Professional Documents
Culture Documents
القراءة البارتية للصورة
القراءة البارتية للصورة
الصورة الفوتوغرافية
الصورة الفوتوغرافية
منطلقات نظرية
.1التعريف بروالن بارت والمرحلة التي ينتمي إليها
يحتل الناقد الفرنسي روالن بارت مكانة هامة في تاريخ الدراسات النقدية ،ويدرك المعنيون في هذا المجال أهميته
كواحد من أبرز النقاد والمنظرين االجتماعيين في القرن العشرين ،ولد بارت في نوفمبر 1915م ،وتوفي في مارس 1980
اتسعت أعماله لتشمل حقول فكرية عديدة ،إذ يعتبر أبرز من أثر في تطور مدارس عدة كالبنيوية ،والماركسية والوجودية
باإلضافة إلى تأثيره في تطور علم الداللة ،ومن أعمال بارت المترجمة إلى العربية:
عناصر السيميولوجيا
الدرجة الصفر في الكتابة
لذة النص
المعنى الثالث
وينتمي بارت إلى المرحلة التصنيفية وهي تلك المرحلة البنيوية التي كانت ُتْع َنى بتصنيف الصور المرئية ،والبحث عن دالالتها
وفق رؤية لسانية وسيمائية ،وقد تشكلت هذه المرحلة ما بين السنوات الستين والسبعين من القرن الماضي مع كل
من؛ روالن بارت /كريستيان ميتنز /أمبيرطوا ايكو /غاروني وغيرهم.
ويعد روالن بارت خير من يمثل اتجاه الصورة ،ألن البحث السيميولوجي لديه هو دراسة األنظمة الدالة ،فجميع األنساق
والوقائع دات طابع دال ،ومن هنا انتقد بارت في كتابه " عناصر السيميولوجيا " أطروحة دوسوسير التي تدعو إلى إدماج
اللسانيات في قلب السيميولوجيا مبينا أن اللسانيات ليست فرعا ،بل السيميولوجيا هي التي تشكل فرعا من اللسانيات.
أما عناصر سيمياء الداللة لدى بارت فقد حصرها في كتابه " عناصر السيميولوجيا " في الثنائيات البنيوية التالية :
الدال /المدلول
التعيين /التضمين
اللسان /الكالم
اإليحاء /التقرير
وقد حاول بارت بواسطة هذه الثنائيات أن يقارب الظواهر السيميولوجية :كأنظمة الموضة ،األساطير ،الطبخ
األزياء ،الصور ،اإلشهار...
.2جهود روالن بارت السيميولوجية في تحليل الصورة البصرية
حاول بارت مند بدايته األولى كيفية فهم الصورة واستنطاق الداللة منها ،حيث أوالها اهتماما بالغا مند اهتمامه األول
بالصورة وقراءته للمعنى بدا سيسيولوجيًا متأثرا ببريخت وماركس ،حيث اعتبر الصورة شكال من أشكال التعبير للطبقة
البورجوازية ،فكان انتقاله إلى السيميولوجيا أمرا حتميا حتى يستطيع تفكيك الصورة واكتشاف الخلفيات مستفيدا من علم
الذي اعتبره جزءا من اللسانيات ،ومعتبرا جوهر الدراسة من السيميولوجية للصورة أو غيرها من النظم االتصالية هو
الكشف عن اإليحاءات والمعاني المتخفية ورائها أي رسالة حقيقية تريد إيصالها.
وقد حاول بارت مقاربة الصورة البصرية بمختلف أشكالها ،وسنقتصر في عرضنا هذا على نوعين من الصور هي الصورة
اإلشهارية و الفوتوغرافية.
ويعرفها الناقد العربي " عبد هللا الغذامي" في كتابه -الثقافة التلفزيونية وسقوط النخبة وبروز الشعبي-
" الصورة ثقافة وفكر وإنتاج اقتصادي وتكنولوجي وليست مجرد متعة أو محاكاة فنية وهي لغة عصرية
يشترط فيها تطابق القول مع الفعل ،وتمثل الحقيقة التكنولوجية فهي عالمة تكنولوجية ،ومؤشر انتاجي
ومنطق مستقبلي " يقول روالن بارت " مصرحا " أَّن ما يميز الصورة هو الَّص ْنَع ة المتقنة ولذلك فهي تقدم واقعا
كامال مركزا ومتقننا ،وتقدمه بشكل موضوعي محايد وأكثر واقعية من الواقع الحقيقي ،وتعني الموضوعية
والحياد عدم اعتماد الصورة على رموز وشفرات تحتاج إلى فك مثلما نجذ في اللوحات الزيتية مثال".
إن الصورة الفوتوغرافية هي كل تقليد تمثيلي مجسد أو تعبير بصري معاد ،وهي معطى حسي للعضو
البصري أو إدراك مباشر للعالم الخارجي في مظهره المضيء..
القراءة التطبيقية للصورة
أوال :الصورة اإلشهارية
قام روالن بارت بالتمييز بين مستويين في دراسة الصورة اإلشهارية هما :المستوى التقريري و المستوى اإليحائي
هذان المستويان يبينان حدود تشكل الداللة داخل الصورة ،حيث يكون المعنى في األولى واضحا للمشاهد
يستنبطه دون جهد أو عناء ،أما في المستوى اإليحائي يكون غامضا مضمرا وراء الحدود المرئية للصورة فيكون
بذلك المشاهد على تعليلها ومعرفة جوهر داللتها.
وقد اعتبر روالن بارت ،كل صورة إشهارية هي رسالة تتضمن بث هو الشركة التجارية التي ينتمي إليها المنتوج
المشهر أو الممتدح ،ومتلقيا هو الجمهور وقناة إبالغ :هي ما يسمى تحديدا ركن اإلشهار
معلوم أن كل رسالة هي اجتماع صعيد العبارة أو الدال ،وصعيد المحتوى أو المدلول ،يقول بارت في كتابه
المغامرة السيميولوجية " إننا لو تفحصنا جملة إشهارية ينطبق التحليل نفسه على نصوص شديدة الطول"
فسيتبين لنا على الفور إحتواء هذه الجملة في الواقع لرسالتين :األولى تقريرية مباشرة مكونة من اجتماع دوال
أما الثانية إيحائية شاملة ،تكتسب هذه الشمولية من غرابة مدلولها.
فالرسالة األولى مكونة من اجتماع دوال ،تغدو مجرد دال للرسالة الثانية وفق عملية تقليص ،أما الرسالة الثانية
تتكون من مدلول واحد هو كنه الرسالة ،يستنفد تماما مقصد اإلبالغ حيث يتم بلوغ الغاية اإلشهارية بمجرد
إدراك المدلول الثاني ،وهذا المدلول هو " جودة المنتوج" وقبل الوصول إلى هذه الجودة البد من:
"سمات أسلوبية بالغية" فينتج عن ذلك أن الرسالة األولى بكاملها تكون دال للرسالة الثانية
لذلك يقال "الرسالة الثانية توحي باألولى" ،ونحن نعلم مدى أهمية اإليحائية أو التقليص لدى المتلقي المتمثل
أساسا في الجانب اللغوي ،فالرسالة اإلشهارية الجيدة هي التي " توجز في ذاتها ،بالغة فنية جيدة جدا"
وتتطرق بدقة للموضوعات.
ويمكن توضيح ذلك في الخطاطة التالية:
الصورة اإلشهارية :بارت "كل صورة اشهارية هي رسالة تتضمن
الرسالة()2 الرسالة()1
إيحائية شاملة تكتسب هذه الشمولية من غرابة تقريرية مباشرة مكونة
مدلولها وتتكون من مدلول واحد هو كنه الرسالة من اجتماع دوال
يستنفد تماما مقصد اإلبالغ (دال للرسالة الثانية)
الفوتوغرافية ،بما تحمله من رموز ودالالت أنطولوجية وجودية ،وتأسيس شكل من أشكال القراءة البصرية
لما هو أبعد مما نراه في الصورة الفوتوغرافية في تمظهراتها المباشرة ،وقد حدد بارت عدة مفاهيم في
الصورة التي تخضع للقراءة ولكنه ميز بين مفهومين رئيسين فيها ،األول هو (الستوديوم) الذي يعني بالالتينية
تعني حرفيا «نقطة حادة» ،ولكن بارت استخدمها للقيمة اللغوية الحرفية للكلمة ،أي النقطة المدببة التي
تجرح؛ إذ وصف تأثير المفهوم الثاني عليه بالـ»وخز» ،ومن خالل هذين المفهومين تمكن بارت من أن يقدم
للمتلقي مفاتيح جديدة إلعادة النظر في طريقة استعراض الصور والنظر بعمق أكثر لمحتواها الكامن.
انشغل بارت فلسفيا وحسيا بقراءة ما هو غير مرئي في الصورة الفوتوغرافية ،وراحت الوجودية لديه تتجلى
بما يمكن للصورة أن تثير في داخله من تداعيات وجودية تاريخية ذاتية تارة ،وعامة تارة أخرى.
كانت صورة واحدة ،بدالالتها السيميولوجية والوجودية كفيلة بتحريض قريحة بارت على إنجاز كتابه القصير
اتخذ بارت المالبس التي كانت ترتديها أمه في الصورة كإشارة وداللة على عدم وجوده في الحياة وقتئذ ،وقد كانت الصورة ألمه في شبابها عام
،1913أي قبل أن يولد بعامي ن .يقول بارت :كنت قادرا على قراءة عدم وجودي من خالل رؤيتي لمالبس أمي التي كانت ترتديها في الوقت الذي
ال يمكنني تذكرها فيها .ثمة دهشة عارمة أن ترى إنسانا مألوفا يرتدي مالبس مختلفة».لم يكن بارت بحاجة لمعرفة تاريخ الصورة أو مناسبتها،
أو عمر أمه حين تم التقاط هذه الصورة لها ،ولم يتطرق حتى لمناسبتها أو لمصورها ،كل الذي جذبه /وخزه ( نقطة الجذب) بصريا لقراءة
الصورة هي موضة المالبس بدالالتها وصوال لرؤية عمق ما هو أبعد من ظاهر الصورة؛ حيث كانت المالبس أكثر من كافية ليقرأ فيها حقيقة