Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫‪ -‬أوال‪ :‬المنهج التجريبي‪.

‬‬
‫أصبحت العلوم اإلنسانية وعلم النفس خاصة مع بداية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع‬
‫عشر ميدانا لتطبيق المنهج التجريبي حيث بدأت عملية ازدهار ونضوج النزعة والعقلية‬
‫العلمية والموضوعية التجريبية تسود على هذه العلوم على حساب النزعة والعقلية الفلسفية‬
‫التأملية والميتافيزيقية التي أصبحت تتناقض مع الروح والنزعة العلمية الناشئة‪.‬‬
‫هكذا طبق المنهج التجري بي كمنهج من مناهج البحث العلمي في بحوث ودراسة العديد من‬
‫السلوكات النفسية مثل البحوث والدراسات المتعلقة بعالقة المستوى االقتصادي بالتحصيل‬
‫لدى التالميذ‪ ،‬عالقة مشاهدة أفالم العنف بالسلوك العدواني لألطفال‪ ،‬عالقة تركيز االنتباه‬
‫بدرجات اإلضاءة وغيرها‪.‬‬
‫من بين أهداف علم النفس أنه يمدنا بمعلومات جديدة ومفيدة في شكل بيانات أو معطيات يمكن‬
‫التحقق منها‪ ،‬وتستخرج هذه البيانات عادة في ظل ظروف موضوعية ومحددة بدقة بحيث‬
‫يمكن ألي باحث مؤهل أن يكرر الدراسة ذاتها ويعيد المالحظات عينها ويستخرج النتائج‬
‫نفسها‪ ،‬ومن هنا فإن النظام والدقة والموضوعية والقابلية للتكرار من أسس البحث السيكولوجي‬
‫ونظرا لتعقد سلوك اإلنسان فقد انقسمت الدراسات السيكولوجية إلى ميادين متعددة وترتب‬
‫عن ذلك أيضا اختالف طرق البحث وأساليبه‪.‬‬
‫يعتبر المنهج التجريبي أفضل الطرق لدراسة الظواهر الطبيعية ذات الوجود المحسوس أي‬
‫القابلة ألن تكون موضوع مالحظة‪ ،‬وهو من أقرب المناهج إلى الطريقة العلمية الصحيحة‬
‫والموضوعية واليقينية في البحث عن الحقيقة واكتشافها وتفسيرها والتنبؤ بها والتحكم فيها‪.‬‬
‫و يشير المنهج التجريبي إلى أن طبيعة الدراسة للسلوك أو الظاهرة عبارة عن تغير مقصود‬
‫يقوم على اختبار الفروض السببية ومعرفة العالقة السببية من حيث إدخال المتغير التجريبي‬
‫إلى الواقع أو الظاهرة والقيام بضبط كافة المتغيرات األخرى المؤثرة وهذا ما يقصد به‬
‫الظروف المضبوطة‪.‬‬
‫‪ -‬مميزات المنهج التجريبي‪:‬‬
‫‪ -‬من خالل المنهج التجربي يستطيع الباحث الجزم بشكل مطلق على أثر السبب على النتيجة‪.‬‬
‫‪ -‬يعد المنهج التجريبي من المناهج المرنة‪ ،‬وذلك لقدرته على التكيف مع حاالت كثيرة متنوعة‬
‫ومتعددة‪.‬‬
‫‪ -‬يعد المنهج التجريبي الوحيد الذي يضبط المتغيرات الخارجية التي تؤثر على المتغير التابع‪.‬‬
‫‪ -‬أسس ومبادئ المنهج التجريبي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقسيم الظاهرة إلى متغيرات مستقلة ومتغيرات تابعة‪:‬‬
‫يتعامل الباحث مع موضوع دراسته باعتبارها حدثا ناتجا عن أسباب أدت إليه‪ ،‬ولذلك ينبغي‬
‫عليه أن يميز في السلوك أوالظاهرة بين األسباب والنتائج‪ ،‬ويطلق المختصون مصطلح‬
‫"المتغيرات المستقلة" على األسباب أي جميع العوامل التي لها تأثير في الموضوع‪ .‬ويطلقون‬
‫مصطلح "المتغيرات التابعة" على النتائج ويقصد بها التحوالت التي تطرأ على موضوع‬
‫الدراسة نتيجة تأثير العوامل المستقلة‪.‬‬
‫ولكي يقوم الباحث بدراسة تجريبية يجب عليه أن يحصر جميع المتغيرات المستقلة المتصلة‬
‫بالسلوك أوالظاهرة أي موضوع اهتمامه‪ .‬وهذه المهمة شرط ضروري لنجاح الباحث‪ ،‬ألن‬
‫إغفال أي متغير له تأثير في الظاهرة يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة تلغي كل قيمة‬
‫للعمل التجريبي‪.‬‬
‫‪ -2‬التحكم الصارم في المتغيرات المستقلة‪:‬‬
‫يجب أن يكون الباحث مسيطرا على جميع المتغيرات المستقلة في الظاهرة (األسباب)‪ .‬وإذا‬
‫كان من الصعب جدا دراسة تأثير كل المتغيرات المستقلة دفعة واحدة‪ ،‬فإن الباحث عادة ما‬
‫يحدد بعضا من تلك المتغيرات لدراسة أثرها‪ ،‬بينما يترك البعض اآلخر ليدرسها باحث آخر‬
‫أو يؤجل دراستها إلى فرصة أخرى‪.‬‬
‫إن التحكم الصارم في المتغيرات ال يتم في الظروف العادية نظرا لصعوبة عزل الظاهرة‬
‫وقياس المتغيرات بشكل دقيق‪.‬‬
‫‪ -3‬صياغة العالقة بين المتغيرات في شكل قانون‪:‬‬
‫إن النتائج التي يتوصل إليها الباحثون باستخدام المنهج التجريبي تصاغ عادة في صورة‬
‫قوانين‪ .‬ويقصد بالقانون تلك العالقة الثابتة بين متغير مستقل ومتغير تابع‪ ،‬غالبا ما يتخذ‬
‫لقانون في الدراسات الطبيعية صبغة رياضية نظرا لدقة العالقات التي تتناولها‪.‬‬
‫‪ -4‬الحتمية كأساس للقوانين الطبيعية‪:‬‬
‫إن عالقة المتغيرات المستقلة بالتابعة في الظواهر الطبيعية تتميز بكونها عالقة تالزم‪ ،‬فإذا‬
‫أخذنا مثال قانون "تمديد الحديد بالحرارة" فمعناه أنه كلما تعرض الحديد للحرارة ينبغي أن‬
‫يتمدد‪ ،‬وإذا غاب هذا التالزم مرة واحدة أصبح القانون الغيا‪ ،‬األمر نفسه يجب تحقيقه في‬
‫دراسة السلوكات اإلنسانية وذلك من خالل مجموعة من الوسائل والتقنيات المضبوطة‪.‬‬
‫‪ -‬مقومات وعناصر المنهج التجريبي‪:‬‬
‫‪ -1‬المالحظة‪:‬‬
‫هي الخطوة األولى في البحث العلمي وهي من أهم عناصر المنهج التجريبي ألنها محرك‬
‫أولي وأساسي لبقية عناصر المنهج التجريبي‪.‬‬
‫والمالحظة هي المقصودة والمنظمة والدقيقة للوقائع أو الظواهر السلوكات بغية معرفة أسبابها‬
‫وأحوالها وأوصافها وأصنافها وخصائصها من أجل وضع فرضيات بشأنها وإجراء عملية‬
‫التجريب عليها واستنباط القوانين والنظريات الالزمة‪.‬‬
‫‪ -‬أدوات المالحظة‪ :‬ومن أمثلة األجهزة العلمية التكنولوجية المستخدمة في المالحظة العلمية‪،‬‬
‫األجهزة المسجلة‪ ،‬المجهر المكبر والمصغر‪ ،‬أجهزة القياس والتسجيل‪ ،‬أجهزة قياس وتسجيل‬
‫األوزان‪ ،‬الرسوم والرموز‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬الفروض العلمية‪:‬‬
‫هي عبارة عن إجابات مؤقتة أو حلول أو بدائل واقتراحات وضعها الباحث بواسطة عملية‬
‫التحليل العلمي للبحث عن أسباب الظواهر وقوانينها‪.‬‬
‫‪ -‬األسباب والمصادر الداخلية لتكوين الفرضيات‪ :‬مصادرها خصوبة العقل وإبداع الفكر‬
‫وجموح الخيال وبعد النظر وعمق التصور وحدة الذكاء واتساع المدارك وقوة الخبرة‬
‫والمعرفة‪ ،‬وال يتأتى ذلك بطبيعة الحال إال لطليعة من المفكرين والعلماء والمتخصصين الذين‬
‫يملكون معلومات واسعة‪.‬‬
‫‪ -‬شروط صحة الفروض العلمية‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن تبدأ من وقائع وظواهر محسوسة ومشاهدة وليس من تأثير الخيال الجامع‪ ،‬حيث‬
‫تتحول بواسطة التجريب إلى قوانين وعالقات ثابتة‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون قابلة للتجريب واالختبار والتحقق‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون شاملة ومترابطة‪ ،‬أي معتمدة على كل الجزئيات والخصوصيات المتوفرة‬
‫على التناسق مع النظريات السابقة اكتشافها‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون متعددة ومتنوعة للواقعة أو الظاهرة الواحدة‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون خالية من التناقض للوقائع والظواهر المعروفة‪.‬‬
‫‪ -3‬عملية التجريب أو التجربة العلمية‪:‬‬
‫يهدف التجريب إلى التحقق من صحة الفرضيات أي التحقق من وجود عالقة سببية بين‬
‫المتغير المستقل والمتغير التابع‪.‬‬
‫‪ -‬تنفيذ البحث التجريبي‪ :‬ينقسم البحث التجريبي في كيفية تنفيذه إلى التجارب القبلية والتجارب‬
‫البعدية‪ ،‬على مجموعة واحدة أو مجموعتين إحداهما تجريبية واألخرى ضابطة‪.‬‬
‫‪ -4‬تحليل النتائج وتأويلها‪:‬‬
‫يقوم الباحث خالل هذه المرحلة بترتيب نتائج التجربة وتصنيفها بواسطة الجداول اإلحصائية‬
‫وبتحليل هذه النتائج بوسائل التحليل اإلحصائي المناسب ومن ثم يقوم بتأويلها من خالل تحديد‬
‫األسباب التي تفسر هذه النتيجة وويؤدي هذا التأويل إلى بناء نظرية علمية‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبات تطبيق المنهج التجريبي في علم النفس‪:‬‬
‫إن التجريب في علم النفس ليس أمرا سهال نظرا لطبيعة السلوك اإلنساني الذي تحكمه أو‬
‫تتداخل فيه مجموعة من األبعاد أو المؤثرات أو المتغيرات‪ ،‬ومن بين هذه الصعوبات ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬صعوبة إخضاع السلوك اإلنساني للتجريب نظرا لتعدد المتغيرات المستقلة بشكل يستحيل‬
‫معه تقريبا حصرها وضبطها وكذا التعقيد البالغ في عالقة المتغيرات ببعضها‪.‬‬
‫‪ -‬المتغيرات التاريخية‪ :‬التجربة الشخصية السابقة‪ ،‬فالسلوك اإلنساني ال يتأثر بالعوامل‬
‫الحاضر بل بالخبرات الماضية والتوقعات المستقبلية أيضا‪.‬‬
‫‪ -‬المتغيرات الالشعورية‪ :‬إن اإلنسان ال يعي كل ما يؤثر في سلوكه‪ ،‬مما يصعب على الباحث‬
‫أو المجرب الذي يعتمد على المالحظة الموضوعية أن يضع هذا النوع من المتغيرات تحت‬
‫المراقبة ‪.‬‬
‫‪ -‬المتغيرات الغيبية‪ :‬من بين العوامل التي تؤثر بعمق في السلوك اإلنساني كثيرا الدين‬
‫أوالمعتقد‪.‬‬
‫‪ -2‬صعوبة التحكم في بعض السلوكات مثل اإلرادة‪ ،‬التذكر‪ ،‬والتفكير والتخيل وغيرها‪.‬‬
‫وهناك سلوكات أخرى ال نستطيع إجراء التجارب عليها بسبب منظومة األخالق اإلنسانية‬
‫التي تمنع قانونيا أي فعل يلحق األذى بالمفحوص في بدنه أو كرامته‪ ،‬فنحن ال نستطيع بتر‬
‫أعضاء إنسان أو حقنه بمادة ضارة أو تعرضه لصدمات كهربائية‪ ،...‬لمعرفة أثر ذلك مثال‬
‫في تعلم بعض المهارات‪.‬‬
‫‪ -3‬ولعل أهم خصوصية يتميز بها اإلنسان هي اإلرادة التي تعني حريته وقدرته على اختيار‬
‫السلوك الذي يراه مناسبا للموقف‪ ،‬وتترتب عليها مسؤوليته عن أعماله وقراراته وهذه‬
‫الخصوصية تتعارض مع الحتمية‪.‬‬
‫‪ -4‬يجري التجريب في العادة على عينة محدودة من األفراد وبذلك يصعب تعميم نتائج التجربة‬
‫العلمية إال إذا كانت العينة مماثلة للمجتمع األصلي تمثيال دقيقا‪.‬‬
‫‪ -5‬التجربة ال تزود الباحث بمعلومات جديدة إنما يثبت بواسطتها معلومات معينة ويتأكد من‬
‫عالقات معينة‪.‬‬
‫‪ -6‬تتم التجارب في معظمها في ظروف صناعية بعيدة عن الظروف الطبيعية والشك أن‬
‫الذين يشعرون بأنهم يخضعون للتجربة قد يميلون إلى تعديل بعض استحاباتهم لهذه التجربة‪.‬‬
‫‪ -8‬العوامل والمتغيرات ال تؤثر على الظاهرة على انفراد بل تتفاعل هذه العوامل والمتغيرات‬
‫وتترابط في عالقات شبكية يصعب عزل أثر عامل معين على انفراد‪.‬‬
‫بناء على ما سبق يمكننا القول‪:‬إن القانون في العلوم اإلنسانية عامة وعلم النفس خاصة ال‬
‫يمكن أن يتسم بنفس الصرامة في القوانين الطبيعية‪.‬‬

You might also like