Professional Documents
Culture Documents
إتحاف أهل المحبة وفضل رجب
إتحاف أهل المحبة وفضل رجب
إتحاف أهل المحبة وفضل رجب
مجيع احلقوق حمفوظة ،ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أي جزء منه أو ختزينه يف نطاق استعادة
املعلومات أو نقله بأي شكل من األشكال دون إذن خطي مسبق من املؤلف
All rights reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval
system or transmitted in any form by any means without prior permission in writing
the author.
اعتنى به العبد األقل
غايل بن عبداهلل بن حسني العطاس احلسيني
غفر اهلل له ولوالديه ولسائر املؤمنني
ghali-alattas@hotmail.com
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ﭑﭒﭓ
احلمد هلل وما توفيقي إال باهلل والصالة والسالم عىل سيدنا حممد الذي بعثه
اهلل رمحة خللقه فاجتباه واصطفاه ،وعىل آله وأصحابه ما قامت األشياء باهلل،
اللهم اجعل صالتك ورمحتك وبركتك عىل سيد املرسلني وإمام املتقني وخاتم
النبيني..
ِ
جمالس ال ُقربة».. «إحتاف أهل املحبة ِ
بأدلة َ أما بعدُ فهذا الكتاب الذي َّ
سمي ُت ُه
ال حيتاج إىل تقديم :ألنه مقدِّ َمة املقدمات؛ فهو مأخوذ من قواعد أهل الكامل من
السادات ِ ،
ومن روايس احلجج الب ِّيناتّ ،
وأن املحبة ال حتتاج إىل براهني عقلية أو
ُحجج نقلية ،بل يكفي فيها أهنا أحلان الغرام ،تُبيح عن أشواق اهليام ،وخالصة
أعظم مقا ٍم ملن
ُ احلب يف قلوبنا لبدر التامم ،وقال :
َّ الكالم ،سبحان من َأنزل
اتبع حبيـبي حممد عليه الصالة والسالم وع َّظمه قلب ًا وقوالً وفع ً
ال نال اإلنعام،
حلسنى ُيشري أن العبادة تذ ُّلل للمحبوب امللك
واملقصد األسنى لرشح األسامء ا ُ
وحمبوب عند اهلل تعاىل ورسوله سيدنا حممد
ٌ حمب هلل ورسوله ُ
والذليل ٌّ العالَّم،
عليه الصالة والسالم.
وإليك أهيا القارئ ما جيمعك حلرضة السعادة يف ِز ِّي الوفادة ،فعليك بأصول
العبادة؛ حتى تكون ِمن أهل احلسنى وزيادة ،وصىل اهلل عىل صاحب القول
ُؤمنُوا ،وال ت ِ
ُؤمنُوا حتى حتا ُّبواَ ،أ َوال أد ُّلكم عىل تدخلون اجلنَّ َة حتى ت ِ
َ البديع «ال
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ذلك هو احلق.
نص احلديث ُ
فبطالن َم ْن خيالف َّ ُ
بطالن مذهب هؤالء ظاهر، فإن قلت:
الصحيح أيض ًا ظاهر ،وكام ثبت بظواهر النصوص أن اهلل تعاىل ُيرى واملعتزيل
ِ
كمسألة خالف فيها احلنفي:
َ ُ
مسائل ينكرها ،فكذلك ثبت بظواهر النصوص
النكاح بال ويل ،ومسألة ُش ْف َعة ِ
اجلوار ..ونظائرها.
مصيب) وهي: ٍ
جمتهد فاعلم :أن املسائل تنقسم إىل ما يتصور أن يقال فيهُّ :
(كل
ٌ
احل ِّل واحلرمة ،وذلك هو الذي ال ُيعرتض عىل املجتهدين (أحكام األفعال يف ِ
ُ
خطؤهم قطع ًا ال ظن ًا .وإىل ما ال يتصور أن يكون املصيب فيه ُ فيه) إذا مل ُيعلم
ِ ِ
إال واحد؛ كمسألة الرؤية وال َقدَ ِر وقدَ ِم الكالم . »...اهـ - .ثم َّ
توسع اإلما ُم
الغزايل يف تقرير الفرق بني األحكام املتعلقة بأفعال اجلوارح ،واألحكام املتعلقة
بالعقائد .-انظر «اإلحياء» . 322/2
وحتقيقا هلذا األصل قال سلطان العلامء يف «شجرة املعارف واألحوال»
ص:379
ف يف وجوبه اخت ُِل َ
«اإلنكار متع ِّلق بام ُأمجع عىل إجيابه أو حتريمه ،فمن ترك ما ْ
ف يف حتريمه :فإن ق َّلد بعض العلامء يف ذلك فال إنكار عليه ،إال أو فعل ما اخت ُِل َ
حكمه يف مثلها ،فإن كان جاه ً
ال مل ُينكَر عليه ،وال َ أن ُي َق ِّلده يف مسألة َينْ ُق ُض
ْكر عليه ألنّه مل يرتكب محُ َّرما ،فإنه ال يلزمه
بأس بإرشاده إىل األصلح .وإنَّام مل ُين ْ
العامي التزا ُم مذهب معينَّ ،
َّ تقليد من قال بالتحريم وال باإلجياب ،وال يلزم
فإن الناس يف زمن الصحابة ريض اهلل عنهم إىل أن ظهرت املذاهب مل يزا ُلوا َّ
يق ِّلدون العلامء يف الوقائع املختلف فيها من غري التزام ملذهب مع ومل ي ِ
نكر ُ ينَّ َ ُ
ذلك أحد من العلامء ،ومل يقل أحد من املفتِني مل ْن استفتاه إذا استفتي :فال ت ََس ْل
األحو ُط
َ نعلمه بالرضورة .وال بأس بإرشاد العا ّمي إىل ما هو
غريي ،وهذا مما ُ
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
يف دينه ،وال بأس بمناظرة املجتهد لريجع إىل الدليل الراجح .واختالف العلامء
أن الفعل الذي هنَى عنه مجُ َم ٌع عىل اإلنكار إالَّ ملن َع ِل َم َّ
ُ رمحة؛ وعىل هذا فال جيوز
جممع عىل إجيابه .»...اهـ.ٌ يأمر به
الفعل الذي َُ حتريمهَّ ،
وأن
وواقع
َ وقال أيضا رمحه اهلل يف موضع آخر ص« :377فمن َح ِف َظ امل َّت َف َق عليه
املختلف فيه :فإن كان يعتقدُ التحريم َف َعله أو تركه فقد أثم ،وإن مل يعتقد ذلك
َ
بعض العلامء فال حرج عىل ا ُملق ِّلدين ،التفاق املسلمني عىل مل يأثم؛ ألنه إن ق َّلد َ
َفي فيام يعتقده احلنفي إذا مل ِ
حلن ِّ
ذلك يف احلديث والقديم ،فال ُينْكر الشافعي عىل ا َ
احتج َم وصلىَّ من غري جتديد
َ الشافعي إذا
ِّ احلنفي عىل
ُّ يتطهر ِمن َم ِّس النساء ،وال
وتر َك بسملة الفاحتة يف
تزو َج بغري ُشهودَ ، املالكي إذا َّ
ِّ الشافعي عىل
ُّ وضوء ،وال
صالته» .اهـ.
أما و ُّيل العلامء وعامل ُ األولياء حميي الدين النووي فقال يف «رشح مسلم» 23/2
عند كالمه عىل حديث تغيري املنكر ما نصه« :ثم إن العلامء إنام ينكرون ما ُأمجِ َع
يب) ِ ِ ف فيه فال إنكار فيه؛ ألن عىل أحد املذهبنيُّ :
عليه ،أما ا ُملخت َل ُ
(كل جمتهد ُمص ٌ
املختار عند كثريين من املحققني أو أكثرهم ،وعىل املذهب اآلخر ُ وهذا هو
مرفوع عنه) ...وذكر أقىض القضاة
ٌ واإلثم
ُ غري متعينِّ ٍ لنا
واملخطئ ُ
ُ (املصيب واحدٌ
ُ
أبو احلسن املاوردي البرصي الشافعي يف كتابه «األحكام السلطانية» خالف ًا بني
حيمل الناس عىل مذهبه فيام السلطان احلسب َة هل له أن َ
ُ أن من ق َّلدَ ُه ِ
العلامء يف َّ
ِ
االجتهاد ،أم ال يغري ما كان عىل ب من ِ
أهل ِ اخت َل َ
ف فيه الفقهاء إذا كان املحتس ُ
ِ
مذهب غريه؟ (واألصح أنَّه ال ُي َغيرِّ ُ ) ملا ذكرناه ،ومل يزل اخلالف يف الفروع بني
ب وال ِ ِ
الصحابة والتابعني فمن بعدهم ريض اهلل عنهم أمجعني ،وال ينك ُر حمتس ٌ
«ليس للمفتي وال للقايض أن ِ
يعرت َض عىل من غريه عىل غريه ،وكذلك قالواَ :
خالفه إذا مل خيالِ ْ
ف نص ًا أو إمجاع ًا أو قياس ًا جل َّي ًا .واهلل أعلم» .اهـ.
10
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
11
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
مع أن أهل احلديث كلهم قبلوا رواي َة املبتد ِع الذي ال يدعو لبدعته ،ور ُّدوا
رواية الداعية لبدعته ،قال ابن حبان :إن الداعي َة إىل البِدَ ِع ال جيوز االحتجاج
به عند أئمتنا قاطبة ال أعلم بينهم فيه خالفا .اهـ .ووافقهم احلاكم فيام نقله
ابن أمري احلاج.
قال الفتى املكي أبو عمر السليامين ،عن عامل التحقيق سيدي أمحد بن الصديق:
ما فائد ُة هذا االشرتاط؟!
قلت من مشكاة شيخنا وسيدنا :بل احتج مجهور احلفاظ بأحاديث الدعاة
ُ
كح ِريز بن عثامن ،وعمران بن حطان ،وشبابة بن سوار ،وعبد
إىل بدعتهم؛ َ
احلميد احلامين ..وأرضاهبم ،والقاعدة تقولُّ :
(كل مبتد ٍع داعي ٌة) ألن االنتساب
باإلعالن واإلظهار -وإن مل حتصل دعوة بالفعل -وهذهِ للمذهب دعاي ٌة
كل إمام ،حتّى حكى الربقي يف «الطبقات»: املخالفة موجودة يف كل طبقة وعند ِّ
رويت عن داود بن احلصني ،وثور بن زيد - ..وذكر غريمها، َ أن مالكا ُس ِئ َل كيف
ِ
األرض وكانوا ُي ْر َمون بال َقدَ ر -فقال مالك :كانوا ألن ِخي ُّروا من السامء إىل
أسهل عليهم من أن َيكذبوا ِك ْذب ًة .اهـ.
احتج الشيخان واجلمهور الذين منهم ابن حبان واحلاكم -احلاكيان هلذا
َّ وقد
ِ
بأحاديث املبتدعة الداعني إىل بدعتهم ،وقد مجع احلافظ أسامء من اإلمجاع-
يعني أهنم قبلوا كالم املبتدع الذي ال يدعوا إىل بدعته.
هل هناك نسبة أو وجه شبه أو معيار يف القياس بني مرشوعية املولد الذي يتبع الدليل
اخلاص والعام واستحسنه العقالء والنبالء والعلامء والعوام وبني ما اشمأزَّ ت منه َّ
األمة
ربأت باتفاق األعالم كبدعة القدر َّية املض ِّللة وا ُملفسدة لألنام ؟! وأساس مذهب و َت ْ
القدْ َر ِة لإلنسان وأنه ُح ُّر اإلرادة مخُ ٌ
تار إنكار قدر اهلل ،واملغاال ُة يف إثبات ُ
ُ القدرية هو:
يف أعامله كلها ،ح ّتى قال زعيمهم معبد بن عبداهلل اجلهني قولته املشهورة( :ال َقدَ َر ،
واألمر ُأ ُنف).
ُ
12
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
هلل در اإلمام البخاري يف كالمه عىل أشياخه الشيعة ،ومما يدل عىل علو شأنه يف هذا
املقام أنه يمتلك حيوي ًة عقلي ًة وفكري ًة يف مناخ اجتامعي ُح ٍّر منفتح َّأدى وأنتج إىل إبراز
رموز راسخة يف الترشيع وتطوير عملية االجتهاد ونشوء االجتاهات الفقهية .إن مدحه
عمق يف فك ٍر يسعى للتقريب بني املذاهب والتعايش الذي ٍ ِ
الشيعة يدل عىل لشيوخه
نحن يف حاجته اآلن ،إن املقارن َة بني منهج اإلمام البخاري مع املبتدعني ووصفه هلم
حتصل منهم وأخذ عنهم علام وافر ًا ظهر واعرتاف اإلمام ذاته بأهنم أساتذته َّ ،ِ بالعلم
عليه حتى أصبح م َّت َفق ًا عىل جاللته .وانظر يا أخي إىل تعامل بعض أهل العلم املعارصين
مع املبتدعني؛ الذي يتهمهم بالضالل فضال عن الشتائم والسباب ،ويأمر يف الكتب
املدرسية هبجرهم ،ليس ما أحكيه تارخيا مىض وانقىض بل هو حارض يمأل الواقع.
13
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
قوي ،مقرون بأصل التعظيم النبوي) جتتمع فتكون هي ضوء ًا يكشف الراوي
والرواية بكل عناية ودراية ،فيخرج الدليل كالقمر يف ظالم الليلُ ،يستنبط منه
مسموع ..وتنترش الفروع.
ٌ احلكم وتُصاغ املسألة ..هذا مقرو ٌء وذاك
َ
حصل مع املبتدعني من الرعيل األول وب َّينوا َ
التعايش قد والذي نخ ُل ُص بهَّ :
أن
كيف التعامل معهم ،وكام ذكرنا (أخذوا عنهم) .
َّهموهنم ِ فنقول قوال رصحي ًا للمعارصين الذين
يشمئزون من املخالفني هلم ويت ُ
ُّ
وكذلك يعملون عىل إقصائهم !.
واملرشعني
ِّ ما قولكم فيام ذكرنا من تعامل كبار احلفاظ والعلامء املجتهدين
املتبوعني مع املبتدعني ،وكيف أخذوا عنهم ونقلوا ثقافتهم وبنو جمدهم
ومنهجهم بمشاركة بعض املبتدعني حقا ،فهل لكم أسوة هبم ؟ وإن مل يكن..
كيف اعتمدتم عىل علمهم ؟!
فاألصول املدعومة بصحيح املنقول ورصيح املعقول ،والذي شارك يف
ِ ُ
فحول من املجتهدين :أخذوا عن ا ُملبتدعني َ
وس َبكوا الدواوين ،حتَّى بنائها
أصبحت بنا ًء قو ّي ًا ظاهر ًا جل ّي ًا.
أن سل َفنَا الذي بنا هذا املجد ِمن فقه الفروع قد كان ومل أذكر هذا إال لتَع َلم َّ
عيش املبتدعون ،فحصل تلقيح لألفكار ،لكنهم أخرجوها ِ
ساحة الفكر َي ُ معه يف
واضح ًة كضوء النهار ،ومل يخُ رجوهم ولكنهم أخرجوا ضالل أفكارهم وظالم
اعتقادهم ،كام أن سامء اإلسالم التي أظ َّلتهم مل تَدَ ْعهم يتناحروا أو يتنافروا أو
يتدابروا (كام نرى يف بعض املنتسبني للعلم) الذين َحكموا هبجر ومقاطعة أهل
البدع -عىل رأهيم -و َأنكروا وجودهم حتت ِم َظ َّل ِة الدين الذي َقبِ َل الطوائف
واملذاهب وجعل أفكارها ذخائر ال رضائر قوال وفعال ﮋ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
14
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [آل عمران. ]١٠٣ :
15
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ومعرفتها واحلكم عليها عن طريق القلب املؤمن كام جاء يف حديث« :البرِ ُّ ما
وتر َّد َد وإن َ
أفتاك س َحاك يف النَّ ْف ِ
ب ،واإل ْث ُم ما َ
واطمأن إليه ال َق ْل ُ
َّ َّت إليه النَّ ْف ُس
اطمأن ْ
ُون وأفت َْو َك» واملقصود ِمن هذا احلديث الذي يأمرنا به رسولنا صىل اهلل عليه وسلم ا ُمل ْفت َ
بيد َك ٌ
دليل ثمرات عقولنا :إما أن يكون ِ
ُ لتظهر أن نجعل عالق ًة وثيق ًة بيننا وبني قلوبِنا
َ
نفس شيطان ّي ٌة االطالع عليه ،فكراهت َُك ُ
غري معتدٍّ هبا؛ ألهنا ٌ َ كرهت
َ عىل اإلباحة ثم
الرشع عىل إباحته بل واستحبابه ،وإما أن يكون ال َ
دليل عندك عىل ُ َص
تكره ما ن َّ
َ
ونفور يوجب لك الكراهة،
ٌ بأن ما يحَ دُ ُ
ث عند الناس عاد ٌة التحريم ولكن َأ َ
خذت َّ
دليل اإلثم فال تفعل ذلك األمر الذي َ
حاك منه يف صدرك. فتلك الكراهة حينئذ ُ
َنـزل منـزلتها؛ فإليك ٌ
مثال َح ّي فيام ذكرناه َّ
وإن األفعال تؤ ِّيدُ األقوال ،وت ّ
عن البدعة وختصيصها ،ونَرى كيف تَعامل معها عظامء هذه األُ َّمة من اخللفاء
باهر ،فقد جاء سيدنا
واضح ٌ
ٌ ظاهر
ٌ الراشدين املهديني ،وعملهم ُيعترب ٌ
دليل
عمر بن اخلطاب الذي فتح لنا لالجتهاد أبواب ًا ،ووقف بذاته عىل الصواب ،وكيف
كان يستنبط حتَّى كان كالمه فصل اخلطاب؛ فقد نظر إىل املجتمع اإلسالمي
يف العاصمة اإلسالمية املدينة املنورة ا َّلتي َّ
أسسها إمام األنبياء وسيد األصفياء
واألتقياء سيدنا حممد صىل اهلل عليه وسلم ،واستلمها ِمن خليفة رسول اهلل صىل
اهلل عليه وس َّلم سيدنا أيب بكر الصديق ونظر إىل رشائح املجتمع فوجده مراتب
فأسس هلم أرض ًا بجوار املسجد ِ
كالكون متعدِّ د الثقافات حكمة اهلل يف الربياتَّ ،
يزفروا فيه الزفرات ،و ُيظهروا فيه األعراف والعادات ،وكأنه منتدى ألوامر
النفوس ،وعواطف القلوب ،واجتهادات األفكار ،وأنغام األصوات ،والتباهي
بكامل األجسام والعضالت ،ولِبرُ وز اهلوايات ،وإظهار الكفاءات لكل رشائح
املجتمع وكل طبقاته وكل هواياته كام جاء يف «موطأ مالك» ( )422؛ عن مالك
أن عمر بن اخلطاب َبنَى َر ْح َب ًة يف ناحية املسجد ،ت َُس َّمى ا ْل ُب َط ْي َحا َء.
أنَّه بلغه َّ
16
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
أن َي ْل َغ َط ،أو ُينشد ِشعر ًا ،أو َيرفع صوتَهَ ،ف ْل َيخرج إىل
وقالَ « :م ْن كان ُيريدُ ْ
الر ْح َب ِة» .فريض اهلل عن أمري املؤمنني املؤمن بتعدُّ د ثقافات الكون وحقوق هذه َّ
النفوس يف اهلوايات واألعراف والعادات ،وهي عبارة عن استهالك للطاقات
وإظهار للكفاءات ،وهذا الذي قال فيه نبي اهلدى صىل اهلل عليه وسلمَّ :
«إن
احلق عىل قلب عمر ولسانه».
َّ
فإن كان هذا حق يا أخي ِمن أهل احلق و َمنفعتُه ظهرت بجدٍّ وصدق ملاذا ال
يكون عندنا منتدى جيمع اآلراء واألفكار والتوجهات بدون إقصاء أحد وقبول
االستامع ألَ ِّي أحد ،ونحن نملك املواد واملوارد واملنهج ؟!
و َف َع َل عمر ريض اهلل عنه هذا َأ َمام الصحابة األجالء الذين فتحوا األمصار
وال ُبلدان ،ودخلوا قلوب أهلها ومل يقولوا يف فعلته هذه ( :يا عمر هذه بدعة ) !
ذكرت واحلمد هلل أد َّلة عقل َّية
ُ وإن كان ما ذكرتُه آنف ًا ِمن فوائد املقدمة ،فإين ْ
ونقل َّية خمدومة بقواعد االستنباط منتظمة ُبأ ُسس حتقيق ا َملناط ،ترى فيها قواعد
عز وجل ختدم ا َملقاصد فقه َّية و ُأ ُسس أصول َّية ونظريات كُل َّية ،وكلها ِمن فضل اهلل َّ
ومجعت يف
ُ اعتمدت يف األد َّلة كلها عىل تنوير ا َملقاصد،
ُ الرشع َّية التعليل َّية؛ ألنيِّ
ٍ
جمتهد إلظهار هذه ا َمل َح َّجة البيضاء والتي كلها رائعة رش ٍع املسألة ُج ْهدَ كل ُم ِّ
الصفاء ممزوجة ببياض النقاء ،وال تخَ رج عن ما قاله العارفون« :العبادات طاعة
طوع َّية ممزوجة باملح َّبة القلبية أساسها املعرفة اليقينية تُفيض لسعادة أبد َّية».
فإن ما كتبته ِغراس العبادة وثمرة السعادة قائمة عىل أشجار أهل الفضل أهل َّ
َ
فإليك يا أخي ما أرجو أن ينفعك و َيسرُ ّ ك..نفعني اهلل به يف اإلرادة والقيادة،
الدارين وصىل اهلل عىل سيد األولني واآلخرين .
ئ
17
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
األول الدَّ ُ
ليل َّ
وإن مل َي ِرد هلا دليل
الرشع باعتبار جنسها فهي مرشوعة ْ
ُ إن ال ُق ْر َبة إذا َش ِهدَ
َّ
مقرر يف قواعد الفقه وأصوله.
خاص ،كام هو َّ
ٌّ
وهذه ال ُقربة ا َّلتي هي االجتامع للموالد وسامع املناقب النبوية ،أو لسام ِع قصة
اإلرساء واملعراج ،أو لسامع مناقب السيدة خدجية ريض اهلل عنها ،أو أي جزء من
النبي صلىَّ اهلل عليه
«توقري ِّ
ُ السرية النبوية ..قد شهد الرشع باعتبار جنسها وهو
ِِ
نص بعينها.وس َّلم ،و احرتامه وإجالله» ،فهي مرشوعة وإن مل َي ِرد فيها ٌّ
الدَّ ُ
ليل ال َّثاين
احتاج له أهل الزمان ِمن أساليب أو
َ
ف يف مرشوعيته مما است ِ
ُحدث أو ما اخت ُِل َ
ِ
وسائل؛ َفف ْع ُل ُه َأ ْولىَ .كام نص عليه العز بن عبد السالمَّ ،
ورجحه القرايف يف سنن
املهتدين «املقام السادس».
وهذه املجالس قد ُاختلف يف مرشوعيتها؛ فقال هبا األكثر ،وك َِر َهها قوم
مرشوع عىل هذه القاعدة الفقهية ،فاجلمهور استح َّبها (علامؤهم ٌ آخرون ،فهو
وعوا ُّمهم) ومل ْ َي ُش َّذ إال َمن جمَ َدَ عىل ُح َّج ٍة واهية ِمن غري مراعاة لألدلة النقلية
والعقلية التي ن ََّص ْت عىل ال ُقربة والنَّدب إليها.
الدَّ ُ
ليل ال َّثالث
كل ما ي ِ
وه ُم يف جانبه صىل اهلل عليه وس َّلم ن ْقص ًا من قال األئمة ا ُملح ِّق ُقون :إِ َّن َّ ُ
رض ذلك العبارات يف بعض األخبار والقصص؛ يجَ ب إنقاصها وحذفها ،وال َي ُّ
َّقص يف حقه صىل اهلل عليه وسلم فإنه ِجي ُ
ب يرفع إهيام الن ِ
صحتها ،وكل ما ُ
يف ّ
18
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الرابع الدَّ ُ
ليل َّ
إن األد ّلة النقلية وال ِ
اهني العقلية قائم ٌة باستحسان شكر الواسطة يف إيصال برَ
اخلري والنّ ْفع.
وال واسط َة أعظم من موالنا رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلمِ ،
ومن ُشك ِْره َ
نجتمع؛ مأمورين بقوله تعاىل :ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ َ وتَعظيمه وتَوقريه أن
ِ
اإليامن به واالعرتاف [الرشح ، ]4 :وهذا خرب يتضمن األمر بر ْفع ِذكره بِ َأمر ٍ
زائد عىل ٌ َ َّ
ٍ
واجتامعات ِ
كمجالس شكره، برسالته ،وال يكون ذلك إِالَّ بتخصيص وسائل:
تعظيم
ٌ بفضل ِه وشرَ َ فِ ِه من شعائر اإلسالم ،وعَقدُ ا َمل ْج ِلس
ِ فاإلقرار
ُ ذكر ِه،
لرفع ِ
للشعائر ،واألفضل أن َيظهر املجلس يف (التلفاز) إلغا َظ ِة أعداء الدِّ ين ،و َق ْرع
أسامعهم برسالته وسيادته عىل املخلوقني.
19
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل اخلامس
وإظهار توقريه ورشفه زيادة خري؛ واهلل تعاىل يقول ﮋ ﮜ
َ تعظيم ُه
َ إن
ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [احلج:]٧٧ :
ويف املجالس نَذكر ح ّق ًا ِمن ح ِ
قوقه ا ّلتي ال تحُ ْ ىَص ،ونَتح َّق ُق من قوله َج ّل ذكره: ُ ُ
ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮊ[ النور ، ]٦٣ :ف َيتعينَّ ذكر
بالسيادة ا ّلتي يتَحتَّم أمرها عند
التّعظيم بوسائله؛ يف القلب واللسان ،فنذكره ّ
ذكره صىل اهلل عليه وسلم ،ون َُذكِّر بعضنا أن اهلل هنى املؤمنني أن يقولوا للنبي
ٍ
تنقيص وقل َة َأ َد ٍ
ب صىل اهلل عليه وسلم :ر ِ
اعنَا ؛ َسدّ ًا للذريعة ،وقطع ًا ملا فيه إهيام َ
يف جانبه صىل اهلل عليه وسلم ولو من بعيد..
ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [البقرةِ ]١٠٤ :
وذكْر
اسمه صىل اهلل عليه وسلم بِدون سيادة -وإن قصد به متك ِّل ٌم غاية التَّعظيم -فهو
(والتمس ُك بالعموم واجب). م ِ
وهم للنَّقص؛ «بحسب ال ُع ْرف والعادة اجلارية»
ُّ ُ
السادس الدَّ ُ
ليل َّ
إن املجالس ت َُذكّرنا أن االجتامع انعقد عىل ُح ِّ
ب َمن أمرنا اهلل بمخاطبته يف
التَّشهد يف الصالة؛ يقول ا ُملصليِّ َّ :
«السالم عليك أيهُّ ا النَّبي» فهي (واجبة)،
الصالة واجبة( ،وال ُيبطل يشء منهام الصالة).
وكذلك إجابته يف َّ
الزخمْشرَ ي يف تفسري قوله تعاىل :ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
قال َّ
وحد
(إن اهلل سبحانه وتعاىل َّ [األنفال]٢٤ : ﯠﯡ ﯢﯣ ﯤ ﮊ
الضمري؛ يعنى :يف ( َد َعاكُم)؛ ألن استجابة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ّ
كاستجابته سبحانه وتعاىل ،وإنام َي ْذكر أحدمها مع اآلخر للت َّْو ِكيد .واملراد
20
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ُ
البعث والتَّحريض ،وكام روى أبو ُ
واالمتثال ،وبالدعوة: باالستجابة :الطاع ُة
هريرة :أن النبي صىل اهلل عليه وسلم َم َّر عىل باب ُأبيَ ِّ بن كعب؛ فناداه وهو يف
قال:كنت
ُ الصالة ،ف َع ِج َل يف صالته ثم جاء فقال« :ما َمنَ َع َك عن إجابتي؟ ،
ُأصليِّ ،قال :أمل تخُبرَ يف ما أوحي إ َّيل ،استجيبوا هلل َّ
وللرسول؟ قال :ال َج َر َم ال
تدعوين إِالَّ َأج ْبت َُك» .وفيه قوالن :
ُص به رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم. أحدمها :أن هذا مما اخت َّ
الثاين :أن دعاءه كان ألمر ال يحَ تمل التأخري ،وإذا وقع ِم ْثله للمصليِّ َف َله أن
َيقطع صالته) .اهـ.
الرسول صلىَّ اهلل عليه وس َّلم ُم ْط َلقا
صحيح ،وهو ُيفيد إجابة َّ
ٌ ُ
احلديث قلت :
ُ
ال يف خصوص أمر واجب التعجيل -ولو كان ُيصليِّ فريضة -فإجابته عليه
الصالة والسالم طاع ٌة ُمف َ
رتضة ،وكذلك :الصالة عليه صىل اهلل عليه وسلم يف
الصالة واجبة.
أن اهلل تعاىل أوجب الصالةبل من أحكام واجبات املحبة ،ورشوط ال ُق ْر َبةَّ :
ور َّغب فيها برتغيب بالِغ،
عليه صىل اهلل عليه وسلم عند سامع اسمه الرشيفَ ،
جزل عليها الثواب اجلسيم ،وأخرب عنه أنه ُيصليِّ بذاته املقدسة ومالئكته و َأ َ
عليه صىل اهلل عليه وسلم وعىل َمن ُيصليِّ عليه بكل واحدة عرشا؛ تعظي ًام
ل َقدْ ره ،وتنوهي ًا برشف َمقامه وفضله.
نجتمع و َن ْع ِقدُ ا َملجالس ا ّلتي ُخ ِّص َصت لتعظيم رمحة اهلل ا ُمل ْر َسلة
ُ فكيف ال
لسعادة عباد اهلل!
21
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
السابع الدَّ ُ
ليل َّ
(وهو األهم) :أنه مل َي ِرد النَّهي عن هذه ا َملجالس أصال ،ودليل استحباهبا هو:
املوافقة ألصول الشرَّ يعة.
وعىل فرض ُورود النَّهي َ -تن َُّـزالً مع َمن َش َّذ – نقول:
أالدب ُمقدم على االمتثال
ألن النبي صىل اهلل عليه وس َّلم َأ َّقر أبا بكر وعل ّيا َريض اهلل عنهام عىل خمالفة
َّ
ومتضمن معنى
ِّ َأ ْم ِره؛ فدَ َّل إقراره عىل :أن األدب مقدَّ م عىل االمتثال ،
أما سيدنا أبو بكر ريض اهلل عنه فقد جاء يف املوطأ ،والصحيحني ..وغريهمَّ :
أن أبا بكر
َّأم الناس يف غياب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،فلام جاء رسول اهلل وهم يف صالهتم
اصطف مع الناس خلف أيب بكر فصفق الناس ،وكان أبوبكر ال يلتفت يف صالته ،فلامَّ
أكثر الناس من التصفيق التفت أبوبكر ،فلام رأى أبو بكر النبي صىل اهلل عليه وسلم
َ
مصطف ًا خلفه مع ال َّناس استأخر ح َّتى استوى يف الصف بعدما أمره النبي صىل اهلل عليه
وسلم بأن يبقى عىل حالته ،فلم يمتثل ألمر رسول اهلل ،فقال له رسول اهلل صىل اهلل
عليه وسلم بعدما فرغوا من الصالة« :يا أبا بكر ،ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟! فقال
أبو بكر :ما كان البن أيب قحافة ،أن ُيصليِّ َ بني يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم»
احلديث .
أما سيدنا عيل عليه السالم ففي الصحيحني وغريمها ،عن الرباء ريض اهلل عنه قال :أن
النبي صىل اهلل عليه وسلم ملا أراد أن يعتمر أرسل إىل أهل مكة يستأذهنم ليدخل مكة،
فاشرتطوا عليه أن ال يقيم هبا إال ثالث ليال ،وال يدخلها إال بجلبان السالح ،وال يدعو
منهم أحدا ،قال :فأخذ يكتب الرشط بينهم عيل بن أيب طالب ،فكتب :هذا ما قاىض عليه
حممد رسول اهلل ،فقالوا :لو علمنا أنك رسول اهلل مل نمنعك ولبايعناك ،ولكن اكتب :هذا ما
قاىض عليه حممد بن عبد اهلل ،فقال« :أنا واهلل حممد ابن عبد اهلل ،وأنا واهلل رسول اهلل ،قال :
وكان ال يكتب قال :فقال -أي رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم – لع ٍّ
يل :امح (رسول اهلل) ،
فقال عيل :واهلل ال أحموه أبدا ،قال :فأرينه ،قال :فأراه إياه ،فمحاه النبي صىل اهلل عليه وسلم
بيده»...احلديث.
22
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
عمل َمن ُييس ُء األدب معه ينضم لألد َّلة ا َّلتي تخُبرِ ُ
بح ُبوط َ ُّ االمتثال .وهذا دليل
صىل اهلل عليه وس َّلم ،فلو فرضنا أنه َأ َم َرنا بعدم االجتامع يف ا َملجالس ّ
نص ًا ..لكان
األدب معه عليه الصالة والسالم يوجب علينا ذلك االجتامع ،وإظهار التعظيم
رضنا مخُ الفة َأ ْم ِره النَّاتج عن
حلرضته الذي هو أعظم صلة بعد اإليامن به ،وال َي ّ
وه ْضم حقوقه عليه الصالة والسالم؛ وذلك لتعظيم ذاته ا ُملقدَّ َس ِة يف تواضعه َ
السموات عىل كل املخلوقات ،فكيف ومل َي ِر ْد نهَ ْ ٌي يف ذلك واحلمد هلل ،ويؤيد هذا
َّ
ويزيده وضوحا..
الدَّ ُ
ليل ال َّثامن
قال األصويل ا َملعقويل اإلمام ال َقرايف يف «تنقيح الفصول» «قاعدة املقصد
خالف من كتاب اهلل وسنة نبيه عليه َ يوجدُ عالمِ إِالَّ وقد
والوسيلة» قال :ال َ
ض ِ
راج ٍح عليها عند خمالفتها .اهـ. الصالة والسالم أد َّلة كثرية؛ ولكن ُمل ِ
عار ٍ
وقال أيضا ُمت َِّم ًام :والعلم بعدم ا ُملعارض يتوقف عىل َمن له أهل َّية استقراء
الرشيعة ،حتّى حيسن أن يقول :ال ُم ِ
عار َض هلذا احلديث .اهـ.
وتأكيد ًا لكالم اإلمام القرايف فقد أفتَوا باستحباب أمور كثرية ورد النهي عنها؛
منها :ما أفتى به العز بن عبد السالم بجواز القيام للناس عند دخوهلم ا َملحافِل
إن ُأذ َية املسلم برتك القيام له عند
إذا كان ترك القيام هلم فيه ُأ ْذ َية ..،وقالَّ ( :
دخوله ُمؤ ٍّد إِىل العداوة والبغضاء) ،مع أن احلديث الصحيح لفظه« :وكانوا إذا
علمون ِمن كراه َّيتِ ِه لذلك» .أخرجه الرتمذي وقال :حس ٌن
َ رأو ُه مل يقوموا إليه ملا َي
صحيح.
ٌ
شارب َيفتِ ُل ُه إذا َغ ِضب؛ كام
ٌ وهذا سيدنا عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه كان له
جاء يف «ا ُملو َّطأ» وكذا اإلمام مالك كام جاء يف «املدارك» ،مع أن النَّص واضح
23
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
24
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
األحناف يف وقته.
25
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
آخر ُي َضم لألقوال التي أباحت ما ُذكر يف احلديث ،وهبذا تدخل فهذا ٌ
قول ٌ
قاعدة اإلنكار التي ذكرناها يف املقدمة عىل هذا احلكم.
فسلفنا الصالح ِمن العلامء قد استنبطوا أحكام ًا كثريةْ ،
وإن مل يكن هلا دليل،
أو كان دليلها مردود ًا ُبأصوهلم ،وعندهم قواعد أمجعوا عليها يف إعامل األد َّلة،
وهذه كتب األصول والفروع وجتديد الفروع مل يرتكوها جامدة أو قديمة بل
سمونه :املطلق ا ُملق َّيد،
عملوا عىل جتديدها وإنطاقها وإسكاهتا ،وهذا الذي ُي ُّ
خصص ،واملجمل املبينَّ ،والنَّاسخ واملنسوخ ،مجعها َمن أ َّلف يف والعام ا ُمل َّ
أصول الفريقني كـ«مجع اجلوامع» ،وكذلك َمن أ َّلف يف أصول األئمة كـ«إعالم
املوقعني» ،و«رفع املالم» ،و«درء املنقول با َملعقول» وكُتب التعارض والرتجيح
أن كل ما ُأحدث اجتهدوا فيه ،ولِكُل َحدَ ث دليل
كثرية ..وهذا دليل واضح عىل َّ
إ َّما مؤ ِّيد أو مانِع.
فمسألة (االجتامع لالحتفال بمولد سيد ولد آدم) صىل اهلل عليه وسلم ِمن باب
أن ُي ْظ ِهروا أد َّلته و ُيب ِّينوا موقفه من الرشيعةْ ،
وإن ظهرت فيه موانع كالغلو َأ ْولىَ ْ
أن َير ُّدوهم إىل الصواب يف كل باب ِمن أبواب
حلدِّ فعىل العلامء ْ
أو اخلروج عن ا َ
الترشيع ..واهلل املستعان.
الدَّ ُ
ليل التَّاسع
ف أحدُ األصول ا ّلتي ُت ْبنَى عليها األحكام.
َقرر يف علم األصول :أن ال ُع ْر َ
ت ّ
وصدَ َق العالمة ابن عابدين عندما َأ ْر َج َز يف رسالته «آداب املفتي» قائالً:
َ
�دار
الـحك�م قـ�د ُي ُ
ُ لـ�ذا علي�ه اعتب�ار
ُ ف يف الَّش�رَّ ِع ل�ه
وال ُع ْ�ر ُ
خاص بام جاء يف الشرَّ ع مطلقا ،ال ضابط فيه.
ٌّ وهو
26
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
وال ُع ْرف نوعان :صحيح وفاسد .فالصحيح :ما تعارفه النّاس ُدون أن يحُ ِّرم
حالالً أو يحُ َّل حراما .والفاسد :عكسه.
أن مجَ السنا َح َّق َق استحباهبا ال ُع ْرف أيض ًا ،و َأ ْم ُر التَّعظيم
ومن قاعدة ال ُع ْرف :نَجد َّ
ج َعلها ُق ْربة واجبة ،أما إن ُق ِرئَت هبا مبادئ العلوم (توحيد ،فقه ،آداب) فقد
«طلب العل ِم فريض ٌة» ،وهذا ما نرجوه من أهل ا َملجالس
ُ اكتنفتها قاعدة عريضة
ِ
جتمعني معهم؛ حلاجة النَّاس ُفرادى ومجاعات ورشائح املجتمعات. وا ُمل
ِ
فاألحكام ا َّلتي ُت ْبنَى عىل ال ُع ْرف :تتغيرَّ بتغيرُّ ِ ه؛ كام هو معلو ٌم و ُم َّ
قر ٌر يف الفقه
الع ْلم قدي ًام كانت املساجد عطا ًء ونام ًء ،واآلن أصبحت وأصوله؛ ألَ َّن روافِدَ ِ
َ
ا َملدارس هلا عطاء حمدود ،حتى َأص َبح فيها ُ
فضل ا ُملنعم مجَ ْحود ،وكذلك ُ
أدب
وكرام ُة املسلم وشهام ُت ُه فيها مفقو ٌد !
تنبيه :جيب أن نذكره يف مسألة ال ُع ْرف؛ وهو أنه قد َن َّبه أشياخنا ا ُملح ِّققون من
ٍ َ عم ِلهم ِ
قديمة يفتون هبا؛ ألهنم ال بمسائل خطأ الفقهاء املق ِّلدين املعارصين؛ ومن َ
ِ
زالوا ُمتأ ّثرين بأعراف تقا َد َم عهدها ،واندثر أثرها كأنهَّ ا نُصوص رشع َّية ال َيتغيرَّ
ف؛ الع ْلم َّية يتأخر ،والتقدُّ م الع ْلمي َي ِق ُ
حكْمها و ال يتبدَّ ل؛ مما جعل ركب القافلة ِ
َ ُ
التمسك باألعراف القديمة البالية ،فنجدُ أهل ا َملجالس ليس فيهم من
ُّ والسبب هو
يقر ُأ كتاب ًا ل شدهم أو ينصحهم ،فرشف ِ
الع ْلم يزيدهم تعظي ًام ومعرف ًة وأخالق ًا ُ يرُ َ
وا ِّطالع ًا عىل ما ينفعهم ويزيد يف تقدُّ مهم ،وهذا ما سنعرفه يف الدليل اآليت.
الدَّ ُ
ليل العارش
قال ابن القيم يف «إعالم املوقعني» :فصل يف تغري الفتوى واختالفها بحسب
تغيري األزمنة واألمكنة واألحوال والن َّيات والعوائد :هذا ٌ
فصل -أي تغيري
27
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الفتوى واختالفها -عظيم النَّفع ِجدا؛ وقع بسبب اجلهل به -أي بوجوب تغيري
عظيم يف الرشيعةَ ،أ ْو َجب من احلرج
ٌ الفتوى واختالفها إذا تغيرَّ الزمان ٌ -
غلط
وا َملش َّقة ما ال سبيل إليه ،جعل كثري ًا من الناس ال َيعرف -أي :فضل الرشيعة
-وتأثريها وعظمتها ،وما َيعلم َّ
أن الرشيعة الباهرة التي يف أعىل ُرتب املصالح
وج ْل ِ
ب مصاحله . ...-اهـ. ال تأيت به -أي :بحل مشاكله َ
ثم أطال رمحه اهلل يف تقرير ذلك الفصل الذي ُيعترب أص ً
ال ،وذكر أمثلته من
املسائل والفروع بام يطول نقله ،واملقصود من هذا :أن األحكام تتبع العوائد
واألعراف بحسب األزمنة واألمكنة ،وتَتغري بتغيرُّ ها.
والذي أريد أن أقوله :أن هذه ا َملجالس ا َّلتي ُيقرأ فيها نصوص تعظيمه
الصحابة ِ
«كق َّصة املولد ،واإلرساء واملعراج ،واملديح» كوهنا مل تكن يف عرص ّ
ال ومنرب ًا إلبراز مناقب سيد الكائنات ،وأسلوبا
َمظهر ًا للتوقري والتعظيم ،ومحَ ف ً
رائع ًا لتصوير مجال وكامل سيد السادات؛ ألنه صلىَّ اهلل عليه وس َّلم كان بينهم
وج ِهه ،ويطربون بسامع صوته ،وينهلون من َب ِّث روحه َيكتحلون من أسارير ْ
ِ صلىَّ اهلل عليه وس َّلم ،فقد ع َّلمهم َّ
ب ،ول َّقن َُهم الذكر واألدب،بمسالك الحْ ُ ِّ الشوق َ
نح ُهم أخالق ًا يحُ ّبها املوىل و ُيك ِْرم أهلها بأعىل
يف َأ ْح َسن طريق و َأن َْور َد ْرب ،و َم َ
َمقامات و َأنظم ُرتَب ،أما يف عرصنا فصارت هذه ا َملجالس هي حادي األرواح
سهل َأ ْح َسن طريق ِ
جلامل زين املالح ،وسبيل التوفيق والتَّحقيق من سرية من َّ
اختصه اهللُ بالقرآن الذي
َّ للجنة بالد األفراح ،وبينَّ نِظام عادة الليايل واأل َّيام،
الزمن ودستور احلياة يف َشتَّى نواحيها؛ ُيساير التقدُّ م
هو معجزة الدَّ هر وكتاب َّ
الفكْر والعقل من أوهام اجلمود.الع ْلمي ويدعو إِلىَ تحَ رير ِ
28
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل احلادي عرش
إِ َّن هذه ا َملجالس صارت شعار ًا ظاهر ًا حادث ًا؛ وذلك َّ
ألن هلا أص ً
ال يف الرشيعة
الر َغبات لمِحاسنها ،حتَّى َأصبحت نُجوم اهلداية ا َّلتي ظهرت
كام ذكرنا ،وك ُثرت َّ
يف سامء هذه األ َّمة ا َملرحومة ،وحدَ ثها ال َيقل عام اختص به علامء املسلمني يف
تصنيف ِع ْلم الفقه و سائر علوم الدين من التأصيل والتفصيل والتدقيق والتأليف
وحدَ ث ًا مه ًام يف الدِّ ين ،مل تكن معروفةوالتدريس ،حتَّى أصبحت شعار ًا ظاهر ًاَ ،
يف صدر اإلسالمَ ،ف ِل َم ال نقول عىل حدوث هذه ا ُملؤ َّلفات وا ُملصنَّفاتَ :أ َّن ذلك
اجتِ َثا ُثه؟! وكام قال ابن الصالح (يف ُم ْبتدَ ع َينبغي اجتنابه ،وشعار ًا محُ دَ ث ًا َيتعينَّ ْ
الرسالة التي َر َّد هبا عىل العز بن عبد السالم): ِّ
احلوادث ذوات وجوه ِ
خمتلفة مشتبهة ،فمن مل يميز -وال َيفهم -كان ِ إِ َّن
ِ
كالمه :أي ا ْل َب ِليد ا َّلذي ال بصدد إحلاق اليشء منها بغري نظريه .اهـ .و َمعنى
ُيلحق اليشء بنظريه؛ ُي ِشري لِ ِع ْلم األشباه والنظائر -احلادث أيض ًا ا ُملبتَدع -الذي
ُأحدث لِ ُيفيد و َيزيد املنهج وضوح ًا ف ُقبِل و َأصبح ُد َّرة يف سلك مؤلفات املنهج،
واهلل املو ِّفق.
ُظهور املولد إن العلامء ا ُملحققني وإجازهتم له تؤكِّد فائدته وثمرته؛ وهذا
احلافظ أبو ُزرعة العراقي عندما ُسئل عن فعل املولد َأ ُمستحب هو أو مكروه؟
وهل َو َرد فيه يشء ،أو فعله من ُيقتدى به؟ فأجاب ما نصه:
(�إطعام الطعام ُم�س َت َح ٌّب يف ُكل وقت؛ فكيف �إذا َ
ان�ض َّم لذلك
ال�شهر َّ
ال�شريف ،وال َنعلم ال�سرور بظهور نور النبوة يف هذا َّ ُّ
ال�سلف؛ وال َيلزم من كونه بدعة كونه مكروها؛ فكم ذلك من َّ
من بدعة م�ستح ّبة بل واجبة).
29
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل ال َّثاين عرش
إذا كانت ا َملجالِس تَنرش املح َّبة بني املسلمني ،بسرية َمصدر ا َملح َّبة حبيب رب
مهمة؛ وكام قال ابن الر َّباين َّ
فإن عالقتها باملنهج َّ العاملني صىل اهلل عليه وسلمَّ ،
وأول ما ُأ ْل ِقي ِ
العريب ا ُملعافري يف كتابه «رساج املريدين» يف االسم (ا ُملحب) َّ :
أن الشرَّ ع مل َي ِرد إِالَّ بلفظ ا َملح َّبة خاصة ،و َأ ْد َخل فيها َمن ال إليكم معرش ا ُمل ِر ِ
يدين َّ
يدري :الشوق والعشق؛ ومل َي ِرد هبام شرَ ْ ٌع ال يف الصحيح وال يف السقيم .اهـ.
حلب أعطاك إغالق ًا عن نزهة املشتاق ،بعد ونقول له :إِ َّن االستغراق يف ا ُ
ُمكَا َبدة األشواق يف مصارع العشاق.
«العشق من غري ٍ ِ
ريبة ُ وي رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم: بل الع ْشق ورد؛ كام ُر َ
للذنوب» .أخرجه الدَّ يلمي وهو ضعيف جد ًا ،و َأ ْع َظم ِمن هذا قال صلىَّ ك َّف َار ٌة ُّ
اهلل عليه وس َّلم« :أوىص اهلل إليَّ أن ِ
أمس َك خدجية ،و ُكن ُْت هلا عاشق ًا» .احلديث
أخرجه أبو صالح ا ُملؤ ِّذن يف «مناقب فاطمة» وهو ضعيف جد ًا .إِالَّ أنيِّ َأرى أنَّه
صحيح ا َملعنى؛ بام جاء يف أحاديث كثرية ،ليس هذا مقام ذكرها.
صح َحه شيخ شيوخنا
َّ الصحيح يف العشق؛ والذي َ
احلديث َّ وال َننْسى
السيد أمحد بن صديق يف «درء الضعف عن حديث من عشق ف َعف» ،وسبقه
يف التَّصحيح ابن حزم -وهو من املتشددين يف التصحيح -و َأثبته يف «طوق
احلاممة» ،وصححه احلافظ ابن كثري يف «البداية والنهاية» يف ترمجة حممد بن داود
بن عيل أبو بكر الفقيه ابن الفقيه الظاهري ،وكذلك صححه احلافظ عالء الدين
ُم ْغ َلطاي يف «الواضح املبني» ،وقال احلافظ السخاوي يف «املقاصد احلسنة» بعد
«الروضة» فعدَّ وذكر
إيراد سند الزبري بن َبكَّار :وهو سند صحيح .والنووي يف َّ
صحته
من مجلة الشهداء (امليت عشقا) ،وسبقه إىل ذلك الرافعي ،وأشار إىل َّ
احلافظ الفقيه أبو الوليد ال َب ِ
اجي املالكي؛ بقوله:
30
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ص�اح َح ّق�ا
ِ فتل�ك ش�هاد ٌة ي�ا إذا م�ات ا ُملح�ب ج�وى ِ
وعش�ق ًا ً ُّ
إىل احلبر اب�ن عب�اس تَر ّق�ى ٍ
ثق�ات ثق�ات ع�ن ٌ روا ُه لن�ا
وقال القشريي:
ِ
الش�هداء كان�ت َمنازل�ه م�ع
ْ ح�ب إذا تُ�وفيِّ َ صاب�ر ًا إن ا ُمل َّ
ِ
ال�داء ما وناهيك�م هب�ذا ِعل ً يروي�ه أق�وا ٌم َغ�دَ وا يف صدقه�م ِ
الدَّ ُ
ليل ال َّثالث عرش
الراجح وا َملعقول الذي أخذ به علامء األمة :تقديم كل ما كانت مصلح ُت ُه من َّ
مفسدَ تِ ِه؛ لو ُقدِّ رت املفسدة فيه.
راجحة عىل َ
31
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ونصوص األئمة والفقهاء من أهل املذاهب األربعة وغريها عىل هذا تكاد
تنحرص ،قال ابن تيمية يف كتاب «االختيارات العلمية» يف باب األذان واإلقامة:
و َأ َّما ما ِس َوى الت َْأ ِذين َق ْبل ال َف ْجر ِمن تسبيح ،ونشيد ،ورفع األصوات بدعاء،
ونحو ذلك يف املآذن؛ فهذا ليس بمسنون عند األئمة ،بل قد ذكر طائفة من
أصحاب مالك والشافعي وأمحد أن هذا من مجلة البدع املكروهة ،ومل يقم دليل
رشعي عىل استحبابه ،وال حدث سبب يقتيض إحداثه ،حتى ُيقال إنه من البدع
اللغوية؛ ا َّلتي َد َّلت الرشيعة عىل استحباهبا ،وما كان كذلك مل يكن ألحد أن َيأمر
الرزق به ،وإِ ْن شرَ َ َطه ِ
واقف -أي
ٌ به وال ُينْك َر عىل من تركه ،وال ُيع ِّلق استحقاق ِّ
مقبول ،-وإذا قيل :إن هذه األصوات مصلح ٌة راجح ٌة عىل مفسدهتا؛ فنقترص
عىل ذلك القدر الذي تحَ ُص ُل به ا َملصلحة ،دون ِّ
الزيادة ا َّلتي هي ضرَ ر بال مصلحة
راجحة .اهـ.
قلت :قال احلافظ السخاوي يف «القول البديع» :قد أحدث ا ُملؤذنون الصالة ُ
والسالم عىل رسول اهلل صلىَّ اهلل عليه وس َّلم َع ِقب األذان للفرائض اخلمس،
الصبح واجلمعة؛ فإهنم ُي َقدِّ مون ذلك فيهام عىل األذان ،وال ا َملغرب فإِنهَّ م ال
إال ُّ
ال لِضيق و ْقتِها .اهـ.يفعلون ذلك أص ً
ويف «فتاوى» شيخ اإلسالم زكر ّيا األنصاري أنه ُسئل عام َأحدثه ا ُملؤ ِّذنون؛ هل
السنة أو ال؟
لذلك أصل يف ُّ
فأجاب :بأنه قد صح أن النَّبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم قال« :إذا َس ِم ْعت ُُم ا ُملؤ ِّذن
وقاس ِأئمتُنا املؤ ِّذ َن عىل السامع يف الصالة، َ يقول ثم َص ُّلوا َّ
عيل» مثل ما ُفقولوا َ
السالم عليه -صىل اهلل عليه وسلم -؛ فصارت كره إفرادها عن َّ وصرَ َّ حوا بأنَّه ُي َ
السالم َع ِقب األذان ،فاألصل ٌ
ثابت واهل ْيئة بدع ٌة حسنة .اهـ. اهل َ ْيئة املشهورة من َّ
ويف «فتاوى ابن حجر الفقهية» :قد أحدث ا ُملؤ ِّذنون الصالة والسالم عىل
32
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
رسول اهلل صلىَّ اهلل عليه وس َّلم َع ِقب األذان للفرائض اخلَمس والذي فعله
عم ما َفعل جزاه اهلل خريا» .اهـ. ِ
«صالح الدِّ ين -أي :األيويب ،-فن َ
الذكر عند ُطلوع و َذكَر َأسيادنا علامء مكة املكرمة قدس اهلل أرواحهم هيئة ِّ
ف ِ ِ
ور َّقة -أي يف املقامات الرقيقة ( :-يا الفجر بمكَّة ،بأصوات َشج َّية؛ ُك ّلها َ
أس ٌ
واسع املغفرة * يا جابر القلوب املنكرسة * يا دائم املعروف * يا كثري اخلري * يا
من هو باملعروف معروف * يا ذا املعروف ا َّلذي ال ينقطع أبدا * َأ ْصبِح واحلمد
هلل عىل فضله وإحسانه * َأ ْصبِح واحلمد هلل َر ِّب العاملني).
33
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
قال ابن عبد السالم :و َمن َت َت َّبع مقاصد الشرَّ ع يف ج ْلب املصالح و َد ْرء املفاسد؛
عرفان بأن هذه املصلحة ال جيوز إمهاهلاَّ ،
وأن ٌ حصل له ِمن جمموع ذلك اعتقا ٌد أو
هذه املفسدة ال جيوز قرباهنا ،وإن مل يكن فيها إمجاع ،وال نص ،وال قياس خاص؛
فإن َف ْهم الرشع يوجب ذلك .اهـ« .حكمة بليغة».
َّ
الدَّ ُ
ليل اخلامس عرش
مقاصد الكتاب والسنة ك ّلها قائمة عىل أساس فكرة تعليل الرشيعة
وأحكامها.
(خالصة) هذا التعليل :تتمثل يف كون الرشيعة ُمع َّللة برعاية املصالح؛
و ُ
وكام قال الشاطبي -بعد االستقراء :وهو النظر يف األدلة الكُل َّية واجلزئ َّية ،وما
انطوت عليه من العمومات -ما نصه :واملعتمد إنام هو أنَّا استقرينا من الرشيعة
أهنا وضعت ملصالح العباد .اهـ« .املوافقات» . 6/2
سألة كون الشارع قاصد ًا للمحافظة وأهم َم ْس َلك إلثبات مقاصد الشرَّ يعة هي َم َ
ِ
واحلاج َّية ،والتحسين َّية). عىل القواعد الثالث (الرضورية،
و َّملا كانت القواعد الثالث أصل األصول يف الشرَّ يعة؛ فهي قضية ال حتتمل
ال َّظن ،وال ُيقيمها إِالَّ الدَّ ليل القطعي؛ وهو روح ا َملسألة؛ وذلك َّ
أن القواعد
الثالث ال َيرتاب يف ثبوهتا (رشع ًا) أحدٌ ممن َينتمي إىل االجتهاد من أهل الشرَّ ع،
وال َيرتاب يف أن اعتبارها مقصو ٌد للرشع.
ٍ
قصود رشعي فهو أيض ًا مقصو ٌدأن ما كان خادم ًا ومقوي ًا لمِ
وثبت باالستقراء َّ
ُ ّ
للشارع؛ وهو ما يكون وسيلة أو تبع ًا ،والعالق ُة بينهام كالعالقة بني املندوب
واملحرم.
َّ والواجب واملكروه
34
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
فمجالس ال ُقربات إن مل تكن واجبة فهي مندوبة -كام ذكرنا سابق ًا ( -بالعموم)
َ
صبحت تربو َّية تعليم َّية -أي رضورية -كام
ْ وقد َيرتقي حكمها للوجوب؛ إذا َأ
سلفت وباهلل التوفيق.
ُ َأ
35
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
36
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الرشائع
ُ العقول :مفسد ُت ُه َأ ُ
رجح أم َمصلح ُت ُه؟ ف َيتوقف العقل يف ذلك ،فتأيت
وتأمر براجح املص ْلحة ،وتَنهى عن راجح املفسدة .وكذلك الفعل
ُ ببيان ذلك،
يكون مصلحة لشخص مفسدة لغريه ،والعقل ال يدرك ذلك فتأيت الرشائع ببيانه
فتأمر به من هو َمصلح ٌة له ،وتَنهى عنه من حيث هو َمفسد ٌة يف حقه .وكذلك
الفعل يكون مفسد ًة يف الظاهر ويف ِضمنِ ِه َمصلحة عظيمة ال يهَ تدي إليها العقل؛
عجز العقل عن إدراكه ِمن ُحسن األفعال فال ُي ْع َلم إِالَّ بالرشع ،هذا مع َأ َّن ما َي َ
الرسل
فاحلاجة إىل ُّ
َ و ُقبحها ليس بدون -أي ليس بأقل -ما ت ِ
ُدركه من ذلك.
حاجة ،فليس العالمَ إىل يشء َأ َ
حوج منهم إىل املرسلني ضرَ ور َّية ،بل هي فوق كل َ
صلوات اهلل عليهم أمجعني) .اهـ« .مفتاح دار السعادة» .117/2
تعرض اإلمام الشاطبي ِمرار ًا لِبيان هذا ال ُقصور يف إدراك العقل وقد َّ
للمصالح وا َملفاسد ،وكثري ًا ما َيستشهدُ عليه بأهل الفرتات؛ ا َّلذين وقعوا يف كثري
َ
من التَّخ ُّبط وسوء التَّقدير والتَّدبري ،ولكن مع االعرتاض أدركوا بعقوهلم أشياء
قد وافقت ،وجاء الرشع بإقرارها وتصحيحها ،فألجل هذا ك ّله وقع اإلعذار
واإلنذار وبعث اهلل النَّب ِّيني.اهـ .انظر «االعتصام» .321/2
حق معرفتها إِالَّ
(إن املصالح ا َّلتي تقوم هبا أحوال العبد ال َيعرفها َّ
النَّتيجةَّ :
خالقها وواضعها ،وليس للعبد هبا ِع ْلم إِالَّ ِمن بعض الوجوه) .اهـ« .املوافقات»
. 349/1
السليامين فتح اهلل عليهَّ :
إن حقيقة النتيجة ووضوحها نجده يف قال أبو عمر ُّ
كالم اإلمام سيدنا العز بن عبد السالم؛ حيث قال:
ف بالرضورات والتجارب والعادات ُعر ُ
صالح واملفاسدَ الدنيو َّية ت َ
َ (إن ا َمل
وإن َمن أراد َأ ْن َيعرف ا ُملناسبات يف ا َملصالح وا َملفاسد،
والظنون املعترباتَّ ،
رجوحها؛ فل َيعرض ذلك عىل عقله بتقدير أن الشرَّ ع مل َي ِرد به، ِ
راجحها من َم َُ
37
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل السابع عرش
أن تَرجيح ُحب الرسول صلىَّ اهلل عليه وس َّلم عىل ُح ِّ
ب النَّفس نَع َلم مجيع ًا َّ
رشط يف كامل اإليامن دون أصله ،وأنه صلىَّ اهلل عليه وس َّلم لجَ دير أن يكون َأ َحب
للحب سببني كام قال العز بن عبد السالم: ألن ُِمن األن ُفس؛ َّ
38
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
39
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل ال َّثامن عرش
جليل؛ إِ َّن قض َّية املولد ليست ُم ِّ
تأخرة ،بل ٍ ونَذكر يف هذا الدليل تأييدَ وتأكيدَ
قد َأ َّلف فيه حممد بن عمر الواقدي صاحب ا َملغازي ،وكتاب الفتوح املتوفىَّ سنة
ست وقيل :تسع ومئتني ،وله يف ذلك كتابان :كتاب «املولد النبوي» وكتاب
السهييل يف «الروض» منها ،وكذلك َأ َّلف يف املولد من
«النُّور النبوي» كام َينْ ُقل ُّ
األقدمني احلافظ أبو عبد اهلل حممد بن عائذ صاحب السرية املشهورة واملتوفىَّ سنة
ثالثة وثالثني ومئتني ،واحلافظ أبو بكر بن أيب عاصم صاحب التصانيف الكثرية
أن َأ َّول َمن َأ َّلف يف املولد النبوي
املتوفىَّ سنة سبع وثامنني و مئتني ،وذكر بعضهم َّ
هو احلافظ أبو اخل َّطاب ابن دحية ال َك ْلبي املتوفىَّ سنة ثالثة وثالثني وستماِ ئَة وهو
الـم َسمى «بالتنوير من مولد الرساج املنري» ،و َقدَّ مه للملك املظفر ملك
املولد ُ
إربل الذي كان حيتفل بليلة مولده صىل اهلل عليه وسلم ويومها احتفاالً ما ُس ِم َع
بمثله ،فجازاه عليه بجائزة عظيمة .
و َيكفينا حافظ األمة ابن حجر ا َّلذي َأ ْفتَى بجوازه ،واستدل عىل جواز ختصيص
واالستِمرار عىل هذا التخصيص يف نظري هذا اليوم
ْ خاصة،
مثل هذا اليوم بعبادة َّ
من كل سنة هبا؛ َص َّح َّ
أن النَّبي صىل اهلل عليه وسلم قدم املدينة فوجد اليهود
صيام ًا يوم عاشوراء فقال« :ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا :هذا يو ٌم
عظيم أنجى اهلل فيه موسى وقومه ،وأغرق فرعون و قومه ،فصامه موسى شكر ًاٌ
أحق و َأ ْوىل بموسى
فنحن نصومه ،فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم :فنحن ُّ
منكم؛ فصامه رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،وأمر بصيامه» أو كام قال عليه
ُ
الرسول صىل اهلل عليه وسلم الصالة والسالم ،واحلديث متفق عليه .فقد َأ َق َّر
االحتفال بنجاة موسى عليه الصالة والسالم بالصوم؛ رأى َأ َّن قيامه بذلك
تعبري ًا عن رسوره ،وشكر ًا هلل عىل ما م َّن به عليه ،فإن احتفالنا هبذه النجاة أوىل
40
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
من قيام اليهود بذلك ،وإذا ما نظرنا إِىل ما َم َّن اهلل به عىل العالمَ بمولده؛ وجدنا
ِ أن هذا املِيالد أعظم النِّعم ا ُمل ِ
للشكر وا ُملستوجبة للسرُّ ور وا ُ
حلبور .انظر ستح َّقة ُّ ُ َّ
«احلاوي» . 215/1
41
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
تضمن لترشيف هذا الشهر ا َّلذي فترشيف هذا اليوم ُم ِّ ُ ولدت فيه»،
ُ «ذاك يو ٌم
كرم و ُيع َّظم ويحُ رَتم ُولِدَ فيه ،فعلىَ هذا ينبغي إذا َدخل هذا الشهر الكريم ْ
أن ُي َّ
ِ
ُص األوقات االحرتام ا ْلالئ َق به؛ اتِّباع ًا له صلىَّ اهلل عليه وس َّلم؛ يف كونه كان يخَ ُّ
الفاضلة بِزيادة عىل قدر استطاعتنا ،فلامذا ال َيكون الشهر ا َّلذي ُولِدَ فيه ِمن
الشهور ،واليوم ا َّلذي تَشرَ َّ ف بوالدته ِمن َأفضل األَ َّيام .اهـ «املدخل» َأ ْف َضل ُّ
.29-27/2
دل عىل اجلواز باالحتفال، قلت :إىل هذا أشار ابن احلاج؛ وإِ ْن َد َّل هذا فإِنَّام َي ُّ ُ
و َيتبينَّ مما سبق جواز االحتفال بيوم ا َملولد يف صورة شخصية أو ُأرس َّية ،بل إىل
كل ما خالف ذلك فهو بِدَ ٌع ُمنْكَرة ال أصل هلا استحباب هذا االحتفالَ ،أ َّما ُّ
َف عن هذه البِدَ ع ا َّلتي تحَ صل أثناء يف الدِّ ين .فالواجب عىل املسلمني ا ْلك ُّ
االجتامع ،واإلقالع عن هذه العادات ،وتجَ ْ ِريد ذلك ا َملولد الشرَّ يف ِم ْن كل ما
ُينايف َجالله واحرتامه وتوقريه.
ِ
إفس�ادها إال ِه�ي وس� َعى إىل ٍ
أمح�د ي�ا ُعصب� ًة م�ا ضرَ ُأم ِ
�ة َّ َّ ْ َ
()1 ِ
بماله�ي �ط ِعب�ادةرأي�ت َق ُّ
َ َأ ِ
ش�اد ٍن زم�ار ونغم�ة ِ
ط�ار وم ٌ ٌ
َأ َّما يف املوالد ا َّلتي شاهدناها ،واملوالد ا َّلتي حرضناها يف كثري من األ ْقطار
اإلسالميةِ ،
الس َّيام يف احلرمني الرشيفني؛ مل ن ََر فيها بِدَ ع ًا مذمومة ،أو ما ينايف َّ
آداب رشيعتنا ال َغ َّراء؛ بل مجَ السنا وهلل احلمد ك ّلها ُسن َّية رشع َّية؛ َيظهر فيها التَّعظيم
الرحيم صىل اهلل عليه وسلم ومنهجه ال َقويم، الرؤوف َّ والتَّكريم للرسول الكريم َّ
الرسالة بِان ِْس َجام.. ِ ٍ
وفرح بنعمة ِّ ب ِ
ووئَا ٍم ُ
أذواق احلارضين يف ُح ٍّ و َتبرْ ُ ز فيها
رشعية لفضيلة الشيخ حسنني حممد خملوف ط الرابعة 1979دار وهدان للطباعة
َّ فتاوى
والنرش -ج . 1
42
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل العرشون
الر َّبانيِ النَّبي ِ
ومن احلوافز ا َّلتي جتعلنا نجتمع ونتدارس
أخبار هذا اجلوهر َّ
َ
وأتم التَّسليم؛ َأ َّن اهلل أكرمه بمزايا وخصائص ُّ الصالة
الكريم عليه أفضل َّ
ٍ
ألحد اقت ََض ْت َأفضل َّيته عىل األنبياء وا ُملرسلني و املالئكة ا ُمل َق َّربني؛ ألنهَّ ا مل تجَ تمع
ونوعَ :يتع َّلق ُبأ َّمته أو ببعض نوعَ :يتع َّلق بشخصه، ِ
ٌ سواه ،وهي نَوعان؛ ٌ
ِ
والسالم.
َّ َأ فرادها؛ ألَ ْجله عليه َأ فضل َّ
الصالة
دفاع اهلل عنه؛ بمخت َلف األساليبْ ،
حس َبام ن َّبهنا عليه يف األول ُ : فمن النَّوع َّ
اآليات ال َعظِيامت والدَّ الالت الواضحات؛ كتَبشري األنبياء به ،وأخذ امليثاق
السؤالِ ،قتَال املالئكة معه،
عليهم َأ ْن يؤمنوا به و َينرصوه ،إعطاءه ُأمن َّيته َق ْبل ُّ
بالرعب ُي ْل َقى يف قلوب أعداءه ،إجياب طاعته وجعلها مثل طاعة اهلل، نرصه ُّ
وحفظ اهلل له الكتاب ِمن التَّبديل والتَّحريف ،إقسا ُم اهلل ُ إعطائه القرآن العظيم،
ِ
باسمه أو كُن َيته، بِحياته ،كفايتَه ا ُملستهزئني به ،إسنا ُد بيان القرآن إليه ،تحَ ِريم ندائه
رس دينِه ،ختمه للن َُّّبوة ،صال ُة اهلل ومالئكته عليه ،ثنا ُء اهلل
إرسا َله رمحة للعاملنيُ ،ي ُ
بعظمة ُخ ُلقه ،إعطائه الكوثر ..إىل غري ذلك. ِ عليه
ِ
ومن النَّوع ال َّثاين :شهاد ُة ُأ َّمتُه عىل النَّاس يوم القيامةُ ،
رفع اخلَطأ والنِّسيان و
حل َرج عن ُأ َّمته ،ال َّثناء عىل صحابته يف التَّوراة و اإلنجيل ،تفضيلهم عىل األُ َمم،
ا َ
السيدة عائشة ريض اهلل تعاىل عنها -يف بِ ْض ِع عرشة آية ..إىل غري َتبرْ ِ َأ ُة زوجه َّ -
غريها ِمن الفضائل. ذلك ،فهذه يجَ ب َأ ْن َيقف عليها ك ُُّل ُمسلم وعىل ِ
إثبات ذات التَّابع بأفضل َّية ا َملت ُبوع،
ُ وثمرة هذه ا َملجالس يف معرفة ما ذكرنا :هو
َ
األولني واآلخرين ،ويجَ ب إعالمهم يف هذهو َف ْخ ُر ا ُملجتمعني عىل سرية س ِّيد َّ
ا َملجالس بأنهَّ م َأفضل األُ َمم؛ حتَّى يعودوا لِصوابهِ م و َيرجعوا لكتاهبم وسنة
43
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل احلادي والعرشون
ِ
املصالح (جلب
ُ ص هذا الدَّ ليل ألَ ْص ٍل اتَّفق أئمة املسلمني عليه وهو: ن َ
ُخ ِّص ُ
و َد ْر ُء املفاسد مطلقا).
العمل عىل َج ْلبها
ُ حيث ما تحَ َّق َقت ا َملصلحة فهي َمصلحة؛ ف َيجب
ُ أي:
وحيث ما تحَ َّق َقت ا َملفسدة فهي َمفسدة؛ فيجب العمل عىل َد ْفعها
ُ ورعايتها،
َص خاص.
وسدِّ أبواهبا ،وإن مل يكن يف ذلك ن ٌّ
َ
الصالح واإلصالح ،والنفع حل ِّث عىل َّفح ْس ُبنا النُّصوص العا َّمة الواردة يف ا َ
َ
واخلري .وحسبنا النُّصوص العامة يف َذم الفساد واإلفساد وا ُمل ِ
فسدين ،ويف النَّهي ِّ َّ َ ْ ُ
عن الشرَّ والضرَّ ر .وحسبنا اإلمجاع ا ُمل ِ
نعقد عىل َأ َّن ا َملقصد األعم يف الرشيعة هو َ ْ ُ ِّ
رس َلة ا َّلذي تَضاربت فيه
جلب ا َملصالح و َدرء ا َملفاسد ،وهذا هو باب ا َملصالح ا ُمل َ
ُ
األقوال األصول َّية ،ولكن التَّطبيق الفقهي ُأخذ به يف مجيع املذاهب ا ُمل َّت َبعة ،كام
أن األصول ِّيني ا ُملعاصرِ ين أمجعوا عىل ْتأ ِّييد ُح ِّجية ا َملصالح ا ُملرس َلة ،وعىل ْتأكيد َّ
ِ
للفقه اإلسالمي. َأ ِّ
مه ّيتها
وإذا َفسرَّ نا ا َملصلحة با ُملحافظة عىل مقصود الشرَّ ع؛ فال وجه للخالف يف
ات ِ
ِّباعها ،بل يجَ ب الق ْطع بكوهنا ُح َّجة هذا كالم عمالق األصول ِّيني اإلمام
أيب حامد الغزايل رمحه اهلل تعاىل كام ذكره يف «املستصفى» ،311/2وقال يف
حلكم
للحكم ،ونَجعل ا ُ «املنخول» ص ( :355نحن نَجعل ا َملصلحة تارة َع َل ًام ُ
أخرى َع َلام هلا) .والذي يهَ ُّمني اآلن هو الشطر األَ َّول ِمن قولهَّ :
إن ا َملصلحة
44
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل ال َّثاين والعرشون
ِ
من ا ُملهماَّ ت ا َّلتي يجَ ب ذكْرها يف هذه األد َّلة؛ قاعدة إمام األَ َّ
ئمة و ُأصويل األ َّمة
الشاطبي رمحه اهلل تعاىل يف «ا ُملوافقات» :196/4النَّظر يف مآالت األَفعال
ُمعتبرَ مقصود رشع ًا ،سواء كانت األفعال موافقة أو مخُ الِ َفة؛ وذلك أن ا ُملجتهد ال
ادرة عن ا ُملك َّلفني باإلقدام أو باإلحجام ،إال بعد حَيكم عىل فِع ٍل ِمن األفعال الص ِ
َّ ْ
الفعل .اهـ. نظره إىل ما يؤول إليه ذلك ِ
َ
ويف السنة النبوية تطبيقات ِ
هاد َية يف هذا الباب؛ فقد امتنع النَّبي صلىَّ اهلل عليه َّ ُّ
45
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
وس َّلم عن قتل ا ُملنافقني ،مع ِع ْلمه هبم ،ومع ِع ْلمه باستحقاقهم القتل ،وقال« :ال
أن حممد ًا َي ْقت ُُل أصحا َبه» .متفق عليه ،ويف روايةَ « :معا َذ اهلل َأ ْن
َّاس َّ
َيتحدَّ ث الن ُ
تَتسا َمع األُ َمم َأ َّن حممد ًا َي ْقتُل أصحابه» رواه أمحد يف مسنده ،ويف روايةَ « :أك َْره َأ ْن
َّاس َأ َّن حممد ًا َي ُ
قتل أصحابه» رواه الطرباين يف «األوسط». َيتحدَّ ث الن ُ
وتخَلىَّ عليه الصالة والسالم عن إعادة البيت احلرام؛ حتَّى ال ُيثري بلبل ًة بني
ال َع َرب وكثري منهم حديثو َع ْه ٍد باإلسالم ،وقال مخُ اطِب ًا السيدة عائشة ريض اهلل
ني بنوا ال َك ْعبة اقترصوا عن قواعد إبراهيم؟ أن َق ْو َمك ِح َ
تعاىل عنهاَ « :ألمَ ْ ت ََري َّ
فقلت :يا رسول اهلل َأ َفال تَر ُّدها عىل قواعد إبراهيم؟ فقال رسول اهلل صلىَّ ُ قالت:
ْ
قومك بال ُك ْفر َلفع ْل ُت» .رواه مالك يف « ُم َو َّط ِئه».
ِ اهلل عليه وس َّلم :لوال ِحدْ ُ
ثان
َّتائج ،فال َيكفي َأ ْن َيكون ا ُملجتهد ماهر ًا قلت :فيجب مراعاة املآالت والن ِ
ُ َ
الر َّباين
الرتبة يف االجتهادَّ : سمى صاحب هذه ُّ بنصوص التَّرشيع وتفصيالته؛ و ُي َّ
سلم ِمن َ َْ ُ
واحلكيم والراسخ يف ِ
الع ْلم؛ ر ِز َق نور ًا يع ِرف به املآالت ،وينْ ُقل َع ْق َل ا ُمل ِ
َّ
االنشغال يف اجلزئيات إىل الكُل َّيات .وهذه ا َملجالس ِهي ِر ْح َلة ِم َن األَكوان إىل
بمح َّبتِه ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ تصهم َ احلق لخِ دمته ،و َق ْو ٌم ْ
اخ َّ ا ُمل ِّ
كون ،فقو ٌم أقامهم ُّ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [اإلرساء.]٢٠ :
والسكنات واإلرادات واخلطرات؛ من اللهم نسألك العصمة يف احلركات َّ
الساتِرة للقلوب عن ُمطا َلعة الغيوب..
الشكوك وال ُّظنون ،واألَوهام َّ
ُّ
أوضح :ننظر كون ال َع َمل مأجور ًا عند اهلل أوبخالف ذلك؟ هذا ما
وبمعنى َ
سنعرفه يف الدَّ ليل اآليت..
46
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل ال َّثالث والعرشون
الصحة وال ُبطالن عندَّ عندما تَك َّلم صفوة األصولِ ِّيني اإلمام الشاطبي عن
األخ َروي؛ قال رمحة اهلل عليه( :وهو وإِ ْن كان إطالق ًا
تطرق إىل معناه ْ
الفقهاءَّ ،
تعرض له
تعرض له علام ُء الفقه ،فقد َّ غريب ًا – أي عالقتهام باملآل ْ
األخ َروي -ال َي َّ
علامء التَّخ ُّلق كالغزايل وغريه ،وهو مما يحُ افظ عليه َّ
السلف املتقدِّ مون ،وتأ َّمل ما
حكا ُه الغزايل يف كتاب النِّ َّية واإلخالص من ذلك) .اهـ« .املوافقات»292/1
إِ َّن إعجاب الشاطبي بالغزايل وت َْأييده له دائام ليس من فراغ ،بل ِمن ُع ْمق
رض ٌب ِمن التعليل ا َملص َلحيُّ ،
فكل اإليامن؛ َّ
بأن التع ُّبد يف األحكام هو نفسه ْ
ُحكم ُيع ِّل ُم النَّاس ،و ُي ِّ
دربهُ م عىل االنقياد للرشع ،وعىل اخلضوع هلل برغبة وحمبة
ونوع
ُ فهو (عبادة) ،و َيتجلىَّ الغزايل بروحه فيقول( :إِ َّن ِّ
لكل ُحكم رس ًا
ٍ
وكامل) .اهـ. ٍ
وصالح ُل ٍ
طف
َّ أن ذكر أنفاس هذا ِ
(وإن العمالق أستاذ األستاذين: تلذذ ًا بعد ْ َ
قال الشاطبي ُم ِّ
أن َيكون كل مك َّلف حتت قانون معينَّ من تكاليف الرشع،
ا َملصلحة الكل َّية :هو ْ
يف مجيع حركاته وأقواله واعتقاداته) .اهـ« .املوافقات» . 386/2
التوجه إليه
ُّ األول :اخلضوع هلل سبحانه وتعاىل؛ بإخالص
فالرشيعة مقصودها َّ
َجدُ ُه يف بالذكر له ،وهذا ن ِ
الذ َّلة بني يديه ،وتذكري النَّفس ِّ
واالنتصاب عىل َقدم ِّ
بالرياض ا ُملمتِعة« :إذا
مجَ الس وصفها موالنا وسيدنا صلىَّ اهلل عليه وآله وس َّلم ِّ
ررتُم برياض اجلَنَّة فارتعوا».
َم ْ
47
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
اجلواب عند احلكيم الرتمذي ؛ فهو ِمن أكثر العلامء ِعناية بتعليل األحكام
الرشعية وبالبحث عن أرسارها ،ولع ّله أقدم َمن َوضع كتاب ًا خاص ًا يف املقاصد
الذوقي ،حتَّى َأ ْوقفنا
التقي َّ الرشعية َأظهر فيه َمنهل ا َملزج ُّ
الروحي ،و ُمناجاة رَّ
عىل ن ُْزهة ا ُملشتاق ملصارع ال ُع َّشاق ،فأنشدَ يف كتابه (الصالة ومقاصدها) حلن
الوفاء ،تواجدَ عليه كبار األولياء بمنشور العناية اللهم َز ِّك نفيس أنت خري َمن
(كل صالة هي توبة ،وما بني الصالتني زكَّاها ،أنت ول ُّيها وموالها فرتنَّم قائالًُّ :
غفلة وجفوة ،وزالَّت وخطايا ،فبالغفلة َيبعد ِمن ر ِّبه ،فإذا َب ُعد َأشرِ و َبطِر؛
ألنه َيفتقد اخلشية واخلوف ،وباجلفوة يصري أجنب ّيا ،وبالز َّلة َيسقط وتنـزلِق
فيأرسه العدو ،فأفعال الصالة مخُ ِتلفة قدمه فتنكَرس ،وباخلطايا يخَ رج من ا َمل ْأمن ْ
عىل اختالف األحوال من العبد؛ فبالوقوف يخَ رج من اإلباق؛ ألنه َّملا انترشت
جوارحه نَقصت تلك العبود َّية و َأبِق ِمن ر ِّبه ،فإذا وقف بني يديه فقد مجعها من
فخرج ِمن اإلباق ،وبالتَّوجه إىل القبلة يخَ رج ِمن ال َتوليِّ
االنتشار ووقف للعبودية َ
الكبرْ ،وبالثناء يخَ رج ِمن الغفلة ،وبالتالوة يجُ دد
واإلعراض ،وبالتكبري يخَ رج ِمن ِ
وبالركوع يخَ رج ِمن اجلفاء ،وبالسجود يخَ رج من ُّ تسلي ًام للنفس وقبوالً للعهد،
الذنْب ،وباالنتصاب للتشهد يخَ رج ِمن اخلُرسان ،وبالسالم يخَ رج ِمن اخلطر َّ
العظيم) .اهـ.
الذوقي ِمن ا َملرشب الروحي ،وا َملجالس ال تَقل عن هذا
صدر للرت ِّقي َّ
فهذا َم ٌ
الروافد قد ك ُثرت ،والنَّشوة قد حصلتَّ ،
والرمحة الروحي ،ال س َّيام و َأ َّن َّ
ا َملدد ُّ
تنـزلت ،والسكينة َغ ِش َيت ،والكل َيرت َّقب نظرة اجتباء ورشبة صفاء لالصطفاء،َّ
وهيا ٌم َف َط َر قلوب ا ُملح ِّبني َلرب العاملني،
ورغبة جاحمة للوفاء باتِّباع سيد األنبياءُ ،
فرح الراجني ،حتى َم َّن عليهم موالهم بمقام أهل اليقني
وبكاء اخلائفني قابله ُ
واحلمد هلل رب العاملني.
48
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل اخلامس والعرشون
إن االشتغال با ُملباحات ُيلهي عماَّ هو أهم؛ ِمن فعل الطاعات والنوافل ،وقد
ُيلهي حتى عن الواجبات ،وقد ُيوقع يف بعض املمنوعات .ومن هنا جاء ذم الدُّ نيا
تورعهم عن كثري من املباحات
ومتاعها وفتنتها ،وقد نُقل عن السلف الصالح ُّ
وزهدهم فيها ،حتى َأصبح ُّ
الزهد يف الدنيا شعار الصاحلني ومنهج املتقني.
ِ
أن االشتغال باملباحات والتمتع هبا عمل مباح يف أصله ،فإذا َأ ْل َ
ـهى واحلقيقة َّ
صاحبه عن واجب أو أوقعه يف محُ َّرم تغيرَّ حكمه َت َبع ًا هلذا الطارئ ،ويف هذا
الزهاد والصاحلني فغري ُمس َّلم؛ َّ
ألن املباح أن ترك املباحات هو طريق ُّ داللة عىل َّ
يصري غري مباح باملقاصد واألمور اخلارجة .ونَخترص األقسام األربعة ا َّلتي قد
َيؤول إل ْيها ا ُملباح:
.1مباح باجلزء مندوب بالكل :كالتمتّع بالطيبات ِم َن ا َملآكل وا َملشارب
واملالبس ،فيام زاد عن حدِّ الرضورة.
.2مباح باجلزء واجب بالكل :كاألكل والرشب ،ووطء الزوجات ،والبيع
الناس
ُ احل َرف واملِ َهن ،قال اإلمام الغزايل( :لو َفرضنا تَرك
والرشاء ..،وسائر ِ
كلهم األكل والرشب؛ لكان ترك ًا َلمِا هو ِمن الرضوريات املأمور هبا ،فكان
الدُّ خول فيها واجب ًا بالكل) .اهـ.
كالتنـزه يف البساتني ،وسامع الغناء ،وسائر
ُّ -3مباح باجلزء مكروه بالكل:
أنواع ا َّللعب املباحة.
حمرم بالكل :كاملباحات ا َّلتي تَقدح يف العدالة -أي املداومة
-4مباح باجلزء َّ
عىل فعلها . -
الكف عنه.
ّ الكف َعماَّ يستطيع
ِّ فال ُبد لإلنسان ِمن ذلك ا ُملباح بأنواعه ،لكن مع
ضرِ
األو ُل والثاين. حرم؛ فإقامتها َي ْأ ُم ُر به الن ُ
َّوع َّ وهذه ا َملجالس تمَ نع عن املباح ا ُمل ا ُمل َّ
49
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
50
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
51
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل الثامن والعرشون
هذا الدَّ ليل فيه فائدة كبرية جيب الوقوف عليها وفهمها؛ وهي اجلمع بني
الكُل َّيات العا َّمة واألدلة اخلاصة.
العامة :هي الكُل َّيات النَّص َّية ،والكليات االستقرائية.
والكُل َّيات َّ
والكُل َّيات النَّص َّية :هي ا َّلتي جاءت يف نصوص القرآنُّ ،
والسنة الصحيحة
جمملة؛ أ َّما نصوص القرآن مثل :ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﮊ
[النساء ِ ]٥٨ :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ [املائدة ]١ :ﮋ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ضرِ
َبالسنة مثل« :ال ضرَ َ َر وال َ ار» ،و «إِ َّن اهلل َكت َ
ﯼﮊ [ األنعام ..]١٦٤ :ونصوص ُّ
حر ْم ُت ال ُّظ ْل َم اإلحسان علىَ ك ُِّل شيَ ٍء» ،و «إنَّام األَ ُ
عامل بالن َّيات» ،و»يا عبادي إين َّ َ
عىل نفيس وجعل ُت ُه بينكم محُ َّرم ًا فال َت َظاملوا.»...
عدد ِمن ِ
استقراء ٍ ِ
طريق َّأما الكُل َّيات االستقرائية :فهي ا َّلتي ُي َّ
توصل إليها عن
ِ
والتحسينات ات واحلاجي ِ
ات كحفظ الرضوري ِ
ِ النصوص واألحكام اجلزئية؛
َّ َّ
(الرضورات
ُ وسائر املقاصد العامة للرشيعة والقواعد الفقهية اجلامعة مثل:
ِ
ُبيح ا َملحظورات) ،و(ا َملش َّق ُة تجَ ل ُ
ب التيسري). ت ُ
وأما األدلة اخلاصة :هي األدلة اخلاصة بمسائل مع َّينة..
كآية (كذا) الدَّ الة عىل (كذا) ،أو احلديث (الفالين) الدَّ ال عىل ُحكم املسألة
(الفالنية) ،أو األَقيسة اجلزئية.
فال ُبدَّ للمجتهد وهو ينظر يف هذه اجلزئيات؛ ِمن استحضار كل َّيات الرشيعة،
ومقاصدها العامة ،وقواعدها اجلامعة ..يف ٍ
آن واحد.
52
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
والتحسينية.
َّ واحلاجية ،
َّ الرضور َّية ،
53
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
وللدكتور َو ْهبة الزُ َح ْيليِ كتاب مفيد يف هذا باسم «الفقه اإلسالمي وأد َّلته».
54
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
الدَّ ُ
ليل التَّاسع والعرشون
إِ َّن ترتُّب أحكام الدنيا واآلخرة ومصاحلهام ومفاسدمها :عىل األسباب
واألعامل .و َمن تَف َّقه هذه املسألة وتأ َّملها انتفع هبا غاية النَّفع ،ومل َيتَّكل عىل
وعجزه توكال؛
ْ وعجز ًا وتفريطا ،فيكون تَوكُّله عجز ًا ْ ال منهالقضاء والقدر جه ً
ِ بل ال َف ِقيه ُّ
عارض كل ال َفقيه ا َّلذي َير ُّد القدَ َر بالقدر ،و َي ُ
دفع القدَ َر بالقدر ،و ُي ُ
فإن اجلوع والعطشالقدَ َر بالقدر ،بل ال يمكن لإلنسان أن يعيش إال بذلك ! َّ ..
والربد وأنواع ا َملخاوف وا َملحاذير هي ِ
(من ال َقدَ ر) ،واخلَ ْلق ك ُّلهم ساعون يف
دفع هذا القدر (بال َقدَ ر) ،وهكذا َمن و َّفقه اهلل و َألهْ مه ُرشده َيدفع قدر العقوبة
األُخرو َّية ،بِ َقدر التَّوبة واإليامن واألعامل الصاحلة ..فمخاوف الدَّ ارين َقدَ ر وت َُرد
ألن َر ّب الدَّ ارين واحد ،وحكمته واحدة ،ال ُيناقض بعضها بعضا ،وال ب َقدَ ر؛ َّ
ُيبطل بعضها بعضا .فهذه املسألة ِمن أرشف املسائل َلمِن َعرف قدرها( ،والدُّ عاء)
ِمن َأنفع األَدوية وهو عدو (البالء)؛ َيرفعه ،و َيمنع نُزوله ،و ُيدافعه ،و ُيعاجله،
أو يخُ ِّففه إذا نَزل وهو سالح املؤمن كام روى احلاكم يف صحيحه من حديث َعليِ
َ
ِ
املؤمن سالح
ُ ريض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلىَّ اهلل عليه وس َّلم« :الدُّ عا ُء
ونور السموات واألرض» وله مع البالء ثالث مقامات: وعام ُد الدِّ ين ُ
أن يكون أقوى ِمن البالء ف َيدفعه.
األولْ :
صاب به العبد ،ولكن َ ِ الثاينْ :
أضعف من البالء ف َيقوى عليه البالء ف ُي ُ أن يكون
قد يخُ ِّففه ْ
وإن كان ضعيفا.
الثالثْ :
أن َيتقاوما ،و َيمنع كل واحد منهام صاحبه.
روى احلاكم يف صحيحه من حديث عائشة ريض اهلل عنها قالت :قال رسول
اهلل صلىَّ اهلل عليه وس َّلم« :ال ُيغني َح َذ ٌر ِمن َقدَ ر ،والدعا ُء َينفع مما نَزل ومما مل
ليتنـز ُل فيلقاه الدعاء فيتعاجلان إىل يوم القيامة».َّ َينـزل ،وإن البالء
55
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
وفيه أيض ًا ِمن حديث ابن عمر عن النبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم قال« :الدعا ُء
نفع مما ن ََز َل ومما مل ينـزل ،فعليكم عبا َد اهلل بالدعاء». َي ُ
وفيه أيضا ِمن حديث ثوبان ريض اهلل عنه عن النبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم قال« :ال ير ُّد
بالذن ِ
ْب يصي ُب ُه». الر ْز َق َّ الرجل َل ُي َ
حر ُم ِّ َ القدر إال الدعاء وال يزيد يف ال ُع ُم ِر إال البرِ ُّ َّ ،
وإن َ
فإذا كان الدعاء ِمن أقوى األسباب يف َدفع ا َملكروه وحصول املطلوب ،ففي هذه
ا َملجالس ا َّلتي هي رياض اجلنة؛ فيها الدعاء ،و َمظِنّة اإلجابة ،وفيها التوسل إىل اهلل
بأسامئه وصفاته وتوحيده ،وفيها تمَ َ ُّلق الدعاء رغبة ْ
ورهبة ،وفيها التوبة واالستغفار،
متضمنة
ِّ النبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم أنهّ ا َمظنَّة اإلجابة أو أنهّ ا
وفيها أدعية أخرب هبا ُّ
َعجزوا يف الدعاء فإنَّه اسم اهلل األعظم ،ويف صحيح احلاكم عن أنس مرفوع ًا« :ال ت َ
ال يهَ َلك َمع الدُّ عاء َأحد» .أي :ال تَضعفوا يف الدعاء وال تهُ ِّونوا ِمن شأنه.
وملسك اخلتام نُريد َأ ْن نتك َّلم عىل الفطرة ا َّلتي َفطر اهللُ النَّاس عليها؛ وكذلك لو
وح َّق النَّفس ُي ِ َفسك علي َك ح َّقا» َّ ِ
نظرنا إىل حديث «إِ َّن لِن ِ
لزمان عىل فإن الف ْطر َة َ ْ َ
ا ُملسلم َأ ْن ُيعطِي الفطر َة حاجتها والنَّفس ح َّقها ،فاحلاج ّيات واحلقوق النَّفس َّية
ِ
الراحة ا َّلتي تتوفر فيها حاجة الفطرة تجَ د َّ
الراحة التَّا َّمة يف مواطنها ،ومن مواطن َّ
للتوجه وصفات ا َملحبوب، هي :مواطن يذكر فيها َأحبتَها ،وتُنرش فيها صور ِ
ُّ َّ ُ
فالذكر يا أخي إِ ْن كان تطمئن القلوب به ،وتَستقر األرواح ألَ ْس َمى مطلوبِّ ..
عند التواجد به ،وتَسمو وتَطرب؛ ألنَّه ذكر موطِن احلنني ا َّلذي حتتاجه ،وقدس َّية
الرغبة يف ذكر ا َملحبوب عند األحبة ،حتَّى صار أسمى ُقربة..
توحدت املصلحة للفطرة ،وحق النَّفس،
فداللة النصوص واقتضاء الرغبات َّ
يف األَوكار ومواطن األَرسار ،وهي مجَ الس ا ُملصطفى ا ُملختار ،وهي مصانع
األبرار يف جممع األخيارَ ،يذكرون متو ِّلعني ،و َيطربون متولهِّ ني ،وجيتمعون
ُمتحا ِّبني ،ف ُيباهي املوىل مالئكته الكرام باجتامعاهتم وبمجالسهم أهل الساموات
56
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
السامع
فائدة يف َّ
حكم السامع :ذكر ابن عجيبة يف «البحر املديد» يف الكالم عن (لهَ ِو الحْ ِد ِ
يث) ْ َ
فقال:
سيدي اإلمام العارف باهلل السيد حممد أمني ُك ْتبي احلسني رمحة اهلل تعاىل عليه وعىل مجيع
مشاخينا.
من قصيدة أيب بكر محيد القرطبي.
57
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
هو كل ما يشغل عن اهلل ،ويصد عن حرضة اهلل ،كائنا ما كان ،سواء كان غنا ًء أو
غريه .وإذا كان الغناء هييج لذكر اهلل ،وحيرك الروح إىل حرضة اهلل كان حقا ،وإذا
كان حيرك إىل اهلوى النفساين كان باطال - .وذكر أن الغزايل قال يف اإلحياء :-يف
املحرم للسامع قوله تعاىل :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
مجلة األد َّلة التى احتج هبا ِّ
ﭵ ﮊ [لقامن ]٦ :وقد قال ابن مسعود والنخعي واحلسن :إنه الغناء.
وأجاب ما حاصله :إنه إنام حيرم إذا كان الغناء استبداالً بالدين ،وليس كل
غناء بدالً عن الدين ،مشرتى به ،مض ً
ال عن سبيل اهلل.
كام حكي عن بعض املنافقني ،أنه كان يؤم الناس وال يقرأ إال بسورة عبس ،ملا
عمر بقتله .فاإلضالل
هم ُفيها من العتاب مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم َ ،ف َّ
ِّ
بالشعر والغناء أوىل بالتحريم (وأما إن مل يكن يشء من ذلك فال حيرم) .اهـ.
للسيوطي طقطوقة رقيقة ممشوقة يف «قمع املعارض بنُرصة ابن الفارض» حيث قال :إِ ْن
الذهبي ،فقد َدنْدَ َن عىل اإلمام فخر الدين بن اخلطيب ذي اخلطوب ،وعىل دندنة َّ
ُ غرك َّ
أكبرَ من اإلمام وهو أبو طالب املكي صاحب «قوت القلوب» ،وعىل أكرب من أيب طالب
وكتُبه مشحونة وهو الشيخ أبو احلسن األشعري الذي ذكره جيول يف اآلفاق وجيوبُ ،
ال واهلل،ابل أنت كال َم ُه يف هؤالء؟ ك َّ بذلك «امليزان» و«التاريخ» ِ
و«سيرَ النبالء» .أف َق ٌ
وص ُلهم ح َّقهم و ُن َو ِّفيهم .انتهى نقال من «الرفع والتكميل»
كالمه فيهم ،بل ُن ِ
ال ُي ْق َب ُل ُ
ص 320-329ملوالنا اإلمام احلافظ أبو احلسنات اللكنوي رمحه اهلل تعاىل.
58
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
وقد كان لعطاء جاريتان يلحنان ،فكان إخوانه -أي :طلبته -يستمعون
إليهام ،ومل يزل أهل املدينة يستمعون إليهام ،ومل يزل أهل املدينة مواطئني – أي:
موافقني – ألهل مكة عىل السامع إىل زماننا هذا .وأدركنا أبا مروان القايض
للطوافني؛ فكان جيمعهن هلم ويأمره َّن
َّ له جوار يسمعن التلحني ،قد أعدَّ هن
باإلنشاد ،وكان فاضالً.
وسئل شيخنا أبو احلسن بن سامل فقيل له :إنه َأنكر السامع ،وقد كان اجلنيد
ورسي السقطي وذا النون يسمعون؟ فقال :كيف ُأنكر السامع وقد أجازه
خري مني.
وسمعه من هو ٌ
وقال ليون التجيـبي يف «اإلنالة» :روي عن أيب مصعب قال :حرضت جملس
مالك ،فسأله أبو مصعب عن السامع ،فقال :ما أدري إالَّ أهل العلم ببلدنا ال
غبي جاهل ،أو ناسك غليظ
ُينكرون ذلك ،وال يقعدون عنه ،وال ينكره إال ٌّ
الطبع.
وسئل عن وذكر أيض ًا :أن احلسن البرصي خت َّل َ
ف ذات يوم عن أصحابهُ ،
ختلفه ،فقال :كان يف جرياننا سامع .وقال الشبيل :السامع ظاهره فتنة ،وباطنة
عربة ،فمن عرف اإلشارة َّ
حل له سامع العربة ،وإال فقد استدعى الفتنة .واهلل
أعلم.
فصل
وهذا الواعظ الزاهد الصالح الشيخ عزالدين عبدالسالم بن غانم املتوىف سنة
678هـ له قول يف السامع بإقناع وإمتاع ،كالم يدغدغ الشعور ويحُ اكي بدر
التامم ،يف السامع وحكمته وحكمه يكون مسك اخلتام قال رمحه اهلل يف كتاب
«حل الرموز ومفتاح الكنوز» ص:105-95
59
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
واعلم أنه حتتم هاهنا ذكر السامع ،وما هو منه حمظور وما هو مباح ،فإن كثري ًا
واملتقشفني ك َِر ُهوه ،وأنكروه أص ً
ال وفرع ًا ،حقيق ًة ورشع ًا ،وهذا ِّ املتعمقني
ِّ من
ِ
ختطئة كثري من أولياء اهلل ،وتفسيق كثري من َغ َل ٌط منهم؛ ألن ذلك يفيض إىل
العلامء؛ إذ ال خالف أهنم سمعوا الغناء وتواجدوا ،وأفىض إىل الصرَّ َ ع والغشية
والضعف ،فكيف ينسب إليهم نقص وهم سالكون أتم األحوال؟!
وإنام حيتاج ذلك إىل تفصيل ونظر يف أهل السامع واختالف طبقاهتم ،فمن َص َّح
وح َّل ْت ِ
نسامت العزيمة فضاء
ُ وص َق َلت الرياض ُة مرآ َة قلبهَ ،
فهمه وحسن قصدهَ ،
أكدار أرض طبعه وبخار برشيته ،وخياالت مقابلة ِ رسه ،وصفا من تصاعد
وتطهر عن دنس الشبهات ،فال
َّ وسواسه ،و َع ِر َي عن حظوظ الشهوات،
نقول أن سام َع ُه حرا ٌم وفع ُل ُه خطأ.
فمن َظ َّن أن السامع يرجع إىل دف املعنى وطيب النغمة ،فهو بعيد من
السامع ،وإنام السامع حقيقة ربانية ولطيفة روحانية ترسي من السميع
املستم ِع إىل األرسار بلطائف التحف واألنوار ،فتمحق من القلب ما مل
بح ٍّق ِمن َح ٍّق ...واعلم أنه قد
سامع َح ٍّق َ
ُ يكن ،وتبقي فيه ما مل يزل ،فهو
ِ ِ
وسم َع ،وما َقن َع بالسامع حتى كشف القناع وتواجدَّ ،
وحترك السامع َ
َ حرض
كثري من األكابر واملشايخ والتابعني -رمحهم اهلل -وسمع من الصحابة
عبد اهلل بن جعفر ،وعبد اهلل بن عمر ،وكان عمر يرى إباحة السامع .وسمع
من الصحابة ابن الزبري ،واملغرية بن شعبة ،ومعاوية ،وغريهم.
وممن قال بإباحته من السلف :مالك بن أنس ،وأهل احلجاز أمجعون ُيبيحون
الغناء ،وأما احلداء فأمجع الكل عىل إباحته ،وكان ابن جريج يرخص يف السامع
فقيل له :إذا ُأيت بك يوم القيامة ويأيت بحسناتك وسيئاتك ،ففي أي اجلهتني
سامعك؟ فقال :ال يف احلسنات وال السيئات ،يعني يف املباحات.
60
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
61
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
-إىل أن قال -وأما الصوت الطيب بالشعر املوزون املفهوم ،فقد صحت
األخبار وتواترت اآلثار باألصوات الطيبة بني يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه
ان منرب ًا باملسجد يقوم عليه ينافح عن رسول اهلل عليه
حلس َ
وسلم ،وكان يضع َّ
نافح عن رسول اهلل» صىل اهلل وح ال ُقدُ ِ
س ما َ حسان ًا ُبر ِ
وسلم يقول« :إن اهلل يؤيدُ َّ
عليه وسلم.
وقالت عائشة كان أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يتناشدون
يتبس ُم ،وملا أنشده النابغة شعره ،قال :ال َي ْف ُض ِ
ض اهللُ فاك ،وأنشد األشعار ،وهو َّ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم مائة قافية من قول أمية بن أيب الصلت يقول يف كل
«ه ْيه ِه ْيه» ثم قال« :إنه كا َد يف شعره َل ُي ْس ِل ُم».
ذلكِ :
وعن أنس بن مالك – ريض اهلل عنه – أن النبي صىل اهلل عليه وسلم كان يحُ دى
له يف السفر ،وأن أن َْج َش َة كان حيدو بالنساء ،والرباء بن مالك حيدو بالرجال،
فقال عليه السالم« :يا أنجش َة رويدَ ك َس ْوق ًا بالقوارير».
وال جيوز أن يكون الصوت الطيب بالشعر املوزون واملعنى املفهوم حرام ًا؛ إذ
األصوات الطيبة غري منكرة وال حمدثة ،وقد ثبت ذلك بالنص والقياس .اهـ.
وقال أيض ًا رمحه اهلل تعاىل يف موضع آخر ص 110-109ما نصه:
فنقول :إن السامع ينقسم إىل ثالثة أقسام:
منها :ما هو حرام حمض وهو ألكثر الناس من الشباب و َمن غلبت عليهم
شهواهتم ولذاهتم و َم َلكهم حب الدنيا وتكدَّ رت بواطنهم وفسدت مقاصدهم
السامع منهم إال ما هو الغالب عليهم وعىل قلوهبم من الصفات
ُ ُ
حيرك فال
هلا من األنصار ،فجاء رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فقال «أهديتم الفتاة ؟» قالوا :نعم.
قال« :أرسلتم معها من يغني ؟» قالت :ال .فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :إن
وحياكم».
فحيانا َّ
األنصار قوم فيهم غزل؛ فلو بعثتم معها من يقول :أتيناكم ،أتيناكم َّ ،
62
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
والقسم الثالث منه :مندوب وهو ملن غلب عليه حب اهلل تعاىل والشوق إليه
فال حيرك السامع منه إال الصفات املحمودة ويضاعف الشوق إىل اهلل سبحانه
واستدعاء األحوال الرشيفة واملقامات العلية والكرامات السنية واملواهب
اإلهلية.
وجممل القول يف ذلك أن من سمع فظهرت عليه صفات نفسه وتذكر به
حمض.
حظوظ دنياه فاستثار بسامعه وسواس هواه فالسامع عليه حرا ٌم ٌ
ومن سمع فظهر له ذكر ربه وخوفه من ذنبه وذكر آخرته فأتيح له ذلك الذكر
شوق ًا إىل اهلل تعاىل وحبا فيه ورجا ًء لوعده وخوف ًا من وعيده فسامعه ذكر من
األذكار مكتوب يف صحائف األبرار .اهـ.
حديث الروح
هذا الفصل خصصته من كالم أهل الوصل فجعلت غرته شيخنا العارف
باهلل الكامل املتذوق رشاب أهل اهلل نزيل احلرضة فريد النظرة عامل احلرم قنديل
وهذا ما نراه كثري ًا يف جمالسنا من العوام ،والذي مل يتقلب يف مقامات الشوق ومل يرتق يف
احلب فال بأس كام ذكر الشيخ. درجات ُ
63
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
صحن الكعبة ورائد ديوان شعراء املحبة سيدي حممد أمني كتبي ريض اهلل عنه
واخرتت له هذه البديعية التي تقول:
ي�ا س�ي ِدي َل�والَ َك لمَ َأ ُك َع ِ �و َب َخ َوافِ َق�ا الَ وا َّل ِ
اش� َقا ْ َ َ ِّ ْ ْ �ق ا ْل ُق ُل ْ
�ذي َخ َل َ َ
�و ُء َك المَْ َح َّ�ل ا ْلال َِّئق�ا ُأ َب ِّ إِنيِّ �ك َم ْض َجع ًا فيِ ُم ْه َجتِي ب لجِ َنْبِ َ َفا ْط ُل ْ
�ل ا ُمل ِح�ب الص ِ �ل َو ِص ِ �ه ب ِ ٍ
اد َق�ا َّ َّ ُمت ََه ِّل ٍ اس� ٍم واس� َت ْقبِ ِل الدُّ ْن َي�ا بِ َو ْج َ
ْ
اهج� ًا َو َحدَ ِائ َق�ا َ�ذر الوج�ود مب ِ
ت َ ُ ُ ُ َ ََ �م َت َفإِنهَّ�ا إِشرْ َ ا َق� ٌةَف�إِ َذا ا ْبت ََس ْ
�م ِعي لمََ ْع� َن َب َو ِار َق�ا
نُث َ�ر ْت َعلى َس ْ
ِ �ت فإنهَّ َ�ا ُد َر ٌر إذا َوإِ َذا َن َط ْق َ
الس�ابِ َقا �ن فيِ الدُّ ْن َي�ا َف ُكن َ
ْ�ت َّ بِالحْ ُ ْس ِ َح ٍ
�ل اك َق�دْ َس�ا َب ْق َت ك َُّل ُمك َّ َو َأ َر َ
�ع فيِ المَْ َطالِ� ِع َش ِ
�ار َقا َي�ا َم� ْن ت ََر َّب َ
�ذر فيِ ح ِّق�ي بِحب َ ِ
�ك َقائ ٌ
�م ُ ِّ َ َوا ْل ُع ْ ُ
�ك َواثِ َق�ا�ت بيِ َو َر َأ ْيتَنِ�ي بِ َ َو َوثِ ْق َ َأك َْر ْمتَنِ�ي َو َو َص ْلتَنِ�ي َو َر َع ْيتَنِ�ي
�و ِق َق ْلب� ًا َخافِ َق�ا الش َْف َملأَ ْتمُ َ�ا بِ َّ ْت بِ ُم ْه َجتِيَس َك َن الهْ َوى َو َسكن َْت َأن َ
�ص َف ِ �اكنَ ِ بمهج ٍ ِ َكي َ ِ
ار َق�ا الَ َت ْق َب ُ�ل ا ْل َكْس�رْ َ المُْ َخ ِّل َ �ة الس ينْ ُ ْ َ �ف ا ْلت َق�ا ُء َّ ْ
َان الجْ ََم�اَ ُل َل� ُه لِ َس�ان ًا نَاطِ َق�ا ك َ َواهللِ َم�ا ُخِّي�رِّ ْ ُت إِالَّ ْ
اخَت�رَ ْ ُت َم� ْن
ت ُْو ِح�ي إليَ َّ َق َوافِي� ًا َو َح َق ِائ َق�ا �ن ا َّلتِ�ي لأِ َكُ�و َن َقي�م رو َض ِ
�ة الحْ ُ ْس ِ ْ ِّ َ َ ْ
�اء طِ ْيب� ًا َعابِ َق�ا اره�ا ا ْل َفيح ِ �م ِم� ْن ِ
ْ َ َأ ْز َه ِ َ َو َأ ُح ْو َط َه�ا َوتحَ ُ ْو َطن�ي َو َأ ُش َّ
َان َص�دْ ِري َض ِائ َقا س�ان َلك َ ُ َلوالَ الحِْ
ْ
ل�ه ورو ِح ِ
�ه ُ�ور ِ ِ
اإل َ ُ ْ َوالحْ ُ ْس� ُن ِم� ْن ن ِ
حج ٍة
والذي قال عنه القطب الر َّباين العالمِ الس ِّيد حممد جعفر الكتاين يف إجازته له يف آخر َّ
له يف عام 1351هـ عندما استجازه فقال عنه يف بداية إجازته له« :حمل ولدنا العزيز
علينا املأمول له من اهلل الغني املفضال أن جيعله عينا من عيون اهلل َيستقي منه أهل املرشق
واملغرب.»...
64
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
اك ُم َرافِ َق�ا�ذا َو َذ َ �ت لِ ََر َغ�د ًا َو ِع ْش ُ �اش َم ْن يحَ ْ َي�ى بِ ِه
�اش الجْ ََم�اَ ُل َو َع ََع َ
�اف ُم َعانِ َق�ا�د ا ْلع َف ِ
َ
�ت ليِ بِي ِ
�ذ بِ َّ ْ َ ُم ْ �هَ�اق وطِيبِ ِ ِ
�ف بِا ْلعن ِ َ �ت َأ ْهتِ َُم�ا ِز ْل ُ
َاش� َقا ف حس�نِ َك ن ِ ِ ِ وح ِه�ق الجْ ُل لِر ِ ِ
َر ْوح ًا َف َص َار ل َع ْر ُ ْ ْ�ب َم� ْن ُخل َ ََم�اَ ُ َم�ا َذن ُ
َان َع ْق�د ًا َواثِ َق�ا َم ْع� ُه ا ْل َوف�ا ُء َف�ك َ �ع الجْ ََم�اَ ِل َو َض َّمنِ�ي�ت َم ََو َأنَ�ا ُخ ِل ْق ُ
�و َد َح َق ِائق� ًا َو َر َقائ َق�ا َمَل�أَ َ ا ْل ُو ُج ْ �ك إِنَّ� ُه لمَ ْ ُي ْ�ر ِونيِ إِالَّ جمَ َا ُل َ
�ه األَ َّي�ا ُم َر ْوض� ًا َف ِائ َق�او َغ�دَ ْت بِ ِ
َ الرب�ى �ت ِمنْ� ُه المَْن ِ
َ�از ُل َو ُّ ال َص َّو َح ْ
�ك َأ ِج�دْ ُهن َ
َ�اك َف َو ِار َق�ا َم ْهَم�اَ َأ ِص ْف َ �ف ُح ْس�نِ َك إِنَّ� ُه ح تَنِ�ي فيِ وص ِ
َ ْ َ يرَّ ْ
الش ِ
�ائ َقا �ك َأ َرى الجْ ََم�اَ َل َّ فيِ ُم ْق َل َت ْي َ فيِ ا ْل َو ْج ِه َأ ْم فيِ َّ
الش� ْع ِر َأ ْم فيِ ال َّث ْغ ِر َأ ْم
�ح َر ِائ َق�ا فيِ ك ُِّل ُج ْ�ز ٍء ِمن َ
ْ�ك َأ ْص َب َ ن ُِّس� ْق َت َتن ِْس� ْيق ًا َد ِقيق� ًا َفاتِن� ًا
الش ِ
�اه َقا َواك َّ�ض ُم ْس�ت َ َق�والً ين ِ
َاه ُ ْ ُ �ار ِة لمَ ْ َأ ِجدْ ِ
�ك بِالع َب َ �ت َو ْص َف َ َل ْو ُر ْم ُ
�ار ُب فِ ْي َك َأ ْم�ر ًا َخ ِ
ار َقا ِعن ِ
ْ�دي الت ََّج ِ �ك َو َأ ْث َبت َْت يم َعَل�ىَ َيدَ ْي َ ِ
الس�ق ُ �ح َّ َص َّ
�و َذ ِائ َق�ا وب َش َ ِ
اش�ة الدُّ ْن َي�ا َفَم�اَ ُه َ ََ �و المُْنَى َم� ْن لمَ َي ُذ ْق َم�ا ُذ ْق ُت ِم ْن ُح ْل ِ
ْ
�ة َغ ِ
ار َق�ا �ك المَْ ِليح ِ فيِ م ِ
�اء َو ْجنَتِ َ َو ُيِس�رِ ُّ َع ْينِ�ي َأ ْن تَ�رى إِن َْس�انهَ َا
َ َ
اك َع ْرف� ًا َفاتِ َق�ا
ْ�ر َ ِ ِ
َف َأ َث ْ�ر ُت م� ْن ذك َ
و َل َق�دْ َذكَ�ر ُت الحْ س�ن فيِ ِجعر ٍ
ان�ة َْ ُْ َ ْ َ
ار َق�اْ�ر ُم َط ِ
َأ َحَل�ىَ ا ْل ُق�رى َم�ا ًء َوأك َ �ت َق ْو ِم�ي َي ْع َل ُم َ
�ون بِ َأنهَّ َ�ا َي�ا َل ْي َ
اب َف َيالِ َق�ا ُم َت َبِّص�رِّ ٍ َمَل�أَ َ ِّ
الش� َع َ َ�ت ُم َع ْس�ك ََر َفاتِ ٍ
�ح َوبِ َأنهَّ َ�ا كَان ْ
�م َش�ا ًء بهِ َ�ا َو َأ َيانِ َق�ا َأ ْع َط ُ
اه ُ �م ف َيه�ا َفك ْ
َ�م َقس�م ا ْل َغن َِائ�م بينَه ِ
َ َْ ُ ْ َ َ
ارب� ًا َو َم َش ِ
�ار َقا لا َد َم َض ِ
َفت َُح�وا ا ْلبِ َ اضوا ا ْل َو َغى َو ُه ُم األُىل
َف ُه ُم األُىل َخ ُ
�ب كَافِ�ر ًا َو ُمنَافِ َق�ا ِ
الس� ْيف َأ ْر َه َبِ َّ آن نُ�ور ًا َس�اطِع ًا بِا ْلع�دْ ِل با ْل ُق�ر ِ
ْ َ
�ه َوالال َِّح َق�ا لِيع�م س�ابِ َقنَا بِ ِ
َ ُ َّ َ
ِ ي�ا َلي َ ِ
�ت ش� ْع ِري َه ْ�ل َلنَ�ا ق ْس ٌ
�م بهِ َا َ ْ
65
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
ما الَئ َق�ا َان َخ ْت ً ُر ُس ُ�ل الجْ ََم�اَ ِل َف�ك َ �ت بِ ِه
�ذي ُختِ َم ْ لا ُة َعَل�ىَ ا َّل ِ
الص َ ُث َّ
�م َّ
�يم َش� َق ِائ َقا ِ
�ب َم�ا َه َّ�ز النَّس ُ َوال ُق ْط ِ َوالآْ ِل َواألَ ْص َح ِ
�اب َأ ْقَم�اَ ِر الهْ ُ�دَ ى
قال موالنا العارف باهلل املجيد ابن عجيبة يف «البحر املديد» :إذا سكنت
األرواح يف ُع ِّش احلرضة ،ومتكنت من ّ
الشهود والنّظرة ،أمرها احلق بالنّزول إىل
سامء احلقوق أو أرض احلظوظ ،فتنـزل باإلذن والتمكني ،والرسوخ يف اليقني،
ال لطلب اجلزاء أو لقضاء شهوة ،فمن نزل منها عىل هذا احلسن فال خوف
عليهم وال هم حيزنون .
بيان أهل الترشيع
إن النصوص التي تتعلق أحكامها (بالتنظيم اإلسالمي) حلركة (الواقع
اإلسالمي) يف فروع املتغريات الدنيوية -ستظل دائام وأبد ًا (تدور مع علتها
وحكمتها) -وهي «مصلحة العباد» وجودا وعدما .
تلك هي رسالتها العلمية ،وهذه هي معاين وحدود االجتهاد فيها ،ومعها
(أصوله وفروعه) ستعرفها يف كتابنا اآليت والذي حتت الطبع -إمتام النعمة يف
تواتر اختالف أمتي رمحة .-
أختم الرسالة بكالم اإلمام يف الترشيع السنهوري من كتاب العالمة شيخنا
املتذوق املفيد املحقق بارك اهلل فيه الدكتور حممد عامرة( :ال شك أن النبي صىل
اهلل عليه وسلم مل يأت بأحكام تتناقض مع العقل يف زمنه أو تَو َّقع صىل اهلل عليه
تطور العقل فأوجد يف
وسلم إمكان تناقضها يف املستقبل ،بل إنه نظر إىل إمكان ُّ
66
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
األحكام التي أتى هبا مرونة ،وجعلها صاحلة لكل زمن تطبق فيه ،وإن إسالمنا
رشيعة مرنة ،صاحلة ألن تلبس لباس الزمن الذي تعيش فيه ،وهذا يؤكد أنه دين
الفطرة ،جيمع ثبات ًا يف األصول وتطور ًا يف العقول ،وخلود ًا يف العطاء ،وجتديد ًا
يف الفكر ،فأصول الرشيعة ال تتغري باعتبارها أصوال ،ولكن تطبيقاهتا ختتلف
ألمرين؛ أوالً :باختالف الزمن .ثاني ًا :باختالف األمم).
قال الدكتور عامرة شارح ًا :إن التفاصيل الرشعية التي ارتضاها زمن (كذا)
وإقليم (كذا) ليس رشط ًا أن يرتضيها كل زمن وكل إقليم.
أقول أنا الفتى املكي أبو عمر السليامين :ومن اجلهل أن نفرضها عىل غرينا،
ومن مل يوافق عليها نتهمه يف دينه ونَكرهه ونرميه باإلحلاد واالبتداع ،وأخري ًا
ال يمكن أن يكون الدين مصدر ًا للكراهية بل هو مصدر للتسامح ،فاإلسالم
رب حتى بالكافر الذي ال يعادينا قال تعاىل :ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
حيثنا عىل ال ِّ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ
[املمتحنة.]٨ :
67
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
اخلامتة
االمتياز العظيم
الذي متثله الوسطية وهي نرباس املنهج اإلسالمي والتي ظهرت ثمرهتا باملامرسة
التمزق ألهنا احتضنت
والتطبيق وأصبحت للحضارة اإلسالمية طوق نجاة من ُّ
املتقابالت املتناقضة ،فوجدنا فيها ح ًّ
ال بني الروح واجلسد ،والدنيا واآلخرة ،والفرد
واملجموع ،والذات واملوضوع ،كذا بني املقاصد والوسائل ،والثابت واملتغري ،
والقديم واجلديد ،وما أمجل العقل حينام خيدم النقل ،والقوة حينام حتمي احلق ،ويظهر
مجاله يف االجتهاد والتقليد ألنه جعل الدِّ ين ِ
والع ْلم صنوان ال يفرتقان.
إن الثنائيات (املتقابالت املتناقضة) إن كان هلا ِ
آخر فإنك ستجد حلها يف
املنهج اإلسالمي الوسطي ،ومل حيصل التأخر والتخلف إال عندما وجدنا هناك
تناقض ًا بني الثنائياتَّ ،
إن كل من أراد طوق النجاة يف كل ميادين النظر عليه
باستقطاب األقطاب املتقابلة واملتناقضة ،لو تأملنا يف حلظات البدء التي شهدت
نزول الروح األمني عىل قلب الصادق األمني بآيات الكتاب املبني والذي حصل
منه انسجام أنتج الفكر الذي يطلبه اإلنسان واملجتمع ،وال َّ
أدل عىل هذا أن ما
من عاقل رأى الرسول صىل اهلل عليه وسلم إال انجذب لدعوته وانبهر لفكرته
واقتنع بأقواله وما جاء به ..وانترش هذا الدين العظيم ،ومع هذا كام أن اجلديدين
متأصل ،ومع هذا فقد
ِّ متناقضان فالتباين والتناقض يف األفكار واألشخاص
احتضنتهم سامء الدين ونور اليقني وأصبحت الثنائيات بني انسجام وتعايش
بإنعام؛ ال تناحر ..وال تدابر.
عظمة التم ُّيز لرسالة حبيـبي حممد صىل اهلل عليه وسلم أنه ُينرش الدين مع
وجود املنافقني واليهود والنصارى والطاغني والعاصني ،ولك َّن الرسول األمني
68
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
69
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
فض اخلتام بكال ٍم ِمن مشكاة سيد األنام عليه الصالة والسالم .. َ
وأ ُف ُّض َّ
وهو (الدليل الثالثون) أخرتُه ليكون خامتة كتايب اجلوهر املكنون ،و ُيصادف
القلوب قبل العيون ،فأقول راجي ًا السعادة يف الدارين بجاه سيد الكونني صلىَّ
رصعة اهلل عليه وسلم ،بعد ما ذكرنا من آللئ منرية زاهرة ،و َيواقيت باهرة ُم َّ
أنامل ذليلة قارصة ِ ،من فائض بحر الفيض وواسع ُ استخرجتها
َ فاخرة ،
وتتنور هبا جمالس اإلخوان واألح َّبة ،
َّ االمتنان ،تستأنس هبا نفوس أهل ا َملح َّبة،
ِ
الصدور وصميم اجلَنان. ب َب ِّث مناقب َمن بذكره ننال من اهلل وصله و ُقربه ،لتنرشح ُ
إن احلديث عن هذه ا َملجالس ذو شجون؛ ألنهَّ ا نابع ٌة ِمن صفات واحلاصلَّ :
بأمر ُمهم ؛ وهو:وأحب أن أختم هذه األد َّلة ٍ ُّ أرغب
ُ اجلوهر ا َملكنون ،ولكنِّي
أن هذه ا َملجالس هي َم ٌ
ظهر ووسيل ٌة لتعظيم سيد إذا كان -كام ذكرنا وأسلفنا َّ -
تأثري يف تقوية دعامة هذا الدين ؟
األولني واآلخرين فهل هلا ٌ
إن إحصائيات ا ُمل َبشرِّ ين بالدين النَّرصاين د َّلتهم عىل َّ
أن أكرب عامل يا سيدي َّ
عىل انتشار اإلسالم بأفريقيا هو رجال ال ُّطرق الصوفية ؛ الذين ِمن شعارهم
هذه ا َملجالس ،راجع كتاب «الغارة عىل العامل اإلسالمي» ،والذي قال :هنض
اإلسالم بأفريقيا هنضة ثالثة عىل أيدي مشايخ ال ُطرق ،وأكثر أسباب هذه
َّصوف -...إىل أن قال :-حتَّى قال ا ُملبشرِّ ون:
النَّهضة األخرية راجع إىل الت ُّ
إن الدين اإلسالمي الذي جاء به شيوخ الطرق الصوفية هو ال َع َقبة القائمة يف
َّ
طريق تقدُّ م التبشري بالنرصان َّية يف أفريقيا.
ويف هذا العرص الذي نَعيشه و َبعد اهلجمة الرشسة عىل نبي اإلسالم عليه
ُقوي ِ
الصالة والسالم ،وعىل ذاته وصفاته ،أليس من احلق واإلنصاف أن ن ِّ
ُطور هذه ا َملجالس ،وهبا نُنافِس ،ونَجعلها نور اآلفاق نُيضء هبا العالمَ ، ون ِّ
جاهل ،وت ِ
ُلجم لسان ك ُِّل عدُ و ،وتُد ِّمر ٍ كلونَجعلها نرباس ًا ومنار ًا َيستيضء هبا ُّ
قواعد نُص َبت لتَنال ِمن احلبيب األعظم صلىَّ اهلل عليه وسلم ،كام كانت َمرجع َّية
70
إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة
هذه ا َملجالس وهي الطرق الصوفية تَدُ ُّك َأعناق ا ُملبشرِّ ين ..شعارها ﮋ ﰈ
ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ [البقرة ]٢٨٦ :وتَنرش النور ا ُملبني الذي
عتدين ..َفتَح ُقلوب الصادين وفلق آفاق اجلاهلني ،وم َّزق تجَ مع مراكز ا ُمل ِ
ُّ َ َّ ِّ
ث للدِّ ين ؟!ث يف الدِّ ين ،أم َحدَ ٌ
إن هذه بدعة ! نقول :هل هي َحدَ ٌ وإذا قيل َّ
وذكر صفات و َمناقب َمن جاء فإن كانت للدِّ ين ِ
والفرق بينهام واضح مبني ؛ ْ
بالدين ا َملتني ..ف َيجب علينا أن نُظهر فضل ذاته وصفاته ؛ ألنَّا َع ِلمنا علم اليقني
أن مجهرة ا ُملعتدين ا ُملعارصين قالوا مجُ ِ
تمعني :إنَّا ال نَعرف محُ َّمد ًا ونَجهل ذاته َّ
ومل نقف عىل صفاته ! فكيف يا سادة ! يا أهل هذا الدِّ ين ،وبعد أن تسمعوا
ُأصلوا األصول وتُف ِّعلوا ا َملجالس
هذا الكالم واضح ًا ُمبني ال ُت َق ِّعدوا القواعد وت ِّ
وتجَ علوها ُمنافِ َس ًة وتَنرشوا صفات س ِّيد األولني واآلخرين ؟!
أن نكون ك ّلنا َمن نتبع هذا النَّبي الذي د َّلنا عىل الرصاط ا ُملستقيم حلق ْ ِ
أليس من ا َ
تمعني بمذاهبنا وآراءنا وأفكارنا ونضع مناهج ووسائل وأساليب إلظهار مجُ ِ
71
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ﭑﭒﭓ
املقدمة
الرحيم الغ ّفار مق ِّلب القلوب واألبصار مقدِّ ر
القهار العزيز اجل ّبار ّ
احلمد هلل ّ
األمور كام يشاء وخيتار ،أمحده وحالوة حمامده تزداد مع التكرار ،وأشكره
وفضله عىل َمن شكر ِمدْ َرار ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له شهاد ًة
وتبوئ قائلها دار القرار ،وأشهد أن
ربئ القلب من الرشك بصحة اإلقرار ِّ ،
ُت ِّ
حممد ًا عبده ورسوله البدر جبينه إذا سرُ َّ استنار ،وال َي ُّم يمينه فإذا ُسئل أعطى
عطاء من ال خيشى االفتقار .
أما بعد ..فإن اهلل سبحانه وتعاىل جعل لبعض الشهور فض ً
ال عىل بعض
قال:ﮋﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ
[التوبة . ]٣٦ :وكام قال ابن عباس ريض اهلل عنهام ( :اختص اهلل أربعة أشهر جعله ّن ُحرم ًا
وع ّظم حرماهت ّن وجعل الذنب فيه ّن أعظم وجعل العمل الصالح واألجر أعظم) .
وهي موسم من املواسم الفاضلة التي جعل اهلل فيها لطيفة من لطائف نفحاته
ُيصيب هبا من يشاء بفضله ورمحته ،فالسعيد كام قال الصاحلون من اغتنم مواسم
الشهور واأليام والساعات وتقرب فيها إىل مواله بام فيها من وظائف الطاعات،
فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد هبا سعادة يأمن بعدها من النار
خرج الطرباين يف «الكبري» من حديث حممد بن سلمة وما فيها من اللفحات ،وقد ّ
ٍ
«إن هلل يف أيا ِم الدَّ ْه ِر َن َفحات َّ
فتعر ُضوا هلا ،ف َل َع َّل أحدَ ك ُْم أن تصي َب ُه نفح ٌة مرفوع ًاَّ :
ُ
وأول هذه األشهر رجب ،كام روى ابن عمر مرفوع ًا : فال َي ْش َقى بعدَ ها أبدا» ..
ب ُمضرَ َ » . «وأولهُ ُ َّن َر َجب» ويف رواية البخاري ذكره مرفوع ًا َ :
«ور َج ُ َّ
75
تفريج الكرب يف نفحات رجب
واملفضل
ّ رجب ،أي ُ :يع ّظم .كذا قال األصمعي
وس ِّمي رجب ًا ؛ ألنه كان ُي ّ
ُ
والفراء.
ّ
ومن فضله الواسع عىل عباده ،وكرمه الواصل إىل ُق ّصاده أنه من بلغه عن اهللِ
يشء من الثواب فعمل به عىل طريق اإليامن واالحتساب أعطاه اهلل ذلك الثواب
اجلزيل وإن مل يكن البالغ كام قيل ،كام قال صىل اهلل عليه وسلم َ « :م ْن َب َل َغ ُه عن
فأخذ به إيامن ًا به ورجا َء َث َوابِ ِه أعطا ُه اهلل ذلك ْ
وإن َ اهلل عز وجل يش ٌء فيه فضيل ٌة
مل َي ُك ْن كذلك» .قال احلافظ ابن نارص الدين الدمشقي :حديث جيد اإلسناد.
«الرتجيح بتصحيح يف جزء صالة التسابيح» ص. 35
الوراق البلخي :شهر
وشهر رجب مفتاح أشهر اخلري والربكة ؛ قال أبو بكر ّ
رجب شهر الزرع ،وشعبان شهر السقي للزرع ،وشهر رمضان شهر حصاد
الزرع .
سود صحيفته بالذنوب أن ُيبيضها بالتوبة
قال ابن رجب احلنبيل :وجدير بمن َّ
يف هذا الشهر ،وبمن ض ّيع عمره يف البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر .
ـمن ِْجي ِمن ا ْل َّل َه ِ
ب بِ َصالِ ِ
�ح ا ْل َع َم ِل ا ْل ُ َب ِّيض َص ِحي َفت ََك ا ْل َّسوداء فِـي َر َج ِ
ب
كان بعض العلامء الصاحلني قد مرض قبل شهر رجب فقال ( :إين دعوت اهلل أن
يؤخر وفايت إىل شهر رجب فإنه بلغني أن هلل فيه عتقاء) ،فب ّلغه اهلل ذلك ومات
ّ
يف شهر رجب .
ِ ِ
عم� ْن تَ� َا َب َق�دْ َو َج َبا ف�إِ َّن ع ْف َ
�وي ّ َي�ا َع ْب�دُ َأ ْقبِ�ل ُمنيب� ًا َوا ْغتَن ْ
�م َر َج َب�ا
وشهر رجب كان فيه اإلرساء كام ب َّينَّا يف «القول األتم» وقد ذكرت يف هذه الرسالة
ِ
يج الك َُرب يف نفحات رجب».فضل رجب وجعلتها حممودة الغب وسميتها « َت ْف ِر ُ
76
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ِّ
وصل وسلم عىل سيد اللهم بارك لنا يف رجب وشعبان وبلغنا رمضان ،
األكوان وآله وأصحابه ماتعاقب اجلديدان .
77
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ﮋفوائد املقدمةﮊ
الفائدة األوىل
قد مجع احل ّفاظ أحاديث رجب يف أجزاء خاصة ،آخرهم أمري املؤمنني يف
احلديث أمحد بن عيل بن حجر العسقالين ريض اهلل عنه فقد مجع ما ورد يف رجب
جزء ًا سماّ ه «تبيني العجب بام ورد يف شهر رجب» وهو مفيد يف موضوعه .
قال يف مقدمته :مل يرد يف فضل رجب وال يف صيامه وال يف صيام يشء منه
صحيح يصلح للحجة ،وقد
ٌ ٌ
حديث معني ،وال يف قيام ليلة خمصوصة فيه
سبقني إىل اجلزم بذلك اإلمام أبو إسامعيل اهلروي احلافظ ،رويناه عنه بإسناد
َسمحون يف
صحيح ،وكذلك رويناه عن غريه ولكن اشتهر أن أهل العلم َيت َّ
ضعف ما مل تكن موضوعة ،وينبغي
ٌ إيراد األحاديث يف الفضائل وإن كان فيها
مع ذلك اشرتاط أن يعتقد العامل كون ذلك احلديث ضعيفا .
قال أبو عمر السليامين :
اعلم أ� َّن البخاري وكل َمن َ�ص َّنف يف أالحكام يريد بقوله:
(مل ي�صح) أ�ي :ال�صحة اال�صطالحية ،أ�و فقد �شرطاً من
�شروط ال�صحة
و َمن صنّف يف املوضوعات والضعفاء يريد بقوله ( :مل يصح أو مل يثبت) املعنى األعم.
الضعف ،ويلزم من الثاين إثبات
الـحسن أو َّ
أي :يلزم من األول إثبات ُ
الضعف واإلنكار.
قال السخاوي يف «املقاصد» ص 239بعد ذكر قول الدارقطني( :ال يثبت)
قال متع ِّقبا :قال شيخنا -أي احلافظ اإلمام ابن حجر : -وال يلزم من هذه
78
تفريج الكرب يف نفحات رجب
الفائدة الثانية
والغريب يف األمر أن احلافظ ذكر يف مقدمة «تبيني العجب» كالم ًا جيب الوقوف
عنده ،قال ريض اهلل عنه ( :ال فرق يف العمل باحلديث الضعيف يف األحكام أو
يف الفضائل ،إذ ُّ
الكل شرَ ْ ٌع) .
قلت :هذا مردود بام ذكره احلافظ نفسه ..قال ( :إن أهل العلم يتساحمون يف
ُ
إيراد األحاديث يف الفضائل وإن كان فيها ضعف ،ما مل تكن موضوعة) اهـ .
وال شك أنه من سادات احلفاظ واملحققني ؛ ثم أنه نيس رمحه اهلل َأ َّن ا ُمل َ
جمع عليه
79
تفريج الكرب يف نفحات رجب
80
تفريج الكرب يف نفحات رجب
81
تفريج الكرب يف نفحات رجب
النهي عن تكميل
ُ فيه داللة ب ِّين ٌة عىل أن صو َم رجب بكامله َح َس ٌن ،وإذا مل يكن
ِ
االستحباب ،ويف ذلك تأييد لشيخ اإلسالم بقي عىل أصل ْصومه صحيح ًا َ
ِع ّزالدين بن عبدالسالم؛ حيث قالَ :من نهَ ى عن صوم رجب فهو جاهل ْ
بمأخذ
أحكام الرشع ،وأطال يف ذلك .اهـ.
وقد تع َّقب احلافظ التاج السبكي يف «طبقات الشافع َّية الكربى» 11/7
عىل قول اإلمام أيب بكر ابن السمعاين ( :مل يرد يف استحباب صوم رجب عىل
التخصيص ُسنَّ ٌة ثابتة ،واألحاديث التي تُروى فيه واهية ال يفرح هبا عامل).
فقال التاج السبكي ُمتع ِّقبا عليه:
وهذا كالم صحيح ،ولكن ال يوجب التزهيد يف صومه ،ففضل الصوم من
حلرم ما
حيث اإلطالق ثابت ،ويف «سنن أيب داود» وغريه يف صوم األشهر ا ُ
السنَّة عىل الرتغيب يف صومه .اهـ.
يكفي يف قيام ُّ
وقال احلافظ ابن رجب يف «لطائف املعارف» بعد كال ٍم ص:174
حلرم كلها؛ منهم ابن عمر واحلسن
وقد كان بعض السلف يصوم األشهر ا ُ
حلرم أحب إ ّيل أن أصوم
البرصي وأبو إسحاق السبيعي .وقال الثوري :األشهر ا ُ
فيها . ...اهـ.
ثم إن املسألة كلها يف فضائل األعامل ،وكام قال ابن عبدالرب حافظ املغرب :
أحاديث الفضائل ال حتتاج فيها إىل من حيتج به.
قلت :بل أمجعت األمة أنه ( جيوز العمل به -أي باحلديث الضعيف -ما
و ُ
مل يكن موضوعا) حتى إن احلافظ نفسه قد ذكر أحاديث ضعيفة وواهية يف كتابه
«بلوغ املرام اجلامع ألحاديث األحكام» .
وكذلك أمجعوا أن احلديث الضعيف يثبت به املستحب واملندوب .وكذلك
تثبت به الكراهية ؛ فقد ذكر احلافظ النووي يف «األذكار» ص ( : 8-7كام إذا
82
تفريج الكرب يف نفحات رجب
يتنزه
ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو األنكحة فإن املستحب أن ّ
عنه).
ذكر بعض العلامء أنه جيوز العمل يف هذا الباب بالرؤيا ؛ قال شيخنا احلافظ أبو الفضل
عبداهلل بن الصديق رمحه اهلل :جاء يف «اختصار حاشية الرهوين» للفقيه قنون :قال سيدي
املهدي الفايس رمحه اهلل ،وإذا كانت الفضيلة املستدل هلا مما شهد الرشع باعتبار جنسه
واندرج حتت أصل عام وليس يف األصول والقواعد ما خيالفه فمن العلامء من قال :يعمل
مؤس َسة واهلل أعلم. فيها باملرائي املنامية أيضا ،ويستأنس هلا هبا ،فتكون ِّ
مؤكدة هلا ال ِّ
اهـ .وا ّلرؤيا التي يعمل هبا -عىل القول بذلك -هي التي ُيرى فيها النبي صىل اهلل عليه
وسلم آمر ًا بيشء أو ناهيا عنه ؛ ألمرين :
-1أن كالمه حجة يف الدين .
-2أن الشيطان ال يتمثل به.
تنبيه :أما رؤيا غريه فال يعمل هبا.
مثال العمل برؤيا الرسول صىل اهلل عليه وسلم يف الفضائل وغريها:
ما ذكر احلافظ السيوطي رمحه اهلل تعاىل يف «تنوير احلوالك عىل موطأ مالك» :214/1
أنه وقع يف زمن شيخ اإلسالم عز الدين بن عبد السالم أن رج ً
ال رأى النبي صلىَّ اهلل عليه
وس َّلم يف النوم ،فقال له :اذهب إىل موضع كذا فاحفره ،فإن فيه ركاز ًا فخذه لك وال
مخس عليك فيه ،فلام أصبح ذهب إىل ذلك املوضع فحفره ،فوجد الركاز ،فاستفتى علامء
عرصه ،فأفتوه بأنه ال مخس عليه لصحة الرؤيا ،وأفتى الشيخ عز الدين بأن عليه اخلمس،
وقال :أكثر ما ينـزل منامه منـزلة حديث روي بإسناد صحيح ،وقد عارضه ما هو أصح
س» فيقدم عليه .انتهى. كاز ُ
اخل ْم ُ الر ُ
منه ،وهو احلديث املخرج يف الصحيحني« :يف ِّ
وذكر احلافظ اللكنوي رمحه اهلل تعاىل يف كتابه «نزهة الفكر يف سبحة الذكر» ص-50
51عن القطب اليافعي صاحب «مرآة اجلنان» حيث قال:
رأيت يف بعض املنامات ُسبحتني عندَ النبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم ،بعدما
ُ [وقد
شيخنا أبو عبد اهلل حممد بن أمحد الذهبي، ٍ
مجاعة من الصاحلني ،وفيهم ُ رأيت كأين يف
ُ
أقبل النبي صلىَّ اهلل عليه وس َّلم كأنه ُ
البدر الطالع ،وهو الشيخ مسعود ،إذ قيلَ :
ُ وشيخنا
حيمل يف ردائه شيئ ًا قاصد ًا ذلك اجلمع ،فأعطاه ،إذا هو يشء أخرض من ثامر الفواكه.
ُ
83
تفريج الكرب يف نفحات رجب
..........................................................................
84
تفريج الكرب يف نفحات رجب
الفائدة الثالثة
قال ُح َّجة اإلسالم اإلمام أبو حامد الغزايل يف بيان الليايل واأليام املخصوصة
بالفضل التام:
اعلم أن الليايل املخصوصة بمزيد الفضل التي يتأكد فيها استحباب اإلحياء
مخس عَشرْ َ ْة ليلة ،ال ينبغي أن يغفل املريد عنها ،فإهنا مواسم اخلريات
يف السنة َ
ُّ
ومظان التجارات.
ومتى غفل التاجر عن املواسم مل يربح ،ومتى غفل املريد عن فضائل األوقات
مل ينجح.
فستة من هذه الليايل يف شهر رمضان:
مخس يف أوتار العرش األخري إذ فيها ُيطلب ليلة القدر.
وليلة سبع عرشة من رمضان -فهي ليلة صبيحتها -يوم الفرقان يوم التقى
اجلمعان ،فيها كانت وقعة بدر ،وقال ابن الزبري رمحه اهلل :هي ليلة القدر .
وأما التسع األُخر :
وأول ليلة من رجب ،وليلة النصف
فأول ليلة من املحرم ،وليلة عاشوراء َّ ،
منه ،وليلة سبع وعرشين منه ،وهي ليلة املعراج وفيها صالة مأثورة؛ فقد قال
85
تفريج الكرب يف نفحات رجب
صىل اهلل عليه وسلم« :للعامل يف هذه الليلة حسنات مائَة سنة؛ فمن صلىَّ يف هذه
الليلة اثنتي عرش ركعة يقرأ يف كل ركعة فاحتة الكتاب وسورة من القرآن ويتشهد
يف كل ركعتني ويسلم يف آخرهن ثم يقول :سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل
مرة ،و ُيصيل عىل النبي صىل اهلل عليه
واهلل أكرب مائَة مرة ،ثم يستغفر اهلل مائَة َّ
مرة ،ويدعو لنفسه بام شاء من أمر دنياه وآخرته ،و ُيصبح صائ ًام ،فإن
وسلم مائَة َّ
اهلل يستجيب دعاءه كله إال أن يدعو يف معصية» ،وليلة النِّصف من شعبان،
ففيها مائَة ركعة ،يقرأ يف كل ركعة بعد الفاحتة سورة اإلخالص عرش مرات ،
كانوا ال يرتكوهنا كام أوردناه يف صالة التطوع ،وليلة عرفة.
وليلتا العيدين :قال صىل اهلل عليه وسلم« :من أحيا ليلتي العيدين مل يمت قلبه
يوم متوت القلوب».
86
تفريج الكرب يف نفحات رجب
87
تفريج الكرب يف نفحات رجب
العلامء :من أخذ ُم َهنَّأ ُه يف األيام اخلمسة يف الدنيا مل ينل ُم َهن ََّأ ُه يف اآلخرة ،وأراد
به :العيدين واجلمعة وعرفة وعاشوراء.
ومن فواضل األيام يف األسبوع يوم اخلميس واالثنني ترفع فيهام األعامل إىل
اهلل تعاىل :وقد ذكرنا فضائل األشهر واأليام للصيام يف كتاب الصوم .»..انتهى
من «إحياء علوم الدين» .500/1
الفائدة الرابعة
قال احلافظ يف مقدمة كتابه «لسان امليزان» 13/1بعد أن نقل قول اإلمام أمحد:
ثالثة كتب ليس هلا أصول -أي أسانيد -وهي املغازي والتفسري واملالحم.
وزاد احلافظ عليها فقال :وينبغي أن يضاف إليها (الفضائل) فهذه أودية
األحاديث الضعيفة واملوضوعة ،إذ كانت العمدة يف املغازي عىل مثل الواقدي،
ويف التفسري عىل مثل مقاتل والكلبي ،ويف املالحم عىل اإلرسائيليات .
قال أبو عمر السليامين :
أ ّما كتب فضائل األعامل واملواعظ والزواجر والكبائر فحدِّ ث وال حرج ،
ومن أهم تلك الكتب كام قال احلافظ املفيد اللكنوي :تصانيف العلامء األج ّلة :
تقم فيه سلمت السنة كلها فال تقوم إال يف يوم مجعة من رمضان ،كام ورد يف األحاديث
ُ
األخرى ،ويدل عليه رواية أيب نعيم هلذا احلديث ،فإن فيه من طريق حييى بن سعيد عن
الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت :سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه
وسلم يقول« :إذا سلمت اجلمعة سلمت األيام كلها ،وما من سهل ،وال جبل ،وال يشء
إال وهو يستعيذ باهلل من يوم اجلمعة» أي خوف ًا من قيام الساعة فيها ،وقد كان بعض كبار
الصحابة يظل طول يوم اجلمعة خائف ًا مرتقب ًا لقيام الساعة ،وال حيصل له اطمئنان إال بعد
غروب شمسها ،فهذا معنى احلديث ال ما ذكره الشارح .اهـ.
88
تفريج الكرب يف نفحات رجب
الغزايل وابن اجلوزي واملنذري والنووي والذهبي و السيوطي رمحهم اهلل .
فهذه الكتب حمذوفة األسانيد عسرية الكشف عن حاهلا فهي أحوج للتنبيه
عليها مع مراعاة ما يأيت:
-1ثبوت دين أصحاهبا وورعهم وفضلهم وصالحهم بناء عىل األخذ
بتحسني الظن يف أمثاهلم .
-2ينظر فيها بناء عىل أهنا جارية عىل ما يسوغ رشعا .
-3عادة البرش النسيان ،وكام قيلَّ ( :
وإن العوائد لو مل تعترب أل ّدى إىل تكليف
ما ال ُيطاق) .
-4ال تنسى أنهّ م أهل ترشيع وأصل الترشيع سبب املصالح ،فغايتهم
مصلحة العوام واخلواص .
مراده غالبا ليس هلا أسانيد صحاح وليس املراد أنه مل يصح فيها يشء بل صح الكثري
منه.
أهل الترشيع هم العلامء الذين منحهم اهلل ملكات االجتهاد وجعلهم أئمة للعباد ،أقطاب
لإلرشاد ،أعالم زهاد ،وظيفتهم َف ْه ُم العلوم الرشعية بالرباهني العقلية والنصوص
النقلية ،عرفوا خبايا الفطرة وعالقات العبد بربه وبنفسه وبغريه ،عرفوا أن العقل له
طاقة حمدودة ،وأن يف النصوص معقول املعنى وثوابت ومتغريات ،وفهموا الدالالت
والظنيات ،واجتهدوا يف النصوص اخلالية من االحتامالت ،فقدسوا ّ القطعيات
ّ
َ
الظنيات ،فأخرجوا فروع الفقه ومضبوط املسائل ،وأحتفوا القطعيات واجتهدوا يف
ّ ّ
شمرين عن ُ ّ م تراهم زمان كل ويف الوسائل، بأقوى والنوازل األحداث وعاجلوا سائل، كل
السواعد مشتغلني باألصول والقواعد ،يف كل زمان أحىل قالئد وأنظم فرائدَ ،يلجأ إليهم
اخلواص والعوام لمِ َا َم َّن اهلل عليهم من ضوابط اإلفهام ،واحلرص التام عىل تعظيم املنهج
الرباين الذي جاء به سيد ولد آدم النبي العدناين ،ل َيسعد به القايص والداين ،واحلمد
السالم والشكر عىل الدوام مع التقلب يف هلل الذي جعلنا من أهل اإلسالم وأتباع نبي َّ
اإلنعام بلذة وانسجام مع أقامر الليايل وأنوار األيام.
89
تفريج الكرب يف نفحات رجب
لكن العصبية آلراء املذهب واألهواء مرض بل مهلكة ،قال ابن تيمية يف كتابه
«الرد عىل البكري» ص : 20البيهقي يروي يف اجلهة التي ينرصها من املراسيل
واآلثار ما يصلح لالعتقاد وال يصلح لالعتامد ويرتك يف اجلهة التي يضعفها ما
هو أقوى من ذلك اإلسناد .
قال أبو عمر السليامين :البيهقي ينترص لكل صغرية وكبرية صدرت من
الشافعي ،وقد ينتقده احلافظ يف «الفتح» أحيانا ويقلده أحيانا .
يتأول
أما احلافظ الطحاوي احلنفي فقد سبقه يف التعصب ملذهبه حتى كان ّ
األحاديث لتوافق مذهبه وإن كان بِ ُب ْع ٍد وتكلف ،وقد حيذو حذوهم احلافظ يف
«الفتح» كام فعل يف أحاديث التيمم وأرسف يف التعسف لنرصة مذهبه.
والذي أريده هنا أنه -أي :احلافظ -يف «تبيني العجب» قد سلك مسلك
التعصب و التضعيف ،خالف ما فعل يف «القول ا ُمل َسدَّ د لنرصة مسند أمحد»
أكتب ِمن فيض
َ رأيت ْ
أن و «نتائج األفكار» ،وبتوجيه األنظار وحترير األفكار ُ
العزيز الغفار هذه الرسالة ،التي فيها أحاديث نبو َّية محُ َّررة بقوانني وقواعد
أهل الصناعة احلديث َّية املضبوطة املشتهرة ،وكذلك يف كتابنا هذا ترجيحات َمن
بذلت
ُ بحوث ُمن َّقحة وك ٌ
َشف حثيث ، ٌ ُي ْعت ََمدُ عليهم يف احلُكم عىل احلديث ،وفيه
يف احلديث الذي أخرجه الشافعي يف «األم» 1/44عن إبراهيم بن حممد عن أيب احلويرث
عن األعرج عن ابن الصمة وذكر أيضا سند البيهقي إىل الشافعي .نجد أن احلافظ رمحه
اهلل تعاىل َّنبه عىل ضعف أيب احلويرث مع وجود متابع له وسكت عن شيخ الشافعي
إبراهيم بن حممد بن أيب حييى مع أن التنبيه هلذا األخري كان أوىل من التنبيه عىل ضعف
األول ألن شيخ الشافعي رماه أئمة اجلرح والتعديل بالكذب وذلك من أشد عبارات اجلرح
ـجرح بالكذب .وذلك يومي بصحتها من ال علم له لعلة بخالف أيب احلويرث فإنه مل ُي َ
احلديث ؟! وهذا عناد وتعصب للمذهب.
90
تفريج الكرب يف نفحات رجب
أن أكتبه جامع ًا للوارد يف موضوعه ،حارص ًا للشارد يف فيه ُجهد ًا وفقني اهلل به ْ
ِ
خلدمة رشفهم ُ
وأسأل اهلل ْ
أن ينفعني به يف الدَّ ارين و َيكتبني مع َمن َّ جمموعه،
الع ْلم ونَشرْ ه وإظهار فضله وهو املسؤول وهو باإلجابة جدير ،وهذا البدء يف ِ
احلديث األول
سول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال: «أن َر َ
عن أيب هريرة ريض اهلل عنه َّ :
َب اهلل َع َّز َو َج َّل له ِص َيا َم ين من َر َج ٍ
ب َكت َ
ِ
السابِ ِع وعشرْ ِ َ
َم ْن َصا َم َي ْو َم َّ
م َّم ٍد صىل اهلل عليه فيه ِج ُ
ربيل عىل حُ َ ِستِّني َشهر ًا وهو اليوم الذي هب َط ِ
ََ ُ َ ْ
بالرسا َل ِة» .
وسلم ِّ
قال احلافظ العراقي يف «ختريج اإلحياء» :209/2رواه أبو موسى املديني يف
كتاب «فضائل الليايل واأليام» من رواية شهر بن حوشب عنه .اهـ.
قال أبو عمر السليامين فتح اهلل عليه ( :احلديث َح َس ٌن لذاته) بتت ُّبع الرواة
الصنعة احلديث َّية ،فرجال سند احلديث -وهم
باع يف َّ
والنظر يف سنده ملن له ٌ
حمور درجته -هم :عيل بن سعيد بن قتيبة الرميل ،و َم َطر بن َط ْهماَ ن َّ
الوراق،
وشهر بن حوشب.
فابن أيب محلة عيل بن سعيد بن قتيبة الرميل قد َحكَم صاحب االستقراء التام
رأيت أحد ًا اآلن
علمت به بأس ًا ،وال ُ
ُ و َع َلم األعالم الذهبي اإلمام فيه بقوله( :ما
تكلم فيه ،وهو صالح األمر،ولمَ ْ يخُ ِرج له أحد ِمن أصحاب الكتب الستة مع
يدل عىل تعديله بإتقان وإحكام ..انظر «امليزان» . 125/3ثِ َقتِه) وهذا ُّ
91
تفريج الكرب يف نفحات رجب
أهل اجلرح والتعديل ِمن ِو َفاق» للمؤلف.ص إليه ُ«الر َواق فيام َخ َل َ
راجع َّ
وحسبك بابن معني توثيقا؛ فكيف إذا انضم إليه توثيق أمحد؟ قال احلافظ الذهبي يف «ذكر
من يعتمد قوله يف اجلرح والتعديل» ص:172-171
«قسم منهم متعن ٌِّت يف التوثيق ،متث ِّب ٌت يف التعديل ،يغمز الراوي بالغلطتني والثالث،
92
تفريج الكرب يف نفحات رجب
93
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث الثاين
ب» ()3811 و«الش َع ِ
ُّ روى البيهقي يف «فضائل األوقات» ()11
وكذا الديلمي :حديث سلامن ريض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صىل
ك ب يو ٌم وليل ٌة َم ْن صا َم ذلك اليو َم وقا َم تِ ْل َ اهلل عليه وسلم« :يف َر َج ٍ
سنة ،وهو لِ َث ٍ كان كَمن صام من الدَّ ه ِر مائَة سن ٍَة وقام مائَة ٍ
الث َ َ ْ َ ال َّليل َة َ َ ْ
ث حُممدٌ صىل اهلل عليه وسلم» . وفيه ُب ِع َ
بِ ، ني من َر َج ٍ ِ
َبق َ
94
تفريج الكرب يف نفحات رجب
منكر
قال البيهقي :سنده أمثل ( أي :ضعفه ُمـحتمل) ،وقال عنه احلافظ ٌ :
إىل الغاية .وطعنه بهِ َ َّي ِ
اج بن بسطام اهلروي روى عن مجاعة من التابعني وض ّعفه
ابن معني .وقال أبو داود :تركوه .وقال صالح بن حممد احلافظ امللقب بجزرة:
اهل ّياج منكر احلديث ال ُيكتب من حديثه إالَّ حديثان أو ثالثة لالعتبار .وقال
احلاكم أبو عبد اهلل :وهذه األحاديث التي رواها صالح هبرا َة من حديث اهلياج
ُ
واحلمل فيها عليه .اهـ. الذنب فيه البنه خالد
ُ
قلت :والعجب من احلافظ كيف ينتقد ابن اجلوزي يف ذكره اجلرح للراوي
ُ
وتركه التعديل ثم ُيق ِّلده هنا! مع أنه ذكراهلياج يف «التقريب» وقال عنه :ضعيف،
ونقل يف «التهذيب» عن أيب حاتم ( :يكتب حديثه وال حيتج به) .
قول أيب حاتم ( :وال يحُ تج به) قد ر َّد احلفاظ عبارته هذه يف كثري من الرواة
أن ه َّياج منهم .وقال أيض ًا :روى عن املكي بن
األثبات الثقات ،وال شك َّ
إبراهيم قال :ما علمنا اهل ّياج إال ثقة صادقا عاملا .وقال أبو حاتم حممد بن سعيد
بن هنّاد سألت حممد بن حييى الذهيل عنه فقال :اهلياج عندنا ثقة وقال حييى بن
أمحد بن زياد واهلروي :كل ما ُأ َ
نكر عليه من جهة ابنه ّ ،
فإن اهل َّياج يف نفسه ثقة.
كذاو ّثقهمالكبنسليامنبقوله:كاناهل ّياجأعلمالنّاسوأرمحهموأجلهموأشجعهم
وأسخاهموأف َق َه ُهم.وذكرناتعديلاحلاكمله.فمن كان حاله هذا حسب قواعد أهل
لـم يكن حديثه حسنا لذاته فهو حسن لغريه .
اجلرح والتعديل :إن ْ
أ ّما ابنه خالد ،فقد أجاب الذهبي يف «امليزان» عن جرحه وعدّ له بقوله :
متامسك ،وذكره ابن حبان يف «الثقات» فحديثه صحيح عىل قاعدته وقاعدة
شيخه ،وكالم الذهبي ناسخ لكل عبارات اجلرح التي قيلت فيه.
95
تفريج الكرب يف نفحات رجب
تنبيـه
قول أهل اجلرح عن الراويُ ( :يكتب حديثه وال حيتج به) أي ُ :يكتب حديثه يف
تج به منفرد ًا يف األحكام ،ثانيا :وعندهم رأي
االعتبار ويف الفضائل والسري ،وال يحُ ُّ
آخر يف هذه القاعدةُ :يكتب حديثه عند ا ُملتساهل وال يحُ تج به عند ا ُملتعنِّت.
تنبيه :كالمهم هذا عام مخُ َّصص -أي كال ُم أهل اجلرح والتعديل -إالَّ أيب حاتم
حيث َّ
إن خاص ًا يف كالمه ( ُيكتب حديثه وال يحُ تج به) ُ فإن للحفاظ رأي ًا َّالرازي َّ
ٍ
تَعنُّتَه وتَشدُّ ده جع َله يجَ رح ثقات أثبات ًا هبذه العبارة ،وقد ر َّد عليه ٌ
كثري من أهل
الصنعة ا ُملعتمدين؛ وراجع ما مجعه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة يف حتقيق جواب
احلافظ املنذري ،لذا نُن ِّبه من قرأ هذه القاعدة من أيب حاتم َأالَّ َيعتمد عليها ،بل
عليه بقول غريه يف الراوي ..واهلل املستعان« .هذا من ناحية الصناعة والتنظري» أما
من ناحية التطبيق فهناك َب ْو ٌن؛ وهو أن كثري ًا من الفروع واألحكام رأينا أدلتها
ضعيفة ال يحُ تج هبا ،بل ومنكرة بانفراد الضعفاء ،وقد تكون واهية بأسانيد مظلمة
،فهذا عند املحدثني من حيث الصناعة مردود ،أما الفقهاء واألصوليون فيغضون
الطرف عن األحاديث الواهية والضعيفة واملنكرة عىل منهجهم عند إثبات النَّظر َّية
وإصدار احلُكم ،وكذلك َي َر ْو َن َّ
أن حاجة األخذ بالضعيف والواهي ملوافقته
للحالة التي يحَ تاجون إليها ،أو تكون ُملزمة لدرء نازلة أو إصالح أو مصلحة
ترشيع».
ٌ مرسلة أو عموم بلوى ،لذا قالوا « :حيث ما تكون مصلحة فثم َة
قال احلافظ ابن تيمية يف «جمموع الفتاوى» : 350-349/24قول أيب حاتم :يكتب
مثل هذا يف كثري من رجال «الصحيحني» ،وذلك حديثه وال يحُ ت َُّج به .أبو حاتم يقول َ
(احل َّج ُة) يف اصطالحه ،ليس هو ُ
(احل َّج َة) يف اصطالح أن رشطه يف التعديل صعب .و ُ َّ
مجهور أهل العلم .وأبو حاتم من أصعب الناس تزكي ًة .انتهى .
96
تفريج الكرب يف نفحات رجب
فصل
مل يتّهموا اهل ّياج إال برواية املناكري ،وقد قال احلافظ أبو الفيض
أمحد بن الصديق يف «فتح امللك العيل» صفحة : 93إهنم قد جيرحون الراوي
توسع باطل مردود) .أيضا فقد نقل الذهبي عن
لكونه روى حديثا منكرا (وهو ّ
أمحد بن سعيد بن سعدان أنه قال يف أمحد بن عتّاب املروزي :شيخ صالح ،
روى الفضائل واملناكري -ثم تعقبه بقوله : -ما كل من روى املناكري ضعيف .ثم إن
الذهبي غفل عن هذا فذكر يف «امليزان» احلسني بن الفضل البجيل وقال :مل أر
فيه كالما لكن ساق احلاكم يف ترمجته مناكري ِعدّ ة .
فتع ّقبه احلافظ يف «اللسان» وقال :ما كان لذكر هذا الرجل يف هذا الكتاب
معنى ،فإنه من كبار أهل العلم والفضل .ثم ساق ترمجته إىل أن قال :فلو كان
كل من روى شيئا منكرا استحق أن يذكر يف الضعفاء ملا سلم من املحدثني أحد
ال س ّيام املكثر منهم .اهـ .ثم إن احلافظ استدرك يف «اللسان» أئمة أجالء ال
ب االستكثار. موجب لذكرهم إالَّ الشرَّ َ ُه ُ
وح ُّ
قلت :واهل َّياج ممن وقع يف هذا .وقد ذكر اخلطيب يف «التاريخ» 82/14عن
ُ
أيب حاتم بن هنَّاد :أنه -أي اهل َّياج -حدَّ ث بالعراق واجتمع عليه مائَة ألف من
يتعجبون من فصاحته .وقال املكي بن إبراهيم :كانت ُفتْيا بغداد عليه -
النّاس َّ
ما كان هبا -وحمدّ ثهم ،مل جيتمع ببغداد عىل أحد ما اجتمع عليه ،وكان أكربهم .
وقال احلسني بن عمري األعمش :كان اهل ّياج بن بسطام ال ُي َمكِّن أحد ًا من حديثه
حتى َيط َع َم من طعامه ،كان له مائد ٌة مبسوط ٌة ألصحاب احلديث .
وال ننسى َم ْن قد تك َّلموا يف الطرباين وأيب نعيم وابن منده واحلاكم ومجاع ًة من
املناكري أيضا .
َ احلفاظ ألجل روايتهم
97
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث الثالث
وأخرج البيهقي يف «فضائل األوقات» ( )12عن أنس قال :قال
ِ
للعامل فيها رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم « :يف َر َج ٍ
ب ليل ٌة ُي ْكت ُ
َب
ب َ ،ف َمن صلىّ فيها لثالث َب ِقينْ َ ِمن َر َج ٍٍ حسنات مائَة َسن ٍَة ،وذلك ُ
ور ًة ِمن ال ُق ْر ِ
آن وس ََاب ُ كل َر ْك َع ٍة َفاتحِ َ َة الكِت ِ
ا ْثنَت َْي َعشرْ َ َة َر ْك َع ًة َي ْق َر ُأ يف ِّ
آخ ِر ِه َّن ،ثم يقول ُ :س َ
بحان اهلل وال إله كل ر ْكع َت ِ ويس ِّلم يف ِ
َيت ََش َّهدُ يف ِّ َ َ ينْ ُ َ ُ
صل عىل النبي صىل إال اهلل واهلل أكرب ما َئ َة َم ّرة ،ويستغفر ما َئ َة َم ّرة ،و ُي يِّ
أمر ُدنيا ُه وآخرتِ ِه
اء ِمن ِ ِ ِ
اهلل عليه وسلم مائَة َمرة ،و َيدعو لنفسه بام َش َ
ٍ
معصية» عاء ُه ُك َّله ،إال أن َيد ُع َو يف صبح َصائِ ًام ّ ،
يستجيب ُد َ
ُ فإن اهلل و ُي ُ
ضعيف .
قال البيهقي عقب روايته يف معرض مقارنته باحلديث املتقدم « :اإلسناد الذي
قبله -أي سند اهلياج -أمثل منه» .وذكره يف «شعب اإليامن» 3812وقال :
سنده أضعف من سند حديث سلامن .
الـم َس َّمى «املغني»:
قال احلافظ العراقي يف ختريج أحاديث إحياء علوم الدين ُ
وذكر أبو موسى املديني يف كتاب «فضائل األيام والليايل» ّ
أن أبا حممد اخلبازي
رواه من طريق احلاكم أيب عبداهلل من رواية حممد بن الفضل عن أ َّبان عن أنس ،
وحممد بن الفضل وأ ّبان ضعيفان .اهـ .
وهبذا يكون احلديث ضعيفا ال غري .كام قال احلافظان البيهقي والعراقي .
وقال تلميذه احلافظ يف «تبيني العجب» ّ
بأن سنده مظلم .مع أن احلافظ أخرج
مظلم يعني :منكر ،واهي ،مرتوك ،خملط ،متهم ،كذاب .واملنكر وما بعده مما ذكرنا :
98
تفريج الكرب يف نفحات رجب
من متابع وشاهد يزول إنكاره ويثبت أصله ،أما الكذاب فكام قال بعض احلفاظ :ليس
كل ما يرويه الكذاب كذب ًا ؛ السيام إذا دلت القرائن وشهد الواقع بصدقه.
وكون أن الرتمذي قال عنه يف «السنن»« :10/2ضعيف ذاهب احلديث عند أصحابنا».
فأقول :إن (ذاهب احلديث) ال يعني أن حديثه موضوع؛ ولكن إذا انفرد يكون حديثه
منكر ،واملنكر ضعف نسبي إن جاء املتابع أو الشاهد يزول اإلنكار كام قال أهل
الصنعة.
99
تفريج الكرب يف نفحات رجب
كذاب ،أو ِ
يكذ ُب ،أو فالن يضع احلديث ، (األوىل) وهي أسوأها أن يقال ّ :
دجال.
وضاع ،أو وضع حديثا ،أو ّ
أو ّ
(الثانية) ُمتَّهم بالكذب أو الوضع ،أو فالن ساقط ،وفالن هالك ،وفالن
ذاهب احلديث ،أو ذاهب ،فالن مرتوك ،ومرتوك احلديث ،أو تركوه ،وفالن
فيه نظر ،وفالن سكتوا عنه ،فالن ال يعترب به ،أو ال يعترب بحديثه ،فالن ليس
بثقة .
كذبوه ؛ ليس معناه أنّه ّ
كذاب ،بل (فقول أهل اجلرح) :فالن ليس بثقة أو َّ
دون ذلك كثريا -كام علمت – ولو كان معناه ذلك لكان يف املرتبة األوىل من
ألفاظ اجلرح ،وهم مل يذكروه إال يف أدنى املرتبة الثانية (فظهر من هذا) أن قوهلم
:فالن كذبوه ليس يف قوة قوهلم كذاب فغاية حديث ( حممد بن الفضل بن عطية)
عىل قوهلم مرتوك .
هذا إن س َّلمنا ّ
أن قوهلم َّ :
كذبوه ،أي :اهتموه بالكذب أي :تركوا حديثه ،
أي :أصبح حديثه منكر ًا ال موضوع ًا .وهبذا يظهر أن احلافظ العراقي حكم يف
«املغني» عىل حديث حممد بن الفضل وأ َّبان بالضعف ،وكذا احلافظ توقف يف
احلكم عىل حديث حممد بن الفضل يف «النّتائج» بالوضع ،بل ض َّعفه ال غري.
(ثم) انتـقاده -أي احلافظ -عىل ابن اجلوزي عندما حكم عىل حديث أيب عقال
وسينْ ِ َي ْب ُ
عث اهلل ُ
«عسقالن أحد ال َع ُر َ بالوضع يف «القول املسدد» ولفظ احلديث:
حساب عليهم» احلديث رواه أمحد مرفوعا. سبعني ألف ًا ال
َ ِ
القيامة منها يو َم
َ
هو الذي يعرتف أنه يكذب؛ ألن التهمة ال تستقر حتى يعرتف املتهم هبا ،أما القرائن فهي
خاصة واملجتهد أحد اثنني إما خمطئ أو مصيب ،فإن كان مصيب ًا مبنية عىل اجتهادات َّ
حيتاج إىل إقرار املتهم إذا كان غري متو ِّفر وإن كان مخُ طئ ًا فاخلطأ مرجوع.
100
تفريج الكرب يف نفحات رجب
وأورده ابن اجلوزي يف «املوضوعات» وأ َع َّله بأيب عقال وقال َ :يروي عن أنس
أشياء موضوعة .
فانتقده احلافظ ابن حجر بقوله :هذا احلديث يف فضائل األعامل والتحريض
الرباط وليس فيه ما خيرج عن املرشوع وال العقل ،فاحلكم عليه بالبطالن
عىل ِّ
ملجرد كونه من رواية أيب عقال ال يتّجه ،وطريق اإلمام أمحد معروفة يف التّسامح
يف أحاديث الفضائل دون األحكام .اهـ.
قلت :قال النسائي عنه -أيب عقال -إنه ليس بثقة .ولعلك تفهم من قول
ُ
كذاب ُم ِقر بالكذب .
النسائي (ليس بثقة) أنه َّ
وقال ابن حبان :روى أبوعقال عن أنس أشياء موضوعة.
(ونخرج بفائدة عظيمة يف الفن) َّ
أن املتهم بالكذب إذا َر َوى غريه من
الرواة ما رواه هو ؛ ارتفعت عنه التُّهمة وعلمنا ّ
أن احلديث من طريق له
أصل ؛ ألن املتهم قالوا عنه كذاب بالقرائن .
وهلذا نرى يف كالم احلافظ ابن حجر رمحه اهلل يف حديث «عسقالن» (االستدالل
عىل ثبوته بالشواهد) .
ولو كان أبو عقال كذاب ًا أو ّ
وضاعا ملا نفع يف ثبوت حديثه شاهدٌ مطلقا ،
وكذلك احلال يف حممد بن الفضل بن عطية والدّ ليل الثابت عىل قولنا هو :فعل
احلافظ البيهقي والعراقي وتلميذه ابن حجر عىل حديث حممد بن الفضل يف
«املغني» و «النتائج».
أج ِر ِه» :وقد وقال ابن عدي يف «الكامل» يف حديث َ « :م ْن َع َّزى ُمصاب ًا َف َل ُه ُ
مثل ْ
عيل بن عاصم وهو حممد بن الفضل بن عطية وعبد
رواه عن حممد بن سوقة غري ّ
الرمحن بن مالك بن معول.
101
تفريج الكرب يف نفحات رجب
وقال الزركيش يف «ختريج أحاديث الرافعي» :وهذا كله يرد عىل ابن اجلوزي،
حيث ذكر احلديث يف «املوضوعات» :وقال ابن حجر يف «التخريج» :كل
املتابعني لعيل ابن عاصم أضعف منه بكثري وليس فيها رواية يمكن التعلق هبا
لكن مل يذكر منهم متّه ًام .اهـ.
ولو وضعنا حديث «عسقالن» الذي فيه أبو عقال وحديث «ليلة سبع
ٍ
موازنة (سندا أو متنا) ؛ لرأينا وعرشين من رجب» الذي فيه حممد بن الفضل يف
أنه كان األجدر واألحرى باحلافظ أن يتبع شيخه يف احلكم عىل احلديث ألمور:
َّ .1
أن حديث حممد بن الفضل يف فضائل األعامل وهو من رجال الرتمذي
ومشهور .
أن له شواهدَ ُت َق ِّو ِيه .
َّ .2
.3ال غراب َة يف متنه وال ركاك َة يف لفظه.
.4عا ٌّم وال خمالف َة يف معنا ُه لألصول.
احلديث الرابع
َ
أراك رسول اهلل ِلمَ
َ عن أسامة بن زيد ريض اهلل عنهام قالُ :ق ُ
لت يا
الناس
ُ شهر ُ
يغفل َ
«ذاك ٌ شعبان قال :
َ تَصو ُم من الشهور ما تَصو ُم يف
ورمضان» حديث حسن
َ عنه بني َر َج ٍ
ب
102
تفريج الكرب يف نفحات رجب
َيذكر احلديث :إن أمثل ما ورد يف ذلك ما رواه النسائي من حديث أسامة بن
إشعار بأن يف رجب مشاهب ٌة برمضان
ٌ زيد (وبعد أن ذكر احلديث) قال :فهذا فيه
ّ
وأن الناس يشتغلون من العبادة بام يشتغلون به يف رمضان ،ويغفلون عن
نظري ذلك يف شعبان ؛ لذلك كان يصومه .ويف ختصيصه ذلك الصوم إشعار
وأن ذلك كان من املعلوم امل َق َّرر لدهيم.اهـ.
بفضل رجب َّ
عمها
وروى البيهقي يف «فضائل األوقات» :عن جميبة الباهلية عن أبيها أو ّ
أنَّه أتى رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،ثم انطلق وأتاه بعد سنة ،وقد تغيرَّ ت
ْت» قال :أنا
ف أن َ حا ُل ُه وهيئته ،فقال يا رسول اهلل َأو َما تعرفني ؟ قال ِّ :
«عر ْ
الباهيل الذي جئت َُك َعا َم األول ،قال « :فام َغيرَّ ك ،فقد كنت َح َسن اهليئة؟» قال:
ُّ
أكلت طعاما منذ فارقت َُك إال بليل ،فقال :رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم :
ُ ما
الصرب ،ويوم ًا من كل شهر» قال :زدين َّ ،
فإن «ص ْم شهر ّ« َع ّذ ْب َت َن ْف َس َك» ثم قال ُ :
«ص ْم ثالث َة أ ّيام» قال:
قوة ،قال ُ : ِ
يومني» قال :زدين ،فإن يب ّ «ص ْم
يب قوة ،قال ُ :
واتر ْك ُ ،صم ِ ِز ْدنيِ َّ ،
الـح ُرم ُ
الـح ُرم واترك ُ ،ص ْم من ُ «:ص ْم م َن ُ قوة قال ُ فإن يب ّ
فض ّمها ُث َّم ْأر َس َلها . ِ
الثالث َ بأصابع ِه
ِ الـح ُرم واترك» فقال :
من ُ
وذكره البيهقي (بإسنادين َج ِّيدَ ْي ِن) وقال َع ِق َبه :قال الشيخ ريض اهلل عنه :أمر
رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يف هذا اخلرب أمر استحباب أن يصوم من األشهر
احلرم بعضا ويرتك بعضا ،كذلك كان يصوم رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم من
هذه األشهر .
وقال خامتة احلفاظ واملحققني يف «التبيني» :ومن ذلك ما رواه أبو داود يف
«السنن» برقم ( 2428وذكره) ثم قال :ففي هذا اخلرب -وإن كان يف سنده من
احلرم .
ال يعرف -ما يدل عىل استحباب صيام بعض رجب ألنه أحد األشهر ُ
103
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث اخلامس
وأخرج البيهقي يف «فضائل األوقات» ( )308عن أنس ريض
«م ْن َصا َم ثالث َة أيا ٍم ِم ْن َش ْه ٍر
اهلل عنه عن النبي صىل اهلل عليه وسلم َ :
ُتبت له ِعباد ُة سبعماِ ئَة ٍ اخلميس ُ
سنة »..حديث َ َ ْ تك ْ واجل ُم َع َة َّ
والس ْب َ َ حرام
ضعيف.
قال يعقوب بن موسى ُ :ص َّمت ُأذناي إن مل أكن سمعت راشد ًا ُ
يقول ، ..وقال:
يقول ،..وقال أنس ُ :ص َّمت ُأذناي إن مل
ُص ّمت ُأذناي إن مل أكن سمعت أنَسا ُ
أكن سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ُ
يقول هذا ،قال حممد بن حييى :وأنا
أقولُ :ص ّمت ُأذناي إن مل أكن سمعت يعقوب ُ
يقول هذا.
قال أبو عمر السليامين فتح اهلل عليه :قال العراقي :رواه األَزدي يف «الضعفاء»
من حديث أنس ،ورواه ابن شاهني يف «الرتغيب» ،وابن عساكر يف «التاريخ»
جل ُم َع َة َّ
والس ْب َت اخلميس وا ُ
َ وسنده ضعيف ،بلفظ َ « :م ْن صا َم يف ك ُِّل َش ْه ٍر َح َرا ٍم
ب له ِعبا َد ُة َس ْبعماِ ئ َِة َسن ٍَة» .ورواه الطرباين يف األوسط من طريق يعقوب بن ِ
كُت َ
ب له ِع َبا َد ُة َسنَ َتينْ ِ » .ويعقوب ِ
موسى املديني عن َم ْس َل َمة عن أنس بلفظ « :كُت َ
جمهول ومسلمة ضعيف .وقال تلميذه احلافظ ابن حجر يف «التبيني» صفحة30
ف وجماهيل .
الرازي ويف سنده َض ْع ٌ
بعد أن ذكره :فرويناه يف فوائد متام ّ
قلت :ليس فيه إال يعقوب بن موسى جمهول ،وقال احلافظ أبو الفيض أمحد بن
ُ
الصديق يف «املداوي» : 342/6وجدت احلديث يف «تاريخ واسط» ألسلم بن
سهل وذكر سنده وفيه «كُتب َل ُه ِع َبا َد ُة َسن ٍَة» ،وراشد بن معبد هذا اختلفوا فيه
وتناقض فيه ابن حبان فذكره يف «الثقات» ويف «الضعفاء» وقال :روى موضوعات
.وقال أبو داود :ال بأس به ..اهـ .وقال احلافظ السيوطي رمحه اهلل يف الفتاوى
104
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث السادس
عن أنس رىض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم:
اض ًا ِمن ال َّل َب ِن وأحىل من
ب أشدُّ َب َي َ قال له َ :ر َج ٌاجلن َِّة هَنر ًا ُي ُ
«إن يف َ
َّ
ب يوم ًا َس َقا ُه اهللُ ِمن ذلك الن َّْه ِر» أخرجه ال َع َس ِلَ ،من َصا َم ِمن َر َج ٍ
البيهقي يف «فضائل األوقات» ( )8بسند ضعيف.
قال خامتة احلفاظ ابن حجر يف «تبيني العجب» :لكن ال يتهيأ احلكم عليه
بالوضع .وقال احلافظ السيوطي يف «احلاوي» : 419/1من ِق ْس ِم الضعيف
الذي جتوز روايته يف الفضائل ،أخرجه أبو الشيخ ابن حبان يف «الصيام»
واألصبهاين وابن شاهني كالمها يف «الرتغيب» .
105
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث السابع
روى البيهقي يف «فضائل األوقات» ( )14عن أنس ريض اهلل عنه
«:الله َّم َب ِ
ار ْك لنا ُ رجب قال
ٌ أن النبي صىل اهلل عليه وسلم كان إذا دخل
عبان و َب ِّلغنا َر َم َ
ضان» حديث ضعيف وش َ يف َر َج ٍ
ب َ
ٌ
حديث ليس بالقوي -أي :مقبول -رواه قال احلافظ يف «تبيني العجب» :
الرقاد ،روى عنه
يوسف القايض يف كتابه «الصيام» ،تفرد به زائدة بن أيب ُّ
مجاعة ،قال البخاري :منكر احلديث .وقال احلافظ األملعي ابن رجب احلنبيل
بعد أن ذكره يف «لطائفه» :احلديث يدل عىل استحباب الدعاء بالبقاء إىل األزمان
الفاضلة إلدراك األعامل الصاحلة ،فإن املؤمن ال يزيدُ ه عمره إال خريا ،وخري
الناس من طال عمره وحسن عمله .
وكان السلف يستحبون أن يموتوا عقب عمل صالح من صوم رمضان ،أو
رجوع من حج ،وكان ُيقال :من مات كذلك غفر له .وكان بعض العلامء
الصاحلني قد مرض قبل شهر رجب فقال :إين دعوت اهلل أن ّ
يؤخر وفايت إىل
شهر رجب فإنه بلغني َّ
أن هلل فيه عتقاء ؛ فبلغه اهلل ذلك ومات يف شهر رجب .
احلديث الثامن
«أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم
عن أيب هريرة ريض اهلل عنه َّ :
وشعبان» .
َ رجب
َ رمضان إال
َ مل َي ُص ْم بعدَ
106
تفريج الكرب يف نفحات رجب
احلديث التاسع
تضاعف احلسنات يف رجب
روى البيهقي يف «فضائل األوقات» ( : )9عن سعيد بن عبدالعزيز
عن أبيه قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم َ :م ْن صا َم يوم ًا ِم ْن
ِ ت َعنه سبع ُة وم ْن َصا َم سبع َة أيا ٍم ُغ ِّل َق ْ ٍ َر َج ٍ
أبواب ب كان كصيا ِم سنةَ ،
وم ْن َصا َم أبواب َ ِ
ِ وم ْن صام ثامني َة أ َّيا ٍم ُفتِ َح ْ
ت له ثامني ُة
اجلنَّة َ ، َج َهن ََّمَ ،
وم ْن َصا َم مخس َة َ
عرش وجل شيئ ًا إال أعطا ُه َ ، عرش َة أيا ٍم مل َي ْس َأ ِل اهللَ ع ّز ّ
َ
العمل ،قد فف فاستأنِ ِلك ما َس َل َ السامء :قد ُغ ِف َر َ
ِ مناد ِمن
يوم ًا نادى ٍ
ُك حسن ٍ ُبدِّ َل ْ
َاتَ ،و َم ْن زَا َد زا َد ُه اهللُ» حديث ضعيف. ت َس ِّيئَات َ َ َ
ِ
ويف رجب حمُ َل ٌ
نوح يف السفينة ،فصام نوح عليه السالم وأمر من معه أن
107
تفريج الكرب يف نفحات رجب
يصوموا ،وجرت هبم السفينة ستة أشهر اىل آخر ذلك ،لعرش خلون من املحرم
-كام جاء يف تتمة احلديث .-
طرق وشواهدُ ضعيف ٌة ال
قال احلافظ السيوطي يف «احلاوي» بعد أن ذكره :له ٌ
تث ُب ُت ،إال أنه يرتقي عن كونه موضوعا.
وذكر يف «احلاوي» أيضا قبل أن ُيـجيب عن كل حديث :إنه من قسم الضعيف
الذي جتوز روايته يف الفضائل .
قلت :أورد طرقه يف «الآللئ املصنوعة» ، 116/2ومنها روى اخلطيب أنبأنا
ُ
الرزاز أنبأنا عثامن بن أمحد الر َّقاق حدثنا خلف بن احلسن بن َّ
حران عيل بن أمحد َّ
حل ْف ِري حدثنا فضالة بن حصني حدثنا
اجلزار ا َ
الواسطي حدثنا زكريا بن حييى َّ
أبو عبداهلل عن الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن أيب ذر رشدين
الـحكم عىل حديث رشدين ..قال احلافظ ابن حجر يف (حديث الديك) : فائدة ُ :
رشدين ضعيف ولكن مل يبلغ إىل أن حيكم عىل حديثه بالوضع .اهـ.
وقال السيوطي :روى له الرتمذي وابن ماجه ،وقال فيه أمحد :ال يبايل عمن روى ،ال
بأس به يف الرقائق .وقال أيضا :أرجو أنه صالح احلديث .أما الذهبي فقال :كان عابدا
صاحلا يسء احلفظ .
ضعف ُه من ِق َبلِ سوء حفظه ،أما يف الرقائق والفضائل
حس َن احلفاظ لكل من كان ُ
قلت َّ :
ُ
فعىل مذهب أكثر احلفاظ حيسن حديث (يسء احلفظ) بدون توقف ونظر ،بل خلص
الطعن يف بعض رجال مسلم من قبل حفظهم .كذا حتسني أيب داود والرتمذي واحلاكم،
وتصحيح الضياء وابن حبان وابن خزيمة لرجال يف حفظهم مقال .
108
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ورشدين بن سعد واحلكم بن مروان ومها ضعيفان أيضا ،لكن اختلف عليه يف
اسم الصحايب ،ففي رواية رشدين عن أيب ذر ،ويف رواية احلكم عن ابن عباس،
فال أدري هل الغلط من أحدمها أو من شيخهام ،وميمون بن مهران قد أدرك ابن
عباس ومل يدرك أبا ذر .اهـ.
قلت :ومن شواهده التي تثبت َّ
أن له أصال ما أخرجه احلافظ يف جزءه ُ
عن فوائد القايض وذكره بسند إىل خالد الزيات قال :بلغنا أن نوح ًا ركب
السفينة أول يوم من رجب وقال ملن معه من اإلنس واجلن ( :صوموا هذا
النار عنه مسرية سنة ،ومن صام منكم سبعة ِ
اليوم ،فإنه َمن صام منكم َب ُعدَ ت ُ
أيام ُأغلقت عنه أبواب النريان السبعة ،ومن صام منكم ثامنية أيام فتحت له
أبواب اجلنة الثامنية ،ومن صام منكم عرشة أيام قال اهلل له َ :س ْل ُت ْع َطه ،ومن
است َْأنف العمل فقد ُغ ِف َر لك ما مىض، صام منكم مخسة عرش يوما قال اهلل له ْ :
ومن زاد زاده اهلل) .
قال أمري املؤمنني يف احلديث احلافظ ابن حجر رمحه اهلل :هذا موقوف وسنده
ضعيف - .ولكن له حكم الرفع . -
قلت :فيه عمرو بن مدرك القايض ضعيف .
ُ
وقال إسحاق بن إبراهيم َ
الـختيل :حدثنا احلسني بن عيل بن يزيد الصدائي ،
ٍ
رجب شهر حدثنا أيب ،حدثنا هارون بن عنرتة ،عن أبيه ،عن عيل مرفوعا َّ :
«إن َ
عظيم َم ْن َصا َم منه يوم ًا» وذكره ،قال السيوطي يف «الآللئ» :ال يصح
ٌ شهر
ٌ
هارون يروي املناكري .
قلت :هارون بن عنرتة قال عنه احلافظ يف «التقريب» :ال بأس به .وقال احلافظ
ُ
الذهبي يف «املوقظة» صفحة : 81وقد قيل يف بعضهم ..فالن ليس به بأس ...
109
تفريج الكرب يف نفحات رجب
فهذه العبارات كلها جيدة ليست مض ِّع َف ًة حلال الشيخ ،نعم وال ُم َر ِّق َي ًة حلديثه إىل
درجة الصحة الكاملة املتفق عليها .اهـ .وقال الذهبي يف «املغني» رقم 6700
عنه :و َّثقه أمحد وابن معني -وكفى هبام توثيق ًا . -
قلت :روى عنه النسائي مع تعنته ،لكن كأن السيوطي رأى غرابة يف متنه لكثرة أجر
ُ
صيام يوم من رجب ! مع أن إطالق احلديث القديس الصحيح «الصو ُم يل وأنا أجزي
به» يدل عىل أنه ال هناية وال حتديد ألجر الصيام ،ويف احلديث داللة واضحة عىل
أن صوم رمضان أكثر أجر ًا من غريه.
وقد جاء يف فضل من صام عاشوراء أنه ُيك ِّفر سنة ،وصوم عرفة سنتني،
وصيام رمضان وستة أيام من شوال يعدل صيام الدهر الذي ال ُت َعدُّ وال
حتىص أ َّيامه كام جاء يف صحيح مسلم : 822/2عن أيب أيوب األنصاري
اك ِصيا ُم الدَّ هر» . ٍ
شوال َف َذ َ ان ُث َّم أ ْت َب َع ُه ِستّا من
مرفوعا َ « :م ْن َصا َم َر َم َض َ
ومن املنح اإلهلية ما جاء :عن سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه قال :قال رسول
أكل طعام ًا فقال :احلمدُ هلل الذي أ ْط َع َمنِي هذا اهلل صلىَّ اهلل عليه وس َّلم َ « :م ْن َ
ول ِمنِّي وال ُق َّو ٍة ُغ ِف َر له ما َت َقدَّ َم ِمن َذنْبِ ِه» رواه الرتمذي ، َو َر َز ْقنِ ْي ِه ِم ْن ِ
غري َح ٍ
110
تفريج الكرب يف نفحات رجب
وقال :حديث حسن غريب .واألحاديث يف هذا الباب ال تعد وال حتىص.
ِ
رسول اهلل «أقبلت مع
ُ ونختم كالمنا بحديث أيب هريرة ريض اهلل تعاىل عنه قال :
ال يقرأ :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ
صىل اهلل عليه وسلم فسمع رج ً
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [اإلخالص ]٤ - ١ :فقال
جلنَّ ُة. َ
رسول اهلل ؟ قال :ا َ رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم َ :و َج َب ْت .فسأل ُت ُه :ماذا يا
الر ُج ِل ُفأ َبشرِّ َ ُه ،ثم َف ِر ْق ُت أن يفوتَنِي الغدا ُء
أذهب إىل َّ
َ فأردت ْ
أن ُ قال أبو هريرة :
ِ
الرجل فوجد ُت ُه ذهبت إىل
ُ فآثرت الغدا َء ،ثم
ُ مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،
قد َذ َهب» .رواه اإلمام مالك والنسائي والرتمذي واحلاكم وصححه .
احلديث العارش
الدعاء : فيهن «مخس ٍ
ليال ال ُي َر ُّد َّ عمر ريض اهلل عنهام قال:
ُ ُ عن ابن َ
النصف من شعبان ،وليلتا ِ وأول ٍ
ليلة من َر َج ٍ
ب ،وليل ُة اجل ُم َع ِة ُ ،
ليل ُة ُ
العيدين» .
رواه البيهقي يف «فضائل األوقات» ( )149بسند ضعيف ،وعبدالرزاق يف «مصنفه»
،317/4وذكره احلافظ ابن رجب يف «لطائف املعارف» :عن عمر بن
عبدالعزيز.
وقال أمري املؤمنني وخامتة املحققني سيدنا احلافظ بن حجر العسقالين يف
كتابه «تبيني العجب» :وقال اإلمام الشافعي بلغنا أنه كان يقال :إن الدعاء
انظر هذا القول ملوالنا اإلمام الشافعي يف كتابه «األم» ،264/1وذكره عنه احلافظ
البيهقي يف «السنن الكربى» ، 319/3ويف «فضائل األوقات» ص ، 313ويف «معرفة
السنن واآلثار» ، 67/3واإلمام النووي يف «املجموع» ، 34/5ويف كتابه «روضة
الطالبني» ، 582/1واحلافظ يف «تلخيص احلبري» .. 19/5وغريهم .
111
تفريج الكرب يف نفحات رجب
أخرجه أمحد ،و البخاري ،ومسلم ،وأبو داود ،والبيهقي يف الشعب كام أخرجه أيض ًا
يف السنن .
أخرجه ابن جرير يف التفسري ،وابن املنذر -كام عزاه له الشوكاين ، -وابن أيب حاتم يف
التفسري ،والبيهقي يف الشعب .
112
تفريج الكرب يف نفحات رجب
اخلامتة
نسأل اهلل ُح ْسنها
الفائدة األوىل
وظائف رجب
األوىل ( :فضل الصيام يف رجب)
ذكرت فيه فصال كامالً ،إال أين َأر َغب أن أنقل هنا ما ذكره احلافظ ابن
ُ وقد
رجب يف فضل صيام رجب؛ حيث قال ( :وقد كان بعض السلف يصوم
األشهر احلرم كلها ،منهم ابن عمر واحلسن البرصي وأبو إسحاق السبيعي.
أحب إ َّيل أن أصوم فيها) .
وقال الثوري :األشهر احلرم ُّ
وعن قيس ابن ع ّباد :ليس يف األشهر احلرم شهر إال يف اليوم العارش منه خري؛
قال :ففي العارش من ذي احلجة النحر يوم احلج األكرب ،ويف املحرم العارش
عاشوراء ،ويف العارش من رجب ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ[ الرعد.]٣٩ :
احلج -أو قال - ِ
أشهر ِّ وروى خالّد الصفار عن «مسلم» :صيا ُم يو ٍم من
يعدل شهر ًا ،وصيام يو ٍم من غري األشهر احلر ِم ِ
يعدل عرش ًا . األشهر احلرم ُ
ُ
(نحوه) لكنَّه قال ( :من ا ُمل َح َّرم) فيحتمل أنه أراد جنس
ُ ور ِو َي عن النخعي
ُ
ور ِو َي معناه مرفوعا من حديث أنس ،وإسناده ضعيف
املحرمة ُ .
َّ األشهر
جدا.
الثانية ( :فضل َّ
الذ ْب ِح يف رجب)
يف سنن أيب داود والنسائي وابن ماجه عن خمنف بن سامل الغامدي أن النبي
أهل ك ُِّل ٍ
بيت يف ِّ
كل عا ٍم أضحي ًة أو صىل اهلل عليه وسلم قال بعرفة « :إن عىل ِ
َعتِريةً»
113
تفريج الكرب يف نفحات رجب
الفائدة الثانية
املجالس يف احلجاز
جمالس تعقد يف أيام حمدودة يف كل أسبوع للصالة عىل سيدنا رسول اهلل
الـمنيفة ؛ وظيف ٌة أقام ِ
صىل اهلل عليه وسلم ،وقراءة سريته الرشيفة ومناقبه ُ
اهلل عليها طائف ًة من عباده الصاحلني وأعظِم هبا من وظيفة .وقد اعرتض
عليها فئتان :
114
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ألهنم ُيريدون نص ًا رصحي ًا عىل جوازها ويرفضون ما يدخل حتت األصل العام ،وال
ترده شبه .
أي الذي أصبح معمو ً
ال به وأمر ًا مرشوع ًا إما باستدالل نص ظاهر رصيح أو بدليل عقيل
كاالستحسان واملصلحة املرسلة .
115
تفريج الكرب يف نفحات رجب
ُعر َض
واجبة وحمرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال :والطريق يف ذلك أن ت َ
البدعة عىل قواعد الرشيعة فإن دخلت يف قواعد اإلجياب فهي واجبة ،أو
يف قواعد التحريم فمحرمة ،أو الندب فمندوبة ،أو املكروه فمكروهة ،أو املباح
فمباحة ..وذكر أمثلتها.
تنبيه :وقد وافق اإلما َم الشافعي يف ذلك ُ
أكثر العلامء منهم ابن حزم وابن
األثري والغزايل ،وقال ابن رجب احلنبيل يف «قواعد األحكام» ص ( : 204املراد
بالبدعة :ما أحدثت مما ال أصل له يف الرشيعة يدل عليه ،أما ما كان له أصل من
الرشع يدل عليه فليس ببدعة رشعا وإن كان بدعة لغة) .
وقال العز ابن عبدالسالم يف «قواعد األحكام» يف البدعة ( :فِ ْع ُل ما مل ُيعهد يف
عهد النبي صىل اهلل عليه وسلم) .
وقال شارح «املشكاة» ( :وكل ما وافق أصول سنة أو قواعدها أو قيس عليها
فهو بدعة حسنة ،وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضالل) .وإىل هذا االجتاه مال
سلطان العلامء (العز بن عبدالسالم والنووي وأبو شامة) كام جاء يف «البدعة»
عزت عيل عط ّية.
للدكتور َّ
ولنذكر بعض األدلة املؤ ِّيدة للبدعة احلسنة :فهذا القرآن يؤيدها :أخرج سعيد
بن منصور يف «سننه» قال :حدثنا هشيم ثنا زكريا بن أيب مريم اخلزاعي سمعت
أبا ُأمامة حيدث :قال ( :إن اهلل كتب عليكم صيام رمضان ومل يكتب عليكم
قيامه ،وإنام القيام يشء ابتدعتموه ،فدوموا عليه وال ترتكوه ؛ فإن ناسا من بني
إرسائيل ابتدعوا بدعة ابتغاء رضوان اهلل فعاتبهم اهلل برتكها ثم تال ﮋ ﮓ
اكتسبت
ْ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [احلديد .]٢٧ :وعىل ذلك فالرهبانية بدعة
ُح ْسنها بإقرار اهلل تعاىل هلا ،ولو مل يرد هذا اإلقرار لكانت بدعة مذمومة .
116
تفريج الكرب يف نفحات رجب
117
تفريج الكرب يف نفحات رجب
قال سيدي عبداهلل بن الصديق -بل وغريه أيض ًا ذكر هذا -بعد ذكرها :هذه
نامذج من املحدثات يف أصول الدين ،وهي وما شاهبها من أقوال الفرق الضالة،
ليس أحدث يف ِ
أمرنا هذا َما َ َ يتنزل عليها قول النبي صىل اهلل عليه وسلم َ « :م ْن
ّ
منه فهو َر ٌّد» .
بدعة املتشددين املعارصين :املتشددون املعارصون الذين يكيلون الكفر
بال ُق ْف َزان للمؤمنني بكل جرأة؛ وما علموا أهنم هم الذين يبوؤون بالكفر
حقيقة ألهنم ك َّفروا املؤمنني ،كام جاء يف احلديث الذي أخرجه الشيخان عن ابن
فإن َ
كان كام ِ
ألخيه :يا كافر ،فقد با َء هبا أحدُ مها ؛ ْ ُ
الرجل عمر مرفوع ًا« :إذا َ
قال
قال و إال َر َج َع ْت عليه» .وبعضهم حيمل اآليات الواردة يف الكفار واملرشكني عىل
املؤمنني املوحدين.
وقد جاء يف «املوافقات» للشاطبي ،عند كالمه عىل وجوب معرفة سبب
نزول اآليات :روى وهب عن بكري أنه سأل نافعا :كيف كان رأي ابن عمر يف
رشار خلق اهلل ،إهنم انطلقوا إىل آيات ُأنزلت يف الكفار
ُ احلرورية ؟ قال ( :هم
فجعلوها عىل املؤمنني) .قلت :رواه البخاري ..وغريه
قال أبو عمر السليامين فتح اهلل عليه :وهكذا ر َأينا املتشددين؛ كام يدل عليه رأي
ابن عمر ريض اهلل عنهام يف احلروريةَّ ،
ألن العلة متحدة كام هو ظاهر واضح،
وإن التفرقة هي ثم إن فعلهم هذا يبذر بذور الشقاق والتفرقة بني املسلمنيَّ ،
جابر مرفوعا: ِ
الوسيلة الوحيدة التي ت ُْضعف املسلمني ،وكام جاء يف حديث َ
اجلامعة رمح ٌة ،ويف ال ُف ْر َق ِة
ِ خري مما حت ُّبون يف ال ُف ْر َق ِة ،ويف َ
تكرهون يف اجلامعة ٌ «وما
القفيز :مكيال ،وهو ثامنية مكاكيك عند أهل العراق ،واجلمع أقفزة أو ُقفزان وهو من
األرض قدر مئة وأربع وأربعني ذراعا .انظر «لسان العرب» .395/5
118
تفريج الكرب يف نفحات رجب
119
تفريج الكرب يف نفحات رجب
«ما أحب أن أصحاب حممد صىل اهلل عليه وسلم ال خيتلفون؛ ألنَّه لو كان قوال
واحدا لكان الناس يف ضيعة ،وأنهَّ م أئمة ُيقتدى هبم ،فلو أخذ رجل بقول
أحدهم كان سنة»..
وأقول ك ُّفوا املالم واسمعوا كالم اإلمام الشاطبي يف «االعتصام» :417/2
«فوسع األ َّمة – املرحومة – بوجود اخلالف الفرعي فيهم ،فكان فتح لألمة
للدخول يف هذه الرمحة» ..ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [البقرة.]٢٨٦ :
أما الفئة الثانية :فقد رد عليهم حكيم األمة شيخ اإلسالم ابن عطاء اهلل ؛ فقال:
أظهر اهلل فيه) من ِ
غري ما َ( ما ت ََرك من اجلهل شيئا من أراد أن ُيـحدث يف الوقت َ
ِ
والصالة عىل سيد البرش ،أو سام ِع سرية حبيب اهلل صىل اهلل عليه جمالس الذكر ،
وسلم ،فإذا كان املنتقدُ للوظائف الدنيوية التي أقام اهلل عليها طائف ًة من عباده مل
َّج ُه بالنقد إىل من وفقهم اهلل لذكرهيرتك من اجلهل شيئا ،فام بالك بحال من يت ِ
وذكر هاتني الروايتني احلافظ السخاوي يف «املقاصد» ص 70بألفاظ ُأخر :عن
القاسم بن حممد ،قال« :اختالف أصحاب حممد صىل اهلل عليه وسلم رمحة لعباد اهلل»..
رسين لو أن أصحاب حممد
ومن حديث قتادة :أن عمر بن عبد العزيز كان يقول« :ما َّ
صىل اهلل عليه وسلم مل خيتلفوا؛ ألنهَّ م لو مل خيتلفوا مل تكن رخصة» ..
120
تفريج الكرب يف نفحات رجب
121
تفريج الكرب يف نفحات رجب
النتيجة :قال احلافظ الزاهد العارف الويل ابن رجب احلنبيل يف «لطائف
املعارف» ص : 212أن املنفرد بالطاعة عن أهل املعايص والغفلة قد ُيدفع به
البالء عن الناس كلهم ،فكأنه حيميهم ويدافع عنهم .
فهذه املجالس تفيض باخلري و جيتمع فيها من الصاحلني و تُرفع فيها من
الدعوات وتتنزل عليها الرمحات .
ثانيا :أما مشكالت العامل اإلسالمي فلها املتخصصون وإدارات البحوث
واملجمعات الفقهية أو العلامء املتفرغون للبحث الذين تبدأ رتبتهم من ُمـحضرِّ
َّ
النصوص وحمرر العبارة ،وتنتهي بالعامل النحرير ( الذي مجع التحرير والتقرير):
وهم فئة ألبسهم اهلل رداء العلم وجعله شغلهم الشاغل ،نفعنا اهلل هبم وحرشنا
يف زمرهتم .
ِمن احلارضين مع الصادقني يف العمل والنية عىل واسع موائده ،وجيعل القبول
وجهة توجهناها ،ويف كل أمن َّي ٍة طلبناها ،بوجاهة سيد األولني
ٍ قرين ًا لنا يف كل
واآلخرين صىل اهلل عليه وآله وصحبه أمجعني ،واحلمد هلل رب العاملني .
رجب اخلري 1424هـ .
ِمن دعاء اإلمام العارف باهلل احلبيب عيل بن حممد بن حسني احلبيش قدس اهلل روحه
ونفعنا به .
122
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
ﭑﭒﭓ
احلمد هلل عىل ما أنعم وأهلم وع َّلم ،وصىل اهلل وسلم وبارك عىل سيدنا حممد
املع ِّلم للناس اخلري وعىل آله ذوي الفيض األكرم.
أما بعد ؛ فهذا بحث مل ُأسبق -واحلمد هلل -إليه ،وال ُغل ْب ُت -واملنة هلل
السابع والعرشين من رجب هي -عليه ،حيث أين ُأثبت -بتوفيق اهلل -فيه أن ّ
فيض
ليلة إرساء سيد األنبياء واملرسلني ومعراج حبيب رب العاملني ،وما هو إال ُ
أساس ُه َمنَار ،ومتنه أنفاس األبرار. اهلبات وعط ّي ُة ِّ
رب الرب ّيات ُ
وكام قال العلامء األخيار :املؤ َّلفات تتفاضل بفخامة األرسار ،ال بضخامة
والثمر ال باهلدَ ر .
َ وبالز ْهر
األسفار َّ ،
ف اإلنسان يدُ ُّل عىل فضله ،ونقصه عنوان .
وقال أهل املعرفة والبيان ُ :م َؤ َّل ُ
وقال أهل الورع والزهد :من طلب عيبا َو َجدَ ،ومن افتقدَ َز َل َل أخيه بعني
الرضا َف َقدْ َف َقدَ .
ِّ
الكامل ٌ
حمال لغري ذي اجلالل وعىل اهلل االتكال يف املبدأ واملآل. ُ وخامتة املقال :
ومواهب
َ وحيسن أن نستشهد بقول ابن مالك ( إذا كانت العلوم ِمنَح ًا إهلي ًة
اختصاصي ًة ُ
فغري مستبعد أن ُيدّ خر لبعض املتأخرين ما َعسرُ َ فهمه عىل كثري من
املتقدمني) ومن اهلل استمد اإلعانة والتوفيق .
راجي عفو ربه احلنان املنان قديم اإلحسان
أبو عمر عبدالعزيز بن عرفة السليامين
127
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
املسلك األول:
يف أن السابع والعرشين من رجب هي ليلة اإلرساء واملعراج
(متهيد) :من املعلوم و املقرر يف أصول الفقه :أنه ال جيوز االعتامد والعمل عىل
أقوال األئمة املتعارضة يف مسألة .كام أن املعلوم املقرر عند العلامء :أن العمل
والفتوى ال جيوز أن تكون بغري الراجح واملشهور.
واتفق األصوليون عىل أن الراجح :ما َق ِو َي دلي ُله .
واملشهور :ما َك ُث َر قائله .كام قال ابن احلاجب .
فإن كان اجلمع بينهام ممكن ًا وجب املصري إليه.
وراجح ْ ٌ مشهور
ٌ ثانيا :إذا تعارض
وصلالسبيل الوحيد الـم ِ
ُ وإذا تعارضا -أي :الدليالن ُ -يقدَّ م الراجح ؛ ألنه
ُ
إىل معرفة الصواب من اخلطأ عند تعارض األقوال وتناقضها :ويكون هو الدليل
ح ّق ًا .وهذا قول القايض ابن العريب يف «أحكام القرآن».
قال أبو عمر السليامين :فإن مل يوجد الراجح يؤخذ باملشهور من األقوال
الـمنازع. ويكون دلي ً
ال لعدم ُ
فصل
حررناه وأحطت ُخبرْ ا بام ذكرناه و َب َّينَّا ُه فاعلم :أن العلامء قد
إذا تقرر لديك ما ّ
اختلفوا يف وقت املعراج إىل عرشة أقوال كام قال احلافظ ..منها:
• جزم ابن العريب حيث قال ( :كان يف ربيع اآلخر قبل اهلجرة بسنة)
ورجحه ابن املنري .
َّ
• جزم الواقدي أنه كان يف رمضان وكذا عن أيب سمرة .
128
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
شوال .
• واستنتج احلافظ من قول ابن فارس أنه كان يف ّ
• وقيل :يف رجب ،حكاه ابن عبدالرب وجزم به النووي يف «الروضة» (إهنا
الليلة السابعة والعرشين من رجب) وإليه ذهب ابن األثري والرافعي .
قال العالمة الكوثري يف «مقاالته» ص : 416ومن قال :إهنا قبل سنة ونصف
من اهلجرة يكون يرى هذا الرأي مثل ابن قتيبة وابن عبدالرب ّ ،
ألن اهلجرة
كانت يف ربيع األول فالسنة قبلها من صفر إىل صفر تراجعا ،والستة األشهر
قبلها من املحرم إىل شعبان بالرتاجع فتكون األيام الثالثة عن آخر رجب غري
مذكورة تُركا لكرس الطرفني وعىل ذلك ُع ِم َل .
وبالغ ابن حزم فنقل اإلمجاع ؛ ألنه قال ( :كان يف رجب) -وذلك
باالستقراء أو بام ظهر له باألدلة الراجحة -واهلل أعلم.
ور ِو َي عن القاسم بن حممد أن اإلرساء بالنبي صىل اهلل عليه وسلم (كان يف
• ُ
السابع والعرشين من رجب) .
وكذلك تبعهم املحدث مجال الدين كام َن َقل عنه امل َّ
ال عيل قاري يف «رشح
الشفا» .
نتيجة :إذا نظرت يف هذه املقدمات متنقال من األوىل إىل الرابعة عىل الرتتيب
خرجت ال حمالة بالنتيجة القائلة( :إن اإلرساء كان يف رجب)
َ الذي ذكرناه؛
وذلك عمال بقاعدة (األخذ باملشهور عند انعدام الراجح) وهو األخذ باألكثر.
129
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
املسلك الثاين:
يف أن السابع والعرشين من رجب هي ليلة اإلرساء واملعراج
يتكون من حديثني ..
ِ
السامء (األول) األصل املطلق :حديث اإلرساء املشهور؛ وفيه« :فلام ُ
جئت إىل
ُ
جربيل .قال : ِ
خلازن السامء :افت َْح .قال َ :م ْن هذا ؟ قال :هذا الدنيا قال جربيل
هل معه أحدٌ ؟ قالَ :نعم معي محُ َمدٌ صىل اهلل عليه وسلم .فقالَ :أ ُأ ِ
رس َل إليه؟ َّ َ ْ
قال :نعم» .
(الثاين) أ ّما النص املق ِّيد :فهو حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه؛ أخرجه أبو
موسى املديني بسند صحيح يف «فضائل الليايل واأليام» َّ :
«أن رسول اهلل صىل
َتب اهلل عز وجل
اهلل عليه وسلم قال َ :م ْن صا َم يوم السابع وعرشين من رجب ك َ
له صيا َم ستني شهرا ،وهو اليوم الذي هبط فيه جربيل عىل حممد صىل اهلل عليه
وسلم بالرسالة» .
فباجلمع بني املطلق واملق َّيد يف احلديثني يظهر سؤال للربط بني احلديثني تقديره:
َ
أرسل إليه ؟ وجوابه نص حديث أيب هريرة «يو َم السابع والعرشين من متى
رجب»..
مرة أخرى املذكور سابق ًا و َيتك ََّرر اجلواب املذكور
وبمعنى آخر يظهر السؤال َّ
سابق ًا وهكذا توضيح ًا لإلهبام وتبليغ ًا لألفهام.
أل َّن املرتادفني �إذا ا�ستويا يف الداللة قام
كل واحد منها مقام آالخر
وفيه ُب ِع َث حممد صىل اهلل عليه
ويف رواية سلامن ( :وهو لثالث ب ِق َ من رجب ِ
َ ينْ
وسلم إىل السامء بعد أن أرسل إليه) .
130
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
عر َج إىل السامء بعد أن ُأرسل إليه وجاءه اإلذن بالعروج إىل ِ
قلت :أي ل َي ُ
ُ
السامء.
وحيث إن اجلمع بينهام ممكن -ألنه ال جيوز أن يكون حديثان متناقضني
يف حادثة واحدة يف وقت واحد ، -حيث إن اجلمع بني الدليلني ُم َقدَّ ٌم عىل
الرتجيح ،فكيف ترجيحه (عىل اخلالف) واجلمع بينهام ممكن من وجوه يف غاية
الوضوح والظهور بجملها؛ أما الوجه األول ّ :
أن النص الناطق الصحيح مق ِّيدٌ
للنص املشهور الرصيح .
الوجه الثاين :العمل الصادق من اخلاص والعام يف ليلة السابع والعرشين
من املتقدمني واملتأخرين وهي العادة الفعلية مق ِّيد ٌة أيضا له (ألن ال ُع ْرف عند
األصوليني يخُ ِّصص العام) كام ذكر الرسخيس يف املبسوط .واهلل املستعان.
(حتقيق املناط)..
الوجه الثالث :من احلديث املشهور ،ذهب العلامء إىل أن وقت اإلرساء
مطلق ،ومتسكوا بظاهر احلديث املشهور .لذلك ق َّيدوا هذا اإلطالق باجتهادات
واستنباطات أ َّدت إىل خالفات ذكرهتا يف املسلك األول .
واقع يف حديث أيب هريرة الوجه الرابع ُّ :
النص املق ِّيد الذي يرفع هذا اإلطالق ٌ
نص يف موضع اخلالف ال ُيـحتمل غريه .
ريض اهلل عنه ،ال يف اختالفاهتم ألنه ٌّ
واملقصود هنا :هو بيان أن اخلالف ال جيوز مراعاته إذا كان خمالف ًا لنص
عني ما اشرتطه علامء سائر املذاهب ،وقد َ
بالغ ابن حزم فقال يف صحيح .وهذا ُ
النص عىل خالفه) .
جيوز مراعاة قول أحد عند ثبوت ِّ
«املحىل» ( :ال ُ
وإثبات ذلك من وجوه :
الوجه األول :قوله « :وهو اليوم الذي هبط فيه جربيل عىل حممد صىل اهلل •
131
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
عليه وسلم بالرسالة» وال شك أنه هبط إليه بالرسالة واإلذن للعروج إىل السامء،
وليس لبدء الوحي ؛ ألن بدء الوحي كان يف رمضان كام اتفق العلامء ،وقالوا كام
جاء يف «فتح الباري» « :يكون اإلرسال إليه للعروج إىل السامء وهو األظهر» .
وقال غريه :ليس السؤال استفهاما عن بعثته ؛ لبلوغها من الظهور يف امللكوت
إىل ما ال خيفى عىل اخلازن ؛ ألن كل حدث خربه يف السامء قبل أن يظهر عىل
األرض ،كام جاء يف حديث ثوبان الذي أخرجه أمحد .
قلت :والدليل :حديث ثوبان الذي أخرجه أمحد 149/19مرفوعا ولفظه: ُ
إن فالن ًا
وجل جلربيل ّ :عز َّ «إن العبدَ ل َي ْلت َِم ُس مرضا َة اهلل وال ُ
يزال بذلك ،فيقول َّ
ُ
فيقول جربيل َ :رمح ُة اهلل عىل فالن ، فإن َرحمْ َتِي عليه،
رض َينِي أال َّ
عبدي يلتمس أن ي ِ
ُ ُ
ويقوهلا محلة العرش ،ويقول من حوهلم حتى يقوهلا أهل السموات السبع ،ثم
هتبط له إىل األرض» .
وهبذا يكون اخلازن بالرضورة قد علم بعث َة من أرسله اهلل عز وجل رمحة للعاملني .
• الوجه الثاين :قد انحرص اإلرسال يف حديث أيب هريرة ،هو للعروج للسامء
ألن اإلرسال للدعوة منْت ٍ
َف باإلمجاع يف هذه احلالة ألن اإلمجاع قد ُع ِل َم سابق ًا . َّ
ُ
موافق للقول املشهور وهو املنصور،
ٌ َ
حديث أيب هريرة الوجه الثالث :أن •
سنقر ُر:
كام ِّ
بأن السابع والعرشين من رجب قوي للقول َّ
رجح ّ -فهذا احلديث الصحيح ُم ِّ
نص ال سبيل للمخالِف إىل دفعه ،كام أنَّه ٌّ
دال هي ليلة اإلرساء واملعراج ؛ ألنه ٌّ
عىل تأكيد هذا التاريخ َ :م ْب َل ُغ عنايته صىل اهلل عليه وسلم ؛ حيث َّ
حث عىل صيامه
كام َس َّن صيام يوم والدته صىل اهلل عليه وسلم.
نصوا :إذا كان اجلمع بني املشهور والراجح ممكنا وجب املصري إليه ؛
-وقد ّ
132
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
133
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
املسلك الثالث:
يف أن السابع والعرشين من رجب هي ليلة اإلرساء واملعراج
قاعدة:
ن�ص املحدثون على :أ�ن التجربة من �شواهد �صدق احلديث
بقطع النظر عن ا إل�سناد
متهيد :يكفينا إثبات هذه الليلة بام يفعله مجهور األمة اإلسالمية من قربات
وقراءة أحاديث اإلرساء واملعراج والتفكر هبا ،وهذا مسلك َ
أخذ به احلفاظ
املتفنِّنُون يف إثبات كثري من القضايا.
وال َّ
أدل عىل ذلك من أن احلاكم استدل عىل صحة حديث صالة التسابيح
بفعل الصاحلني هلا؛ كعبد اهلل ابن املبارك وقال يف «املستدرك» ( : 319/1ومما
ُي ْستَدَ ُّل به عىل صحة هذا احلديث استعامل األئمة من أتباع التابعني إىل عرصنا
هذا).اهـ .وهذا كالم جيد.
وإن احلافظ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اجلوزية أثبتوا حكم تلقني امليت يف
القرب وجواز قراءة القرآن بام يفعله املسلمون عموما وخصوصا ،كام أن صالة
احلاجة أصبح حديثها مقبوال بقوهلم جربته فوجدته حق ًا كام جاء عن احلاكم.
وهذا مفتي مكة وعاملها وإمامها احلافظ سفيان بن عيينة قال بعد رواية حديث
جربناه منذ أربعني سنة فلم ن ََر إال
«التوسعة عىل العيال يف يوم عاشوراء» َّ :
خري ًا كام ذكره احلكيم الرتمذي يف «نوادر األصول» .بل أخرج ابن عبدالرب يف
«االستذكار» بسند عىل رشط مسلم -كام قال احلافظ العراقي -حديثا مرفوعا
سائر َسنَتِ ِه» قال
وس َع اهلل عليه َ
ِِ
لفظهَ « :م ْن َو َّس َع عىل نفسه وأهله يو َم عاشوراء َّ
جابرَ :ج َّر ْبناه فوجدناه كذلك ،وقال أبو الزبري مثله ،وقال شعبة مثله .فكام أن
134
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
التجربة من شواهد صدق احلديث ،كذلك عمل اخلاصة والعامة ،كام اعتمدها
أمحد بن حنبل يف حديث إثبات (تلقني امليت) بل أمجع األصوليون عىل أن
خمصصة كام ذكرنا.
(العبادة الفعلية) ِّ
ويف هذا كفاية إلثبات هذه الليلة بام يفعله املسلمون يف البالد اإلسالمية ،ال
ِس َّيام أن املوضوع ليس يف حتريم أو حتليل ،فأخذ ًا بقاعدة احلافظ املتقن
أمري املؤمنني أمحد ابن حنبل ومن تبعه ( ُيعمل باحلديث الضعيف ما مل
يكن موضوعا).
وإذا أخذنا بفعل الناس وإحيائهم لليلة السابع والعرشين من رجب وأهنا ليلة
اإلرساء واملعراج ،فهذا عرف تعارف عليه الناس ،والقاعدة تقول :جيوز تقييد
املطلق بالعرف العميل « .رشح منهاج األصول» 470/2
بل ( إن الرشيعة تعليلية –أي :مصلحة عامة ، -واملصالح أعراف و عادات،
بل أكثر فروع الفقه عبارة عن أعراف ).
تنبيه :من أعرق قواعد التخصيص والتقييد بالعرف العميل وبعضهم يسميه
(العادة الفعلية) وهي :تعامل الناس ببعض أفراد العامة .ورضبوا مث ً
ال كام يف
قوله :اشرت يل حلام -وعادهتم أكل حلم الضأن -جيب عليه أن يشرتي حلم ضأن
َّ
ألن عرف البلد َخ َّصص العموم و َبينَّ اإلمجال .
فائدة :إن احلديث إن كان ضعيفا و ُت ُل ِّق َي بالقبول و ُع ِم َل به بال نكري يكون
متواترا ..راجع كتابنا «مفاتيح الذهب» .
فحديث أنس وسلامن الضعيفان يدُ لاَّ ن عىل إحياء ليلة السابع والعرشين من
رجب وقد عمل مجهور األمة هبام يف إحياء هذه الليلة الكريمة.
فهذه القاعدة السابقة متفق عليها.
135
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
قال العالمة ابن القيم احلنبيل رمحه اهلل عند االستدالل بعمل العامة واخلاصة
-أي بعرفهم -يف كتابه «الروح» ص 14ويدل عىل هذا -أي :إن امليت يعلم
من حال األحياء وزيارهتم له وسالمهم عليه -ما جرى عليه عمل الناس قديام
وإىل اآلن من تلقني امليت يف قربه ،وقد سئل عنه اإلمام أمحد رمحه اهلل فاستحسنه
واحتج بالعمل ،أي :بعرف الناس .اهـ.
قاعدة :قال السخاوي يف «فتح املغيث» ص :120وكذا إذا تلقت األمة
الضعيف بالقبول يعمل به عىل الصحيح حتى إنه ينزل منزلة املتواتر يف أنه ينسخ
املقطوع به .
روى أبو نعيم يف «حلية األولياء» ،102/9واخلطيب البغدادي يف «تاريخ
َو َ
بغداد» 6667/2قال أبو أيوب محيد بن أمحد البرصي ( :كنت عند أمحد بن
حنبل نتذاكر يف مسألة ،فقال رجل ألمحد :يا أبا عبداهلل ال يصح فيه حديث ،
فقال :إنه إن مل يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي وحجته أثبت يشء فيه) .
قال أبو عمر :وهذا دليل عىل أن للشافعي وغريه أدلة إ ّما نقلية أو عقلية؛ كتلقي
الناس بالقبول لدليل ضعيف أو استنباط أو إمجاعهم عىل إحياء ليلة أو يوم .كام
قال ابن تيمية يف «اقتضاء الرصاط املستقيم» ص : 301نعم ُر ِو َي عن بعض
السلف يف تفضيل العرش األُ َول من رجب بعض األثر َ ،و ُر ِو َي غري ذلك .
وأما دليل ختصيص بعض األيام ببعض األعامل الصاحلة واملداومة عىل ذلك:
عند أمحد 58/2و الشيخني و النسائي 37/2عن ابن عمرَّ :
«أن رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم كان يأيت قباء ك َُّل س ٍ
بت َراكب ًا وماشي ًا» . َ َ
(قباء) :ملحق ببعاث ألنه من قبوت أو قبيت فليست مهزته للتأنيث بل لإلحلان فلذلك
حرف.
136
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
137
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
إن كان الذي حدَّ َث ُه كاذب ًا» .قال ابن عبدالرب :إسناد هذا
اهلل تعاىل ما بلغه ،و ْ
احلديث ضعيف؛ ألن أبا معمر عباد بن عبداهلل انفرد به وهو مرتوك ،وأهل
العلم بجامعتهم يتساهلون يف الفضائل فريووهنا عن ٍّ
كل ،وإهنم يتشددون يف
األحكام .اهـ.
احلديث الثاين :قال املرهبي يف «فضائل العلم» :حدثنا أبو عبداهلل أمحد بن
حممد النخعي ،حدثنا عثامن بن أيب شيبة ،حدثنا شبابة ابن أيب بالل ،عن الوليد
بن مروان ،عن ابن عمر قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم َ « :م ْن َب َل َغه
اخلري فغايت ُه ينوي به ما َب َل َغ ُه ُ ،أ ْعطِ ِيه وإن
يش ٌء من األحاديث التي ُي ْر َجى فيها ُ
مل َي ُك ْن».
احلديث الثالث :قال اخلليعي يف «فوائده» :أنبأنا أبواحلسن عبدالوهاب بن
حممد بن جعفر بن أيب الكرام ،حدثنا أبو بكر أمحد بن حممد بن إسامعيل املهندس،
حدثنا أبو احلسن زيد ابن احلسن املديني ،حدثنا أبو يونس حممد بن أمحد بن يزيد
املكي ،عن أبيه ،عن محزة بن عبداملجيد ،قال :رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه
وسلم يف النوم يف احلجر فقلت ( :بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل إنه قد َب َل َغنَا
احلديث رجا َء ذلك ِ ثواب َف َع ِم َل بذلك عنك أنَّك قلت َ « :م ْن َس ِم َع حديثا فيه
ٌ
ور ِّب هذه أي َ ُ
احلديث باطالً» فقال ْ : الثواب وإن َ
كان َ ِ
الثواب أعطا ُه اهلل ذلك
البنية ،إنه َملنِّي و أنا قل ُت ُه).
وقد أخذ هبذا احلديث السلف الصالح وكام قال ابن حجر يف «لسان امليزان»:
138
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
عاب إسامعيل بن حممد التيمي الطرباين يف مجع األحاديث األفراد مع ما فيها من
َ
النكارة الشديدة واملوضوعات .وقال احلافظ ابن حجر :وهذا أمر ال خيتص به
الطرباين يف مجع األحاديث األفراد ،بل أكثر املحدثني يف األعصار املاضية من سنة
جرا إذا ساقوا احلديث بإسناده اعتقدوا أهنم َب ِرؤوا من عهدته.
وه ُل َّم َّ
مائتني َ
قال أبو عمر السليامين ( :هذا من ناحية الصناعة احلديثية) وأما مقصدهم
عمال باحلديث املتقدم وليس هلم مطلب إال الفضل الذي بلغهم عن اهلل يف تعليم
الناس اخلري رجاء األجر اجلزيل والثواب الكثري ،نسأل اهلل ذلك وينجينا من
املهالك ويسلك بنا طريق العابد الناسك ،بل هذا مطلب العلامء املحققني من
السلف إىل يومنا هذا.
والغاية من ذكر احلديث :أنه دليل وتأكيد إلحياء ليلة السابع والعرشين من
رجب احلرام .واخلتام الصالة والسالم عىل سيد األنام.
دليل آخر ملن أخذ باحلديث ،وهو إثبات صحيح رصيح بأن أهل العلم
كلهم أخذوا هبذا احلديث :أخرج احلافظ السخاوي يف «املقاصد» ص:331
وكون احلسن البرصي لبسها من عيل ،قال ابن دحية
«حديث لبس اخلرقة
وابن الصالح :إنه باطل ،وكذا قال شيخنا -أي احلافظ ابن حجر : -إنه ليس
يف يشء من طرقها ما َيث ُب ُت ،ومل َي ِرد يف خرب صحيح وال حسن وال ضعيف أن
عاممة يلبسها املستجيز أو املريد ،وقد ذكر احلافظ الذهبي يف معجم الشيوخ بأن بعضهم
كان يكتفي بإلباس الطاقية ،وقال احلافظ أبو الفيض سيدي أمحد بن الصديق :الشيوخ
ثالثة :شيخ التلقني وشيخ اخلرقة وشيخ الصحبة واالقتداء ،وهذا األخري هو الذي
عليه االعتامد ،وقال أيضا :قد طعن يف اخلرقة وسندها مجاعة منهم من اعتقد صحتها
ور َو ْوها تربكا هبا وتكلموا يف سندها من جهة االنقطاع
َ
قلت :كاحلافظ السخاوي.
وعدم االتصال لظنهم عدم سامع احلسن من عيل ُ ،
139
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
النبي صىل اهلل عليه وسلم ألبس اخلرقة عىل الصورة املتعارفة بني الصوفية ألحد
من أصحابه وال أمر أحد ًا من أصحابه بفعل ذلك ،وكل ما ُيروى يف ذلك
باطل ،قال :ثم إن من الكذب املفرتى قول من قال :إن عل َّيا ألبس اخلرقة احلسن
البرصي ،فإن أئمة احلديث مل يثبتوا للحسن من عيل سامعا فضال عن أن ُيلبسه
اخلرقة ،ومل يتفرد شيخنا هبذا بل سبقه مجاعة.
حتى من لبسها كالدمياطي والذهبي والعكاري وأيب حيان والعالئي ومغلطاي
والعراقي وابن امللقن واألبنايس والربهان احللبي وابن نارص الدين وتكلم عليها
يف جزء مفرد ،وكذا أفردها غريه ممن تويف من أصحابنا ،وأوضحت ذلك كله
مع طرقه يف جزء مفرد ويف ضمن غريه من تعاليقي ،هذا مع إلبايس إياها مجاعة
ربكا بذكر
من أعيان املتصوفة امتثاال إللزامهم يل بذلك حتّى جتاه الكعبة املرشفة ت ُّ
قال سيدي عبداهلل رمحه اهلل :بل ألبس عليا عاممة تسمى السحاب ،وألبس
عبدالرمحن بن عوف عاممة وأرخى هلا عذبة.
بل ثبت سامعه يف أحاديث كثرية؛ منها :
قال البخاري يف «التاريخ الصغري» يف ترمجة سليامن بن سامل القريش أيب داود العطار
علي ًا والزبري التزما .وقال الذهبي يف
سمع عيل بن زيد عن احلسن ،قال :رأيت ّ
علي ًا وعثامن وطلحة .
«التهذيب» :أنه رأي ّ
وخرج احلافظ ضياء الدين املقديس يف «املختارة» رواية احلسن عن عيل ُمصحح ًا هلا .
وقال احلافظ شمس الدين بن اجلزري يف كتابه «أسنى املطالب بمناقب عيل بن أيب
طالب» إن احلسن البرصي صحب عيل بن أيب طالب ،ولبس منه اخلرقة ،وسألت شيخنا
احلافظ إسامعيل بن كثري ،فقال :ال يبعد أنه أخذ عنه بال واسطة .
وذكر احلافظ ابن حجر يف «هتذيب التهذيب» حديث ًا من رواية احلسن عن عيل عليه السالم
بالسامع ،ثم قال :قال حممد بن احلسن الرصيفيني شيخ شيوخنا :هذا نص رصيح يف سامع
احلسن من ع ّ
يل ورجاله ثقات .اهـ.
140
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
كاحلافظ ابن الصالح الذي قال :ويل يف اخلرقة إسناد عال جد ًا (وذكره) ،ثم قال عقب
ذكره السند :وليس بقادح فيام أوردناه كون لبس اخلرقة ليس سنده متصال إىل منتهاه
عىل رشط أصحاب احلديث ،فإن املراد ما حيصل به الربكة والفائدة باتصاهلام بجامعة
عن السادة الصاحلني «زاد املسري» للسيوطي.
141
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
للتوسع واالستزادة انظر كتابنا «إحتاف أهل املحبة بأدلة جمالس القربة».
142
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
وفيهم من يقرأ وهم يستمعون فجلس معهم يستمع ،وكان أصحاب رسول
اهلل صىل اهلل عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا يقرأ وهم يستمعون ،وقد
ورد يف القوم الذين جيلسون يتدارسون كتاب اهلل وسنة رسوله -صىل اهلل عليه
وسلم -ويف القوم الذين يذكرون اهلل من اآلثار ما هو معروف .اهـ.
قال أبو عمر السليامين فتح اهلل عليه:
و أخرج احلافظ الزاهد ابن رجب احلنبيل يف أنفس رشوح األربعني «جامع
العلوم واحلكم» صفحة : 392قال احلسن :القصص بدعة ونعمت البدعة ،كم
ٍ
مستفاد .ويف املسند عن عائشة ريض اهلل ٍ
مقضية وأخٍ ٍ
وحاجة ٍ
مستجابة ٍ
دعوة من
قاص أهل املدينة بمثل ذلكَ ،و ُر ِو َي عن عمر بن عبدالعزيز أنه وصت َّ عنها أهنا َّ
روح الناس والص كل ثالثة أيام مرةَ ،و ُر ِو َي عنه أنه قال له ِّ : القاص أن َي ُق َّ
َّ أمر
تثقل عليهم ودع القصص يوم السبت ويوم الثالثاء.
وقال أبو أمية حممد بن إبراهيم بن مسلم الطرسويس سألت أمحد بن حنبل عن
القوم جيتمعون ويقرأ هلم القارئ قراءة حزينة فيبكون وربام أطفؤوا الرساج ،
فقال يل أمحد :إن كان يقرأ قراءة أيب موسى فال بأس.
وروى اخلالل عن األوزاعي :أنه ُسئل عن القوم جيتمعون فيأمرون رجال
َ
يقص عليهم ،قال :إذا كان ذلك يوم ًا بعد األيام فليس به بأس.
وأي
قال أبو الرسي احلريب :قال أبو عبداهلل اإلمام أمحد بن حنبل رمحه اهلل ُّ :
يشء أحسن من أن جيتمع الناس يصلون ويذكرون ما أنعم اهلل به عليهم؛ كام
قالت األنصار( ...وساق احلديث)ُ :أنبئت أن األنصار قبل قدوم رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم املدينة قالوا :لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا األمر
الذي أنعم اهلل به علينا فقالوا :يو َم السبت قو ٌم ،قالوا :ال نجامع اليهود يف
143
القول األتم بأن اإلرساء واملعراج يف رجب األصم
يومهم قالوا :فيو َم األحد .قالوا :ال نجامع النصارى يف يومهم قالوا :فيوم
العروبة ،وكانوا يسمون يوم اجلمعة يوم العروبة ،فاجتمعوا يف بيت أيب ُأمامة
فذبِ َح ْت هلم شا ٌة َف َك َفت ُْهم.
أسعد بن زرارة ُ
جتوز االجتامع لقراءة املولد واإلرساء وغريمها
وهذه األدلة جزء من األدلة التي ِّ
من القصص برشط البعد عن البدع .بل األكثر من علامء األمة جعلها من القرب
املندوبة والنوافل املستحبة .فهي إذ ًا مستحبة بعمومات نصوص الرشيعة الكثرية
الناطقة باستحباب ختصيص بعض األيام والليايل بنوع من العبادة ،مع إن إحياء
هذه الليلة قد ورد يف أحاديث ذكرناها يف الفضائل وكذلك يف فضل صيام يومها.
واحلمد هلل حق محده ،والصالة والسالم األفضالن األمتان عىل سيدنا سيد
عباده ،وعىل آله وسائر النبيني والصاحلني آمني .
144
خامتة الكالم عن املؤلف وبعض شيوخه الكرام
العلمية .
َّ املكية
* ينتمي مؤلفنا إىل العوائل َّ
درس يف احلرم املكي الرشيف ح َّتى ُأجيز من مشاخيه كالسيد حممد أمني
* وقد َ
ُك ْتبـي شيخ الرتبية والسلوك واملنفرد بعلم اآللة واملقاالت العرش حسان العرص
ولسان ا ُملحبني بالبيان ا ُملنترش نزهة ا ُملشتاق آلفاق ُ
الع َّشاق واملرتقي يف أحوال
مقامات الرجال ..وقد الزمه يف اخلدمة وقرأ عليه «الفتح ا ُملبني» وغريه ِمن
الكتب بني الظهرين عند باب أم هانئ ،والشيخ حممد أمني مرداد خالصة سلفه
املتقدمني ِمن شيوخ اخلطابة واإلمامة باملسجد احلرام شيخ األحناف ا ُملتصدِّ ر
للفتوى للخاص والعام مجيل الوجه محُلىَّ بابتسام رشحه بسيط وجملسه تناغم
وانسجام قراءته سلسبيل بجامل صوت وأحىل األنغام ..والزمه وقرأ عليه أكثر
ُكتب الفقه احلنفي ح َّتى أجازه وأصبح يحُ يل عليه بعض األسئلة َ ،
ودرس عىل
مكة ِمن مشايخ أول طبقة يف املائة السابقة
الشيخ حسن مشاط شيخ شيوخ َّ
145
لالحتِكام ،والشيخ علمه ُم ِ
صلحا بني األخصام ومرجع ًا لطلبة العلم الوافدين ْ
عبداهلل بن سعيد اللحجي الراسخ يف العبادة الزاهد يف ُّ
تنسك وإرادة عظيم املقام
الشافعية ا ُمل ِّ
تذوق للفنون املقطوع واملظنون كان وسيام َّ قليل الكالم وصدر فقهاء
مهيبا حليام ..وكان َيقرأ عليه بني العشاءين ،والشيخ أمحد جابر جربان العامل
املتواضع النحوي األصويل الشافعي كان ِمضيافا كريام حليام ..والزمه وقرأ عليه
مكة األصويل املعقويل ِمن علامء
أكثر املتون ،والشيخ عبدالكريم املرغناين نزيل َّ
الرتجيح يف املذهب احلنفي الراقي يف املرشب الذوقي ..والزمه يف احلرم ورباط
البخارية ..وقرأ عليه كتب األصول وأتم عليه مراجع كتب الفقه احلنفي ،
علم الدين حممد ياسني الفاداين ُمسنِد العرص ا ُملحدِّ ث األصويل صاحب
والشيخ َ
التآليف ا ُملفيدة عامل التنظري والتطبيق مع الد َّقة يف التحقيق والنفس الطويل
يف التعليم والتدريس ،والشيخ عبداهلل دردوم النحوي األديب أستاذ أكثر
طلبة َ
احلرم يف النحو أنيس املجالس وشيخ زاوية الشيخ حسن يامين ،والسيد
حممد بن علوي املالكي حتفة مكة وجامع رايات شيوخها ،ا ُملحدِّ ث ا ُملفسرِّ األديب
وأول من مجع طريقة السلف واخللف احلسيب النسيب َ
اخلطيب ،شيخ املَجالس َّ
اإلسالمية،
َّ األكاديمية يف أكثر البالد
َّ الرشعية واملعاهد
َّ النظامية
َّ فأسس املدارس
َّ
درس والشيخ الدكتور أمحد حممد نور سيف ا ُملحدِّ ث وا ُمل ِّ
درس األكاديميَ ..
عليه «فتح ا ُملغيث» يف املَسجد احلرام .
* ومن شيوخه الذين درس عليهم احلبيب حسن بن عبد اهلل بن عمر الشاطري
ُزبدة علامء تريم ا ُمل ِّ
تجرد للعبادة كريم الوفادة الناصح بفعله وقوله املرشد بمقاله
وحاله ..قرأ عليه «بداية اهلداية» ،والزمه يف رباط السادة يف مكة واملدينة،
واحلبيب هود بن عمر بن حامد السقاف قامع البدعة ،ونارش ُس َّنة السلف الذاكر
146
الصائم القائم ،محُ ب ِ
الع ْلم ،ا ُملتأدب مع الفقيه والعامل ..وقرأ عليه «إحياء علوم
الدين» وديوان الشيخ عمر باخمرمة.
ِ
وغريهم الكثري من شيوخه رمحهم اهلل تعاىل هلم تراجم كاملة يف «اخلتم ُ
السليامين
بمرويات أيب عمر السليامين» للمؤلف.
الس َّنة
الرشعية ،نارش ُ
َّ الصوفية
َّ * وأخذ الطريق عىل مجَ مع الربكات شيخ ُ
الطرق
وقامع البدعة ،غزير املعاين شيخ القايص والداين ،العارف باهلل الرشيف السيد
عبد اهلل بن يوسف بن قريش ا ُملكاشفي القادري ،هبجة النُفوس ُ
ومل ِّقن الدُّ روس
واآلداب ،ك ُّله فيض كأمطار السحاب ،من الزمه كأنام رأى رجال من السلف
قوال وعمال .
املدرسني ِس ّن ًا،
درس يف املدرسة الصولتية س َّنة 1403هـ وكان أصغر ِّ
* بدأ ُي ِّ
مكية ،وال زال ُيشارك يف دوراهتا وبراجمها
أكاديمية علمية َّ
َّ وهي أقدم مدرسة
التعليمية.
َّ
درس يف املسجد احلرام احلديث وأصوله.
* َّ
الصديقية عند
َّ * أما رحلته العلمية فكانت إىل بالد املغرب (طنجة) الزاوية
السادة الغامرية الذين مجعوا أركان االجتهاد ،وصنعوا مناهج من علوم السلف
األجداد أقطاب اإلرشاد واإلمداد ،وح ُّلوا عقد القواعد وبسطوا ُمشكالت علوم
قال املؤ ِّلف يف كتابه «مطالع اإلسعاد يف ترمجة الشيخ حممد أمني مرداد» –وهو خمطوط:
رمحة اهلل عىل شيخنا حممد أمني مرداد يوم انتظامي يف سلك علامء املَدرسة الصولتية
وذلك يف يوم 5صفر 1403هـ وعند انرصايف ِمن املدرسة حوايل الساعة الثانية ظهر ًا..
يض ( :أصبحت عالمِ ًا َت ُفك العبارة وترشح الكتاب ،فال
َض َّمني وقال يل وهو ممسك عا ِر ّ
َت ْن َسني إذا واريتني يف الرتاب ).
147
وبينوا ُل َّب اللباب وا ُملفيد للعقول واأللباب َّ ،
فأسسوا مدرسة التجديد الفوائد َّ ،
والتنظري والتطبيق للطالب ا ُملستفيد ،وقمعوا فساد الفاسد العنيد ،عاملهم سفينة
لتذوقه حالوة املعرفة للمنطوق واملفهوم وا ُمل ِّ
تخرج عىل أيدهيم كنوز ثمينة ؛ ُّ
والعلوم ،مجال وزينة وللعلم مدينة ،ساداهتا أخلصوا فانترشواْ ،
إن جالست
أحدهم جتده تكامل يف العلوم ،والفضل يف ذاته ملموم ،قد أعجزت الواصف
يف وصفهم ؛ ألنه ال ُيدرك قرار بحرهم ،وقد انفرد املؤ ِّلف أ َّنه َ
درس عىل
الكواكب الثالثة سيدي عبد اهلل وسيدي عبد العزيز وسيدي عبد احلي تالمذة
البحر العميق احلافظ سيدي أمحد بن الصديق رمحة اهلل تعاىل عليهم أمجعني ،
التذوق العلمي يف فن احلديث واألصول.
ُّ فدرس عليهم ح َّتى َّ
متكن من
مما قاله اإلمام العالمة ا ُملحدِّ ث ا ُملع ِّلل املفيد السيد عبد العزيز بن الصديق الغامري رمحه
اهلل تعاىل عن املؤلف يف تقديمه لرسالته «إحتاف السائل» :
(يف احلديث« :ال تزال طائفة ِمن أمتي ظاهرة عىل احلق ..»...فال بد أن يبقى ٌ
فرد أو
وعلم ِمن علوم اإلسالم ظاهر ًا بارز ًا بالتحقيق ُ
وح ْس ِن ال َّتحرير وإجادة ٍ فن أفراد يف ِّ
كل ٍّ ٌ
االستدالل ،وقد ورد يف حديث رواه احلكيم عن أنس مرفوع ًا« :يف كل قرن ِمن أمتي
وإن ممن تناوهلم هذا الفضل اإلهلي والعناية الرمحانية فأتوا يف هذا الوقتسابقون» َّ ،
العلم ،ال ِس َّيام أهل احلديث منهم ،وغاض بحره ِمن ا ُملحققني
الذي فرغ وعاؤه ِمن أهل ِ
يف الكالم عىل اإلسناد ،وبيان صحيحه من ضعيفه ؛ األستاذ الباحث الناقد ا ُملقبل عىل
العلم كل اإلقبال العالمة الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل عرفة السليامين املكي ،املدرس
باملدرسة الصولتية بمكة املكرمة ،تواله اهلل ورعاه ،فقد ظهر نبوغه وأرشقت بدايته يف
علم احلديث بعد مدة يسرية من االشتغال بعلومه والعكوف عىل قراءة كتبه ،مما يدل
وجدت فيه ما مل
ُ عىل َّ
أن اهلل تعاىل هيأه لذلك ،و َيسرَّ له األسباب املوصلة ملا هنالك ..،
اتصلت هبم يف مكة واملدينة -وهم كثريِ -من
ُ أره يف غريه ِمن رجال العلم وطلبته الذين
احلرص عىل الطلب واإلقبال التام عىل البحث والقراءة بلسان سؤول وقلب عقول ،
...ومما زادين إعجاب ًا به أنني وأنا يف مكة ،ومل نختم قراءة «النخبة» ؛ ملَ ْس ُت منه ُّ
تذوق
148
* له إجازات من كثري من العلامء الوافدين للحرمني الرشيفني .
والفقهية وهو
َّ الرشعية
َّ العلمية واالجتامعات
َّ * شارك يف كثري ِمن الندوات
عضو يف منتدى الروضة الثقايف االجتامعي.
149
150
الفهرسة
151
34-33 الدليل الرابع عرش
35-34 الدليل اخلامس عرش
38-35 الدليل السادس عرش
39-38 الدليل السابع عرش
41-40 الدليل الثامن عرش
42-41 الدليل التاسع عرش
44-43 الدليل العرشون
45-44 الدليل احلادي والعرشون
46-45 الدليل الثاين والعرشون
47 الدليل الثالث والعرشون
48-47 الدليل الرابع والعرشون
49 الدليل اخلامس والعرشون
50 الدليل السادس والعرشون
51 الدليل السابع والعرشون
54-52 الدليل الثامن والعرشون
53 تنبيه هام
57-55 الدليل التاسع والعرشون
58-57 فائدة يف السامع
59-58 أهل مكة والسامع
63-59 (فصل) كالم نفيس يف السامع لعز الدين عبدالسالم بن
غانم
66-63 حديث الروح
67-66 بيان أهل الترشيع
69-68 اخلامتة :االمتياز العظيم
71-70 الدليل الثالثون ( َف ُّ
ض اخلتام)
152
تفريج الكرب يف نفحات رجب
77-75 املقدمة
76 ملاذا سمي رجب برجب؟
76 الوراق
كالم راق أليب بكر ّ
76 وصية احلافظ ابن رجب يف َتغا ُنم رجب
91-78 فوائد املقدمة
79-78 الفائدة األوىل
78 املراد من قوهلم (مل يصح أو مل يثبت)
84-79 الفائدة الثانية
80 قاعدة :من مقاصد الرشع
81-80 فتوى للعز بن عبد السالم يف فضائل رجب
82-81 استحسان الشافعي صيام رجب وتأييد البيهقي والتاج
السبكي
82 زهدَ يف صوم رجب بدعوى
جواب التاج السبكي عىل َمن َّ
ضعف أحاديثها
82 تعظيم السلف لألشهر احلرم بالصيام
َ ُ
نقل ابن رجب
83-82 العمل باحلديث الضعيف يف األحكام وغريها
85-83 (حاشية) جليلة يف العمل بالرؤيا
88-85 الفائدة الثالثة :وصية اإلمام حجة اإلسالم الغزايل يف تغانم
الليايل واأليام املخصوصة بالفض التام
90-88 الفائدة الرابعة:
89-88 كتب ليس هلا أسانيد
89 ما ينبغي مراعاته يف الكتب املحذوفة أسانيدها
89 (حاشية) َمن هم أهل الترشيع
90 العصبية املذهبية
َّ َخ َطر
153
94-91 احلديث األولَ « :من صام يوم السابع وعرشين من
رجب»
92 الوراق َ
حال الراوي َمطر َّ
94-92 حال الراوي شهر بن حوشب
93-92 ض عىل توثيقه بناجذيك (حاشية) إذا و َّثق املتعن ُِّت را ٍو َ
فع َّ
93 احلسن لذاته
93 الصدوق وروايته
93 احلسن لغريه
94 تنبيه :يف حكم املحدثني باإلنكار واالستغراب
97-94 ٌ
وليلة ) يومب ٌ احلديث الثاين ( يف َر َج ٍ
95 معنى قوهلم :سنده أمثل
95 هياج بن بسطام اهلروي حال الراوي َّ
96 تنبيه مفيد :معنى قوهلم ( ُيكتب حديثه وال يحُ تج به)
97 للهياج بن بسطام بروايته املناكري فصل :يف هتمتهم ّ ٌ
102-98 املِ ِف َيها )للع ِ
ليلة ُي ْكت َُب َ ب ٌ احلديث الثالث ( يف َر َج ٍ
102-99 الكالم عن حديث حممد بن الفضل بن عطية
99 قاعدة :حديث املرتوك ليس موضوع ًا
102-101 فائدة عظيمة
103-102 الناس عنه) ُ شهر ُ
يغفل ذاك ٌ احلديث الرابع ( َ
105-104 ام َثال َثة أيا ٍم ِم ْن َشه ٍر حرام ) احلديث اخلامس ( َم ْن َص َ
105 قال َل ُه َر َج ٌب ) اجل َّن ِة نهَ ر ًا ُي ُ
إن يف َ احلديث السادس ( َّ
106 وش ْع َ
بان ) ب َ الله َّم َبا ِر ْك لنا يف َر َج ٍ احلديث السابع ( ُ
107-106 َ
وشعبان) رجب
َ رمضان إالَ احلديث الثامن ( مل َي ُص ْم بعدَ
111-107 رجب )ٍ صام يوم ًا من احلديث التاسع ( َمن َ
108 احلكم عىل حديث الراوي رشدين (حاشية) فائدة :يف ُ
112-111 الدعاء)
ُ فيهن
ليال ال ُي َر ُّد َّ مخس ٍ احلديث العارش ( ُ
154
112 خربين يف فضل رجب
122-113 اخلامتة ،وفيها فوائد..
114-113 الفائدة األوىل :وظائف رجب
113 فضل الصيام يف رجب
114-113 فضل الذبح يف رجب
114 سنية االعتامر يف رجب
114 الزكاة يف رجب
122-114 الفائدة الثانية :املجالس يف احلجاز
15 رد ابن تيمية عىل املنكرين هلذه املجالس
116-15 تنبيه :أقسام البدعة
117-116 أدلة مؤيدة للبدعة احلسنة
117 فائدة :معنى الرهبانية
117 فتوى البن تيمية تؤيد هذه املجالس
118-117 أمثلة للبدع السيئة
120-118 بدعة املتشددين املعارصين
121-120 ما حيتاجه املنتقدين
122-121 دفع اهلل البال َء بربكة هذه املجالس وأهلها
ُ
155
131 اخلالف ال جيوز مراعاته إذا كان خمالفا لنص صحيح
133-131 إثبات ذلك من وجوه ،والنتيجة
136-134 املسلك الثالث
136-134 قاعدة :التجربة من شواهد صدق احلديث
135 قاعدة :جيوز تقييد املطلق بالعرف العميل
135 تنبيهِ :من أعرق قواعد التخصيص
136-135 فائدة :إذا تلقي احلديث الضعيف بالقبول يكون متوترا
136 دليل ختصيص بعض األيام ببعض األعامل الصاحلة
141-137 املسلك العام :وفيه حديث
132-137 شواهد احلديث :احلديث األول
138 احلديث الثاين
139-138 احلديث الثالث
141-139 دليل آخر :حديث لبس اخلرقة الصوفية ،ولبس األئمة هلا
140 (حاشية) :إثبات سامع احلسن البرصي من سيدنا عيل
144-142 خامتة القول األتم (وفيها فوائد مهمة)
142 الفائدة األوىل :فضل ليلة اإلرساء
142 الفائدة الثانية :حتويل القبلة يف رجب
144-142 الفائدة الثالثة :حكم االجتامع لسامع قصة اإلرساء
149-145 سطور عن املؤلف وبعض شيوخه الكرام
156
157
158