• تناول علماء النفس وعلماء اللغة في محاولة لتفسير كيفية
اكتساب الطفل اللغة واختلفت آراءهم بحسب مواقفهم وفلسفتهم ,وسنتحدث عن أهم النظريات التي تناولت قضية اكتساب اللغة عند االنسان والنقد الموجه لهذه النظريات: .1نظرية المحاكاة: يرى أصحاب هذه النظرية ،ان الطفل يكتسب اللغة من خالل محاكاة الطفل لما ينطقه أبواه والمحيطون به ،فالطفل • يكتسب اللغة بمحاكاة من يتعايش معهم ويصل اليه كالمهم إذ يتعلم الطفل أكبر عدد ممكن من الكلمات والجمل التي تزداد بنضج الجهاز الصوتي وسماع كالم االخرين من خالل االتصال المباشر معهم .اللغة التي يتعلمها الطفل هي لغة والديه حتمًا ويقع على عاتقهم الجزء األكبر في تعلم اللغة ،فالوقت المناسب الكتساب األطفال اللغة بهذه الوسيلة هو الربع األخير من السنة األولى ،وتستمر لديهم حتى أوائل السنة الرابعة. وقد تعرضت هذه النظرية الى النقد والمعارضة فهي لم تعلل لنا أسباب محاكاة الطفل ألبويه ،كما انها ال تلمح أو • تشير الى الميكانزمات النفسية والبيولوجية التي تعمل على اكتساب اللغة من خالل هذه المحاكاة ،وتدل نتائج الدراسات الى ما يناقض هذه النظرية أيضًا ،فلقد تبين ان الطفل عندما يسمع جملة فأنه ال يكررها كما يسمعها أو يقلدها ،بل يصوغ جمًال تختلف في تركيبها عما سمعه ،بل ولقد وجد (سلوين وولش) ان الطفل ال يستطيع ان يقلد الجمل التي نطقها هو نفسه ،ورغم بساطة هذه النظرية والنقد الموجه لها ان بعضهم يعتبر المحاكاة أهم عامل في تعلم اللغة عند الفرد. ويرى (لودانتيك) وغيره من العلماء ان التقليد اللغوي عملية آلية مجردة عن القصد واإلرادة وعمل الفكر ،وهو ال • يعتمد إال على أمر جسمي خالص ،إال إن النقد الموجه لهذه النقطة يثبت ان عملية التقليد اللغوية لدى الطفل ،ليست عملية آلية أو منعكسة وانما هي عملية إرادية تشرف على تحقيقها القوى الفكرية لدى الطفل ،كما ان الطفل ال يردد الكلمة عند سماعه إياها كما تردد الببغاء ما تسمعه من أصوات بل يرددها فاهمًا معناها فهمًا كامًال أو ناقصًا من سياق الحديث ومالبسات األحوال ،وبعد ان يتم حفظها ،وتستقر في متن لغته ,يلفظها وحده كلما أراد التعبير عما تدل عليه ,هذا باإلضافة إلى إن الطفل يقلد األصوات وليس اال. .2النظرية السلوكية: أثرت المدرسة السلوكية في علم النفس على الدراسات اللغوية حتى الخمسينات من القرن الماضي حيث نظر (سكنر) إلى اللغة • على إنها عادة مكتسبة مثلها في ذلك مثل العادات األخرى التي يكتسبها اإلنسان أثناء نموه من الطفولة الى الرجولة فهي (أي اللغة) مجموعة من العادات السلوكية يتعلمها الفرد كما يتعلم أي مهارة سلوكية أخرى ،كقيادة السيارة وركوب الدراجة.....الخ فاللغة في رأيهم تتألف من ردود أفعال أو استجابات خارجية يصبح الشكل المقبول اجتماعيًا للسلوك عن طريق التعزيز والثواب الذي يقدمه المجتمع سواء اقتصر ذلك على المجتمع على الوالدين في بادئ األمر أو امتداد الى أبعد من ذلك فعندما يتعلم الطفل اللغة يتوصل في النهاية الى حفظ وخزن عدد محدود من نماذج الجمل ،وغالبًا ما يتأثر الفرد بمؤثر خارجي يستجيب له بأحد هذه النماذج المخزونة عنده ،فالطفل يكتسب اللغة بالتقليد وبالتعزيز .هذا وقد ركزت هذه المدرسة في مجال اكتساب اللغة على أمرين األول:مبدأ التعزيز حيث تعزز االستجابات الصحيحة ،ففي مرحلة المناغاة ومن خالل محاكاة كالم الكبار واالستمرار في تكرار األصوات المعززة ،يتمكن الطفل من النطق بالكلمات وبمعنى آخر يتم اكتساب اللغة بالقدر الذي تعزز فيه االستجابات الصحيحة فتعلم اللغة عندهم فيسولوجي بالدرجة األولى يهدف الى تكوين عادات لغوية .واألمر الثاني :مبدأ التعميم حيث يلعب التشابه بين األشياء المحسوسة وبين العالقات القائمة فيما بينها دورًا في تعميم المعاني التي سبق للطفل ان تعلمها عن أشياء متقاربة ،ولهذا تنظر هذه المدرسة الى ان االهل من أهم مصادر المعطيات اللغوية لدى الطفل. ومن هنا فأن (سكنر) ينظر إلى اللغة على انها نمط من أشكال السلوك العامة ويرى ان من شأن المثيرات اللفظية والبيولوجية • توليد االستجابات اللفظية يتم بواسطة االخرين وتلقي الطفل للتعزيزات االيجابية مرتبط باالستجابات اللفظية الصحيحة ،اما عملية االكتساب فتعزز هنا بالقدر الذي تتكرر فيه االستجابات اللفظية ،فالطفل عندما يتلفظ بكلمة ما ،يستجيب الكبار له ويوفرون له ما يطلبه فيتم تدعيم االستجابة ،وتتكرر هذه العملية كلما لفظ الطفل كلمة يطلب بواسطتها شيئًا من الكبار وكلما دعم الكبار كالمه من خالل توفير الشيء له يتم تدعيم هذه االستجابات فالقدرة الكالمية عند الطفل هي نتيجة ترويض معين يعتمد على الحافز وهي بالتالي سلسلة من االستجابات المتتابعة ،ومن هنا ينظر السلوكيون الى اللغة على انها تنظيم من اإلشكال وليس شبكة من المعاني فاالستجابة الكالمية تتولد نتيجة شعور معين وترتبط بالحافز مباشرة دون ارتباط بأي نوع من أشكال التفكير ودون أي تدخل لألفكار والقواعد النحوية. .3نظرية تشومسكي في اللغة: يرى (تشومسكي) إن اللغات اإلنسانية على اختالفها ،تجمعها خصائص عامة ترجع في أصلها إلى العقل ،وهذه • الخصائص العامة هي جزء من الملكة الفطرية التي يمتلكها الطفل ،والبالغ على السواء بحكم امتالكه لهذه اآللة الفريدة والمميزة لإلنسان ،وهي العقل وتظهر آثار تلك الخصائص العامة عندما يتعرض الطفل عن طريق السماع لالستعمال اللغوي في بيئته حيث ٌيقدم له هذا السماع المادة اللغوية التي تعمل فيها الملكة الفطرية ،ومن ثم يستطيع استعمال تراكيب معقدة وقواعد مجردة للتعبير عن أفكار في سهولة ويسر ،إن اكتساب اللغة كما يقول (تشومسكي) :هو عبارة عن استعمال تفاصيل مختلفة داخل بيئة فطرية ثابتة. ومعنى هذا إن أصوال ثابتة وجوانب متغيرة في اللغة اإلنسانية ،إال إن ذلك ال يعني اختفاء الجانب اإلبداعي من • اللغة ،وهو جانب يهتم به (تشومسكي) كثيرًا بل يرى انه يتجلى بصورة فريدة في قدرة الطفل على إنتاج وفهم عدد ال نهائي من الجمل لم يسمع بها قط من قبل ،ومعنى هذا أيضا إن هذه الملكة الفطرية ليست خاصة بلغة من اللغات وإنما هي ملكة عامة ولكن المادة اللغوية التي يسمعها الطفل هي تحول هذه الملكة إلى لغة بعينها وبصورة طبيعية بحيث يظل محتفظا بها في الوقت نفسه حيث تظهر آثارها عند تعلم لغة أخرى غير اللغة القومية. فمن هنا يرى أصحاب هذه النظرية إن األطفال في كل مكان في العالم يتعلمون قواعد لغوية بالغة التعقيد بسرعة • هائلة ،توحي هذه السرعة الهائلة في اكتساب قواعد اللغة بأن اإلنسان ذو تركيب خاص يؤهله الكتساب اللغة عن طريق تحليل البيانات اللغوية التي يستلمها وتكوين الفرضيات حول كيفية بناء التركيبات اللغوية ،يطلق على هذه القدرة على تحليل البيانات وصياغة الفرضيات اسم ( تحليل المعلومات) ويعتقد أصحاب هذه النظرية ان هناك ميًال وراثيًا الكتساب اللغة.