أوال :تعريف العالقات الدولية. ثانيا :السياق التاريخي لتطور ظاهرة العالقات الدولية. -1مرحلة العصر القديم. -2مرحلة العصر الوسيط. -3مرحلة العصر الحديث. »أوال :تعريف العالقات الدولية «كظاهرة إن إعطاء تعريف محدد للعالقات الدولية وماهيتها هو أمر ليس بتلك السهولة وال الُيسر الذي يعتقده البعض ،بل هو مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد ،وبناء عليه سنعتمد في هذا السياق على مجموعة متنوعة من التعريفات لمجموعة من المفكرين في العالقات الدولية تعكس تنوع وتعدد اتجاهاتهم الفكرية ،منها على سبيل المثال ال الحصر: يعرف هولستي K .J . Holstiالعالقات الدولية بأنها ":عالقات تنشأ داخل كل مجموعة من الكيانات السياسية (قبائل ،دول -مدن، أمم ،إمبراطوريات) تربط بينها تفاعالت تتمّيز بقدر من التواتر ووفق نوع من االنتظام». أما جيمس بريس James Bryceفيرى بأن العالقات الدولية: هي عالقات الدول والشعوب فيما بينها» .في حين يعتبر كوينسي رايت Quincy Wrightبأن العالقات الدولية هي ":عالقات شاملة تشمل مختلف الجماعات في العالقات الدولية سواء أكانت عالقات رسمية أم غير رسمية». وقريبا إلى هذا المعنى يعرف فريديريك هارتمان Frédéric Hartmannبأن مصطلح العالقات الدولية ":يشتمل على كل االتصاالت بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع واألفكار عبر الحدود الوطنية». ومن جانب آخر يعرف سامي عبد الحميد العالقات الدولية بأنها ":كل عالقة ذات طبيعة سياسية أو من شأنها إحداث انعكاسات وآثار سياسية تمتد إلى ما وراء الحدود اإلقليمية لدولة واحدة» .في حين يعرف مارسيل ميرل Marcel Merle العالقات الدولية بأنها ":كل التدفقات التي تعبر الحدود أو حتى تتطلع نحو عبورها ،هي تدفقات يمكن وصفها بالعالقات الدولية وتشمل هذه التدفقات على العالقات بين حكومات الدول وأيضا العالقات بين األفراد والمجموعات العامة أو الخاصة التي تقع على جانبي الحدود». ثانيا :السياق التاريخي لتطور ظاهرة العالقات الدولية العالقات الدولية في العصور القديمة :يقصد بالعصور القديمة تلك الفترة الزمنية الممتدة من اكتشاف البشرية للكتابة إلى غاية انهيار وانقسام اإلمبراطورية الرومانية المقدسة عام 476م. العالقات الدولية في مصر القديمة :كانت السابقة التاريخية المهمة في العالقات الدولية في العالم القديم هي المعاهدة التي أبرمت بين رمسيس الثاني فرعون مصر (حكم في الفترة ما بين 1213 -1279ق.م) وملك الحثيين حاتوشيل الثالث ألجل إنهاء حالة الحرب بين الدولتين حملت شعار "السالم واألخوة إلى األبد" سنة 1259ق.م ،وقد عرفت هذه المعاهدة باسم (اللؤلؤة) واالسم األكثر تداوال بين المؤرخين هو (معاهدة قادش) وقد وصفها المؤرخون بأنها أول معاهدة دولية من نوعها في تاريخ البشرية. ومن أهم المبادئ التي تضمنتها المعاهدة: أهمية المبعوثين والرسل الدبلوماسيين واالعتراف بمركزهم • في تحقيق السياسية الخارجية مبدأ تسليم المجرمين والعفو عنهم ،دون التمييز بين المجرم • العادي والسياسي. التأكيد على إقامة عالقات ودية وإشاعة السالم القائم على • ضمان حرمة أراضي الدولتين ،إلى جانب إقامة التحاف والدفاع المشترك. مبدأ رعاية اآللهة للعهد وتحريم النكث به. • ب -العالقات الدولية عند اإلغريق: لعبت الحضارة اإلغريقية دورا مهما ورائدا في عملية تطور المجتمعات البشرية وُرقّيها ،إذ انتقلت معها اإلنسانية من مرحلة التفكير األسطوري إلى مرحلة التفكير العقالني ،وهو ما انعكس بصورة أو بأخرى على تطور الحقل المعرفي للعالقات الدولية .وقد تجلت أهم انجازات الفكر اإلغريقي في دولة- المدينة الشكل السياسي الجديد الذي طوره اإلغريق في القرن السادس قبل الميالد، حيث تمّيز هذا النمط بقيام دويالت صغيرة في فضاء جغرافي وثقافي موحد ومنسجم نتيجة لصالت الجنس واللغة والدين ،والشيء الوحيد الذي ُيعطي هذه المدن طابع الدويالت هو استقاللها وقّو تها االقتصادية .فنظام دولة -المدينة اإلغريقي أوجد عشرات المدن المتجاورة ذات المصالح المشتركة أو المتضاربة، وعلى هذا األساس دعت الضرورة إلى تنظيم العالقات فيما بين دول المدن اإلغريقية والتي اتسمت بنوع من الثبات والنظام ،فطوروا نظاما دقيقا لالتصال الدبلوماسي ،حيث عرفوا مبدأ التسوية بالتراضي أو المصالحة التي تشير إلى وقف اإلعمال العدائية ،كما تبنوا نظام االتفاقات العلنية والمعاهدات إلى جانب التحالفات والهدنة المقدسة التي تعقد فترة األلعاب األولمبية. ج -العالقات الدولية عند الرومان: لم يختلف الرومان كثيرا عن اإلغريق في اعتقادهم بالتفوق على ما عداهم من الشعوب األخرى التي هي في نظرهم "بربرية" ما يعطيهم الحق في السيطرة عليها واستيعابها وصهرها في البوتقة الرومانية ،لذلك تمّيزت عالقة الرومان بغيرهم من الشعوب واألمم األخرى بالقّو ة عن طريق الحرب وهو ما ساهم بشكل فّعال بسيطرة روما على معظم أرجاء العالم القديم آنذاك .هذه السيطرة جعلت اإلمبراطورية الرومانية تتشكل من عّد ة أعراق وديانات وثقافات متعددة ومنًع ا ألية إمكانية لفقدان سيطرتها على العالم القديم انتهجت روما األساليب العسكرية الخالية من أي شكل من أشكال الدبلوماسية .ومع ذلك ال يمكن اإلنكار بأن العالقات الدولية في عهد الرومان قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطور واالنتظام من خالل المؤتمرات واالتحادات التعاضدية ضمن إطار عام يستهدف خدمة األهداف الخارجية لروما ،فقد عرف الرومان المعاهدات وصياغتها وأشكالها كما أقروا مبدأ احترام العهود وقدسية المواثيق كأساس الستقرار العالقات الدولية. :العالقات الدولية في العصور الوسطى أ -العالقات الدولية في أوروبا المسيحية :إن من أهم المؤثرات التي كان لها الدور األبرز في تطور العالقات الدولية في هذه الحقبة هو الدين المسيحي وانتشاره في كامل أوروبا خاصة بعد أن أصبح الدين الرسمي لإلمبراطورية الرومانية في مراحلها األخيرة بعد اعتناقه من قبل اإلمبراطور قسطنطين ،حيث استطاع أن يربط الوحدات السياسية المختلفة في أوروبا في وحدة سياسية واحدة أّد ت فيما بعد إلى ظهور ما يعرف بـــ " األسرة الدولية المسيحية" يتساوى أفرادها في الحقوق ويتقاسمون المبادئ والقيم نفسها ،وفي نفس الوقت ُيسّلم الجميع للبابا الكاثوليكي بالسلطة الروحية العليا .وبذلك أصبح للكنسية الدور المهيمن في أوروبا عبر الكيان المسيحي الموحد الذي يجمع من خالله البابا للسلطتين الروحية والزمنية وهو ما مّك نه من التدخل في شؤون الملوك والدول ما كان يتعارض مع استقاللها وسيادتها. لذلك شهدت العصور الوسطى في أوروبا صراعا حادا بين الكنيسة واألمراء كانت طبيعة العالقة بين السلطتين الروحية والزمنية محوره انتهى بتراجع وتقهقر دور الكنيسة في مقابل بروز وهيمنة الدولة القومية ذات السيادة. • -العالقات الدولية في اإلسالمَ :تمّيز الدين اإلسالمي بمفاهيم ورؤية مختلفة تماما للعالقة بين السلطتين الزمنية والروحية على خالف المسيحية ،حيث أنه ربط بينهما بطريقة تجعل الفصل بينهما فصال كامال مسألة صعبة بل ومخالفة للتشريع اإلسالمي .وللدين اإلسالمي وجهة نظر خاصة في العالقات الدولية قائمة على أساس السالم كقاعدة للعالقات الدولية ،وبناء عليه مّيز اإلسالم بين دار الحرب ودار اإلسالم ،فاألولى هي التي ال يكون لخليفة المسلمين سلطان عليها ،أّم ا الثانية فهي التي تسود فيها الشريعة اإلسالمية ،وأنه ال يجوز االعتداء على الدول غير اإلسالمية (دار الحرب) ،إّال إذا بادرت هي بالعدوان فاألصل في العالقات الدولية في اإلسالم هو السالم ما لم يطرأ ما يتوجب الحرب .كما اهتم اإلسالم بالدبلوماسية حيث أولى لها عناية خاصة ،وأصبحت تخضع لقواعد دقيقة وتنظم في أصول واضحة ،كما أنها استخدمت في توثيق العالقات التجارية والثقافية ،وأيضا وسيلة لتحقيق التوازن الدولي وهو ما استدعى قيام سفارات دائمة بين بغداد وبيزنطة وأخرى مماثلة بين قرطبة والقسطنطينية. • العالقات الدولية في العصر الحديث: يعتبر الكثير من مفكري العالقات الدولية بأن معاهدة وستفاليا تعد نقطة تحول حقيقية في تاريخ العالقات الدولية على اعتبار أنها تمثل بالنسبة ألوروبا والغرب عموما نقطة االنطالق الحقيقية في تنظيم العالقات الدولية على أسس جديدة واضحة المعالم مبنية على أساس التعاون والمشاركة بدال من السيطرة واإلخضاع، مستندة في ذلك إلى قواعد تنظيمية ثابتة أبعدت عنها الفوضى التي كانت سائدة من قبل .يمكن إيجاز أهم المبادئ األساسية التي جاءت بها معاهدة وستفاليا لتنظيم العالقات الدولية في النقاط التالية: -1تعد معاهدة وستفاليا فاتحة لما عرف الحقا بدبلوماسية المؤتمرات التي اتخذت صورة مقابالت بين الملوك واألمراء لتبادل وجهات النظر ،فمؤتمر وستفاليا كان نتيجة ألول اجتماع عقد بين الملوك واألمراء في هيئة مؤتمر. -2أقرت معاهدة وستفاليا مبدأ المساواة بين الدول دون النظر إلى نظمها الداخلية الدينية ،وبذلك كانت بمثابة الخطوة األولى نحو تثبيت علمانية العالقات الدولية. -3أقرت نظام احالل البعثات الدبلوماسية الدائمة محل البعثات الدبلوماسية المؤقتة ،وهذا القرار أدى فيما بعد إلى اقرار القواعد الدبلوماسية المتمثلة بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية. -4أقرت مبدأ توازن القوى بين الدول األوروبية باعتبارها وسيلة لصيانة السالم من خالل ردع الدولة التي تسعى إلى التوسع على حساب الدول األخرى، والحيلولة دون هذا التوسع لكي ال يختل توازن القوى بين الدول. -5التأكيد على أن الدولة القومية ذات السيادة هي الفاعل الوحيد في العالقات الدولية.