Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة (6)
المحاضرة (6)
أصبحت العلوم اإلنسانية وعلم النفس خاصة مع بداية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع
عشر ميدانا لتطبيق المنهج التجريبي حيث بدأت عملية ازدهار ونضوج النزعة والعقلية
العلمية والموضوعية التجريبية تسود على هذه العلوم على حساب النزعة والعقلية الفلسفية
التأملية والميتافيزيقية التي أصبحت تتناقض مع الروح والنزعة العلمية الناشئة.
هكذا طبق المنهج التجري بي كمنهج من مناهج البحث العلمي في بحوث ودراسة العديد من
السلوكات النفسية مثل البحوث والدراسات المتعلقة بعالقة المستوى االقتصادي بالتحصيل
لدى التالميذ ،عالقة مشاهدة أفالم العنف بالسلوك العدواني لألطفال ،عالقة تركيز االنتباه
بدرجات اإلضاءة وغيرها.
من بين أهداف علم النفس أنه يمدنا بمعلومات جديدة ومفيدة في شكل بيانات أو معطيات يمكن
التحقق منها ،وتستخرج هذه البيانات عادة في ظل ظروف موضوعية ومحددة بدقة بحيث
يمكن ألي باحث مؤهل أن يكرر الدراسة ذاتها ويعيد المالحظات عينها ويستخرج النتائج
نفسها ،ومن هنا فإن النظام والدقة والموضوعية والقابلية للتكرار من أسس البحث السيكولوجي
ونظرا لتعقد سلوك اإلنسان فقد انقسمت الدراسات السيكولوجية إلى ميادين متعددة وترتب
عن ذلك أيضا اختالف طرق البحث وأساليبه.
يعتبر المنهج التجريبي أفضل الطرق لدراسة الظواهر الطبيعية ذات الوجود المحسوس أي
القابلة ألن تكون موضوع مالحظة ،وهو من أقرب المناهج إلى الطريقة العلمية الصحيحة
والموضوعية واليقينية في البحث عن الحقيقة واكتشافها وتفسيرها والتنبؤ بها والتحكم فيها.
و يشير المنهج التجريبي إلى أن طبيعة الدراسة للسلوك أو الظاهرة عبارة عن تغير مقصود
يقوم على اختبار الفروض السببية ومعرفة العالقة السببية من حيث إدخال المتغير التجريبي
إلى الواقع أو الظاهرة والقيام بضبط كافة المتغيرات األخرى المؤثرة وهذا ما يقصد به
الظروف المضبوطة.
-مميزات المنهج التجريبي:
-من خالل المنهج التجربي يستطيع الباحث الجزم بشكل مطلق على أثر السبب على النتيجة.
-يعد المنهج التجريبي من المناهج المرنة ،وذلك لقدرته على التكيف مع حاالت كثيرة متنوعة
ومتعددة.
-يعد المنهج التجريبي الوحيد الذي يضبط المتغيرات الخارجية التي تؤثر على المتغير التابع.
-أسس ومبادئ المنهج التجريبي:
-1تقسيم الظاهرة إلى متغيرات مستقلة ومتغيرات تابعة:
يتعامل الباحث مع موضوع دراسته باعتبارها حدثا ناتجا عن أسباب أدت إليه ،ولذلك ينبغي
عليه أن يميز في السلوك أوالظاهرة بين األسباب والنتائج ،ويطلق المختصون مصطلح
"المتغيرات المستقلة" على األسباب أي جميع العوامل التي لها تأثير في الموضوع .ويطلقون
مصطلح "المتغيرات التابعة" على النتائج ويقصد بها التحوالت التي تطرأ على موضوع
الدراسة نتيجة تأثير العوامل المستقلة.
ولكي يقوم الباحث بدراسة تجريبية يجب عليه أن يحصر جميع المتغيرات المستقلة المتصلة
بالسلوك أوالظاهرة أي موضوع اهتمامه .وهذه المهمة شرط ضروري لنجاح الباحث ،ألن
إغفال أي متغير له تأثير في الظاهرة يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة تلغي كل قيمة
للعمل التجريبي.
-2التحكم الصارم في المتغيرات المستقلة:
يجب أن يكون الباحث مسيطرا على جميع المتغيرات المستقلة في الظاهرة (األسباب) .وإذا
كان من الصعب جدا دراسة تأثير كل المتغيرات المستقلة دفعة واحدة ،فإن الباحث عادة ما
يحدد بعضا من تلك المتغيرات لدراسة أثرها ،بينما يترك البعض اآلخر ليدرسها باحث آخر
أو يؤجل دراستها إلى فرصة أخرى.
إن التحكم الصارم في المتغيرات ال يتم في الظروف العادية نظرا لصعوبة عزل الظاهرة
وقياس المتغيرات بشكل دقيق.
-3صياغة العالقة بين المتغيرات في شكل قانون:
إن النتائج التي يتوصل إليها الباحثون باستخدام المنهج التجريبي تصاغ عادة في صورة
قوانين .ويقصد بالقانون تلك العالقة الثابتة بين متغير مستقل ومتغير تابع ،غالبا ما يتخذ
لقانون في الدراسات الطبيعية صبغة رياضية نظرا لدقة العالقات التي تتناولها.
-4الحتمية كأساس للقوانين الطبيعية:
إن عالقة المتغيرات المستقلة بالتابعة في الظواهر الطبيعية تتميز بكونها عالقة تالزم ،فإذا
أخذنا مثال قانون "تمديد الحديد بالحرارة" فمعناه أنه كلما تعرض الحديد للحرارة ينبغي أن
يتمدد ،وإذا غاب هذا التالزم مرة واحدة أصبح القانون الغيا ،األمر نفسه يجب تحقيقه في
دراسة السلوكات اإلنسانية وذلك من خالل مجموعة من الوسائل والتقنيات المضبوطة.
-مقومات وعناصر المنهج التجريبي:
-1المالحظة:
هي الخطوة األولى في البحث العلمي وهي من أهم عناصر المنهج التجريبي ألنها محرك
أولي وأساسي لبقية عناصر المنهج التجريبي.
والمالحظة هي المقصودة والمنظمة والدقيقة للوقائع أو الظواهر السلوكات بغية معرفة أسبابها
وأحوالها وأوصافها وأصنافها وخصائصها من أجل وضع فرضيات بشأنها وإجراء عملية
التجريب عليها واستنباط القوانين والنظريات الالزمة.
-أدوات المالحظة :ومن أمثلة األجهزة العلمية التكنولوجية المستخدمة في المالحظة العلمية،
األجهزة المسجلة ،المجهر المكبر والمصغر ،أجهزة القياس والتسجيل ،أجهزة قياس وتسجيل
األوزان ،الرسوم والرموز ،وغيرها.
-2الفروض العلمية:
هي عبارة عن إجابات مؤقتة أو حلول أو بدائل واقتراحات وضعها الباحث بواسطة عملية
التحليل العلمي للبحث عن أسباب الظواهر وقوانينها.
-األسباب والمصادر الداخلية لتكوين الفرضيات :مصادرها خصوبة العقل وإبداع الفكر
وجموح الخيال وبعد النظر وعمق التصور وحدة الذكاء واتساع المدارك وقوة الخبرة
والمعرفة ،وال يتأتى ذلك بطبيعة الحال إال لطليعة من المفكرين والعلماء والمتخصصين الذين
يملكون معلومات واسعة.
-شروط صحة الفروض العلمية:
-يجب أن تبدأ من وقائع وظواهر محسوسة ومشاهدة وليس من تأثير الخيال الجامع ،حيث
تتحول بواسطة التجريب إلى قوانين وعالقات ثابتة.
-يجب أن تكون قابلة للتجريب واالختبار والتحقق.
-يجب أن تكون شاملة ومترابطة ،أي معتمدة على كل الجزئيات والخصوصيات المتوفرة
على التناسق مع النظريات السابقة اكتشافها.
-يجب أن تكون متعددة ومتنوعة للواقعة أو الظاهرة الواحدة.
-يجب أن تكون خالية من التناقض للوقائع والظواهر المعروفة.
-3عملية التجريب أو التجربة العلمية:
يهدف التجريب إلى التحقق من صحة الفرضيات أي التحقق من وجود عالقة سببية بين
المتغير المستقل والمتغير التابع.
-تنفيذ البحث التجريبي :ينقسم البحث التجريبي في كيفية تنفيذه إلى التجارب القبلية والتجارب
البعدية ،على مجموعة واحدة أو مجموعتين إحداهما تجريبية واألخرى ضابطة.
-4تحليل النتائج وتأويلها:
يقوم الباحث خالل هذه المرحلة بترتيب نتائج التجربة وتصنيفها بواسطة الجداول اإلحصائية
وبتحليل هذه النتائج بوسائل التحليل اإلحصائي المناسب ومن ثم يقوم بتأويلها من خالل تحديد
األسباب التي تفسر هذه النتيجة وويؤدي هذا التأويل إلى بناء نظرية علمية.
-صعوبات تطبيق المنهج التجريبي في علم النفس:
إن التجريب في علم النفس ليس أمرا سهال نظرا لطبيعة السلوك اإلنساني الذي تحكمه أو
تتداخل فيه مجموعة من األبعاد أو المؤثرات أو المتغيرات ،ومن بين هذه الصعوبات ما يلي:
-1صعوبة إخضاع السلوك اإلنساني للتجريب نظرا لتعدد المتغيرات المستقلة بشكل يستحيل
معه تقريبا حصرها وضبطها وكذا التعقيد البالغ في عالقة المتغيرات ببعضها.
-المتغيرات التاريخية :التجربة الشخصية السابقة ،فالسلوك اإلنساني ال يتأثر بالعوامل
الحاضر بل بالخبرات الماضية والتوقعات المستقبلية أيضا.
-المتغيرات الالشعورية :إن اإلنسان ال يعي كل ما يؤثر في سلوكه ،مما يصعب على الباحث
أو المجرب الذي يعتمد على المالحظة الموضوعية أن يضع هذا النوع من المتغيرات تحت
المراقبة .
-المتغيرات الغيبية :من بين العوامل التي تؤثر بعمق في السلوك اإلنساني كثيرا الدين
أوالمعتقد.
-2صعوبة التحكم في بعض السلوكات مثل اإلرادة ،التذكر ،والتفكير والتخيل وغيرها.
وهناك سلوكات أخرى ال نستطيع إجراء التجارب عليها بسبب منظومة األخالق اإلنسانية
التي تمنع قانونيا أي فعل يلحق األذى بالمفحوص في بدنه أو كرامته ،فنحن ال نستطيع بتر
أعضاء إنسان أو حقنه بمادة ضارة أو تعرضه لصدمات كهربائية ،...لمعرفة أثر ذلك مثال
في تعلم بعض المهارات.
-3ولعل أهم خصوصية يتميز بها اإلنسان هي اإلرادة التي تعني حريته وقدرته على اختيار
السلوك الذي يراه مناسبا للموقف ،وتترتب عليها مسؤوليته عن أعماله وقراراته وهذه
الخصوصية تتعارض مع الحتمية.
-4يجري التجريب في العادة على عينة محدودة من األفراد وبذلك يصعب تعميم نتائج التجربة
العلمية إال إذا كانت العينة مماثلة للمجتمع األصلي تمثيال دقيقا.
-5التجربة ال تزود الباحث بمعلومات جديدة إنما يثبت بواسطتها معلومات معينة ويتأكد من
عالقات معينة.
-6تتم التجارب في معظمها في ظروف صناعية بعيدة عن الظروف الطبيعية والشك أن
الذين يشعرون بأنهم يخضعون للتجربة قد يميلون إلى تعديل بعض استحاباتهم لهذه التجربة.
-8العوامل والمتغيرات ال تؤثر على الظاهرة على انفراد بل تتفاعل هذه العوامل والمتغيرات
وتترابط في عالقات شبكية يصعب عزل أثر عامل معين على انفراد.
بناء على ما سبق يمكننا القول:إن القانون في العلوم اإلنسانية عامة وعلم النفس خاصة ال
يمكن أن يتسم بنفس الصرامة في القوانين الطبيعية.