Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
Untitled
يوسف إدريس
• كان غريب ا أ ن تس أل طفل ة ص غيرة مثله ا إنس انا ك بيرا مثل ي ال
تعرفه ،في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله ،وكان ما
تحمل ه معقدا حق ا ففوق رأس ها تس تقر "ص ينية بطاط س بالفرن".
وفوق هذه الص ينية الص غيرة يس توي حوض ،ق د انزل ق رغ م
قبضته ا الدقيق ة الت ي اس تماتت علي ه حت ى أص بح م ا تحمل ه كل ه
مهددا بالسقوط .
• ول م تط ل دهشت ي وأن ا أحدق ف ي الطفل ة الص غيرة الحيرى،
وأسرعت إلنقاذ الحمل وتلمست سبال كثيرة ،وأنا أسوي الصينية
فيمي ل الحوض ،وأعدل م ن وض ع الص اج فتمي ل الص ينية ،ث م
أضبطهما معا فيميل رأسها هي .ولكنني نجحت أخيرا في تثبيت
الحمل ،وزيادة في االطمئنان نصحتها أن تعود إلى الفرن ،وكان
قريب ا حي ث تترك الص اج وتعود فتأخذه .لس ت أدري م ا دار ف ي
رأسها فما كنت أرى لها رأسا وقد حجبه الحمل .
• ك ل م ا حدث أنه ا انتظرت قليال لتتأك د م ن قبضته ا ث م مض ت
وهي تغمغم بكالم كثير لم تلتقط أذني منه إال كلمة "ستي".
• ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم
بالس يارات ،وال ع ن ثوبه ا القدي م الواس ع المهله ل الذي يشب ه
قطع ة القماش الت ي ينظ ف به ا الفرن ،أ و حت ى ع ن رجليه ا
اللتين كانتا تطالن من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.
• وراقبته ا ف ي عج ب وه ي تنش ب قدميه ا العاريتي ن كمخال ب
الكتكوت في األرض ،وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك
بالفتحات الص غيرة الداكن ة الس وداء ف ي وجهه ا وتخط و
خطوات ثابتة قليلة وقد تتمايل بعض الشيء؛ ولكنها سرعان
ما تستأنف المضي .راقبتها طويال حتى امتصتني كل دقيقة
من حركاتها فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.
• أخيرا اس تطاعت الخادم ة الطفل ة أ ن تخترق الشارع
المزدح م ،ف ي بط ء كحكم ة الكبار .واس تأنفت س يرها
على الجانب اآلخر ،وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف
وال تتحرك .وكادت عرب ة تدهمن ي ،وأن ا أس رع
إلنقاذه ا ،وحي ن وص لت كان ك ل شي ء على م ا يرام
والحوض والص ينية ف ي أت م اعتدال أم ا ه ي فكان ت
واقف ة ف ي ثبات تتفرج ،ووجهه ا المنكم ش األس مر
يتاب ع كرة المطاط يتقاذفه ا أطفال ف ي مث ل حجمه ا
وأكبر منها ،وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.
• ولم تلحظني ،ولم تتوقف كثيرا فمن جديد راحت
مخالبها الدقيقة تمضي بها.
وقب ل أ ن تنحرف اس تدارت عل ى مه ل واس تدار
الحم ل معه ا ،وألق ت عل ى الكرة واألطفال نظرة
طويلة ثم ابتلعتها الحارة.
التحليل
• عنوان القصة
يحم ل العنوان الذي ل م يتجاوز كلم ة واحدة ،عددا م ن الدالالت •
الت ي نكتشفه ا بع د االنتهاء م ن متابع ة أحداث الواقع ة ف ي إطاره ا
القصصي ومنها:
نظرة الطفلة بما فيها من حسرة على واقع تعيشه ،في مقابل حياة •
اقرانها الذين أتيحت لهم وسائل الراحة واللعب.
نظرة الكاتب السارد للواقع االجتماعي الذي يحرم طفلة من متاع •
طفولتها وبراءتها ويجبرها على العمل.
موقف الكاتب اإلنساني للفقراء والمسحوقين. •
• األحداث:
• اعتم د الس ارد عل ى تطور الحدث ونموه باقتناص الحدث من ذ أ ن
طلب ت الطفل ة من ه أ ن يس اعدها ف ي تعدي ل م ا تحمل ه عل ى رأس ها،
ببراءة وعفوية ،مع تسجيل مشهد االستغراب المكثف بقوله :كان
غريبا ،وقدم لنا وصفا للطفلة وما تحمله ،بما له أهمية في تصاعد
الحدث ونموه ،حيث بدأ التوتر يظهر خالل محاولته مساعدتها في
تث بيت الص ينية والص اج ،بص عوبة بالغ ة ،م ع نص يحتها بالعودة
للفرن ،وتخفي ف الحم ل ث م العودة ألخ ذ م ا تبق ى من ه ،ث م تمض ي
الفتاة بخفة ورشاقة ،وهو يراقبها ،وهي تعبر الشارع وتكاد سيارة
تدهمه وهو يحاول مساعدتها من جديد ،وهي واقفة تتابع األطفال
وهم يلعبون ،وتختتم األحداث بإلقاء نظرة على الكرة واألطفال.
• األحداث قصيرة مكثفة ،ولحظة التأزم فيها تمثلت في قابلية وقوع
ما تحمل الطفلة ،انتهت بمساعدة السارد لها.
• الصراع
• تمث ل الص راع ف ي مس ار الموق ف م ن خالل رؤي ة الكات ب
لص راع الطبقات متمثال بواق ع اجتماع ي يحرم األطفال م ن
طفولتهم وما يصاحبها من متعة ،ويجبرهم على العمل.
• كما تمثل في صراع نفسي يمكن استخالصه من تشتت ذهن
الطفل ة بي ن رغبته ا ف ي متابع ة األطفال وه م يلعبون ،م ع مي ل
طبيعي لمشاركتهم ،لوال خوفها من سيدتها التي تعمل عندها،
وق د تجس د الص راع النفس ي م ن خالل رفضه ا العودة للفرن
لتخفيف الحمل وأخذه على دفعتين بتمتمتها وقولها ستي.
الشخصيات: •
السارد :بوصفه راويا للمشهد مشاركا في صناعة الحدث جزئيا، •
ناقال التجربة معززا الفكرة التي اقتنص اللحظة من أجل تقديمها.
وهو شخصية ثانوية اكتفى بتقديم وجهة نظره بشكل غير مباشر
مجريات األحداث ووصف شخصية الطفلة.
الطفلة :وهي شخصية محورية تركزت األحداث عليها وقدم السارد •
لها عددا من األبعاد:
البعد االجتماعي حيث تنتمي لطبقة اجتماعية فقيرة ،يبرز ذلك من •
عملها خادمة ،ومالبسها الرثة المتسخة .وقدميها العاريتين.
البعد الجسدي :قدم لها أصوافا جسدية تتساوق مع الواقع االجتماعي •
الذي خرجت منها من خالل:قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت -
بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء -ووجهها المنكمش األسمر -
مخالبها الدقيقة) والبعد النفسي (الخوف واألمل والحسرة)
الزمان والمكان: •
تميزت القص ة بوحدة الزمان والمكان ،فاألحداث ال •
تتجاوز دقائ ق محدودة ف ي مجمله ا ،والمكان ال يتجاوز
شارع تعبره المارة والسيارات .بوصفه مكانا مفتوحا.
اللغة •
اعتم د القاص عل ى الس رد والوص ف .واكتف ى بالحوار •
المبط ن اعتمادا عل ى ح س المتلق ي ليتوص ل إل ى
مواطنه.
اعتمد على الكثافة والتركيز •
والفصاحة وتوظيف التصوير البياني. •