Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫نــــشـــــــأة وتــــــطـــــور الســـــــجـــــــــــون‬

‫ارتب ط تط ور الس جون بتط ور أغ راض العقوب ة على م ر العص ور التاريخي ة المتعاقب ة‪ ،‬ففي‬
‫المجتمعات القديمة حيث كان الغرض من العقوبة هو إشباع شهوة االنتقام لدى المجني عليه‬
‫وذويه‪ ،‬سادت العقوبات البدنية التي ال يستغرق تنفيذها وقتا طويًال‪ ،‬كاإلعدام وبتر األعضاء‪،‬‬
‫وك انت الس جون في تل ك الف ترة مج رد أم اكن يحج ز فيه ا المتهم أو المحك وم علي ه إم ا انتظ ارا‬
‫لمحاكمت ه أو تمهي دا لتنفي ذ العقوب ة علي ه‪ .‬ولم تهتم المجتمع ات القديم ة ب أمر ه ذه الس جون وال‬
‫بظ روف من ي ودع فيه ا‪ ،‬فك انت إم ا زنزان ات مظلم ة تحت س طح األرض أو حف را عميق ة‬
‫يصعب الخروج منها‪ .‬وكانت تتميز بقسوة الحياة داخلها وانعدام الرعاية الصحية للنزالء أو‬
‫االهتمام بتغذيتهم أو كسوتهم‪ ،‬إضافة إلى تكدسهم فيها دون تمييز أو تصنيف‪.‬‬
‫ومع ظهور الديانة المسيحية وانتشار تعاليمها أنشئت السجون الكنيسية وكان رجال الكنيسة‬
‫ينظرون إلى الجريمة على أنها إثم أو خطيئة‪ ،‬ويعتبرون المجرم شخصا عاديا كغيره من أفراد‬
‫المجتمع ولكنه شخص مذنب عليه التوبة‪ .‬وتحقق التوبة في نظرهم يستلزم انعزال المذنب عن‬
‫المجتمع لكي يناجي اهلل في عزلته‪ ،‬وتقديم يد العون والمساعدة إليه حتى تقبل توبته‪ ،‬ومن هنا‬
‫نشأت فكرة السجن االنفرادي للمجرمين واالهتمام بتهذيبهم وإ صالحهم وتأهيلهم‪.‬‬
‫وه ذا االنف راد ك ان يتحق ق ب العزل ليًال‪ ،‬والعم ل الجم اعي نه ارا م ع ال تزام الص مت ح تى ال‬
‫يتفشى الفساد بين المذنبين‪ ،‬وإ ما يتحقق بالفصل التام دون السماح باالختالط إال بصفة استثنائية‬
‫عند أداء الفرائض الدينية واالحتفاالت أو غير ذلك من المناسبات‪.‬‬
‫وك ان من المنتظ ر أن تش هد الس جون المدني ة حرك ة إص الح كامل ة ت واكب فيه ا الس جون‬
‫الكنيسية ولكن المتتبع لتطور السجون المدنية يالحظ أَّن هذا التطور بدأ بطيئا‪ ،‬فحتى منتصف‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬ظلت السجون القديمة على حالها من السوء‪ ،‬ب ْل تفاقمت تلك الحالة بعد‬
‫ذلك التاريخ بسبب تقرير عقوبة سلب الحرية بالنسبة لبعض الجرائم غير الخطيرة‪.‬‬
‫ولعل السبب في ذلك يرجع إلى النظرة إلى المحكوم عليهم على أنهم أشخاص غير عاديين‬
‫أو مواط نين من الدرج ة الثاني ة‪ ،‬كم ا أن أغ راض العقوب ة ظلت لف ترة طويل ة مقتص رة على‬
‫الردع والزجر واإليالم‪.‬‬
‫ونظ را للحال ة ال تي آلت إليه ا الس جون المدني ة بالمقارن ة م ع الس جون الكنيس ية وبفض ل تأثير‬
‫تعاليم الديانة المسيحية كان ميالد السجون الحديثة‪ .‬ويعتبر سجن برايدويل أول هذه السجون‪،‬‬
‫حيث أطل ق علي ه أس م دار اإلص الح‪ ،‬وك ان الغ رض من إنش ائه ه و ت أديب المنح رفين‬
‫والمتش ردين وإ جب ارهم على العم ل‪ ،‬إذ ك ان المحك وم عليهم يخض عون في ه للعم ل والنظ ام في‬
‫ذات ال وقت ح تى يمكن استئص ال ع ادة الكس ل من نفوس هم وإ خ راجهم من حال ة التش رد ال تي‬
‫يعيشون عليها‪ .‬وعلى إثر نجاح تجربة هذا السجن توالى انتشار هذه السجون في مناطق عدة‬
‫سواء داخل إنجلترا أو إخراجها‪.‬‬
‫وتج در اإلش ارة إلى أَّن وظيف ة الس جون بقيت على حاله ا بوص فها أم اكن انتظ ار بالنس بة‬
‫للمتهمين أو المحك وم عليهم‪ ،‬وك ذلك باعتباره ا أم اكن لتنفي ذ العقوب ة الس البة للحري ة بالنس بة‬
‫للج رائم غ ير الخط رة‪ .‬أم ا بالنس بة للج رائم الخط يرة‪ ،‬فلم تكن تل ك الس جون مخصص ة لتنفي ذ‬
‫عقوباته ا‪ ،‬وإ نم ا ك انت توق ع على المج رمين الخط رين عقوب ات بدني ة مث ل اإلع دام وب تر‬
‫األعض اء‪ ،‬والجل د‪ ،‬وق د ألغيت بعض العقوب ات البدني ة فيم ا بع د‪ ،‬واس تبدلت به ا عقوب ات س البة‬
‫للحرية‪ ،‬إّال أّن تنفيذ تلك األخيرة كان مصحوبا بقسوة وشدة وتجعل درجة إيالمها قريبة من‬
‫العقوبات البدنية الملغاة مثل التعذيب البدني‪ ،‬التجديف في السفن القديمة‪ ،‬اإليداع في كان مظلم‪،‬‬
‫كما استحدثت وسيلة أخرى وهي النفي خارج البالد‪.‬‬
‫ولم تع رف الس جون تط ورًا في أنظمته ا إال م ع انتش ار ال دعوات الفكري ة‪ ،‬ال تي ظه رت في‬
‫الق رن الث امن عش ر‪ ،‬إلى اح ترام حق وق اإلنس ان وحماي ة الحري ات الفردي ة وتط بيق مب ادئ‬
‫الديمقراطية والتي انعكست آثارها على السياسة العقابية‪ ،‬فقد عني علماء العقاب بتحديد أهداف‬
‫العقوب ات الس البة للحري ة‪ ،‬وفي مق دمتها ال ردع الخ اص‪ ،‬عن طري ق تأهي ل المحك وم عليهم‬
‫وإ ع دادهم لمواجه ة المجتم ع دون أن يع ودوا إلى ارتك اب الجريم ة‪ ،‬وأهم وس ائل التأهي ل هي‬
‫ف رض العم ل داخ ل الس جون‪ ،‬وهك ذا أض يف العم ل إلى م ا س بق للكنيس ة إق راره من تعليم‬
‫وتهذيب المحكوم عليهم‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه األفكار الجديدة اتجهت الدراسات في القرن التاسع عشر إلى إعداد السجون‬
‫حتى تستطيع القيام بتحقيق أغراض العقوبة‪ ،‬وأنشئت سجون في دول عديدة استهدفت استبعاد‬
‫النظام الجماعي وتحقيق المبادئ العقابية الجديدة‪ ،‬ولكنها اختلفت في النظام الذي تبنته لتحقيقها‪.‬‬
‫وتم يز الق رن العش رون بتط بيق أس اليب المعامل ة العقابي ة ال تي ته دف إلى تحقي ق أغ راض‬
‫العقوبة‪ ،‬ومن هذه األساليب تصنيف المحكوم عليهم ومعاملة كل طائفة باألسلوب الذي يتناسب‬
‫معه ا بحيث يه دف إلى استئص ال الن وازع اإلجرامي ة ل دى أفراده ا‪ ،‬وق د أنش ئت في س بيل ذل ك‬
‫السجون الخاصة‪ ،‬وكان من أهمها تلك الخاصة باألحداث والتي أنشئت تجنبا لآلثار الخطيرة‬
‫ال تي ت ترتب على مخ الطتهم للمج رمين الب الغين‪ ..‬وأدن اه فك رة م وجزة عن ت أريخ تط ور‬
‫السجون‪:‬‬
‫أوًال ‪ /‬الســــجــــون فــــــي الــــــقــــــرون الـــــوســـــطـــــــى‪:‬‬
‫ك ــان الس ــجن ع ـ ـق ـ ــوب ـ ـ ـ ــة غير محددة المـــدة وال تستهدف سوى االنتقام واإلرهاب‪ ,‬حيث كان‬
‫اله دف من العقوب ة ه و الـــردع‪ ,‬وك ـــان الس جناء ي ــوض ـ ـعـــون في س راديب مظلم ة غ ير ص حية‬
‫وُيـ ـَك ـ ـ ـَبـــلون بسالس ل حديدي ة م ع التع ذيب واإلرغ ام على القي ام بأعم ال الس خرة‪ .‬ولـــم ي ـكــن‬
‫اإلش راف على الس جون ُم ـــناط بـــأمر من الس لطة العام ة‪ ,‬ب ل يت واله أف ـــراد يـ ـحـ ـصـــلون على‬
‫ُأُج ــوِر هم من النزالء أنفسهم أو من ُأسرهم‪ ,‬ثم ظـ ـه ــرت السجون التي تسيطر عليها الدول ة‪ ,‬ولم‬
‫تـــكن هن اك أبني ة ُتـ ـنـ ـشـــأ خصيص ًا للس جون ب ل ك انت أبني ة الس جون عب ارة عن قالع وحص ون‬
‫قديمة ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ /‬الســــجــــــون فــــــي العــــــصــــــــر الـــحــــديـــــــــث‪:‬‬
‫تع ود نش أة الس جون الحديث ة إلى أس باب كث يرة منه ا‪ :‬سـ ــياسـ ـيـ ـ ـ ـــة كـ ــان ــهيـ ـ ـــار اإلقط اع‪,‬‬
‫والعوام ـ ــل الدينيـ ـ ــة التي كان لها مساهمة جلية في تطور السجون‪ ,‬واألسباب االقتصادية التي‬
‫ترج ع إلى الث ورة الص ناعية وم ا نجم عنه ا من هج رة إلى المدين ة وتع رض المه اجرين إلى‬
‫التش رد وحال ة الفقر التي كانوا يعيش ونها وق د أدى ذل ك إلى ارتكابهم لج رائم الس رقة البس يطة‪,‬‬
‫ف أدى ذل ك إلى ازدح ام الس جون ب المحكوم عليهم‪ .‬وقـــد لعب بعض الُم ص لحين دورًا كب يرًا في‬
‫تطور السجون‪ ,‬ومن أشهرهم جون هوارد اإلنكليزي الذي كرس حياته لتطوير السجون‪ ,‬وقـــام‬
‫بزيارة الكثير من سجون الدول األوربية وألف كتابه الشهير” حــالـ ــة السـ ـج ــون” الذي ُنـــِش َر عام‬
‫‪ ,1777‬ونادى بضرورة عزل السجناء مع توفير العمل الجاد لهم وإ يجاد نظام صحي متكامل‬
‫من ناحية التهوية والتغذية‪ .‬وقد وجدت هذه األفكار ترحيب ًا في الواليات المتحدة األمريكية بعد‬
‫استقاللها‬
‫وي ــعد هذا ال ـ ـق ـ ــرن عص ــرًا جديدًا في الـ ـن ـــظام العقابـ ـــي؛ إذا حظيت السجون باهتمام كبير في‬
‫مج ال أس اليب المعامل ة العقابي ة‪ ,‬واتجهت نح و تص نيف ال نزالء وت ـ ـخ ـ ـص ـ ـيـ ـــص الس جون ‪,‬وق د‬
‫ض مت المؤسس ة العقابي ة العدي د من األخص ائيين في مختل ف الن واحي الطبي ة والنفس ية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫وق ـ ــد اهـ ـت ــمت المـ ــؤت ـ ـمـ ــرات الدولية بالس ـ ـجـ ـ ــون ووضـــعت ال ـتـــوصيات الالزمة في إصالحها‬
‫وتطوريه ا؛ حيث ان ـ ـعـ ـقـــد الم ؤتمر ال دولي األول للس جون في لن دن ع ام ‪ ,1872‬والم ؤتمر‬
‫الدولي الثاني في استكهولم عام ‪ ,1878‬وهكذا توالت المؤتمرات حتى بلغ عددها اثني عشر‬
‫م ؤتمرًا‪ .‬وع ـ ـقـ ـــدت مـ ـن ـــظمة اُألمم المتح دة ع ـــدة م ؤتمرات وخاص ًة في مكافح ة الجريم ة‬
‫ومعامل ة الم ذنبين‪ ,‬ك ان أوله ا في جـ ـن ـــيف عام ‪ ,1955‬والث اني في لـــندن عام ‪ ,1960‬والث الث‬
‫في مدينة استكهولم عام ‪ ,1965‬والرابع في مدينة كيوتو اليابانية عام ‪.1970‬‬
‫وفي ‪ / 30‬آب ‪ , 1955 /‬أق رت الجمعي ة العام ة للم ؤتمر ال دولي األول لُألمم المتح دة في‬
‫مكافح ة الجـ ــريـ ـمـــة ومعامل ة الم ذنبين في ج نيف ” مش روع قواع د الح د األدنى لمعامل ة‬
‫المس جونين" وق د اعتم د المجلس االقتص ادي واالجتم اعي لُألمم المتح دة ه ذه القواع د في ق راره‬
‫المرقم ‪/ 663‬ج ‪ /‬بتاريخ ‪ / 31 /‬تموز ‪.1957 /‬‬
‫ويمكن تعري ف” مجموع ة قواع د الح د األدنى لمعامل ة المس جونين” بأنه ا‪ :‬مجموع ة المب ادئ‬
‫واألسس التي تحدد أقل األوض ـــاع والمـ ـع ــايـ ـيـــر المـ ـقـ ـبـــولة لمعاملة مختلف طوائف المسجونين‬
‫الب الغين‪ ,‬وتنظيم وإ دارة مؤسس اتهم طبق ًا لآلراء و الممارس ات المعاص رة لعم العق اب الح ديث‪.‬‬
‫وتعد هذه القواعد أهم وثيقة دولية لـ ـتـ ـنـ ـظـــيم السجون يـ ـعـــمل بموجبها في الوقت الحاضر‪ ,‬فهي‬
‫تمثل خ ــالصـ ــة الن ـظـ ــرة اإلنسانية المتطورة في مجال التنفيذ العقابي ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ /‬تـــطـــــور المـــؤسســـــــات العقـــــابية فـــــي العــــــراق‪:‬‬
‫يع ود ت اريخ أَّو ل س جن في الع راق إلى ع ام ‪ ,1918‬حيث أنش أت الحكوم ة آن ذاك <> ال ذي‬
‫ك ان مؤلف ًا من ع دة غ رف في وزارة ال دفاع‪ .‬وف ـــي ف ترة االحتالل األجن بي تم تأس يس س جن‬
‫جديد في بغداد باسم <> وترجع هذه التسمية إلى كونه محاط ًا باألسالك الشائكة‪ ,‬ثم ُأنشئ <>‬
‫في منطقة باب المعظم الذي انتقل بعد ذلك إلى منطقة أبو غريب‪.‬‬
‫أم ا القوانين ال تي تنظم الس جون‪ ,‬فقد ص در أّو ل ق انون خ اص بالس جون عام ‪ ,1924‬أال أن ه‬
‫ُألغَّي بق انون رقم ‪66‬لع ام ‪ ,1936‬ال ذي ظ ل ناف ذًا ح تى ص دور الق انون رقم ‪151‬لع ام ‪,1969‬‬
‫ال ذي ُأنش أت بموجب ه مص لحة الس جون لتت ولى اإلش راف على الس جون في كاف ة أنح اء القط ر‪.‬‬
‫وأخيرًا صدر قانون المؤسسة العاملة لإلصالح االجتماعي رقم ‪ 104‬لعام ‪.1981‬‬
‫وفي ال وقت الحض ر يوج د سـ ـ ـجـ ـ ـــن مرك زي واح د في محافظ ة بغ داد في منطق ة أب و غ ريب‬
‫والذي ُبدلت تسميته إلى المؤسسة العامة لإلصالح االجتماعي‪ ,‬وثالثة سجون فرعية في ثالث‬
‫محافظات هي البصرة‪ ,‬ونينوى‪ ,‬وبابل‪.‬‬

You might also like