Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫المبحث األول‪ :‬إشكالية المفاهيم‬

‫أ ‪ -‬الفرق ن‬
‫بي الحضارة والمدنية والثقافة‪:‬‬
‫بي مصطلحات «الحضارة» «والمدنية» و«الثقافة» يمكن‬ ‫ن‬
‫التميي ن‬ ‫ن‬
‫الدارسي حول‬ ‫بي‬‫كان الخالف ن‬
‫ً‬
‫المتخصصي ن يف تاري خ الحضارات اإلنسانية عموما فإن القضية بالنسبة‬
‫ن‬ ‫وضع حد له استنادا إىل جهود‬
‫عشات الدراسات العربية‬‫لدارس الحضارة العربية اإلسالمية ال تزال قائمة عىل الرغم من ظهور ر‬
‫ي‬
‫االستشاقية ن يف هذا المجال‪.‬‬
‫ر‬ ‫ومئات الدراسات‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وف إطار المكان من خالل‬ ‫وتعت الحضارة‪ :‬إنجازات اإلنسان المادية والفكرية والروحية ر‬
‫عي الزمان ي‬ ‫ي‬
‫بي اإلنسان والطبيعة‪ ،‬بحيث يمكن الحديث عن دور اإلنسان منذ البدء وحت‬ ‫الرصاع األزىل واألبدي ن‬
‫ي‬
‫اآلن ن يف بناء الحضارة‪.‬‬

‫الت‬ ‫ن‬
‫وقد استند اإلنسان يف هذا الرصاع إىل اكتشافاته الدائبة والمستمرة للوسائل والمناهج واألساليب ي‬
‫تمكنه ن يف النهاية من قهر الطبيعة وتكريسها لمصالحه‪ .‬وقد جرى العرف عىل تسمية نتاج هذه‬
‫االبتكارات بالعلم‪ ،‬فبالعلم وحده يمكن السيطرة عىل الطبيعة‪.‬‬

‫وتعت المعرفة‪ :‬مجموعة العلوم المسخرة لخدمة أغراض اإلنسان العملية‪ ،‬ومن ثم يكون من‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫المنطق أن تشمل المعرفة نتائج العلم النظري ومناهجه وتقنيات توظيفها ن يف خدمة أغراض عملية‬ ‫ي‬
‫وه أساس الحضارة وبقدر تحصيل اإلنسان للمعارف بقدر إثراء البناء الحضاري وازدهاره‪.‬‬ ‫وتطبيقية‪ ،‬ي‬
‫الت اكتسبها االنسان إبان رصاعه مع الطبيعة والحيوان ن يف عصور ما قبل التاري خ‬ ‫فالمعارف المحدودة ي‬
‫البدائ‪ .‬وال يمكن أن توصف هذه الحضارة البدائية بالمدنية؛ ألن‬‫ي‬ ‫الت أنجزت حضارة اإلنسان‬ ‫ه ي‬‫ي‬
‫تعت التعبي عن مراحل تاريخية الحقة ازدهرت إبانها الحضارة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫المدنية‬
‫ي‬
‫البدائ‬ ‫نمطي من الحضارة النمط‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫وقد وقف ابن خلدون نف مقدمته عىل هذه الحقيقة ن‬
‫حي ّمز ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫المدئ وهو ما أطلق عليه مصطلح العمران البشي الذي يتفاوت بي مجتمعات‬ ‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أو البدوي و النمط‬
‫ي‬
‫أهل الوبر ومجتمعات أهل المدر‪.‬‬
‫حرفت الزراعة‬
‫ي‬ ‫الت تلعب خاللها‬
‫ما قبل الرأسمالية ي‬ ‫البدائ أو البدوي‪:‬‬
‫ي‬ ‫بالمجتمع‬
‫األساس عىل صعيد اإلنتاج‪.‬‬
‫ي‬ ‫والرع الدور‬
‫ي‬

‫البشي ن يف العصور‬
‫الت تسود حياة العمران ر‬
‫ي‬ ‫بالمجتمعات المدينية‪:‬‬
‫الرأسمالية‪.‬‬

‫وعىل ذلك؛ فقد سبق ابن خلدون کارل مارکس ن‬


‫حي وقف عىل حقيقة ارتباط االزدهار الحضاري‬
‫أسماىل ن يف اإلنتاج‪.‬‬
‫ي‬ ‫بمجتمعات يسودها النمط الر‬

‫الصفحة | ‪1‬‬
‫ويعت العمران المزدهر ن يف نظر ابن خلدون ن يف التحليل األخي احياف الصناعة والتجارة‪ ،‬لذلك‬
‫ي‬
‫ن‬
‫مجتمعات تتسم حضارتها بالتعقيد واليكيب ألنها ال تهتم فقط بتحقيق الحاجيات المادية ن‬
‫الرصورية‬
‫تعت أيضا إشباع الحاجات العقلية والفكرية والروحية والجمالية أيضا‪.‬‬‫ن‬
‫والبسيطة لإلنسان فحسب؛ بل ي‬
‫ه «صنعة من الصنائع»‪ .‬كذا قوله‬ ‫يفهم ذلك من نصه عىل أن الحياة العقلية والروحية والفنية إنما ي‬
‫البش ن يف عوائدهم ونحلهم باختالف حظهم من المعاش"‪.‬‬ ‫الرائع "باختالف ر‬

‫تعت الجوانب العقلية والوجدانية ن يف الدرجة األوىل‪.‬‬


‫ن‬
‫أما الثقافة فيمكن اعتبارها جزءا من الحضارة؛ إذ ي‬
‫أسماىل‪ .‬أما عن حضارة مجتمعات ما قبل‬‫ي‬
‫ن‬
‫«المديت» الر‬
‫ي‬ ‫هذا إذا ما تحدثنا عن الحضارة ن يف طورها‬
‫الرأسمالية ‪ -‬وخاصة ن يف عصور ما قبل التاري خ – فيتسع مفهوم الثقافة ليشمل مجموعة المعارف‬
‫األولية بصدد كافة جوانب الحضارة المادية وغي المادية‪.‬‬

‫وبولوج ن‬ ‫بي المفهوم العام للثقافة‪ ،‬وهو المفهوم ر‬ ‫ن‬


‫التميي ن‬ ‫وعىل ذلك تنبه إىل نرصورة‬
‫وبي المفهوم‬ ‫ر ي‬ ‫األني‬
‫الخاص المرتبط بحضارات المرحلة الرأسمالية وما بعدها‪.‬‬
‫ن‬
‫«تاريخائ» يلم‬
‫ي‬ ‫بي مفاهيم «الحضارة» و«المدنية» و«الثقافة» البد وأن يجدد ن يف إطار‬ ‫ن‬
‫التميي ن‬ ‫إن‬
‫ر‬
‫بأبعاد ما أسماه ابن خلدون بتطور العمران البشي ‪.‬‬
‫البدائ وهو يصارع الوحوش من أجل البقاء ال يقل‬
‫ي‬ ‫توينت بأن دور اإلنسان‬
‫وهنا تصدق مقولة «أرنولد ر ي‬
‫بحال عن دور اإلنسان المعارص وهو يرتاد مجاهيل الفضاء‪.‬‬

‫تعت‪ :‬الحديث عن عطاء حضاري راق ومتطور وهو ما لم يحدث إال ن يف مراحل ما بعد‬
‫ن‬
‫والمدينة ي‬
‫اإلقطاعية‪.‬‬

‫القائلي بمركزية» الحضارة العالمية ن يف أوروبا‬


‫ن‬ ‫ن‬
‫األوروبيي‬ ‫ن‬
‫الدارسي‬ ‫وعىل ذلك تسقط حجج بعض‬
‫الت أعلت‬ ‫ه ي‬ ‫عىل أساس ‪ -‬خاىطء مفاده أن اليونان هم الذين شيدوا قاعدتها وأن أوروبا الحديثة ي‬
‫رصحها‪.‬‬
‫ن‬
‫األوربيي بأن الحضارة اليونانية نفسها نهلت‬ ‫ن‬
‫الدارسي‬ ‫ولعل مما يسقط هذا الزعم اعياف بعض‬
‫ن‬
‫الشق األدئ ومرص الفرعونية‪ .‬فقد أثرت‬ ‫من ينابيع رشقية هندية وصينية فضال عن حضارات بالد ر‬
‫الشق األقىص الحضارة العالمية بالقيم األخالقية والرؤى الدينية‪ ،‬بينما قدمت حضارات‬ ‫حضارات ر‬
‫خيات تكنولوجية وتطبيقات علمية وظفت ن يف إثراء الجوانب المادية للحضارة‬ ‫للبشية ر‬
‫ن‬
‫األدئ ر‬ ‫ر‬
‫الشق‬
‫الت خلفتها هذه الحضارات‬‫ناهيك عن عطاءاتها الروحية واألخالقية والجمالية‪ .‬واآلثار العمرانية ي‬
‫تعكس صورا متطورة من أطوار المعارف اإلنسانية يعزى إىل اليونان فقط فضل تأصيلها نظريا فن‬
‫ي‬
‫صورة علوم وفنون وآداب‪ ،‬كما يعزى إىل الرومان فضل تطبيقها ن يف مجال الحرب والسياسة والحكم ‪.‬‬

‫والمسلمي ن يف الحفاظ عىل هذا الياث الحضاري السابق ‪ -‬خاصة‬


‫ن‬ ‫وبالمثل يعزى الفضل إىل العرب‬
‫ن‬
‫الرومائ ‪ -‬بل واإلضافة إليه يف وقت عاشت فيه أوروبا العصور الوسىط حياة الجهالة‬‫ن‬ ‫ن‬
‫اليونائ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫مياطورية الرومانية ‪.‬‬
‫الت أطاحت باال ر‬ ‫ن‬
‫الهلليت عىل إثر اإلغارات الجرمانية ي‬
‫ي‬ ‫والظالم؛ حيث اندثر الياث‬

‫الصفحة | ‪2‬‬
‫ن‬
‫اإلنسائ وتضبيبه‪ .‬فلما‬ ‫هذا فضال عما أقدمت عليه الكنيسة المسيحية من مسخ هذا الياث‬
‫ي‬
‫الكالسيك لم تجد مناصا من العودة إىل دار‬
‫ي‬ ‫افاقت أوروبا إبان عرص النهضة وعولت عىل إحياء تراثها‬
‫الم الذي شكل أهم ركائز‬ ‫العرئ اإلس ي‬
‫ري‬ ‫الت أمدتها بهذا الياث مضافا إليه نتاج العقل والوجدان‬
‫اإلسالم ي‬
‫ن‬
‫الحضارة األوروبية الحديثة؛ وهو ما سنوضحه مفصال يف موضعه من هذا الكتاب ‪.‬‬

‫أما عن إشكالية تحديد اصطالح الحضارة العربية اإلسالمية؛ فالثابت أن خالفا حادا جرى وال يزال ن‬
‫بي‬
‫ن‬
‫الموالي‬ ‫الدارسي ن يف هذا الصدد‪ .‬فهناك من تعصب الصطالح «الحضارة العربية» خاصة من لدن‬‫ن‬
‫إلديولوجية والقومية العربية‪ .‬وحجج هؤالء‪ :‬أن العرب هم الذين أقاموا دولة اإلسالم وهم الذين عربوا‬
‫األمصار بعد فتحها إثنيا ولغويا‪ .‬لكن الثابت أن عنارص أخرى غي عربية ‪ -‬وبالذات الفرس ‪ -‬اضطلعت‬
‫بدور هام ن يف تشييد رصح هذه الحضارة حت أن ابن خلدون يرى أن أهل العلم ن يف اإلسالم معظمهم من‬
‫األعاجم‪.‬‬

‫ه‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫السياس ‪ -‬من ذهب إىل أن التسمية الصحيحة ي‬
‫ي‬ ‫المتأدلجي باإلسالم‬ ‫الدارسي ‪ -‬وخاصة‬ ‫ومن‬
‫ن‬
‫المتمي خاصة وأنه‬ ‫الحضارة اإلسالمية تأسيسا عىل أن اإلسالم هو الذي أعىط للحضارة طابعها‬
‫اليعات العرقية والشعوبية‪ .‬لكن الثابت أيضا أن عنارص غي إسالمية من أهل الذمة‬‫يلفظ ن ن‬
‫اضطلعت بدور هام ن يف بناء الجوانب المادية لحضارية ونعت الحضارة اإلسالمية فقط يسقط هذا‬
‫الدور الهام ‪.‬‬

‫الباحثي وهو «األب قنوائ» للقيام بإجراء استفتاء ن‬


‫بي‬ ‫ن‬ ‫وكان تفاقم هذه اإلشكالية دافعا ألحد‬
‫ي‬
‫المتخصصي حول التسمية الصحيحة‪ .‬وقد أسفرت النتائج عن االتفاق حول اصطالح «الحضارة‬ ‫ن‬
‫واإلسالم‬
‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫العربية اإلسالمية»‪ .‬لكننا نرى أن هذا االصطالح يفتقر إىل العلمية ألنه رييز الدور‬
‫ويتجاهل دور أهل الذمة نف اإلسالم‪ .‬وبالمثل ال يقيم وزنا للتأثيات الحضارية السابقة ر‬
‫الشقية‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬ ‫ن‬
‫كية الثالثة يف بناء تلك الحضارة لذلك نفضل إطالق اصطالح حضارة دار‬ ‫والهللينية باعتبارها الر ن‬
‫اإلسالم باعتباره جامعا مانعا من ناحية فضال عن كونه متعارفا عليه إبان العصور الوسىط اإلسالمية‬
‫من ناحية أخرى‪ .‬إن هذا المصطلح المقيح يعيف بدور العرب واألعاجم وأهل الذمة عىل السواء ن يف‬
‫زمائ معلوم‪ .‬كما يضع حدا للتأثيات اإليديولوجية‬ ‫ن‬
‫بناء حضارة شامخة عىل رقعة محددة وعىل مدار ي‬
‫الت تفت ن يف مصداقية المعرفة‪.‬‬ ‫ي‬

‫ب ‪ -‬الفرق ن‬
‫بي الحضارة والتاري خ ‪:‬‬
‫الصفحة | ‪3‬‬
‫وبي الدراسات التاريخية ‪.‬‬ ‫ن‬
‫للتميي بينها ن‬ ‫ننتقل إىل تناول خصائص الدراسات الحضارية‬
‫النوعي من الدراسات دقيق إىل حد اختالط موضوع‬ ‫ن‬ ‫بي هذين‬‫من الثابت أن الخط الفاصل ن‬
‫العلمي سواء ن يف الموضوع أو ن يف المنهج‬
‫ن‬ ‫الحضارة بموضوع التاري خ‪ .‬لكننا نرى اختالفا واضحا ن‬
‫بي‬
‫فدراسة التاري خ كانت أسبق زمنيا عن دراسة الحضارة كعلم مستقل قائم بذاته بل كان علم التاري خ‬
‫السياس والعسكري؛ طالما كان موضوعه هو دراسة‬ ‫ي‬ ‫يتناول الحضارة بصورة عرضية إىل جانب التاري خ‬
‫ر‬ ‫ن‬
‫ر ي‬
‫وبولوج‬ ‫عي الزمان كما كان يتناول أيضا موضوعات علوم أخرى كاالجتماع واألني‬ ‫اإلنسان يف المكان ر‬
‫واآلثار وغيها من العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪.‬‬
‫أفىص إىل بروز سمة التخصص فانفصلت العلوم عن بعضها‬ ‫عىل أن التقدم العلم نف العصور الحديثة ن‬
‫ي ي‬
‫البعض وأصبح لكل علم موضوعه ومنهجه وغاياته ‪.‬‬
‫ن‬
‫المحدثي ما لبثوا أن‬ ‫ن‬
‫المؤرخي‬ ‫واقترص موضوع علم التاري خ عىل الجوانب السياسية والعسكرية‪ .‬لكن‬
‫أضافوا إليها الجوانب الحضارية من نظم وحياة اقتصادية واجتماعية وثقافية ‪.‬‬

‫السياس والعسكري وأخرى تحفل بالحضارة‬


‫ي‬ ‫ومع ذلك ظلوا ن يف دراساتها يفردون مؤلفات خاصة بالتاري خ‬
‫وبرغم ما ينطوي عليه هذا المنتوج من خطأ يرد إىل خطأ الرؤية عىل اساس أن كافة الظواهر ر‬
‫البشية تتغي‬
‫ن‬
‫إنسائ عام‪ ،‬برغم ذلك يصبح‬ ‫وتتطور كوحدة ال تقبل التجزئة خاصة إذا ما تعلق األمر برصد نتاج‬
‫ي‬
‫التخصص أمرا ال مندوحة منه بعد الياكم المعارف باستمرار الصيورة التاريخية‪ ،‬بحيث يستعىص عىل‬
‫المؤرخ أن يحيط علما بكافة جوانب النشاط ر‬
‫البشي‪.‬‬

‫المعرف يمكن تفسي لماذا استقلت دراسة الحضارات نسبيا عن‬ ‫ن‬ ‫ن يف إطار ظاهرة التخصص عىل الصعيد‬
‫ي‬
‫موضوع علم التاري خ لتتقارب مع دراسة الفلسفة ‪ .‬وإذا كان منظروا التاري خ ن يف العصور الحديثة قد أسهموا‬
‫فارس الفلسفة الذين ينصب اهتمامهم‬ ‫ي‬ ‫بدور ن يف دراسة الحضارات فقد ازداد هذا الدور العاليا من جالب‬
‫الشموىل‪ .‬ذلك أن نظرية فلسفية ما ال يمكن التوصل إليها تعزل عن استيعاب‬ ‫ي‬ ‫عىل القضايا ذات الطابع‬
‫ن‬
‫التاريخ أيضا‪.‬‬ ‫البشي الحضاري بله‬ ‫الياث ر‬
‫ي‬

‫وإذا كان القرن األخي قد شهد اهتماما كبيا بدراسة الحضارات فظهرت عىل سبيل المثال موسوعات عن‬
‫وه دراسة تعول عىل التفسي‬‫نويت ‪ -‬ي‬
‫«قصة الحضارة» لول ديورانت أو «دراسة التاري خ» ألرنولد ي‬
‫الحضاري بوجه خاص قمرة ذلك ‪ -‬فيها ترى إىل تعاظم الرؤية اإلنسانية المرتبطة بالتقدم الحضاري ليس‬
‫إال ‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بموضوع الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬تالحظ بالمثل أنه ارتبط بدراسة التاري خ ارتباطا‬
‫وثيقا‪ ،‬خاصة بعد أن نحت الدراسات التاريخية نحوا جديدة ال يعول عىل الوقائع واألحداث واألخبار‬
‫السياسية والعسكرية بالدرجة األوىل‪ ،‬لكن يؤخذ عىل هذه الدراسات عدة نقائض‪:‬‬

‫الصفحة | ‪4‬‬
‫منها االهتمام بالوصف والعرض دون التحليل والتفسي وتلك مثلبة منهجية ال مناص من تجاوزها ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ن‬
‫منها أيضا روح المبالغة واإلرساف يف تبيان مآثر الحضارة العربية اإلسالمية بالقدر الذي يفت ن يف‬ ‫‪-2‬‬
‫مصداقية هذه الدراسات معرفيا‪ ،‬يضاف إىل ذلك محاولة النظر إليها بمنظور "التقديس" خاصة من‬
‫بشيا فن‬ ‫وبي الياث العرئ اإلسالم باعتباره نتاجا ر‬
‫بي اإلسالم كعقيدة ن‬ ‫جانب أولئك الذين ال يفصلون ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ري‬
‫المحل األول‪.‬‬
‫وبي عصور التخلف‬ ‫بي عصور التقدم واالزدهار ن‬ ‫ميلق التعميم دون وضع حدود فاصلة ن‬ ‫الوقوع نف ن ن‬ ‫‪-3‬‬
‫ي‬
‫واالنهيار ‪.‬‬
‫باالستشاق ‪ -‬من حيث‬‫ر‬ ‫ن‬
‫الدارسي اتخاذ الموقف المضاد وخاصة أولئك المبهورين‬ ‫محاولة بعض‬ ‫‪-4‬‬
‫فاعتيوا لذلك النتاج‬
‫ر‬ ‫الحرص عىل إبراز مقولة النقل واالقتباس والمحاكاة للحضارات السابقة‪،‬‬
‫إسالم"‪.‬‬
‫ي‬ ‫اإلسالم مجرد "هللينية ن يف مسوح‬
‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫الحضاري‬

‫ن‬
‫االتجاهي معا والماء الشيخ والمجاه المسخ والنظر إىل هذه‬ ‫إن نظرة موضوعية البد وأن تتجاوز‬
‫الكيى تأثرت بما قبلها‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫إنسائ عام باعتبارها حلقة يف سلسلة الحضارة اإلنسانية ر‬
‫ي‬ ‫الحضارة من منظور‬
‫ر‬
‫وأثرته لم أثرت فيها بعدها لتييه أيضا‪.‬‬

‫ن‬
‫لثائ‪ :‬حضارة العرب قبل اإلسالم‬
‫المبحث ا ي‬

‫إنطالقا من النظرة العلمية اإلنسانية ن يف دراسة الحضارة العربية اإلسالمية؛ ستحاول تقديم عرض‬
‫ن‬
‫سنرصب صفحا عن النظرة‬ ‫شي ع إلسهامات عرب ما قبل اإلسالم ن يف المجال الحضاري‪ .‬ومن ثم‬
‫الصفحة | ‪5‬‬
‫الت طالما صادرت قديما وحديثا عىل المنجزات الحضارية العربية قبل اإلسالم؛ تأسيسا عىل‬
‫الالهوتية ي‬
‫فهم خاىط لنصوص دينية تسم هذه المنجزات بالجاهلية وأخرى تعول عىل أن اإلسالم يجب ما قبله‪.‬‬

‫سياس واستغالل اقتصادي وتفرقة قبلية وأمراض‬


‫ي‬ ‫بالجاهلية‪ :‬ما ساد شبه الجزيرة العربية من تمزق‬
‫اجتماعية وتخلف فكري؛ فضال عن وثنية الديانة والعقيدة‪.‬‬

‫كما نرى أن اإلسالم يجب فقط هذه المثالب خاصة وأن القرآن الكريم‪:‬‬
‫اعيف باألديان السماوية والنبوات السابقة‬ ‫‪-‬‬
‫كرم اإلنسان واستخلفه ن يف األرض وأناطه بمسؤولية عمرانها‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫مجد العقل‬‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫وف الطبيعة لمعرفة نواميسها وتسخيها لخدمته‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫دع اإلنسان إىل إعمال النظر يف نفسه ي‬ ‫‪-‬‬
‫األولي لالعتبار والموعظة دون مصادرات عىل النظر حت ن يف‬‫ن‬ ‫دع إىل معرفة واستيعاب وأساطي‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ُ َْ َ ََ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫ض فانظروا كيف بدأ الخلق)‪.‬‬‫الميتافييقا أو ما وراء الطبيعة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬قل ِسيوا ِ يف األر ِ‬

‫وكتب التاري خ والنقوش واآلثار الباقية تكشف عن حضارة عربية مزدهرة شهدتها شبه الجزيرة ن يف‬
‫ن‬
‫كمعي وقتبان وسبا وحمي‬ ‫كيى ن يف الجنوب‪:‬‬‫الجنوب والشمال‪ ،‬يشهد عىل ذلك قيام دول عربية ر‬
‫وإمارات عربية ن يف الشمال‪ :‬مثل تدمر واألنباط وكندة والمناذرة والغساسنة‪.‬‬
‫ولم تحل الظروف الجغرافية دون اتصال هذه الحضارات العربية القديمة بالحضارات المجاورة؛ إذ‬
‫األدئ ومرص الفرعونية فضال عن حضارات الفرس‬ ‫ن‬ ‫الثابت أنها تأثرت بل أثرت نف حضارات ر‬
‫الشق‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫نطيي واألحباش‪.‬‬ ‫ن‬
‫والبي‬ ‫واليونان والبطالمة والرومان‬

‫المعالم األساسية لهذه الحضارات‪:‬‬

‫أ ‪ -‬نظم الحكم‪:‬‬
‫فيما يتعلق بنظام الحكم عند عرب الجنوب تالحظ أن النقوش العربية المكتشفة ن يف اليمن تثبت أن‬
‫معي وسبا وقتبان وحمي أقامت حضارات مزدهرة إمتد إشعاعها داخل شبه الجزيرة العربية‬ ‫ن‬ ‫دول‬
‫بي ر‬
‫الشق‬ ‫ن‬
‫والبشية‪ .‬فالموقع الجغراف المتوسط سهل أمر االتصال ن‬ ‫ر‬ ‫وخارجه بفعل الظروف الطبيعية‬
‫ي‬
‫ن‬
‫والغرب وأناط بالد العرب بمهمة الوساطة يف حركة التجارة الدولية وحيث تزدهر التجارة تزدهر‬
‫الحضارة‪.‬‬
‫كانت حضارة عرب الجنوب من ثم حضارة تجار شأنها ن يف ذلك شأن الحضارة الفينيقية‪ .‬لكنها‬
‫الت أدت إىل االستقرار والعمران نتيجة استغالل األمطار الموسمية‪.‬‬ ‫استندت كذلك عىل الزراعة ي‬
‫وقد أفرزت الزراعة من ثم معطياتها عىل صعيد النظم‪ ،‬وتضافرت مع التجارة عىل تخليق نظم سياسية‬
‫وإدارية ذات طابع خاص‪.‬‬

‫مصداق ذلك ارتباط الحكم ن يف الدول العربية الجنوبية بالعصبية والديموقراطية‪ ،‬كذا إعطاؤه طابعا‬
‫وه أقوى القبائل‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫يجمع بي العلمانية والثيوقراطية يف وقت واحد‪ ،‬إذ أن العصبية المؤسسة للدولة ‪ -‬ي‬
‫الصفحة | ‪6‬‬
‫األكي إذا كان راشدا أو إىل‬
‫ر‬ ‫الت كانت وراثية‪ ،‬حيث يؤول الحكم إىل االبن‬
‫الت آلت إليها الرياسة ي‬
‫ه ي‬ ‫‪ -‬ي‬
‫السام والعظيم والمهاب وما شابه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫األخ إذا كان االبن قارصا‪ .‬واتخذ الحكام ألقابا تفخيمية مثل‬

‫اع لم يحل دون اتسام الحكم‬


‫البطريرك الناتج عن طبيعة المجتمع الزر ي‬
‫ي‬ ‫عىل أن هذا الطابع‬
‫طبيع للنشاط التجاري‪ .‬إذ كان الحاكم يسيشد بمشورة مجالس نيابية‬‫ي‬ ‫ه إفراز‬
‫الت ي‬
‫بالديموقراطية ي‬
‫تشيعية يختار أعضاؤها من شيوخ القبائل ورجال الدين وكبار التجار‪.‬‬ ‫ر‬

‫موظفي كبار يساعدون الحاكم ن يف ترصيف شؤون‬


‫ن‬ ‫أما عن السلطة التنفيذية؛ فقد أشارت النقوش إىل وجود‬
‫بي‬ ‫معي كان هناك «القضاة» الذين يقضون نف المنازعات ن‬
‫بي األفراد‪ .‬أما المنازعات ن‬ ‫ن‬ ‫فق دولة‬‫ن‬
‫ي‬ ‫الدولة ي‬
‫القبائل حول تحديد مضارب ها فكان «صاحب الحدود» يفصل فيها‪ ،‬وآلت الشؤون المالية إىل خازن بيت‬
‫المال وهو أشبه بوزير المالية اليوم‪ .‬كما كان للحاكم معية من رجال البالط والحشم ورد ذكرهم ن يف الوثائق‬
‫ّ‬
‫مودات»‪.‬‬ ‫باسم «‬

‫ه‬‫وتكشف وثائق قتبان عن وجود مجلس جديد يتكون من الوجهاء والزعماء وييأسه الحاكم؛ مهمته ي‬
‫ر‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫يع يتشكل من‬ ‫تحضي مشوعات القواني‪ .‬لذلك عرف باسم "مجلس الدولة"‪ .‬كما وجد مجلس آخر تش ي‬
‫الت يعدها المجلس السابق‪ .‬وإضفاء اسم المجلس‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫نواب القبائل ويجتمع مرتي كل عام للنظر يف القواني ي‬
‫يع دليل عىل استمرار وجود العصبيات الموالية داخل كيان الدولة‬ ‫ر‬
‫القبىل الكبي عىل المجلس التش ي‬ ‫ي‬
‫القتبانية‪.‬‬
‫الت تأثرت‬
‫الت وضعها المعينيون والقتبانيون‪ ،‬تلك ي‬ ‫بديه أن يتأثر السبأيون والحمييون بالنظم ي‬
‫ي‬
‫الت جاءت بعدها‪،‬‬ ‫يعات‬ ‫ر‬
‫التش‬ ‫كافة‬ ‫منها‬ ‫أفادت‬ ‫الت‬ ‫ائ‬‫ر‬‫حمو‬ ‫يعة‬
‫ش‬ ‫أيضا بالنظم البابلية وخاصة ر‬
‫ي‬ ‫ري ي‬
‫وخاصة ن يف تقرير الجزاءات المتنوعة بتنوع الجرائم‪ .‬كما أثرت النظم البابلية يف النظم الجبائية ببالد‬
‫ن‬
‫والثائ خاص بالملك والثالث خاص‬ ‫ن‬ ‫الرصائب عىل ثالثة انواع االول خاص بالمعابد‬ ‫اليمن‪ .‬فكانت ن‬
‫ي‬
‫بالسلطات اإلقليمية‪.‬‬
‫ن‬
‫القواني والنظم واللوائح‪ .‬كما‬ ‫وقد عالجت ر‬
‫الشيعة القتبانية كل عالقات المجتمع وسنت لها‬
‫ن‬
‫المواطني واألجانب وحددت ما عىل الجميع من واجبات ومالهم من حقوق كما‬ ‫عرضت األوضاع‬
‫ن‬
‫صنفت الجرائم وحددت عقوباتها وكفلت كل ما من شأنه تحقيق األمن واالستقرار يف مجتمع يعتمد‬
‫عىل التجارة ن يف المحل األول‪.‬‬

‫الصفحة | ‪7‬‬
‫أما عن عرب الشمال فنعلم أنهم أقاموا إمارات ذات طابع تجاري وعسكري معا مثل إمارات األنباط‬
‫وبديه أن تتأثر نظمهم بالنظم العربية الجنوبية فضال عن النظم الفارسية‬‫ي‬ ‫وتدمر والمناذرة والغساسنة‪.‬‬
‫والبينطية‪ .‬فدولة األنباط عرفت "نظام الوزارة" وسكت النقود‪ ،‬ونصت رشيعتهم عىل‬ ‫ن‬ ‫والرومانية‬
‫الت استنها عرب‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫العيانيي بالقواني ي‬ ‫المؤرخي من أثبت تأثر رشائع ر‬
‫ن‬ ‫استثمار األشجار وتحريم الخمر ومن‬
‫األنباط‪.‬‬

‫يتمش مع دورها ن يف نقل التجارة‬


‫واحتفلت رشيعة أهل تدمر بتنظيم سي القوافل واألسواق؛ وهو أمر ر‬
‫اىط‪ .‬وحسبنا أن عرب‬ ‫ن ر‬
‫بي الشق والغرب كما تأثرت بالنظم اليونانية والرومانية ذات الطابع الديموقر ي‬
‫ن‬
‫نطيي ضد‬ ‫تدمر اتخذوا أسماء رومانية ألحقوها بأسمائهم العربية‪ .‬ونظرا لدور تدمر نف مواالة ن‬
‫البي‬ ‫ي‬
‫الشق‪.‬‬‫االمياطور عىل ر‬ ‫ر‬ ‫نائب‬ ‫أي‬ ‫ن‬
‫والبارثي اتخذ حكامها لقب "ديكس أورينتيس"‪،‬‬ ‫خصومهم من الفرس‬
‫البينطية فاتخذ بعض حكامهم لقب "باسيليوس"‪ ،‬أي الملك‪ ،‬وإن لم‬ ‫وبالمثل تأثر الغساسنة بالنظم ن‬
‫يفقدوا هويتهم العربية‪ .‬كما تأثر المناذرة بالنظم الساسانية مع االحتفاظ باألصالة العربية كذلك وخاصة‬
‫ن يف وراثة السلطة ورسوم البالط وفنون القتال‪.‬‬

‫أما عن نظم عرب البوادي فقد سادتها األعراف القبلية؛ إذ غلب عليها ما اصطلح عىل تسميته‬
‫يعيون عن‬ ‫"بالديموقراطية العسكرية"‪ ،‬بالرغم من ذلك كان شيوخ القبائل ال يستبدون بالرأي بل ر‬
‫مصالح القبائل عن طريق الشورى وكان رجال القبيلة يشكلون جيشها ويستأسدون ن يف الدفاع عن‬
‫مضارب ها‪ .‬وهذا الطابع العسكري يتواءم مع معطيات ظروف معيشية صعبة يشكل فيها الماء والكأل‬
‫دعامة الحياة‪.‬‬
‫عيت نظم الحكم ن يف مكة قبل اإلسالم عن تأثي معطيات النظم العربية السابقة ن يف الشمال‬ ‫وقد ر‬
‫الت كان مقرها دار الندوة وتتكون‬‫والجنوب والوسط‪ .‬إذ شهدت مكة ما عرف باسم "حكومة المأل" ي‬
‫حكومة المأل من شيوخ قريش‪.‬‬
‫كايتائ إىل أن تشكيل هذه الحكومة جرى عىل أساس العصبية تأسيسا عىل‬ ‫ن‬ ‫وقد ذهب األستاذ‬
‫ي‬
‫ن‬
‫تمثيل شيوخ بطون قريش يف الحكومة؛ حيث نيط كل شيخ بمهمة من المهام‪ .‬أما المؤرخ مونتجومري‬
‫بي هذا النظام والنظام‬‫وات فقد فش نظام المأل من منظور سياس ديموقراىط؛ فيى وجود صلة ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫األثيت ن يف الحكم‪.‬‬
‫ي‬
‫ن‬

‫األساس ن يف صياغة هذا النظام الذي كان أشبه ما يكون‬


‫ي‬ ‫اليوة لعبت الدور‬ ‫لكننا نعتقد أن حيازة ر‬
‫بنظم جمهوريات المدن االيطالية ن يف العصور الوسىط‪ .‬ذلك أن شيوخ البطون كانوا ن يف نفس الوقت هم‬
‫بي العصبية‬ ‫عي عن صيغة تجمع ن‬ ‫الملك ر‬ ‫أثرياء القبائل‪ .‬وعىل ذلك يمكن القول بأن نظام المأل‬
‫ي‬
‫اليوة وهذا يفش لماذا حرصت هذه الحكومة عىل حماية مصالحها التجارية‬ ‫والديموقراطية وحيازة ر‬
‫بإشاك كافة البطون عن طريق تمثيل شيوخها من أجل إقرار الوئام‬ ‫فعمدت إىل توازن الحكم ر‬
‫وه مواسم‬ ‫ن‬
‫واالستقرار بل إنه تحت تأثي المصالح االقتصادية؛ جرى تحريم القتال يف األشهر الحرم ي‬
‫التجارة‪ ،‬كذا عقد األحالف مع القبائل المجاورة لتحقيق سالم دائم يساعد عىل ازدهارها‪.‬‬

‫الصفحة | ‪8‬‬
‫ب ‪ -‬الحياة االقتصادية ‪:‬‬
‫تلعب الجغرافيا دورا موجها ن يف صياغة النشاط االقتصادي‪ ،‬وتنطبق هذه المقولة عىل بالد العرب‬
‫الت أطلق عليها اليونان اسم "بالد العرب السعيدة"‪ ،‬ولم تكن هذه السعادة إال نتيجة‬ ‫الجنوبية ي‬
‫الت أهلت الحياة مستقرة أفضت بدورها إىل حضارة مزدهرة‪ .‬كذلك برز‬ ‫لسقوط األمطار الموسمية ي‬
‫ه البحر األحمر والمحيط‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫اف الممتاز ‪-‬من حيث اإلشاف عىل ثالثة بحار هامة ي‬ ‫تأثي الموقع الجغر ي‬
‫العرئ‪ -‬ن يف قيام هذا اإلقليم بدور فعال ن يف حركة التجارة العالمية‪.‬‬
‫ري‬ ‫الهندي والخليج‬
‫الرع والصناعة لخدمة الزراعة والتجارة كتحضي البخور واللبان‬ ‫ي‬ ‫حرفت‬
‫ي‬ ‫وعىل ذلك وجهت‬
‫واألعشاب للتجارة الدولية وبرغم غناء بالد العرب الجنوبية بالمعادن كالذهب والفضة واألحجار‬
‫الكريمة إال أنها لم تستغل استغالال اقتصاديا اللهم إال ن يف نرصب النقود وعىل ذلك ال يمكن إال أن‬
‫ن‬
‫األوائ واألدوات كان يجلب‬ ‫كاألوائ والسالح وما شابه‪ ،‬بل إن معظم هذه‬ ‫ن‬ ‫نتحدث عن صناعة بدائية‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫من الخارج عن طريق التجارة‪.‬‬
‫الت كانت تسقط ن يف الشتاء عىل‬ ‫ن‬
‫أما بالنسبة للزراعة؛ فقد أفاض الجغرافيون يف ذكر أخبار السيول ي‬
‫مرتفعات اليمن وأبانوا كيف نجح عرب الجنوب ن يف إقامة السدود والخزانات الحجز وتخزين مياهها‬
‫وتوزيعها وفق نظام غاية ن يف الدقة واإلحكام‪ .‬كما اسيسل المؤرخون من اليونان والعرب ن يف وصف‬
‫خرصاء شاسعة وأنبتت المر والبخور والقرنفل والبلسم والعطور‬ ‫والبساتي الت غطت رقعة ن‬ ‫ن‬ ‫المزارع‬
‫ي‬
‫ن‬
‫والتي واألجاص‬ ‫ن‬
‫الهمدائ أن بالد اليمن الخرصاء غصت بأشجار الخوخ‬ ‫ن‬ ‫والغابات والنخيل‪ ،‬ذكر‬
‫ي‬
‫ن‬
‫بلين إىل أن ذلك كله كان نتيجة‬ ‫ن‬ ‫والتفاح واللوز والجوز والسفرجل والرمان‪ .‬كما أشار المؤرخ‬
‫الرومائ ي‬
‫ي‬
‫نجاح عرب الجنوب ن يف تشييد سد مأرب الذي يرى الدكتور "أحمد فخري" أن بناءه ينم عن ثورة‬
‫علمية وتكنولوجية بعيدة المدى‪.‬‬
‫التاىل‪:‬‬
‫وقد أورد عنه وصفا دقيقا عىل النحو ي‬
‫"كانت األمطار الغزيرة تهطل عىل الجبال وتنحدر ن يف سيول جارفة عىل مقربة من مدينة مأرب لتشق‬
‫مخروىط الشكل إتساعه ن يف الشمال نحو ‪ ۲۳۰۰‬ميا‬
‫ي‬ ‫جبىل نحو البحر‪ .‬وهذا الممر‬
‫عي ممر ي‬
‫مجراها ر‬
‫وف نهايته قرابة ‪ ١٥٠‬ميا‪ .‬وقد شيد المهندسون العرب ‪ -‬الذين ربما‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫وف الوسط نحو ‪ ٦٥٠٠‬ميا ي‬‫ي‬
‫وف أقىص ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫يمي السور فتحوا بابا واسعا‪ ،‬كما‬ ‫خية المرصيي ‪ -‬سورا ضخما عند نهاية الممر‪ .‬ي‬
‫أفادوا من ر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫فتحوا آخر مثله يف أقىص اليسار‪ .‬ومن كل باب تخرج قناة نحتت يف الصخر ال يقل طولها عن ‪ ٥٠‬ميا‬
‫تصب ن يف حوض كبي به فتحات صغية؛ تخرج منها قنوات تتجه إىل سهول مأرب حاملة إليها المياه‬
‫والحياة‪".‬‬

‫لقد خلق سد مأرب نهضة زراعية وعمرانية مزدهرة ما لبثت أن تدهورت وانهارت بعد تصدعه‬
‫وانهياره‪.‬‬
‫ن‬
‫نوعي تجارة داخلية وأخرى خارجية‪ .‬وقد ازدهرت‬ ‫أما عن تجارة عرب الجنوب فكانت عىل‬
‫الداخلية بعد إنشاء األسواق المحلية الموسمية والدائمة؛ حيث تتم عمليات البيع ر‬
‫والشاء بالمقايضة‬
‫ن‬
‫رسميي إلقرار األمن ومراقبة‬ ‫ن‬
‫موظفي‬ ‫والمقابضة‪ .‬وقد رأشفت الدولة عىل هذه األسواق فعينت‬
‫األسعار وتحديد الموازين والمكاييل‪.‬‬

‫الصفحة | ‪9‬‬
‫الت قام عرب الجنوب فيها بدور الوسيط لنقل سلع بالدهم فضال‬‫وبالمثل ازدهرت التجارة الخارجية ي‬
‫ن‬
‫الشق إىل عالم البحر المتوسط‪ .‬وليس أدل عىل مكانة اليمن يف هذا الصدد من‬‫عن السلع المجلوبة من ر‬
‫وجود جاليات أجنبية أقامت ن يف البالد لضمان أنصبة بالدها من سلع وبضائع هذه التجارة‪ .‬وقد كفلت‬
‫لهم الدول اليمنية حق اإلقامة وحددت طرائق المعامالت وقررت المكوس عىل الوارد والصادر‪.‬‬

‫أما عن اقتصاديات الدول العربية الشمالية؛ فقد دلت النقوش عىل وجود إمارات تابعة لعرب الجنوب ‪-‬‬
‫بت لحيان ‪ -‬كانت بمثابة محطات تجارية ترع القوافل جيئة وذهابا أما دولة األنباط فقد‬ ‫ن‬
‫كإمارة ي‬
‫أسهمت كذلك ن يف هذا النشاط التجاري المتعاظم؛ فكانت عاصمتهم البياء مدينة هامة عىل طريق‬
‫ن‬
‫الرع فاشتهرت بالدهم بقطعان اإلبل‬ ‫القوافل بي الشمال والجنوب‪ .‬وإىل جانب التجارة احيفوا ي‬
‫والماشية‪ .‬ولدينا إشارة إىل أنهم استخرجوا النفط وصدوره إىل مرص حيث كان يستخدم ن يف عمليات‬
‫التحنيط ‪.‬‬

‫وقد ورثت تدمر دور األنباط التجاري‪ .‬وكانت واحة تغص بالنخيل حت اشتق إسمها من اسم هذه‬
‫الشجرة؛ فعرفها الرومان باسم «بالميا»‪ .‬ومع ذلك كان نشاطهم االقتصادي يعتمد عىل تجارة العبور؛‬
‫والصي إىل الشام ومرص وروما ن‬
‫وبينطة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫فكانوا ينقلون السلع والبضائع من بالد العرب والعراق والهند‬
‫بليت ما كان يحمل إىل روما وحدها من سلع عن طريق تدمر بما يساوي قرابة مليون جنيه سنويا‪.‬‬ ‫ن‬
‫ويقدر ي‬

‫وف دولة الغساسنة ازدهرت الزراعة إىل جانب التجارة والنقوش تثبت وجود خزانات للمياه وقناطر‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫الخية الفارسية ن يف أمور‬
‫الجنوئ‪ .‬أما المناذرة فقد أفادوا من ر‬
‫ري‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫وسدود شيدت عىل غرار النمط‬
‫الذائ‪.‬‬ ‫ورع يفيان بتغطية االكتفاء‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫يق بحاجة زراعة ي‬‫الري والسقاية بالقدر الذي ي‬

‫الرع ظل هو الحرفة األوىل بالنسبة لعرب موسطة شبه الجزيرة ي‬


‫الت عرفت بالدهم لذلك‬ ‫ي‬ ‫عىل أن‬
‫عند اليونان باسم "بالد العرب الصحراوية"‪.‬‬

‫الت‬ ‫ر‬ ‫ن‬


‫وف بالد الحجاز عرفت ييب والطائف نشاطا زراعيا‪ ،‬وحسبنا أن الطائف عرفت بوفرة المياه ي‬ ‫ي‬
‫والتي والكروم والزيتون والسفرجل فضال عن‬‫ن‬ ‫ن‬
‫البساتي تغل الموز والبطيخ‬ ‫كانت تروي نطاقات من‬
‫وبديه أن تتخلق صناعة بدائية تستند إىل المنتوجات الزراعية‬
‫ي‬ ‫الت كانت تنتج األخشاب‪.‬‬
‫الغابات ي‬
‫ر‬
‫كصناعة الخمور وبالمثل احتكر اليهود بييب صناعات بعينها كصياغة الذهب وصناعة السالح‬
‫وأدوات الزراعة‪.‬‬
‫أما مكة؛ فقد غدت قبيل ظهور اإلسالم مركزا اقتصاديا مرموقا رغم افتقارها إىل الزراعة وعدم وجود‬
‫صناعة يعتد بها اللهم إال صناعات بدائية كالحدادة والنجارة وصناعة النسيج والفخار والشوج وكلها‬
‫كانت تسخر الخدمة التجارة باعتبارها تمثل الحرفة الرئيسية‪.‬‬

‫الصفحة | ‪10‬‬
‫أهل الموقع الجغر ناف مكة لتكون مركزا تجاريا مرموقا وثيق الصلة بفارس ن‬ ‫ّ‬
‫وبينطة واليمن والحبشة‬ ‫ي‬
‫وقد حرص المكيون عىل االحتفاظ بعالقة ودية مع هذه األطراف صونا لمصالحهم التجارية‪ .‬فكانت‬
‫لتأمي وصول موارد التجارة إىل بالدهم؛ وذلك بعد عقد معاهدات تجارية‬ ‫ن‬ ‫جالياتهم تستوطن مكة‬
‫عرفت باسم «اإليالف»‪.‬‬
‫نش السالم واألمن‬ ‫وقد ورد ذكرها نف القرآن الكريم الذي أوضح أهميتها نف االقتصاد المك فضال عن ر‬
‫َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ‬ ‫ي‬ ‫ْ ي ْ َ َ َّ َ‬ ‫َُْ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫إيالفهم ِرحلة الشت ِاء والصي ِف (‪ )2‬فليعبدوا رب هذا‬
‫ِ‬ ‫إليالف قريش (‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫ن يف ربوع مكة‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ال َب ْي ِت (‪ )3‬ال ِذي أ ْط َع َم ُهم ِّمن جوع و امنهم من خوف(‪.")4‬‬
‫وقد حرصت قريش عىل إقرار السالم واألمن فعقدت من أجل ذلك أحالفا مع القبائل المجاورة مثل‬
‫"حلف الفضول"‪.‬‬
‫ن‬
‫المؤرخي بمدينة البندقية‬ ‫الت شبهها بعض‬ ‫ويستطيع المرء أن يتصور تلك المدنية المزدهرة ي‬
‫الت كانت تتحكم ن يف تجارة أوروبا ردحا طويال من الزمان‪ .‬لقد ازداد‬‫ي‬ ‫اإليطالية ن يف العصور الوسىط تلك‬
‫ّ‬
‫عمران تلك "القرية" ‪ -‬كما عرفها القرآن ‪ -‬وتحولت إىل (مدينة – دولة)‪ ،‬تعج باألسواق والفنادق‬
‫والخانات والحانات‪ ،‬وحت بيوت الدعارة بما يخدم شؤون التجارة ويقدم سبل الراحة للتجار الوافدين‬
‫والعابرين ‪.‬‬
‫كانت مكة سوق بالد العرب ‪ -‬بامتياز ‪ -‬يقصدها العرب من سائر جهات شبه الجزيرة ن يف مواسم الحج‬
‫لتأمي حاجاتهم من البضائع المجلوبة من الشمال والجنوب‪ .‬وقد‬ ‫ن‬ ‫ألداء المناسك والبيع ر‬
‫والشاء‬
‫استلزمت حركة نقل البضائع أعدادا غفية من اإلبل والبغال والحمي حت لقد كان عدد القافلة الواحدة‬
‫ن‬
‫يصل إىل ألف بعي‪ ،‬وكان وجهاء مكة يملكون تلك القوافل حت لقد ورد يف السان العرب أن قريش‬
‫سميت كذلك ألن عرب ها كانوا أهل تجارة يجمعون المال؛ "إذ يقال قرش فالن المال أي جمعه"‬
‫والشك أن هذه القوافل كانت تحتاج إىل إعداد وخدمة؛ من أدالء ومرشدين وتراجمة وحراس ومن أهم‬
‫والشاب واللباس والسالح فضال عن العطور واألخشاب والعاج‪ .‬كما‬ ‫سلع تجارة قريش ما تعلق بالطعام ر‬
‫اع والقوافل والراجع أن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫اض والمر ي‬ ‫راجت تجارة الرقيق األبيض واألسود للخدمة يف البيوت أو األر ي‬
‫تعي البحر األحمر إىل مرص والحبشة واشتهرت بعض نساء‬ ‫االرستقراطية القرشية كانت تملك سفنا ر‬
‫أئ سفيان ‪.‬‬ ‫مكة باحياف التجارة كالسيدة خديجة زوجة الرسول وهند زوجة ر ي‬

‫وبديه أن تشهد مكة أعماال مرصفية نشطة؛ فإىل جانب المقايضة العينية جرى استخدام الدراهم‬ ‫ي‬
‫البينطية ن يف المعامالت التجارية‪ .‬وقد تراكم المال ن يف أيدي كبار التجار الذين لم‬
‫الفارسية والدناني ن‬
‫يدخروا وسعا ن يف الحصول عليه عن طريق أساليب حرمها القرآن فيما بعد كاالحتكار والمراباة‬
‫والمضاربات وما شابه‪.‬‬
‫وف مكة بوجه خاص‪ .‬وأن نمط‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫خالصة القول أن التجارة كانت الحرفة الرئيسية يف بالد العرب عموما ي‬
‫متمية تأسيسا عىل قاعدة صحيحة مؤداها أن عالقات‬ ‫ن‬ ‫اإلنتاج هذا أدى إىل تخليق حياة اجتماعية‬
‫اإلنتاج انعكاس األنماط اإلنتاج‪.‬‬

‫الصفحة | ‪11‬‬
‫ج ‪-‬األحوال اإلجتماعية ‪:‬‬
‫أوضحنا أن التجارة شكلت عصب االقتصاد ن يف شبه الجزيرة العربية قبل اإلسالم‪ .‬كما أثبتنا أن الزراعة‬
‫والرع والصناعة البدائية كانت حرفا ثانوية‪ .‬لذلك صيغت البنيات االجتماعية ن يف المجتمعات العربية‬
‫ي‬
‫وفق شكل ما من أنماط البورجوازية المختلطة ببعض سمات االقطاعية والقبلية بوجه عام؛ وإن‬
‫تفاوتت هذه الصيغة باختالف الزمان والمكان‪.‬‬

‫ن‬ ‫ّ‬
‫التاىل ‪:‬‬
‫االجتماع يف المجتمعات العربية الجنوبية عىل النحو ي‬
‫ي‬ ‫تشكل البناء‬

‫‪ - 1‬طبقة الجند المسلح ي‬


‫الت شكلت لحفظ النظام وحماية الدولة من األخطار الخارجية وحراسة‬
‫القوافل التجارية‪.‬‬
‫الت عكست فعالياتها عىل السلطة السياسية فشاركت ن يف‬
‫‪ - 2‬طبقة األرستقراطية التجارية ي‬
‫المجالس ر‬
‫التشيعية‪.‬‬
‫ن‬
‫الفالحي والرعاة وهؤالء كانوا من األحرار ومن العبيد ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬طبقة العوام من‬

‫وقد ذكر «اسيابون» أن مجتمعات عرب الجنوب شهدت نوعا من المشاعة ن يف المال والنساء‪ .‬لكن‬
‫ال نجد ن يف الوثائق ما يؤيد تلك التهمة خصوصا وقد عرف عن العرب عموما االهتمام بعالقة الدم‬
‫والنسب‪.‬‬
‫غلبت البداوة عىل حياة عرب الجنوب قبل تأسيس دولهم‪ ،‬وكان ظهور هذه الدور دليال عىل غلبة‬
‫معي ومأرب وبراقش وظفار‬‫ن‬ ‫الحرصي وحسينا ما جرى من تأسيس مدن ن يف بالد اليمن مثل‬ ‫ن‬ ‫الطابع‬
‫حرصية وعمرانية مزدهرة‪.‬‬ ‫وتمنع وغيها‪ ،‬كانت مراكز الحياة اجتماعية ن‬

‫حرصية وسط صحراء البداوة واالنتجاع‪ ،‬ونظرا‬ ‫وبالمثل كانت دول غرب الشمال بمثابة واحات ن‬
‫الكيى نف فارس وروما ن‬
‫وبينطة فقد تأثرت حياتها االجتماعية‬ ‫الرتباط معظمها بسياسات الدول ر‬
‫ي‬
‫الهللينست فضال عن الطابع العسكري‪ .‬ومع ذلك لم تفقد هويتها العربية‪ .‬وكان‬
‫ي‬ ‫الفارس أو‬
‫ي‬ ‫بالطابع‬
‫ر‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫االجتماع يف هذه الدول وجود طبقتي رئيسيتي طبقة أرستقراطية تحوز النفوذ واليوة‬ ‫قوام البناء‬
‫ي‬
‫وتكن القصور الشامخة وطبعة العوام الت كانت تقيم نف مساكن منحوتة نف الصخر كما هو الحال فن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫دولة األنباط وتدمر‪.‬‬
‫وف دولة الغساسنة برز نفوذ العسكر‪ ،‬حيث ذهب األستاذ "دوسو" إىل وجود سلسلة من الحصون‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫بي حوران العاصمة ن‬
‫وبي البادية‪ ،‬كما برز نفوذ‬ ‫والقالع أقامت فيها حاميات من الجند‪ ،‬وكانت تفضل ن‬
‫رجال الدين خصوصا بعد لنرص الغساسنة ‪.‬‬
‫الفارس عىل أوضاعهم ونمط حياتهم‪ ،‬ويتجىل ذلك ن يف العمارة والفنون‬
‫ي‬ ‫أما المناذرة فقد غلب الطابع‬
‫كما ستوضح ن يف موضعه‪.‬‬
‫وف أعرافهم‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫عىل أن الطابع البدوي ظل يمي حياة العرب يف الصحاري يف مأكلهم ومسكنهم ولباسهم ي‬
‫بي المحاسن كالنجدة والشجاعة والكرم ن‬
‫وبي‬ ‫وعوائدهم‪ ،‬وكانت هذه العوائد واألعراف تجمع ن‬
‫الت وصفها القرآن الكريم ب "الجاهلية"‪.‬‬
‫النقائص والمثالب ي‬
‫الصفحة | ‪12‬‬
‫الطبق عىل النحو‬ ‫ن‬
‫الحرصي عىل الحياة االجتماعية؛ يمكن رصد البناء‬ ‫وف مكة حيث غلب النمط‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫التاىل‪:‬‬
‫ي‬
‫ن‬
‫وقوامها كبار التجار الذين كانوا يقتنون األرض يف الطائف‪ ،‬ومنهم كانت‬ ‫‪ -1‬الطبقة العليا‪:‬‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫تتشكل حكومة المال لذلك حازت هذه الطبعة اليوة والسلطة يف آن كما‬
‫عاشت حياة البذخ واليف فشيدت القصور واقتنت الجواري والعلمان‬
‫اعتيوا‬
‫حي ر‬‫الدارسي ن‬
‫ن‬ ‫وتقلبت ن يف حياة الدعة والمجون‪ .‬وقد أخطأ بعض‬
‫بي قريش البطاح الموشة‬ ‫متجاهلي الفرق ن‬
‫ن‬ ‫قريش برمتها ضمن هذه الطبقة‬
‫الت عاشت ن يف أطراف مكة حياة مهمشة شبه بدوية‪.‬‬ ‫وقريش الظواهر ي‬

‫والحرفيي‪ ،‬وكان صغار التجار يتاجرون ن يف‬


‫ن‬ ‫‪ -2‬الطبقة الوسىط‪ :‬وتضم ن يف الغالب صغار التجار‬
‫المباشة نشاطهم االقتصادي‪ .‬ويدخل ن يف اطار‬ ‫ر‬ ‫عروض بسيطة ويقيضون‬
‫هذه الطبقة أصحاب الفنادق والحوانيت ومنهم من امتهن الدعارة فسخر‬
‫الجواري للبغاء والتكسب من عرفهن وهو أمر نه عنه اإلسالم‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫َ ُ ْ ُ َ‬
‫البغاء) ‪ ،‬صفوة القول أن رشائح هذه الطبقة عىل‬ ‫(وال تك ِرهوا فتياتكم عىل ِ‬
‫تعددها كانت تملك رأس مال ‪ -‬سواء أكان عقارا أو إبال أو نقودا أو جواري ‪-‬‬
‫توظفه ن يف إطار األعراف السائدة‪.‬‬

‫وهم الذين ال يمتلكون إال قوة عملهم يوظفونها الحساب الغي إما ن يف زراعة‬ ‫‪ -3‬المعدمون‪:‬‬
‫رع الماشية أو حراسة القوافل‪ ،‬وكان أفراد هذه الطبقة العريضة‬‫األرض أو ن ي‬
‫يعيشون يف فقر مدقع تلتهمهم المجاعات واألوبئة والمراجع تشي إىل أن‬
‫بي أفراد هذه الطبقة الذين شاعت‬ ‫الموت جوعا كان من األمور المألوفة ن‬
‫بينهم ظاهرة وأد البنات خشبية اإلمالق‪ .‬وقد سوت هذه الظروف القاسية‬
‫بي فقراء قريش ن‬
‫وبي مواليهم‪ .‬ومع ذلك كانوا أحسن حاال من األرقاء‪.‬‬ ‫ن‬

‫الت يسودها نمط اإلنتاج‬ ‫ن‬ ‫‪ -4‬األرقاء‪:‬‬


‫معلوم أن العمل العبودي يوجد يف المجتمعات ي‬
‫األساس‬
‫ي‬ ‫البورجوازي وعىل ذلك غصت مكة بحشود من العبيد قاموا بالدور‬
‫ورع وحرف وتجارة‪ ،‬فضال عن أعمال الخدمة‬ ‫ن‬
‫يف نعمليات اإلنتاج من زراعة ي‬
‫ن‬
‫مملوكي األفراد الطبقة األرستقراطية التجارية‪.‬‬ ‫ن‬
‫الميلية وعىل ذلك كان األرقاء‬
‫وكانت الحروب القبلية موردا هاما لتجارة الرقيق حيث يتحول المهزوم إىل‬
‫عبد‪ .‬ومن العرب األحرار من صاروا أرقاء تحت الحاج الحاجة‪ ،‬وفضال عن‬
‫ن‬
‫وف هذا‬ ‫ذلك استجلب الرقيق من الخارج األبيض منه واألسود عىل السواء‪ .‬ي‬
‫الحبش‪ .‬لذلك‬ ‫ر‬ ‫الروم وبالل‬ ‫الفارس وصهيب‬ ‫المجال تذكر بأسماء سلمان‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كان األرقاء والمعلمون من رحبوا باعتناق الدعوة اإلسالمية بينها عارضتها‬
‫الطبقة األرستقراطية‪.‬‬

‫صفوة القول ‪ -‬أن األوضاع االجتماعية ن يف بالد العرب عشية ظهور اإلسالم كانت تمارك أزمة تتطلب‬
‫حال جذريا وكان اإلسالم هو الحل األمثل‪.‬‬

‫الصفحة | ‪13‬‬
‫د ‪ -‬الحياة الدينية والثقافية‪:‬‬
‫تعددت العقائد والمحلل ن يف بالد العرب قبل اإلسالم حت كان لكل قبيلة معبوداتها‪ ،‬وبعد ظهور دول‬
‫الت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الديت إذ أن معبود القبيلة الحاكمة كان يسود بي القبائل األخرى ي‬
‫ي‬ ‫اليمن حدث تطور نحو التوحيد‬
‫كانت تعبد آلهتها الخاصة ن يف ذات الوقت فالدولة المعينية عبدت ثالوثا من القمر والشمس والكواكب‬
‫األخرى‪ .‬وقد شاعت عبادة القمر بوجه خاص نظرا لالهتداء به ن يف سي القوافل ليال‪.‬‬

‫ن‬
‫ه عبادة "رب‬ ‫يف عهد دولة سبأ غلبت عبادة الشمس إىل جانب عبادة جديدة تميل إىل التوحيد ي‬ ‫‪-‬‬
‫السماء" وال غرو فقد تمتع كهنة هذه العبادة السائدة ن ن‬
‫بميلة رفيعة‪.‬‬
‫نوعي محلية ن يف المدن الصغرى ومضارب القبائل‪ ،‬إىل جانب‬‫ن‬ ‫وكانت معابد اليمن القديمة عىل‬ ‫‪-‬‬
‫األكي ن يف العاصمة‪ ،‬وقد حرص حكام دول غرب الجنوب عىل إضفاء طابع القداسة عىل‬ ‫المعبد ر‬
‫ن‬
‫الديت إىل الشمال نتيجة امتداد‬ ‫ممثىل األلهة عىل األرض‪ .‬وامتد نفوذهم‬ ‫ذواتهم باعتبارهم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫السياس‪.‬‬
‫ي‬ ‫سلطانهم‬
‫ن‬
‫أما عرب الشمال فقد دانوا بعقائد شت والنية وسياوية‪ .‬ي‬
‫فق دولة األنباط ونتيجة دورها التجاري‬ ‫‪-‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الت يعتقد البعض‬‫المتعاظم عبد إله أطلق عليه "ذو شاء" أي رب الشاء‪ ...‬كما عبدت "الالت" ي‬
‫أنها صورة من "أفروديت" األثينية‪.‬‬
‫بي الغساسنة حيث تم الكشف عن أطالل عدد من الكنائس واألديرة مثل دير‬ ‫انتشت المسيحية ن‬ ‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫اليعقوئ‪ .‬وبالمثل تحول‬
‫ري‬ ‫الكهف ودير هند وغيها‪ .‬وكلها تثبت تنرص الغساسنة عىل المذهب‬
‫المناذرة من الوثنية المجوسية إىل المسيحية عىل المذهب النسطوري؛ األمر الذي يؤكد اعتناق‬
‫شماىل شبه الجزيرة العربية فضال عن بالد العرب الجنوبية‬‫ي‬ ‫الكثيين من العرب المسيحية ن يف‬
‫وييب وغيها من الواحات الشمالية كفدك‬ ‫انتشت اليهودية نف اليمن ر‬ ‫وخاصة نف نجران‪ .‬وبالمثل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وخيي‪.‬‬
‫ر‬ ‫وتيماء‬

‫وف مكة بوجه خاص شهدت مكة الوثنية‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫وهذا يقودنا إىل رصد العقائد الدينية يف الحجاز عموما ي‬
‫بسائر مظاهرها‪ ،‬إذ غصت الكعبة بأصنام وأوثان سائر القبائل ن يف شبه الجزيرة ناهيك عن نحلة‬
‫تعتي نتاج مجتمع شبه بورجوازي يتجه من التجسيم إىل التجريد‪ .‬وهذا يفش لماذا وجد‬ ‫الت ر‬ ‫الدهرية ي‬
‫ن‬
‫بي حكماء مكة من اعتنق الحنيفية دين إبراهيم إن ظهور هذا االتجاه التجريدي والتوحيدي يف مكة‬ ‫ن‬
‫عشية ظهور اإلسالم يثي تساؤال هاما فحواه‪ :‬لماذا تمسكت ‪-‬رغم ذلك‪ -‬بالوثنية؟‬

‫الت سادت بالد العرب‬ ‫تعليل ذلك فيما نرى أن مصالحها التجارية اقتضت الحفاظ عىل الوثنية ي‬
‫الت حوت كافة أصنام العرب ‪ -‬مزارا مقدما لسائر القبائل العربية حفاظا عىل مكانتها‬ ‫لتظل الكعبة ‪ -‬ي‬
‫كسوق تجاري‪ .‬وقد أشار القرآن الكريم إىل بعض هذه األصنام كالالت والعزى ومناة‪ .‬أما الالت فكانت‬
‫بي مكة‬‫صخرة مقدسة بالطائف والعزى شجرة بوادي نخلة رشف مكة‪ .‬ومناة حجر أسود نف معيد ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫وييب وفضال عن ذلك وجدت أصنام أخرى شهية مثل أساف ونائلة وغيها لقد عبدت هذه األصنام‬
‫الت عبدت ن يف بعض األحيان أيضا دون رمز أو تجسيدا كما هو الحال‬ ‫تعي عن مظاهر الطبيعة ي‬‫كرموز ر‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫المباش يف الحياة االقتصادية‪.‬‬ ‫بالنسبة للشمس والقمر والشعرى انطالقا من تأثيها‬

‫الصفحة | ‪14‬‬
‫وبديه أن تسفر الوثنية عن ظاهرة الكهانة والعرافة وتبط الكهنة والعرافون إىل جانب المهام‬
‫ي‬
‫ابي ‪ -‬بمهام أخرى عملية كاالشتغال بالطب وعقد الصفقات التجارية‪.‬‬ ‫الدينية ‪ -‬كتقديم القر ن‬

‫هكذا كانت العقائد الوثنية ن يف شبه جزيرة العرب قبل اإلسالم تعكس مصالح دنيوية بحيث يمكن‬
‫ن‬
‫الوثنيي يصنعون الهتهم‪ ،‬كما يقول فولتي‪.‬‬ ‫الجزم بأن‬

‫أما األحوال الثقافية‪ ،‬فقد تأثرت كذلك بمعطيات اقتصادية ‪ -‬اجتماعية فضال عن عوامل جغرافية‬
‫باالضافة إىل التأثر بالحضارات المجاورة‪.‬‬
‫بي عرب الجنوب لإلفادة من تجارة العبورة العالمية‬‫فق بالد العرب الجنوبية أنت الرغبة نف التعاون ن‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ثقاف وحسبنا أن الخط المسند الذي ابتكره المعينيون ساد ن يف عصور‬ ‫ن‬
‫وديت وتقارب ي‬‫ي‬
‫ن‬ ‫سياس‬
‫ي‬ ‫إىل توحيد‬
‫النبىط‪.‬‬ ‫الت كتبت بالخط‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫سبأ وقتبان وحمي ليمي ثقافة عرب الجنوب عن ثقافة عرب الشمال ي‬
‫وتكشف اآلثار الباقية عن تقدم عرب الجنوب ن يف بعض العلوم والفنون‪ .‬فالمدن والسدود والقصور‬
‫الت امتدحها الرحالة‬ ‫ن‬
‫الت شادها هؤالء دليل ال يرف إليه الشك عن تقدم يف الهندسة والزخرفة ي‬ ‫ي‬
‫يغت عن اللجاج‪ .‬وحسبنا أنه تكون من‬ ‫الهمدائ "قرص غمدان" بصنعاء بما ن‬ ‫ن‬ ‫وصف‬ ‫وقد‬ ‫ابون‬ ‫اسي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عشين طابقا فكان أول ناطحة سحاب عرفها التاري خ‪.‬‬ ‫ر‬

‫ام ن يف الكتابة بعد أن طوروه إىل صيغة خاصة عرفت بالخط‬ ‫وأثر عن األنباط استخدامهم الخط اآلر ي‬
‫النبىط الذي ساد كتابة عرب الشمال‪ ،‬وهو الخط الذي كتب به القرآن الكريم‪.‬‬‫ي‬
‫العرئ‬
‫ري‬ ‫وبرغم تأثر عرب تدمر ن يف ثقافتهم باليونان والرومان والفرس إال أنهم لم يفقدوا طابعهم‬
‫األصيل حيث تيدد األسماء واأللفاظ العربية ن يف لغتهم اآلرامية‪ .‬وبالمثل كانت ثقافة المناذرة عربية‬
‫العرئ وسيادة اللغة العربية الشمالية ن يف‬
‫ري‬
‫برغم التأثيات ن‬
‫البينطية اليونانية ‪ ..‬وحسبنا ازدهار الشعر‬
‫بالط الغساسنة‪ ،‬كانت جلق عاصمتهم موثال للشعراء العرب يقصدونها ويمتدحون عروبة أمرائها‪.‬‬
‫كما سادت اللغة العربية إمارة المناذرة رغم كتابتهم بالشيانية‪ .‬وقد آثروا العربية بعد أن أدخلوا إليها‬
‫ألفاظا فارسية وأثر عن الحية احتواؤها سجالت تاريخية هامة أفاد منها مؤرخو اإلسالم األوائل‪.‬‬
‫وحسبنا أيضا إغداق أمراء الحية عىل الشعراء العرب من أمثال طرفة وعمر بن كلثوم اللذين امتدحا‬
‫أمراء المناذرة ‪.‬‬

‫العرئ لم يكشف بعد عنه‪ .‬وهذا راجع إىل أن‬ ‫ن‬


‫الثقاف‬ ‫وغت عن القول أن الكثي من الياث‬ ‫ن‬
‫ري‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫تفش األمية قبيل ظهور‬ ‫الحضارات الت شهدتها بالد العرب ال تزال رهينة األبحاث األثرية‪ .‬كما أن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اإلسالم حال دون تدوين هذا الياث‪ .‬هذا باالضافة إىل التشويه المقصود لياث العرب القديم من‬
‫جانب الفقهاء بعد ظهور اإلسالم؛ إنطالقا من مقولة أن اإلسالم يجب ما قبله‪ .‬وأخيا فإن القليل منه‬
‫وصلنا عىل شكل مروي من أمثال وحكم وقصص وأشعار ومعظمها يتعلق باألدب فضال عن بعض‬
‫والرف والتعاويذ وفوائد بعض النباتات البيطرية خاصة ما‬
‫ي‬ ‫النصوص المتعلقة بالسحر والطب والفلك‬
‫يتعلق منها بالخيل واإلبل ‪.‬‬
‫الصفحة | ‪15‬‬
‫الفلسق الذي صيغ‬‫ن‬ ‫ومع ذلك يكشف هذا القليل عن قريحة عربية ثرية جسدت نوعا من التفكي‬
‫ي‬
‫ن يف عبارات بليغة ومخترصة عىل أن تفوق العرب ن يف الشعر أمر ثابت ومعروف‪ .‬فإذا كان بعض الحكماء‬
‫الصنيي فقد استقرت بالمثل ن يف لسان العرب‪ .‬وال‬
‫ن‬ ‫أثبتوا أن الحكمة استقرت فيعقل الفرنج وأيدي‬
‫األدئ وفصاحة الكلمة كالعرب‪ ،‬وقل أن نجد لغة تسيطر‬ ‫ن‬
‫يوجد يف العالم بأشه شعب مولع بالتعبي ر ي‬
‫عىل عقول متكلميها كاللغة العربية‪ .‬فالشعر هو )ديوان العرب(كما يقول ابن فارس وكان ظهوره مرتبطا‬
‫المعي عن لسان قبيلته ن يف حياتها وطموحاتها وكانت‬
‫ر‬ ‫بالرجز الذي هو تعبي عن العمل‪ .‬وكان الشاعر هو‬
‫القصائد العظام تمنح الجوائز ن يف سوق عكاظ وتنقش بحروف من ذهب وتعلق عىل جدران الكعبة ‪.‬‬
‫أما اللغة العربية فقد أثريت نتيجة االحتكاك بالثقافات المجاورة‪ .‬واألستاذ فيليب حت يكشف عن‬
‫المؤثرات الحبشية ن يف اللغة والثقافة العربية‪ .‬وحسبنا أن ألفاظا مثل برهان وحواري وجهنم ومائدة‬
‫ومني ومشكاة وشيطان حبشية األصل‪.‬‬ ‫ر‬
‫الت خضعت لحكم‬ ‫كما تشبت المؤثرات الثقافية الفارسية عن طريق المناذرة فضال عن طريق اليمن ي‬
‫الفرس ردحا من الزمان‪ .‬وقد ظهر هذا التأثي بوضوح ن يف فنون الحرب والعقائد‪.‬‬
‫البينطية عن طريق الغساسنة وظهرت بوضوح ن يف العمارة وخاصة ما تعلق‬ ‫وبالمثل وصلت التأثيات ن‬
‫منها بالقالع والحصون وطرائق اختطاط المدن‪ .‬وقد تشبت إىل اللغة العربية الكثي من األلفاظ‬
‫اليونانية واآلرامية مثل (كنيسة وبيعة ودمية وصورة وفدان وقنديل)‪.‬‬
‫خالصة القول أن بالد العرب قبل اإلسالم لم تكن بمعزل عن حضارات البالد المجاورة بقدر ما‬
‫العرئ‬
‫ري‬ ‫توطدت صالتها بهذه الحضارات تجاريا وثقافيا‪ .‬لذلك ال يخالجنا شك ن يف أن المياث الحضاري‬
‫القديم شكل ركنا ركينا من أصول الحضارة العربية اإلسالمية؛ وهو ما سنوضحه بعد ن يف موضعه‬

‫الصفحة | ‪16‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬مقومات و خصائص الحضارة العربية‬
‫اإلسالمية‬
‫تعتمد الحضارة العربية اإلسالمية عىل ثالثة أسس رئيسية‪:‬‬
‫العرئ السابق لظهور‬ ‫والثائ هو الياث الحضاري‬‫ن‬ ‫األساس األول هو القرآن الكريم والسنة النبوية‪،‬‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫اإلسالم‪ ،‬والثالث هو التسامح واالعياف بالنبوات السابقة والرؤية اإلنسانية الشاملة لإلسالم‪.‬‬
‫ن‬
‫والتاريخ دون‬ ‫ن‬
‫الثقاف‬ ‫بفضل هذه األسس‪ ،‬تمكنت الحضارة اإلسالمية من االستفادة من الموروث‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫سياس‬ ‫البشية بما تحمله من تقدم‬‫تحييد أو إغفال‪ .‬تجتمع هذه العنارص لتشكل حضارة رتيي ر‬
‫ي‬
‫واقتصادي متوازن‪ ،‬وقيم عدل وتوحيد‬

‫أسس الحضارة العربية االسالمية‬

‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫األساس‬

‫األصول العربية‬

‫المؤثرات األجنبية‬

‫ً‬
‫اإلسالم ‪:‬‬
‫ي‬ ‫أوال ‪ :‬األساس‬

‫ه الرؤية الشاملة لإلسالم ؟‬


‫* ما ي‬

‫يعتي دعوة صادقة للتوحيد‪ ،‬وثورة إنسانية سامية وشاملة‪ .‬يتضمن اإلسالم رؤية سياسية‬ ‫اإلسالم ر‬
‫متقدمة ومتوازنة‪ ،‬ونظرة اقتصادية مبنية عىل العدل‪ .‬قدم اإلسالم مبادئ لتنظيم المجتمع‪ ،‬مثل‬
‫التأج والمساواة‪ ،‬ومفاهيم متطورة ن يف النظرة إىل الوجود ودعوة الستخدام العقل والنظر وتدبر أمور‬
‫ي‬
‫ن‬
‫ً‬
‫وتعتي‬
‫ر‬ ‫الكون واكتشاف أشاره‪ .‬وأيضا ضمن اإلسالم معايي أخالقية ورؤى جمالية قائمة عىل االعتدال‪،‬‬
‫جميعها ركائز أساسية لحضارة إنسانية متكاملة‪.‬‬

‫* مساهمات اإلسالم ن يف الحضارة اإلنسانية ‪:‬‬

‫‪ )1‬الجانب العقيدي ‪:‬‬


‫ه‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫األلمائ ماكس موللر يف كتابه ومقدمة يف تاري خ األديان أن أكي األديان نجاحا ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬يرى الفيلسوف‬
‫وأكيها واقعية فن‬
‫البشية وعيوب ها‪ ،‬ر‬ ‫أكيها إرضاء للمطالب الروحية لإلنسان ر‬
‫وأكيها فهما لألخطاء ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫معالجة هذه األخطاء والعيوب‬
‫ر‬ ‫ن‬
‫‪ -‬نجد أن العقيدة اإلسالمية تلخصت يف مبدأ التوحيد؛ حيث نبذ اإلسالم الشك والتعددية وحارب‬
‫س)‪.‬‬‫التجسيم والوثنية ودع إىل عبادة الحق المطلق الواحد الفرد الذي (ليس كمثله رَ ْ‬
‫ي‬
‫‪ -‬وبالرجوع إىل علم األديان المقارن نجد أن التعددية والتشخيص دليل عىل طفولة العقل والوجدان‬
‫الصفحة | ‪17‬‬
‫الروج‪ .‬ولكون اإلسالم خاتمة‬ ‫البشي‪ ،‬وأن التوحيد والتجريد دليل عىل الحكمة العقلية والسمو‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫األديان السماوية فقد تفرد بكمال الوحدانية؛ إذ يمتاز عن اليهودية بأنه أنزل للناس كافة ال لشعب‬
‫ي)‪.‬‬ ‫‪َ َ ْ َ َْ َ :‬‬
‫اك إ ََّّل َر ْح َم ًة ل ْل َع َالم نَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مختار قال تعاىل ﴿وما أرسلن ِ‬
‫ن‬
‫تضخ بالحياة الدنيا من أجل الخالص يف اآلخرة ؛ ذلك الخالص الذي‬ ‫الت‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫‪ -‬كما تمي عن المسيحية ي‬
‫تيه الخالق الذي يخضع له الوجود‬ ‫بش مؤله هو السيد المسيح ‪ .‬إن وحدانية اإلسالم ن ن‬ ‫يتم عىل يد ر‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫نق العبودية لغي هللا سبحانه‬‫فه دعوة لتوحيد العباد عىل الصعيد البشي تأسيسا عىل ي‬ ‫برمته ؛ ي‬
‫ن‬
‫وتعاىل‪ .‬عقيدة كهذه جديرة بأن تصنع حضارة قوامها اإلنسان يف سائر ربوع المعمورة‪ .‬ذلك اإلنسان‬
‫الذي اصطفاه الخالق وكرمه بأن أناطه بمهمة عمران األرض بعد استخالفه وتسخي سائر المخلوقات‬
‫لخدمته ‪.‬‬

‫السياس ‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪ )2‬وعىل الصعيد‬
‫ن‬
‫لم يقدم اإلسالم نظرية يف الحكم بل قدم مبادىء ومعايي قوامها «الشورى»‪.‬‬
‫عي الزمان والمكان ؛ ذلك ألن الحياة‬
‫واإلسالم بذلك ينطوي عىل جدلية مرنة تجعل مبادئه صالحة ر‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫البشية دائمة التغيي والنظريات تتبدل أما المبادىء فتتسم بصفة الثبات‪ .‬ي‬
‫وف انطواء القرآن الكريم‬
‫يزك‬ ‫نن‬ ‫ر‬
‫الت تعالج أمور البش بأسباب اليول ما ي‬ ‫عىل جدلية الناسخ والمنسوخ فضال عن ربط اآليات ي‬
‫القرآن ليكون دستورا ر‬
‫للبشية تستلهم من مبادئه السامية نظرياتها المناسبة والمالئمة لمتغيات‬
‫األزمان ومالبسات األمكنة ‪.‬‬

‫‪ )3‬وعىل الصعيد االقتصادي ‪:‬‬


‫االجتماع‪.‬‬
‫َّ ي‬ ‫‪ -‬انطوى اإلسالم عىل مبادىء سامية وواقعية تتسم باالعتدال وتستهدف العدل‬
‫اع َم ُلوا َف َس َ َيى ُ‬
‫اَّلل َع َم َل ُكمْ‬ ‫‪ -‬حض اإلسالم عىل العمل باعتباره أساس العمران ‪ .‬قال تعاىل‪(َ :‬و ُقل ْ‬
‫ِ‬ ‫ََ ُ ُ ُ َ ْ ْ ُ َ‬
‫ونه عن الخمول والتواكل باعتباره منافيا للغاية‬ ‫اعتي العمل عبادة ي‬ ‫ورسوله وال ُمؤ ِمنون )‪ .‬والرسول ر‬
‫وه عمران الكون‪.‬‬ ‫الت استهدفها هللا سبحانه من خلق اإلنسان ي‬ ‫ي‬
‫‪ -‬حارب اإلسالم اكتناز المال واحتكار األرزاق لما يتمخض عن ذلك من خلل اقتصادي أكدته النظريات‬
‫الحديثة ن يف علم االقتصاد واعيف اإلسالم بحقوق الملكية ن يف حدود عدم المساس بالمصلحة العامة‬
‫الشيف من أجل السيطرة عىل المقدرات‬ ‫فاتحا الباب عىل مرصاعيه ك يعمل اإلنسان بحافز التنافس ر‬
‫ي‬
‫الهائلة الكامنة ن يف الطبيعة ‪.‬‬
‫البش فيه سواء‪ .‬وحسبنا أن الرسول ﷺ أشاع‬ ‫‪-‬نبذ اإلسالم االستغالل عىل أساس أن المال مال هللا كل ر‬
‫الماء والكأل والنار لسائر العباد دونما مفاضلة أو ن‬
‫تحي ‪.‬‬
‫هكذا انطوت مبادىء اإلسالم ن يف االقتصاد عىل قواعد تتسم باالعتدال وتحول دون التسلط الذي‬
‫يفىص إىل الخلل والرصاع ‪ .‬حت إذا ما تشب هذا الخلل دع اإلسالم إىل تقويمه لتستقر النواميس‪.‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ض )‪.‬‬ ‫اس َب ْع َض ُهم ب َب ْعض َل َف َس َدت ْاأل ْر ُ‬ ‫‪َّ َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ :‬‬
‫الن َ‬ ‫اَّلل‬
‫قال تعاىل (ولوَّل دفع ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫االجتماع ‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪ )4‬وعىل الصعيد‬
‫َ َ َ ُّ َ َّ ُ َّ َ َ ْ َ ُ ِّ َ َ َ ُ رَ َ َ َ ْ َ ُْ‬ ‫ن‬
‫التأج‪ .‬قال تعاىل ‪ :‬يتأيها الناس ِإنا خلقتكم من ذك ٍر وأنت وجعلنكم‬
‫ي‬ ‫‪ -‬لفظ اإلسالم العصبية ودع إىل‬
‫الصفحة | ‪18‬‬
‫ُ ُ ً َ‬
‫وبا َوق َب ِاب َل لتعارفوا ‪.‬‬ ‫شع‬
‫ن‬
‫تفىص إىل الفسق‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫‪-‬رفض اإلسالم اإلشاف يف اليف الذي يؤدي إىل الهوة بي الطبقات باعتباره مفسدة‬
‫ي‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َّ ْ َ َ َ ْ ً‬ ‫َ َ ََ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ٌ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫﴿ و ِإذا أردنا أن ته ِلك قرية أمرنا مي ِفيها ففسقوا ِفيها فحق عليها القول فدمرنها تد ِميا)‪.‬‬
‫‪-‬وليس أدل عىل دعوة اإلسالم إىل المساواة من قول الرسول ﷺ بأن الناس سواسية كأسنان المشط‬
‫بي المهاجرين واألنصار‪ ،‬عندما رشع دستور المدينة‪ .‬وبالمثل حض اإلسالم‬ ‫تطبيقه مبدأة المؤاخاة ن‬
‫الت ضمنت لهم‬ ‫عىل حسن معاملة المعاهدين» من «أهل الذمة وكفل لهم حقوق المواطنة والرعوية ي‬
‫صيانة النفس والمال والعرض تلك المبادىء السامية ‪ -‬وغيها كثي ‪ -‬تشكل ركائز أساسية لبناء حضارة‬
‫إنسانية متجانسة ‪.‬‬

‫وف مجال المعرفة ‪:‬‬ ‫ن‬


‫‪ )5‬ي‬
‫‪ -‬حث اإلسالم عىل إعمال العقل والنظر سواء ن يف أشار النفس أو أشار الطبيعة بهدف معرفة مظاهر‬
‫فميه بالعقل عن سائر المخلوقات وأتاح له‬ ‫عظمة الخالق فيما خلق وأبدع ‪ .‬لقد كرم هللا اإلنسان ن‬
‫ُ‬
‫حرية التفكي والتدبي والتأمل حت نف القضايا الخاصة بما وراء الطبيعة‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬ق ْل ُ‬
‫سيوا ِ ن يف‬ ‫ي‬ ‫َ ُ ُ َْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ف َب َدأ الخل َق )‪.‬‬‫ض فانظروا كي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫األ ْ‬
‫وبي التقوى‪ .‬قال تعاىل ‪﴿ :‬إ َّن َما َي ْخ رَش َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫بي العلم ن‬ ‫‪ -‬كرم اإلسالم العلم والعلماء حت لقد ربط القرآن ن‬
‫ِ‬ ‫ْ َ‬
‫بديه واألمر كذلك ؛ أن تنطوي النظرة‬ ‫ي‬ ‫ِم ْن ِع َب ِاد ِه ال ُعلموا الذين جعلهم الرسول ﷺ ورثة األنبياء‪.‬‬
‫اإلسالمية ن يف المعرفة عىل مقومات حافزة لإلنسان عىل اإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫والجماىل ‪:‬‬
‫ي‬ ‫األخالف‬
‫ي‬ ‫‪ )6‬وعىل الصعيد‬
‫‪ -‬حرر اإلسالم اإلنسان من رشور نفسه وفتح للفضائل آفاقا رحبة بأن كافأ الحسنة ر‬
‫بعش أمثالها‪ ،‬كما‬
‫البش وردها إىل طبيعتها األوىل بعد أن أكسبها مضمونا‬ ‫جرد اإلسالم الفضائل مما لحق بها عىل يد ر‬
‫جديدا غاية ن يف السمو وفقا لهذا المنظور لم تعد فضيلة الكرم فضيلة ن يف حد ذاتها بقدر ما صارت قيمة‬
‫والتباه بقدر ما غدت تقربا إىل هللا وز نلق واألخالق ن يف اإلسالم لم‬
‫ي‬ ‫اجتماعية نبيلة لم تكرس للفخر‬
‫تصغ عىل أساس القهر ‪ -‬كما هو الحال بالنسبة للفلسفات الحديثة عند نيتشة وهويز وشوبنهاور ‪ -‬إنما‬
‫إنسائ لعمل الخي والكف عن ر‬
‫الش‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ه اختيار‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫تتوج ن يف تقدير‬
‫وعىل المستوى الجماىل‪ :‬قدم اإلسالم مبادى جديدة كمبدأ االعتدال كقيمة يمكن أن ن‬
‫ي‬
‫الفعل ر‬
‫البشي ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ً‬ ‫﴿و ََّل َت ْج َع ْل َيدك َمغلولة إىل ُعنقك َوَّل ت ْب ُس ْط َها ك َّل ال َب ْسط فتق ُعد َمل ً‬
‫وما محسورا )‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬األصول العربية‬

‫دور العرب ن يف تشكيل حضارة اإلسالم ‪:‬‬

‫• العرب الذين اضطلعوا بمسؤولية تشكيل "دار اإلسالم" بعد الفتوحات‪.‬‬


‫الصفحة | ‪19‬‬
‫األطلش‪.‬‬ ‫ن‬
‫الصي العظيم إىل المحيط‬ ‫الت امتدت من سور‬
‫ي‬ ‫الفتوحات ي‬ ‫•‬
‫الت نقلت العرب وعاداتهم وتقاليدهم إىل األمصار الجديدة‪.‬‬ ‫الجيوش الفتحية والهجرات ي‬ ‫•‬
‫التعريب كعملية تنقل اللغة والثقافة العربية إىل الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫•‬
‫الجاهىل ن يف مجاالت الشعر واألنساب عىل تشكيل الحضارة اإلسالمية‪.‬‬‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫تأثي الياث‬ ‫•‬
‫ن‬
‫واإلثت‪.‬‬ ‫ن‬
‫الثقاف واللغوي‬ ‫كية ثانوية للحضارة اإلسالمية من خالل التعريب‬ ‫العروبة كر ن‬ ‫•‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تأثي الحضارة العربية القديمة ومساهمات العرب ن يف مجاالت الحكم والحرب والفكر والثقافة‪.‬‬ ‫•‬
‫ً‬
‫ثالثا ‪ :‬المؤثرات األجنبية‬

‫*دور الحضارات الكالسيكية ن يف تكوين الحضارة العربية اإلسالمية ‪:‬‬


‫‪ -1‬الحضارات ر‬
‫الشقية‪:‬‬
‫• الحضارة الصينية‪ :‬تأثي الفلسفة الصينية والعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫• الحضارة الهندية‪ :‬تأثي الفلسفة الهندوسية والرياضيات والطب‪.‬‬
‫• الحضارة الفارسية‪ :‬تأثي األدب والفلسفة والفنون والعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫‪ -2‬الحضارات الغربية‪:‬‬
‫الحضارة اليونانية‪ :‬تأثي الفلسفة اليونانية والعلوم والرياضيات والطب‪.‬‬ ‫•‬
‫الحضارة الرومانية‪ :‬تأثي القانون واإلدارة والهندسة المدنية‪.‬‬ ‫•‬
‫الحضارة المرصية الفرعونية‪ :‬تأثي العلوم والهندسة والطب‪.‬‬ ‫•‬
‫ن‬
‫األدئ القديم‪:‬‬ ‫الشق‬‫‪ -3‬حضارات ر‬

‫تأثي الحضارات البابلية والكلدانية ن يف الرياضيات وعلوم الفلك والطب‪.‬‬ ‫•‬


‫العيية ن يف الدين واألدب والتاري خ‪.‬‬
‫تأثي الحضارة ر‬ ‫•‬
‫الكالسيك القديم‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪ -4‬جهود جمع الياث‬
‫الكالسيك وجهود الحفظ‪.‬‬
‫ي‬ ‫• العرص األموي‪ :‬االنفتاح عىل الياث‬
‫وشاء المخطوطات النفيسة‪.‬‬ ‫• العرص العباس‪ :‬جمع الياث من المؤسسات النرصانية ر‬
‫ي‬
‫الكالسيك إىل العربية‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬
‫• بيت الحكمة وجند الميجمون ترجمة الياث‬
‫‪ -5‬االبتكار واإلبداع ن يف الحضارة العربية اإلسالمية‪:‬‬
‫الكالسيك وإضافة المساهمات العربية اإلسالمية الجديدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫• الحفاظ عىل الياث‬
‫الكالسيك والثقافة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫• التأثي المتبادل ن‬
‫بي الياث‬
‫ي‬
‫• االبتكار ن يف العلوم الطبيعية والطبية والرياضية والفلكية والفلسفية‪.‬‬

‫صفوة القول ‪ -‬أن انفتاح العقلية العربية اإلسالمية عىل هذا الياث يحسب لها ال عليها‪ .‬وأنها‬
‫تمثلته وهضمته وصححت الكثي من أخطائه وأضافت إليه إبداعات جديدة‪ .‬وأخيا طبعته‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫بالطابع‬

‫الصفحة | ‪20‬‬
‫الروج الذي يتمثل ن يف القرآن الكريم والسنة النبوية‪ .‬يحافظ‬
‫ي‬
‫ن‬
‫تتمي باإلطار‬ ‫الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫ن‬
‫الروج عىل الحضارة من االنغراس يف المادية ويمنحها طاقات هائلة من السمو والمثالية‪.‬‬ ‫هذا اإلطار‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫الت تسهم يف رفع اإلنسان‬‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬تمتاز الحضارة العربية اإلسالمية بالمقومات األخالقية ي‬
‫ومساعدته عىل تحقيق الخي‪.‬‬

‫خصائص الحضارة العربية اإلسالمية‬

‫القرآن الكريم‪:‬‬

‫ييل دفعة واحدة‪،‬‬ ‫‪ -‬القرآن الكريم هو كالم هللا الذي ُأنز َل عىل نبيه محمد ﷺ عن طريق الوج‪ ،‬ولم ن ن‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫بل استمر ن يف التدفق عىل مراحل طويلة خالل فية النبوة‪.‬‬
‫يدونون آيات القرآن الكريم من خالل‬ ‫أميا وغي متعلم‪ ،‬كان الصحابة ِّ‬ ‫ونظرا ألن النت محمد ﷺ كان ً‬
‫ً‬
‫ري‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫الوج عىل العظام ولحاء الشجر ومواد أخرى‪ .‬ولم يشع يف جمع القرآن إال يف خالفة ر ي‬
‫أئ بكر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫كتاب‬
‫ن‬
‫الحاىل إال يف خالفة عثمان بن عفان‪.‬‬ ‫ن‬
‫ولم يتم تدوينه يف شكله‬
‫ي‬
‫ن‬
‫وتتمي السور المكية باإليجاز‬ ‫‪ -‬يتكون القرآن من سور‪ ،‬وتحتوي كل سورة عىل عدد من اآليات‪.‬‬
‫والحسم والقطع؛ ألنها تتناول أمور العقيدة‪ ،‬بينما تكون السور المدنية طويلة ومفصلة؛ ألنها تتعامل‬
‫ن‬
‫والقواني‪.‬‬ ‫الشيعة‬ ‫مع ر‬

‫الني وال الشعر‪ .‬عندما يتىل القرآن عىل‬ ‫بالع‪ ،‬حيث ال يندرج تحت ر‬ ‫‪ -‬القرآن الكريم يحتوي عىل إعجاز ن‬
‫ي‬
‫روحيا ال يمكن وصفه‪ .‬وقد أقر بهذا األثر األستاذ ريسلر‪ ،‬مؤرخ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سحريا‬ ‫أم وجاهل‪ ،‬ييك ً‬
‫أثرا‬ ‫شخص ٍّ‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ٍ ي‬
‫ن‬
‫الحضارة‪ .‬حن لقد ذهب إىل أن هذا التأثي التطهيي ييك أصداءه يف صدور غي المسلمي‪ .‬وهذا يف‬
‫حد ذاته إعجاز الشك فيه ومن دالئل هذا اإلعجاز أيضا إنباء القرآن الكريم بأحداث مستقبلية‬
‫نىط‪ ،‬حيث انترص الفرس أوال‬ ‫تحققت بالفعل كما هو الحال بالنسبة لمصي الرصاع الفارس ن‬
‫البي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وم نف أ ْد نئ األ ْرض َو ُهم ِّم ْن َب ْعد غلبهمْ‬ ‫الر ُ‬‫ثم تنبأ القرآن بهزيمتهم وانتصار الروم‪ .‬قال تعاىل ‪ُ :‬غل َبت ُّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ ي ْ ْ ُ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫نَ ه ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ َْ ُ َ ن ْ‬
‫اَّلل األ ْم ُر ِمن ق ْب ُل َو ِم ْن َب ْعد َو َي ْوم ِئ ٍذ يفرح المؤ ِمنون ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سيغ ِلبون ِ يف ِبض ِع ِس ِني ِ‬
‫العلم ن يف القرآن الكريم‪ ،‬وهم محقون ن يف ذلك‪ ،‬حيث تم تأكيد‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫الدارسي إثبات اإلعجاز‬ ‫‪ -‬يحاول بعض‬
‫الت ذكرها القرآن يف وقت الحق بعد قرون‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬نرى ‪-‬عىل عكس ما يعتقدون‪-‬‬ ‫ن‬
‫الحقائق العلمية ي‬
‫ن‬
‫أن القرآن ليس مجرد نظريات علمية‪ ،‬بل هو كتاب هداية يتعدى ذلك‪ ،‬فهو يحمل يف طياته العظمة‬
‫والسمو‪ .‬إنه كتاب يهدي وال يقترص عىل تعليم المعرفة العلمية‪.‬‬
‫ً‬
‫وعىل الرغم من جهود المفشين عىل مر العصور ن يف تفسي آياته‪ ،‬يظل القرآن يحمل ن يف ثناياه كنوزا ال‬
‫يكشف عنها إال مع توسع معارف المفشين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الوج وأنزل عىل‬
‫ي‬ ‫للنت محمد ﷺ‪ .‬وقد أخذ القرآن بواسطة‬
‫‪ -‬القرآن الكريم ينسب إىل هللا وليس إبداعا ر ي‬
‫النت‪.‬‬
‫ري‬

‫الصفحة | ‪21‬‬
‫متعلما‪ ،‬ولكن ذلك لم يمنعه من نقل وتبليغ محتوى القرآن الذي‬ ‫ً‬ ‫النت محمد ﷺ كان ً‬
‫أميا ولم يكن‬ ‫ري‬
‫تلقاه من هللا‪.‬‬
‫عتي‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم هو كتاب هللا الذي يحتوي عىل العلوم الدينية مثل القراءات والتفسي والفقه‪ ،‬وي ر‬
‫مصدرا للمعارف السامية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يتناول القرآن النظريات ن يف السياسة واالقتصاد واالجتماع‪،‬‬
‫ً‬
‫ويعتي مصدر إلهام‬ ‫ن‬
‫روحائ‬ ‫ن‬
‫البالع وال‬ ‫ن‬
‫يتمي بإعجازه‬ ‫أساس عىل العقائد والقيم الروحية‪.‬‬ ‫ويركز بشكل‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المستشقون بسبب ثراء مضمونه وفلسفته العميقة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وتوجيه للقلوب والعقول‪ .‬يهتم به‬

‫السنة النبوية ‪:‬‬

‫ه ما‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ن‬


‫الثائ والسنة ي‬
‫ه المصدر ي‬ ‫إذا كان القرآن الكريم هو المصدر األول يف التشي ع؛ فإن السنة النبوية ي‬
‫أثر عن الرسول ﷺ من قول أو فعل بخصوص مشكلة لم يرد بصددها نص ن يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والحق أن رسول هللا ﷺ كان موضحا ومبينا لما ورد ن يف القرآن حيث فش ما غمض وفصل ما أجمل ‪.‬‬
‫وللحديث النبوي أهمية تاريخية قصوى لما يلقيه من أضواء ليس فقط عىل سية الرسول بل أيضا لما‬
‫واالجتماع‪.‬‬ ‫السياس‬ ‫يضفيه عىل ر‬
‫التشي ع والتنظيم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫التابعي‪ .‬وقد‬ ‫تابع‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫النت ثم صاروا من التابعي ثم من ي‬ ‫كان رواة الحديث يف بادىء األمر من أصحاب ر ي‬
‫ن‬
‫«مي»‪.‬‬ ‫اصطلح عىل تسمية سلسلة الرواة باسم السند ‪ .‬أما محتوى الحديث فيسم‬

‫الن أدت إىل االحتياج الشديد لتدوين الحديث النبوي ‪:‬‬


‫العوامل ي‬
‫اإلسالم ومواجهة نظم ورسوم كان البد أن يلتمس لها مكان ن يف السنة النبوية‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ - 1‬اتساع رقعة العالم‬
‫ن‬
‫والتابعي وتابعيهم والخوف عىل الياث النبوي من االندثار وعبث الرواة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬انقضاء أجيال الصحابة‬
‫لتيير مواقفها ومبادئها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ظهور الفرق وانتحالها األحاديث ر‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫ن‬
‫الديت‬ ‫‪ -4‬زيوع اإلشائيليات واختالطها بالياث‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪ - 5‬كيد الزنادقة والمالحدة لإلسالم عن طريق الوضع واالنتحال ‪.‬‬

‫‪ - 6‬محاولة الفقهاء واألتقياء رد هذه المكائد عن طريق انتحال ووضع أحاديث مضادة تفسد األحاديث‬
‫الت يصطنعها الزنادقة‪.‬‬
‫ي‬

‫عت أهل الحديث بتدوين األحاديث النبوية بعد تخليصها مما انتحل واصطنع عن طريق النقد‬ ‫‪ -‬لذلك ن‬
‫الظاهري أي التحقق من صحة السند‪ .‬وقد ظهرت مؤلفات ن يف هذا الميدان منها مسند ابن حنبل‪.‬‬
‫تعت بمضمون الحديث عرفت باسم «المصنفات» ومن أهمها ما كتبه‬ ‫ن‬
‫كما بذلت جهود أخرى ي‬
‫والنسائ وابن ماجه الذين عرفوا باسم السنة الصحاح ‪.‬‬
‫ي‬ ‫البخاري ومسلم وأبو داود واليمذي‬

‫الصفحة | ‪22‬‬
‫خاصا ن يف السنة النبوية‪ ،‬حيث يثقون فقط ن يف األحاديث المروية عن أئمتهم‪ .‬ومن‬
‫الشيعة يحملون ر ًأيا ً‬
‫الطوس‪ .‬مع اكتمال تدوين الحديث وظهور‬ ‫ه مجموعة‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫بي المجموعات الهامة لهذه األحاديث ي‬
‫نصوصه‪ ،‬أصبح للعلم الحديث أصول ومنهج معروف باسم الجرح والتعديل‪ .‬يتطلب هذا المنهج‬
‫التحقق من صحة السند وثقة المحدث‪ ،‬وأن يكون مضمون الحديث غي متعارض مع جوهر‬
‫ً‬
‫اإلسالم‪ .‬ووفقا لهذا المعيار‪ ،‬تم تصنيف األحاديث النبوية إىل عدة درجات‪ ،‬مثل الصالح والحسن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والضعيف والميوك والمكذوب‪ .‬تم أيضا تصنيفها وفقا لطرق اإلسناد‪ ،‬مثل المتواتر والمشهور والعزيز‬
‫واآلحاد والغريب‪.‬‬
‫قي‬ ‫ر‬
‫المستش ن‬ ‫ر‬
‫المستشقون بتصنيف األحاديث وفهرستها لالستفادة العلمية منها‪ ،‬ومن ن‬
‫بي أشهر‬ ‫اهتم‬
‫ن يف هذا المجال األستاذ سخاو واألستاذ فنسنك‪.‬‬
‫الرئيسيي ر‬
‫للتشي ع‪ ،‬حيث يشكالن القاعدة‬ ‫ن‬ ‫إذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية يشكالن المصدرين‬
‫للحفاظ عىل توازن الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬فإن االجتهاد يشكل المصدر الثالث الذي يوفر‬
‫ً‬
‫المرونة الالزمة لهذه الحضارة لمواجهة التغيات وفقا لتوجيهات القرآن والسنة‪.‬‬
‫ويخضع االجتهاد لضوابط ومعايي لمنع االنحرافات والهوى‪ .‬ومن ن‬
‫بي هذه المعايي اجماع األمة‬
‫والقياس واالستحسان والمقاصد والمصالح المرسلة‪ .‬قدم االجتهاد الديناميكية والمرونة لحضارة‬
‫التخىل عن هذه المصادر‬
‫ي‬ ‫اإلسالم‪ ،‬مما سمح لها بالبقاء واالستمرار عىل مر الزمان‪ .‬ويمكن أن يؤدي‬
‫الثالثة ‪ -‬القرآن والسنة واالجتهاد ‪ -‬إىل انهيار هذه الحضارة‪.‬‬

‫ن‬
‫تميت الحضارة العربية اإلسالمية عن الحضارات السابقة بعدة سمات رئيسية‪:‬‬
‫‪. 1‬الشمولية‪ :‬تمتد هذه الحضارة لتشمل كافة جوانب الحياة المادية والعقلية واألخالقية والجمالية‪،‬‬
‫اإلسالم ن يف فيات‬
‫ي‬ ‫الروج‪ .‬فقد شملت النهضة االقتصادية ي‬
‫الت عاشها العالم‬ ‫ي‬ ‫باإلضافة إىل الجانب‬
‫ازدهار الحضارة العربية اإلسالمية جوانب الحياة المختلفة‪.‬‬
‫اإلسالم ایان عصور ازدهار الحضارة‬
‫ي‬ ‫الت عاشها العالم‬
‫ليس أدل عىل ذلك من النهضة االقتصادية ي‬
‫العربية اإلسالمية‪ .‬وحسبنا أن نشي كمعيار أوىل فقط ‪ -‬أن العملة اإلسالمية صارت عملة عالمية‬
‫إسالم مزدهر‪ .‬كما تنطق اآلثار الباقية عن‬
‫ي‬ ‫تتداول ن يف سائر أرجاء المعمورة لتقيم دليال عىل اقتصاد‬
‫الروج ‪ -‬كالمساجد ‪ -‬بل تشمل‬ ‫الت ال تقترص فقط عىل الجانب‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫تقدم هائل يف العمارة اإلسالمية ي‬
‫البيمارستانات والحصون والقالع والتكايا والسبل وما شابه‪ .‬وحسبنا أن المدينة اإلسالمية ن يف العصور‬
‫قي ‪ -‬بخططها وهيئاتها ومؤسساتها وأنماط الحياة فيها كانت مثال احتذته‬ ‫ر‬
‫المستش ن‬ ‫الوسىط ‪ -‬بشهادة‬
‫اإلسالم إىل‬
‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫المدن األوروبية ابتداء من عرصالنهضة وعىل صعيد الحياة العقلية غىط اإلبداع‬
‫جانب العلوم الدينية واللغوية سائر جوانب المعرفة الطبيعية والرياضية والحكمية والفلسفية وغيها‬
‫كما سنوضح ن يف موضعه ‪.‬‬
‫ن‬
‫والمبدعي‪ ،‬دون‬ ‫‪. 2‬التسامح‪ :‬ن‬
‫تميت هذه الحضارة بروح التسامح وإتاحة المجال البتكار العقول‬
‫والغرئ‪ ،‬واستيعابها وتجسيدها وإضافة‬ ‫تعصب أو قمع‪ .‬كما تمتاز بفتحها للياث الكالسيك ر‬
‫الش يف‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫إليها واالبتكار من خاللها وقد أشار كلود كاهن إىل أن روح التسامح تلك «لم تشهدها الحضارات‬
‫العالمية قديما أو حديثا فقد أتيح ألهل الذمة من يهود ونصارى فضال عن الصابئة وغيهم أن يعملوا‬

‫الصفحة | ‪23‬‬
‫المسلمي ن يف تشييد رصح هذه الحضارة دون محاذير أو حساسيات دينية‪ ،‬وهل هناك‬
‫ن‬ ‫جنبا إىل جنب‬
‫أكي مما يذكره المؤرخون من أن أهل الملل والنحل من سائر الديانات والمذاهب‬
‫دليل عىل حرية الرأي ر‬
‫وف موضوعات دينية وعقيدية دون مصادرة أو خوف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫كانوا يتحاورون بحرية مطلقة يف بالط الخلفاء ي‬
‫أو تقية ؟‬
‫بي الشعوب بغض النظر عن‬ ‫‪. 3‬الالعنرصية‪ :‬قدمت الحضارة العربية اإلسالمية مفهوم المساواة ن‬
‫العرق أو اللون‪ .‬وقد استمر المسلمون غي العرب ن يف القيام بدورهم الحضاري تحت مظلة اإلسالم‪،‬‬
‫ي‬
‫ن‬
‫والثقاف ن يف الدول العربية‪.‬‬ ‫أساسيا ن يف التوجيه الحضاري‬
‫ً‬ ‫ولعبوا ً‬
‫دورا‬
‫حت ليذهب ابن خلدون إىل أن أهل العلم نف اإلسالم معظمهم من العجم‪ .‬إن تلك ن ن‬
‫اليعة المساواتية‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫الت تميت عن حضارة‬ ‫ن‬
‫اإلنسائ يفضل الحضارة العربية اإلسالمية ي‬
‫ي‬ ‫تشكل طفرة عىل صعيد التطور‬
‫اإلغريق والرومان‪ .‬لقد كان اإلغريق ينظرون إىل الشعوب األخرى عىل أنهم همج وعبيد ألم يقل أرسطو‬
‫يعتي الرومان أنفسهم‬‫لك يوجد مجتمع حر يجب أن يتأسس عىل حساب مجتمع مسيق؟ ألم ر‬ ‫أنه ي‬
‫متييرين؟‪:‬‬ ‫ن‬
‫مواطني وما عداهم ر‬ ‫فقط‬

‫ن‬ ‫ن‬
‫يعت أنها امتدت لتشمل مناطق‬ ‫‪. 4‬السيولة الحضارية‪ :‬الحضارة اإلسالمية تميت بسيولتها‪ ،‬وهذا ي‬
‫واسعة ن يف آسيا وأفريقيا وأوروبا‪ .‬كانت الحضارة اإلسالمية قادرة عىل االنتشار والتأثي ن يف مختلف‬
‫عي الحدود الجغرافية‪.‬‬ ‫نش الرسائل والمعرفة ر‬ ‫اض‪ ،‬وذلك بفضل ر‬ ‫ن‬
‫األر ي‬
‫وليس أدل عىل تأكيد خاصية السيولة تلك مما ذكره ابن خلدون ن يف مقدمته عن ظاهرة الرحلة ن يف طلب‬
‫العلم بحيث شكلت النخبة اإلسالمية المفكرة إنتليجسنيا ذات دور واضح ن يف تأكيد الوحدة الحضارية‬
‫نواج المعرفة تتداول وتقرأ ن يف سائر أرجاء‬
‫ي‬ ‫اإلسالم‪ .‬ألم تكن رسائل إخوان الصفاء ن يف شت‬
‫ي‬ ‫للعالم‬
‫ن‬
‫اإلسالم؟ إن تلك الوحدة الحضارية المتكاملة تمي حضارة اإلسالم عن حضارة الرومان عىل‬ ‫العالم‬
‫ي‬
‫االمياطورية‬ ‫ن‬ ‫االمياطورية الرومانية ر‬ ‫ن‬
‫الشقية عنها يف ر‬ ‫الت اختلفت وتباينت يف ر‬ ‫سبيل المثال ‪ -‬تلك ي‬
‫ن‬
‫التيت‪.‬‬ ‫الرومانية الغربية بحيث كانت األولىيونانية الطابع والثانية ذات مسوح‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫يعت مزيدا من الخصوبة؛ إذ أسهمت المحليات داخل دار اإلسالم‬ ‫‪ .5‬التنوع يف اطار الوحدة‪ :‬وهذا ي‬
‫اإلسالم العام‪ .‬أسوق ن يف ذلك مثال بالغ الداللة عن‬
‫ي‬ ‫العرئ‬
‫ري‬ ‫بعطاءاتها الخاصة مع حفاظها عىل الطابع‬
‫انتش ن يف سائر بقاع دار اإلسالم محتفظا بسمات أساسية تميه عن الطرز‬
‫ن‬ ‫النمط العباس نف الفن الذي ر‬
‫ي ي‬
‫ن‬
‫وف ذات الوقت أضفت عليه األنماط المحلية معطياتها الخاصة يك تزوده بزخم متنوع و‬ ‫األخرى‪ .‬ي‬
‫قي ومن‬ ‫ر‬
‫المستش ن‬ ‫األصىل ثراء وكفل له البقاء واالستمرار‪ .‬وهنا تسقط مزاعم بعض‬ ‫متجدد زاد النمط‬
‫ي‬
‫ن‬
‫جاراهم من المفكرين العرب المحدثي الذين يروجون لمقولة خاطئة فحواها وجود قطيعة معرفية‬
‫ن‬
‫اإلسالميي ‪.‬‬ ‫الشق والغرب‬ ‫بي ر‬‫ن‬

‫العمىل والتنظيي‪ .‬لقد تم‬ ‫بي الجانب‬ ‫‪ .6‬الجانب العمىل والتنظيي‪ :‬كان للحضارة اإلسالمية توازن ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫العمىل ن يف مختلف جوانب الحياة اليومية‪ ،‬وهو أمر افتقرت إليه‬
‫ي‬ ‫وتطبيقها‬ ‫النظرية‬ ‫تنمية المعرفة‬
‫حي ركزت حضارة الرومان‬ ‫ن‬
‫الحضارات السابقة حيث حفلت حضارة اليونان بالجانب النظري فقط‪ .‬ف ن‬
‫ي‬
‫ن‬
‫المجالي معا وتكرس المعارف‬ ‫حي تبدع ن يف‬
‫عىل الجانب العمىل‪ .‬وهنا رتيز الحضارة العربية اإلسالمية ن‬
‫ي‬
‫النظرية ن يف خدمة أغراض عملية حياتية‪.‬‬
‫اإلنسائ‪ :‬كان اإلنسان هو محور هذه الحضارة ن يف التحليل األخي‪ .‬وهنا رييز‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫‪. 7‬الهيومانية أوالطابع‬
‫ن‬
‫األخالف بحيث لم توظف هذه الحضارة نتاجها يف التدمي والتخريب كما هو الحال بالنسبة‬ ‫الجانب‬
‫ي‬
‫الصفحة | ‪24‬‬
‫لحضارة المغول‪ ،‬كذا الحضارة الغربية المعارصة بل كانت حضارة بناء وعمران انطالقا من الرؤية‬
‫الت ترى ن يف اإلنسان خليفة هللا عىل األرض المنوط بعمرانها وازدهارها‪ .‬لذلك كفلت له العمل‬ ‫القرآنية ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلبداع نف إطار من األمان والسالم قال تعاىل ‪﴿:‬وَّل ت ْعتدوا إن اَّلل َّل يح ُّ‬
‫َ‬
‫ب ال ُم ْعت ِدين ) وقال سبحانه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ ْ ْ َ‬
‫نح ل َها )‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ يَ َ‬
‫﴿ * و ِإن جنحوا ِللل ِه فاج‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الت دفعت بالحضارة اإلسالمية إىل االزدهار‬ ‫‪. 8‬االنهيار المحتمل‪ :‬يف إطار هذه الخصائص الممية ي‬
‫التخىل عن هذه المقومات إبان عصورغلب فيها العسكر ن يف الداخل‬ ‫ي‬ ‫يمكن تفسي أسباب االنهيار نتيجة‬
‫وتطاول األعداء عليها من الخارج لتنتكس هذهالحضارة داخل دار اإلسالم لكنها مع ذلك انتقلت إىل‬
‫الت اضطلع العرب والمسلمون‬ ‫أوروبا محققة استمراريتها ضاربة المثل عىل وحدة الحضارة اإلنسانية ي‬
‫بالتعبي عنها إبان العصور الوسىط ‪.‬‬

‫ن‬
‫المبحث الرابع نظم الحكم يف االسالم‬

‫ن‬
‫القواني والنظم والرسوم‬ ‫تعي نظم الحكم عن‪ :‬االنتقال من طور البداوة إىل طور الحضارة حيث تحل‬ ‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫محل األعراف‪.‬‬
‫آئ وتجربة حكومة المدينة ن يف عهد‬
‫ن‬
‫الت كانت مزاجا من التصور القر ي‬
‫اإلسالم بنظمه ي‬
‫ي‬
‫‪ -‬وقد ن‬
‫تمي العالم‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫الت أفرزها المجتمع‬
‫الرسول والنظم الموروثة عن الحضارات القديمة فضال عن المعطيات ي‬
‫والت كانت تخضع لمنطق التغيي المستمر‪.‬‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫‪ -‬هذا باإلضافة إىل ما لعبته النظم العربية قبل اإلسالم من تأثيات خصوصا يف العرص األموي‪.‬‬

‫والحرئ‪.‬‬
‫ري‬ ‫والقضائ‪،‬‬
‫ي‬ ‫والماىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫السياس‪ ،‬واإلداري‪،‬‬
‫ي‬ ‫وقد تشعبت وتعقدت هذه النظم فشملت النظام‬
‫التاىل‪:‬‬
‫كما هو مفصل عىل النحو ي‬

‫السياس‬
‫ي‬ ‫أ ‪ -‬النظام‬
‫ويشمل الخالفة‪ ،‬والوزارة والحجابة‪ ،‬والكتابة‪.‬‬

‫‪ - 1‬الخالفة‪:‬‬
‫ّ‬
‫عرف ابن خلدون الخالفة بقوله‪:‬‬

‫الصفحة | ‪25‬‬
‫ع ن يف مصالحهم اآلخروية والدنيوية الراجعة إليها‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫ه حمل الكافة عىل مقتىص النظر الش ي‬ ‫(( الخالفة ي‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫فه يف الحقيقة خالفة عن صاحب‬ ‫إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشع إىل اعتبارها بمصالح اآلخرة‪ .‬ي‬
‫الشع ن يف حراسة الدين وسياسة الدنيا‪)).‬‬
‫ر‬

‫وتأسيسا عىل ذلك اختلف الدارسون حول ما إذا كانت الخالفة نظاما دنيويا أو نظاما دينيا‪.‬‬

‫الزمن هو الذي يطبع الخالفة بطابعه؛ ذلك أن‬ ‫ن‬ ‫• وأصحاب االتجاه األول يذهبون إىل أن الطابع‬
‫ي‬
‫ن‬
‫الديت‪ .‬كما أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم‬ ‫الرسول باعتباره آخر األنبياء ما كان ألحد أن يرث دوره‬
‫ي‬
‫ن‬
‫المسلمي؛ اللهم إال إشارة إىل مبدأ الشورى الذي يمكن تكييفه وفقا‬ ‫يجددا نظاما بعينه ن يف رئاسة‬
‫لمقتضيات الحال‪.‬‬

‫• أما أصحاب االتجاه اآلخر فيون أن الخالفة نظام ررسع تأسيسا عىل أن اإلسالم عقيدة ر‬
‫ورسيعة‪ ،‬وأن‬ ‫ي‬
‫من واجب الخالفة حماية الدين إىل جانب سياسة الدنيا‪.‬‬

‫اإلسالم؛ حت ليذكر‬
‫ي‬ ‫الدام عىل الحكم طوال عصور التاري خ‬
‫ي‬ ‫ولعل هذا الخالف هو الذي فجر الرصاع‬
‫ن‬
‫الشهرستائ‪:‬‬
‫ي‬
‫(ما سل سيف ن يف اإلسالم كما سل بسبب الخالفة)‪.‬‬
‫وه‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫وقد اشيط الفقهاء رسوطا معينة يجب أن تتوافر يف الخليفة ي‬

‫ن‬
‫واختلفوا يف أمور أخرى‪ ،‬إذ‬
‫ن‬ ‫سالمة‬
‫يضف الشيعة مثال صفة‬‫ي‬ ‫الدين‬ ‫العلم‬
‫العصمة عىل أئمتهم‬ ‫الحواس‬

‫وقد تعددت ألقاب الخالفة ما ن‬


‫بي‪:‬‬
‫ن‬
‫المؤمني)‪.‬‬ ‫(خالفة)‪ ،‬و(إمامة)‪ ،‬و(إمرة‬

‫وهذا التعدد يعكس صفة االجتهاد ن‬


‫بي فقهاء األمة‪.‬‬

‫الصفحة | ‪26‬‬
‫• فالمفهوم األول يوضح رأي السنة الذين يرجعون اصطالح (الخالفة) إىل القرآن الكريم؛ إذ وردت به‬
‫تعن خالفة هللا عىل األرض‪ .‬كما استثمرها الخلفاء الذين‬ ‫ن‬
‫كلمة (االستخالف) وقد فشها البعض بأنها ي‬
‫حاولوا توسيع سلطاتهم وصالحياتهم إىل حد إضفاء صفة القداسة عىل أنفسهم‪.‬‬
‫ن‬
‫للمسلمي خلعه أو تنحيته‪.‬‬ ‫• ذكر الخليفة عثمان بن عفان أن الخالفة (قميص ألبسه هللا إياه) ال يحق‬
‫وبالمثل قال أبو جعفر المنصور (إنما أنا ظل هللا عىل األرض)‪ ،‬وهو قول يفيد الحرص عىل الجمع بين‬
‫اإلله الفارسية‪.‬‬
‫ي‬ ‫المهام الدينية والدنيوية؛ مقيبا بذلك من نظرية التفويض‬
‫يعن خالفة رسول هللا وليس هللا سبحانه‬ ‫ن‬
‫• وهناك من أهل السنة من ذهب إىل أن االستخالف‪ ،‬ي‬
‫وتعاىل‪ .‬حن أن أبا بكر نص عىل أنه خليفة رسول هللا‪ ،‬وعمر قال بأنه خليفة الرسول‪.‬‬

‫ن‬
‫المؤمني) الذي استخدمه السنة والشيعة معا‪.‬‬ ‫• ثم اجتهد عمر فصاغ اصطالح (أمي‬

‫• أما لقب اإلمامة فقد تفردت به فرق المعارضة وخاصة الشيعة‪ .‬وهذا المصطلح يوضح كيف أن‬
‫مهمة الحكم (ركن من أركان الدين)‪ ،‬وأن الحاكم أو اإلمام ال يمكن أن يقوض اختياره إىل األمة‪.‬‬

‫أما الخوارج فقد توسعوا ر‬


‫أكي‬ ‫أما السنة فقد توسعوا ن‬
‫حي‬ ‫ولذلك فقد قال الشيعة بمبدأ‬
‫فجعلوا المنصب حقا لكل مسلم‬ ‫ن‬
‫اشيطوا أن يكون الخليفة من‬ ‫والتعيي) أي اشيطوا أن‬ ‫(النص‬
‫بغض النظر عن أصله وعرقه‬ ‫ن‬
‫قريش وأن يجري اختياره عىل‬ ‫عىل‬
‫ي‬ ‫بن‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫اإلمام‬ ‫يكون‬
‫ولونه‪ .‬لذلك أسماهم البعض‬
‫أساس الشورى‪.‬‬ ‫وفاطمة‪.‬‬
‫(جمهوريو اإلسالم)‪.‬‬

‫واتخذ المرجئة موقفا رتييريا‬


‫الن‬ ‫ولعل هذه االختالفات ه‬ ‫ن‬
‫ي ين‬ ‫حي اعيفوا بسياسات األمر‬
‫جعلت نظام الخالفة يختلف يف‬ ‫ن‬
‫المعيلة فقد اشيطوا فقط‬ ‫أما‬ ‫الواقع دون أن يشيطوا أية‬
‫أصول ورسومه من عرص إىل‬ ‫ررسوط حن اعيفوا ر‬
‫أن يكون الخليفة عادال‪.‬‬ ‫بشعية‬
‫عرص‪ ،‬بل ربما من خليفة إىل‬ ‫ن‬
‫بن أمية رغم اغتصابهم‬ ‫حكم ي‬
‫آخر‪.‬‬
‫الخالفة قشا‪.‬‬
‫هذا عن الجانب النظري ن يف الموضوع‪ .‬أما عن حقيقة ما جرى تطبيقه فيمكن تلخيصه بإيجاز عىل‬
‫التاىل‪:‬‬
‫النحو ي‬
‫ن يف عرص الراشدين‪:‬‬
‫• لم تكن هناك قواعد ثابتة ن يف اختيار الخلفاء إذ اختلفت طريقة اختيار كل خليفة عن طريقة اختيار خلفه‪ .‬فقد‬
‫بي المهاجرين واألنصار ُحسم لصالح المهاجرين‪ ،‬ثم بايعه كافة المسلمون‬‫جرى اختيار أئ بكر بعد جدل طويل ن‬
‫ري‬
‫بعد مبايعة كبار الصحابة الذين يمثلون (أهل الحل والعقد)‪.‬‬
‫ن‬
‫المسلمي كذلك‪ .‬وأوكل عمر األمر من بعده إىل مجلس‬ ‫• واختار أبو بكر عمرا بعد مشورة كبار الصحابة ومبايعة‬
‫يتكون من ستة من الصحابة اتفقوا بعد موت عمر عىل اختيار عثمان‪ .‬كما بوي ع ي‬
‫عىل بالخالفة بعد مقتل‬
‫عثمان‪.‬‬
‫ً‬ ‫ن‬
‫فه اعتبار الخالفة مسؤولية وعبئا‪ ،‬باستثناء عثمان الذي‬‫• وإذا كان هناك من قواعد تمي حكم الراشدين؛ ي‬
‫تمي عرص الراشدين بمبدأ (عدم‬ ‫يعن ن‬ ‫اعتيها حقا مقدسا‪ ،‬لذلك لم يعهدوا إىل أبنائهم بالخالفة قط‪ .‬وهذا ن‬
‫ر‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫التوريث)‪ .‬ولما كان الخلفاء األربعة من قريش؛ ترسخ لدى أهل السنة مبدأ (الخالفة يف قریش)‪.‬‬

‫الصفحة | ‪27‬‬
‫ن‬
‫األمويي‪:‬‬ ‫ن يف عرص‬
‫ن‬
‫األمويي إىل الحكم ‪ -‬عن طريق الغلبة والقوة ‪ -‬وعدولهم عن مبدأ االختبار إىل مبدأ التوريث‬ ‫بوصول‬ ‫•‬
‫انتهك مفهوم الخالفة (الثيوقراطية)‪.‬‬
‫وهذا يفش لماذا شبهت الخالفة األموية (بالهرقلية)؛ حيث احتكرت األشة الحاكمة منصب الخالفة‪.‬‬ ‫•‬
‫لقد تحولت إىل ملك عضود ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬برغم اإلبقاء عىل صيغة البيعة شكليا‪ ،‬إذ حلت العصبية‬ ‫•‬
‫محل التدين والعلم‪.‬‬
‫واعتمد الخلفاء عىل األساليب السياسية كالغدر والوقيعة والبطش واإلرشاء لضمان البيعة‪ .‬بل لم يتورع‬ ‫•‬
‫بنو أمية عن التخلص من مخالفيهم الذين لم يبايعوا سواء عن طريق الحرب أو عن طريق الحيلة‪ .‬إذ كان معاوية‬
‫يتخلص من خصومه بدس السم ن يف العسل ثم يتشدق بقوله ‪( :‬إن هلل جندا من عسل) !!‬

‫العباس‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬‫ي‬
‫ن‬
‫العباسيي من آل بيت الرسول‪.‬‬ ‫ائ الذي اتخذ مسحة مقدسة؛ باعتبار‬ ‫استمر الحكم الور ر‬ ‫•‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫الفارس يف نظمها ورسومها‪ .‬فقد استمرت والية العهد الموروثة عن العرص‬
‫ي‬ ‫كما تطبعت الخالفة بالطابع‬ ‫•‬
‫ر‬
‫األموي‪ ،‬وجرى إسنادها ألكي من واحد من أبناء الخلفاء واحتجب الخليفة عن الرعية إظهارا للهيبة والجالل‪.‬‬
‫وتعقدت نظم البالط ورسوم السلطة بحيث جمع الخليفة ن يف يده كافة السلطات واتخذ الحكم طابعا‬ ‫•‬
‫مركزيا رصفا‪.‬‬

‫وف العرص العباس ن‬


‫الثائ‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫تعيي‬ ‫استمرت قاعدة الوراثة ‪ -‬رغم تطاول العسكر الذين أهدروا رسوم الخالفة ‪ -‬فكانوا يتحكمون ن يف‬ ‫•‬
‫األعي وجدع األنوف وقطع األذان لتبطل خالفتهم‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الخلفاء وعزلهم‪ .‬وكثيا ما اعتدوا عىل الخلفاء بالقتل وسمل‬
‫بي كافة السلطات السياسية‬ ‫وابتدع العسكر منصبا جديدا هو (إمرة األمراء) بمقتضاه يجمع صاحبه ن‬ ‫•‬
‫واإلدارية والعسكرية‪.‬‬

‫ن‬
‫بن بويه‪:‬‬ ‫ن‬
‫وف زمن ي‬
‫ي‬

‫أبق عىل الخالفة العباسية السنية نظريا بعد أن جردت من صالحياتها؛ وآلت تلك الصالحيات إىل‬ ‫•‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫السالطي البوي هيي الشيعة‪.‬‬
‫السالطي ألقابا تفخيمية مثل (شاهنشاه) أي ملك الملوك‪ .‬ن‬
‫ورصبوا أسماءهم عىل‬ ‫ن‬ ‫وقد اتخذ هؤالء‬ ‫•‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫السكة وخطب لهم عىل المنابر‪ ،‬وقرعت الطبول يف بالطاتهم خمس مرات يف اليوم‪.‬‬

‫ن يف عرص السالجقة‪:‬‬
‫الست‪.‬‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫ضعفت الخالفة العباسية ن يف عرص السالجقة رغم اعتناق األخيين المذهب‬ ‫•‬
‫السلجوف صاحب الحول والطول بعد أن عجز الخلفاء عن اسيداد هيبتهم‪ .‬وظل‬
‫ي‬ ‫وأصبح السلطان‬ ‫•‬
‫المغوىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫الحال عىل هذا المنوال حت سقطت الخالفة العباسية سنة ‪٦٥٦‬ـه عىل إثر الغزو‬

‫ن يف عرص المماليك‪:‬‬
‫عول المماليك عىل إحياء الخالفة العباسية السنية نف القاهرة ك يكسبوا حكمهم صفة ر‬
‫الشعية‪ .‬عىل أن‬ ‫•‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫العباس يف ظل السلطنة المملوكية لم يمارس سلطاته البتة فلم يعد له من صالحيات إال المشاركة‬
‫ي‬ ‫الخليفة‬
‫ن‬
‫الشكلية يف االحتفاالت الرسمية‪.‬‬

‫الصفحة | ‪28‬‬
‫ن‬
‫العثمائ‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬
‫ي‬
‫اإلسالم‪ ،‬وظل الحال عىل‬ ‫لتيير سيطرتهم الفعلية عىل معظم أرجاء العالم‬
‫بي السلطنة والخالفة؛ ر‬ ‫السالطي ن‬
‫ن‬ ‫• جمع‬
‫ي‬
‫ن‬
‫هذا المنوال حت ألع كمال أتاتورك نظام الخالفة نهائيا سنة ‪١٩٢٤‬م‪.‬‬

‫ن‬
‫المسلمي بالبيعة الخليفة واحد؛ فإن هذا االعتقاد‬ ‫اإلسالم بأشه نظرا العتقاد‬ ‫ن‬
‫تعت حكم العالم‬
‫ي‬ ‫وإذا كانت الخالفة ي‬
‫كان قد بطل بصورة عملية عىل إثر ما جرى من تجزئة الخالفة اإلسالمية بعد أن أعلنت الخالفة الفاطمية سنة‬
‫‪٢٩٧‬ـه والخالفة األموية باألندلس سنة ‪٣١٦‬ـه‪.‬‬

‫العباس األول أعلنوا أنفسهم‬


‫ي‬ ‫ومعلوم أن بعض أمراء االستيالء الذين انسلخوا عن الخالفة العباسية إبان العرص‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الت قامت يف بالد المغرب يف القرن ي‬
‫الثائ الهجري اتخذ أمراؤها ألقاب اإلمامة ولم يعيفوا‬ ‫(أئمة)‪ .‬فدول الخوارج ي‬
‫ن‬
‫بت العباس‪.‬‬
‫بخالفة ي‬
‫ن‬
‫العلويي بالمغرب األقىص؛ فلم يعيفوا إال بأئمة حكامهم من الزيدية‪ .‬وكان‬ ‫وعىل نفس الدرب سار أمراء األدارسة‬
‫اإلسالم تحت خالفة تدين بمذاهبهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫هؤالء األمراء المستقلون يطمحون إىل تحقيق وحدة العالم‬

‫ن‬
‫الثائ الهجري‪ .‬لكن استمرارها ‪-‬‬ ‫ن‬
‫يعت أن مصي الخالفة اإلسالمية آل إىل الضعف منذ القرن ي‬ ‫وهذا ي‬
‫برصورة وجودها كنظام‪ .‬وال تزال هذه الجماهي تتطلع ن يف‬ ‫المسلمي ن‬
‫ن‬ ‫رهي اعتقاد جماهي‬‫ن‬ ‫شكليا ‪ -‬كان‬
‫ن‬
‫الوقت الحارص إىل إحياء نظام الخالفة؛ انطالقا من رغبة وطموح إىل إعادة وحدة (دار اإلسالم)‪.‬‬
‫‪ -2‬الوزارة والحجابة‪:‬‬

‫تعت (المساعدة) انطالقا مما ورد ن يف القرآن الكريم بما يفيد‬ ‫ي‬
‫اشتق هذا النظام من كلمة (المؤازرة) الت ن‬
‫ي‬
‫ْ ُ ْ‬
‫ج‪ ،‬اشدد ِب ِه‬ ‫ون َأ ن‬
‫َُ َ‬
‫ر‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬‫ىل‬
‫ً ْ َْ‬
‫ه‬‫أ‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ا‬
‫وزير‬ ‫ىل‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫المعت‪ .‬قال تعاىل عىل لسان موس عليه السالم‪ْ ( :‬‬
‫واج َ‬ ‫ن‬ ‫هذا‬
‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َْ‬
‫أز ِرى)‪.‬‬

‫يىل منصب الخالفة ‪ -‬عربيا إسالميا أم‬ ‫ن‬


‫وتختلف كتب األحكام السلطانية يف تقرير ما إذا كان هذا المنصب ‪-‬الذي ي‬
‫الت ورثتها (دار اإلسالم)‪.‬‬
‫مأخوذا عن النظم األخرى ي‬
‫ن‬
‫ونحن نرى أن المنصب بصورة رسمية لم يظهر إال زمن العباسيي؛ لكنه من الناحية العملية كان موجودا منذ‬
‫ن‬ ‫كأئ بكر وعمر‬
‫يعاونون الرسول يف بعض األمور ي‬
‫الت يعهد إليهم‬
‫ن‬ ‫عهد الرسول‪ ،‬حيث كان بعض الصحابة ر ي‬
‫ر‬
‫الشء يقال عن‬‫شاد بمشوراتهم ونصائحهم يف الكثي من المسائل الدنيوية‪ .‬ونفس ي‬ ‫ن‬
‫بتنفيذها‪ .‬هذا فضال عن االسي‬
‫أئ طالب وعثمان بن عفان بمثابة نصحاء‬ ‫للثائ ناصحا ومشيا‪ .‬وبالمثل كان ي‬
‫عىل بن ر ي‬ ‫ي‬ ‫أئ بكر؛ فكان األول‬
‫عمر إزاء ر ي‬
‫العمر ومنفذين ألوامره فيما كان يوكل إليهم من أمور‪.‬‬
‫ن‬
‫وف العرص األموي استمرت ذات الظاهرة‪ .‬فلم تكن الوزارة (خطة) رسمية ثابتة برغم ما قيل من أن زياد بن أبيه‬ ‫ي‬
‫كان وزيرا لمعاوية‪.‬‬
‫ن‬
‫رسم أخذ عن الفرس مع ظهور العباسيي‪ .‬فقد عول بنو العباس عىل اتخاذ وزراء‬ ‫إذ الثابت أن الوزارة كمنصب‬
‫ي‬
‫أئ سلمة الخالل كوزير (آلل محمد) إبان مرحلة الدعوة العباسية‪.‬‬ ‫حت قبل وصولهم إىل الحكم‪ .‬فتسمع عن ر ي‬
‫ن‬
‫العباسيي إىل الخالفة استعانوا بوزراء أكفاء من الفرس والعرب عىل السواء‪.‬‬ ‫وبعد وصول‬

‫الصفحة | ‪29‬‬
‫ن‬
‫وبن سهل‪.‬‬
‫اليامكة ي‬‫العباس األول‪ :‬ر‬
‫ي‬ ‫‪ o‬وزراء من الفرس ن يف العرص‬
‫‪ o‬ومن العرب اشتهر‪ :‬الفضل بن الربيع كوزير للرشيد‪.‬‬

‫ن‬
‫نوعي من الوزارة؛ (وزارة التفويض) و(وزارة التنفيذ)‪:‬‬ ‫مي الماوردي ن‬
‫بي‬ ‫وقد ن‬
‫يتمي بالسلطات الواسعة للوزير الذي يفوضه الخليفة الترصف ن يف كبار المهام اإلدارية والعسكرية‬ ‫ن‬ ‫✓ والنوع األول‬
‫عنق إليك‪،‬‬ ‫الرعية وأخرجته من ي‬ ‫مك‪( :‬قلدتك أمر‬
‫الي ي‬‫والسياسية والمالية‪ .‬مصداق ذلك قول الرشيد لوزيره يحت ر‬
‫ن‬
‫فاحكم ن يف ذلك بما ترى من الصواب واستعمل من رأيت واعزل من رأيت وامض يف األمور عىل ما ترى)‪ .‬ولعل‬
‫بت سهل ن يف عهد المأمون كان من وراء نكبتهم جميعا‪.‬‬ ‫ي‬
‫اليامكة نف عهد الرشيد ووزراء ن‬
‫ي‬ ‫استبداد الوزراء ر‬
‫يعهد الخليفة إىل الوزير بتنفيذ أوامره نف أمر من أمور الجيش أو المال أو اإلدارة‪ .‬وفن‬ ‫فتعت أن‬ ‫ن‬ ‫✓ أما (وزارة التنفيذ)‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الت نيط بها‪ ،‬وال يحق له الترصف من تلقاء نفسه‪.‬‬ ‫سلطات الوزير محدودة ومقيدة بالمهمة ي‬ ‫هذه الحال تكون‬
‫ن‬
‫ببت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الت ادع حكامها اإلمامة؛ إذ عينوا الوزراء يف إماراتهم تشبها ي‬ ‫المستقلة ي‬
‫ن‬
‫وقد ظهر منصب الوزارة يف اإلمارات‬
‫ن‬
‫العباس‪ .‬مصداق ذلك وجود منصب الوزارة يف دول الرستميي واألدارسة وأمراء األندلس بعد أن استقلوا تماما‬
‫عن الخالفة‪.‬‬
‫وقد عرف الوزراء يف األندلس باسم (الحجاب)‪ .‬وقد ازداد نفوذهم حن سلبوا الخالفة صالحياتها إبان عرص‬‫ن‬
‫(الحجابة العامرية)‪.‬‬

‫الثائ؛ لضعف الخلفاء واعتماد قواد العسكر عىل الوزراء‬ ‫وقد ازداد نفوذ الوزراء نف أوائل العرص العباس ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫خيتهم ن يف السياسة والحكم‪.‬‬ ‫لتسيي أمور الدولة نتيجة عجزهم اإلداري وقلة ر‬
‫توىل الوزارة ن يف هذا العرص إىل حد التنافس من أجل الجاه والنفوذ بدفع الرشاوي‬ ‫وقد بلغ التهافت عىل ن ي‬
‫والهبات القادة العسكر يف سامرا‪.‬‬
‫عىل بن عيىس وحامد بن العباس وابن مقلة الذين لم يسلموا من بطش قادة‬
‫ن‬ ‫‪ o‬ومن أهم وزراء هذا العرص‪ :‬ي‬
‫العسكر خصوصا بعد ظهور منصب (إمرة األمراء)‪ .‬ذلك أن (أمي األمراء) جمع يف يده سلطة الخلفاء والوزراء‬
‫معا‪.‬‬
‫وعىل ذلك أصبحت الوزارة نف أواخر هذا العرص نكبة تحمل عىل من يتوالها؛ إذ انحرصت مهمة الوزير فن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫إشباع نهم (أمي األمراء) ن يف الحصول عىل األموال‪ .‬وكثيا ما صودر الوزراء وقتلوا وسجنوا وقطعت أطرافهم‬
‫لعجزهم عن الوفاء بمطالب قادة العسكر‪ .‬وعىل ذلك حرص وزراء هذا العرص ‪ -‬دفاعا عن حياتهم ‪ -‬عىل إشباع‬
‫وف ذلك صدق أحد الشعراء ن‬
‫حي قال عن أحد وزراء األتراك‪:‬‬ ‫ن‬
‫نهم قادة العسكر عىل حساب الرعية‪ .‬ي‬
‫وزير ال يحل من الرق اع يوىل ثم يعزل بعد ساعة‬
‫ويدئ من تعجل منه م ال وبعد من توسل بالشفاعة‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫ن‬
‫فأحىط القوم أوفرهم بضاعة‬ ‫إذا أه ل الرش ا صاروا إلي ه‬

‫اسيد منصب الوزارة مكانته نف ظل البوي ن‬


‫هيي‪ .‬إذ حرص األخيون عىل اختيار وزرائهم ممن أوتوا مكانة علمية‬ ‫ي‬
‫ومقدرة إدارية‪.‬‬
‫‪ o‬ومن أشهر وزراء هذا العرص‪ :‬ابن العميد والصاحب إسماعيل بن عباد اللذان حرصا عىل إقرار العدالة وإدارة‬
‫أمور الدولة باقتدار‪.‬‬

‫السلجوف حيث تعاظم نفوذ الوزراء إىل حد التدخل ن يف اختيار‬


‫ي‬ ‫واستمر الحال عىل هذا المنوال ن يف العرص‬
‫ن‬
‫السالطي‪.‬‬

‫الصفحة | ‪30‬‬
‫ن‬
‫أوئ حصانة سياسية يشهد له بها كتابه المشهور‬ ‫وقد لمع يف هذا العرص الوزير المشهور‪( :‬نظام الملك) الذي ي‬ ‫‪o‬‬
‫(سياسة نامة)‪.‬‬
‫ن‬
‫خية إدارية فذة كانت من وراء عظمة دولة السالجقة يف عهدي ألب اسالن وملكشاه‪ .‬هذا باإلضافة‬ ‫فضال عن ر‬ ‫‪o‬‬
‫ن‬
‫الست‪.‬‬ ‫ن‬
‫الثقاف الهام حي أنشأ (المدارس النظامية) المشهورة ليوي ج المذهب األشعري‬ ‫ن‬ ‫إىل دوره‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫كذلك عرف الوزير ابن هبية بالعلم والتأليف والشعر فضال عن براعته يف تدبي أمور الدولة وضبط شؤون‬ ‫‪o‬‬
‫السلطنة‪.‬‬
‫القاشائ بالتواضع الجم‪ ،‬وحسبه أن الحريري صنف له (المقامات)‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫كما عرف الوزير أبو رسوان خالد بن‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫العلقم‬
‫ي‬ ‫العباس انعكس أثره عىل الوزراء‪ .‬وحسبنا ما روي عن الوزير الخائن ابن‬
‫ي‬ ‫ولما عم الفساد أواخر العرص‬ ‫‪o‬‬
‫الذي تعاون مع المغول ن يف غزو بغداد‪.‬‬

‫‪#‬ادرس_لألقىص‪#‬‬
‫ن‬
‫الفاطميي األوائل عىل حساب الوزراء الذين كانوا فقط أشبه بوزراء‬ ‫وف الدولة الفاطمية تعاظم نفوذ الخلفاء‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫ن‬
‫نوعي‪( :‬وزارة السيف)‬ ‫تفي الفاطميون ن يف إضفاء الرسوم الجديدة عىل منصب الوزارة إذ قسموها إىل‬
‫تنفيذ‪ .‬وقد ن ن‬
‫و(وزارة القلم)‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫‪ o‬ومن الوزراء من توىل المنصبي معا فعرف‪( :‬بذي الرياستي) السيف والقلم كناية عن الجمع بي السلطات‬
‫العسكرية والمدنية‪.‬‬
‫ن‬
‫الثائ برز نفوذ الوزراء حت أطلق المؤرخون عىل هذا العرص اسم (عرص الوزراء‬ ‫ن‬
‫الفاطم ي‬
‫ي‬ ‫وحي ضعف خلفاء العرص‬
‫العظام)‪.‬‬
‫ن‬
‫الجماىل وابنه األفضل اللذان هيمنا عىل مصائر الدولة وتحكما يف تنصيب الخلفاء‪.‬‬ ‫‪ o‬ومن أشهرهم الوزير‪ :‬بدر‬
‫ي‬
‫ن‬
‫‪ o‬وجدير بالذكر أن وزراء من (أهل الذمة) تقلدوا هذا المنصب لما عرف عن الفاطميي من تسامح‪ ،‬منهم عيىس بن‬
‫نسطورس ويعقوب بن كلس وعسلوج بن الحسن‪.‬‬

‫الثائ من أن بعضهم كان يجمع الخراج لنفسه‪ ،‬والبعض اآلخر تدخل‬ ‫ن‬
‫الفاطم ي‬
‫ي‬ ‫وليس أدل عىل تطاول وزراء العرص‬
‫ن يف تقليد الخلفاء وعزلهم‪.‬‬
‫وكان سقوط الخالفة الفاطمية نف النهاية مرتبطا بالرصاع ن‬
‫بي الوزراء‪ .‬فنعلم أن الوزير‪ :‬شاور استعان بأتابكة‬ ‫ي‬
‫بالصليبيي ن يف الشام‪ .‬وانته الحال بقدوم حملة أسد الدين شيكوه‬
‫ن‬ ‫الموصل ضد منافسة نضغام الذي استعان‬
‫الت أسفرت أخيا عن سقوط الخالفة الفاطمية وظهور الدولة األيوبية‪.‬‬ ‫ي‬

‫المملوك‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬
‫ي‬
‫▪ ذوى نفوذ الوزراء البتكار منصب جديد هو (نائب السلطان) حجب منصب الوزير‪.‬‬
‫قىص عىل الوزارة ن يف النهاية‪.‬‬
‫▪ كما ظهر منصب آخر هو (ناظر الخاصة) الذي ن‬
‫وف ذلك يقول ابن خلدون‪( :‬جاءت دولة اليك بمرص فرأوا أن الوزارة قد ابتذلت بيفع أولئك عنها فصارت مرؤوسة‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫ناقصة‪ ،‬فاستنكف أهل هذه الرتبة العالية ن يف الدولة عن اسم الوزارة‪.).....‬‬

‫الصفحة | ‪31‬‬
‫ن‬
‫اإلسالم؛ فقد عرف المنصب يف بالد المغرب منذ ظهور الدول المستقلة وبلغ أوجه ن يف ظل‬
‫ي‬ ‫أما ن يف الغرب‬
‫ن‬
‫ابطي والموحدين‪.‬‬ ‫المر‬

‫وف األندلس سم الوزير ن يف البداية (بالحاجب)‪ .‬لكن هذا المنصب األخي أصبح يقصد به (رئيس الوزراء)‪.‬‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫للييد وثالث للنظر ن يف‬ ‫أما الوزراء فقد نيطوا بمهام محددة ه مهام (الكتاب) نف ر‬
‫المشق‪ .‬فوجد وزير للمالية وآخر ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أمور الثغور وهلم جرا‪.‬‬
‫وف ظل أمراء الطوائف صار اسم (الوزير)‪ ،‬يطلق عىل كل من يجالس األمراء‪ .‬أما من ينوب عن األمي فقد عرف‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫باسم (ذي الوز ن‬
‫ارتي)‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫بت زيري يف غرناطة الذي زاد‬ ‫وقد توىل اليهود منصب الوزارة يف هذا العرص‪ .‬ومن أشهرهم يوسف بن نغرالة وزير ي‬
‫نفوذه إىل حد التطاول عىل اإلسالم‪.‬‬

‫ن‬
‫يتقاض من الدولة راتبا عاليا يبلغ مائة ألف دينار‬ ‫تىل الخالفة مكانة‪ .‬وحسبنا أن الوزير كان‬
‫هكذا كانت خطة الوزارة ي‬
‫فضال عن رواتب تخصص ألوالده وإخوته‪ .‬هذا فضال عن الضياع والعقار‪ ،‬والجاه والنفوذ والسلطان‪.‬‬

‫‪ -3‬الكتابة‪:‬‬
‫ُعرف من ر‬
‫يشف عىل الدواوين باسم الكتاب‪.‬‬

‫‪ -1‬ابتداء من عهد عمر بن الخطاب الذي كان أول من دون الدواوين‪ .‬وقد اتفق الدارسون عىل أن عمر‬
‫ه‪:‬‬‫أسس دواوين خمسة ي‬
‫وديوان القضاء‪.‬‬ ‫وديوان ر‬
‫الشطة‬ ‫وديوان الجند‬ ‫وديوان الخراج‬ ‫ديوان الرسائل‬

‫أضق عليها الطابع اإلسالم ن‬


‫حي‬ ‫واتفقوا أيضا عىل أنه استفاد نف هذا الصدد بالنظم الفارسية‪ ،‬وإن ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫لالبياز إىل مؤسسات اإلقرار العدالة‪ .‬وبالمثل استمر العمل يف الدواوين يجري باللغات‬ ‫حولها من نظام‬
‫المحلية‪:‬‬

‫‪ o‬الفارسية ن يف إيران والعراق‬


‫‪ o‬واليونانية ن يف الشام‬
‫‪ o‬والقبطية ن يف مرص‪.‬‬
‫ن‬
‫وف عهد عبد الملك بن مروان جرى تعريب الدواوين؛ إذا اشيط عىل الكتاب من أهل الذمة نرصورة‬ ‫ي‬ ‫‪-2‬‬
‫تعلم العربية من أجل االحتفاظ بمناصبهم‪.‬‬
‫العباس تعقدت نظم الدواوين‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬ ‫ي‬ ‫‪-3‬‬
‫فكان هناك دواوين مركزية ن يف بغداد لها فروعها ن يف الواليات‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫وكي عدد الكتاب الذين كانوا ن يف الغالب من الفرس‪.‬‬ ‫ر‬ ‫‪o‬‬
‫تميهم‪.‬‬ ‫وكان لهم مالبس وشارات ورسوم خاصة ن‬ ‫‪o‬‬
‫وف هذا العرص ابتكر أسلوب الكتابة الديوانية الذي وضع أصوله عبد الحميد الكاتب وبلغ أوجه عىل‬ ‫ن‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬
‫بن بويه‪.‬‬ ‫ن‬
‫يد ابن العميد وزير ي‬

‫الصفحة | ‪32‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الواسىط‬
‫ي‬ ‫فق مرص الطولونية اشتهر الكاتب أحمد بن محمد‬ ‫وقد تعاظم منصب الكاتب يف الواليات‪ .‬ي‬ ‫‪-4‬‬
‫الذي كان يضطلع بمهام كثية؛ فكان (كاتب الش) البن طولون أي (سكرتيه الخاص) وفق مصطلح‬
‫العرص الحديث‪ .‬كما اتخذ ابن طولون كاتبا لإلنشاء والمراسالت ومهمته تحرير الكتب والرسائل ي‬
‫الت‬
‫يرسلها األمي‪.‬‬
‫تىل الوزارة ن يف الرتبة‪.‬‬ ‫ن‬
‫الفاطم كانت مرتبة الكتابة ي‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬ ‫ي‬ ‫‪-5‬‬
‫القضاع الذي صار من كتاب البالط‪.‬‬ ‫وبي كتاب هذا العرص اشتهر‬ ‫ن‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬
‫كذلك اشتهر ابن منجب الصي ن يف الذي كان مؤرخا مشهورا‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫القاض الفاضل يف مرص األيوبية‪ .‬وقد خلف الكثي من الرسائل ي‬
‫الت نمتاز بسالمة األسلوب‬ ‫ي‬ ‫ونبغ‬ ‫‪-6‬‬
‫وحسن الصنعة‪.‬‬
‫المملوك كان كاتب الش يقوم بمهام (وزير الخارجية) ن يف العرص الحديث؛ إذ كانت ترد إليه‬ ‫ي‬ ‫وف العرص‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫‪-7‬‬
‫حرصة‬‫كافة المكاتبات من جميع أنحاء الدولة فضال عن الكتب األجنبية الت كان يتوىل الرد عليها نف ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫السالطي‪.‬‬
‫المشقية‪ .‬وقد ظهر‬‫ميلة الكتاب نف الغرب اإلسالم الذي اقتبس الكثي من النظم ر‬ ‫وبديه أن تزداد ن ن‬ ‫‪-8‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ذلك واضحا يف دول الرستميي واألغالبة واألدارسة والمرابطي والموحدين‪.‬‬ ‫ن‬

‫بي الحكام نف ن‬
‫حارصة الدولة ن‬
‫وبي أمراء الواليات‪.‬‬ ‫ميلة جليلة نظرا لدوره نف إحكام االتصال ن‬
‫بلغ (ديوان الرسائل) ن ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وقد عرف نظام الياسل منذ عهد الرسول ﷺ حيث أنفذ كتبه إىل ملوك الدول المجاورة‪ ،‬يدعوهم إىل اإلسالم‪.‬‬
‫ن‬
‫الييد يلم باللغات األجنبية ويتمرس بأساليب البالغة العربية‪.‬‬
‫وف العرص األموي كان صاحب ر‬
‫ي‬

‫وقد عرف ديوان اإلنشاء كذلك باسم )ديوان‬


‫اختص (ديوان الجند) باألمور العسكرية‬ ‫الخاتم( ألن الرسائل كانت تختم بخاتم الخليفة‬
‫ن‬
‫وتحفظ نسخ منها يف الديوان‬

‫(ديوان الخراج) كان يتكفل بأمور الجباية‬

‫الييد كان نظاما رسميا أي أنه لم يكرس إال للمراسالت الداخلية والخارجية ن‬
‫بي الحكام‬ ‫والواقع أن نظام ر‬ ‫▪‬
‫الييد من أهل الثقة والكفاءة‪ .‬كما أقاموا محطات‬
‫والوالة‪ .‬وقد اهتم به الخلفاء فكانوا يختارون صاحب ر‬
‫الييد عىل طول الطرق وزودها بالدواب والمؤن وسائر وسائل الراحة‪.‬‬ ‫ر‬
‫هيي والفاطميين‬‫وقد جرى استخدام الحمام الزاجل نف نقل الرسائل خاصة عند الشيعة البوي ن‬ ‫▪‬
‫ي‬
‫والقرامطة‪.‬‬
‫كما استخدمت المنائر لنقل الرسائل عن طريق (الشفرة)‬ ‫▪‬
‫ن‬
‫الييد بمهمة التجسس عىل الوالة والعمال ومراقبة سي األمور يف الواليات‪.‬‬‫وقد نيط صاحب ر‬ ‫▪‬

‫الصفحة | ‪33‬‬
‫وقد تعاظم دور (طبقة الكتاب) ألنها كانت تحتكر مناصبها وتورثها أبناءها‪ .‬وال غرو فقد ن‬
‫تقاض الكتاب‬
‫ي‬
‫الت حازوها‪ .‬ومنهم من اشتغل بالتجارة عن طريق الوكالء‪.‬‬
‫رواتب عالية فضال عن اإلقطاعات ي‬
‫الت لعبت دورا موجها طوال عصور‬ ‫لذلك َ‬
‫اعتي المؤرخ (هاملتون جب) طبقة الكتاب أهم الطبقات ي‬ ‫ر‬
‫لشء إال أنها كانت واسطة ن‬
‫بي السلطة والرعية؛ األمر الذي أكسبها نفوذا سياسيا‬ ‫ر‬
‫اإلسالم؛ ال ي‬
‫ي‬ ‫التاري خ‬
‫ومكانة اجتماعية وتأثيا ثقافيا وفكريا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النظام اإلداري‬
‫إمياطورية ضمت أمالك الفرس ن يف إيران والعراق كما‬ ‫ن‬
‫أئ بكر وعمر يف تأسيس ر‬ ‫خالفت ر ي‬
‫ي‬ ‫نجح العرب إبان‬
‫االمياطورية رشقا لتضم اليكستان‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫وف العرص األموي اتسعت ر‬ ‫انيعوا الشام ومرص من البينطيي‪ .‬ي‬
‫وبعض أقاليم الهند‪ ،‬كما ضمت بالد المغرب واألندلس غربا‪.‬‬

‫االمياطورية ن يف خالفة عمر بن الخطاب الذي اسيشد بتجربة حكومة‬ ‫وقد بدأ التنظيم اإلداري لهذه ر‬
‫ن‬
‫وعي عىل أقاليم شبه الجزيرة العربية والة من شيوخ‬ ‫الرسول ﷺ ن يف المدينة حينها اتخذها عاصمة‬
‫القبائل طالما اعتنقوا اإلسالم‪.‬‬
‫ن‬
‫ويرى بعض الدارسي أن دولة الرسول ﷺ كانت دولة (كونفدرالية)‪ ،‬تمتع والتها باستقالل ي‬
‫ذائ مع‬
‫االعياف بسيادة حكومة المدينة‪.‬‬

‫▪ لكن بعد اتساع (دار اإلسالم) ن يف عهد عمر؛ جدت معطيات استوجبت تقديم حلول إلدارة دولة‬
‫ميامية األطراف‪ .‬وقد عرف عمر باالجتهاد ن يف إيجاد حلول لتلك المشكالت الجديدة‪ .‬ولم يجد مناصا‬
‫تشيعات ناجحة‬ ‫اسي ر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫والبينطية بعد أن أعطاها لبوسا إسالميا‪ .‬إذ‬ ‫من اإلفادة من النظم الفارسية‬
‫إلدارة (دار اإلسالم) تمكن بفضلها من تنظيم شؤونها‪.‬‬
‫ن‬
‫والبينطية؛ فإنه‬ ‫الخية الفارسية‬
‫وإذا كان عمر ‪ -‬كما عرفنا من قبل ‪ -‬أول من دون الدواوين مفيدا من ر‬
‫لم يجد غضاضة ن يف اإلبقاء عىل التقسيمات اإلدارية القائمة‪:‬‬

‫‪ o‬إذ جعل (الكور) أساس التنظيم اإلداري ن يف مرص‬


‫‪ o‬كما جعل (الرساتيق) عصب التقسيم اإلداري ن يف فارس والعراق‪.‬‬
‫نىط‪.‬‬ ‫ن‬
‫‪ o‬أما الشام فكان يخضع لنظام (األجناد) نظرا لقربه من الخطر البي ي‬
‫عي عىل كل قسم إداري واليا من قبله‪ .‬وقد حرص عمر عىل اختيارهم ممن عرفوا باالجتهاد والرأي‪.‬‬ ‫و ن‬
‫بي الرعية وضمان حقوق الدولة ن يف آن‪.‬‬ ‫تشيعاته الت استهدفت تحقيق العدل ن‬
‫ي‬
‫وأسند إليهم تنفيذ ر‬
‫يحىص أموالهم قبل الوالية ويصادر ما استجد عليها‬‫ي‬ ‫وأثر عن عمر محاسبة عماله حسابا عسيا؛ فكان‬
‫إبان واليتهم‪.‬‬
‫ه‪:‬‬‫الواىل ي‬
‫ي‬ ‫كانت مهمة األمي أو‬
‫ن‬
‫الديت للحكم‬
‫ي‬ ‫المسلمي ن يف الصالة كدليل عىل الطابع‬
‫ن‬ ‫‪ o‬إمامة‬

‫الصفحة | ‪34‬‬
‫ن‬
‫المتخاصمي‪.‬‬ ‫‪ o‬والقضاء ن‬
‫بي‬
‫وف عهد عمر نيط الوالة بمهام أخرى كقيادة الجيوش وإنفاذ األموال السنوية إىل المدينة ن‬
‫حارصة‬ ‫ن‬
‫‪ o‬ي‬
‫الخالفة‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫ن‬
‫بلغت األقسام اإلدارية يف الدولة اإلسالمية إبان عهد عمر ثمانية أقسام‪ .‬ي‬
‫ن‬
‫وفلسطي‪.‬‬ ‫مكة والمدينة والشام والجزيرة والبرصة والكوفة ومرص‬
‫وكان لكل أمي مقر دائم عرف باسم (دار اإلمارة) ويخضع لنفوذه عدد من العمال يتولون إدارة عماالت‬
‫الوالية‪.‬‬

‫ن‬
‫واألمويي‪ .‬وقد ازدادت أعدادهم‬ ‫وجدير بالذكر أن كافة الوالة كانوا من العرب طوال عرص الراشدين‬
‫ن يف خالفة عثمان نظرا لفتح أقاليم جديدة مثل أذربيجان‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫ن‬
‫ولما اتسعت (دار اإلسالم) يف العرص األموي؛ قسمت الدولة إىل عدد من الواليات ي‬
‫الوالية األوىل وتشمل الحجاز واليمن وأواسط بالد العرب‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الوالية الثانية وتشمل مرص والنوبة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أما الثالثة فقد ضمت العراق وعمان والبحرين وكرمان و سجستان وکابل وخراسان وبالد ما وراء النهر‬ ‫‪-3‬‬
‫النواج‪.‬‬
‫ي‬ ‫الواىل يقيم ن يف الكوفة ويبعث عماله عىل شت هذه‬
‫ي‬ ‫والسند‪ .‬وكان‬
‫نواج آسيا الصغرى‪.‬‬
‫ي‬ ‫وضمت الوالية الرابعة بالد الجزيرة وتتبعها أرمينية وأذربيجان وبعض‬ ‫‪-4‬‬
‫فه إفريقية وتشمل سائر بالد المغرب واألندلس‪ .‬وكانت تتبع ي‬
‫واىل مرص أوال ثم‬ ‫أما الوالية الخامسة ي‬ ‫‪-5‬‬
‫انسلخت عنه وأصبحت مستقلة بذاتها‪ .‬كما انسلخت األندلس بعد ذلك أيضا عن والية افريقية بعد‬
‫أن كانت عمالة تابعة لها‪.‬‬
‫ن‬
‫شماىل افريقية واألندلس‬
‫ي‬ ‫العباس تقلصت أعداد هذه الواليات بعد أن استقلت معظم بالد‬ ‫ي‬ ‫وف العرص‬
‫ي‬
‫عن نفوذ بغداد‪.‬‬

‫ن‬
‫نوعي‪:‬‬ ‫ن‬
‫▪ قسم الماوردي (اإلمارة) يف اإلسالم إىل‬
‫‪ -1‬النوع األول‪ :‬هو (إمارة االستكفاء) وه الت تخضع لنفوذ الخالفة ر‬
‫مباشة وبمقتضاها ن‬
‫يعي الخليفة‬ ‫ي ي‬
‫الوالة‪ .‬وله حق عزلهم إذا شاء‪.‬‬
‫ومن مظاهر سيادة الخالفة عىل (أمراء االستكفاء)‪:‬‬

‫‪ o‬نرصب أسماء الخلفاء عىل السكة‬


‫‪ o‬وذكر أسمائهم ن يف الخطبة‪.‬‬
‫‪ o‬فضال عن قيام األمي بإرسال األموال السنوية إىل الخليفة‪.‬‬

‫الصفحة | ‪35‬‬
‫النوع ن‬
‫الثائ‪ :‬فيعرف باسم (إمارة االستيالء)‪ ،‬ويشي هذا النوع عىل الواليات ي‬
‫الت استقلت عن‬ ‫ي‬ ‫‪-2‬‬
‫بأدئ رشط من رشوط التبعية‪ .‬مثال ذلك‪:‬‬‫الخالفة قشا ولم ترتبط بها ن‬
‫ن‬
‫واإلخشيديي بمرص‬ ‫ن‬
‫الطولونيي‬ ‫إمارة‬ ‫✓‬
‫ن‬
‫والرستميي بشمال إفريقية‬ ‫وإمارات األدارسة‬ ‫✓‬
‫واإلمارة األموية باألندلس‪.‬‬ ‫✓‬
‫اإلسالم لمقتضيات التغيي حسب اتساع الدولة أو تقلصها‪.‬‬
‫ي‬ ‫هكذا خضع النظام اإلداري ن يف العالم‬
‫وبرغم تأثر هذا النظام بمؤثرات فارسية ن‬
‫وبينطية إال أنه اتخذ طابعا إسالميا خصوصا إبان عهود‬
‫األتقياء من الخلفاء‪.‬‬

‫الماىل‬
‫ي‬ ‫ج ‪ -‬النظام‬
‫اهتم اإلسالم بشؤون المال فطرح مبادئ عامة بصدده‪ .‬كما حدد أحكاما ثابتة ن يف كثي من األحيان‪.‬‬
‫حي وضع دستور المدنية‪ .‬كما اجتهد ن يف تفسي المبادئ العامة‬ ‫ن‬
‫واليم الرسول ﷺ بهذه األحكام ن‬
‫وأصبحت اجتهاداته سنة ن‬
‫اليم بها الخلفاء الراشدون‪.‬‬
‫ن‬
‫القاض‬ ‫واجتهد الفقهاء حول تفصيالت أمور المال وجبايته حسب مقتضيات الحال‪ .‬ولعل ما قام به‬
‫ي‬
‫هامة ن يف هذا الصدد‪ .‬إذ حاول تقديم‬
‫حي كتب كتابه (الخراج) وقدمه للرشيد؛ يعد وثيقة ّ‬
‫أبو يوسف ن‬
‫بي مصالح الدولة ومصالح الرعية‪.‬‬‫أساليب وسبل توفق ن‬

‫اإلسالم‪ .‬لذلك كان (بيت‬ ‫ن‬


‫والبينطية بعد أن أضفوا عليها الطابع‬ ‫كما أفاد الخلفاء من النظم الفارسية‬
‫ي‬
‫بي الموارد المالية ن‬
‫وبي أوجه‬ ‫المسلمي) أشبه ما يكون (بوزارة مالية) مهمتها تحقيق التوازن ن‬
‫ن‬ ‫مال‬
‫اإلنفاق بما يكفل التوازن‪.‬‬
‫يىل‪:‬‬
‫ومن أهم موارد بيت المال ما ي‬
‫الت فتحت صلحا وتركت ن يف أيدي أصحابها؛ عىل‬ ‫ن‬
‫‪ - 1‬الخراج‪ :‬وهو رصيبة تفرض عىل األرض الزراعية ي‬
‫أن يدفعوا عنها لبيت المال خراجا معلوما نقدا أو عينا‪.‬‬
‫ن‬
‫الت‬
‫الت ملكها المسلمون كغنيمة من البالد ي‬ ‫‪ - 2‬عشور األرض ي‬
‫وه رصيبة تفرض عىل األرض الزراعية ي‬
‫بعش المحصول‪.‬‬ ‫الرصيبة قدرت ر‬‫فتحت عنوة‪ .‬وسميت كذلك ألن قيمة هذه ن‬

‫وه نرصيبة تفرض عىل (أهل الذمة)‪ ،‬نظي ضمان حرية االعتقاد وحرمة النفس والمال‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجزية‪ :‬ي‬
‫وكانت موجودة قبل اإلسالم فيما عرف باسم ( نرصيبة الرأس)‪ .‬لكن ن يف ظل اإلسالم اختص أهل الذمة‬
‫ن‬
‫الت كان يدفعها المسلمون‪ .‬وقد قدرها الفقهاء ب ‪ ٤٨‬درهما عىل ي‬
‫الغت و ‪٢٤‬‬ ‫بدفعها بدال من الزكاة ي‬
‫درهما عىل متوسط الحال و ‪ ۱۲‬درهما عىل الفقي‪ .‬وكان ن‬
‫يعق منها الشيوخ والنساء واألطفال ورجال‬
‫الدين‪.‬‬

‫الصفحة | ‪36‬‬
‫َ ٌَ َُ ُ‬
‫‪ - 4‬الزكاة‪ :‬ويدفعها المسلمون فقط تطهيا ألموالهم‪ .‬قال تعاىل ‪( :‬خذ من أموالهم َصدقة تط ِّه ُرهم‬
‫وتزكيم بها)‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ه (تمليك جزء من مال عينه الشارع لمستحقه) بشائط محددة ي‬ ‫والزكاة شعا ي‬
‫الرصيبة عليه ه رب ع ر‬
‫العش‪.‬‬ ‫زكاة النقد من الذهب والفضة ومقدار ن‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬
‫وزكاة السوائم وتفرض عىل اإلبل والغنم والبقر والجاموس‪ .‬وتختلف ن‬
‫الرصيبة باختالف أعدادها‪ .‬وال‬ ‫‪o‬‬
‫الرصيبة عىل الخيل والبغال والحمي إال ن يف حالة المتاجرة بها‪.‬‬
‫تفرض هذه ن‬
‫أما زكاة العروض فتفرض عىل التجارة ومقدارها رب ع ر‬
‫العش‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫الرصيبة هو الخمس‪.‬‬ ‫وتفرض الزكاة كذلك عىل المعادن والركاز ومقدار ن‬ ‫‪o‬‬
‫العش إذا كانت األرض تروى بسهولة سواء بماء المطر أو مياه‬ ‫كما تفرض عىل الزرع والثمار‪ ،‬ومقدارها ر‬ ‫‪o‬‬
‫الرصيبة بنصف ر‬
‫العش‪.‬‬ ‫األنهار‪ .‬أما إذا كانت تسق بالدالء فتحدد ن‬

‫وقد حدد القرآن الكريم أوجه إنفاق أموال الزكاة نف اآلية الكريمة ‪(:‬إنما الصدقا ُت ِل ْل ُف َق َر ِاء َو ْال َم َس ِاك ن‬
‫ي‬‫ِ‬ ‫ْ ي‬
‫َ َ ً ِّ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ َ‬ ‫نَ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ ن ِّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫اَّلل‬
‫يل ف ِريضة من ِ‬ ‫اَّلل واب ِن الس ِب ِ‬
‫يل ِ‬ ‫اب والغا ِر ِمي و ِ يف س ِب ِ‬
‫والع ِام ِلي عليها والمؤلف ِة قلوب هم و ِ يف الرق ِ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫يم )‬ ‫َو َّ ُ‬
‫اَّلل َعل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ن‬
‫الفء والغنيمة‪:‬‬
‫‪ -5‬ي‬
‫بالقء‪ :‬كل ما حازه المسلمون من خصومهم بغي قتال وال إكراه‪.‬‬ ‫ن‬
‫يقصد ي‬ ‫•‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫المسلمي‪.‬‬ ‫وخمس ال ن يقء يقسم أسهما متساوية‪ :‬سهم للرسول ينفق منه عىل نفسه وأزواجه ومصالح‬ ‫‪o‬‬
‫وقد سقط هذا السهم بموته ﷺ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ ْ ْ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل‬
‫وله من أه ِل القرى ف ِ‬ ‫هللا عىل رس ِ‬ ‫أما األربعة أخماس فكانت تقسم وفق اآلية الكريمة ‪( :‬ما أفاء‬ ‫‪o‬‬
‫بي األغنياء منكم وما آتاكم‬ ‫السبيل َك ََّل يكون دولة ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي َو ْابن َّ‬ ‫ول َول ِذي ْال ُق ْر َئ َو ْال َي َت َام َو ْال َم َس ِاك ن‬ ‫َ َّ ُ‬
‫وللرس ِ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫َّ َ َّ َّ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َ َّ ُ‬
‫المعت قال رسول‬ ‫اب) ‪ .‬ي‬
‫وف نفس‬ ‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اَّلل ِإن اَّلل ش ِديد ال ِعق ِ‬
‫هللا ﷺ‪( :‬ما يىل مما أفاء هللا عليكم إال الخمس والخمس مردود عليكم)‪.‬‬
‫فه كل ما أصابه المسلمون عن طريق الحرب‪.‬‬ ‫أما الغنيمة‪ :‬ي‬ ‫•‬
‫ن‬
‫قسمي‪:‬‬ ‫وف هذه الحال تقسم الغنيمة‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫َ َ َّ َّ‬ ‫ر‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ‬
‫َّلل خمسه‬ ‫سء فأن ِ ِ‬ ‫األول‪ :‬ويشمل خْمس الغنيمة ويقسم وفق اآلية الكريمة‪( :‬واعلموا أنما غ ِنمتم من ي‬ ‫‪o‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫والمستكي وابن السبيل)‪.‬‬ ‫ول َو ِل ِذي الق ْر ر َئ واليتام‬ ‫َ َّ ُ‬
‫و ِللرس ِ‬
‫ن‬
‫للفاتحي‪.‬‬ ‫فه ملك‬ ‫أما األربعة أخماس ي‬ ‫‪o‬‬

‫الصفحة | ‪37‬‬
‫‪ - 6‬عشور التجارة‪:‬‬

‫وتفرض عىل تجارة دار الحرب الواردة إىل دار اإلسالم‪ .‬وقد تراوحت هذه ال نرصبية زيادة أو نقصانا‬
‫ن‬
‫مسلمي‪.‬‬ ‫الرصيبة‪ ،‬بينما تزداد ن يف حالة ما إذا كانوا غي‬‫مسلمي تخفض ن‬
‫ن‬ ‫حسب ملة التجار‪ .‬فإذا كانوا‬
‫بالرصيبة الجمركية) ن يف أيامنا هذه‪.‬‬
‫الرصيبة أشبه ما تكون ( ن‬ ‫وهذه ن‬

‫‪ -7‬موارد أخرى يقصد بها‪:‬‬


‫الت ال يعرف لها صاحب‪.‬‬‫وه ي‬
‫‪ o‬أموال اللقطة ي‬
‫‪ o‬كذلك أموال من يموت دون أن يخلف وريثا‪.‬‬
‫الت صالح عليها المسلمون أعداءهم‪.‬‬
‫‪ o‬وأخيا األموال ي‬
‫كل هذه األموال تؤول بحكم ر‬
‫الشع إىل بيت المال‪.‬‬

‫‪#‬ادرس_لألقىص‪#‬‬

‫أما عن أوجه إنفاق هذه األموال؛ فكانت ترصف ن يف الوجوه اآلتية‪:‬‬


‫ن‬
‫الموظفي‪.‬‬ ‫‪ -1‬أرزاق الوالة والعمال والقضاة وسائر‬
‫‪ - 2‬أرزاق الجند وكانت عبارة عن رواتب ثابتة ترصف ن يف أوقات محددة كل عام‪ .‬ومعلوم أن أبا بكر‬
‫بي سائر الجند ن يف العطاء من باب تأليف القلوب بعد حروب الردة‪ .‬أما عمر بن الخطاب فقد‬ ‫سوى ن‬
‫جعل معيار اإلنفاق هو القرابة من الرسول والسابقة ن يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬نفقات مشاري ع الري وشق القنوات وحفر اليع‪.‬‬
‫‪ -4‬النفقة عىل السجون واألشى‪.‬‬
‫‪ -5‬المعدات الحربية‪.‬‬
‫‪ -6‬العطايا‪ ،‬والمنح لألدباء والمفكرين والعلماء‪.‬‬

‫ونشي إىل أن السياسة المالية اختلفت من عرص إىل عرص‪ ،‬بل من خليفة إىل آخر‪:‬‬
‫فق عرص الرسول وأئ بكر وعمر روعيت العدالة عن طريق التمسك ر‬
‫بالشيعة واالجتهاد لصالح‬ ‫ن‬
‫ري‬ ‫• ي‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫الصفحة | ‪38‬‬
‫كي سنه لتحقيق مصالح‬ ‫وف خالفة عثمان بدأ انتهاك ر‬ ‫ن‬
‫الشيعة تحت تأثي آل بيته الذين انتهزوا ر‬ ‫ي‬ ‫•‬
‫خاصة‪.‬‬
‫الشعية وفرضت جبايات جديدة‪.‬‬ ‫الرصائب ر‬ ‫ن‬
‫وازداد األمر سوءا ف العرص األموي حيث ضوعفت ن‬ ‫•‬
‫ي‬
‫وحاول الخليفة عمر بن عبد العزيز وضع حد لهذه المفاسد دون جدوى‪ ،‬إذ بعد موته شعان ما عاد‬
‫الحال كما كان ن يف عهود أسالفه‪.‬‬
‫الشيعة إىل حد كبي؛ فخفضت المغارم والجبايات‪ ،‬وتبنت‬ ‫وف العرص العباس األول روعيت تعاليم ر‬ ‫ن‬ ‫•‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الخالفة سياسة اإلصالح‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الشء يقال عن السياسة الفاطمية يف عرصها األول‪ .‬كذا يف عهود الدول المستقلة ببالد المغرب‬ ‫ر‬
‫ونفس ي‬ ‫•‬
‫واألندلس‪.‬‬
‫لكن غلبة النظم اإلقطاعية العسكرية السلجوقية واأليوبية والمملوكية والمرابطية ارتبط بجور‬ ‫•‬
‫السياسة المالية؛ فكان هم الحكام الحصول عىل المال بأي وجه من الوجوه‪ .‬وقد أدى ذلك إىل تدهور‬
‫األحوال االقتصادية كما سيتضح فيما بعد بالتفصيل‪.‬‬

‫ونختتم الحديث عن النظم المالية بالعملة أو السكة أو النقود اإلسالمية‪.‬‬

‫والبينطية ‪ -‬الدناني‬ ‫ن‬ ‫اإلسالم ظل يتداول النقود الفارسية ‪ -‬الدراهم الفضية ‪-‬‬ ‫فمعلوم أن العالم‬ ‫▪‬
‫ي‬
‫الذهبية ‪ -‬فضال عن الفلوس النحاسية‪.‬‬
‫الرصب)‪ .‬وكان‬ ‫فرصبت نقود إسالمية نف (دار ن‬ ‫وف عهد عبد الملك بن مروان جرى تعريب العملة؛ ن‬ ‫ن‬ ‫▪‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ينقش عليها شعارات الدولة وآيات من القرآن الكريم وأسماء الخلفاء وأولياء العهد فضال عن مكان‬
‫الرصب وتاريخه‪.‬‬‫ن‬
‫وكانت الدولة تتحكم ن يف (عيار) العملة أي نسبة الذهب والفضة فيها‪ .‬وقد حازت العملة اإلسالمية‬ ‫▪‬
‫اإلسالم رشقا وغربا‪.‬‬‫ي‬ ‫معدئ الذهب والفضة ن يف العالم‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫شهرة عالمية نظرا لزيادة عيارها نتيجة توافر‬
‫وارتبطت (الصيفة) و(الجهبذة) بتداول النقود‪ ،‬وكان يشتغل بها أهل الذمة عىل وجه الخصوص حيث‬ ‫▪‬
‫كان يمكن التحويل عند (الجهبذ) من عملة إىل أخرى‪.‬‬
‫تعت (الكمبياالت)‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫تعت (الشيكات) واألخرى ي‬ ‫اإلسالم (الصكوك) و(السفاتج) واألوىل ي‬
‫ي‬ ‫كما عرف العالم‬ ‫▪‬
‫اإلسالم‬ ‫ن‬
‫المرصف يف العالم‬ ‫ن‬ ‫الكيى‪ .‬وكلها ظواهر تؤكد أن النظام‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وكانت تستعمل يف الصفقات التجارية ر‬
‫كان متقدما ‪.‬‬
‫وقد كشفت األبحاث األثرية عن مجموعات كبية من النقود اإلسالمية ذات سمعة دولية طيبة بدليل‬ ‫▪‬
‫الكتاب ن يف موضوع النقود ومن أشهرهم المقريزي المرصي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تداولها ن يف (دار الحرب)‪ .‬كما ألف‬
‫الماىل ن يف اإلسالم يمثل أحد شواهد ازدهار الحضارة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫صفوة القول أن النظام‬

‫الصفحة | ‪39‬‬
‫القضائ‬
‫ي‬ ‫د ‪ -‬النظام‬
‫الشيعة اإلسالمية حرصت عىل إقرار‬ ‫كيى‪ .‬ذلك أن ر‬ ‫ن‬
‫القضائ يف اإلسالم مفخرة حضارية ر‬
‫ي‬ ‫بعد النظام‬
‫العدالة‪ .‬كما اتسمت بالمرونة بما يتوافق وطبيعة الحياة المتغية‪.‬‬
‫ه القرآن الكريم والسنة النبوية واالجتهاد‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫ومعلوم أن مصادر التشي ع يف اإلسالم ي‬
‫تيل حسب تطور أحوال الجماعة‬ ‫بالتشي ع كانت ن ن‬
‫ر‬ ‫‪ o‬وبالنسبة للقرآن الكريم؛ فإن اآليات الخاصة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وهو أمر يفش اآليات الناسخة األحكام لم تعد تتسق وطبيعة المتغيات‪ .‬كما ارتبط ن ن‬
‫التييل‬
‫بأسباب وظروف قدم اإلسالم بصددها أنجع السبل ن يف إيجاد حلول عادلة لها‪.‬‬
‫قاض الجماعة ولم يتقاعس عن االعياف باألعراف القديمة طالما‬ ‫‪ o‬وكان الرسول ﷺ يجتهد باعتباره ن‬
‫ي‬
‫تحقق المنفعة‪ .‬وصارت اجتهاداته سنة تحتذى ن يف عهود خلفائه‪ .‬وكان ظهور المذاهب الفقهية ‪-‬‬
‫والشافع وابن حنيل ‪ -‬تعبيا عىل حسنة االجتهاد من أجل تحري العدالة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وأئ حنيفة‬ ‫مذاهب مالك ر ي‬

‫بي سكان المدينة جميعا؛‬ ‫قاض الجماعة؛ فإليه يرجع الفصل نف المنازعات ن‬ ‫نعلم أن الرسول ﷺ هو ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫مسلمي‪ .‬هذا هو ما ورد ن يف دستوره الذي أعلنه ن يف الصحيفة‪ ،‬حيث قال‪ ....( :‬وإنه ما كان‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫مسلمي وغي‬
‫بي أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إىل هللا عز وجل وإىل محمد‬ ‫ن‬
‫رسول هللا)‪.‬‬
‫ن‬
‫الحالي وفق‬ ‫ومع ذلك كان يوكل إىل بعض الصحابة أمر الفض ن يف بعض المنازعات‪ .‬وكان الحكم ن يف‬
‫اليمي واألخذ بشهادة الشهود والفراسة‬ ‫ن‬ ‫أحكام القرآن الكريم‪ ،‬فضال عن اتباع أساليب البينة وحلف‬
‫ن‬
‫واليمي عىل من أنكره)‪ .‬وقوله ﷺ (إذا‬ ‫ونحوها‪ .‬وكان ينصح صحابته بقوله ‪( :‬البينة عىل من ادع‬
‫ن‬
‫يتبي‬ ‫بي يديك خصمان فال تقض حت تسمع كالم اآلخر كما سمعت كالم األول‪ .‬فإنه أحرى أن‬ ‫جلس ن‬
‫لك وجه القضاء)‪.‬‬
‫ومن أشهر من أوكل إليهم مهمة القضاء واإلفتاء‪:‬‬

‫وعبد هللا‬ ‫وعبد هللا‬ ‫والسيدة‬ ‫أئ‬


‫وعىل بن ر ي‬
‫ي‬ ‫عمر بن الخطاب‬
‫بن عباس‪.‬‬ ‫بن مسعود‬ ‫عائشة‬ ‫طالب‬

‫وف خالفة عمر بن الخطاب ظهرت وظيفة ( ن‬


‫القاض)‪ ،‬حيث أصبح القضاء خطة رشعية‪ .‬فقد أرسل‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫باآلئ‪:‬‬
‫ي‬ ‫قضاته إىل األمصار ونصحهم‬

‫الصفحة | ‪40‬‬
‫(‪ ...‬إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة‪ .‬فافهم إذا أدي إليك؛ فإنه ال ينفع تكلم بحق ال نفاذ له‪.‬‬
‫بي الناس ن يف وجهك ومجلسك وعدلك حت ال يطمع رشيف ن يف حيفك وال ييأس ضعيف من‬ ‫ساو ن‬
‫ن‬
‫المسلمي إال صلحا أحل حراما أو‬ ‫واليمي عىل من أنكر والصلح جائز ن‬
‫بي‬ ‫ن‬ ‫عدلك‪ .‬البيئة عىل من ادع‬
‫حرم حالال‪ .‬وال يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه ارشدك أن ترجع إىل‬
‫الحق‪ ،‬فإن الحق قويم ومراجعة الحق خي من التمادي ن يف الباطل‪ .‬الفهم الفهم فيما تلجلج ن يف صدرك‬
‫مما ليس ن يف كتاب وال سنة‪ .‬ثم اعرف األمثال واألشباه وقس األمور بنظائرها‪ .‬واجعل لمن ادع حقا‬
‫أحرص بينه أخذت له بحقه وإال استمللت القضية عليه‪ ،‬فإن ذلك أن نق‬ ‫غائبا وبينة أمدا ينته إليه‪ .‬فإن ن‬
‫ي‬
‫ن‬
‫للشك وأجىل للعماء‪ .‬المسلمون عدول بعضهم عىل بعض إال مجلودا يف حد أو مجربا عليه شهادة زور‬
‫ً‬
‫أو ظنينا ن يف نسب أو والء؛ فإن هللا سبحانه عفا عن اإليمان ودرا بالبينات‪ .‬وإياك والقلق والضجر‬
‫والتأفف بالخصوم‪ .‬فإن استقرار الحق ن يف مواطن الحق يعظم به هللا األجر ويحسن به الذكر‬
‫والسالم(‪.‬‬

‫تلك إذن وثيقة قضائية غاية ن يف األهمية؛ إذ تشكل فيما نرى ‪ -‬دستورا كامال للقضاء يضع ن يف االعتبار‬
‫التشي ع من قرآن وسنة واجتهاد دون لبس أو مواربة‪.‬‬ ‫تحقيق العدالة نف المحل األول‪ .‬ويحدد مصادر ر‬
‫ي‬
‫ن‬
‫وال غرو؛ فعدل عمر كان وال يزال مرصب األمثال‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫العباس؛ فكان‬
‫ن ي‬ ‫أما يف العرص‬ ‫لم يكن للقضاء يف عرص الراشدين كتاب أو سجل تدون فيه األحكام‪ .‬وهذا‬
‫قاض القضاة(‬ ‫الخلفاء يعينون )‬ ‫ن‬
‫القاض يتوىل التنفيذ بعد البت‬ ‫راجع إىل أن األحكام كانت تنفذ فورا‪ ،‬وكان‬
‫ين‬ ‫الذي كان ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫بنفسه‪ .‬كما كان يعقد جلساته نف ن ن‬
‫يعي قضائه يف الواليات‬ ‫ميلة أو يف المسجد‪ .‬وكثيا ما كان يستشي‬ ‫ي‬
‫بعد موافقة الخليفة‪.‬‬ ‫ن‬
‫الفقهاء لإلفتاء يف بعض المسائل‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وحي انقسم العالم‬ ‫الرومائ‪ .‬وهذا راجع إىل‬
‫ي‬ ‫وف العرص األموي تأثر القضاء بالقانون‬
‫ي‬
‫المملوك‬
‫ي‬ ‫أما يف العرص‬ ‫طبيعة الحكم األموي الذي هو أقرب إىل الملك منه إىل الشورى‪.‬‬
‫اإلسالم وظهرت‬
‫ي‬
‫فقد جرى القضاء عىل‬
‫الخالفة الفاطمية‬ ‫فش الظلم واندلعت الثورات االجتماعية‪ .‬وليس أدل عىل‬ ‫وقد ر‬
‫المذاهب األربعة؛‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫قاض‬ ‫حيث يختص ن‬ ‫والخالفة األموية يف‬ ‫اع إمام أهل الشام‪.‬‬ ‫ذلك من رصب القضاة صفحا عن فقه األوز ي‬
‫ين‬ ‫األندلس؛ كان الخلفاء‬ ‫واتسمت أحكامهم بالهوى ومراعاة المصلحة الخاصة‪ .‬ولم تقطن‬
‫كل مذهب بالنظر يف‬
‫قضايا أهل مذهبه‪.‬‬
‫يعينون القضاة ممن‬ ‫التشي ع‪ .‬كما لم تقم باختيار‬ ‫الخالفة األموية إىل نرصورة توحيد ر‬
‫هم عىل مذاهبهم‪.‬‬
‫القضاة من أهل العلم والتقوى إنما تركت األمر للوالة‪.‬‬

‫ن‬
‫العباسيي‪.‬‬ ‫❖ ظهرت (دار القضاء) ابتداء من حكم‬
‫ن‬
‫والموقعي ‪-‬أي الذين يكتبون األحكام‬ ‫وكانت (المحاكم) تتألف من القضاة ونوابهم وشهود العدول‬
‫ن‬
‫المتخاصمي إىل ساحة القضاء‪.‬‬ ‫ويسجلونها‪ -‬فضال عن الحجاب الذين يقدمون‬
‫وقد حرص الخلفاء األتقياء عىل اختيار قضاتهم من أهل العلم والدين وأجزلوا لهم العطاء ن يف صورة‬
‫الت اختصوا بها‪.‬‬ ‫ن‬
‫رواتب عالية‪ .‬كما تمي القضاة بزي هم الخاص ودوابهم ‪ -‬بغلة شهباء ‪ -‬ي‬
‫وقد نيط (صاحب ر‬
‫الشطة) بمهمة تنفيذ األحكام‪.‬‬

‫الصفحة | ‪41‬‬
‫المسلمي أو بينهم ن‬
‫وبي أهل الذمة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫القاض المسلم يفصل نف القضايا ن‬
‫بي‬ ‫ن‬ ‫كان‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن ُ‬
‫المسلمي‪ ،‬فتوكل إىل شيوخ مللهم‬ ‫الت تتعلق بأهل الذمة؛ بحيث يكون طرفاها من غي‬
‫أما القضايا ي‬
‫للفصل فيها‪.‬‬

‫قضائ آخر عرف (بنظام المظالم)‪:‬‬ ‫ي‬ ‫❖ وثمة نظام‬


‫ن‬
‫وموظق الدولة‪ .‬وكان بعض‬ ‫وهو يختص بالنظر نف القضايا الت تشجر ن‬
‫بي الرعية ن‬
‫وبي الوالة والعمال‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الخلفاء يبتون ن يف هذه الشكاوى أو يسندون إىل وزرائهم أمر الفصل فيها ويصدقون بعد ذلك عىل‬
‫األحكام بما يكفل إقرار العدالة‪.‬‬

‫اإلسالم (نظام الحسبة)‪:‬‬


‫ي‬ ‫❖ كما عرف العالم‬
‫حيث يتوىل (المحتسب)‪:‬‬

‫الت تتطلب رسعة الحسم‪ ،‬فضال عن قيامه بالحفاظ عىل إقرار النظام العام‪ .‬وغالبا‬ ‫ن‬
‫‪ -‬النظر يف القضايا ي‬
‫بي القضاء والحسبة‪.‬‬ ‫ما جمع شخص واحد ن‬

‫وإىل عمر بن الخطاب يعزى الفضل ن يف إقرار هذا النظام الذي كان معروفا عند الرومان‪ .‬لكنه أعطاه‬
‫والنه عن المنكر)‪.‬‬
‫ي‬ ‫مسوحا إسالميا انطالقا من مبدأ (األمر بالمعروف‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫ي‬ ‫وقد تطور نظام الحسبة من كونه نظاما أخالقيا إىل نظام مهمته الضبط‬
‫‪ -‬فقد نيط المحتسب بمهام اجتماعية‪ :‬كمراعاة اآلداب العامة والرفق بالحيوان وحسن تعليم الصبية‬
‫التيج ومراقبة أعمال النظافة ‪ ..‬الخ‪.‬‬‫ومنع ر‬
‫‪ -‬ثم تطور النظام بعد ذلك ليؤدي وظيفة اقتصادية‪ :‬كمراقبة األسواق للحفاظ عىل جودة السلع‬
‫وصحة الموازين والمكاييل والحفاظ عىل األسعار ومنع الغش وما شابه من مهام (مما ليس فيه سماع‬
‫القاض عنها لعمومها وسهولة أغراضها‪ .‬فتدفع إىل صاحب هذه‬ ‫ن‬ ‫بينة وال نفاذ حكم‪ .‬وكأنها أحكام ن ن‬
‫ييه‬
‫ي‬
‫الوظيفة ليقوم بها‪ .‬فوصفها عىل ذلك أن تكون خادمة للقضاء) عىل حد قول ابن خلدون‪.‬‬
‫‪ -‬وعىل ذلك تمتع المحتسب بسلطات واسعة؛ فكان هو الذي يوقع الجزاء وينفذ الحكم؛ سواء بالزجر‬
‫الرصب أو التشهي‪.‬‬‫أو التوبيخ أو ن‬

‫❖ أما (نظام ر‬
‫الشطة)‪:‬‬

‫فكان يرتبط كذلك بالقضاء‪ .‬وفضال عن دوره ن يف إقرار األمن وحفظ النظام من عبث المفسدين نيط‬
‫بمهمة تنفيذ أحكام القضاء‪.‬‬

‫الصفحة | ‪42‬‬
‫❖ وإىل عمر بن الخطاب يعزى الفضل ن يف ابتكار (نظام العسس) ن يف الليل‪.‬‬

‫الشطة) من علية القوم ومن أهل العصبية والقوة بما يتالءم ودوره ن يف‬
‫كما حرص عىل اختيار (صاحب ر‬
‫إقرار األمن‪.‬‬

‫الشطة تأسيس السجون‪.‬‬ ‫لذلك ارتبط بنظام ر‬ ‫❖‬


‫ونعلم أن عمر بن الخطاب لم يتورع عن سجن والته إذا ما تجاوزوا الحدود‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وف عهد عمر بن عبد العزيز خصصت سجون للرجال وأخرى للنساء‪ .‬وكانت المعاملة داخل السجون‬ ‫ن‬ ‫‪-‬‬
‫ي‬
‫تتسق وطبيعة الجرائم وخطورة مقيفيها‪.‬‬
‫ن‬
‫للمسجوني؛ فوفروا لهم الطعام المناسب‬ ‫وقد حرص الخلفاء األتقياء عىل مراعاة المعاملة اإلنسانية‬ ‫‪-‬‬
‫والرعاية الصحية من أجل إصالحهم وتقويمهم‪.‬‬
‫أما ن يف عهود الجائرين من الحكام تحولت مهمة السجون إىل إيواء أعداء الحاكم بالحق أو بالباطل‬ ‫‪-‬‬
‫واالنتقام والتنكيل والبطش بهم دون مراعاة للمبادئ اإلنسانية‪.‬‬

‫ّ‬
‫ن‬
‫والسالطي؛‬ ‫اإلسالم الوسيط تأثر بالسياسة العامة للخلفاء‬
‫ي‬ ‫القضائ ن يف العالم‬
‫ي‬ ‫صفوة القول أن النظام‬
‫حيث روعيت العدالة واستهدفت من لدن الحكام األتقياء‪ ،‬بينما انتهكها الحكام الظلمة دون نظر‬
‫وشيعته السمحاء‪.‬‬ ‫لتعاليم اإلسالم ر‬

‫الحرئ‬
‫ري‬ ‫ـه ‪ -‬النظام‬
‫تكتش الحرب ن يف اإلسالم مفهوما إنسانيا راقيا‪ .‬إذ رشعت من أجل (الجهاد) أو الدفاع عن حدود دار‬ ‫ي‬ ‫▪‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََْ ُ ْ‬
‫اإلسالم‪ .‬قال تعاىل‪( :‬ك ِتب عليكم ال ِقتال وهو كره لكم وقال عز شأنه‪( :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‬
‫ومن رباط الخيل ُترهبون به عدو هللا و ّ‬
‫عدوكم)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومن هنا حرم اإلسالم الغزو من أجل العدوان والسلب والنهب واستعباد الغي‪.‬‬ ‫▪‬
‫اتسمت الفتوحات اإلسالمية منذ عهد الرسول إبان رصاعه مع كفار مكة وي هود المدينة وطوال عرص‬ ‫▪‬
‫الشيعة اإلسالمية ن يف معاملة أهل البالد المفتوحة‪.‬‬ ‫الراشدين بمراعاة ر‬
‫المسلمي عىل اعتناق اإلسالم ن‬
‫تنتق‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫الحرب ن يف اإلسالم إذن جهاد من أجل الدين‪ .‬فإذا ما أقبل غي‬ ‫▪‬
‫الحرب أصال‪ .‬قال تعاىل‪( :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل عىل هللا)‪.‬‬
‫اع المواثيق والمعاهدات مع خصومه ن يف مكة والمدينة ولم يحارب هم إال بعد نكثهم‬ ‫وكان الرسول ﷺ ير ي‬ ‫▪‬
‫العهود‪.‬‬
‫يوض جيوشه بأال يقتلوا شيخا أو طفال أو امرأة وأال يخربوا مزرعة أو يعقروا سائمة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كما كان أبو بكر‬ ‫▪‬

‫الصفحة | ‪43‬‬
‫اع حرمة النفس‬ ‫▪ ن‬
‫الت كانت تر ي‬ ‫وف عهد عمر بن الخطاب وضعت أصول (العهود) والمعاهدات ي‬ ‫ي‬
‫اليم أهل الذمة بدفع الجزية مراعاة لقوله تعاىل‪( :‬قاتلوا‬ ‫والعرض والمال فضال عن حرية العقيدة إذا ما ن‬
‫َّ‬
‫ين الحق م َن الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل َو َر ُسول ُه َوَّل َيد ُينو َن د َ‬
‫ون َما َح َر َم َّ ُ‬ ‫ََ ُ ْ ُ َ‬ ‫ون ب َّ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ ِر وَّل يح ِرم‬
‫اَّلل وَّل ِباليو ِم ِ‬
‫ال ِذين َّل يؤ ِمن ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫أوتوا الكتاب حت يعطوا الجزية َعن َي ٍد َو ُه ْم َصاغ ُرون )‪.‬‬
‫▪ فإذا أضيف إىل ذلك ما رشعه اإلسالم بخصوص األشى وعدم مالحقة المدبر وإعالم الخصم بالحرب‬
‫البشية قبل اإلسالم‬‫قبل شنها‪ ،‬أدركنا أن الحرب المقدسة أو (الجهاد) اختلفت عن سائر حروب ر‬
‫وبعده‪.‬‬
‫كايتائ ‪ -‬الذي رأى ن يف الحروب اإلسالمية استمرارا لحروب‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫قي ‪ -‬مثل‬ ‫ر‬
‫المستش ن‬ ‫▪ وهنا تسقط مزاعم بعض‬
‫الجاهلية من أجل تحقيق األطماع االقتصادية‪.‬‬
‫▪ أورد (السي توماس أرنولد) بأن المقاتل المسلم كان يحمل القرآن ن يف يد والسيف ن يف اآلخر إعالء الكلمة‬
‫هللا من أجل النرص أو الشهادة‪.‬‬

‫اإلسالم ن يف عرص الراشدين‪:‬‬


‫ي‬ ‫كان الجيش‬
‫• يتكون من المتطوعة‪.‬‬
‫ن‬
‫واسي عمر بن الخطاب قواني جديدة إلعداده وتنظيمه‪:‬‬ ‫ن‬ ‫•‬
‫القبىل وتحدد‬ ‫ي‬ ‫‪ o‬فأفرد له ديوانا خاصا عرف باسم (ديوان الجند)؛ تسجل فيه أسماء المقاتلة حسب انتمائهم‬
‫بواسطته رواتبهم وأعطياتهم‪.‬‬
‫ر‬
‫اض الغنيمة عىل المقاتلة حت يتحاس تكوين طبقة إقطاعية تلهيها‬ ‫ن‬
‫عدم توزي ع أر ي‬ ‫‪ o‬كما يعزى إليه الفضل ن يف‬
‫ن‬
‫المسلمي‪.‬‬ ‫نش اإلسالم والذب عن حدود ديار‬ ‫واليوة عن رسالتها نف ر‬ ‫األرض ر‬
‫ي‬
‫• كان الخليفة يمثل القائد األعىل للجيش فهو الذي يرسل الجيوش ويختار القواد ويعلن الحرب ويعقد الصلح‪.‬‬
‫• وقد جرت العادة أن ينظم الجيش إىل ميمنة وميشة وقلب وساقة‪.‬‬
‫• وكانت كل قبيلة تحارب تحت راياتها ‪ -‬كما هو الحال قبل اإلسالم ‪ -‬من أجل إزكاء الحماس والتنافس واالستئساد‬
‫ن يف القتال‪.‬‬
‫• كما حرص المسلمون عىل أن يجعلوا أموالهم ونساءهم ن يف ساقة الجيش من أجل الدفاع عن المال والعرض‪.‬‬
‫ن‬
‫المقاتلي‪.‬‬ ‫• وكما هو الحال نف الجاهلية‪ ،‬ظل الشعراء يقومون بدورهم الهام نف التعبئة المعنوية وإزكاء الحماس ن‬
‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫• لقد أرس العرب المسلمون تقاليد عسكرية وابتكروا الكثي من فنون القتال‪:‬‬
‫‪ o‬فلم تكن خططهم ثابتة جامدة إنما كانت تتعدل وتتغي وفق مالبسات المعارك‪.‬‬
‫الت‬ ‫ن‬
‫‪ o‬وكانت عبقرياتهم العسكرية مزيجا من معطيات البيئة الصحراوية وما عاينوه من فن القتال المتطور يف البالد ي‬
‫فتحوها‪.‬‬
‫الرم‬
‫‪ o‬أما عن خطط الحرب؛ فكانت الكر والفر أو الزحف بالصفوف؛ حيث يقوم المقاتلة بالطعن بالرماح أو ي‬
‫والرصب بالسيوف‪ .‬كما استخدموا الدروع والخوذات والزرود كوسائل دفاعية‪.‬‬ ‫بالنبال ن‬
‫ن‬
‫‪ o‬وفضال عن ذلك عرفوا عمليات الحشد والتعبئة يف مراكز ثغرية يتجمع فيها الجند قبل القتال‪.‬‬
‫‪ o‬وبرع المسلمون ن يف فتوح الشام والعراق ن يف أساليب الحصار؛ فاستخدموا المنجنيق والدبابات لهدم األسوار‬
‫خيوا حفر الخنادق منذ غزوة األحزاب‪.‬‬ ‫والقالع والحصون‪ .‬كما ر‬
‫ن‬
‫وقاذف السهام (الرماة)‪ ،‬وفيلق الخدمة‬ ‫اإلسالم يتكون من المشاة (الرجالة)‪ ،‬والخيالة (الفرسان)‪،‬‬ ‫• كان الجيش‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عشة) ولكل مائة جندي‬‫عشة جنود (أمي ر‬ ‫(الغلمان) والكشافة (الطالئع) وكشافة المؤخرة (الردء)‪ .‬وكان عىل كل ر‬
‫(قائد) ولكل ر‬
‫عشة من القادة (أمي)‪.‬‬

‫الصفحة | ‪44‬‬
‫الطيي يكشف عن عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية‪ .‬وهو عبارة عن رسالة أنفذها إىل‬ ‫• ولدينا نص هام أورده ر‬
‫ميل‬‫ن‬
‫بالمسلمي ف سيهم وال تجشمهم مسيا يتعبهم وال تقرص بهم عن ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫أئ وقاص‪ ،‬يقول فيها ‪( :‬ترفق‬
‫ي‬ ‫سعد بن ر ي‬
‫يرفق بهم حت يبلغوا عدوهم والسفر له ينقص من قوتهم؛ فإنهم سائرون إىل عدو مقيم ‪ ..‬وأقم بحق من معك‬
‫ن يف كل جمعة يوما وليلة حت تكون لهم راحة يحيون بها أنفسهم‪ ..‬وإذا وطئت أرض عدوك فأذك العيون بينك‬
‫أكي الطالئع وبث الشايا حت تقطع‬‫وبينهم وال يخف عليك من أمرهم رسء‪ ..‬وعند دنوك من أرض العدو ر‬
‫ي‬
‫امدادهم ومرافقهم ‪ ..‬واخي للطالئع أهل البأس والرأي عن أصحابك وتخي لهم سوابق الخيل‪ ..‬فإذا عاينت‬
‫العدو فاضمم إليك أقاصك واجمع إليك مكيدتك وقوتك‪ .‬ثم ال تعاجلهم بالمناجزة ما لم يستكرهك قتال حت‬
‫تبرص عورة عدوك ومقاتله وتعرف األرض كلها كمعرفة أهلها بها فتصنع بعدوك كصنعه بك‪)..‬‬
‫وف ذلك دليل ال يرف إليه الشك عىل عبقرية حربية فذة كانت من وراء االنتصارات المذهلة عىل الروم والفرس‪.‬‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫▪‬
‫وف العرص األموي‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫• بدأ نظام التجنيد اإلجباري الذي صار نظاما ثابتا ن يف الجيش‬
‫النظام التحق بالجيش حشود من المتطوعة عىل نفقتهم الخاصة ممن لديهم الرغبة ن يف الجهاد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫• وإىل جانب الجند‬
‫َّ َ ُ ُّ َّ َ ُ َ ُ َ‬
‫• وإذا كان نظام القتال بالصفوف يرجع إىل عهد الرسول ﷺ حيث نزلت اآلية الكريمة‪( :‬إن هللا ي ِحب ال ِذين يق ِاتلون‬
‫ن يف سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)؛ فإن تطورا عسكريا جديدا استحدث ن يف عهد مروان بن محمد أال وهو نظام‬
‫(الكراديس)‪.‬‬

‫ن‬
‫الرومائ ‪ -‬تحارب مستقلة كوحدة متماسكة بما‬ ‫ن‬
‫ويعت تقسيم الجيش إىل (فرق) و (فيالق) ‪ -‬عىل غرار الجيش‬ ‫✓‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يحقق حرية الحركة ويحول دون هزيمة الجيش إذا ما اخيق العدو القلب وقتل القائد‪.‬‬

‫العباس‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫وف العرص‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫الخالف) جرى إعدادها إعدادا عسكريا ممتازا للدفاع عن الخالفة‬ ‫تأسست فرق خاصة عرفت باسم (العسكر‬ ‫•‬
‫ي‬
‫الكيى ن يف المناطق المضطربة‪.‬‬ ‫ومواجهة األخطار ر‬
‫كما ابتدع (نظام الثغور) عىل الحدود مع (دار الحرب) حيث‪:‬‬ ‫•‬
‫ن‬
‫المتطوعي للدفاع عن التخوم المصاقبة لألعداء‪.‬‬ ‫ن‬
‫والصالحي‪ ،‬فضال عن المغامرين‬ ‫حشدت بالمقاتلة من النساك‬ ‫‪o‬‬
‫وكانت الثغور أشبه بمناطق عسكرية رصفة تنطلق منها الحمالت إىل ديار العدو صيفا وشتاء فيما عرف باسم‬ ‫‪o‬‬
‫و(الشوائ)‪.‬‬ ‫ن‬
‫(الصواف)‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وف الشمال وجدت الثغور الشامية والجزرية عىل الحدود مع‬ ‫ر‬
‫ومن أهم هذه الثغور شقا ثغر خراسان وثغر الهند‪ ،‬ي‬ ‫‪o‬‬
‫بينطة‪.‬‬ ‫ن‬
‫شماىل شبه الجزيرة‬ ‫جنوئ الصحراء ونصارى األندلس‬ ‫ن‬
‫كما تعاظم هذا النظام يف المغرب واألندلس ضد أهل غانة‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫األييية‪.‬‬
‫ر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫إمياطورية المرابطي كانت تتويجا لهذا النظام الثغري الذي طالما كفل الدفاع عن حدود دار اإلسالم حي دب‬ ‫ر‬ ‫‪o‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫ن‬
‫الضعف والوهن يف قلب العالم‬
‫ي‬

‫اإلسالم‪ .‬فقد اعتمدوا عىل الفرس ثم اليك منذ‬


‫ي‬ ‫المواىل ن يف الجيش‬
‫ي‬ ‫العباسيي يعزى الفضل أيضا ن يف إ رشاك‬
‫ن‬ ‫• وإىل‬
‫ن‬
‫خالفة المعتصم الذي أسس لهم مدينة (سامرا) كمعسكر دائم جريا عىل سنة الراشدين حي اتخذوا المدن‬
‫الكيى‪.‬‬
‫العسكرية لالنطالق منها نحو الفتوحات ر‬
‫ن‬
‫‪ o‬ومن أهم هذه المدن العسكرية الكوفة والبرصة يف العراق والفسطاط بمرص والقيوان بافريقية ومدينة سالم‬
‫باألندلس‪.‬‬

‫الصفحة | ‪45‬‬
‫وف العرص العباس ن‬
‫الثائ‪:‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫اإلسالم الذي أخذ‬
‫ي‬ ‫جرى إقطاع األرض للعسكر بدال من الرواتب واألعطيات‪ .‬وكان ذلك من أسباب ضعف العالم‬
‫يتحول من الهجوم إىل الدفاع‪.‬‬

‫ن‬
‫ابطي‬ ‫ن‬
‫واأليوبيي والمر‬ ‫الت فشت زمن السالجقة‬ ‫ظاهرة االعتماد عىل الجند المرتزق ي‬
‫ن‬
‫وارتبطت بهذه الظاهرة‬
‫والموحدين؛ األمر الذي فت يف قوة الجيوش اإلسالمية بعد أن حل االرتزاق محل الجهاد‪ .‬وحسبنا أن هذا العسكر‬
‫السياس والعسكري معا‪.‬‬
‫ي‬ ‫المجلوب استطاع أن يتسلم السلطة ويشتغل بالسياسة؛ األمر الذي أدى إىل التدهور‬
‫وف مرص والشام‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫وليس أدل عىل ذلك مما حدث يف عصور دول المماليك يف الهند ي‬
‫ن‬
‫العثمائ ثم ذوت ليحل محلها ظاهرة العسكر (اإلنكشارية) أي تجنيد فرق‬ ‫واستمرت هذه الظاهرة ن يف العرص‬
‫ي‬
‫مهمتها الحرب ليس إال‪ .‬وهذا يفش لماذا تحول المسلمون مرة أخرى من الدفاع إىل الهجوم ووصلت غزواتهم حت‬
‫أسوار فيننا‪.‬‬

‫‪#‬ادرس_لألقىص‪#‬‬

‫أما عن البحرية اإلسالمية‪:‬‬

‫• فالثابت أن العرب قبل اإلسالم خ ريوا أمور البحار عندما أسسوا حضارات ن يف بالد اليمن‪ .‬إذ كانت‬
‫بي ر‬
‫الشق والغرب‪.‬‬ ‫أساطيلهم تقوم بدور الوساطة التجارية ن‬
‫يونائ مجهول كتابا اسمه (الطواف حول بحر ارترياء) تحدث فيه عن براعة العرب ن يف‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫• وقد كتب مؤرخ‬
‫المالحة البحرية‪ .‬وأوضح كيف استطاعوا أن يبنوا سفننا تناسب المحيط الهندي والبحر األحمر‬
‫خيوا معرفة الرياح واالسيشاد بالنجوم ‪ ...‬إىل غي ذلك من المعلومات البحرية‬ ‫والخليج‪ .‬وكيف ر‬
‫الزاخرة‪.‬‬

‫ن‬
‫المسلمي ما كانوا بحاجة‬ ‫• انتشار اإلسالم ن يف شبه الجزيرة؛ أخر تأسيس األساطيل اإلسالمية ألن العرب‬
‫وشع‬ ‫طوال هذه المرحلة وحت خالفة عثمان بن عفان إىل ركوب البحر‪ .‬فلما تم فتح الشام ومرص ر‬
‫الت كانت تمعن ن يف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المسلمون يف فتح بالد المغرب تعرض المسلمون لغارات األساطيل البينطية ي‬
‫ن‬
‫السواحل سلبا ونهبا وتخريبا وتدميا‪ .‬لذلك اهتم المسلمون بتأسيس األسطول يف خالفة عثمان بن‬
‫عفان الذي أنشأ ديوانا خاصا لهذا الغرض‪ .‬وأمر ببناء (دور الصناعة) – أي اليسانات ‪ -‬مفيدا من ر‬
‫خية‬
‫أهل الشام ومرص فضال عن جلب أخشاب األرز من مرتفعات الشام واستخدامها ن يف تأسيس نواة‬
‫إسالم ألول مرة‪.‬‬
‫ي‬ ‫أسطول‬
‫بينطة ن يف معركة (ذات الصواري)‬‫الناس أن يلحق أول هزيمة بحرية بأساطيل ن‬‫• وقدر لهذا األسطول ر‬
‫الشهية سنة ‪٢٨‬ـه‪.‬‬

‫الصفحة | ‪46‬‬
‫المعت قال ابن خلدون‪( :‬لم يكن العرب أول األمر مهرة ن يف ركوب البحر‪ .‬فلما استقر الملك لهم‬
‫ن‬ ‫وف هذا‬‫ي‬
‫ن‬ ‫•‬
‫وتقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعته استخدموا من النواتية ن يف حاجاتهم البحرية أمما وتكررت‬
‫ن‬
‫والشوائ وشحنوا‬ ‫ممارستهم البحر وثقافته حت تاقت نفوسهم إىل الجهاد فيه وأنشأوا السفن فيه‬
‫ي‬
‫األساطيل بالرجال والسالح وأمطروها بالعساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر‪ .‬واختصوا‬
‫بذلك من ممالكهم وثغرهم ما كان أقرب إىل البحر وعىل حافته مثل الشام ومرص والمغرب واألندلس)‪.‬‬
‫وف العرص األموي جرى االهتمام باألسطول الذي تمكن من شن إغارات عىل‪:‬‬ ‫ن‬ ‫•‬
‫ي‬
‫جزيرة رودس‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫وف سنة ‪٤٨‬ـه وجه معاوية األسطول لغزو القسطنطينية‬ ‫ن‬ ‫‪o‬‬
‫ي‬
‫كما أغار عىل جزيرة كريت سنة ‪٥٤‬ـه‪ .‬وعىل جزيرة صقلية سنة ‪٦٨‬ـه‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫اإلسالم ن يف العرص األموي قرابة ‪ ۱۷۰۰‬سفينة بعد أن أسست ترسانة بحرية بجزيرة‬
‫ي‬ ‫وبلغ األسطول‬
‫الروضة بمرص وأخرى بتونس‪.‬‬

‫وغت عن البيان أن االهتمام البحري لم يقترص عىل البحر المتوسط‪ ،‬بل تعداه إىل المحيط الهندي‪.‬‬ ‫ن‬ ‫•‬
‫ي‬
‫للمسلمي أسطول تجاري إىل جانب األسطول الحرئ‪ .‬وقد ازداد االهتمام بالمالحة التجارية فن‬ ‫ن‬ ‫كما كان‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫وتخينا المراجع أن أساطيل‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المسلمي يف التجارة الدولية‪.‬‬ ‫الشقية والجنوبية بعد تحكم‬ ‫البحار ر‬
‫ر‬
‫ن‬
‫الصي‪.‬‬ ‫العباسيي التجارية مخرت مياه المحيط الهندي حت وصلت إىل‬ ‫ن‬
‫• ولقد تحول البحر األبيض المتوسط إىل (بحية إسالمية) نتيجة سيطرة أسطول عرب كريت عىل‬
‫وجنوئ‬ ‫الشف منه وهيمنة البحرية األغلبية عىل القطاع األوسط بعد نجاحها نف ن‬
‫انياع صقلية‬ ‫القطاع ر‬
‫ري‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫األندلش عىل‬
‫ي‬ ‫وف نفس الوقت سيطر األسطول‬ ‫ايطاليا عىل إثر انتصاراتها عىل األساطيل البينطية‪ .‬ي‬
‫الغرئ من البحر المتوسط وتمكن من صد إغارات النورمان المرة بعد األخرى‪ .‬لذلك صدق ابن‬ ‫ري‬ ‫القطاع‬
‫حي قال (لم يعد للنصارى فيه ألواح)‪.‬‬ ‫خلدون ن‬
‫بي البحر األحمر والبحر األبيض المتوسط‪ .‬إذ اهتم الفاطميون‬ ‫• وبقيام الدولة الفاطمية أحكم االتصال ن‬
‫بالسيادة البحرية عىل البحرين معا‪ .‬كما تمكنت جماعات بحرية أندلسية مغامرة أن تغزو أوروبا حت‬
‫وصلت إىل سويشا الحالية‪.‬‬

‫• لكن السيادة البحرية عىل البحر المتوسط شعان ما آلت إىل قوى نرصانية‪ ،‬إذ تمكنت األساطيل‬
‫البينطية ن يف القرن الخامس الهجري من اسيداد نفوذها رش يف البحر المتوسط‪ .‬كما تمكن النورمان من‬
‫ن‬
‫المسلمي‪ ،‬وأخذوا يثخنون ن يف شواىط تونس حت‬
‫ن‬ ‫وجنوئ إيطاليا بعد طرد‬
‫ري‬ ‫تأسيس إمارة ن يف صقلية‬
‫استولوا عىل مدينة المهدية‪ .‬وقد فطن أحد الشعراء العرب إىل هذه الحقيقة المؤسفة ن‬
‫حي قال ‪:‬‬
‫عىل مهل وال ري للعرب‬ ‫ن‬
‫السفي به‬ ‫البحر للروم تجري‬

‫ن‬
‫الصليبي من‬ ‫ن‬
‫المسلمي ما لبثوا أن اسيدوا سيادتهم البحرية إبان حكم المماليك الذين طردوا‬ ‫• عىل أن‬
‫بقايا معاقلهم بالشام فضال عن بعض جزر البحر المتوسط‪ .‬كما تمكن أسطول الموحدين من السيطرة‬
‫األيوبيي لمساعدتهم ن يف‬
‫ن‬ ‫الغرئ من البحر المتوسط‪ ،‬وربما بعثوا بإمداداتهم البحرية إىل‬
‫ري‬ ‫عىل القطاع‬
‫حرب الصليبيي‪.‬ن‬

‫الصفحة | ‪47‬‬
‫• لكن هذه السيادة البحرية ما لبثت أن تضعضعت بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وهزيمة‬
‫المملوك عىل سواحل الهند الغربية‪ .‬كما طرد المسلمون من األندلس بعد سقوط دولة‬
‫ي‬ ‫األسطول‬
‫اإلسالم عىل القرصنة لمواجهة القرصنة األوروبية‪.‬‬
‫ي‬ ‫الموحدين واقترص النشاط البحري‬

‫ولقد تعددت أنواع السفن اإلسالمية الحربية والتجارية بما يناسب طبيعة البحار والمحيطات‪.‬‬ ‫•‬
‫فكان هناك الشونة والحراقة والبطسة والغراب والشلندية والحمالة والطراد‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ن‬
‫والمهندسي‬ ‫وكان قائد األسطول يسم (أمي البحر) ويعمل ن يف خدمته وطوع أوامره حشد من العلماء‬ ‫‪o‬‬
‫خيوا علوم الفلك والجغرافيا‪ .‬وإليهم يرجع الفضل ن يف اخياع اإلسطرالب‪ ،‬واستخدام‬ ‫ن‬
‫والفنيي الذين ر‬
‫المنائر‪ ،‬واإلرشادات‪ ،‬والعالمات‪.‬‬
‫وليس أدل عىل هذه العبقرية البحرية من وجود تأليف إسالمية عن فنون المالحة‪ .‬من أشهرها كتاب‬ ‫‪o‬‬
‫ابن ماجد (الفوائد ن يف أصول علم البحر والقواعد)‪.‬‬
‫الت وجدت طريقها إىل اللغات‬ ‫كذلك فإن القاموس البحري حافل باالصطالحات البحرية اإلسالمية ي‬ ‫‪o‬‬
‫األوروبية‪.‬‬
‫صفوة القول أن النظم اإلسالمية تعد إنجازا حضاريا رائعا مزج فيها المسلمون ن‬
‫بي المعطيات العربية‬
‫قبل اإلسالم والرؤية اإلسالمية والنظم الحضارية الكالسيكية‪.‬‬

‫‪#‬ادرس_لألقىص‪#‬‬

‫ن‬
‫تتمن لكم دوام التوفيق والنجاح‬ ‫كتلة أهل الهمة‬

‫الصفحة | ‪48‬‬

You might also like