‫المحاضرة الثالثة‬

‫المحور الثاني‪ :‬موضوع علم النفس ومفهومه‪:‬‬

‫يبدو أن مفهوم اإلنسان مدخال جيدا للتعريف بعلم النفس‪ ،‬رغم أن اإلنسان هو موضوع‬
‫مجموعة من العلوم‪ ،‬سواء بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬
‫يدور موضوع علم النفس بصفة عامة حول اإلنسان أي دراسة السلوكات النفسية‪ ،‬كما تظهر‬
‫في السلوك اإلنساني المركب والعمليات العقلية التي تصاحب ذلك السلوك مثل التفكير‬
‫واإلدراك والتذكر والنسيان والتعلم واالنفعال والذكاء والدافعية وغيرها‪.‬‬
‫يدرس علم النفس مختلف أنواع السلوكات اإلنساني في جميع مراحل حياة اإلنسان المختلفة‬
‫من أجل الكشف عن القوانين والمبادئ العامة التي تحكم السلوك وتوجهه‪ ،‬مع العمل على‬
‫تنظيم هذه المبادئ في نظام معرفي متكامل‪ .‬ويشتمل السلوك بهذا المعنى على مجموع ما‬
‫يقوم بها الكائن الحي‪.‬‬
‫إن علم النفس‪ ،‬علم يدرس سلوك اإلنسان‪ ،‬أي يصف هذا السلوك ويحاول فهمه وتفسيره‬
‫وضبطه‪ ،‬وقد اختلف العلماء في تحديد معنى السلوك (‪.)le comportement‬‬

‫إن السلوك هو كل ما يصدر عن اإلنسان من استجابات إزاء موقف يواجهة‪ ،‬مثل‪ :‬مشكلة‬
‫يحلها‪ ،‬أوخطر يهدده‪ ،‬أو قرار يتخذه‪ ،‬أومشروع يخطط له‪ ،‬أودرس يحفظه‪ ،‬أومقالة يكتبها‪،‬‬
‫أو آلة يصلحها‪ ،‬أومسابقة يعمل على الفوز ب ها‪ ،‬أولوحة فنية يتأملها‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومع تطور أساليب الحياة تطورت معه النظرة إلى علم النفس واختلفت وجهات النظر بين‬
‫الباحثين في علم النفس نتيجة التعمق في دراسة جوانب البحث في الحياة النفسية فظهرت‬
‫مجموعة من الكتب المتخصصة في علم النفس التي تتناول فروعه وميادينه المختلفة‪ ،‬وهذا‬
‫األمر أدى إلى تقديم مجموعة من التعاريف المتخصصة‪.‬‬
‫بناء على ما سبق يمكن تقديم بعض التعاريف التي قدمت لعلم النفس‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف علم النفس بأنه العلم الذي يدرس بطريقة علمية السلوك باعتبار أن السلوك يشمل‬
‫األفكار والمشاعر واألحالم والتخيل واإلدراك والتفكير (العمليات المعرفية) والتي يطلق عليها‬
‫البعض العمليات العقلية‪.‬‬
‫‪ -‬يهتم علم النفس بدراسة جميع أنواع السلوك اإلنساني في جميع مراحل حياة اإلنسان‬
‫المختلفة‪ ،‬وذلك بشكف القوانين والمبادئ العامة التي تحكم هذا السلوك وتوجهه‪ ،‬وتنسيق هذه‬
‫القوانين والمبادئ والحقائق في نظام معرفي متكامل (طلعت منصور وآخرون‪ ،‬أسس علم‬
‫النفس العام)‪.‬‬
‫‪ -‬يدرس علم النفس السلوك بطريقة علمية وذلك من أجل فهم السلوك وتفسيره والتنبؤ بما‬
‫سيكون عليه في المستقبل عندما تتكرر المواقف والمثيرات‪ ،‬ومن ثم الضبط والتحكم بالعوامل‬
‫التي من الممكن أن تزيد أو تققل من احتمال تكرار ذلك السلوك (عبد الرحمن عدس محي‬
‫الدين توق‪ ،‬المدخل إلى عم النفس)‪.‬‬
‫‪ -‬علم النفس هو الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية وخصوصا اإلنسان‪ ،‬وذلك بهدف فهمه‬
‫وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه‪.‬‬
‫‪ -‬عموما يمكن القول‪ :‬إن علم النفس هو علم يدرس السلوك اإلنساني وغير اإلنساني بطريقة‬
‫علمية‪.‬‬
‫‪ -‬استنتاجات عامة‪:‬‬
‫‪ -‬إن موضوع علم النفس بصفة عامة هو دراسة اإلنسان في مختلف سلوكاته‪.‬‬
‫‪ -‬ال يوجد تعريف واحد لعلم النفس يتفق عليه جميع الباحثين ألنه كان في عهد قريب فرعا‬
‫من الفلسفة يغلب عليه القياس واالستنبطان والتأمل‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬جل التعاريف المقدمة لعلم النفس متكاملة في ما بينها‪.‬‬
‫‪ -‬إن كلمة علم النفس ذات أصل يوناني )(‪ ،‬وهي مركبة من"‪ "Psycho‬وتعني النفس أو‬
‫الروح و"‪ "Logos‬وتعني علم وبذلك تعني دراسة النفس أو الروح أو العقل‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس المعاصر ال يبحث في النفس بل في السلوك‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس ال يدس السلوك اإلنساني فقط بل حتى السلوك الحيواني‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس المعاصر ال يهتم بالبحوث الروحانية كالتحضير األرواح ومشكلة التخاطر‬
‫(انتقال الخواطر واألفكار من شخص إلى آخر) ومشكلة اإلدراك عن بعد بغير وساطة‬
‫الحواس‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس القديم يقسم اإلنسان إلى جسم ونفس‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس المعاصر ينظر إلى اإلنسان كبنية أو وحدة نفسية – جسمية‪ ،‬ليس هناك جسمي‬
‫خالص ونشاط نفسي خالص‪.‬‬
‫‪ -‬إن علم النفس علم إنساني ساهمت فيه كل الحضارات واألمم‪.‬‬
‫عالقة علم النفس بالعلوم األخرى‪:‬‬
‫لقد عرف علم النفس تطورا من حيث الموضوع ومناهج البحث مما جعله في عالقة تأثير‬
‫وتأثر مع الفلسفة والعلوم الطبيعية والعلوم االجتماعية حيث يسعى علم النفس إلى االستفادة‬
‫من القوانين التي توصلت إليها مختلف العلوم عن اإلنسان وتفسيرها لمكوناته المختلفة وتفاعله‬
‫مع بيئته‪ ،‬كما تستفيد منه العلوم المعرفية األخرى‪.‬‬
‫إن علم النفس في صلة وثيقة مع العلوم األخرى سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬
‫فسلوك الفرد يصدر عن كائن حي يعيش في مجتمع‪ ،‬فالبد لفهمه وتفسيره من معرفة شروطه‬
‫العضوية وشروطه االجتماعية‪ ،‬مثال‪ ،‬يساعدنا علم األحياء وعلم وظائف األعضاء على‬
‫معرفة شروطه العضوية‪ ،‬في حين يعيننا علم االجتماع على فهم شروطه االجتماعية‪ ،‬ويمكن‬
‫تصنيفها على الشكل اآلتي‪:‬‬
‫‪ )1‬عالقة علم النفس بالعلوم االجتماعية‪:‬‬
‫‪ -1-1‬علم النفس وعلم علوم التربية‪.‬‬
‫‪ -1-2‬علم النفس وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -1-3‬علم النفس واالنتروبولوجيا‪.‬‬
‫‪ -1-4‬علم النفس وعلوم اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫‪ )2‬عالقة علم النفس بعلوم الطبيعة والحياة‪:‬‬
‫‪ -2-1‬علم النفس والطب‪.‬‬
‫‪ -2-2‬علم النفس وعلم التشريح‪.‬‬
‫‪ -2-3‬علم النفس والفيزيولوجيا‪.‬‬
‫‪ )3‬عالقة علم النفس بالعلوم الدقيقة‪:‬‬
‫‪ -3-1‬علم النفس والكيمياء‪.‬‬
 ‫‪ -3-2‬علم النفس والفيزياء‪.‬‬
‫‪ -3-3‬علم النفس والرياضيات واإلحصاء‪.‬‬
‫‪ )4‬لعلم النفس عالقة مع علوم أخرى‪ ،‬وهي كثيرة‪.‬‬
‫بناءا على ما سبق يمكن القول‪ :‬إن لعلم النفس صالت وثيقة بعلم األحياء وعلم وظائف األحياء‬
‫وعلم االجتماع وغيرها‪ ،‬فسلوك الفرد يتوقف إلى حد كبير على تكوينه البيولوجي الوراثي‪،‬‬
‫الجسمي والعصبي وعلى ما ورثناه من استعدادات فطرية‪ .‬إن إصابة إنسان باالضطرابات‬
‫في مفرزات الغدد سيكون له أثر خطير في شخصية الفرد وصحته النفسية‪.‬‬
‫إن للمجتمع والثقافة السائدة فيه تأثير عميق في شخصية الفرد‪ :‬طرق التفكير‪ ،‬والتعبير عن‬
‫االنفعاالت وفي ما يتم تعلمه من معايير القيم (الخير والشر‪ ،‬المباح والمحظور‪ ،)...‬وكذلك‬
‫فيما يكتسبون من معلومات ومهارات وعواطف وأذواق ‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬إذا كان علم المنطق يعلمنا كيف ينبغي أن نفكر على نحو يعصمنا من التناقض في‬
‫التفكير ويكفل لنا الوصول إلى نتائج تلزم عن مقدماتها‪ ،‬فإن علم النفس يقتصر على وصف‬
‫الطريقة التي تتم بها عملية التفكير بالفعل‪.‬‬
‫وإذا كان علم األخالق يعلمنا كيف ينبغي لنا أن نسلك في في سلوكاتنا إن أردنا أن نكون أفرادا‬
‫صالحين فإن علم النفس يدرس السلوك الفعلي سواء أكان خيرا أم شرا‪.‬‬
‫وإذا كان علم الجمال يضع معايير للتذوق الفني في الفنون واآلداب فإن علم النفس يدرس ما‬
‫تتذوقه بالفعل سواء كان جميال أم قبيحا‪.‬‬
‫هكذا يمكننا القول‪ :‬إن علم النفس في عالقة تأثير وتأثر مع مختلف الحقول المعرفية‪ ،‬حيث‬
‫يسعى إلى االستفادة من قوانينها وتفسيراتها وتحليلتها‪ ،‬كما تستفيد منه هذه الحقول المعرفية‪،‬‬
‫وهذا االنفتاح المبني على التأثير والتأثر بين علم النفس و العلوم األخرى يجعل علم الفس في‬
‫تطور مستمر‪.‬‬