Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 8

‫َأ‬

‫َل‬ ‫ِه‬ ‫{ ِإْذ َأ َذ ُّبَك ِم يِن آ ِم ُظ وِر ِه ُذِّر َّي َأْش َد َلى َأ ُفِس‬
‫ْن َب َدَم ْن ُه ْم َتُه ْم َو َه ُه ْم َع ْن ْم ْس ُت‬ ‫َو َخ َر‬
‫ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوا َبَلى َش ِه ْدَنا َأْن َتُقوُلوا َيْو َم اْلِق َياَم ِة ِإَّنا ُك َّنا َعْن َه َذ ا َغاِفِلَني (‪})172‬‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِض‬
‫َعْن َأيِب ُه َر ْيَر َة َر َي الَّلُه َعْنُه ‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬قاَل َرُس وُل الَّل َص َّلى الَّلُه َعَلْي َو َس َّلَم ‪َ " :‬لَّم ا َخ َل َق الَّل ُه آَدَم َم َس َح َظْه َر ُه َفَخ َرَج‬
‫ِم ْن َظْه ِرِه ُك ُّل َنَس َم ٍة ُه َو َخ اِلُقَه ا ِم ْن ُذِّر َّيِتِه ِإىَل َيْو ِم اْلِق َياَم ِة ‪َ ،‬و َجَع َل َبَنْي َعْيْيَن ُك ِّل ِإْنَس اٍن ِم ْنُه ْم َو ِبيًص ا ِم ْن ُنوِر ِه ْم ‪َّ ،‬مُث‬
‫ِم‬ ‫ِء‬ ‫ِء‬
‫َعَر َض ُه ْم َعَلى آَدَم َفَق اَل ‪َ :‬أْي َر ِّب َمْن َه ُؤ اَل ؟ َق اَل ‪َ :‬ه ُؤ اَل ُذِّر َّيُتَك َق اَل ‪َ :‬فَر َأى َرُج اًل ْنُه ْم َأْع َجَب ُه َو ِبيَص َم ا َبَنْي‬
‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِخ‬ ‫ِه‬
‫َعْيَنْي َقاَل ‪َ :‬يا َر ِّب َمْن َه َذ ا ؟ َقاَل ‪َ :‬ه َذ ا َرُج ٌل ْن آ ِر اُأْلَم ِم ْن ُذِّر َّي َك ُيَق اَل َلُه َد اُو ُد ‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬يا َر ِّب ‪َ :‬ك ْم َجَعْلَت‬
‫ُعْم َر ُه ؟ َق اَل ‪ِ :‬س ُّتوَن َس َنًة ‪َ ،‬ق اَل ‪َ :‬أْي َر ِّب َف ِز ْد ُه ِم ْن ُعْم ِر ي َأْر َبِعَني َس َنًة َق اَل ‪ِ :‬إَذْن ُيْك َتُب َو ْخُيَتُم َو اَل ُيَب َّد ُل َفَلَّم ا‬
‫ِط‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬
‫اْنَق َض ى ُعْم ُر آَدَم َج اَءُه َم َل ُك اْلَم ْو َق اَل ‪َ :‬أَو ْمَل َيْب َق ْن ُعْم ِر ي َأْر َبُع وَن َس َنًة َق اَل ‪َ :‬أَو ْمَل ُتْع َه ا اْبَن َك َداُو َد‬
‫َقاَل ‪َ :‬فَجَح َد َفَجَح َدْت ُذِّر َّيُتُه َو َنِس َي َفَنِس يْت ُذِّر َّيُتُه ‪َ ،‬و َخ ِط َئ َفَخ ِط َئْت ُذِّر َّيُتُه "‬

‫عد داُو د أح د األنبياء يف الديانة اإلسالمية أنِز ل عليه الزبور "املزامري"‪ .‬يّد عي الدين اليهودي أن داُو د ارتكب الزنا‬
‫والقتل ولكن تاب‪ ،‬حيث هذا ما يؤمن به المسيحيون واليهود‪ .‬أما يف الديانة اإلسالمية فهو نيب وال يرتكب مثل‬
‫ذلك من حيث عصمة األنبياء‪ .‬يظهر يف القرآن جالوت الذي هو نفسه جليات عند اليهود الذي قتله داُو د‪ .‬ويف‬
‫و م ِبِإْذِن الّلِه َت ا اُلو آَتا الّل اْل ْلَك اِحْلْك َة َّل َّمِما َش اء َل َال ْف الّل ِه‬
‫َو َق َل َد ُو ُد َج َت َو ُه ُه ُم َو َم َو َع َم ُه َي َو ْو َد ُع‬ ‫سورة البقرة َو َر َد‪َ :‬فَهَزُم ُه‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِت‬
‫[‪( ]3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.)251‬‬ ‫الَّناَس َبْع َض ُه ْم ِبَبْع ٍض َّلَف َس َد اَألْر ُض َو َلـ َّن الّلَه ُذو َفْض ٍل َعَلى اْلَعاَل َني‬
‫يذكر القرآن أن داُو د كان يف جيش طالوت‪ ،‬الذي يفهم على أن األخري هو نفسه شاول‪.‬‬
‫نسبه[عدل]‬
‫هو داود بن أيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن حنشون بن عوينادب ابن إرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا‬
‫بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم اخلليل‪ ،‬وخليفته يف أرض بيت املقدس‪.‬‬
‫قال حممد بن إسحاق عن بعض أهل العلم‪ ،‬عن وهب بن منبه‪ :‬كان داود قصريًا‪ ،‬أزرق العينني‪ ،‬قليل الشعر‪ ،‬طاهر‬
‫القلب ونقيه‪.‬‬

‫ُذِّر َّية‬
‫[مفرد]‪ :‬ج ُذِّر ّيات وَذرارُّي ‪:‬‬
‫• َنْس ل‪ ،‬أوالد‪ ،‬وأصُلها بالهمزة وُخ ِّففت همزتها‪ ،‬وتستخدم للمفرد والجمع ذكًر ا أو أنثى (انظر‪ :‬ذ ر أ ‪ُ -‬ذِّر َّية‪،‬‬
‫ذ ر ر ‪ُ -‬ذِّر َّية) " {َو ِم ْن ُذِّر َّيِتِه َد اُو َد َو ُس َلْيَم اَن َو َأُّيوَب َو ُيوُس َف َو ُم وَس ى َو َه اُر وَن }‪." Al anam 84‬‬
‫• نساء وصغار "َال َتْق ُتْل ُذِّر َّيًة َو َال َعِس يًف ا [حديث]‪ :‬من حديث النبّي صّلى الله عليه وسّلم لخالد‪ ،‬وذلك عندما‬
‫رأى امرأة مقتولة‪ ،‬والعسيف هو األجير"‪.‬‬
‫• آباء وأجداد " {َو َءاَيٌة َلُه ْم َأَّنا َحَم ْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم ِفي اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن } "‪.‬‬
‫يقول تعاىل‪ :‬وداللة هلم أيضا على قدرته –تبارك وتعاىل‪ -‬تسخريه البحر ليحمل السفن‪ ،‬فمن ذلك ‪-‬بل أوله‪ -‬سفينة‬
‫نوح ‪ ‬اليت أجناه اهلل تعاىل فيها مبن معه من املؤمنني‪ ،‬الذين مل يبق على وجه األرض من ذرية آدم غريهم؛ وهلذا‬
‫قال‪َ :‬و آَيٌة ُهَلْم َأَّنا َمَحْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم أي‪ :‬آباءهم‪ ،‬يِف اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن أي‪ :‬يف السفينة اململوءة من األمتعة واحليوانات اليت‬
‫أمره اهلل أن حيمل فيها من كل زوجني اثنني‬
‫• طائفة " {َفَم ا َءاَم َن ِلُم وَس ى إَّال ُذِّر َّيٌة ِم ْن َقْو ِمِه َعَلى َخ ْو ٍف ِم ْن ِفْر َعْو َن }‪Yunus 83‬‬
‫ذرية‬
‫نسل اإلنسان‪ ،‬ج ذراري وذريات‬
‫الذرية‬
‫بضم أوله وكسر ثانيه مع التشديد ‪ ،‬ج ذريات وذراري ‪ ،‬نسل اإلنسان‬
‫الفرق بين اآلل والذرية‬
‫آل الرجل‪ :‬ذو قرابته‪ ،‬وذريته‪ :‬نسله‪ .‬فكل ذرية آل‪ ،‬وليس كل آل بذريد‪.‬وأيضا‪ :‬اآلل يخص باالشراف‪ ،‬وذوي‬
‫االقدار‪ ،‬بحسب الدين‪ ،‬أو الدنيا‪ .‬فال يقال‪ :‬آل حجام‪ ،‬وآل حائك‪ ،‬بخالف الذرية‪ .‬اآلل والذرية في الكليات‬
‫‪ 268 :1.‬و ‪ .361 :2‬والفرائد‪ .1 :‬فيهما‪ :‬ذو قرابته‬
‫الفرق بين االبناء والذرية‬
‫أن االبناء يختص به أوالد الرجل وأوالد بناته الن أوالد البنات منسوبون إلى آبائهم كما قال الشاعر‪ :‬بنوهن أبناء‬
‫الرجال االباعد بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ثم قيل للحسن والحسين عليهما السالم ولدا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم على التكريم ثم صار اسما لهما لكثرة االستعمال‪ ،‬والذرية تنتظم االوالد والذكور واالناث والشاهد‬
‫قوله عزوجل \" ومن ذريته داود وسليمان \" ثم أدخل عيسى في ذريته‪.‬‬
‫الُّذ ِّر َّيُة‪ :‬اَخلْلُق والَّنْس ُل‪َ ،‬م ْأخوَذٌة ِم ن الَّذ ْر ِء ‪ ،‬فتقول‪َ :‬ذَر َأ اُهلل اَخلْلَق ‪ ،‬أْي ‪َ :‬خ َلَق ُه م‪ ،‬وُذِّر َّيُة الَّر ُج ِل ‪َ :‬و َلُد ُه‪ .‬وِقيل‪ :‬هو مأخوٌذ‬
‫ِص‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬
‫ن الَّذ ِّر ‪ ،‬وهو‪ :‬الَّنْش ُر ‪ ،‬فُيقال‪َ :‬ذَّر الَّشيَء‪َ ،‬يُذ ُّر ُه‪ ،‬أْي ‪َ :‬نَش َر ُه‪ .‬و يل‪ :‬أْص ُلها ن الَّذ ِّر ‪ ،‬أْي ‪ :‬غاِر الَّنْم ِل ؛ ألَّن اَهلل َأْخ َرَج‬
‫ِم‬
‫اَخلْلَق ن ُصْلِب آَدَم َك الَّذ ِّر ‪ .‬واَجلْمُع‪ :‬الَّذ راِر ي والُّذ ِّر ّياُت‬

‫إذن فاهلل عز وجل خياطب مجيَع خلقه‪ ،‬وجييُبه مجيُع خلقه‪ ،‬فال تقل‪ :‬كيف خاطب املوىل سبحانه الذر‪ ،‬والَذ ر مل يكن‬
‫مكلفًا بعد؟ ومل حياول العلماء أن يدخلوا يف هذه املسألة؛ ألهنا يف ظاهرها بعيدة عن العقل‪ ،‬ويكفي أن ربنا اخلالق‬
‫القادر قد أبلغنا أنه قد خاطب الذرات قائال‪ :‬ألست بربكم؟‪ .‬قالوا‪ :‬بلَى ‪ .‬ويبدو من هذا القول أن املسألة متثيل للفطرة‬
‫املودعة يف النفس البشرية‪ .‬وكأنه سبحانه قد أودع يف النفس البشرية والذات اإلنسانية فطرًة تؤكد له أَّن وراَء هذا‬
‫الكوِن إهلًا خالقًا قادرا مدبرا‪.‬‬
‫وقدميًا قلنا‪ :‬هب أَّن طائرًة وقعت يف صحراء‪ ،‬وحني أفقت من إغماءة اخلوف؛ فكّر ت يف حالك وكيف أنك ال جتد‬
‫طعامًا أو شرابًا أو أنيسًا‪ ،‬وأصابك غٌّم من هذه احلالة فنمت‪ ،‬مث استيقظت فوجدت مائدة عليها أطايب الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬أال تتلفت لتسأل من الذي أقام لك هذه املأدبة قبل أن متد يدك إىل أطايب الطعام؟‪ .‬كذلك اإلنسان الذي‬
‫طرأ على هذا الكون احلكيم الصنع؛ البديع التكوين؛ أال جيدُر بِه أن يسأل نفسه من خلق هذا الكون؟‬

‫الغفلة‪ :‬ترك باختيار الغافل‪ - .‬أما النسيان‪ :‬فهو ترك بغري اختيار اإلنسان‪ - .‬أما الذكر‪ :‬فهو التخلص من الغفلة‬
‫والنسيان (‪)1‬؛ وهلذا قال اهلل تعاىل‪َ{ :‬و اَل َتُك ْن ِم َن اْلَغاِفِلَني }(‪ ،)2‬ومل يقل وال تكن من الناسني؛ ألن النسيان ال‬
‫يدخل حتت التكليف فال ينهى عنه؛ لقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬إن اهلل وضع عن أميت اخلطأ والنسيان‪،‬‬
‫وما استكرهوا عليه» (‪.)3‬‬

‫إننا نعلم أن املصباح الكهريب احتاج لصناعته إىل علماء وصناع مهرة كثريين وإىل إمكانات ال حصر هلا لينري هذا‬
‫املصباح حجرة حمدودة‪ ،‬وحني نرى الشمس تنري الكون كله‪ ،‬وال يصيبها كلٌل أو تعٌب وال حتتاج منا إىل صيانة‪ ،‬أال‬
‫نسأل من صنعها؟ وخصوصًا أَّن أحدًا مل يَّدع أنه قد صنعها‪ ،‬وقد أبلغنا املوىل سبحانه وتعاىل بأنه هو الذي خلق‬
‫األرض وخلق الشمس وخلق القمر‪ ،‬فإما أن يكون هذا الكالم صحيحًا؛ فنعبده‪ ،‬وإما ال يكون الكالم صحيحًا‬
‫فنبحث عمن صنع وخلق الكون لنعبده‪.‬‬
‫ومبا أن أحدًا مل َيَّد ِع لنفسه صناعة هذه الكائنات‪ ،‬فهي تسلم لصاحبها وأنه ال إله إال اهلل‪ .‬إذن فالفطرة هتدينا أن وراء‬
‫هذا الكون العظيم قدرًة تناسب هذه العظمة؛ قدرة تناسب الدقة؛ هذه الدقة اليت أخذنا منها موازين لوقتنا؛ فقد‬
‫أخذنا من األفالك مقياسًا للزمن؛ ولوال حركة األفالك اليت تنظم الليل والنهار؛ ملا قسمنا اليوم إىل ساعات‪ ،‬ولوال أن‬
‫حركة األفالك مصنوعة بدقة متناهية؛ ملا استطعنا أن َنُعَّدها مقياسًا للزمن‪.‬‬
‫وحينما نستعرض قول احلق سبحانه وتعاىل‪{ :‬الشمس والقمر ُحِبْسَباٍن } [الرمحن‪.]5 :‬‬
‫جند أن كلمة (حبسبان) وردت مرتني‪ ،‬فقد أبلغنا احلق سبحانه وتعاىل‪ :‬أنه جعل الشمس والقمر حبسبان‪ ،‬أو حسبانا‪،‬‬
‫ومها من اآليات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه ومل خيلقهما عبثا بل حلكمة عظيمة‪ِ{ .‬لَتْع َلُم وْا َعَد َد السنني‬
‫واحلساب‪[ }...‬يونس‪.]5 :‬‬
‫فقد أخذنا من دورة الشمس والقمر مقياسًا‪ ،‬ومل نكن لنفعل ذلك إال أن كانت خملوقة حبساب؛ ألن الكون مصنوع‬
‫وخملوق على هذه الدرجة من الدقة واإلحكام هلذا جيب أن نلتفت إىل أن هناك قدرة وراء هذا العامل تناسب عظمته‪.‬‬
‫لكن أنعرف ماذا تريد هذه القوة بالعقل؟ إن أقصى ما يهدينا العقل هو أن نعرف أَّن هناك قوًة وال يعرف العقل اسم‬
‫هذه القوة‪ ،‬وكذلك مل يعرف العقل مطلوبات هذه القوة‪ ،‬وكان البد أن يأيت لنا رسوٌل من طرف تلك القوة ليقول‬
‫لنا مراَدها‪ ،‬وجاء املوكب الرسايل فجاءت الرسل ليبلغ كُّل رسوٍل مراَد احلق من اخللق‪ ،‬فقال كُّل رسول‪ :‬إن اسم‬
‫القوة اليت خلقتكم هو اهلل‪ ،‬وله مطلق التصرف يف هذا الكون‪ ،‬ومراد احلق من اخللق تعمري هذا الكون يف ضوء منهج‬

‫عبادة احلق الذي خلق اإلنسان والكون‪ .‬وكل هذه األمور ما كانت لتدرك بالعقل‪.‬‬
‫املؤكد أننا سنختلف يف التصور وإن احتدنا يف التعقل‪.‬‬
‫ونقول للفالسفة‪ :‬أنتم أوىل الناس بأن ترهفوا آذانكم جمليء رسول حيل لكم لغز هذا الكون‪ ،‬واسم القوة اليت وراء‬
‫هذا الكون‪ ،‬ومطلوب هذه القوة منا‪.‬‬
‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬
‫واحلق سبحانه وتعاىل يهدينا إىل هذا عرب الرسل‪ ،‬ويقول هنا‪َ{ :‬و ْذ َأَخ َذ َر ُّبَك ن بين َءاَدَم ن ُظُه وِر ْم ُذِّر َّيَتُه ْم‬
‫َو َأْش َه َد ُه ْم على َأنُف ِس ِه ْم َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى َش ِه ْدَنآ‪[ }...‬األعراف‪.]172 :‬‬
‫وهذه شهادة الفطرة‪ ،‬وحنن نرى أن الفطرة تكون موجودة يف الطفل املولود الذي يبحث بفمه عن ثدي أمه حىت ولو‬
‫كانت نائمة وميسك الثدي لريضع بالفطرة وبالغريزة‪ ،‬وهذه الفطرة هي اليت تصون اإلنسان منا يف حاجات كثرية‪،‬‬
‫ويف رد فعل االنعكاسي؛ مثال ذلك حني تقرب أصبعك من عني طفل‪ ،‬فيغمض عينيه دون أن يعلمه أحد ذلك‪.‬‬
‫وقد أشهدنا احلق على وحدانيته وحنن يف عامل الذر‪َ{ :‬و َأْش َه َد ُه ْم على َأنُف ِس ِه ْم َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى َش ِه ْدَنآ}‬
‫ويقال (أشهدته) أي جعلته شاهدًا‪ ،‬والشهادة على النفس َلْو ٌن من اإلقرار‪ ،‬واإلقرار سيد األدلة؛ ألنك حني ُتشهد‬
‫إنسانًا على غريه؛ فقد يغرّي الشاهد شهادته‪ ،‬ولكن األمر هنا أن اخللق شهدوا على أنفسهم وأخذ اهلل عليهم عهد‬
‫الفطرة خشية أن يقولوا يوم القيامة‪ِ{ :‬إَّنا ُك َّنا َعْن هذا َغاِفِلَني }‬

‫فحني يأيت يوم احلساب‪ ،‬ال داعي أو يقوَلن أحد إنين كنت غافًال‪.‬‬
‫ويتابع املوىل سبحانه‪ :‬وتعاىل قوله‪َ{ :‬أْو تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا‪.}...‬‬
‫{َأْو َتُقوُلوا ِإَمَّنا َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ْن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِم ْن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا َفَعَل اْلُم ْبِط ُلوَن (‬
‫‪})173‬‬
‫كأن احلق يريد أن يقطع عليهم حجة خمالفتهم ملنهج اهلل‪ ،‬فينبه إىل عهد الفطرة والطبيعة والسجية املطمورة يف كل‬
‫إنسان؛ حيث شهد كل كائن بأنه إلٌه واحٌد أَح ٌد ‪ ،‬ويذكرنا سبحانه هبذا العهد الفطري قبل أن توجد أغيار الشهوات‬
‫فينا‪.‬‬
‫{َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى} وهل كان أحد من الذر وهو يف علم اهلل وإرادته وقدرته جيرؤ على أن يقول‪ :‬ال لست‬
‫ريب؟‪ .‬طبعًا هذا مستحيل‪ ،‬وأجاب كل الذر بالفطرة (بلى)‪ .‬وهي حتمل نفي النفي‪ ،‬ونفي النفي إثبات مثل قوله احلق‪:‬‬
‫{َأَلْيَس اهلل ِبَأْح َك ِم احلاكمني} [التني‪.]8 :‬‬
‫و(أليس) لالستفهام عن النفي؛ ولذالك يقال لنا‪ :‬حني تسمع (أليس) عليك أن تقول (بلى) وبذلك تنفي النفي أي‬
‫أثبّت أنه ال يوجد أحكم احلاكمني غريه سبحانه‪ ،‬وهنا يقول احلق‪( :‬ألست بربكم)؟ وجاءت اإلجابة‪ :‬بلى شهدنا‪.‬‬
‫وملاذا كل ذلك؟ قال احلق ذلك ليؤكد لكل اخللق أهنم بالفطرة مؤمنون بأن اهلل هو الرب‪ ،‬والذي جعلهم يغفلون عن‬
‫هذه الفطرة حتُّر ك شهواهتم يف نطاق االختيار‪ ،‬ومع وجود الشهوات يف نطاق االختيار إن سألتهم من خلقهم؟‬
‫يقولون‪ :‬اهلل‪ ،‬ومادام هو الذي خلقهم فهو رهبم‪َ{ .‬و َلِئن َس َأْلَتُه ْم َّم ْن َخ َلَق السماوات واألرض َو َس َّخ َر الشمس والقمر‬
‫َلَيُقوُلَّن اهلل‪[ }...‬العنكبوت‪.]61 :‬‬
‫وجاء احلق بقصة هذه الشهادة حىت ال يقوَلَّن أحُد ‪ِ{ :‬إَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل}‬
‫وبذلك نعلم أن أعذار العاصين وأعذار الكافرين التي يتعللون ويعتذرون بها تنحصر في أمرين اثنين‪ :‬الغفلة عن‬
‫عهد الذر‪ ،‬وتقليد اآلباء‪.‬‬

‫وما الغفلة؟ وما التقليد؟‪ .‬الغفلة قد ال يسبقها كفر أو معصية‪ ،‬ويقلدها الناس الذين‬
‫يأتون من بعد ذلك‪ .‬واملثال الواضح أن سيدنا آدم عليه السالم قد أبلغ أوالده املنهج‬
‫السوي املستقيم لكنهم غفلوا عنه ومل يعد من الالئق أن يقول واحد منهم إن أباه قد‬
‫أشرك‪ .‬ولكن جاء هذا األمر من الغفلة‪ ،‬مث جاء إشراك اآلباء يف املرحلة الثانية؛ ألن‬
‫كل واحد لو قلد أباه في اإلشراك؛ النتهى الشرك إلى آدم‪ ،‬وآدم لم يكن‬
‫مشركًا‪ ،‬لكن الغفلة عن منهج اهلل المستقيم حدثت من بعض بني آدم‪ ،‬وكانت‬
‫هذه الغفلة نتيجة توهم أن هناك تكاليف شاقًة يتطلبها املنهج‪ ،‬فذهب بعض من أبناء‬
‫آدم إىل ما حيبون وتناسوا هذا املنهج ومل يعد يف بؤرة شعورهم؛ ألن اإلنسان إمنا ينفذ‬
‫دائمًا املوجود يف بؤرة شعوره‪ .‬أما الشيء الذي سيكلفه َم شَّق ة فهو حياول أن يتناساه‬
‫ويغفل عنه‪ ،‬هكذا كانت أول مرحلة من مراحل االنفصال عن منهج اهلل وهي الغفلة‬
‫يف آبائهم‪.‬‬
‫وهنا يضاف عامالن اثنان‪ :‬عامل الغفلة‪ ،‬وعامل األسوة يف أهله وآبائه‪ .‬ومل تكن‬
‫القضايا اإلميانية يف بؤرة الشعور‪ ،‬ولذلك يقال‪ :‬الغالب أال ينسى أحد ما له ولكنه‬
‫ينسى ما عليه؛ ألن اإلنسان حيفظ ما له عند غريه يف بؤرة الشعور‪ ،‬وخُي رج اإلنسان ما‬
‫عليه بعيدًا عن بؤرة الشعور‪.‬‬
‫وألن البعض قد يتصور أن يف التكليف اِإل مياين مشقة‪ ،‬لذلك فهو حياول أن يبعد عنه‬
‫وينساه‪ ،‬وكذلك حياول هذا البعض أن ينأى بنفسه عن هذه التكاليف‪.‬‬
‫ونأخذ املثل من حياتنا‪ :‬قد جند إنسانًا َم ِد ينًا حملل بقالة أو لنجَّاٍر وليس عنده مال‬
‫يعطيه له‪ ،‬لذلك حياول أن يبتعد عن حمل هذا البقال‪ ،‬أو أن يسري بعيدا عن أعني‬
‫النجار‪ .‬وهكذا يكون افتعال الغفلة يف ظاهره هو أمرًا َم ْنِج يًا من مشقات التكاليف‪،‬‬
‫لكن البشر يف ميثاق الذر قالوا‪{ :‬بلى َش ِه ْدَنآ}‬
‫وقد ُأِخ َذ ذلك العهُد عليهم‪ ،‬وُأقُّر وا به واستشهد احلُّق هبم‪ ،‬على أنفسهم حىت ال‬
‫يقولوا يوم القيامه {ِإَّنا ُك َّنا َعْن هذا َغاِفِلَني } ألنه ال يصح أن نغفل عن هذا العهد‬
‫أبدًا‪ ،‬ولكَّن احلَّق تبارك وتعاىل عَر َف أَّننا بشٌر ‪ ،‬وقال يف أبينا آدم‪َ{ :‬و َلَقْد َعِه ْدَنآ إىل‬
‫َءاَدَم ِم ن َقْبُل َفَنِس َي ‪[ }...‬طه‪.]115 :‬‬
‫ومادام آدم قد نسي‪ ،‬فنسيانه يقع عليه حيث بنَّي وأوضح لنا اإلسالم أن األمم السابقة‬
‫على اإلسالم تؤخذ بالنسيان‪ ،‬وجاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خبرب واضح‪ :‬فقال‬
‫عليه الصالة والسالم‪( :‬رفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)‪.‬‬
‫واخلطأ معلوم‪ ،‬كأن يقصَد اإلنساُن شيئًا وحيدث غريُه‪ ،‬والنسياُن أَّال جييَء احلكُم على‬
‫بال اإلنسان‪ .‬وا ْك َر ُه هو من يقهره من ُه و أْقوى منه بفقدان حياته أو بتهديد حريته‬
‫ُمل‬
‫وتقييدها ما مل يفعل ما يؤمر به‪ ،‬ويف احلاالت الثالث يرفع التكليف عن املسلم‪.‬‬
‫وذكر الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن اهلل أكرم األمة احملمدية بصفة خاصة برفع ما‬
‫ينساه املسلم‪ .‬وهذا دليل على أن من عاشوا قبل بعثة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كانوا يؤاخذون به‪ .‬وإذا سلسلنا من قبل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نصل إىل‬
‫سيدنا آدم الذي ُخ لق بيد اهلل املباشرة‪ ،‬بينما حنن أبناء آدم خملوقون بالقانون؛ أن‬
‫يوجد رجل وتوجد امرأة وتوجد عالقة زوجية فيأيت النسل‪.‬‬
‫وقد كلف اهلل آدم يف اجلنة اليت أعدها له ليتلقى التدريب على عمارة األرض بأمر‬
‫وهني؛ فقال له سبحانه وتعاىل‪َ{ :‬و ُكَال ِم ْنَه ا َر َغدًا َح ْيُث ِش ْئُتَم ا َو َال َتْق َر َبا هذه‬
‫الشجرة‪[ }...‬البقرة‪.]35 :‬‬
‫إذن فقصارى كل تكليف هو أمر يف (افعل)‪ ،‬وهني يف (ال تفعل)‪ ،‬وقد نسي آدم‬
‫التكليف يف األمر الواحد البسيط وهو املخلوق بيد اهلل واملكلف منه بأمر واحد أن‬
‫يأكل حيث يشاء وميتنع عن األكل من الشجرة‪ ،‬وإن مل يتذكر آدم ذلك‪ ،‬فما الذي‬
‫يتذكره؟ وما كان يصح أن ينسى ألنه خملوق بيد اهلل املباشرة ومكلف من اهلل‬
‫مباشرة‪ ،‬والتكليف وإن كان بأمرين؛ لكن ظاهر العبء فيه على أمر واحد؛ األكل‬
‫من حيث شاءا هو أمر ملصلحة آدم‪ ،‬و(ال تقرب) هو تكليف واحد‪.‬‬
‫ولذلك قال احلق يف آية أخرى‪ ...{ :‬وعصى َءاَدُم َر َّبُه فغوى} [طه‪.]121 :‬‬
‫وهو عصيان ألنه نسيان ألمر واحد‪ ،‬ما كان يصح أن ينساه‪ .‬لعدم تعدده ويقول احلق‬
‫تبارك وتعاىل‪َ{ :‬أْو تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِّم ن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا‬
‫َفَعَل املبطلون} [األعراف‪.]173 :‬‬
‫جاء هذا القول لينبهنا إىل أن الغفلة ال جيب أن تكون أسوة ألن التكاليف شاقة‪،‬‬
‫واإلنسان قد يسهو عنها فيورث هذا السهو إىل األجيال الالحقة فيقول األبناء‪َ{ :‬أْو‬
‫تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِّم ن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا َفَعَل املبطلون}‪.‬‬
‫وهذا يعين أن إمياهنم هو إميان املقلد‪ ،‬رغم أن احلق قد أرسل هلم البالغ‪ ،‬وإذا كان‬
‫اآلباء مبطلني للبالغ باملنهج فال يصح لألبناء أن يغفلوا عن صحيح اإلميان‪.‬‬
‫ويقول احلق بعد ذلك‪{ :‬وكذلك ُنَف ِّص ُل‪.}...‬‬

You might also like