Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫املحاضرة الخامسة‪ :‬أثر الفلسفة اليونانية في ابن رشد‬

‫عناصر املحاضرة‪ :‬تمهيد‪ /‬ترجمة ابن رشد‪ /‬ابن رشد بين العقالنية والفلسفة إلاسالمية‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ً‬
‫يعد ابن رشد واحدا من أشهر علماء قرطبة وبالد املسلمين في العصور الوسطى؛ كما أنه‬
‫َتر َك في الثقافة ألاوروبية بصمة ال يمكن أنكارها‪ ،‬فهو صاحب الدور ّ‬
‫الفعال واملؤثر على العلوم‬
‫الدينية ألاوروبية واملعرفة الفلسفية‪.‬‬
‫وقد جايل ابن ُرشد العصر الذهبي لإلسالم في قرطبة‪ ،‬هذه الفترة الزمنية التي أنتجت‬
‫والفكر أمثال ابن رشد‪ ،‬الذين قاموا بإحداث طفرة‬ ‫الحساب‪ ،‬الفلك ِ‬ ‫للعالم عباقرة العلوم‪ِ ،‬‬
‫فكرية غير مسبوقة في تاريخ البشرية‪ ،‬طفرة لم تحدث بهذا الشكل في أي مكان حول العالم‬
‫قبل تلك الفترة‪.‬‬
‫ترجمة ابن رشد‪:-‬‬
‫هو دمحم بن رشد املعروف بأبي الوليد آخر املفكرين العقالنيين في العصر إلاسالمي‪ ،‬والذي‬
‫هوجم واتهم بالهرطقة والكفر بدين إلاسالم بسبب أرائه الرائدة في الفلسفة ضمن كنف الدين‬
‫إلاسالمي أو املسيحي في العصور الوسطى‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا الشخص املميز؛ ذ ِك َر في العديد من الكتب الفلسفية ُليعترف بتأثير أرائه الفردية‪،‬‬
‫وتحفيزها لقيام عصر النهضة الغربي ُليعرف كواحد من أبرز املعلمين في الحضارة الغربية‪.‬‬
‫ولألمانة التاريخية؛ فقد كان كل من ابن سينا وابن رشد يعتبران املعلمين العظيمين في‬
‫وعمال به انتشر والقى صداه في البالد إلاسالمية واستمر ألاخذ‬
‫الفلسفة الغربية؛ فكل ما قااله ِ‬
‫به في عصر النهضة ألاوروبي‪.‬‬
‫لقد قامت فلسفة ابن رشد على التعامل مع التقليد الديني إلاسالمي املتشدد الذي كان‬
‫ً‬
‫سائدا على امتداد البالد إلاسالمية‪ ،‬حيث حاول أن يمزج بين جوهر العقيدة إلاسالمية وبين‬
‫التفكير العقلي وأن يثبت أنهما متكامالن في ضوء التراث الفلسفي اليوناني الذي أتيح له في تلك‬
‫الفترة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫نق ِِلت وترجمت إلى‬ ‫مجلدات ُ‬
‫ٍ‬ ‫تعليقات وأر ٍاء ضمن‬
‫ٍ‬ ‫ك َتب ابن ُرشد كل ش يء فكر فيه من‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫والتعمق في محتواها غربيا ألامر الذي‬ ‫العبرية والالتينية‪ ،‬والتي سرعان ما تم التعليق عليها‬ ‫ِ‬
‫يوضح أثر أبي الوليد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالفعل تم اعتبار كتابات أرسطو وابن رشد بترجمتها الالتينية منهجا تعليميا متكامال حيث تم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعليمها في مناهج نابولي (جنوب إيطاليا) الدراسية‪ ،‬وانتقلت منها لتتم مناقشتها أكاديميا في‬
‫جامعات باريس وبولونيا وكلية بادوفا التي أصبحت مدرسة تعلم فكر ابن ُرشد الفلسفية‬
‫ُ‬
‫وتصبح ساحة للبناء عليه‪.‬‬
‫ابن رشد بين العقالنية والفلسفة إلاسالمية‬
‫ُ‬
‫الفالسفة املسلمين الذين سبقوه؛ توجه ابن رشد إلى مناقشة أن الوحي إلاسالمي أو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫كك‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الديني بشكل عام ال بد من أن يسترشد بالتفكر العقلي‪ ،‬واعتبر أن التفكر في هللا وفي أسرار‬
‫الخلق؛ يعتبر أحد أشكال العبادة بل هو أنبلها والذي يقوم على ِإعمال العقل‪.‬‬
‫معمقة في كتاب “تهافت التهافت” الذي ُعرف به خالل ر ِ ّده على طروحات الفقيه‬ ‫وبدراسة َّ‬
‫الكبير أبي حامد العزالي – هذا لكتاب املشهور واملعروف بشكل كبير‪-‬يظهر لنا ابن ُرشد مناظرة‬
‫ّ‬ ‫رائعة ّ‬
‫توفي قبل والدة ابن‬ ‫تجسد الخالف والنزاع الذي لم ينحصر بينه وبين الغزالي( الذي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫جسد أيضا ال ِنزاع الفكري الذي كان دائرا وشغ َل ُ‬‫ً‬ ‫رشد) فحسب؛ بل َّ‬
‫العقول خالل القرون‬
‫الوسطى‪.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫كل ش يء ُ‬ ‫فمن جهة كان يعتقد الغزالي أن َّ‬
‫بتدخل إلهي‬
‫ٍ‬ ‫ويحدث‬ ‫يحدث نتيجة إلرادة إلهية‪،‬‬
‫يطرح أهمية ألي سبب ثانوي يكمن خلف أي أمر‪ ،‬وكان ألامر‬ ‫مستمر‪ ،‬أي أن أبا حامد لم َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ولكنه يعتقد‬ ‫مختلفا لدى ابن ُرشد في جوهره فهو يؤمن بأن إلارادة إلالهية هي وراء كل ش يء‪،‬‬
‫مالحظته من حدوث ألاشياء‬ ‫ُ‬ ‫الفعال والجوهري الذي يتم ألجله ألامر ويمكن‬ ‫“بأن إنكار السبب ّ‬
‫َّ‬
‫… هو إنكار لكل ألاشياء املعروفة‪ ،‬ألامر الذي يعني أننا ال يمكننا أن نتعلم من أي ش يء في‬
‫العالم أو نعرف الغاية منه‪”.‬‬
‫في الوقت الذي انتهى فيه املفكرون الغربيون من إعادة اكتشاف أرسطو وفلسفته عبر ما‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫غني لشخص قام‬ ‫وصل من كتابات ابن رشد املترجمة‪ ،‬فقد وجدوا أنفسهم أمام مخزو ٍن فكر ٍي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫باملعلق‬
‫باستيعاب وهضم الفلسفة منذ نشأتها‪ ،‬بل قام أيضا بتطويرها حتى زمنهم‪ ،‬فسموه ِ‬
‫العظيم وتأثروا بكل ما وصل إليهم منه‪.‬‬
‫في الواقع حتى الفالسفة وعلماء الالهوت الغربيين انقسموا فريقين وذلك عندما اطلعوا على‬
‫نتاج ابن ُرشد الفكري‪ :‬املجموعة ألاولى تتمثل بالليبراليين الذي قاموا باتباع منهج ابن رشد‬
‫ً‬
‫وتأييده وسمو فيما بعد بالرشديين “أفروستينن” تبعا ألسم مدرسة ابن رشد وكان على رأسهم‬
‫فيلسوف القرن الثالث عشر سيغر برابانت‪.‬‬
‫ُ‬
‫بينما املجموعة الثانية تتضمن الرهبان الفرنسيس كان املحافظين وهم ناهضوا فكر وفلسفة‬
‫الرشدية وكان على رأسهم الراهب توما ألاكويني والذي هو من ُزعماء رهبان الدومينكان‪.‬‬
‫في الواقع؛ كان الخالف الدائر يحتشد ويتمحور حول كل من القضايا الفلسفية‪ ،‬العملية‬
‫َّ‬
‫والتجريدية امليتافيزيقية‪ ،‬ولكن مع كل هذه الخالفات؛ إال أنه حتى املعارضين لفلسفة ابن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رشد لم يتمكنوا من التخلي التام عن تأثيره فقد كان فهمهم ألرسطو مشروطا بما كتبته أبو‬
‫الوليد‪.‬‬

You might also like