Professional Documents
Culture Documents
8_2017_11_17!08_28_20_PM 2
8_2017_11_17!08_28_20_PM 2
ارتب ط تط ور الس جون بتط ور أغ راض العقوب ة على م ر العص ور التاريخي ة المتعاقب ة ،ففي
المجتمعات القديمة حيث كان الغرض من العقوبة هو إشباع شهوة االنتقام لدى المجني عليه
وذويه ،سادت العقوبات البدنية التي ال يستغرق تنفيذها وقتا طويًال ،كاإلعدام وبتر األعضاء،
وك انت الس جون في تل ك الف ترة مج رد أم اكن يحج ز فيه ا المتهم أو المحك وم علي ه إم ا انتظ ارا
لمحاكمت ه أو تمهي دا لتنفي ذ العقوب ة علي ه .ولم تهتم المجتمع ات القديم ة ب أمر ه ذه الس جون وال
بظ روف من ي ودع فيه ا ،فك انت إم ا زنزان ات مظلم ة تحت س طح األرض أو حف را عميق ة
يصعب الخروج منها .وكانت تتميز بقسوة الحياة داخلها وانعدام الرعاية الصحية للنزالء أو
االهتمام بتغذيتهم أو كسوتهم ،إضافة إلى تكدسهم فيها دون تمييز أو تصنيف.
ومع ظهور الديانة المسيحية وانتشار تعاليمها أنشئت السجون الكنيسية وكان رجال الكنيسة
ينظرون إلى الجريمة على أنها إثم أو خطيئة ،ويعتبرون المجرم شخصا عاديا كغيره من أفراد
المجتمع ولكنه شخص مذنب عليه التوبة .وتحقق التوبة في نظرهم يستلزم انعزال المذنب عن
المجتمع لكي يناجي اهلل في عزلته ،وتقديم يد العون والمساعدة إليه حتى تقبل توبته ،ومن هنا
نشأت فكرة السجن االنفرادي للمجرمين واالهتمام بتهذيبهم وإ صالحهم وتأهيلهم.
وه ذا االنف راد ك ان يتحق ق ب العزل ليًال ،والعم ل الجم اعي نه ارا م ع ال تزام الص مت ح تى ال
يتفشى الفساد بين المذنبين ،وإ ما يتحقق بالفصل التام دون السماح باالختالط إال بصفة استثنائية
عند أداء الفرائض الدينية واالحتفاالت أو غير ذلك من المناسبات.
وك ان من المنتظ ر أن تش هد الس جون المدني ة حرك ة إص الح كامل ة ت واكب فيه ا الس جون
الكنيسية ولكن المتتبع لتطور السجون المدنية يالحظ أَّن هذا التطور بدأ بطيئا ،فحتى منتصف
القرن السادس عشر ،ظلت السجون القديمة على حالها من السوء ،ب ْل تفاقمت تلك الحالة بعد
ذلك التاريخ بسبب تقرير عقوبة سلب الحرية بالنسبة لبعض الجرائم غير الخطيرة.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى النظرة إلى المحكوم عليهم على أنهم أشخاص غير عاديين
أو مواط نين من الدرج ة الثاني ة ،كم ا أن أغ راض العقوب ة ظلت لف ترة طويل ة مقتص رة على
الردع والزجر واإليالم.
ونظ را للحال ة ال تي آلت إليه ا الس جون المدني ة بالمقارن ة م ع الس جون الكنيس ية وبفض ل تأثير
تعاليم الديانة المسيحية كان ميالد السجون الحديثة .ويعتبر سجن برايدويل أول هذه السجون،
حيث أطل ق علي ه أس م دار اإلص الح ،وك ان الغ رض من إنش ائه ه و ت أديب المنح رفين
والمتش ردين وإ جب ارهم على العم ل ،إذ ك ان المحك وم عليهم يخض عون في ه للعم ل والنظ ام في
ذات ال وقت ح تى يمكن استئص ال ع ادة الكس ل من نفوس هم وإ خ راجهم من حال ة التش رد ال تي
يعيشون عليها .وعلى إثر نجاح تجربة هذا السجن توالى انتشار هذه السجون في مناطق عدة
سواء داخل إنجلترا أو إخراجها.
وتج در اإلش ارة إلى أَّن وظيف ة الس جون بقيت على حاله ا بوص فها أم اكن انتظ ار بالنس بة
للمتهمين أو المحك وم عليهم ،وك ذلك باعتباره ا أم اكن لتنفي ذ العقوب ة الس البة للحري ة بالنس بة
للج رائم غ ير الخط رة .أم ا بالنس بة للج رائم الخط يرة ،فلم تكن تل ك الس جون مخصص ة لتنفي ذ
عقوباته ا ،وإ نم ا ك انت توق ع على المج رمين الخط رين عقوب ات بدني ة مث ل اإلع دام وب تر
األعض اء ،والجل د ،وق د ألغيت بعض العقوب ات البدني ة فيم ا بع د ،واس تبدلت به ا عقوب ات س البة
للحرية ،إّال أّن تنفيذ تلك األخيرة كان مصحوبا بقسوة وشدة وتجعل درجة إيالمها قريبة من
العقوبات البدنية الملغاة مثل التعذيب البدني ،التجديف في السفن القديمة ،اإليداع في كان مظلم،
كما استحدثت وسيلة أخرى وهي النفي خارج البالد.
ولم تع رف الس جون تط ورًا في أنظمته ا إال م ع انتش ار ال دعوات الفكري ة ،ال تي ظه رت في
الق رن الث امن عش ر ،إلى اح ترام حق وق اإلنس ان وحماي ة الحري ات الفردي ة وتط بيق مب ادئ
الديمقراطية والتي انعكست آثارها على السياسة العقابية ،فقد عني علماء العقاب بتحديد أهداف
العقوب ات الس البة للحري ة ،وفي مق دمتها ال ردع الخ اص ،عن طري ق تأهي ل المحك وم عليهم
وإ ع دادهم لمواجه ة المجتم ع دون أن يع ودوا إلى ارتك اب الجريم ة ،وأهم وس ائل التأهي ل هي
ف رض العم ل داخ ل الس جون ،وهك ذا أض يف العم ل إلى م ا س بق للكنيس ة إق راره من تعليم
وتهذيب المحكوم عليهم.
وفي ضوء هذه األفكار الجديدة اتجهت الدراسات في القرن التاسع عشر إلى إعداد السجون
حتى تستطيع القيام بتحقيق أغراض العقوبة ،وأنشئت سجون في دول عديدة استهدفت استبعاد
النظام الجماعي وتحقيق المبادئ العقابية الجديدة ،ولكنها اختلفت في النظام الذي تبنته لتحقيقها.
وتم يز الق رن العش رون بتط بيق أس اليب المعامل ة العقابي ة ال تي ته دف إلى تحقي ق أغ راض
العقوبة ،ومن هذه األساليب تصنيف المحكوم عليهم ومعاملة كل طائفة باألسلوب الذي يتناسب
معه ا بحيث يه دف إلى استئص ال الن وازع اإلجرامي ة ل دى أفراده ا ،وق د أنش ئت في س بيل ذل ك
السجون الخاصة ،وكان من أهمها تلك الخاصة باألحداث والتي أنشئت تجنبا لآلثار الخطيرة
ال تي ت ترتب على مخ الطتهم للمج رمين الب الغين ..وأدن اه فك رة م وجزة عن ت أريخ تط ور
السجون:
أوًال /الســــجــــون فــــــي الــــــقــــــرون الـــــوســـــطـــــــى:
ك ــان الس ــجن ع ـ ـق ـ ــوب ـ ـ ـ ــة غير محددة المـــدة وال تستهدف سوى االنتقام واإلرهاب ,حيث كان
اله دف من العقوب ة ه و الـــردع ,وك ـــان الس جناء ي ــوض ـ ـعـــون في س راديب مظلم ة غ ير ص حية
وُيـ ـَك ـ ـ ـَبـــلون بسالس ل حديدي ة م ع التع ذيب واإلرغ ام على القي ام بأعم ال الس خرة .ولـــم ي ـكــن
اإلش راف على الس جون ُم ـــناط بـــأمر من الس لطة العام ة ,ب ل يت واله أف ـــراد يـ ـحـ ـصـــلون على
ُأُج ــوِر هم من النزالء أنفسهم أو من ُأسرهم ,ثم ظـ ـه ــرت السجون التي تسيطر عليها الدول ة ,ولم
تـــكن هن اك أبني ة ُتـ ـنـ ـشـــأ خصيص ًا للس جون ب ل ك انت أبني ة الس جون عب ارة عن قالع وحص ون
قديمة .
ثانيًا /الســــجــــــون فــــــي العــــــصــــــــر الـــحــــديـــــــــث:
تع ود نش أة الس جون الحديث ة إلى أس باب كث يرة منه ا :سـ ــياسـ ـيـ ـ ـ ـــة كـ ــان ــهيـ ـ ـــار اإلقط اع,
والعوام ـ ــل الدينيـ ـ ــة التي كان لها مساهمة جلية في تطور السجون ,واألسباب االقتصادية التي
ترج ع إلى الث ورة الص ناعية وم ا نجم عنه ا من هج رة إلى المدين ة وتع رض المه اجرين إلى
التش رد وحال ة الفقر التي كانوا يعيش ونها وق د أدى ذل ك إلى ارتكابهم لج رائم الس رقة البس يطة,
ف أدى ذل ك إلى ازدح ام الس جون ب المحكوم عليهم .وقـــد لعب بعض الُم ص لحين دورًا كب يرًا في
تطور السجون ,ومن أشهرهم جون هوارد اإلنكليزي الذي كرس حياته لتطوير السجون ,وقـــام
بزيارة الكثير من سجون الدول األوربية وألف كتابه الشهير” حــالـ ــة السـ ـج ــون” الذي ُنـــِش َر عام
,1777ونادى بضرورة عزل السجناء مع توفير العمل الجاد لهم وإ يجاد نظام صحي متكامل
من ناحية التهوية والتغذية .وقد وجدت هذه األفكار ترحيب ًا في الواليات المتحدة األمريكية بعد
استقاللها
وي ــعد هذا ال ـ ـق ـ ــرن عص ــرًا جديدًا في الـ ـن ـــظام العقابـ ـــي؛ إذا حظيت السجون باهتمام كبير في
مج ال أس اليب المعامل ة العقابي ة ,واتجهت نح و تص نيف ال نزالء وت ـ ـخ ـ ـص ـ ـيـ ـــص الس جون ,وق د
ض مت المؤسس ة العقابي ة العدي د من األخص ائيين في مختل ف الن واحي الطبي ة والنفس ية
واالجتماعية.
وق ـ ــد اهـ ـت ــمت المـ ــؤت ـ ـمـ ــرات الدولية بالس ـ ـجـ ـ ــون ووضـــعت ال ـتـــوصيات الالزمة في إصالحها
وتطوريه ا؛ حيث ان ـ ـعـ ـقـــد الم ؤتمر ال دولي األول للس جون في لن دن ع ام ,1872والم ؤتمر
الدولي الثاني في استكهولم عام ,1878وهكذا توالت المؤتمرات حتى بلغ عددها اثني عشر
م ؤتمرًا .وع ـ ـقـ ـــدت مـ ـن ـــظمة اُألمم المتح دة ع ـــدة م ؤتمرات وخاص ًة في مكافح ة الجريم ة
ومعامل ة الم ذنبين ,ك ان أوله ا في جـ ـن ـــيف عام ,1955والث اني في لـــندن عام ,1960والث الث
في مدينة استكهولم عام ,1965والرابع في مدينة كيوتو اليابانية عام .1970
وفي / 30آب , 1955 /أق رت الجمعي ة العام ة للم ؤتمر ال دولي األول لُألمم المتح دة في
مكافح ة الجـ ــريـ ـمـــة ومعامل ة الم ذنبين في ج نيف ” مش روع قواع د الح د األدنى لمعامل ة
المس جونين" وق د اعتم د المجلس االقتص ادي واالجتم اعي لُألمم المتح دة ه ذه القواع د في ق راره
المرقم / 663ج /بتاريخ / 31 /تموز .1957 /
ويمكن تعري ف” مجموع ة قواع د الح د األدنى لمعامل ة المس جونين” بأنه ا :مجموع ة المب ادئ
واألسس التي تحدد أقل األوض ـــاع والمـ ـع ــايـ ـيـــر المـ ـقـ ـبـــولة لمعاملة مختلف طوائف المسجونين
الب الغين ,وتنظيم وإ دارة مؤسس اتهم طبق ًا لآلراء و الممارس ات المعاص رة لعم العق اب الح ديث.
وتعد هذه القواعد أهم وثيقة دولية لـ ـتـ ـنـ ـظـــيم السجون يـ ـعـــمل بموجبها في الوقت الحاضر ,فهي
تمثل خ ــالصـ ــة الن ـظـ ــرة اإلنسانية المتطورة في مجال التنفيذ العقابي .
ثالثًا /تـــطـــــور المـــؤسســـــــات العقـــــابية فـــــي العــــــراق:
يع ود ت اريخ أَّو ل س جن في الع راق إلى ع ام ,1918حيث أنش أت الحكوم ة آن ذاك <> ال ذي
ك ان مؤلف ًا من ع دة غ رف في وزارة ال دفاع .وف ـــي ف ترة االحتالل األجن بي تم تأس يس س جن
جديد في بغداد باسم <> وترجع هذه التسمية إلى كونه محاط ًا باألسالك الشائكة ,ثم ُأنشئ <>
في منطقة باب المعظم الذي انتقل بعد ذلك إلى منطقة أبو غريب.
أم ا القوانين ال تي تنظم الس جون ,فقد ص در أّو ل ق انون خ اص بالس جون عام ,1924أال أن ه
ُألغَّي بق انون رقم 66لع ام ,1936ال ذي ظ ل ناف ذًا ح تى ص دور الق انون رقم 151لع ام ,1969
ال ذي ُأنش أت بموجب ه مص لحة الس جون لتت ولى اإلش راف على الس جون في كاف ة أنح اء القط ر.
وأخيرًا صدر قانون المؤسسة العاملة لإلصالح االجتماعي رقم 104لعام .1981
وفي ال وقت الحض ر يوج د سـ ـ ـجـ ـ ـــن مرك زي واح د في محافظ ة بغ داد في منطق ة أب و غ ريب
والذي ُبدلت تسميته إلى المؤسسة العامة لإلصالح االجتماعي ,وثالثة سجون فرعية في ثالث
محافظات هي البصرة ,ونينوى ,وبابل.