Professional Documents
Culture Documents
2 2017 12 28!08 54 02 Am
2 2017 12 28!08 54 02 Am
في تاريخ الطب ،يشار بمصطلح الطب اإلسالمي أو الطب العربي أو طب العرب إلى الطب الذي تطور في لإلسالالعصر الذهبيم
وكتب بلغة عربية ،والتي كانت لغة التواصل المشترك في زمن الحضارة اإلسالمية .نشأ الطب اإلسالمي كنتيجة للتفاعل الذي حدث بين
الطب التقليدي العربي والمؤثرات الخارجية [1].كانت الترجمات األولى للنصوص الطبية ،عامًال أساسًيا في تكّو ن الطب اإلسالمي .كما
كان للترجمات الالتينية لألعمال العربية أثرها البالغ في تطور الطب في نهاية الوسطى العصور وبداية النهضة عصر
وفي الوقت الذي كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب ،ألن المرض عقاب من هللا ال ينبغي لإلنسان أن يصرفه عمن يستحقه،
وهو االعتقاد الذي ظل سائًد ا في الغرب حتى القرن الثاني عشر .بدأ المسلمون في القرن التاسع الميالدي في تطوير نظام طبي يعتمد
على التحليل العلمي .ومع الوقت ،بدأ الناس يقتنعون بأهمية العلوم الصحية ،واجتهد األطباء األوائل في إيجاد سبل العالج .أفرز اإلسالم
في العصور الوسطى بعض أعظم األطباء في التاريخ ،الذين طوروا المستشفيات ،ومارسوا الجراحة على نطاق واسع ،بل ومارس
النساء الطب ،حتى أنه كانت هناك طبيبتان من عائلة ابن زهر خدمتا في بالط الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور في القرن
الثاني عشر الميالدي [5].وقد ورد ذكر الطبيبات والقابالت والمرضعات في الكتابات األدبية لتلك الفترة.
ويعد الرازي وابن سينا أعظم هؤالء األطباء ،وظلت كتبهم تدّرس في المدارس الطبية اإلسالمية
لفترات طويلة ،كما كان لهم وباألخص ابن سينا أثًر ا عظيًم ا على الطب في أوروبا في العصور
الوسطى .في العصور الوسطى ،كان المسلمون يصنفون الطب أنه فرع من فروع الفلسفة
الطبيعية ،متأثرين بأفكار أرسطو وجالينوس .وقد عرفوا التخصص ،فكان منهم أطباء العيون
ويعرفون بالكحالين ،إضافة إلى الجراحين والفصادين والحجامين وأطباء أمراض النساء
مخطوطة عن تشريح العين لحنين بن إسحق من كتابه المسائل
في العين ،محفوظة في المكتبة الوطنية في القاهرة ،ومؤرخة
منذ عام 1200م.
نشأة الطب اإلسالمي
كان الطب في الجاهلية طًبا بدائًيا اقتصر على التجارب والتعاويذ المتوارثة بين األفراد .وقد اقتصر معظمه على الكي بالنار واستئصال األطراف
الفاسدة والتداوي بالعسل ومنقوع بعض األعشاب النباتية ،واللجوء إلى بعض التعاويذ والتمائم على يد الكهان والعرافين .بعد الفتوحات اإلسالمية في
الشرق ،اهتم العرب بأعمال األطباء اإلغريق والرومان القدماء أمثال أبقراط وجالينوس ][9وديسقوريدوس التي كان السريان قد نقلوها إلى لغتهم في
مدرسة جنديسابور التي فروا إليها هرًبا من اضطهاد األباطرة البيزنطيين للمذهب النسطوري الذي اعتنقوه
ومع بداية العصر العباسي ،تطور األمر بعدما بدأ العرب في نقل العلوم الطبية من مصادرها اليونانية مباشرة ،بعدما عرفوا ما في الترجمات السريانية
من ضعف على أيدي بعض األطباء الذين حذقوا اليونانية كآل بختيشوع وحنين بن إسحاق .ومع الوقت ،انتشرت ممارسة مهنة الطب حتى أنه بلغ عدد
األطباء في بغداد وحدها في زمن الخليفة العباسي المقتدر باهلل أكثر من 860طبيب ،بل ظهرت المصنفات التي تصنف األطباء بحسب الفترة الزمنية
التي عاشوا فيها أو بحسب المناطق التي استوطنوها ،ولعل أهمها كتابي "طبقات األطباء والحكماء" البن جلجل و"عيون األنباء في طبقات األطباء
البن أبي أصيبعة
الكتب الطبية
كان كتاب فردوس الحكمة الذي كتبه ابن ربن الطبري في سبع مجلدات عام 860م تقريًبا ،أولى الموسوعات الطبية [بالعربية كان
الطبري من الرواد في علم تنشئة الطفل ،الذي أّك د فيه الروابط القوية بين علم النفس والطب ،والحاجة للعالج النفسي واإلرشاد عند
معالجة المرضى .كما ناقشت موسوعته أثر ساسروتا وتشانكيا في الطب ،بما في ذلك العالج النفسي.
كتب محمد بن زكريا الرازي كتابه الحاوي في الطب في القرن التاسع الميالدي ،كما كان لكتبه الجامع الكبير شهرته الخاصة ،لما سجله
فيه الرازي من حاالت سريرية عالجها الرازي بنفسه ،وقدم فيه تسجيالت مفيدة جًد ا عن أمراض مختلفة .وقد نشره في 23مجلد ،كل
منها تشرح أجزاء من الجسد أو أمراض معينة ،صنفها وجمعها بحسب فهمه [18].وقد ظلت معظم الجامعات األوروبية تستخدم كتاب
الحاوي كمرجع طبي هام حتى القرن السابع عشر
كما كتب الرازي كتابه المنصوري الذي كتبه لحاكم الرّي منصور بن إسحاق بن أحمد ،والذي كان يحتوي على عشر مقاالت تعتمد في
األساس على العلوم اإلغريقية ،اعتمد عليه طالب الطب لقرون
للرازي كتاب آخر اسمه طب الملوك ،الذي تناول فيه كيفية العالج والوقاية من األمراض والعلل من خالل اتباع النظم الغذائية .ويعتقد
أنه كتب هذا الكتاب لعلية القوم الذين كان يعرف عنهم نهمهم ،وغالًبا ما كانوا يصابون بأمراض المعدة .ومن األعمال األخرى ،أطروحة
في أسباب الزكام في فصل الربيع ،التي شرح فيها الرازي أسباب اإلصابة بالزكام عند استنشاق الورود في فصل الربيع
ما كان لكتاب كامل الصناعة الطبية المعروف بالكتاب الملكي لعلي بن العباس المجوسي ،الذي يعده بعض العلماء مؤسس علم وظائف األعضاء
التشريحية والذي احتوى على عشرين مقالة عن النظريات الطبية ،واألغذية الصحية واألعشاب الطبية ،وطب النساء .كما يعد من أوائل الكتب الطبية
التي أفردت قسًم ا للحديث عن الجلدية األمراض
ومن الكتب الهامة أيًضا كتاب القانون في الطب الذي انقسم إلى خمس مجلدات :احتوى المجلد األول على خالصة وافية للمبادئ الطبية ،والثاني مرجع
لألدوية المخدرة ،والثالث يصف أمراض األعضاء كل على حدة ،والرابع يناقش األمراض التقليدية وبه قسم للتدابير الصحية الوقائية ،والخامس به
وصفات لألدوية المجمعة .لذا ،فقد كان للقانون تأثيره الكبير في المدارس الطبية والمؤلفين الطبيين المتأخرىن.
اهتم األطباء المسلمون أيًض ا بما يعرف اآلن الطب الوقائي ،وكانت لهم كتب تهتم بكيفية الحفاظ على الصحة ،عن طريق الحفاظ على نظافة البيئة
المحيطة وسبل التغذية السليمة ،وممارسة الرياضة للحفاظ على الجسم .لعل أشهرها كتاب تقويم الصحة البن بطالن الذي كانت له شعبيته في أوروبا
العصور الوسطى ،وبه يدلل على تأثير الثقافة العربية على بدايات الحضارة األوروبية الحديثة.
إضافة إلى الكتب التي تناولت مواضيح طبية أخرى مثل صحة المسنين ككتاب طب المشايخ الجزار البن ،واضطرابات النوم ككتاب لنسيان وطرق
تقوية الذاكرة البن الجزار أيًضا.
وقد استفادت أوروبا من الترجمات للكتب الطبية اإلسالمية على يد مترجمين أمثال جيراردو الكريموني الذي ترجم جزء الجراحة من كتاب التصريف
لمن عجز عن التأليف للزهراوي إلى الالتينية ،واستخدم من حينها في كليات الطب األوروبية لقرون ،وظلوا يصدرون منه الطبعات حتى نحو عام
1770كما ترجم قسطنطين األفريقي كتاب زاد المسافر وقوت الحاضر البن الجزار وكتاب القانون في الطب البن سينا وكتاب الجامع الكبير للرازي.
وقد ظلت بعض المؤلفات الطبية للمسلمين ككتاب القانون في الطب البن سينا والحاوي في الطب للرازي والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي،
تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
كما قدم المسلمون أعماًال في مجال األخالقيات الطبية ،ويعد كتاب أدب الطبيب للرهاوي أقدم األعمال العربية في مجال أخالقيات الطب الذي اعتمد فيه
على أعمال أبقراط وجالينوس .وقد وصف الرهاوي في كتابه األطباء بأنهم "رعاة الروح والجسد" ،وكتب فيه عشرين فصًال في مختلف العناوين
المرتبطة باألخالقيات الطبية .كما اهتم الرازي أيًض ا باألخالقيات الطبية ،والتي كتب فيها كتاًبا بعنوان أخالق الطبيب .في هذا الكتاب ،كتب الرازي عن
أهمية الحالة المعنوية للمريض .كما اعتقد أنه ليس فقط من الضروري للطبيب أن يكون حاذًقا في مجاله ،بل يجب أن يكون نموذًج ا يحتذى به .انقسمت
أفكاره حول األخالقيات الطبية إلى ثالث مفاهيم :مسؤولية الطبيب عن مرضاه ،ومسؤوليته أمام نفسه ،إضافة إلى مسؤولية المريض أمام الطبيب.
أشهر األطباء المسلمين
اشتهر الكثير من األطباء المسلمين ،وكانت لهم اسهاماتهم المتميزة التي أعلت من مكانتهم ،كأبي بكر الرازي الذي أطلق عليه "جالينوس العرب" لما
قّد مه من مؤلفات وإنجازات في الطب ،كما يعتبره البعض أبو الطب اإلسالمي ،وأعظم األطباء في العالم اإلسالمي ،باإلضافة إلى شهرته كطبيب ،فقد
كان الرازي عالًم ا موسوعًيا ،له مائتي مصنف نصفها في الطب .ويعد الرازي أول من أرجع سبب اإلصابة ببعض األمراض إلى أسباب وراثية
وقد كان الرازي "أول األطباء المسلمين في العصور الوسطى ممارسة للطب بطريقة شاملة وموسوعية ،متفوًقا على جالينوس نفسه ...وقد اشتهر
الرازي بأنه أول من وصف وفّر ق بين مرضي الجدري والحصبة على نحو دقيق".
لمع منهم أيًضا الزهراوي الذي عّد ه الغرب "أبو الجراحة الحديثة" ،وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى .الجزار وابن صاحب كتاب زاد
المسافر وقوت الحاضر.
لمع منهم أيًض ا الطبيب والفيلسوف المسلم ابن سينا ألعماله العلمية ،وباألخص لكتاباته في الطب .كما اشتهر ابن سينا لكتابيه القانون في الطب وهو
األشهر ،وكتاب الشفاء .وقد غطت أعماله األخرى مواضيع حول أدوية القلب ،وعالج أمراض الكلى.
إنجازات المسلمين في الطب
التشريح وعلم وظائف األعضاء
كان البن النفيس فضًال كبيًر ا في تقدم علم التشريح وعلم وظائف األعضاء ،ولكن من غير المؤكد إنه توصل إلى
ما توصل إليه عن طريق تشريح اإلنسان ،الستنكاف ابن النفيس ممارسة التشريح لتعارضه مع الشريعة وشفقته
على أجساد البشر.
يعتقد أن األطباء اإلغريق قد عرفوا مسارات الدم في أجساد البشر .إال أنه كان هناك تساؤل حول كيفية تدفق الدم
من البطين األيمن للقلب إلى البطين األيسر ،قبل أن يتم ضخ الدم إلى باقي الجسم .وقد ذكر جالينوس في القرن
الثاني الميالدي ،أن الدم يصل إلى البطين األيسر عبر مسارات غير مرئية في الحاجز البطيني .وفي القرن الثالث
عشر الميالدي ،اعتبر ابن النفيس أن فرضية جالينوس تلك خاطئة ،بعد أن اكتشف أن الحاجز البطيني ال يمكن
اختراقها ،وليس به أي نوع من المقاطع غير المرئية ،مما يفند افتراض جالينوس .بدًال عن ذلك ،اكتشف ابن
النفيس أن انتقال الدم من البطين األيمن إلى البطين األيسر يتم عن طريق الرئتين ،وهو ما عرف باسم
الدورة الدموية الصغرى .غير أن كتاباته عن هذا االكتشاف لم تكتشف إال في القرن العشرين ،وكان ويليام هارفي
قد اكتشف تلك النظرية بصورة مستقلة بعد ابن النفيس بقرون.
كما وصف ابن أبي األشعث وظائف المعدة على أسد حي ،في كتابه الغادي والمغتدي .حيث كتب :
عندما يدخل الطعام المعدة ،خاصة عندما تكون ممتلئة ،تتسع المعدة وتتمدد طبقاتها ...الناظر للمعدة يراها صغيرة إلى حد ما ،لذا فقد شرعت في صب إبريق بعد إبريق
في فمها ...الطبقة الداخلية للمعدة المنتفخة أصبح ناعمة كطبقة الغشاء البريتوني الخارجية .ثم قطعت المعدة وسمحت للماء بالخروج ،فتقلصت المعدة ،حتى رأيت فمها
دّو ن ابن أبي األشعث مالحظاته تلك عام ،959وبعد نحو 900عام ،أعاد وليم بومونت وصف تلك الوظائف ،مما يجعل ابن أبي األشعث رائًد ا في علم
وظائف األعضاء التجاربي.
ذكر جالينوس في كتابه ، De ossibus ad tironesأن الفك السفلي يتكون من جزأين ،وهو ما يمكن إثباته عند طهيه ،فإنه ينقسم من عند منتصفه.
بينما كان موفق الدين عبد اللطيف البغدادي في زيارة لمصر ،صادف العديد من بقايا الهياكل العظمية ألشخاص لقوا حتفهم من الجوع بالقرب من
القاهرة .فحص البغدادي الهياكل ،وتوصل إلى أن الفك السفلي يتكون من قطعة واحدة ال قطعتين كما اعتقد جالينوس .كما كتب في كتابه اإلفادة
واالعتبار في األمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض
عتقد اإلغريق أن الرؤية تحدث نتيجة انبعاث أشعة من العين تسمح برؤية األشياء
وفي القرن الحادي عشر ،خالف ابن الهيثم تلك النظرية ،وأثبت ابن الهيثم خطأها عبر جهاز
بصري ساعد تشريح ابن الهيثم للعين ،على وضع أساس نظريته حول تكون الصورة ،والتي
شرحها عبر إسقاط أشعة الضوء خالل وسطين مختلفي الكثافة ،أي أنه أثبت نظريته بالتجارب
المعملية وفي القرن التالي ،ترجم كتابه المناظر إلى الالتينية ،وظل يدّر س في العالم اإلسالمي
وأوروبا على حد سواء ،حتى القرن السابع عشر.
البصريات وطب العيون
د لمع األطباء المسلمون في طب وجراحة العيون باألخص ،معتمدين على ما خلفه ابن الهيثم في هذا المجال من أعمال ظلت مرجًعا في هذا المجال حتى بداية
العصر الحديث.
درس أيًض ا المسلمون أعين الحيوانات ،وعرفوا منها أن حركة مقلة العين سببها انقباض عضالت العين ،أما حركة الحدقة فسببها انقباض وانبساط القزحية .وقد
وضع علي بن عيسى الكحال كتاًبا سماه "رسالة في تشريح العين وأمراضها الظاهرة وأمراضها الباطنة" ،ترجم إلى الالتينية ،وكان له أثره على علم طب
العيون في أوروبا في العصور الوسطى .كما وضع صالح الدين بن يوسف الكحال كتابه "نور العيون وجامع الفنون" الذي يعد أكبر مرجع جامع في أمراض
العين ،واشتمل على وصف العين واإلبصار ،وأمراض العين وأسبابها وأعراضها ،وكيفية الحفاظ على صحة العين ،إضافة إلى األمراض التي تصيب الجفون
والملتحمة والقرنية والحدقة ،واألدوية المستخدمة في عالجها.
كان للجراحة أهميتها في عالج أمراض العين المستعصية كالرمد الحبيبي وإعتام عدسة العين .ومن المضاعفات الشائعة لمرض الرمد الحبيبي إصابة أنسجة في
قرنية العين ،وقد اعتقد األطباء المسلمون أن تلك اإلصابة هي سبب المرض ،لذا لجأوا إلى كحت تلك األنسجة جراحًيا .كانوا يقومون بتلك الجراحة عن طريق
" استخدام جهاز يبقي العين مفتوحة خالل الجراحة ،ومبضع رقيق جدا لالستئصال" تقنية أخرى كانت تستخدم لعالج مضاعفات الرمد الحبيبي ،تسمى "الظفرة" (
باإلنجليزية ،)pterygium :كانت تستخدم إلزالة األجزاء الثالثية الشكل من الملتحمة البصلية على القرنية .كانت تلك الجراحة تتم عن طريق رفع الجزء
المصاب بخطافات صغيرة ،ثم القطع بمبضع صغير .كانت كلتا الجراحيتين مؤلمتين للغاية للمرضى ومعقدة التنفيذ بالنسبة للطبيب أو مساعديه.
اعتقد األطباء المسلمون أن إعتام عدسة العين ناجم عن الغشاء السائل الذي يقع بين العدسة والبؤبؤ .تتم الجراحة بإجراء شق صغير في بياض العين بمبضع،
وإدخال أنبوب دقيق لدفع إعتام العدسة جانًبا .وبعد انتهاء الجراحة ،تغسل العين بمحلول ملحي ،وتضمد بقطعة من القطن غمست في محلول من زيت الورود
وبياض البيض .كان هناك بعد العملية ،كان هناك قلق من أن يعود اإلعتام ،من الجانب ليعتلى العدسة مجدًد ا ،لذا كان ينصح المرضى بأن يستلقوا على ظهورهم
أليام بعد الجراحة.
الجراحة
ساهم نمو وانتشار المستشفيات في العالم اإلسالمي قديًم ا في انتشار ممارسة الجراحة ،حيث كان األطباء على معرفة بكيفية إجراء العمليات الجراحية
النتشار الكتابات الطبية التي تشمل وصف لكيفية إجراء تلك الجراحات .اتخذ المسلمون من الترجمات للكتابات الطبية القديمة ركيزة لنشر الممارسات
الجراحية .لم يكن األطباء يفضلون إجراء الجراحات لنسب نجاحاتها الضعيفة نسبًيا .وقد برع المسلمون في العديد من العمليات الجراحية ،كالتجبير
وشق المثانة والفتق ،إضافة إلى الحجامة والكي اللتان كانتا من الوسائل العالجية الشائعة التي استخدمها األطباء المسلمون قديًم ا ،وقد كانوا يستخدمونها
على نطاق واسع لعالج العديد من األمراض .كانوا يستخدمون الكي بقضيب معدني إليقاف النزيف من الجروح وحمايتها من العدوى .كما عنوا بكتابة
الكتب الطبية التي تصف العمليات الجراحية وكيفية إجرائها ،بل وكانت لهم اختراعاتهم الجراحية ،كالتي صنعها الزهراوي ورسمها في كتابه
"التصريف لمن عجز عن التأليف" والتي تصل إلى 200جراحية أداة ،والخيوط الجراحية التي صنعوها من أمعاء القطط والحيوانات األخرى.
أما الحجامة ،فكان يستخدم إلزالة األخالط السيئة من جسم المريض .كما استخدموا الفصد إلزالة الدم من األوردة مباشرة .كانت الحجامة إما "حجامة
رطبة" تتم عن طريق شق بسيط في الجلد وسحب الدم بواسطة كوب دافئ .تتسبب الحرارة والشفط إلى الكوب الزجاجي في خروج الدم إلى سطح الجلد
وإزالته .أما "الحجامة الجافة" ،فتتم باستخدام الكوب الساخن دون شق الجلد ،في مناطق معينة من جسم المريض لتخفيف األلم والحكة ،وغيرها من
األمراض الشائعة .كانت تلك العمليات تتسبب أحياًنا في جروح وربما وفاة المريض ،نتيجة اإلهمال أثناء الشق
تشخيص األمراض
ثبت من مؤلفات األطباء المسلمين ،أنهم لم يكونوا حاذقين في تشخيص األمراض فقط ،واعتمدوا في ذلك على الفحص الفيزيائي للجسد وجس النبض
ومراقبة البول ،وسؤال المريض عما يشتكي ،والتدقيق في لون البشرة ،واالطمئنان على الزفير والشهيق.
كما برعوا في فن التفريق بين األمراض .فعلى سبيل المثال استطاع ابن سينا التفريق بين التهاب السحايا الحاد والثانوي ،وبين المغص الكلوي والمعوي،
ووصف الرازي بدقة الفارق بين مرضي والحصبةالجدري لتشابه األطوار األولى للمرضين ،وسجله في كتابه "رسالة في الجدرى والحصبة" .كما
وصف ابن زهر خراج الحيزوم والتهاب التامور االنسكابي والجاف .كما ربط األطباء المسلمين بين شكل األظافر ومرض السل .وينسب البن سينا توّصله
إلى احتمالية انتقال األمراض عبر الهواء ،وآرائه الثاقبة حول نسبة بعض األمراض إلى الظروف النفسية ،وتوصيته باستخدام الملقط في الوالدات المعقدة
بسبب الضائقة الجنينية ،وتمييزه بين شلل العصب الوجهي الناجم عن مرض في المخ والناجم عن سبب موضعي .،ووصفه لعدوى ديدان غينيا والتهاب
العصب الثالث.
وصف المسلمون أيًضا عالج لليرقان والهواء األصفر ،واستعملوا األفيون بمقادير مختلفة لعالج الجنون .كما وصفوا صب الماء البارد إليقاف النزيف،
وعالجوا خلع الكتف برّد ه فجائًيا .وأرجعوا سبب مرض البواسير إلى قبض المعدة ،ونصحوا بتناول المأكوالت النباتية عالًجا لها.
وقد اكتشف ابن سينا مرض اإلنكلستوما وكتب عنها في الباب الخاص بالديدان المعوية في كتابه القانون في الطب ،واسماها بالدودة المستديرة .كما
وصف داء الفيل وكيفية انتشاره في الجسم ،ومرض النار الفارسية .وقد اكتشف ابن ربن الطبري الحشرة المسببة لداء الجرب ووصفها في كتابه "المعالجة
األبقراطية" .كما كان الزهراوي أول من يصف الحمل المنتبذ ،إضافة إلى وصفه للطبيعة الوراثية لمرض الناعور.
كما اهتموا بالعالج النفسي ،فقد قّسم الرازي علم المعالجة إلى قسمين :العالج البدني والعالج الروحاني .يختص العالج البدني باألمراض العضوية بينما
يهتم العالج الروحاني بالنفس ذاتها .واعتقد بأنه لكي يفهم الطبيب طبيعة الجسد ،فإنه في حاجة ألن يكون على دراية بالمعرفة الطبية والروحانية للجسد
البيمارستانات
تطورت المستشفيات في بداية العهد اإلسالمي ،وأطلقوا عليها اسم البيمارستان ،وهي كلمة فارسية تعني "بيت
المرضى ".نشأت فكرة المستشفيات كأماكن لعالج المرضى على يد الخلفاء األوائل .وتعد باحة المسجد النبوي في
المدينة المنورة في عهد النبي محمد ،أول مستشفى في اإلسالم .كان ذلك خالل غزوة الخندق ,حيث أمر النبي
بنصب خيمة ليعالج فيها الجرحى .ومع الوقت ،وّسع الخلفاء والحكام البيمارستانات لتشمل األطباء والصيادلة.
وقد بنى الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك أول بيمارستان في دمشق عام 88هـ 707/م .كان بالبيمارستان طاقم
من األطباء مدفوعي األجر ،كما كان مجهًز ا تجهيًز ا جيًد ا .كان يعالج فيه المكفوفين ،والمجذومين وغيرهم من
المعاقين ،حيث كان مرضى الجذام يعزلون عن بقية المرضى .وقد اعتقد البعض أن البيمارستان ما هو إال مكان
لعزل المجذومين ،ألنهم كانوا يجمعون به .أما أول مستشفى إسالمي حقيقي فقد بني في عهد الخليفة الرشيد هارون
،عندما دعا الخليفة الطبيب جبريل بن بختيشوع لبناء بيمارستان جديد في بغداد .حقق هذا البيمارستان شهرته
سريًع ا ،فكان سبًبا في انتشار البيمارستانات في بغداد.
مميزات البيمارستانات
مع تطور البيمارستانات في العهد اإلسالمي ،أصبحت هناك مميزات خاصة بها ،فقد كانت تعتمد على العلوم ال مكان للكهانة فيها ،كما عالجت جميع
البشر بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسيته أو جنسه [59].وتدل وثائق الوقف اإلسالمي أنه لم يطرد منها أحد أبًد ا ،كما كان هدف العاملين األسمى هو
مساعدة المرضى [60].لم يكن هناك وقت محدد بعده يطرد المريض من البيمارستان; حيث تثبت وثائق الوقف أنه كان من الحق المرضى أن يبقوا في
البيمارستانات حتى يتعافوا تماًم ا كان هناك قسمين متساويين أحدهما للرجال واآلخر للنساء ،كان بها أقسام منفصلة لألمراض العقلية واألمراض
المعدية واألمراض غير المعدية والجراحة والصيدلة وأمراض العيون ،ولكل قسم فريق من األطباء والممرضين من نفس الجنس كل بيمارستان به
قاعة للدروس ومطبخ وصيدلية ومكتبة ومسجد وأحياًن ا كنيسة للمرضى المسيحيين .وعادة ما كانت هناك بعض الفقرات الترفيهية والموسيقية للترويح
عن المرضى.
لم تكن البيمارستانات أماكن للعالج فقط ،ولكنها كانت بمثابة مدارس طبية لتعليم وتدريب طالب الطب .كانت العلوم األساسية تدرس على يد معلمين
خاصين .وقد كانت البيمارستانات اإلسالمية أولى المستشفيات التي تحتفظ بسجالت مكتوبة عن حالة المرضى وعالجهم .كان الطالب هم المسئولين عن
تدوين حالة المرضى ،تحت إشراف اإلطباء.
خالل عهد الخالفة العباسية ،كانت الرخصة الطبية إلزامية .ففي عام 931م ،علم الخليفة المقتدر بوفاة أحد األشخاص نتيجة خطأ طبي .فأمر
سنان بن ثابت بن قرة بأن يختبر األطباء ويمنع من يرى عدم أهليته منهم .ومنذ ذاك الحين ،أصبحت االختبارات ضرورية ،وال يمارس الطب سوى
المؤهلين لذلك.