Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 240

‫ممر الهالك‬

‫(ساليچيا)‬
‫ممر الهالك‬
‫(ساليچيا)‬
‫‪z z‬‬ ‫رواية‬

‫محمد محمود سليمان‬


‫اإلهداء‬

‫�إىل «ال» �شالتني‬


‫وكل من وما قابلته فيها ‪..‬‬
‫و�إىل �آن)‬
‫ابنتي التي �أبعدتني عنها ال�شالتني يف حلظات ا�ستثنائية‬
‫من حياتها‪ ،‬ك�أن تقهقه للمرة الأوىل!‬
‫ولأنني ال �أ�ضمن �أن �أكتب ثانية ف�أهديها فيما هو قادم‪.‬‬
‫و�إىل خا�صية مكاملات الفيديو‬
‫التي جعلتني ولو �أحلق جز ًءا ً‬
‫ب�سيطا مما فاتني معها‪.‬‬
‫و�إىل زوجتي منى) التي حتملت كث ًريا و�أنا هناك‪..‬‬
‫و�إىل‪� :‬أحمد عادل فتوح‪-‬حممود بحرية‪�-‬أ�سامة الغروبي‪-‬‬
‫حممد را�شد عريبي‬
‫الذين لوالهم ملا كانت الرحلة ممكنة!‬
‫و�إىل د‪� .‬أحمد خالد توفيق‬
‫الذي جاءين خرب وفاته يف �آخر �أيامي ب�شالتني‪ ،‬وك�أنها‬
‫تفاجئني كلما توقعت النجاة‪..‬‬
‫وتدخر يل كل قبيح‪..‬‬
‫�إىل الرجل الذي مل �أت�رشف مبقابلته ولكن كلماته نحتت‬
‫بداخلي الكثري‪.‬‬
‫�إىل الرجل الذي مل �أت�صور �أن �أحزن عليه كل هذا احلزن‬
‫و�أنا مل �ألتق به مطل ًقا‪..‬‬
‫كنا نح�سب �أنه مل يعد هناك مكان بالقلب ليحمل �أحزانًا‬
‫�أخرى‪.‬‬
‫فجاء هو ‪-‬الذي يتحرك يف ال�ضياء‪ -‬ليزيح كل الأحزان‬
‫ويعلمنا ما معنى امل�صاب اجللل‪.‬‬
‫ع�سى �أن تكون يف جنتك الآن �أيها الغريب!‬
‫«اهجر كل أمل‪ ..‬يا من تدخل»‬
‫دانتى �أليجيريى‬
‫بهان‬

‫بهان‪ ،‬بهان‪� ،‬أين �أنت يا بهان؟‬


‫تنادي الأم «جيلكا» ابنها «بهان» الذي يبلغ من العمر‬
‫ت�سعة �أعوام من داخل بيتهم املتوا�ضع‪ ،‬على حافة العا�صمة‬
‫«قريجار» املدينة الأهم �ش�أ ًنا يف اململكة الأعظم «رينجار»‪.‬‬
‫اتركي بهان حلاله‪ ،‬فهو و�أخته ي�صنعان ح�صا ًنا‬
‫خ�شب ًيا لي�شاركا به يف احتفالية الن�شء باملهرجان‬
‫ال�سنوي الكبري‪.‬‬
‫يرد عليها زوجها يف هدوء‪ ،‬دون �أن يحول نظره عن‬
‫�أوالده من نافذة البيت‪.‬‬
‫هل ً‬
‫فعل �سيحدث ما �سمعته يا جرينبان؟‬
‫‪15‬‬
‫تقولها بانتباه وبنربة خفي�ضة متنا�سية �سابق ع�صبيتها‬
‫يف نداء ابنها‪.‬‬
‫وما هو الذي �سمعته يا جيلكا؟‬
‫هل �ستقام م�سابقة ال�سيف هذا العام؟‬
‫ت�س�أله بلهفة م�شوبة بارجتاف لل�سانها‪.‬‬
‫يقال �إن ملكنا املعظم �سيقوم بنف�سه باملبارزة‪،‬‬
‫و�سي�شرتك جميع الأمراء‪ ،‬بل وحكام الأقاليم‪.‬‬
‫ملكنا املعظم �سي�شارك؟‬
‫ت�صرخ ب�صوت �أعلى من ندائها البنها لدرجة �أنهما‬
‫�سمعاها‪ ،‬فيجري ً‬
‫قافل هو و�أخته «ترينا» لداخل البيت‪.‬‬
‫يعتدل والدهم موج ًها كالمه لهم‪:‬‬
‫الأنباء تقول هذا‪ ،‬ال يعلم �أحد مدى �صحة الكالم‪،‬‬
‫ولكن كد�أب �أبناء النور‪ ،‬ال توجد حرارة بدون «نيربا»‬
‫تلك الكرة املتوهجة التي ت�ضيء حياتهم با�ستمرار‪.‬‬
‫ما الذي يعنيه هذا يا �أبي؟‬
‫ي�س�أله ال�صغري يف لهفة‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫متاما!‬
‫�أي �أن للأمر حقيقته‪ ،‬حتى ولو مل يكن حقيق ًيا ً‬
‫�إذن �سرنى امللك يقاتل مرة �أخرى؟‬
‫ت�س�أله ابنته التي مل تبلغ ال�سابعة بعد‪.‬‬
‫ي�سرح ً‬
‫قليل يف النافذة‪ ،‬ثم يعتدل ب�شبح ابت�سامة‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬هذا من حظكما‪� ،‬أنتما ال تعلمان ما يف هذا من‬
‫�شرف‪.‬‬
‫ي�صرخ ال�صغريان يف فرحة ويتقافزان يف املكان‪:‬‬
‫�أبي‪� ،‬أبي‪ ،‬هل ح ًقا ر�أيته يقاتل يف املعركة الأخرية‬
‫ر�أي العني؟‬
‫ي�شع احلما�س من عينيه‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫رد مقت�ضب �أخر�سهما‪ ،‬تت�سع عيناهما يف ذعر‪.‬‬
‫بل قاتلت بجانبه يف �أ�شد حلظاتها‪ ،‬ومن َثم �أقطعني‬
‫تلك الهكتارات من الأر�ض على م�شارف العا�صمة‪.‬‬
‫فيقفزان مرة �أخرى‪ ،‬ومي�سك كل منهما ب�سيف خ�شبي‬
‫منا�سب لطوله ويتقاتالن يف لهو وفرحة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫ينظر جرينبان �إىل زوجته ال�ساهمة ويباغتها بقوله‪:‬‬
‫ما بك يا �أم الأوالد؟‬
‫�أال تعرف ما بي ح ًقا؟‬
‫ال‪ ،‬ما الداعي للقلق يف �أكرث حلظات البالد بهجة؟‬
‫�أال تتذكر �آخر مرة قاتل فيها ملك يف مبارزة لل�سيف‬
‫ما حدث بالبالد‪.‬‬
‫جيدا‪ ،‬وهل ما هم فيه الآن‬
‫ت�صدمه الذاكرة‪ ،‬نعم يتذكر ً‬
‫وتغري خارطة الكون الذي يعي�شونه �إال جراء ذلك‪.‬‬
‫ها هل تذكرت؟‬
‫ينت�شله �صوت زوجته من وجومه‪.‬‬
‫هل تتذكر كيف قاتل اجلد لأكرب مللكنا املعظم‪ ،‬امللك‬
‫الأ�سبق نيهجار بب�سالة يف تلك امل�سابقة‪ ،‬ولكن هُ زم‬
‫على يد جمهول من عامة ال�شعب‪ ،‬والذي ات�ضح فيما‬
‫بعد �أنه �أحد ظالل ال�ساحر الأكرب ذي ال�سبعة ظالل‪.‬‬
‫يظل على �صمته حمد ًقا يف الفراغ‪.‬‬
‫وكيف جر هذا اململكة �إىل حرب �ضرو�س خ�سرت‬
‫فيها الكثري من �أبنائها �إىل �أن ُقتل ذلك الظل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ت�صمت هي الأخرى حمدقة يف الفراغ‪.‬‬
‫�أو تتذكر ذلك القتال بني عم امللك املعظم و�أبيه‬
‫ذلك الذي انتهى مبقتل العم؛ امللك �ساعتها‪ ،‬وانتقال‬
‫الأمر لأبيه‪ ،‬وما تخلله من �أحداث منها تلك احلرب‬
‫الأهلية يف رينجار التي هلك فيها �أبواي!!‬
‫نف�سا عمي ًقا‪:‬‬
‫يفرك �أ�صابعه فيما بينها‪ ،‬ي�أخذ ً‬
‫ما قد حدث قد حدث‪ ،‬ولوال �أنه حدث ملا �آل م�آلنا‬
‫�إىل ما فيه الآن‪.‬‬
‫تتكلم بالألغاز كعادتك حينما ال تريد الت�صريح‪.‬‬
‫تقولها حانقة‪.‬‬
‫أبي‪ ،‬احك لنا كيف �شاركت يف تلك املعركة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫�أبي‪� ،‬‬
‫�أتعلم؟‪� ،‬أنت الأوحد من بني جميع �آباء �صديقاتي‬
‫الذي �شارك يف تلك احلرب‪ ،‬و�إين لأحكي لهن ما‬
‫دوما‪.‬‬
‫حدث ً‬
‫ت�ضحك ال�صغرية يف براءة‪.‬‬
‫يبت�سم الأب‪ ،‬دائ ًما ما يحدث نف�سه ب�أن الب�شر يتكلمون‬
‫عن احلرب كنزهة‪ ،‬كمبارزات للهو‪ ،‬ال يدري �أحدهم ما‬
‫‪19‬‬
‫تعنيه قطرات الدم على ن�صل ال�سيف‪ ،‬ال يدرك �أحدهم‬
‫معنى �أن ترتقب املوت الذي يح�صد منجله الر�ؤو�س من‬
‫حولك‪.‬‬
‫�أبي هل يعرفك ملكنا املعظم �شخ�ص ًيا؟‬
‫ينت�شله �صوت ابنه من �أفكاره‪:‬‬
‫نعم يعرفني‪ ،‬يعرفني حق املعرفة‪.‬‬
‫لطاملا ت�ساءلت ملاذا يقتطع لك امللك كل تلك الأرا�ضي‬
‫دونا عن اجلميع؟ ما الذي مييز ذلك الفالح معدوم‬
‫الن�سب‪ ،‬اجلندي الذي يذخر جي�شنا ب�آالف مثله؟‪،‬‬
‫ليهبه هو دون �سواه‪.‬‬
‫تلمح امر�أته ملا حت�سبه �س ًرا يخبئه عنها‪.‬‬
‫متعمدا‪ ،‬ينظر �إىل ابنيه بحنني جارف‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتجاهلها‬
‫هل تريدان �أن ت�سمعا حكاية املعركة مرة �أخرى؟‬
‫يتقافزان يف فرحة مهللني ب�شعارات املوافقة ليبد�أ‬
‫احلكي املعتاد‪....‬‬
‫وتغادر زوجته‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫‪20‬‬
‫المعركة األخيرة‬
‫ال �أحد يعرف بال�ضبط متى بد�أت احلكاية‪ ،‬كل ما يعيه‬
‫الأحياء هنا �أنهم �أبناء النور‪ ،‬عباد الإله الأوحد‪� ،‬ساكني‬
‫�أر�ض رينجار التي �سميت على ا�سم �أبيهم الأول جار‪.‬‬
‫تتو�سط رايتهم البي�ضاء دائرة مطلية باللون الأ�صفر‬
‫دوما بال اختفاء �أو غروب‬‫كما الدائرة التي تنري �أر�ضهم ً‬
‫فتحييها وحتييهم؛ (نيربا)‪ ،‬لذا عرفوا ب�أبناء النور‪.‬‬
‫تنتهي حدود �أر�ضهم ناحية الغرب واجلنوب ببحر‬
‫حميط مل يعربه �أحد ً‬
‫قبل ورجع‪� ،‬أو هكذا ُي�شاع‪ ،‬ويحيط‬
‫بهم من ال�شرق وال�شمال �سال�سل من اجلبال العظيمة‪.‬‬
‫تف�صلهم عن �أر�ض الديجور يف ال�شرق التي يطلق‬
‫�ساكنوها عليها (نريفور)‪ ،‬وتف�صلهم عن موطن احلكماء‬
‫‪21‬‬
‫يف ال�شمال الذي ُيعرب �إليه عن طريق ممر الهالك‬
‫(�ساليچيا)‪.‬‬
‫تتكون كال الأر�ضني من �سبعة �أقاليم‪.‬‬
‫رينجار يحكم كل �أقاليم عائلة ميتد ن�سلها لأحد �أبناء‬
‫جار الأعظم ال�سبعة‪.‬‬
‫�أما نريفور فتنق�سم �إىل عدة �أنواع خمتلفة‪� ،‬أقواهم‬
‫ال�سحرة‪ ،‬و�أ�ضعفهم الأقزام‪.‬‬
‫ال ي�صل �ضوء نيربا �إليهم‪ ،‬لذا يعي�شون يف ظالم ومن‬
‫هنا �أ�سموها ‪�-‬أبناء النور‪ -‬ب�أر�ض الديجور‪.‬‬
‫قيل ب�أن �أهل نريفور خلقوا من �ضوء نيربا لذا ال يحتاجون‬
‫لها‪ ،‬فهم م�ضي�ؤون بذاتهم‪.‬‬
‫يف حقبة بعيدة قبل خلق جار ب�سط ال�سحرة حكمهم على‬
‫كامل الأر�ضني‪ ،‬بل وتناحروا مع بع�ضهم البع�ض على �أر�ض ‬
‫رينجار قبل �أن ت�سمى بهذا‪.‬‬
‫وعندما خلق اهلل جار‪� ،‬أعطاه حكم �أر�ض النور‪ ،‬ولن�سله‬
‫من بعده‪.‬‬
‫ثار ال�سحرة وقاتلوا على ملكهم املفقود‪ ،‬ولكن جار كان‬
‫مكتمل اخللق‪ ،‬قيل �أنه �أقوى خملوق ظهر على الإطالق‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫تزوج جار �سبعة زوجات من خملوقات نريفور ال�سبعة؛‬
‫ال�سحرة‪ ،‬ذوو الأجنحة‪ ،‬ال�صخريون‪ ،‬احلفارون‪ ،‬املائيون‪،‬‬
‫العمالقة‪ ،‬والأقزام‪.‬‬
‫خطوة منه ال�ستتباب �أمره ودح�ض �شر مناوئيه‪ ،‬و�أجنب‬
‫منهن كلهن عدا ال�ساحرة‪ ،‬كانت كل مرة ُت َخ َّ�صب منه‪،‬‬
‫ينزل جنينها ميتًا‪.‬‬
‫قيل �أنه ت�ضرع للإله الأوحد ليهبه زوجة غريها‪ ،‬ف�أمره‬
‫�أن ميتنع عن جماع �أزواجه ملدة �سبعة �أيام كاملة‪ ،‬وبعدها‬
‫يذهب بكل زوجة وابنها ليبني لهم بيتًا يف �أقاليم �أر�ض النور‬
‫ال�سبعة‪ ،‬ويق�ضي �سبعة �أيام بالتبادل يف كل بيت‪ ،‬وبعد هذه‬
‫املدة يلبث يف قريجار‪ ،‬املدينة التي تتو�سط �أر�ض رينجار‬
‫وحيدا‪ ،‬بعد �أن يرجع‬
‫وعا�صمتها بعد ذلك‪ ،‬ملدة �سبعة �أيام ً‬
‫زوجته ال�سابعة �سليلة ال�سحرة �إىل قومها‪.‬‬
‫فعل جار كل ما طلب منه حرف ًيا‪ ،‬وحملت زوجاته‬
‫ب�ستة �أبناء �أخرين‪ ،‬ولدنهن كلهن �إنا ًثا‪ ،‬زوجات �أبنائهم‬
‫امل�ستقبليات‪.‬‬
‫ويف نهاية اليوم ال�سابع �سمع طرقات على باب بيته‬
‫فجفل!‪� ،‬إنه وحيد يف قريجار وزوجاته يف �أطراف �أر�ضه ال ‬
‫ي�ستطعن املجيء وحدهن‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فتح الباب ليفاجئ بن�سخة �شبيهة منه‪ ،‬ن�سخة ن�سائية‬
‫�شبيهة منه‪ ،‬من هذه؟!‬
‫�أنا جارا‪ ..‬زوجتك الهدية من الإله‪.‬‬
‫�أجنبت له جارا تو�أم‪ ،‬فيار وفيارا‪ ،‬الذي امتد ن�سلهما‬
‫حتى الآن يف العا�صمة‪ ،‬والذي حكم �أر�ض النور معظم‬
‫فرتاتها‪.‬‬
‫�أما �شفينخرتا‪ ،‬زوجته ال�ساحرة فعادت �إىل قومها جتر‬
‫�أذيال اخليبة‪ ،‬وكان يحكمهم �آن ذاك الظل ال�ساد�س من‬
‫ً‬
‫فانتظروا طويل حتى حانت الفر�صة‪،‬‬ ‫ال�ساحر اخلام�س‪،‬‬
‫وذهبوا �إىل قريجار‪ ،‬اختطفوا جارا و�أوالدها دون علم‬
‫زوجها‪ ،‬ومتثلت �شفينخرتا يف �صورة جارا‪ ،‬لتحمل منه بولد‬
‫وتفر هاربة قافلة �إىل �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫علم جار باملكيدة التي وقع فيها‪ ،‬ف�شن هو و�أبنا�ؤه‬
‫و�أحفاده �أول معركة �ضد �أر�ض الديجور‪ ،‬نعم ا�ستطاعوا ‬
‫ت�أديب من قاتلهم من ال�سحرة‪ ،‬و�أن ي�سرتد زوجته و�أبنائه‬
‫من الأ�سر‪ ،‬مبعاونة �أخوال �أوالده هناك‪ ،‬لكن مل ي�ستطع �أن‬
‫ي�سرتد ابنه‪ ،‬ابنه الثامن‪.‬‬
‫حني حانت حلظة موت جار‪ ،‬دعا �أوالده من كافة �أرا�ضي‬
‫النور ليو�صيهم‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫ثم جعل خالفته يف ن�سله النقي من جارا‪� ،‬سمع همهمات‬
‫من هنا وهناك‪ ،‬ف�أعلن لهم �أن هذا هو حكم الإله‪ ،‬ف�سكتوا‪،‬‬
‫و�أ�ضاف �أنه حتى لو �أخذ املُلك �أحد ن�سله الآخرين‪ ،‬ف�إنه‬
‫راجع وال حمالة �إىل �أبناء فيار وفيارا‪.‬‬
‫ثم �أو�صاهم نهاية بالوحدة وعدم الفرقة‪ ،‬حتى ال ‬
‫يحكمهم �أبناء �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫قيل ب�أن �آخر كلمة نطقها كانت‪�( :‬شفينخرتا ‪ ..‬ال)‪،‬‬
‫و�أبرق بب�صره وهو ي�شري �إىل ال�سراب‪ ،‬ثم �أغم�ض عينيه‬
‫�إىل الأبد‪.‬‬
‫ف�سرها البع�ض ب�أنه ر�أى زوجته ال�ساحرة وابنه حيث‬
‫متثال �أمامه‪.‬‬
‫وف�سرها �أخرون ب�أن ولده ن�صف ال�ساحر هو من قتله‪.‬‬
‫مل يعلم احلقيقة �أحد � ًأبدا‪.‬‬
‫يف م�سرية ل�سبعة �أيام‪ ،‬قطعها �أبنا�ؤه ليتم دفنه يف �أق�صى‬
‫ال�شمال‪ ،‬حني قطعوا مم ًرا �ضي ًقا ً‬
‫طويل‪ ،‬وجدوا يف نهايته‬
‫ا جدا‪ ،‬ت�صل حليته البي�ضاء �إىل قدميه‪ ،‬و�شعره‬ ‫رجل عجو ًز ً‬‫ً‬
‫من�سدل �إىل ركبتيه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫عندما �س�ألوه �أين هم‪� ،‬أو من هو‪..‬‬
‫من �أنتم؟‬
‫بعيدا عنهم‪.‬‬
‫يقولها وهو يجل�س على �صخرة مول ًيا وجهه ً‬
‫ي�صمت اجلميع‪ ،‬وينظرون �إىل بع�ضهم البع�ض‪.‬‬
‫ينزلون جثمان جار ال�ضخم املو�ضوع يف �صندوق خ�شبي‬
‫بهدوء‪ ،‬ثم يتقدم فيار يف تردد‪:‬‬
‫نحن �أبناء جار العظيم‪� ،‬سيد �أر�ض النور الأعظم‪.‬‬
‫ومن �أنت؟‬
‫يزدرد لعابه يف �صعوبة‪:‬‬
‫�أنا فيار بن جار‪� ،‬سيد الأر�ض من بعده‪.‬‬
‫يلتفت �إليه يف بطء‪ ،‬يهز ر�أ�سه متفه ًما‪:‬‬
‫�أنت �أ�شدهم �شب ًها به‪.‬‬
‫�أتعرفه؟‬
‫انطلقت من حلوقهم جمي ًعا‪.‬‬
‫وما الذي �أتى بكم �إىل هنا؟‬
‫‪26‬‬
‫ً‬
‫متجاهل كل همهماتهم‪.‬‬
‫لقد �أمرنا ال�سيد بذلك‪.‬‬
‫�أمركم مباذا؟‬
‫�أمرنا �أن ن�سري بجثمانه نحو ال�شمال حتى نلقى‪..‬‬
‫حتى نلقى‪ ..‬حتى نلقى ما يدلنا على نهاية م�سرينا‪.‬‬
‫وهل وجدمتوه؟‬
‫يتبادلون النظرات حريى‪.‬‬
‫يبتلع فيار لعابه ب�صعوبة �أكرب‪:‬‬
‫منذ دخلنا ذلك املمر الذي اختنقت فيه �أنفا�سنا‬
‫وقد ظننا �أنها نهايتنا جمي ًعا‪ ،‬و�أننا لن ن�صل حت ًما‬
‫�إىل نهاية مل�سرينا‪ ،‬ثم‪...‬‬
‫ثم وجدمتوين!‬
‫نعم‪ ،‬وجدنا كائ ًنا مل نعرف بوجوده ً‬
‫قبل‪ ،‬ومن‬
‫جيدا‪ ،‬بل وقد‬
‫الوا�ضح �أنه يعرف �أبانا جار العظيم ً‬
‫�صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وجد قبله �إن كان توقعي‬
‫�أنت �أ�صغر �أبنائه �ألي�س كذلك؟‬
‫‪27‬‬
‫يتبادلون نظرات حريى‪.‬‬
‫بلى‪� ،‬أنا �أ�صغرهم‪.‬‬
‫و�سيدهم؟!‬
‫تتعاىل الهمهمات التي تعالت من قبل �أمام جار وهو ال ‬
‫يزال ح ًيا‪.‬‬
‫�سيدى لي�س من حقك �أن ت�ؤلب الإخوة على بع�ضهم‬
‫البع�ض‪.‬‬
‫�شجاعا مثل �أبيك؟‪ ،‬قوي مثله؟‪ ،‬متتلك‬
‫ً‬ ‫تظن نف�سك‬
‫احلكمة؟‬
‫يخرج فيار �سيفه يف غ�ضب‪:‬‬
‫املرة الأوىل التي قابلني فيها �أبوك‪ ،‬هنا يف نف�س ‬
‫املو�ضع‪� ،‬أخرج �سيفه � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬ومل ي�ستطع هزميتي‪.‬‬
‫من �أنت يا �سيدي؟‬
‫يقولها فيار يف ا�ستكانة‪.‬‬
‫يقف ال�شيخ يف �شموخ ال يتنا�سب مع �سنه‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫�أنا احلكيم بريدبا بن برينكا‪� ،‬آخر �ساللة احلكماء‪.‬‬
‫ال يلقى القول لديهم �شي ًئا‪ ،‬ي�شهق �أحدهم‪:‬‬
‫�آخر احلكماء؟!‬
‫ينظر احلكيم بريدبا متبينا من قالها‪ ،‬فيو�سع الأبناء‬
‫ليظهر من بينهم رجل ق�صري يبلغ ن�صف �أطوالهم‪ ،‬ذو‬
‫حلية جمدولة على الطرفني‪.‬‬
‫�أنت دهار بن جار‪ ،‬ابن القزمة ميجرا‪.‬‬
‫و�أنت احلكيم بريدبا‪ ،‬لقد �سمعت الكثري عنك من‬
‫�أبي وجدي لأمي‪.‬‬
‫يدير احلكيم بريدبا النظر فيهم جمي ًعا‪.‬‬
‫ظن �أبوكم �أنه بزواجه من �أعدائه �سيتقي �شرهم‪،‬‬
‫فاتخذ من كل عدو زوجة‪ ،‬و�أجنب من كل زوجة اب ًنا‬
‫يحمل �صفات م�شرتكة بينه وبينها‪ ،‬و�ستتنا�سلون‬
‫وتختلطون حتى تفنى بينكم �صفاتكم‪ ،‬والأقزام‬
‫ون�سل ميجرا هم �أقربكم للحكمة‪.‬‬
‫تتغرب عيناه فيختفي ب�ؤب�ؤها ويظهر بيا�ضها فقط‪،‬‬
‫ترتفع ر�أ�سه �إىل ال�سماء‪ ،‬وي�شد ع�صاه بقوة �إىل الأر�ض‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫�سيقول نبوءة!‬
‫ي�صرخ دهار‪.‬‬
‫وحده الن�سل النقي �سيكمل‬
‫ لي�سرتد �أر�ض النور من �سيد الديجور‪،‬‬
‫ وحده ابن جار العظيم �سريحل‪،‬‬
‫ عرب ممر الهالك �سيلقى خماوفه‪،‬‬
‫ عرب رحلته �سيعرف من عدوه‬
‫ و�سيعود‪،‬‬
‫ ليكمل ما بد�أه جار‬
‫ �سيعود ليحل ال�سالم على �أر�ض النور‬
‫ وي�ست�أ�صل يف النهاية �آخر ال�شرور‪.‬‬
‫نف�سا عمي ًقا‪ ،‬وينظر �إليهم غري عامل ب�أي ‬
‫ ي�أخذ ً‬
‫�شيء مما قاله‪.‬‬
‫هنا تنتهي رحلتكم يا �أبناء جار‪� ،‬س�أتوىل �أنا من‬
‫الآن مهمة اجلثمان‪ ،‬املمر الذي عربمتوه هو ممر‬
‫‪30‬‬
‫هالككم‪ ،‬ولعمري �أنه يوم �سعدكم �أنكم �ستعودون‬
‫منه �ساملني‪ ،‬و�سيرتك كل ابن منكم �أحد �أبنائه �أو‬
‫�أحفاده‪ ،‬ليتعلم احلكمة‪ ،‬بع�ضهم �سيعود لي�صبح‬
‫حكي ًما كل يف �إقليمه‪ ،‬وبع�ضهم �سيهلك يف �شهواته‪،‬‬
‫ولن تنقذه حكمته‪.‬‬
‫ينظرون �إىل بع�ضهم البع�ض يف حرية‪.‬‬
‫مل ينت ِه الأمر عند هذا‪.‬‬
‫يباغتهم �آخر احلكماء‪.‬‬
‫بل �سرت�سلون كل عام ب�أحدهم‪ ،‬وهو من ال ميلك �إال ‬
‫احلكمة ً‬
‫وقليل من القوة‪ ،‬ليتعلم‪ ،‬ال بل �سرت�سلون‬
‫باثنني‪� ،‬أحدهما �سيتعلم والأخر �سيهلك‪.‬‬
‫ي�ستند �إىل ع�صاه ليقوم‪ ،‬ينظر يف عني فيار يف ثبات‪:‬‬
‫وهذا هو ال�سبيل الوحيد حلفظكم من الفناء‪.‬‬
‫يبتلع فيار لعابه يف �صعوبة‪ ،‬تتقلب مقلتاه على اجلانبني‬
‫يف حرية‪� ،‬إنها �أول مهمة حقيقية له كحاكم لأر�ض النور‪.‬‬
‫مي�سك دهار ب�ساعده‪ ،‬ليتفتت �إليه فيجده يهز ر�أ�سه له‬
‫ب�أن يوافق‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫لك هذا‪.‬‬
‫يجيب فيار بثبات‪..‬‬
‫فيبت�سم ال�شيخ‪:‬‬
‫بل هو لك يا ابن جار‪ ..‬هو لك‪.‬‬
‫متر ال�سنوات تلو ال�سنوات ويتنا�سى اجلميع ما بد�أت به‬
‫احلكاية‪ ،‬تغمر احلياة �أر�ض النور‪ ،‬ويتكاثر الأبناء و�أبناء‬
‫الأبناء‪ ،‬حتى تغ�ض الأر�ض بهم‪ ،‬يرحل منهم البع�ض يف‬
‫البحر ويذهب قليل منهم ملمر الهالك طواعية‪ ،‬ويتزاوج‬
‫�أخرون ب�أبناء نريفور‪ ،‬وتتاىل الأيام ك�سابقتها دون جهد‪.‬‬
‫ي�سيطر ن�سل جار من العمالقة �أحيا ًنا على قريجار‬
‫عندما ي�ضعف �أبناء جارا‪ ،‬ثم ال يلبثون �إال �أن ي�ستعيدوا ‬
‫ملكم‪ ،‬يتناو�ش ال�سحرة على حدود الأر�ض املتاخمة‪ ،‬فتعقد‬
‫املهادنات وتقوم معارك ب�سيطة ليلزم كل منهم �أر�ضه‪.‬‬
‫ت�أخذ الأيام النا�س فال يدرون فيما ي�صبحون ومي�سون‪،‬‬
‫وين�سون �أو يتنا�سون النبوءات القدمية والعهود الزائلة وكل‬
‫تخاريف الأقدمني‪.‬‬
‫متى بد�أ املهرجان الكبري �أو م�سابقة ال�سيف؟‬

‫‪32‬‬
‫ال �أحد يتذكر هذا � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬ولكنه �شيء قدمي‪� ،‬شب عليه‬
‫كل من يحيا الآن على �أر�ض رينجار‪ ،‬وحتاكت عليه ال�سري‪،‬‬
‫وقد توقف مرتان‪.‬‬
‫�أولهما حني هُ زم امللك نيهجار على يد جمهول من عامة‬
‫ال�شعب‪ ،‬فطالب بامللك كما تقت�ضي الأعراف‪ ،‬و�أ�سلمه له‬
‫امللك على م�ض�ض‪ ،‬وقال �ساعتها‪( :‬لي�س نيهجار بالذي‬
‫يحطم التقاليد)‪ ،‬فحدث �شيء رهيب حني مت و�ضع التاج‬
‫على ر�أ�س ذلك املجهول الذي دُعي بـ (رحا�سجار)‪.‬‬
‫انطف�أ �ضوء نيربا ‬
‫لأول مرة يف تاريخ رينجار املحفوظ يف القلوب يطم�س ‬
‫الظالم �أرا�ضيها ولآخر مرة‪.‬‬
‫وهنا عرف امللك مغبة فعلته وعلم �أن ملك �أر�ض النور‬
‫الآن هو �أحد �أبناء الظالم‪.‬‬
‫واقتتل اجلميع لفرتة حتى قتل هذا الظل من ال�ساحر‬
‫الأعظم ذي ال�سبع ظالل‪.‬‬
‫وعادت نيربا ل�ضوئها وعم ال�سالم‪.‬‬
‫بعد ا�ستتباب الأمر �ألغى نيهجار امل�سابقة وقد عادت يف‬
‫عهد حفيده امللك جنجار جد امللك احلايل نا�سناجار‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫ثم يف عهد ابنه امللك فريجار‪ ،‬قتل امللك الذي �أ�صابه‬
‫اجلنون ابن �أخيه تانيبا يف املبارزة قبل النهائية‪ ،‬خمال ًفا‬
‫كل الأعراف والتقاليد اخلا�صة بامل�سابقة‪ ،‬مما �أثار حنق‬
‫�أخوه الأمري برجار والد القتيل‪ ،‬ا�شتعلت احلرب الأهلية‬
‫يف العا�صمة قريجار بني الأخني‪ ،‬ويف النهاية قتله برجار‬
‫وجميع ن�سله معه وحاز امللك‪.‬‬
‫فا�ستغل ال�ساحر ذو ال�سبع ظالل الفر�صة‪ ،‬ودخل بجي�شه‬
‫رينجار ومن تبعه من قبائل �أر�ض نريفور لي�سرتد ملكهم‬
‫املزعوم‪.‬‬
‫نادى برجار يف �أوالد النور باحلرب‪ ،‬فتجهز اجلميع‪،‬‬
‫�شديدا‪ ،‬وتوالت هزائمهم‪ ،‬حتى دان جي�ش‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقاتلوا قتال‬
‫الظالم من قريجار‪.‬‬
‫تفت�أ ذهن نا�سناجار عن خطة جمنونة‪� ،‬أخذ من �أبناء‬
‫عمومته‪ ،‬ومن والأهم ً‬
‫جي�شا �صغ ًريا‪ ،‬وت�سللوا عرب طريق‬
‫غري طريق احلرب‪ ،‬حتى و�صلوا لأر�ض الديجور‬
‫وهناك قاتلوا جمتاحني �أر�ض ال�سحرة‪ ،‬فزُلزل ال�ساحر‬
‫الأعظم مما حدث‪ ،‬ورجع بن�صف جي�شه �إىل نريفور‪ ،‬وكان‬
‫هذا ما ينتظره امللك برجار‪ ،‬ف�شد على جيو�ش �أر�ض الظالم‬
‫و�أهلكهم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ثم تقدم حتى حدود اجلبال‪ ،‬ومل يتخطاها كما اتفق مع‬
‫نا�سناجار‪ ،‬منتظ ًرا �إياه‪.‬‬
‫�أما نا�سنا وعلى الرغم من حداثة �سنه‪ ،‬فقد عرف �أن‬
‫ت�أخر �أبيه �أكرث من ذلك معناه مهلكه هو وع�صبته‪ ،‬فا�ستغل‬
‫الظالم وتخفى ورجع هو وجي�شه ال�صغري دون قتال جلي�ش‬
‫ال�ساحر العائد‪.‬‬
‫وحينما تخطى اجلبال وجد جي�ش �أبيه‪.‬‬
‫قيل ب�أنه احتد على �أبيه ذلك اليوم و�أن امللك �أمر اجلميع‬
‫بالرجوع فاحلرب انتهت!‪.‬‬
‫�أوقف امللك امل�سابقة‪ ،‬وا�ستبدلها برحلة لل�صيد يخرج‬
‫فيها كل عام مع �أبناء عمومته‪.‬‬
‫بعدها بعدة �سنوات رجع امللك من رحلة �صيد بوليد‬
‫ملفوف يف خرقة‪ ،‬ليعلن �أنه ابنه من جارية توفت �أثناء‬
‫الوالدة‪ ،‬لي�صبح لنا�سناجار �أخ غري �شقيق يعو�ضه مقتل‬
‫�أخيه الأكرب‪.‬‬
‫ثم مل يلبث �أن ي�صاب امللك بحمى ميوت على �إثرها‪،‬‬
‫عاما‪.‬‬
‫في�صبح نا�سناجار امللك وهو ابنا لإحدى وع�شرين ً‬

‫‪35‬‬
‫ويعتقد ال�ساحر الأعظم �أنها فر�صته ملرة �أخرية!‪.‬‬
‫ينادي نا�سناجار باحلرب‪ ،‬يق�سم جي�شه �إىل فيالق‬
‫�سبع‪ ،‬ير�أ�س كل فيلق �أحد �أع�ضاء جي�شه ال�صغري ال�سابق‪،‬‬
‫دارت معارك طاحنة على حدود اجلبال‪ ،‬معارك �شاب لها‬
‫الولدان‪.‬‬
‫حدثت اخليانات‪ ،‬من اجلهتني‪ ،‬فالأخوال مالوا لأبناء‬
‫�أخواتهم‪ ،‬والأبناء مالوا لأخوالهم‪ ،‬تارة هكذا وتارة كذلك‪.‬‬
‫ا�ستمرت احلرب لفرتة طويلة‬
‫�أكرب معركة �شهدها اخللق‪،‬‬
‫و�أكرثها ً‬
‫قتل‪،‬‬
‫املعركة الكربى‪،‬‬
‫املعركة الأخرية‪،‬‬
‫ودان الن�صر لأبناء جار‪ ،‬حتى جاءت املواجهة الأخرية‬
‫احلا�سمة بني ال�ساحر الأعظم ونا�سناجار وانت�صر‬
‫نا�سناجار واقتحم �أر�ض الديجور مع حلفائه من الأقزام‬
‫وال�صخريني‪.‬‬
‫وق�ضى على �أغلب ن�سل ال�سحرة‪ ،‬وعني احلكام ليكونوا ‬
‫تابعني له‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫عاما يف �سالم‪،‬‬
‫ورجع �إىل قريجار ليحكم ع�شرين ً‬
‫وكد�أب �أبناء جار‪،‬‬
‫كان ال�سالم يدنو من نهايته‬
‫جراء غرورهم وطمعهم!‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪37‬‬
‫المهرجان الكبير‬
‫(‪)1‬‬

‫يدخل جرينبان ممتط ًيا فر�سه ويجاوره ابنه ميي ًنا وبنته‬
‫ي�سا ًرا من بوابة العا�صمة املف�ضية �إىل �سوق املدينة الذي‬
‫تتو�سطه �ساحة االحتفاالت‪.‬‬
‫ي�شاهد ال�صبيان زينات االحتفال املعلقة يف ده�شة تليق‬
‫بعمريهما‪ ،‬وفرحة قلما ي�شعر بها الكبار‪.‬‬
‫انحدار جرينبان من املزارعني ال يعطيه كل ذلك‬
‫ال�شرف‪ ،‬الأر�ض ال�شا�سعة‪ ،‬الفر�س‪ ،‬بل ودخول املدينة من‬
‫بوابتها بفر�سه هو و�أبنا�ؤه‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫�إنعام امللك عليه بقالدة جار العظمى هو ما �أعطاه ذلك‬
‫احلق‪ ،‬بل �أ�ضيف �إىل ا�سمه احلقيقي جرينبا‪ ،‬حرف ال‬
‫(ن)‪ ،‬ليدل على مقامه اجلديد‪ ،‬وتوارثه ابنه بها ف�أ�صبح‬
‫بهان‪.‬‬
‫حيث ت�شبه القالدة ذلك احلرف الذي ينطق هكذا‪،‬‬
‫وبهذا ت�ساوى مع طائفة الفر�سان احلاكمة‪.‬‬
‫ري من قاطني املدينة جرينبان‪ ،‬فقد كان من‬ ‫يعرف كث ٌ‬
‫�ساكنيها قبل �أن يخرج من �أ�سوارها‪ ،‬و� ً‬
‫أي�ضا هو من �أبطال‬
‫املعركة الأخرية الأحياء القالئل‪.‬‬
‫مبجرد ولوجه ترجل جرينبان تار ًكا ابنيه على‬
‫ح�صانيهما‪ ،‬متلقيا الرتحيبات من �أ�صدقاء وجريان ال�صبا‪.‬‬
‫ثم توقف عند حانوت �صديقه وزميله يف احلرب‪� ،‬ساريبا‪،‬‬
‫تاجر الغالل الذي ي�شرتي منه �أغلب حم�صوله‪ ،‬ويقبع عنده‬
‫حتى تبد�أ االحتفاالت بقدوم امللك وبد�أ م�سابقة املبارزة‪.‬‬
‫يجل�س مع �صديقه على نا�صية املحل‪ ،‬تاركا ولديه‬
‫يلهوان مع �أقرانهما �أو ي�شاهدان فقرات املهرجان التي متر‬
‫�أمامهما يف ده�شة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫�ألعاب بهلوانية‪ ،‬حيوانات جيء بها من خمتلف بقاع‬
‫�أر�ض النور و�أقاليمها ال�سبعة‪ ،‬بل �إن �سحرة �أر�ض الديجور‬
‫مبالب�سهم الغريبة ووجوههم الأكرث غرابة �أتوا لريفهوا عن‬
‫�أبناء العا�صمة‪ ،‬ويجددوا عهد الوالء للملك املعظم‪.‬‬
‫هل �ستقابل امللك هذا العام؟)‬
‫ي�س�أل �ساريبا يف قلق وا�ضح‬
‫ي�صمت جرينبان للحظات قبل �أن يجيب‪:‬‬
‫ال �أعلم‪ ،‬ح ًقا ال �أعلم‪ ،‬مل يلقن ال�سنة الفائتة باحلفاوة‬
‫املعتادة منه‪ ،‬لدرجة �أنني �أخذت عهدا على نف�سي‬
‫ب�أال �أدخل جمل�سه هذا العام‪ ،‬ولكن‪..‬‬
‫ولكن ماذا يا جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫قا�صدا تلطيف اجلو وهو يبت�سم‪..‬‬
‫يقولها �صديقه ً‬
‫يرت�سم �شبح ابت�سامة على وجه جرينبان هو الأخر‬
‫متذك ًرا املا�ضي‪ ،‬كم مر من �أعوام قبل �أن يدعوه �أحدهم‬
‫بهذا اال�سم املحبب �إىل قلبه‪ ،‬مذ عاد من احلرب قبل‬
‫عاما جرينبان؛‬
‫عاما‪ ،‬وقد �صار ال�شاب ذو الـ ‪ً 15‬‬‫ع�شرين ً‬
‫�صاحب الأر�ض وحامل قالدة جار العظمى وخادم امللك‬
‫اخلا�ص يف املعركة الأخرية‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫رغم مرور كل تلك الأعوام‪ ،‬وكل ذلك ال�شرف‪� ،‬إال �أنه يف‬
‫قرارة نف�سه كان يريد �أن يظل جرينبا ال�صغري‪ ،‬و�أال تكون‬
‫هناك حرب وقتلى‪ ،‬و�أال ميلك الأر�ض يف �سبيل �أن يبقى من‬
‫رحل‪.‬‬
‫ابني بهان يريد �أن يراه‪ ،‬ويريد �أن يراين و�أنا �أ�سلم‬
‫عليه ويعرفني‪.‬‬
‫تخفت ابت�سامتهما م ًعا‪..‬‬
‫�إذن فلت�أخذ حذرك يا جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫ملاذا؟‬
‫يقولها ببطء دون �أن يلتفت‪..‬‬
‫هناك �أقاويل عدة عن �إ�صابة ملكنا املعظم باجلنون‬
‫مثل عمه‪� ،‬أو على �أقل تقدير بعدم توقع ردود �أفعاله‪.‬‬
‫خمرجا زفرة طويلة تنب�أ عما يجي�ش يف‬
‫ً‬ ‫يتنهد جرينبان‬
‫�صدره‪.‬‬
‫مل يعد ملكنا يحرك �شغفه �شيء‪ ،‬ملك الدنيا �شرقها‬
‫وغربها‪� ،‬أخ�ضع �أر�ض الديجور‪ ،‬ومل يح�صل بعد على‬
‫وريث عر�شه رغم زوجته اجلميلة وحمظياته‪ ،‬ماذا ‬
‫‪42‬‬
‫تريد من �شخ�ص ي�سري نحو هالكه وهو ال ميلك �إال ‬
‫�سي ًفا قهر به اجلميع‪ ،‬ولكن ال�ضعف �آت ال حمالة‪.‬‬
‫ي�صفر �ساريبا متفك ًرا‪ ،‬كلمات جرينبان �أ�ضاءت مناطق‬
‫معتمة يف ذهنه‪ ،‬هو الذي ميلك من الأوالد �أرب ًعا يعملون‬
‫بدل منه‪ ،‬فما بال امللك؛ �سليل جار‬ ‫معه ويتحملون ال�سفر ً‬
‫املعظم‪ ،‬ال�سيد الأول لأر�ض الديجور‪� ،‬صاحب الدم النقي‪،‬‬
‫الذي ال ميلك وري ًثا يخلفه‪ ،‬وحتى �أخاه لي�س �شقي ًقا‪ ،‬بل ويف‬
‫ج�سده جتري دماء جمهولة الن�سب!‬
‫�أي م�صري هذا!‬
‫�أراك �أ�صبحت حكيما يا جرينبان‪ ،‬هل تريد �أن تخلف‬
‫ً‬
‫حماول تخفيف الأجواء‬ ‫حكيم النور يف من�صبه؟)‪ ،‬ي�ضحك‬
‫ال �إن م�شوار احلكمة طويل‪ ،‬و�أنا مل �أعد �أحتمل‬
‫مزيدا من ال�شقاء‪.‬‬
‫ً‬
‫عاما وتعترب �أنك �أنهيت �شقائك يف‬
‫خم�سة وثالثون ً‬
‫هذه احلياة يا م�سكني!‬
‫مرا علي ب�ألف‪� ،‬أال تتذكر؟!‬
‫ّ‬ ‫�سنتا احلرب‬
‫ي�شخ�ص �ساريبا يف الف�ضاء‪..‬‬
‫‪43‬‬
‫�أتذكر‪� ..‬أتذكر يا منقذ امللك!‬
‫�صه!‬
‫ي�صرخ جرينبان يف ع�صبية؛ قلما ر�آه �أحد عليها‪.‬‬
‫ما قلته للتو ال يتكرر حتى بينك وبني نف�سك!‪ ،‬هو‬
‫العهد يا ابن كريبا؟‬
‫يتنهد يف راحة‪:‬‬
‫�أعلم �أيها ال�سيد جرينبان‪.‬‬
‫ي�صمتان ويتفرغا لر�ؤية الأطفال وهم يلعبون فرحني‬
‫باملهرجان‪.‬‬
‫د�أب العامل على �أن اجلهل بامل�ستقبل هو �أكرث �ضمانة‬
‫للتمتع باحلا�ضر‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪44‬‬
‫(‪)2‬‬
‫م�ستندا على‬
‫ً‬ ‫تدخل مت�سللة بخفة من وراء ظهره‪،‬‬
‫حافة النافذة يف جناحه اخلا�ص بالقلعة الكبرية‪ ،‬ي�شاهد‬
‫احتفاالت �شعبه جتري برعايته‪.‬‬
‫مل يكن يفكر يف �شيء حمدد �ساعتها‪ ،‬احلزن ي�ستويل‬
‫على قلبه يوما بعد يوم مطفئ جذوة احلياة بداخله دون‬
‫�أن يدري‪.‬‬
‫تلف ذراعيها حول خا�صرته‪ ،‬طوله يكاد يبلغ �ضعف‬
‫طولها‪ ،‬وتلثم ما طالته من جذعه العاري الذي ال تغطيه‬
‫مالب�سه‪.‬‬
‫فيما يفكر موالي ومليكي؟‬

‫‪45‬‬
‫ي�صمت لفرتة تطول‪:‬‬
‫ال �شيء‪� ،‬أنظر فقط ما يجري باملهرجان‪.‬‬
‫�سعيدا؟‬
‫هل تفرح بر�ؤية �شعبك ً‬
‫ت�س�أله يف ت�ؤده‪.‬‬
‫ينعقد حاجبيه‪:‬‬
‫وهل هو لي�س ب�سعيد؟‬
‫تبتلع لعابها يف �صعوبة‪:‬‬
‫كادت املجاعة �أن ت�ضربنا منذ �شهر ولكن الإله‬
‫الأوحد �سلم‪.‬‬
‫وهل �ضربتنا؟‬
‫ي�س�ألها يف المباالة‪.‬‬
‫كانت تريد �أن حتكي له عن نق�ص الغذاء الذي ين�شب‬
‫خملبه يف مملكتهم وال يح�س به‪ ،‬تعرف �أن ما ي�ؤمله هو‬
‫الإجناب ال �شيء غريه‪ ،‬وريث من دم جار الأ�صيل‪ ،‬كي ي�ؤمن‬
‫جانب امل�ستقبل!‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مزيحا ذراعيها‬
‫يبتعد عنها يف رقة ً‬
‫علينا �أن ن�ستعد‪ ،‬جمل�س امللك �سيقام ال�ستقبال‬
‫حكام الأقاليم و�أر�ض الديجور‪ ،‬قبل �أن تبد�أ م�سابقة‬
‫ال�سيف‪.‬‬
‫يذهب تورد وجنتيها‪:‬‬
‫هل ال زلت م�ص ًرا يا موالي على تلك امل�سابقة‪.‬‬
‫ ال يرد عليها‪.‬‬
‫�أنت �أعلم مني ماذا حدث �آخر مرة �أقيمت وملاذا ‬
‫�أوقفها �أبوك‪.‬‬
‫ي�ستمر يف و�ضع لبا�سه دون النظر �أو الرد عليها‪.‬‬
‫تقوم مقرتبة منه وا�ضعة تاجه عليه ومنظمة ما هرج من‬
‫ملب�سه‪.‬‬
‫�أعرف �أن امل�سابقة كانت �سب ًبا خل�سارة حبك لراونا‪،‬‬
‫ال تكرر اخلط�أ‪ ،‬حري بامللك �أن يحفظ قوام ملكه ولو‬
‫تراجع عن �أمره‪ ،‬من �أن مي�ضي يف طريقه غري عابئ‬
‫�إال بكربيائه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ينظر �إليها عرب املر�آة التي تقبع �أمامهما يف غ�ضب‪ ،‬يهم‬
‫بقول �شيء فتقاطعه دقات على باب خمدعه‪ ،‬ي�أمر احلار�س ‬
‫بالدخول‪ ،‬فيعلمه بقدوم حكيم النور ملقابلته‪ ،‬ي�سمح له‪.‬‬
‫يدخل �أكرب حكماء اململكة امللقب بحكيم النور ليمثل‬
‫�أمام امللك املعظم‬
‫هل جئت �أنت � ً‬
‫أي�ضا لتثنيني عن قرار املبارزة‪.‬‬
‫ي�ضحك احلكيم يف براءة‪:‬‬
‫جيدا من هو �أنت ومن هو �أنا‪ ،‬و�أنا‬
‫موالي‪� ،‬أنت تعلم ً‬
‫جيدا من هو �أنت ومن هو �أنا‪ ،‬لقد ربيتك‬
‫�أي�ضا �أعلم ً‬
‫�صغ ًريا‪ ،‬وخدمت عمك و�أبيك قبلك‪ ،‬فلم �أر مليكا‬
‫كمثلك‪ ،‬وهل هناك مثل من �أخ�ضع الأر�ضني مللكه‬
‫حتى جار العظيم مل يفعل ذلك‪.‬‬
‫تهد�أ وترية امللك‪:‬‬
‫�إذن �أية رياح طيبة �أتت بك؟‬
‫د�أب امللوك على الفعل‪ ،‬ود�أب احلكماء على الن�صح‪.‬‬
‫�إذن فهات ما عندك‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫عازما وال حمالة‪ ،‬فتم�سك بتقليد امللك‬ ‫�إذا كنت ً‬
‫املعظم‪ ،‬وال تبارز �إال املبارزة النهائية‪.‬‬
‫يزفر حان ًقا ثم يقوم‪ ،‬فينحني حكيم النور وزوجته‬
‫احرتاما‪.‬‬
‫ً‬
‫عاما من ا�ستتباب امللك �شيء عظيم‬
‫ع�شرون ً‬
‫ي�صمت لربهة ثم يكمل‪:‬‬
‫ال �أعلم �أتعرفون ما ي�أتي من �أنباء من الأقاليم‬
‫و�أر�ض الديجور؟‬
‫يتلبثا بال�صمت فيكمل‪:‬‬
‫�أنباء عن اجتماعات �سرية لرتتيب البيت من بعدي‪،‬‬
‫عاما فقط ويرتبون البيت من‬
‫عمري خم�سة و�أربعون ً‬
‫بعدي‪.‬‬
‫يلتفت �إليهم فج�أة فيط�أطئوا ر�ؤو�سهم‬
‫�أتعلمون ملاذا؟‪ ،‬لأنني عقيم‪ ،‬نا�سناجار امللك املعظم‬
‫ن�سل جار العظيم حاكم الأر�ض والبحر وال�سماء وكل‬
‫هذا الهراء عقيم ال يلد‪ ،‬و�أخوه الذي �سريثه ذو دم‬
‫جمهول‪ ،‬ال ُيعرف له �أم‪� ،‬أتدرون �أي م�صيبة نهوي‬
‫�إليها‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫موالي من قال ب�أنك عقيم‪ ،‬ميكن �أن تكون ‪..‬‬
‫�صه!‬
‫ي�صرخ فريجتفا‪:‬‬
‫أجنبت من‬
‫ �صه!‪ ،‬هل ت�صربينني على �أمري!‪ ،‬لقد � ِ‬
‫ابن عمي �ساب ًقا‪ ،‬قبل �أن ميوت الوليد‪ ،‬وماذا عن‬
‫كل تلك املحظيات‪ ،‬هل كلكن عقيمات و�أنا ال�صحيح‬
‫الأبر�أ!‬
‫يقلب نظره بينهما‪..‬‬
‫هل هناك حل �أيها احلكيم؟‬
‫يغمغم‪:‬‬
‫موالي‪ ،‬دعنا ن�صلي �إىل الإله الأوحد عله ي�ستجيب‬
‫دعائنا‬
‫عاما دون ا�ستجابة‪،‬‬
‫ن�صلي‪� ،‬أ�صلي منذ ع�شرين ً‬
‫فلت�صل يل بت�ضرع �أكرب �أيها احلكيم‪.‬‬
‫�س�أفعل يا موالي �س�أفعل‪.‬‬
‫هل هذا هو كل ما بجعبتك؟‬
‫‪50‬‬
‫ماذا تق�صد يا موالي؟‬
‫�أال يوجد �أي �شيء �أفعله فيجعلني الإله �أجنب؟‪.‬‬
‫يط�أط�أ ر�أ�سه مرة �أخرى‪:‬‬
‫لي�س هكذا جتري املقادير يا موالي‬
‫يهز امللك ر�أ�سه يف تفهم وتهكم‪:‬‬
‫نعم نعم‪ ،‬لي�س هكذا جتري املقادير‪� ،‬أن تدخل‬
‫البالد حقبة مظلمة وتغيب نيربا عن �سمائنا وال ‬
‫�أعرف ملاذا‪.‬‬
‫جيدا ما‬
‫موالي‪ ،‬فلتهد�أ‪ ،‬الإله هو من خلقنا ويعرف ً‬
‫يفعله‪.‬‬
‫هذا �صحيح بال �شك‪ ،‬و�أنا � ً‬
‫أي�ضا �أعرف جيدا ما‬
‫�أفعله‪.‬‬
‫موالي‪.‬‬
‫تتكلم امللكة حماولة تلطيف اجلو املحتقن‪ ،‬في�شري �إليها‬
‫بال�صمت‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫�إذا كانت هكذا جتري املقادير‪ ،‬فلأفعل ال�شيء‬
‫الوحيد الذي �أجيد فعله؛ ال�سيف‪ ،‬وليعلم اجلميع‬
‫عاما مل تنق�ص من‬
‫�أن ملكهم كما هو‪ ،‬و�أن ع�شرين ً‬
‫قوته �شيء‪.‬‬
‫يخرج �سيفه من غمده يف قوة‪ ،‬وينزله ببطء حتى يرى‬
‫ذ�ؤابته‬
‫فلتجر املقادير كما �أراد الرب!‪.‬‬
‫فينتهي احلديث‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪52‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فر�صتنا التي لن تتكرر �أتت �إلينا‪ ،‬فلن�ستغلها)‬
‫يجفل وهو ي�سمع ال�صوت الذي انطلق فج�أة ليباغته‬
‫وهو يرتدي مالب�سه‪ ،‬ينظر �إىل اخللف فيظهر الظل الأخري‬
‫لل�ساحر الأعظم من وراء ال�ستار ‪.‬‬
‫هل �أخفتك؟‬
‫يبتلع ريقه يف �صعوبة‪:‬‬
‫�أنا ن�سلك فكيف �أخاف منك!‬
‫يك�شف عن �أ�سنان �سوداء وهو يبت�سم‪ ،‬جلد وجهه‬
‫املختلط �أ�سود و�أحمر‪ ،‬احللقة املعدنية التي تخرتق �أنفه‪،‬‬
‫ومالب�سه ال�سوداء املخيفة‪ ،‬ت�ضفي عليه مهابة ال ي�ستطيع‬
‫�أحدهم الفكاك منها‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫�أمل يحن الوقت لتخربين من هي �أمي؟‬
‫يجفل ال�ساحر ثم ينظر �إليه بثبات‪:‬‬
‫لي�س بعد‪ ،‬فلنهتم بالأمور العظيمة � ًأول‪ ،‬ملككم‬
‫املعظم �أعاد املبارزة‪ ،‬و�س�أدعم �أحدهم ليقتله‬
‫خاللها‪.‬‬
‫يتح�شرج �صوته‪:‬‬
‫امللك يقاتل املبارزة الأخرية فقط‪ ،‬وال قتل يف‬
‫امل�سابقة‪.‬‬
‫ي�ضحك ال�ساحر ب�صوت يقرتب من حفيف �أوراق‬
‫ال�شجر‪:‬‬
‫ملككم املعظم غبي‪ ،‬كجار وجميع ن�سله احلقيقة‪.‬‬
‫يقرتب منه يف ت�ؤدة‪:‬‬
‫نا�سناجار مغرور‪ ،‬ويريد �أن يثبت للأحياء �أنه ال يزال‬
‫�أقواهم‪ ،‬لذلك �سيقاتل من �أول امل�سابقة‪ ،‬و�س ُيقتل‪.‬‬
‫وماذا لو مل يحدث؟‬
‫مل يحدث ماذا؟‬
‫‪54‬‬
‫مل ُيقتل وفاز بها؟‬
‫يرتاجع دون �أن يدير ج�سده‪ ،‬وك�أنه يطوف على �سطح‬
‫ماء رائق‪:‬‬
‫بعيدا‪ ،‬و�سيكون �أدعى‬
‫ال تخف‪� ،‬ساعتها �سيذهب ً‬
‫لت�صبح امللك ب�أقل قدر من املواجهة‪ ..‬واخل�سائر‪.‬‬
‫يختفي وراء ال�ستار وتظل �ضحكاته ال�شبيهة بحفيف‬
‫�أوراق ال�شجر ترتدد يف الغرفة‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪55‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ي�صطف املدعوون بانتظام يف انتظار مقابلة امللك‬
‫املعظم بقاعة احلكم الدائرية الف�سيحة‪ ،‬من جاء ليعيد‬
‫تقدمي الوالء‪ ،‬ومن جاء لطلب الهبات‪ ،‬ومنهم من يريد‬
‫فقط ال�سالم على ملكه املعظم‪.‬‬
‫يقف جرينبان يف ال�صف خارج القاعة مم�س ًكا بيد ابنه‬
‫ال�صغري بهان‪ ،‬تاركا ترينا مع �أقرانها من بنات �ساريبا‬
‫لتلهو معهم‪.‬‬
‫تتقافز الن�شوة يف عني ال�صغري‪ ،‬من فرط حما�سته‬
‫ملقابلة امللك املعظم‪ ،‬الذي حفرت �صورته يف ذهن اجلميع‬
‫ب�أنه خمل�صهم‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ال�صغري جرينبا الذي �أ�صبح عظي ًما يقف يف ال�صف‬
‫ك�أبناء الفالحني‪.‬‬
‫يخبط �أحدهم على كتفه يف قوة وهو يقولها يف مرح‪،‬‬
‫في�ستدير جرينبان يف لهفة ليقع ب�صره على ثالثة من كبار‬
‫الفر�سان معاوين امللك وقادة جيو�شه‪ ،‬مل يتغري فيهم �شيء‬
‫منذ املعركة‪� ،‬إال ال�شيب الذي غزا �شعرهم وحلاهم‪ ،‬حتى‬
‫لبا�سهم احلربي كامل عدا غطاء الر�أ�س‪.‬‬
‫ا َمل ِرح الذي مياثل جرينبان يف الطول هو بريدكار‬
‫من ن�سل جار وال�صخريني‪� ،‬أ�شجع مقاتلي رينجار بعد‬
‫نا�سناجار‪ ،‬ونائبه الأول والقائد الثاين للجي�ش من بعده‪.‬‬
‫يقف على ميينه حفيد العماليق چينيچنا‪ ،‬الذي يبلغ‬
‫ج�سمه �ضعف �أج�سامهم يف الطول والوزن‪ ،‬هذا العاب�س ‬
‫دوما الذي ال ترى �ضحكته‪ ،‬يهابه اجلميع لغلظة �أخالقه‬
‫ً‬
‫وتهوره وق�سوته‪ ،‬ولكن يدركون جمي ًعا �أنه رغم هذا عادل‬
‫أحدا‪.‬‬
‫وال يظلم � ً‬
‫وعلى ي�ساره يقبع �سبار القزم‪� ،‬أكرث معاوين امللك مودة‪،‬‬
‫و�أقربهم �إىل عامة ال�شعب‪.‬‬
‫تت�سع ابت�سامة جرينبان يف مودة حقيقية‪:‬‬
‫‪58‬‬
‫�أنا من �أبناء الفالحني يا �سيدي‪.‬‬
‫�أه عظيم و� ً‬
‫أي�ضا متوا�ضع‪.‬‬
‫يوجه بريدكار كالمه لرفيقيه في�ضحك هو والقزم‬
‫وجرينبان ويظل چينيچنا على �صمته وجتهمه‪.‬‬
‫هلم‪.‬‬
‫يحت�ضنه بريدكار يف �ألفة‪ ،‬ثم ينزل جرينبان ليحت�ضن‬
‫القزم‪ ،‬وينحني حمي ًيا العمالق يف احرتام‪.‬‬
‫يقف ليقدم ابنه �إليهم‪:‬‬
‫هذا هو بهان‪� ،‬صغريي‪.‬‬
‫عيناه املفتوحتان على �آخرهما من الده�شة واخلوف‪..‬‬
‫ه�ؤالء هم م�ساعدي امللك‪ ،‬وفر�سان احلكم واجلي�ش‪.‬‬
‫ينحني القائد بريدكار على ركبتيه لي�صل لل�صغري‪،‬‬
‫ينظر يف عينه بحب‪:‬‬
‫هل تعرفني يا بهان‪.‬‬
‫ال يجيب ال�صغري من فرط االنبهار‪ ،‬يكرر �س�ؤاله فينت�شله‬
‫من واديه الأخر‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫بالطبع يا �سيدي‪ ،‬وهل هناك فتى ال يعرف القائد‬
‫بريدكار‪ ،‬نائب امللك‪.‬‬
‫ي�ضحك يف وجهه ويوجه كالمه لأبيه‪:‬‬
‫هذا الولد �سي�صبح ذا �ش�أنا يا جرينبان‪ ،‬عندما‬
‫فار�سا‪.‬‬
‫ي�شب فلتبعثه يل لي�صبح ً‬
‫ثم ينظر �إىل الولد مرة �أخرى‪:‬‬
‫فالحا مثل �أبيك؟‬
‫�أم تريد �أن تظل ً‬
‫فار�سا‪.‬‬
‫فار�سا يا �سيدي ً‬
‫ال بل ً‬
‫ومن قال لك ب�أن �أباك لي�س بفار�س؟‬
‫كانت هذه من القزم �سبار‪..‬‬
‫تت�سع ابت�سامة جرينبان وتطل نظرة التقدير من عينيه‪،‬‬
‫يقوم بريدكار وينظر مبت�س ًما هو الأخر جلرينبان‪:‬‬
‫نعم هو فار�س بالفعل‪.‬‬
‫ثم ي�شر�أب عنقه لي�س�أل العمالق‪:‬‬
‫�ألي�س كذلك �أيها القائد چينيچنا؟‬

‫‪60‬‬
‫مل يحرك �ساك ًنا‪ ،‬ولكن من يدقق النظر يدرك �أن جتهمه‬
‫قل ولو لدرجة‪.‬‬
‫يهمون باالن�صراف لدخول القاعة‪ ،‬قبل �أن يلتفت‬
‫بريدكار مرة �أخرية جلرينبان‪:‬‬
‫هل تريد �أن ن�صحبك للملك فتتخطى اجلموع؟‪،‬‬
‫هذا حقك علينا‪.‬‬
‫يبت�سم جرينبان مرة �أخرى حلفاوتهم وتقديرهم‪:‬‬
‫بل �س�أبقى يف مكاين ع ّلي �أعلم ال�صغري �شي ًئا‪.‬‬
‫ي�ضحك بريدكار‪:‬‬
‫�أبوك هذا من حظك احل�سن يف احلياة يا بهان‪،‬‬
‫فلتحافظ عليه‬
‫يربت على ر�أ�س ال�صبي ثم يلحق برفيقيه‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪61‬‬
‫(‪)5‬‬
‫يدخل امللك املعظم نا�سناجار بن برجار �إىل قاعة‬
‫احلكم الدائرية‪ ،‬التي ت�شبه نيربا �أ�صل حياتهم‪ ،‬فيقوم‬
‫أ�س احرتاما‪ ،‬ثم عندما يجل�س‪ ،‬يخر‬
‫ً‬ ‫اجلميع مط�أطئ الر�‬
‫اجلميع �سجو ًدا‪ ،‬عدا امللكة فياراجارا وحكيم النور فو�سيال‪،‬‬
‫والثالث قادة الأكرب يف اململكة؛ بريدكار‪ ،‬چينيچنا‪� ،‬سبار‪.‬‬
‫يخبط بكفيه ليقوموا‪ ،‬وي�صطفوا من حوله ب�شكل دائري‪،‬‬
‫تقدم ال�سحرة وباقي قاطني �أر�ض الديجور ليجددوا والئهم‪،‬‬
‫ثم تقدم حكام مقاطعات �أر�ض النور ليقروا بثبات ملكه‪ ،‬ثم‬
‫فتح الباب لتدخل الرعية من �شتى البقاع‪ ،‬لتقدمي الوالء‪� ،‬أو‬
‫لرد املظامل‪� ،‬أو لطلب الهبات‪� ،‬أو حتى لربكة مقابلة امللك‬
‫املعظم‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مر كثري من الوقت وبد�أ امللك يتململ يف جمل�سه‪ ،‬كان‬
‫ي�أمر بالهبات فتعطى‪� ،‬أو يحيل �أمر التق�صي لربيدكار‬
‫فيوزعه على من ي�شاء �أو يف�صل فيه هو‪ ،‬ثم يخرب امللك بعد‬
‫ذلك مبا حدث‪.‬‬
‫يدخل بهان لأول مرة يف حياته تلك القاعة‪ ،‬من باب‬
‫جانبي على ميني امللك‪.‬‬
‫عيناه جتري مينة وي�سرة مما يراه وهو غري م�صدق‪ ،‬ثم‬
‫مل تلبث �إال �أن تتعلق بامللك الذي جترب هيئته من يراه على‬
‫اخل�ضوع واالحرتام‪.‬‬
‫ي�شدد �أبوه على يده ليطمئنه‪ ،‬ثم يرى غمزة من عني‬
‫بريدكار يبت�سم لها‪ ،‬هو يف ح�ضرة امللك ومعه �أبوه‪ ،‬ونائب‬
‫امللك يالطفه بنف�سه‪.‬‬
‫عندما ي�صالن �أمام امللك يركعان له بالتحية املعتادة‬
‫لأبناء النور‪ ،‬ثم يقومان ونظرهما �إىل الأر�ض من اخل�شية‪.‬‬
‫كان ال�س�أم ميلأ امللك‪ ،‬بل ولعب اليفعوم امل�سكر بر�أ�سه‬
‫� ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫بريدكار‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫يتقدم ليقف ورائه على اليمني منتظرا تعليماته‬
‫هل هذا هو جرينبا ال�صغري خادمي ال�سابق؟‬
‫تظهر عالمات التعجب على جميع احلا�ضرين الذي‬
‫يعرفون جيدا مكانة جرينبان لدى امللك‪ ،‬حتى بريدكار‬
‫الذي ُيعرف بح�ضور الذهن تلجلج يف الإجابة‬
‫نعم �سيدي‪.‬‬
‫ومن معه هذا‪.‬‬
‫ابنه ال�صغري بهان‪.‬‬
‫تق�صد بها �إذن؟‬
‫بل بهان يا �سيدي‪ ،‬ملكنا املعظم نا�سناجار بن‬
‫برجار �أنعم بقالدة جار خلادمه جرينبا ال�صغري‪،‬‬
‫ف�أ�صبح يعرف بجرينبان‪ ،‬وولده �أجنبه بعدما ُق ِّلد‬
‫ف�أخذ لقبه بالتبعية‪.‬‬
‫�أح�س معظم احلا�ضرين بغلظة رد بريدكار على امللك‬
‫املعظم‪ ،‬تلك الغلظة التي ال ت�شفع لها �إال �صداقتهم املتينة‬
‫منذ ال�صغر‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ولكن فوجئ اجلميع بغ�ضبة من امللك الذي قام من‬
‫ً‬
‫�صارخا‪:‬‬ ‫كر�سيه‪ ،‬فقام اجلميع‪ ،‬ثم ا�ستدار لربيدكار‬
‫ومن �أعطاه القالدة؟‬
‫�أنت يا موالي؟‬
‫يجيبه يف �صوت خفي�ض‪.‬‬
‫�إذن فهو ال يزال جرينبا بالن�سبة يل‪.‬‬
‫ثم ي�ستدير ليواجه جرينبان وبهان‪ ،‬فريكع جرينبان مرة‬
‫�أخرى‪ ،‬ويحاول �أن ي�شد بهان لريكع دون جدوى‪ ،‬فال�صغري‬
‫خائف وال يعرف ماذا يجري‪.‬‬
‫يتقدم بريدكار خطوة ويهم�س يف �أذن امللك بكلمات غري‬
‫م�سموعة‪ ،‬يزداد بريق عيني امللك وك�أنه مل ي�سمع �شي ًئا‪،‬‬
‫ينزل درجتني فتنخف�ض ر�ؤو�س النا�س مثلهما‪.‬‬
‫تنظر امللكة �إىل احلكيم يف خوف فرتاه هاد ًئا كعادته‪.‬‬
‫ما ا�سمك �أيها ال�صبي؟‬
‫ي�س�أل امللك يف غلظة‪ ،‬الولد اخلائف ال يجيب‪.‬‬
‫�أمل ت�سمعني �أيها الأخرق؟‬
‫‪66‬‬
‫يتقدم بريدكار لينبه امللك‪ ،‬فت�ستوقفه نظرة ال�صبي‬
‫اخلائف‪ ،‬فيبت�سم له ويطمئنه بهزة ر�أ�س‪.‬‬
‫بهان‬
‫ب�صوت غري م�سموع‪.‬‬
‫ماذا؟‬
‫بهان �أيها امللك املعظم‪.‬‬
‫بهان‪ ،‬بل ا�سمك هو بها‪.‬‬
‫ال يا �سيدي بل هو بهان‪ ،‬تناديني �أمي و�أختي و�أقراين‬
‫دوما‪.‬‬
‫به ً‬
‫يجيبه الولد بعفوية يتعجب لها اجلميع‪.‬‬
‫لقد قدر لك ا�سم بها‪ ،‬و�أ�أمرك بذلك‪.‬‬
‫ولكن ا�سمي هو بهان‪.‬‬
‫ي�صرخ ال�صغري ويبد�أ يف البكاء‬
‫هل تعرف ملاذا ت�سمى ببهان؟‬
‫ينظر ال�صغري يف خوف ويتوقف عن نزف الدموع‪:‬‬
‫‪67‬‬
‫ال يا �سيدي‪.‬‬
‫�أخربه يا جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫علي �أنا جرينبا ال�صغري‬
‫لأن ملكنا املعظم �أنعم ّ‬
‫بقالدة جار العظمى‪ ،‬ولوالها لبقيت جرينبا و�أ�صبح‬
‫ابني بها‪.‬‬
‫ي�شد االبن يده من �أبيه يف غ�ضب‪ ،‬ثم ينظر �إىل امللك‬
‫ويقول له يف ق�سوة وحكمة ال تتنا�سب مع �سنه ال�صغري ن�سب ًيا‪:‬‬
‫ ا�سمي هو بهان‪ ،‬ولقد �أتيت مع �أبي الذي قاتل‬
‫بجانبك لأ�سلم عليك‪ ،‬ولي�س من حق �أحد �إال الإله‬
‫الأوحد �أن ي�سلبني ا�سمي‪.‬‬
‫يفاج�أ اجلميع بذلك الرد القا�سي‪ ،‬فتت�صارع الأفكار يف‬
‫ر�أ�س امللك الذي �أح�س بقلة هيبته �أمام ال�صغري‪:‬‬
‫جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫ي�صرخ ب�شدة‪.‬‬
‫�أمرك يا موالي‬
‫يخف�ض ر�أ�سه �أكرث يف خوف‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ماذا كنت تعمل لدي؟‬
‫خادم يا موالي‪.‬‬
‫هل كنت جندي لتقاتل؟‬
‫ال‪.‬‬
‫هل كنت متلك �سي ًفا؟‬
‫ال‪.‬‬
‫هل قدت جنو ًدا؟‬
‫ال‪.‬‬
‫أحدا؟‬
‫هل قتلت � ً‬
‫ي�سكت ً‬
‫قليل‪:‬‬
‫ال‪.‬‬
‫�إذن بحق الإله كيف قاتلت بجانبي‪.‬‬
‫ثم ي�ضحك في�ضحك جميع من بالقاعة �إال جرينبان‬
‫وابنه وامللكة واحلكيم والقادة الثالثة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫يتوقف امللك فج�أة عن �ضحكه ال�صاخب في�صمت‬
‫اجلميع‪ ،‬ثم ينظر �شذ ًرا �إىل الراكع �أمامه وابنه الذي جتري‬
‫دموعه الآن يف �صمت‪:‬‬
‫هل قاتلت بجانبي يا جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫�سيدي‪.‬‬
‫كانت هذه من بريدكار الذي تقدم ليثني امللك عما‬
‫يفعله‪ ،‬فلم يجيبه امللك �إال بنظرة ثبتته مكانه‪:‬‬
‫فلتجب يا جرينبا ال�صغري‬
‫يقولها وي�ضحك‪.‬‬
‫ي�سكت هذه املرة كث ًريا ثم يجيب ودموعه تت�ساقط على‬
‫�أر�ضية احلجرة‪:‬‬
‫ال‪.‬‬
‫�إذن �أ�سحب منك القالدة لرتجع جرينبا ويرجع‬
‫ابنك بها جراء كذبك عليه‪.‬‬
‫وكاد ي�شرع هو واحلا�ضرون يف ال�ضحك لوال تدخل‬
‫احلكيم الأكرب‪:‬‬
‫�سيدي‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ينظر �إليه نا�سناجار يف غ�ضب‪ ،‬فيكمل احلكيم بال ‬
‫خوف‪:‬‬
‫ال يجوز لأي ملك كان �أن ي�سحب قالدة جار الأعظم‬
‫بعد منحها‪ ،‬القالدة لها قوتها التي متنعها من‬
‫الوقوع يف ال�شخ�ص اخلط�أ‪ ،‬ولقد ظلت مع جرينبان‬
‫ردحا من الزمن ي�ؤكد لنا �أنه ي�ستحقها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد �ضغط على ا�سم جرينبان بقوة عل امللك يفيق من‬
‫�سكرته‪.‬‬
‫يتوقف الزمن يف القاعة يف تلك اللحظة لعدة دقائق‪،‬‬
‫يبدو �أن اخلمر بد�أ يزول من عقل امللك‪:‬‬
‫فلت�ستعدوا مل�سابقة املبارزة‪.‬‬
‫يقولها يف قوة وهو يغادر فتهرع ورائه حا�شيته �إال ‬
‫چينيچنا الذي ينزل �إىل جرينبان الذي ظل مط�أط ًئا ر�أ�سه‬
‫ومم�س ًكا بيد ابنه مرة �أخرى الذي ظلت دموعه على حالها‪،‬‬
‫وجميع من بالقاعة يغادر‪.‬‬
‫يجل�س على الأر�ض فيكاد يحاذيهم يف الطول‪ ،‬يرفع‬
‫ر�أ�س جرينبان الغارق هو الأخر يف الدموع‪ ،‬ينظر �إىل بهان‬
‫ال�صغري ثم ب�صوت �أج�ش مل ي�سمع بهان �صو ًتا �أكرث غلظة‬
‫منه‪:‬‬
‫‪71‬‬
‫جرينبا ال�صغري مل يقاتل بجوار امللك فح�سب يا‬
‫بهان‪ ،‬بل �أنقذ ملكنا املعظم من القتل يف حني كنا‬
‫كلنا جرحى ومتناثرين على �أر�ض املعركة‪ ،‬ولوال ‬
‫جرينبا ال�صغري مل تكن هنالك مملكة وال ملك‬
‫معظم وال قالدة جار حتى‪.‬‬
‫يقف والدموع � ً‬
‫أي�ضا تقف يف �أعينهم‪:‬‬
‫لك �أن تفخر بجرينبان‪ ،‬ولكن عليك � ً‬
‫أي�ضا �أال تف�شي‬
‫هذا ال�سر لأحد‪.‬‬
‫يرتكهما ليلحق بامللك ثم ي�ستدير بعد خطوتني‪:‬‬
‫جرينبا ال�صغري ا�ستحق القالدة و�أ�صبح جرينبان‪،‬‬
‫و�أنت ت�ستحق ا�سمك «بهان» وال �أحد ميكنه �أن ي�سلبه‬
‫منك‪.‬‬
‫كانت هذه �أطول مرة �سمع فيها جرينبان چينيچنا‬
‫دوما!‪.‬‬
‫يتكلم‪ ..‬ذلك ال�صامت ً‬

‫‪z‬‬
‫‪72‬‬
‫(‪)6‬‬
‫يقف حكيم النور فوق �صخرة �ضخمة ليعلن امل�سابقة يف‬
‫�ساحة املبارزة التي تتو�سط �أر�ض املهرجان الكبري‪.‬‬
‫ب�صوت قوي‪ ،‬تظهر �آثار العمر عليه يتكلم‪:‬‬
‫م�سابقة املبارزة تعود من جديد‪.‬‬
‫متلأ �صيحات اجلمهور الف�ضاء فيكمل‪:‬‬
‫ال قتل هذا هو قانونها الأول‪.‬‬
‫ للملك حق القتال يف املبارزة النهائية فقط‪.‬‬
‫ حلكام الأقاليم وكبار الفر�سان احلق يف القتال يف‬
‫الت�صفية النهائية فقط‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ لأبناء جار من كافة الأرا�ضي احلق يف امل�شاركة‬
‫والت�صفية ملالقاة كبار الفر�سان‪.‬‬
‫ القتال ب�أ�سلحة حقيقة �أو خ�شبية‪ ،‬لو �أختار �أحدهم‬
‫خ�شبية لوجبت على املتبارزين‪.‬‬
‫ ا�ستمتعوووووووووووووا‪.‬‬
‫فتعود ال�صيحات لتملأ املكان‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪74‬‬
‫(‪)7‬‬
‫يدخل بريدكار على امللك وهو يرتدي لبا�سه احلربي‬
‫للمبارزة‪ ،‬ي�ساعده �أحد خادميه وزوجته امللكة‬
‫�أريد �سيدي وحده رجا ًء‪.‬‬
‫فتن�سحب امللكة ويتبعها اخلادم يف �صمت‪.‬‬
‫ما الذي فعلته هذا يا نا�سنا؟‪� ،‬أجننت؟‬
‫ي�سحب نا�سناجار �سيفه يف �سرعة ويوجهه ناحية عنق‬
‫�صديقه‪ ،‬تلم�س ذ�ؤابة ال�سيف حنجرته‪:‬‬
‫جيدا لو �أردت جز عنقك الآن ملا منعني‬
‫�أنت تعرف ً‬
‫�شيء‪� ،‬أتخاطب ملكك با�سمه جمر ًدا!‬

‫‪75‬‬
‫يح�س بريدكار بقطرات الدم الدافئة على جلد رقبته‪:‬‬
‫جيدا �أنه لوال ال�صداقة ملا تكلمت‪.‬‬
‫و�أنت تعرف ً‬
‫ي�ستمر نا�سناجار بتوجيه �سيفه‪:‬‬
‫�أنا هنا ملكك �أن�سيت؟‬
‫مل �أن�س‪ ،‬ولكن هنا والآن يف الغرفة املغلقة مل تكن‬
‫� ًأبدا �إال �صديقي‪.‬‬
‫ترتاخى قب�ضة نا�سناجار ومن َثم يعيد �سيفه �إىل غمده‪،‬‬
‫موليا ظهره لربيدكار الذي مل يدر ماذا عليه �أن يفعل وهو‬
‫مي�سح قطرات دمه‬
‫�أنت تعلم حقا ما فعلته يا بريدكار‪� ،‬أنت �صديقي‬
‫وتعلم ح ًقا ما �أمر به‪ ،‬فال داعي للكالم‪ ،‬الكلمات‬
‫متيت ما بني الأ�صدقاء من م�شاعر‪.‬‬
‫ي�صمت بريدكار لوهلة‪:‬‬
‫وقد تكون هي املالذ الأخري لأفكارنا املت�ضاربة يا‬
‫نا�سنا‪.‬‬
‫لأول مرة يح�س بريدكار بال�ضعف يف �صوت رفيق عمره‬
‫حينما �أجاب‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫مل �أعد قاد ًرا على حتمل �أي منهما؛ الأفكار �أو‬
‫الكلمات‪.‬‬
‫يطيل ال�صمت هذه املرة‪:‬‬
‫نا�سنا‪.‬‬
‫ماذا تريد يا بريدكار‪.‬‬
‫�أ�س�ألك بحق ال�صداقة التي بيننا‪ ،‬هل �أنت بخري؟‬
‫يزفر ً‬
‫طويل‪:‬‬
‫نعم �أنا بخري‪� ،‬إن كنت تق�صد حكم اململكة‪ ،‬و�أكل‬
‫حلم الرباكي ال�شهي‪ ،‬و�شرب اليفعوم امل�سكر‪،‬‬
‫وم�ضاجعة حمظياتي‪ ،‬ف�أنا يف �أح�سن حال‪.‬‬
‫ي�صمت هنيهة‪:‬‬
‫�أما غري ذلك فال �أعلم ح ًقا‪.‬‬
‫ملاذا �أعدت امل�سابقة يا نا�سنا‪.‬‬
‫ي�ضع �آخر قطعة يف مالب�سه‪:‬‬
‫جميعكم ت�س�ألون نف�س ال�س�ؤال‪ ،‬وجميعكم يعلم‬
‫الإجابة م�سب ًقا‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫يلتفت �إليه ويقرتب منه‪:‬‬
‫�ستعلمون جميعكم القريب قبل البعيد‪� ،‬أن ملككم‬
‫املعظم ال يزال معظ ًما‪ ،‬و�سيخ�ضع من يف قلبه �شك‬
‫قبل �أن يخ�ضع من يعرف احلقيقة كاملة‪.‬‬
‫يرتاجع بريدكار خطوتني �إىل اخللف‪ ،‬ثم تتحول لهجته‬
‫فج�أة �إىل املرح الذي يعرف به‪:‬‬
‫وماذا لو خ�سرت مني يف املباراة النهائية‪ ،‬هل‬
‫�ستتنازل يل عن احلكم؟‬
‫ينفجران بال�ضحك‪.‬‬
‫�صدقني يا �صديقي بريدكار‪ ،‬لن �أتنازل فقط‪ ،‬ولكن‬
‫�س�أكون نائبك الأول �إن �أردت‪.‬‬
‫مممم‪� ،‬س�أفكر‪.‬‬
‫يقفز عليه نا�سنا يف �سرعة‪ ،‬مم�س ًكا بذراعيه وراء ظهره‪،‬‬
‫ومعرقال �إياه ليج�سم فوقه م�صي ًبا حركته بال�شلل‪.‬‬
‫مل ي�ستطع بريدكار التمل�ص‪ ،‬باغتته احلركة‪ ،‬وال ي�ستطيع‬
‫املقاومة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫هل ر�أيت‪ ،‬لقد ملأ حلم الرباكي ع�ضالتك بالوهن‪،‬‬
‫غزت ال�شعريات البي�ضاء ر�أ�سك و�ستحتله ال حمالة‪،‬‬
‫�أ�صبحت ال تتوقع اخلطر‪ ،‬ال تدير ر�أ�سك باجتاه‬
‫غرائزك‪ ،‬كربت و�أ�صبحت حاك ًما كما عرفناهم‬
‫دوما يا بريدكار‪.‬‬
‫ثم فج�أة قام من عليه حمر ًرا �إياه‪:‬‬
‫هل عرفت ملاذا �أعدت امل�سابقة يا بريدكار؟‬
‫�ستقابلني يف املباراة النهائية �أيها امللك املعظم‬
‫نا�سناجار‪.‬‬
‫يقولها مبنتهى اجلدية‪.‬‬
‫و�س�أرهقك كعادتي‪.‬‬
‫مطل ًقا �ضحكة �صاخبة كعادته‪.‬‬
‫�أمتنى ذلك يا �صديقي العزيز املرتهل‬
‫يغمز بعينه متمن ًيا �إثارة غ�ضبه‪.‬‬
‫دعني �أرحل الآن و�س�أثبت لك يف ال�ساحة �أن قادتك‬
‫ال يزالون يحكمون �سيطرتهم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫جيدا �أيها العزيز بريدكار‪.‬‬
‫�أنا �أعرف ً‬
‫هناك �شيء �أخري‪.‬‬
‫ما هو؟‬
‫جرينبان‪ ،‬يجب �أن تطيب خاطره هو وابنه‪.‬‬
‫بعيدا عن �صديقه‪:‬‬
‫يدير نا�سناجار ر�أ�سه ً‬
‫جرينبان ال دخل له ب�أمر بينك وبني الإله‪.‬‬
‫ينظر ب�سرعة جتاهه وهو فا ً‬
‫حتا عينيه على �آخرهما‪:‬‬
‫�أنا �صديقك منذ الطفولة يا نا�سنا‪ ،‬ال�صغري الذي‬
‫بعثه �أبوه لي�صبح من الفر�سان‪ ،‬منذ تعلمنا الكالم‬
‫�سو ًيا‪ ،‬مغامراتنا الطفولية‪ ،‬الن�ساء الالتي تقاتلنا‬
‫عليهن‪ ،‬مطاردة الرباكي يف ال�سهول ال�سوداء خارج‬
‫قريجار‪ ،‬غزوتنا لأر�ض الديجور‪ ،‬قتال عمك‪،‬‬
‫واحلكم بجوارك‪ ،‬كل هذا يجعلني �أعرفك يا نا�سنا‪،‬‬
‫جدا لو كان يل �أن �أقول هذا‪.‬‬
‫�أعرفك ً‬
‫عندما تنتهي امل�سابقة �سرنى ماذا نفعل‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫فيغادر بريدكار دون كلمة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫(‪)8‬‬
‫فار�سا ممن لهم‬
‫تقدم للت�صفية النهائية خم�سة ع�شر ً‬
‫احلق يف ذلك‪ ،‬تفاوتت الأعمار ما بني �آباء و�أبناء‪ ،‬وتقدم‬
‫من عموم �أبناء جار ت�سعة �أفراد فقط‪ ،‬فقد كان اجلميع‬
‫يعلم �أنه ال �أحد يجاري الفر�سان يف املبارزة‪ ،‬فهم بني طامع‬
‫ملجرد القتال ور�ؤية اجلاريني له‪ ،‬وبني مغبون ممن ُرف�ض ‬
‫قبال لاللتحاق بالفر�سان‪.‬‬
‫دخل نا�سنا جار �إىل ال�ساحة مع الت�سعة يف الت�صفية‬
‫الأولية‪ ،‬فوجئ اجلميع بذلك مبا فيهم بريدكار الذي اعتقد‬
‫�أن امللك املعظم �سيبارز املباراة النهائية فقط‪.‬‬
‫ارجتفت �أو�صال �أبناء جار الت�سعة‪ ،‬فامللك املعظم بكل ما‬
‫�أوتي من هيبة‪ ،‬وج�سم يقارب �ضعف �أحجامهم‪ ،‬بالقطع له‬
‫ت�أثري نف�سي عليهم‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫تقدم حكيم النور ليجري القرعة‪ ،‬ف�أ�شار له امللك املعظم‬
‫باقرتاح‪ ،‬ب�أنه يريد �أن يقاتل الت�سعة مرة واحدة‪� ،‬صمتت‬
‫اجلماهري امللتفة يف رهبة‪ ،‬ثم انطلقت يف هتافات حما�سية‬
‫لت�أييد القرار‪ ،‬وحتفيز حكيم النور على املوافقة‪ ،‬فوافق‪.‬‬
‫بد�أ القتال بني نا�سناجار وت�سع من ن�سل جار على �أر�ض ‬
‫ال�ساحة الدائرية‪.‬‬
‫�سحب �أحدهم �سي ًفا خ�شب ًيا‪ ،‬فر�ضخ اجلميع‪.‬‬
‫وانطلقت امل�سابقة‪.‬‬
‫وقف نا�سناجار يف منت�صف ال�ساحة حامال �سيفان يف‬
‫يديه‪ ،‬و�ساك ًنا منتظ ًرا هجوم املتناف�سني‪ ،‬الذين حتلقوا ‬
‫حوله يف حركة دائرية مل تهز يف ثباته �شي ًئا‪.‬‬
‫ثم جتر�أ �أحدهم وهجم من اخللف‪ ،‬على حني غرة‬
‫لكي يفاجئه‪ ،‬فما كان من نا�سنا �إال �أنه حرك �سيفه الأمين‬
‫للخلف لي�صد ال�ضربة‪.‬‬
‫ثم بد�أت املبارزة‪ ،‬هجم اجلميع دفعة واحدة‪ ،‬ونا�سناجار‬
‫ال يفعل �إال �أرجحة �سيفيه يف الهواء وهو يتحرك دائر ًيا‬
‫لي�صد �ضرباتهم‪ ،‬مع التفاتاته ميي ًنا �أو ي�سا ًرا ح�سب اجتاه‬
‫الهجوم‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫لوحة بديعة من فنون القتال يبتدعها نا�سناجار‪� ،‬أعظم‬
‫مقاتلي رينجار‪ ،‬دون �أن ي�صيب مقاتليه ب�أذى‪.‬‬
‫ا�ستمر احلال فرتة‪ ،‬تزيد فيها حما�سة اجلماهري‬
‫وتنق�ص‪ ،‬وينظر حكام الأقاليم والفر�سان فيها نظرة ح�سد‬
‫�إىل خليفة جار‪ ،‬امللك املعظم نا�سناجار‪ ،‬الذي يذكرهم‬
‫أكرثها افرتا�سا؛ بادوغال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ب�أقوى حيواناتهم و�‬
‫ثم حترك نا�سناجار �أخ ًريا‪� ،‬صد �إحدى ال�ضربات ب�سيف‬
‫ثم وجه بال�سيف الأخر �ضربة خفيفة �أطارت ال�سيف املقابل‬
‫و�صاحبه‪ ،‬و�أطاحت به من احللقة حوله ومن امل�سابقة‪.‬‬
‫انهالت ال�ضربات عليه من اخللف دون ت�أثري‪ ،‬ثم‬
‫انطلق يعدو ناحية اجلدار ليعطيه ظهره‪ ،‬وليواجه الثمانية‬
‫املتبقيني‪.‬‬
‫تباط�أوا يف الهجوم‪ ،‬فهم يعلمون �أنه بال �أمل‪ ،‬حما�سة‬
‫اجلمهور هي من دفعتهم‪.‬‬
‫مل ي�ستغرق الأمر ثوان معدودة‪.‬‬
‫مل يدرك �أحد ماذا حدث �أو كيف حدث!‬
‫منذ وهلة كان نا�سناجار يواجه ثمانية‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ويحرك �سيفيه يف الهواء بحركات متنا�سقة‪.‬‬
‫والآن �سبعة مطروحون � ً‬
‫أر�ضا‪.‬‬
‫وواحد فقط يقف مرجت ًفا ال يدري ماذا حدث‪.‬‬
‫لدرجة �أن �سيفه �سقط من تلقاء نف�سه وطفق يجري‪.‬‬
‫معل ًنا �أن نا�سناجار هزم ت�س ًعا من �أبناء جار يف مناف�سة‬
‫وحده‪.‬‬
‫ثوان‪..‬‬
‫ويف عدة ٍ‬
‫�صمت عم املكان للحظات‪..‬‬
‫ثم انطلق �أبناء جار مرة �أخرى يف الهتاف بجنون مللكهم‬
‫املعظم‪..‬‬
‫نا�سناجار‬
‫�أقوى مقاتلي اململكة‬
‫بل �أقوى مقاتل على الإطالق‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪84‬‬
‫(‪)9‬‬
‫خرج حكيم النور مرة �أخرى على ال�صخرة التي يعتليها‬
‫حني يخاطب احلا�ضرين‪.‬‬
‫معلنا بدء الت�صفية النهائية بني ال�ستة ع�شر من فر�سان‬
‫نريجار‪.‬‬
‫ثمانية مبارزات حتدد بالقرعة‪.‬‬
‫مبارزات تخلب الألباب وتبث اال�ستمتاع يف نفو�س �أبناء‬
‫جار‪.‬‬
‫من �أخبارها‪:‬‬
‫�أن يقاتل بريدكار ابنه ال�شاب روكنار فيفوز عليه وهما‬
‫ي�ضحكان‪ ،‬ويتنب�أ اجلميع مب�ستقبل باهر له‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫و�أن يتقابل چينيچنا مع �سبار يف مقابلة غري متكافئة‪،‬‬
‫ويعلن �سبار �أنه ا�شرتك فقط لأنه من قواد اململكة‪ ،‬مع �أنه‬
‫يعترب نف�سه العقل بجانب باقي القادة الذين ميثلون القوة‪،‬‬
‫و�سط �ضحكات احلا�ضرين‪ ،‬و�أنه لوال العار الن�سحب‪ ،‬تبد�أ‬
‫املبارزة ومير من حتت �أرجل چينيچنا فيم�سكه ويرفعه‬
‫من مالب�سه‪ ،‬في�سقط �سيفه وتنتهي املبارزة و�سط ت�صفيق‬
‫وابتهاج اجلميع‪.‬‬
‫ويقابل امللك حاكم مقاطعة ال�صخريني‪ ،‬ابن العم‬
‫الأ�صغر لربيدكار‪ ،‬وقد اختارا �سيفان خ�شبيان‪ ،‬تك�سرا‪،‬‬
‫فالتحما ج�سد ًيا‪ ،‬وا�سقطه نا�سناجار ب�سهولة‪ ،‬ال تتنا�سب‬
‫� ًأبدا مع ما يعرف عن ال�صخريني بالثبات‪.‬‬
‫يت�أهل ثمانية فر�سان ليتقاتلوا وي�صعد �أربعة منهم‪.‬‬
‫كانت املناف�سة الأبرز يف تلك املرحلة هي مبارزة بريدكار‬
‫مع چينيچنا‪.‬‬
‫اختار بريدكار هراوتني خ�شبيتني �صغريتني‪� ،‬أما‬
‫چينيچنا ف�أم�سك بهراوة خ�شبية �ضخمة تتنا�سب مع حجمه‪.‬‬
‫بد�أ القتال بتوجيه �ضربة قوية من الهراوة ال�ضخمة‬
‫ليتفاداها بريدكار يف �صعوبة‪ ،‬ثم يجري باجتاه �أخر ليلحق‬
‫‪86‬‬
‫به العمالق يف تثاقل‪ ،‬فيلتفت بريدكار ويجري باجتاه‬
‫العمالق يف �سرعة ثم يقفز ليتحرك دائريا على حائط‬
‫ال�ساحة ليدور حوله يف �سرعة وخفة‪ ،‬وي�ضربه �ضربتني‬
‫�سريعتني على ر�أ�سه من اخللف‪ ،‬ثم ينزل قرب ركبتيه‬
‫لي�ضربه بالهراوتني �ضربة قوية‪ ،‬في�سقط على ركبتيه‪،‬‬
‫ليت�ساوى طوليهما‪ ،‬فيعاجله بريدكار ب�ضربة على جانب‬
‫ر�أ�سه في�سقط معل ًنا فو ًزا خاط ًفا لربيدكار ينتزع الآهات‬
‫من حناجر احلا�ضرين‪.‬‬
‫ويف املناف�سة قبل النهائية يفوز امللك على �أخيه غري‬
‫ال�شقيق الذي �أظهر مهارات مل يتوقعها منه �أحد‪ ،‬كيف وهو‬
‫تربية �أخيه امللك املعظم!‪.‬‬
‫وي�سقط يف مفاج�أة مدوية بريدكار �أمام القائد‬
‫قري�صبان‪� ،‬أحد قادة املائيني املعدودين‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪87‬‬
‫(‪)10‬‬
‫جيدا‪،‬‬
‫مقابل لقري�صبان‪ ،‬يعرفان بع�ضهما ً‬‫يقف امللك ً‬
‫كيف وهو الوحيد الذي هزمه ً‬
‫قبل يف امل�سابقة التي جرت‬
‫يف عهد عمه و ُقتل فيها �أخوه‪.‬‬
‫كان نا�سناجار �ساعتها �صغ ًريا حديث العهد بالقتال‪،‬‬
‫وقري�صبان متمر�س ب�أ�ساليب ال�سيف جراء �إقامته املتكررة‬
‫ب�أر�ض الديجور‪.‬‬
‫الأ�سو�أ �أنه بعد املبارزة تقدم وطلب من امللك �أن يتزوج‬
‫بنته راونا؛ حب نا�سنا احلقيقي‪ ،‬والتي كان مقد ًرا لها �أن‬
‫تتزوجه‪ ،‬فوافق امللك الأ�سبق �ضار ًبا بكل التقاليد عر�ض ‬
‫احلائط‪ ،‬و�أعلن عن �إعطائه ابنته زوجة لقري�صبان‪ ،‬وحني‬
‫قتل ابن �أخيه وهزمه �أخوه والد نا�سنا يف املبارزة النهائية‪،‬‬
‫�أخذ قري�صبان زوجته وهرب �إىل مقاطعة املائيني‪ ،‬وقيل‬
‫‪89‬‬
‫ب�أنه قاتل �إىل جانب ال�ساحر قبل �أن يرجع ويقيم مبقاطعته‬
‫التي عرف فيها بال�شجاعة‪ ،‬وبعد �أن ب�سط نا�سناجار حكمه‬
‫على اجلميع‪ ،‬كانت كثري من الأ�شياء تغريت‪ ،‬كرب ال�شاب‬
‫املفعم باحلب‪ ،‬تزوج الزوجة ال�سابقة البن عمه ليح�صل‬
‫على ن�سل نقي‪ ،‬ا�ست�سلم املائيون‪ ،‬وماتت راونا!‪.‬‬
‫مل يدر بنف�سه نا�سناجار �إال ويده متتد �إىل �سيفه‬
‫احلقيقي‪ ،‬يظهر �شبح ابت�سامة على وجه قري�صبان وي�سحب‬
‫فرحا حني �أح�سوا ب�أنها‬
‫هو الآخر منجله‪ ،‬ليتقافز اجلمهور ً‬
‫مبارزة �ستليق باحلدث النهائي‪ ،‬يف حني جتهم بريدكار‬
‫على غري عادته‪.‬‬
‫تقدم حكيم النور ليعلن املبارزة‪ ،‬ويف النهاية �أ�ضاف‬
‫ب�صوت خفي�ض وك�أن قلبه �أح�س‪:‬‬
‫تذكرا �أيها الفار�سني �أنه ال قتل هنا اليوم‪.‬‬
‫تبد�أ املبارزة وت�شتد ال�ضربات‪ ،‬االثنان يقدمان من‬
‫الفنون ما يخلب العقول‪.‬‬
‫نا�سناجار يراوغ‪ ،‬يتقدم‪ ،‬ين�سحب ك�شاب يف �أ�شده‪ ،‬يظهر‬
‫جل ًيا تفوقه على مناف�سه‪ ،‬الذي بد�أ يظهر عليه التعب‪ ،‬وقلة‬
‫احليلة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫يهجم امللك ب�شدة ليح�صر غرميه بني احلائط وال�صخرة‬
‫ال�ضخمة التي يعتليها حكيم النور‪ ،‬ثم ي�سقط قري�صبان‪،‬‬
‫لينق�ض عليه امللك ب�سيفه في�صده باملنجل‪ ،‬ي�ضغط امللك‬
‫ويتحمل قري�صبان‪ ،‬حتى يكاد وجهيهما يتالم�سان‪.‬‬
‫يفاج�أ اجلمهور بابت�سامة تظهر على و�ش قري�صبان‬
‫املحتقن‪ ،‬ثم بكلمات يلفظها هام�سة نحو امللك الذي يفتح‬
‫عينيه على �آخرهما ويرتاجع بال�سيف‪ ،‬فريمي قري�صبان‬
‫بعيدا‪ ،‬معلنا ا�ست�سالمه وهو ي�ضحك‪ ،‬ووجه امللك‬ ‫منجله ً‬
‫يكاد ينفجر من االحتقان‪.‬‬
‫الااااااااااااااااااااا يا نا�سنا‪.‬‬
‫ الااااااااااااااااااااا يا �سيدي‪.‬‬
‫كانت من بريدكار وحكيم النور يف نف�س الوقت‪.‬‬
‫التفت �إليهم احلا�ضرون يف غري فهم‪.‬‬
‫ثم �سمع اجلميع �صوت ال�سيف العمالق وهو ميزق‬
‫�أح�شاء قائد املائيني على �أر�ض ال�ساحة الكبرية التي تتو�سط‬
‫املهرجان الكبري يف م�سابقة املبارزة التي كان قانونها الأول‬
‫والأوحد‪..‬‬

‫‪z‬‬
‫ال قتل!‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫الرحلة‬
‫(‪)1‬‬
‫جرت الأمور ب�سرعة �شديدة و�سط ذهول اجلميع‪ ،‬مل‬
‫يالحق �أحد الأحداث حتى يفهمها �أو ي�ستطيع حتليلها‬
‫للو�صول �إىل الأ�سباب التي �أدت لذلك‪.‬‬
‫قتل امللك املعظم نا�سناجار قائد املائيني قري�صبان‪.‬‬
‫خمال ًفا بذلك القانون الأزيل مل�سابقة ال�سيف‪.‬‬
‫كانت الكلمات التي نطقها حكيم النور يف اجتماع تنحية‬
‫امللك نا�سناجار هي كل ما علق بالأذهان‪.‬‬
‫عم �صمت تام بعدما �سمع اجلميع وقع ال�سيف داخل‬
‫ج�سد قري�صبان‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫نزلت الدماء الزرقاء التي تو�ضح �أ�صله النقي الذي‬
‫ينحدر من املائيني‪.‬‬
‫�ضحكة مت�شفية ارت�سمت على وجه قري�صبان‪.‬‬
‫وغ�ضب ر�آه اجلميع على وجه نا�سناجار‪.‬‬
‫عاما‪.‬‬
‫غ�ضب مل يروه �إال منذ ع�شرين ً‬
‫ثم انتهت امل�سابقة‪.‬‬
‫ب�صوت حكيم النور الوقور‪ ،‬فان�سحب اجلميع‬
‫حينما حدثت �ساب ًقا‪ ،‬و ُقتل �أخو نا�سناجار بيد عمه‪ ،‬ثار‬
‫�أبوه وقاتل �أخاه‪ ،‬و�آل امللك �إليهم‪.‬‬
‫فماذا �سيحدث الآن؟‬
‫كان هذا هو �شاغل اجلميع‬
‫ما ر�أيك يا جرينبان؟‬
‫ي�س�أله �صديقه �ساريبا‪.‬‬
‫فلريحمنا الإله الأوحد‪.‬‬
‫ما ر�أيك يا بريدكار؟‬

‫‪94‬‬
‫ي�س�أله رفيقه �سبار‪.‬‬
‫ما الذي قاله ذلك اللعني قري�صبان ليدفع نا�سنا‬
‫للقتل!‬
‫ما ر�أيك يا حكيم النور؟‬
‫ي�س�أله تلميذه بينجا‪.‬‬
‫في�صمت وال يرد‪.‬‬
‫ملاذا فعلت ذلك �أيها امللك املعظم؟‬
‫ت�س�أله زوجته فياراجارا‪.‬‬
‫فيغادر احلجرة‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪95‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ا�ستقر الأمر على تخلي امللك طواعية عن امللك لأخيه‪.‬‬
‫و�سريحل ملمر الهالك يف رحلة للتكفري عن خطيئته‪.‬‬
‫كان هذا حكم حكيم النور حينما �س�أله امللك يف قاعة‬
‫احلكم �أمام الأ�شهاد‪.‬‬
‫فوافق‪.‬‬
‫خلع تاجه وترك �صوجلانه على الكر�سي وغادر القاعة‪،‬‬
‫تار ًكا اجلميع خلفه‪.‬‬
‫�إىل �أين يا �سيدي؟‬
‫انتزع بريدكار ب�س�ؤاله اجلميع من �سباتهم‪.‬‬
‫يلتفت يف ت�ؤدة‪:‬‬
‫�س�أنام ً‬
‫‪z‬‬
‫قليل‪ ،‬فلدي رحلة طويلة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ينظر جرينبان �إىل ال�سبع �شجرات ال�سحرية التي تقع‬
‫فوق �أعلى تبة يف قريجار؛ لرياها اجلميع‪.‬‬
‫حينما خلق الإله جار‪ ،‬خلق معه تلك ال�شجرات لتحدد‬
‫لهم الوقت‪.‬‬
‫تنمو واحدة وراء الأخرى يف ن�صف اليوم‪ ،‬ثم تعود‬
‫للأر�ض يف الن�صف الآخر بدءا من اليمني‪.‬‬
‫انت�صف اليوم الآن حني نبتت �آخر �شجرة يف ال�صف‬
‫و�ستبد�أ رحلة الرجوع‪.‬‬
‫�سبع �شجرات‪..‬‬
‫�سبع �ساعات‪ ،‬مرتني‪..‬‬
‫‪99‬‬
‫�سبع �أيام‪..‬‬
‫�سبع �أ�سابيع‪..‬‬
‫�سبع �شهور‪..‬‬
‫كل �شيء يف هذا العامل يتكون من �سبعة �أ�شياء‪.‬‬
‫ال يعلم احلكمة من ذلك‪ ،‬ومل يهديه تفكريه الطويل‬
‫ل�شيء‪.‬‬
‫نيربا تقع فوق ال�سبع �شجرات‪.‬‬
‫يطيل النظر يف اجتاههم‪ ،‬فتخفت نيربا للحظة‪.‬‬
‫ي�سود الظالم خاط ًفا ثم يرجع النور‪.‬‬
‫مرتاعا يف جميع االجتاهات فال يرى‬
‫ً‬ ‫ينظر جرينبان‬
‫أحدا‪.‬‬
‫� ً‬
‫�ساعة نوم �أبناء جار قد حانت وال يوجد منهم �أحد يف‬
‫�شوارع املدينة‪.‬‬
‫يبدو �أنه خيل �إليه‪.‬‬
‫هل خفتت نيربا؟‬

‫‪100‬‬
‫بهان الذي �ساءت عالقته به كث ًريا بعد توبيخ امللك ي�س�أله‬
‫يف براءة الأطفال وخوفهم الفطري‪.‬‬
‫�إذن فقد ت�أكد �أنه ال يهذي‪.‬‬
‫ال يعرف ماذا يحدث وال من ي�س�أل‪.‬‬
‫ينظر باجتاه قاعة احلكم التي تقع على مرمى الب�صر‬
‫ويع�صف اخلوف به‪.‬‬
‫ا متوجا‪.‬‬
‫جديد ً‬‫لقد ر�أى مل ًكا ً‬
‫وهو يعرف �آخر مرة توج ٌ‬
‫ملك وخفتت نيربا ماذا حدث‪.‬‬
‫هذا جيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هو يعرف ما يعنيه‬

‫‪z‬‬

‫‪101‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ت�ضع يدها الرقيقة على وجهه في�ستيقظ‪ ،‬تواجهه‬
‫ابت�سامتها اجلميلة التي طاملا �أحبها‪:‬‬
‫ملاذا فعلت ذلك يا نا�سنا؟‬
‫يبت�سم لها‪ ،‬هي ال تتذكر �آخر مرة ر�أت ابت�سامته تلك‪،‬‬
‫وهو ال يذكر متى دعته با�سمه جمر ًدا هكذا من قبل‪:‬‬
‫فعلت ماذا؟ قتلت ذلك اللعني �أم تخليت عن احلكم‬
‫�أم رحيلي �إىل ممر الهالك؟‬
‫ملاذا جعلتني �أحبك؟‬
‫تبت�سم يف دالل فينفجر �ضح ًكا‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫كل بنات جارا حتب نا�سنا‪ ،‬مذ وعيت �إىل هذه‬
‫احلياة وعيت �إىل تلك احلقيقة‪.‬‬
‫ونا�سنا يحبهن؟‬
‫نا�سنا متيم‪.‬‬
‫فت�ضربه بيدها ال�صغرية يف �صدره وتت�أوه هي‪ ،‬في�أخذها‬
‫�إىل �صدره‪.‬‬
‫�أما ملاذا قتلته فهو ث�أر قدمي‪ ،‬ذكرين به بكلماته‬
‫البلهاء‪ ،‬ففعلت له ما �أراده‪.‬‬
‫ �أما ملاذا تخليت عن احلكم فلكي �أهرب‪ ،‬منذ تويل‬
‫�أبي احلكم و�أنا �أواجه و�أقاتل‪� ،‬أقاتل و�أواجه‪ ،‬وقد‬
‫حان الوقت لأهرب ً‬
‫قليل‪.‬‬
‫ �أما ملاذا �س�أرحل �إىل ممر الهالك‪ ،‬ر�ضيت بحكم‬
‫الكفارة حلكيم النور‪ ،‬ذلك الرجل يعرف �أكرث‬
‫مني‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أنني مل �أواجه مغامرة منذ‬
‫فرتة طويلة‪ ،‬مغامرة تثري روحي الكامنة‪.‬‬
‫لكنك تعرف �أنه ال �أحد يعود من هناك �إال القلة‪،‬‬
‫احلكماء‪ ،‬و�أحد �أعمامك القدامى ذهب ومل يعد‪،‬‬
‫ممر الهالك مثل املاء‪ُ ،‬ح ِّرم على غري �أهله‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫جتيبه والدموع تت�ساقط من عينيها‪.‬‬
‫يحكى يف الأ�ساطري �أن �أوالد جار ال�سبعة عادوا ‬
‫كاملني‪ ،‬و�أنا جتري بداخلي دماء جار النقية‪ ،‬غري‬
‫�أن هناك �أخبا ًرا ب�أن عمي رجع‪.‬‬
‫ي�صمت ً‬
‫قليل‪:‬‬
‫وعدا و�أخلفه‪،‬‬
‫�أنت تعرفني �أنني ال �أحب �أن �أعطي ً‬
‫فال �أريد �أن �أعدك ب�أنني �س�أعود‪ ،‬ولكني �أعدك‬
‫ب�أنني �س�أبذل ق�صارى جهدي للعودة‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪105‬‬
‫(‪)5‬‬
‫�سرنحل معك‪ ،‬هذا �أمر ال رجعة فيه‪.‬‬
‫كانت هذه من بريدكار يف االجتماع امل�صغر الذي جمعه‬
‫مع نا�سنا وچينيچنا و�سبار وحكيم النور وفياراجارا‪.‬‬
‫هل لأنني �أ�صبحت ال �أملك ي�صبح �أمركم ال رجعة‬
‫فيه‪.‬‬
‫يقف نا�سنا غا�ض ًبا‪.‬‬
‫اهد�أوا‪ ،‬مل ن�أت هنا للتقاتل‪.‬‬
‫�صوت احلكمة �سبار يتكلم‪.‬‬
‫هذا خط�أي‪ ،‬لو هزمت ذلك اللعني مل تكن لتحدث‬
‫كل تلك الأ�شياء‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫ي�صرح بريدكار يف ح�سرة‪.‬‬
‫ال يوجد خط�أ لأحد‪.‬‬
‫يتكلم حكيم النور يف هدوء‬
‫كل الأمور مرتبة بعناية من قبل الإله احلكيم‪ ،‬حتى‬
‫حكمي حتى ر�ضا امللك عنه‪ ،‬نا�سناجار كان من حقه‬
‫�أن يرف�ض ووافق‪ ،‬كلنا يجري يف ممر حياته‪ ،‬قبل �أن‬
‫جنري يف ممر هالكنا‪.‬‬
‫ي�صمت اجلميع للحظات‬
‫ملاذا تريدنا �أن نظل يا نا�سنا‪.‬‬
‫تهد�أ وتريته ويجل�س مرة �أخرى‪:‬‬
‫� ًأول هناك �أخي‪ ،‬ذلك املرتف الذي مل مي�سك �سي ًفا‬
‫يف حياته‪ ،‬وال هم له �إال الدعة والنوم‪.‬‬
‫ لقد تعجبنا جمي ًعا من مبارزته �إياي‪ ،‬نعم علمناه‬
‫يف �صغره ولكنه ال يريد حياتنا تلك‪.‬‬
‫ �سيحتاجكم بجانبه حتى لو خيل له عك�س ذلك‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ ثان ًيا‪ :‬هناك زوجتي‪ ،‬امللكة التي فقدت من�صبها‬
‫بتخلي زوجها عن حكمه‪ ،‬ما ذنبها‪� ،‬أريدكم �أن‬
‫حتموها‪.‬‬
‫ ثال ًثا‪ :‬ما حدث كان �سيحدث ولو بعد حني‪� ،‬أموت‬
‫و�سوف يحدث كل الأمر �أنه ُع ِّجل‪.‬‬
‫ راب ًعا‪� :‬أنا من اخرتت ذلك فما ذنبكم؟‬
‫ اخرتت ذلك فما ذنبكم!‪ ،‬لقد كنت دوما تختار‬
‫يا نا�سنا وكنا دائ ًما ورائك‪ ،‬حينما قتل ال�ساحر‬
‫�أخي بوراي كان اختيارك للحرب‪ ،‬حينما فقدنا‬
‫�صديقنا �سون�سرياب كان قرارك باملغامرة يف‬
‫�أر�ض الديجور‪ ،‬دائ ًما �أنت تختار ودائ ًما نحن من‬
‫نذنب‪.‬‬
‫ي�سكت اجلميع‪.‬‬
‫ولكننا نحب ذلك يا نا�سنا‪ ،‬نحبك ونحب اختيارك‬
‫ونثق بك �أيها املغفل‪.‬‬
‫ي�صرخ بريدكار يف غ�ضب‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫هل هناك �أي رجعة يف قرارك يا موالي؟‬
‫ت�س�أل فياراجارا يف �ضعف‪.‬‬
‫لو تراجع عن رحلته الآن لن يكون له احلق يف‬
‫املطالبة بامللك مرة �أخرى‪.‬‬
‫يجيبها حكيم النور‪.‬‬
‫وهل �سيعود؟‬
‫يتهكم بريدكار‪.‬‬
‫�إذن فال تذهب يا موالي‪.‬‬
‫ت�ستعطفه زوجته‬
‫يتنحنح حكيم النور‪:‬‬
‫لقد علمت موالتي قبل قليل عن طريقي �أنها حتمل‬
‫يف �أح�شائها ن�سلك‪.‬‬
‫ينت�صب اجلميع حتى العمالق چينيچنا‪.‬‬
‫ينظر حكيم النور للأر�ض‪:‬‬
‫مل نعلم �إال قبل حلظات من االجتماع وذلك �سبب‬
‫ت�أخرنا‪ ،‬دخلنا لنب�شركم فوجدنا الغ�ضب ي�ستعر يف‬
‫احلجرة‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫وملاذا مل تخربونا �ساعتها؟‬
‫ي�صرخ بريدكار‪.‬‬
‫لو �أطف�أنا النار باملاء داخل غرفة مغلقة‪ ،‬الختنقنا‬
‫بدخانها‪.‬‬
‫تبا لك �أيها امل�أفون‪ ،‬وتبا حلكمتك البالية‪.‬‬
‫مي�سك نا�سنا بربيدكار وهو يقفز ليلكم حكيم النور‪.‬‬
‫أيها الفتي‪ ،‬لن يتحمل �ضرباتك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫�إنه �شيخ �‬
‫يهدئه نا�سنا‪.‬‬
‫ثم يلتفت لريى زوجته تبكي يف حرقة‪ ،‬يتقدم لي�أخذها‬
‫بني ذراعيه يف حنان‪:‬‬
‫الآن �أعدك �أنني �س�أعود‪.‬‬
‫يقوم لينظر �إليهم‪:‬‬
‫ن�سل جار احلاكم القادم لأر�ض النور والديجور‬
‫�أمانة يف �أعناقكم‪ ،‬فلتحافظوا عليه ب�أرواحكم‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫‪111‬‬
‫(‪)6‬‬
‫مت االتفاق �أن يبقى الثالث قادة ليحموا امللكة وما يف‬
‫بطنها‪ ،‬و�سريحل نا�سنا ومعه حكيم النور الذي �سيوكل‬
‫مهامه لتلميذه بينجا حتى يعود‪.‬‬
‫�أراد بريدكار �أن ير�سل ابنه روكنار مع نا�سنا فرف�ض‪،‬‬
‫الرحلة ق�صرية حتى ممر الهالك‪ ،‬لن يعربوا �إال ال�صحراء‬
‫املتاخمة حلدود قريجار ال�شمالية حتى ي�صلوا �إليه‪ ،‬لن‬
‫يواجههم �إال الرباكي‪ ،‬ونا�سنا يحب حلمهم م�شو ًيا‪.‬‬
‫قبل �أن يرحل ذهب نا�سنا وبريدكار متخفيان �إىل منزل‬
‫�ساريبا ليعتذر �إىل جرينبان‪.‬‬
‫جرينبا ال�صغري عندما �سمع ملكه يعتذر خر ليقبل‬
‫قدمه‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫ولكنهم كانوا على عجالة من �أمرهم‪ ،‬ومل يرهم ال�صغري‬
‫بهان الذي كان نائ ًما ومل ي�ستيقظ رغم املحاوالت‪.‬‬
‫حينما �أفاق �أخربه �أبوه بذلك فلم يرد عليه‪ ،‬مل ي�صدقه‬
‫مثلما �صدقه قبال ب�أنه قاتل بجانب امللك نا�سناجار‪ ،‬حتى‬
‫لو �أكد ذلك له جميع القادة‪.‬‬
‫على حدود العا�صمة تركوهم‪ ،‬احت�ضن نا�سنا جميعهم‪،‬‬
‫مل ي�أت �أخوه ليودعه‪.‬‬
‫وحينما احت�ضن بريدكار قبل �أن يقفز �إىل فر�سه لريحل‪،‬‬
‫هم�س له يف �أذنه‪:‬‬
‫لو �أ�صاب امللكة �أو ما بداخلها مكروه‪� ،‬س�أقتلك �أيها‬
‫الوغد‪ ...‬يا �أخي احلقيقي‪.‬‬
‫مل يرد عليه بريدكار‪ ،‬بل ردت عليه دموعه‪.‬‬
‫بريدكار‪ ،‬ال ت�سمح �أن تغتالها يد الغدر كما حدث مع‬
‫زوجتك‪.‬‬
‫تنهمر دموعه �أ�شد وهو يتذكر زوجته التي ال يدرى حتى‬
‫الآن مما �أو ممن قتلت!‬
‫مدت امللكة يدها لتلم�سه‪ ،‬ف�أم�سك بها ثم �سحبها لتعتلي‬
‫فر�سه وقال لها ب�صوت غري م�سموع للبقية‪:‬‬
‫‪114‬‬
‫لقد �س�ألت همريز العراف وقال يل ب�أين �س�أعود بعد‬
‫أحدا‪.‬‬
‫�سبع‪ ،‬ال تقلقي‪ ،‬وال تخربي � ً‬
‫ٍ‬
‫يغمز لها بعينه فت�ضحك‪.‬‬
‫ينزلها ويرحل‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪115‬‬
‫(‪)7‬‬
‫بعد عدة �أيام من رحيل امللك ي�ستيقظ بريدكار على‬
‫جلبة عظيمة خارج منزله‪ ،‬يخرج ليجد �سبعة من الفر�سان‬
‫ينتظرونه‬
‫ماذا تريدون؟‬
‫ي�صرخ يف ع�صبية‪ ،‬لقد تخلى بريدكار عن كثري من‬
‫مرحه م�ؤخ ًرا‪.‬‬
‫يريدك امللك املعظم �أيندجار الجتماع‪.‬‬
‫ده�ش بريدكار ل�سماع ذلك‪:‬‬
‫وكل هذه اجللبة الجتماع!‬

‫‪117‬‬
‫ينظر �إليهم يف ثبات‪:‬‬
‫اذهبوا و�س�أحلق بكم‪.‬‬
‫�أمرنا امللك املعظم با�صطحابك‪.‬‬
‫ماذا؟‪� ،‬أنا بريدكار قائد اجليو�ش �أيها الأوغاد‪،‬‬
‫ارحلوا و�إال‪..‬‬
‫�أمرنا امللك املعظم با�صطحابك‪.‬‬
‫يرد عليه قائد ال�سبعة يف غلظة‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪118‬‬
‫(‪)8‬‬
‫يجل�س امللك اجلديد على عر�شه ويقف وراءه تلميذ‬
‫احلكيم بينجا‪ ،‬و�شخ�ص غري معروف‪� ،‬شاب جميل املحيا‬
‫قا�سي النظرات‪.‬‬
‫يقف �سبار وچينيچنا يف مواجهة امللك منتظرين قدوم‬
‫بريدكار ليبد�أ االجتماع كما �أخربهم امللك‪.‬‬
‫يطول االنتظار ويتململ امللك يف جل�سته‪ ،‬يهم بقول �شي ًئا‬
‫فينفتح الباب يف عنوة مث ًريا �ضجة عالية‪ ،‬يلتفت اجلميع‬
‫لريوا احلار�س ينظر �إليهم بارتعاب‪ ،‬ثم يكمل الرمح‬
‫ليخرتق �صدره‪ ،‬ويظهر �إليهم ر�أ�سه‪ ،‬يقفز امللك خائ ًفا من‬
‫كر�سيه‪ ،‬ويحتمي وراء چينيچنا الذي مي�سك هراوته‪ ،‬يقع‬
‫احلار�س ليظهر من ورائه بريدكار مغطى بالدماء وبجانبه‬
‫ابنه روكنار مم�س ًكا بالرمح‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫يتقدم بريدكار يف غ�ضب‪ ،‬لريمي ر�أ�س قائد اجلنود‬
‫ال�سبعة حتت قدم �أيندجار‪:‬‬
‫عندما تبعث لربيدكار لتجلبه عنوة‪ ،‬حتتاج �إىل‬
‫فار�سا ولي�س �سبعة فقط �أيها الطفل‪.‬‬
‫�سبعني ً‬
‫ي�سرتد امللك ج�أ�شه‪ ،‬ويحاول �أن يث�أر لكرامته‪.‬‬
‫يهرع نحو درجات ال�سلم امل�ؤدية للعر�ش ثم يلتفت وهو يف‬
‫ن�صف امل�سافة لي�صرخ بطريقة م�سرحية‪:‬‬
‫�أر�أيتم ما يفعله‪ ،‬يهدد ابن جار املعظم ملك البالد‪.‬‬
‫دما من فمه‪.‬‬
‫(بوفف)‪ ،‬يب�صق بريدكار ً‬
‫�أنت لقيط �أيها الوغد‪ ،‬ت�سري بداخل ج�سدك دماء‬
‫غري معلومة‪ ،‬دماء جن�سة‪.‬‬
‫بريدكار فلتهد�أ‪.‬‬
‫يكلمه �سبار‪.‬‬
‫فلت�صمت �أنت �أيها الق�صري‪ ،‬ال ي�أمرين �أحدكم‬
‫ب�شيء‪.‬‬
‫يتحرك امللك ليجل�س‪:‬‬
‫‪120‬‬
‫هناك تغيريات �ستحدث‪.‬‬
‫ينظر �إليهم ب�ضحكة �سخيفة ترت�سم علي �شفتيه‪،‬‬
‫ً‬
‫متجاهل كل ما حدث للتو من جانب بريدكار‪.‬‬
‫چينيچنا �سيذهب كمبعوث خا�ص للملك لأر�ض ‬
‫الديجور‪ ،‬العمالقة هناك يثريون �شغ ًبا و�أريده‬
‫لينهيه‪.‬‬
‫ي�شري چينيچنا بر�أ�سه مواف ًقا ويظل واق ًفا‪.‬‬
‫الآن يا چينيچنا‪.‬‬
‫ي�ضيف �أيندجار‪.‬‬
‫تظهر عالمات احلرية على وجوههم قبل �أن ي�شري‬
‫بر�أ�سه مرة �أخرى ويخرج مغاد ًرا‪.‬‬
‫�سيحل حمل چينيچنا‪� ،‬صديقي �شتاو‪.‬‬
‫ي�شري �إىل ال�شاب اجلميل الذي يقف جانبه‪ ،‬فيحييهم‬
‫بر�أ�سه‪.‬‬
‫�ستتغري �أ�شياء كثرية كل يف موعدها‪.‬‬
‫ينظر �إليهم‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫�سبار �ستبقى حيث �أنت حتى �أعرف ماذا �س�أفعل‬
‫بك‪.‬‬
‫ينحني �سبار يف احرتام‬
‫هل انتهيت؟‬
‫كانت هذه من بريدكار الذي ال يعرف ماذا يجري‬
‫بالظبط‬
‫نعم انتهيت‪.‬‬
‫ي�ستدير بريدكار ليغادر يف ده�شة‪ ،‬هل �أراق دماء �سبعة‬
‫بال طائل‪ ،‬هل قتل احلار�س الذي رف�ض دخوله �إال بعد �أن‬
‫ي�ست�أذن يف �سبيل ال �شيء‪.‬‬
‫بريدكار‪.‬‬
‫ي�صرخ امللك بقوة‪ ،‬يلتفت �إليه‪.‬‬
‫ هل �أمرتك باملغادرة؟‬
‫يكظم بريدكار غ�ضبه‪ ،‬ويتقدم اخلطوتني اللتني‬
‫تراجعهما‪.‬‬
‫اذهب لت�أت يل بامللكة ال�سابقة‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫ملاذا؟‬
‫ي�س�أله بريدكار يف ده�شة‪.‬‬
‫لي�س لك �أن ت�س�أل ملكك عن �أوامره يا قائد اجلند‪.‬‬
‫يجيبه يف ا�ستهزاء‪.‬‬
‫يكظم غ�ضبه مرة �أخرى وي�ستدير ليذهب للملكة‪.‬‬
‫لأتزوجها يا بريدكار‪.‬‬
‫وينطلق يف ال�ضحك‪:‬‬
‫ �ألي�س هذا ما فعله نا�سناجار معظمكم قبل ذلك؟‬
‫مل ي�ستدر بريدكار‪ ،‬توقف لوهلة‪ ،‬ثم �أكمل �سريه‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪123‬‬
‫(‪)9‬‬
‫يقتحم بريدكار وابنه خمدع امللكة‪ ،‬التي تقفز يف فزع‬
‫هي وو�صيفتها‪.‬‬
‫ماذا تفعل يا بريدكار؟‬
‫ت�س�أله يف ده�شة وهي ترى الدماء التي تغطيه‪.‬‬
‫�سي�أخذك روكنار �إىل مكان �أمني‪ ،‬مل يعد هذا املكان‬
‫�إال خط ًرا عليك‪.‬‬
‫يقولها وهو يلهث‪.‬‬
‫كما اتفقت معك يا روكنار‪ ،‬وبعد �أن ت�أمن عليها‬
‫تذهب لتخرب نا�سناجار مبا حدث‪.‬‬
‫ي�شري �إليه بر�أ�سه مواف ًقا �إياه‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫�س�أ�شتاق �إليك روكنار ابني احلبيب‪.‬‬
‫يح�ضنه يف �شدة‪.‬‬
‫مهما �سمعتم فال تلتفتوا‪ ،‬اذهبوا الآن‪.‬‬
‫يدفعهم ليغادروا من النافذة‪ ،‬ثم مي�سك بذراع ابنه يف‬
‫�شدة‪:‬‬
‫�أخرب نا�سنا ب�أين بذلت يف ذلك حياتي‪.‬‬
‫يبكيان وهما يحت�ضنان بع�ضهما‪ ،‬ليدخل �أول اجلنود‪.‬‬
‫الآن يا روكنار وال تلتفت‪ ،‬ال تلتفت يا ابن الأوغاد‪.‬‬
‫ي�صرخ فيه وهو يدفع عرب النافذة الأر�ضية‪.‬‬
‫يواجه بريدكار �صفي اجلنود الذين يتوافدون على‬
‫احلجرة‪ ،‬يخرج خنجراه الطويلني ويهجم‪.‬‬
‫يطيح بهم على اجلانبني‪ ،‬ال يزال �أقوى مما يت�صور ذلك‬
‫امللك الوغد‪.‬‬
‫�سيقتله‪.‬‬
‫لو �أطاح به�ؤالء �سيقتله ويتوىل امللك حلني رجوع نا�سنا‪.‬‬
‫هذا هو احلل الوحيد‪.‬‬
‫فلتذهب القوانني البالية �إىل اجلحيم‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫راقت له الفكرة مما زاد من حما�سته يف القتال واقرتب‬
‫ليخرج من الغرفة‪.‬‬
‫ثم توقف فج�أة‪.‬‬
‫�أوقفه رمح اخرتق قلبه مبا�شرة‪.‬‬
‫ينظر لريى امللك و�ساعده �شتاو الذي قذف الرمح‪.‬‬
‫جيدا‪.‬‬
‫هو يعرف ذلك الرمح ً‬
‫الرمح الثنائي الر�أ�س ذو الق�ضيب الأ�سود املخيف‪.‬‬
‫هناك يف املعركة الأخرية ر�آه‪.‬‬
‫هو يعرف �صاحبه‪.‬‬
‫تلك العني التي ال يخطاها يف وجه �شتاو‪.‬‬
‫(تبا لغبائنا!!)‬
‫يريد �أن ي�صرخ بها فال ي�ستطع ي�سقط وهو ال يدرى هل‬
‫�ستنجو �أر�ض النور تلك املرة �أم ال!‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪127‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ممر الهالك‪.‬‬
‫يقولها نا�سنا يف ثبات‪.‬‬
‫(�ساليچيا)‪ ،‬يبت�سم حكيم النور ويتذكر رحلته ال�سابقة‬
‫فيه قبل �أن يعود لقريجار‪ ،‬يقرب للملك فهو من �أبناء فيار‬
‫بن جار‪ ،‬ولوال رحلة كهذه لكان من املمكن �أن ي�صبح هو‬
‫امللك يف وقت �سبق‪.‬‬
‫ي�شعر بالتعب‪ ،‬خالل رحلتهم �أح�س به عدة مرات دون �أن‬
‫يظهر ذلك لنا�سنا‪.‬‬
‫كان قراره الأول مبرافقة امللك لذلك الأمر‪� ،‬شعر بدنو‬
‫نهايته‪ ،‬ف�أراد �أن يرحل للأر�ض التي ينتمي �إليها ح ًقا‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫يهمان بالدخول في�سمعا حوافر خيل ت�أتي م�سرعة‪،‬‬
‫يلتفتان لرييا روكنار ي�سابق الريح ليلحق بهما‪.‬‬
‫هذا الغبي بريدكار ال تزال ر�أ�سه بحاجة �إىل الك�سر‪.‬‬
‫يقولها نا�سنا يف �ضيق‪.‬‬
‫ي�صل روكنار وهو جمهد من �أثر ال�سرعة التي �أتى بها‪،‬‬
‫يرتجل ويرتجالن‪ ،‬فريكع حتية لهما‪.‬‬
‫�أبعث بك �أبوك خمال ًفا تعليماتي‪.‬‬
‫�سيدي لقد مات �أبي وهو يقاتل �أخاك‪ ،‬ف�أخوك كان‬
‫يريد امللكة ليتزوجها‪.‬‬
‫ينظر نا�سنا واحلكيم لبع�ضهما البع�ض يف ده�شة‪،‬‬
‫يحثانه فيحكي لهم يف عجالة عما حدث‪.‬‬
‫ي�ست�شيط نا�سنا من الغ�ضب ويهم بالرجوع‪.‬‬
‫مي�سكه حكيم النور‪.‬‬
‫لقد و�صلت �إىل خال�صك‪ ،‬فلتتم رحلتك و�إال �سيذهب‬
‫جميع ما فعلناه ُ�سدى‪.‬‬
‫�أمل ت�سمع ما قاله‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫ي�صرخ فيه‪..‬‬
‫�سمعت يا �سيدي‪ ،‬ولكن ال مفر‪ ،‬ممر الهالك يدعوك‬
‫ملالقاته‪.‬‬
‫يظل نا�سنا على غ�ضبه حتى يلتفت �إىل روكنار لي�س�أله‪:‬‬
‫و�أين ذهبت بامللكة؟‬
‫يقرتب منه ويهم�س يف �أذنه بعدة كلمات يتحول بعدها‬
‫وجه نا�سنا ويهد�أ‪ ،‬ينظر �إىل الأر�ض حا�س ًرا‪.‬‬
‫ي�صمتان احرتاما لتفكريه ‪.‬‬
‫ً‬
‫قبل �أن يتحرك باجتاه ممر الهالك‪.‬‬
‫يتبعانه يف �صمت ثم فج�أة ي�سمع نا�سنا �صوت مكتوم‬
‫وراءه‪ ،‬يلتفت ليجد حكيم النور وهو ملقى على الأر�ض ‬
‫ويحاول روكنار م�ساعدته‪.‬‬
‫يهرع �إليه‪ ،‬ويرى مالمح الرحيل على وجهه‪.‬‬
‫لقد كنت �أعلم �أنها النهاية‪.‬‬
‫يبتلع لعابه يف �صعوبة‪:‬‬

‫‪131‬‬
‫كنت �أريد فقط �أن �أر�شدك خالل املمر الذي خ�ضته‬
‫قبال‪.‬‬
‫ينظر �إىل نا�سنا يف �شفقة‪:‬‬
‫�ستقابل �أعظم خماوفك و�أكرب �آثامك‪ ،‬حتل بال�صرب‬
‫يا نا�سنا‪.‬‬
‫كانت املرة الأوىل التي يخاطبه فيها با�سمه جمر ّدا ‬
‫طوال حياته‪.‬‬
‫حتل بال�صرب و�أرجع فابنك ينتظرك‪.‬‬
‫ثم غادر احلياة‪.‬‬
‫�شاهدا ‬
‫يحفر نا�سنا وروكنار ق ًربا حلكيم النور وي�ضعان ً‬
‫من مالب�سه عليه وع�صاته منت�صبة‪.‬‬
‫ثم يتجهان نحو ممر الهالك‪.‬‬
‫بادوغال مفتوحا الفرتا�سهم!!‪.‬‬
‫ً‬ ‫خيل لنا�سنا ب�أنه فم‬

‫‪z‬‬
‫‪132‬‬
‫ممر الهالك‬
‫(ساليچيا)‬
‫ممر �ضيق �صاعد بني جبلني هو‬
‫حتكي الأ�ساطري الكثري عنه‬
‫ومهما كان نا�سنا هو �أعظم �أبناء جار احلاليني‬
‫ومهما فعله يف حياته‬
‫يبقى املجهول هو �أكرب خوف قد يواجهه‬
‫يف �سابق الزمان قد يعتربها مغامرة‬
‫�أما الآن وهو يف طريقه نحو نهايته‬

‫‪133‬‬
‫تار ًكا خلفه زوجة ً‬
‫وولدا منتظ ًرا‬
‫يعلم �أنه مل يعد كال�سابق‬
‫نا�سنا الذي جاب �أر�ض النور والديجور‬
‫وقتل ال�ساحر الأعظم‬
‫و�أخ�ضع اجلميع فعليا حتت رايته‬
‫�سمع �أن عما لأبيه فعلها �ساب ًقا‬
‫عربه وعاد ومل ي�صبح حكي ًما لقريجار مثل الباقيني‪.‬‬
‫هو مل يكن املختار �أو املن�شود يف الأ�صل‬
‫ال يتذكر ا�سمه‬
‫يقال �أن عمه هذا هو � ً‬
‫أي�ضا من لج املاء املحيط ورجع‬
‫روي �أنه ر�أى من العجائب يف حياته ما مل يراها غريه‬
‫مل يكن ي�صدق تلك الأ�شياء يف عنفوان �شبابه وقوته‬
‫ومل تكن تلك الأ�شياء مبتغاه‬
‫يقال �أن �أر�ض الأجداد الراحلني يف نهايته‬
‫ويقال �أنه �سيواجه �أعظم الوحو�ش املخلوقة‪،‬‬
‫‪134‬‬
‫هل �ستكون �أعظم من البادوغال الذي قتله مع بريدكار؟‬
‫دفاعا عن ولده‬
‫بريدكار‪ ..‬لقد مات �صديقه ً‬
‫ولده‪ ..‬ابن بريدكار بجانبه‬
‫ملاذا �أيها الإله جتري مقاديرك هكذا؟‬
‫ملاذا ال �أفهم؟‬
‫ملاذا ال تو�ضح يل م�شيئة قدرك؟‬
‫ملاذا �أ�سعى يف حياتي وال �أدري ما ت�صري �إليه؟‬
‫يقف قبل �أن يخطو �أول خطواته يف ممر الهالك‪ ،‬يلتفت‬
‫�إىل روكنار‪:‬‬
‫مل �أنو �أن يهلك �أحد معي يف م�صريي‪ ،‬ارجع لو �شئت‪،‬‬
‫وارحل �إىل مقاطعة ال�صخريني حيث �أعمامك‪،‬‬
‫وعندما �أعود �س�أجعلك ت�أخذ بث�أر �أبيك ً‬
‫كامل‪.‬‬
‫ال يا �سيدي‪ ،‬لقد كانت �أمنيتي �أن �أكون رفيق‬
‫نا�سناجار املعظم‪ ،‬هذا هو ال�شرف الذي ال يحظى‬
‫به الكثريون‪ ،‬و�أما ث�أر �أبي ف�س�آخذه عندما تعود‬
‫�ساملًا‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫بورك بريدكار‪ ،‬وبورك روكنار‪ ،‬بوركتم �أيها الطيبني‪.‬‬
‫ثم خطا‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫بعد عدة خطوات متثل لهم كائن �أمامهم‬
‫بانت مالحمه �شي ًئا ف�شي ًئا حتى اكتملت �صورته‪.‬‬
‫حكيم النور‪.‬‬
‫�صرخ نا�سنا‪.‬‬
‫ �أبي بريدكار‪.‬‬
‫�صرخ روكنار يف نف�س اللحظة‪ ،‬التفتا �إىل بع�ضهما‪ ،‬نظرا ‬
‫مرة �أخرى للكائن الذي ابت�سم‪.‬‬
‫ا�سمي هو نينوم�شا‪.‬‬
‫حترك خطوتني جتاههم‪:‬‬
‫�أنا دليلكم يف �ساليچيا‪.‬‬
‫ظال على �صمتهما منده�شني‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫�ساليچيا ممر عظيم‪ ،‬يخرتق �سب ًعا من الأودية‪،‬‬
‫حتى ي�صل �إىل منتهاه‪ ،‬ولي�س كما يعتقد البع�ض �أنه‬
‫ممر �صخري فقط‪.‬‬
‫ منذ اتفاق فيار بن جار‪ ،‬ي�أتي �إىل هنا كل عام‬
‫رجل منكم‪ ،‬يرجع منهم �سبع‬ ‫�أربعة ع�شر ً‬
‫لي�صبحوا حكماء يف مواطنهم ويهلك مثلهم‪.‬‬
‫ �أتوىل �أنا نينوم�شا قيادة ال�ضالني يف �ساليچيا‪،‬‬
‫حتى ي�صلوا �أو يهلكوا‪.‬‬
‫ �أمتثل لكم يف �صورة �أكرث من تعلمتم منه يف‬
‫حياتكم لذا من الطبيعي �أن يراين كل منكما يف‬
‫�صورة خمالفة‪.‬‬
‫هل هناك �أية �أ�سئلة قبل �أن تبد�أ رحلتنا؟‬
‫حكيم النور مل يكن هو �أكرث من تعلمت منه‪.‬‬
‫يجيب نا�سنا يف �صرامة‪.‬‬
‫يبت�سم نينوم�شا‪:‬‬
‫دعنا نعرف ذلك خالل رحلتنا �أيها امللك املعظم‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫يتحركون يف �صف واحد يتقدمهم نينوم�شا يليه نا�سنا ثم‬
‫يف النهاية روكنار‪ ،‬ي�ضيق عليهم املمر ويت�سع لفرتة‪ ،‬حتى‬
‫ي�صلوا �إىل �أول الأودية التي يخرتقها املمر‪....‬‬

‫‪z‬‬

‫‪138‬‬
‫لوكشوريا‬
‫فلت�ستعدوا ملالقاة �أول وحو�ش �ساليچيا‪.‬‬
‫يخطو نا�سنا وروكنار خلف نينوم�شا ليفاجئا باملنظر‪.‬‬
‫هل ترى مثلي هذا الكم من الن�ساء العرايا‪� ،‬أم �أن‬
‫هذا الوغد يتالعب بعقلينا مثلما فعل ً‬
‫قبل‪.‬‬
‫ي�س�أل نا�سنا رفيقه‪.‬‬
‫بلى يا �سيدي‪ ،‬من الوا�ضح �أن ممر الهالك لي�س كما‬
‫دوما‪.‬‬
‫ن�سمع عنه ً‬
‫مبهجا‪ ..‬وخمي ًفا!‬
‫كان املنظر ً‬
‫ن�ساء من كافة الأنواع والأ�شكال‪ ،‬حوريات الأ�ساطري‪ ،‬كل‬
‫ما ت�شتهيه �أنف�س الرجال و�شهوتهم‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫واد من اخل�ضرة واملياه الرقراقة اجلارية‪.‬‬
‫و�سط ٍ‬
‫وجد نا�سنا نف�سه ُي�سحب‪ ،‬هذا العمالق الذي قاد الرجال‬
‫يف �أحلك �أوقات احلروب‪ ،‬ي�سحب من يديه كالطفل‪ ،‬تتقاتل‬
‫عليه الن�ساء‪ ،‬وكالطفل � ً‬
‫أي�ضا يجرد من مالب�سه لتالم�س ‬
‫ج�سده مئات اجللود الناعمة‪ ،‬تتم�سح به لتمنحه بركة‬
‫التالم�س‪ ،‬ولذة االندماج‪.‬‬
‫ينظر بطرف عينه لريى روكنار ي�ست�سلم هو � ً‬
‫أي�ضا لفي�ض ‬
‫الن�ساء الذي ال ين�ضب‪( ،‬ياااااااه)‪ ،‬مل حتن له الفر�صة‬
‫وهو يف �سن روكنار ليتمتع هذه املتعة‪ ،‬بل كانت حياة قا�سية‬
‫خا�ضها و�سط العرق والدم‪ ،‬لو اتيحت له فر�صة الرجوع‬
‫ل�شبابه حني كانت ترمتي حتت قدمه �أجمل بنات رينجار‬
‫ويرتكهن ليلهو بال�سيف‪ ،‬الختار املتعة‪.‬‬
‫يبحث عن نينوم�شا ذلك امل�أفون‪ ،‬فيجده ناظرا �إليه‬
‫دوما ت�ستثري‬
‫يبت�سم ابت�سامة حكيم النور التي كانت ً‬
‫�أع�صابه‪ ،‬يف �أحلك الظروف توجد‪ ،‬ال تفارقه‪ ،‬مل يعلم‬
‫قط هل �أحبه �أم احرتمه فقط‪ ،‬عالقته مبعلمه الأول‬
‫وم�ست�شاره فيما بعد غام�ضة‪ ،‬مل ي�ستطع �أحدهما مد ج�سور‬
‫املودة �أطول‪� ،‬أو قطعها‪ ،‬فاجئه قراره مب�صاحبته يف رحلته‬
‫الأخرية‪ ،‬وهو �إن كان نا�سناجار املعظم‪� ،‬إال �أنه بداخله ً‬
‫فعل‬
‫�أراد تلك ال�صحبة‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫عن �أي وحو�ش تكلم ذلك امل�أفون‪.‬‬
‫ثم ترك كل �أفكاره جان ًبا‪ ،‬وحاول فقط �أن يتمتع بلحظته‬
‫الراهنة‪.‬‬
‫مل يدر كم مر من وقت عليه وهو يف هذه احلالة؛ م�سلوب‬
‫املالب�س والإرادة بل والعقل‪ ،‬ير�شف من رحيق احلياة ما‬
‫يعيد �إليه ن�ضارته‪ ،‬ويعطي الأج�ساد امللتفة حوله ما ي�سقي‬
‫�شبقها‪ ،‬ترتوي نبتة الوجود بداخله مباء ال ين�ضب‪ ،‬ويخ�صب‬
‫�أج�سا ًدا بورا كادت �أن تذوي‪.‬‬
‫مل يح�س بن�شوة كتلك قط‪.‬‬
‫وال يريد لها �أن تنتهي‪.‬‬
‫حتى عندما جامع حمظياته ال�سبع مرة واحدة‪.‬‬
‫مل تكن اللذة بتلك اللذة!‬
‫بني ال�صحو والنوم يرى خياالت‪.‬‬
‫ت�أتي له كوم�ضات �ضوء تخلخل ما بقى من �سالمه‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫حتى ظهرت له‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫راونا‪..‬‬
‫حبه القدمي الذي ناله قري�صبان‪.‬‬
‫عارية كما ولدتها �أمها‪.‬‬
‫ويف �أبهى �صورة ر�آها قط‪.‬‬
‫ترك كل ال�شبق الذي يحيياه‪.‬‬
‫وزحف �صوبها على �أطرافه‪.‬‬
‫ككلب ذليل‪.‬‬
‫تتعلق به ع�شرات الأج�ساد اجلائعة‪.‬‬
‫وهو ال يهتم‪.‬‬
‫كلما اقرتب من راونا ابتعدت‪.‬‬
‫طاردها بقوة �أكرب‪.‬‬
‫وكلما زاد جهده زاد ابتعادها‪.‬‬
‫وزاد ابتعاد �أج�ساد احلوريات الب�ضة عنه‪.‬‬
‫مل يي�أ�س‪..‬‬
‫و�ضاق الوادي عليه وخلى من حورياته‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫حتى انتهى �إىل حائط �سد‪.‬‬
‫تقف �أمامه يف مواجهته ثالث ن�ساء‪.‬‬
‫مرتديات �أبهى احللل‪.‬‬
‫راونا‪..‬‬
‫نيالمي‪..‬‬
‫تامال‪..‬‬
‫�أما راونا فهي ابنة عمه التي خ�سر زواجها يف م�سابقة‬
‫املبارزة‪.‬‬
‫نيالمي كانت �صديقة راونا املقربة‪ ،‬وو�صلة اللقاء‬
‫بينهما‪.‬‬
‫�أما تامال فهي امللكة فياراجارا ابنة خالة راونا وزوجة‬
‫�أخيها قبل �أن ت�صبح امللكة بزواجها من نا�سنا‪.‬‬
‫�ضاق عليه الوادي و�ضاقت عليه نف�سه‪.‬‬
‫بد�أت راونا بالكالم‪:‬‬
‫مرحبا بك يا نا�سنا‪� ،‬أرجو ب�أن حفلة الرتحيب‬
‫�أعجبتك‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫و�سط �ضحكات خافتة من رفيقتيها‪.‬‬
‫راونا‪ ،‬كم �أ�شتاق �إليك‪.‬‬
‫مل يهتم بوجود زوجته التي ظهرت على وجهها عالمات‬
‫الغ�ضب‪.‬‬
‫و�أنا � ً‬
‫أي�ضا نا�سنا �أ�شتاق �إليك‪.‬‬
‫تهللت �أ�ساريره وكاد �أن يقفز عليها حمت�ض ًنا �إياه‪� ،‬أوقفه‬
‫�إ�شارة منها‪ ،‬وك�أنها تعلم ما عزم على فعله‪.‬‬
‫ملاذا يا نا�سنا؟‬
‫ت�س�أله راونا يف هدوء‪.‬‬
‫ملاذا ماذا؟‬
‫ملاذا فعلت ذلك و�أ�ضعت ما بيننا؟‬
‫�أنا؟!‪� ،‬أنا من �أ�ضعت ما بيننا‪� ،‬أبوك امللك هو من‬
‫فعل‪ ،‬زوجك بهذا اللعني كيدا يف‪ ،‬وهل تعتربين‬
‫خ�سارتي يف مبارزة و�أنا غ�ض �صغري �إ�ضاعة ملا بيننا!‬
‫ال �أتكلم عن ذلك نا�سنا‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫عما تتكلمني �إذن؟‬
‫عن هذا‪.‬‬
‫و�أ�شارت �إىل نيالمي التي تقدمت وهي تخلع حلتها‪،‬‬
‫وتلتحم مع ج�سد نا�سنا القوي يف لوحة �إبداعية‪.‬‬
‫مل ي�ستطع نا�سنا املقاومة‪ ،‬مل يهتم بوجود راونا وتامال‪،‬‬
‫�سرى مع تيار ج�سده غري مبال ب�شيء‪ ،‬هام يف �سماوات‬
‫نيالمي‪ ،‬وحلق بني ت�ضاري�س ج�سدها‪ ،‬وعندما حانت منه‬
‫التفاتة‪ ،‬ر�أى نظرة اال�شمئزاز على راونا‪ ،‬ودموع القهر يف‬
‫عيون تامال‪ ،‬حينها توقف‪ ،‬توقف قبل �أن يفي�ض نهره فينهي‬
‫معاناته‪ ،‬فاحتقنت نف�سه و�ضاقت �أكرث‪ ،‬تتنازعه ال�شهوة‬
‫بني تامال امللت�صقة بج�سده‪ ،‬وبني نظرة املر�أتني التي تقول‬
‫الكثري‪.‬‬
‫راونا‪� ،‬أنا‪..‬‬
‫�أنت خنتني يا نا�سنا‪� ،‬ضاجعت �أكرث �صديقاتي قر ًبا‪.‬‬
‫بل هي من �أوقعت بي‪.‬‬
‫نا�سنا الذي كان يك�سب جميع معاركه‪ ،‬خ�سر �أمام‬
‫تلك الهزيلة‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫جيدا ما حدث‪� ،‬إن ما فعاله الآن هو بال�ضبط ما‬ ‫يتذكر ً‬
‫فعاله �ساب ًقا‪ ،‬جاءت له بر�سالة من راونا‪ ،‬ولكنها اقرتبت‪،‬‬
‫عطرها �أ�سكره‪ ،‬ومل يفق �إال بعدما ق�ضى منها م�أربه‪ ،‬يتذكر‬
‫جيدا �أنه كرر الفعلة كل مرة كانت ت�أتي له كمر�سال‪ ،‬نيالمي‬
‫ً‬
‫تلك املخادعة‪ ،‬عطرها �سح ًرا ال ي�ستطيع الفكاك منه‪.‬‬
‫راونا‪...‬‬
‫مل يعد يجدي الكالم‪.‬‬
‫لقد بحثت عنك‪ ،‬ومل �أعرث عليك‪.‬‬
‫لأين ذهبت بدون رجعة يا نا�سنا‪.‬‬
‫وهل هناك من عودة؟‬
‫لقد وافقت يا نا�سنا‪.‬‬
‫وافقتي؟‬
‫نعم لقد وافقت على الزيجة من قري�صبان لأرد لك‬
‫ال�صفعة‪.‬‬
‫ماذا؟ لقد قتلت قري�صبان عندما قال يل ذلك‪،‬‬
‫ح�سبته يكذب!‬
‫‪146‬‬
‫هذا ال يهم الآن‪.‬‬
‫لقد قتلته من �أجلك يا راونا‪.‬‬
‫ال تخدع نف�سك جمد ًدا‪ ،‬بل قتلته من �أجل نف�سك يا‬
‫نا�سنا‪.‬‬
‫راونا‪...‬‬
‫الوداع يا نا�سنا‪.‬‬
‫تلتفت لتخرتق اجلدار وتتبعها نيالمي وهي تلم ما تبعرث‬
‫من مالب�سها لتختفيان‪.‬‬
‫ي�صطدم نا�سنا باجلدار ويطرقه بكلتا يديه وهو ال يعرف‬
‫كيف اخرتاقه‪.‬‬
‫تنزل دموعه البكر التي مل تنزل حني فقدها قبال‪ ،‬هل‬
‫الن قلبك �أخ ًريا يا نا�سنا‪ ،‬ذلك القلب الذي قد من �صخر‪،‬‬
‫يكمل طرقه حتى تنزف يداه‪ ،‬ثم ي�سمع الأنني اخلافت‪،‬‬
‫يلتفت لريى دموع زوجته تامال؛ امللكة فياراجارا‪ ،‬تنزل‬
‫لرتوي الأر�ض وينبت طفل ر�ضيع‪.‬‬
‫منظر الطفل ين�سيه راونا و�صديقتها‪ ،‬يهرع �إليها وقبل �أن‬
‫ي�صل تنبت حول الطفل �سبع حيات تلتهمه �سري ًعا‪ ،‬في�سقط‬
‫نا�سنا على ركبتيه‪ ،‬وتنهمر دموعه مرة �أخرى‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫ينظر �إىل زوجته التي توقفت عن البكاء‪ ،‬يقف ويتحرك‬
‫نحوها‪:‬‬
‫تامال‪..‬‬
‫توقفه نظراتها‪:‬‬
‫هل ال زلت تتذكر ا�سمي يا زوجي العزيز‪.‬‬
‫ي�صمت دون جواب‪.‬‬
‫ياه‪ ،‬مل �أ�سمعه منك قط‪ ،‬لقد ن�سيته �أنا � ً‬
‫أي�ضا‪،‬‬
‫فاجلميع يناديني الآن باللقب املوحد للملكات؛‬
‫فياراجارا‪.‬‬
‫ال يدري ما املفرت�ض قوله‪.‬‬
‫�أترى ما حدث البنك‪.‬‬
‫يفزع‪:‬‬
‫ماذا حدث؟‬
‫�أكلته حمظياتك ال�سبع‪ ،‬جارياتك الالتي ابتدعت‬
‫وجودهن علينا يا نا�سناجار املعظم‪ ،‬لتفرغ �شهوتك‬
‫العظيمة يف �أر�ض خ�صبة غري �أر�ضي البور‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫ي�صمت لفرتة طويلة‪ ،‬مقل ًبا كل الأحداث التي مرت عليه‬
‫داخل ر�أ�سه‪.‬‬
‫ال �أعلم �إذا كان اعتذاري من املمكن �أن يغري مما‬
‫حدث �شي ًئا‪ ،‬ولكني �س�أقدمه �إليك دون �شك‪.‬‬
‫مل جتبه‪ ،‬بل ا�ستدارت لتختفي يف اجلدار هي الأخرى‬
‫وتلحق برفيقتيها‪.‬‬
‫ينهار على ركبتيه‪ ،‬تنهمر دموعه التي عرفت طريقها‬
‫يف النهاية‪ ،‬بكى وبكى وبكى حتى �أح�س بن�ضوب ج�سده من‬
‫املاء‪.‬‬
‫عندما توقف وقام والتفت وجد نينوم�شا ينتظره‪ ،‬نظرة‬
‫�صارمة على وجهه مل يعتدها من حكيم النور‬
‫الآن عرفت يا نا�سنا ما فعلت‪ ،‬قابلت �أول وحو�ش‬
‫املمر‪ ،‬وعرفت �أنه ي�سكن بداخلك‪� ..‬أنه هو �أنت‪.‬‬
‫يتقدم خطوتني‪:‬‬
‫ما م�ضى ال ميكنك �إعادته‪ ،‬ما قادم هو ما ميكنك‬
‫عدم تكرار خط�أك فيه لي�س �إال‪.‬‬
‫يحت�ضن ذراعي نا�سنا بكفيه‪:‬‬
‫‪149‬‬
‫عندما تعود ال تكرر �أخطائك يا نا�سنا‪.‬‬
‫ قاوم �شهوتك‪ ..‬تفز‪.‬‬
‫ي�سحبه لريجعا وينقذا روكنار من م�صريه‪ ،‬تلتف‬
‫الأج�ساد العارية مرة �أخرى حول نا�سنا الذي يكمل طريقه‬
‫غري مبال‪ ،‬عندما يوقفاه ويلب�سانه مالب�سه‪ ،‬تختفي الن�ساء‬
‫واخل�ضرة واملاء الرقراق‪ ،‬ت�صري �أر�ضا بورا ال يطيق �أحد‬
‫البقاء فيها‪ ،‬يقودهم نينوم�شا نحو واديهم الثاين‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪150‬‬
‫جوال‬
‫كان الوادي الثاين ي�شبه الغابة العظيمة املتاخمة حلدود‬
‫رينجار‪ ،‬تلك الغابة التي طفقوا الذهاب �إليها يف �صغرهم‬
‫ال�صطياد الرباكي و�أكل حلمهم امل�شوي‪.‬‬
‫ميتلئ الواد بالرباكي عك�س الغابة التي �أو�شكت على‬
‫النفاذ منها‪.‬‬
‫كانت �إحدى مباهج نا�سنا يف احلياة‪ ،‬حلم الرباكي الذي‬
‫ي�سيل الزبد منه‪ ،‬اللحم الذي يذوب يف فمه قبل �أن مي�ضغه‬
‫ح ًقا‪ ،‬كان بريدكار دقيق اخللقة بالن�سبة �إىل نا�سنا‪ ،‬وكان‬
‫خفيف احلركة يبذل اجلهد الأكرب يف ال�صيد‪ ،‬ويف النهاية‬
‫ي�أكل قطعة �أو قطعتني ويرتك باقي اللحم لنا�سنا‪.‬‬
‫هذه الرباكي لكم �أن ت�أكلوا ما �شئتم منها‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫ال حتتاجون لل�صيد �أو ال�شواء‪.‬‬
‫فقط ادع �أحدهم و�ستجده ي�أتي لي�سقط حتت قدمك‬
‫م�شو ًيا‪.‬‬
‫يرتكهم نينوم�شا ويتنحى جان ًبا‪.‬‬
‫يظل االثنان �صامتني يفكران‪.‬‬
‫ثم يت�شجع نا�سنا‪:‬‬
‫تعال‪.‬‬
‫ي�شري �إىل �أحد الرباكي‪ ،‬فيتقدم نحوه قبل �أن ي�سقط‬
‫حتت قدمه م�شو ًيا كما وعده نينوم�شا‪.‬‬
‫ينكب عليه ي�أكل وي�أكل‪ ،‬اللذة تتبعها اللذة‪ ،‬ويفعل روكنار‬
‫مثله‪.‬‬
‫�أخذا ي�أكالن وي�أكالن وكلما �أكال ازداد لديهم الولع‬
‫باللحم �أكرث‪� ،‬أخذ ج�سديهما يف ال�سمنة‪ ،‬قلت الرباكي‬
‫حتى كادت �أن تنتهي‪ ،‬ثبت ج�سديهما على الأر�ض من كرثة‬
‫ال�شحم الذي تراكم يف عروقهما‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫بعد �أن �أنهوا قطيع الرباكي ال�شهي‪ ،‬ظهرت جحافل من‬
‫�أبناء جار ي�ضرب الهزال �أج�سادهم‪ ،‬وهم يتحركون نحوهم‬
‫يف م�سرية بطيئة عرجاء‪.‬‬
‫حاول نا�سنا وروكنار القيام فلم ي�ستطعا‪ ،‬برك ج�سديهما‬
‫على الأر�ض فلم يتزحزحا‪.‬‬
‫ا�ستمرت امل�سرية غري عابئة مبا يقابلها‪.‬‬
‫حتى دا�ستهما النعال‪.‬‬
‫�ألف قدم �ضربت ج�سده ووجهه‪.‬‬
‫حتى �أنهكه التعب واملقاومة فا�ست�سلم للركل‪ ،‬ج�سده فقد‬
‫�شحومه من الأقدام التي دا�سته فا�ستطاع القيام بعد �أن‬
‫مروا‪.‬‬
‫م�شوه اخللقة‪ ،‬مك�سر العظام‪.‬‬
‫هذا ما يقت�ضيه احلكم يا نا�سنا‪.‬‬
‫ �إن مل ترع الرعية بحقها دا�ستك �أقدامها‪.‬‬
‫ حتى لو امتلأت جنباتك بال�شحوم وكادت عظامهم‬
‫تخرج من اجلوع‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫ فلتحذر يا نا�سنا رعيتك اجلائعة‪.‬‬
‫ وال متلأ فمك بالطعام وهم جوعى‪.‬‬
‫ فلتوقف نهمك يا نا�سنا‪ ،‬واق�ض على �شراهتك‪.‬‬
‫ و�أطعمهم قبل �أن تفكر حتى بالطعام‪.‬‬
‫ ال جتعل بطنك هي من تقودك‪.‬‬
‫ هي جزء �أنت كل‪.‬‬
‫ ودع التلذذ ف�إنه مهلكة‪.‬‬
‫ثم حترك �أمامهم �إىل الوادي الثالث‬
‫‪z‬‬

‫‪154‬‬
‫أڤاريشيا‬
‫يف الوادي الثالث مل يكن هناك �إال اخلراب والدم‪.‬‬
‫يقف اثنان من املقاتلني يف كامل عتادهما لي�ستقبالنه‪.‬‬
‫�سون�سرياب وبوراي‪.‬‬
‫جيدا‪.‬‬
‫هو يعرفهما ً‬
‫�إخوته يف احلياة والقتال‪.‬‬
‫�أهال ب�إخوتي‪.‬‬
‫يتقدم فار ًدا ذراعيه يف ا�شتياق حقيقي‪.‬‬
‫فتجابهه �سيوفهم التي انطلقت من غمدها‪.‬‬
‫قف مكانك يا نا�سنا‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫ي�صرخ �سون�سرياب‪.‬‬
‫لو حتركت لقتلت �أيها املعظم نا�سناجار‪.‬‬
‫ي�ضيف بوراي‪.‬‬
‫بوغت نا�سنا بفعلهما‪ ،‬هم �إخوة يف الدم واحلياة‪ ،‬ماذا ‬
‫حدث ليقع كل هذا‪.‬‬
‫ُيرجع �سون�سرياب �سيفه بحركة ر�شيقة �إىل غمده‬
‫ويتقدم‪:‬‬
‫لقد هلكت من طمعك يف �أن يكتب تاريخ رينجار‬
‫ا�سمك‪ ،‬و�أخذتنا يف رحلة املوت يف �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫ووراءه بوراي‪:‬‬
‫لقد �ضحيت بنف�سي لأنقذك يا نا�سناجار من‬
‫ال�ساحر‪.‬‬
‫ي�صمت نا�سنا‪.‬‬
‫في�ضيف بوراي‪:‬‬
‫ماذا فعلت لنا بعد موتنا‪ ،‬لوالنا ملا عرف �أحد نا�سنا‪،‬‬
‫ولكن طمعك يف �أن يخلد ا�سمك فقط لغى وجود ما‬
‫عداه‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫�أنا مل �أفعل ذلك‪ ،‬لقد �أتيتم معي بكامل رغبتكم‪.‬‬
‫وهل لنا �أن نرف�ض طلب ابن امللك �أو امللك‪.‬‬
‫لقد نلتم ال�شرف‪.‬‬
‫لقد نال منا طمعك‪.‬‬
‫لقد متم يف �سبيل احلق‪.‬‬
‫لقد رمانا ج�شعك يف التهلكة‪.‬‬
‫يقذف �إليه بوراي ب�سيف فيلتقطه ويهجمان عليه‪ ،‬وقف‬
‫روكنار ال يعرف ماذا يفعل‪ ،‬فبوراي هو عمه �شقيق بريدكار‪،‬‬
‫وقد مات يف املعركة الأخرية بيد ال�ساحر‪.‬‬
‫عاما‪ ،‬النت�صر نا�سنا‬
‫لو كانت هذه املعركة منذ ع�شرين ً‬
‫عليهما بال �شك‪ ،‬ولكن الذي حدث �أن نا�سنا بكل ما فعله‬
‫الزمن وممر الهالك فيه‪ ،‬يحارب فار�سني �شديدين �أتيا له‬
‫من زمنهما الغابر بكامل قوتهما‪ ،‬فهزماه!‪.‬‬
‫فاقدا �سيفه‪.‬‬
‫نا�سنا ي�سقط �أر�ضا ً‬
‫نا�سنا الذي مل يخ�سر ً‬
‫نزال منذ �أ�صبح ً‬
‫رجل ي�سقط‪.‬‬
‫وبيد �أ�صدقائه‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫عندما نزلت دمعته حز ًنا لفراقهما تبخر اجل�سدان‪.‬‬
‫و�سقط ال�سيفان على الأر�ض‪.‬‬
‫فعرف نا�سنا مقدار جرمه بحقيهما‪.‬‬
‫ما�سحا دمعته‪.‬‬
‫قام ً‬
‫وغر�س ال�سيفان يف الأر�ض‪.‬‬
‫عالمة القدماء على احرتام من رحل من الفر�سان‪.‬‬
‫الفعلة التي مل يفعلها يف وقتها املنا�سب‪.‬‬
‫يف املا�ضي‪.‬‬
‫حلظة موتهما‪...‬‬
‫ثم تبع نينوم�شا يف �صمت‪.‬‬
‫�أخذوا يتجولون و�سط اخلراب حتى وجدوا امر�أة‪ ،‬ارمتى‬
‫روكنار حتت قدميها‪� ،‬أمه اجلميلة بريد�سا التي انتحرت‬
‫وتركته �صغ ًريا‪ ،‬ورباه بريدكار دون �أن يتزوج ثانية وفا ًء لها‪.‬‬
‫تربت على ر�أ�سه ثم ترفعه ليحت�ضنها‪.‬‬
‫تنظر �إىل نا�سنا بنظرة قوية‪.‬‬
‫يتقدم لريكع هو الأخر حتت قدميها‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫�ساحميني يا بريد�سا‪ ،‬لقد لعب اليفعوم بر�أ�سي‪.‬‬
‫يقولها وهو يبكي بحرقة‪.‬‬
‫ً‬
‫مذهول �إىل نا�سنا‪.‬‬ ‫يرتك روكنار ح�ضن والدته وينظر‬
‫ما الذي حدث �أيها ال�سيد املعظم؟‬
‫ال يجيبه‪.‬‬
‫ما الذي حدث يا والدتي؟‬
‫هو ال�سبب يف انتحاري‪ ،‬كاد �أن ينال ما لي�س بحقه‪،‬‬
‫فلم �أر بدا من القفز حتى �أهرب منه‪.‬‬
‫مل ي�صدق روكنار ما �سمعه‪ ،‬نا�سنا �صديق والده‬
‫دفاعا‬
‫ال�صدوق‪ ،‬الذي يعتربه والده الثاين‪ ،‬الذي مات والده ً‬
‫عن زوجته يفعل ذلك‪.‬‬
‫امللك املعظم الذي تتحاكى با�سمه الأل�سن و�ضيع يغت�صب‬
‫زوجة �صديقه‪.‬‬
‫ي�سحب روكنار �سي ًفا ملقى على الأر�ض بجانبه ويدعو‬
‫نا�سنا للقتال‪.‬‬
‫ي�ضع نا�سنا رقبته يف متناول روكنار‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫�أنا معرتف يا روكنار بخط�أي‪ ،‬فلتقتلني وتنهي‬
‫عذابي كلما ر�أيتك �أو ر�أيت بريدكار وهو حزين‬
‫عندما يتذكرها‪.‬‬
‫يبكي ب�صوت م�سموع‪.‬‬
‫طمعي عذب كل من حويل‪ ،‬كل من �أحببتهم تلظوا ‬
‫يف نريان ج�شعي‪.‬‬
‫«ولكني مل �أق�صد» رددها بداخله مرا ًرا وتكرا ًرا‪.‬‬
‫هم روكنار بجز عنقه ف�أوقفته يد والدته‪.‬‬
‫ال يا روكنار‪ ،‬لقد اعرتف بخطئه‪ ،‬وذلك �أول طريق‬
‫التوبة‪.‬‬
‫وماذا عنك وعني وعن بريدكار والدي؟‬
‫ي�صرخ يف جزع‪.‬‬
‫لكل منا �آثامه‪ ،‬ويكفي �أنه اعرتف‪.‬‬
‫تنزل دموع روكنار يف �صمت‪.‬‬
‫حتى �أنت يا روكنار‪ ،‬طمعك يف �أن ترافق امللك املعظم‬
‫هو من �أتى بك �إىل هنا‪ ،‬هو من �أجلى احلقيقة �أمام‬
‫عينك‪ ،‬و�إما �أن تتحملها وتع�ش بها‪� ،‬إما �أن تقتلك يف‬
‫غياباتها‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫يكمل بكائه وينحب‪ ،‬ثم ُي�سقط ال�سيف وي�سقط هو الأخر‬
‫بجانب نا�سنا‪.‬‬
‫ما حدث هنا �سر ال يعلمه �أحد يا روكنار‪ ،‬وهذه �آخر‬
‫كلماتي‪.‬‬
‫تذوب يف الهواء كدخان �شمعة حمرتقة ويختفي كل �أثر‬
‫لها‪.‬‬
‫ي�ضع نا�سنا يديه على كتف روكنار‪.‬‬
‫�صدقني يا روكا‪.‬‬
‫دوما‪.‬‬
‫كما اعتاد �أن يناديه ً‬
‫دوما‪ ،‬وما فعلته كان حتت ت�أثري‬
‫لقد اعتربتك ابني ً‬
‫ال�س ْكر‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثم بكى االثنان‪.‬‬
‫حينما انتهيا‪ ،‬وجدا مر�شدهما يف االنتظار للذهاب �إىل‬
‫الوادي الرابع‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪161‬‬
‫أسيدتريشيا‬
‫نال التعب منهما و�أكل من ج�سديهما ما �أكل‪ ،‬كادا ‬
‫ي�سقطان وهما يوا�صالن ال�سري‪.‬‬
‫واد عربه‪.‬‬
‫من ي�سقط يبقى �أ�سري �آخر ٍ‬
‫ال ي�ستطيع التحرر ليوا�صل التقدم وال ي�ستطيع‬
‫الرتاجع‪.‬‬
‫فلتكمال‪.‬‬
‫ير�شدهما نينوم�شا ملا ينتظرهما‪ ،‬فيكمالن‪.‬‬
‫ي�صالن �إىل الوادي الرابع ليجدا �أنهما يف قريجار!‬
‫العا�صمة اخلالدة‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫لكن �صورتها غري ما �ألفاها‪.‬‬
‫مبانيها متهدمة‪.‬‬
‫و�سكانها يلب�سون اخلرق وي�أكلون اجليف‪.‬‬
‫ماذا حدث؟‬
‫ي�س�أل نا�سنا يف خوف‪.‬‬
‫يجيبه �أحدهم‪:‬‬
‫لقد مل امللك منا‪ ،‬مل يعد يهتم بنا ك�سابق عهده‪،‬‬
‫تلقانا زبانيته بالعذاب حتى �صرنا �إىل حالنا هذا‪.‬‬
‫ومن ملككم هذا؟‬
‫ي�س�أل نا�سنا يف غ�ضب‬
‫يرتاع �أحدهم قبل �أن يجيبه‪:‬‬
‫كيف ال تعرفه‪� ،‬إنه امللك املعظم نا�سناجار‪.‬‬
‫�أُ�سقط يف يده‪.‬‬
‫ال يجب على امللك �أن ميل‪.‬‬
‫يتكلم نينوم�شا بل�سان حكيم النور‬
‫‪164‬‬
‫ال يجب على امللك �أن ينظر لرعيته من نافذة غرفته‬
‫يوم املهرجان الكبري فقط وهم فرحون‪ ،‬بل يجب‬
‫عليه �أن يعي�ش معي�شتهم ليدري بظروفهم وما يحيط‬
‫بهم‪.‬‬
‫ ال يجب على امللك �أن ي�س�أم دخول رعيته عليه‪� ،‬أو‬
‫�أن يعني ا ُ‬
‫حل َّجاب يا نا�سنا مثلما فعلت ومل يفعلها‬
‫�أحد قبلك‪.‬‬
‫ي�صيب امللك ُ‬
‫ امللل‪ ،‬ت�صيب رعيته الرزايا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ حينما‬
‫ ولقد �س�أمت املُلك يا نا�سنا‪,‬‬
‫للمرة التي ال يتذكرها يبكي نا�سنا‪.‬‬
‫عيناه عرفتا طعم الدموع ومن الوا�ضح �أنها �أعجبتها‪.‬‬

‫يعرب نا�سنا اجلموع ليلج ق�صره بداخل القلعة‪.‬‬


‫فيجد زهرة كبرية ذابلة‪.‬‬
‫يلم�سها فتت�ساقط متك�سرة الأوراق‪.‬‬
‫وظهرت من حتتها زوجته فاقدة للحياة‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫يحت�ضنها يف حرقة ويبكي حتى تنبت دموعه احلياة فيها‬
‫مرة �أخرى‪.‬‬
‫تنظر �إليه بوهن ثم ت�شيح بوجهها‪.‬‬
‫لقد �س�أمت يا نا�سنا زوجتك‪ ،‬تلك الزهرة اليانعة‬
‫حتى تك�سرت �أعوادها‪.‬‬
‫�صوت حكيم النور يجلجل يف الآفاق‪.‬‬
‫ومن ميل زوجته ويخونها مع حمظياته‪ ،‬يفتح لها هي‬
‫� ً‬
‫أي�ضا الطريق للخيانة)‬
‫ على الزوجة ذنب‪ ،‬وعلى الزوج ذنبان‪.‬‬
‫ لقد مللت يا نا�سنا وهذا �أول طريق اخليانة‪.‬‬
‫يرتكها نا�سنا وي�ستمر يف البكاء حتى تنمو الزهرة مرة‬
‫�أخرى وتغلف ج�سد زوجته‪.‬‬
‫فتى م�شوها يجل�س على‬
‫يتحرك نحو قاعة احلكم ليجد ً‬
‫عر�شه‪ ،‬ابنه لقد عرفه حتى لو اختفت معامل وجهه‪ ،‬ومل‬
‫يراه م�سب ًقا‪.‬‬
‫معامل احلزن تك�سو ج�سده‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫لقد ي�أ�ست من جميئي يا �أبي‪.‬‬
‫يبادره بالكالم‪.‬‬
‫لقد ي�أ�ست وتركت كل �شيء وهربت‪ ،‬يف اللحظة التي‬
‫كنت �أحتاجك فيها ح ًقا‪.‬‬
‫�سقط نا�سنا و�سبقته دموعه‪.‬‬
‫في�ضيف نينوم�شا ب�صوت حكيم النور‪:‬‬
‫لقد ي�أ�ست يا نا�سنا‪.‬‬
‫ ي�أ�ست من الرحمة والأمل‪.‬‬
‫ ي�أ�ست من الإله‪.‬‬
‫ و�أخذت �أول خطوة يف طريقك �إىل الهالك‪.‬‬
‫ وها �أنت تعرب ممره‪.‬‬
‫ فلنكمل م�سرينا �أيها امللك املعظم‪.‬‬
‫يت�ساند نا�سنا على روكنار ويتبع نينوم�شا‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫‪167‬‬
‫إ ّيرا‬
‫تلفحه رياح �ساخنة تكاد حترق جلده عندما دخل الوادي‬
‫التايل‪.‬‬
‫ال�سماء تتلون بلون �أحمر‪ ،‬وتهب �أتربة �صفراء متنع‬
‫الر�ؤية وتكتم الأنفا�س‪.‬‬
‫هذا هو الهالك بعينه‪.‬‬
‫يظهر نور �ساطع يف و�سط اجلو امللبد‪.‬‬
‫ا رويدا حتى قارب �ضعف حجم نا�سنا‪.‬‬
‫رويد ً‬ ‫ازداد ً‬
‫وبد�أ يتج�سد يف �أ�شكال خمتلفة ويتبادل بينها‪.‬‬
‫نور �ساطع‪-‬زوجته‪-‬بريدكار‪-‬حكيم النور‪-‬قري�صبان‬
‫‪-‬عمه‪ -‬وكثري ممن عا�صروه وعا�شروه‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫ثم انفجر ال�ضوء فج�أة ليحدث �إع�صار ي�أخذ نا�سنا بني‬
‫ً‬
‫�ضاغطا ج�سده حتى كاد �أن َينفق‪.‬‬ ‫جنباته‬
‫بعد مدة ال يعلمها �سقط‪ ،‬منهك القوى جمروح اجل�سد‬
‫ذاهب العقل‪.‬‬
‫هذا هو وادي الغ�ضب‪.‬‬
‫ د�أب اجلميع على الن�صح يا نا�سنا ومل تلتفت‪.‬‬
‫ هذا الإع�صار الذي �ضغط جانبيك هو ما �أح�س به‬
‫كل من جل�ست عليه بج�سدك ال�ضخم‪.‬‬
‫ ال تغ�ضب يا نا�سنا‪.‬‬
‫ فالغ�ضب هو الطريق املي�سر لتغييب العقل‪.‬‬
‫ وتغييب العقل هو مفتاح الظلم)‬
‫ الغ�ضب هو من جعلك تقتل قري�صبان بال وجه‬
‫حق‪.‬‬
‫ وهو الذي مل يقل لك �سوى احلقيقة‪.‬‬
‫ �أن راونا وافقت‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫ الغ�ضب هو من جعلك تذل جرينبان وابنه �أمام‬
‫اجلموع‪.‬‬
‫ الغ�ضب هو من جعلك تعيد م�سابقة املبارزة فينتهي‬
‫بك الطريق هنا‪.‬‬
‫ الغ�ضب هو الذي هيئ لك �أنك ت�ستطيع حتدي‬
‫الإله‪.‬‬
‫ الغ�ضب هو اخلطيئة الوحيدة التي ال يك�سب من‬
‫ورائها �صاحبها �شي ًئا‪.‬‬
‫ بل يخ�سر ويخ�سر ويخ�سر‪.‬‬
‫ حتى تق�ضي عليه بعدما تق�ضي على كل �شيء‬
‫يحيط به‪.‬‬
‫ ال تغ�ضب يا نا�سنا‪.‬‬
‫يدب �صوت حكيم النور يف ر�أ�سه كمطارق تهد حائط‬
‫�صلب‪ ،‬وكطبول تعلن انت�صار العدو‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫‪171‬‬
‫إنڤيديا‬
‫يلج الوادي التايل ليجد كل ما ميتلكه ويحبه حمط ًما‬
‫على الأر�ض‪.‬‬
‫حاول �أن يلم �شتات نف�سه املبعرثة فلم ي�ستطع‪.‬‬
‫ثم يجد ثالثتهم واقفني منتظرينه يف حتفز‪.‬‬
‫بريدكار‪ ،‬جرينبان‪ ،‬وبهان‪..‬‬
‫يذهب �إليهم جريا‪.‬‬
‫لقد اعتذرت لوالدك يا بهان ولكنك كنت نائ ًما‪.‬‬
‫يوجه كالمه �إيل بهان ال�صغري الذي ي�شيح بوجهه عنه‪.‬‬
‫قل له يا جرينبان ب�أنني فعلت ذلك‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫فال يرد عليه‪.‬‬
‫�أمل ت�شهد على ذلك يا بريدكار؟‬
‫لقد هم�ست بها يف �إذنك يا �سيدي‪.‬‬
‫يجيبه بريدكار‪.‬‬
‫ماذا؟‬
‫يتعجب نا�سنا‪.‬‬
‫لقد هم�س بها يف �إذنك يا نا�سنا‪.‬‬
‫ قال لك �إن ابنه معه فال تنتق�ص من قدره �أمامه‪ .‬‬
‫قال لك �أنه �أنقذك ً‬
‫قبل ومل يف�ش �سرك فانقذه‬
‫�أنت اليوم‪.‬‬
‫ ن�صحك ك�صديق قبل �أن يكون �ساعدك‪.‬‬
‫ ولكن احل�سد �أعمى قلبك قبل �أن يعمي عينيك‪.‬‬
‫ كيف جلرينبا الو�ضيع �أن يلد ويخلد ا�سمه عرب‬
‫�أبنائه‪.‬‬
‫ وميوت ذكرك �أنت نا�سنا املعظم‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫ كيف جلرينبا الو�ضيع �أن يلهو مع ن�سل من �صلبه‪.‬‬
‫ وتعي�ش �أنت بني �أح�ضان حمظياتك بال �شغف‪.‬‬
‫ مع �أنك لو فكرت ً‬
‫قليل لعرفت ب�أن ا�سم جرينبان‬
‫�سيختفي بعد عدة �سنوات‪.‬‬
‫ و�سيبقى ا�سم نا�سناجار مبا فعله تتناقله الأجيال‪.‬‬
‫لقد ح�سدته يا نا�سنا‪.‬‬
‫ واحل�سد ينخر ج�سد �صاحبه ك�سو�س البريفاق يف‬
‫�شجر ال�شومفادا‪.‬‬
‫ احل�سد هو احلزن لفرح الآخرين‪.‬‬
‫ لقد ارتكبت يف حقهم ما ال ميكن ن�سيانه يا نا�سنا‪.‬‬
‫من داخلك قبل �أن يكون من داخلهم‪.‬‬
‫يركع على ركبتيه‬
‫لقد �أنقذين والدك يا بهان‪� ،‬أنقذين ولواله ملا‬
‫�أ�صبحت مل ًكا وال عا�ش �شعبنا يف رخاء‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫�أنكرته‪ ،‬جحدت ف�ضله على امللأ‪ ،‬وحني اعتذرت‪،‬‬
‫فعلتها يف اخلفاء حتى ال يراين �أحد �ضعي ًفا‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫يوجه كالمه �إىل بهان فال ينظر �إليه‪.‬‬
‫لقد �أذللتك �أمام اجلميع يا جرينبان‪ ،‬ولكني مل �أعد‬
‫�أ�ستطيع التحكم يف انفعاالتي‪ ،‬اعتذرت لك‪ ،‬ولكني‬
‫�س�أعود و�أعتذر �أمام اجلميع �صدقني‪.‬‬
‫ال يرد عليه‪.‬‬
‫�أنت �أخي و�أقرب �أ�صدقائي‪ ،‬خنتك يف زوجتك‪،‬‬
‫وخنت ن�صائحك‪ ،‬ما زلت �أتذكر حلم الرباكي التي‬
‫كنت ترتكه يل عن طيب خاطر‪ ،‬وعرفت �أنك فديت‬
‫زوجتي وابني بروحك‪ ،‬روكنار �سي�أخذ مكانك‪،‬‬
‫ويكون البني مثلما كنت و�س�أكون له‪� ،‬أنا �أحبك يا‬
‫بريدكار‪ ،‬مل �أقولها ً‬
‫قبل‪ ،‬و�أقولها الآن‪ ،‬و�س�أقولها‬
‫دوما‪ ،‬فلت�ساحمني على كل ما ارتكبته بحقك‪.‬‬
‫ً‬
‫تخ�ضل حليته الدموع‬
‫وكما العادة تبخر اجلمع وعاونه نينوم�شا وروكنار على‬
‫القيام لإنهاء رحلته‪.‬‬

‫‪z‬‬
‫‪176‬‬
‫سوبيربيا‬
‫كان الوادي الأخري ً‬
‫فارغا‪ ،‬م�ساحة �سا�شعة من الفراغ‬
‫البكر الأويل‪ ،‬هنا يبد�أ البناء الذي تريده‪ ،‬لت�شكل عاملك‪.‬‬
‫ر�أى حكيم النور وهو ي�ستقبل ً‬
‫طفل ر�ضي ًعا �إىل احلياة‪،‬‬
‫الطفل هو نا�سنا‪.‬‬
‫الذي �شب على تعاليم حكيم النور‪� ،‬أوىل اللبنات التي‬
‫غر�ست بداخله كان هو م�صدرها‪.‬‬
‫م�شاهد حياته كاملة مرت �أمام عينه الطفل‪-‬الفتى‪-‬‬
‫ال�شاب‪-‬الرجل‪-‬امللك‪.‬‬
‫بكل تف�صيالتها‪.‬‬
‫هو هنا فقط ي�شاهد‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫يرى مالمح كل من حوله‪.‬‬
‫الغمزات والهمزات‪.‬‬
‫يرى وجه من يعطيه ظهره كيف حتول‪.‬‬
‫عرف ب�أن الأمر مل يكن � ًأبدا كما �أيقنه‪.‬‬
‫تفكري حكيم النور مل�صلحته‪.‬‬
‫ت�أمل زوجته من معاملته‪.‬‬
‫ق�سوة قراراته على قلب بريدكار‪.‬‬
‫ذل جرينبان وهو يعطي وجهه للأر�ض‪.‬‬
‫ر�أى حياته بعني املتابع‪.‬‬
‫وعرف ما فعله ح ًقا‪.‬‬
‫ثم اختفت فج�أة كما ظهرت فج�أة‪..‬‬
‫و�أتى من بعيد اثنان‪.‬‬
‫حكيم النور وامللك املعظم نا�سناجار ‪.‬‬
‫يقفان �أمامه وال يعرفانه‪.‬‬
‫من �أنت يا بني؟‬
‫‪178‬‬
‫ي�س�أله حكيم النور يف �شفقة‪.‬‬
‫من قريجار يا �أبت‪.‬‬
‫يجيبه نا�سنا يف ود وهو ينظر �إىل نف�سه؛ امللك املعظم‬
‫نا�سناجار‪ ،‬الذي ينظر �إليه يف ا�شمئزاز وا�ضح‬
‫وما فعل بك ذلك؟‬
‫يكمل حكيم النور‪.‬‬
‫الزمن يا �أبت‪.‬‬
‫يجيب نا�سنا‪.‬‬
‫نعم املعلم هو‪.‬‬
‫يتمم حكيم النور‪.‬‬
‫لو تعلمنا‪.‬‬
‫ي�ضيف نا�سنا‪.‬‬
‫تت�سع ابت�سامة حكيم النور‪:‬‬
‫�أنا من يبعث ب�أبناء جار �إىل ممر الهالك‪ ،‬لوال ‬
‫جيدا لقلت ب�أنك �ستكون حكيم النور‬
‫�أين �أعرفهم ً‬
‫القادم‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫حكيم نور �أم حكيم م�شردين بخلقته هذه‪.‬‬
‫تكلم امللك نا�سناجار‪.‬‬
‫ينظر �إليه نا�سنا يف قوة‪:‬‬
‫امللك املعظم ال يرى �شي ًئا �أبعد مما تراه عيناه‪.‬‬
‫يثور امللك املعظم وي�سحب �سيفه ليجز عنق نا�سنا‪،‬‬
‫يحاول حكيم النور تهدئته فال ينجح‪.‬‬
‫هل �ستقتل م�شر ًدا � ً‬
‫أعزل �أيها امللك املعظم؟‬
‫ ال ميزح نا�سنا وهو يواجهه‪.‬‬
‫�أنت م�شرد‪� ،‬سواء حملت حكمة �أو �سي ًفا �أو مل حتمل‬
‫�شي ًئا!‬
‫ي�ستهزئ به امللك‪.‬‬
‫وماذا؟‬
‫ي�س�أله نا�سنا ‪.‬‬
‫وماذا ماذا؟!‪ ،‬هل جننت �أجتر�ؤ على قتايل‪� ،‬أال تعلم‬
‫ح ًقا من �أنا وقد قلت �أنك من قريجار!‬

‫‪180‬‬
‫يجيب امللك يف غ�ضب‪.‬‬
‫ثم ماذا؟‪� ،‬أيهرب امللك من قتايل‪.‬‬
‫يبت�سم نا�سنا‪.‬‬
‫�أيها الغبي!‪ ،‬فلتالقي حتفك‪.‬‬
‫ي�صرخ امللك يف غ�ضب‪ ،‬ويقذف �إليه ب�سيف ليتواجها‪.‬‬
‫يهجم عليه فيتفاداه نا�سنا‪ ،‬ثم ينزل � ً‬
‫أر�ضا ليوجه �ضربة‬
‫قوية لركبته الي�سرى‪ ،‬حيث مو�ضع �إ�صابة قدمية يعرفها‬
‫جيدا‪.‬‬
‫ً‬
‫فيرتنح امللك وي�سقط‪ ،‬ليعاجله نا�سنا ب�ضربة مبقب�ض ‬
‫ال�سيف على خوذته فت�سقط وي�سقط �سيفه من يده من الأمل‪.‬‬
‫مل ت�أخذ املعركة وقتًا‪.‬‬
‫قلت لك مرا ًرا‪� ،‬أننا نقاتل بعقلنا ال بقوتنا‪.‬‬
‫وقف االثنان نا�سنا وحكيم النور ليقوالها م ًعا للملك‬
‫املهزوم‪.‬‬
‫قلت لك مرا ًرا‪ ،‬ال تهون من خ�صمك � ًأبدا حتى لو‬
‫كان يربوعا ممن تقتله ال�صبية‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫يكرر نا�سنا كالم حكيم النور الذي يحفظه عن ظهر‬
‫قلب معه‪.‬‬
‫قلت لك مرا ًرا �أال حتكم على �شيء �إال حك ًما حقيق ًيا ‬
‫بعد �أن تراه ح ًقا‪.‬‬
‫يبكي نا�سنا وهو يكرر كلمات حكيم النور التي �ألقاها‬
‫�إليه وهو �صغري ويلقيها الآن �إىل امللك امللقى � ً‬
‫أر�ضا‪.‬‬
‫دوما من‬
‫قلت لك مرا ًرا �أال تغرت بقوتك‪ ،‬فهناك ً‬
‫ي�ستطيع هزميتك‪.‬‬
‫ قلت لك مرا ًرا �أال تزهو بعنفوانك‪ ،‬فزهرة‬
‫دوما �إىل الفناء‪.‬‬
‫الأراك�شي م�سريها ً‬
‫ قلت لك مرا ًرا �أال تتكرب‪ ،‬وال حتمل يف قلبك �ضغينة‬
‫في�صبح ه�ش �سهل الك�سر‪.‬‬
‫ قلت لك مرا ًرا �أال تتغرط�س على من دونك‪،‬‬
‫در�سا‪ ،‬ولك احلرية‬
‫ف�سوف يعلمك كل من يقابلك ً‬
‫�أن تتعلمه بالطريقة ال�سهلة؛ الن�صيحة‪� ،‬أو ت�أخذ‬
‫طريقك ال�صعب للتعلم؛ الهزمية‪.‬‬
‫ قلت لك مرا ًرا ولكنك ال تتعلم �أيها امللك املعظم‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫و�صل بكاء نا�سنا للنحيب ب�صوت عال‪ ،‬وتبخر نا�سناجار‬
‫دوما واعتربه‬
‫وحكيم النور‪ ،‬معلمه الأول والأكرب الذي جحده ً‬
‫�أدنى منه منزلة‪.‬‬
‫هل كان يتوجب عليك قتال نف�سك لتعلم يا نا�سنا؟‬
‫ي�س�أله نينوم�شا‪.‬‬
‫فج�أة انقلب النهار ليل‪ ،‬و�ضربت ال�صواعق ال�سماء من‬
‫فوقه‪ ،‬وهبت رياح احلرب‪.‬‬
‫ر�أى امل�شهد الأخري الذي يحفظه عن ظهر قلب‪.‬‬
‫ر�آه من عني امل�شاهد هذه املرة‪.‬‬
‫ملقى نا�سناجار على الأر�ض غري قادر على احلركة‪،‬‬
‫�سيفه يبعد عنه كث ًريا‪ ،‬والظل ال�ساد�س من ال�ساحر الأعظم‬
‫ي�ضحك يف وح�شية وهو يقرتب راف ًعا رحمه الثنائي الر�أ�س ‬
‫ذا الق�ضيب الأ�سود املخيف‪.‬‬
‫يقبع بجانبه بوراي تفتقد عينه ملعة احلياة‪ ،‬بريدكار‬
‫يريد �أن ي�صل �إىل �سيفه لكن �إ�صابة قدمه بليغه فال تعينه‬
‫على احلركة‪.‬‬
‫چينيچنا �صخرة تقيد حركته‪ ،‬باقي رفاقه بني قتلى‬
‫وجرحى‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫ال�ساحر يف طريقه لإنهاء ن�سل جار و�إحكام �سيطرته‬
‫على جميع الأر�ض مرة �أخرى‪.‬‬
‫يرى الآن امل�شهد الذي فاته �ساعتها‪.‬‬
‫ظالن �صغريان ال يكادا �أن يريا‪.‬‬
‫يت�سلالن خلف ال�ساحر؛ جرينبا و�ساريبا‪.‬‬
‫ً‬
‫حماول �أن ي�سحب‬ ‫ي�صيبهما اخلوف فريتد �ساريبا‬
‫جرينبا معه فال يفلح‪.‬‬
‫يتقدم جرينبا وحده بعد �أن تغلب على خماوفه‪.‬‬
‫�صغري اجل�سم دقيقه‪.‬‬
‫فيحمل �سيف نا�سناجار الذي يكاد يبلغ طوله‪.‬‬
‫يرفعه بكل ما �أوتي من قوة‪.‬‬
‫�ضرب ال�صواعق و�ضحكات ال�ساحر تخفى �صوت حركته‬
‫وجلجلة ال�سيف‪.‬‬
‫يرفع ال�ساحر حربته ليق�ضي على هدفه‪.‬‬
‫ال يغم�ض نا�سناجار عينه‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫وفج�أة يعم ال�صمت‪..‬‬
‫تتوقف ال�صواعق‪.‬‬
‫جتحظ عينا ال�ساحر‪.‬‬
‫ويكمل �سيف نا�سنا اخرتاقه لأح�شاء ال�ساحر ليخرج من‬
‫�أ�سفل بطنه‪.‬‬
‫�أعلى نقطة ا�ستطاع الو�صول �إليها جرينبا ال�صغري‪.‬‬
‫متاما‪.‬‬
‫القلب يا جرينبا لنق�ضي عليه ً‬
‫كانت هذه من بريدكار الذي انتزع نف�سه من املفاج�أة‬
‫� ًأول‪..‬‬
‫لكن جرينبا مل يكن معهم‪.‬‬
‫لأول مرة يقتل يف حياته؟!‬
‫وقتل من؟!‬
‫ال�ساحر الذي كاد �أن يق�ضي على عامله الذي يعرفه‬
‫ب�أجمعه‪.‬‬
‫حني ا�سرتد البع�ض قوتهم كان الظل الأخري ت�سرب من‬
‫خالل قار�ض �صغري هرب مرة �أخرى �إىل �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫اختفى كل �شيء فج�أة كما بد�أ فج�أة‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫ورجع الفراغ البكر الأويل‪.‬‬
‫و�ضع نينوم�شا يده على كتف نا�سنا الذي توقف بكاءه‬
‫وهو راكع على ركبتيه‪.‬‬
‫يف هذه اللحظة قد كان �أوىل لك �أن ترتك كل �شيء‬
‫وراءك‪.‬‬
‫ فخرك‪ ،‬زهوك‪ ،‬كربك‪ ،‬غطر�ستك‪.‬‬
‫ �أما ما حدث فهو العك�س‪.‬‬
‫ وقد حق عليك �أن تعرب ممر هالكك لرتجع‬
‫لر�شدك‪.‬‬
‫ فهل رجعت؟‪.‬‬
‫الآن قد علمت‪.‬‬
‫يقولها نا�سنا وهو يقف منت�ص ًبا‬
‫والآن قد و�صلت‪.‬‬
‫ي�شري نينوم�شا �إىل نهاية املمر الذي ينتهي �إىل ربوة‬
‫جدا‪ ،‬ت�صل حليته البي�ضاء‬
‫عالية يقف عليها رجل عجوز ً‬

‫‪186‬‬
‫�إىل قدميه‪ ،‬و�شعره من�سدل �إىل ركبتيه‪ ،‬ومي�سك بيده ع�صا‬
‫منت�صبة �إىل جانبه‪.‬‬
‫وقد انتهى دوري �أنا � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬رافقتكم يف رجوعكم‬
‫ال�سالمة‪.‬‬
‫ثم تبخر نينوم�شا‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪187‬‬
‫العودة‬
‫(‪)1‬‬
‫�أهال بنا�سنا املعظم ابن جار املعظم‪.‬‬
‫يبادره العجوز عند و�صولهم‪.‬‬
‫�أنا بريدبا بن برينكا �آخر احلكماء‪.‬‬
‫تتملك الرفيقني الده�شة‪.‬‬
‫كانا يعتقدان �أنه من الأ�ساطري‪.‬‬
‫ذلك الرجل الذي دفن �أبيهم الأول والذي بالقطع يوجد‬
‫من قبله‪.‬‬
‫الذي يتتلمذ على يده حكماء املقاطعات‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫�آخر احلكماء وحار�س �أر�ض الأجداد‪.‬‬
‫ي�ضيف يف حزم‪.‬‬
‫�أنا نا�سنا بن برجار‪ ،‬ن�سل جار املعظم‪ ،‬حاكم �أر�ض ‬
‫النور والديجور‪ ،‬وهذا روكنار بن بريدكار‪ ،‬النائب‬
‫الأول يل وقائد اجليو�ش‪.‬‬
‫يجيبه نا�سنا مبا تبقى لديه من قوة‪.‬‬
‫ي�ضحك بريدبا‪:‬‬
‫بعد كل تلك املهالك ومل تتعلم بعد يا ابن جار‪.‬‬
‫�سقط نا�سنا على الأر�ض من كرثة الإرهاق‪.‬‬
‫�أريد �أن �أنام‪ ،‬كم �أخذنا من وقت يف عبور هذا املمر؟‬
‫ي�س�أل نا�سنا‪.‬‬
‫يجيبه روكنار‪:‬‬
‫�أعتقد ب�أننا عربناه يف �سبعة �أيام‪.‬‬
‫فيعقب‪:‬‬
‫ااه‪ ،‬كما قال همريز العراف‪.‬‬
‫يبت�سم بريدبا بال تعقيب‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫ي�شري �إىل ركن ليناما فيه‪.‬‬
‫بعدما ا�ستيقظوا وجدوا �أكال �شهيا ف�أكلوا حتى �شبعوا‪.‬‬
‫ثم قاما ليتجوال يف الأر�ض التي مل يط�أها من هم مثلهما‬
‫قبال‪.‬‬
‫كانت الربوة عالية‪.‬‬
‫خلفها يقبع املمر ً‬
‫نازل حتى ينتهي بال�صحراء املتاخمة‬
‫لقريجار‪.‬‬
‫يعد نا�سنا �سبعة �أودية فقراء يراها �صغرية و�ضيقة‬
‫يعربها املمر‪.‬‬
‫هل هذا املمر م�سحور؟‬
‫�أما الربوة فخ�ضراء ت�شبه جنان �سراجويتنا موطن‬
‫املائيني‪ ،‬رحبة وفيها من اخلريات ما ال يعد وال يح�صى‪.‬‬
‫ظل لآخر احلكماء‬‫جتوال ردحا من الزمن دون �أن يريا ً‬
‫ً‬
‫حتى‪.‬‬
‫ثم انتهى بهما الأمر �إىل جرف تقبع حتته جنة �أ�شد‬
‫أكرب ات�ساعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫خ�ضرة ونعي ًما و�‬

‫‪191‬‬
‫ووجدا من �أبناء جار عد ًدا ال يعد وال يح�صى‪.‬‬
‫بل وجدا من ال�سحرة وذوي الأجنحة والعمالقة وباقي‬
‫�ساكني �أر�ض الديجور‪ ،‬وكائنات ال يعرفاها ومل يرياها من‬
‫قبل‪.‬‬
‫لقد منتم ً‬
‫طويل‪� ،‬سبعة �أيام كاملة‪.‬‬
‫�صوت بريدبا ينت�شلهم من ذهولهم‪ ،‬ليدخلهم يف ده�شة‬
‫�أكرب‪.‬‬
‫ما هذه الأر�ض يا �آخر احلكماء‪.‬‬
‫ي�س�أله روكنار الذي مل يتخل�ص من انبهاره بعد‪.‬‬
‫هذه هي دن�سوال‪ ،‬جنتكم املوعودة‪.‬‬
‫يجيبه بريدبا‪.‬‬
‫ي�ستمر نا�سنا يف �صمته‪.‬‬
‫ممر الهالك الذي عربمتوه هو ممر اخلال�ص ملن‬
‫يرحل من عاملكم و ُقدر له �أن يحيا ثانية‪.‬‬
‫ي�ضيف بريدبا‪.‬‬
‫وله �أن يتخل�ص من كل ذنب حتى ي�صل‪.‬‬
‫ومن مل يتخل�ص؟‬
‫‪192‬‬
‫يكمل روكنار �أ�سئلته‪.‬‬
‫يتيه يف ممر الهالك‪ ،‬هناك من يتيهون للأبد‪،‬‬
‫وهناك من يكملون الرحلة يف النهاية‪.‬‬
‫يح�سم بريدبا الأمر‪.‬‬
‫يتجمع الكثريون ممن ي�سكنون دن�سوال يف اجتاه الثالثة‬
‫على الربوة‪ ،‬يت�ضاحكون وي�شريون ناحية نا�سنا بحب‪.‬‬
‫من ه�ؤالء؟‬
‫ي�س�أل نا�سنا‪.‬‬
‫�أجدادك‪� ،‬أ�ضخمهم هو جار‪� ،‬أال تالحظ ال�شبه‬
‫بينكما‪ ،‬والباقي ن�سله الذي ينتهي بك‪.‬‬
‫و�أين �أبي ال �أراه‪.‬‬
‫امللك برجار ال يزال يف ممر الهالك ي�صارع ذنبه‪.‬‬
‫يلتفت نا�سنا ال �شعور ًيا نحو املمر فرياه على حالته �ضيق‬
‫مظلم ن�سب ًيا ومقفر‪.‬‬
‫ي�صمت متفك ًرا لفرتة‪.‬‬
‫وملاذا ي�شريون باجتاهي؟‬
‫‪193‬‬
‫�إنهم يدعونك‪.‬‬
‫يدعونني!‬
‫يقطب نا�سنا حاجبيه‪.‬‬
‫لقد عربت ممر الهالك حيا يا نا�سنا‪ ،‬ولك �أن ترحل‬
‫لدن�سوال حيث ال �أمل �أو ملل �أو �صراع‪ ،‬حيث اجلمال‬
‫والراحة وال�سكينة‪.‬‬
‫�أرحل وال �أعود؟‪.‬‬
‫ترحل بال رجعة‪.‬‬
‫وهل لو عدت لقريجار �س�أعرب ممر الهالك و�أنا‬
‫عائد؟‪.‬‬
‫لو قدر لك الإله �أن حتيا ثانية لن تعربه جمد ًدا‪،‬‬
‫يكفيك مرة‪.‬‬
‫يغلفهم ال�صمت ملدة طويلة‪.‬‬
‫ما ر�أيك يا روكنار؟‬
‫ي�س�أل نا�سنا‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫لقد مررنا بكل ما مررنا به لرنجع ون�أخذ ث�أر‬
‫بريدكار!‪ ،‬و�إين ال زلت �شا ًبا و�أريد �أن �أحيا ً‬
‫قليل من‬
‫الوقت �أ�صارع و�أقاتل‪� ،‬أما لو �أراد موالي املكوث فال ‬
‫�أحد ي�ستطيع �أن يرده‪.‬‬
‫ثم ي�ستدير لربيدبا‪:‬‬
‫وهل �أبي ال يزال يف ممر الهالك؟‬
‫ال �أبوك موجود �أنظر �إىل جانب ال�شجرة احلمراء‪.‬‬
‫ينظر روكنار لريى والده ي�أكل الكثري من حلم الرباكي‬
‫دون �أن يزيد وزنه �شي ًئا‪.‬‬
‫دوما‪.‬‬
‫كم �أحبه ً‬
‫بكى روكنار‪.‬‬
‫نظر �إليه نا�سنا يف �ضعف وبكى هو الأخر‪ ،‬لقد ترك له‬
‫دوما حلم الرباكي‪ ،‬فما كان من نا�سنا �إال �أن نه�ش‬
‫بريدكار ً‬
‫حلمه هو‪.‬‬
‫�سنعود‪.‬‬
‫كان القرار من نا�سنا حا�س ًما‪.‬‬
‫ي�ستديران لريحال‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫نا�سنا‪..‬روكنار‪.‬‬
‫ينادي عليهما بريدبا‪.‬‬
‫ي�ستديران‪ ،‬فيتقدم ناحيتهما ببطء‪.‬‬
‫لقد خ�ضتم ما خا�ضه الكثري من حكماء �أبناء‬
‫جار‪ ،‬ف�إن عدمت فالتزموا مبا تعلمتموه‪ ،‬وليكن ممر‬
‫الهالك هو نربا�سكم يف �أر�ض النور لو غابت نيربا‪،‬‬
‫وتذكروا �أن اعرتافكما بالذنب هو من �أنقذكما‪ ،‬و�أن‬
‫رجوعكما الآن م�ؤثرين على �أنف�سكما الأخرين هو‬
‫من �أمت عبوركم ممر الهالك‪.‬‬
‫تظهر على وجهيهما �آثار التفكري‪.‬‬
‫ن�ستودعك يا بريدبا‪ ،‬يا �آخر احلكماء‪.‬‬
‫يلقي بها نا�سنا يف وجل‪ ،‬فيهز بريدبا ر�أ�سه يف ود‪.‬‬
‫ي�ستديران ليبتعدا وهما مي�شيان الهويني‪ ،‬في�صرح لهما‬
‫بريدبا‪:‬‬
‫�أمر �أخري‪.‬‬
‫يتوقفا لي�سمعاه دون �أن يلتفتا‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫ممر الهالك خارج حدود كل �شيء‪ ،‬لقد ق�ضيتم يف‬
‫عبوره �سب ًعا‪.‬‬
‫توقف لربهة‪:‬‬
‫ �سبعة من ال�سنني ولي�س �سبعة �أيام �أيها الأغبياء‪.‬‬
‫ينظران لبع�ضهما البع�ض وي�سابقان الريح يف عودتهم‬
‫خالل املمر‪.‬‬
‫كديدنهم‪ ،‬ال يتعلم �أبناء جار �شي ًئا البتة‪.‬‬
‫يتمتم بريدبا ب�أ�سى‪.‬‬
‫عندما و�صال �إىل نهايته‪ ،‬وجدا ثالثة هياكل عظمية‬
‫لأح�صنتهم‪ ،‬مما يعني �أنهم �سيقطعون الطريق م�ش ًيا �إىل‬
‫قريجار‪ ،‬ووجدوا ال�سيوف التي تركاها‪.‬‬
‫حينما التفت نا�سنا نحو املمر قبل �أن يغيب عن ناظريه‪،‬‬
‫خيل له �أن بريدبا ويقف جانبه نينوم�شا بهيئته وك�أنه �شاب‬
‫جميل‪.‬‬
‫يلوحان له ويبت�سمان‪.‬‬
‫‪z‬‬
‫‪197‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ي�ستيقظ جرينبان مبك ًرا‪ ،‬مع بزوغ �أول �أ�شجار الوقت‬
‫التي تقبع يف الأفق‪ ،‬ي�سري املا�شية‪ ،‬وي�صلح ما تبقى من‬
‫�أر�ضه بعدما �أخذ معظمها جنود امللك ظل ًما‪.‬‬
‫وحدها قالدة جار حمته مرة �أخرى‪.‬‬
‫�سبع �سنوات مرت منذ �أن اختفى امللك نا�سناجار‬
‫املعظم‪ ،‬وقتل نائب امللك اجلديد �شتاو قائد اجليو�ش‬
‫الأ�سبق بريدكار‪ ،‬وما تبعها من تبعات‪.‬‬
‫كان ال يزال يف العا�صمة عند �صديقه �ساريبا عندما ر�أى‬
‫نيربا تنطف�أ مع تتويج امللك اجلديد‪� ،‬أراد �أن يكذب عينيه‬
‫تباعا‪ ،‬عرف �أنه كان على حق‪.‬‬
‫وولده‪ ،‬بعدما تلت احلوادث ً‬

‫‪199‬‬
‫بعد عدة �أيام عاد مع ولديه للبيت ت�ستقبلهم زوجته‬
‫الأثرية جيلكا‪ ،‬ثم �سمع ال�صياح والقتال الذي حدث يف‬
‫العا�صمة‪ ،‬بعدها بقليل �أتى له روكنار بن بريدكار‪ ،‬بامللكة‬
‫ال�سابقة فياراجارا‪ ،‬وتركها �أمانة عنده‪ ،‬امللكة زوجة‬
‫نا�سناجار امللك املعظم الذي �أذل نا�صيته عالنية على‬
‫مر�أى اجلميع‪ ،‬واعتذر له خل�سة قبل �أن يختفى وال �أحد‬
‫يعرف �أين هو‪.‬‬
‫رحب هو وزوجته بها‪ ،‬ورف�ض بهان على الرغم من �صغر‬
‫�سنه هذا الرتحيب‪ ،‬ومل ي�صدق ما حكاه �أبوه ب�أن نا�سناجار‬
‫�أتى لالعتذار‪.‬‬
‫ولدا مكتمل اخللق مثل �أبيه‪،‬‬
‫بعد �سبعة �أ�شهر ولدت امللكة ً‬
‫وفرح اجلميع به‪ ،‬تربى ك�أخ لترينا وبهان‪ ،‬و�أحاط جرينبان‬
‫اجلميع برعايته‪.‬‬
‫تباعا‪ ،‬وازداد ظلم امللك و�أعوانه‪� ،‬أخذ‬
‫مرت ال�سنوات ً‬
‫ن�صف �أر�ض جرينبان‪ ،‬وخفت �ضوء نيربا حتى كاد العامل‬
‫�أن يظلم‪.‬‬
‫ت�شكى البع�ض فقتلهم امللك‪ ،‬قامت الثورات و�أخمدت‬
‫بجيو�ش امللك‪ ،‬وقتل خلق كثري كان منهم چينيچنا الذي قاد‬

‫‪200‬‬
‫جي�شا ليحرر قريجار‪ُ ،‬قلد ال�سحرة املنا�صب‪ ،‬كان اجلميع‬
‫ينتظر نا�سناجار الذي �آمن البع�ض ب�أنه لن يعود‪.‬‬
‫انت�شر خرب يف املدينة ب�أن لنا�سنا ولد‪ ،‬و�أنه وريث �أبيه‬
‫ال�شرعي‪ ،‬مما جن جنون امللك‪ ،‬ف�أر�سل لي�أتي بامللكة ال�سابقة‬
‫وابنها‪ ،‬وتبعا لن�صيحة من �سبار الذي خان عهد ال�صداقة‬
‫وا�ستمر يف خدمة امللك اجلديد‪� ،‬أ�شاع �أعوان امللك ب�أن هذا ‬
‫الولد ابن زنا للملكة‪ ،‬و�أن نا�سناجار كان عقي ًما ال يلد‪.‬‬
‫دخل اجلنود البيوت وانتهكوا حرماتها‪ ،‬واغت�صبوا وقتلوا ‬
‫كثريا من الن�ساء �أثناء بحثهم‪ ،‬وكان منهن جيلكا وابنتها‪،‬‬
‫حني ذهبتا مبفردهما �إىل املدينة ليت�سوقا‪.‬‬
‫ثار بهان على والده ورحل لبع�ض الوقت قبل �أن يرجع‬
‫ثانية‪ ،‬متهما نا�سناجار وزوجته وولده ب�أنهم �أ�سا�س البالء‬
‫الذي �أحاط بهم‪.‬‬
‫عندما و�صل اجلنود ملزرعة جرينبان‪� ،‬أدعى كذ ًبا ب�أن‬
‫امللكة زوجته‪ ،‬وكادوا يقتلونه ويغت�صبونها لوال قالدة جار‬
‫التي �أ�شهرها يف وجههم‪ ،‬فلقيت املهابة املطلوبة لقواها‬
‫ال�سحرية املخيفة‪.‬‬
‫�أ�شياء كثرية مرت وكادت تق�ضي عليه وهو �صامد ال يعلم‬
‫ماذا ينتظر‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫�أما هذا اليوم ف�أح�س ب�شيء خمتلف حينما �أفاق‪ ،‬حينما‬
‫�سرح بغنمه‪ ،‬وحينما نزل ليجذ ع�شبا �ضارا ورفع ر�أ�سه‬
‫فوجد اثنان يظهر عليهما �آثار ال�سفر‪.‬‬
‫�أهال بكما‪ ،‬من �أي �أر�ض طيبة �أتيتما‪.‬‬
‫ي�س�ألهما يف توج�س‪ ،‬فبعد انت�شار الظلم‪ ،‬مل يعد �أحد‬
‫ي�أمن الأغراب‪ ،‬معظمهم من النازحون من اجلوع �أو الظلم‪،‬‬
‫و�أغلبهم يتحول �إىل �أ�شقياء‪.‬‬
‫عدم ردهما �أخافه �أكرث‪ ،‬كانا متجهمني مما ر�أوه من‬
‫�آثار الظلم الذي ا�ست�شرى يف البالد يف م�شوارهما الطويل‬
‫من ممر الهالك‪.‬‬
‫�أكرث ما تعجب له نا�سنا ب�أن جرينبان مل يعرفه‪.‬‬
‫خرجت امللكة يف زي زوجته الب�سيط حتمل قليال من‬
‫الأكل جلرينبان‪ ،‬ويجري �أمامها ابنها الذي يكاد يبلغ‬
‫ال�سابعة‪.‬‬
‫خاف جرينبان عليها منهما‪� ،‬أ�شار �إليها بالدخول فلم‬
‫تلحظ‪.‬‬
‫من هذه؟‬

‫‪202‬‬
‫ي�س�أله نا�سنا ب�صوت �أرهقته ال�سنون‪.‬‬
‫زوجتي‪.‬‬
‫يبتلع جرينبان لعابه ب�صعوبة‪.‬‬
‫زوجتك!‬
‫ي�صرخ نا�سنا يف غ�ضب �أ�سمعهما؛ زوجته وابنه‪.‬‬
‫عندما ر�أته عرفته‪� ،‬سقطت منها حزمة الطعام وانطلقت‬
‫ناحيته و�سط ده�شة جرينبان‪.‬‬
‫ارمتت بني ذراعيه وظلت تبكي حينا‪.‬‬
‫توح�شتني يا تامال‪.‬‬
‫ازداد بكائها حني �سمعت ا�سمها جمر ًدا من فمه‪ ،‬ذلك‬
‫اال�سم الذي مل يناديها به قط حتى ظنت �أنه ن�سيه‪.‬‬
‫تقدم يا ميتي‪ ،‬هذا هو والدك‪.‬‬
‫تخرب امللكة ابنها‪ ،‬ال يتحرك‪ ،‬هو مل يعرف �إال جرينبان‬
‫�أبا‪..‬‬
‫هل علمته ال�صيد والقن�ص يا جرينبان؟‬

‫‪203‬‬
‫ي�س�أله نا�سنا‪.‬‬
‫�أنت تعرف يا �سيدي �أنني ال �أعرف �إال الزراعة‬
‫وخدمة الأ�سياد‪.‬‬
‫يجيبه يف وجل وخوف‪.‬‬
‫ي�صمت نا�سنا لوهلة ثم ينفجر يف ال�ضحك‪.‬‬
‫دوما املف�ضل لدي‪.‬‬
‫هلم يا جرينبا ال�صغري‪ ،‬لقد كنت ً‬
‫يفتح ذراعيه ليحت�ضنه و�سط فرحة الباقيني‪.‬‬
‫ترك جرينبان ليقرتب من ابنه‪:‬‬
‫ما ا�سمك؟‬
‫ميتي‪.‬‬
‫�أتعرف من �أنا؟‬
‫فيهز ر�أ�سه ب�أنه ال‪.‬‬
‫�أحتب اخليل؟‬
‫يهز ر�أ�سه بنعم‪.‬‬
‫�أحتب ال�سيف؟‬
‫‪204‬‬
‫يهز ر�أ�سه مرة �أخرى ب�شغف �أكرب‪.‬‬
‫�أحتب اللعب؟‬
‫يبت�سم ويهز ر�أ�سه بقوة �أكرب‪.‬‬
‫يرفعه فج�أة في�ضحك‪ ،‬ي�ضعه فوق �أكتافه‪ ،‬ويلف به‬
‫دائر ًيا ببطء‪ ،‬ي�شري له لكل املعامل الوا�ضحة من ق�صور‪،‬‬
‫وجبال‪ ،‬ومقاطعات‬
‫�أر�أيت كل ذلك يا ميتي؟‪� ،‬سنتعلم �سو ًيا كيف نحافظ‬
‫عليه بحقه‪.‬‬
‫ت�ضحك امللكة وجرينبان‪ ،‬لقد تغري امللك ح ًقا‪.‬‬
‫رجل‪ ،‬يف مثل �سنه‬ ‫و�سط وقفتهم �أتى بهان الذي �أ�صبح ً‬
‫غزا نا�سنا ورفاقه �أر�ض الديجور وحدهم‪ ،‬عندما ر�آهم مل‬
‫يفهم ما يدور‪ ،‬قذف مبا يحمله وا�ستل �سيفه ليواجههم‪،‬‬
‫�سحب روكنار هو الأخر �سيفه وا�ستعد للمواجهة‪� ،‬أ�شار �إليه‬
‫نا�سنا بالهدوء‪.‬‬
‫تقدم منزال ميتي من على كتفه ليعطيه لأمه‪ ،‬و�صل ملوقع‬
‫بهان ثم انحنى حتته‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫�أنا �أعتذر منك يا بهان‪ ،‬حتى االعتذار الذي قدمته‬
‫لأبيك خل�سة مل �أكن �صايف القلب وقتها‪� ،‬أما الآن‬
‫ف�أقدم لك رقبتي �أنا نا�سنا بن بر‪� ،‬سليل جار املعظم‪،‬‬
‫�إن كنت تريد االنتقام فرقبتي لك‪ ،‬و�إن كنت تريد‬
‫االعتذار عالنية بعد عودتي للق�صر فهو لك � ً‬
‫أي�ضا‪،‬‬
‫فلتخرت يا بهان بن جرينبان‪.‬‬
‫يتلجلج بهان‪ ،‬هو مل يتخيل عمره �أن ي�صري �إىل مثل هذا ‬
‫املوقف‪ ،‬يرى نظرة �أبيه التي ت�شجعه على ال�صفح‪ ،‬وابت�سامة‬
‫امللكة التي مل يعاملها �إال بغلظة‪� ،‬ضحكة ميتي الذي يعتربه‬
‫�أخاه ح ًقا‪ ،‬وقلق يد روكنار على مقب�ض �سيفه‪.‬‬
‫ينزل �سيفه يف بطء‪:‬‬
‫لك ال�صفح �أيها امللك‪ ،‬مل يعد االنتقام ذا مغزى‪،‬‬
‫ومل يعد االعتذار جمد ًيا‪.‬‬
‫يبكي نا�سنا يف حرقة‪.‬‬
‫مل يتخيل �أحد �أن يرى امللك املعظم نا�سناجار يف مثل‬
‫ذلك املوقف من قبل‪.‬‬
‫يقف وهو مي�سح دموعه‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫�أنا �أعتذر لكم جمي ًعا‪� ،‬أعتذر لكل فعل اتخذته من‬
‫منطلق كرب ف�أودى بنا جمي ًعا �إىل هنا‪� ،‬أعتذر ملوتانا‬
‫الذين لوال غبائي و�صلفي لكانوا حولنا الآن‪� ،‬أعتذر‬
‫للرعية التي مللت االهتمام بها‪ ،‬وللأر�ض التي‬
‫�سمحت للظلم والظاملني ب�أن يحكموها‪ ،‬لبهان الذي‬
‫قتلت بداخله كل احرتام لأبيه �أو �أي حب يل‪ ،‬البني‬
‫الذي تربى يتي ًما وال يعرف �أن له �أبا‪ ،‬ولكل �شخ�ص ‬
‫تعلق قدره بقرارتي الغبية‪� ،‬أعتذر منكم جمي ًعا!!‬
‫بكى جميعهم عدا نا�سنا الذي �أ�صبح همه رجوع الأمن‬
‫�إىل �أر�ضه التي قدر له �أن ميلكها‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪207‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نا�سناجار عاد‪.‬‬
‫الكلمة ال�ضعيفة التي انت�شرت يف الآفاق ب�سرعة الفندار‬
‫الطائر‪.‬‬
‫كلمة جعلت اجلميع ي�سنون �سيوفهم‪.‬‬
‫ويف خالل ب�ضعة �أيام جتمع احل�شد خارج ق�صر املُلك‬
‫بقريجار‪.‬‬
‫حني وقف امللك ومعه نائبه �شتاو وب�ضع �أفراد يف مواجهة‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫الغريب �أنهم مل يكونوا خائفني‪.‬‬
‫�أوقف نا�سنا جي�شه بيده‪ ،‬وتقدم وحده خطوتني‪:‬‬
‫‪209‬‬
‫�أنا نا�سناجار بن برجار‪� ،‬أطالبك يا �أيندجار بن‬
‫برجار ب�أن ترجع يل ملكي‪ ،‬وت�سلم نف�سك لأمرتي‬
‫لأحكم عليك جراء ما فعلته برينجار‪ ،‬ولتدع الإله �أن‬
‫يجعلني رحي ًما بك‪.‬‬
‫جابهه �أخوه ب�ضحك مت�صل زاد من ده�شته‪.‬‬
‫�أتخيفني يا نا�سنا بجي�ش من �أبناء جار‪ ،‬هل‬
‫يوما ب�أنكم �أقوى املخلوقات‪� ،‬أال تعلم حقيقة‬
‫اعتقدت ً‬
‫ماهيتكم؟‬
‫يقولها يف ا�ستهزاء‪.‬‬
‫ينظر اجلميع حولهم‪ ،‬تطاير ذوي الأجنحة من حولهم‪،‬‬
‫وحتولت ال�صخور املحيطة بهم �إىل جي�ش من ال�صخريني‬
‫احلقيقيني‪ ،‬وظهرت جحافل من ال�سحرة من الق�صر‬
‫ورائهم‪� ،‬سيهلك الكثريون قبل �أن ي�صبح هناك ملك واحد‬
‫فقط منهما‪.‬‬
‫يفكر نا�سنا �سري ًعا‪:‬‬
‫هل �ستخون بني جن�سك ل�صالح �أبناء �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫تزداد ال�ضحكات ال�ساخرة‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫�أال تعلم �أن يف دمائي ن�سبة جمهولة الن�سب؟‪� ،‬أمل‬
‫دوما بدونيتي عنك يا �صاحب الدم النقي؟‪،‬‬ ‫ت�شعرين ً‬
‫�أمل يخربين �صاحبك بريدكار ب�أن دمائي ملعونة قبل‬
‫�أن �أقتله؟‪� ،‬أمل تعرفوا بعد من �أين �أتت دمائي؟‪� ،‬إنها‬
‫من ال�سحرة �أيها الأغبياء!‬
‫ثم ينفجر �ضحكا مرة �أخرى‪.‬‬
‫ينزل نا�سنا من على فر�سه‪ ،‬يرتقي درجتني يف �سلم‬
‫الق�صر‪ ،‬ي�سحب �سيفه موجها �إياه ناحية �أيندجار‪:‬‬
‫�إذن هلم نفعلها بالطريقة القدمية‪ ،‬ونحقن دماء‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫ظهر الهلع على وجه �أيندجار يف حني �أخذ نائبه �شتاو‬
‫بال�ضحك‪:‬‬
‫تغريت كث ًريا يا نا�سنا عن �آخر مرة ر�أيتك فيها‪.‬‬
‫يقولها وتقفز من عينيه نظرات الكراهية‪.‬‬
‫ينظر له نا�سنا مليا‪:‬‬
‫وهل ر�أيتك قبل �ضعا �أيها الناعم؟‬

‫‪211‬‬
‫الأعني يا نا�سنا‪ ،‬الأعني ال تكذب‪� ،‬إنها تخربك بكل‬
‫�شيء‪.‬‬
‫ي�ضيف يف ق�سوة‪.‬‬
‫ينظر يف عينيه برتكيز‪ ،‬يرى املعركة الأخرية‪ ،‬ال�صواعق‪،‬‬
‫�أ�صدقائه‪ ،‬الرمح‪ ،‬جرينبان‪ ،‬والفرار‪.‬‬
‫�إنه الظل الأخري لل�ساحر ال�سابع‪.‬‬
‫هل ر�أيت يا نا�سنا؟‬
‫ي�س�أله بجدية‪.‬‬
‫ر�أيت‪.‬‬
‫يجيب نا�سنا يف اقت�ضاب‪.‬‬
‫يتحول �شتاو خللقته احلقيقية‪ ،‬جلد �أ�سود ذو حمرة‪،‬‬
‫ويلتحف ما يغطي ر�أ�سه بج�سده‪ ،‬ي�شهق اجلميع من هول‬
‫املفاج�أة‪.‬‬
‫هلم ننهي ما بد�أنها �ساب ًقا يا ابن جار‪.‬‬
‫يقولها بوح�شية تتنا�سب مع هيئته‪.‬‬
‫يبت�سم نا�سنا يف طم�أنينة ال تتنا�سب مع املوقف‪:‬‬
‫‪212‬‬
‫هل تعلم من قابلت يف نهاية رحلتي مبمر الهالك‬
‫�أيها ال�ساحر؟‬
‫من قابلت �أيها امل�أفون؟‬
‫يبت�سم يف �سخرية‪.‬‬
‫قابلت بريدبا بن برينكا �آخر احلكماء‪.‬‬
‫ي�شهق اجلميع مرة �أخرى يف حني ي�ضحك ال�ساحر ملء‬
‫�شدقيه‪.‬‬
‫ي�س�أله ال�ساحر يف جدية‪:‬‬
‫وهل و�صلت لأر�ض الأجداد �أيها ال�شقي‪,‬‬
‫ثم ينفجر بال�ضحك يليه �أتباعه‪.‬‬
‫يتجاهل نا�سنا �سخريته وي�س�أله هو الأخر يف جدية‪:‬‬
‫وهل تعلم نبوءة بريدبا �أيها ال�ساحر؟‬
‫ي�صمت اجلميع فج�أة‪.‬‬
‫يكمل نا�سنا‪:‬‬
‫حني اعتقدنا بعدم وجود بريدبا‪ ،‬ن�سينا نبوءته التي‬
‫كانت حتكيها لنا اجلدات �صغا ًرا‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫يلتف نحو جي�شه ويرفع يده �إ�شارة للكالم‪ ،‬فيرتمنون‬
‫جمي ًعا‪.‬‬
‫وحده الن�سل النقي �سيكمل‬
‫ لي�سرتد �أر�ض النور من �سيد الديجور‬
‫ وحده ابن جار العظيم �سريحل‬
‫ عرب ممر الهالك �سيلقى خماوفه‬
‫ عرب رحلته �سيعرف من عدوه‬
‫ و�سيعود‬
‫ ليكمل ما بد�أه جار‬
‫ �سيعود ليحل ال�سالم على �أر�ض النور‬
‫ وي�ست�أ�صل يف النهاية �آخر ال�شرور‪.‬‬
‫قالوها مرة واثنان وثالثة‪.‬‬
‫مل يوقفهم �إال �ضحكات ال�ساحر التي جلجلت يف الآفاق‬
‫مرة �أخرى‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫�أنتم بني جار تعتقدون ب�أنكم متلكون املعرفة لكل‬
‫�شيء‪� ،‬أال تعرفون من �أنا ح ًقا؟‬
‫ينظر اجلميع �إىل بع�ضهم البع�ض دون �أن يعرفوا ماذا ‬
‫يق�صد‪.‬‬
‫�أنا االبن الثامن جلار �أيها الأغبياء‪� ،‬أنا چيمكا بن‬
‫�شفينخرتا‪ ،‬الذي �سلب ملكه لأجل فيار ال�ضعيف‪� ،‬أنا‬
‫الذي قطعت ممر الهالك مثلك �أيها الفاين‪ ،‬و�أنا‬
‫الذي �سلب ملك �أر�ض الديجور منه‪.‬‬
‫ي�صرخ يف �شدة‪.‬‬
‫�أزيدك القول‪ ،‬هل تريد �أن تعرف من زوجة �أبيك‬
‫التي ولدت يف �شهر فقط هو وقت رحلة ال�صيد؟‪� ،‬أال ‬
‫تريد �أن تعلم من هي والدتك يا �أيندجار؟‬
‫ينظر اجلميع باهتمام‪.‬‬
‫�إنه �أنا �أيها الأغبياء!‬
‫ثم ينفجر بال�ضحك‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫ حتولت �إىل امر�أة ال ي�ستطيع �أي م�أفون من �أبناء‬
‫جار �أن يقاوم جمالها‪ ،‬وولدت هذا الغبي الذي ظل‬
‫يحزن �أن �أمه لي�ست بجانبه‪� ،‬أغبياء �أبناء غبي‪،‬‬
‫دوما‪.‬‬
‫و�ستظلون كذلك ً‬
‫ي�صرخ فيغيب نور نيربا للحظات‪.‬‬
‫هيا يا نا�سناجار‪ ،‬مبارزتك الأخرية �ستكون معي ال ‬
‫مع �أيندجار‪.‬‬
‫ي�سحب �سيفه‪.‬‬
‫تنطلق ال�صواعق يف ال�سماء ويرجتف اجلميع عدا نا�سنا‬
‫الذي ظل ثابتًا هاد ًئا يف موقعه‪.‬‬
‫لقد دعيتني لأقاتلك‪ ،‬ولكني تعلمت الدر�س‪.‬‬
‫ان�ضم وراءه روكنار‪ ،‬جرينبان‪ ،‬بهان‪.‬‬
‫لن �أقاتلك وحدي لأ�ستقل بال�شرف‪ ،‬بل �سيقتلك‬
‫�أبناء جار جمتمعون ليعلم اجلميع �أنهم ا�ستحقوا ‬
‫احلياة‪.‬‬
‫يهجم الأربعة عليه‪ ،‬ويتقاتل بقية اجلي�شني‪ ،‬يهرب‬
‫�أيندجار و�سبار من �أر�ض املعركة‪ ،‬يقاتل ال�ساحر بقوة‬
‫خرافية ويتفادى �ضرباتهم‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫حتى ا�ستطاعوا �أخريا �أن يتمكنوا منه‪.‬‬
‫حينما خر‪.‬‬
‫تقدم روكنار وبثقة من يعرف ماذا يفعله‪.‬‬
‫و�ضع خنجر �أبيه الذي مل ي�ستله منذ مقتله يف قلب‬
‫ال�ساحر‪.‬‬
‫دوما �إياها‪ ،‬القلب يا روكنار‪ ..‬القلب‬
‫لقد لقنني ً‬
‫يا روكنار ال ترتكب خطئ ًنا‪ ،‬بريدكار ير�سل �إليك‬
‫حتياته من دن�سوال‪ ،‬و�سط حلم الرباكي الذي ال ‬
‫ي�سمن‪.‬‬
‫اهتز جي�ش الديجور بعد مقتل ال�ساحر‪ ،‬وبد�أت تعلو كفة‬
‫جي�ش نا�سنا حتى دخل الق�صر وفر بقية جي�ش الديجور‪.‬‬
‫حينما دخل قاعة احلكم وجد �سبار و�أيندجار مقيدين‪،‬‬
‫ف�أمر بقتلهما‪.‬‬
‫ثم نادى يف النا�س ب�أنه ال ظلم بعد اليوم‪.‬‬
‫ا�ستمر الأمر �سبعة �سنوات حتى عادت الأمور �إىل ما‬
‫تركها عليه قبل رحيله �إىل ممر الهالك‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫كانت قريجار يف دعة من العي�ش‪.‬‬
‫وكان نا�سناجار يف راحة من الهالك‪.‬‬
‫ولكن كديدن بني جار‪.‬‬
‫دوما يتعلمون الأمر بالطريق ال�صعب‪.‬‬
‫ً‬

‫‪z‬‬

‫‪218‬‬
‫النهاية‬
‫جدي ‪ ..‬جدي‪.‬‬
‫يجري عليه ال�صغري �سابهان ليحت�ضنه جرينبان يف‬
‫مودة‪.‬‬
‫ماذا فعلت مع �أبيك يف املهرجان الكبري؟‬
‫ي�س�أله جرينبان يف مودة‪.‬‬
‫فعلت الكثييييري‪.‬‬
‫وي�ضحك �ضحكته الطفولية املحببة له‪.‬‬
‫يح�ضر بعده بهان الذي ينزل ليقبل يد والده‪:‬‬
‫كيف قريجار؟‪� ،‬أفتقد املدينة‪ ،‬منذ وفاة �ساريبا ومل‬
‫�أعد �أطيق دخولها‪.‬‬
‫بخري يا �أبت‪ ،‬تذكرين ب�أيام دخويل معك فيها �أول‬
‫مرة‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫وكيف حال امللك؟‬
‫ي�صمت بهان لفرتة مما يزيد من قلق �أبيه‪.‬‬
‫ماذا يا بهان فلتتكلم!‬
‫امللك على فرا�ش املوت‪ ،‬ير�سل �إليك حتياته‪ ،‬ولقد‬
‫ح�ضرنا حفل تن�صيب ميتيجار مل ًكا �أم�س‪.‬‬
‫ماذا؟!‬
‫ي�صرخ جرينبان يف ده�شة‪.‬‬
‫ي�سقط على �أقرب مقعد له وي�ضع يديه حول ر�أ�سه‪.‬‬
‫جدي‪.‬‬
‫يقرتب منه �سابهان يف �شفقة‪ ،‬ي�ضع يده على ر�أ�سه‬
‫ويقبلها‪.‬‬
‫يبت�سم جرينبان رغ ًما عنه‪.‬‬
‫يقول �أبي ب�أنك قاتلت بجانب امللك يف املعركة‬
‫الأخرية �أهذا حق؟‬
‫ي�س�أله ب�شغف الأطفال‪:‬‬
‫ال‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫يجيبه جرينبان يف اقت�ضاب‪ ،‬فيفزع الطفل‪.‬‬
‫بل قاتلت بجانبه مرتني‪.‬‬
‫في�ضحك الطفل وي�أخذه جرينبان �إىل اخلارج ليحكي‬
‫له‪:‬‬
‫لن �أحكي لك فقط املعركة‪ ،‬ولكني �س�أحكي لك � ً‬
‫أي�ضا‬
‫عندما غابت نيربا عن �سمائنا‪.‬‬
‫�أو غابت نيربا؟!‬
‫ً‬
‫منده�شا‪.‬‬ ‫ي�س�أله ال�صغري‬
‫يهز جرينبان ر�أ�سه ت�أث ًرا‪.‬‬
‫ينظر ناحية الق�صر‪.‬‬
‫الذي يقبع به ملك‪.‬‬
‫خا�ض رحلته عرب ممر الهالك‪.‬‬
‫ليعرف حقيقة نف�سه‪.‬‬
‫عاد ليقود‪.‬‬
‫لريجع احلق لأ�صحابه‪.‬‬
‫ملك حتيط به حا�شيته الآن‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫ينق�صها الكثريون ممن �أحب‪.‬‬
‫تخرج روحه لتنطلق �إىل ممر الهالك‪.‬‬
‫حيث يجد بانتظاره �آخر احلكماء ونينوم�شا �ساعده‪.‬‬
‫يقودانه بي�سر نحو دن�سوال‪.‬‬
‫حيث جده جار �أبيه‪ ،‬زوجته‪� ،‬أ�صدقائه‪.‬‬
‫حيث بريدكار الذي �أنتظره ً‬
‫طويل‪.‬‬
‫حينما ينظر �آخر نظرة �إىل ممر الهالك ‪.‬‬
‫جيدا �أنه لوال مالقاة خوفه‪.‬‬
‫يعلم ً‬
‫ملا و�صل �إىل هنا �سا ًملا‪.‬‬
‫ولوال قتال نف�سه‪.‬‬
‫ملا �أنقذها من الهالك‪.‬‬
‫يبت�سم‪.‬‬
‫ويرحل �إىل دن�سوال بال رجعة‪.‬‬
‫منتظ ًرا من �سي�أتي بعده من الأحباب!‬

‫‪..‬تمت‪..‬‬
‫‪222‬‬
‫أخ� ال بد منه‪:‬‬
‫تعقيب ي‬

‫جيدا ‬
‫من قر�أ لأحمد خالد توفيق ‪-‬رحمه اهلل‪ ،-‬يعرف ً‬
‫حركة عك�س الأ�سماء‪.‬‬
‫�أن تكتب عن �أر�ض خيالية يجب �أن تخرتع �أ�سماءها‬
‫اجلديدة ومفردات لغتها الفريدة‪.‬‬
‫وقد حاولت قدر ا�ستطاعتي‪.‬‬
‫�أعرف �أنك عانيت ً‬
‫قليل ‪�-‬أو كث ًريا‪ -‬يف البداية للتعود‬
‫على الأ�سماء‪.‬‬
‫و�أعرف �أن كرثتها �أزعجتك‬
‫�أعتذر‪..‬‬
‫ولكن مل يكن باليد حيلة‬
‫‪223‬‬
‫�أنا � ً‬
‫أي�ضا عانيت منها (�ضحكات متتالية)‬
‫�أ�سر لك ب�شيء‬
‫مل تكن تلك الق�صة خيالية يف �أر�ض فانتازية‬
‫بل هي ق�صتك �أنت‪،‬‬
‫دوما يف كل زمان ومكان‬
‫ق�صة الإن�سان ً‬
‫نا�سنا‬
‫ن ا �س ن ا‬
‫ا ن �س ا ن‬
‫�إن�سان‬
‫هو �أنت نعم‪ ،‬الذي ال بد �أن متر يف ممر هالكك يف‬
‫حياتك‪ ،‬لت�صل �إىل جنتك الدنيوية قبل الأخروية‪.‬‬
‫ميتي‬
‫ميتي‬
‫يتيم‬
‫يتيم‬
‫‪224‬‬
‫�إيند‬
‫�إ ي ن د‬
‫دنيء‬
‫دينء‬

‫�شتاو‬
‫�ش ت ا و‬
‫و ا ت �ش‬
‫وات�ش‪witch :‬‬
‫مع تغيري النطق ً‬
‫قليل‪ ،‬وحتى ي�صبح ا�سمه قري ًبا من‬
‫�شفينخرتا والدته‪� ..‬أي �ساحرة باللغة الإجنليزية‬
‫نينوم�شا‬
‫ن ي ن و م �ش ا‬
‫�أ �ش م و ن ي ن‬
‫(�أ�شمونني �أال تعرفه ح ًقا؟)‬
‫‪225‬‬
‫والبع�ض الأخر �أخذته �أو قاربته للأ�سماء التي �أعرفها‪:‬‬
‫نيربا‪ :‬نربا�س‬
‫قري�صبان‪ :‬قر�صان‬
‫�شفينخرتا‪ :‬كنت �أريد ا�س ًما يبدو غري ًبا و�أقرب ل�ساحرة‪،‬‬
‫فلم �أجد �إال ا�سم �شفاني�شتايجر العب الكرة الأملاين لأحوره‬
‫(�أ�ضحك على غ�ضبك فلتعلم ذلك)‬
‫الأ�سماء الباقية وليدة خيال اللحظة‬
‫مل تكن مق�صودة‬
‫ولو ا�ستبدلت ا�سم چينيچنا (الذي قد يكون م�ستقى‬
‫من كلمة نينچا التي خطرت ببايل �ساعتها) بعرتي�س فلن‬
‫يحدث فار ًقا يذكر‪.‬‬
‫�إال �أن چينيچنا من رينجار وعرتي�س من ال�صعيد‬
‫اجلواين‪.‬‬
‫�أما ممر الهالك فهو �أ�سا�س تلك الق�صة‪ ،‬والتي ابتدعت‬
‫بقية �أحداثها من �أجله هو‪ ،‬هو فقط‪..‬‬
‫و�إن مل تلحظ ذلك فهي م�شكلتك ح ًقا‪..‬‬

‫‪226‬‬
‫مت اقتبا�سه ب�أ�سماء وديانه من خطايا دانتي ال�سبعة يف‬
‫جحيمه‪..‬‬
‫ممر الهالك‪saligia :‬‬
‫هو اخت�صار للحروف الأوىل من اخلطايا ال�سبع باللغة‬
‫الالتينية‪.‬‬
‫‪Superbia‬‬
‫التفاخر‪� ،‬أو الفخر‪ ،‬والنظرة الدونية ملن هم �أقل منك‪،‬‬
‫والغطر�سة‪ ،‬والزهو‬
‫‪Avaritia‬‬
‫اجل�شع �أو الطمع‬
‫‪Luxuria‬‬
‫ال�شهوة‪ ،‬والف�سق‪،‬‬
‫‪Invidia‬‬
‫احل�سد‪.‬‬
‫‪Gula‬‬

‫‪227‬‬
‫ال�شراهة‪ ،‬والنهم‪ ،‬والإفراط يف اال�ستهالك‪.‬‬
‫‪Ira‬‬
‫الغ�ضب‬
‫‪Aciditricia: Acedia & tristitia‬‬
‫الي�أ�س‪ ،‬وامللل‪ ،‬والقنوط‬
‫و�أخ ًريا �أ�شمونني الذي ذكرته من قبل‬
‫(وهو ملن ال يعلم اال�سم الذي �أطلقه العرب على الإله‬
‫الفرعوين حتوت وهو املقابل لر�سول الآلهة يف امليثولوجيا‬
‫الإغريقية هريم�س هرمز)‬
‫فتحوت؛ هو من علم امل�صريني القدماء احل�ساب‪.‬‬
‫وهريم�س؛ هو الر�سول الذي يبعث بر�سائل الآلهة بينها‬
‫وبني الب�شر‪.‬‬
‫(�أما �أ�شمونني ف�أطلقت الآن على قرية مبحافظة املنيا ‬
‫أي�ضا هريموبولي�س الحظ الن�سبة لهريم�س)‪،‬‬‫وكان ا�سمها � ً‬
‫يقال �أنها كانت مركز عبادة الثمانية‪ ،‬وهم الآلهة اخلالقة‬
‫يف امليثولوجيا الفرعونية‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫وهناك مدينة يونانية الآن حتمل نف�س اال�سم؛‬
‫هريموبولي�س‪..‬‬
‫هذا التعقيب مل �أكن لأكتبه‪..‬‬
‫ولكني حاولت �أن �أتالفى خط�أي ال�سابق يف �أحد رواياتي‪.‬‬
‫ولتذهب نظرية موت امل�ؤلف �إىل اجلحيم‪.‬‬
‫�شكرا لطول بالك و�أنك مل متزق الرواية حتى و�صلت �إىل‬
‫هنا‬
‫(الآن فقط ميكنك �أن متزقها ابت�سامة ودودة)‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪229‬‬
‫فهرس األسماء‪:‬‬

‫‪�Ó‬أبناء النور‪� :‬ساكني �أر�ض رينجار و�أحفاد جار‬


‫‪Ó‬الأراك�شي‪ :‬نوع من الزهور معروف بجماله‬
‫و�صالبته �ضد التقلبات املناخية‬
‫‪�Ó‬أيندجار‪� :‬أخو امللك نا�سناجار غري ال�شقيق‪ ،‬مل‬
‫يعرف �أحد له �أ ًما‪ ،‬وخلف �أخوه بعدما رحل ملمر‬
‫الهالك‬
‫‪Ó‬بادوغال‪ :‬حيوان مفرت�س‪ ،‬ويعترب �أ�شر�سهم‬
‫‪Ó‬الرباكي‪ :‬حيوان حلمه �شهي‪ ،‬الطعام املف�ضل لدى‬
‫�أبناء النور‬
‫‪Ó‬برجار‪ :‬امللك والد نا�سناجار وتانيبا الذي �أخذ‬
‫امللك من �أخوه بعد قتله ون�سله‬
‫‪231‬‬
‫‪Ó‬بريدبا بن برينكا‪� :‬آخر �ساللة احلكماء‪ ،‬الذي‬
‫تتلمذ على يديه احلكماء من ن�سل جار‪ ،‬والذي ال‬
‫يعلم ماهية خلقه �أو عمره بالتحديد‪.‬‬
‫‪Ó‬بريدكار‪� :‬صديق عمر نا�سنا‪ ،‬و�ساعده الأمين يف‬
‫احلكم‪ ،‬من ن�سل جار وال�صخريني‪.‬‬
‫‪Ó‬بريد�سا‪ :‬زوجة بريدكار‪ ،‬ووالدة روكنار‬
‫‪Ó‬بهان‪ :‬ابن جرينبان خادم امللك‬
‫‪Ó‬بوراي‪� :‬أخو بريدكار الذي قتل يف املعركة الأخرية‬
‫على يد ال�ساحر الأعظم‪.‬‬
‫‪Ó‬البريفاق‪� :‬سو�س دقيق لديه القدرة على ك�سر‬
‫�أعظم الأ�شجار‪.‬‬
‫‪Ó‬بينجا‪ :‬تلميذ حكيم النور الذي تركه يف قريجار‪،‬‬
‫عندما رافق امللك نا�سناجار يف رحلته �إىل ممر‬
‫الهالك‪.‬‬
‫‪Ó‬تامال‪ :‬اال�سم احلقيقي للملكة فياراجارا زوجة‬
‫نا�سناجار‪.‬‬
‫‪Ó‬تانيبا‪� :‬أخو نا�سناجار الذي قتله عمه يف م�سابقة‬
‫ال�سيف‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫‪Ó‬ترينا‪ :‬بنت جرينبان‬
‫‪Ó‬جار‪ :‬الأب الأول لأبناء النور‪ ،‬ومالك رينجار التي‬
‫وهبها له ولأبنائه الإله الأوحد‪ ،‬والذي ي�ضاف‬
‫ا�سمه �إىل ا�سم �أي ملك من �أحفاده عند توليته‬
‫احلكم‪ ،‬كنا�سنا الذي �أ�صبح نا�سناجار عندما ُتوج‬
‫مل ًكا‪.‬‬
‫‪Ó‬جارا‪ :‬زوجة جار التي جعل ن�سل امللك فيها‪.‬‬
‫‪Ó‬جرينبان‪ :‬خادم امللك يف املعركة الأخرية‪.‬‬
‫‪Ó‬جيلكا‪ :‬زوجة جرينبان‬
‫‪Ó‬جنجار‪ :‬جد امللك نا�سناجار‪ ،‬الذي �أعاد م�سابقة‬
‫ال�سيف بعد �أن �ألغاها جده نيهجار‪.‬‬
‫‪Ó‬چينيچنا‪ :‬من �أ�صدقاء نا�سنا ومعاونيه يف احلرب‬
‫واحلكم‪ ،‬من ن�سل جار والعمالقة‪.‬‬
‫‪Ó‬چيمكا‪ :‬االبن الثامن جلار‪.‬‬
‫‪Ó‬حكيم النور‪ :‬هو حكيم اململكة وقريجار‪ ،‬ويكون‬
‫من ن�سل فيار بن جارا‪.‬‬
‫‪Ó‬دن�سوال‪ :‬اجلنة التي يذهب �إليها املوتى‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫‪Ó‬دهار‪ :‬ابن جار من ميجرا القزمة‪.‬‬
‫‪Ó‬راونا‪ :‬ابنة امللك فريجار املجنون وخطيبة نا�سنا‪،‬‬
‫التي تزوجت قري�صبان الذي هزمه يف املبارزة‪.‬‬
‫‪Ó‬روكنار‪ :‬ابن بريدكار و�شريك امللك نا�سناجار يف‬
‫رحلته ملمر الهالك‪.‬‬
‫‪Ó‬رينجار‪� :‬أر�ض النور التي ي�سكنها �أحفاد جار والتي‬
‫�سميت على ا�سمه‪.‬‬
‫‪�Ó‬سابهان‪ :‬حفيد جرينبان وابن بهان‪.‬‬
‫‪�Ó‬ساريبا بن كريبا‪� :‬صديق جرينبان و�شريكه يف‬
‫خدمة امللك يف املعركة الأخرية‪ ،‬ويف جتارته الآن‪.‬‬
‫‪�Ó‬سبار‪ :‬من �أ�صدقاء نا�سنا ومعاونيه يف احلكم‪ ،‬من‬
‫ن�سل جار والأقزام‪.‬‬
‫‪�Ó‬سراجويتنا‪ :‬موطن ن�سل جار واملائيني‪.‬‬
‫‪�Ó‬سون�سرياب‪ :‬من زمرة نا�سناجار التي حولت دفة‬
‫احلرب حينما هاجموا �أر�ض الديجور‪.‬‬
‫‪�Ó‬شتاو‪� :‬صديق امللك �أيندجار وقاتل بريدكار‪.‬‬
‫‪�Ó‬شفينخرتا‪ :‬زوجة جار من ن�سل ال�سحرة‪ ،‬التي مل‬
‫تلد له �إال بحيلة جت�سدها يف �شكل جارا‪ ،‬وهروبها‬
‫بابنه الذي مل ي�ستطع �أن يعيده �إليه‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫‪Ó‬ال�شومفادا‪� :‬أ�شجار �صلبة ع�صية على الك�سر ال‬
‫يفلها �إال �سو�س البريفاق‪.‬‬
‫‪Ó‬الفندار‪� :‬أ�سرع الطيور املعروفة‪.‬‬
‫‪Ó‬فو�سيال‪ :‬حكيم النور يف زمن امللك نا�سناجار‬
‫و�سابقيه‪.‬‬
‫‪Ó‬فيار‪ :‬ابن جار الأ�صغر ووريثه الذي �أتى من ن�سله‬
‫معظم امللوك الذين حكموا رينجار‪.‬‬
‫‪Ó‬فيارا‪ :‬تو�أم فيار وزوجته‪.‬‬
‫‪Ó‬فياراجارا‪ :‬اللقب الذي يطلق على امللكة ويتغري‬
‫�إليه ا�سمها‪.‬‬
‫‪Ó‬فريجار‪ :‬امللك عم نا�سناجار املجنون الذي قتل‬
‫ابن �أخيه تانيبا‪.‬‬
‫‪Ó‬قري�صبان‪ :‬قائد من ن�سل جار واملائيني‪ ،‬هزم نا�سنا‬
‫�ساب ًقا‪ ،‬وتزوج خطيبته راونا‪ ،‬ثم قتله نا�سناجار يف‬
‫امل�سابقة الأخرية ليكفر عن خطيئته برحلة �إىل‬
‫ممر الهالك‪.‬‬
‫‪Ó‬قريجار‪ :‬عا�صمة احلكم و�أعظم مدن رينجار‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫‪Ó‬ممر الهالك (�ساليچيا)‪ :‬ممر يف �أق�صى ال�شمال‬
‫من رينجار‪ ،‬يعرب ال�سل�سلة اجلبلية ليف�ضي �إىل‬
‫�أر�ض الأجداد وموطن احلكماء‪.‬‬
‫‪Ó‬ميتي‪ :‬ابن امللك نا�سناجار وخليفته‪.‬‬
‫‪Ó‬ميجرا‪ :‬زوجة جار من ن�سل الأقزام‪.‬‬
‫‪Ó‬نا�سناجار‪ :‬امللك املعظم‪ ..‬حفيد جار والن�سل‬
‫النقي‪ ..‬حاكم الأر�ضني‪ ..‬قاتل ال�ساحر الأعظم‪..‬‬
‫وبطل ق�صتنا‪.‬‬
‫‪Ó‬نيربا‪ :‬كرة متوهجة ال تغيب عن �أر�ض رينجار‪..‬‬
‫املرادف لل�شم�س يف عاملنا‬
‫‪Ó‬نريفور‪� :‬أر�ض الظالم �أو الديجور‪ ،‬التي ي�سكنها‬
‫ال�سحرة‪ ،‬والأقزام‪ ،‬و�شعور �أخرى‪ ،‬والتي ال ي�صل‬
‫�إليها �ضوء نيربا‪ ،‬وهي الأر�ض املناوئة دائ ًما‬
‫لرينجار‪.‬‬
‫‪Ó‬نيالمي‪� :‬صديقة راونا‪ ،‬واملر�سال الوا�صل بني‬
‫نا�سنا وراونا يف ق�صة حبهما‪.‬‬
‫‪Ó‬نينوم�شا‪ :‬دليل العابرين ملمر الهالك‪ ،‬يت�شكل يف‬
‫�صورة �أكرث الأ�شخا�ص تعلي ًما للعابر‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫‪Ó‬نيهجار‪ :‬اجلد الأكرب للملك نا�سناجار الذي هُ زم‬
‫يف م�سابقة ال�سيف من �شخ�ص جمهول من عامة‬
‫ال�شعب ات�ضح بعد ذلك �أنه ظل من ظالل ال�ساحر‬
‫الأخري‪ ،‬ودخلت البالد يف حالة حرب حتى مت قتل‬
‫ذلك الظل‪.‬‬
‫‪Ó‬همريز‪ :‬عراف اململكة‪.‬‬
‫‪Ó‬اليفعوم‪� :‬شراب م�سكر‪.‬‬

‫‪z‬‬

‫‪237‬‬
‫شكر خاص‪:‬‬

‫�إىل �إبراهيم عبد املعطي الذي �أ�صبح �إبراهيم عبد‬


‫اخلالق بعدما و�صل �إنكلرتا ال �أعرف ملاذا‪.‬‬
‫�إىل علي حمدي البحر‬
‫الذي لوال ت�شجيع الأول الدائم‪،‬‬
‫وثقة الثاين امل�ستمرة‪،‬‬
‫ملا خرجت �أعمايل منذ زمن‪.‬‬
‫�شكرا لكما ح ًقا‪..‬‬

‫‪239‬‬

You might also like