Professional Documents
Culture Documents
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
َل ِه { ِإْذ َأ َذ ُّبَك ِم يِن آ ِم ُظ وِر ِه ُذِّر َّي َأْش َد َلى َأ ُفِس
ْن َب َدَم ْن ُه ْم َتُه ْم َو َه ُه ْم َع ْن ْم ْس ُت َو َخ َر
ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوا َبَلى َش ِه ْدَنا َأْن َتُقوُلوا َيْو َم اْلِق َياَم ِة ِإَّنا ُك َّنا َعْن َه َذ ا َغاِفِلَني (})172
ِه ِه ِض
َعْن َأيِب ُه َر ْيَر َة َر َي الَّلُه َعْنُه َ ،قاَل َ :قاَل َرُس وُل الَّل َص َّلى الَّلُه َعَلْي َو َس َّلَم َ " :لَّم ا َخ َل َق الَّل ُه آَدَم َم َس َح َظْه َر ُه َفَخ َرَج
ِم ْن َظْه ِرِه ُك ُّل َنَس َم ٍة ُه َو َخ اِلُقَه ا ِم ْن ُذِّر َّيِتِه ِإىَل َيْو ِم اْلِق َياَم ِة َ ،و َجَع َل َبَنْي َعْيْيَن ُك ِّل ِإْنَس اٍن ِم ْنُه ْم َو ِبيًص ا ِم ْن ُنوِر ِه ْم َّ ،مُث
ِم ِء ِء
َعَر َض ُه ْم َعَلى آَدَم َفَق اَل َ :أْي َر ِّب َمْن َه ُؤ اَل ؟ َق اَل َ :ه ُؤ اَل ُذِّر َّيُتَك َق اَل َ :فَر َأى َرُج اًل ْنُه ْم َأْع َجَب ُه َو ِبيَص َم ا َبَنْي
ِت ِم ِم ِخ ِه
َعْيَنْي َقاَل َ :يا َر ِّب َمْن َه َذ ا ؟ َقاَل َ :ه َذ ا َرُج ٌل ْن آ ِر اُأْلَم ِم ْن ُذِّر َّي َك ُيَق اَل َلُه َد اُو ُد َ ،قاَل َ :يا َر ِّب َ :ك ْم َجَعْلَت
ُعْم َر ُه ؟ َق اَل ِ :س ُّتوَن َس َنًة َ ،ق اَل َ :أْي َر ِّب َف ِز ْد ُه ِم ْن ُعْم ِر ي َأْر َبِعَني َس َنًة َق اَل ِ :إَذْن ُيْك َتُب َو ْخُيَتُم َو اَل ُيَب َّد ُل َفَلَّم ا
ِط ِم ِت
اْنَق َض ى ُعْم ُر آَدَم َج اَءُه َم َل ُك اْلَم ْو َق اَل َ :أَو ْمَل َيْب َق ْن ُعْم ِر ي َأْر َبُع وَن َس َنًة َق اَل َ :أَو ْمَل ُتْع َه ا اْبَن َك َداُو َد
َقاَل َ :فَجَح َد َفَجَح َدْت ُذِّر َّيُتُه َو َنِس َي َفَنِس يْت ُذِّر َّيُتُه َ ،و َخ ِط َئ َفَخ ِط َئْت ُذِّر َّيُتُه "
عد داُو د أح د األنبياء يف الديانة اإلسالمية أنِز ل عليه الزبور "املزامري" .يّد عي الدين اليهودي أن داُو د ارتكب الزنا
والقتل ولكن تاب ،حيث هذا ما يؤمن به المسيحيون واليهود .أما يف الديانة اإلسالمية فهو نيب وال يرتكب مثل
ذلك من حيث عصمة األنبياء .يظهر يف القرآن جالوت الذي هو نفسه جليات عند اليهود الذي قتله داُو د .ويف
و م ِبِإْذِن الّلِه َت ا اُلو آَتا الّل اْل ْلَك اِحْلْك َة َّل َّمِما َش اء َل َال ْف الّل ِه
َو َق َل َد ُو ُد َج َت َو ُه ُه ُم َو َم َو َع َم ُه َي َو ْو َد ُع سورة البقرة َو َر َدَ :فَهَزُم ُه
ِم ِك ِت
[( ]3سورة البقرة ،اآلية .)251 الَّناَس َبْع َض ُه ْم ِبَبْع ٍض َّلَف َس َد اَألْر ُض َو َلـ َّن الّلَه ُذو َفْض ٍل َعَلى اْلَعاَل َني
يذكر القرآن أن داُو د كان يف جيش طالوت ،الذي يفهم على أن األخري هو نفسه شاول.
نسبه[عدل]
هو داود بن أيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن حنشون بن عوينادب ابن إرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا
بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم اخلليل ،وخليفته يف أرض بيت املقدس.
قال حممد بن إسحاق عن بعض أهل العلم ،عن وهب بن منبه :كان داود قصريًا ،أزرق العينني ،قليل الشعر ،طاهر
القلب ونقيه.
ُذِّر َّية
[مفرد] :ج ُذِّر ّيات وَذرارُّي :
• َنْس ل ،أوالد ،وأصُلها بالهمزة وُخ ِّففت همزتها ،وتستخدم للمفرد والجمع ذكًر ا أو أنثى (انظر :ذ ر أ ُ -ذِّر َّية،
ذ ر ر ُ -ذِّر َّية) " {َو ِم ْن ُذِّر َّيِتِه َد اُو َد َو ُس َلْيَم اَن َو َأُّيوَب َو ُيوُس َف َو ُم وَس ى َو َه اُر وَن }." Al anam 84
• نساء وصغار "َال َتْق ُتْل ُذِّر َّيًة َو َال َعِس يًف ا [حديث] :من حديث النبّي صّلى الله عليه وسّلم لخالد ،وذلك عندما
رأى امرأة مقتولة ،والعسيف هو األجير".
• آباء وأجداد " {َو َءاَيٌة َلُه ْم َأَّنا َحَم ْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم ِفي اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن } ".
يقول تعاىل :وداللة هلم أيضا على قدرته –تبارك وتعاىل -تسخريه البحر ليحمل السفن ،فمن ذلك -بل أوله -سفينة
نوح اليت أجناه اهلل تعاىل فيها مبن معه من املؤمنني ،الذين مل يبق على وجه األرض من ذرية آدم غريهم؛ وهلذا
قالَ :و آَيٌة ُهَلْم َأَّنا َمَحْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم أي :آباءهم ،يِف اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن أي :يف السفينة اململوءة من األمتعة واحليوانات اليت
أمره اهلل أن حيمل فيها من كل زوجني اثنني
• طائفة " {َفَم ا َءاَم َن ِلُم وَس ى إَّال ُذِّر َّيٌة ِم ْن َقْو ِمِه َعَلى َخ ْو ٍف ِم ْن ِفْر َعْو َن }Yunus 83
ذرية
نسل اإلنسان ،ج ذراري وذريات
الذرية
بضم أوله وكسر ثانيه مع التشديد ،ج ذريات وذراري ،نسل اإلنسان
الفرق بين اآلل والذرية
آل الرجل :ذو قرابته ،وذريته :نسله .فكل ذرية آل ،وليس كل آل بذريد.وأيضا :اآلل يخص باالشراف ،وذوي
االقدار ،بحسب الدين ،أو الدنيا .فال يقال :آل حجام ،وآل حائك ،بخالف الذرية .اآلل والذرية في الكليات
268 :1.و .361 :2والفرائد .1 :فيهما :ذو قرابته
الفرق بين االبناء والذرية
أن االبناء يختص به أوالد الرجل وأوالد بناته الن أوالد البنات منسوبون إلى آبائهم كما قال الشاعر :بنوهن أبناء
الرجال االباعد بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ثم قيل للحسن والحسين عليهما السالم ولدا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم على التكريم ثم صار اسما لهما لكثرة االستعمال ،والذرية تنتظم االوالد والذكور واالناث والشاهد
قوله عزوجل \" ومن ذريته داود وسليمان \" ثم أدخل عيسى في ذريته.
الُّذ ِّر َّيُة :اَخلْلُق والَّنْس ُلَ ،م ْأخوَذٌة ِم ن الَّذ ْر ِء ،فتقولَ :ذَر َأ اُهلل اَخلْلَق ،أْي َ :خ َلَق ُه م ،وُذِّر َّيُة الَّر ُج ِل َ :و َلُد ُه .وِقيل :هو مأخوٌذ
ِص ِم ِق ِم
ن الَّذ ِّر ،وهو :الَّنْش ُر ،فُيقالَ :ذَّر الَّشيَءَ ،يُذ ُّر ُه ،أْي َ :نَش َر ُه .و يل :أْص ُلها ن الَّذ ِّر ،أْي :غاِر الَّنْم ِل ؛ ألَّن اَهلل َأْخ َرَج
ِم
اَخلْلَق ن ُصْلِب آَدَم َك الَّذ ِّر .واَجلْمُع :الَّذ راِر ي والُّذ ِّر ّياُت
إذن فاهلل عز وجل خياطب مجيَع خلقه ،وجييُبه مجيُع خلقه ،فال تقل :كيف خاطب املوىل سبحانه الذر ،والَذ ر مل يكن
مكلفًا بعد؟ ومل حياول العلماء أن يدخلوا يف هذه املسألة؛ ألهنا يف ظاهرها بعيدة عن العقل ،ويكفي أن ربنا اخلالق
القادر قد أبلغنا أنه قد خاطب الذرات قائال :ألست بربكم؟ .قالوا :بلَى .ويبدو من هذا القول أن املسألة متثيل للفطرة
املودعة يف النفس البشرية .وكأنه سبحانه قد أودع يف النفس البشرية والذات اإلنسانية فطرًة تؤكد له أَّن وراَء هذا
الكوِن إهلًا خالقًا قادرا مدبرا.
وقدميًا قلنا :هب أَّن طائرًة وقعت يف صحراء ،وحني أفقت من إغماءة اخلوف؛ فكّر ت يف حالك وكيف أنك ال جتد
طعامًا أو شرابًا أو أنيسًا ،وأصابك غٌّم من هذه احلالة فنمت ،مث استيقظت فوجدت مائدة عليها أطايب الطعام
والشراب ،أال تتلفت لتسأل من الذي أقام لك هذه املأدبة قبل أن متد يدك إىل أطايب الطعام؟ .كذلك اإلنسان الذي
طرأ على هذا الكون احلكيم الصنع؛ البديع التكوين؛ أال جيدُر بِه أن يسأل نفسه من خلق هذا الكون؟
الغفلة :ترك باختيار الغافل - .أما النسيان :فهو ترك بغري اختيار اإلنسان - .أما الذكر :فهو التخلص من الغفلة
والنسيان ()1؛ وهلذا قال اهلل تعاىلَ{ :و اَل َتُك ْن ِم َن اْلَغاِفِلَني }( ،)2ومل يقل وال تكن من الناسني؛ ألن النسيان ال
يدخل حتت التكليف فال ينهى عنه؛ لقول النيب -صلى اهلل عليه وسلم « :-إن اهلل وضع عن أميت اخلطأ والنسيان،
وما استكرهوا عليه» (.)3
إننا نعلم أن املصباح الكهريب احتاج لصناعته إىل علماء وصناع مهرة كثريين وإىل إمكانات ال حصر هلا لينري هذا
املصباح حجرة حمدودة ،وحني نرى الشمس تنري الكون كله ،وال يصيبها كلٌل أو تعٌب وال حتتاج منا إىل صيانة ،أال
نسأل من صنعها؟ وخصوصًا أَّن أحدًا مل يَّدع أنه قد صنعها ،وقد أبلغنا املوىل سبحانه وتعاىل بأنه هو الذي خلق
األرض وخلق الشمس وخلق القمر ،فإما أن يكون هذا الكالم صحيحًا؛ فنعبده ،وإما ال يكون الكالم صحيحًا
فنبحث عمن صنع وخلق الكون لنعبده.
ومبا أن أحدًا مل َيَّد ِع لنفسه صناعة هذه الكائنات ،فهي تسلم لصاحبها وأنه ال إله إال اهلل .إذن فالفطرة هتدينا أن وراء
هذا الكون العظيم قدرًة تناسب هذه العظمة؛ قدرة تناسب الدقة؛ هذه الدقة اليت أخذنا منها موازين لوقتنا؛ فقد
أخذنا من األفالك مقياسًا للزمن؛ ولوال حركة األفالك اليت تنظم الليل والنهار؛ ملا قسمنا اليوم إىل ساعات ،ولوال أن
حركة األفالك مصنوعة بدقة متناهية؛ ملا استطعنا أن َنُعَّدها مقياسًا للزمن.
وحينما نستعرض قول احلق سبحانه وتعاىل{ :الشمس والقمر ُحِبْسَباٍن } [الرمحن.]5 :
جند أن كلمة (حبسبان) وردت مرتني ،فقد أبلغنا احلق سبحانه وتعاىل :أنه جعل الشمس والقمر حبسبان ،أو حسبانا،
ومها من اآليات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه ومل خيلقهما عبثا بل حلكمة عظيمةِ{ .لَتْع َلُم وْا َعَد َد السنني
واحلساب[ }...يونس.]5 :
فقد أخذنا من دورة الشمس والقمر مقياسًا ،ومل نكن لنفعل ذلك إال أن كانت خملوقة حبساب؛ ألن الكون مصنوع
وخملوق على هذه الدرجة من الدقة واإلحكام هلذا جيب أن نلتفت إىل أن هناك قدرة وراء هذا العامل تناسب عظمته.
لكن أنعرف ماذا تريد هذه القوة بالعقل؟ إن أقصى ما يهدينا العقل هو أن نعرف أَّن هناك قوًة وال يعرف العقل اسم
هذه القوة ،وكذلك مل يعرف العقل مطلوبات هذه القوة ،وكان البد أن يأيت لنا رسوٌل من طرف تلك القوة ليقول
لنا مراَدها ،وجاء املوكب الرسايل فجاءت الرسل ليبلغ كُّل رسوٍل مراَد احلق من اخللق ،فقال كُّل رسول :إن اسم
القوة اليت خلقتكم هو اهلل ،وله مطلق التصرف يف هذا الكون ،ومراد احلق من اخللق تعمري هذا الكون يف ضوء منهج
عبادة احلق الذي خلق اإلنسان والكون .وكل هذه األمور ما كانت لتدرك بالعقل.
املؤكد أننا سنختلف يف التصور وإن احتدنا يف التعقل.
ونقول للفالسفة :أنتم أوىل الناس بأن ترهفوا آذانكم جمليء رسول حيل لكم لغز هذا الكون ،واسم القوة اليت وراء
هذا الكون ،ومطلوب هذه القوة منا.
ِه ِم ِم ِإ
واحلق سبحانه وتعاىل يهدينا إىل هذا عرب الرسل ،ويقول هناَ{ :و ْذ َأَخ َذ َر ُّبَك ن بين َءاَدَم ن ُظُه وِر ْم ُذِّر َّيَتُه ْم
َو َأْش َه َد ُه ْم على َأنُف ِس ِه ْم َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى َش ِه ْدَنآ[ }...األعراف.]172 :
وهذه شهادة الفطرة ،وحنن نرى أن الفطرة تكون موجودة يف الطفل املولود الذي يبحث بفمه عن ثدي أمه حىت ولو
كانت نائمة وميسك الثدي لريضع بالفطرة وبالغريزة ،وهذه الفطرة هي اليت تصون اإلنسان منا يف حاجات كثرية،
ويف رد فعل االنعكاسي؛ مثال ذلك حني تقرب أصبعك من عني طفل ،فيغمض عينيه دون أن يعلمه أحد ذلك.
وقد أشهدنا احلق على وحدانيته وحنن يف عامل الذرَ{ :و َأْش َه َد ُه ْم على َأنُف ِس ِه ْم َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى َش ِه ْدَنآ}
ويقال (أشهدته) أي جعلته شاهدًا ،والشهادة على النفس َلْو ٌن من اإلقرار ،واإلقرار سيد األدلة؛ ألنك حني ُتشهد
إنسانًا على غريه؛ فقد يغرّي الشاهد شهادته ،ولكن األمر هنا أن اخللق شهدوا على أنفسهم وأخذ اهلل عليهم عهد
الفطرة خشية أن يقولوا يوم القيامةِ{ :إَّنا ُك َّنا َعْن هذا َغاِفِلَني }
فحني يأيت يوم احلساب ،ال داعي أو يقوَلن أحد إنين كنت غافًال.
ويتابع املوىل سبحانه :وتعاىل قولهَ{ :أْو تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا.}...
{َأْو َتُقوُلوا ِإَمَّنا َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ْن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِم ْن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا َفَعَل اْلُم ْبِط ُلوَن (
})173
كأن احلق يريد أن يقطع عليهم حجة خمالفتهم ملنهج اهلل ،فينبه إىل عهد الفطرة والطبيعة والسجية املطمورة يف كل
إنسان؛ حيث شهد كل كائن بأنه إلٌه واحٌد أَح ٌد ،ويذكرنا سبحانه هبذا العهد الفطري قبل أن توجد أغيار الشهوات
فينا.
{َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوْا بلى} وهل كان أحد من الذر وهو يف علم اهلل وإرادته وقدرته جيرؤ على أن يقول :ال لست
ريب؟ .طبعًا هذا مستحيل ،وأجاب كل الذر بالفطرة (بلى) .وهي حتمل نفي النفي ،ونفي النفي إثبات مثل قوله احلق:
{َأَلْيَس اهلل ِبَأْح َك ِم احلاكمني} [التني.]8 :
و(أليس) لالستفهام عن النفي؛ ولذالك يقال لنا :حني تسمع (أليس) عليك أن تقول (بلى) وبذلك تنفي النفي أي
أثبّت أنه ال يوجد أحكم احلاكمني غريه سبحانه ،وهنا يقول احلق( :ألست بربكم)؟ وجاءت اإلجابة :بلى شهدنا.
وملاذا كل ذلك؟ قال احلق ذلك ليؤكد لكل اخللق أهنم بالفطرة مؤمنون بأن اهلل هو الرب ،والذي جعلهم يغفلون عن
هذه الفطرة حتُّر ك شهواهتم يف نطاق االختيار ،ومع وجود الشهوات يف نطاق االختيار إن سألتهم من خلقهم؟
يقولون :اهلل ،ومادام هو الذي خلقهم فهو رهبمَ{ .و َلِئن َس َأْلَتُه ْم َّم ْن َخ َلَق السماوات واألرض َو َس َّخ َر الشمس والقمر
َلَيُقوُلَّن اهلل[ }...العنكبوت.]61 :
وجاء احلق بقصة هذه الشهادة حىت ال يقوَلَّن أحُد ِ{ :إَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل}
وبذلك نعلم أن أعذار العاصين وأعذار الكافرين التي يتعللون ويعتذرون بها تنحصر في أمرين اثنين :الغفلة عن
عهد الذر ،وتقليد اآلباء.
وما الغفلة؟ وما التقليد؟ .الغفلة قد ال يسبقها كفر أو معصية ،ويقلدها الناس الذين
يأتون من بعد ذلك .واملثال الواضح أن سيدنا آدم عليه السالم قد أبلغ أوالده املنهج
السوي املستقيم لكنهم غفلوا عنه ومل يعد من الالئق أن يقول واحد منهم إن أباه قد
أشرك .ولكن جاء هذا األمر من الغفلة ،مث جاء إشراك اآلباء يف املرحلة الثانية؛ ألن
كل واحد لو قلد أباه في اإلشراك؛ النتهى الشرك إلى آدم ،وآدم لم يكن
مشركًا ،لكن الغفلة عن منهج اهلل المستقيم حدثت من بعض بني آدم ،وكانت
هذه الغفلة نتيجة توهم أن هناك تكاليف شاقًة يتطلبها املنهج ،فذهب بعض من أبناء
آدم إىل ما حيبون وتناسوا هذا املنهج ومل يعد يف بؤرة شعورهم؛ ألن اإلنسان إمنا ينفذ
دائمًا املوجود يف بؤرة شعوره .أما الشيء الذي سيكلفه َم شَّق ة فهو حياول أن يتناساه
ويغفل عنه ،هكذا كانت أول مرحلة من مراحل االنفصال عن منهج اهلل وهي الغفلة
يف آبائهم.
وهنا يضاف عامالن اثنان :عامل الغفلة ،وعامل األسوة يف أهله وآبائه .ومل تكن
القضايا اإلميانية يف بؤرة الشعور ،ولذلك يقال :الغالب أال ينسى أحد ما له ولكنه
ينسى ما عليه؛ ألن اإلنسان حيفظ ما له عند غريه يف بؤرة الشعور ،وخُي رج اإلنسان ما
عليه بعيدًا عن بؤرة الشعور.
وألن البعض قد يتصور أن يف التكليف اِإل مياين مشقة ،لذلك فهو حياول أن يبعد عنه
وينساه ،وكذلك حياول هذا البعض أن ينأى بنفسه عن هذه التكاليف.
ونأخذ املثل من حياتنا :قد جند إنسانًا َم ِد ينًا حملل بقالة أو لنجَّاٍر وليس عنده مال
يعطيه له ،لذلك حياول أن يبتعد عن حمل هذا البقال ،أو أن يسري بعيدا عن أعني
النجار .وهكذا يكون افتعال الغفلة يف ظاهره هو أمرًا َم ْنِج يًا من مشقات التكاليف،
لكن البشر يف ميثاق الذر قالوا{ :بلى َش ِه ْدَنآ}
وقد ُأِخ َذ ذلك العهُد عليهم ،وُأقُّر وا به واستشهد احلُّق هبم ،على أنفسهم حىت ال
يقولوا يوم القيامه {ِإَّنا ُك َّنا َعْن هذا َغاِفِلَني } ألنه ال يصح أن نغفل عن هذا العهد
أبدًا ،ولكَّن احلَّق تبارك وتعاىل عَر َف أَّننا بشٌر ،وقال يف أبينا آدمَ{ :و َلَقْد َعِه ْدَنآ إىل
َءاَدَم ِم ن َقْبُل َفَنِس َي [ }...طه.]115 :
ومادام آدم قد نسي ،فنسيانه يقع عليه حيث بنَّي وأوضح لنا اإلسالم أن األمم السابقة
على اإلسالم تؤخذ بالنسيان ،وجاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خبرب واضح :فقال
عليه الصالة والسالم( :رفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
واخلطأ معلوم ،كأن يقصَد اإلنساُن شيئًا وحيدث غريُه ،والنسياُن أَّال جييَء احلكُم على
بال اإلنسان .وا ْك َر ُه هو من يقهره من ُه و أْقوى منه بفقدان حياته أو بتهديد حريته
ُمل
وتقييدها ما مل يفعل ما يؤمر به ،ويف احلاالت الثالث يرفع التكليف عن املسلم.
وذكر الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن اهلل أكرم األمة احملمدية بصفة خاصة برفع ما
ينساه املسلم .وهذا دليل على أن من عاشوا قبل بعثة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
كانوا يؤاخذون به .وإذا سلسلنا من قبل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نصل إىل
سيدنا آدم الذي ُخ لق بيد اهلل املباشرة ،بينما حنن أبناء آدم خملوقون بالقانون؛ أن
يوجد رجل وتوجد امرأة وتوجد عالقة زوجية فيأيت النسل.
وقد كلف اهلل آدم يف اجلنة اليت أعدها له ليتلقى التدريب على عمارة األرض بأمر
وهني؛ فقال له سبحانه وتعاىلَ{ :و ُكَال ِم ْنَه ا َر َغدًا َح ْيُث ِش ْئُتَم ا َو َال َتْق َر َبا هذه
الشجرة[ }...البقرة.]35 :
إذن فقصارى كل تكليف هو أمر يف (افعل) ،وهني يف (ال تفعل) ،وقد نسي آدم
التكليف يف األمر الواحد البسيط وهو املخلوق بيد اهلل واملكلف منه بأمر واحد أن
يأكل حيث يشاء وميتنع عن األكل من الشجرة ،وإن مل يتذكر آدم ذلك ،فما الذي
يتذكره؟ وما كان يصح أن ينسى ألنه خملوق بيد اهلل املباشرة ومكلف من اهلل
مباشرة ،والتكليف وإن كان بأمرين؛ لكن ظاهر العبء فيه على أمر واحد؛ األكل
من حيث شاءا هو أمر ملصلحة آدم ،و(ال تقرب) هو تكليف واحد.
ولذلك قال احلق يف آية أخرى ...{ :وعصى َءاَدُم َر َّبُه فغوى} [طه.]121 :
وهو عصيان ألنه نسيان ألمر واحد ،ما كان يصح أن ينساه .لعدم تعدده ويقول احلق
تبارك وتعاىلَ{ :أْو تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِّم ن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا
َفَعَل املبطلون} [األعراف.]173 :
جاء هذا القول لينبهنا إىل أن الغفلة ال جيب أن تكون أسوة ألن التكاليف شاقة،
واإلنسان قد يسهو عنها فيورث هذا السهو إىل األجيال الالحقة فيقول األبناءَ{ :أْو
تقولوا ِإَمَّنآ َأْش َر َك آَباُؤ َنا ِم ن َقْبُل َو ُك َّنا ُذِّر َّيًة ِّم ن َبْع ِدِه ْم َأَفُتْه ِلُك َنا َمِبا َفَعَل املبطلون}.
وهذا يعين أن إمياهنم هو إميان املقلد ،رغم أن احلق قد أرسل هلم البالغ ،وإذا كان
اآلباء مبطلني للبالغ باملنهج فال يصح لألبناء أن يغفلوا عن صحيح اإلميان.
ويقول احلق بعد ذلك{ :وكذلك ُنَف ِّص ُل.}...