‬
‫االمساعيلية ‪:‬فرقة من فرق الشيعة اإلمامية ‪ ،‬ظهرت بعد موت جعفر الصادق سنة‬
‫‪148‬ه ‪765/‬م ‪ ،1‬فائدة النص عندهم تثبت على امساعيل بن جعفر الصادق بن حممد‬
‫الباقر ‪ ،‬و إن كان مات قبل أبيه ‪ ،‬مث ابنه حممد ‪ ،‬و عليه فاإلمامة تكون يف ولده ألن‬
‫النص عندهم ال مرجع ورائه ز انتقال اإلمامة منه إىل أوالده خاصة كما نص موسى و‬
‫هارون عليهما السالم مث مات هارون يف حياة أخيه ‪. 2‬‬

‫و قد انقسم من االمساعيلية إىل فرقتني األوىل زعمت أن اإلمام بعد جعفر الصادق ابنه‬
‫امساعيل و أنكرت موت امساعيل يف حياة أبيه ‪ ،‬و قالوا كان ذلك من جهة التلبيس ألنه‬
‫خاف عليه فغيب عنهم ‪ ،‬وزعموا أنه ال ميوت حىت ميلك األرض و يقوم أبمر الناس ‪،‬‬
‫وهذه الفرقة هي االمساعيلية اخلالصة‪.3‬‬

‫و الفرقة الثانية زعمت أن اإلمام بعد جعفر الصادق هو حممد بن امساعيل و قالوا أن األمر‬
‫كان إلمساعيل يف حياة أبيه ‪ ،‬فلما تويف انتقل األمر إىل ابنه ألن اإلمامة ال تكون إال يف‬
‫األعقاب ‪ ،‬و ال تنتقل من أخ إىل أخ إال من احلسن إىل احلسني ‪ ،‬و أصحاب هذا القول‬
‫يسمون املباركية ‪.4‬‬

‫و اإلمامة عند اإلمساعيلية إمامتان إمامة االستقرار و هي مرتبة االمامة و الوصاية ‪ ،‬و‬
‫إمامة االستيداع و هي مرتبة النبوة و الرسالة ‪ ،5‬فاألوىل تكون يف نسل علي و فاطمة‬

‫‪ 1‬حسن علي حممد ‪ :‬قاموس املذاهب و األداين ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار اجليل ‪ ،‬بريوت ‪، 1998 ،‬ص‪. 35‬‬
‫‪ 2‬الشهرستاين ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪ 3‬خري الدين الزركلي ‪ :‬اإلعالم ‪ ،‬ج‪ ، 6‬بريوت ‪ ، 1969 ،‬ص‪. 306‬‬
‫‪ 4‬علي سامي النشار ‪ :‬نشأة التشيع و تطوره ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مؤسسة الكتاب ‪ ،‬بريوت ‪، 1969 ،‬ص ‪. 171‬‬
‫‪ 5‬القاضي النعمان ‪ :‬دعائم اإلسالم يف ذكر احلالل و احلرام يف القضااي و األحكام عن أهل بيت رسول هللا عليه‬
‫السالم و أفضل السالم تح أصف بن علي أصغر فيضي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املعارف القاهرة ‪ ، 1996 ،‬ص‪. 101‬‬

‫‪51‬‬
‫رضي هللا عنهما و فيها يكون اإلمام الناطق ‪ ،‬و الثانيةتكون يف غريهم لظروف معينة‬
‫‪1‬‬
‫كميمون القداح و أبنائه‬

‫تعتقد االمساعيلية أنه قد مر على النبوة ستة أدوار عظمى ‪ ،‬و للدور معنيني دور كبريو دور‬
‫صغري ‪ ،‬فالدور الكبري يبدأ من آدم عليه السالم إىل القائم أبمر هللا ‪ ،‬أما الدور الصغري فهو‬
‫بني كل ّنطق ‪ ،‬و يتقرر الدور سبعة أئمة مستقرين ‪.2‬‬

‫فمحور املذهب عند اإلمساعيلية يقوم على العدد سبعة أما دون ذلك قيوم على العدد اثنا‬
‫عشر ‪ ،‬و هم يستدلون يف ذلك على أمور منها أن هللا تعاىل خلق النجوم اليت هبا قوام‬
‫العامل سبعة ‪ ،‬و جعل السموات سبعة و األراضني سبعة ‪ ،‬والربوج اثنا عشر ‪ ،‬و الشهور‬
‫اثنا عشر ‪.3‬‬

‫انتشار الدعوة اإلمساعيلية يف بالد املغرب ‪:‬‬

‫تعترب مهمة اإلمام األوىل وهدفه األساسي بناء و تكوين جمتمع يؤمن أفراده مبذهب الدولة‬
‫و يعملون على نشره يف املناطق األخرى عن طريق الرتبية و التعليم و الدعاية و هوما‬
‫يعرف اترخييا ابلتنظيم الدعوي ‪.4‬‬

‫‪ 1‬السجستاين ‪ :‬إثبات النبؤات ‪ ،‬تح و تقدمي عارف اثمر ‪ ،‬منشورات املكتبة الكاثوليكية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪. 189‬‬
‫‪ 2‬مصطفى غالب ‪ :‬أعالم اإلمساعيلية ‪ ،‬ط‪ ، 3‬منشورات دار اليقضة العربية للتأليف و الرتمجة و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪ ،1979‬ص‪. 34‬‬
‫‪ 3‬عارف اتمر ‪ :‬حقيقة إخوان الصفا ‪،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ، 1996 ،‬ص‪. 33‬‬
‫‪ 4‬املقريزي ‪ :‬اتعاظ احلنفا أبخبار األئمة الفاطميني اخللفاء ‪ ،‬تح مجال الدين الشيال ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ج‪ ، 2‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪، 1996‬ص ‪. 137‬‬

‫‪52‬‬
‫و مما ال شك فيه أن كل الفرق اليت ذكرهنا عرفت قيمة هذه الدعوة و ضرورة تنظيمها و ما‬
‫هلا من أمهية يف تنوير العقول و التعريف مببادئها و عقائدها ‪ ،‬و كذا الرد على الدعاية‬
‫املضادة هلا من قبل خصومها ‪ ،1‬و ألجل ذلك اعتمدت اإلمساعيلية يف نشر عقائدها على‬
‫تنظيم دعوي دقيق خصصت له هيئة خاصة و ضم دعاء أكفاء ‪ ،‬فرض عليهم أن يكونوا‬
‫ملمني مبختلف عقائد الفرق و املذاهب املعاصر هلم ‪ ،‬وأن تكونلهم قدرة كبرية على التمويه‬
‫و التلبيس ‪ ،‬و تقمص العديد من األدوار و الشخصيات ‪.2‬‬

‫كان هلذا التنظيم الدعوي الدقيق الذي اختصت به اإلمساعيلية دون غريها املسامهة الفعالة‬
‫يف جناح احلركة أثناء دور السرت أو الظهور ‪.3‬‬

‫استعمل القائمون على شؤون الدعوة االمساعيلية التخفي يف نشر دعوهتم ومبادئ مذهبهم‬
‫خاصة يف عهودها املبكرة ‪ ،‬و بذلك استطاعوا أن يعمموها يف شكل خطوات تتدرج من‬
‫املعلومات البسيطة إىل أن تصل ابملستجيب إىل مبادئ فلسفية عميقة ال يفهمها إال قلة‬
‫من الناس ‪ ،‬إضافة إىل أن هؤالء برعوا يف تنظيم خالايهم تنظيما دقيقا فحملوا لواء البالغة‬
‫و تضلعوا يف العلم وخصصوا لكل منهم مبادئ يلقنها إىل املستجيبني ‪. 4‬‬

‫بعد االضطهاد الذي حلق ابإلمساعيلية من قبل العباسيني ‪ ،‬اضطر أئمتهم إىل التسرت و‬
‫الذي يعرف عندهم ابلتقية ‪ ،‬و يعد حممد بن إمساعيل هو أول أئمة السرت وقد مسي‬
‫ابملكتوم ‪ ،‬ومسي خلفه ابملستورين يف ذات هللا ‪،‬أي الذين استرتوا خوفا على أنفسهم ألهنم‬

‫‪ 1‬مصطفى غالب ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 21‬‬


‫‪ 2‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ 1‬ص‪. 151‬‬
‫‪ 3‬مصطفى غالب ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪، 28‬‬
‫‪ 4‬عارف اثمر ‪ :‬القرامطة أصلهم نشأهتم حروهبم اترخيهم ‪ ،‬دار احلياة ‪ ،‬بريوت ‪، 1979 ،‬ص‪. 46‬‬

‫‪53‬‬
‫كانوا مالحقني من العباسيني خاصة بعد فشل ثورات الشيعة املتكررة وتعرض أصحاهبا‬
‫للقتل و االضطهاد ‪.1‬‬

‫يضاف إىل ما سبق ذكره أن املدينة املنورة أصبحت يف نظرهم مكاّن غري آمن مما ترتب‬
‫عليه استحالة بقائهم فيها ‪ ،‬وكان أئمة االمساعيلية يظهرون دعاهتم الذين عرفوا غالبا‬
‫ابحلجج لنقل العقائد و نشرها بني الناس ‪ ،‬و يلجئون يف تسرتهم إىل وسائل عديدة فمثال‬
‫أوالد جعفر الصادق األربعة وهم موسى وإمساعيل و حممد و عبد هللا ادعوا اإلمامة‬
‫ألنفسهم لسرت اإلمام احلقيقي ‪ ،2‬كما أن حممد بن امساعيل املكتوم جلأ إىل وسيلة أخرى إذ‬
‫اختفى مع شخص امسه ميمون بن ديصان القداح ‪ ،‬كما تسمى األئمة بغري أمسائهم‬
‫كمحمد و عبد هللا أو أبمساء حججهم الذين يعتربوهنم لواحق كسعيد ومبارك وميمون ‪. 3‬‬

‫و بعد فشل االمساعيلية يف إقامة دولة يف املشرق تطلعوا إىل ذلك يف بالد املغرب ‪ ،‬فبدأت‬
‫الدعوة مبرحلتني مرحلة اإلعداد العقدي توالها رجالن أبو سفيان واحللواين ‪ ،‬ومرحلة الدور‬
‫العملي و قامت على أكتاف الداعي أبو عبد هللا الشيعي املعروف ابلصنعاين ‪.4‬‬

‫‪ 1‬حممد مجال الدين سريور ‪ :‬الدولة الفاطمية يف مصر سياستها الداخلية و مظاهر احلضارة يف عهدها ‪ ،‬دار الفكر‬
‫العريب ‪ ،‬القاهرة ‪،1999 ،‬ص ‪. 17‬‬
‫‪ 2‬حممد عبد هللا عنان ‪ :‬احل اكم أبمر هللا و أسرار الدعوة الفاطمية ‪ ،‬دار النشر احلديث ‪ ،‬القاهرة ‪، 1968 ،‬‬
‫ص‪. 51‬‬
‫‪ 3‬عبد املنعم ماجد ‪ :‬اخلالفة الفاطمية وسقوطها يف مصر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪ 1414‬ه ‪1994/‬م‬
‫‪،‬ص ‪. 77‬‬
‫‪ 4‬حممد سهيل طقوش ‪ :‬اتريخ الفاطميني يف مشال إفريقية و مصر و بالد الشام ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار النفائس للطباعة و‬
‫النشر و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪ ، 2001‬ص‪. 63‬‬

‫‪54‬‬
‫ففي املرحلة األوىل بعثت القيادة يف الشرق أبو سفيان و احللواين إىل مشال إفريقية و أمرهتما‬
‫بنشر الدعوة حيث قيل هلما " ابملغرب أرض بور فذهبا و حراثها و مهداها حىت جييئ‬
‫صاحب البذر "‪. 1‬‬

‫استقر أبو سفيان يف قرية اتلة الزراعية يف الشمال الغريب من مدينة تونس ‪ ،‬وكانت تعترب‬
‫مركزا جتاراي هاما ‪ ،‬فابتىن هبا مسجدا وتزوج فيها وعاش حياة زهد‪. 2‬‬

‫و كانت وجهة احللواين بالد الرببر حيث استقر ابلناظور و هو جبل جباية ‪ ، 3‬و تعترب هذه‬
‫اجلهة هي مشارف أرض كتامة أقوى قبائل تلك الناحية ‪.4‬‬

‫سلك احللواين يف دعوته نفس األسلوب الذي سلكه أبو سفيان ‪ ،‬فاشتهر ذكره و أقبل‬
‫الناس عليه و تشيع الكثري على يديه و خاصة من أهل كتامة ‪ ،‬و كان يعزى ذلك إىل‬
‫أسباب عاطفية وجدانية تتمثل يف حب آل البيت و الرغبة يف الثأر ملا أصاهبم على يد‬
‫األمويني و العباسيني ‪.5‬‬

‫و قد عاش احللواين دهرا طويال ‪ ،‬ومات ابلناظور و ارك عدد من أفراد أسرته و معارفه‬
‫حضروا وصول الداعي أبو عبد هللا الشيعي ‪.6‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪ ،‬ج‪، 4‬ص ‪. 45‬‬


‫‪ 2‬القاضي النعمان افتتاح الدعوة ‪ ،‬تح فرحات الدشراوي ‪،‬ط‪ ، 2‬الشركة التونسية للتوزيع ‪ ،‬تونس ‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1986 ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪،‬ج‪ ، 6‬ص‪.176‬‬
‫‪ 4‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 28‬‬
‫‪ 5‬موسى لقبال ‪ :‬اتريخ املغرب اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ، 4‬دار هونة ‪ ،‬اجلزائر ‪ ، 2004 ،‬ص ‪. 172‬‬
‫‪ 6‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 29‬‬

‫‪55‬‬
‫ملا وصل خرب وفاة احللواين و أبو سفيان إىل صاحب الدعوة يف اليمن ابن حوشب قال‬
‫أليب عبد هللا الشيعي " إن أرض املغرب من أهل كتامة قد حرثها أبو سفيان ‪ ،‬وقد ماات و‬
‫ليس هلا غريك فبادر فإهنا موطئة ممهدة لك " ‪ ،‬وأعطاه ماال و سري معهه عبد هللا بن أيب‬
‫مالحف حسب ما جرت عليه عادة الدعاة ‪ ،‬وغادر أبو عبد هللا قاصدا إىل مكة اليت‬
‫وصلها يف موسم حج ‪279‬ه ‪891/‬م فسأل عن حجاج كتامة الذين كان من بينهم‬
‫حديث اجلميلي و موسى بن مكارم اللذين تشيعا على يدي احللواين ‪.1‬‬

‫و استطاع أبو عبد هللا الشيعي أن يستميلهم إليه بسحر بيانه و فضل لسانه و ما أظهر هلم‬
‫من حسن التدين ‪ ،‬فأعجبوا بزهده و عبادته فتعلقت قلوهبم به ‪ ،2‬وملا حان وقت الرحيل‬
‫سألوه عن أمره فقال " أّن رجل من أهل العراق و كنت أخدم السلطان ‪ ،‬مث رأيت أن‬
‫خدمته ليست من أعمال الرب فرتكتها ‪ ،‬و صرت أطلب املعيشة احلالل ‪ ،‬فلم أر لذلك‬
‫سوى تعليم القرآن للصبيان و قد نصح يل مبصر " فرغبوا الرحيل معه و أصروا عليه ذك‬
‫فانضم إليهم و أكرموا وفادته ‪.3‬‬

‫أثناء فرتة الرحل استقى منهم بعض املعلومات املتعلقة بوضعهم السياسي و االجتماعي وكل‬
‫ما من شأنه أن يفيده يف مهمته ‪ ،‬و مل يكشف هلم عن نواايه احلقيقية بل ضل جيتهد يف‬
‫تضليلهم ‪ ،‬و ملا وصل إىل مصر تظاهر أنه يريد اإلقامة فيها ملمارسة التعليم ‪ ،‬فطلبوا منه أن‬
‫يكمل معهم الطريق و يعلم صبياهنم ‪ ،‬غري أنه اعتذر هلم وقال " إن وجدت حاجيت مبصر‬

‫‪ 1‬ابن أيب دينار ‪ :‬املؤنس يف أخبار إفريقية و تونس ‪ ،‬تح حممد مشام ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املكتبة العتيقة ‪ ،‬تونس ‪، 1957 ،‬‬
‫ص‪. 54‬‬
‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬العرب ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 39‬‬
‫‪ 3‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 135‬‬

‫‪56‬‬
‫أقمت هبا ‪ ،‬و إال رمبا أصحبكم إىل القريوان " مث غاب عنهم لفرتة من الزمن متظاهرا بطلب‬
‫حاجته مث عاد إليهم مدعيا أنه مل جيد ما كان يرغب فيه ‪.1‬‬

‫كانت وجهة أبو عبد هللا الشيعي ومن معه قبيلة كتامة اليت دخلها سنة ‪280‬ه ‪ ،‬و فيها‬
‫سأهلم عن فج األخيار فأرشدوه إليه فقال " و هللا ما مسي هذا الفج إال بكم ‪ ،‬إن للمهدي‬
‫هجرة تنمو عن األوطان يف زمان حمنة و افتنان ‪ ،‬وفيه قوم مشتق امسهم من الكتمان فأنتم‬
‫مع كتامة و خبروجكم من هذا الفج يسمى فج األخيار "‪. 2‬‬

‫أقام أبو عبد هللا مدة يف إيكجان اليت اختذها دار هجرة له و بدأ يف عملية الدعوة و لكن‬
‫بنوع من احلذر يف البداية ‪ ،‬حيث تظاهر أبنه معلم قرآن و كان حيصل من وراء هذه املهنة‬
‫مال و فري مل يكن ينفق منه إال عند الضرورة ‪ ،‬و قد سلك سياسة التدرج يف بث املذهب‬
‫اإلمساعيلي فاستطاع كسب جمموعة من الصدقات مع زعماء القبائل و التفت حوله‬
‫اجملموعات ومن بينهم هارون بن يونس ‪ ،‬و احلسن بن هارون و أبو زاكي متام بن معارك و‬
‫مساهم اإلخوان ‪ ،‬وبعد مجعه للناس ظهر على حقيقته و سارع إىل فرض املذهب‬
‫اإلمساعيلي ‪ ،‬و ابتدأ ذلك مبجرد دخول شهر رمضان حيث أمر إبسقاط صالة الرتاويح‬
‫وانتقد الناس القتدائهم بسنة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يف قيامه رمضان ‪ ،‬و تركهم‬
‫سنة علي بن أيب طالب رضي هللا عنه يف زايدة حي على خري العمل يف اآلذان و قال هلم‬
‫"اعملوا مبذهب أهل البيت و اتركوا الفضول "‪. 3‬‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص‪135‬‬
‫‪ 2‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 48‬‬
‫‪ 3‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪. 136 ،‬‬

‫‪57‬‬
‫و قد قويت شوكت أيب عبد هللا الذي صار يدعوا إىل املهدي الذي يقول أبنه خيرج هذه‬
‫األايم و ميلك األرض ‪ ،‬و له كرامات من إحياء املوتى و رد الشمس من مغرهبا ‪.1‬‬

‫‪ 1‬املقريزي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 348‬‬

‫‪58‬‬
‫العصبية القبلية و التشيع يف بالد املغرب ‪:‬‬

‫قويت شوكة الدعوة اإلمساعيلية بسبب عصبة كتامة ‪ ،‬فأصبح صاحب الدعوة يقوم‬
‫مبجموعة من األعمال تدل على ذلك إذ عمل إىل حماسبة الناس و أتديبهم ابلسيف ‪ ،‬كما‬
‫عمد إىل فبيلة كتامة فقسمها إىل أسباع و جعل على سبع منها عسكرا و قدم عليه مقدما‪،‬‬
‫و أطلق بكل موضع داعيا و مسى املقدمني و الدعاة و املشايخ ‪ ،1‬و نتيجة لقوة العصبية‬
‫الكتامية فقد عمد إىل تسري اجليوش للسيطرة على العديد من املناطق ‪ ،‬فسيطرة على ميلة‬
‫سنة ‪289‬ه ‪ 901/‬م بعد أن قضى على حكم األغالبة فيها و عني عليها أاب يوسف‬
‫ماكنون ‪ ،‬مث دخل سطيف ‪291‬ه‪903/‬م و طبنة ‪393‬ه‪905/‬م و هي من أكرب املدن‬
‫األغلبية و عني عليها حيي بن سليمان ‪ ،‬ومنها توجه إىل بلزمة ‪ ،‬ومنها توجه إىل ابغاية ‪،‬‬
‫ويف سنة ‪296‬ه ‪908/‬م دخل إىل مدينة رقادة عاصمة الدولة األغلبية ‪ ، 2‬و أول ما قام‬
‫ب ه أبطل ذكر اسم اخلليفة العباسي على املنابر ‪ ،‬و هبذا زالت الدولة األغلبية و ابلتايل زوال‬
‫سلطة العباسيني اإلمسية و الفعلية على بالد املغرب ‪ ،‬و قد أمر أبوعبد هللا األئمة على أن‬
‫خيطبوا يوم اجلمعة دون ذكر أحد ‪ ،‬وسك العملة فجعل على الوجه " بلغت حجة هللا " و‬
‫على الظهر " نفرق أعداء هللا " كما أمر أن ينقش على السالح " عدةيف سبيل هللا "‬
‫ووسم يف أفخاذ اخليل " ابمللك هلل " و نقش على خامته " فتوكل على هللا إنك على احلق‬
‫املبني " ‪.3‬‬

‫‪ 1‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬


‫‪ 2‬حممود السيد ‪ :‬اتريخ دول املغرب العريب لبيا تونس اجلزائر موريتانيا ‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬‬
‫‪، 2000‬ص ‪. 151‬‬
‫‪ 3‬الصنهاجي ‪ :‬أخبار ملوك بين عبيد و سريهم ‪ ،‬تح و تعليق جلول أمحد البدوي ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب ‪،‬‬
‫اجلزائر ‪ ، 1984 ،‬ص‪. 20‬‬

‫‪59‬‬
‫و ما دام هناك تقاطع واضح بني الشيعة اإلمساعيلية والعصبية الكتامية ‪،‬فإن شروط قيام‬
‫اإلمامة عند اإلمساعيلية مازالت ّنقصة كون اإلمام أو اخلليفة مازال مغيبا و قد أدركت‬
‫اخلالفة العباسية ذلك فأرسلت إىل الوالة يف خمتلف األقاليم القبض على إمام اإلمساعيلية‬
‫املسترت ‪ ، 1‬وكان هذا سبب يف هروبه يف زي اتجر من السليمية إىل مصر أي وصله كتاب‬
‫من أبو عبد هللا الشيعي يستعجله اجمليء إىل بالد املغرب ‪ ،‬فخرج اإلمام عبيد هللا مع ابنه‬
‫أبو القاسم يريدان بالد املغرب ‪.2‬‬

‫كانت وجهة عبيد هللا املهدي سجلماسة أين سجنه صاحبها اليسع بن مدرار ‪ ،‬فجهز أبو‬
‫عبد هللا جيشا جله من الكتاميني لتحرير اإلمام ‪ ،‬وكان ذلك يف سنة ‪296‬ه‪908/‬م ‪ ،‬و‬
‫يف طريقه حل بتيهرت و دخلها ابألمان و قتل هبا آخر األئمة الرستمية اليقضان بن أيب‬
‫اليقضان ‪ ،‬مث واصل السري إىل سجلماسة وراسل صاحبها على أن ال يقتل اإلمام و ال‬
‫يؤذيه فرد عليه اليسع ردا عنيفا ‪ ،‬فقاتله أبو عبد هللا الشيعي و متكن من إخراج املهدي و‬
‫ابنه من سجنهما ‪ ،‬و ملا وقع بصره عليه خضع بني يديه و بكى من شدة إفراط سروره و‬
‫سارا معا و سلم إليه األمر ‪ ،‬و قال ملن كان معه " هذا هو موالكم ‪ ،‬قد أجنز هللا له وعده‬
‫و أعطاه حقه و أظهر أمره "‪.3‬‬

‫مث رجعا إىل رقادة و اليت دخالها يف ‪297‬ه‪909/‬م و لقيه الناس و الفقهاء ‪ ،‬فدعوا له‬
‫وجددوا له البيعة ‪ ،‬أبمر بذكر امسه يف خطب اجلمعة و ضرب السكة ‪ ،‬ووىل الوالة ‪ ،‬ودون‬

‫‪ 1‬املقريزي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 384‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 385‬‬
‫‪ 3‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 154‬‬

‫‪60‬‬
‫الدواوين وجىب األموال ‪ ،‬و لقب نفسه ابملهدي أمري املؤمنني و بذلك قامت اخلالفة‬
‫الفاطمية يف بالد املغرب ‪.1‬‬

‫بعد قيام الدولة و تثبت دعائم الدولة أقدم املهدي على بعض التصرفات شككت‬
‫الكتاميني يف أصله و مستوى تفكري ‪ ،‬فقد كان عمد إىل األموال اليت مجوعها يف إيكجان‬
‫و أخذها دون استشارهتم ‪ ،‬فبدأت نفوس كبار الكتاميني تتغري و يساورها الشك خاصة و‬
‫أن أب عبد هللا الشيعي شاركهم استيائهم و مل خيف ذلك ‪.2‬‬

‫و كان من كبار الكتامني هارون بن يونس املعروف بشيخ املشايخ ‪ ،‬و يبدوا أن هذا الرجل‬
‫كان يتصور أن عبيد هللا املهدي ال بد أن أييت ابملعجزات ليكون املهدي احلق ‪ ، 3‬فلما‬
‫رأى تصرفه و جشعه إىل املال خاب ظنه ‪ ،‬فصارحه بذلك فهال ذلك على عبيد هللا‬
‫املهدي فأمر بقتله ‪ ،‬و كان ذلك خطأ جسيما منه ألن هذا الرجل كان من دعائم الدولة‬
‫وكان ابإلمكان اسرتضاؤه ‪.4‬‬

‫و أقدم عبيد هللا املهدي على هتميش صاحب دعوته و هو ما حز يف نفسه ‪ ،‬و لذا عمل‬
‫أبوعبد هللا الشيعي على تدبري مؤامرة بعد أن تشاور مع مشايخ كتامة لإلطاحة بعبيد هللا‬
‫املهدي ‪ ،‬و أبدى شكوكا حول إمامته و كان يقول " إن الدعاة ألهل البيت واجب و أن‬
‫اإلمام املهدي حق ‪ ،‬و أن الزمن جمهول عندي ‪ ،‬و كنت ارتبت يف والد عبيد هللا فكيف ال‬

‫‪ 1‬عماد الدين القرشي ‪ :‬عيون األخبار و فنون اآلاثر يف فضائل األئمة األطهار ‪ ،‬تح مصطفى غالب ‪ ،‬السبع‬
‫اخلامس ‪ ،‬دار األندلس للطباعة و النشر و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص‪. 26‬‬
‫‪ 2‬حسني مؤنس ‪ :‬معامل اتريخ املغرب و األندلس ‪ ،‬مكتبة األسرة ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2004 ،‬ص‪. 145‬‬
‫‪ 3‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 310‬‬
‫‪ 4‬علي حسن اخلربوطويل ‪ :‬أب و عبد هللا الش يعي مؤس س الدولة الفاطمية ‪ ،‬املطبعة الفنية احلديثة ‪ ،‬الزيتونة ‪،‬‬
‫ص‪. 65‬‬

‫‪61‬‬
‫يراتب فيه " ‪ ،‬و قد استغل نفور الكتامني من تصرفاته فقال هلم " إن أفعاله قبيحة ‪ ،‬و إنه‬
‫قد يكون أخطأ فيه ‪ ،‬و ليس هو املهدي احلقيقي الذي جاءت به البشائر بسبب ما أظهر‬
‫من أعمال تبعده أن يكون إمام الزمان ومهدي العهد "‪. 1‬‬

‫و قد اجتمع الساخطون على سياسة اخلليفة ابلقرب من مدينة تنس و من احلاضرين‬


‫عروبة بن يوسف و الذي نقل للخليفة عبيد هللا املهدي فحوى االجتماع ‪ ،‬وهو ما دفعه‬
‫إىل اختاذ اإلجراءات الالزمة إلحباط املؤامرة و التخلص من مدبري الفتنة ‪ ، 2‬فأمر كل من‬
‫عروبة بن يوسف و جرب بن مناسب بقتل أبو عبد هللا الشيعي و أخوه أبو العباس ‪ ، 3‬فوقفا‬
‫هلما عند القصر فلما مر الشيعي و أخوه خرج عليهما فصاح أبو عبد هللا بعروبة ‪ :‬ال تفعل‬
‫اي ولدي ‪ ،‬فقال له عروبة أمرين بقتلك من أمرت الناس بطاعته ‪ ،‬مث أمر عبيد هللا املهدي‬
‫بدفنهما و قال " رمحك هللا أاب عبد هللا و أجازك يف اآلخرة بقدمي سعيك ‪ ،‬و ال رمحك هللا‬
‫أاب العباس فقد صددته عن السبيل و أوردته مورد اهلالك "‪.4‬‬

‫ورغم ما حدث من بني الدولة الفاطمية و قبيلة كتامة إال أن الفاطميني حاولوا إعادة بناء‬
‫الثقة املنهارة بينهم و بني الكتاميني ولذلك عملت اخلالفة الفاطمية منح زعمائها إمتيازات‬
‫خاصة‪،‬حيث قلدت بعض قادهتا مناصب عسكرية وإدارية يف الدولة وأقطعتهم أراضي‬
‫واسعة "‪...‬وخرجوا من احللية اليت كانوا عليها‪ ،‬واتسعت مواهلم ‪ ،‬وكثرت نعمهم ملا أصابوا‬

‫‪ 1‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 161‬‬


‫‪ 2‬سعد زغلول عبد احلميد ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪. 66‬‬
‫‪ 3‬ابن األثري ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص‪. 462‬‬
‫‪ 4‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 164‬‬

‫‪62‬‬
‫من األعمال وملكوا من البلدان ‪ ،‬وأجرى عليهم املهدي مع ذلك الصالت وأصبغ عليهم‬
‫العطاء "‪.1‬‬

‫وحىت بعد إنتقال الفاطميني إىل مصر فقد حرصوا على إبقاء هيبة قوية لكتامة أبن ولوها‬
‫على ورفعوا عنها الضرائب السرتضائها من جهة ‪،‬وكي تكون هلم عينا على الصنهاجيني من‬
‫‪2‬‬
‫جهة طرابلس أخرى‬

‫واألسلوب عينه إستخدمته اخلالفة الفاطمية الستمالة قبيلة صنهاجة‪ ،‬السيما أهنا كانت يف‬
‫أمس احلاجة خلدماهتا يف ظل الظروف العصيبة اليت مرت هبا يف أثناء ثورة " صاحب‬
‫احلمار"‪ ،‬واهليبة الكبرية اليت صارت تتمتع هبا هذه القبيلة ‪،‬فوجد فيها الفاطميون بديال عن‬
‫كتامة اليت استرتفت احلروب كثريا من أفرادها زايدة على كوهنا غري مأمونة اجلانب فحاولوا‬
‫إستثمار قوهتا لبسط نفوذهم على اجلهة الغربية لبالد املغرب ‪.‬‬

‫و رمبا اختلفت عصبية صنهاجة عن عصبية كتامة يف عالقتها مع الدولة الفاطمية إذ مل تقم‬
‫ولو حبركة مترد واحدة ضدهم وبدت كتلة منسجمة حمكمة البنيان‪ ،‬على عكس كتامة اليت‬
‫كثرت قالقلها مما عزز مكانة صنهاجة على حساهبا ‪.3‬‬

‫وقد عرفت قبيلة صنهاجة طرق التقرب من الدولة الفاطمية فأصبح التقاطع واضحا بني‬
‫الشيعة و العصبية الصنهاجية ‪ ،‬حيث استعمل الفاطميون الصنهاجيني للقضاء أو احلد من‬
‫‪4‬‬
‫اخلطر الزّنيت الذي كان يهدد الدولة الفاطمية و من مث تقويض اخلطر األموي‬

‫‪ 1‬القاضي النعمان ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 305‬‬


‫‪ 2‬املقريزي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ 1‬ص‪. 354‬‬
‫‪ 3‬ابن األثري ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 164‬‬
‫‪ 4‬نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص‪.47‬‬

‫‪63‬‬
‫وزادت مكانة قبيلة زّنتة نفوذا داخل الدولة الفاطمية بعد أن شارك الصنهاجيون إىل جانب‬
‫الفاطميون أثناء ثورة صاحب احلمار و الذي كاد أن يقضي على الدولة الفاطمية ‪ ،‬حيث‬
‫أبلى الصنهاجيون البالء احلسن يف هذه الثورة وكان هلم الفضل يف فك احلصار عن املهدية‪،‬‬
‫إذ أرسل زيري بن مناد ألف محل من احلنطة مصحوبة مبائيت فارس ورسمائة من عبيده ‪،1‬‬
‫كما شارك زيري بن مناد على رأس رسمائة من جنده يف مطاردة فلول أيب يزيد النكاري‬
‫حىت متكنوا من القبض عليه قرب قلعة كيانة سنة‪336‬ه ‪947/‬م‪ ،‬فنقل إىل القريوان ونكل‬
‫به وحشي جسده قشا مث صلب ‪.2‬‬

‫و كرد فعل عن ما قام به الصنهاجيون عمد اخلليفة الفاطمي إىل تكرميهم وتبجيلهم ونزل‬
‫إمساعيل يف طرف صنهاجة ‪...‬مث توجه إىل حائط محزة‪ ،‬فرتل هناك وفرق األرزاق وأجزل‬
‫العطااي‪ ،‬ووصل إليه زيري بن مناد يف عساكر صنهاجة فوصله وفضله وخلع عليه ثيااب كثرية‬
‫من لباس وأعطاه من الطيب والطرائف امللوكية ما ال حييط به الوصف وال حييطه‬
‫‪3‬‬
‫احلصر‪"...‬‬

‫ومن خالل ما عرضنا ميكن لنا أن نلحظ أن الشيعة اإلمساعيلية ارتكزت يف قيامها على‬
‫العصبية الكتامية و اليت لعبت دورا رئيسا يف مرحلة الدعوة ‪ ،‬غري أن مكانة هذه القبيلة‬
‫بدئها صيتها أيفل بسبب التهميش الفاطمي و بسبب الفنت اليت قام هبا الكتاميون ‪ ،‬و من‬
‫مث حبث الفاطميون عن عصبية جديدة ميكنها أن حتل حمل الكتاميني ليتمكنوا من خالهلا‬
‫احملافظة على تواجدهم يف بالد املغرب فلجأوا إىل الصنهاجني و الذين قدموا للدولة‬

‫‪ 1‬الصنهاجي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 27‬‬


‫‪ 2‬عماد الدين القرشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 468‬‬
‫‪ 3‬ابن محاد ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 29-27‬‬

‫‪64‬‬
‫خدمات جليلة منها القضاء على أكرب مترد عرفته الدولة و الذي كاد أن يقوض أركان‬
‫الدولة ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫املذهب املالكي يف بالد املغرب ‪:‬‬

‫ينسب هذا املذهب كما هو معروف إىل اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬الذي تنحدر أصوله‬
‫من اليمن ‪ ،‬ولد املدينة املنورة سنة ‪93‬ه ‪711/‬م ‪ ،‬أخذ اإلمام مالك العلم ابملدينة املنورة‬
‫اليت مل يغادرها‪.1‬‬

‫و قد أخذ العلم عن جمموعة من علماء املدينة ‪،‬يبدو أن هذه اجملموعة من الفقهاء كان هلم‬
‫الفضل يف تكوين البيئة الثقافية اليت تبلور من خالهلا منهج الفقه املالكي‪ ،‬فمالك يعد‬
‫وريث علم الصحابة والتابعني‪ ،‬واتبعي التابعني‪ ،‬فهو وريث حديث رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪2‬واملستودع املخزن فيه علم الصحابة والتابعني‪ ،‬لذلك متسك مالك بفتوى األثر‬
‫وعمل أهل املدينة‪ ،‬ألهنم هم الذين أخذوا الفقه عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ونقلوه إىل‬
‫أبنائهم ‪ ،‬من هذا املنطلق يعترب مالك وأنصاره املدينة من أفضل بقاع األرض علما و‬
‫فقها‪.3‬‬

‫عرف عن اإلمام مالك عنايته الشديدة يف تلقي العلم وتدوينه إذ حرص على أن حيفظ كل‬
‫ما يسمعه من شيوخه رغم هذا كله فإنه مل جيلس للتدريس والفتيا حىت شهد له أهل العلم‬
‫بذلك ‪ ،4‬فقد أصبح ينافس يف ذلك الذين أخذ عنهم العلم‪ ،‬فقد ورد عند ابن خلكان‬
‫أن مالك ذكر هبذا الصدد قوله‪" :‬قل رجل كنت أتعلم منه ما مات حىت جييئين و يستفتيين‬

‫‪ 1‬القاضي عياض ‪ :‬ترتيب املدارك وتقريب املسالك ملعرفة أعامل مذهب مالك‪ ،‬تح حممد الطنجي ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬وزارة‬
‫األوقاف و الشؤون اإلسالمية ‪ ،‬اململكة املغربية ‪ ، 1983 ،‬ص‪109-108‬‬
‫‪ 2‬الزرقاين ‪ :‬شرح الزرقاين علي موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ج‪ ، ،1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪ ،2004‬ص‪5.‬‬
‫‪ 3‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 40‬‬
‫‪ 4‬نفسه ‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪66‬‬
‫" ‪ ،1‬لذلك عرف عند املرتمجني له إبمام األئمة ‪ ،‬وهو من أوائل أعالم ذلك الزمان‪ ،‬من‬
‫أجل ذلك كثر اإلقبال عليه من طلبة العلم ينهلون من علمه حىت اجتمع له من طالب‬
‫العلم ما مل جيتمع لغريه‪.2‬‬

‫أصول املذهب املالكي ‪:‬‬

‫يقوم مذهب اإلمام مالك على جمموعة من األصول وهي أتيت مرتبة على الشكل التايل ‪:‬‬

‫‪ -‬القرآن الكرمي‬
‫‪ -‬السنة النبوية الشريفة مع صحة السند‬
‫‪ -‬اإلمجاع و هو إمجاع فقهاء األمة‬
‫‪ -‬عمل أهل املدينة و فتاوى الصحابة‬
‫‪ -‬القياس‬
‫‪ -‬الرأي و يدخل حتته املصاحل املرسلة ‪ ،‬االستحسان ‪ ،‬العرف ‪ ،‬سد الذرائع ‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن خلكان ‪ :‬ج‪ ، 4‬ص‪. 135‬‬


‫‪ 2‬عمر اجليدي ‪ :‬حماضرات يف اتريخ املذهب املالكي يف الغرب اإلسالمي ‪ ،‬منشورات عكاظ ‪ ،‬الرابط ‪، 1987 ،‬‬
‫ص‪. 16‬‬

‫‪67‬‬
‫انتقال املذهب املالكي إىل بالد املغرب ‪:‬‬

‫انتشر املذهب املالكي يف بالد املغرب نتيجة ألسباب منها ‪:‬‬

‫شخصية صاحب املذهب نفسه‪ .‬ملا عرف عنه من متسكه ابلسنة وحماربة البدعة‪ .‬وتشبثه‬
‫التام آباثر الصحابة و التابعني و استجماعه ادوات االمامة‪ ...‬وهذا ما دفع الناس اىل ان‬
‫يقدروا علمه‪ .‬وينقادوا لفكره‪ .‬ويقتنعوا ابن مذهبه اوىل ابالقتداء و االتباع ‪ .‬ألنه اقرب اىل‬
‫روح الشريعة من سائر فقهاء الشام و العراق وغريمها من االمصار االخرى‪ .‬اضافة اىل ثناء‬
‫الناس عليه واعجاهبم حبسن سريته‪ ،‬و موطن نشأته و استقامة سلوكه وجديته و اخالصه يف‬
‫بذل العلم ‪ .‬والتزامه الصارم ابتباع نصوص الكتاب و السنة و القياس الواضح فما من‬
‫مسالة عرضت عليه اال والتمس هلا حال يف الكتاب و السنة فان مل جيد ذهب اىل القياس‬
‫الصحيح فاذا مل جيذ اعتذر عن االفتاء و احلكم واكتفى جبملته احملببة " لديه ال ادري "‬

‫ولألثر الوارد يف شأن عامل املدينة الذي محله بعض العلماء عليه وهو قوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬يوشك ان يضرب الناس اكباد االبل يف طلب العلم ‪ ،‬فال جيدون عاملا اعلم من‬
‫عامل املدينة"‪.1‬‬

‫ومن أسباب االنتشار طلبة اإلمام مالك حيث انطلق املذهب املالكي من احلجاز يف‬
‫اآلفاق حيمله تالمذة اإلمام مالك‪ ،‬إىل أطراف العامل اإلسالمي‪ ،‬ومنها إفريقية من أرض‬
‫املغرب‪ ،‬اليت تكونت فيها أقوى وأكرب املدارس املالكية يف الغرب اإلسالمي‪ ،‬واليت سيكون‬
‫هلا الدور الرايدي فيما بعد يف التصدي للمد الشيعي الفاطمي منطقة إفريقية وسائر بالد‬

‫‪ 1‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 65‬‬

‫‪68‬‬
‫املغرب‪ ،‬وحتقيق االنتصار النهائي عن طريق الطلبة املغاربة الذين كان مالك شديد امليل‬
‫إليهم‪ ،‬ملا ملسه فيهم من استعداد جاد‪ ،‬وحرص على اإلتباع وحسن االقتداء‪ ،‬فأقبل عليهم‬
‫بكليته‪ ،‬واهتم بتلقينهم فقهه ‪.1‬‬

‫و قد عاد طلبة بالد املغرب من رحلتهم العلمية‪ ،‬فأخذوا ينشرون مذهب مالك ويف‬
‫مقدمتهم على بن زايد التونسي‪ ،‬الذي كان أسبقهم‪ ،‬وأكثر أتثريا من غريه يف نشر هذا‬
‫املذهب‪ ،‬حىت ليقال‪ :‬إن الفضل يف نشر املذهب املالكي يف تونس يعود إليه ابلدرجة‬
‫األوىل‪ ،‬ويف هذا يقول الشيخ حممد النيفر "وهذه املدرسة اليت وضع لينتها على بن زايد وهي‬
‫مدرسة مالك بن أنس‪ ،‬فهو الذي أدخل مذهبه هذه الداير املغربية وعرف به وشرحه‬
‫للناس‪ ،‬وبني قواعده حىت اقتنعت به األفكار‪ ،‬ومل جيتدهبا إليه بسلطان وال نفوذ‪ ،‬ورأي‬
‫النيفر هذا يؤيد ما ذهب إليه عياض يف املدارك‪ ،‬فقد قال يف حق على بن زايد هذا إنه‬
‫"أول من فسر ألهل املغرب قول مالك ومل يكونوا يعرفونه‪ ،‬وقد كان دخل احلجاز والعراق‬
‫يف طلب العلم‪ ،‬وهو معلم سحنون الفقه" غري أن زايدا هذا مل يكن له من الطالب من‬
‫حيمل علمه‪ ،‬كما كان الشأن ابلنسبة لغريه‪ ،‬لذلك ضاع علمه وانقطع أثره مباشرة بعد‬
‫موته‪ ،‬فلم يهتم به الباحثون وينشروا خربه ويشيعوا سريته بني الناس‪ ،‬رغم ما كان له من‬
‫سيق يف نشر املذهب املالكي‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬وتبيني مزاايه هلم‪ ،‬يدل لذلك ما ذكره تلميذه‬
‫سحنون عندما قال‪" :‬لو كان لعلي بن زايد من الطلبة ما للمصريني ما فاقه منهم أحد‪ ،‬وما‬
‫عاشره منهم أحد"‪.2‬‬

‫‪ 1‬عمر اجليدي ‪ :‬حماربة املذهب املالكي يف املغرب ‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪ ،‬العدد‪، 225‬منشورات وزارة األوقاف ‪،‬‬
‫اململكة املغربية ‪ ، 1982،‬ص‪. 70‬‬
‫‪ 2‬عمر اجليدي ‪ :‬اجلذور األوىل للمذهب املالكي يف املغرب ‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪ ،‬العدد‪، 237‬منشورات وزارة‬
‫األوقاف ‪ ،‬اململكة املغربية ‪ ، 1989،‬ص‪. 122‬‬

‫‪69‬‬
‫أيضا األخالق الطيبة اليت يتمتع هبا الفقهاء واألعالم الذين نشروا‬
‫ومن عوامل اإلنتشار ً‬
‫املذهب املالكي فكانوا ميثلون أسوة حسنة للمغاربة؛ ابإلضافة إىل أن اقتصار بعض‬
‫الوظائف الدينية عليهم‪ ،‬جعلتهم جيتهدون يف أتليف املصنفات حول هذا املذهب‪ .‬وقد‬
‫أيضا على انتشار املذهب املالكي أتييد أمراء األغالبة ورجال احلكم له وذلك عن‬‫ساعد ً‬
‫طريق تعيني أبرز فقهائه يف املناصب الدينية واإلدارية املختلفة‪.1‬‬

‫و هناك من يعترب مالءمة مذهبه لطبيعة املغاربة سببا من أسباب االنتشار وذلك ان املذهب‬
‫املالكي‪ -‬كما هو معروف عنه‪ -‬مذهب عملي يعتد ابلواقع وأيخذ أبعراف الناس‬
‫وعاداهتم ففقهه عملي اكثر منه نظري يتمشى مع طبيعة الفطرة يف بساطتها ووضوحها دون‬
‫تكلف او تعقيد واهل املغرب بطبعهم مييلون إىل البساطة و الوضوح و يفرون من النظرايت‬
‫املتطرفة والتأويالت البعيدة املتكلفة فمذهبه خال من تداخل اآلراء وظل بعيدا عن‬
‫الشوائب اليت تسربت اىل الدين يف االمصار االخرى نتيجة اختالف الناس‪ ،‬ابختالف‬
‫مذهبهم و انظمتهم السياسية و الفكرية والعقيدية فبقي مذهبه سليما نقيا من كل ذلك‪...‬‬
‫فرتىب يف نفوسهم نفور من كل ختريج او أتويل ّنظرين اىل كل احنراف حنو التأويل و‬
‫التخريج‪ .‬و التفسري البعيد كانه خروج عن االسالم احلق ومن مث ابتعدوا عن اصحاب‬
‫الرأي و مل يقبلوا على مذهب ايب حنيفة وغريه‪ ،‬وألن بالدهم لقيت من املتاعب و االهوال‬
‫بسبب اصحاب اآلراء و التأويالت من دعاة اآلراء املتطرفة واالفكار الشاذة ما جعلهم‬
‫يوقنون ان الدين امنا هو القرآن و السنة وال شيء بعد ذلك ‪ ،‬زايدة منهم يف احلرص على‬

‫‪ 1‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫‪70‬‬
‫دينهم ‪ ،‬و التمسك أبصوله خوفا من االنزالق يف مهاوي الضالالت ومن مث وضعوا املعتزلة‬
‫و اخلوارج يف كفة الزّندقة وانتقدوا األحناف وجاهروهم ابلعداء الصريح ‪.1‬‬

‫ومن أسباب االنتشار أيضا تشابه البيئة يف كل من احلجاز و املغرب وهذا الراي ذهب‬
‫اليه العالمة ابن خلدون الذي يرى ان البداوة كانت غالبة على اهل املغرب و االندلس‪ .‬ومل‬
‫يكونوا يعانون احلضارة اليت ألهل العراق‪ ،‬فكانوا اىل اهل احلجاز أميل ملناسبة البداوة وهلذا‬
‫مل يزل املذهب امللكي غضا عندهم ومل أيخذه تنقيح احلضارة و هتذيبها كما وقع يف غريه‬
‫من املذاهب‪.2‬‬

‫ومن أسباب االنتشار رحلة املغاربة اىل احلجاز غالبا ويف هذا يقول ابن خلدون واما‬
‫مذهب مالك رمحه هللا تعاىل فاختص مبذهبه اهل املغرب و االندلس وان كان يوجد يف‬
‫غريهم اال اهنم مل يقلدوا غريه اال يف القليل ملا ان رحلتهم كانت غالبا يف احلجاز وهو‬
‫منتهى سفرهم واملدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج اىل العراق وشيخهم يومئذ و امامهم‬
‫مالك بن انس وشيوخه من قبله وتالميذه من بعده فرجع اليه اهل املغرب و االندلس‬
‫وقلدوه دون غريه ممن مل تصل اليهم طريقته "‪.3‬‬

‫وهناك راي للعالمة ابن حزم يذهب فيه اىل ان سبب انتشار مذهب مالك يرجع اىل نفوذ‬
‫احلكام وسلطاهنم فيقول " مذهبان انتشرا ابلرايسة و السلطان مذهب ايب حنيفة فانه ملا‬
‫ويل القضاء ابو يوسف كانت القضاة من قبله يف اقصى املشرق اىل اقصى عمل افريقية‬

‫‪ 1‬املالكي ‪ :‬رايض النفوس يف طبقات علماء القريوان وإفريقية و زهادهم و نساكهم و سري من أخبارهم و فضائلهم‬
‫وأوصافهم ‪ ،‬تح البشري بكوش ‪ ،‬مراجعة حممد العروسي املطوي ‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪، 1994‬ص ‪10‬‬
‫‪ 2‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪،‬ص‪. 245‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 245‬‬

‫‪71‬‬
‫فكان ال يويل اال اصحابه و املنتسبني ملذهبه ومذهب مالك عندّن ابألندلس فان حيىي بن‬
‫حيىي كان مكينا عند السلطان مقبوال يف القضاء‪ ،‬وكان ال يويل قاض من أقطار االندلس‬
‫اال مبشورته و اختياره وال يشري اال أبصحابه‪ ،‬ومن كان على مذهبه و الناس سراع اىل‬
‫الدنيا فاقبلوا على ما يرجون بلوغ اغراضهم به‪ ،‬على ان حيي مل يل قضاء قط وال اجاب اليه‬
‫وكان ذلك زائدا يف جاللته عندهم و داعيا اىل قبول رايه لديهم"‪.1‬‬

‫‪ 1‬احلميدي ‪ :‬جذوة املقتبس يف اتريخ علماء األندلس ‪،‬تح بشار عواد معروف ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بريوت‬
‫‪ 2008،‬ص‪.383‬‬

‫‪72‬‬
‫صراع املالكية مع الشيعة و املوحدين ‪:‬‬

‫حاض املالكية الكثري من الصرعات ضد مناوئيهم يف املذهب و خاصة الذين كانوا يرون‬
‫أهنم خارجني عن الدين كالشيعة ‪.‬‬

‫تفنن الشيعة يف اقتباس اساليب نشر مذهبهم يف بالد املغرب ومن ذلك أهنم اعتمدوا‬
‫يف بداايهتم على نشر مذهبهم ابلدعوة أو ما ميكن أن نصطلح عليه ابلطريقة السلمية ‪ ،‬و‬
‫استغلوا يف ذلك حب املغاربة آلل البيت من جهة ‪ ،‬و طيبتهم و سذاجة وقلة علمهم من‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬غري أنه ومبجرد اكتساب الشيعة للقوة و األتباع حتولوا إىل استعمال طرق‬
‫جديدة يف نشر مذهبهم منها ‪:‬‬

‫استعمال القوة‪ :‬و بدأ تطبيق هذا األسلوب مباشرة بعد سيطرهتم على القريوان ‪ ،‬وما‬
‫إن توجه أبو عبد هللا الشيعي إىل سجلماسة لتخليص عبيد هللا املهدي من األسر قام أخوه‬
‫أبو العباس ابضطهاد فقهاء القريوان و تعذيب بعضهم و قتل البعض اآلخر منهم ‪ ،‬و قد‬
‫أاثر هذا العمل حفيظة أهل القريوان و دفع أاب عبد هللا الشيعي إىل التدخل معيبا على‬
‫أخيه هذا التصرف قائال " لقد أفسدت علينا أمر البلد و أهله ما كانت بنا حاجة إىل‬
‫إصالحه " ‪.1‬‬

‫مث تطور األمر إىل حماولة ضرب أصول الدين و زعزعة عقيدة أهل بالد املغرب ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ادعاء اخلليفة الفاطمي عبيد هللا املهدي للنبوة ‪ ،‬وهذا ما نقلته لنا كتب الرتاجم‬
‫املالكية حيث حتدث عن حمنة العلماء املالكية جراء رفضهم هلذا ‪ ،‬ومن ذلك أن عبيد هللا‬
‫املهدي أمر من حيضر له الفقيهان؛ ابن الربذون و ابن هذيل‪ ،‬وحينما وصال وجداه‬
‫مستلقيا على سرير وعن ميينه صاحب دعوته أبو عبد هللا الشيعي و عن يساره أخوه أبو‬

‫‪ 1‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 155‬‬

‫‪73‬‬
‫العباس فقال هلما أبو عبد هللا و أبو العباس أتشهدان أن هذا رسول هللا و أشارا إىل عبيد‬
‫هللا ‪ ،‬فأجااب بلفظ واحد‪ :‬و هللا الذي ال إله إال هو لو جاء هذا و الشمس عن ميينه و‬
‫القمر عن يساره يقوالن أنه رسول هللا ما قلنا إنه رسول هللا ‪ ،‬فأمر عبيد هللا بذحبهما و‬
‫ربطهما إىل أذّنب اخليل ‪. 1‬‬

‫و مل تكن هذه احلادثة الوحيدة اليت ادعى فيها عبيد هللا املهدي النبوة ‪ ،‬بل حاول أن‬
‫يثبت ذلك من خالل مناظرته للفقيه سعيد بن احلداد وفيها نفى أن يكون حممد صلى هللا‬
‫عليه و سلم خامتا للنبيني مستدال يف ذلك بقوله تعاىل " و لَ ِكن رس َ ِ‬
‫ني "‬‫ول اّلل و َخ َامتَ النَبِي َ‬ ‫َْ‬
‫‪ 2‬و قال خامت النبيني غري رسول هللا ‪ ،‬فرد عليه الفقيه سعيد بن احلداد بقوله هذه الواو‬
‫ليست من واوات االبتداء و إمنا هي من واوات العطف كقوله عز وجل " ه َو األ ََول و‬
‫اطن و ه َو بِك ِل َشيء َعلِيم " ‪ 3‬فهل من أحد يوصف هبذه الصفات‬ ‫اآلخر و الظ ِ‬
‫اهر و الب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غري هللا عز و جل ‪. 4‬‬

‫و بعد ادعاء اخللفاء الفاطميون للنبوة سكت خليفتهم الرابع املعز لدين هللا الفاطمي‬
‫على إقدام الشاعر ابن هانئ األندلسي على أتليهه يف قصيدة مطلعها ‪:‬‬

‫فاحكم فأنت الواحد القهار ‪.‬‬ ‫ما شئت ال ما شاءت األقدار‬

‫و يكون سبب عرضنا هلذه الشواهد التارخيية‪ ،‬اليت سعى من خالهلا الفاطميون‬
‫ضرب عقيدة أهل بالد املغرب و توطيد مذهبهم ‪ ،‬هو أنه من تعدى على احلرمات و‬

‫‪ 1‬املالكي ‪:‬رايض املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ، 49‬الدابغ ‪ :‬معامل اإلميان يف معرفة أهل القريوان ‪،‬حممد األمحدي أبو‬
‫النور ‪،‬حممد ماضور ‪ ،‬ج‪، 2‬مكتبة اخلاجني مصر ‪ ،‬املكتبة العتيقة تونس ‪ ،‬ص‪263‬‬
‫‪ 2‬األحزاب اآلية ‪40‬‬
‫‪ 3‬احلديد االية ‪. 3‬‬
‫‪ 4‬املالكي ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 62‬الدابغ ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪300‬‬

‫‪74‬‬
‫ادعى النبوة و من قبل أن يوصف بصفات الربوبية من دون حرج‪ ،‬فإنه سيقدم على السب‬
‫و القدح و اللعن يف أصحاب و زوجات النيب صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫وقد اعترب السب و اللعن من الوسائل اليت استعملها الفاطميون ‪ ،‬و قد مشل السب و‬
‫اللعن الرسول صلى هللا عليه وسلم و زوجاته و كل الصحابة رضوان هللا عليهم ابستثناء‬
‫علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ‪ ،‬و قد كان السب يف بدايته خمصوصا ببعض أصحاب‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن الذين مشلهم ذلك اخلليفة األول أبو بكر الصديق‬
‫حيث أهنم كانوا يعتقدون أبن عليا بن أيب طالب رضي هللا عنه أفضل منه حيث أقدم بعض‬
‫علماء الشيعة على مناظرة الفقهاء املالكية إلثبات ذلك‪ ،‬و كانوا من خالل ذلك يسعون‬
‫إىل إثبات أن اخلمسة أصحاب الكساء أفضل من غريهم ‪ ،‬و املقصود ابخلمسة أصحاب‬
‫الكساء ‪ ،‬النيب صلى هللا عليه و سلم و علي بن أيب طالب و احلسن و احلسني وفاطمة و‬
‫و كان الشيعة يطعنون على أيب بكر يف سؤاله لعلي عن‬ ‫يعين غريهم هو أبو بكر‪، 1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬وقد حاولنا أن نبحث هل كالم الشيعة صحيح حول هذه‬ ‫فرض اجلدة يف املرياث‬
‫القضية فوجدّن أن من أشار على أيب بكر يف فرض اجلدة هو املغرية بن شعبة وأيده حممد‬
‫بن مسلمة األنصاري ‪ ، 3‬ومن الصور اليت حتامل فيها علماء الشيعة على أيب بكر الصديق‬
‫يف تفسري قوله تعاىل " َال َْحتَز ْن إِ َّن هللاَ َم َعنَا" ‪ 4‬داللة على أن حزنه كان مسخوطا ألن النيب‬
‫صلى هللا عليه و سلم قد هناه عنه ‪. 5‬‬

‫‪ 1‬الدابغ ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 298‬‬


‫‪ 2‬املالكي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪. 87‬‬
‫‪ 3‬مالك بن أنس ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬
‫‪ 4‬التوبة اآلية ‪40‬‬
‫‪ 5‬املالكي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 79‬‬

‫‪75‬‬
‫أما طعنهم على عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فقد اهتموه أبنه توىل يوم الزحف يف‬
‫معركة حنني ‪ ،‬و سبب ذلك أن أحد علماء الشيعة ذكر جزءا من احلديث النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم " أقضاكم علي " فذكر الفقيه املالكي سعيد بن احلداد احلديث كامال "‬
‫أقضاكم علي و أعلمكم حبالل هللا و حرامه معاذ و أرأفكم أبو بكر ‪ ،‬و أشدكم يف دين هللا‬
‫عمر " فقال الشيعي كيف يكون أشدهم يف دين هللا و قد فر ابلراية يوم حنني ‪ ، 1‬كما‬
‫يعتقدون أن عمر بن اخلطاب قد ابتدع يف الدين ملا سن صالة الرتاويح ‪.2‬‬

‫و أما عن عائشة أم املؤمنني رضي هللا عنها فقد حتدثت الشيعة ابإلفك رغم أن هللا‬
‫سبحانه و تعاىل برأها منه من فوق سبع مساوات ‪ ،‬كما أهنم حاولوا أن يثبتوا أن فاطمة بنت‬
‫النيب صلى هللا عليه و سلم أفضل من عائشة رضي هللا عنها ‪ ، 3‬كما أهنم جهروا بلعنها‬
‫ومن ذلك أن الشيعة نصبوا حسن األعمى السباب يف األسواق يقول " العنوا عائشة و‬
‫بعلها ‪ ،‬و العنوا الغار و ما حوى "‪.4‬‬

‫‪ ، 1‬املالكي ‪:‬املصدر نفسه ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 79‬الدابغ ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪305‬‬
‫‪ 2‬الدابغ ‪ :‬املصدر نفسه ج‪ ، 2‬ص ‪.301‬‬
‫‪ 3‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪160‬‬
‫‪ 4‬مشس الدين الذهيب ‪ :‬اتريخ اإلسالم ووفيات املشاهري و األعالم ‪ ،‬تح عمر عبد السالم تدمري ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج ‪، 25‬‬
‫دار الكتاب اللبناين ‪ ،‬بريوت ‪ ، 1987 ،‬ص ‪. 31‬‬

‫‪76‬‬
‫‪-3‬موقف الفقهاء املالكية من سياسة الشيعة ‪:‬‬

‫مل يقف الفقهاء املالكية مكتويف األيدي أمام هذا املنكر الشنيع الذي أحدثه الشيعة‬
‫يف بالد املغرب‪ ،‬بل تصدوا له و بطرق خمتلفة منها ‪:‬‬

‫‪-1‬املقاومة السلبية ‪:‬‬

‫و متثلت هذه املقاومة يف مقاطعة كل ما له عالقة ابلتشيع ‪ ،‬ووصل احلد هبم إىل‬
‫مقاطعة صالة اجلمعة ‪ ،‬ملا كان حيدث فيها من لعن للصحابة على املنابر‪ ،‬ومن ذلك أن‬
‫الفقيه جبلة بن حممود ملا حضر أول مجعة للفاطميني يف جامع القريوان و مسع فيها ما ال‬
‫جيوز مساعه قام قائما و كشف عن رأسه حىت رآه الناس و مشى من املنرب إىل آخر الباب ‪،‬‬
‫و الناس ينظرون إليه وهو يقول قطعوها قطعهم هللا ‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم قطع العلماء حضور‬
‫مجعهم وهو أول من نبه إىل ذلك ‪ ، 1‬وهذا املوقف من الفقيه جبلة بن حممود من األعمال‬
‫اجلليلة فهو أراد أن ينبه العامة إىل املنكر الذي أحدثه الفاطميون‪ ،‬فكشف عن رأسه كي‬
‫تعرفه العامة ومن مث تقتدي به يف ما قام به من مقاطعة صالة اجلمعة اليت يلعن و يسب‬
‫فيها أصحاب رسول هللا ‪.‬‬

‫و قد كان من نتائج هذا العمل أن قاطعت العامة حضور اجلمع اليت كانت مناسبة‬
‫و لعن الصحابة رضوان هللا عليهم ‪.2‬‬ ‫لسب‬

‫وهناك من العلماء من اكتفى ابلدعاء على الفاطميني ومن ذلك ما كان يقوم به أبو‬
‫إسحاق السبائي الزاهد؛ الذي كان إذا رقى رقية يقول بعد قراءة الفاحتة وسورة اإلخالص‬

‫‪ ، 1‬املالكي ‪ :‬املصدر السابق ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 43‬القاضي عياض ‪:‬املصدر السابق ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 516‬الدابغ‬
‫‪:‬املصدر السابق ج‪ ، 2‬ص ‪273‬‬
‫‪ 2‬ابن عذارى املراكشي ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪277‬‬

‫‪77‬‬
‫واملعوذتني ‪ :‬وببغضي يف عبيد هللا وذريته‪ ،‬وحيب يف نبيك وأصحابه وأهل بيته أشف كل من‬
‫رقيته ‪ ، 1‬وكذلك ما كان يقوم به الفقيه أبو عبد هللا بن اسحاق املعروف اببن التبان من‬
‫كثري الدعاء عليهم بقوله اللهم العنهم ما أقام أمرهم وما صرفه ‪ ،‬علق اللعنة عليهم كتعليق‬
‫‪2‬‬
‫القالئد يف أعناق الوالئد‬

‫ومن مظاهر املقاومة السلبية مقاطعة كل من يسري يف ركب السلطان واعتزاله ‪ ،‬وكل‬
‫من كانت له صلة هبذا السلطان ‪ ،‬أو سعى إىل تربير وجوده ‪ ،‬عمالً بقوله تعاىل ‪َ " :‬ال ًِجتد‬
‫ؤمنون ِابهللِ والي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر ي َوادو َن َم ْن َح َّاد هللاَ َورسولَه َولَ ْو َكانوا ءَ َاابءَهم أ َْو أَبْنَاءَهم أ َْو‬ ‫قَوماً ي ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫إِ ْخ َوانَهم أ َْو َع ِش َريتَهم "‪ .3‬حيث قام فقهاء القريوان على خلف بن أيب القاسم الرباذعي‬
‫لصلته مبلوك بين عبيد وقبوله هداايهم ‪ ،‬وأتليفه كتااب يف تصحيح نسبهم‪ ،‬وزادت النقمة‬
‫عليه عندما وجدوا خبطه الثناء على بين عبيد متمثالً ببيت احلطيئة ‪:‬‬
‫أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ٭ وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا‬
‫لذلك كله أفىت فقهاء القريوان بطرح كتبه ‪ ،‬وعدم قراءهتا ‪ ،‬وإزاء ذلك اضطر هو إىل اهلجرة‬
‫إىل صقلية ‪ ،‬حيث حصلت له حظوة كبرية عند أمريها ‪. 4‬‬

‫‪-2‬املقاومة العسكرية ‪:‬‬

‫تعد املقاومة العسكرية من بني السبل اليت واجه هبا املغاربة الغطرسة السياسية و‬
‫التجرؤ الفاطمي على الصحابة و أمهات املسلمني ابلسب و اللعن ‪ ،‬و نستدل على ذلك‬

‫‪ 1‬إبراهيم التهامي ‪ :‬جهود علماء املغرب يف الدفاع عن عقيدة السنة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪1426،‬ه‬
‫‪ ، 2005‬ص ‪324‬‬
‫‪ 2‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪162‬‬
‫‪ 3‬اجملادلة اآلية ‪21‬‬
‫‪ 4‬ابراهيم التهامي ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪324‬‬

‫‪78‬‬
‫مبا قام به الفقيه املالكي جبلة بن حممود بعد دخول الفاطميني إىل رقادة حيث " ترك‬
‫سكىن الرابط و نزل القريوان فكلم يف ذلك فقال كنا حنرس عدوا بينا و بينه البحر و اآلن‬
‫حل بساحتنا هذا العدو ‪،‬و هو أشد علينا من ذلك ‪ ،‬فكان إذا صلى الصبح خرج إىل‬
‫القريوان من ّنحية رقادة ومعه سيفه و رحمه و ترسه و سهامه و يقول أحرس عورات‬
‫املسلمني منهم فإذا رأيت منهم شيئا حركت املسلمني عليهم‪ ،‬و كان ينكر على من خرج‬
‫من القريوان إىل سوسة أو حنوها من الثغور و يقول جهاد هؤالء أفضل من جهاد أهل‬
‫الشرك " ‪.1‬‬

‫ومن مظاهر املقاومة العسكرية للفاطميني أن كثريا من فقهاء املالكية أصدروا فتاوى‬
‫جتيز اخلروج مع خملد بن كداد لقتال الفاطميني ‪ ،‬ومن ذلك ما أصدره الفقيه أبو الفضل‬
‫عباس بن عيسى من أن اخلروج مع أيب يزيد اخلارجي و قطع دولة الفاطميني يعد فرضا ألن‬
‫اخلوارج من أهل القبلة ال يزول عنه اإلسالم و يرثون و يورثون ‪ ،‬أما الفاطميون فليسوا‬
‫كذلك فهم جموس زال عنهم اسم املسلمني فال يتوارثون معهم و ال ينتسبون إليهم ‪ ، 2‬و قد‬
‫مات شهيدا و هو يقاتل الفاطميني و استشهد معه رسة و مثانون رجال من خرية أهل‬
‫املغرب سنة ‪333‬ه ‪ ، 3‬ومن الفقهاء الذين أصدروا فتاوى تفرض مقاتلة الفاطميني الفقيه‬
‫أبو إسحاق إبراهيم بن أمحد السبائي ‪ ،‬وذلك أنه كان يوما مع الفقيهني املمسي و أبو‬
‫العرب و التقوا أبيب يزيد فقال هلم ابيعوين فإن النيب صلى هللا عليه وسلم مل خيرج يف غزوة و‬
‫ال بعث حىت جدد البيعة يف أعناق الصحابة ‪ ،‬فقال له أبو اسحاق نعم نبايعك على كتاب‬

‫‪1‬‬
‫املالكي ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ 37‬القاضي عياض ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 516‬الدابع ‪:‬املصدر‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.272‬‬
‫‪ ، 2‬املالكي ‪ :‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 297‬الدابغ ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ 3‬املالكي ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪292‬‬

‫‪79‬‬
‫هللا و سنة رسوله و مذهب مالك ‪ ،‬أنت رجل من أهل القبلة توحد هللا خرجت جلاهد‬
‫أعداء هللا ‪ ، 1‬ومن الفقهاء الذين أفتوا بضرورة اخلروج على الفاطميني الفقيه أبو العرب بن‬
‫متيم حيث تناظر مع بعض فقهاء املالكية حول مناصرة أيب يزيد و ختم كالمه بوجوب‬
‫اخلروج معه مستدال يف ذلك حبديث للرسول صلى هللا عليه وسلم " يكون يف آخر الزمان‬
‫‪2‬‬
‫قوم يسمون الرافضة فإن أدركتموهم فاقتلوهم فإهنم كفار "‬

‫و قد أقدم الكثري من فقهاء املالكية على املشاركة يف جيش خملد بن كداد بعد أن‬
‫مسعوا صبيا من الفاطميني يقذف الصحابة و يسب النيب صلى هللا عليه وسلم وعلقت‬
‫عظام رؤوس أكباش و محري و غريها على أبواب احلوانيت و الدروب عليها قراطيس عليها‬
‫أمساء يعنون هبا رؤوس الصحابة رضوان هللا عليهم ‪ ،‬فقام الفقيه ربيع القطان حيض الناس و‬
‫يشرع هلم اخلروج على الفاطميني و مساندة أيب يزيد ‪ ،‬واتفق الفقهاء على ذلك و أعدوا‬
‫سبعة بنود كان األول و الثاين للفقيه ربيع القطان كتب يف األول البسملة و معها ال إله إال‬
‫هللا حممد رسول هللا ‪ ،‬وكتب يف الثاين نصر من هللا و فتح قريب على يد أيب يزيد اللهم‬
‫انصره على من سب نبيك ‪ ،‬و كان البند الثالث أليب الربيع كتب فيه بعد البسملة قوله‬
‫تعاىل ‪ ":‬فَ َقاتِلوا أَئِ َمةَ الك ْف ِر إِنَّه ْم َال إِميَا َن َهل ْم لَ َعلَه ْم يَْن تَ هون "‪ ، 3‬و البند الرابع للفقيه أيب‬
‫الفضل عباس املمسي و كتب فيه ال إله حممد رسول هللا ‪ ،‬و أما اخلامس و هو للفقيه‬
‫مروان العابد كتب فيه بعد البسملة قوله تعاىل " قَاتِلوهم ي َع ِذب هم هللا ِأبَيْ ِديكم َو خيْ ِزِهم َو‬
‫ني " ‪ ، 4‬ويف السادس وهو أيضا ملروان العابد‬ ‫ِِ‬ ‫ي ْنصركم َعلَْي ِهم و ي ْش ِ‬
‫ف صد َور قَ ْوم م ْؤمن َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬

‫‪ 1‬القاضي عياض ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 74‬‬


‫‪ 2‬املالكي ‪:‬املصدر السابق ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.309‬‬
‫‪ 3‬التوبة اآلية ‪12‬‬
‫‪ 4‬التوبة األية ‪14‬‬

‫‪80‬‬
‫كتب فيه بعد البسملة ال إله إال هللا حممد رسول هللا أبو بكر الصديق ‪ ،‬عمر الفاروق ‪ ،‬و‬
‫يف البند السابع وهو للفقيه إبراهيم بن احلبشا ال إله إال هللا حممد رسول هللا " إِال تَ ْنصروه‬
‫ني إِ ْذ مها ِيف الغَا ِر إِ ْذ ي قول لِص ِ‬
‫احبِ ِه َال َْحتَز ْن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين َك َفروا َاثِين اثْنَ ْ ِ َ‬ ‫صَره هللا إِ ْذ أ ْ‬
‫َخَر َجه الذ َ‬ ‫فَ َق ْد نَ َ‬
‫إِ َّن هللا َم َعنَا " ‪ 1‬وكان ذلك يوم اجلمعة ‪ ،‬و قد صعد الفقيه أبو الفضل املمسي املنرب و "‬
‫حرض الناس على اجلهاد و أعلمهم مبا فيه من ثواب ‪ ،‬و قال اي أيها الناس جاهدوا من‬
‫كفر ابهلل و زعم أنه رب من دون هللا و غري أحكام هللا و سب نبيه و أصحاب نبيه و‬
‫أزواجه "‪.2‬‬

‫‪ -3‬املناظرات الفقهية ‪:‬‬

‫تعد املناظرات من الطرق اليت اتبعها فقهاء املالكية يف الدفاع عن الصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم أمام التطاول الفاطمي ‪ ،‬و قد أابن الفقهاء عن حتكم منقطع النظري يف أسلوب‬
‫اجلدل و الدفاع مستندين يف ذلك إىل احلجة والدليل املقتبس من القرآن الكرمي و السنة‬
‫النبوية الشريفة ‪.‬‬

‫وسنحاول هنا عرض املناظرات الفقهية بني فقهاء املالكية ورؤوس الشيعة ‪ ،‬و اليت‬
‫كان حمورها السب و اللعن و التحقري من جهة الشيعة ‪ ،‬و الدفاع والذب من جهة املالكية‬
‫و سنركز على املناظرات اليت كان حمورها أاب بكر الصديق و عمر بن اخلطاب و عائشة أم‬
‫املؤمنني ‪.‬‬

‫فقد حاول الشيعة التقزمي من شخص أيب بكر الصديق رضي هللا عنه و جعله أقل‬
‫درجة و مكانة من علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ‪ ،‬حيث يدعي الشيعة أن أاب بكر‬

‫‪ 1‬التوبة اآية ‪40‬‬


‫‪ 2‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪، 2‬ص ‪ ، 31‬الدابغ ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 33 ، 32‬‬

‫‪81‬‬
‫و قد غالطوا يف ذلك حبديث غدير خم " من‬ ‫سلب حق علي يف خالفة رسول هللا ‪،‬‬
‫كنت مواله فعلي مواله " ‪ ،‬فالشيعة استدلوا هبذا احلديث يف أحقية علي ابخلالفة من أيب‬
‫بكر ‪ ،‬كما أهنم أولوا احلديث على أن يكون الناس عبيدا للشيعة و قد ّنظرهم الفقيه سعيد‬
‫بن احلداد يف ذلك و قال احلديث صحيح و مل يكن يراد به والية رق و إمنا والية دين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬
‫ْم و النبوَة مثَ يَق َ‬ ‫مستدال يف ذلك بقوله تعاىل " َما َكا َن لبَ َشر أَ ْن ي ْؤتَيَه هللا الكتَ َ‬
‫اب واحلك َ‬
‫اب و ِمبَا كْن تم‬ ‫ِ‬ ‫ون هللاِ و لَ ِكن كونوا رَّابنِ ِ‬
‫ني مبَا كْن تم تَ ْعلَمو َن الكتَ َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّاس كونوا ِعبادا ِمن د ِ‬
‫َ ْ‬ ‫لِلن ِ‬
‫يني أ َْرَاب َاب أ ََأيْمركم بَ ْعد إِ ْذ أَنْتم م ْسلِمون "‪ 1‬فما مل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْدرسو َن َوالَ َأيْمرك ْم أَ ْن تَتَخذوا املََالئ َكةَ النَبِ َ‬
‫جيعله هللا لنيب مل جيعله لغري نيب و علي ليس بنيب ‪.2‬‬

‫ومن ذلك ما ّنظر به الفقيه ابن التبان الداعيني الشيعيني أاب طالب و أاب عبد هللا ملا‬
‫سأاله " اي أاب حممد من أفضل أبو بكر أو علي و قال أبو عبد هللا أيكون أبو بكر أفضل‬
‫من رسة جربيل عليه السالم سادسهم ‪ ،‬فقال أبو حممد أيكون علي أفضل من اثنني هللا‬
‫اثلثهما " ‪.3‬‬

‫و مل يتوقف استهداف الشيعة أليب بكر عند هذا احلد ‪ ،‬بل إهنم أولوا القرآن الكرمي‬
‫ين َك َفروا َاثِين‬ ‫صَره هللا إِ ْذ أ ْ‬
‫َخَر َجه الذ َ‬ ‫على حسب أهوائهم يف قوله تعاىل " إِال تَ ْنصروه فَ َق ْد نَ َ‬
‫احبِ ِه َال َْحتَز ْن إِ َّن هللا َم َعنَا " ‪ 4‬فقالوا أن احلزن املذكور يف‬ ‫ني إِ ْذ مها ِيف الغَا ِر إِ ْذ ي قول لِص ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اثْنَ ْ ِ َ‬
‫اآلية مسخوطا ألن النيب صلى هللا عليه و سلم هناه عنه ‪ ،‬و ّنظرهم يف ذلك الفقيه سعيد‬
‫بن احلداد بقوله " مل يكن قوله إال تبشريا أبنه آمن على رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬

‫‪ 1‬سورة آل عمران اآلية ‪80-79‬‬


‫‪ 2‬املالكي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪، 60‬الدابغ ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪299‬‬
‫‪ 3‬القاضي عياض ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪ ،161‬الدابغ ‪:‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪92‬‬
‫‪ 4‬التوبة اآلية ‪40‬‬

‫‪82‬‬
‫وعلى نفسه معه مما كان حيذره من غلبة املشركني ‪ ،‬و كان خوفه ملا خاف من ذلك من‬
‫أجل أنه ال يظهر على غيب ما جتري به مقادير هللا عز وجل ‪ ،‬ورسول هللا ينزل عليه الوحي‬
‫بغيب ما يكون قبل أن يكون فكان قوله " َال َْحتَز ْن إِ َّن هللا َم َعنَا " ما بني أن هللا معهما‬
‫بنصرته إايمها و ذلك ال يكون إال بوحي من هللا عز وجل ‪ ،‬و قد بني هللا تعاىل إطالعه‬
‫َح ًدا إِال َم ِن ْارتَ َ‬
‫ضى َم ْن َرسول " ‪ 1‬فقيل له و‬ ‫أنبياءه على غيبه بقوله " فَالَ يظْ ِهر َعلَى َغْيبِه أ َ‬
‫هل جتد هلذا نظريا من التنزيل "ال تفعل " يراد به التبشري و ال يراد به النهي عن أمر‬
‫مسخوط ؟ فقال نعم قال هللا ملوسى و هارون " الَ َختَافَا إِنَِين َم َعك َما أ ْ‬
‫َمسَع َو أ ََرى " ‪ ،‬ملا‬
‫خافا من فرعون أن يفرط عليهما أو أن يطغى و مل يكن خوفهما خوفا يسخط هللا عز‬
‫وجل عليهما من أجله ‪ ،‬ألهنما لو أديل لفرعون عليهما لكان يف ذلك طغياّن لفرعون و‬
‫تضعضعا للدين ومها رسوالن يدخالن يف " إِال َم ِن ْارتَ َ‬
‫ضى َم ْن َرسول"فأطلعهما هللا عز‬
‫وجل على غيب ما خافا ‪ ،‬كما أطلع حممدا صلة هللا عليه و سلم على غيب ما يؤول إليه‬
‫األمر الذي خافه أبو بكر رضي هللا عنه ‪ ،‬فصار قول هللا عز وجل يف أيب بكر شرفا مل يبلغه‬
‫أحدا بعده ‪ ،‬فإن هللا عز وجل أنزل فيه و يف األمر الذي خافه من التبشري ابألمن منه ما‬
‫أنزل على موسى و هارون عليهما السالم ‪.2‬‬

‫كما حاول الشيعة الطعن على أيب بكر و طرحوا قضية أليس العامل أبعلم من املتعلم‬
‫يف حضرت سعيد بن احلداد ‪ ،‬و قد سأل أبو العباس الشيعي عن ذلك رجل عراقي فقال‬
‫له نعم ‪ ،‬مث متادى أبو العباس أكثر و قال أو ليس املتعلم حيتاج إىل معلم أبدا فقال العراقي‬
‫نعم ‪ ،‬ففهم سعيد بن احلداد أن مقصد أيب العباس كان الطعن على أيب بكر يف سؤاله عليا‬
‫رضي هللا عنه يف فرض اجلدة ‪ ،‬فقال سعيد إين أمسع كالما يوجب هللا علي فيه أال أسكت‬

‫‪ 1‬اجلن اآلية ‪27-26‬‬


‫‪ 2‬املالكي ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪، 2‬ص‪. 82‬‬

‫‪83‬‬
‫قال و ما ذلك ‪ ،‬فقال له املتعلم يكون أعلم من املعلم و يكون أفضل منه و أفقه‪ ،‬فقال‬
‫وما دليلك ؟ فقال يقول رسول هللا صلى هللا عليه و سلم "رب حامل فقه إىل من هو أفقه‬
‫منه و رب حامل فقه غري فقيه " ‪ ،‬و هناك ما هو متعارف بني اخلليقة أن املعلم يعلم‬
‫الصبيان القرآن فال يزال يعلمهم حىت يكرب الصيب ‪ ،‬فيعطي هللا عز وجل للصيب من الفهم‬
‫بعام القرآن و خباصه و بظاهره و ابطنه ما ال يقدر معلمه على علمه أبدا ‪.1‬‬

‫و من املستهدفني من الشيعة اخلليفة الثاين عمر بن اخلطاب ‪ ،‬و الذي مل يسلم منهم‬
‫و سلقوه أبلسنة حداد ‪ ،‬و قد تصدى علماء املالكية الستهدافهم له فناظروا الشيعة دفاعا‬
‫عنه ‪ ،‬ومن املدافعني عنه سعيد بن احلداد يوم ّنظر أاب عبد هللا الشيعي حيث قال الشيعي‬
‫" أمل يقل النيب صلى هللا عليه وسلم "أقضاكم علي " فقال سعيد بن احلداد تتمة احلديث "‬
‫وأعلمكم حبالل هللا و حرامه معاذ ‪ ،‬و أرأفكم أبو بكر ‪،‬وأشدكم يف دين هللا عمر ‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنهم أمجعني ‪ ،‬فقال له الشيعي ‪ :‬و كيف يكون أشدهم يف دين هللا و قد هرب ابلراية‬
‫يوم حنني‪ ،‬فقال له سعيد حتيز إىل فئة كما أنزل هللا يف كتابه ‪ ،‬قال عز وجل " إِال متَ َح ِرفاً‬
‫لِِقتَال أو متَ َحيزاً إىل فِئَة " ‪2‬فمن حتيز إىل فئة كما أمر هللا عز وجل فليس بفار ‪ ،‬فمال‬
‫الشيعي بوجهه إىل بعض أصحابه و قال أتسمع ما قال الشيخ قال احناز إىل فئة كما أمر‬
‫هللا سبحانه ‪ ،‬و أي فئة أكثر من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و قد كان حاضرا و مل‬
‫يتحيز إليه ‪ ،‬فقال الشيخ جاء عن النيب صلى هللا عليه و سلم " عمر فئة " فمن حتيز إىل‬
‫عمر فقد حتيز إىل فئة ‪ ،‬فسكت الشيعي فحركه بعض أصحابه و قال أال تسمع ما يقول‬
‫الشيخ ؟ فقال له صدق ‪.3‬‬

‫‪ 1‬املالكي ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ، 87‬الدابغ ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪306‬‬
‫‪ 2‬األنفال اآلية ‪16‬‬
‫‪ 3‬املالكي ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 80‬الدابغ ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪305‬‬

‫‪84‬‬
‫و مل ينته الشيعة إىل اهتام عمر بن اخلطاب ابلتويل يوم الزحف ‪ ،‬بل اهتموه ابالبتداع‬
‫يف الدين ملا سن صالة الرتاويح ‪ ،‬وقد ّنظرهم يف ذلك سعيد بن احلداد ‪ ،‬حيث أن قاضي‬
‫الشيعة حممد بن عمر املروذي قال ‪ :‬إين أمرت أن أّنظركم يف قيام رمضان ‪ ،‬فإن وجبت‬
‫لكم احلجة رجعنا إليكم و إن وجبت لنا رجعتم إلينا‪ ،‬فقال سعيد بن احلداد ما حتتاج إىل‬
‫مناظرة ‪ ،‬فقال له ال بد منها ‪ ،‬فقال له سعيد شأنك و ما تريد‪ ،‬فقال تعلمون وترون أن‬
‫النيب صلى هللا عليه و سلم مل يقم إال ليلة مث قطع ‪ ،‬و أن عمر بن اخلطاب هو الذي اسنت‬
‫القيام ‪ ،‬و قد جاء يف احلديث " كل حمدثة بدعة و كل بدعة ضاللة و أن كل ضاللة يف‬
‫النار " فقال سعيد هذه البدعة من البدع اليت يرضاها هللا عز وجل و يذم من تركها ‪ ،‬فقال‬
‫اطل ِم ْن‬
‫له و أين جتد ذلك يف كتاب هللا عز وجل ؟ فقال له يف كتابه الذي " الَ أيْتِ ِيه الب ِ‬
‫َ َ‬
‫محيد "‪ 1‬قال ‪ :‬و أين ؟ قال له يف قوله تعاىل "‬ ‫ب ني ي َدي ِه والَ ِمن خ ْل ِف ِه تَ ْنزيل من ح ِكيم َِ‬
‫ٌ َْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫ض َوا َن هللاِ فَ َما َر َع ْوَها َح َق ِر َعايَتَ َها "‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اها َعلَْي ه ْم إِال ابْتِغَاءَ ِر ْ‬
‫‪2‬‬
‫وها َما َكتَ ْب نَ َ‬
‫َو َرْهبَانيةً ابْتَ َدع َ‬
‫فنحن نثابر على هذه البدعة اليت هي رهبانية لئال يذمنا هللا عز وجل كما ذمهم ‪ ،‬فقال من‬
‫صلى القيام ضربت عنقه ‪ ،‬فقال له سعيد قد قلت لك هذا أوال ‪ ،‬ما حتتاج إىل مناظرة فلم‬
‫تقبل ‪.3‬‬

‫و قد كان للشيعة حقد كبري على عائشة أم املؤمنني و يرجع سبب ذلك إىل أن‬
‫عائشة خرجت على علي رضي هللا عنه يف موقعة اجلمل ‪ ،‬و هو ما دفع هبم إىل حماولة‬
‫االنتقاص من قيمتها و لعنها و حىت احلديث يف شرفها ‪ ،‬و قد تصدى فقهاء املالكية إىل‬
‫ذلك ودافعوا عنها دفاعا كبريا ‪.‬‬

‫‪ 1‬فصلت اآلية ‪42‬‬


‫‪ 2‬احلديد اآلية ‪28‬‬
‫‪ 3‬املالكي ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ص ‪ ، 62، 60‬الدابغ ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪302 ، 300‬‬

‫‪85‬‬
‫ومن ذلك أهنم حاولوا أن جيعلوا فاطمة بنت النيب صلى هللا عليه و سلم يف مرتبة‬
‫أعلى من مرتبة عائشة و كانت حمور مناظرة بني الداعيني الشيعيني أبو عبد هللا و أبو‬
‫طالب مع الفقيه املالكي ابن التبان حيث قال أبو عبد هللا اي أاب حممد أيهما أفضل عائشة‬
‫و قال أيهما أفضل امرأة أبوها رسول هللا ‪ ،‬و أمها‬ ‫أم فاطمة و هنا قام أحد األدعياء‬
‫خدجية الكربى ‪ ،‬و زوجها علي بن أيب طالب ابن عم الرسول صلى هللا عليه و سلم ‪،‬‬
‫وولدامها احلسن و احلسني سيدا شباب أهل اجلنة ‪ ،‬و امرأة أمها أم رومان ‪ ،‬و أبوها عبد‬
‫هللا بن أيب قحافة ‪ ،‬فقال الفقيه ابن التبان عائشة وسائر أزواج النيب رضوان هللا عنهم أفضل‬
‫من فاطمة ‪ ،‬فقال له من أين ذلك ؟ فقال ابن التبان من قوله تعاىل " َاي نِ َساءَ النَِّيب لَ ْس َّ‬
‫نت‬
‫نت " ‪ ،1‬مث أردف قائال أيهما أفضل عندك امرأة إن طلقها زوجها‬ ‫َحد ِم َن النِ َس ِاء إِ ْن اتَ َقْي َّ‬
‫َكأ َ‬
‫أو مات عنها تزوجها عشرون زوجا أو امرأة إن طلقها زوجها أو مات عنها مل حتل ألحد‬
‫‪.2‬‬

‫و كان الشيعة من الذين ّنلوا من شرف عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬و قد تكفل الفقيه‬
‫املالكي أبو سعيد خلف بن عمر ابلدفاع عنها ‪ ،‬حيث كان يقول من سب عائشة قتل‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫فقيل له إن الرسول صلى هللا عليه وسلم جلد أصحاب عائشة و القرآن يقول " و الذ َ‬
‫ني َج ْل َدةً َو َال تَ ْقبَ لوا َهل ْم َش َه َاد ًة‬‫ِ‬ ‫ات مثَّ َمل ي ؤتوا ِأبَرب ع ِة شه َداء فَ ِ‬
‫ي رمو َن احملصنَ ِ‬
‫اجلدوه ْم َمثَان َ‬
‫ْ َ ْ َْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اسقو َن " ‪ 3‬و أنتم مل أتخذوا ابلكتاب و السنة فقال أبو سعيد قال‬ ‫ك هم ال َف ِ‬‫أَبَ ًدا َو أولَئِ َ‬

‫‪ 1‬األحزاب اآلية ‪32‬‬


‫‪ 2‬القاضي عياض ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 161‬الدابغ ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ج‪،3‬ص‪.92‬‬
‫‪ 3‬النور اآلية ‪4‬‬

‫‪86‬‬
‫هللا تعاىل " أولئك مبَ َرءو َن ِممَا يَقولو َن " ‪ 1‬ليضرب هللا مثل الرباءة مبا يف القرآن ‪ ،‬و بعد‬
‫القرآن من سبها فقد رد القرآن و من رد حرفا منه فقد كفر ابإلمجاع ‪.2‬‬

‫‪ 1‬النور اآلية ‪26‬‬


‫‪ 2‬القاضي عياض ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪. 140‬‬

‫‪87‬‬
‫صراع املالكية و املوحدين ‪:‬‬

‫عاىن املالكية جراء قيام الدولة املوحدية خاصة يف عهد املنصور الذي اتقطع علم الفروع يف‬
‫‪1‬‬
‫عهده و أراد " حمو مذهب مالك و إزالته من املغرب مجلة واحدة‬

‫و قد اختلف املؤرخون فيمن أول من أظهر العداء للمذهب املالكي من املوحدين هل‬
‫املنصور أم أبوه يوسف أم عبد املؤمن بن علي ‪،‬حيث ذكر بعض املؤرخني أن عبد املؤمن‬
‫بن علي هو من بدأ بذلك و أمر إبحراق كتب فقه الفروع وذلك يف سنة " رسني‬
‫ورسمائة فيها أمر عبد املؤمن تغيري املنكر وحتريق كتب الفروع ورد الناس إىل قراءة‬
‫احلديث وكتب بذلك إىل مجيع طلبة املغرب والعدوة"‪ ،2‬يف حني رأى عبد الواحد املراكشي‬
‫و هو شاهد عيان على احراق كتب املذهب املالكي أن املنصور هو أول من فعل ذلك مع‬
‫أنه أكد على أن هذه الفكرة " كانت مقصد أبيه و جده إال أهنما مل يظهراه و أظهره‬
‫‪3‬‬
‫يعقوب هذا "‬

‫وكانت حجة املوحدين يف التضيق على املالكية ما ذكره عبد الواحد املراكشي أن " أاب بكر‬
‫بن جد ‪...‬قال ملا دخلت على أمري املؤمنني ايب يعقوب أول مرة وجدت بني يديه كتاب‬
‫ابن يونس ‪ ،‬فقال يل اي أاب بكر أّن أنظر يف هذه اآلراء املتشعبة اليت أحدثت يف دين هللا ‪،‬‬
‫أرأيت اي أاب بكر املسألة فيها أربعة أقوال أو رسة أقوال أو أكثر من هذا ‪ ،‬فأي هذه‬
‫األقوال هو احلق و أيها جيب أن أيخذ به املقلد ؟ فافتتحت أبني له ما أشكل عليه من‬

‫‪ 1‬عبد الواحد املراكشي ‪ :‬املعجب يف تلخيص أخبار املغرب ‪ ،‬تح سعيد العراين ‪ ،‬القاهرة ‪1963،‬م‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ 2‬ابن أيب زرع ‪ :‬األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب و اتريخ مدينة فاس ‪ ،‬دار املنصور للطباعة و‬
‫الوراقة ‪ ،‬الرابط ‪ ، 1972 ،‬ص‪195‬‬
‫‪ 3‬عبد الواحد املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪. 355‬‬

‫‪88‬‬
‫ذلك فقال يل و قطع كالمي ‪ :‬اي أاب بكر ليس إال هذا و أشار إىل املصحف أو هذا و‬
‫أشار إىل كتاب سنن أيب داود و كان عن ميينه "‪.1‬‬

‫مظاهر حماربة املوحدين للمذهب املالكي ‪:‬‬

‫تعددت طرق حماربة املوحدين للمذهب املالكي منها‬

‫إحراق كتب الفقه املالكي ‪:‬‬

‫تعترب إحراق كتب الفقه املالكي أهم طريقة اتبعها املوحدون للقضاء على املذهب ‪ ،‬فقد‬
‫بدأها عبد املؤمن بنعلي حيث أمر إبحراق كتب الفقه املالكي و الرجوع إىل ما جاء به‬
‫املهدي "وليكن مجيع ما أتتونه وتذرونه يف هذا املقصد وتؤخرونه جاراي على حكم اإلمام‬
‫املعصوم‪ ،‬املهدي املعلوم‪ ،‬ففعله هو الذي نقتدي به‪ ،‬ونستمسك بسببه‪ ،‬ومنضيه على‬
‫وجهه‪ ،‬وجنريه على رمسه"‪. 2‬‬

‫وقد حذا حذوه حفيده املنصور الذي " أمر إبحراق كتب املذهب بعد أن جيرد ما فيها من‬
‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و القرآن ‪،‬ففعل ذلك ‪ ،‬فأحرق منها مجلة يف سائر‬
‫البالد كمدونة سحنون ‪ ،‬و كتاب ابن يونس ‪ ،‬و نوادر ابن أيب زيد و خمتصره ‪ ،‬وكتاب‬
‫التهذيب للرباذعي ‪ ،‬وواضحة ابن حبيب و ما جانس هذه الكتب و حنا حنوها "‪ ، 3‬وهو‬
‫ما أكده ابن األابر عند حديثه عن كتاب نتائج األبكار و مناهج النظار يف معاين اآلاثر‬
‫البن أيب مجرة بقوله " ألفه بعد الثمانني و رس مائة عندما أوقع السلطان أبهل الرأي و‬

‫‪ 1‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 356‬‬


‫‪ 2‬نفسه ‪،‬ص‪355‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 354‬‬

‫‪89‬‬
‫أمر إبحراق املدونة و غريها من كتبه "‪ 1‬و كان " يؤتى منها أبمحال فتوضع و يطلق فيها‬
‫النار "‪.2‬‬

‫التضيق على الفقهاء املالكية ‪:‬‬

‫يعترب التضيق على املالكية من أهم السبل اليت استعملها املوحدون يف حماربتهم للفقه املالكية‬
‫حيث عملوا على الرتهيب و التهديد و التضييق على نشاط الفقهاء الفكري أتليفا و‬
‫تدريسا‪.‬‬

‫فقد توعد املنصور املوحدي ابلعقوبة الشديدة من اشتغل بعلم الرأي و اخلوض يف شيء منه‬
‫‪3‬‬
‫حىت انقطع علم الرأي يف أايمه و خافه الفقهاء‬

‫كما تعرض الكثري من الفقهاء إىل األذى ومنهم أاب احلسن ابن زرقون " أوذي من جهة بين‬
‫عبد املؤمن ملا أبطلوا القياس و ألزموا الناس ابألثر و الظاهر "‪.4‬‬

‫و قد ذكر الذهيب أن إيب بكر التجيين و أيب احلسن ابن زرقون "عرضا على السيف‬
‫إلقرائهما شيء من فقه مالك حني محل ابن عبد املؤمن الناس على فقه الظاهر "‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن األابر ‪ :‬التكملة لكت اب الصلة ‪ ،‬تح عبد السالم اهلراس ‪،‬ج‪ ، 2‬دار الفكر ‪ ،‬بريوت ‪، 1995/1415 ،‬‬
‫ص‪70‬‬
‫‪ 2‬عبد الواحد املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص ‪. 354‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪ ،‬ص‪. 354‬‬
‫‪ 4‬التنبكيت ‪ :‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج ‪،‬تح علي عمر ‪،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 2‬مكتبة الثقافة الدينية ‪،‬القاهرة ‪، 2004 ،‬‬
‫ص‪. 205‬‬
‫‪ 5‬الذهيب ‪ :‬املستلمح من كتاب التكملة ‪ ،‬تح عواد بشار معروف ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬تونس ‪2008‬‬
‫‪،‬ص ‪. 88‬‬

‫‪90‬‬
‫إحالل املذهب الظاهري ‪:‬‬

‫من طرق حماربة املذهب املالكي أثناء فرتة املوحدين إقدامهم على إحالل املذهب الظاهري‬
‫مكان املذهب املالكي خاصة املنصور الذي " كان مقصده يف اجلملة حمو مذهب مالك‬
‫وإزالته من املغرب مرة واحدة ‪ ،‬ومحل الناس على الظاهر من القرآن و احلديث "‪ 1‬و ذكر‬
‫ابن فرحون أن املوحدون " أبطلوا القياس و ألزموا الناس ابألثر و الظاهر "‪.2‬‬

‫‪ 1‬عبد الواحد املراكشي ‪ :‬املصدر السابق ‪،‬ص‪355‬‬


‫‪ 2‬ابن فرحون ‪:‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 205‬‬

‫‪91‬‬
‫قائمة املصادر و املراجع ‪:‬‬

‫القرآن الكرمي‬

‫‪-1‬املصادر‬

‫ابن األابر ‪ :‬التكملة لكت اب الصلة ‪ ،‬تح عبد السالم اهلراس ‪،‬ج‪ ، 2‬دار الفكر‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ ،‬بريوت ‪.1995/1415 ،‬‬
‫ابن األثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬تح عمر عبد السالم تدمري ‪ ،‬ط‪، 1‬ج‪، 2‬‬ ‫‪-2‬‬
‫دار الكتاب العريب ‪ ،‬بريوت ‪.1997 ،‬‬
‫‪ ،‬اإلدريسي ‪ :‬القارة اإلفريقية و جزيرة األندلس مقتبس من كتاب نزهة املشتاق‬ ‫‪-3‬‬
‫يف اخرتاق األفاق ‪ ،‬تح و تقدمي إمساعيل العريب ‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪،‬‬
‫اجلزائر ‪.‬‬
‫األشعري ‪ :‬مقاالت اإلسالميني و إختالف املصليني ‪ ،‬تح حممد حمي الدين‬ ‫‪-4‬‬
‫عبد احلميد ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫مالك بن أنس ‪ :‬املوطأ ‪ ،‬رواية حيي بن حيي الليثي ‪،‬ط‪ ، 1‬دار اجلوزي القاهرة‬ ‫‪-5‬‬
‫‪.2011 ،‬‬
‫عبد احلق الباديسي ‪ :‬املقصد الشريف واملنزع اللطيف يف التعريف بصلحاء‬ ‫‪-6‬‬
‫الريف ‪ ،‬تح سعيد أعراب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬املطبعة امللكية ‪ ،‬الرابط ‪.1993 ،‬‬
‫البخاري ‪ :‬اجلامع الصحيح املختصر املعروف بصحيح البخاري ‪ ،‬تح مصطفى‬ ‫‪-7‬‬
‫ديب البغا ‪ ،‬ط‪، 3‬ج‪ 3‬دار ابن كثري اليمامة ‪ ،‬بريوت ‪.1987‬‬

‫‪92‬‬
‫البكري ‪ :‬املغرب يف ذكر بالد إفريقية و املغرب وهو جزء من املسالك و‬ ‫‪-8‬‬
‫املمالك ‪ ،‬نشره مع الرتمجة الفرنسية كولني دوسالن ‪ ،‬مكتبة أمريكا و الشرق ‪،‬‬
‫ابريس ‪.1965‬‬
‫البيهقي ‪ :‬سنن البيهقي الكربى ‪،‬تح حممد عبد القادر عطا ‪،‬ج‪،10‬دار الباز ‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫مكة املكرمة ‪.1994 ،‬‬
‫التنبكيت ‪ :‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج ‪،‬تح علي عمر ‪،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 2‬مكتبة‬ ‫‪-10‬‬
‫الثقافة الدينية ‪،‬القاهرة ‪. 2004 ،‬‬
‫‪ -11‬ابن حزم ‪ :‬الفصل يف امللل و األهواء و النحل ‪ ،‬تح حممد إبراهيم نصرو و عبد‬
‫الرمحن عمرية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 2‬مكتبة عكاظ للنشر ‪. 1982 ،‬‬
‫‪ -12‬ابن حزم ‪ :‬مجهرة أنساب العرب ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العلمية بريوت ‪.1983 ،‬‬
‫‪ -13‬احلميدي ‪ :‬جذوة املقتبس يف اتريخ علماء األندلس ‪،‬تح بشار عواد معروف‬
‫‪،‬ط‪ ، 1‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بريوت ‪.2008،‬‬
‫‪ -14‬احلمريي ‪ :‬الروض املعطار يف خرب األقطار ‪ ،‬تح احسان عباس ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مكتبة‬
‫لبنان مطبعة هيدلبارغ ‪ ،‬بريوت ‪1984 ،‬‬
‫‪ -15‬ابن حوقل ‪ :‬صورة األرض ‪ ،‬مكتبة احلياة ‪ ،‬بريوت‬
‫‪ -16‬ابن خلدون ‪:‬كتاب العرب وديوان املبتدأ و اخلرب يف أايم العرب و العجم و الرببر‬
‫ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكرب ‪ ،‬تقدمي عبادة كحيلة ‪ ،،‬ج‪، 6‬اهليئة‬
‫العامة لقصور الثقافة ‪.2007 ،‬‬
‫‪ -17‬ابن خلدون ‪ :‬املقدمة ‪ ،‬الطبعة البهية املصرية‪.‬‬
‫‪ -18‬الدابغ ‪ :‬معامل اإلميان يف معرفة أهل القريوان ‪،‬حممد األمحدي أبو النور ‪،‬حممد‬
‫ماضور ‪ ،‬ج‪، 2‬مكتبة اخلاجني مصر ‪ ،‬املكتبة العتيقة تونس‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -19‬ابن أيب دينار ‪ :‬املؤنس يف أخبار إفريقية و تونس ‪ ،‬تح حممد مشام ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫املكتبة العتيقة ‪ ،‬تونس ‪.1957 ،‬‬
‫‪ -20‬الدينوري ‪ :‬األخبار الطوال ‪،‬تح فكر فاروق الطباع ‪ ،‬دار األرقم للطباعة و‬
‫النشر‪.‬‬
‫‪ -21‬مشس الدين الذهيب ‪ :‬اتريخ اإلسالم ووفيات املشاهري و األعالم ‪ ،‬تح عمر‬
‫عبد السالم تدمري ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج ‪ ، 25‬دار الكتاب اللبناين ‪ ،‬بريوت ‪1987 ،‬‬
‫‪ -22‬الذهيب ‪ :‬املستلمح من كتاب التكملة ‪ ،‬تح عواد بشار معروف ‪،‬ط‪ ، 1‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي ‪ ،‬تونس ‪.2008‬‬
‫‪ -23‬ابن أيب زرع ‪ :‬األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب و اتريخ‬
‫مدينة فاس ‪ ،‬دار املنصور للطباعة و الوراقة ‪ ،‬الرابط ‪1972 ،‬‬
‫‪ -24‬خري الدين الزركلي ‪ :‬اإلعالم ‪ ،‬ج‪ ، 6‬بريوت ‪1969 ،‬‬
‫‪ -25‬السجستاين ‪ :‬إثبات النبؤات ‪ ،‬تح و تقدمي عارف اثمر ‪ ،‬منشورات املكتبة‬
‫الكاثوليكية ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -26‬جالل الدين السيوطي ‪ :‬اتريخ اخللفاء ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار ابن خرج للطباعة و النشر‬
‫و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪.2003 ،‬‬
‫‪ -27‬أبو عبد هللا حممد بن عيشون الشراط‪ :‬الروض العطر األنفاس أبخبار الصاحلني‬
‫من أهل فاس ‪ ،‬دراسة وتح زهراء النظام ‪ ،‬ط‪، 1‬منشورات كلية اآلداب‬
‫ابلرابط ‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة الدار البيضاء ‪.1997 ،‬‬
‫‪ -28‬الشهرستاين ‪ :‬امللل و النحل ‪ ،‬تقدمي صدقي مجيل العطار ‪،‬دار الفكر للطباعة‬
‫و النشر‪،‬بريوت ‪.2005،‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ -29‬الصنهاجي ‪ :‬أخبار ملوك بين عبيد و سريهم ‪ ،‬تح و تعليق جلول أمحد البدوي‬
‫‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب ‪ ،‬اجلزائر ‪1984 ،‬‬
‫‪ -30‬الطربي ‪ :‬اتريخ الرسل و امللوك ‪،‬تح حممد أبو الفضل إبراهيم ‪،‬ط‪، 2‬ج‪ ، 6‬دار‬
‫املعارف ‪ ،‬القاهرة ‪.1971‬‬
‫‪ -31‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ ، 5‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪1404‬ه‪.‬‬
‫‪ -32‬ابن عذارى املراكشي ‪ :‬البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب تح ج‪ .‬س‪.‬‬
‫كوالن‪ ،‬إِ‪ .‬ليفي بروفنسال ‪ ،‬ط‪، 3‬ج‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت لبنان ‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬القاضي عياض ‪ :‬ترتيب املدارك وتقريب املسالك ملعرفة أعامل مذهب مالك‪ ،‬تح‬
‫حممد الطنجي ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية ‪ ،‬اململكة‬
‫املغربية ‪.1983 ،‬‬
‫‪ -34‬عماد الدين القرشي ‪ :‬عيون األخبار و فنون اآلاثر يف فضائل األئمة األطهار ‪،‬‬
‫تح مصطفى غالب ‪ ،‬السبع اخلامس ‪ ،‬دار األندلس للطباعة و النشر و التوزيع‬
‫‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -35‬الرقيق القريواين ‪:‬اتريخ إفريقية و املغرب ‪ ،‬تح منجي الكعيب ‪ ،‬مطبعة رقيق‬
‫السقطي تونس ‪.‬‬
‫‪ -36‬ابن كثري ‪ :‬البداية و النهاية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املنابع للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪. 2001‬‬
‫‪ -37‬مارمول كرخبال‪ :‬كتاب إفريقيا ‪ ،‬تر حممد حجي و آخرون ‪،‬ج‪ ، 1‬مطبعة‬
‫املعارف اجلديدة ‪ ،‬الرابط ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -38‬املالكي ‪ :‬رايض النفوس يف طبقات علماء القريوان وإفريقية و زهادهم و‬
‫نساكهم و سري من أخبارهم و فضائلهم وأوصافهم ‪ ،‬تح البشري بكوش ‪،‬‬
‫مراجعة حممد العروسي املطوي ‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ -39‬جمهول ‪ :‬االستبصار يف عجائب األمصار ‪ ،‬تح سعد زغلول عبد احلميد ‪،‬دار‬
‫الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬الرابط ‪.1986 ،‬‬
‫‪ -40‬مؤلف جمهول ‪ :‬مفاخر الرببر ‪،‬تح عبد القادر بوابية ‪ ،‬دار أيب الرقراق للطباعة‬
‫‪ ،‬الرابط ‪.2005 ،‬‬
‫‪ -41‬عبد الواحد املراكشي ‪ :‬املعجب يف تلخيص أخبار املغرب ‪ ،‬تح سعيد العراين‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪1963،‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬حممد بن مرزوق ‪ :‬املسند الصحيح احلسن يف مآثر و حماسن موالّن أيب احلسن‬
‫‪ ،‬دراسة و تعليق ‪ ،‬ماراي خيسوس بيغريا ‪،‬تقدمي حممود بوعياد‪ ،‬الشركة الوطنية‬
‫للنشر و التوزيع اجلزائر ‪.1981‬‬
‫‪ -43‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب و معادن اجلوهر ‪ ،‬ط‪ ، 5‬ج‪ ، 2‬دار األندلس‬
‫للنشر ‪.1985 ،‬‬
‫‪ -44‬املقريزي ‪ :‬اتعاظ احلنفا أبخبار األئمة الفاطميني اخللفاء ‪ ،‬تح مجال الدين‬
‫الشيال ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ج‪ ، 2‬القاهرة ‪.1996 ،‬‬
‫‪ -45‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬تح عبد هللا علي الكبري و آخرون ‪ ،‬مج ‪ ، 5‬دار‬
‫املعرف ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -46‬ابن الندمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املعارف ‪ ،‬بريوت ‪1994 ،‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -47‬القاضي النعمان ‪ :‬دعائم اإلسالم يف ذكر احلالل و احلرام يف القضااي و‬
‫األحكام عن أهل بيت رسول هللا عليه السالم و أفضل السالم تح أصف بن‬
‫علي أصغر فيضي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار املعارف القاهرة ‪.1996 ،‬‬
‫‪ -48‬القاضي النعمان ‪:‬افتتاح الدعوة ‪ ،‬تح فرحات الدشراوي ‪،‬ط‪ ، 2‬الشركة‬
‫التونسية للتوزيع ‪ ،‬تونس ‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر ‪.1986 ،‬‬
‫‪ -49‬هناية األرب يف فنون األدب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ج‪ 1‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ -50‬الونشريسي ‪ :‬املعي ار املعرب واجل امع املغرب عن فت اوى علم اء إفريقية واألندلس‬
‫واملغرب ‪،‬خرجه مجاعة من الفقهاء إبشراف حممد حجي ‪ ،‬نشر وزارة األوقاف‬
‫و الشؤون اإلسالمية للمملكة املغربية ‪،‬الرابط ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بريوت‬
‫‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬اليعقويب ‪ :‬اتريخ اليعقويب ‪ ،‬تح خليل منصور ‪ ،‬ط‪ ، 2‬ج‪ ، 2‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ ،‬بريوت ‪.2002 ،‬‬

‫‪-2‬املراجع ‪:‬‬

‫حممود امساعيل ‪:‬اخلوارج يف بالد املغرب حىت منتصف القرن الرابع اهلجري ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ط‪ ، 2‬مكتبة الثقافة الدينية ‪ ،‬الدار البيضاء ‪. 1985 ،‬‬
‫علي أمليل ‪ :‬اخلطاب التارخيي دراسة اترخيية ملنهج ابن خلدون ‪ ،‬معهد االمناء‬ ‫‪-2‬‬
‫العريب‪.‬‬
‫لطيفة البكاي ‪:‬حركة اخلوارج نشأهتا وتطورها إىل هناية العهد األموي (‪-37‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪132‬ه) ‪،‬ط‪ ، 1‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪. 2001‬‬

‫‪97‬‬
‫إبراهيم القادري بوتشيش ‪ :‬مباحث يف التاريخ االجتماعي للمغرب و األندلس‬ ‫‪-4‬‬
‫خالل عصر املرابطني ‪ ،‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬
‫الدراجي بوزاين ‪ :‬القبائل األمازيغة أدوارها مواطنها أعياهنا ‪ ،‬ج‪ ، 1‬دار‬ ‫‪-5‬‬
‫الكتاب العريب ‪ ،‬اجلزائر ‪.2007 ،‬‬
‫حممد جنيب بوطالب ‪ :‬سوسيولوجيا القبيلة يف املغرب العريب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مركز‬ ‫‪-6‬‬
‫دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بريوت ‪.2009 ،‬‬
‫بيار بونت ‪ ،‬ميشال إبراز ‪ :‬معجم األنطولوجيا و األنثروبولوجيا ‪ ،‬تر مصباح‬ ‫‪-7‬‬
‫الصمد ‪ ،‬ط‪،1‬املؤسسة اجلامعية للدراسات ‪ ،‬املعهد العلي العريب للرتمجة ‪،‬‬
‫اجلزائر ‪.2006،‬‬
‫عارف اتمر ‪ :‬حقيقة إخوان الصفا ‪،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪.1996 ،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫إبراهيم التهامي ‪ :‬جهود علماء املغرب يف الدفاع عن عقيدة السنة ‪ ،‬ط‪، 1‬‬ ‫‪-9‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪1426،‬ه ‪، 2005‬‬
‫‪ -10‬حممد عابد اجلابري ‪ :‬فكر ابن خلدون العصبية و الدولة ‪ ،‬معامل نظرية خلدونية‬
‫يف التاريخ االسالمي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار النشر املغربية ‪ ،‬الدار البيضاء ‪.‬‬
‫‪ -11‬عمر اجليدي ‪ :‬حماضرات يف اتريخ املذهب املالكي يف الغرب اإلسالمي ‪،‬‬
‫منشورات عكاظ ‪ ،‬الرابط ‪.1987 ،‬‬
‫‪ -12‬حممد حجي ‪ :‬نظرات يف النوازل الفقهية ‪،‬ط‪ ، 1‬منشورات اجلمعية املغربية‬
‫للتأليف و الرتمجة و النشر ‪،‬مطبعة النجاح اجلديدة ‪ ،‬الدار البيضاء ‪1999 ،‬‬
‫‪ -13‬حسن إبراهيم حسن ‪ :‬اتريخ اإلسالم الديين و السياسي و الثقايف و‬
‫االجتماعي ‪،‬ط‪ ، 5‬دار اجليل ‪ ،‬بريوت ‪.2001،‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ -14‬إحسان حممد احلسن ‪ :‬العائلة والقرابة و الزواج ‪ ،‬دراسة حتليلية يف تغري نظم‬
‫العائلة و القرابة والزواج يف اجملتمع العريب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪.1981‬‬
‫‪ -15‬سعيد بن محادة ‪ :‬املاء و اإلنسان يف األندلس خالل القرنني ‪8-7‬ه ‪-13/‬‬
‫‪14‬م إسهام يف دراسة اجملال و اجملتمع والذهنيات ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الطليعة بريوت‬
‫‪. 2007 ،‬‬
‫‪ -16‬صربي خدمتلي ‪ :‬العقيدة و الفرق اإلسالمية ‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪،‬‬
‫اجلزائر ‪ ، 1990 ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ -17‬علي حسن اخلربوطويل ‪ :‬أب و عبد هللا الش يعي مؤس س الدولة الفاطمية ‪،‬‬
‫املطبعة الفنية احلديثة ‪ ،‬الزيتونة‪.‬‬
‫‪ -18‬خلفات مفتاح‪ :‬قبيلة زواوة ابملغرب األوسط ما بني القرن ‪ 9-6‬ه‪-12 /‬‬
‫‪15‬م دراسة يف دورها السياسي و احلضاري ‪ ،‬األمل للطباعة و النشر ‪ ،‬تيزي‬
‫وزو ‪.2011 ،‬‬
‫‪ -19‬حممد علي دبوز ‪ :‬اتريخ املغرب الكبري ‪،‬ط‪، 1‬ج‪ ، 1‬مطبعة عيسى احلليب ‪،‬‬
‫القاهرة ‪1963 ،‬‬
‫‪ -20‬الزرقاين ‪ :‬شرح الزرقاين علي موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ج‪ ، ،1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ -21‬سعد زغلول عبد احلميد ‪ :‬اتريخ املغرب العريب ‪،‬ج‪ ،1‬منشأة املعارف ‪،‬‬
‫االسكندرية‪.‬‬
‫‪ -22‬حممد أبو زهرة ‪ :‬اتريخ املذاهب إلسالمية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر العريب ‪ ،‬بريوت‬
‫‪.1984،‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -23‬السيد عبد العزيز سامل ‪ :‬املغرب الكبري ‪ ،‬العصر اإلسالمي ج‪ ، 2‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -24‬السالوي ‪ :‬االستقصاء يف أخبار املغرب األقصى ‪ ،‬تح و تعليق جعفر‬
‫الناصري و الناصري ‪ ،‬دار الكتاب الدار البيضاء ‪ ،‬املغرب ‪.1954 ،‬‬
‫‪ -25‬نصر سليمان ‪ :‬املوجز يف علم احلدث ‪ ،‬دار البعث ‪ ،‬قسنطينة ‪.1997 ،‬‬
‫‪ -26‬حممود السيد ‪ :‬اتريخ دول املغرب العريب لبيا تونس اجلزائر موريتانيا ‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب اجلامعة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2000 ،‬‬
‫‪ -27‬حممد مجال الدين سريور ‪ :‬الدولة الفاطمية يف مصر سياستها الداخلية و‬
‫مظاهر احلضارة يف عهدها ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪.1999 ،‬‬
‫‪ -28‬أمحد حسن صبحي ‪ :‬الدعوة الفاطمية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة مدبويل القاهرة ‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ -29‬حممد الطاليب ‪ :‬استقالل املغرب ‪ ،‬مقال يف كتاب اتريخ إفريقيا العام ‪ ،‬اجمللد‬
‫الثالث إفريقيا من القرن السابع إىل القرن احلادي إشراف م الفاسي و إ هربك‬
‫‪،‬ط‪ ، 2‬منظمة األئمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة ‪ ،‬اليونسكو ‪ ،‬مطبعة‬
‫املكلس ‪ ،‬لبنان‬
‫‪ -30‬حممد سهيل طقوش ‪ :‬اتريخ الفاطميني يف مشال إفريقية و مصر و بالد الشام ‪،‬‬
‫ط‪ ، 1‬دار النفائس للطباعة و النشر و التوزيع ‪ ،‬بريوت ‪.2001‬‬
‫‪ -31‬عبد هللا العروي ‪ :‬جممل اتريخ املغرب ‪ ،‬ط‪ ، 5‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬املغرب‬
‫‪1996‬‬
‫‪ -32‬حممد بن عمرية ‪ :‬دور زّنتة يف احلركة املذهبية ابملغرب االسالمي ‪ ،‬املؤسسة‬
‫الوطنية للكتاب ‪ ،‬اجلزائر ‪1984 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ -33‬حممد عبد هللا عنان ‪ :‬احل اكم أبمر هللا و أسرار الدعوة الفاطمية ‪ ،‬دار النشر‬
‫احلديث ‪ ،‬القاهرة ‪.1968 ،‬‬
‫‪ -34‬حممد شفيق غرابل ‪ ،‬املوسوعة العربية امليسرة ‪ ،‬ج‪ ، 4‬دار إحياء الرتاث العريب‬
‫‪ -35‬كاشف الغطاء ‪ :‬أصل الشيعة ‪ ،‬مكتبة العرفان ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -36‬أمحد فريد ‪ :‬الفوائد البدعية يف فضائل الصحابة و ذم الشيعة ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الدار‬
‫السلفية للنشر و التوزيع ‪ ،‬االسكندرية ‪.2000 ،‬‬
‫‪ -37‬حممد إبراهيم الفيومي ‪ :‬اتريخ الفرق اإلسالمية السياسي و الديين – الشيعة‬
‫العربية و الزيدية – ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪. 2002 ،‬‬
‫‪ -38‬موسى لقبال ‪ :‬اتريخ املغرب اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ، 4‬دار هونة ‪ ،‬اجلزائر ‪.2004 ،‬‬
‫‪ -39‬موسى لقبال ‪ :‬املغرب االسالمي من بناء معسكر القرن حىت انتهاء ثورات‬
‫اخلوارج ‪ ،‬سياسة و نظم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطبعة البعث ‪ ،‬قسنطينة‬
‫عبد املنعم ماجد ‪ :‬اخلالفة الفاطمية وسقوطها يف مصر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر‬ ‫‪-40‬‬
‫العريب ‪ ،‬القاهرة ‪ 1414‬ه ‪1994/‬م ‪.‬‬
‫‪ -41‬األزهر املاجري ‪ :‬قبائل (ماجر والفراشيش خالل القرنني الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر (يف جدلية العالقة بني احمللي واملركزي) ‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والفنون‬
‫واإلنسانيات منوبة ‪2005 ،‬‬
‫دنيك متيشل ‪ :‬معجم االجتماع ‪ ،‬تر حممد احلسن ‪ ،‬دار الطليعة ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬ ‫‪-42‬‬
‫‪ -43‬حممد عبدو اجملدوب ‪ :‬االنثروبولوجيا السياسية ‪ ،‬ط‪ ، 3‬دار املعرفة اجلامعية ‪،‬‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -44‬نبيلة حسن حممد ‪ :‬يف اتريخ الدولة العربية ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ،‬االسكندرية‬
‫‪.2004 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -45‬حسن علي حممد ‪ :‬قاموس املذاهب و األداين ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار اجليل ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪ -46‬فريديرك معتوق ‪ :‬املوسوعة امليسرة يف العلوم االجتماعية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مكتبة لبنان‬
‫ّنشرون ‪ ،‬بريوت لبنان ‪.2012 ،‬‬
‫‪ -47‬حسني مؤنس ‪ :‬معامل اتريخ املغرب و األندلس ‪ ،‬مكتبة األسرة ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪. 2004‬‬
‫‪ -48‬علي سامي النشار ‪ :‬نشأة التشيع و تطوره ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مؤسسة الكتاب ‪ ،‬بريوت‬
‫‪، 1969 ،‬‬
‫‪ -49‬املختار اهلراس ‪:‬القبيلة و السلطة ‪ ،‬تطور البنيات االجتماعية يف مشال املغرب ‪،‬‬
‫املركز الوطين لتنسيق وختطيط البحث العلمي و التقين ‪ ،‬مطبعة الرسالة ‪ ،‬الرابط‬
‫‪ -50‬عاطف وصفي ‪ :‬األنثروبولوجية االجتماعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بريوت‬

‫‪-3‬املقاالت ‪:‬‬

‫عمر اجليدي ‪ :‬اجلذور األوىل للمذهب املالكي يف املغرب ‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫العدد‪، 237‬منشورات وزارة األوقاف ‪ ،‬اململكة املغربية ‪1989،‬‬
‫عمر اجليدي ‪ :‬حماربة املذهب املالكي يف املغرب ‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫العدد‪، 225‬منشورات وزارة األوقاف ‪ ،‬اململكة املغربية ‪1982،‬‬
‫أمحد عبيد ‪ :‬التاريخ اجلزائري –تقيم و نقد – حالة اجلزائر العثمانية ‪ ،‬مقال يف‬ ‫‪-3‬‬
‫جملة إنسانيات ‪ ،‬العدد ‪ ، 2010 ، 48-47‬مركز البحث يف اإلنثربوجلية‬
‫االجتماعية و الثقافية ‪ ،‬وهران‬
‫حمماد لطيف ‪ :‬بنية األسرة البدوية وخصائصها يف املغرب األقصى خالل‬ ‫‪-4‬‬
‫القرنني ‪9-8‬ه ‪15-14/‬م مقال يف‪ ،‬كتاب األسرة البدوية يف اتريخ املغرب‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫تنسيق الباضوية بلكامل و أخرايت ‪،‬كلية اآلداب و العلوم اإلنسانية جامعة‬
‫ابن طفيل القنيطرة اململكة املغربية ‪ ،‬منشورات جمموعة البحث يف اتريخ البوادي‬
‫املغربية ‪،‬ط‪. 2006 ، 1‬‬

‫‪-4‬الرسائل اجلامعية ‪:‬‬

‫موسى رمحاين ‪ :‬األوراس يف العصر الوسيط من الفتح االسالمي إىل انتقال‬ ‫‪-1‬‬
‫اخلالفة الفاطمية إىل مصر (‪362-27‬ه ‪972-637 /‬م) دراسة إجتماعية‬
‫‪ ،‬رسالة ماجستري قسم التاريخ ‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ،‬السنة اجلامعية‬
‫‪.2007-2006‬‬
‫شنعة خدجية ‪ :‬اعتناق الرببر لإلسالم ‪ ،‬مذكرة ماجستري يف التاريخ ‪ ،‬جامعة‬ ‫‪-2‬‬
‫وهران ‪ ،‬السنةاجلامعية ‪2012-2011‬‬
‫الشيخ عدة ‪ :‬العصبية الدينية ودورها يف قيام و أفول الدول االسالمية املرابطية‬ ‫‪-3‬‬
‫أمنوذجا ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستري يف الفلسفة ‪ ،‬جامعة وهران ‪،‬‬
‫‪.2012-2011‬‬

‫‪-6‬املراجع األجنبية ‪:‬‬


‫‪Yves lacoste: géographie du sous-développement, p.u.f troisième édition , paris‬‬
‫‪,1976.‬‬

‫‪103‬‬

You might also like